|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() { استعينوا بالصبر والصلاة } د. خالد النجار ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 153 - 157]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ هزَّهم بهذا النداء المتضمن هذا الوصف الشريف، وهو الإيمان مجعولًا فعلًا ماضيًا في صلة ﴿ الَّذِينَ ﴾، دالًّا على الثبوت والالتباس به في تقدُّم زمانهم؛ ليكونوا أدعى لقبول ما يرد عليهم من الأمر والتكليف الشاق. ﴿ اسْتَعِينُوا ﴾ الاستعانة: طلب المعونة والقدرة على القول أو العمل. ﴿ بِالصَّبْرِ ﴾ اجعلوا الصبر عونًا لكم، والصبر: حمل النفس وتوطينها على احتمال المكاره والتكاليف الشاقَّة، والصبر أمر قلبي، وهو من خواصِّ الإنسان. وروي عن عليٍّ -كرَّم الله وجهه- أنه قال: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس له. والصبر شاقٌّ على النفوس؛ لكن يجب على الإنسان أن يصبر؛ ولهذا من لم يُوفَّق للصبر فاته خير كثير، والذي يصبر أيضًا غالبًا ينتظر الفرج لا سيما إذا صبر بإخلاص، وحسن نية، وانتظار الفرج عبادة، وباب للفرج؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا))؛ [أحمد]؛ لأنه إذا كان منتظرًا للفرج هان عليه الصبر؛ لأنه يؤمل أن الأمور ستزول، وأن دوام الحال من المحال؛ فإذا كان يؤمل الأجر في الآخرة، ويؤمل الفرج في الدنيا هان عليه الصبر كثيرًا؛ وهذه لا شك من الخصال الحميدة التي جاء بها الإسلام، ودليل على أن الأمور تسهل بالصبر؛ مهما بلغتك الأمور اصبر، فتهون؛ ولهذا جعل الله الصبر عونًا. ﴿ وَالصَّلَاةِ ﴾ فاندرج المصلُّون تحت الصابرين اندراج الفرع تحت الأصل، فمن الآثار الحميدة للصلاة أنها تُعِين العبد في أموره.. روى أبو داود عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى. ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ يمدهم بالعون والقوة والتأييد، وقوله تعالى: ﴿ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ ولم يقل: "مع المصلين" لوجوه ثلاثة: الوجه الأول: أن الصلاة من الصبر؛ لأنها صبر على طاعة الله. الوجه الثاني: أن الاستعانة بالصبر أشقُّ من الصلاة؛ لأن الصبر مُرٌّ يكابده الإنسان، ويُعاني ويصابر، ويتغير دمُه حتى مَن يراه يقول: هذا مريض. الوجه الثالث: أنه إذا كان مع الصابرين فهو مع المصلين من باب أولى بدليل أنه ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الإنسان المصلي يُناجي ربَّه ((فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى))؛ [البخاري]. قال ابن عاشور: وهو اعتراض مطنب ابتدئ به إعداد المسلمين لما هم أهله من نصر دين الله شكرًا له على ما خولهم من النِّعَم المعدودة في الآيات السالفة من جعلهم أمَّةً وسطًا وشهداء على الناس، وتفضيلهم بالتوجُّه إلى استقبال أفضل بقعة، وتأييدهم بأنهم على الحق في ذلك، وأمرهم بالاستخفاف بالظالمين وألَّا يخشوهم، وتبشيرهم بأنه أتمَّ نعمتَه عليهم وهداهم، وامتنَّ عليهم بأنه أرسل فيهم رسولًا منهم، وهداهم إلى الامتثال للأحكام العظيمة؛ كالشكر والذكر، فإن الشكر والذكر بهما تهيئة النفوس إلى عظيم الأعمال، من أجل ذلك كله أمرهم هنا بالصبر والصلاة، ونبَّهَهم إلى أنهما عون للنفس على عظيم الأعمال، فناسب تعقيبها بها، وأيضًا فإن ما ذكر من قوله: ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾ مُشعِر بأن أناسًا متصدون لشغبهم وتشكيكهم والكيد لهم، فأمروا بالاستعانة عليهم بالصبر والصلاة. ﴿ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللَّهِ ﴾ وهو الذي قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ﴿ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ ﴾ بل هم أحياء حياة برزخية لا نعلم كيفيتها؛ ولا تحتاج إلى أكل، وشرب، وهواء، وما يقوم به الجسد؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَلَكِن لَا تَشْعُرُونَ ﴾ حياتهم لا شعور لكم بها؛ لأنها حياة برزخية غيبية؛ ولولا أن الله عزَّ وجلَّ أخبرنا بها ما كنا نعلم بها، وأكثر أهل العلم على أنهم أحياء في الوقت. ومعنى هذه الحياة: بقاء أرواحهم دون أجسادهم؛ إذ أجسادهم نشاهد فسادَها وفناءها. ومذهب أهل السُّنَّة: أن الأرواح لا تفنى، وأنها باقية بعد خروجها من البدن، فأرواح أهل السعادة مُنعَّمة إلى يوم الدين، وأرواح أهل الشقاوة مُعذَّبة إلى يوم الدِّين. والفرق بين الشهيد وغيره من المؤمنين إنما هو الرِّزْق، فَضَّلَهم الله بذلك.. روى مسلم عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: "سَأَلْنَا عَبْدَاللَّهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169] قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِن الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ اطِّلَاعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِن الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا". وروى الإمام أحمد بإسناد حسن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقٍ - نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ- فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا)). ودلالة الأحاديث أنها أحوال لطوائف من الشهداء، أو في أوقات مختلفة؛ فلذا لا يُقال لمن قُتِل في سبيل الله مات؛ ولكن استشهد وهو شهيد وحيٌّ عند ربِّه حياةً لا نُحِسُّها ولا نشعر بها لمفارقتها للحياة في هذه الدار. ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ﴾ لنختبرنكم.. وأخبرهم بذلك قبل وقوعه تطمينًا لقلوبهم؛ لأنه إذا تقدَّم العلم بالواقع، كان قد استعدَّ له، بخلاف الأشياء التي تُفاجئ، فإنها أصعب على النفس، وزيادة ثواب وأجر على ما يحصل لهم من انتظار المصيبة، وإخبارًا بمغيب يقع وَفْق ما أخبر، وتمييزًا لمن أسلم مريدًا وجه الله ممَّن نافق، وازدياد إخلاص في حال البلاء على إخلاصه في حال العافية، وحملًا لمن لم يسلم على النظر في دلائل الإسلام؛ إذ رأى هؤلاء المبتلين صابرين على دينهم ثابتي الجأش فيه، مع ما ابتُلُوا به. ﴿ بِشَيْءٍ ﴾ الباء فيه للإلصاق، وأفرده ليدل على التقليل ﴿ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ﴾ القحط ﴿ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ ﴾ بالقتل أو الموت ﴿ وَالثَّمَرَاتِ ﴾ قيل: قلة النبات، وانقطاع البركات. وقال الشافعي: موت الأولاد؛ لأن ولد الرجل ثمرة قلبه، وروى الترمذي عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ)). وكل هذه المحن من الله تعالى، ووعده بها المؤمنين يدل على أنها ليست عقوبات؛ بل إذا قارنها الصبر أفادت درجة عالية في الدين. فكل هذه الابتلاءات لإِظهار من يصبر على إيمانه وطاعة ربِّه بامتثال أمره واجتناب نهيه، ومن لا يصبر فيحرم ولاية الله وأجره؛ ولذلك قال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾؛ أي: بالثواب على الصبر، والصبر أصله الحبس، وثوابه غير مقدر؛ لكن لا يكون ذلك إلَّا بالصبر عند الصدمة الأولى، كما روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: ((اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي))، قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: ((إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى))؛ أي: إنما الصبر الشاق على النفس الذي يعظم الثواب عليه إنما هو عند هجوم المصيبة وحرارتها، فإنه يدل على قوة القلب وتثبته في مقام الصبر، وأمَّا إذا بردت حرارة المصيبة فكل أحد يصبر إذ ذاك؛ ولذلك قيل: "يجب على كل عاقل أن يلتزم عند المصيبة ما لا بُدَّ للأحمق منه بعد ثلاث". وقال سهل بن عبدالله التستري: لما قال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ صار الصبر عيشًا. ومن صبر أورثه الله الرِّضا بقضائه، وعلامة الرِّضا سكون القلب بما ورد على النفس من المكروهات والمحبوبات. وقال رويم: الصبر ترك الشكوى. وقال ذو النون المصري: الصبر هو الاستعانة بالله تعالى. وقال الأستاذ أبو علي: الصبر حده ألَّا تعترض على التقدير، فأمَّا إظهار البلوى على غير وجه الشكوى فلا يُنافي الصبر، قال الله تعالى في قصة أيوب: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ ﴾ [ص: 44] مع ما أخبر عنه أنه قال: ﴿ مَسَّنِيَ الضُّرُّ ﴾ [الأنبياء: 83]. ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ﴾ ما يصيب العبد من ضرر في نفسه أو أهله أو ماله، وهي من التجنيس المغاير، وهو أن يكون إحدى الكلمتين اسمًا والأخرى فعلًا، ومنه: ﴿ أَزِفَتِ الْآزِفَةُ ﴾ [النجم: 57] ﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾ [الواقعة: 1]. ﴿ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ ﴾ فله أن يصيبنا بما شاء؛ لأنَّا ملكه وعبيده ﴿ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ وإنا إليه راجعون بالموت فلا جزع إذًا؛ ولكن تسليم لحكمه ورِضًا بقضائه وقدره. وفيها إقرار بالبعث، وتنبيه على مصيبة الموت التي هي أعظم المصائب، وتذكير أن ما أصاب الإنسان دونها فهو قريب ينبغي أن يصير له. وجعل الله تعالى هذه الكلمات ملجأً لذوي المصائب، وعصمة للممتحنين؛ لِما جمعت من المعاني المباركة، فإن قوله: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ ﴾ توحيد وإقرار بالعبودية والملك، وقوله: ﴿ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ إقرار بالهلك على أنفسنا والبعث من قبورنا، واليقين أن رجوع الأمر كله إليه كما هو له. قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: لم تعط هذه الكلمات نبيًّا قبل نبينا، ولو عرفها يعقوب لما قال: ﴿ يَاأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ ﴾ [يوسف: 84]. وفي رواية: ما أعطيَ أحد في المصيبة ما أعطيت هذه الأمة، ولو أعطيها أحد قبلها لأعطيها يعقوب، ألا ترى كيف قال حين فقد يوسف ﴿ يَاأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ ﴾؟! وروى مسلم عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156] اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا)). ﴿ أُولَـئِكَ ﴾ اسم الإشارة الموضوع للبُعْد للدلالة على علوِّ مرتبتهم، ومنزلتهم، ومقامهم ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ على، إشارة إلى أنهم منغمسون في ذلك، قد غشيتهم وتجللتهم، وهو أبلغ من قوله "لهم". ﴿ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ صلوات: جمع صلاة وهي من الله تعالى هنا المغفرة لعطف الرحمة عليها ﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ هي: الإِنعام من جلب ما يسرُّ ودفع ما يضرُّ، وأعظم ذلك دخول الجنة بعد النجاة من النار، وقيل: أراد بالرحمة كشف الكربة وقضاء الحاجة. قال القاسمي: هذه نِعَم من الله عز وجل على الصابرين المسترجعين، وصلاة الله على عبده: عَفْوُه ورحمتُه وبركتُه وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة، وقال الزجاج: الصلاة من الله عز وجل الغفران والثناء الحسن، ومن هذا الصلاة على الميت إنما هو الثناء عليه والدعاء له، وكرَّر الرحمة لما اختلف اللفظ تأكيدًا وإشباعًا للمعنى، كما قال: ﴿ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾ [البقرة: 159]، وقوله: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ﴾ [الزخرف: 80]. وجمع ﴿ صَلَوَاتٌ ﴾، ليدل على أن ذلك ليس مطلق صلاة؛ بل صلاة بعد صلاة، ونُكِّرت؛ لأنه لا يُراد العموم. قال الراغب: وإنما قال: ﴿ صَلَوَاتٌ ﴾ على الجَمْع، تنبيهًا على كثرتها منه، وأنها حاصلة في الدنيا توفيقًا وإرشادًا، وفي الآخِرة ثوابًا ومغفرة. وقوله: ﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾؛ أي: تنشأ تلك الصلوات وتبتدئ من الله تعالى، وأتى بلفظ الربِّ؛ لما فيه من دلالة التربية والنظر للعبد فيما يصلحه ويربيه به. ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ إلى طريق السعادة والكمال بإيمانهم وابتلاء الله تعالى لهم وصبرهم على ذلك. وقيل: المهتدون إلى الوفاء بحق الربوبية والعبودية، فلا بُدَّ أن يوفي الله عليهم صلواته ورحمته. وبُدىء بجملة ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾؛ لأنها أهم في حصول الثواب المترتب على الوصف الذي قبله، وأخَّرت ﴿ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾؛ لأنها تنزَّلَت مما قبلها منزلة العِلَّة؛ لأن ذلك القول المترتب عليه ذلك الجزاء الجزيل لا يصدر إلَّا عمَّن سبقت هدايتُه. وفي البخاري: قال عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نعم العدلان ونعم العلاوة: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 156، 157]. أراد بالعدلين الصلاة والرحمة، وبالعلاوة الاهتداء، قيل: الاهتداء إلى استحقاق الثواب وإجزال الأجر، وقيل: الاهتداء إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |