
24-08-2022, 11:41 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,749
الدولة :
|
|
زاوية الرؤية ومسافتها تصنعان أكثر من هذا !
زاوية الرؤية ومسافتها تصنعان أكثر من هذا !
د. محمود عبدالجليل روزن
لعلَّكَ نظرتَ في مرآتِكَ ذات مرَّةٍ، فَهَالَكَ أن ترى صورةً غريبةً لجانبِ وجهكَ، فإذا بكَ تكتشفُ أنَّ الخللَ ليس في جانب وجهكَ، ولكنه في الزاوية التي تنظر منها إلى المرآة، فتقوم بتعديل موضعِكَ وتصحيح زاويتكَ؛ فتصحُّ لك الرؤية.
وقد يكون وضع المرآة - نفسه - غيرَ مستقيمٍ، فتمدُّ يديكَ لتُحرِّكها برفقٍ وحذرٍ فتصبحَ في وضعٍ طبيعيٍّ، فتروقُ لك الصورةُ، ويطيب لكَ التأمُّل.
ولعلَّكَ - كذلك - ابتعدتَ كثيرًا - ذات نظرةٍ أخرى - فرأيتَ صورةً إجماليةً عامةً لا تظهر فيها التفاصيل التي قد يكون بعضها مُهمًّا، فترى أنَّه لابد من تصحيح مكانكَ بالدُّنُوِّ من المرآة خطوة أو أكثر. ولعلك - على العكس - دنوتَ دناوَةً فبدت لكَ بعض التفاصيل الصغيرة كبيرةً عملاقةً غريبة المنظر قبيحته؛ كالشعيرات الدقيقة على الجلد الأملس تبدو عند التدقيق الـمُفْرِطِ شُجيراتٍ لا شُعيراتٍ! وحينها ترى ألا مفرَّ من أن تنأى بوجهكَ قليلًا؛ لتعود المعالم إلى طبيعتها.
إنَّ هذا كلَّه مُتحقِّقٌ في الناصح والمنصوح له، فقد يُركِّز الناصح نُصحه على جانبٍ ويُغفلُ جوانب أخرَ لها تعلُّقٌ بموضوع النصيحةِ، فينأى به فعله عن الصوابِ والموضوعية، وقد يركِّزُ بصره على عِلَّة صغيرةٍ فيكبِّرها ويُضخِّمها فتستهلك جهد الناصح ووقت المنصوح وهمَّه، فيُفرِّطان فيما غيره أولى وأهمُّ.
وقد يُعمِّمُ الناصحُ في كلامه؛ فتضيع بعض التفاصيل التي كان يجدر التركيز عليها، وقد ينظرُ المنصوحُ إلى كلام الناصح من الزاوية الخطأ فيحمله على معانٍ غير مُرادةٍ، ويفهم منه ما لم يرده الناصح، وينزِّله على وقائع لم يعنِها، وكلُّ ذلك حائلٌ دون تمام الانتفاع بالنصيحة، بل قد يؤدي في بعض الأحيان إلى نتيجةٍ عكسيةٍ لما سيقت له.
يجب على كلِّ ناصحٍ أن يُقدِّر الأمر قدره، فلا يعدو به حجمه ولا يستهين، وأن يتحرَّى موضع قدميه، وأن يقف في المكان والزمان الصحيحين، كما يجب على المنصوحِ أن يتوسَّط في نظره إلى كلام الناصح فلا يتعاملُ معه كلمةً كلمةً، يفكِّكها من سياقها، ثمَّ يُعيد تركيبها وَفْقَ إرادته، لا وَفْق مُراد الناصح، ويستخرج منها ما لم يقصده ولم يخطر له ببال، و يجب ألا ينظر إليها نظرةً أفقيَّةً لا تستكشفُ إلا أقلَّ القليلِ، ويتناولها لحاءً بغير لُبٍّ، وإهابًا بلا قلبٍ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|