|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مجلس افتتاح شهر رمضان لابن الجوزي د. عبدالحكيم الأنيس الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى. وبعد: فهذا "المجلس الأول لافتتاح شهر رمضان المعظَّم قدرُه" استللتُهُ مِن كتاب "النور في فضائل الأيام والشهور" للإمام ابن الجوزي، مِن النسخة الخطية في شستربتي[1]، وهي الأصل، وراجعتُ عليه نسخة أحمد الثالث أيضًا، ورمزها: ط[2]. ♦♦♦♦ قال ابنُ الجوزي - رحمه الله - في كتابه "النور في فضائل الأيام والشهور": (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله اللطيف الرؤوف العظيم المنّان، الكبير القدير القديم[3] الديّان، العلي القوي السلطان، الحليم الكريم الرحيم الرحمن، الأول فلا سبقَ[4] لسبقه، المنعم فما قام مخلوقٌ بحقه، الموالي بفضله على سائر خلقه، شرائفَ المنائحِ على توالي الزمان، جلَّ عن شريكٍ وولد، وعزَّ عن الاحتياج إلى أحد، وتقدَّس عن نظيرٍ وانفرد، وعَلِمَ ما يكونُ وأوجدَ ما كان. أنشأ المخلوقات بحكمته وصنعها، وفرَّق الأشياء بقدرته وجمعها، ودحا الأرض على الماء وأوسعها، ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾[5]. سالت الجوامدُ لهيبته ولانت، وذلَّت الصعابُ لسطوته وهانت، وإذا بطشَ ﴿انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ﴾ [6]. يُعِزُّ ويذل، ويُفقِر ويُغني، ويُسعد ويُشقي، ويُبقي ويُفني، ويَشين ويزين، وينقض ويبني، ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾[7]. قدَّر التقديرَ فلا رادَّ لحُكْمه، وعَلِم سرَّ العبد وباطنَ عزمِه، ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ﴾ [8]، ولا تنتقل قدمٌ من مكان. مَدَّ الأرض فأوسعها بقُدرته، وأجرى فيها أنهارًا بصنعته، وصبغ ألوان نباتها بحكمته، فهل يَقدِر أحدٌ على صِبغ تلك الألوان؟ ثبتها بالجبال الراسيات في نواحيها، وأرسل السحائبَ بمياهٍ يحييها، وقضى بالفناء على جميع ساكنيها، ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ [9]. مَن خدمه[10] طامعًا في فضله نال، ومَن لجأ إليه في دفع كَرْبِه أزال، ومَن عامله أربحه، وقد قال عزَّ مَن قال: ﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ﴾[11]. إلهٌ يثيبُ عباده ويُعاقب، ويهبُ الفضائل ويمنحُ المناقب، فالفوز للمُتقي والعِزُّ للمراقب، ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [12]. أنعمَ على هذه الأمة بتمام إحسانه، وأعادَ عليها بفضله الوافر وامتنانه، وجعلَ شهرَها مخصوصًا بعميم غفرانه، ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ﴾[13]. أحمدُه على ما خصَّنا به في هذا الشهر من الصيام والقيام، وأشكرُه على تمام الفضل وسبوغ الإنعام. وأشهد أن لا إله إلا الله وَحدهُ لا شريك لهُ، إلهٌ لا تُحيطُ به العقولُ ولا تدركه الأوهام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المخصوص بشريعة الإسلام، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الصدِّيق المقدَّم على كل إمام، وعلى أبي حفص عمر بن الخطاب الذي أيَّد الله به الإسلام، وعلى عثمان ذي النورين المتهجد بالقرآن في حندس الظلام، وعلى علي بن أبي طالب مبيد أعداء الرسول ونور الهدى ومثبر الطغام، وعلى العباس بن عبد المطلب سيِّد الأعمام، وعلى آله وأزواجه الكرام، وسلمْ تسليمًا كثيرًا يا ذا الجلال والإكرام. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأهِلَّ علينا شهر رمضان، بالسلامة والإسلام والأمن والإيمان، واعْمُرْ فيه بطاعتنا الأوقات والأزمان، واغفرْ لنا فيه كُلَّ قبيحٍ سلف وكان، وأعتقنا فيه مِن لفحات الجحيم وعذابِ النيران، وأعنَّا على الطاعات يا مَن إذا اسْتُعين أعان، برحمتك يا أرحم الراحمين. فصل: عباد الله: إنَّ شهر رمضان قد أقبلَ ببركاته إليكم، وقد أشرق[14] بشرفه وفضله عليكم. فتأهبوا لتلقِّيه بالعزم الصادق على الخير، واجعلوا هممَكم مصروفةً إلى حراسته لا غير. فإنه شهرٌ بالبركات الوافرة قد حُفَّ، وبالكرامات الظاهرة إليكم قد زُفَّ. شهرٌ تربحُ فيه بضائعُ العُبّاد، وتغنمُ فيه تجاراتُ الزُّهاد. وتستقيمُ فيه صفوفُ الجهاد، ويحسنُ فيه الجدُّ والاجتهاد. شهرٌ فيه يُعتق الأسير، ويُجبر بالفضل الوافر الكسير، ويُكفُّ بالتقى كفُّ التبذير، وتحضرُ القلوبُ وينفعُ التحذير، ويستقيمُ قَدَم العابد ويَقِلُّ التعثير، ويقوى الباعثُ على التوبة المثيرُ[15]. وقد جاء في الأحاديث ما روي عن نافع بن أبي أنس أنَّ أباه حدَّثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل شهر رمضان فُتِّحَتْ أبواب الرحمة وغُلِّقَتْ أبواب جهنم وسُلْسِلَتِ الشياطين». هذا حديثٌ صحيحٌ أخرجه البخاري ومسلم في "الصحيحين". حديث آخر: أخبرنا أبو بكر بسنده[16] عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا كانت أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدَتِ الشياطين ومَرَدة الجن وغُلِّقَتْ أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنان فلم يغلق منها باب، وينادي مُنادٍ: يا باغيَ الخير أقبلْ، ويا باغيَ الشر أقصرْ، ولله عُتَقاء من النار، وذلك في كلِّ ليلةٍ»[17]. وقد روى[18] بسنده عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان في أول ليلة من شهر رمضان نادى في كل سماء ملك: هل مِن تائب يُتاب عليه، هل مِن داعٍ يُستجاب له، هل مِن مظلوم يَنصُرُه الله عزَّ وجل، هل مِن مستغفرٍ يُغفر له، هل مِن سائل يُعطى سؤله. قال: والرب عزَّ وجل ينادي الشهر كله: عبادي وإمائي أبشروا واصبروا وداوموا، أوشك أنْ أدفع عنكم -يعني العذاب- وتُفضوا إلى رحمتي وكرامتي"[19]. وقد روى[20] بسنده عن زياد بن ميمون عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تبارك وتعالى ليس بتارك أحدًا صبيحة أول يوم من رمضان إلا غفر له[21]"[22]. وقد روى[23] عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الجنة لتُزخرف وتُزين من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبّت ريحٌ من تحت العرش يقال لها المُثيرة، فتصفق ورق أشجار الجنان وحِلَق المصاريع فيُسمع لذلك طنينٌ لم يسمع السامعون أحسن منه، وَيُشْرِفْن الحور العين حتى يقفن على شجر الجنة فينادين: هل خاطب إلى الله عزَّ وجل فَيُزوِّجه ثم يقلن: يا رضوان ما هذه الليلة؟ فيجيبهُنَّ بالتلبية، ثم يقول: يا خيرات حسانٍ، هذه أول ليلة من شهر رمضان تُفتح فيها أبواب الجنان للصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويقول الله عزَّ وجل: يا رضوانُ، افتح أبواب الجنان، يا مالك أغلِقْ أبواب النيران عن الصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يا جبريل: اهبط إلى الأرض فصفِّدْ مَرَدَة الشياطين وغُلَّهم في الأغلال، ثم اقذفْ بهم في لجج البحار، لا يُفسدوا على أمةِ محمد حبيبي صيامهم. قال: ثم يقول الله عزَّ وجلَّ في كل ليلة من شهر [رمضان][24]، ثلاث مرات: هل مِن سائل فأعطيه سؤله، هل مِن تائب فأتوب عليه، هل مِن مستغفرٍ فأغفر له؟ مَن يقرض المليء غير المعدم، الوفي غير الظلوم؟ قال: ولله عزَّ وجلَّ في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار، فإذا كان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أعتق في كل ساعة فيها ألف ألف عتيق من النار كلهم قد استوجبوا العذاب، فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق الله عزَّ وجلَّ في ذلك اليوم بعدد ما أعتقَ من أول الشهر إلى آخره، وفي ليلة القدر يأمر الله سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام فيهبط في كبكبة من الملائكة ومعه لواء أخضر، فيُركزُ اللواء على ظهر الكعبة، ولجبريل ست مئة جناح، منها جناحان لا ينشرهما إلا في ليلة القدر، فينشرهما تلك الليلة فيجاوزان المشرق والمغرب. قال: ويبثُّ جبريل الملائكة في هذه الأمة فيُسلِّمون على كل قائم وقاعد ومصلٍّ وذاكر، فيصافحونهم ويُؤَمِّنون على دعائهم حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر نادى جبريل: يا معشر الملائكة الرحيلَ الرحيلَ، فيقولون، يا جبريل، ما صنع الله عزَّ وجلَّ في حوائج المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: إن الله عز وجل نظر إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم وغفر لهم إلا أربعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهؤلاء الأربعة: رجل مُدمن خمرٍ، وعاق لوالديه، وقاطعُ رَحِم، ومشاحن، فقيل: يا رسول الله وما المشاحن؟ قال: المصارم. فإذا كانت ليلةُ الفطرِ سُمِّيت ليلة الجائزة، فإذا كان غداة الفطر يبعث الله تبارك وتعالى الملائكة في كل بلد فيهبطون إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك فينادون بصوت يسمعه جميع مَن خلق الله إلا الجن والأنس، فيقولون: يا أمة محمد، اخرُجوا إلى ربّ كريمٍ يغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا في مصلاهم يقول الله عز وجل: يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عملَهُ؟ فتقول الملائكة: إلهنا، وسيدنا، جزاؤه توفية أجره، فيقول الله عز وجل: أُشهِدُكم يا ملائكتي أني قد جعلتُ ثوابَهم من صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضائي ومغفرتي. ثم يقول الله عز وجل: سلوني، فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئًا في جمعكم هذا لآخرتكم إلا أعطيتكموه، ولا لدنياكم إلا نظرتُ لكم، وعزتي وجلالي لأسترنَّ عليكم عثراتكم ما راقبتموني، وعزتي وجلالي لا أخزيكم ولا أفضحكم بين يدي أصحاب الأخدود والحدود، -شك أبو عمر- انصرفوا مغفورًا لكم قد أرضيتموني ورضيتُ عنكم. قال: فتفرح الملائكة ويستبشرون بما يُعطي الله عز وجل هذه الأمة إذا أفطروا في يوم عيدهم"[25]. فصل: يا أيها المجتهدُ: هذا الشهرُ ربيعُ جَدّك، ويا أيها الشاكرُ: هذا أوان حمدك، ويا أيها الساعي: هذا خير قَصْدِك، ويا أيها الطالبُ: هذه أوقات رفدك. تيقظْ أيها الغافلُ مِن سِنَةِ البطالة، وتَحفَّظ أيها الجاهلُ مِن شبه الضَّلالة. فإنَّ العمر أيامٌ معدودة عليك، والموت يدنو في كل ساعة إليك. أين مَن تعلّلَ بتوبته في اليوم والشهر، واغترَّ بسلامته ناسيًا آفات الدهر، أمَا أخذه الموتُ بقوة الاستلاب وشدة القهر؟ لقد حذَّرك واللهِ بمصرعه في السرِّ والجهر. وقد أنشدوا في ذلك: كأنك لم تسمعْ بأخبار مَن مضى ![]() ولم ترَ في الباقين ما يصنع الدهرُ ![]() فإنْ كنتَ لا تدري فتلك ديارُهم ![]() محاها مجالُ الريح بعدَك والقطرُ ![]() وهل أبصرتْ عيناك حيا بمنزلٍ ![]() على الدهر إلا بالفناءِ له قبرُ ![]() فأهلُ الثرى نحو المقابر شرعوا[26] ![]() وليس إليها مِن مقابرها نشرُ[27] ![]() ![]() فلا تحسبنَّ الوَفر مالًا جمعته ![]() ولكنَّ ما قدَّمتَ مِن صالح وَفرُ ![]() وليس الذي يَبقى الذي أنت جامعٌ ![]() ولكنَّ ما أنفقتَ منه هو الذخرُ ![]() مضى جامعو الأموال لم يتزودوا ![]() سوى الفقر يا بؤسا لمَنْ زادُه الفقرُ ![]() فحتَّام لا تصحو وقد قرُبَ المدى ![]() وحتَّام لا ينجابُ عن قلبِك السُّكرُ ![]() بلى سوف تصحو حين ينكشفُ الغطا ![]() وتذكرُ قولي حين لا ينفعُ الذكرُ ![]() وما بين ميلادِ الفتى ووفاتهِ ![]() إذا نصحَ الأقوامُ أنفسَهم عُمْرُ ![]() لأنَّ الذي يأتي كمثل الذي مضى ![]() وما هو إلا وقتُك الضيقُ النزرُ ![]() فصبرًا على الأوقات حتى تجوزها ![]() فعمَّا قليلٍ بعدها ينفعُ الصبرُ ![]() فيا مُهملًا نظره في الغايات والعواقب، احذرْ فواتَ الفضائل وحرمان المناقب، يا غافلًا عن الاستعداد لحلول المصائب، خذْ[28] حذرَك فإنَّ سهم القدر واقعٌ صائب، يا حاضرَ الجسد ولكن القلب غائب، كيف[29] حالك إذا ظهرت العجائب، يا طويل الأمل بعد شيب الذوائب، تدبرْ أمرك قبل حلول النوائب، يا ناسيًا ظلمة لحدِه وكم شيَّع مِن صاحب، فأين عزمُك ويلك لقد ضاقت التجارب. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |