الوصاية بالنساء في ضوء الكتاب والسنة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         التوضيح لشرح الجامع الصحيح أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري المعروف بـ ابن الملقن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 147 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5115 - عددالزوار : 2392832 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4703 - عددالزوار : 1698219 )           »          تنبيه وتحذير من عصابات الدجل أو الابتزاز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 85 )           »          فرص وكنوز ليالي الشتاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          الصدقة على النفس كل يوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          خطورة الغش وأهم صوره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 424 - عددالزوار : 19919 )           »          عولمة الرذيلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          القدوة الصالحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-12-2025, 10:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,337
الدولة : Egypt
افتراضي الوصاية بالنساء في ضوء الكتاب والسنة

الوِصايةُ بالنساءِ في ضوء الكتاب والسنة

الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري

إِنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فاتقوا عباد الله، واستوصوا خيراً بِمَنْ وَصَّاكُم اللهُ به، قال صلى الله عليه وسلم: (‌اسْتَوْصُوا ‌بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم، ولقد بيَّن القرآن الكريم حقوق المرأة التي عَجَزت التشريعاتُ الوضعية أن تُحقِّق للمرأةِ استقرارَها وسعادتَها وكاملَ حُقوقِها، فجاءتِ الآياتُ الكريماتِ في كتابِ اللهِ وأحاديثُ رسولِه صلى الله عليه وسلم بتقريرٍ واضحٍ صريحٍ لتلك الحقوق.


فأوَّلُها: حَقُّها في الْحياةِ، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58-59]، وقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير: 8-9].


ومِن حُقوقها: حقُّ صونِها ورِعايتها، قال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، وقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (‌كُلُّكُمْ ‌رَاعٍ ‌وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ) رواه البخاري ومسلم.


وحِفْظَاً على المرأةِ مِن الاتساخِ بنظراتِ العابثين وحِرْصَاً على حَياءِها وعِفَّتِها وطهارَتِها أوجبَ اللهُ عليها الحجاب، وهو حَقٌّ لَها في الوقتِ ذاتِه، فقال سبحانه: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]، وقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 53]، وقال سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59].

وزيادةً في الوِقايةِ أَمَرَ اللهُ بغضِّ البَصَرِ لِكلا الجنسينِ، فقال: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [النور: 30]، وقال عزَّ مِن قائلٍ: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، قال الزرقانيُّ المالكي: (لا خلافَ أنَّ على المرأة أن تغُضَّ بصَرَها كما على الرَّجُل غَضُّه كما نصَّ الله) انتهى.


ونهاها اللهُ عن التبرُّج فقالَ: ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]، و(قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «صِنْفَانِ ‌مِنْ ‌أَهْلِ ‌النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ولا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا») رواه مسلم.


ونهى صلى الله عليه وسلم أن تُولَّى المرأةُ الولاياتِ العامَّة، فقال لَمَّا بلَغَه أنَّ أهلَ فارسَ قد ملَّكُوا عليهِم بِنتَ كسرى: (لَن يُفلحَ قومٌ ولَّوا أَمْرَهُم امرأةً) رواه البخاري.


وبَلَغَ مِن تكريمِ الإسلامِ للمرأةِ أنْ جَعَل عِقابَ الْمُفتري عليها بالفحشاء الجلدَ ثمانين وعدمِ قبولِ شهادتهِ والحكمُ بفسقِه إلا أن يتوب، ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 4-5].


واعتبرَ الإسلامُ حُسْنَ مُعاملَةِ النساءِ مُقياسٌ لِكَرَمِ أصلِ الرَّجُلِ وشرَفِ مَنبَتِه، (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ ‌وَأَنَا ‌خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) رواه الترمذي وصحَّحه.


وفي حَجَّة الوداع توصيةٌ شاملةٌ للنساء، فقال صلى الله عليه وسلم: (أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ ‌عَوَانٍ ‌عِنْدَكُمْ) رواه الترمذي وصحَّحه.


وقد سوَّى الله بين النساء والرجال في التكليف، فخطابات القرآن في مُعظم ما جاء به من تكليفٍ يكون الخطاب فيه للرجال والنساء وإنْ كان بصيغة المذكَّر، قال ابنُ القيِّم: (قَدْ ‌اسْتَقَرَّ ‌فِي ‌عُرْفِ ‌الشَّارِعِ أَنَّ الأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ بِصِيغَةِ الْمُذَكَّرِينَ إذَا أُطْلِقَتْ وَلَمْ تَقْتَرِنْ بِالْمُؤَنَّثِ فَإِنَّهَا تَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ) انتهى.


وتضمَّن المساواة في التكليف المساواة في الجزاء ثواباً وعقاباً، قال سبحانه ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾ [آل عمران: 195]، وقال سبحانه: ﴿ لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 73].


ومِن ثَمَّ فقد وازَنَ الإسلامُ بين حقوق المرأة وواجباتها: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228].

ومِن حُقُوقِها: حقُّهُا في طَلَبِ العِلْم: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ، ‌فَاجْعَلْ ‌لَنَا ‌مِنْ ‌نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللهُ، فَقَالَ: اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا في مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَاجْتَمَعْنَ، فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ) الحديث رواه البخاري ومسلم.


ومِن حُقُوقها: حَقُّها في الموافقة على الزوجِ، قال سبحانه: ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 232]، و(قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ‌لا ‌تُنْكَحُ ‌الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، ولا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) رواه البخاري ومسلم، و(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ») رواه ابن ماجه وحسَّنه الألباني.


وأثبتَ الله لَها حقَّها في الْمَهْر، قال سبحانه: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ [النساء: 4]، وقال سبحانه: ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 20].


وحقّها في حُسنِ الصُّحبةِ، قال سبحانه: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، و(قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا ‌يَفْرَكْ ‌مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) رواه مسلم.


وحقَّها في النفقةِ، قال سبحانه: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ ‌رِزْقُهُنَّ، ‌وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) رواه مسلم.


وحقَّها في الانفكاكِ مِن الزوجِ السيِّء أو إذا لم تستطع القيامَ بحقِّه، قال سبحانه: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].


وأثبتَ الله حقَّها في التحاكم إلى الكِتَابِ والسُّنةِ عِند التنازُع، قال سبحانه: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1].


عباد الله: ولقد حفظ الإسلام حُقوق المرأة الاقتصادية.


فأثبت لها كالرجلِ حقَّ المِلكية والكسب الذي يُناسبُ فِطْرَتَها وعِفَّتَها.


وحَقَّها في الْمِيراث، خلافاً لليهود الذين حَرَموا الإناث من الميراثِ ولو كانت أُمَّاً أو بنتاً أو زوجةً إِلاَّ إذا فُقِدَ الذكورُ، وخلافاً للرُّومانِ الذين يُسَوُّون بين الإناث والذكور في الميراثِ ما عدا الزوجةَ فلا ترثُ مِن زوجها الْمُتوفَّى مُطلقاً، وخلافاً لأهل الجاهلية الذين يُورِّثون الذكور القادرين على حملِ السلاحِ، ويَرِثون النساءَ، فيأتي الوارِثُ ويُلقي ثوبَهُ على أرملةِ أبيهِ ثمَّ يقولُ: وَرِثْتُها كَمَا وَرِثْتُ مَالَ أبي، فَيَتَزوَّجُها بدونِ مَهْرٍ، أو يُزوِّجُها مَن يُريدُ ويأخذُ هو الْمَهْرَ، فَخَالَفَ الإسلامُ هديَ أهلِ الجاهليةِ، فأنزلَ اللهُ في سُورةِ النساءِ أربعَ آياتٍ، ثلاثٌ في أَوَّلِها، ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [النساء: 7]، والثانيةُ والثالثةُ مِن قوله سبحانه: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]، إلى قوله: ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [النساء: 12]، والرابعةُ في آخر السورة وهي قوله: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ﴾ [النساء: 176] الآية.


ومِن حِكمةِ اللهِ العليمِ الحليمِ الحكيم: أنْ لَيْسَ كُلُّ حالاتِ ميراثِ المرأةِ أَنَّ لَهَا نصفُ ما للرَّجُلِ، فهناك أربعةٌ وثلاثونَ حالةً مِن أحوالِ الميراث ترِثُ فيها المرأةُ بنِسَبٍ مُختلفةٍ: عشرُ حالاتٍ ترثُ فيها كالرَّجُلِ، مثلُ ميراثِ الأبِ والأُمِّ، [ولكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد]، وعشرُ حالاتٍ أُخرى ترِثُ المرأةُ فيها أكثرَ مِن الرَّجُلِ، كقوله تعالى: [فإن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ]، فلو ماتَ شخصٌ وتَرَكَ بنتاً وأَبَاً، فنصيبُ البنتِ النصف، والأبُ السدسُ معَ بقية التركة، فأَخَذَتِ البنتُ مثلما أَخَذَ الْجَد، ومع ذلك لم يقل أحدٌ إنَّ كرامةَ الأَبِ منقوصة، وهناك عَشْرُ حالاتٍ تَحْجبُ فيها المرأةُ الرَّجُل، مثلُ أنْ يَمُوتَ شخصٌ عن ابنٍ وبنتٍ وأخوينِ شقيقينِ، فالابنُ والبنتُ يأخذان التركةَ كُلَّها، فوَرِثَتِ البنتُ ولم يَرِثِ الأخُ الشقيق، وهناك أربعُ حالاتٍ فقط هي التي يكون فيها للذَّكَرِ مثلُ حظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وهذا يدُلُّكَ على إنصافِ الإسلامِ للمرأةِ المسلمةِ، وقد شَهِدَ بذلك أهلُ العَقْلِ والإنصاف مِن المسلمين والكافرين، وليحذر المسلم من التحايل على أكل الميراث بدونِ حقٍّ، فكم مِن امرأةٍ حُرمت مِن ميراثها، وكم مِن يَتَامَى أُكِلَت حقوقهم، وكم مِن ضعفاء لم يَجدُوا لهم ناصراً، والعجيبُ أنْ يكون الظلمُ بين الإخوة والأخوات، والظُّلْمُ حَرَامٌ حرَّمهُ اللهُ على نفسهِ وحرَّمهُ على عباده، فقال سبحانه: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا ‌فَلا ‌تَظَالَمُوا) رواه مسلم، والله يقول: [إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمَاً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (اللهُمَّ إنِّي أُحَرِّجُ ‌حقَّ ‌الضعيفينِ: اليتيمِ والْمرأةِ) رواه ابن ماجه وصححه البوصيري.

الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ حمْداً كثيراً طيِّباً مُباركاً فيهِ، مُباركاً عليهِ، كمَا يُحِبُّ ربُّنا ويَرْضَى، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه.
أمَّا بعدُ: فلقد اعتنى الإسلام بالوِصايةِ بالنساءِ.


فإنْ كانتْ أُمَّاً: فالله يقول: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، ورسولُه صلى الله عليه وسلم يقولُ: (إِنَّ اللهَ ‌يُوصِيكُمْ ‌بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ ‌يُوصِيكُمْ ‌بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بالأَقْرَبِ فالأَقْرَبِ) رواه البخاري في الأدب المفرد وحسنه ابن حجر، و(جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ ‌بِحُسْنِ ‌صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ») رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم لِمَن أرادَ أن يَخرُج معه صلى الله عليه وسلم إلى الجهادِ ويَتْرُكَ أُمَّه: (وَيْحَكَ، الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ) رواه ابن ماجه وصحَّحه الألباني، وأخبرَ صلى اللهُ عليهِ وسلم أنَّ البارَّ لأُمِّهِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ) رواه مسلم، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: (إِنِّي لا أَعْلَمُ عَمَلاً أَقْرَبَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بِرِّ الوَالِدَةِ) رواه البخاريُّ في الأدب المفرد وصحَّحه الألباني، و(قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: ‌بِتُّ ‌أَغْمِزُ ‌رِجْلَ ‌أُمِّي، وَبَاتَ -أخي- عُمَر يُصَلِّي لَيْلَتَهُ، فَمَا سَرَّنِي لَيْلَتِي بِلَيْلَتِهِ) رواه يحيى بن معين.

وإنْ كانتْ زَوْجَةً: فالله يقول: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228]، و(قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «‌أَكْمَلُ ‌الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ») رواه الترمذي وصحَّحه، وقال صلى الله عليه وسلم: (‌فَاتَّقُوا ‌اللهَ ‌فِي ‌النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدَاً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذلِكَ، فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ، وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) الحديث رواه مسلم.


وإنْ كانتْ بِنتاً: فرسولُه صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ ‌لَهُ ‌سِتْرًا ‌مِنَ ‌النَّارِ) رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ) رواه مسلم، وقال فيمن رَحِمَت ابنتيها، (إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ) رواه مسلم.


وإنْ كانتْ خالةً: فقد أَمَرَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بِبِرِّها فقالَ: (‌الْخَالَةُ ‌بِمَنْزِلَةِ ‌الأُمِّ) رواه البخاري، وقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (فَإِنَّ ‌الْخَالَةَ ‌وَالِدَةٌ) رواه الإمام أحمد وصحَّحه أحمد شاكر، و (عنِ ابنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي أَصَبْتُ ذَنْباً عَظِيماً فَهَلْ لي تَوْبَةٌ؟ قالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟» قالَ: لا، قالَ: «‌هَلْ ‌لَكَ ‌مِنْ ‌خَالَةٍ؟» قالَ: نَعَمْ، قالَ: «فَبِرَّهَا») رواه الترمذي وصحَّحه الألباني.

وإنْ كانتْ عَمَّةً: فقد حَرَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنْ يَجمع الرجل بين زوجته وعَمَّتها وخالتها، فقال: (لا ‌يُجْمَعُ ‌بَيْنَ ‌الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، ولا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا) متفق عليه.


رَزَقنا الله القيامَ بحقِّ الضعيفينِ اليتيمِ والمرأةِ، آمين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.46 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]