تقدم لي عريس

[ابوالوليد المسلم]

تقدم لي عريس


أ. عائشة الحكمي






السؤال

أنا فتاة أبلغ من العمر 26 عامًا، تقدم لي عريس سنه 37 عامًا، يعمل في شركة حكومية، راتبه الشهري 1200 جنيه، وكان قد ادخر نحو 60 ألف جنيه، لا يملك غيرها، وينتوي أن يشتري منها شقة بالتقسيط على 55 قسط، ويريد أن ندخل وشقتنا ناقصة بعض المستلزمات، والباقي ربنا يسهلها ونكمله فيما بعد، وأنا كأي بنت أريد أن أعيش مستقرة ومرتاحة ماديًّا، وأريد أن أتزوج رجل حالته المادية جيدة، وليس عليه أقساط!


والده توفي، ووالدته وأخواته متزوجات كلهن، هو الصغير، وهو الذي بنى نفسه بنفسه، ولا أحد ساعده.


فأنا محتارة في الأمر! خائفة أن أتزوجه وأعيش تعبانة ماديًّا، وأنا لا أريد أن أعيش فقيرة!


أنا ووالدي ووالدتي حسبناها: هو يقبض 1200 جنية في الشهر - مع العلم أنه منتسب لكلية الحقوق بالجامعة المفتوحة، والفصل الدراسي الواحد مدته 4 شهور، يكلفه 1200 جنيه، وهو ما زال في العام الدراسي الثاني! يعني: 600 جنيه أقساط الشقة، و600 سوف نقتسمها على متطلباتنا ومصروفات الجامعة المفتوحة! فهل أنا عندي حق؟


مع العلم أن والدتي تقول إنه من الجيد أن أجد شابًّا يعمل عملاً ثابتًا، وليس له أخوات بنات، ومعه ما يكفي لشراء شقة في هذا الزمن الصعب، خصوصًا والحياة في مصر صعبة جدًّا، والشباب لا يجدون عملاً، وليس لديهم إمكانيات مادية، ولا مقدرة على الزواج وفتح بيت، وهذا من أسباب العنوسة في مصر.


أنا أرسلت لكم من قبل، وهذا الشاب تعرفت عليه عن طريق موقع للزواج، وهو جاد جدًّا في موضوع الزواج، وتقدم لي رسميًّا، وطلبني من أهلي؛ فهل أنا على حق إذا رفضته بسبب إمكانياته أو ظروفه؟ أم أن تفكيري سطحي؟


أنا أريد أن أعيش مرتاحة ماديًّا، وأن أشتري كل ما أتمناه في حياتي! هو أخلاقه طيبة، وحنون، ومقبول الشكل، عيبه: إمكانياته المادية!!


أرجو الرد، وأنا عملت استخارة، والآن أعمل استشارة، ولكم جزيل الشكر.


الجواب

أختي الكريمة، اتركي الآلة الحاسبة جانبًا؛ فالزواج ليس قسمة وضرب وجمع وطرح! بل هو قسمة ونصيب!


إن كان ولابد من حساب؛ فاصرفي الذهن مؤقتًا عن الحسابات المالية، والتفتي إلى المزايا والعيوب الشخصية في هذا الرجل!


بدايةً؛ دعيني أبدأ معكِ من نقطة التعارف بينكما، أنتِ تقولين أنكِ تعرفتِ عليه من خلال موقع للزواج، وهذا يعني أن كليكما قد وجد في الآخر الصفات التي ظل يبحث عنها، أليس كذلك؟ يدعم ذلك وصفك له بأنه رجل على دين وخُلُق ومقبول الشكل!


لنعدِّد الإيجابيات أولاً:

1- على خُلُق ودين.

2- جاد في الزواج.

3- عصامي؛ شقَّ طريقه بنفسه.

4- طموح (يستكمل دراسته في الجامعة).

5- يعمل في قطاع حكومي، بما يؤمن له الاستقرار الوظيفي.

6- يَمتلك راتبًا شهريًّا، يستطيع من خلاله سداد أقساط الشقة والجامعة.

7- يدخر مبلغًا ماليًّا كافيًا لإتمام العرس.

8- مستقل عن العائلة.


السلبيات:

1- سيبدأ حياته بالتزامات مالية وأقساط شهرية طويلة المدى – الشقة - ونصف سنوية قصيرة المدى – الجامعة.

2- مضغوط في وقته بسبب العمل والدراسة.

وهذا يعني أن هذا الرجل يناسبك إلى حدٍّ ما بنسبة 80%، ولا يناسبك إلى حدِّ 20%.


هذا الرجل إذن لا يُرَد؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا خطب إليكم مَنْ ترضون دينه وخُلُقه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض))؛ رواه الترمذي.


ولكن هذا لا يعني أنني أُملي عليكِ خيار الموافقة؛ فهذا أولاً قراركِ أنتِ.


ثانيًا: اسمحي لي أن أقول لكِ: إنَّه من المحتمل أن تكوني أنتِ التي لا تُناسبينه، وليس العكس! فرجلٌ كهذا بحاجة إلى امرأة ناضجة، عاقلة، متفهمة، مضحية، صبورة، وفوق ذلك امرأة دافئة تعوِّضه عن مشاعر اليتم التي عاشها وحيدًا، وسنوات الشباب التي قضاها مكافحًا في بناء نفسه؛ فهل تجدين في نفسكِ القدرة على أن تكوني هذه المرأة؟


ضعي نفسكِ مكانه؛ هل تتخيلين شعور شخص يعيش 37 عامًا بلا زواج، من أجل ألاَّ يكون كلاًّ على أحد؟!


هذا رجل متعَب يا عزيزتي، وبحاجة لأن يستريح في حضن زوجة تقدر له سنوات الوحدة والكفاح، وتحبُّه لِذاته وشخصيته، وتمنحه الدعم الكافي لمواصلة طموحه العلمي والعملي!


من حقكِ يا عزيزتي أن تبدئي حياتك بِهُدوء واستقرار، لكن الحياة الزوجية في واقعنا الراهن تتطلب الكثير والكثير من التنازُلات، والعديد من التضحيات، أما فيما يخص الارتباطات المالية التي تَحملين همَّها؛ فستنتهي يومًا لا محالة، وأتوقَّعُ أنَّه إذا ما تمَّ هذا الزواج؛ فستكون السنتان الأُوليان مشحونتين وضاغطتين نسبيًّا بسبب الأقساط المالية، لكن هذا الضغط سينتهي بعد السنتين؛ أي بعد حصوله على الشهادة.


الزواج ليس سنة أو سنتين؛ بل عمرًا بأكمله، وقد يكتب الله لكما عمرًا مديدًا قد يطول لثلاثين أو أربعين أو حتى خمسين سنة، أفلا يستحق ذلك منك أن تتحملي لأجلها سنتين أو ثلاثًا من التعب؟


لم تخبريني إن كان بِمقدورك العمل - ولو مؤقتًا - بغرض مساعدته في تجاوز هذه المرحلة، إن كان بمقدورك فعل ذلك؛ فلم لا تحاولين؟


لقد استشرتنا واستخرتِ، وبقي عليك خطوة أخيرة: "استفتِ قلبكِ، وإن أفتاك الناس"، وكل ما سيكتبه الله لكِ بعد ذلك؛ فثقي أنه الخير.



عن سلمان أنه سئل عن الإيمان بالقدر، قال: "تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك "؛ رواه البيهقي في "السنن".




وفقكِ الله، وكتب لكِ السعادة والاستقرار مع زوجٍ يحبك ويرعاك.