|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() {قل أتحاجوننا في الله} د. خالد النجار ﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ * أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 139 - 141]. ﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا ﴾ [البقرة: 139] خطاب لأهل الكتاب، و"المحاجة" هي أن يُدليَ كل خصم بحُجَّته لينقُضَ حجة الخصم الآخر ﴿ فِي اللَّهِ ﴾ [البقرة: 139]، أتجادلوننا في دينه والإيمان به وبرسوله، والاستفهام للإنكار والتعجب والتوبيخ. وقيل: أمر تعالى رسوله أن ينكر على أهل الكتاب جدالهم في الله تعالى؛ إذ ادَّعوا أنهم أولى بالله من الرسول والمؤمنين، وقالوا: ﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ [المائدة: 18]. قال الحسن: "كانت المحاجَّة أن قالوا: نحن أولى بالله منكم؛ لأنَّا أبناء الله وأحباؤه"، وقيل: لتقدُّم آبائنا وكتبنا، ولأنا لم نعبد الأوثان. ﴿ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ﴾ [البقرة: 139] مالكهم كلهم سبحانه، فهم مشتركون في العبودية، فله أن يخص من شاء بما شاء من الكرامة. أي: بلغت بكم الوقاحة إلى أن تحاجونا في إبطال دعوة الإسلام، بلا دليل، سوى زعمكم أن الله اختصكم بالفضيلة، مع أن الله ربنا كما هو ربكم، فلماذا لا يمن علينا بما من به عليكم؟ ﴿ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ [البقرة: 139] لا نُسأل عنكم، ولا تُسألون عنا؛ كلٌّ له عمله، وسيجازيه الله به يوم القيامة. ارتقاء في إبطال مجادلتهم بعد بيان أن المربوبية تؤهل لإنعامه كما أهَّلتهم، ارتقى فجعل مرجع رضا الله تعالى على عباده أعمالَهم، فإذا كان قد أكرمكم لأجل الأعمال الصالحة، فلعله أكرمنا لأجل صالحات أعمالنا، فتعالَوا فانظروا أعمالكم وانظروا أعمالنا، تجدوا حالنا أقرب إلى الصلاح منكم. ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ﴾ [البقرة: 139] ارتقاء ثالث؛ لإظهار أن المسلمين أحق بإفاضة الخير؛ فإنهم وإن اشتركوا مع الآخرين في المربوبية، وفي الصلاحية لصدور الأعمال الصالحة؛ فالمسلمون قد أخلصوا دينهم لله، ومخالفوهم قد خلطوا عبادة الله بعبادة غيره؛ أي: فلماذا لا نكون نحن أقرب إلى رضا الله منكم إليه؟ وهذه الجملة من باب التعريض بالذم والتوبيخ. قال في البحر المحيط: ولما بيَّن القدر المشترك من الربوبية والجزاء، ذكر ما يميز به المؤمنون من الإخلاص لله تعالى في العمل والاعتقاد، وعدم الإشراك الذي هو موجود في النصارى وفي اليهود؛ لأن من عبد موصوفًا بصفات الحدوث والنقص، فقد أشرك مع الله إلهًا آخر. وفيه فضيلة الإخلاص الذي هو: عدم الالتفات إلى غير الله تعالى عند القيام بالعبادات، وقيل هو: تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، والآية منبهة على أن من أخلص لله تعالى، كان حقيقًا أن يكون منهم الأنبياء وأهل الكرامة. وقد كثرت أقوال أرباب المعاني في الإخلاص: قال رويم: هو ارتفاع عملك عن الرؤية. وقال أبو يعقوب المكفوف: أن يكتم العبد حسناته، كما يكتم سيئاته. وقال أبو سليمان الداراني: للمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أُثني عليه. ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ [البقرة: 140] أكبر أولاد إبراهيم، ﴿ وَإِسْحَاقَ ﴾ [البقرة: 140] أخو إسماعيل، وهو الولد الثاني لإبراهيم، ﴿ وَيَعْقُوبَ ﴾ [البقرة: 140] هو ابن إسحاق؛ وهو الذي ينتمي إليه بنو إسرائيل، ﴿ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى ﴾ [البقرة: 140] استفهام للتوبيخ والإنكار؛ وذلك لمبلغهم من الجهل بتاريخ شرائعهم، زعموا أن إبراهيم وأبناءه كانوا على اليهودية أو على النصرانية. قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 67]، وقال: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 65]، فرماهم بفقد التعقل. والأمة إذا انغمست في الجهالة، وصارت عقائدها غرورًا ومن دون تدبر، اعتقدت ما لا ينتظم مع الدليل، واجتمعت في عقائدها المتناقضات؛ وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في الكعبة صورة إبراهيم يستقسم بالأزلام في الكعبة؛ كما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدِم، أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأُخرجت، فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاتلهم الله، أمَا والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط، فدخل البيت فكبَّر في نواحيه ولم يصلِّ فيه)). ﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 140]، ومن المعلوم أنه لا أحدَ أعلم من الله عز وجل، ولكن الله سبحانه وتعالى قال ذلك؛ إلزامًا للخصم حتى يتبين بطلان ما ادعاه؛ وهو كقوله تعالى: ﴿ آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 59]، ومن المعلوم أن الله خير مما يشركون، لكن من أجل إفحام الخصم، وإلزامه بما هو ظاهر لا إشكال فيه. فإن قالوا: "نحن أعلم"، كفروا، وإن قالوا: "الله أعلم"، انقطعوا؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم ما كانوا أبدًا يهودًا ولا نصارى، ولكن كانوا مسلمين. ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 140]، وهذا يدل على أنهم كانوا عالمين بأن إبراهيم ومن معه كانوا مباينين لليهودية والنصرانية، لكنهم كتموا ذلك. يشير إلى خاصة الأحبار والرهبان الذين تركوا عامة أمتهم مسترسلين على عقائد الخطأ والغرور والضلالة، وهم ساكتون لا يغيِّرون عليهم؛ إرضاء لهم، واستجلابًا لمحبتهم، وذلك أمرٌ إذا طال على الأمة، تعودتْهُ وظنَّتْ جهالتها علمًا، فلم ينجع فيها إصلاح بعد ذلك؛ لأنها ترى المصلحين قد أتَوا بما لم يأتِ به الأولون؛ فقالوا: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23]. وقيل: المراد بهذه الشهادة ما أُخذ عليهم في كتابهم من الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم عند ظهوره. أي: لا أحد أظلم في كتمان الشهادة ممن كتم شهادة عنده من الله، وهؤلاء اليهود والنصارى كتموا الشهادة عندهم من الله؛ لأن الله تبارك وتعالى أخبر عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وذكر أوصافه في التوراة، والإنجيل؛ كما قال الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157]. وفيه عِظَمُ كتم العلم؛ فإن العالم بشريعة الله عنده شهادة من الله بهذه الشريعة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]؛ فكل إنسان يكتم علمًا، فقد كتم شهادة عنده من الله، ثم إن في هذا عظم إثمه. ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 140]، الغافل: من لا يتفطن للأمور لعدم مبالاته بها أو إهمالًا منه، مأخوذ من الأرض الغفل وهي التي لا علم بها ولا أثر عمارة، وناقة غفل: لا سمة بها، ورجل غفل: لم يجرِّب الأمور. وهو وعيد تهديد؛ لأن القادر إذا لم يكن غافلًا، لم يكن له مانع من العمل بمقتضى علمه. ولا تأتي إلا عقب ارتكاب معصية، فتجيء متضمنة وعيدًا، ومُعْلِمة أن الله لا يترك أمرهم سدًى، بل هو محصٍ لأعمالهم، مجازٍ عليها. وفيه ثبوت الصفات المنفية؛ وهي ما نفاه الله سبحانه وتعالى عن نفسه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 140]، فإن هذه صفة منفية، وليست ثبوتية، والصفات المنفية متضمنة لإثبات كمال ضدها؛ فلكمال مراقبته وعلمه سبحانه وتعالى ليس بغافلٍ عما نعمل. ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 141]، أعاد لهم ما أدَّبهم به في الآيات السابقة مبالغة في تأديبهم وإصلاحهم، لو كانوا أهلًا لذلك، فقد افتخروا بأسلافهم، فأخبروا أن أحدًا لا ينفع أحدًا، متقدمًا كان أو متأخرًا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164]، ﴿ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ [النجم: 38، 39]، فكل شاة برجلها تُناط.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |