من وسائل الثبات على الإيمان
الثبات على الإيمان غايةٌ ساميةٌ، ينشدها كلُّ مؤمنٍ عرف طريقَ الهدى، وسار في دروب الطاعة، غير إنّ هذا الثبات يحتاج من المؤمن زادًا يعينه على مواصلة المسير، دون أن تزلّ قدمُه أو يضعفَ يقينُه، ومن هنا كانت وسائلُ الثبات عونًا للعبد، وحصنًا منيعًا يحفظ قلبَه من الغفلة والاضطراب، قال -تعالى-: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (إبراهيم: 27)، وفيما يأتي بيانٌ لأهم تلك الوسائل.
- الاشتغال بالقرآن الكريم: تلاوةً وحفظًا وتدبّرًا؛ فالقرآن الكريم هو النور الذي يبدّد ظلمات الفتن، وقد جعل الله -تعالى- القرآن سببًا لتثبيت الفؤاد، فقال -سبحانه-: {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} (الفرقان: 32)، فمن لازم القرآن علمًا وعملاً وتدبرًا، ثبّت الله قلبَه، وشرح صدرَه، وأمدّه ببصيرةٍ تقيه الفتن.
- التقرب إلى الله -تعالى- بالعبادات: إنّ المحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل من أعظم أسباب الثبات؛ لأن العبد إذا صدق في عبادته قرّبه الله إليه وأمدّه بعونه وتوفيقه، قال -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} (النساء: 66)؛ فالعبادة المتصلة، والصلة الدائمة بالله، هي وقود الإيمان ومصدر قوته.
- الإكثار من الدعاء: فالدعاء سلاح المؤمن، وملجؤه في مواجهة الفتن، وقد دعا أولياء الله فقالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} (البقرة:250)، {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} (آل عمران: 8)، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك»؛ فالقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن، لا يثبته إلا الله.
- مطالعة قصص الأنبياء والصالحين: ففي سيرهم دروسٌ وعِبر، وصورٌ من الثبات والصبر أمام الفتن والمحن، قال -تعالى-: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (هود: 120)، فمن تأمّل مواقفهم ازداد يقينًا بأن طريق الحقّ لا يخلو من ابتلاء، وأن العاقبة للصابرين.
- التوكل على الله -تعالى-: التوكل مقامٌ عظيم من مقامات الإيمان، وهو اعتماد القلب على الله مع الأخذ بالأسباب، قال -تعالى-: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (المائدة: 23)، وأمر الله -تعالى- نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} (النمل: 79)، فمن صدق توكله على الله ثبّته الله في المواقف العظام، وكفاه همّ الدنيا والآخرة.
- صحبة الصالحين: الرفقة الصالحة سياج الإيمان ووقاية القلب من الانحراف، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل»؛ فالصحبة الطيبة تعين على الطاعة، وتذكّر بالله، وتشدّ المؤمن في أوقات الضعف.
- الإكثار من ذكر الله -عزوجل-: الذكر حياة القلوب وغذاء الأرواح، وسبب عظيم للثبات والسكينة، قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (الأحزاب)، فمن أكثر ذكر الله ثبّت الله قلبه وأضاء بصيرته.
- الصبر والصلاة: قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة:153)، قال ابن كثير - رحمه الله -: «الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر»، فالمواظب على الصلاة يستمدّ منها طاقة روحية تعينه على مواجهة الفتن بثقة وسكينة.
- البعد عن مواطن الفتن: من الحكمة أن يبتعد المؤمن عن أماكن الفتنة، وأجواء الشبهات والشهوات، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن السعيد لمن جُنِّب الفتن، إن السعيد لمن جُنِّب الفتن، إن السعيد لمن جُنِّب الفتن»، فمن توقّى الفتن حفظ الله عليه قلبه وإيمانه.
وخلاصة القول، إن الثبات على الإيمان لا يُنال بالتمنّي، وإنما بمجاهدة النفس؛ فمن أخذ بوسائل الثبات، كان من الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت:30 )
اعداد: المحرر الشرعي