تساؤلات حول التوسل والوسيلة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4987 - عددالزوار : 2106745 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4566 - عددالزوار : 1384150 )           »          إيران عدو تاريخي للعرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 204 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 1030 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 37 - عددالزوار : 11640 )           »          إيقاظ الأفئدة بذكر النار الموقدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 223 )           »          علة حديث: (يخرج عُنُقٌ من النار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 210 )           »          علة حديث: (من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 218 )           »          الأنفصال العاطفي بين الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 233 )           »          مقاومة السمنة في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 225 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 11-08-2020, 03:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,615
الدولة : Egypt
افتراضي تساؤلات حول التوسل والوسيلة

تساؤلات حول التوسل والوسيلة (1)


أحمد الجوهري عبد الجواد






إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد فيا أيها الإخوة!
إن أولى ما أنفقت فيه الأعمار، ووصل في سبيل تعلمه الليل بالنهار، لهو الاعتقاد الصحيح في العلي الغفار، على ما أخبر به النبي المختار، واعتقده الصحابة الأبرار، ومن تبعهم من السلف الصالح الأخيار، فهو الاعتقاد الصحيح الذي يجب أن ينثني عليه قلب المسلم وينطوي عليه صدره لا ما اخترع أهل البدع والأهواء بآرائهم وعقولهم وإن كانت هذه الطريقة الأخيرة هي المنتشرة المشهورة حتى زعم الزاعمون أنها عقيدة أهل السنة والجماعة والتي كان عليها الصحابة ومن تبعهم بإحسان وهي التي عُلَّمها النبي صلى الله علية وسلم وعنه أخذت هكذا زعموا زورًا وبهتانًا فكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون - والله - إلا كذبًا.

ومن مسائل العقيدة المهمة التي غاب عن كثير جدًّا من المسلمين العلم بأحكامها واضطربوا اضطراباً كبيراً، واختلفوا اختلافاً عظيماً في شأنها، بين محلل ومحرم، ومغال ومتساهل، مسألة التوسل وقد بينا أن التوسل المشروع هو التوسل بأسماء الله وصفاته، والتوسل بالأعمال الصالحة، والتوسل بدعاء الصالحين الأحياء، وقد قامت الأدلة من الكتاب والسنة على جواز بل استحباب هذا النوع من التوسل فهو المشروع وأما ما سواه فممنوع، وقد اعتاد جمهور المسلمين منذ قرون طويلة أن يقولوا في دعائهم مثلاً: "اللهم بحق نبيك أو بجاهه أو بقدره عندك عافني واعف عني"، وأن يقولوا: "اللهم إني أسألك بحق البيت الحرام أن تغفر لي"، ويقولوا: "اللهم بجاه الأولياء والصالحين، ويقولوا: اللهم اغفر لنا وارحمنا بحرمة وبركة صاحب هذا المقام، مثل فلان وفلان"، أو يقولوا: "اللهم بكرامة رجال الله عندك، وبجاه من نحن في حضرته، وتحت مدده فرج الهم عنا وعن المهمومين" ويقولوا: "اللهم إنا قد بسطنا إليك أكف الضراعة، متوسلين إليك بصاحب الوسيلة والشفاعة أن تنصر الإسلام والمسلمين..بل اعتاد بعض الناس إذا عرضت لهم حاجة، أو ألمت بهم ملمة، أن يقرأوا ورد "يا شيخ عبد القادر جيلاني شيئا لله"....... "الخ ما نعرفه ونسمعه من هذه الكلمات والدعوات.

ويسمون هذا توسلاً، ويدَّعون أنه سائغ ومشروع، وأنه قد ورد فيه بعض الآيات والأحاديث التي تقره وتشرعه، بل تأمر به وتحض عليه، وبعضهم غلا في إباحة هذا حتى أجاز التوسل إلى الله تعالى ببعض مخلوقاته التي لم تبلغ من المكانة ما يؤهلها لرفعة الشأن، كقبور الأولياء، والحديد المبني على أضرحتهم، والتراب والحجارة والشجر القريبة منها، زاعمين أن ما جاور العظيم فهو عظيم، وأن إكرام الله لساكن القبر يتعدى إلى القبر نفسه.... إلى آخر هذه المقولات التي ليس عليها من كتاب الله ولا من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - دليل لكن إخواننا هؤلاء هداهم الله غالوا وزعموا أن ذلك يصح أن يكون وسيلة إلى الله، بل قد أجاز بعض المتأخرين الاستغاثة بغير الله!

وادعوا أن لهم أدلة قرآنية وسنية يستندون إليها باتخاذهم هذا النوع من التوسل الذي دعوناه ممنوعاً واعتبروه مشروعاً بالنسبة لما يحفظون من الأدلة فتعالوا بنا لنرى، فلعلهم يكونون على حق فليدلوا بأدلتهم وإنا أو إياهم لعلى هدى أو في ضلال مبين. وسنورد أهم الأدلة عندهم آملين لمن كان على الخطأ أن يعود إلى الصواب

فأعيروني القلوب والأسماع - أيها الإخوة - والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

تساؤلات حول التوسل والوسيلة:
يقول دعاة التوسل والذين يرون جوازه:
هل تنكرون قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 35]

وقوله سبحانه: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء: 56، 57].

وفي البداية أقول - أيها الإخوة -: يجب أن نتنبه إلى أنه ليس المهم إيراد الآيات والأحاديث لإثبات شرعية أمر ما، إنما المهم أن تكون هذه الآيات والأحاديث واردة في محالها وفي مناسباتها وخاصة منها الأحاديث فمن المعلوم عند أهل العلم أنه ليس كل ما يرد من الأحاديث صحيحاً ففيها الصحيح والضعيف وشديد الضعف والموضوع والمكذوب والباطل الذي لا أصل له، بل ليس كل حديث صحيح يسلم به لمن احتج به فقد يحتج بالحديث في غير موضعه فتكون حجته داحضة باطلة.

إذاً فمجرد إيراد الأحاديث لا يقدم في الموضوع ولا يؤخر فيه شيئاً إلا إذا كانت صحيحة في ذاتها وفي الاستشهاد بها، عندها تصلح دليلاً وتثبت بها الحجة.

ما معنى الوسيلة؟
أيها الإخوة - إن معنى الوسيلة إلى الله تعالى : هو مراعاة سبيله بالعمل والعبادة، وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقُرْبة، والواسل: هو الراغب إلى الله تعالى ، وأما عن الآيات التي يستدل بها من يجيزون التوسل بهذا النوع الذي ذكرنا.

وهي قوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدا في سبيله لعلكم تفلحون، وقوله سبحانه: "أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء: 57].

فتعالوا بنا نتعرف إلى هاتين الآيتين من أوثق كتب التفسير.

فأما الآية الأولى، فقد قال إمام المفسرين الحافظ ابن جرير - رحمه الله - في تفسيرها: يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله فيما أخبرهم، ووعد من الثواب، وأوعد من العقاب. اتقوا الله يقول: أجيبوا الله فيما أمركم ونهاكم، بالطاعة له في ذلك، وابتغوا إليه الوسيلة: يقول: واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه. [1]

ونقل الحافظ ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معنى الوسيلة في هذه الآية القربة أي الطاعة، ونقل مثل ذلك عن مجاهد وأبي وائل والحسن وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد، ونقل عن قتادة قوله فيها: أي تقربوا إليه بطاعته، والعمل بما يرضيه، ثم قال ابن كثير: وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه... [2] إذا فليس فى الآية على صحة التوسل بأحد إنما معناها التقرب بالطاعة والعبادة.

وأما الآية الثانية: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء: 57]: فليس فيها متعلق لهذه المسألة فقد بين الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- مناسبة نزولها التي توضح معناها فقال: نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن، فأسلم الجنيون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون.[3]

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: أي استمر الإنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن، والجن لا يرضون بذلك، لكونهم أسلموا، وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة، وهذا هو المعتمد في تفسير الآية. [4]

قلت: وهي صريحة في أن المراد بالوسيلة ما يتقرب به إلى الله تعالى ، ولذلك قال:
يبتغون أي يطلبون ما يتقربون به إلى الله تعالى من الأعمال الصالحة، وهي كذلك تشير إلى هذه الظاهرة الغريبة المخالفة لكل تفكير سليم، ظاهرة أن يتوجه بعض الناس بعبادتهم ودعائهم إلى بعض عباد الله، يخافونهم ويرجونهم، مع أن هؤلاء العباد المعبودين قد أعلنوا إسلامهم، وأقروا لله بعبوديتهم، وأخذوا يتسابقون في التقرب إليه سبحانه، بالأعمال الصالحة التي يحبها ويرضاها، ويطمعون في رحمته، ويخافون من عقابه، فهو سبحانه يُسَفه في هذه الآية أحلام أولئك الجاهلين الذين عبدوا الجن، واستمروا على عبادتهم مع أنهم مخلوقون عابدون له سبحانه، وضعفاء مثلهم، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً، وينكر الله عليهم عدم توجيههم بالعبادة إليه وحده، -تبارك وتعالى-، وهو الذي يملك وحده الضر والنفع، وبيده وحده مقادير كل شيء وهو المهيمن على كل شيء.

والخلاصة - أيها الإخوة - أن الاستدلال من الآيتين على هذا التوسل استدلال خاطئ لا يصح حمل الآيتين عليه، لأنه لم يثبت شرعاً أن هذا التوسل مشروع مرغوب فيه، ولذلك لم يذكر هذا الاستدلال أحد من السلف الصالح، ولا استحبوا التوسل المذكور، بل الذي فهموه منهما أن الله تبارك وتعالى يأمرنا بالتقرب إليه بكل رغبة، والتقدم إليه بك قربة، والتوصل إلى رضاه بكل سبيل.

ولكن الله سبحانه قد علمنا في نصوص أخرى كثيرة أن علينا إذا أردنا التقرب إليه أن نتقدم إليه بالأعمال الصالحة التي يحبها ويرضاها، وهو لم يكل تلك الأعمال إلينا، ولم يترك تحديدها إلى عقولنا وأذواقنا، لأنها حينذاك ستختلف وتتباين، وستضطرب وتتخاصم، بل أمرنا سبحانه أن نرجع إليه في ذلك، ونتبع إرشاده وتعليمه فيه، لأنه لا يعلم ما يرضي الله - عز وجل - إلا الله وحده، فلهذا كان من الواجب علينا حتى نعرف الوسائل المقربة إلى الله أن نرجع في كل مسألة إلى ما شرعه الله سبحانه، وبينه رسول الله، ويعني ذلك أن نرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله وهذا هو الذي وصانا به رسولنا محمد صلوات الله عليه وسلامه حيث قال: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله. [5]

إذاً فقد سقط الاستدلال بهاتين الآيتين.

ثانياً: قالوا: إن الله تبارك وتعالى قال: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 64]

قالوا: إن هذه الآية فيها إثبات جواز التوسل برسول الله صلى حتى بعد مماته وأوردوا على ذلك قصة مكذوبة لا أصل لها ولا خطام ولا زمام عن رجل يقال له: العُتْبي، قال: كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ثم أنشأ يقول:
يا خيرَ من دُفنَت بالقاع أعظُمُه
فطاب منْ طيبهنّ القاعُ والأكَمُ

نَفْسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُه
فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ


ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عُتْبى، الحقْ الأعرابيّ فبشره أن الله قد غفر له.

وزاد بعضهم البيتين التاليين:
أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته
على الصراط إذا ما زلت القدم

وصاحباك فلا أنساهما أبداً
مني السلام عليكم ما جرى القلم[6]


وهذه - أيها الإخوة - حكاية باطلة، وقصة واهية، لا تدل على جواز التوسل بالرسول صلى الله عليه سلم، والرد عليها بأربعة أمور ذكرها الشيخ الفاضل صالح آل الشيخ في كتابه: "هذه مفاهيمنا" قال:
أولاً: ما دام أنها ليست من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا فعل خلفائه الراشدين، وصحابته المكرمين، ولا من فعل التابعين، والقرون المفضلة، وإنما هي مجرد حكاية عن مجهول نقلت بسند ضعيف، فكيف يحتج بها في عقيدة التوحيد، الذي هو أصل الأصول، وكيف يحتج بها وهي تعارض الأحاديث الصحيحة التي نُهِي فيها عن الغلو في القبور، والغلو في الصالحين عموماً، وعن الغلو في قبره، والغلو فيه صلى الله عليه وسلم خصوصاً، وأما من نقلها من العلماء أو استحسنها فليس ذلك بحجة تعارَض بها النصوص الصحيحة وتخالَف من أجلها عقيدة السلف، فقد يخفى على بعض العلماء ما هو واضح لغيرهم، وقد يخطئون في نقلهم ورأيهم، وتكون الحجة مع من خالفهم.

وما دمنا قد علمنا طريق الصواب، فلا شأن لنا بما قاله فلان أو حكاه فلان، فليس ديننا مبنيّاً على الحكايات والمنامات، وإنما هو مبني على البراهين الصحيحة.

ثانياً: قد تخفى بعض المسائل والمعاني على من خلع الأنداد، وتبرأ من الشرك وأهله، كما قال بعض الصحابة: "اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده ما قاله أصحاب موسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138]"[7]

والحجة في هذا: أن هؤلاء الصحابة، وإن كانوا حديثي عهد بكفر، فهم دخلوا في الدين بلا إله إلا الله، وهي تخلع الأنداد، وأصناف الشرك، وتوحد المعبود، فمع ذلك ومع معرفة قائليها الحقة بمعنى لا إله إلا الله، خفي عليهم بعض المسائل من أفرادها، وإنما الشأن أنه إذا وضح الدليل، وأبينت الحجة، فيجب الرجوع إليها والتزامها، والجاهل قد يعذر، كما عُذر أولئك الصحابة في قولهم: "اجعل لنا ذات أنواط"، وغيرهم من العلماء أولى باحتمال أن يخفى عليهم بعض المسائل ولو في التوحيد والشرك.

ثالثاً: كيف يتجاسر أحد أن يعارض نصوص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بقول حكاه حاك مستحسناً له، والله سبحانه يقول: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].

قال الإمام أحمد: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾، ثم يقول: الإمام أتدري ما الفتنة؟.

الفتنة: الشرك لعله إذا رَدَّ بعضَ قولِه أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. [8]

فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة على طاعة كل أحد، وإن كان خيرَ هذه الأمة أبا بكر وعمر، فالأمر كما قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر. [9]

فكيف لو رأى ابن عباس هؤلاء الناس الذين يعارضون السنة الثابتة، والحجة الواضحة بقول أعرابي مجهول في قصة العتبى الضعيفة المنكرة.

إن السنة في قلوب محبيها أعظم وأغلى من تلك الحجج المتهافتة، والمفاهيم البدعية السقيمة، تلك المفاهيم المبنية على المنامات والمنكرات، فأعجب لهذا، وجرد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذار ثم حذار من أن ترد الأحاديث الصحيحة وتؤمن بالأخبار الباطلة الواهية، فيوشك من فعل ذلك أن يقع في قلبه فتنة فيهلك.

رابعاً: ما من عالم إلا ويرد عليه في مسائل اختارها إما عن رأي، أو عن ضعف حجة، وهم معذورون قبل إيضاح المحجة بدلائلها، ولو تتبع الناس شذوذات المجتهدين ورخصهم، لخرجوا عن دين الإسلام إلى دين آخر، كما قيل: من تتبع الرخص تزندق، ولو أراد مبتغ الفساد والعدول عن الصراط أن يتخذ له من رخصهم سلماً يرتقي به إلى شهواته لكان الواجب على الحاكم قمعه وصده وتعزيره، كما هو مشهور في فقه الأئمة الأربعة وغيرهم.

وما ذكر ففيه أن من أحال لتبرير جرمه على قول عالم، عُلم خطؤه فيه أنه يقبل منه ولا يؤخذ بالعتاب. [10]

أيها الإخوة! إن الحكايات لا يثبت بها دين.

والآية لا تدل مطلقاً على شيء من ذلك الذي ذهبوا إليه، وإنما تبين: "أن الله - سبحانه وتعالى -... هو التواب الرحيم ومهما اقترف عباده من الذنوب والخطايا... ثم رجعوا إليه وأنابوا... فإنه يتوب عليهم ويغفر لهم ذنوبهم على أن يعزموا على عدم العودة إلى الذنب. ومن رحمته بعباده أنه يدلهم على الطريق الذي إذا سلكوه... يوصلهم إلى عفوه ومغفرته، لأن لكل شيء سبباً ففي هذه الآية يدلهم على هذه الأسباب... فإنه تعالى يخبر في محكم آياته أنه لم يرسل إلى الناس من رسول إلا ليطاع ويستجيبوا لرسالته التي أرسلها إليهم، فمن أطاع له عند الله تعالى الدرجات العلى، ومن ظلم نفسه بالإعراض... أو المعصية... فقد فتح له باب العودة إليه تعالى ، إنما هذا الطريق له سبل تؤدي إليه فدلهم عليها بقوله جل وعلا: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 64].

وذلك بأن يحضروا إلى الرسول الأعظم ويستغفروا الله في مجلسه ثم يسألوه أن يستغفر لهم أيضاً وهكذا، فإن استغفارهم ربهم ثم استغفار الرسول لهم، يكونان سبباً في توبته تعالى عليهم ورحمته بهم، فثبت أن الله تعالى أرشدهم إلى توسلين يستمطرون بهما توبة الله ورحمته.
الأول: استغفارهم الله لأنفسهم في مجلس رسول الله.

الثاني: سؤالهم الرسول أن يستغفر الله لهم فالأول كان توسلاً بالأعمال الصالحة... وهو استغفارهم الله الذي هو عمل صالح، والثاني كان توسلاً بدعاء المؤمن لأخيه وكلا التوسلين كانا بإرشاد من الله تعالى فهل من دليل على مشروعية هذين التوسلين أدل من دلالة الله عليهما في هذه الآية؟ أما التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم فهذا غير مشروع فضلاً عن أن يدل على مشروعية التوسل بذوات الصالحين وبهذا سقط الاستدلال بهذه الآية أيضاً.

ثالثاً: قالوا: إن مما يدل لصحة ما ذهبنا إليه قصة استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما: ففيها جواز التوسل بجاه الأشخاص وحرمتهم وحقهم وهو أن أنساً قال: إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا قَحَطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال: فيسقون.

فيفهمون من هذا الحديث أن توسل عمر -رضي الله عنه- إنما كان بجاه العباس رضي الله عنه، ومكانته عند الله سبحانه، وأن توسله كأنه مجرد ذكر منه للعباس في دعائه، وطلب منه لله أن يسقيهم من أجله، وقد أقره الصحابة على ذلك، فأفاد بزعمهم ما يدّعون.

وأما سبب عدول عمر - رضي الله عنه - عن التوسل بالرسول - بزعمهم - وتوسله بدلاً منه بالعباس رضي الله عنه، فإنما كان لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ليس غير.
والجواب: إن فهمهم هذا خاطئ، وتفسيرهم هذا مردود فليس المعنى كما فهموه: كنا نتوسل بجاه نبينا، وإنا نتوسل إليك بجاه عم نبينا، إنما المعنى: كنا نتوسل إليك بدعاء نبينا، وإنا نتوسل إليك ب-دعاء عم نبينا على رأينا نحن.

وإذا لجأنا إلى السنة، لتبين لنا طريقة توسل الصحابة الكرام بالنبي فهل يا ترى كانوا إذا أجدبوا وقحَطوا قبع كل منهم في داره، أو مكان آخر، أو اجتمعوا دون أن يكون معهم رسول الله، ثم دعوا ربهم قائلين: اللهم بنبيك محمد، وحرمته عندك، ومكانته لديك اسقنا الغيث. مثلاً، وهذا لا وجود له إطلاقاً في السنة النبوية الشريفة، وفي عمل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، أم أنهم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ذاته فعلاً، ويطلبون منه أن يدعو الله تعالى لهم، فيحقق طلْبتهم، ويدعو ربه سبحانه، ويتضرع إليه حتى يسقوا؟ ما الذي دلت عليه الآيات والأحاديث والسيرة -أيها الإخوة- ؟ الواضح من هذا كله أنهم إنما كانوا إذا رغبوا في قضاء حاجة، أو كشف نازلة أن يذهبوا إليه، ويطلبوا منه مباشرة أن يدعو لهم ربه، أي أنهم كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء الرسول الكريم ليس غير.

ويرشد إلى ذلك قوله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 64].

ومن أمثلة ذلك ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها حيث قالت: شكا الناس إلى رسول الله قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه. قالت: فخرج رسول الله حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر وحمد الله، ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم ثم قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغًا إلى حين ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله.[11]

فهذه الواقعة وأمثالها مما وقع زمن النبي وزمن أصحابه الكرام رضوان الله عليهم تُبين بما لا يقبل الجدال أو المماراة أن التوسل بالنبي أو بالصالحين الذي كان عليه السلف الصالح هو مجيء المتوسِّل إلى المتوسَّل به، وعرضه حاله له، وطلبه منه أن يدعو له الله سبحانه، ليحقق طلبه، فيستجيب هذا له، ويستجيب من ثم الله - سبحانه وتعالى -.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 139.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 137.61 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.24%)]