قتيبة بن مسلم البطل الشهيد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 10 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 9 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 150 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 32 - عددالزوار : 2308 )           »          بدعة رد السنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          خَواطر حَول أزمة الخُلق المسلم المعاصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 52 )           »          الأمير سيف الدين المشطوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          فصول من التآمر اليهودي على النصرانية والإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          من يحرم على النار، ومن يحرم على الجنة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الحق والقوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-01-2025, 12:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي قتيبة بن مسلم البطل الشهيد

قتيبة بن مسلم البطل الشهيد ـ 1 ـ

الشيخ: محمد رجب بيومي
ندمتم على قتل الأغر ابن مسلم=وأنتم إذا لاقيتم الله أندم
وقد كنتمو من غزوه في غنيمة=وأنتم لمن لاقاكم اليوم مغنم
على أنه أفضى إلى حور جنة=وتطبق بالبلوى عليكم جهنم ـ جرير ـ
كان العهد الأموي مسرحاً للحروب الدامية داخلية وخارجية، ومجالاً رائعاً للبطولة الباهرة، والفروسية النادرة، فاتجه شباب العرب إلى النهوض بأعباء القتال، وأظهروا من فنون الشجاعة أعاجيب خارقة.
ونستطيع أن نطالع في تاريخ هذه الحقبة الدقيقة أسماء مختلفة لأبطال ممتازين من كماة العرب وفرسانهم، غنموا لأمتهم ذخراً كبيراً، وكسبوا لدينهم مجداً تالداً، ووثبوا إلى القمة العالية منتصرين ظافرين.
وفي طليعة هؤلاء المغاوير قتيبة بن مسلم الباهلي، ذلك العملاق الفذ الذي ضم للإسلام دولاً شاسعة فيما وراء النهر، فأخرج ـ بكفاحه الباسل ـ القطيع الوثني في هذه الوثني في هذه الأصقاع الدامسة، من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان، ومشرق التوحيد.
ولقد نشأ قتيبة بن مسلم في بيت يهيم بالفروسية والبطولة، فأبوه مسلم بن عمرو بن الحصين الباهلي، كان مضرب المثل في الفتوى والبسالة، وكان له فرس من عتاق الخيل يسمى بالحرون، لا يمتطيه غير ذوي البأس والثبات من فرسان البادية المغاوير، فشب قتيبة ولده طامحاً للمجد والرئاسة عن طريق الفتوى والبطولة.
وإذا كان الإسلام الخالد قد جاء بالمساواة العادلة بين القبائل والشعوب فإن فريقاً ممن سرت في عروقهم دماء الجاهلية كانوا ينظرون إلى قبيلة باهلة نظرة شزراء، ويرونها دون القبائل العربية مجادة وبطولة فنظموا في هجائها الأبيات الفاحشة، وعدوا بوحي من عصبيتهم ـ الانتساب إليها ضعة مهينة.
ولكن قتيبة ووالده من قبله ـ قد رفع هذه القبيلة المتواضعة ـ بما كسبه من مجد باذخ ـ إلى مصاف القبائل العريقة، ولولا المساواة العادلة التي سنها الإسلام في الشعوب والقبائل ما اختارت الدولة الإسلامية من باهلة قائداً يفخر بأمجاده كل عربي يعتز بلغته ودينه، ثم هو في الوقت نفسه برهان عملي يقدمه الإسلام على صدق دعوته الرفيعة إلى تكافؤ الفرص والمساواة.
وكانت معارك الخوارج الرهيبة مجالاً رائعاً لبطولة قتيبة في شبابه الغض، فقد خاض لججها الدامية بجنان ثابت وعزم صبور، وأظهر من فنون الصيال وعجائب الإقدام ما جعل الحجاج بن يوسف الثقفي يقدر بطولته الخارقة، وينوط به العظائم الفادحة، فينهض بأعبائها أكمل نهوض.
وكانـ إلى قوة بأسه وشدة مراسه ـ عالي الهمة جريء اللسان، ينتقد رؤساءه في صراحة تامة، وثقة بالغة، فحين فاجأ شبيب بن يزيد بطل الخوارج الكوفة، عقد الحجاج مجلساً حربياً من قواد الجيش وأخذوا يتشاورون فيما يجب أن يقوموا به إزاء شبيب، فقام قتيبة وكلم الحجاج كلاماً قاسياً ينبئه عن تقصيره في الأهبة، وينعي عليه حيرته و تردده. فقال الحجاج: وما الرأي يا قتيبة ؟ فقال: الرأي أن تخرج أنت وتقود الجيش ونحن وراءك.
وكان ما أراد البطل الباهلي، فخرج الحجاج في طليعة الجيش، وأبلى قتيبة بلاء رائعاً، وقد ظهر في لباس حربي أخاذ، وانهزم الخوارج هزيمة ساحقة، فتردد صيت الفارس الشاب، في كل مكان، ولم تكن هزيمة شبيب وأصحابه بالأمر اليسير، فهم على قلة عددهم يقتحمون الحتوف دون مبالاة بلبها المبيد، ثم هم يلجأون إلى المكايد الواسعة والحيل الرهيبة، فيسعفهم الرأي البصير، بما تتقاصر عنه القوة الحافلة، والعدة الصارخة، حتى اقتحموا الكوفة، ودخلوا على الحجاج عرينه المنيع، فطلب المدد من الشام، وغشيه القلق الساهد.
ولولا كفاح قتيبة الرهيب، وتقدمه الصفوف في طريق من الأشلاء، ما تم النصر للحجاج في معركة كانت ـ بالنسبة إليه خاصة ـ معركة فناء واستئصال.
أخذ الحجاج بعد مقتل شبيب يضع قتيبة في الصف الأول بين جنوده وأعوانه، ويراه كفئاً لكل كريهة دامية تتطلب الكمي الباسل، وكان يكن لآل المهلب عداوة شنيعة، ويرى في استثارهم بخراسان نكبة فادحة، فهم أهل عزيمة جبارة، وأبطال كفاح قاهر، ومن الجائز أن يقتطعوا خراسان من الأمويين، وينادوا بأنفسهم خلفاء كالزبيرين، فكتب إلى عبد الملك بن مروان يزين إليه عزل يزيد بن المهلب، وأمير المؤمنين يعلم ما بين الرجلين من تطاحن مريب، فيزيد ينظر إلى الحجاج نظرة جاهلية تنطوي على الاستهانة بأصله المتواضع، ونشأته في ثقيف، ويرى وهو السيد العريق أن مكانه من قبائل الأزد القوية ذات الحشد الهائل، والأرومة المتغلغلة يجعله فوق الحجاج مرتبة وكفاية.
والحجاج يرى طموح يزيد وصولته، فيتأكد من عصيانه ومروقه، ويصارح بضرورة عزله وغقصائه، حتى تم له ما أراد ووافق عبد الملك على خلعه وتأمير قتيبة بن مسلم مكانه، ذلك القائد الذي رشحه الحجاج فنهض بالعبء وملك الزمام.
سار قتيبة إلى خراسان لوقته، فاستعرض الجند ورتب شؤون الإمارة والحكم، وتأهب لفتح ممالك ما وراء النهر، ليشغل الخراسانيين بالغزو والجهاد، ثم بد له أن يعدل من سياسة يزيد في اختيار القادة والأعوان حيث كان يعتمد في استشاراته ومهامه الحربية على العرب وحدهم، دون أن يشرك الفرس في إحكام خطة، أو قيادة كتيبة، مما فسح المجال للتفرقة وغرس بذور الخلاف في الجيش الواحد.
وقد شاء القائد الجديد أن يرأب هذا الصدع، فوثق في كفاية الفارسيين، و قدمهم في المناصب والقيادة، وأصبح الجيش الإسلامي إلى حد ما كتلة واحدة، تقف أمام العدو متراصة متساندة، واستطاع قتيبة أن يرضي نفوساً كثيرة، لم تكن لتجاهد بإخلاص وعزيمة وهي مهدرة الحق ضائعة المكانة بين الناس.
سار الجيش الإسلامي بقيادة قتيبة، فعبر النهر إلى أرمينية وبخارى والتركستان، وكانت هذه الممالك فيما بينها متنافرة متدابرة يغمرها الجور والفساد، وقد وقع الرعب في نفوس ملوكها الضعاف، وحاروا فيما يصنعون إزاء الخطر الداهم، فمنعم من أذعن وصالح، ومنهم من قاوم ودافع، وقد سارع ملك الصغانيان فقدم التحف والهدايا، وأعلن خضوعه واستسلامه، فتقدم الجيش إلى مملكتي أخرون وسومان، فصالحهما على الجزية، وسار قتيبة مثقلاً بما حمل من مال وعتاد.
ولكن الحجاج لم يعجب بخطة المصالحة والهدنة، فليس المراد من الغزو الإسلامي تكديس الثروات وجمع الأموال، بل إن نشر الإسلام وحده هو الهدف الأول في بلاد تغمرها الوثنية بظلامها الكثيف، وإذ ذاك بعث إلى قتيبة يلفته إلى المهمة الأساسية للغزو والجهاد، ولم يكن قتيبة غافلاً عن رسالته في الغزو، ولكنه كان لأول عهده يختبر الدروب، ويستطلع المسالك في مطارح نازحة تستدعي المصانعة والتريث، حتى إذا ملك أمره، وتبين طريقه عمد إلى تحقيق هدفه في ثبات واطمئنان، وهذا ما كان منه بعد الجولة الأولى، فقد أعد العدة الكافية لمهاجة الحصون المنيعة في بخارى والصعد، ودقت طبول الحرب في أصقاع التركستان.
كان الخطر مزعجاً داهماً، فتجمعت كلمة الملوك، ووقفوا صفاً واحداً أمام العدو المشترك وزحفت جمع الوثنية إلى قتيبة، فحاصروه حصاراً أليماً، ولقي ضروباً قاسية من الأهوال في مطارح نائية لا عهد له بوهادها المضطربة وآكامها الممتدة، ولكنه لم يغفل لحظة واحدة عن خصومه، بل هجم هجوم المستميت، وركز نضاله في جبهة واحدة، فتفرق حماتها أباديد، ووقع الرعب في الجيش الوثني، فتبعه قتيبة مثخناً مجهزاً، و تحقق له ظفر مبدئي كان فألاً طيباً للقائد العظيم.
أجل لم يكن النصر حاسماً قاطعاً رغم ما استولى عليه المسلمون من الغنائم والأسلاب، وما جمعوه من الأواني الذهبية والتحف النادرة، بل إن فلول الجيش المنهزم قد استغاثت بأشياعها وأحلافها، وتكدست الوثنية مرة ثانية أمام قتيبة، فأجمع ملوك الصغد، والترك وأهل فرغانة وكش ونسف على مقاتلة المسلمين، فلم يكترث بهم قتيلة وتقدم إلى فتح بخارى ملقياً بجنوده أمام الطوفان الهائل من من القطيع المتلاحم، ودارت معركة رهيبة هزم فيها المسلمون بادئ ذي بدء، وكان الوثنيون يتحصنون بنهر كبير، فحشد القائد العربي قوته وعبر النهر إلى أعدائه، من حيث يأمنون، فساد الفزع والاضطراب، وتلقفتهم أمواج النهر ورماح الغزاة، وسقطت بخارى المنيعة بعد أن حصدت أمامها الرؤوس، وسالت بها جداول الدماء.
ـ يتبع ـ
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر: مجلة الأزهر المجلد 26، جمادى الأولى 1374هـ، العدد العاشر.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-01-2025, 12:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قتيبة بن مسلم البطل الشهيد

قتيبة بن مسلم ـ 2 ـ


الشيخ محمد رجب البيومي
اشتدت شوكة الجيش الإسلامي بالنصر المؤزر، وأحس قتيبة أن قوة منالسماء تسانده وتعاضده، فخطب في جنوده وحثهم على مواصلة الجهاد، وأكد لهم أن العدو المنهزم لا يلبث أن يتكتل مرة ثالثة، وأن الجيش الإسلامي يقف وحده أمام ممالك كثيرة متكلتلة، وأن يفوز بغير الصبر والإيمان.
وكان ما توقع القائد العربي أن يكون، فقد كان الملك نيزك صاحب باذغيس يضمر حقداً عنيفاً للفاتحين، فأظهر الخضوع والاستسلام خدعة ودهاء، ووصل إلى المعسكر الإسلامي ليستطلع أموره ويقف على دقائقه وخوافيه، ثم ما لبث أن ارتد محنقاً إلى ملوك بلخ ومرو والطالقان والجوزجان، فأشعل في كل مملكة ثورة، وأضرم في كل صدر ناراً، ووجد قتيبة عدوه يتجمع ويحتشد، فاستقدم جنوداً إسلامية من نيسابور وغيرها، ولم يدع الأيام توسع لأعدائه سبيل الأهبة والاستعداد، فتوجه مسرعاً إلى نيزك صاحب الفتنة فوجده يعتصم بآكام ومضايق وعرة لا سبيل إلى النفاذ إليها. فلبث المسلمون أياماً لا يهتدون إلى ثغرة تلوح، حتى سهل الله كل صعب، فسلكوا طريقاً واضحاً إلى معسكر العدو، وار الموت الأحمر في حومة القتال، فسقطت نفوس كثيرة، وتمكن قتيبة من النصر بعد معارك طاحنة يشيب لها الولدان.
تابع البطل الفاتح زحفه إلى شومان والصغد وسجستان وخوارزم، فكان موفق الخطوات ميمون العاقبة، ولكن الوثنية الحائرة تكتلت للمرة الرابعة أمامه، وهبت تقاتل في يأس مرير، يتقدمها أبناء الملوك والمرازبة والأساورة ويقودها ابن حاقان، فرأى قتيبة أن يتفرغ لرسم الخطة وإدارة الموقعة، وندب أخاه صالح بن مسلم لقيادة الحومة ومواجهة الصفوف، ثم أمر لفوره أن تنصب المجانيق على أسوار سمرقند، وما زال يضربها حتى تصدعت أركانها وتساقطت أحجارها، واشتد الضيق بالوثنيين فطلبوا الصلح وانتصر الإسلام انتصاراً حاسماً، ودخل قتيبة المدينة وبنى مسجداً وصلى به، وانتخب لها والياً قوياً من جنوده، فاستضاءت بنور محمد صلى الله عليه وسلم، وترددت في جوانبها أنغام الأذان.
كسب قتيبة هذا المجد الباهر في ثمانية أعوام لم تمر بها ليلة واحدة في راحة جسم أو هدوء بال، بل كان الجيش الإسلامي يواجه أهوالاً راتعة، ويقع في مآزق حرجة، فتارة تنفد ذخائره، وطوراً يفقد زهرات من شبابه، وقائده من وراء ذلك يبث فيه من روحه وينفخ من عزيمته، و يضرب المثل بنفسه فيتقدم الكتيبة الحسراء، ويفتح صدره للرماح المتشجرة، و كان حافظه الملّح إلى الجهاد، هيامه بانتشار الإسلام، وذيوع تعاليمه، فكلما نظر إلى الوثنية تتغلغل في بقاع لا تعرف الضياء، عزم على استئصالها بكل ما أوتي من شجاعة وإيمان، وكان يثلج صدره أن يدخل المدينة الجديد ة فيشرح للناس هداية الإسلام ويقرئهم آيات القرآن وأحاديث الرسول، ويدع بها من العلماء من يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. لذلك ترى المساجد تبنى في كل مكان، وترقب أئمة المسلمين وعلماءهم يسيرون مع الجيوش الباسلة، فيأمرون بالعدل والإحسان، وينهون عن الفحشاء والمنكر، ويقيمون الدعائم الرفيعة للأخلاق الإسلامية، فيحيون المساواة العادلة في أمم تنازعها الإقطاع، وتعددت بها الطغاة، وتأله فيها الحجر، وعبد الصنم والكوكب والنار من دون الله تعالى، وقد حارب قتيبة الخرافات الدينية بنفسه، فأحرق أصناماً مقدسة، وأطفأ بيوتاً للنيران كانت تتقد وتلتهب.
يقول ابن الأثير: (وأتى بالأصنام فكانت كالقصر العظيم) فأخذ ما عليها وأمر بها فأحرقت، فقال غوذك ـ ولعله أحد مؤيديه: إن شكرك عليَّ واجب، فلا تتعرض لهذه الأصنام، فإن بها أصناماً من أحرقها هلك، فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي، و دعا بالنار فكبر ثم أشعلها فاحترقت.
ونحن مع إعجابنا البالغ بقتيبة لا ننكر أثر الحجاج في التوجيه والمشورة، فقد كانت عينيه متيقظة لمطالب جنده النازح، وكان البريد يصله بأخبار الفتوح، وهو لا يفتأيعد الذخائر ويبعث المؤن ويشير بالخطط، وإذا كانت الخطة غير التنفيذ، فإن مما يشرف قتيبة أن يصل إلى النصر الحاسم في طريقه المرسوم، ظافراً مؤيداً، وأن يخضع الجيش الإسلامي لرغباته، دون أن يرتفع صوت واحد بمعارضته، وأن يزن أعوانه وجنوده فيضع كلاً في موضعه اللائق، دون اعتبار لغير الكفاءة الشخصية، والمقدرة الحربية، حتى تكلل جهاده بالتوفيق، وقدرت له دمشق بطولته فبعث إليه الوليد بن عبد الملك بكتاب يفيض بالمدح والثناء.
وقد مات الحجاج وهو الساعد الأيمن لقتيبة، وتوفي بعده الوليد بن عبد الملك، وكان لا يقل عنه تعضيداً للبطل الفاتح، فخسر بوفاتهما دعامته القوية التي كان يستند إليها في قيادته، وأصبح أمام سليمان بن عبد الملك وجهاً لوجه.
وكان الخليفة الجديد يؤاخذ قتيبة وآخرين من أقطاب المجاهدين والولاة بأنهم كانوا يتعصبون عليه لأخيه الوليد فكان في نفسه شيء من الضغن عليهم، وكان ينبغي له وقد ارتقى إلى منصب الخلافة أن يتناسى ذلك لهؤلاء القادة البواسل الذين رفعوا راية الإسلام، وأعلوا مكانة الدولة إلى السماء، ولو أصاخ قليلاً إلى منطق العقل النزيه لسعى إلى استرضائهم وجهد في تقريبهم، ليكونوا معه كما كانوا مع سابقه، وقد ضاعف النكبة على قتيبة أنه كان قد تأهب لغزو الصين ودخل مدينة كشغر وأصبح قريباً من الحدود، وأتت الرسل تسعى بالسفارة بينه وبين الدولة المهددة بالغزو الإسلامي، افيتراجع فجأة عن الغزو منتظراً ما يأتيه من دمشق؟ أم يستمر في مراسلة ملك الصين واستطلاع داخله مع حرج مركزه، ودقة موقفه المتأرجح؟!، مهما يكن من شيء فقد استمع قتيبة إلى نداء البطولة، وعصفت برأسه النخوة العربية، حين جاءه رسوله هبيرة الكلابي، يحمل تهديد الإمبراطور الصيني، فبعث يعلمه أنه لن ينصرف عن بلاد الصين حتى يطأ الأرض ويختم الملك ويعطى الجزية، وكان لهذا الرد الحاسم زلزال عنيف في صفوف الجيش الصيني، فخارت قوى الإمبراطور، وبعث بالجزية صاغراً مع بعض أبنائه، فكف عنه قتيبة، ولولا دقة موقفه السياسي لاقتحم أرضه و ضم إلى الإسلام أصقاعاً جديدة، ولكن ماذا يصنع؟ والريح عاصفة، والجو ملبد بالغيوم مجلجل بالرعود؟.
ولم يلبث سليمان أن اصدر قراره بعزل قتيبة، كما أمر بإحضاره إلى بلاط الخلافة في دمشق، ولو استجاب البطل الفاتح لهذا العزل الظالم للقي مصرعه كما لقيه فاتح الهند الأعظم محمد بن القاسم الثقفي بعد جهاد ميمون ونصر مبين،لقد فضل قتيبة أن يموت في حومة القتال دون أن يلقى منيته في غياهب السجن، وثقيل الأغلال، فأعلن مخالفته الصريحة، وقاد كتائبه الجرئية ليقف أمام جنود الخليفة، ولكن سهماً طائشاً أودى بحياته فسقط شهيداً، وطارت روحه الباسلة إلى ربها راضية بمآثرها البيضاء، وجهادها الخالد.
ومن المؤسف أن أكثر أعوانه من العرب تألبوا عليه في محنته لا لشيء إلا أنه وثق في كفاية بعض الخراسانيين فقدمهم في الألوية والقيادة مع نظرائهم من العرب، مؤثراً المساواة العادلة التي شرعها الإسلام، وكأنه بذلك قد جانب حقاً واضحاً، واعتصم بضلال أكيد.
وكان لمصرع قتيبة دوي هائل في العرب والفرس معاً، أما المخلصون من العرب فقد رثوه بقصائدهم النائحة، وأقض مضاجعهم أن تكون نهاية البطل الفاتح قريبة عاجلة بعد أن عقدت عليه الآمال، ومكن للإسلام في بلاد يعوزها الإشراق والإيمان، وأما العقلاء من الفرس فقد صعَّدوا الزفرات الحارة حزناً على استشهاده الأليم.
مر خراساني على جثة قتيبة وهو مضرج بدمائه، فبكى واستعبر وقال: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة وهو الفارس المغوار، ولو كان منا معشر الفرس فمات لجعلناه في تابوت، فكنا نستفتح به كلما دقت طبول الجهاد.
وقال آخر: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة ويزيد بن المهلب وهما سيدا العرب بخرسان، فقال له بعض السامعين: أيهما كان عندكم أعظم وأهيب؟ قال لو كان قتيبة بالمغرب الأقصى مكبلاً بالحديد، ويزيد معنا في بلادنا، لكان قتيبة أهيب في عيوننا و أعظم.
مات قتيبة رحمه الله تعالى وبقيت صحيفة أعماله خالدة ناصعة، فرفعه التاريخ إلى أفق زاهر يشرق بالبطولة والكرامة والشهادة، وفي ذلك عزاء أي عزاء، وسلام على البطل العظيم.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر: الأزهر مجلد 26 رجب 1374هـ العدد الحادي عشر.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.16 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (3.28%)]