الفرار إلى الحلم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 221 - عددالزوار : 21903 )           »          الفرق بين الفقه وأصول الفقه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          هل يقتضي النهي فساد المنهي عنه (الاتجاهات، المآخذ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 35 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 53 - عددالزوار : 41011 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 109 - عددالزوار : 69023 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 34469 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14646 - عددالزوار : 869257 )           »          شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 617 - عددالزوار : 199952 )           »          كبر الهمَّة في العلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          علماء الحديث مهرة متقنون/ الإمام البخاري وشيخه أبو نعيم نموذجا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-08-2022, 11:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,489
الدولة : Egypt
افتراضي الفرار إلى الحلم

الفرار إلى الحلم


وليد سميح عبدالعال






قدْ يَبدو غريبًا أن يكونَ فرارًا ويكون إلى الحُلم!

فالفرار إلى شيءٍ يدلُّ على أنَّ هذا الشيءَ في المتناول؛ فكيف يفرُّ المرءُ إلى حُلم، والحُلم - كما تعرف - في الغالب بعيدٌ، وإلا فكيف سُمِّي حلمًا؟!

ولكن ربَّما يسوغ ذلك إذا كان مَجازًا للتعبير عنِ النوم أو الخيال، فيفر مِن الواقِع إلى الخيالِ والأحلام.

وهناك احتمالٌ آخر أنَّني كتبتُ العنوان، ثم جلست لأفتِّش عمَّا يُمكن أن يُكتَب تحته، وهذا يُفضي إلى احتمالِ أنَّني لا أجِد ما أكتبه، فأقول كلامًا محيرًا، يظنُّه القارئ شيئًا وهو ليس بشيء.

ولكن مهما يَكُن مِن أمرٍ، فلا تنفضْ يدَك مِن الكاتب - أي كاتب - سريعًا؛ فربَّما استفدتَ منه مِن حيث لا تَدري، ولربَّما تبيَّن لك بعدَ وقوعِك فيه، وتصنيفِك المتسرِّع له - أنَّه ليس كما كنتَ تحسب.

لا تَعجبْ ممَّا قد تظنُّه تناقضًا بيْن الكلمات أو لعبًا بها! فكم مِن أشياءَ متناقِضةٍ تحدُث في هذه النفوس التي لا يَعلم أحدٌ خفاياها الحقيقيَّة، وكم مِن أشياءَ تحدُث أيضًا في دُنيا الناس لا يَعلَمُ أحدٌ كيف يُقيمها، فضلاً عن أن يَفهمَها أصلاً.

إنَّني أُريد أن أشاركَك شيئًا بعيدًا في أغوارِ نفْسي - تلك العجيبة، أو هي ككلِّ النفوس عَجِيبة - شيئًا قد تظنُّه يومًا أقربَ إليك مِن يدِك أو أصابعك، وفي اليوم التالي قد تَراه أبعدَ مِن الثريَّا التي يُضرَب بها المَثلُ في صعوبة التناول، شيئًا قد تَراه في يومٍ مِن الأيَّام جذَّابًا براقًا فاتنًا، بحيث لا تصبِر على التقاعُسِ عن طلبِه، ويومًا تراه فاترًا محبطًا غير مجدٍ ولا مُفيد.

ألَم أقلْ لك: لا تتعجَّل؟!


ألم أقلْ: إنَّ الأمر متناقِض ربَّما، محيِّر ربَّما، غريب ربَّما!

لا أَدري هل خمنتَ ما هو أم لا؟ ولكن آخِر ما أُريدك أن تَشعُرَ به هو الإحباط إنْ أنت لم تَجِدْ ما يستحقُّ كلَّ هذا التهويل، وهذا بالضبط عينُ ما أُريد أن أعبِّر عنه هنا!

سأقول لك عبارة (مفتاحيَّة):
[كان يُقال: طارِدْ أنتَ حُلمكَ، قَبل أن يُطارِدَك هو طوالَ عُمرك].

ولكنِّي لا أذكُر أين قرأتُ أو سمعتُ هذه العِبارة، بل ربَّما اختلقَها عقلي، ثم خَيَّل لي هذا العقل أنِّي سمعتها أو قرأتها باعتبارِ أنَّنا مجرَّد تجميع، وإعادة ترتيب وإنتاج لما نرَى ونَسْمَع ونقرأ.

الحُلم، إنَّه الحُلم، ألَم تعلمْ ذلك بَعدُ؟!
الحُلم، ذلك الشيء البَعيد القريب، القوي الضعيف، السَّهْل الصَّعْب، الحار البارِد، الكبير الصغير، المخيف المتودِّد، و... و... و...........

وضْع مِن المتضادات ما شِئت.

إنَّ هناك سؤالاً حارقًا يتردَّد في النَّفْس لا يَجِد إجابةً، ويدور الإنسان حولَ نفْسِه مَرَّات، ويعود ليسأل:
ما الذي جعَل الحُلم بهذه الكيفيَّة؟


كيف جمَع بيْن كل هذه المتناقِضات؟

كيف استقرَّتْ فيه هذه الخصيصة العَجيبة؟

إذا سألتَ أيَّ شابٍّ صغير عن هذه الكَلِمة، بل ربَّما بمجرَّد ذِكرك إيَّاها؛ ستراه يرفَع رأسه إلى السماءِ وربَّما يتنهَّد، وقد يصمُت محتفظًا بأحلامِه لنفسِه إذا كان خَجولاً، أو لأنَّه يَراها سخيفةً، وقد يتحدَّث طويلاً عن أحلامِه العريضة إنْ لم يكُن كذلك، لكنَّك لن تَجِدَ أحدًا في سنِّ الشباب ليستْ له أحلام.

وهم قدْ يختلفون في درجةِ قوَّتهم وعزيمتهم، فمِنهم المتخاذِلُ الذي ترَك الدنيا تخبطه وتُسيِّره، وتَرَك لذَّة الحُلم.

ومنهم مَن ينتظر شيئًا لا يَدرِي ما هو، لكنَّه يعلم أنَّه في يومٍ من الأيام سيكون أميرًا أو مَلِكًا، وستتساقط فتياتُ العالَم عندَ قدميه ينشدنَ الزواج منه!

ومِنهم مَن يظنُّ أنَّه بالفِعل يكاد يطير في السماء، ويسير فوقَ السحاب، وأنَّه يَعرِف ما في أعماقِ المحيط أو سيَعرِفه قريبًا جدًّا!

ومِنهم مَن يَئِس وانخرَط في حياة عمليَّة مقيتة مُهلِكة، ومنهم مَن سيَيئس قريبًا، لكنَّه يَنتظر شهرًا أو شهرين لعلَّ!

ومِنهم مَن سييئس بعدَ يومٍ أو يومين.

ومِنهم مَن وجَد نفْسَه قد بلَغ شيئًا لم يكن يتمنَّاه ولا يُريده، ولكنَّه عندَ البعضِ يُعدُّ مِن الأحلام الكِبار.

ومِنهم مَن حقَّق طرفًا مِن أحلامه فِعلاً في تِجارة، أو سكَن، أو سيَّارة، أو درجة علميَّة، أو بعض شُهرة، ثُم قعَد بعدَها فارغًا يسأل:

هل هذا ما كنتُ أُريده فعلاً؟ وماذا بعدَ ذلك؟

ثم إنَّ الزمنَ ماضٍ لا يتوقَّف، بل تَسارَع في هذه الأيام عمَّا كان عليه مِن قَبلُ، والذي كان شابًّا بالأمس لم يَعُدْ كذلك اليوم.

وهذا القِدَم يُصيب الأحلامَ أيضًا.

وربَّما لو فتَّشتَ لوجدتَ أنَّ الكثيرين (وأهمس في أذنك ولا تُخبر أحدًا: بل ربَّما الأكثر) قدْ تنازلوا عن أحلامِهم كثيرًا، وقنَعوا بقطع مُهشَّمة مِن الأحلام وابتلعوا مرارتَهم، ورَضِي أحدُهم بزوجة بدينة سليطة، أو برئيسٍ قاسٍ متعجرِف، أو بتعليم قليل يُساوي في الحقيقة: لا تعليم، وربَّما وجَد نفْسَه لم يستفدْ مِن محصَّلة خمسة عشر عامًا مِن التعليم أكثرَ مِن معرفة القراءة والكتابة!

ومِنهم مَن حدَث له أمرٌ خطير جدًّا، وانتبهْ صَديقي لأنَّ هذا هو بيتُ القصيد..

لقدْ خاف مِن أحلامه!

ووَضَعتِ السِّنونَ والشهورُ والأيَّام بينه وبينها حواجزَ ثقيلةً عالية، وانقلب أمرُه من تحديثِ النَّفسِ ببريقِ الأمل والطموح والسعي نحو الحُلم، إلى تحديثِ النَّفْس بأنَّه قدْ كَبِر، أو أنَّ الأمر تأخَّر، أو أنَّ الزمان والمكان لم يَعودَا كما كانا، أو أنَّه كان أحمقَ حين حلم بمِثل هذه الأحلامِ الغريبةِ مستحيلةِ التَّحقيق.

ويظلُّ نَجْمُ الحُلم يخبو في سَمائه شيئًا فشيئًا، وتظلُّ عينُه تَرْتَخي عنِ النظر إليه في لهفةٍ وشوقٍ إلى ألَم.

ثم خِزي وخَجَل..
ثم تَكاسُل وتَناسٍ..
ثم نَدَم.

وهذه مطاردةُ الحُلم التي حدَّثتك عنها في العبارة المفتاحيَّة السابِقة:
طارِدْ أنتَ حُلمَك، قبلَ أن يُطاردك هو طوالَ عمرك.

بل وتَقَع في شِباكه، ولا تستطيع منه فَكاكًا، فيأسرك التفكيرُ فيه دون القُدرة على تحقيقِه؛ فالحُلم كالفخِّ المتقَن الذي لا مَهربَ منه إلا بتحقيقِه، ومهما تُفتِّش، فلن تَجِدَ طريقًا آخَرَ سوى ذلك.

إنَّ مِن الخطأ الفاحِش أن يكونَ الإنسان نصفَ حيٍّ، والحياة التي أقصِدها هي الحياة التي تَتحقَّق بمرادِك، الحياة التي تَرْضاها وتَرتاح إليها، وعدَم تحقيقِ الأحلام يَقتُل الإنسان، والرِّضا بنصفِ الحُلم يجعله كمَن نِصفُه في الظلِّ ونِصفُه في الحَرِّ، يجعله نِصفَ حيٍّ ونصفَ ميِّتٍ؛ فأنَّى لهذا أن يجدَ الراحة؟!

لقدْ سألوا الأديبَ الروائيَّ "الطيِّب صالح" يومًا: لماذا هو ليس مُكثرًا في الكتابة؟ فقال كلامًا مفاده: أُريد أن أعيش الحياة، إنَّ هناك أشياءَ أخرى أُريد أن أفعلَها في هذه الحياة، والكتابة لا تَدَع للإنسان أن يعيشَ لنفسِه!

نعود مرةً أخرى إلى هذا الرَّجل الذي نال طرفًا مِن ثوب السماء؛ أعْني: حقَّق طرفًا مِن أحلامه، ثم قَعَد بعدَها فارغًا ليتساءل:
هل هذا ما كنتُ أريده فعلاً؟ وماذا بعدَ ذلك؟


الحقيقة أنَّك لا بدَّ أن تنتقِلَ مِن حُلم إلى حُلم، ومِن رغبةٍ إلى رغبة، ومن حاجةٍ إلى حاجةٍ ما دمتَ تَحيَا على هذه الأرض.

لذلك نقول: إنَّ أعقلَ الناسِ مَن يُدرك هذه الحقيقة: أنَّ الدنيا دارٌ لا قرارَ فيها، بل أنت تُطارِد الحُلمَ تلوَ الحُلمِ، ولا تقنع بنيلِ شيءٍ ما دُمتَ تستطيع تخطيَه لما هو أفضل، ثم تَرى أنَّ هذا ما زال قليلاً، وأنَّ هناك ما هو أفضلُ.
وما هو أعْلَى.
وما هو أجْمَل.
وما هو ألْمَع.

وأعقل مِن هذا مَن يُفرِّقُ بين الحُلم الزائف والحُلم الحقيقي، وضابِط ذلك أنْ تعلم ما الصوابُ وما الخطأ؟ ما الحقُّ وما الباطِل؟ ما الذي يُنجيك في هذه الدُّنيا كثيرةِ الأخطار، ويُنجيك في الآخِرة التي أخطارُ الدنيا ليستْ فيها إلا قليلاً، كما أنَّ متاع الدنيا بجوارِ متاع الآخِرة أيضًا قليل.

ولكن فِعْل الصواب وفِعْل الحقِّ قد يكون شاقًّا على النفس، فتَركَن إلى ما تظنُّه نجاتَها وهو ليس كذلك.

ففِعْل الحقِّ شاقٌّ ومكلِّف، بل أحيانًا لكي تفعلَ الشيء الصحيح لا بدَّ أن تتخلَّى عن بعضِ ما تُريد، عن بعضِ ما تحبُّ.

بل عن بعضِ أحلامك!

إذا تدبرتَ هذا الكلامَ، وعَرضتَه على قلبك، ومررتَ به على فِطرتك السليمة التي تَنبو بك عنِ الباطل وعن الزائفِ، فربَّما.

ربَّما يُخفِّف ذلك مِن المشاعِر المتناقضة التي تحدَّثنا عنها في البداية، والتي تَشعُر بها تناوشك حين ترفَع رأسَك إلى السماء وتتنهَّد، وتتمنَّى مِن أعماق قلبك أن تصلَ إلى هناك.

إلى حُلمك البَعيد.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 54.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.92 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.06%)]