الخوارج تاريخ وعقيدة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         (وهُم مِن فزَعٍ يومَئذٍ آمِنُون) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          المسافة بين السموات والماء والعرش (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          اِرمِ له طوقَ نجاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          علة حديث: (الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          على عَتَبَاتِ الْمَدَارسِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          رسالة إلى الشباب من وحي القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          ملل النعم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          مزاج مريض متستّر! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          زوغان القلب! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ربيع الأول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 03:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,259
الدولة : Egypt
افتراضي الخوارج تاريخ وعقيدة

الخوارج تاريخ وعقيدة (1)


محمد فاروق الإمام



الخوارج صفحة سوداء في تاريخ أمتنا العربية والإسلامية



ليس من الغريب على أمة الإسلام، وهي ذات الحضارة والأمجاد، وذات التاريخ المليء بالصفحات المشرقات، أن تظلل بعض جوانبه الزاهية صفحات مخضبة بالدماء أو مجللة بالسواد، بفعل بعض الأيادي الخبيثة، التي كانت تمتد - بدهاء متقن - لتنفث سمومها إلى عقول بعض جهلة هذه الأمة من ذوي النفوس الضعيفة والرؤوس الخاوية. لتجعل منهم أداة لشق صف المسلمين، ومعولاً لهدم هذا الدين، خدمة لأغراضها الوضيعة، ولتنفّس عن أحقادها الدفينة. فقد عزَّ على هذه الطغمة الحاقدة أن تنتشر منارات التوحيد، وأن يعلو النداء الخالد.. الله أكبر.. الله أكبر.. فوق كل أرض وتحت كل سماء.
وكان لهذه الفئة الباغية الضالة حضور في كل زمان ومكان حتى يومنا هذا، تتخفى تحت أسماء ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، تقف في وجه الحق وأهله متحدية كل نواميس الحياة، تقتل وتسفك الدماء وتشيع الضلالات والبدع والانحرافات وتعمل على إغواء الشباب وحرف معتقداته تحت شعار (قال الله وقال رسول الله)، رافضة مواجهة علماء الأمة أو الحوار معهم، فما يعتقدونه ويبشرون به هو الحق والدليل عندهم، فعلماء الأمة وعامة المسلمين ممن لم يبايعوا أميرهم وقد علموا بوجوده هم مرتدون عليهم أن يُستتابوا ويعترفوا بكفرهم حتى يُقبلوا في حظيرة الإسلام، معيدين سيرة من سبقهم من خوارج هذه الأمة.

دَأَبَ كثيرٌ من عناصرِ وأمراءِ بعض التنظيمات المتطرفة العاملة اليوم في بلاد الشام على اتهام مقاتلي الجيش الحر بالضلال والعمالة للكفار، ومن اتهمهم فلا خير فيه؛ لأن النبي قال فيهم كما أخرج الترمذي وأحمد: "إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ".
ويَمُنُّ هؤلاء على أهل الشام بأنهم جاؤوا لنصرتهم، بينما الواقع يدل على أنهم جاؤوا لغزو أراضيهم باعتبارهم كفاراً، وسلب خيراتهم في حقول النفط، والمطاحن، والبلدات المحررة، ألا يصدق فيهم قول النبي في البخاري ومسلم: "وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ". مع أن المنّة لله ثم للجيش الحر على كل القادمين لنصرتنا؛ حيث عبَّدوا لهم بدمائهم الطريقَ إلى الشّام، ليتشّرفوا بمسّ ترابها والجهاد على ثراها.
فالخوارجُ لا يختصُّون بزمانٍ أو أشخاصٍ، وإنما هم فرقةٌ ضالّةٌ لها صفاتٌ، وكلُّ من اتَّصف بها أو ببعضها فهو منهم، ولذلك يظهَرون في الأمَّة كلَّ حينٍ إلى أن يظهر آخرُهم مع الدّجّال: ففي سنن ابن ماجه قول النبي: "يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ، أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً، حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ". أي في جيوشهم.
للخوارج صفات ذكرتها الأحاديث الشريفة، وينطبق كثير منها على أمراء وعناصر بعض التنظيمات المتطرفة التي حلت على أرضنا، وهي ليست تصرفات فردية كما يدَّعون؛ فإنّ تكرارها، وعظمها يدل على أنها سياسة لهذه التنظيمات، يتم تنفيذها بعلم أمرائها الكبار، وصفاتهم هي:
-يخرجون في آخر الزمان، وأكثر خروجهم من جهة الشرق (العراق)، كما هو حال (أبو بكر البغدادي، الذي أعلن الخلافة الإسلامية ونصب نفسه خليفة للمسلمين)، قال رسول الله كما في البخاري ومسلم: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ". وفي مسند أحمد وصحيح ابن حبان قال رسول الله: "يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسلام، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ".
وتنظيم دولة العراق والشام هو فبركة مشتركة بين المخابرات الأمريكية والبريطانية والصهيونية والإيرانية أوجدته خدمة لإسرائيل فقد كشف مؤخراً "إدوارد سنودن" الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية أن الأخيرة، وبالتعاون مع نظيرتيها البريطانية mi6"" ومعهد الاستخبارات والمهمات الخاصة "الموساد" مهدت لظهور "داعش".
ونشر موقع "ذي إنترسيبت" تسريبات عن سنودن تؤكد تعاون أجهزة مخابرات ثلاث دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل لخلق تنظيم إرهابي قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد في عملية يرمز لها بـ"عش الدبابير".
وأظهرت وثائق مسربة من وكالة الأمن القومي أن الأخيرة قامت بتنفيذ خطة بريطانية قديمة تعرف بـ"عش الدبابير" لحماية إسرائيل تقضي بإنشاء دين شعاراته إسلامية يتكون من مجموعة من الأحكام المتطرفة التي ترفض أي فكر آخر أو منافس له وفقا لما أورد موقع "المواطن".
وبحسب وثائق سنودن، فإن الحل الوحيد لحماية "الدولة العبرية" يكمن في خلق عدو قريب من حدودها، لكن سلاحه موجه نحو الدول الإسلامية الرافضة لوجوده.
وكشفت تسريبات "ذي إنترسيبت" أن "أبا بكر البغدادي" خضع لدورة مكثفة استمرت لمدة عام كامل خضع فيها لتدريب عسكري على أيدي عناصر في الموساد بالإضافة إلى تلقيه دورات في فن الخطابة ودروساً في علم اللاهوت، ولعل ما يحدث على الأرض السورية يؤكد ما قاله "سنودن"
-أكثرُ عناصرهم وأمرائهم صِغارُ السّنِّ، ويحرصون على أن يضموا إليهم الصغار لغسل أدمغتهم وحشوها بالأفكار التي يريدون؛ لأنَّ منهجَهم التكفيريَّ لا يقتنعُ به راشدٌ، وهم أيضاً سفهاء الأحلام؛ أي حمقى لا يحسبون عواقب تصرفاتهم، ولذلك يستعْبِدُهم أمراؤُهم الكِبارُ تحت شعار (السّمع والطّاعة للأمير): ففي البخاري ومسلم: قال رسول الله: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ".
-المكابرةُ، واحتقارُ الخلق، وردُّ الحقّ المخالف لهواهم، فإذا وافق هواهم قبلوه، وإن خالفه رفضوه وأوّلوه: يظهر هذا من نقاشِهِم لعليِّ بن أبي طالب، حين حاجَّهم في قولهم: (لا حكم إلا لله)، فلم يقتنعوا وقاتلهم حتى قتلوا عن آخرهم، وقال كما في صحيح مسلم: "كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ نَاسًا، إِنِّي لَأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلَاءِ: "يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَجُوزُ هَذَا مِنْهُمْ - وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ - مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ".

-الخوارجُ في عهد علي بن أبي طالب يكفِّرون مرتكبي الكبائر، وأما أمراء هذه التنظيمات فلا يتبنَّوْن هذا المذهبَ نظريّاً وأما عمليّاً فإنهم يكفرون المسلم دون وَرَعٍ أو تثبُّت، ولو لمجرّد مخالفته لهم، ويعتقد كثيرٌ منهم أنّ الأصل في أهل الشام الردة، فأين هم من قول رسول الله في صحيح البخاري: "أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ".
وإذا قيل عن هذه التنظيمات: ليسوا خوارج؛ لأنهم لا يكفِّرون مرتكبي الكبائر، فنقول: لم يرد في الأحاديث عن الخوارج الذين سيخرجون في آخر الزمان أنهم يكفرونهم، بل وصفتهم بأوصاف أخرى وكلها فيهم، علماً أنَّهم عملياً يكفرون المؤمنين بالتشهي ودون تثبت، وهذا أشنع وأقبح.
-يعاملون المسلمين بمعاملة الكافرين وإن حاولوا –نظريّاً- أن يظهروا بخلاف ذلك لكسب الحاضنة الشّعبيّة حتى يتمكّنُوا، ففي البخاري قال ابن عمر: "إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ". ومن ذلك الغِلظةُ في معاملة المؤمنين بدل الرحمة والدّعوة، قال تعالى: (أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح: 29). وقال: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) (المائدة:54). ومنها شهر السلاح على المسلمين لأدنى الأسباب وأتفه الأمور؛ وفي مسند البزار قال رَسُول اللَّهِ: "إِذَا شَهَرَ الْمُسْلِمُ عَلَى أَخِيهِ سِلَاحًا فَلَا تَزَالُ مَلَائِكَةُ اللَّهِ تَلْعَنُهُ حَتَّى يُشِيمَهُ عَنْهُ". ومنها ظنُّ السُّوء بالمسلمين والمجاهدين الذين سبقوهم في الجهاد في الشام: كالعمالة والخيانة والرّدّة، ففي شعب الإيمان للبيهقي قال النّبيّ مخاطباً الكعبة: "ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ! وللمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منكِ، إن اللهَ حرّم منكِ واحدةَّ، وحرّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثاً: دمَه، ومالَه، وأن يُظَنَّ به ظنُّ السُّوءِ".

-ومن صفتهم عن النبي كما في البخاري ومسلم: "يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ". فهم يحاربون مجاهدي الجيش الحر الذين فتحوا للمهاجرين باب الجهاد في الشام، فيطعنونهم في ظهرهم بمهاجمة المناطق المحررة، ولا يقاتلون النظام في جبهات حلب؛ ففي البخاري ومسلم قال رَسُولُ اللهِ: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ". ولهم في ذلك ذرائع جاهزة ومعلّبة فيقولون: الجيش الحر مرتدُّون، أو سوف يرتدون، في قتلهم جَلْبُ مصلحةٍ حسب أهوائهم!!.
-يكثرون من العبادات: كالصلاة والصيام وقراءة القرآن، ولا ينتفعون بشيءٍ منها؛ لأنهم يحبطونها بتكفير المسلمين والاستهانة بدمائهم، ففي مسلم ومسند أحمد قال النبي فيهم: "يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ ... لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ". وعند ابن ماجه: "سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ". وفي البخاري ومسلم: "لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ». وربما قرءوا القرآن يستدلّون به على مخالفهم ويكون كلامهم في الحقيقة حجّةً عليهم: ففي مسلم ومسند أحمد: «يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ".
-شعارُهم الدّعوة إلى كتاب الله، ولكنهم يردّدونه بألسنتهم فقط، ولا يلتزمون به في معاملاتهم وأخلاقهم، كما نجده في كثير من أمرائهم وخاصة الأعراب منهم، ففي مسند أحمد قال النبي عنهم: "قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ، وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ... يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللهِ، وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ". وقال: "يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ". فيدْعُون إلى خيرٍ يحبُّه النّاس، وفي التّطبيق العمليّ يؤَوِّلون الغدر والخيانة والكذب والفتنة وغيرها من صفات المنافقين بأنّها من السّياسة الشّرعيّة، وهي ضروريّةٌ لإقامة دولة الإسلام الخاصّة بهم، مع أنّ الخوارج في عهد علي بن أبي طالب كانوا يعُدُّون الكذبَ كفراً، لكن هؤلاء أضافوا وصف النّفاق إلى وصف الخوارج.
-لكثرة عباداتهم الظاهريّة، ودعوتهم إلى كتاب الله وسنة نبيه، يغترّ بهم كثيرٌ من النّاس، وأكثر المنخدعين صغار السن، وطيّبو القلوب الذين يحبون الدين وأهله، ففي مسند أحمد قال رسول الله: "إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَتَعَبَّدُونَ فَيَدْأَبُونَ حَتَّى يُعْجَبَ بِهِمُ النَّاسُ، وَتُعْجِبَهُمْ أَنْفُسُهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ".
-الوقاحةُ، والفظاظة، وقلّةُ الأدب مع الناس، وأكثر ما يلاحظ في هؤلاء، وهذا كله مخالف لهدي النبي، ففي البخاري ومسلم: أعطى النبي بعض المشركين من الغنائم، وعلّلَه بقوله: "إِنِّي إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِأَتَأَلَّفَهُمْ"، فَجَاءَ رَجُلٌ اسمه ذو الخُوَيْصِرة فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ يَا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: "وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ بَعْدِي إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، فَمَنْ يُطِعِ اللهَ إِنْ عَصَيْتُهُ، أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي"، ثم قال رَسُولُ اللهِ فيه: "إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ ...". وفي السنة لابن أبي عاصم: "إِنَّ فِي أُمَّتِي أَخًا لِهَذَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ".
-الغُلُوُّ في الدّين والتّشدُّد فيه في غير موضع التّشديد، ففي مسند أحمد قال النبي في ذي الخُوَيْصِرَة: "فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شِيعَةٌ يَتَعَمَّقُونَ فِي الدِّينِ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهُ، كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ". مع أن النبي قال في مسند أحمد: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ". ومن ذلك: أنهم يرمون المسلم بالكفر؛ لأنّه يتناول السيجارة مع إقرارنا بحرمتها، وإذا رأَوْا رايةً غيرَ رايتِهم كعلمِ الثورة السُّورية اتّهموا حامله بالشّرك والكفر وأنه طاغوت، وغير ذلك.
-الغدر، والخيانة، ونقض العهود، وتضييع الأمانات، بحججٍ واهيةٍ؛ كقولهم: هؤلاء كفار، أو هذا من السياسة الشرعية، ولذلك يحرمون الجيش الحر من الغنائم بعد ائتمانهم عليها، وقد يعطون أحداً يقاتلونه الأمان ثمّ ينكُثُون به، قال جل جلاله في أمثالهم: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (البقرة: 27)، ففي تفسير الطبري وابن المنذر: كان سعد ابن أبي وقاص يقسم أنهم الحرورية (أي الخوارج). مع أن هذه من صفات المنافقين: ففي البخاري ومسلم قال النبي: "آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ". وفي رواية عندهما: "وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ...وَإِذَا خَاصَمَ فَجَر".
رغم تطابق كل ذلك مع فكر (الدولة الإسلامية-داعش) إلا أننا لا نكفرهم ونترك أمرهم إلى الله، وقد سئل علي - كرم الله وجهه - أكفار هم ؟ قال : من الكفر هربوا .








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم يوم أمس, 03:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخوارج تاريخ وعقيدة

الخوارج تاريخ وعقيدة (2)


محمد فاروق الإمام


حكم الخوارج وكيفية معاملتهم


أولاً- الخوارج -ومنهم أمراء هذه التنظيمات الضالة- ليسوا من أهل السّنّة والجماعة وإن ادَّعَوُا الانتساب إليها، وهم مرتدُّون بظاهر نصّ النبي، بل يخرجون من الدّين بسرعةٍ دون أن يظهر عليهم شيءٌ من الإسلام، وهو المعبَّرُ عنه بالمروق من الدّين كما يمرُقُ السّهم من الرَّمِيَّة، ففي البخاري ومسلم قول النبي: "يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ -وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهَا- قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ ... يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ". وقال في سنن ابن ماجه: "يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ". وقال في مسند أحمد: "كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ، قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا". وقد وصفهم النبي في مسند أحمد بقوله: "هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ". وقوله في سنن ابن ماجه: "كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ".
ثانياً-أما التّعامل مع عناصر هذه التنظيمات فيختلف؛ لأنّهم ثلاثةُ أصنافٍ:
الصنف الأول: المغترُّون بأمراء هذه التنظيمات سواء كانوا من المهاجرين أو الأنصار، وأكثرهم صغار السن، أو طيبو القلب، غرّهم ظاهرُ عباداتهم، ودعوتهم إلى الكتاب والسنة، والأمراء الخبيثون يستثمرون دماءهم وجهادهم بذريعة (السمع والطاعة).
الصنف الثاني: المهاجرون الذين تفرغوا للجهاد في بلاد الشام، وتلمَس منهم الإخلاص وحسن الخلق، وخاصة الإخوة القوقازيون، وأكثر المصريين الذين تجد فيهم سيرة المهاجرين الأوائل، ككثير من المهاجرين الذين لا ينتمون إلى هذه التنظيمات. والتعامل مع هذين القسمين هو بمنطق الإخوة بين المسلمين من المهاجرين والأنصار؛ ولكن نبين لهم صفات الصنف الثالث من هؤلاء الخوارج، وأنهم يستخدمونهم أداةً للوصول إلى غاياتهم الخبيثة، وقد تنبّه لضلالهم بعض المهاجرين فأعلنوا انشقاقهم عنهم، وعلى المغترّين بهم أن يتنبّهوا لحقيقتهم، وأنهم يُكَثِّرون سوادَهم، ويوالونهم، فينالهم قول الله تعالى: (...وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ...) (المائدة:51).
الصنف الثالث: أصحاب القرار في هذه التنظيمات الذين تفرغوا للإمارة، ووجدوا في خيرات بلاد الشام مورِداً ثرّاً للرّزق، فمكثوا في المقرّات، ونَسُوا نُصْرة أهل الشّام، واستخدموا أتباعهم عبيداً للجهاد من أجل جمع الدنيا، وأنشأوا دولةً وهميّةً لذلك، ويتاجرون بدماء الصِّنفيْن الأوّل والثّاني للوصول إلى غاياتهم، وأكثرهم من العراقيين منبع الخوارج الذين يتقنون فن (الشقاق والنفاق والفتنة)؛ ثم بعض الليبيين والجزائريين والتونسيين الأجلاف غلاظ القلوب، وهؤلاء تنطبق عليهم أكثر صفات الخوارج، وهم المعنيون في الخطاب هنا.
والواجب تجاههم: أولاً- تحذيرُهم من خطورة منهجهم، ودعوتُهم إلى الأخوة بين المهاجرين والأنصار؛ وإلى الاستجابة لنداء الله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران:103)، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف: 4)، ودعوتهم إلى توحيد جهود الجيش الحر مع جهودهم لتحرير بلاد الشام من هذا النظام الذي سام الناس سوء العذاب وأفسد البلاد والعباد، والاستجابة لصيحات المستضعفين من أهل حمص والغوطة (مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) (النساء: 75)، فلو قاتل الرتل الذي أرسلوه إلى الباب وأعزاز جنود النظام وشبيحته لحررت حلب كاملة منذ زمن طويل.
ثانياً- إن لم يقتنعوا بالدعوة، ولم يستجيبوا لأمر الله في التآخي والوحدة والتفرغ لجهاد النظام الكافر، واستمروا بمحاربة الجيش الحر في المناطق المحررة، فليغادروا بلادنا، ويحكموا شرع الله في بلادهم العراق وتونس وليبيا والجزيرة العربية ما داموا رجالاً مجاهدين؛ فإن سوريا وأهلها يكفيهم ما تجرعوه من المآسي والآلام! وإلا فيجب مقاومتهم بشتى الطُّرق التي قاومنا بها نظام بشار المجرم وأبيه من قبله: من المظاهرات، إلى العصيان المدني، إلى القتال المسلح، ولا نحارب بقتالهم الإسلام بل هذه الفرقة الضالة التي تُكَرِّهُ الناس في الإسلام، وقد مللنا من معادلة (سوريا الأسد)، فلن نقع في فخ (دولة الشام الإسلامية)، والسبب في مقاومتهم أمران:
1-هم باغون معتدون على البلاد المحررة يجب دفعهم عنها ولو بالقتال، ومن قتل في دفعهم فهو شهيدٌ إن شاء الله.
2-منهجهم منهج الخوارج فيجب قتالهم وقتلهم أينما وجدوا –بنص النبي صلى الله عليه وسلم- فمن قتلهم كان له أجرٌ عظيمٌ، ومن قتلوه فهو خير الشهداء، وأسوته في ذلك علي بن أبي طالب الذي قاتلهم فقتلهم، ثم قتلوه اغتيالاً بيدِ أحدهم (عبد الرحمن بن ملجم)؛ فاغتيال أهل الحق على أيديهم سنةٌ يرثونها عن بعضهم، ففي البخاري ومسلم قال رسول الله: "فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ". وفي مسند أحمد قال النبي فيهم: "طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ ... مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللهِ مِنْهُمْ". وقال في مسند أحمد وسنن ابن ماجه: "شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ، قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا". وفي مسند البزار: "يَقْتُلُهُمْ خِيَارُ أُمَّتِي، وَهُمْ شِرَارُ أُمَّتِي". وفي كتاب السنة لابن أبي عاصم: "كُلَّمَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، كُلَّمَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، كُلَّمَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ". وفي البخاري ومسلم قال النبي: "لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ"؛ أي استأصلهم فلا أبقي منهم أحداً، وقد فعل ذلك بهم علي بن أبي طالب. ويستمر قتالهم حتى يرتدعوا عن أفعالهم الشنيعة: من تكفير الجيش الحر، والتحكم بمقدرات البلاد.
ووصْفُ الصنف الثالث بالخوارج من باب حسن الظن، وإن دقّقْنا النَّظَر نقول: لا نستبعد أن يكون بعض أصحاب القرار من هؤلاء عملاءَ لإيران وحزب اللات ونوري المالكي والنظام السوري، يتسترون بالتقية ويخدمون أسيادهم، وخاصة أن أصحاب القرار في هذه التنظيمات عراقيون، وإلا فما تفسير جهادهم ضد الجيش الحر في الدّانا وجرابلس ومنبج والباب وأعزاز وعندان وحريتان ودير الزور وحيان وترك جبهات القتال؟! وهل قتال أهل الإسلام هو الواجب أم قتال هذا النظام المجرم؟ وهل جاؤوا لقتالنا أم لقتاله؟! وهل يجب أن نسمح لهم بالاعتداء على نسائنا -كما حصل في الباب- وعلى أولادنا –كما حصل في الدانا- كي نتجنب غزوهم للبلاد؟! فأين دعوتهم إلى إقامة شرع الله؟! أليس هو مجرد ستار وفخ ليقع شبابنا في شراك اعتقادهم المنحرف وحرف هذا الشباب عن طريق الثورة وإدارة الظهر للعدو الباغي الذي يقتل أطفالنا ونساءنا ورجالنا ويدمر مدننا وبلداتنا وقرانا وهو هدف الثوار الأول؟!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم يوم أمس, 03:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخوارج تاريخ وعقيدة

الخوارج تاريخ وعقيدة (3)


محمد فاروق الإمام




الخوارج يشغلون الدولة الإسلامية عن الفتوح


لقد كان أول من تصدى لهذه الفئة الباغية الضالة - الخوارج - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بشجاعته النادرة وإيمانه القوي، وعزيمته التي لا تلين. وقف متحديا بحقه باطلهم، وقف في وجه هذه الطغمة الجاهلة، التي تريد هدم هذا الدين (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
وقف يحاججهم، قبل أن يسل السيف في وجوههم، وينفذ فيهم القصاص العادل، وحكم الله فيهم، وقد سفكوا الدماء، وقتلوا الأبرياء، وبقروا بطون النساء، وذبحوا الأطفال.. وقف ليحاججهم حتى لا يترك لهذه الطغمة الشريرة حجة لشق صف المسلمين، والعبث بهذا الدين الحنيف الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه).
وقف فقال: ماذا نقمتم مني ؟
فقالوا له: أول ما نقمنا منك أنّا قاتلنا بين يديك يوم الجمل، فلما انهزم أصحاب الجمل أبحت لنا ما وجدنا في عسكرهم من المال، ومنعتنا من سبي نسائهم وذراريهم، فكيف استحللت مالهم دون النساء والذرية ؟
فقال: إنما أبحت لكم أموالهم بدلاً عما كانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة قبل قدومي عليهم، والنساء والذرية لم يقاتلونا، وكان لهم حكم الإسلام بحكم دار الإسلام، ولم يكن منهم ردة عن الإسلام، ولا يجوز استرقاق من لم يكفر، وبعد لو أبحت لكم النساء أيكم يأخذ عائشة في سهمه ؟
فخجل القوم من هذا. ثم قالوا له: نقمنا عليك محو إمرة أمير المؤمنين على اسمك في الكتاب بينك وبين معاوية لما نازعك معاوية في ذلك، فقال: فعلت مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، حين قال له سهيل بن عمرو: لو علمت أنك رسول الله لما نازعتك ولكن اكتب باسمك واسم أبيك، فكتب: "هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو". وأخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لي منهم يوماً مثل ذلك، فكانت قصتي في هذا مع الأبناء قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الآباء، فقالوا له: فلم قلت للحكمين: إن كنت أهلا للخلافة فاثبتاني، فإن كنت في شك من خلافتك فغيرك بالشك فيك أولى. فقال: إنما أردت بذلك النصفة لمعاوية، ولو قلت للحكمين أحكما لي بالخلافة لم يرض بذلك معاوية، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم نصارى (نجران) إلى المباهلة وقال لهم: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين). فأنصفهم بذلك من نفسه، ولو قال: "ابتهل فأجعل لعنة الله عليكم" لم يرض النصارى بذلك، لذلك أنصفت أنا معاوية من نفسي، ولم أدر غدر عمرو بن العاص. قالوا: فلم حكّمت الحكمين في حق كان لك! فقال: وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكّم سعد بن معاذ في (بني قريظة) ، ولو شاء لم يفعل، وأقمت أنا أيضاً حكماً، لكن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم بالعدل، وحكمي خُدع حتى كان من الأمر ما كان، فهل عندكم شيء سوى هذا ؟
فسكت القوم وبهتوا أمام الحجة المقنعة كما بهت (النمرود) من قبلهم أمام إبراهيم عليه السلام.
وقال معظمهم: صدق والله.. وقالوا: التوبة.. واستأمن إلى علي رضي الله عنه يومئذ ثمانية آلاف، وبقي على الغي والضلالة منهم أربعة آلاف.
وبعد هذه المحاجة ثاب جل القوم إلى رشدهم، وأبت منهم فئة - ضالة - إلا ركوب طريق الشك والغي والضلالة، ليلاقوا جزاءهم العادل على أيد هيأها الله عز وجل لتقتص منهم في كل زمان ومكان.
وهكذا نجد أن ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تظهر هذه الفئة الباغية من افتراق أمة الإسلام أمرا محققاً. فقد قال صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفرقن أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار. قيل يا رسول الله: من هم ؟ قال: الجماعة".
لقد انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وترك هذه الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، تاركاً بين أيديها ما إن تمسكت به لن تضل أبداً، كتاب الله وسنته المطهرة، ولكن للنفس هوى وللقلب قرين.
لقد شغل الخوارج عبر التاريخ الإسلامي حيزاً كبيراً من حياة دولة الإسلام سواء منها في العهد الأموي أو في العهد العباسي، والعهود المتتالية، وفي طول بلاد دولة الإسلام وعرضها. من نجد إلى أعماق بلاد المغرب وفارس والهند، ومن الجزيرة والشام في الشمال إلى أقصى الجنوب في اليمن.
حيروا الخلفاء وهزموا الجيوش وقهروا القادة العظام، واعتدوا على المحرمات وسفكوا الدماء، معتقدين - واهمين - أنهم لا يسفكون الدماء ولا يقتلون النفس التي حرمها الله إلا حميّة وتقرباً لله واستجابة لمرضاته.
كانت ضحاياهم من الخلفاء والفقهاء وصفوة الصحابة وأشراف التابعين ووجوه الناس وعلية القوم.وكان كل من لا يقول قولهم، ويرى رأيهم، ويعتقد اعتقادهم، مهددا في حياته وماله وعياله.. زرعوا الرعب في القلوب، والخوف في النفوس، والشك في العقول، كما يفعل خوارج عصرنا اليوم.
كانت أخبار تحركاتهم تكفي كي يهجر الناس البيوت ويفروا، وكانت تصطك أسنان شجعان الرجال عند اللقاء بهم، فكم من جيوش سيقت لقتالهم سوقاً كالأنعام وفرت كالنعام دون احتراب. كان الواحد تخشاه المئة، والمئة تخشاها الألوف، فالتاريخ يروي لنا عن بطولاتهم الأسطورية الكثير، فها هو (شبيب بن يزيد) أحد قادتهم يهزم جيش الحجاج وهم خمسون ألفا وهو في ستمائة فارس، وهذا ضرب من الخيال في منظار الميزان المادي، ولكنها الحقيقة التي أجمع عليها رواة التاريخ الذين لا يشك في صدقهم وأمانتهم في نقل هذه الحقائق إلينا.. (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين).
لم يقاتل الخوارج لدنيا أو متاع أو مال، فهذا (شبيب) يلقي بالمال الذي أهدي إليه في نهر دجلة قائلا: (ما لهذا خرجنا). وهذا أحدهم يهدى إليه سيف وفرس ومال، فيأخذ السيف والفرس ويرد المال.
لقد كانت نساؤهم فارسات يقاتلن كالرجال، فهذه (غزالة) زوجة شبيب تقود مئتين من صواحبها، وتدخل الكوفة لتفي بنذر قطعته على نفسها، ويهرب منها الحجاج الذي دانت له الرقاب وهابته الرجال. وتأتي جامع الكوفة، وتعلوا المنبر، وتخطب في الناس، وتطعن في بني أمية، ثم تصلي ركعتين تقرأ فيهما سورتي البقرة وآل عمران. ثم تقتل بعد ذلك المعتكفين في المسجد. وقد عيّر بعض الشعراء الحجاج بهربه من غزالة فقال:
أسد علي وفي الحروب نعامـة … فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى … بل كان قلبك في جناحي طائر
إن الحديث عن الخوارج يدمي القلوب، فكم كانت بلدان ستفتح، ومنارات سترفع، لو كانت سيوف الخوارج قد سلت في وجه الكفر والشرك، وأشرعت لإعلاء كلمة التوحيد ونشر دين الإسلام.
إن ما دفعني للمسير في هذا الطريق الشائك أمران:
الأول: لفت انتباه حكام المسلمين كي يستوعبوا الدرس من الحالات التي دعت إلى ظهور الخوارج، وفي هذا السياق عليهم استيعاب شباب هذه الأمة وامتصاص اندفاعاتهم، وترك حرية التعبير لهم ضمن القنوات التي تكفل لهم هذه الحرية دون مساس بأمن الوطن أو الإضرار بالمجتمع. فإن الصحوة الإسلامية التي تجتاح العالم الإسلامي، هي ظاهرة صحية وبشائر خير لهذه الأمة. فبهذا الدين صنع الآباء والأجداد لهذه الأمة أعظم حضارة عرفتها الإنسانية على مر العصور.
الثاني: لفت انتباه الجماعات المسلحة التي تظهر هنا وهناك،وقد جعلت من نفسها دائرة فقه وشرع وفتوى ودار حرب ودار إسلام، أن تعمل على كبح جماح اندفاعاتها المتهورة التي تسير في طريق لا يخدم الإسلام، بقدر ما يفكك المجتمع ويزعزع الاستقرار ويهدد أمنه وسلامته، ويزرع الأحقاد والضغائن بين فئاته وطبقاته، ويؤلب أعداء الإسلام علينا بحجة أمن وسلامة شعوبهم وبلدانهم، كما حدث في أعقاب ضرب نيويورك في الحادي عشر من أيلول عام 2003م. ونقول لهؤلاء الشباب النزقالمندفع: لا يجوز تكفير المسلم بكبيرة أو معصية، ولا يجوز إشهار سيف في وجه رجل يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. والرسول صلى الله عليه وسلم قد عصم دم من قالها. فما المسوغ لقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، فقد جاء في حديث أسامة بن زيد (بعثَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ سريَّةً إلى الحُرقاتِ فنَذروا بنا فَهَربوا، فأدرَكْنا رجلًا، فلمَّا غشيناهُ قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فضَربناهُ حتَّى قتلناهُ. فذَكَرتُهُ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ: (من لَكَ بلا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يومَ القيامةِ. فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّما قالَها مَخافةَ السِّلاحِ. قالَ: أفلا شقَقتَ عن قلبِهِ حتَّى تعلمَ مِن أجلِ ذلِكَ قالَها أم لا؟ مَن لَكَ بلا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يومَ القيامةِ؟ فما زالَ يقولُها حتَّى وَدِدْتُ أنِّي لم أُسلِم إلَّا يومئذٍ)..
وقبل البدء بكتابة هذه االحلقات قرأت مقالاً للدكتور الداعية الشيخ يوسف القرضاوي – حفظه الله –حول هذا لموضوع جاء فيه:
"يبلغ التطرف غايته، حين يُسقط عصمة الآخرين، ويستبيح دماءهم وأموالهم، ولا يرى لهم حرمة ولا ذمة، وذلك إنما يكون حين يخوض لجّة التكفير، واتهام جمهور الناس بالخروج من الإسلام، أو عدم الدخول فيه أصلاً، كما هي دعوى بعضهم، وهذا يمثل قمة التطرف الذي يجعل صاحبه في واد، وسائر الأمة في واد آخر.
وهذا ما وقع فيه الخوارج في فجر الإسلام، والذين كانوا من أشد الناس تمسكاً بالشعائر التعبدية، صياماً وقياماً وتلاوة قرآن، ولكنهم أتوا من فساد الفكر، لا من فساد الضمير.
وما وقع لطائفة الخوارج قديماً، وقع لأخلافهم حديثاً، وأعني به من سموهم جماعة التكفير والهجرة.
فهم يكفرون كل من ارتكب معصية وأصر عليها، ولم يتب منها، وهم يكفرون الحكام، لأنهم لم يحكموا بما أنزل الله.
ويكفرون المحكومين، لأنهم رضوا بهم، وتابعوهم على الحكام بغير ما أنزل الله، وهم يكفرون علماء الدين وغيرهم، لأنهم لم يكفروا الحكام والمحكومين، ومن لم يكفر الكافر فهو كافر.
وهم يكفرون كل من عرضوا عليه فكرهم، فلم يقبله، ولم يدخل فيما دخلوا فيه.
ويكفرون كل من قبل فكرهم، ولم يدخل في جماعتهم يبايع إمامهم. ومن بايع إمامهم ودخل في جماعتهم، ثم تراءى له – لسبب أو لآخر – أن يتركها، فهو مرتد حلال الدم.
وكل الجماعات الإسلامية إذا بلغتها دعوتهم ولم تحل نفسها لتبايع إمامهم فهي كافرة مارقة.
وكل من أخذ بأقوال الأئمة، أو بالإجماع أو القياس أو المصلحة المرسلة أو الاستحسان ونحوها، فهو مشرك كافر.
وهكذا أسرف هؤلاء في التكفير، فكفروا الناس أحياءً وأمواتاً بالجملة، هذا مع أن تكفير المسلم أمر خطير، يترتب عليه حل دمه وماله، والتفريق بينه وبين زوجه وولده، وقطع ما بينه وبين المسلمين، فلا يرث ولا يورث ولا يوالى، وإذا مات لا يغسل ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين.
ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاتهام بالكفر، فشدد التحذير، ففي الحديث الصحيح: من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما فما لم يكن الآخر كافراً بيقين، فسترد التهمة على من قالها، ويبوء بها، وفي هذا خطر جسيم".
وإن غيب بعض قادة هذه الأمة فريضة الجهاد فإن حسابهم على الله، وحتى لا تكون هذه الجماعات خوارج هذه الأمة اليوم عليهم أن يثوبوا إلى رشدهم ويتقوا الله في هذه الأمة، وليرجعوا إلى التاريخ، وما جرته الخوارج على هذه الأمة - التي ابتليت بهم على مر العصور - من دمار وحروب وتعطيل لفريضة الجهاد ووقف للفتوح.
على هدي هذين الأمرين، توكلت على الله وقمت بإعداد هذه الحلقات لتكون فيها(ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم يوم أمس, 03:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخوارج تاريخ وعقيدة

الخوارج تاريخ وعقيدة (4)


محمد فاروق الإمام

فتنة الخوارج وما نتج عنها من شق صف المسلمين


لقد أجمعت مصادر التاريخ على أن الفتنة التي تمخضت عنها الانشقاقات التي عصفت بجسد هذه الأمة ومزقت صفها، تعود إلى عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه. وكانت هذه الفتنة الغطاء الذي تحرك في ظله دعاتها، ولتجر فيما بعد مسلسلاً دموياً طال الخليفة عثمان نفسه، ومن بعده الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
وبعد أن تطاولت الأيدي الآثمة على رموز الدولة الإسلامية لم يعد هناك من شيء يمنعها أو يحد من غلوائها في تحدي الإسلام عقيدة وفقهاً وعبادة وإمامة.
ووجدت هذه الأيدي مطيتها في أصحاب الجهالة والعصبية حصاناً تركبه، ودرعاً تلبسه، وسيفاً تشهره.
لقد حدثت اختلافات بين المسلمين من يوم أن قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن اختلافاتهم كانت تهوي صاغرة أمام كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينهي النزاع على خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قُبض، حيث اجتمع الأنصار في سقيفتهم يريدونها فيهم، وهم يرون أحقيتهم فيها، فقد ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيدوه وآووه. ولكنهم تراجعوا عندما ذكّرهم أبو بكر الصديق بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش"، وسلم الأنصار للقول الفصل، ولم يعلنوا الثورة أو التمرد وهم أصحاب الأرض والمنعة.
وهذا علي رضي الله عنه عندما جاءه خبر بيعة الناس لأبي بكر، خرج في قميص له ما عليه إزار ولا رداء عجلاً، كراهية أن يبطئ عنها حتى بايعه. ثم جلس إليه وبعث إلى ثوبه فأتاه فتجلله ولزم مجلسه.
لقد كانت غاية أصحاب الفتنة ومفتعليها وقف المد الإسلامي والحد من الفتوحات (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
قلنا إن بداية الفتنة - كما أجمع على ذلك رواة التاريخ - كانت قد أخذت تشرئب بأعناق مفتعليها كما تشرئب الديدان برؤوسها من المستنقعات الطينية في النصف الثاني من عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وقد عرف عن عثمان رضي الله عنه بحبه لقرابته، فولاهم وقربهم واستشارهم، وأُخذ على عثمان رضي الله عنه عزله لسعد بن أبي وقاص عن ولاية العراق، وعزله لعمرو بن العاص عن ولاية مصر، وتقريبه لمروان بن الحكم، وتوليته لعبد الله بن أبي السرح على مصر، الذي كان فظاً غليظاً متعالياً قاسي القلب، مما أثار الناس على عثمان رضي الله عنه، فقد كان أول من انتقض وسار عليه أهل مصر رعية ابن أبي السرح.
وجاء أهل مصر متمردين ثائرين، بعد أن ضاق صدرهم بما يفعله فيهم عبد الله بن أبي السرح، ويئسوا منه أن يثوب إلى رشده ويقيم العدل فيهم، وإن اليأس يفتح باب الشر، ويشق طريق الفتن ومن ثم القتل والاقتتال، لأن العدل هو الحاجز المتين بين الخير والشر.
وكان عثمان رضي الله عنه - كما روت كتب التاريخ - رقيق القلب ليناً مع ولاته وعماله، رغم سوء إدارتهم وظلمهم. وقد تسلم عثمان الإمارة بعد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان شعاره: "خير لي أن أعزل كل يوم والياً، من أن أبقي والياً ظالماً ساعة من زمان".
هذا التحول بين عهد عرف بالشدة والعدل إلى عهد عرف برقة القلب واللين في التعامل. جعل الناس يتسرب اليأس إلى نفوسهم والشك إلى يقينهم في أن يغير عثمان رضي الله عنه ما حل بهم من جور الحكام وظلم الولاة.
أيضاً لم يكن عثمان رضي الله عنه حازماً في وجه معارضيه، بل ترك لهم الحبل على الغارب، ظناً منه أنه يسوس الأمة بلينه وشفقته بعد عهد من القسوة والشدة، فجاءت النتائج بعكس ما كان يؤمل، كما منع الصحابة من التصدي لرؤوس الفتنة الذين أحاطوا بداره يريدون رأسه، منعاً لسفك الدماء، ومنعاً من أن يرى المسلمين يقتل بعضهم بعضا.
رحمك الله يا عثمان ما أرق قلبك وما أشفقك، أبيت سفك الدماء فكان رأسك الشريف الثمن، وجسدك الطاهر المهر، وكنت أول الفداء.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم يوم أمس, 03:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الخوارج تاريخ وعقيدة

الخوارج تاريخ وعقيدة (5)


محمد فاروق الإمام



عبد الله بن سبأ وبداية الفتنة


لقد كان لبعض الحاقدين على الإسلام والكائدين لأهله، من أشباه رجال أظهروا الإسلام وأضمروا الكفر، الدور البارز في إشعال الفتنة وإذكاء نارها. فقد لعب هؤلاء دوراً مهماً ومن ورائهم قوة خفية تخطط لهم بذكاء ودهاء وخبث. فقد بثوا الإشاعات، وزوروا الكتب على لسان كبار الصحابة وأذاعوها في الأمصار.
وكان على رأس هذه الفئة المفسدة الحاقدة اليهودي "عبد الله بن سبأ". الذي أخذ يتنقل في بلاد المسلمين فيضل قصار العقول، ويحرض ضعاف الإيمان. فبدأ بالحجاز، ثم بالبصرة، ثم بالكوفة، ثم بالشام. فلم يستطع تحقيق مآربه في تلك البلدان، ولم ييأس الحاقد المفسد، بل يمم وجهه شطر مصر، فأقام هناك، وبدأ يحوك ضلالاته بين أهل مصر الحديثي العهد بالإسلام. فيقول لهم فيما يقول: "لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمدا يرجع، وقد قال الله عز وجل: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد)، فمحمداً أحق بالرجوع من عيسى". فقبل ضعاف النفوس ذلك منه، ووضع لهم الرجعة، فتكلموا فيها. ثم قال لهم بعد ذلك: "إنه كان ألف نبي، ولكل نبي وصي، وكان علي وصي محمد"، ثم قال: "محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء"، ثم قال بعد ذلك: "من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة !"، ثم قال للناس: "إن عثمان أخذها بغير حق، وهذا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانهضوا في هذا الأمر فحركوه، وابدأوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر".
وبث ابن سبأ دعاته في الأمصار، يدعون في السر إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار كتبا يضعونها في عيوب ولاتهم. وركزوا في كتبهم على المدينة المنورة مركز الخلافة، وأوسعوا الأرض تشهيراً بأهلها، وهم يريدون غير ما يظهرون ويسرون غير ما يبدون.
ومن ذلك يتضح لنا خطر عبد الله بن سبأ على الإسلام، فهو أول من أحدث القول بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد موته.
وهكذا استطاع عبد الله بن سبأ أن يبث سمومه وأفكاره المضلة في رؤوس بعض ضعاف النفوس وأصحاب الهوى وحديثي العهد بالإسلام.
لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخوارج، وأشار إلى علاماتهم. فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن خالد الجهني أنه كان في الجيش الذي كانوا مع علي رضي الله عنه، الذين ساروا إلى الخوارج.. فقال علي رضي الله عنه: أيها الناس، إني سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول:
"يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن ويحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. ولو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قص لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لا تكلوا عن العمل.. وآية ذلك أن فيهم رجلاً له عضد وليس له ذراع، عل رأس عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض.. فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم..".. "والله - يقول علي - إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على سرح الناس فسيروا على اسم الله".
لقد أردت فيما سبق من حديث أن يكون مدخلاً عاماً، وصورة مقربة عن أسباب وعوامل خلاف المسلمين وتصدع بنيانهم، ونشوء فرق الخوارج الذين هم مادة حلقاتنا هذه، التي سنستعرض فيها أحوال الخوارج تاريخاً وعقيدة، ونقارن حال خوارج زماننا مع خوارج من سبقنا ووجوه الشبه بينهما!!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 104.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 100.98 كيلو بايت... تم توفير 3.52 كيلو بايت...بمعدل (3.37%)]