|
|||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
﴿وَتَرَكُوكَ قَائِمًا﴾ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، في ذلك المشهد الذي سجّله الوحي بعبارةٍ قليلةٍ كثيفة، قال: «كان النبي ﷺ يَخطُبُ قائمًا يومَ الجمعةِ، فجاءت عِيرٌ من الشامِ، فانفَتَلَ الناسُ إليها، حتى لم يَبقَ إلا اثنا عشرَ رجلًا، فنزلت: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (رواه البخاري ومسلم). • أقف عند قوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} فأجدني أمام تعظيمٍ ربانيٍّ دقيق لمقام النبي ﷺ؛ قيامه هنا ليس هيئة جسد، بل منزلة رسالة، وثبات تكليف، ووقوف في موضع البلاغ مهما تبدّلت حركة الجمع من حوله، وكأن القرآن يخلّد لحظة الوقوف هذه لتبقى معيارًا لماهية الشرف الحقيقي في طريق الدعوة. • في هذا المشهد تتكشّف مفارقة عميقة: الجمع ينفضّ، والمقام يزداد رفعة، لأن القيام في موضع الرسالة افتخارٌ إلهي، وتبجيلٌ قرآنيّ، وإعلانٌ بأن القيمة ليست في كثافة الحضور، بل في صدق الوقوف عند التكليف، وأن القائم بالحق يزداد شرفًا حين يثبت ولو خلا المكان. • أتأمل هذا القيام بوصفه رسالة خفية لكل صاحب رسالة أو أثر؛ أن موضعه الحقيقي هو الثبات في ميدانه، وأن تأثيره يُقاس بسلامة موقفه قبل تجاوب الناس معه، وأن الانصراف من حوله لحظة كشف، تبرز معدنه الرسالي، وتُظهر من يقف لله لا للجموع. • وفي الوقت ذاته، أجد في السياق رحمةً واسعة تحفظ مقام الصحابة رضي الله عنهم؛ فالآية ترسم حالة بشرية فاجأها النداء العاجل، فجاء الوحي ليعيد ترتيب الميزان، ويهذّب الأولويات، ويعلّم القلوب بلطف، مع بقاء الصحبة في عليائها، والسابقين في فضلهم، والنية محفوظة بكرم الله. • ويختم السياق بميزانٍ ربانيٍّ يعيد ترتيب مفهوم الربح في الوعي: {قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ}، فتستقر الدنيا في موضع الخدمة، ويستقر الذكر في موضع القيادة، ويصير القلب أكثر اتزانًا، وأوسع أفقًا، وأشد التصاقًا بالخير الباقي. • وأخرج من هذا التدبر بقناعة هادئة: أن التربية الحقيقية تبدأ من ترسيخ النداء الأعلى في القلب، وأن أعظم الخسارات هي تلك التي تمرّ في صورة مكاسب، وأن الوقوف الصادق في موضع التكليف هو أعظم صور النجاح، ولو بقي الإنسان قائمًا وحده. _______________________________________ الكاتب: علي آل حوّاء
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |