كيف عامل النبي - صلى الله عليه وسلم- يهود؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الفساد الفكري.. وانتحار الأمم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الغرب والعرب والصناعات العسكرية الصهيونية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 7815 )           »          8 معاول لهدم الحياة الزوجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          صفــات المعـلم المـؤثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          همسات تربوية مع عام دراسي جديد..! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          الاعتدال فضيلة أخلاقية واقتصادية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 229 - عددالزوار : 26349 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 8 - عددالزوار : 276 )           »          أهمية الشعور بالمسؤولية وتحملها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 258 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-12-2023, 12:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,268
الدولة : Egypt
افتراضي كيف عامل النبي - صلى الله عليه وسلم- يهود؟

كيف عامل النبي - صلى الله عليه وسلم- يهود؟

(موعظة الأسبوع) (1)

بداية التعامل



كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مقدمة:
- الإشارة إلى الأحداث في فلسطين، وتعرُّض إخواننا في غزة للإبادة والمجازر الوحشية على يد اليهود الملاعين.
- وجوب المناصرة لهم بكل ممكن، ولو بالكلمة والمشاركة الوجدانية: كان القائد المسلم " نور الدين محمود زنكي" يقول: "إني لأستحيي من الله -تعالى- أن يراني مبتسمًا والمسلمون محاصَرون بالفرنج!". وكان "صلاح الدين الأيوبي" يقول: "كيف يطيب لي الفرح والطعام ولذة المنام، وبيتُ المقدس بأيدي الصليبين؟!" (الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية).
- من هذا الباب ستكون لنا سلسلة أحاديث من باب المناصرة لقضية المسجد الأقصى، وأرض فلسطين المباركة، بإثارة النفوس نحو زيادة البغض للمعتدين -اليهود المغضوب عليهم- من خلال عرض صفحات من تاريخهم المظلم مع نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وكيف عاملهم النبي - صلى الله عليه وسلم- في كل الظروف؛ ليكون ذلك سراجًا لنا نسير به على طريق التعامل مع هؤلاء المغضوب عليهم.
(1) حال اليهود قبل هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة:
- كان يهود قد انحازوا بعد الاضطهاد الآشوري والروماني إلى الجزيرة العربية؛ واصطبغوا بالعربية ظاهرًا لمصلحتهم، ومع ذلك فقد كانوا يحتقرون العرب ويفتخرون عليهم: قال -تعالى- عنهم: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:75). (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (البقرة:89).
- عرفت يهود بأنهم مهرة في فنون الكسب والمعيشة، وتجارة الخمور، وأنهم رؤوس في المعاملات الربوية؛ فقد أغروا العرب بالقروض الربوية حتى أعجزوا كثيرًا منهم عن السداد، فاضطروهم إلى بيع أملاكهم وأرضهم لهم، وكانوا رؤوسًا في إشعال الحروب بين القبائل العربية؛ حتى لا يجتمع للعرب قوة موحَّدة يومًا.
- وأما الناحية الدينية فقد كانوا منغلقين على أنفسهم -بزعم أنهم شعب الله المختار!-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (المائدة: 18).
(2) طريقة معاملة النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم في نقاط:
- عندما وصل النبي -صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة؛ وجد ثلاث قبائل يهودية تسكن المدينة مع أهلها؛ وهم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، كما كان في شمال المدينة تجمع يهود خيبر.
- بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوتهم؛ جماعات وأفرادًا، وكان أول من جاءه من اليهود "عبد الله بن سلام "-رضي الله عنه-، وسأله عددًا من الأسئلة ليتثبت من كونه نبيًّا مرسلًا، ثم أعلن إسلامه، وأسلم من بعده عدد قليل جدًّا من اليهود، لكن الأكثر منهم ظلوا على كفرهم: فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلَامٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: (أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا) قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: (أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ: فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتِ الْوَلَدَ) قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟) قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (‌أَرَأَيْتُمْ ‌إِنْ ‌أَسْلَمَ ‌عَبْدُ ‌اللهِ ‌بْنُ ‌سَلَامٍ) قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وَتَنَقَّصُوهُ! قَالَ: هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللهِ. (رواه البخاري).
وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم - يقول لهم: (يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَيْلَكُمُ، اتَّقُوا اللهَ فَوَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ حَقًّا، ‌وَأَنِّي ‌جِئْتُكُمْ ‌بِحَقٍّ، ‌فَأَسْلِمُوا قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ).
- لم يتجه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى سياسة الإبعاد والمخاصمة، حيث إنهم لم يظهروا عداوة للمسلمين، ولم يكن لهم مطالب إلا أن يتركهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على دينهم ووضعهم، فأقر لهم ذلك؛ لا سيما وأن هناك عدوًّا يسبب للمسلمين قلقًا بصفة دائمة، وهم مشركو مكة ومَن وافقهم مِن قبائل العرب؛ فأراد أن يتفرغ لذلك.
- عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- على تأليف قلوب اليهود بعددٍ من الأمور، نذكر منها:
1- صلاته -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرًا(1): عن البراء قال: "‌صَلَّيْنَا ‌مَعَ ‌رَسُولِ ‌اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الْكَعْبَةِ" (متفق عليه).
2- صيامه -صلى الله عليه وسلم- يوم عاشوراء: عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: إنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا، يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ لهمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: (ما هذا اليَوْمُ الذي تَصُومُونَهُ؟) فَقالوا: هذا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللَّهُ فيه مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: (فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بمُوسَى مِنكُم) فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- وَأَمَرَ بصِيَامِهِ. (رواه مسلم).
3- إبرامه -صلى الله عليه وسلم- معاهدة بينه وبين يهود؛ ومن أهم بنود هذه المعاهدة:
- أن اليهود جزء من مجتمع المدينة.
- حقُّ التّملّك وحفظ حقوقهم المالية؛ من تملك، وبيع وشراء، وغيرها.
- أن يتعاون اليهود مع المسلمين في الحفاظ على أمن المدينة وسلامتها وحمايتها من كلِّ عدوان خارجي.
- القضاء بينهم بقضاء دينهم؛ طالما لم يكن هناك طرف مسلمٌ في القضيَّة؛ فحينها يكون القضاء للإسلام.
5- أمره -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ - المُسلمين بحسن مُعاملتهم؛ فقد كان يزور مريضهم، ويقبل هداياهم، ويعفو عن المسيء فيهم، وكان يبيع ويشترى منهم، ويحاورهم ويناقشهم.
(3) عداوة اليهود للنبي -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ - وللإسلام والمسلمين باطنًا وظاهرًا:
- لم يكونوا يتجاسرون على إظهار العداوة في أول مجيء النبي -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: روى ابن إسحاق عن أم المؤمنين صفية بنت حيي -رضي الله عنها- قالت: "كُنْتُ ‌أحَبَّ ‌وَلَدِ ‌أَبِي ‌إلَيْهِ، ‌وَإِلَى ‌عَمِّي ‌أَبِي: ‌يَاسِرٍ، لَمْ ألْقَهما قَطُّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا إلَّا أَخَذَانِي دُونَهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ، وَنَزَلَ قُبَاء فِي بَنِي عَمرو بْنِ عَوْفٍ غَدَا عَلَيْهِ أَبِي، حُيي بْنُ أَخْطَبَ، وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، مُغَلَّسَيْن. قَالَتْ: فَلَمْ يَرْجِعَا حَتَّى كَانَا مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. قَالَتْ: فأتَيا كَالَّيْن كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الهوينَى. قَالَتْ: فهشِشْتُ إلَيْهِمَا كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ، فَوَاَللَّهِ مَا التفتَ إليَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، مَعَ مَا بِهِمَا مِنْ الغَمِّ. قَالَتْ: وَسَمِعْتُ عَمِّي أَبَا يَاسِرٍ، وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي، حُييّ بْنِ أخْطَب: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاَللَّهِ: قَالَ: أَتَعْرِفُهُ وتُثْبته؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا فِي نفسِك مِنْهُ؟ قَالَ: عداوتُهُ والله ما بَقِيتُ" (السيرة النبوية لابن هشام).
- لكنهم مع الوقت، ورؤيتهم مشاهد المجتمع الإسلامي، وانتشار تعاليم الإسلام، بدأوا يعملون بالمكر والوقيعة والدسائس: روى ابن إسحاق بسنده في السيرة، قال: "وَمَرَّ شَأس بْنُ قيْس، وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا -أي: كبر-، ‌عَظِيمَ ‌الْكُفْرِ، ‌شَدِيدَ ‌الضّغْن ‌عَلَى ‌الْمُسْلِمِينَ، شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ، عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ الأوْس وَالْخَزْرَجِ فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ، يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ، فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ: قَدْ اجتمع ملأ بني قَيْلة بهذه البلاد، وَاَللَّهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ. فَأَمَرَ فَتًى شَابًّا مِنْ يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: اعمدْ إلَيْهِمْ، فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمَّ اُذْكُرْ يومَ بُعاث وَمَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِن الأَشْعَارِ... فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا، حَتَّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنْ الْحَيَّيْنِ عَلَى الرُّكب، أوْس بْنُ قَيْظِي، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ، مِنْ الأوْس، وجَبَّار بْنُ صَخْر، أَحَدُ بَنِي سَلمة مِنْ الْخَزْرَجِ، فَتَقَاوَلَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنْ شِئْتُمْ رَدَدْنَاهَا الْآنَ جَذَعة، فَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، وَقَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا مَوْعِدُكُمْ الظَّاهِرَةُ -وَالظَّاهِرَةُ: الْحرَّةُ- السلاحَ السلاحَ. فَخَرَجُوا إلَيْهَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى جَاءَهُمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهَ اللَّهَ، أبدعْوى، الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَا بينَ أظهرِكم بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ، وألَّف بِهِ من قُلُوبِكُمْ؟! فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهَا نَزْغة مِنْ الشَّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَبَكَوْا وَعَانَقَ الرِّجَالُ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بعضُهم بَعْضًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، قَدْ أَطْفَأَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَيْد عَدُوِّ اللَّهِ شَأس بْنِ قَيِّس" (السيرة النبوية لابن هشام).
وقال بعض المفسرين: وأنزل الله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ? (آل عمران: 103).
- غيظهم بعد نصر بدر: فلما انتصر المسلمون أرسلوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: "يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلقَ مثلنا" (السيرة النبوية لابن هشام).
- وهكذا مع كل ما سبق، من حسن معاملة النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين لهم، فاليهود هم اليهود... لم يحفظوا عهدًا ولا عقدًا: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100)، (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال:55-56).
خاتمة:
- في الأحاديث القادمة -إن شاء الله- سنقف كل مرة على صفحة مظلمة من صفحات هذه الفئة الخبيثة التي قال الله -تعالى- عنها: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ...) (النساء:46). وقال: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة:75).
فاللهم أنجِ المسلمين المستضعفين في فلسطين، وأهلِك اليهود ومَن عاونهم يا قوي يا متين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال الطبري في تفسيره: "اختلف أهلُ العلم في ذكر السبب الذي كان من أجله يُصلِّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحو بيت المقدس، قبل أن يُفرض عليه التوجُّه شطرَ الكعبة. فقال بعضهم: كان ذلك باختيار من النبي -صلى الله عليه وسلم-" وأسند تحت هذا القول أثرًا عن عكرمة والحسن البصري، فيه: "فاستقبلها النبي -صلى الله عليه وسلم- سبعةَ عشر شهرًا، ليؤمنوا به ويتبعوه، ويدعو بذلك الأميين من العرب. وعن أبي العالية قال: إنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم خُيِّر أن يوجِّه وجهه حيث شاء، فاختار بيت المقدس؛ لكي يتألَّف أهلَ الكتاب" (انظر: تفسير الطبري).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-01-2024, 12:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,268
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كيف عامل النبي - صلى الله عليه وسلم- يهود؟

كيف عامل النبي -صلى الله عليه وسلم- يهود؟

(موعظة الأسبوع) (2)

تعامله مع نقض بني قينقاع للمعاهدة



كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مقدمة:
- إشارة مختصرة إلى ما جاء في الحديث السابق.
- مَن هم بنو قينقاع؟: هم قبيلة يهودية سكنت المدينة وعملت في مجال الصناعة اليدوية وصياغة الذهب والفضة، ولهم سوق يقصدهم الناس لتأمين حاجتهم من الأدوات أو المصاغ، ولأجل هذه الحِرَف والصناعات كانت قد توفرت لكل رجل منهم آلات الحرب، وكان عدد المقاتلين فيهم سبعمائة، وكانوا أشجع يهود المدينة، وهم أول مَن نكث العهد والميثاق من قبائل اليهود‏. ‏
كيف نقضوا المعاهدة؟
- ذكرت كتبُ السير أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين انتصر على المشركين في معركة بدر، اشتد طغيان يهود بني قينقاع، فكانوا يثيرون الشغب، ويتعرضون بالسخرية، ويواجهون بالأذى كل من ورد سوقهم من المسلمين.
- كظم النبي -صلى الله عليه وسلم- غيظه، وصبر المسلمون، وأخذوا ينتظرون ما تتمخض عنه الليالي والأيام‏: فأنزل الله -تعالى-‏: ‏‏(‏قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ‏ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ)‏ ‏(‏آل عمران: 12-13‏)‏‏. ‏
وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال‏:‏ "لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ جَمَعَ الْيَهُودَ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، ‌أَسْلِمُوا ‌قَبْلَ ‌أَنْ ‌يُصِيبَكُمْ ‌مِثْلُ ‌مَا ‌أَصَابَ ‌قُرَيْشًا، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، لَا يَغُرَّنَّكَ مِنْ نَفْسِكَ أَنَّكَ قَتَلْتَ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا أَغْمَارًا، لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ، إِنَّكَ لَوْ قَاتَلْتَنَا لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ، وَأَنَّكَ لَمْ تَلْقَ مِثْلَنَا" (رواه أبو داود، والضياء في الأحاديث المختارة).
- ازداد اليهود -من بني قينقاع- جراءة وطغيانًا، وتوسعوا في تحرشاتهم واستفزازاتهم للمسلمين: روي ابن هشام في سيرته‏:‏ "أن امرأة من العرب قدمت بجَلَبٍ لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فَعَمَد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها -وهي غافلة- فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله -وكان يهوديًّا- فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع"‏. ‏
كيف تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- معهم؟
- حينئذٍ قرَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- حربهم؛ فلقد كان ذلك منهم بمثابة إعلان نقض للعهد، فأعطي لواء المسلمين حمزة بن عبد المطلب، وسار بجنود الله إلى بني قينقاع، ولما رأوه تحصنوا في حصونهم! فحاصرهم أشد الحصار، ودام الحصار خمس عشرة ليلة، حتى أعلنوا الاستسلام!
- سبحان الله! أين الذين كانوا يعلنون العداوة والشجاعة بالأمس؟! أين القوة التي لا تغلب؟! (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) (الحشر: 13).
- قذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رقابهم وأموالهم ونسائهم وذريتهم، فأمر بالمقاتلة فكتفوا‏، وقيدوا بالحبال والعقال، وهم بقتلهم: وصدق الله -تعالى-‏ لما أنزل قبلها: (‏قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ‏ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ‏) (‏آل عمران: 12، 13‏)‏‏. ‏
مواقف الخذلان من المنافقين:
- مَن هم؟ فئة مِن أهل يثرب أعلنوا إسلامهم ظاهرًا بعد معركة بدر، لما رأوا أن الأمور صارت بيد المسلمين، فجاؤوا مسرعين يطلبون العفو عن حلفائهم اليهود، ليظلوا بين الفريقين لضمان بقاء مصالحهم الدنيوية: "قال أهل السير: أتى رأسُ المنافقين عبدُ الله بنُ أبيٍّ ابنُ سَلُولَ، فقال: يا محمد، أحسن في مواليَّ، فأبطأ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا محمد، أحسن في موالي، فأعرض عنه، فأدخل ابن سَلُول يده في جيب درع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرسِلْني، وبدا الغضب في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: ويحك أرسلني! قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني يوم الحدائق ويوم بعاث من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة؟! إني والله امرؤ أخشى الدوائر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هم لك" (السيرة النبوية لابن هشام).
- النبي -صلى الله عليه وسلم- يترك معاقبتهم على خيانتهم تأليفًا للمنافقين، ودرءًا للفتنة، ويأمر بطردهم خارج المدينة إلى أذرعات الشام بعد أخذ أموالهم وأسلحتهم، وترك لهم النساء والذرية، وأمهلهم ثلاثة أيام للرحيل.
مواقف الإيمان من الصادقين:
- كان لعبادة بن الصامت -رضي الله عنه- حلف مع بني قينقاع مثل الذي كان لابن سلول، لكنه لم يقف موقفه، بل تبرأ منهم ومن فعالهم: قال: "يا رسول الله، أتولى اللهَ ورسوله وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم".
- النبي يولي عبادة -رضي الله عنه- الإشراف على طردهم في مشهد فريد في الولاء والبراء: ذكر أهل السير: "لما أمر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عُبادة بن الصَّامت أن يُجليَهم، جعلت قينقاع تقول: يا أبا الوليد! من بين الأوس والخزرج -ونحن مواليك- فعلت هذا بنا؟ قال لهم عبادة: لمَّا حاربتم جئتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلتُ: يا رسولَ الله! إنِّي أبرأ إليك منهم، ومن حلفهم"، وكان ابن سلول، وعبادة بن الصَّامت منهم بمنزلةٍ واحدةٍ في الحلف، فقال عبد الله بن سلول له: "تبرَّأتَ من حلف مواليك؟! ما هذا بيدهم عندك"، فذكَّره مواطن قد أبْلَوْا فيها، فقال عبادة: "يا أبا الحُبَاب! تغيَّرت القلوب، ومحا الإسلام العهود، أما والله! إنك لمُعْصِمٌ بأمرٍ سنرى غيَّه غدًا"، وأخذهم عبادة بالرَّحيل، والإجلاء، وطلبوا التنفُّس، فقال لهم: "ولا ساعةً من نهارٍ، لكم ثلاث لا أزيد عليها، هذا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كنت أنا ما نفَّستكم"، فلمَّا مضت ثلاث، خرج في آثارهم حتَّى سلكوا إلى الشَّام، وهو يقول: "الشَّرف الأبعد، الأقصى، فالأقصى".
- الله -تعالى- ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- الموقفين في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة: 51، 52).
- وهكذا خرج بنو قينقاع من المدينة صاغرين، قد ألقَوا سلاحَهم، وتركوا أموالهم غنيمةً للمسلمين، وهم كانوا من أشجع يهود المدينة، وأشدِّهم بأسًا، وأكثرهم عددًا وعُدَّةً؛ ولذلك لاذت القبائل اليهوديَّة الأخرى بالصَّمت، والهدوء، فترةً من الزَّمن بعد هذا العقاب الرَّادع، وسيطر الرُّعب على قلوبها.
خاتمة: خلاصة ما سبق:
- اليهود أهل حسد وغل على المسلمين في كل زمان ومكان: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 109).
- المنافقون يوالون الأعداء في كل زمان ومكان: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المنافقون: 4).
- الصادقون يقدِّمون مصالح دينهم على مصالحهم الشخصية: (موقف عبادة بن الصامت من حلفائه اليهود).
وللحديث بقية مع صفحة جديدة من تاريخ المغضوب عليهم مع نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
فاللهم عليك بهم، وطهِّر الأقصى من دنسهم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10-01-2024, 03:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,268
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كيف عامل النبي - صلى الله عليه وسلم- يهود؟

كيف عامل النبي -صلى الله عليه وسلم- يهود؟ (موعظة الأسبوع) (3) تعامله مع غدر بني النضير



كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مقدمة:
- بعد وقعة بني قينقاع وطردهم خارج المدينة، خافت قبائل يهود الأخرى على أنفسهم، فاستكانوا والتزموا الهدوء والسكون، ولكنهم بعد وقعة أُحُد تجرأوا، وازدادوا جرأة وجسارة بعد وقعة الرَّجِيع وبئر مَعُونة، حتى قاموا بمؤامرة تهدف إلى القضاء على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنقضوا العهد.
كيف نقضوا العهد؟
- محاولتهم اغتيال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ذكر أهل السِّيَر: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج إليهم في نفرٍ من أصحابه، وكلمهم أن يعينوه في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضَّمْرِي -وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة-، فقالوا: نفعل يا أبا القاسم، اجلس ها هنا حتى نقضي حاجتك. فجلس إلى جنب جدار من بيوتهم ينتظر وفاءهم بما وعدوا، وجلس معه أبو بكر وعمر وعليٌّ، وطائفة من أصحابه. وخلا اليهود بعضهم إلى بعض، وسول لهم الشيطان الشقاء الذي كتب عليهم، فتآمروا بقتله -صلى الله عليه وسلم-، وقالوا: أيكم يأخذ هذه الرحي، ويصعد فيلقيها على رأسه يشدخه بها؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش: أنا. فقال لهم سَلاَّم بن مِشْكَم: لا تفعلوا، فوالله ليُخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه، ولكنهم عزموا على تنفيذ خطتهم. ونزل جبريل يعلمه بما هموا به، فنهض مسرعًا وتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه فقالوا: نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهم بما هَمَّتْ به يهود" (زاد المعاد).
- هكذا اليهود... لا يحفظون عهدًا ولا عقدًا: قال -تعالى-: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة: 100). وقال: (وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (البقرة: 120)(1).
كيف عاملهم النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
- النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- يرسل إليهم بخيانتهم، ونقضهم للعهد وما ترتب على ذلك، وأنهم يستحقون الحرب والقتل والطرد: ذكر أهل السير: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث محمد بن مسلمة إلى يهود بني النضير يقول لهم: أخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشرًا، فمن وجدته بعد ذلك منكم ضربت عنقه".
- لم يجد اليهود مناصًا من الخروج، فأقاموا أيامًا يتجهزون للرحيل والخروج من المدينة: (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) (الحشر: 13).
- المنافقون في المشهد مرة أخرى!: رئيس المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول يبعث إليهم: "أن اثبتوا وتمنعوا ولا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصونكم يدافعون عنكم ويموتون دونكم".
- هناك عادت لليهود ثقتهم وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قاله رئيس المنافقين، فبعثوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقولون له "إنّا لن نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك!".
- كان الموقف حرجًا بالنسبة للمسلمين؛ لأنهم لا يريدون أن يشتبكوا مع خصومهم في هذه الفترة المحرجة من تاريخهم؛ لأنَّ جبهة القتال مشتعلة مع المشركين، فلا يريدون أن يفتحوا جبهة أخرى مع اليهود؛ لا سيما وأنَّ يهود النضير كانوا على درجة من القوة تجعل استسلامهم بعيد الاحتمال، والقتال معهم غير مأمون العواقب والنتائج، ولكنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- حين بلغه جوابهم كبَّر وكبَّر المسلمون معه، ثم نهض -صلى الله عليه وسلم- لقتالهم ومناجزتهم.
- سار إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- يحمل لواءه علي بن أبي طالب، فلما وصل إليهم التجأوا إلى حصونهم، وكانت نخيلهم وبساتينهم عونًا لهم في ذلك، ففرض -صلى الله عليه وسلم- عليهم الحصار، وأمر بقطع النخيل وتحريقها، وفي ذلك أنزل الله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) (الحشر: 5).
- لما رأى المنافقون جدية الأمر، خانوا حلفاءهم اليهود، فلم يسوقوا لهم خيرًا ولم يدفعوا عنهم شرًّا: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (الحشر: 16).
- لم يطل الحصار طويلًا، وإنما دام ست ليال فقط، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فانهزموا وتهيأوا للاستسلام وإلقاء السلاح، فأرسلوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نحن نخرج عن المدينة"، فوافق -صلى الله عليه وسلم- على أن يخرجوا منها بنفوسهم وذراريهم، وأن لهم ما حملت الإبل إلا السلاح، فوافقوا على ذلك. ولحقدهم وحسدهم قاموا بتخريب بيوتهم بأيديهم، ليحملوا معهم الأبواب والشبابيك والجذوع؛ حتى لا يأخذها المسلمون.
دروس وعبر من الحدث:
- القرآن بعد الوقعة ينزل بالأمر بأخذ العبر والدروس من الحال إلى المآل (سورة الحشر كاملة التي جاء في مطلعها): (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (الحشر: 2).
1- إثبات قدرة الله -سبحانه وتعالى- على تغيير الأحوال، وتصريف الأمور؛ فهؤلاء اليهود كان المسلمون يظنون أن قوتهم وحصونهم التي يتحصنون بداخلها لن يستطيع أحدٌ أن يخترقها أو يخرجهم منها، وظن اليهود أن حصونهم مانعتهم من الغلبة، ولكن الله -جل جلاله- أتاهم من حيث لم يحسبوا، فسلَّط عليهم جنديًّا من جنوده، وهو: "الرعب"؛ فانهارت معنوياتهم، وضعفت نفسياتهم، فاستسلموا وخرجوا وجعلوا يخربون بيوتهم بأيديهم: قال -تعالى-: (‌سَبَّحَ ‌لِلَّهِ ‌مَا ‌فِي ‌السَّمَاوَاتِ ‌وَمَا ‌فِي ‌الْأَرْضِ ‌وَهُوَ ‌الْعَزِيزُ ‌الْحَكِيمُ . هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (الحشر: 2). (والذي أخرج هؤلاء قادر على إخراج غيرهم).
2- بيان حال المنافقين وكشف العلاقة الوطيدة بينهم وبين اليهود والنصارى (إخوانهم): قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الحشر: 11).
3- كشف زيف تدين اليهود (قتلة الأنبياء - سبوا الله بالفقر والبخل... - أكلة السحت - إلخ)، فلقد جعلوا يشيعون أن محمدًا يفسد في الأرض، لما قطع المسلمون النخيل والأشجار التي تحصنوا بها!: فقال الله -تعالى- للمسلمين: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) (الحشر: 5).
خاتمة:
- هكذا عامل النبي -صلى الله عليه وسلم- يهود بنى النضير لما غدروا ونقضوا العهد، ومع ذلك لم يتوقف من بقي منهم في المدينة عن الدس والتآمر ضد المسلمين، حتى جعلوا يتصلون بأعداء المسلمين على اختلافهم ليجيشوا الجيوش والأحلاف للقضاء على دولة الإسلام الناشئة في المدينة.
وهذه صفحة أخرى سوداء من صفحات تاريخهم المظلم مع النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، يأتي الحديث عنها في المرة القادمة -إن شاء الله-.
فاللهم عليك بهم، وطهر الأرض من دنسهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
(1) يحسن الإشارة إلى أن رئيس هذه القبيلة على التحديد، هو: "حيي بن أخطب" الذي قال بعد ما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم دخل المدينة: "أعرفه وأثبته، ولكن عداوته في قلبي ما بقيت!".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18-01-2024, 10:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,268
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كيف عامل النبي - صلى الله عليه وسلم- يهود؟

كيف عامل النبي -صلى الله عليه وسلم- يهود؟

(موعظة الأسبوع)

(4) تعامله مع خيانة بني قريظة




كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مقدمة:
- مَن هم بنو قريظة؟
هم قبيلة من قبائل اليهود الأربعة في المدينة، وهم كغيرهم ممَّن نقضوا العهد قبلهم (بنو قينقاع، بنو النضير)، فالغدر ونقض العهود والمواثيق خُلُق نشأ عليه اليهود لا يفارقونه، كما وصفهم الله -عز وجل-: (أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة: 100).
كيف نقضوا العهد؟
- خانوا المسلمين في أصعب الظروف(1)، وتآمروا مع الأحزاب، غير مكترثين بما اتفقوا عليه مع رسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو الدفاع عن المدينة ضد كل غازٍ يريد أن يغزوها، فلما جاءت الأحزاب -عشرة آلاف مقاتل- ‌بِقَضَها ‌وقَضيضها -أي: بكل ما فيها- في معركة الأحزاب ما كان من أفاعي الدس والغدر والخيانة إلا أن خانوا العهد، وخالفوا الاتفاق، فبدلًا من أن ينصروا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حسب الاتفاق، قاموا بنصرة الأحزاب وشاركوهم في الحرب ضد المسلمين، فكان الموقف على المسلمين شديدًا عصيبًا؛ لأن المسلمين لم يكن يحول بينهم وبين يهود بني قريظة شيء يمنعهم من ضربهم من الخلف، لا سيما وأن ذراري المسلمين ونساءهم على مقربة من هؤلاء الغادرين بدون منعة، قال -تعالى-: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا . هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) (الأحزاب: 10، 11).
- إن ما فعله اليهود مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمَّى في كل المواثيق والأعراف "خيانة عظمى": (معلوم أن الدول في هذا العصر مجمعة على قتل الجاسوس الذي ينقل الأخبار للدول المعادية ويعينها على دولته، وأين فعل جاسوس واحد خان وطنه من خيانة قبيلة يهود بني قريظة للعهد، مع ما كانوا يتطلعون إليه من إبادة المسلمين رغم إحسانهم إليهم؟!).
كيف عاملهم النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
- لما وصل خبرهم بنقض العهد، أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعة من أصحابه وقال لهم: "انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟"، فلما دنوا منهم وجدوهم على أخبث ما يكونون، فقد جاهروهم بالسب والعداوة، ونالوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: "مَن رسول الله؟! لا عهد بيننا وبين محمدٍ ولا عقد؟!"، فأقبل الصحابة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبروه أنهم على غدر كغدر "‌عضَل ‌وقَارَة" بأصحاب الرجيع، فتقنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثوبه حين تأكد من غدرهم، واضطجع ومكث طويلًا يفكر في هذا الوضع الحرج (حصار الأحزاب من الخارج، وخيانة قريظة من الداخل).
- النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون يتضرعون إلى الله القوى العزيز الحكيم، فيتولى الله هزيمة الأحزاب ويردهم شراذم متفرقين: (وَلَمَّا ‌رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا . مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا . لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا . وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) (الأحزاب: 22- 25).
- النبي -صلى الله عليه وسلم- يرجع إلى المدينة ويتجهز لمواجهة خونة قريظة؛ إلا أن الأمر من الله كان الإسراع بالخروج: قالت عائشة -رضي الله عنها-: لما رجَع رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- من الخَندَقِ وضَع السلاحَ واغتسَلَ، فأتاه جبريلُ -عليه السلامُ- وهو يَنفُضُ رأسَه من الغُبارِ، فقال: وضَعْتَ السلاحَ، واللهِ ما وضَعْتُه، اخرُجْ إليهِم، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (فأينَ؟) فأشار إلى بني قُرَيظَةَ. (متفق عليه).
- الرسول -صلى الله عليه وسلم- يأمر بسرعة الخروج إليهم قبل أن يتحصنوا بالحصون ويأخذوا العدة لذلك، حتى قال -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: (لَا ‌يُصَلِّيَنَّ ‌أَحَدٌ ‌الْعَصْرَ ‌إِلَّا ‌فِي ‌بَنِي ‌قُرَيْظَةَ) (متفق عليه). وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا ‌فِي ‌زُقَاقِ ‌بَنِي ‌غَنْمٍ، مَوْكِبَ جِبْرِيلَ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ" (رواه البخاري).
- أسرع ثلاثة آلاف مقاتل من المسلمين إلى يهود بني قريظة، وحاصروهم في حصونهم خمسًا وعشرين ليلة، حتى أتعبهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فلم يجدوا مفرًّا إلا الاستسلام، والنزول على حكم الله ورسوله: قال أصحاب السِّيَر: "فلما اشتد حصرهم، واشتد البلاء قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم أنه الذبح. قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ- وكان حليفًا لهم، فظنوا أن يحابيهم ويخفف الحكم عليهم- فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى سعد بن معاذ، فأُتِي به على حمار... وحفَّ به قومه يحاولون الشفاعة في بني قريظة، فقالوا: يا أبا عمرو، حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية، ومَن قد علمت، وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئًا، ولا يلتفت إليهم، حتى إذا دنا مِن دُورهم التفت إلى قومه فقال: قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَنْزِلُوهُ"، فأنزلوه، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "‌إِنَّ ‌هَؤُلَاءِ ‌نَزَلُوا ‌عَلَى ‌حُكْمِكَ"، قال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات"، فقَتَل -صلى الله عليه وسلم- رجالهم وكانوا بين ستمائة وتسعمائة، إلا مَن أسلم منهم حقن إسلامه دمه، وسبيت نساؤهم وذرياتهم، وقسمت في المسلمين، وأنزل الله: (‌وَأَنْزَلَ ‌الَّذِينَ ‌ظَاهَرُوهُمْ ‌مِنْ ‌أَهْلِ ‌الْكِتَابِ ‌مِنْ ‌صَيَاصِيهِمْ ‌وَقَذَفَ ‌فِي ‌قُلُوبِهِمُ ‌الرُّعْبَ ‌فَرِيقًا ‌تَقْتُلُونَ ‌وَتَأْسِرُونَ ‌فَرِيقًا . وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) (الأحزاب: 26، 27)(2). (انظر: السيرة النبوية لابن هشام).
- هكذا تم استئصال أفاعي الشر والغدر والخيانة الذين نقضوا الميثاق المؤكد وعاونوا الأحزاب على إبادة المسلمين في أحرج ساعة يمرون بها في حياتهم، فاستحقوا الإعدام والقتل بحكم الله -عز وجل- فيهم.
خاتمة: شدة عداوة يهود للإسلام والمسلمين:
- في هذه الوقعة ظهر من بعض اليهود تجلد وجسارة في مواجهة القتل، وما ذلك إلا من شدة العداوة والضغن على الإسلام والمسلمين.
- كان مِن جملة مَن قُتِل مع بني قريظة "حيي بن أخطب"-الذي كان يقر بنبوة نبينا، لكنه أبى الدخول في الإسلام!-، فإنه كان دخل مع بني قريظة في حصنهم وفاءً لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه، فلما أتُي به قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ أَخْزَاكَ اللَّهُ‏؟"، قال حيي: لقد ظهرت علي، أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يُخذل، ثم أقبل على الناس، فقال: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر الله، كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عُنُقه لعنه الله. (سيرة ابن هشام).
- واستوهب ثابت بن قيس -رضي الله عنه- الزبير بن باطا وأهله وماله، وكانت للزبير يد عند ثابت، فوهبهم له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال له ثابت بن قيس: قد وهبك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليَّ، ووهب لي مالك وأهلك فهم لك، فقال الزبير بعد أن علم بمقتل قومه: سألتك بيدي عندك يا ثابت إلا ألحقتني بالأحبة! فضرب عنقه، وألحقه بالأحبة من اليهود" (سيرة ابن هشام).
- إنَّ عَدَاءَ الْيَهُودِ للإِسْلامِ وَأَهْلِهِ لَيْسَ بِدْعًا وَلا حَدَثًا، بَلْ عَدَاءٌ قَدِيمٌ وَحِقْدٌ دَفِينٌ: قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة: 82).
- وتِلْكَ الْعَدَاوةُ لَيْسَتْ جُغْرَافِيَّةً وَلا تَارِيخِيَّةً، وَإِنَّمَا هِيَ عَدَاوَة دِينِيَّة عَقَدِيَّة: قال الله -تعالى-: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120).
- إن هذه الغزوة وغيرها من الوقائع والأحداث تكشف لنا خبث اليهود وحقدهم، ونقضهم للعهود ومخالفتهم للاتفاقيات؛ فهؤلاء قوم لا يفهمون لغة الحوار ولا السلام، وإنما يفهمون لغة واحدة هي لغة السلاح والقوة، فالواجب على المسلمين أن يأخذوا بأسباب القوة، كما أمر الله -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) (الأنفال: 60).
فاللهم عليك باليهود ومَن عاونهم، وانصر المسلمين عليهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لقد نقض بنو قريظة العهد في أصعب موقف، وأشد ساعة، ولو أن مظاهرة اليهود للمشركين، وخيانتهم للمسلمين تمت على ما أرادوا، ودخل المشركون المدينة، وتمكن اليهود من نساء المسلمين وأطفالهم لأبادوهم عن بكرة أبيهم؛ لكن سلَّم الله -تعالى- المؤمنين، ورد المشركين، وأنزلت العقوبة الشرعية بالخونة الغادرين، والمسلم لا يجد حرجًا في نفسه من حكم الله -تعالى-؛ فإنه يتذكر حال اليهود وهم يُقتلون، حال المسلمين لو تمكَّن منهم المشركون بسبب خيانة اليهود، ولمَن في قلبه أدنى حرج من ذلك عبرة وعظة فيما يفعله اليهود في أهل فلسطين، من الغدر والخيانة، ونقض العهد، وقصد الآمنين والنساء والأطفال بالقتل والترويع، وهدم الدور على أصحابها، ولا يكاد يمر يوم دون أن يقتلوا نساءً وأطفالًا. فتبًّا لقوانين وضعية توجد حرجًا في قلوب بعض المسلمين من شريعة الله -تبارك وتعالى-، ونعوذ بالله تعالى من الزيغ والضلال، ومن الاستدراك على الشريعة الغراء، ونسأله -سبحانه- أن يرزقنا الرضا والإذعان، والقبول والتسليم، إنه سميع قريب.
(2) لقد كان بإمكان هؤلاء الجبناء أن يتحملوا الحصار لمدة طويلة، وذلك لمناعة حصونهم وقوتها وتوفر المواد الغذائية والآبار فيها، ولأن المسلمين كانوا يقاسون البرد القاسي والجوع الشديد، وهم في العراء خاصة مع شدة التعب الذي اعتراهم جراء مواصلة الأعمال الحربية في غزوة الأحزاب؛ إلا أن الله قذف في قلوب اليهود الرعب، ودبَّ في نفوسهم الخوف وأخذت معنوياتهم تنهار؛ خاصة بعد أن تقدَّم علي والزبير بن العوام -رضي الله عنهما- فصاح علي: "يا كتيبة الإيمان، والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم" (سيرة ابن هشام).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28-01-2024, 01:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,268
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كيف عامل النبي - صلى الله عليه وسلم- يهود؟

كيف عامل النبي -صلى الله عليه وسلم- يهود؟ موعظة الأسبوع (5)

تعامله مع مؤامرات يهود خيبر




كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مقدمة:
- إشارة مختصرة إلى ما جاء في الموعظة الأولى، وكيف أحسن النبي -صلى الله عليه وسلم- معاملتهم، وسعى في تأليف قلوبهم؛ إلا أن اليهود كما هو حالهم وديدنهم على مر التاريخ والزمان، نقضوا العهود وغدروا وخانوا، وكان آخرهم يهود خيبر: قال الله -تعالى-: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ‌بَلْ ‌أَكْثَرُهُمْ ‌لَا ‌يُؤْمِنُونَ) (البقرة: 100).
- مَن هم يهود خيبر؟: تقع خيبر شمال شرق المدينة بنحو مائة وسبعين كيلو؛ كانت ديارًا للقبيلة الرابعة من قبائل يهود، وقد أوى إليها كثير من اليهود الذين طردهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة بعد نقضهم العهود، مما جعلهم يظهرون العداوة للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، وقد كان لخيبر دور كبير في حشد الجيوش والأحزاب لحرب المسلمين، فصارت مركزًا للدس والتآمر ضد دولة الإسلام الناشئة في المدينة.
كيف عاملهم النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
- لما اطمأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أقوي أجنحة الأحزاب الثلاثة، وهو قريش، وأَمِن منه تمامًا بعد صلح الحديبية -وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين- أراد أن يحاسب الجناحين الباقيين -اليهود وقبائل نجد- حتى يتم الأمن والسلام، ويسود الهدوء في المنطقة، ويفرغ المسلمون إلى تبليغ رسالة الله والدعوة إليه. ولما كانت خيبر هي وكرة الدس والتآمر ومركز الاستفزازات العسكرية، ومعدن التحرشات وإثارة الحروب، كانت هي الجديرة بالتفات المسلمين أولًا، قال المفسرون: "إن خيبر كانت وعدًا وعدها الله -تعالى- بقوله: (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ) (الفتح: 20)، يعني صلح الحديبية، وبالمغانم الكثيرة خيبر".
- فلما رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية، أمر بتسيير الجيش الإسلامي إلى خيبر، فخرجوا بروح إيمانية عالية على الرغم من علمهم بمنعة حصون خيبر، وشدة بأس رجالها وعتادها الحربي، فكانوا يكبرون ويهللون بأصوات مرتفعة، قال سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-: خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، فسرنا ليلًا، فقال رجل من القوم، لعامر: يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك، وكان عامر رجلًا شاعرًا، فنزل يحدو بالقوم، يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صـلينا
فـاغفر فداء لك ما اتقينا وثبت الأقدام إن لاقـينا
وألـقـيـن سـكـيـنـة علينا إنا إذا صـيـح بـنا أبينا
- وصول النبي -صلى الله عليه وسلم- والجيش الإسلامي على مشارف خيبر، وفزع اليهود وخوفهم ودخولهم الحصون: عن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهَا لَيْلًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَوْمًا بِلَيْلٍ لَا يُغِيرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ ‌بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا ‌نَزَلْنَا ‌بِسَاحَةِ ‌قَوْمٍ ‌فَسَاءَ ‌صَبَاحُ ‌الْمُنْذَرِينَ) (متفق عليه).
- سبحان الله! أين الذين كانوا يجاهرون بالعداوة بالأمس القريب؟! أين التغني بالجرأة والشجاعة في كل مرة قبل قدوم الجيش الإسلامي؟!: قال تعالى: (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَ?لِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) (الحشر: 13).
التهيؤ للقتال وبشارة الفتح وتساقط حصون خيبر:
- كانت خيبر عبارة عن ثمانية حصون عسكرية كبيرة، من داخلها دورهم التي يسكنونها وفي كل حصن من العدة والسلاح والمؤنة ما يكفيهم لشهور طويلة.
- بدأ المسلمون الهجوم على حصن ناعم، وكان خط الدفاع الأول لليهود لمكانه الإستراتيجي، وكان هذا الحصن هو حصن مرحب البطل اليهودي الذي كان يعد بالألف، فلما خرج إلى ميدان القتال دعا إلى المبارزة، وقال:
قد عَلِمتْ خيبر أني مَرْحَب شَاكِي السلاح بطل مُجَرَّب
إذا الحروب أقبلتْ تَلَهَّب
فبرز له على بن أبي طالب، وقال:
أنا الذي سمتني أمي حَيْدَرَهْ كلَيْثِ غابات كَرِيه المَنْظَرَهْ
وفِيهم بالصَّاع كَيْل السَّنْدَرَهْ
فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
- واجه المسلمون مقاومة شديدة وصعوبة كبيرة عند فتح بعض هذه الحصون، منها حصن ناعم الذي استغرق فتحه عشرة أيام، وهكذا تساقطت حصون اليهود الواحد تلو الآخر، حتى انحصر ما بقي منهم في آخرها، وقد أيقنوا نزول الهزيمة بهم.
- أرسل ابن أبي الحُقَيْق إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنزل فأكلمك؟ قال: "نعم"، فنزل، وصالح على حقن دماء مَنْ في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين ما كان لهم من مال وأرض، وعلى الصفراء والبيضاء -أي: الذهب والفضة- والكُرَاع والْحَلْقَة إلا ثوبًا على ظهر إنسان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئًا"، فصالحوه على ذلك، وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين، وبذلك تم فتح خيبر.
- أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجلي اليهود من خيبر، فقالوا: "دعنا نكون في هذه الأرض، نصلحها ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم"، ولم يكن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون حتى يقوموا عليها، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع، ومن كل ثمر، ما بدا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقرهم.
- فلما كان زمان عمر -رضي الله عنه- أجلاهم وأخرجهم من خيبر بعد ما تجرؤا بإيذاء بعض المسلمين.
- وهكذا كانت خيبر آخر معقل لليهود في جزيرة العرب، وهو يوم لا ينساه يهود الزمان: عندما دخلت القوات الصهيونية القدس عام 1967 تجمهر الجنود حول حائط البراق، وأخذوا يهتفون مع موشى ديان: "هَذَا يَوْمٌ بِيَوْمِ خَيْبَرَ... يَا لِثَارَاتِ خَيْبَرَ" (كتاب: "قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله"، عبد الودود يوسف).
خاتمة:
- إنَّ عَدَاءَ الْيَهُودِ للإِسْلامِ وَأَهْلِهِ لَيْسَ بِدْعًا وَلا حَدَثًا، بَلْ عَدَاءٌ قَدِيمٌ وَحِقْدٌ دَفِينٌ: قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة: 82).
- وتِلْكَ الْعَدَاوةُ لَيْسَتْ جُغْرَافِيَّةً وَلا تَارِيخِيَّةً وَإِنَّمَا هِيَ عَدَاوَة دِينِيَّة عَقَدِيَّة، قال -تعالى-: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120).
- إن هذه الغزوة، وغيرها من الوقائع والأحداث تكشف لنا خبث اليهود وحقدهم ونقضهم للعهود ومخالفتهم للاتفاقيات، فهؤلاء قوم لا يفهمون لغة الحوار ولا السلام، وإنما يفهمون لغة واحدة هي لغة السلاح والقوة، فالواجب على المسلمين أن يعملوا بذلك متى توافرت لهم القوة: قال -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) (الأنفال: 60).
- تلاوة بعض الآيات التي تظهر ضلال هذه الفئة، وكيف غضب الله عليها، ليسمعها المسلمون فيزدادون بغضا وكراهية لهذه الفئة الملعونة: قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا... ) (المائدة: 82)، وقال -تعالى-: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة: 75)، وقال -تعالى-: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (البقرة: 61).
وقال -تعالى-: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً. وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) (النساء: 156-157)، وقال -تعالى-: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (آل عمران: 181)، وقال -تعالى-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة: 64)، وقال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة: 82). وقال -تعالى-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120)، وقال -تعالى-: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) (البقرة: 109)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا ‌الَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌إِنْ ‌تُطِيعُوا ‌فَرِيقًا ‌مِنَ ‌الَّذِينَ ‌أُوتُوا ‌الْكِتَابَ ‌يَرُدُّوكُمْ ‌بَعْدَ ‌إِيمَانِكُمْ ‌كَافِرِينَ) (آل عمران: 100).
اللهم أنج المستضعفين من المسلمين في فلسطين وفي كل مكان، واهزم اليهود الكفرة أعداء الدين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 118.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 115.25 كيلو بايت... تم توفير 3.52 كيلو بايت...بمعدل (2.96%)]