اعتبار جدة ميقاتاً مكانياً - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كبســولات نفسيــــة خفيفـــة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 57 - عددالزوار : 4368 )           »          واجب الأمة نحو تعليم القرآن والمشتغلين بحفظه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة (معالم الوسطية بين النص الشرعي ونزعات الهوى ..) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          حق اللجوء في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الأسرة في رمـــضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الواقع الإيجابي بين المجتمعات المسلمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 68 )           »          السراج في بيان فقه المناسك للمعتمرين والحجاج (pdf) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الحج.. أسرار وحكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-12-2019, 03:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,555
الدولة : Egypt
افتراضي اعتبار جدة ميقاتاً مكانياً

اعتبار جدة ميقاتاً مكانياً (1)





إيمان بنت محمد القثامي




التكييف الفقهي للمسألة:
القائلون بأن جدة ليست ميقاتاً مكانياً، احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على المواقيت؛ ولا اجتهاد مع النص، وأنه لا يوجد مشقة معتبرة في الإحرام بالطائرة، وأن راكب الطائرة يعتبر محاذٍ للميقات.

أما القائلون بأن جدة ميقاتاً مكانياً، فقد احتجوا بأن المواقيت المحددة من الشارع مجرد علامات لتنبيه القاصدين للنسك وليس متعبداً الإحرام مها، وأن الإحرام في الطائرة فيه مشقة والمشقة تجلب التيسير، وأن المحاذاة غير معتبرة في الطائرة.

وقد وجدت في المسألة خمسة أقوال:
المطلب الثاني: القول الأول وأدلته.
القول الأول: لا تعتبر جدّة ميقاتاً مكانياً ولا يجوز الإحرام منها إلاّ لأهلها، ومن أنشأ النية فيها، وهو قول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وقرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وبه قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء[1].

وهو قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في سنة 1402هـ، ونص القرار (رقم القرار: 2 رقم الدورة: 5 حكم الإحرام من جدة للواردين إليها من غيرها:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد المرسلين، نبينا محمد. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد ناقش في جلسته الثالثة صباح يوم الخميس الموافق 10/4/1402هـ. والمصادف 4/2/1982م موضوع (حكم الإحرام من جدة، وما يتعرض له الكثير من الوافدين إلى مكة المكرمة للحج والعمرة عن طريق الجو والبحر)، لجهلهم عن محاذاة المواقيت التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم وأوجب الإحرام منها على أهلها، ومن مر عليها من غيرهم، ممن يريد الحج أو العمرة. وبعد التدارس واستعراض النصوص الشرعية الواردة في ذلك قرر المجلس ما يلي:
أولاً: أن المواقيت التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم وأوجب الإحرام منها على أهلها، وعلى من مر عليها من غيرهم، ممن يريد الحج والعمرة هي: ذو الحليفة لأهل المدينة ومن مر عليها من غيرهم، وتسمى حالياً (أبيار علي). والجحفة وهي لأهل الشام ومصر والمغرب، ومن مر عليها من غيرهم، وتسمى حالياً (رابغ). وقرن المنازل، وهي لأهل نجد ومن مر عليها من غيرهم، وتسمى حالياً (وادي محرم) وتسمى أيضاً (السيل). وذات عرق، لأهل العراق، وخراسان، ومن مر عليها من غيرهم، وتسمى (الضريبة). ويلملم، لأهل اليمن ومن مر عليها من غيرهم. وقرر: أن الواجب عليهم أن يحرموا إذا حاذوا أقرب ميقات إليهم من هذه المواقيت الخمسة جواً أو بحراً، فإن اشتبه عليهم ذلك ولم يجدوا معهم من يرشدهم إلى المحاذاة، وجب عليهم أن يحتاطوا وأن يحرموا قبل ذلك بوقت يعتقدون أو يغلب على ظنهم أنهم أحرموا قبل المحاذاة؛ لأن الإحرام قبل الميقات جائز مع الكراهة ومنعقد، ومع التحري والاحتياط، خوفاً من تجاوز الميقات بغير إحرام تزول الكراهة؛ لأنه لا كراهة في أداء الواجب، وقد نص أهل العلم في جميع المذاهب الأربعة على ما ذكرنا، واحتجوا على ذلك بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في توقيت المواقيت للحجاج والعمار. واحتجوا أيضاً بما ثبت عن أمير المؤمنين عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لما قال له أهل العراق: إن قرناً جَورٌ عن طريقنا؟ قال لهم - رضي الله عنه: انظروا حذوَها من طريقكم. قالوا: ولأن الله سبحانه أوجب على عباده أن يتقوه ما استطاعوا، وهذا هو المستطاع في حق من لم يمر على نفس الميقات، إذا عُلم هذا فليس للحجاج والعمار الوافدين من طريق الجور والبحر ولا غيرهم أن يؤخروا الإحرام إلى وصولهم إلى جدة، لأن جدة ليست من المواقيت إلى وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا من لم يحمل معه ملابس الإحرام، فإنه ليس له أن يؤخر إحرامه إلى جدة، بل الواجب عليه أن يحرم في السراويل إذا كان ليس معه إزار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل». وعليه كشف رأسه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عما يلبس المحرم قال: «يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا لمن لم يجد النعلين». الحديث متفق عليه.

فلا يجوز أن يكون على رأس المحرم عمامة ولا قلنسوة ولا غيرهما مما يلبس على الرأس. وإذا كان لديه عمامة ساترة يمكنه أن يجعلها إزاراً اتزر بها، ولم يجز له لبس السراويل، فإذا وصل إلى جدة وجب عليه أن يخلع السراويل ويستبدلها بإزار إذا قدر على ذلك، فإن لم يكن عليه سراويل، وليس لديه عمامة تصلح أن تكون إزاراً حين محاذاته للميقات في الطائرة أو الباخرة أو السفينة، جاز له أن يحرم في قميصه الذي عليه مع كشف رأسه، فإذا وصل إلى جدة اشترى إزاراً وخلع القميص، وعليه عن لبسه القميص كفارة، وهي إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من تمر أو أرز أو غيرهما من قوت البلد، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة، هو مخير بين هذه الثلاثة، كما خير النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة لما أذن له في حلق رأسه وهو محرم للمرض الذي أصابه.

ثانياً: يكلف المجلس الأمانة العامة للرابطة بالكتابة إلى شركات الطيران والبواخر لتنبيه الركاب قبل القرب من الميقات، بأنهم سيمرون على الميقات قبل مسافة ممكنة.

ثالثاً: خالف عضو مجلس المجمع الفقهي الإسلامي معالي الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء في ذلك، كما خالف فضيلة الشيخ أبو بكر محمود جومي عضو المجلس بالنسبة للقادمين من سواكن إلى جدة فقط. وعلى هذا جرى التوقيع. والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم). انتهى.

واستدل القائلون بذلك بأدلة منها:
الدليل الأول: ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: «وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الشام الجحفة... فهن لهن ولمن أتي عليهن من غير أهلين لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أله وكذال حتى أهل مكة يهلون منها»[2].

وجه الدلالة:
وقّت معناه أنه لا يجوز تجاوز هذا المواضع لمن أراد الحج والعمرة إلا محرماً، وهو أمر متفق عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عين ميقات كل طائفة فمن لم يهل من ميقاته لم يمتثل الأمر الشرعي، فلهذا لا يصح حجه[3].

ونوقش هذا الاستدلال:
بأن مرور الطائرة فوق سماء الميقات لا يصدق على أهلها أنهم أتوا الميقات المحدد لهم، لا لغة ولا عرفاً[4].

وأُجيب عن هذه المناقشة:
أن اللغة والعرف يقرّان أن من مرّ بطائرة أو سفينة فهو قد مرّ بالميقات، لأنه يخلو، إماً أن يسامته ويحاذيه من الأعلى، أو يمر فوقه؛ فيقال مرّت الطائرة على كذا، أو مرت السفينة على كذا، أو مرت بجوار كذا لأن كل إتيان بحسبه، وليس كله على نسق واحد[5].

الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»[6].

وجه الدلالة: أن من أحرم من جدة قد خالف الحديث فهو وقع فيما نهى عنه من مجاوزة المواقيت، ولم يأت بما استطاع ممّا أمر به فهو قادر على الإحرام من الطائرة لأنها حاذت الميقات ولا مشقة في ذلك[7].


[1] انظر مجلة البحوث الإسلامية عدد 6 (382)، وفتاوى اللجنة الدائمة جمع أحمد الدرويش (11/127)، وفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (5/214).

[2] أخرجه البخاري (2/555)، (1454) كتب الحج، باب مهل أهل الشام، ومسلم (2/839)، (1182) كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة.

[3] النوازل في الحج للشعلان (118).

[4] رسالة جواز الإحرام من جدة لركاب الطائرات لابن محمود (9).

[5] انظر فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز (17/24).

[6] أخرجه البخاري 6/2658 (6858) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله، ومسلم 2/975 (337) كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر.

[7] النوازل في الحج للشلعان (120).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-12-2019, 03:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,555
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اعتبار جدة ميقاتاً مكانياً

اعتبار جدة ميقاتاً مكانياً (2)





إيمان بنت محمد القثامي





القول الثاني: تعتبر جدة ميقاتًا مكانيًّا لمن وصل إليها بطريق الجو أو البحر؛ أياً كانت جهة قدومه فيؤخر الإحرام حتى يصل اليها وهو قول الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله، والشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله، والشيخ عبدالله الأنصاري رحمه الله من قطر، والشيخ عدنان عرعور، والشيخ محمد الحسن ولد الددو، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله من تونس، والشيخ عبد الله بن كنون من المغرب[1].
واستدل القائلون بذلك بما يلي
:
الدليل الأول: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة..."الحديث[2].
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم عين المواقيت المذكورة؛ لأنها كانت على طريق الحجاج القادمين من جهات شتى، وحاجة تعيين ميقات في جدة للقادمين بالطائرات والسفن قائمة، ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم حياً ورأى كثرة النازلين في جدة لبادر إلى تعيين جدة ميقاتاً؛ لأنها طريق للحاج كالمواقيت الأخر[3].
وقد نوقش
:
بأن المواقيت المذكورة في الحديث محيطة بالحرم من جميع جهاته، فلا يحتاج إلى تعيين مواقيت جديدة.الدليل الثاني: ما رواه ابن عمر رضي الله عنه قال: لما فتح هذان المصران[4]أتوا عمر فقالوا: "يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرناً، وهو جو عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرناً شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق"[5].
وجه الاستدلال من وجهين
:
الأول: أن عمر رضي الله عنه لما رأى حاجة أهل العراق، ومشقة ذهابهم إلى قرن عين لهم ذات عرق، وكذلك الآن جدة صارت طريقاً لركاب الجو والبحر، وما سواها فيه جور ومشقة عليهم، فيحتاجون إلى تعيين ميقات أرضي لإحرامهم، كما احتاج الناس في زمن عمر[6].
وقد نوقش: بأن تحديد ذات عرق لم يكن باجتهاد عمر؛ بل هو قد ورد بالنص، ووافقه عمر رضي الله عنه باجتهاده[7].
وجه الاستدلال الثاني من الحديث: أن عمر حدد ذات عرق لأنها تبعد عن مكة مرحلتين كما تبعد قرن المنازل، وهذا هو بعد جدة عن مكة، فهي تبعد عن مكة مرحلتين، فيحرم الحاج منها؛ لأنها تبعد مرحلتين عن مكة نظراً لاجتهاد عمر[8].
ونوقش من وجهين:
الأول: أن عمر -رضي الله عنه - لم يحد ذات عرق؛ لأنها تبعد مرحلتين عن مكة، وإنما حدها لأنها تقع محاذاة قرن المنازل، ولذا قال: "فانظروا حذوها من طريقكم"[9].
الثاني: أن كلام أهل العلم في اعتبار المرحلتين على من لم يحاذ ميقاتاً، أما من جاء إلى جدة فقد حاذى ميقاتاً، فكيف يأخذ بالمرحلتين دون اعتبار لشرط أهل العلم، وهو إذا لم يحاذ وقد حاذى[10].
الدليل الثالث
: أن أصل الحج موقوف على الاستطاعة، ومن الاستطاعة أمن الطريق، فيسقط الحج عمن خاف على نفسه خوفاً محققاً، فإذا كان الحج كذلك فواجباته كذلك فواجباته كذلك تسقط في حال الخوف وعدم الاستطاعة، ومنها الإحرام عند المحاذاة بالطائرة؛ لأن الناس مشغولون بالاضطراب والخوف من خطر الطائرة خشية وقوع حادث، وذلك مستمر حتى يصلوا إلى بر السلامة، وهو جدة إذ هي بداية الوصول؛ فيحرمون منها أرفق بهم[11].

ونوقش من وجهين
:
الأول: عدم التسليم، فإن إنشغال الناس بالاضطراب والخوف من خطر الطائرة خشية وقوع الحادث أمر مختص بالقلة من الركاب، أما عامة الركاب فلا يشعرون بذلك[12].
الثاني:
أن الاستعداد للإحرام بالتجرد من المخيط والاغتسال؛ ونحوه ذلك أمر ممكن حصوله قبل ركوب الطائرة، مع العلم أن هذه الأمور أمور مستحبة، لا واجبة، فلا يترك الواجب وهو الإحرام من الميقات من أجل أمور مستحبة؛ بل يجب البدار بالواجب؛ وإن فات المستحب، وأما عقد نية الإحرام في الطائرة عند محاذاة الميقات فهو أمر ميسر؛ ولو كان الإنسان مضطرباً خائفاً[13].

الدليل الرابع
: أن جدة تبعد مرحلتين عن مكة، والمرحلتان هي أوسط المسافات، وهي بعد أقرب المواقيت إلى مكة، فجاز الإحرام من جدة نظراً لذلك[14].

ويناقش من وجهين: الأول: بأن كل من ذكر بأن الحاج يحرم من بعد مرحلتين قيد ذلك بعدم مروره أو محاذاته لميقات، فعند ذلك يحرم من بعد مرحلتين[15].
الوجه الثاني:
أن القائل بالمرحلتين أخذ بالأقل؛ لأن ما زاد عليه مشكوك فيه، ولكن مقتضى الاحتياط أن يعتبر الأكثر والأبعد، فإن لم يكن كذلك فلا أقل من أن يفرق بين من جاء عن يمين الكعبة ومن جاء عن شمالها؛ لأن المواقيت التي تقع يمين الكعبة قريبة، فيقدر للقادم من اليمين الأقرب، وهو مرحتان، وعن شمالها المواقيت بعيدة، فيقدر للقادم من الشمال الأبعد[16].

الدليل الخامس: أن الإحرام من جدة فيه دفع للمشقة الحاصلة للمكلفين من الإحرام في الطائرة، ولا شك أن المشقة مدفوعة بالشرع، وذلك بناء على عدة أمور منها:أولاً: أن التيسير أصل من أصول الشريعة.
ثانياً: من القواعد الأساسية في الدين (أن المشقة تجلب التيسير) ومن هذه القاعدة خرجت جميع رخص الشرع وتخفيفاته، والحاج يعاني مشقة من إحرامه في الطائرة أو في بلده، فكان من يسر الشريعة ورفع المشقة عن المكلفين أن يحرم القادمون بالطائرة أو السفن من جدة.
ثالثاً: تتبع الرخص.
رابعاً:
أن منافع الناس مقدمة على العبادات[17].

وقد نوقش: بأنا لو سلمنا بوجود هذه المشقة؛ فإن أبواب التيسير الشرعي مفتوحة من دون إسقاط واجب الإحرام؛ من محاذاة الميقات، وذلك بأحد طريقتين: الطريق الأول: أن من أراد الإحرام تهيأ له قبل صعود الطائرة بالغسل ولبس لباس الإحرام ونحوه ذلك مما يسن عند الإحرام، فإذا حاذى الميقات عقد نية الإحرام، وهذا من أيسر وأسهل ما يمكن[18].
الطريق الثاني: أن الغسل والتطيب والصلاة قبل الإحرام كلها أمور مستحبة، ولا يجوز تأثير الواجب عن وقته أو مكانه من أجل تحصيل المستحب، فلو ترك كل هذه الأمور من أجل تحصيل الاجب لكان ذلك سائغا[19]، أما الإحرام؛ أي: عقد النية في الطائرة فهو سهل متيسر، ولو عقد النية قبل صعود الطائرة فهو بلا شك قد أدى الواجب بلا خلاف؛ بخلاف من أخره إلى جدة، فهو قد أخره عن مكانه في قول أكثر أهل العلم[20].
الدليل السادس
: أن الطائرة عندما تكون محلقة في السماء لا يصدق على من فيها أنهم أتوا على الميقات المحدد لهم لا لغة ولا عرفا؛ لأن الإتيان هو الوصول للشيء في محله[21]ونوقش من وجهين:
الأول: أنه من المتقرر شرعا وعرفا أن الهواء تابع للقرار[22].
الثاني: سلمنا ما ذكرتم أن مرور الطائرة ليس إتيانا؛ ولكن لا نسلم بأنه ليس بمحاذاته، إذ محاذاة علوية للميقات، والمحاذاة لا يعتبر فيها الوصول إلى الشيء[23].
الدليل السابع: أن المحاذاة في البحر غير ممكنة، وذلك لتعذر تعيين المواقيت فيه، ولو عين في البحر لكان زائدا على المحاذاة الشرعية؛ إذ لو وصلنا المواقيت بخط لوجدنا أن الخط يمر بالساحل، ولا يمر بالساحل، ولا يمر بالبحر[24].
ونوقش: بأن في هذا مخالفة لأقوال كثير من أهل العلم الذين نصوا على الإحرام من البحر[25].
الدليل الثامن: أن جدة إما أن تكون داخل المواقيت أو خارجها أو على محيط المواقيت، أما كونها خراجها فلم يقل به أحد، وأما كونها داخلها فهذا يعني أن الميقات في البحر، وهذا مردود، فلم يبق إلا كونها على محيط المواقيت، وهذا هو الصحيح، فإذا كان كذلك جاز له الإحرام منها لمن قدم إليها[26].
ونوقش
:
بأن جدة داخل المواقيت، والقادم إليها لا بد أن يمر بميقات من المواقيت التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يحاذيه برا أو بحرا[27].
الدليل التاسع: أن بعض من منع الإحرام من جدة أجاز الإحرام للقادم من الغرب دون مرور على محاذاة ميقات، فإذا كان كذلك فهذا إقرار أن جدة واقعة على محيط المواقيت، فيجوز إذا أن يحرم منها كل من يقصدها بلا استثناء[28].
ونوقش: لا نسلم بأن من قدم من الغرب يحرم من جدة؛ بل يحرم من محاذاة ميقاته لأن حذو المكان بمنزلته، والقادم من الغرب لا يمر بميقات ولا يحاذه[29].القول الثالث وأدلته. القول الثالث: التفصيل فإذا كان القادم إلى جدة جواً أو بحراً لا يمر ولا يحاذي ميقاتاً قبلها، جاز له الإحرام منها كالقادم من سواكن من بلاد السودان[30]ونحوها، ومن عداهم فلا يجوز لهم الإحرام منها، وهو قول للحنابلة[31]، وبه قال لاشيخ ابن باز وابن عثيمين وتلميذه الشيخ خالد المصلح[32].
واستدل القائلون بذلك بنفس أدلة أصحاب القول الأول المانعين من الإحرام من جدة، وأما استثناء من قدم من الغرب كسواكن، فدليلهم فيه، أن القادمين من سواكن لا يمرون بميقات ولا يحاذونه؛ لأن المواقيت أمامه، فيصل إلى جدة قبل محاذاتها، فلذا يحرمون من جدة لأنها تبعد مرحلتين عن مكة، ولأن المحاذاة لا تحصل لهم قبل دخولها[33].
وقد نوقش
:
بأنكم قلتم يمنع إحرام القادم من جهة يلملم من جدة، وذلك لتفاوت المسافة بين يلملم وجدة في بعدهما عن مكة، فكيف تقولون بأن من لم يمر على المواقيت يحرم من جدة لأنها تبعد مرحلتين[34]؟.
وأجيب من وجهين
:

الأول: أن جدة أقل مسافة إلى مكة من يلملم بنحو الربع. كما هو مشاهد. وإن وجد تصريح بأن مسافة كل منهما مرحلتان فإن مرادهم أن كلا لا ينقص عن مرحلتين، ولا يلزم منه استواء مسافتهما؛ لا يسما وقد عرف التفاوت الكبير ممن سلك الطريقين[35].
الثاني
: أن من مر بيلملم قد حاذى الميقات، فوجب عليه الإحرام من المحاذاة، ولا يترك المحاذاة ليحرم على بعد مرحلتين من مكة، وأما القادم من جهة سواكن ونحوها فهو لم يمر ولم يحاذ ميقاتاً؛ فوجب أن يحرم من بعد مرحلتين وهي المسافة بين جدة ومكة، ولا يلزم بمسافة مثل مسافة يلملم ولا الجحفة؛ بل بمسافة مرحلتين فقط، والله أعلم[36].

القول الرابع وأدلته. القول الرابع: أن من أبحر في لجة البحر من أي جهة أتى؛ فلا يحرم حتى يصل إلى جدة، أما من ساحل - أي: أبحر قريبا من الساحل - من أي جهة أتى فيحرم إذا حاذى الميقات، وهو قول سند بن عنان المالكي[37].
استدل القائلون بذلك بقولهم: إن الإجرام في اللجة فيه تغرير بالمحرم
، وذلك لأن الريح قد ترده فيبقى محرما حتى تتسر له السلامة، وهذا حرج عظيم منفي بالشرع، ولذلك ينزل للإحرام إلى البر، وإذا ثبت الجواز فلا فدية لأنه لا دليل على ذلك، أما من ساحل فالإحرام عليه في البحر واجب؛ لأنه لا حرج عليه في الإحرام عند ذلك، وإن تركه صار عليه هدي لأنه قادر على الإحرام من الميقات[38].

وقد نوقش: بأنا لن نسلم بأن ذلك متصور في العصر الحاضر وذلك لاختلاف الحال بين العصر الحاضر وما قبله، فالسفن سابقا كانت سفناً شراعية تسير على دفع الريح، وهذا متصور فيه ما ذكر، وأما السفن الآن فهي تتحرك بمحركات قوية، ولا تخضع لحركة الريح البتة[39].القول الخامس وأدلته. القول الخامس: تعتبر جدة ميقاتاً مكانياً لمن وصل إليها بطريق الجوّ أو البحر من طريق اليمن خاصة، فيجوز لهم تأخير الإحرام حتى يصلوا إليها وهو قول ابن حجر الهيتمي[40] [41].
واستدل القائلون بذلك بقولهم:إن المسافة بين يلملم ومكة مرحلتان، والمسافة بين جدة ومكة مرحلتان، فما دام أن المسافة متحدة بينهما، فيجوز الإحرام من جدة كما يجوز الإحرام من يلملم؛ بخلاف جحفة فلا يؤخر الإحرام عن محاذاتها؛ لأن كل محل من البحر بعد الجحفة أقرب إلى مكة منها[42].
ونوقش:بأن جدة أقل مسافة بنحو ربع المسافة كما هو مشاهد، وقولهم أن كلا منهما مرحلتان: مرادهم أن كلا منهما لا ينقص عن مرحلتين، ولا يلزم استواء المسافة[43].
الترجيح:بعد النظر في الأدلة والمناقشات يظهر لي رجحان القول الأول بمنع الإحرام من جدة إلا لأهلها ومن أنشأ النية فيها، وذلك لعدة أسباب:قوة أدلة هذا القول، وأن في هذا القول احتياطاً للعبادة، وأن أماكن المواقيت ومواضع محاذاتها قد ضبطت في هذا الزمن، وأن الإعلان عن محاذاة الميقات في وسائل النقل متمكن، وأن المشقة المتصورة في الإحرام في الطائرة ونحوها مشقة موهومة.[1] انظر النوازل في الحج للشلعان (123)، مجموعة رسائل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود (183)، وأدلة إثبات أن جدة ميقات - للعرعور (4).[2] سبق تخريجه. [3] رسالة جواز الإحرام من جدة لابن محمود (5).[4] المصران: تثنية مصر، والمراد بهما الكوفة والبصرة، وهما سرتا العراق (وسط العراق وحاضرته) والمراد بفتحهما غلبة المسلمين على مكان أرضهما وإلا فهما من تمصير المسلمين. انظر: فتح الباري (3/389).[5] أخرجه البخاري 2/556(1458) كتاب الحج، باب ذات عرق لأهل العراق. [6] رسالة جواز الإحرام من جدة لابن محمود (10).[7] انظر فتح الباري (37/390).[8] النوازل في الحج للشلعان (126).[9] النوازل في الحج للشلعان (126). [10] فتح الباري (3/391). [11] رسالة جواز الإحرام من جدة لابن محمود (10).[12] النوازل في الحج للشلعان (126).[13] فتاوى الشيخ ابن باز (17/38). [14] رسالة إثبات أن جدة ميقات لعرعور (29). [15] انظر الوسيط للغزالي (2/609)، والفروع لابن مفلح (5/302).[16] فتح الباري (3/191).[17] النوازل في الحج للشلعان (128).[18] فتاوى ابن باز (17/38).[19] فتاوى الشيخ ابن باز (17/38).[20] النوازل في الحج للشلعان (131).[21] رسالة جواز الإحرام من جدة لابن محمود (51). [22] المهذب (1/334)، كشاف القناع (1/295).[23] النوازل في الحج للشلعان (132).[24] أدلة إثبات أن جدة ميقات للعرعور (32).[25] انظر مواهب الجليل (4/47)، وتحفة المحتاج مع حواشي الشرواني (4/45).[26] أدلة إثبات أن جدة ميقات للعرعور (34). [27] فتاوى الشيخ ابن باز (17/32)، وفتاوى اللجنة الدائمة (11/127). [28] رسالة أدلة إثبات أن جدة ميقات (38). [29] فتاوى اللجنة الدائمة (11/139)، فتاوى الشيخ ابن باز (17/32،35).[30] سواكن: بلد مشهور قديم على ساحل البحر الأحمر، مرفأ لسفن الذين يقدمون من جدة وكانت في الأصل جزيرة سواكن ثم وسعت إلى الساحل وكانت تابعة لحاكم الحجاز ثم ضمت للسودان. انظر: مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع (2/751)، ومعجم البلدان (3/276).[31] انظر شرح منتهى الإرادات للبهوتي (2/9)، مطالب أولي النهي (2/298). [32] انظر فتاوى الشيخ ابن باز (17/35)، فتاوى الشيخ ابن عثيمين (12/282). [33] انظر تحفة المحتاج (4/42)، حاشية البجيرمي على منهج الطلاب (2/112)، وحاشية القليوني على المنهج (2/94)، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي (2/9)، ومطالب أولي النهي (2/298)، وفتاوى الشيخ ابن باز (17/35)، وفتاوى الشيخ ابن عثيمين (21/282). [34] النوازل في الحج للشلعان (136).[35] انظر إعانة الطالبين (2/505)، والحواشي المدنية (2/227). [36] النوازل في الحج للشلعان (137).[37] سند (؟ - 541هـ). هو سند بن عنان بن إبراهيم الأزدي، كنيته أبو علي، من شيوخ الطرطوشي وأبو الطل السلفي وأبو الحسن بن المشرف. كان من زهاد العلماء فقيهاً مالكياً فاضلاً. من كتبه: الطراز شرح المدونة، لم يكمل، وله تآليف في علم الجدول وغيره. توفي بالإسكندرية ودفن بجانبه باب الأخضر. انظر: الديباج (126).[38] انظر الذخيرة للقرافي (3/207)، ومواهب الجليل (4/47).[39] النوازل في الحج للشلعان (135).[40] ابن حجر الهيتمي (909 - 973هـ)هو أحمد بن حجر الهيتمي (وعند البعض الهيثمي بالثاء المثلثة) السعدي، الأنصاري، شهاب الدين أبو العباس. ولد في محلة أبي الهيثم بمصر، ونشأ وتعلم بها. فقيه شافعي، تلقى العلم بالأزهر، وانتقل إلى مكة وصنف بها كتبه وبها توفي. برع في العلوم خصوصا فقه الشافعي. من تصانيفه: ((تحفة المحتاج شرح المنهاج))؛ و((الإيعاب شرح العباب المحيط بمعظم نصوص الشافعية والأصحاب))؛ و((الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة)). انظر: معجم المؤلفين (2/152)؛ الأعلام (1/223).[41] انظر تحفة المحتاج مع حواشي الشرواني (4/45). [42] انظر تحفة المحتاج مع حاشية الشرواني (4/45).[43] انظر إعانة الطالبين (2/505).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 92.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 91.00 كيلو بايت... تم توفير 1.98 كيلو بايت...بمعدل (2.13%)]