|
|||||||
| ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
الطريق إلى سعادة القلب إبراهيم الدميجي الحمد لله كثيرًا؛ أما بعد: فالسعادة هي ذلك المعنى الذي اتفق جميع البشر وأجمعوا على البحث عنه والتنقيب والتكلف، ودخول المهالك والمخاطر، وإنفاق طائل الأموال، ونفيس الأوقات والأعمار لتحصيله، ومع هذا كله فالقليل منهم قد عثر عليه، وهؤلاء القلة كلٌّ منهم له من هذا حظٌّ ونصيب على قَدْرِ منحة الله تعالى له، فمنهم المُقل ومنهم المُستكثر، ومنهم من لاحت له أنوارها، وشام برقها، وشمَّ عبيرها، ومنهم من خالطت أنفاسه وامتزجت بدمه وعصبه، فصار في جنة ونعيمٍ، وهو لا يزال مع دار الابتلاء والامتحان، فحلاوةُ الإيمان ولذيذ المناجاة، وطَرَبُ القلب وأُنسه بربه تعالى وتقدَّس شيءٌ لا تحيط به العبارة. قال ابن القيم رحمه الله في بيان حال ذلك القلب الموفَّق المهتدي: "أصل كل خير وسعادة للعبد - بل لكل حيٍّ ناطق - كمال حياته ونوره، فالحياة والنور مادة الخير كله؛ قال الله تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122]، فجمع بين الأصلين: الحياة والنور، فبالحياة تكون قوته وسمعه وبصره، وحياؤه وعِفَّته، وشجاعته وصبره، وسائر أخلاقه الفاضلة، فكلما قوِيت حياته قوِيت هذه الصفات، وإذا ضعُفت حياته ضعفت هذه الصفات، وكذلك إذا قويَ نوره وإشراقه، انكشفت له صور المعلومات وحقائقها على ما هي عليه، فاستبان حُسن الحَسَن بنوره، وأثره بحياته؛ قال تعالى: ﴿ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]، فحياةُ القلب وإضاءته مادة كلِّ خيرٍ فيه، وموته وظلمته مادة كل شر فيه"[1]. وحياة القلب وصحته لا تحصل إلا بأن يكون القلب مدركًا للحقِّ مُريدًا له، مؤثرًا له على غيره؛ قال ابن القيم رحمه الله: "لما كان في القلب قوتان: قوة العلم والتمييز، وقوة الإرادة والحب، كان كماله وصلاحه باستعمال هاتين القوتين فيما ينفعه، ويعود عليه بصلاحه وسعادته، فكماله باستعمال قوة العلم في إدراك الحق ومعرفته، والتمييز بينه وبين الباطل، وباستعمال قوة الإرادة والمحبة في طلب الحق ومحبته، وإيثاره على الباطل. فمن لم يعرف الحق فهو ضالٌّ، ومن عرفه وآثَر عليه غيره، فهو مغضوب عليه، ومن عرَفه واتبعه فهو مُنعَم عليه، وينبغي أن تعرف أن هاتين القوتين لا تتعطلان من القلب، بل إن استعمل قوته العلمية في معرفة الحق وإدراكه، وإلا استعملها في معرفة ما يليق به ويناسبه من الباطل، وإن استعمل قوته الإرادية العملية في العمل به، وإلا استعملها في ضده، فالإنسان حارث همام بالطبع؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أصدق الأسماء حارث وهمام))[2]، فالحارث: الكاسب العامل، والهمام: المُريد، فإن النفس متحركة بالإرادة، فإن لم تتصور الحق وتطلبه وتُرِدْهُ، تصوَّرت الباطل وطلبته وأرادته، ولا بد. كذلك فلا سعادة للقلب ولا لذة، ولا نعيم ولا صلاح، إلا بأن يكون إلهه وفاطره وحده هو معبوده وغايةَ مطلوبه، وأحبَّ إليه من كل ما سواه"[3]. القلب الطاهر: شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول عقيب الوضوء: ((أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين))[4]، فطهارة القلب بالتوحيد والتوبة، وطهارة البدن بالماء، فلما اجتمع له الطهران، صحَّ للدخول على الله تعالى والوقوف بين يديه ومناجاته. قال الله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 41]، عقيب قوله تعالى: ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ [المائدة: 41]، فهؤلاء لم يُرِدِ الله أن يطهِّر قلوبهم، فإنها لو طهُرت لَما أعرضت عن الحق، كما أن المنحرفين من أهل الإرادة لمَّا لم تطهر قلوبهم، تعوضوا بالسماع الشيطاني عن السماع القرآني الإيماني؛ وقال عثمان رضي الله عنه: "لو طهُرت قلوبكم، ما شبِعتم من كلام الله عز وجل"[5]، فالقلب الطاهر بكمال حياته ونوره، وتخلُّصه من الأدران والخبائث لا يشبع من القرآن، ولا يتغذى إلا بحقائقه، ولا يتداوى إلا بأدويته، ودلَّتِ الآية على أن طهارة القلب موقوفة على إرادة الله تعالى، وأنه سبحانه لما لم يُرد أن يطهر قلوب القائلين بالباطل، لم تحصل لها الطهارة[6]. وبالله التوفيق، والله أعلم، وصلى الله وسلم، وبارك على محمد وآله. [1] إغاثة اللهفان (1/ 62، 66) باختصار. [2] أبو داود (4140)، وصححه الألباني في الصحيحة (904). [3] إغاثة اللهفان (1/ 67ــ 70) باختصار. [4] مسلم (234). [5] الزهد للإمام أحمد (1/ 128)، وفضائل الصحابة له (775). [6] الإغاثة (1/ 118، 119) بتصرف.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |