قفوا ولا ترجفوا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ما هي أبرز أسباب تأخر النطق عند الأطفال؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أعشاب تدر الحليب: تعرف عليها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أطعمة خالية من اللاكتوز: قائمة بأفضلها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          علاج هشاشة العظام بالأكل: هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          علاج التجشؤ بالأعشاب: 7 أعشاب فعالة ومجربة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حمية dna: خطوة نحو تغذية مخصصة لصحتك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          كيف يتم علاج سوء التغذية؟ دليلك الشامل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          دليلك للأكل الصحي عند الإصابة بالتسمم الغذائي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          7 أطعمة تسبب الغازات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          علاج العصبية: كيف تتحكم بانفعالاتك بعقلانية وهدوء؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 15-04-2020, 04:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي قفوا ولا ترجفوا

قفوا ولا ترجفوا
عبد الله بن محمد البصري


الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ:
فَـ(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [البقرة:21] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
في مِثلِ حَالِنَا اليَومَ وَالمُسلِمُونَ يَخُوضُونَ حُرُوبًا مَعَ أَعدَائِهِم في جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، لا يَفتَأُ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ في مَجَالِسِهِم عَمَّا يَقَعُ هُنَا وَهُنَاكَ، وَيَجعَلُونَ مَا يَجرِي مِن أَحدَاثٍ وَمُشكِلاتٍ فَاكِهَةً لاجتِمَاعَاتِهِم، وَمَادَّةً يَتَبَادَلُونَ حَولَهَا الآرَاءَ وَالتَّصَوُّرَاتِ، وَيَتَنَاوَلُونَهَا بِالتَّعلِيقَاتِ وَالتَّعقِيبَاتِ، وَهَذَا وَإِن كَانَ لَيسَ عَيبًا في ذَاتِهِ، إِلاَّ أَنَّ مِمَّا يُذَمُّ وَيُعَابُ وَلا يُرضَى، أَن يَخُوضَ النَّاسُ فِيمَا يَعلَمُونَ وَفِيمَا لا يَعلَمُونَ، وَأَن يَتَحَدَّثُوا فِيمَا يَتَصَوَّرُونَ وَفِيمَا لا يَتَصَوَّرُونَ، وَأَن يَنتَشِرَ فِيهِم التَّزَيُّدُ في الكَلامِ وَالمُبَالَغَاتُ، وَيَنقُلُوا الأَرَاجِيفَ وَالشَّائِعَاتِ، وَيَجعَلُوا الصَّغِيرَ كَبِيرًا، وَالحَقِيرَ خَطِيرًا، وَيَتَنَاوَلُوا أَحدَاثًا مُتَوَهَّمَةً، وَنَتَائِجَ مُتَوَقَّعَةً، تُبنَى مِنهَا جِبَالٌ تَقصِمُ الظُّهُورَ، أَو تُفتَلُ حِبَالٌ تَلتَفُّ حَولَ الرِّقَابِ، في تَهوِيلٍ وَتَخوِيفٍ، وَبَثٍّ لِلفَزَعِ في النُّفُوسِ، حَتَّى لَكَأَنَّمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُم هُوَ النَّذِيرُ العُريَانُ، الَّذِي يَقُولُ لِلنَّاسِ قَد صَبَّحَكُمُ العَدُوُّ أَو مَسَّاكُم، في حِينِ أَنَّ الأَمرَ لا يَعدُو أَن يَكُونَ جَعجَعَةً وَلا طِحنٌ، وَكَلامَ مُرجِفِينَ يُفسِدُونَ أَكثَرَ مِمَّا يُصلِحُونَ.
نَعَم أَيُّهَا المُسلِمُونَ إِنَّهَا لا تَخلُو أَيُّ أَحدَاثٍ تَمُرُّ بِالأُمَّةِ مِن أَقوَامٍ مُرجِفِينَ، يَنقُلُونَ الأَحدَاثَ بِصُورَةٍ مُزَيَّفَةٍ، مِلؤُهَا الإِثاَرَةُ وَالتَّخوِيفُ وَالتَّخذِيلُ، وَبَثُّ القَلَقِ في النُّفُوسِ وَتَثبِيطُ العَزَائِمِ وَإِسقَاطُ الهِمَمِ. وَقَد وُجِدَ المُرجِفُونَ في زَمَنِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَأَصحَابِهِ، فَكَانُوا لا يَفتَؤُونَ يَنشُرُونَ في المُؤمِنِينَ مَا يَسُوءُهُم، مِن تَحقِيرِ شَأنِهِم، وَتَهوِيلِ شَأنِ عَدُوِّهِم، أَو يُشِيعُونَ عَنِ المُسلِمِينَ إِذَا خَرَجُوا في غَزوٍ أَنَّهُم قُتِلُوا أَو هُزِمُوا، أَو أَنَّ العَدُوَّ قَد خَلَفَهُم عَلَى المَدِينَةِ وَأَهلِيهِم.
وَأَمَّا في زَمَانِنَا الَّذِي تَنَوَّعَت فِيهِ أَجهِزَةُ التَّوَاصُلِ، وَانتَشَرَتِ الشَّبَكَاتِ، وَضَعُفَ الوَازِعُ الدِّينِيُّ وَهَزُلَتِ العُقُولُ، وَتَلَوَّثَتِ الأَفكَارُ وَاختَلَطتِ الرُّؤَى، فَقَدِ ازدَادَ الإِرجَافُ وُجُودًا وَانتِشَارًا، وَظَهَرَ مَسمُوعًا وَمَقرُوءًا وَمُصَوَّرًا، يُنشِئُهُ في الغَالِبِ قَومٌ أُشرِبَت نُفُوسُهُمُ الإِعجَابَ بِالكُفَّارِ، وَالانبِهَارَ بما لَدَيهِم مِن عُدَّةٍ وَعَتَادٍ وَصِنَاعَةٍ وَثَقَافَةٍ، فَغَدُوا لا يَألُونَ في وَصفِهِم بِالقُوَّةِ، وَالمُبَالَغَةِ في تَعظِيمِ مَا يَملِكُونَ مِن أَسلِحَةٍ فَتَّاكَةٍ وَآلاتٍ مُدَمِّرَةٍ، وَكَأَنَّمَا هُم بَإِرجَافِهِم هَذَا يَقُولُونَ لِلمُسلِمِينَ: ارفَعُوا أَيدِيَكُم، وَضَعُوا أَسلِحَتَكُم، وَالزَمُوا بُيُوتَكُم، وَابكُوا عَلَى أَنفُسِكُم، فَلا طَاقَةَ لَكُم بِهَؤُلاءِ وَجُنُودِهِم! وَمِن دُونِ هَؤُلاءِ قَومٌ مِن أَشبَاهِ العَوَامّ،ِ وَإِن حَسِبُوا أَنفُسَهم مِنَ المُثَقَّفِينَ، لا يَعرِفُونَ تَثَبُّتًا وَلا تَبَيُّنًا، وَلا يُهِمُّهُم أَن يَكُونُوا أَصحَابَ مِصدَاقِيَّةٍ، أَو أَن يُنقَلَ عَنهُمُ الكَذِبُ، فَتَرَاهُم عِندَ كُلِّ حَدَثٍ يَكتُبُونَ وَيُحَلِّلُونَ وَيَنشُرُونَ، وَيُفَصِّلُونَ كَمَا يَتَخَيَّلُونَ أَو يَتَوَهَّمُونَ؛ وَكُلُّ هَمِّ أَحَدِهِم أَن يَكتُبَ شَيئًا يَقرَؤُهُ النَّاسُ وَيَخُوضُونَ فِيهِ، دُونَ نَظَرٍ إِلى عَوَاقِبِهِ الوَخِيمَةِ وَمَآلاتِهِ الضَّارَّةِ، أَو مَا قَد يُسَبِّبُهُ مِن تَلَوُّثٍ فِكرِيٍّ، أَوِ اضطِرَابٍ أَمنِيٍّ أَو خَلَلٍ اجتِمَاعِيٍّ، أَو إِضعَافٍ لِلرُّوحِ المَعنَوِيَّةِ لِلمُجتَمَعَاتِ المُسلِمَةِ، أو تَحطِيمٍ لما تَحمِلُهُ القُوَى الإِيمَانِيَّةُ مِن تَفَاؤُلٍ بِانتِصَارِ الإِسلامِ وَأَهلِهِ المُصلِحِينَ، وَاندِحَارِ الكُفرِ وَحِزبِهِ المُفسِدِينَ.
إِنَّ الإِرجَافَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ في أَوقَاتِ الحُرُوبِ وَالفِتَنِ وَالمِحَنِ، يَظهَرُ في صُوَرٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَأَشكَالٍ مُختَلِفَةٍ، بَينَ نَشرِ أَحَادِيثَ مُوضُوعَةٍ، وَبَثِّ قِصَصٍ مَكذُوبَةٍ، وَنَقلِ رِوَايَاتٍ بَاطِلَةٍ، وَتَهوِيلِ أَخبَارٍ غَيرِ مَوثُوقٍ فِيهَا، وَتَضخِيمِ أَنبَاءٍ غَيرِ صَحِيحَةٍ، وَنَقلِ أَحدَاثٍ مِن مَصَادِرَ مَجهُولَةٍ.
وَأَمَّا الإِرجَافُ الَّذِي يَكُونُ هَدَفُهُ أُولِي الأَمرِ وَالمُجَاهِدِينَ وَالعُلَمَاءَ وَالدُّعَاةَ وَالمُصلِحِينَ، فَحَدِّثْ عَنهُ وَلا حَرَجَ، فَهَذَا مُبَدَّعٌ وَذَاكَ مُفَسَّقٌ، وَهَذَا مُخَطَّأٌ وَذَلِكَ مَشكُوكٌ في نِيَّتِهِ، وَلا تَسَلْ عَن خُطُورَةِ الطَّعنِ في القَادَةِ وَالمُجَاهِدِينَ وَالعُلَمَاءِ وَالمُصلِحِينَ؛ فَكَم يُخَذِّلُ عَنِ اتِّبَاعِهِم، وَيَصُدُّ عَنِ الخَيرِ الَّذِي يَحصُلُ بِالالتِفَافِ حَولَهُم، وَيَحُولُ دُونَ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى، وَيَؤُولُ بِالنَّاسِ إِلى التَّفَرُّقِ وَالاختِلافِ وَالتَّنَازُعِ وَالشِّقَاقِ، وَعَدَمِ ثِقَةِ بَعضِهِم في بَعضٍ، وَمِن ثَمَّ يَكُونُ الفَشَلُ وَذَهَابُ الرِّيحِ، وَالقُعُودُ عَن جِهَادِ الأَعدَاءِ، وَتَعوِيقُ مَسِيرَةِ الدَّعوَةِ وَنَشرِ الدِّينِ الحَقِّ.
إِنَّ الإِرجَافَ وَإِذَاعَةَ المَرءِ بِكُلِّ مَا يَصِلُهُ، دُونَ رَدٍّ لِلأَمرِ لأَهلِهِ العَالِمِينَ بِهِ، إِنَّهُ لَمِمَّا يَخفِضُ شَأنَ المُسلِمِينَ، وَيُوهِنُ قُوَاهُم عَن جِهَادِ أَعدَائِهِم، وَيُضعِفُ هِمَمَهُم عَنِ العَمَلِ الدَّعَوِيِّ وَالإِصلاحِيِّ، وَيَخدِمُ الأَعدَاءَ مُبَاشَرَةً وَيَصُبُّ في مَصَالِحِهِم، حَيثُ يَنفَرِدُونَ بِالمُجتَمَعَاتِ الإِسلامِيَّةِ الَّتِي قَعَدَ أَبنَاؤُهُا عَنِ التَّنَاصُرِ وَالتَّعَاوُنِ، وَمَاتَت في نُفُوسِهِم الآمَالُ في إِعَادَةِ أَمجَادِ أُمَّتِهِم، وَشُغِلُوا بِتَنَاقُلِ الأَحدَاثِ الكَاذِبَةِ، الَّتِي تُوحِي بِهَزِيمَةِ المُسلِمِينَ وَكَسرِ شَوكَتِهِم.
وَمِن آثَارِ الإِرجَافِ السَّيِّئَةِ أَن يَتَوَقَّفَ المُسلِمُونَ عَن إِغَاثَةِ إِخوَانِهِم في البِلادِ الَّتِي تَسَلَّطَ عَلَيهَا الأَعدَاءُ، وَلا يُحِسُّوا بِمُصَابِهِم وَلا يَحمِلُوا هَمَّهُم، هَذَا عَدَا مَا يُصَابُ بِهِ الجَمِيعُ مِن سُوءِ ظَنٍّ بِرَبِّهِم، وَضَعفِ تَوَكُّلٍ عَلَيهِ، وَالتِفَاتٍ عَنِ الاستِعَانَةِ بِهِ وَاستِغَاثَتِهِ، إِلى التَّعَلُّقِ بِالمَخلُوقِينَ وَالاستِنصَارِ بِهِم وَبِهَيئَاتِهِم وَمُنَظَّمَاتِهِم، أَوِ الوُصُولِ إلى حَالٍ مُزرِيَةٍ مِنَ اليَأسِ مِن رَوحِ اللهِ، وَالقُنُوطِ مِن رَحمَتِهِ، وَعَدَمِ اليَقِينِ بِنَصرِةِ لِعِبَادِهِ المُؤمِنِينَ، وَامتِلاءِ النُّفُوسِ بِالهَمِّ وَالحَزَنِ، وَإِحَاطَةِ العَجزِ وَالكَسَلِ بها.
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ وَلْنَحذَرِ الإِرجَافَ بِكُلِّ صُوَرِهِ وَأَشكَالِهِ؛ فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ لما فِيهِ مِن أَذِيَّةٍ لِلمُسلِمِينَ، وَأَصحَابُهُ مُتَعَرِّضُونَ لِلَّعنِ وَالطَّردِ مِن رَحمَةِ اللهِ، قَالَ تَعَالى: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 60 - 62].
إِنَّهُ لَوَاجِبٌ عَلَى المُسلِمِ أَن يَتَثَبَّتَ وَيَتَبَيَّنَ، وَأَن يُمَحِّصَ الأَخبَارَ قَبلَ نَقلِهَا وَسَردِهَا، وَأَن يَرُدَّ الأَمرَ إِلى أَهلِهِ المُختَصِّينَ بِهِ، وَأَلاَّ يَستَجرِيَهُ الشَّيطَانُ أَو يَستَخِفَّهُ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ، فَيَندَمَ اليَومَ أَو غَدًا، قَالَ سُبحَانَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُم فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَومًا بِجَهَالَةٍ فَتُصبِحُوا عَلَى مَا فَعَلتُم نَادِمِينَ) [الحجرات: 6] وقال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم وَلَولا فَضلُ اللهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ لاتَّبَعتُمُ الشَّيطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 83].

الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى حَقَّ تُقَاتِهِ، وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَتِهِ وَمَرضَاتِهِ، وَاحذَرُوا مِن نَقَلَةِ الكَذِبِ وَرُوَاتِهِ، وَلا تَكُونُوا أَبوَاقًا لَهُم بِنَقلِ كُلِّ مَا تَسمَعُونَ أَو تَقرَؤُونَ، أَو أَدَوَاتٍ لِلقَصِّ وَاللَّصقِ وَالنَّسخِ وَالنَّشرِ، فَبِئسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا، وَيَكفِي المَرءَ مِنَ الإِثمِ نَقلُهُ لِكُلِّ خَبرٍ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِهِ، وَبَثُّهُ دُونَ تَثَبُّتٍ أَو تَبَيُّنٍ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: ((كَفَى بِالمَرءِ كَذِبًا أَن يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)) رَوَاهُ مُسلِمٌ.
وَعِندَ أَبي دَاوُدَ وَغَيرِهِ، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ: ((كَفَى بِالمَرءِ إِثمًا أَن يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)).
نَعَم أَيُّهَا الإِخوَةِ إِنَّهُ لإِثمٌ كَبِيرٌ أَن يَنقُلَ المَرءُ كُلَّ مَا وَصَلَهُ وَيُسَارِعَ في بَثِّهِ وَنَشرِهِ، فَكَيفَ إِذَا كَانَ مَا يَنقُلُهُ يَحوِي إِخَافَةً لِلآخَرِينَ، أَو يَحمِلُ إِرجَافًا في الصُّفُوفِ وَإِضعَافًا لِلعَزَائِمِ؟! وَأَمَّا مَن وَفَّقَهُ اللهُ، فَكَانَ لِلِسَانِهِ خَازِنًا وَلِقَلَمِهِ حَافِظًا، لا يَنقُلُ الأَخبَارَ إِلاَّ بَعدَ تَثَبُّتٍ وَتَبَيُّنٍ، وَرَدٍّ لِلأَمرِ إِلى أَهلِهِ، فَعَلَيهِ أَن يَثِقَ بِرَبِّهِ، وَأَن يُقَوِّيَ رَجَاءَهُ بِهِ سُبحَانَهُ، مُفَوِّضًا الأَمرَ إِلَيهِ، مُعتَمِدًا عَلَيهِ؛ مُكثِرًا مِن قَولِ: (حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ) [آل عمران: 173] كَمَا فَعَلَ عِبَادُ اللهِ المُتَوَكِّلُونَ (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبُنَا اللهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضلٍ لم يَمسَسْهُم سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضوَانَ اللهِ) [آل عمران:173، 174].
ثُمَّ لنَعلَمْ جَمِيعًا أَيُّهَا المُسلِمُونَ أَنَّ الحَقَّ وَالبَاطِلَ يَتَعَالَجَانِ وَيَتَصَارَعَانِ إِلى أَن تَقُومَ السَّاعَةُ، وَكَم مِن مِحنَةٍ وَقَعَت لِلمُسلِمِينَ عَلَى مَرِّ التَّارِيخِ، فَكَانَت لَهُم في أَثنَائِهَا عَطَايَا عَمِيمَةٌ، وَمِنَحٌ جَسِيمَةٌ، وَمَا ارتِفَاعُ رَايَةِ الجِهَادِ مِن هَذِهِ البِلادِ لِحَربِ المُبتَدَعَةِ، وَدَحرِ البَاطِنِيَّةِ، وَنَصرِ أَهلِ السُّنَّةِ، وَحِمَايَةِ دِيَارِهِم، وَالذَّبِّ عَن أَعرَاضِهِم، إِلاَّ تَوفِيقٌ مِنَ اللهِ، وَفَضلٌ مِنهُ وَمِنَّةٌ؛ فَليَستَبشِرْ أَولِيَاءُ اللهِ وَجُنُودُهُ وَلْيَصبِرُوا، وَلْيُصَابِرُوا وَلْيُرَابِطُوا، مُعتَصِمِين بِحَبلِ اللهِ وَاثِقِينَ بِهِ، جَاعِلِينَ الأَرَاجِيفَ وَالشَّائِعَاتِ خَلفَ ظُهُورِهِم؛ فَإِنَّمَا هِيَ مِن جُندِ الشَّيطَانِ وَكَيدِهِ (إِنَّ كَيدَ الشَّيطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء: 76] (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيطَانُ يُخَوِّفُ أَولِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُم وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ) [آل عمران: 175].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.62 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.29%)]