الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ابتسامة تدوم مدى الحياة: دليلك للعناية بالأسنان في كل مرحلة عمرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          كم يحتاج الجسم من البروتين يوميًا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          أطعمة ممنوعة للمرضع: قللي منها لصحة طفلك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          مكملات البروبيوتيك: كل ما تحتاج معرفته! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          التخلص من التوتر: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          أطعمة مفيدة لمرضى الربو: قائمة بأهمها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          كيفية التعامل مع الطفل العنيد: 9 نصائح ذكية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          كيف يؤثر التدخين على لياقتك البدنية وأدائك الرياضي؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن لقاح السعال الديكي للأطفال والبالغين! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          لمرضى السكري: 9 فواكه ذات مؤشر جلايسيمي منخفض! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > الحدث واخبار المسلمين في العالم
التسجيل التعليمـــات التقويم

الحدث واخبار المسلمين في العالم قسم يعرض آخر الاخبار المحلية والعالمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 27-12-2012, 09:46 PM
الصورة الرمزية غراس الجنه
غراس الجنه غراس الجنه غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: May 2010
مكان الإقامة: الدولة الإسلامية في العراق والشام
الجنس :
المشاركات: 4,283
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي

وجزاك بمثله...وبارك الله فيك اختي الفاضلة أم ماسة

في حفظ الله
  #32  
قديم 03-06-2013, 04:03 AM
الصورة الرمزية غراس الجنه
غراس الجنه غراس الجنه غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: May 2010
مكان الإقامة: الدولة الإسلامية في العراق والشام
الجنس :
المشاركات: 4,283
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي

« جبهة النصرة» و الإرهابيون


د. أكرم حجازي


13/12/2012





لم يكن القرار الأمريكي القاضي بوضع « جبهة النصرة» على قوائمها لـ الإرهاب» إلا واحدا من أحمق القرارات التي تتخذها الإدارة الأمريكية وأبينُها عدوانية وأبلغها إرهابا في تاريخ القرارات الأمريكية ذات الصلة بقوائمها لـ « الإرهاب». ولو فتشنا في خلفيات القرار وظاهره وباطنه وسطحه وقاعه أو من وقف خلفه وحرض عليه فلن نَغْلب في التأكيد على أن الإسلام هو المستهدف الوحيد من القرار وليس « النصرة» ولا « شبيحة» الأسد!!! هذا فضلا عن أن الجمع بين أنبل الخلق وأحطهم مكانةً لا يستوي إلا من كانت مكانته الأخلاقية والإنسانية أشد انحطاطا من « الشبيحة» أنفسهم. وهذا ليس غريبا على من من كانت أخلاقهم وتاريخهم هو تاريخ العصابات والقتلة والمجرمين واللصوص الذين سفكوا الدماء في شتى أنحاء الكرة الأرضية، ولمّا يزالوا يفعلون.

فعلى ما يشي القرار أن حشر « شبيحة» النظام في القرار الأمريكي ليس له من معنى ظاهر إلا توخي الإهانة والتحقير لأطهر البشر مقابل تبرئة النظام من الإرهاب ولصقه بأدواته. ولم يعد يخفى على أدنى فهيم في السياسة أن كل ما حظي به النظام الطائفي ليس سوى حزمة عقوبات اقتصادية وحظر سفر على بعض رموزه وحرمانهم من الكافيار .. لكن الحقيقة الثابتة، دبلوماسيا وقانونيا، أنه لا يزال يتمتع بكامل الشرعية القانونية والسياسية في النظام الدولي، ولا يزال الجعفري، ممثل النظام، يغرد بكل تحد ووقاحة بخطاباته النارية من على منبر مجلس الأمن والأمم المتحدة وفي عقر دار أمريكا.

وعلى ما نعلم أيضا، ويعلم بقية خلق الله، أن النظام الطائفي في سوريا كان الأولى بوضعه على قائمة الإرهاب الأمريكي. فالنظام، فقط في سياق الثورة، هو الذي يشن حملات الإبادة المنظمة التي أسفرت حتى الآن عن مقتل أزيد من 50 ألف ممن علمنا أسماءهم وتلقينا جثثهم، وجرح مئات الآلاف المسجلة أسماءهم، واعتقال عشرات الآلاف، فضلا عن أمثالهم وأكثر من المفقودين والمختطفين والمختفين والمغتصبين والمنتهكين، وخمسة ملايين مشرد ونازح، وتدمير لعشرات المدن، وأكثر من مليوني منزل، وقائمة لا تتوقف من أبشع الجرائم!!! إذا كانت كل هذه الجرائم لا تكفي لوضع النظام على قائمة « الإرهاب» فما الذي فعلته «جبهة النصرة» كي تستحق ما لم يستحقه النظام الطائفي!!!!؟

في المقابل فما من عيب واحد سُجل بحق « جبهة النصرة» منذ نشأتها إلى اليوم، مع العلم أنه ما من ساحة قتال في كل التاريخ الإنساني وحتى الإسلامي إلا وظهر بها أخطاء. وعلى العكس مما زعمه الزاعمون والمغرضون وأصحاب التأويلات الخاطئة، من اللحظة الأولى، فقد حصدت « جبهة النصرة» من الاحترام والتقدير ما لم تحصده أية جماعة مقاتلة دون أن ينقص هذا، مقدار ذرة، من جهاد القوى الصادقة والأمينة والحريصة على عقيدتها وشعبها ومصير أمتها. وظلت مكانتها في تصاعد إلى أن استحقت لقب « درة الثورة» السورية، رغم أنف الحاقدين والمميعين والملبسين والمضللين والبؤساء والبائسين وسوآى الوجوه والعقول.

حتى وسائل الإعلام المغرضة التي حاولت سرقة جهاد الجبهة ونسبته لغيرها لم تستطع الإفلات من الإقرار بالحقيقة والتوقف، ولو إلى حين، عن الافتراء والكذب على الجبهة والتجاهل والتنكر المتعمد لجهادها، بعد أن هزت عملية الأركان صروحا أمنية دولية، وإلى أن صار الشارع السوري يتباهى بـ « جبهة النصرة»، التي أثبتت واقعا أنها اسم على مسمى. بل أن الجبهة تحولت إلى أهزوجة للقوى المقاتلة في الثورة وصارت تضرب وتهدد بسيف الجبهة كلما استعصى عليها موقع قتال من ثكنة أو حاجز أو تجمع لمجرمي النظام.

كل المجتمع السوري والثوار، مع كثير من المحللين والمنصفين، ووسائل الإعلام، المتسللة إلى ساحات القتال، شهدت لمقاتلي « النصرة» بنكران الذات والصدق والشجاعة والبطولة وسمو الأخلاق والرفق بالسكان والمسارعة إلى نجدة الثوار والضعفاء والنكاية الجسيمة بالنظام وتقديم الإغاثة والبعد عن التذمر والتوسل والاحتساب إلى الله والإيثار .. جبهة لم يسبق لها أن طالبت بتدخل دولي ولا بحظر جوي ولا بمناطق عازلة ولا بأية مساعدة من أية جهة كانت .. ولا سعت إلى مناصب أو نازعت على كراسي أو سلطة .. ولا دخلت في أية مساومات أو غرقت بالأماني والطموحات أو آثرت السلامة حينا ما ..

فهل هذا الرصيد الذي لا يختلف عليه أحد هو الذي يقف خلف قرار وضع الجبهة على قائمة « الإرهاب»؟ وهل هو ذات المحتوى الذي تصنفه بعض القوى والقيادات السورية البارزة في المعارضة بـ « التطرف» !!!؟ وأنه، تبعا لذلك لا مكان لـ « جبهة النصرة» في « المجلس العسكري» الجديد باعتبار: « التنظيمات المتطرفة أقلية وأن للنظام يد في تشكيلها» كما يقول مصطفى الصباغ، الأمين العام لـ « ائتلاف المعارضة» السورية !!!؟ اسطوانة سفيهة لا يستسيغها حتى عتاة السفهاء، ففي العادة كانوا يتهمون مثل هذه الجماعات بكونها صناعة أمريكية، أما اليوم فقد صارت، عند « الأمناء الجدد»، صنيعة النظام السوري، ونسوا أية صنيعة هُمْ!!!

« النصرة» كباقي تيارات « الجهاد العالمي» ليس لها من هدف إلا الأهداف الشعبية الساعية إلى التخلص من الظلم والاستعباد والهيمنة الدولية .. وهي، حقيقة وواقعا راهنا، تنظيم محلي يقاتل نظاما دمويا يشن حربا على شعبه، ويدمر البلاد برمتها، وليست لديه أية روادع عقدية أو قيمية أو إنسانية .. وحتى الرضيع في سوريا ليس له حصانة عند هذا النظام. وتأسيسا على ذلك ليست الجبهة تنظيما يهدد أو يضرب السلم الاجتماعي. أما على المستوى الإقليمي فلم يظهر في أيِ من إصداراتها أنها تبنت الخروج من حدود سوريا أو هددت أحدا في الداخل أو في الخارج غير النظام ... أما القرار الأمريكي فلم يصدر ولن يصدر بناء على أي مما سبق. والمبرر الوحيد لصدوره هو تبني الجبهة في خطابها السياسي إقامة دولة إسلامية تحكم بموجب الشريعة الإسلامية بعيدا عن الاستبداد والهيمنة .. فهل ثمة تطرف غير هذا الذي يتحدثون عنه؟

بطبيعة الحال ثمة قوى خبيثة وكاذبة وغبية، هي من وطأت بعدائها التقليدي وبدعوتها وموافقتها، سرا أو علانية، لتمرير القرار الأمريكي. ولا ريب أن مثل هذه القوى الشريرة والعنصرية وكذا الشخصيات الدنيئة، وصنائع المخابرات الأمريكية والدولية، التي جاهرت بخصومتها وبغضها للجماعات الإسلامية عامة ولـ « جبهة النصرة» خاصة، وأعربت صراحة عن بغضها حتى لكلمة « جهاد» و « إسلام» .. بل ولاسم « الله» الأعظم عز وجل .. لا يمكن أن تكون أمينة على مصالح الشعب السوري وعقيدته ومصيره، ناهيك أن يكون لها بعض من ماء الوجه كي تتحدث عن الخيانة أو تدافع عن توحيد القيادات والثوار في الوقت الذي تبادر فيه أشرس قوة معادية للأمة وطموحاتها بإجراء لا يمكن أن يكون له من هدف أو غاية إلا التوطين لإحداث شقوق وشقاقات وتمايزات واختراقات خطيرة في صفوف القوى الثورية المقاتلة. وبالتالي فالقرار، ومن يؤيده من هؤلاء، ليس إلا عدوانا صارخا يستهدف السمت الإسلامي الصريح للثورة، بالتوازي مع ضرب الجماعات والكتائب الإسلامية وتهديدها وتخويفها بذات القرار، بقطع النظر عن أية مبررات أو ما إذا كان القرار صائبا أو خاطئا أو ناجحا أو فاشلا.

مع ذلك فمن عجائب القرار الأمريكي أنه أظهر وعيا حادا لدى القوى المقاتلة تمخض عنه بيانات تضامنية قوية جدا في الاصطفاف عقديا وميدانيا مع « جبهة النصرة» باعتبارها تعبير عن أصدق ضمير للثورة السورية، وهو أمر مرشح لتضخم العامل الديني في الثورة وكذا الحاضنة الشعبية التي عانت من مرارة القتل وفداحة الخسائر دون أن تجد من ينجدها أو يوفر لها الحماية والمواساة، بعد الله سبحانه وتعالى، إلا هذه القوى الصادقة ممن ضحت بأرواحها أرخصت، في سبيل دينها وأمتها، الغالي والنفيس. كما تمخض عن القرار الأمريكي، بحماقته وغطرسته، حرق قوى سياسية واتخاذ أخرى جانب الحذر وحتى الرفض، بعد أن وضعها القرار، بصريح العبارة، في مرمى الإدانة من قبل القوى المقاتلة والشعب السوري على السواء.

ومن عجائب القرار الأمريكي، في مستوى عام لا يبدو أنه كان محسوبا لدى الأمريكيين، أن حملات التشويه المغرضة التي تشنها بمعية الخصوم والأعداء والخونة، أو يروجها البلهاء والأغبياء، طوال السنين الماضية، ضد القوى المجاهدة في العالم الإسلامي باتت موضع شك وريبة بعد القرار الفضيحة. فلم يمض على ظهور الجبهة أكثر من عام؛ حتى تتبوأ قسرا قائمة « الإرهاب» دون أن يكون هناك أي ملف إدانة للاحتجاج به أو لذر الرماد في العيون، بل لا وجود ولو لمجرد مثلب وهمي واحد يسمح باتهامها بـ « الإرهاب».

أطرف ما في الأمر أن وضع الجبهة على القائمة الأمريكية لـ « الإرهاب»، بلا أية وقائع مادية، كان فضيحة سياسية وقانونية وشرعية بالغة الحرج خاصة لحلفاء أمريكا .. فهؤلاء الذين استمرؤوا وصف المجاهدين بـ « الخوارج» كأصحاب دعوات الاعتدال والتسامح ونبذ « التطرف» و « الإرهاب»، وقعوا في ورطة شرعية وقانونية وأخلاقية وموضوعية وشعبية. فلا هم استطاعوا وصف الجبهة بـ « الخوارج» بدعوى خروجها على نظام الأسد الطائفي ولا هم استطاعوا تبرير القرار أمام عشرات بيانات الاستنكار والاستهجان والذهول الصادرة عن قوى الثورة. بل أن الرد الثوري المباشر على القرار الأمريكي، ظهر على متن عشرات صفحات ومواقع الثورة السورية غاضبا وحانقا ومنددا ومستنكرا ومتهما كل من ساند القرار أو تواطأ عليه أو صمت أو حاول التملص من الرد، وعبر الحملات المنظمة والواسعة للإعلان عن جمعة 14/12/2012 باسم: « لا للتدخل الأمريكي: كلنا جبهة النصرة».

في المحصلة فإن تأطير الإجراء الأمريكي في السياق التاريخي والموضوعي يشير بوضوح إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تعادي حركات التحرر الوطنية، ولا تيارات « الجهاد العالمي»، ولا القوى الثورية والجهادية المناهضة للاستبداد والهيمنة فحسب، بل كل من يعارض فكرها وسياساتها وهيمنتها واستبدادها. فالقرار الأمريكي ضد الجبهة يحرِّم عليها الحق بالمشاركة في الثورة على نظام مستبد أو طاغية، بل ويحرِّم على أمثالها حرية الدعوة والمشاركة والمطالبة بتطبيق الشريعة ولو سلميا كما يقول الزميل عمار العبيدي، الذي أصاب في تشخيص غضب الأمريكيين من « النهج السلمي» لجماعات تطبيق الشريعة حيث لا وجود لتهمة. وبالتالي فإن هذا النوع من الثوار، سواء كانوا أفرادا كالشيخ حازم أبو إسماعيل أو جماعات كأنصار الشريعة في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن، سيكونون، منذ الآن فصاعدا، « إرهابيون» بموجب السياسة الأمريكية الجديدة.

وتبعا لذلك فإن كل جماعة تعمل على التخلص من الاستبداد والهيمنة، ولو سلميا، ستكون معرضة للمطاردة والملاحقة والتضييق وربما القتل .. فهؤلاء، بموجب ما تعتقد أمريكا، ليس لهم الحق في مقاتلة عدوهم بموجب ما يؤمنون أو يعتقدون، وإلا فهم « إرهابيون» ليسوا بمنآى عن العقاب!!! ... وفي المحصلة ثمة مواطن لكنه « إرهابي» ليس له الحق في الحياة: لا عند المستبدين ولا عند دعاة حرية الفكر والتعبير!!! ولا شك أن مثل هذه السياسات هي من يساهم في تمايز المواقف وانكشاف المزيد من حقائق المواجهة الصريحة مع « المركز» الذي يبدو أنه يخوض معاركه الأخيرة في العالم الإسلامي.
  #33  
قديم 03-06-2013, 04:05 AM
الصورة الرمزية غراس الجنه
غراس الجنه غراس الجنه غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: May 2010
مكان الإقامة: الدولة الإسلامية في العراق والشام
الجنس :
المشاركات: 4,283
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي

الثورة السورية ومسارات التدويل


« الكمائن» و « الهررة»


(13-1)


د. أكرم حجازي


18/3/2013







... وكأن قيادات « المركز» كانت تنتظر الثورة السورية على أحر من الجمر كي تلتفت إلى أخطر لحظة يمر فيها النظام الدولي. إذ ما من سابقة استطاعت أن تحشر النظام الدولي في زاوية الخطر والتهديد، منذ نشأته بعد الحربين الأولى والثانية، كما فعلت الثورة السورية ولمّا تزل حتى هذه اللحظة. بل يمكن القول بكل ثقة أنه ما من لحظة إذلال ضربت « المركز» في عمقه العصبي كما تضربه وقائع وجغرافيا الثورة السورية. ومع أنها فرضت عليه أن يخوض صراعا طاحنا على النفوذ بين شقيه الشرقي والغربي، إلا أنه ما من خيار أمام « المركز» إلا أن يحرص كل الحرص على تأمين استقرار نظامه الدولي وسلامة أمنه من جديد، عبر: (1) إحكام الحصار على الثورة للحيلولة دون الوقوع بأي فراغ للسلطة، و (2) تهيئة ميادينها، مبدئيا، لاقتتال داخلي في مراحل لاحقة إنْ عجز عن فرض الحل الذي يريد، بحيث تبقى سوريا هي التي تدفع الثمن وليس النظام الدولي.

ما من شك أن نظاما دوليا جديدا في طور التشكل، طوعا أو كرها، على ظهر الثورة السورية. وما من شك أيضا أن كل القوى الدولية والإقليمية، المعنية بالصيغة الجديدة للنظام الدولي، إلا وتخوض أعتى معاركها الوجودية في هذه اللحظة الفارقة من الزمن!!! فـ « المركز» والنظام الإقليمي والعربي والطوائف والأقليات و « إسرائيل» وتركيا وإيران بما فيها الطائفة العلوية .. كلهم يخوضون معركتهم الفاصلة.

وفي المقابل؛ وبدلا من أن تستغل القوى السياسية السورية هذه اللحظة، وتنكفئ إلى الداخل حيث قوى الثورة وأدوات القوة القادرة على تحطيم كل أدوات الهيمنة الدولية وبيادقها؛ نراها تنزلق منذ اللحظة الأولى في أتون النظام الدولي وأروقته ومؤسساته وفلسفاته وسياساته وأطروحاته ومؤتمراته بحثا عن نصرة موهومة أو حل سياسي يتوج « نضالاتها» البائسة. وبهذا الانزلاق تكون بعض القوى، أفرادا وجماعات، قد نزلت عن الجبل مبكرا جدا، وصارت تستثمر في الثورة وتبحث عن المكاسب والثراء والرفاهية كما يبحث غيرها عنها في الخارج، ففتحت الباب على مصراعيه، لكل القوى المنحرفة في الخارج كي يصيب فسادها قوىً عسكرية في الداخل كان لها صولات وجولات. بل أن بعضها ممن برع في السلوك البراغماتي ويعمل تحت سقف النظام الدولي، وطبقا لمواصفاته، فضل، كعادته، الاكتفاء بضخ الأموال في الدعاية والإعلان والتصوير وشراء الولاءات وتخزين الأسلحة عوضا عن تزويد الثوار بها ناهيك عن الامتناع عن خوض المعارك أو تقديم العون والنصرة لمن يخوضها ويقدم دماءه رخيصة في سبيل هذه الأمة وعزتها.

هكذا تشعبت قضايا الثورة، ولم تعد موضوعاتها المركزية واضحة، خاصة بعد أن تخلل الثورة الأذى من كل جانب، وغدت لدى الكثيرين مجرد استثمار رأسمالي مربح، فصارت الثورة تخسر حينا في حين يحاول الخصوم جميعا أن يجنوا ما استطاعوا من المرابح ليس من جيوبهم بل من رصيد الثورة وما توفره من سلع قابلة للتجارة عند ضعاف النفوس .. ومع ذلك فالاستمرار والجدوى لا يتحققان بدون لحظات تمايز قاسية لا بد منها لتنقية المسارات. ومع دخول الثورة عامها الثالث كان لا بد من معاينة إجمالي الحصيلة خاصة في ضوء المتغيرات التي استجدت في الشهور الثلاثة الأخيرة. ففي هذه المدة القصيرة ثمة الكثير من الملفات الشائكة التي تستدعي التوقف عندها، وسنفعل ذلك في جزئي هذه المقالة.


أولا: الفراغ السياسي


كانت اللحظة التي اختيرت فيها الطائفة النصيرية من قوى الانتداب الفرنسي والبريطاني أمينةً على سوريا هي ذات اللحظة التي مُنِعَ بموجبها السوريون من الحرية. فبدون مصادرة حرية السوريين كان من شبه المستحيل تأمين النظام الدولي الذي بنته القوى الاستعمارية العالمية على أنقاض العالم الإسلامي. لذا فإن سوريا الطائفية لم تكن مصادفة بقدر ما كانت صاحبة وظيفة محددة تضطلع بمهمة احتواء كل حركات التحرر والتمرد والاحتجاج التي من الطبيعي أن تظهر ردا على تفكيك العالم الإسلامي وهدم نظام الخلافة. وحتى اليوم لم تتبدل هذه الوظيفة أو تتغير حتى يمكن القول أن الطائفة استُهلكت أو استنفذت أسباب تَصدُّرها الحكم في سوريا. وحتى اللحظة ما زالت الطائفة تحظى بامتياز دولي يجعل من سوريا مربطا دوليا آمنا للنظام القائم منذ مائة سنة مضت. لذا فإنْ قلنا أنه ثمة حل سياسي فهذا يعني أنه ثمة بديل، ولأنه لا بديل عن الطائفة فإنه ما من حل إلا بها. ولأنها عاجزة عن الانفراد في حكم سوريا، بسبب إرثها الدموي وما يجري اليوم، فهي إذن لا تزال موضع امتياز، لكنها بحاجة إلى إعادة تأهيل أو إسناد طائفي من الطوائف والأقليات الأخرى. وعليه فقد سبق وقلنا أن الحل المقترح لدى « المركز» هو إقامة سلطة طوائف على شاكلة لبنان. وهذا ليس تحليلا بقدر ما هو منطوق « المركز» نفسه!!!

وهنا لا بد من ملاحظة أن الحديث عن تقسيم سوريا أو توصيف المنطقة الممتدة على طول الساحل السوري بكونها مشروع تقسيم أو نواة لإقامة دولة علوية متصلة مع إيران والعراق ولبنان هو أمر بعيد عن الواقع. والأرجح أنها « قاعدة آمنة للنظام». نقول هذا لأن الطائفة تعمل بموجب الامتياز الوظيفي في حكم سوريا وليست متسلقة أو متسلطة على الحكم، في غفلة من الزمن، كما يرى البعض. أما إقامة دولة علوية فيعني، بالمحصلة، انتهاء للدور الوظيفي الذي تضطلع به منذ استدعائها من الجبل ( = المطاردة والنبذ) إلى السهل ( = المدينة حيث الامتيازات والنفوذ)، وهذا غير وارد إلا في حالة وجود بديل ليس موجودا حتى الآن، فضلا عن أن الظروف الديمغرافية المختلطة لا تُمكِّن هذه الدويلة من الحياة، لا حاضرا ولا مستقبلا. ومن جهة أخرى فإن تحول إيران إلى مربط دولي وظيفي بديلا عن المربط الطائفي في سوريا يظل احتمالا مغريا وقائما للـ « المركز»، لولا أن إيران تخوض، كغيرها، آخر حروبها الوجودية، وتخسر أوراقها تباعا، فضلا عن كونها في وضع هجومي ضد الإسلام والمسلمين بفعل الطوابير الخامسة للشيعة في البلدان العربية.

هكذا يكون المتاح الأرجح دوليا هو « الحل السياسي» الذي يضمن « تأمين انتقال سلمي للسلطة»، وتصر عليه كل الأطراف، وهو الذي كشفت عنه صحيفة « لوفيغارو الفرنسية في 23/12/2012 حين أشارت إلى أن المبعوث الدولي المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي سيسلم الأسد « خطة أمريكية – روسية» تنص على: « تشكيل حكومة انتقالية مؤلفة من وزراء مقبولين من طرفي الصراع في سوريا، على أن يحتفظ الأسد بالسلطة حتى عام 2014 لاستكمال فترة ولايته ولكن بدون أن يكون له حق إعادة الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة». وهو ما أكده الإبراهيمي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي (30/12/2012) بالقول: « أن أسس الحل السياسي موجودة، وتم التوافق عليها من القوى الكبرى ومعظم دول المنطقة، وتتمحور حول وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، ثم خطوات أخرى تؤدي إلى انتخابات: إما بانتخاب رئيس أو الأرجح انتخاب برلمان».

ولكي يتم تمرير الحل الدولي فعلى السوريين أن يفهموا، والكلام للإبراهيمي، أن: (1) « الوضع في سوريا سيئ جدا ويتفاقم بوتيرة متسارعة» .. وأنه (2) « إذا كان لا بد من الاختيار بين الجحيم والحل السياسي، فيتعين علينا جميعا أن نعمل بلا كلل من أجل حل سياسي» .. وأنه (3) « إذا كان عدد القتلى الذين سقطوا في سوريا فيما يقرب من عامين منذ اندلاع الثورة وصل إلى خمسين ألف قتيل، فإن الأمر لو استمر لعام آخر قد يؤدي لسقوط أكثر من مائة ألف آخرين» ..

بعد أسبوع (6/1/2013) من تصريحات الإبراهيمي عن وجود حل سياسي خرج الرئيس السوري بخطاب ناري، تمت مناقشة تفاصيله في طهران مع فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري، بحسب نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، وتحدث فيه عن الحوار مع « الأسياد وليس العبيد»، واصفا الحرب بأنها بين « الشعب والمجرمين» وبين « الوطن وأعدائه». أما الثوار فهم إما « تكفيريين» أو « إرهابيين». ولعل أغلب المراقبين، لاسيما العسكريين منهم، قد لاحظوا الاندفاعة القوية للثورة السورية في دمشق وريفها على وجه التحديد. كما لاحظوا عشية الخطاب وبعده حملة عسكرية شاملة وشرسة للنظام على مدن حلب وإدلب وحمص والرقة وأريافهما. بل أن الأسد نفسه عاد في 29/1/2013 ليقول: « أن قواته تستعيد زمام المبادرة على الأرض في مواجهة المعارضة المسلحة»، فضلا عن أن بعض قادته العسكريين هدد باستعادة حلب برمتها من أيدي الثوار!

تُرى!! ما الذي جعل الأسد منتشيا بخطابه فيما القواعد الجوية والعسكرية تتساقط بيد الثوار، الواحدة تلو الأخرى، وتنهال القذائف والصواريخ على قصره؟ وفي الوقت الذي كان يشتري فيه ذمم البعض ويدفع خمسين ألف ليرة لقاء الانضمام لجيشه، فضلا عن إعلانه في 23/1/2013 عن تشكيلات طائفية باسم « اللجان الشعبية» التي أطلق عليها « جيش الدفاع الوطني»؟ لنرى.

من الثابت أن « الحل السياسي» الذي « لا بديل عنه» يعني وجوب الأخذ بعين الاعتبار أن « المركز» سيعمل كل ما بوسعه لـ « منع وقوع أي فراغ سياسي» قد يؤدي إلى انهيار جزئي أو كلي للسلطة، بما يحول دون القدرة على التحكم والسيطرة بوقائع الثورة السورية أو الحل السياسي الذي يقوم على مبدأ « تأمين الانتقال السلمي للسلطة»، وهو المبدأ الذي يعني استحالة قبول « المركز» بأي حسم عسكري للموقف من قبل الثورة. والثابت أيضا أن « المركز» يعزف عن التدخل العسكري قبل الوصول إلى الحل السياسي إلا في حالتين: (1) احتمال وقوع أسلحة نوعية أو كيماوية بيد الثوار في ظروف مجهولة، أو (2) انهيار مفاجئ في السلطة يؤدي إلى فراغ سياسي؛ إلا أن « المركز» يبدو أنه فزع من اندفاعة الثورة في دمشق فقرر التدخل احترازا، لكن ليس بشكل مباشر بل عبر استخدام القوى الموجودة على الساحة، ولأنه لا سلطان للقوى السياسية المعارضة على قوى الثورة فقد لجأ بكل وقاحة إلى الاستعانة بقوات النظام نفسها لوقف اندفاع الثورة!!! إذ أن حدوث فراغ سياسي ولو جزئي قد يتضخم ويخرج عن السيطرة.

لذا؛ فمن الطريف، في السياق، التأمل مليا بالشق الآخر من تصريحات الإبراهيمي الآنفة الذكر، (30/12/2012) ، رفقة نبيل العربي، لاسيما أنها حملت تحذيرا أمنيا إقليميا صريحا، لما فد يترتب عليه الوضع لو استمرت اندفاعة الثورة في دمشق خاصة. لنقرأ ما قاله الإبراهيمي في حينه:

« إن تطور واستمرار القتال الدائر حاليا حول دمشق، قد يؤدي إلى فرار ملايين من المقيمين في العاصمة، موضحا بأن: أمامهم في هذه الحالة وجهتين فقط، إما لبنان أو الأردن. وكلا البلدين لا يستطيعان دعم واستيعاب هذا العدد من الأشخاص الذي يقدر بخمسة ملايين»!!!!!

إذن لا بد من التدخل لوقف الاندفاع العسكري باتجاه العاصمة وحصون النظام. لماذا؟ لأن نقطة الضعف القاتلة بالنسبة للـ « المركز» هي « الفراغ السياسي»، جزئيا أو كليا. وهي النقطة التي تفسر الحصار المطبق على الثورة السورية الممنوعة من التسلح النوعي. وتبعا لذلك سيكون مثيرا للانتباه إذا علمنا أن الثوار ممنوعون من التسلح النوعي ليس من الخارج فقط؛ بل وحتى من الداخل أيضا. وقد يكون من الطريف ملاحظة أن الثوار السوريين لم يقعوا، حتى اللحظة، على أية أسلحة نوعية في كافة الثكنات والقواعد العسكرية ومراكز الأمن التي اقتحموها!!! وسيكون طريفا أكثر القول بأن دخول الثوار في مواجهة مع « المركز» لا تستدعي بالضرورة مهاجمته بشكل مباشر. إذا يكفي مباغتته عبر المسارعة إلى تحطيم أدوات القوة لديه في سوريا أو إحداق اختراق عسكري يؤدي إلى نوع من الفراغ يفقد « المركز» أدواته وامتيازات وبالتالي القدرة على السيطرة والتحكم في مآلات النظام، وينسف الحل السياسي الذي يريد. لكن هل جرت الرياح أو تجري بما تشتهي السفن؟


ثانيا: كمين النشار!!!


مشكلة الخطاب السياسي للمعارضة السورية، كأي خطاب سياسي وطني في كونه محكوم بالسقف الدولي بكل آلياته ومفرداته من الألف إلى الياء. وتبعا لذلك لا يمكن لأية معارضة وطنية أن تفكر أو تشتغل بالسياسة إلا بموجب ما تسمح به المنظومات التشريعية والسياسية والحقوقية الدولية من معطيات. وبالتالي مؤهلة للترويض والاحتواء إنْ لم تكن مروضة من الأصل، وقابلة للاستنزاف السياسي إنْ لم تكن قد استنزفت، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، في 12/3/2013 والذي طالبها بالجلوس إلى طاولة الحوار مع بشار الأسد. أما أن تظن نفسها قادرة على المكر في النظام الدولي وجره إلى مطالبها وطموحاتها وأهوائها فهذا ضرب من الجنون والعبث. والحقيقة أنها أقرب من أية معارضة أخرى إلى تلقي الخديعة تلو الأخرى.

أما مشكلة المعارضة السورية ففي كونها مفككة حتى العظم، ومتصارعة كالديكة، وتشكيلاتها السياسية تم إسقاطها تعسفيا من علية « المركز»، أما تشكيلاتها العسكرية فهي لا تتعدى مكتب في غرفة لا يصلها الهواء ولا الشمس، ولا تمتلك أداة قوة واحدة على الأرض، وهي في المبدأ والمنتهى في واد والثورة في واد آخر.

لذا كان مثيرا أن تتهم المعارضة الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية ( فرنسا وبريطانيا) بالتنصل من وعودها بتسليح الثوار غداة الإعلان عن تشكيل الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة. وكان مثيرا أيضا تعقيب نائبة رئيس الائتلاف، سهير الأتاسي، على تصريحات وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، حين قال أن: « بلاده تدرس الاعتراف رسمياً بهذا الائتلاف كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، لكنها تسعى لمعرفة خطط هذا الائتلاف للانتقال السياسي في سوريا ومعرفة من الذين يعتزمون تعيينهم وكيفية توزيع المناصب، وهل سيكون الأكراد مشاركين، وما حجم التأييد الذي يتمتع به ائتلاف المعارضة داخل سوريا»؛ فردت الأتاسي بالقول: « وكأننا تحت اختبار» !! ومع ذلك؛ ظلت المعارضة تتصرف وكأنها صاحبة الولاية السياسية!! والعجيب أنها لا تجيد أكثر من الانحدار الممزوج بانتفاش، في معادلة شعرية لا ينفع معها إلى قول الشاعر: ألقاب مملكة في غير موضعها ****** كالهر يحكي انتفاخة صولة الأسد. فلنتابع بعض الانتفاخات.

ففي 15/10/2012 كشفت صحيفة « ديلي تلغراف» البريطانية أن: « الإبراهيمي يعد خطة لإنشاء قوة لحفظ السلام بسوريا، قوامها 3000 جندي، ويمكن أن تضم جنودا أوروبيين لضبط الأمن في إطار هدنة مستقبلية». وأنه: « يبحث مشاركة الدول التي تـُسهم حاليا في قوات يونفيل في لبنان»، وأنّ: « من المتوقع أن تقوم إحدى الدول الأوروبية المشارِكة فيها بدور قيادي في حفظ السلام بسوريا». وفي وقت لاحق نفى الإبراهيمي صحة الخبر على خلفية ردود الفعل المناهضة لما اعتبره البعض توطئة لتدخل دولي!!!

وفي 30/11/2012، بعد تشكيل الائتلاف المعارض، جدد الإبراهيمي طلب إرسال قوات حفظ سلام « قوية» إلى سوريا مشيرا إلى أن: « مثل هذه القوات لا يمكن أن توجد بدون قرار من مجلس الأمن الدولي، مما يعني ضرورة موافقة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وكذلك موافقة سوريا (حكومة ومعارضة)، وإلا فسيتم التعامل مع القوات على أنها جيش أجنبي». فسال لعاب المعارضة التي ظنت أنها غدت صاحبة الولاية والسيادة. وردت في اليوم التالي بالسماح لهذه القوة بالانتشار إذا تخلى الأسد وأعوانه عن السلطة. وجاء الرد في 1/12/2012 على لسان المتحدث باسم الائتلاف، وليد البني، خلال مؤتمر صحفي في القاهرة، في ختام أول اجتماع له، قائلا: « إن الائتلاف مستعد للنظر في أي اقتراح إذا رحل الأسد وحلفاؤه بمن فيهم كبار الضباط في الجيش وأجهزة الأمن، وأضاف أنه إذا تحقق هذا الشرط أولا فإن الائتلاف يمكن أن يبدأ في مناقشة أي شيء»، مشيرا إلى أنه: « لن تكون هناك أي عملية سياسية حتى ترحل الأسرة الحاكمة وأولئك الذي يعاونون النظام».

وتحت وطأة المعارك الطاحنة خاصة حول دمشق، تعالت ردود الفعل الدولية المطالبة برحيل الأسد عن السلطة أو المنذرة بسقوطه. وفي 13/12/2012 تحدث الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، أندرس فوغ راسموسن، رفقة رئيس الوزراء الهولندي، مارك روت، في مقر الحلف ببروكسل، قائلا: « أعتقد أن النظام في دمشق يوشك على الانهيار.. أعتقد أنها أصبحت الآن مسألة وقت فحسب». ورغم النفي اللاحق لرسمية تصريحاته في 13/ 12/2012، التي وردت في سياق كلمة ألقاها أمام الغرفة الاجتماعية الروسية، إلا أن قناة « روسيا اليوم» نقلت عن المبعوث الروسي الخاص لشؤون الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، قوله: « ينبغي أن نواجه الحقائق، النظام والحكومة في سوريا يفقدان السيطرة على المزيد والمزيد من الأراضي». وأضاف: « للأسف لا يمكن استبعاد انتصار المعارضة السورية»، بل أن بوغدانوف يرى أيضا أن: « الأزمة في سوريا أعمق بكثير من موضوع بقاء أو سقوط نظام الأسد». ونقلت الجزيرة عن نائب قائد الجيش السوري الحر، العقيد مالك الكردي، تأكيده على تراجع قوى النظام في دمشق قائلا: « إن النظام أصبح يفقد السيطرة تدريجيا على البلاد .. والجيش الحر أصبح بوضع متقدم عما كان عليه سابقا .. ويكاد يحكم السيطرة بشكل كامل على سوريا وعلى دمشق بشكل خاص».

بمثل هذه التصريحات تهيأت الأجواء السياسية والإعلامية لتصيب المعارضة بنشوة عارمة نفشت ريشها حتى كتمت أنفاسها. وخرج معاذ الخطيب مغردا في 14/12/2012 على غير العادة ليعلن أن المعارضة: « ستدرس أي عرض من الرئيس السوري بشار الأسد لتسليم السلطة ومغادرة البلاد»، لكن: « المعارضة لن تعطي أي ضمانات للأسد إلى أن ترى عرضا جادا لحل الأزمة» .. ( وعليه ) ... « أن يدرك أنه ليس له دور في سوريا أو في حياة الشعب السوري وأن الأفضل له أن يتنحى» ..؛ كما أن: « الشعب السوري لم يعد بحاجة إلى تدخل قوات دولية بسوريا، خاصة مع تقدم مقاتلي المعارضة نحو وسط دمشق»، لكن مع تضخم الانتفاخ لا بد من القول أن: « هناك وعود بتقديم مساعدة عسكرية، ... وتبعا لذلك قدم ثلاثة سيناريوهات لسقوط الأسد، أولها: « أن يختار القتال حتى النهاية»، والثاني: « أن يحدث شيء داخل النظام نفسه، إما انقسام أو تغيير من الداخل»، والثالث: « أن يخرج الأسد من خلال مفاوضات». أما عن القوى العالمية والإقليمية، والكلام للخطيب، فهي المسؤولية عن صعود: « المتشددين الإسلاميين في سوريا»، موضحا إلى أن: « تقاعس العالم عن منع قوات الأسد من قتل محتجين مسالمين منذ مارس / آذار 2011 هو السبب الأساسي». لكن « نشوة» الخطيب، وهو الذي لديه الكثير من الوقت ليكتب عن العادة السرية واعظا، بلغت ذروتها في الموقف من الروس، الذين بدوا بحاجة له كي يمد لهم يد العون: « الروس أفاقوا ويشعرون بأنهم ورطوا أنفسهم مع النظام السوري لكنهم لا يعلمون كيف يخرجون»!!! لذا فقد بدا له سهلا استبعاد أي اقتراح روسي يبقي الأسد في السلطة قائلا: « من المشين لدولة ذبيحة أن تقبل قاتلا ومجرما رئيسا لها».

لكن؛ ما هي إلا بضعة أيام حتى كشفت صحيفة « لوفيغارو - 23/12/2012» الفرنسية عن توافق دولي بين أمريكا وروسيا لحل الأزمة في سوريا. وتوجه الإبراهيمي إلى دمشق لعرض الخطة على الرئيس السوري. أما الخطة فتتضمن، بحسب الصحيفة، تشكيل حكومة انتقالية مؤلفة من وزراء يحظون بقبول طرفي الأزمة في سوريا، على أن يحتفظ الأسد بالسلطة حتى استكمال ولايته عام 2014، ولكن دون أن يحق له الترشح في الانتخابات القادمة. وفي أعقاب ذلك وجه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، رفقة الأخضر الإبراهيمي في موسكو (28/12/2012)، الدعوة للخطيب: « للدخول في مفاوضات لتسوية النزاع في سوريا». إلا أن رئيس الائتلاف، الواقع تحت هوس النشوة، رفض، في اليوم التالي، الدعوة بإباء، مطالبا روسيا بـ: « إدانة واضحة للنظام السوري وإعلان جدول أعمال واضح له» .. وأن: « على وزير الخارجية الروسي الذي تحدث عن هذا الحوار أن يقدم اعتذارا للشعب السوري على موقف بلاده الذي ساوى بين الضحية والجلاد». أما لافروف الذي « فوجئ»، في حينه، برفض الخطيب لدعوته فقد وصف الموقف بأنه: « ينم عن قلة خبرة سياسية». ومن جهته، ارتفع منسوب النشوة لدى عبد الأحد اسطيفو، عضو الائتلاف، لتصيب دعوة لافروف والإبراهيمي بالقول: « إن مبادرات الرجلين لم تأت بجديد، ولا تعدو أن تكون تكرارا ... نحن في الائتلاف لا ننتظر لا من الأسد ولا الإبراهيمي ولا لافروف؛ مبادرات لنقل السلطة.. ليستمروا في عقد مؤتمراتهم الصحفية ومبادراتهم». أما أنت فما عليك إلا أن تستمر في هذيانك.

وفعلا وصل الإبراهيمي إلى دمشق في 24/12/2012، وأجرى سلسلة من الاجتماعات واللقاءات. وبعد أنهار الدماء وفداحة الخسائر وهول المعاناة حصل الإبراهيمي على ما يلزمه من « التشريف»، وخرج ليقول: « تشرفت بلقاء الرئيس وتكلمنا في الهموم الكثيرة التي تعاني منها سوريا في هذه المرحلة .. أنا تكلمت عما رأيته في الخارج في المقابلات التي أجريتها في المدن المختلفة مع مسؤولين مختلفين في المنطقة وخارج المنطقة، وعن الخطوات التي أرى أنها قد تساعد الشعب السوري .. الوضع في سوريا لا يزال يدعو للقلق، ونأمل من الأطراف كلها أن تتجه نحو الحل الذي يتمناه السوري ويتطلع إليه». ومن جانبها ردت المعارضة على لسان رئيس اللجنة القانونية في الائتلاف، هيثم المالح، بوصف الخطة الدولية بـ « الهراء، مشيرا في تصريحات لـ « الجزيرة»: أن « الائتلاف يمثل الشعب ولا يمكن له أن يرضى بطرح كهذا، وإلا فسيؤدي ذلك إلى سقوطه أمام الشعب» .. ومتسائلا .. « كيف يمكن أن يكافأ القاتل على جرائمه ببقائه في السلطة؟». إلى هنا سنرى من سيسقط.

أما سمير النشار فاكتشف، على حين غرة، أن « الجديد» فيما يخطط له « المركز»، والذي غفل عنه هذيان اسطيفو، هو « الحوار مع النظام» وليس « تسليح الثورة»، فسارع إلى القول في تصريح لـ « الجزيرة - 29/12/2012» بأن: « هناك كمين سياسي هدفه جر المعارضة السورية لتكتفي بتنحي بشار الأسد»، في حين أن الهدف من الثورة هو: « تغيير النظام السوري ككل». والله صح النوم. فأي « كمين سياسي» هذا الذي يجري الحديث عنه؟ هل هو بقاء الأسد من عدمه؟ أم بقاء النظام بكل تشكيلاته؟ ألا تكفي تصريحات « المركز» التي باتت تصم الآذان، ليل نهار، وهي تتحدث بصريح العبارة عن حقوق الطوائف والأقليات وتحتفظ بكل مؤسسات الدولة على حالها؟ وما قيمة أي حل سياسي يرحل فيه الأسد ويبقى النظام في صيغة دولة طوائف وأقليات تحت يافطة الدولة المدنية الديمقراطية المزعومة زورا وبهتانا؟

واقع الأمر ببساطة؛ أن المعارضة كانت تنتظر وعود السلاح لحسم الموقف عسكريا!!! فإذا بها تُدعى من شتى الأطراف الدولية، وليس من موسكو فحسب، إلى الحوار مع النظام!!! وهي الدعوة التي مهدت الطريق أمام رئيس الوزراء السوري، وائل الحلقي، كي يعلن بخبث أمام « مجلس الشعب» السوري، في 31/12/2012 بأن: « حكومته على استعداد للتجاوب مع أي مبادرة إقليمية أو دولية لحل الأزمة في سوريا بالحوار والطرق السلمية»!! ثم تبعها تأكيد السفير الباكستاني، بوصفه رئيس مجلس الأمن الذي أكد في 4/1/2012 أن: « خطة العمل بشأن سوريا موجودة بالفعل، ولكن الإبراهيمي يحاول وضعها موضع التنفيذ». وبالتالي فما على المعارضة إلا أن تقرّ بأنه لا مفر من الحل السياسي بالصيغة التي تحفظ استقرار النظام الدولي وأمنه حتى لو كان عبر الحوار مع النظام أو بقائه سواء رحل الأسد أم لم يرحل. وهو ما يجعل منها شاهد زور على حل ليس للشعب السوري فيه ناقة ولا جمل. فهل يعتقد أبله، أن خطاب الأسد في 6/1/2013 كان خارج السياق الدولي!!!؟

يتبع.....




  #34  
قديم 03-06-2013, 04:08 AM
الصورة الرمزية غراس الجنه
غراس الجنه غراس الجنه غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: May 2010
مكان الإقامة: الدولة الإسلامية في العراق والشام
الجنس :
المشاركات: 4,283
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي

، حين طالب: « الأطراف في سوريا بالتعاطي مع مبادرة رئيس ائتلاف المعارضة أحمد معاذ الخطيب الهادفة إلى الاتفاق مع أطراف النظام الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء على خطوات لنقل سريع للسلطة».

أما فيما يتعلق بالموقف الرسمي للحكومة السورية فقد تحفظت في البداية صحيفة الوطن شبه الرسمية على المبادرة حين اعتبرت في 5/1/2013 أن: « الخطيب غير مقبول كمفاوض». لكن اللغة تغيرت مع تدخل أوساط في الحكومة السورية رفضت شروط الخطيب لكنها أبدت تجاوبا ملحوظا مع المبادرة. وجاء أول رد رسمي في 7/2/2013 على لسان نائب وزير الخارجية، فيصل المقداد، مشيرا إلى أن: « هناك مبادرة من طرف واحد من أطراف المعارضة .. كل من يلقي السلاح ويأتي للحوار فأهلا وسهلا به». أما وزير الإعلام، عمران الزعبي، فقال في 9/2/2013 خلال حديث للتلفزيون الرسمي: « الباب مفتوح والطاولة موجودة، وأهلا وسهلا وبقلب مفتوح لأي سوري يريد أن يأتي إلينا ويناقشنا ويحاورنا .. أما أن يقول لي أحدهم أريد أن أحاورك في الموضوع الفلاني فقط أو أطلق النار عليك، فهذا ليس حوارا».

لكن أقوى الردود جاءت في أعقاب اقتراح الخطيب لإجراء محادثات مع ممثلين عن الأسد في المناطق التي تهيمن عليها المعارضة شمال سوريا. ففي حديث له مع صحيفة « الغارديان - 11/2/2013» البريطانية قال وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية، علي حيدر،: « إنني مستعد للقاء السيد الخطيب في أي مدينة أجنبية يمكنني الذهاب إليها لبحث الاستعدادات لإجراء حوار وطني .. الحوار وسيلة لتقديم آلية للتوصل إلى انتخابات برلمانية ورئاسية حرة.. هذا أحد الموضوعات التي ستتم مناقشتها على الطاولة .. هذا أمر يمكن أن يأتي نتيجة للمفاوضات وليس شرطا مسبقا .. نرفض إجراء حوار لمجرد تسليم السلطة من طرف إلى آخر». وتبعا لتداعيات الاتصالات الدولية فقد قدم وزير الخارجية، وليد المعلم، في 25/2/2013 أقوى عرض للمعارضة خلال مؤتمر صحفي في موسكو أكد فيه أنهم ( في سوريا): « مستعدون للحوار مع كل من يريده، حتى من يمسك السلاح في يديه، لأننا نثق بأن الإصلاحات لن تسير عبر إراقة الدماء وإنما عبر الحوار».

الطريف أن المبادرة « الكمين» كانت فردية المنشأ والمحتوى!! لكنها في التحليل تستهدف الحصول على شرعية اجتماعية في الداخل والخارج، عبر اللعب على وتر أهالي المعتقلين الذي سيرون في المبادرة بارقة أمل لحال طال انتظاره وطالت معاناته، أو عبر معاناة المغتربين في الخارج. وبهذه الصيغة تكون بعض ردود الفعل للمعارضة قد صدقت في اعتبار المبادرة عامل انقسام اجتماعي و « إضعاف للثورة» فضلا عن الانقسام السياسي الذي سيضرب المعارضة التي ثارت ثائرتها ولم تقعد احتجاجا على تجاوز الخطيب لكل الأطر السياسية ومواثيقها سواء فيما يتعلق بميثاق تأسيس الائتلاف أو بموقف المجلس الوطني الانتقالي.

في المحصلة فالخطيب يدفع من رصيد الثورة لملاقاة النظام دون أن يحصل على أي ثمن يذكر. فهل قامت الثورة وقدمت مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمغتصبين والمختطفين والمنتهكة حرياتهم وأعراضهم وملايين المهجرين والمنازل المدمرة والبنى التحتية من أجل من اعتقلوا خلالها؟ أو من أجل جوازات السفر التي لم تكن في يوم ما مشكلة لكافة المعارضين للنظام في الخارج؟

الأطرف أن الخطيب ذهب أبعد من ذلك حين اجتمع، في المؤتمر الدولي للأمن الذي عقد في ميونخ الألمانية (2/2/2013) مع وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي دون أي مبرر يذكر أو أية مقدمات على أي مستوى. حتى بدا أن اجتماعه به كان أوقْع أثرا من وقعْ المبادرة نفسها. والأدهى من ذلك أنه بعد 45 دقيقة من الاجتماع خرج الخطيب ليدلي بتصريح لـ « رويترز قال فيه ما يذهل الحيران: « اتفقنا على ضرورة إيجاد حل لإنهاء معاناة الشعب السوري»!!! فأي حل يمكن أن يشارك به الإيرانيون في حين أن فتاوى حاخاماتهم ورعونة قياداتهم ومستشاريهم وأسلحتهم ومقاتليهم وخبرائهم وميليشياتهم لم تفارق الدماء السورية منذ ثلاثة عقود؟ وهل يكفي تعليق أحد أعضاء الائتلاف (4/2/2013) بالقول أن الاجتماعات التي أجراها الخطيب في ميونيخ: « غير ضرورية على الإطلاق وبلا فائدة»!!!؟

وكذا الأمر فيما يتعلق باجتماعه بوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بعد أن كان قد رفض دعوته لزيارة موسكو وطالب بلاده بالاعتذار للشعب السوري وإدانة النظام الطائفي في سوريا. فما الذي دفع مسؤولا في المجلس الوطني للتراجع في 6/2/2013، عن هجوم المجلس على الخطيب والمطالبة بعزله، إلى الحد الذي يعلن فيه أن المجلس: « رفض الدعوة إلى تنحية الخطيب بدعوى أن مبادرته تحظى بتأييد في الشارع»!؟ ما الذي تغير بالضبط؟ وكيف ابتلع المجلس عنترياته فجأة والتهديد بإقالة الخطيب ما أن اجتمع به؟

لم يتغير شيء في واقع الأمر. فـ « كمين» الخطيب لم يكن مبادرة من الأساس بقدر ما كان توجها مدروسا لقلب نمط التفكير السياسي في صلب المعارضة نفسها رأسا على عقب، تماما مثلما كان الإعلان عن تشكيل الائتلاف نفسه اختراقا استهدف احتواء القوى السياسية على بؤسها، تمهيدا للدخول في العملية السياسية الجارية. وكما سبق أن أُجبر المجلس الوطني على الانضواء تحت التشكيل السياسي الجديد فقد أُجبر الائتلاف على الانجرار خلف منطق الخطيب السياسي الذي لا يرى غضاضة حتى في التصالح مع النظام.

فبعد اجتماع القاهرة ليلة 15/2/2013 لأعضاء المكتب السياسي للائتلاف المكون من 12 عضواً بهدف النظر في مبادرة الخطيب خرج المتحدث باسم الائتلاف، وليد البني، ليؤكد أن المكتب وافق على مبادرة الخطيب: « نرغب في التفاوض مع أي مسؤول مدني بشأن إزاحة بشار وإنهاء الاستبداد»، أما: « بشار وزمرته فلن يكونوا طرفاً في أي محادثات، ولن نعتبر الموجودين من جانب الحكومة ممثلين عنه»، وأن أعضاء « حزب البعث الذي يتزعمه الأسد الذي يحكم سوريا منذ انقلاب 1963، يمكن أن يشاركوا في المحادثات المقترحة إذا كانت: « أيديهم نظيفة من الدماء». أما بعض المصادر في المعارضة فصدقت نفسها وهي تقول: « إن من شأن تأييد الائتلاف رسمياً لمبادرة الخطيب أن يمنحها ثقلاً أكبر على الساحة الدولية ويقوض حجة أنصار الأسد بأن المعارضة منقسمة بصورة لا يمكن معها النظر إليها كطرف جاد». ما شاء الله!!! وكأن المشكلة مع أنصار الأسد وحججهم!!!

العجيب في مواقف المعارضة أن أقوى ما تملكه من سياسات بعد الرفض هو التسليم بالأمر الواقع. هكذا فعلت مع نفسها حين تشكيل المجلس الوطني ثم الائتلاف ودعوة لافروف للحوار ثم مع مبادرة الخطيب ومقاطعة الائتلاف لاجتماعات موسكو وواشنطن وتعليق مشاركته في مؤتمر « أصدقاء الشعب السوري» في روما، ولا ريب أن القائمة تطول.

المهم أنه بعد مبادرة الخطيب ولقاءيه المفاجئين مع لافروف وصالحي في ميونخ بات واضحا حتى للأعمى أن المعارضة السورية سيقت إلى الحوار مع النظام، وأن ما تبقى من ملاقاة الأسد والمصالحة معه لم يعد إلا مسألة إجرائية. ولأول مرة يصرح لافروف في 20/2/2013 بالقول أن: « هناك إشارات إيجابية للتحرك لبدء حوار بين النظام السوري والمعارضة» .. وكل ما تبقى أن .. « تترجم دمشق استعدادها للحوار مع المعارضة ليس فقط بالأقوال وإنما بالأفعال». لكن ما الذي تعنيه بالضبط عبارة « بدء حوار»؟

تعني أنه لا توجد عملية سياسية، وأنه لا حاجة للإعلان عنها حاليا حتى وإنْ وجدت، لكن ثمة حاجة ماسة للبدء بها!!! أما لماذا؟ فلأن المطلوب هو تحقيق اختراق سياسي يمكن من خلاله تمرير حل سياسي يلائم النظام الدولي، لكنه بحاجة إلى ما يكفي من الوقت حتى يتم فرضه على السوريين. وفي هذا السياق تبدو الطريقة اليمنية، منهجيا وليس موضوعيا، هي الأكثر ملائمة. وفي السياسة يبقى المنهج السياسي سابقا على أي فعل سياسي. فعلى فرض أن العملية السياسية الهادفة فعليا إلى إقامة سلطة طوائف محمية بدستور تحت غطاء الدولة المدنية فإن منهج العمل هنا يتعلق بالوقت. فالحاجة إلى الوقت تبدو ماسة كي تنطلق العملية السياسية بما يتحقق مصالح جميع الأطراف. فإذا احتاج « المركز» إلى سنة لإطلاق عملية سياسية فقد يحتاج إلى سنة أخرى أو أكثر للتوصل إلى مبادرة للحل، ثم إلى سنة لتطبيقها، وسنة أخرى لحمايتها، وربما سنة أخرى لاستقرارها، وطوال هذه السنوات سينشغل السوريون بالمرحلة الانتقالية وبتفقد أحوالهم وبالفوضى والمليشيات والدمار والمعتقلين والمآسي والمهاجرين والمغتربين واللاجئين، إلى أن ترتخي القبضات على الزناد وتتغير الاهتمامام والأولوات وتبرز المشاكل والاحتياجات اليومية. في هذه الحال سيكون من الصعب على الجميع مواجهة الضغوط وعمليات الاحتواء والاستنزاف والقهر بحيث يأتي الدستور، في غفلة الانشغالات، مفصلا على مقاس « المركز» .. دولة أقليات!!! فمن سيفكر حينها بعد كل هذه الكوارث بامتشاق السلاح مجددا لانتزاع حقوقه أو للدفاع عن مصيره وقد صارت البلاد مرتعا لكل الفاسدين والمفسدين ممن سيتبوؤون صدارة المشهد السياسي؟

الروس مثلا لا يعنيهم بقاء الأسد، وقد صرحوا بهذا عديد المرات، ففي 20/12/2012 تساءل بوتين في تصريح صفحي عن مصير الأسد فقال: « ما هو موقفنا؟» ( سؤال يطرحه الجميع) ... « نحن لا نسعى لإبقاء نظام الأسد في السلطة بأي ثمن» ( هذه الحقيقة تعني أن المشكلة مع الغرب وليس مع المعارضة) ... « ولكن يتعين على السوريين التوافق فيما بينهم بشأن مستقبلهم» ( هذه لإعادة إنتاج النظام) ... « حتى نبدأ حينها بالبحث عن سبل تغيير النظام القائم» ( بدء العملية السياسية هو مطلب « المركز» ) ... ولأن الروس لن يتحملوا خداعا غربيا كما حصل في ليبيا. لذا فهم معنيون هذه المرة بالاحتفاظ بالأسد رهينة بأيديهم في مواجه الغرب، كي يأمنوا على مصالحهم ويحققوا أكبر مكاسب في قيادة النظام الدولي على ظهر الثورة السورية، ويبررون ذلك بعشرات التصريحات التي لا يلقي لها بالا أحدا غيرهم!!! وبما أن الأسد بأيديهم فسيكون باستطاعتهم تخريب أية عملية سياسية قد يشعرون أنها تمس من طموحاتهم وأهدافهم لاحقا. لذا تجدهم يرفضون أي اتهام بالدفاع عن الأسد أو النظام السوري لكنهم يصرون على أن أي عملية سياسية ينبغي أن تنطلق دون شروط وخاصة فيما يتعلق بتنحية الأسد، لأن هذا الأخير هو ضمانتهم أو ورقتهم الرابحة في مواجهة الشق الغربي من « المركز».

لكن لضمان البدء بالعملية السياسية دون عقبات؛ ولأن المرحلة الحالية تشهد عض أصابع بين قوى « المركز»، فقد يضطر الروس إلى تقديم تنازلات قد تؤدي إلى ابتعاد الأسد عن الواجهة السياسية بدون أن يستقيل حتى من منصبه وبدون أي ضمانة بعدم ترشحه لفترة رئاسية قادمة على الأقل. وفي السياق نقلت وكالة آكي – 9/3/2013 الإيطالية للأنباء عن مصادر دبلوماسية أوروبية وصفتها بـ « الرفيعة المستوى قولها أن: أفكاراً طُرحت مؤخراً على الولايات المتحدة وروسيا والصين بانتظار التفاوض والنقاش تقضي بخروج الأسد مع عدد كبير من رموز نظامه»، وأن: « الخطة التي طُرحت على الدول الكبرى تستند إلى مغادرة الأسد ومعه المئات من كبار رموز نظامه إلى بلد آخر، دون إعلان عن استقالته أو تنحيه، لتبدأ فوراً بعدها المرحلة الانتقالية برعاية وإشراف دولي». لكن: « المهم بالأمر أن هذه الأفكار مطروحة على طاولة الدول الكبرى، وربما تحصل على موافقة روسيا مع بعض التعديل». وبحسب المصادر إياها فإن: « الأسد سيمكث في الجزائر من سنتين إلى ثلاثة سنوات دون أن يُعلن عن استقالته رسمياً».

من الكارثة أن يفكر البعض أو الأغلبية، في المعارضة السياسية، ويصر على أن الروس يغردون وحدهم خارج سرب « المركز» وهم عضو أصيل فيه وفي النظام الدولي. فمنذ رحل الرئيس الفرنسي هولاند إلى موسكو أملا بتغيير موقفها من بقاء الأسد نقلت عنه قناة « France 24 - 8/3/2013 » القول أنه عرض على الروس: « إمكانية اختيار شخصية أو أكثر لتولي المباحثات، التي يمكن أن تتيح انتقالا سياسيا، تكون مقبولة من النظام ومن المعارضة». وبعد بضعة أيام أعلن وزير خارجيته، لوران فابيوس، أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية يوم 12/3/2013 أن: « الفرنسيين والأميركيين يعملون مع الروس لوضع قائمة بأسماء مسؤولين سوريين يكونون مقبولين للتفاوض مع المعارضة السورية» ... وأن ... « العمل على هذا الاقتراح الذي لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنه بدأ قبل أسابيع». أما فيما يتعلق بمصير الأسد فقال: « ناقشنا هذا الأمر مع الروس والأميركيين ... ، وهناك اتصالات تجري حاليا للتوصل إلى حل سياسي في إطار اتفاق جنيف»!!!! فهل توصل الفرنسيون وزملائهم إلى هذا الحل؟ بالتأكيد نعم.

ففي 12/3/2013 انقلب الموقف الأمريكي رأسا على عقب من المطالبة برحيل الرئيس السوري منذ بداية الثورة إلى الطلب من المعارضة للجلوس معه على طاولة واحدة!!! فخلال مؤتمر صحفي مع نظيره النرويجي، اسبين بارت إيدا؛ قال وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بصريح النص: « نريد أن يجلس الأسد والمعارضة السورية إلى طاولة المفاوضات بغية تشكيل حكومة انتقالية ضمن الإطار التوافقي الذي تم التوصل إليه في جنيف، ... هذا ما نسعى إليه .. والتوصل إلى هذا الأمر يتطلب أن يغير الرئيس الأسد الحسابات لكي لا يظن أنه يستطيع إطلاق النار إلى ما لا نهاية .. كما يجب أيضا أن تجلس إلى طاولة المفاوضات معارضة سورية مستعدة للتعاون .. نحن نعمل على هذا وسنستمر في العمل».

إذن ليس هناك تراجع أمريكي كما يقال. لكن هناك سياسة دولية ومصالح عالمية مقدمة على أي اعتبار آخر حتى لو نزفت دماء السوريين سنوات، وأُحرقت سوريا بمن فيها، وهناك أيضا صراع دولي على النفوذ بين الكبار. وسواء جلست المعارضة طوعا مع الأسد أو كرها فستكون ملزمة أيضا بالتفاوض مع النظام وفق شروط « المركز» واحتياجات النظام الدولي وليس وفق شروطها ولا احتياجاتها ولا تكريما لشجاعة الشعب السوري وتضحياته الهائلة. وإذا كان النظام الدولي هو من يحدد مَنْ يفاوض مَنْ؟ وهو من يحدد متى يجري التفاوض؟ فهو الذي يحدد أيضا موضوعات التفاوض ونتائجه!!! وما يثير العجب هو ردود المعارضة على دعوة كيري، في حين صرح أحد كبار أعضاء الائتلاف لـ « رويترز – 2/2/2013 » على خلفية مبادرة الخطيب أن: « الائتلاف تبنى موقفا يتسم بالغموض البناء بشأن ما إذا كان يجب أن يتنحى الأسد أو لا كي يبدأ التحول السياسي، مما أدى إلى تحريك الأمور»!!! فما الذي كان يقصده هذا العضو في تصريحه، بغض الطرف عن تنحي الأسد، قبل الفرنسيين والأمريكيين؟ وهل تحركت الأمور؟ أم أن هناك من لا يرى بعد أبعد أنفه؟

يتبع ....
  #35  
قديم 03-06-2013, 04:09 AM
الصورة الرمزية غراس الجنه
غراس الجنه غراس الجنه غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: May 2010
مكان الإقامة: الدولة الإسلامية في العراق والشام
الجنس :
المشاركات: 4,283
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي

الثورة السورية ومسارات التدويل


حين تستأسد « الهررة»!!!


(13-2)


د. أكرم حجازي


20/3/2013







كنا قد أشرنا في الحلقة 12 « الاختراق - 18/11/2012» إلى تصريحات وزير الدفاع الأمريكي السابق، ليون بانيتا، وكذا زميلته وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، حول رفض الولايات المتحدة الأمريكية لحل مؤسسات الدولة في سوريا كالجيش والأمن والمخابرات والشرطة وما إلى ذلك، بدعوى عدم الوقوع بخطأ العراق!!! وهي دعوى كاذبة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العراق كان دولة سنية الحكم بخلاف سوريا المؤسسة أصلا على الحكم الطائفي « النصيري»، وهو ما ذهبت إليه حتى صحيفة « كريستيان ساينس مونيتور - 29/12/2012 » في معرض حديثها عن أثر الثورة السورية في « تمزيق العراق» حين أشارت إلى أن: « العراق كان قبل عقد من الزمان تحت سيطرة السنة و هذه الأيام تحكمه حكومة شيعية موالية للجارة إيران».

وكما أشرنا أيضا في الحلقة 13 من السلسلة موضع المتابعة « إما إبل الثورة أو خنازير أوباما - 23/11/2012) إلى مآلات العملية السياسية التي يسعى « المركز» إلى إخراجها في سوريا عبر سلطة طوائف تحت غطاء الدولة المدنية الديمقراطية. وقبلها في الحلقة 9 قلنا أن سوريا تتجه « نحو الوصاية العسكرية – 25/8/2012 » حتى بعد التوصل إلى حل سياسي. ومن لا يريد أن يستوعب الأمور كما هي على حقيقتها فهذا شأنه، لكن هذا واحد من أخطر التصريحات وأحدثها، والتي تؤكد ما ذهبنا إليه. ففي جلسة لمجلس الشيوخ الأمريكي في 6/3/2013 ( يوم الثلاثاء)، وردا على سؤال وجهه السيناتور، جاك ريد، إلى رئيس القيادة المركزية للجيش الأميركي، الجنرال جيمس ماتيس، يقول: « هل ستخطط الولايات المتحدة لاحتمال انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد؟» فأجاب « الجنرال» بالقول حرفيا: « إن تخطيطا هادئا يجري مع جيوش في المنطقة لاحتمال القيام بعمليات استقرار إذا اقتضت الحاجة بعد انهيار نظام الأسد، مشيرا إلى أن الوضع في سوريا ما زال يتسم بالضبابية». و « عمليات الاستقرار» هذه تتطلب، بالنسبة لمربط دولي بحجم سوريا، نزول قوات قتالية على الأرض لمواجهة كل ما تعتبره « عمليات فوضى» يمكن أن تؤدي إلى (1) تعريض الحل السياسي القادم إلى تهديد، بالإضافة إلى (2) نزع سلاح الثورة، و (3) حماية مناطق الحدود إقليميا، و (4) مطاردة المجاهدين.

لكن المهووسين بمصطلحات « الديمقراطية» و « المدنية» و « التعددية» و « التوافق» لا يريدون أن يصدقوا أن قراءتهم للحدث السوري لا تبتعد عن أنوفهم إلا بمقدار طول الأنف أو قصره. بل أنهم يعتقدون جازمين أن الدولة المدنية الديمقراطية تتسع للجميع!!! وهي رؤيا نجدها إلى حد بعيد في تصريحاتهم التي أوقعتهم بشر قراءاتهم السياسية والكارثية على الثورة السورية والشعب السوري والأمة برمتها. فهؤلاء الذين سلخت المدنية الأوروبية جلودهم واستنزفت عقولهم يظنون في نمط الحياة الأوروبي، الوديع بين أهله وبيئته، قيمة إنسانية كونية قابلة للتعميم بمجرد الإعجاب وإبداء الرغبة والتعبير عن الطموح في استنساخ النموذج ... مثل هؤلاء لا لا تتسع عقولهم لأية قراءة موضوعية، على الأقل، ولو من باب التنوع والتعدد الذي يؤمنون به. فلعلهم يستنيرون قليلا بما خفي عنهم أو تعاموا عنه لعقود طويلة مضت. فلنتابع الجزء الثاني من الحلقة 13.


أولا: بقاء المربط الطائفي


سبق وقلنا يا سادة، وللمرة الألف، أن سوريا هي مربط من مرابط النظام الدولي الثلاثة إلى جانب المربط العسكري اليهودي « إسرائيل» والعقدي، وبالتالي لا يمكن التفريط به أياً كانت الظروف. وهذا المربط لا ينفع أن تفاوض على خلعه مع من زرعه أصلا. ومع ذلك فالتصريحات التي نقرؤها ليل نهار تتحدث عن حل مع النظام!!! لكن بدون الأسد!!!! فما الذي يضير المربط إذا رحل رحيل الأسد أو بقي؟ ومن هو الأبله الذي يظن أن النظام الدولي يحمي الأسد ويدافع عنه ويراهن عليه؟ ومن يصدق أيضا أن الأسد خصم عنيد يصعب على روسيا أو أمريكا إزاحته؟ ومن هو الأحمق الذي يظن أن روسيا هي العقبة في وجه الثورة السورية والشعب السوري؟ لا أحد إلا من أبى!!

في حلقة حوار على قناة سوريا « الغد» أذيعت في 18/1/2013، وشاركني فيها شيخ صوفي هو د. ماجد الأحمر، تحدثت فيها عن تاريخية تأهيل الفرنسيين للطائفة « النصيرية» لحكم سوريا مستقبلا، وكيف تَسلَّمَ السوفيات أمانتها من الفرنسيين، بعد حرب السويس سنة1956، ورعوها إلى أن سلموها السلطة، وساعدوها على تَمَلُّك للدولة والمجتمع، وتبعا لذلك فالطائفة مسؤولة عن جرائم النظام بدء من انقلاب 8 آذار 1963 وإلى يومنا هذا. لكني فوجئت بالشيخ الضيف يدافع عن الطائفة دفاعا مستميتا بحجة أنه ضد المجرمين فيها وليس ضدها كطائفة!!! فقلت له أن مشايخ الطائفة لم يتبرؤوا من النظام بقدر ما كانوا سنده وسند الفرنسيين من قبله، وبالتالي فهي طائفة مجرمة يجب إقصاؤها عن السلطة في سوريا مستقبلا كي نأمن على البلاد والعباد أولا، ولا تتعرض الأمة والشعب لخديعة ثانية. إلا أنه كان يصر على رأيه!!!

الحقيقة أنني لم أكن أعرف أن الشيخ صوفي إلا بعد أن انتهت الحلقة!! والأعجب أنه استدل بذات الموقف على اليهود حتى في فلسطين، جازما بأن هؤلاء صهاينة وليسوا يهودا!!!! فقلت في نفسي كأنه صوفي من فصيلة معاذ الخطيب!!! ورددت عليه بأن الله عز وجل سمى اليهود بالاسم، دون مشركي الأرض، وإلى يوم الدين، باعتبارهم: « أشد الناس عداوة للذين آمنوا»، وأنه ليس من الدين ولا من العقل ولا العدل أن نبرئ الطائفة من المسؤولية بجريرة بضعة مئات أو آلاف عارضوا الأسد مثلما أنه لا يجوز أيضا تبرئة اليهود من أجل عيون مجموعة « ناطوري كارتا» اليهودية التي تعارض قيام « إسرائيل». لكنه أصر على موقفه!!!! فقلت في نفسي ثانية يا سعد « النصيرية» واليهود بأمثالك. أما وقد عرفنا أن « المجرمين» من اليهود في فلسطين هم صهاينة بعرف الشيخ وليسوا يهودا!!! لكننا لم نعرف بعد ما هو توصيف « المجرمين» من « النصيرية» في النظام السوري؟ هل ما زالوا نصيريين أم تخلوا عن نصيريتهم كما تخلى « مجرمو» اليهود عن يهوديتهم ليصيروا صهاينة!!!؟ وما هو هذا التوصيف يا فضيلة الشيخ؟

على وقْع هذا الحوار استحضرت من ذاكرتي الحية أولئك الذين يؤمنون بالتنوع والتعدد الطائفي في المجتمع السوري، والثراء الذي يمثله هذا النسيج الغني!!! ودفاعهم المستميت عنه إلى الحد الذي تذوب فيه الغالبية الساحقة من المسلمين وكأنها أقلية. وكم هي مفارقة أن مثل هذه المواقف هي ذاتها المواقف الغربية التي تجعل من المجتمع مجموعة من الأقليات لها كل الحقوق والامتيازات على حساب الأغلبية التي تغدو، في أحسن الأحوال، مجرد طائفة من الطوائف لا أكثر ولا أقل. هؤلاء، وأمثالهم من دعاة « التوافق» و « الوسطية» و « الاعتدال»، هم الذين يقبلون حلا مع النظام يُبقي الطائفة على حالها من الامتيازات والنفوذ. ولسنا ندري كيف ستكون مواقفهم من « توافقية» جون كيري و « وسطيته» مع الروس والفرنسيين على دعوة المعارضة السياسية للجلوس إلى طاولة الحوار مع عظيم الطائفة!!!؟ فهل يدري هؤلاء ما ذا يعني حكم طائفي؟

بعد عشرين شهرا على اندلاع الثورة في سوريا أوردت صحيفة « الغارديان – 5/12/2012 » البريطانية في افتتاحيتها إحصائية فريدة عن قيادة الجيش السوري كنموذج على طائفية مؤسسات الدولة والنظام في سوريا. وعلى خلفية المعارك المحتدمة حول العاصمة – دمشق قالت الصحيفة: « إن بشار الأسد طوق المدينة بقوة من80 ألف عسكري، ... وهناك 4000 ضابط من السنة من ضباطه البالغ عددهم 27 ألفا في القوة الموالية، ومنهم انشق نحو1800، بينما يبلغ عدد الضباط العلويين نحو 22 ألف ضابط منها».

بطبيعة الحال هذا مثال مرعب على نوعية وحجم التشكيلة الطائفية لما يفترض أنه جيش يشكل السنة أكثر جنوده. فكيف يمكن تصور حجم الطائفية في أجهزة الأمن والشرطة والمخابرات التي تكاد تكون حكرا على « النصيرية»؟ وكيف يمكن تصور حجم الطائفية في السياسة والتجارة والاقتصاد والبنوك والتعليم والثقافة والإدارة والحكومة؟ أما أداء النظام الأمني والدموي في سوريا فلم يعد الاستدلال عليه صعب المنال، سواء في مستوى السجون أو في مستوى القتل أو الخطف أو الاختفاء أو الاغتصاب أو التعذيب أو التهجير والنفي والملاحقات والتغريب وتحريف الدين والقهر الاجتماعي والملاحقات والمطاردات وزوار الليل والنهار ... فالإرث الأمني الهائل والشديد الوحشية لم يترك فئة عمرية أو شريحة اجتماعية إلا وترك بصماته عليها حتى أنه أصاب الرضيع. وفي مثل هذه الحالة حيث مئات الآلاف من الملفات الساكنة والحيوية والتظلمات والكوارث الحقوقية والإنسانية، من المستحيل أن يستسيغ معها السوري الحديث عن إصلاحات وهمية ومستحيلة أو عن مصالحة مع النظام أو حتى مع الطائفة التي لم تترك للود قضية حتى في السؤال عن سعر كيلو الفجل في البلاد.

حال اضطر فيه السوري، منذ انتصبت الطائفة على سدة الحكم، إلى هجران الحقيقة من شدة الرعب والقهر والثمن الباهظ الذي يدفعه يوميا، وجيلا بلد جيل .. وهجران الحقيقة يعني أن السوري سيتسم بالكذب أمام الآخرين، وسيتكيف مع نمط حياة تبدو للآخرين مشينة، لكنها قسرية وليست اختيارا. لذا فالحل الوحيد مع النظام لم يعد ممكنا إلا بقلعه من الجذور، وإعادة صياغة كل العلاقة الاجتماعية من جديد وإلا سيبقى السوري يعاني انفصاما حتى مع ذاته!!!

ومع ذلك ثمة من يتحدث بلغة « الحل مع النظام». ففي 1/12/2012، وفي ختام أول اجتماع للائتلاف بعد الإعلان عن تشكيله في العاصمة القطرية – الدوحة، قال المتحدث باسم الائتلاف، وليد البني، الذي يؤكد أنه لا يمكن للإسلام أن يحكم سوريا: « إن الائتلاف مستعد للنظر في أي اقتراح إذا رحل الأسد وحلفاؤه بمن فيهم كبار الضباط في الجيش وأجهزة الأمن»، وأضاف أنه: « إذا تحقق هذا الشرط أولا فإن الائتلاف يمكن أن يبدأ في مناقشة أي شيء»، مشيرا إلى: « أنه لن تكون هناك أي عملية سياسية حتى ترحل الأسرة الحاكمة وأولئك الذي يعاونون النظام». هكذا: « أي اقتراح»!!! وكأن مشكلة الشعب السوري والأمة في مائة مجرم من رموز النظام. والعجيب أنه جدد تصريحه هذا في 27/12/2012 بالقول: « نقبل بأي حل سياسي لا يشمل عائلة الأسد والذين سببوا ألما للشعب السوري، وخارج هذا الإطار كل الخيارات مطروحة على الطاولة». وهكذا لم يعد حتى الخيار اليهودي أو الطائفي أو اللبناني أو الشياطيني بعيدا عن طاولة البني.

وفي 11/1/2013 أعلن رئيس المجلس الوطني، جورج صبرا، خلال مؤتمر صحفي بإسطنبول، أن المجلس قدم خطة انتقالية لمرحلة ما بعد الأسد تنص على: « تنحية الرئيس الأسد وحل الأجهزة الأمنية باستثناء الشرطة»، وأنها لقيت ردودا: « إيجابية وبعض الملاحظات الطفيفة. وفي 23/1/2013 لحق الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري، عبد الباسط سيدا، في ندوة بالقاهرة بطاولة البني فقال: « إن ائتلاف المعارضة لن يرفض أي حل للأزمة شريطة أن يتضمن رحيل الأسد»، مؤكدا: « عدم وجود نية لحل حزب البعث أو تفكيك الجيش السوري بعد رحيل الأسد». وفي السياق عاد البني ليؤكد في اجتماعات القاهرة (15/2/2013)، في معرض الإعلان عن الموافقة على مبادرة الخطيب، أن أعضاء « حزب البعث» الذي يتزعمه الأسد الذي يحكم سوريا منذ انقلاب 1963، يمكن أن يشاركوا في المحادثات المقترحة إذا كانت: « أيديهم نظيفة من الدماء». وربما سنجد من يحل المشكلة لاحقا بسطل ماء فيه من النجاسة أكثر مما فيه من الطهارة.

ومن جهته كشف الكاتب العجوز في صحيفة « الواشنطن بوست -6/1/2013»، ديفيد إغناتيوس، عن « مسودة خطة» أعدها فريق دعم سوري، ونالت إعجابه، وتهدف إلى الإطاحة بالرئيس السوري، وتمهد لـ « نظام عدالة انتقالي» يكون من شأنه أن يفرض عقوبات قاسية على أعضاء دائرته الضيقة، ولكنه: « يؤمن عفوا عاما عن معظم أنصاره من العلويين». وأشار الكاتب إلى أن: « من شأن الخطة طمأنة الطائفة العلوية بأنه سيكون لهم مكان في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد» ... و: « تحديد هوية مائة من المقربين للأسد، والذين بانشقاقهم عن نظام الأسد قد يسهمون بتسريع سقوطه»، وأنه: « يمكن منح بعض هؤلاء المنشقين عفوا جزئيا إذا أبدوا تعاونهم»، و: « كلما سارعوا في انشقاقهم فإنهم سيحصلون على مواقع مرموقة في أي حكومة مستقبلية». وأوضح أنه: « تم تداول مسودة الخطة بين قادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية». كما أشار الكاتب إلى أسماء بعض الشخصيات السورية المعارضة التي يمكن أن يتألف منها فريق من الخبراء القانونيين لدعم الخطة السورية المقترحة، ومن بينهم الناشطة السورية المعارضة سهير الأتاسي والناشط السوري المعارض هيثم المالح وآخرون. والنعم.

ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى تلك القائمة التي تناولتها وسائل الإعلام في 7/1/2013 نقلا عن مصدر في الخارجية الأمريكية قال بأن المسؤولين الأمريكيين يدرسون خطة معاقبة الرئيس السوري، بشار الأسد، وأعوانه، بطريقة معاقبة الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، وأعوانه، عب الإعلان عن قائمة فيها 100 شخص للقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة.

من الواضح أن مثل هذه التصريحات والمواقف ليست سوى صدى لسياسات « المركز» وقراءاته لمستقبل النظام واحتياجاته لحل من ذات الإطار التاريخي للنظام القائم. فالطائفة ما زالت وستبقى، بمنظور « المركز»، تتمتع بامتياز دولي حتى لو كان الائتلاف هو المرشح لتسلم السلطة بعد رحيل الأسد. وهو (الائتلاف) في أحسن الأحوال ليس سوى غطاء يجري تحته إعادة تأهيل الطائفة بحيث تكون الشريكة المركزية في الحكم بعد أن صار متعذرا عليها الانفراد بحكم البلاد بسبب إرثها الدموي المتوحش، وخلوها من أية قيمة إنسانية. أما التأهيل فيستدعي الحاجة إلى تبرئتها من جرائم الأسد وأعوانه، ومساندتها بإشراك الطوائف والأقليات الأخرى معها في الحكم القادم. فلنتابع التصريحات الدولية، في السياق، وننظر في هواجس « المركز» وتطلعاته لمكانة سوريا القادمة.

على الرغم من أن أحدا لم يمس الطوائف السورية إلا أن « رويترز - 20/12/2012 نقلت عن مبعوث الأمم المتحدة لمكافحة الإبادة، أدما ديينغ، مخاوفه من أن: « الأقليات في سوريا، بما فيها الأقلية العلوية، تواجه خطر هجمات انتقامية واسعة، مع تصاعد الصراع الذي يعصف بالبلاد منذ 22 شهرا، وازدياد مؤشرات العنف الطائفي». وأضاف في بيان له: « أشعر بقلق عميق من أن طوائف بأكلمها تتعرض لخطر دفع ثمن جرائم ترتكبها الحكومة السورية». وزاد بأن: « العلويين وأقليات أخرى في سوريا يتعرضون بشكل متزايد لخطر هجمات انتقامية واسعة النطاق لأنهم ينظر إليهم على أنهم مرتبطون بالحكومة والمليشيات المتحالفة معها». وكأنهم كانوا يوما إلى جانب الشعب السوري!! أو كأن الكاتب لا يرى تحصنهم في معازل على امتداد الساحل. أما وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فقد أعرب في 29/12/2012، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الأخضر الإبراهيمي بالعاصمة الروسية موسكو، عن تخوفه من اتجاه الصراع في سوريا إلى الطائفية.

من جهته كتب باتريك كوكبيرن في صحيفة « الإندبندنت – 30/12/2012 » يقول: « إن الثورة انقلبت إلى حرب أهلية، وإن انتفاضة السوريين على نظام بوليسي وحشي، والتي اندلعت في مارس/آذار 2011، تبدو يوما بعد يوم للعلويين والمسيحيين والدروز والأقليات الأخرى حملة طائفية ترمي إلى استئصالهم». وفي مقال اشترك فيه ثلاثة شيوخ في الكونغرس الأمريكي (جون ماكين و ليندسي غراهام و جوزيف ليبرمان)، ونشر في صحيفة « الواشنطن بوست – 31/12/2012»، عبر المسؤولون الثلاثة عن قلقهم من أن: « سوريا بدأت تنزلق إلى الجحيم، وأن انزلاقها هذا يعني أن نيران الأزمة السورية المتفاقمة ستنتشر في هشيم الدول المجاورة بشكل كبير، فهي تشكل تهديدا مباشرا وحالة من عدم الاستقرار في تركيا ولبنان والعراق والأردن وإسرائيل على حد سواء». ونسب الساسة الثلاثة اعتراف مسؤولين أميركيين وأوربيين بأن: « حوالي 70% من المساعدات الخارجية المرسلة إلى سوريا ينتهي بها المطاف في مناطق خاضعة لسيطرة النظام السوري، وأن زوارا جددا إلى حلب أخبروهم بأنه لا توجد مظاهر في المدينة لأي مساعدات أميركية». وفي 12/1/2013 أصدرت « الخارجية الروسية» بيانا قالت فيه: « يجب ضمان إطلاق عملية انتقال سياسي في سوريا تهدف إلى تثبيت حقوق مضمونة ومتساوية لجميع الطوائف في هذا البلد، وذلك على المستوى التشريعي». لكن الروس، وغيرهم، الذين يطالبون بضمانات دستورية للطوائف والأقليات، لم يهتموا في يوم ما بحقوق السنة في سوريا، ولم يسائلوا أنفسهم لماذا ظل السنة يقتلون بعشرات الآلاف قبل الثورة؟ ولم سألوا يوما عن ضماناتهم الدستورية لأنهم كانوا شركاء في كل الجرائم التي ارتكبوها بحق الأمة وليس فقط بحق السوريين.

ولدعاة القومية وأهل اليسار نذكر فقط بأن الاتحاد السوفياتي لم يكن في يوم ما بعيدا عن جرائم أمريكا وبريطانيا وفرنسا الذين فككوا العالم الإسلامي ومزقوه شرّ ممزق وأخضعوه للهيمنة والتبعية، ففي عهد السوفيات البائد اغتصبت فلسطين وتم الإعلان عن قيام « إسرائيل» بصوت الاتحاد السوفياتي، وفي عهده تم رعاية الطائفة « النصيرية» إلى أن تَسَلمها من الفرنسيين سنة 1956 وسلمها السلطة في سوريا وأشرف على كل جرائمها وقدم لها الحماية التامة، وفي عهده أيضا سقطت بقية فلسطين والقدس وسيناء والجولان وأراضي من الأردن، بل أن الجولان بيعت بـ 150 مليون $ لبني يهود، وقسمت اليمن إلى قسمين ثم حوربت بطائرات السي خوي الروسية المستأجرة عربيا في حرب العام 1994، وشق الأسد الأب منظمة التحرير الفلسطينية وحاربها وأقصاها من ساحات المواجهة، وفي عهده وحمايته ذُبحت لبنان والمخيمات الفلسطينية من تل الزعتر شمالا إلى صور جنوبا، وتم تفكيك الحركة الوطنية العربية ومعها الفلسطينية التي تم دفعها إلى الاعتراف بـ « إسرائيل» وتحويلها إلى حرس حدود لها، كما شُرد الإسلاميون وطوردوا في أقاصي الأرض، و ضاعت الصومال ودُمرت أفغانستان وأُحرقت الشيشان ونُحرت البوسنة والهرسك وأُسقط العراق وتم تسليمه للشيعة بمبادرة من وزير الخارجية بريماكوف، والآن تسقط سوريا وهو ممسكا بها بيديه!!! كل هؤلاء كانوا بحماية الاتحاد السوفياتي ثم روسيا، بموجب تبنيه لحق الشعوب في تقرير مصيرها سنة 1956، وتحت عباءة أيديولوجيات التقدم والتحرر ومقاومة الاستعمار .. والقائمة أطول بكثير. لكن آن للقوس أن ينغلق.

وفي مقابلة له مع مجلة « لونوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية ونقلتها وكالة الأنباء الأردنية « بترا – 12/1/»2013، قال الملك الأردني، عبد الله الثاني،: « يجب أن تشعر كل فئة في المجتمع السوري، بمن فيهم العلويين، بأن لهم دورا في مستقبل البلاد». وفي 26/1/2013 طالب الملك بوضع: « خطة واقعية وجامعة للانتقال في سوريا»، مؤكدا على: « ضرورة أن تتضمن الخطة الحفاظ على الجيش ليكون العمود الفقري لأي نظام جديد في سوريا، لتجنب الفوضى التي سادت في العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام »2003، ومشيرا إلى أن: « خطة انتقالية حقيقية وشاملة تضمن وحدة سوريا شعبا وأرضا وتضمن لكل السوريين دورا ليكونوا شركاء في مستقبل بلادهم». واعتبر أن من يعتقد أن نظام الأسد سيصمد لأسابيع فقط: « لا يعرف حقا الواقع على الأرض»، ملمحا إلى أن: « أنصار الأسد ما زالوا يمتلكون القدرة»، ومتوقعا أن: « بقاءهم القوي سيستمر على الأقل حتى النصف الأول من العام الجاري».

ورغم أنها حادثة ليس معروفا عنها أية معلومات موثوقة، فضلا عن حرص المقاتلين على حماية دور العبادة أيا كانت، مقابل تدمير النظام لعشرات المساجد وحرقها إلا أن صحيفة « كريستيان ساينس مونيتور – 25/1/2013 » نقلت عن مديرة إدارة الشرق الأوسط في منظمة « هيومن رايتس ووتش» الأمريكية، سارة ويتسون، قولها: « إن المعارضين المسلحين للنظام السوري فشلوا في إثبات تعهدهم بحماية حقوق الأقليات الدينية». وفي سياق مماثل حرض رمزي مارديني، المحلل بمعهد « دراسات الحروب بالولايات المتحدة، في مقال له نشرته صحيفة « نيويورك تايمز - 4/2/2013»، واشنطن: « على أن تجعل اعترافها بالمعارضة السورية مقرونا بشرط صارم بضرورة أن يكون تحالفها ممثلا لكافة أطياف الشعب السوري، ومعاقبتها إن هي لم تمتثل لهذا الشرط». وخلص في مقاله إلى القول بأن: « الخوف ونزعة الانتقام من المحتمل أن تلعب دورا رئيسيا في مرحلة ما بعد الأسد أكبر مما حدث في ليبيا ما بعد القذافي».

وفي مقالته على صفحات « نيويورك تايمز – 10/2/2013 » وصف توماس فريدمان الصراع في سوريا بأنه: « حرب لا يمكن أن تنتهي، ولكن ربما يمكن تخفيض وتيرتها وشدة حدتها». وشكك: « في إمكانية تخليص سوريا أو نقلها من مدار إلى آخر مع الاحتفاظ بها دولة واحدة متماسكة»، ... إذ ... « أنها سرعان ما تنقسم إلى إقليمين، أحدهما للسنة والآخر للعلوين». وفي السياق أشار إلى حلول وسط نسبها لبعض: « الدبلوماسيين العرب في الأمم المتحدة » ... وهذه الحلول تتطلب، بحسبه، (1) « تدخل الولايات المتحدة لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لتشكيل حكومة انتقالية في سوريا»، و (2) « تمثيل متساو للعلويين والثوار». وفي معرض تعليقه على بدء العملية السياسية، وبعد لقاء نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، مع وفد الدبلوماسيين الفرنسيين، أصدرت الخارجية الروسية بيانا في 13/3/2013 قالت فيه: « من الضروري مراعاة الحقوق الأساسية لكافة الأقليات العرقية والطائفية التي تقطن البلاد».

هذا هو النظام الدولي. لا يأبه لأمة تتعرض، بفعل أياديه الدموية، لألوان العذاب. فهو لا يرى في الأمة إلا مجموعات من الطوائف التي لها الحق في كل الحقوق والامتيازات والحماية والرعاية بقطع النظر إن كانت على حساب الغالبية الساحقة أم لا. والحقيقة أن المشكلة ليست في حقوق الطوائف بل في حقوق الأغلبية المصادرة لصالح الأقليات التي تحظى بالحماية الدائمة. أما لماذا؟ فلأنها تمثل الضمانة الأهم في استمرار الدولة القومية المستوردة من الغرب والحاملة لقيمه والمعادية في منشئها للدين والإسلام. لذا فإن كل من يقبل بالحل الدولي في سوريا أو يسهل له أمره هو بالضرورة معاديا للأمة في أصالتها وعقيدتها وطموحاتها.



ثانيا: الكمين العراقي


ما أن انطلقت شرارة الحراك الشعبي في العراق، احتجاجا على التهميش الطائفي، قبل ثلاثة أشهر حتى أصابت غصته الخانقة حلق دول « المركز» والدول الإقليمية والشيعة على السواء. فإذا ما انفجرت الأوضاع في العراق فقد يتحول الحراك إلى أخطر مسمار ُيدَق في نعش النظام الدولي أو على الأقل في نعش المشروع الصفوي بدايةً. لذا؛ وتحسبا من أية تداعيات مفاجئة، وفي تغريدة، ذات دلالة أمنية بالغة، على موقع التواصل الاجتماعي « تويتر – 8/1/2013»، كشف الشيخ حامد العلي أن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، قرر نقل الأسلحة الثقيلة إلى الجنوب، خوفا من تطور الاحتجاجات التي يشهدها العراق حاليا. وقال الشيخ أن: « المالكي يصدر أوامره بنقل كافة الأسلحة الثقيلة من كافة الوحدات والتشكيلات الموجودة بالأنبار ونينوى وصلاح الدين ونقلها للجنوب». وفي تغريدة ثانية برر الشيخ العلي قرار المالكي أنه: « يخشى من سقوط الآليات العسكرية الثقيلة بيد الثورة لأنه يتوقع تطورها لثورة مسلّحة ولهذا أمر بسحب كل الآليات للجنوب».

هنا؛ علينا أن نلاحظ أنه ثمة فرق هائل بين كمائن المعارضة السياسية السورية والحراك العراقي الذي يعد بحق أنجح كمين استراتيجي نصبته الثورة السورية للقوى الدولية والطائفية في المنطقة وحلولها السياسية ومحاولاتتها لاحتواء الثورات الشعبية. فالحراك، المعلومة بواطنه، لدى السنة بدأ يشق طريقه إعلاميا للكشف عن خفايا المشروع الطائفي في العراق للعامة من العرب والمسلمين، من أجل أن يأمن على نفسه ويحصن ظهره من سلالات الغدر المحلية والإقليمية والدولية التي طعنته في ظهره خلال السنوات القليلة الماضية. فقد بات واضحا لمن يعلم حقيقة النظام القائم في العراق أنه غدا نسخة طبق الأصل عن النظام الطائفي في سوريا، وأن عقائد السنة وتراثهم لم تعد بمأمن من نفوذ المشروع الصفوي ولا من أثر مخرجاته العقدية والتربوية والقيمية والأخلاقية على الأجيال القادمة من سنة العراق.

لذا فإن المالكي والإيرانيين يعلمون علم اليقين أن الحراك العراقي ما جاء إلا ليصب النار على زيت المشروع الصفوي المشتعل في سوريا. وأن الإفلات من الحريق في العراق قد لا يكون سهلا ولا قريب المنال مع تسارع حمى المواجهات في الثورة السورية. ولم يعد خفيا، على مراقب، تلك التصريحات التي يدلي بها المالكي بين الحين والحين محذرا من حرب طائفية. أما إنْ كان يريدها فهو يعلم والإيرانيون أنهم أكبر الخاسرين بالنظر إلى أنهم هم الذين يتمتعون بالامتيازات والنفوذ وليس أهل السنة. لذا فالتحشيد الطائفي في العراق، والذي يقوده الإيرانيون والمالكي، لا يستهدف حاليا الحراك العراقي بقدر ما يستهدف تصفية حساباته في سوريا.

وقد أصاب جوست هلترمان، وهو الخبير في الشؤون العراقية، في تحليله الذي نقلته صحيفة « كريستيان ساينس مونيتور - 29/12/2012 » وقال فيه بأن: « الأزمة السورية تجبر كل من حولها على الانحياز إلى أحد الطرفين المتصارعين»، مشيرا إلى: « أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يخشى من ظهور حكومة سنية في سوريا في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، مما يجعل المالكي يصطف مع المعسكر الإيراني ويكون في حال صراع مع تركيا». لذا كان على المالكي، ولي أمر ممرات الأسلحة جوا وبرا إلى النظام السوري، أن يجدد مخاوفه من تداعيات الثورة السورية على العراق. ففي مقابلة له مع وكالة « أسوشيتد برس - 27/2/2013 » الأمريكية قال بصريح العبارة: « إذا ما انتصرت المعارضة ( السورية على النظام )، فستندلع حرب أهلية في لبنان، وتحدث انقسامات في الأردن، وتشتعل حربا طائفية في العراق». وفي مقابلة مع « رويترز – 27/2/2013»، وصف وزيره للنقل وزعيم منظمة بدر، هادي العامري، دعم تركيا وقطر للمعارضة المسلحة في سوريا بأنه يرقى إلى إعلان حرب على العراق: « الذي سيعاني من تبعات صراع تتزايد صبغته الطائفية». فعلا: إن مما أدرك من كلام النبوة أنه إذا لم تستح فاصنع ما شئت. رموز الطائفية يخشون منها!!!!

أما حاخامات إيران فمواعظهم عن دعم النظام الطائفي في سوريا لم تتوقف منذ فتاوى خامنئي وجنتي وغيرهم. ولعل بعض من أحدثها وأطرفها تلك التي وردت على لسان خطيب صلاة الجمعة في طهران، موحدي كرماني، في 4/1/2013 حين زعم أن: « الغربيين وعملاءهم لم ينتهوا بعد من مؤامراتهم في سوريا، ولكنهم أقدموا على إثارة فتنة طائفية في العراق»، محذرا من أن: « ما يجري في العراق بداية لما بدأ في سوريا منذ عامين». أما أشدها وحشية وتطرفا فتلك التي فاه بها الحاخام الصفوي، مهدي طائبدبي. ففي 14/2/2013 أباح بما تخفيه صدورهم بالقول: « إن سوريا هي المحافظة الـ35، وتعد محافظة استراتيجية بالنسبة لنا. فإذا هاجمَنا العدو بغية احتلال سوريا أو خوزستان، الأوْلى بنا أن نحتفظ بسوريا .. لو خسرنا سوريا لا يمكن أن نحتفظ بطهران، ولكن لو خسرنا إقليم خوزستان (الأحواز العربية) سنستعيده ما دمنا نحتفظ بسوريا». وحين تحدث عن ضرورة دعم النظام السوري قال: « النظام السوري يمتلك جيشاً، ولكن يفتقر إلى إمكانية إدارة الحرب في المدن السورية، لهذا اقترحت الحكومة الإيرانية تكوين قوات تعبئة لحرب المدن .. قوامها 60 ألف عنصر من القوات المقاتلة لتستلم مهمة حرب الشوارع من الجيش السوري».

الجدير بالذكر حقا أن مهدي طائبدبي هذا يترأس ما يسمى بمقر « عمّار الاستراتيجي» لما يسمى بـ: « مكافحة الحرب الناعمة الموجهة ضدالجمهورية الإسلامية الإيرانية»، والذي تأسس عام 2009، في أعقاب الانتخابات الرئاسية المزورة التي اُعلن فيها عن فوز الرئيس الحالي أحمدي نجاد. وشارك في تأسيس المقر عدد من الشخصيات السياسية والدينية الشهيرة باسم: « أنصار حزب الله» في إيران، وهي موالية للمرشد الأعلى علي خامنئي.

على كل حال فـ « حزب الله » أعلن الحرب على الثورة السورية جهارا نهارا. وهو الآن يحتل على الأقل ثمانية قرى حدودية، وجنازات قتلاه التي كانت توارى الثرى تحت يافظة « شهيد الواجب» صارت توارى اليوم باسم « الدفاع عن آل البيت». وإذا كان مهدي طائبدبي آخر من صرح بـ 60 ألف مقاتل يخوضون حرب المدن إلى جانب قوات الأسد فقد أشارت العديد من الصحف الغربية والتقارير الاستخبارية إلى أن إيران تحضِّر لحرب طائفية بعد سقوط النظام. وفي السياق نقلت « الواشنطن بوست – 11/2/2013» عن مسؤول عربي رفيع قوله أن: « استراتيجية إيران تقوم على مسارين: الأول دعم الأسد، والثاني تحضير مسرح إذا انهار النظام وتفسخت سوريا إلى جيوب عرقية وطائفية منفصلة». ونقلت عن مسؤول رفيع بالإدارة الأميركية أن: « إيران تساند مليشيات قوامها 50 ألف مقاتل داخل سوريا» حاليا. وبحسب المسؤول ذاته فـ: « إن هذه عملية كبيرة والنية المباشرة هي دعم النظام السوري إلا أن الأهم بالنسبة لإيران هو الحصول على قوة داخل سوريا تكون موضع ثقة ويمكن الاعتماد عليها فيما يعد». هذا الأمر ذكرته صحيفة « الديلي تلغراف – 15/3/2013 » البريطانية نقلا عن رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية، اللواء أفيف كوخافي، الذي قال أن: « إيران قامت بتدريب جيش من خمسين ألف رجل في سوريا في محاولة لاستعادة قاعدة السلطة في البلاد بمجرد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد».

لكن ما ينبغي التنويه إليه هو صحة رأي بعض الخبراء الأمريكيين، بحسب الصحيفة، من أن: « إيران أقل اهتماماً ببقاء الأسد في الحكم منه بالحفاظ على نقاط قوة، من بينها مراكز نقل في سوريا»، وهو ما أشار إليه تقرير صحيفة « لوس أنجلوس تايمز – 28/12/2012» بعنوان: « إيران قد تعيد النظر بموقفها من الأسد»، الذي تحدث عن خلافات ساخنة بين المؤيدين والمعارضين لدعم الأسد. لكن هذا بالنظر إلى مسألتين، الأولى: أن إيران تمتطي ظهر سوريا مثلما تمتطي ظهر القضية الفلسطينية، وبعض القوى والدول في العالم السني لتمرير مشروعها الصفوي، والثانية: أن إيران لا تقيم وزنا لبقاء الأسد أو ذهابه إلا بمقدار ما تضمن سلامة مصالحها في سوريا عبر حل طائفي يحفظ لها نفوذها. لكن الأسوأ أن إيران مستعدة للمساومة على سوريا برمتها، ومعها البحرين. إذ نقلت وكالة « مهر - 12/2/2013» الإيرانية للأنباء، عن مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون دول آسيا والمحيط الهادي، عباس عراقجي، قوله: إن بلاده تقدمت بمقترح: « حول ضرورة إدراج الأزمة السورية والبحرينية على جدول أعمال مفاوضات إيران ومجموعة الـ 5+1 » والذي عقد بكازاخستان في 26/2/2013. وبالتأكيد فإن الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، رامين مهمانبرست، الذي نفى تقارير « الواشنطن بوست» حول الإعداد لقوة حربية بعد رحيل الأسد لن يستطيع أن ينفي مقترح العراقجي الذي تماهى مع ما قاله مهدي طائبدبي عن سوريا باعتبارها المحافظة 35، وإلا فبأي منطق تضع إيران دولة عربية على طاولة المفاوضات إنْ لم تكن ترى فيها مجرد محافظات فارسية كما هي العراق والبحرين وربما غدا الكويت؟

في خضم المواجهات الطاحنة بين قوات الثورة السورية والنظام، بدا واضحا أن النظام يتعرض لاستنزاف خطير في العنصر البشري. وبالتأكيد فإن مثل هذا الأمر له أكثر من سبب، ويشكل مبعثا لتساؤلات مثيرة حول الكتلة الديمغرافية المساندة للنظام سواء في العمق الشيعي في العراق وإيران ولبنان، أو في العمق الطائفي للنصيرية في تركيا، أو فيما يتصل بالقاعدة الديمغرافية الشعبية ومعاناتها الاقتصادية أو الأمنية. فقد تسربت معلومات عن توجه النظام لتجنيد الشباب السوري في القرى والأرياف لقاء 50 ألف ليرة سورية. وبالتأكيد فلن يعدم القبول لدى البعض خاصة وأن قسما ما من السنة ما زال مواليا للنظام.

المرجح أن الأمر يتعلق بمسألتين: فإما أنه يسعى إلى تجنيب رصيده البشري في صلب الطائفة من الاستنزاف في المعارك، خاصة بعد ورطة المحور الشيعي في العراق، مقابل حرق ما يمكن حرقه من السنة، وإما أنه لم يعد لديه رصيدا كافيا لمواصلة حربه الدموية. وفي الحالتين لم يعد بيد النظام من أوراق إلا جرّ المجتمع السوري إلى العسكرة لصالحه بأقصى ما يستطيع. وفي السياق شرع في عمليات تجنيد واسعة وتسليح للذكور والإناث وتأطيرهم بأطر عسكرية مثل « قوات الدفاع الوطني» أو « جيش الدفاع الوطني». وبحسب « مصدر سوري مطلع» فالتشكيلات الجديدة تضم: « عناصر مدنية أدت الخدمة العسكرية واللجان الشعبية التي تشكلت تلقائيا مع تطور النزاع القائم في سوريا»، و: « أن افرادها سيتقاضون رواتب شهرية، وسيكون لهم زي موحد»، وأن: « عددهم سيبلغ حوالي عشرة آلاف من مختلف محافظات البلاد».

وفي تقرير لقناة « الجزيرة – 23/1/2013» نقلا عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، قالت فيه: أن قوات الدفاع الوطني ستشكل من أعضاء حزب البعث أو مؤيديه .. رجال ونساء ( فدائيات الأسد) من كل الطوائف» بهدف حماية الأحياء من هجمات المقاتلين المعارضين .. « وأن القوات الجديدة ستضم قوات نخبة دربها الإيرانيون الذين لديهم خبرة طويلة في هذا المجال بداية بفيلق القدس وقوات التعبئة الشعبية (الباسيج) ». وبحسب عضو الهيئة العامة للثورة السورية بحمص، هادي العبد الله، فإن: « عدد المقاتلين الموالين للنظام في المحافظة ازداد كثيرا خلال الأيام الأخيرة مع بدء عمل قوات الدفاع الوطني». أما المعارض بسام جعارة فقال بأن هذه القوات تتكون من: « علويين موالين للنظام ومجرمين أطلق سراحهم، والجنود الاحتياط المطلوبين للالتحاق بالجيش»، وقد باتوا بمثابة: « الرديف الحقيقي للجيش بعدما سُلموا، مدافع هاون ومدافع ميدانية، وأسلحة ثقيلة، ولكن الأهم أن النظام ضامن لولائهم ومتأكد أنهم لن ينشقوا»، ويُدربون في معسكر « دير شميل» بحماة الذي يتبع له 28 معسكرا بقيادة مرافق بشار الأسد السابق، العقيد المتقاعد فضل ميخائيل. وأوضح جعارة أن هؤلاء: « يحملون بطاقات تخولهم توقيف من يريدون حتى لو كان وزيرا».

المهم في الحراك العراقي أنه نجح في خلط الأوراق إلى الحد الذي أثار فيه الرعب لدى رموز المشروع الصفوي. إذ لم يعد من الممكن الاطمئنان إلى العراق كفضاء استراتيجي خاضع للسيطرة والتحكم والاستخدام وقت الحاجة، سواء لإيران أو للنظام في سوريا. وحتى لبنان لم يعد بمأمن من الانفجار بين الحين والآخر. وغدت كل القوى المحلية والأطراف الدولية والإقليمية تحضر نفسها لما هو قادم وليس لما هو كائن. لكن المفارقة في أمر الحراك العراقي أنه لن يقع ضحية الاستنجاد بقوى أجنبية على شاكلة حلف « الناتو» خاصة أن انطلاقته تأتي في السياق المضاد لكل تداعيات الغزو الأمريكي للعراق، وهدم الدولة وإعادة بنائها بمواصفات طائفية تجتهد في امتلاك الدولة والمجتمع بأشد مما هو الحال في سوريا. وبالتالي ستبدو ورطة « المركز» أعمق مع حراك شعبي له حسابات وقروح دامية مع الولايات المتحدة، وهذا من شأنه أن يجرد « المركز» من القدرة على الاحتواء إذا حمي الوسيط، نظرا لغياب أدوات الضغط على الحراك الشعبي كما هو الحال في دول الثورات الأخرى. كما أن « القاعدة» ليست غائبة عن المشهد العراقي وهي التي تسلخ جلد المالكي بصورة شبه يومية، فضلا عن يدها الطويلة التي طالت الجنود السوريين الذين فروا، خلال المعارك مع الثوار من بلدة اليعربية، وأثناء إعادتهم إلى النظام، في قافلة أمنية، تلقفتهم مخالب القاعدة لتفتك بـ 48 منهم. لذا فإن خلط الأوراق هنا ثقيل على « المركز».
  #36  
قديم 03-06-2013, 04:10 AM
الصورة الرمزية غراس الجنه
غراس الجنه غراس الجنه غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: May 2010
مكان الإقامة: الدولة الإسلامية في العراق والشام
الجنس :
المشاركات: 4,283
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي

ثالثا: كمين التسليح


ظن الكثيرون، وكتبت الصحف الأمريكية، أن تغيير الطاقم الاستشاري الأمريكي بعد الانتخابات الرئاسية الثانية للأوباما قد يؤدي إلى تغير في السياسة الأمريكية، وأن الإدارة الأمريكية ستتحرر، بالتالي، من ضغوط الانتخابات. إلا أن المسألة اتجهت سياسيا نحو الأسوأ بحسب دعوة جون كيري للمعارضة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الأسد. كل هذا وسط عودة الضجيج حول تسليح المعارضة المسلحة. ووسط « حيرة» الرئيس الأمريكي أوباما، الذي حين سئل في مقابلته مع مجلة « ذا نيو ريببليك» الأميركية ( نقلا عن افتتاحية الكاتب دويل ماكمانوس بصحيفة « لوس أنجلوس تايمز – 22/2/2013» عن إمكانية التدخل في سوريا ووقف حمام الدم هناك، أجاب: « مضطر أسأل: هل بإمكاننا أن نحدث فرقا في هذا الوضع؟ وكيف أوازن بين عشرات آلاف القتلى في سوريا مقابل عشرات الآلاف الذين يُقتلون حاليا في الكونغو؟» لكن هذا التبرير يعجز عن الصمود ما لم يجد له تفسيرا لدى الرئيس الأمريكي الذي سبق وتدخل في ليبيا ضد العقيد معمر القذافي!! فما هي خلفيات المسألة بلسان أهل الأمر؟

النازف في سوريا منذ سنتين يبدو أن لها نصيبا هاما من الثقة والمصداقية. لكننا لسنا واثقين من الخبر الذي سربته صحيفة « نيويورك تايمز – 2/2/2013 » من أن البيت الأبيض عارض توصية تقضي بتسليح الثوار في سوريا، قدمتها كبرى المؤسسات الأمريكية ( وزارتا الدفاع والخارجية والمخابرات وقائد الجيش).

والخبر، بحسب افتتاحية دويل ماكمانوس يقول بأن: « وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ومدير الاستخبارات الأسبق ديفد بترايوس كانا قد اقترحا في شهر أغسطس/ آب الماضي أن تغير الولايات المتحدة سياستها وترسل أسلحة ومعونة أخرى للثوار الذين يقاتلون الحكومة السورية. ودخل على الخط أيضا وزير الدفاع السابق ليون بانيتا وقائد رئاسة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمسي، الأمر الذي يعتبر خطوة غير عادية من جانب وزارة الدفاع الأميركية الحذرة عادة». وأضاف بأن: « مستشار الرئيس أوباما للأمن القومي، توماس دونيلون، عارض الاقتراح، وفي النهاية دعم الرئيس رأيه».

هذا الرفض للمقترح، على رأي « نيويورك تايمز – 19/2/2013»، أدى إلى: « ترك البيت الأبيض بلا إستراتيجية بشأن الانتفاضة السورية». وبحسب مسؤولين أميركيين فإن: « قرار أوباما عدم تزويد المعارضة السورية بالأسلحة كان ناجما عن التردد والخشية من وصولها إلى أياد غير موثوقة، ومخافة استخدامها بالتالي ضد مدنيين أو ضد مصالح إسرائيلية وأميركية» .. لكن: « الولايات المتحدة صارت تعرف بمرور الوقت المعارضين السوريين!! ولا ريب أنها كانت تعرف قبل ذلك بكثير، لاسيما وأن المدير السابق للمخابرات السعودية، تركي الفيصل، كان يعرف ما سبق أن عرفته الولايات المتحدة. وهذا ما نقلته « بروجيكت سينديكيت – 28/12/2012 » عنه: « الآن، أصبحت كل الأطراف الفاعلة في سوريا معروفة. فلا يوجد هناك جهاديون مستترون، أو إرهابيون، أو رجال عصابات. فجميع الأطراف موثقة بشكل جيد. وبالتالي فإن المعتدلين وحدهم هم من ينبغي لهم أن يحصلوا على الأسلحة المضادة للطائرات والمضادة للدبابات. وبحصولهم على هذه الأسلحة فإن مكانتهم سترتفع بين المجموعات المقاتلة الأخرى، وهذا من شأنه أن يدعم موقفهم المعتدل».

بعد مضي أسبوع على جلسات الاستماع أمام الكونغرس الأمريكي، علقت صحيفة « كريستيان سيانس مونيتور – 11/2/2013 » على رفض أوباما تسليح الثوار، واستجواب كل من وزير الدفاع السابق، ليون بانيتا والجنرال ديسمبي، فقالت أنه: « في جلسة للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ سأل السيناتور جون ماكين كلا المسؤوليْن عما إن كان قد دعم توصيات لوزارة الخارجية الأميركية ووكالة الاستخبارات الأميركية بتوفير أسلحة للمعارضة السورية، فرد بانيتا وبعده ديمبسي بأنهما أيدا الخطة». لكن الجنرال مارك ديسمبي نفي في 10/2/ 2013 علم بلاده بهوية الجماعات المقاتلة قائلا أن: « لدى الإدارة الأميركية تحديا كبيرا، وهو أنها لا تعرف بعد أي الفصائل التي تحارب نظام الرئيس السوري بشار الأسد يمكن أن تفي، في حال سيطرت على السلطة، بمتطلبات الاستقرار في البلاد مثل إنشاء حكومة وإنهاء العنف والحفاظ على المؤسسات حتى لا تتحول سوريا إلى دولة فاشلة». فعلى أي أساس أيد خطة تسليح الثورة إذا كانت الولايات المتحدة لا تعرف بعد مع من تتحالف؟ وبأي منطق تكون شهادته أو تسريب « النيويورك تايمز» صحيحين!!!؟

« الحلقة المفقودة» بالأمر تكمن في حاجة الولايات المتحدة إلى تسريب الخبر للتغطية على ما يراه بعض الساسة الأمريكيين « مأزقا أخلاقيا» يصعب تبريره تجاه الثورة السورية. والتسريب جاء بصيغة لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم. فهو يوحي بأن أكبر مراكز القوى في الولايات المتحدة دعت إلى تسليح الثورة، لكن الذي رفض هو الرئيس!!! والرئيس قادر على تحمل التسريب خاصة وأنه لم يعد مهموما بولاية رئاسية ثالثة. وهكذا تفلت مصداقية أمريكا من الطعن والخسارة ويستعيد الرئيس الثقة مجددا. يا أبناء الشياطين!!!

هكذا باتت الإدارة الأمريكية في دورتها الثانية مطالبة بالإجابة على السؤال الملح: « ما هي السياسة الأمريكية الجديدة تجاه سوريا بعد أن سقطت مبررات ضغوط الانتخابات الرئاسية ولم يعد ثمة عراقيل أمام الرئيس أوباما؟» وقد أجابت!! وهكذا أيضا بدت الطريق ممهدة لدى صحيفة « كريستيان ساينس مونيتور – 5/3/2013 » كي تذكِّر بالتوجه الجديد للسياسة الأمريكية تجاه الثوار، والتي وردت على لسان وزير الخارجية، جون كيري، بعد «مؤتمر أصدقاء روما» حين قال: « إننا لن نترك المعارضة السورية في مهب الريح ... إننا مصممون على تعديل الحسابات وتغيير قواعد اللعبة على الأرض» !!!! لكن ما الذي تغير أصلا؟

الأكيد أن مضمون « المأزق الأخلاقي» الأمريكي هذا يتعلق بالدرجة الأساس بشعور الولايات المتحدة والغرب بانحدار مستوى المصداقية في الشارع السوري، المدني والسياسي والعسكري، وكذلك بالاستنزاف الخطير في ثقة من عقدوا على الولايات المتحدة الآمال والطموحات، وما زالوا يعقدون. لذا فقد حذرت الصحيفة من أن انتصار الثوار وإجبارهم: « زمرة الأسد على التراجع إلى معاقل الطائفة العلوية أو حدوث انقلاب داخلي يزيل الأسد من السلطة» أو ... ستشكل ... « خسارة كبيرة للولايات المتحدة نفسها، التي ستكون ضئيلة النفوذ في البلاد، وذلك لأن معظم السوريين وقادة الثوار ساخطون على واشنطن بسبب حجبها المساعدات عنهم» .. ولأن: « ما ينفر السوريين من الولايات المتحدة بشكل أكبر هو دعوة واشنطن إلى تفكيك فصائل مسلحة في سوريا كانت هي السبب في كسب الحرب مثل جبهة النصرة». بل أن الولايات المتحدة تعرضت لانتقادات من حلفائها كما تقول « الواشنطن بوست – 30/12/2012»، وأشارت إلى أن: « آخر السلبيات الأميركية تتمثل في زعم واشنطن بأن المساعدات الأميركية لقوى الثورة السورية أو إلى المنظمات الإنسانية المعنية بالأزمة في سوريا تعد غير شرعية»!!!!

وينقل دويل ماكمانوس بصحيفة « لوس أنجلوس تايمز – 22/2/2013 » عن خبير لدى وزيرة الخارجية السابقة، فريدريك هوف، قوله أن المهم في تسليح الثوار هو: « توطيد العلاقات الأميركية مع المقاتلين الذين قد ينتهي بهم المطاف بإدارة دفة الحكم في سوريا، والتأكد من أن المعتدلين في المعارضة لا تتم إزاحتهم من قبل متطرفين إسلاميين أفضل تسليحا». وبالنسبة لهوف فإن هذا الأمر: « ليس منحدرا زلقا. وأن محاولة بناء علاقات قوية مع العناصر المسلحة في المعارضة السورية هي الخيار المحافظ والقليل الخطورة في الوضع الراهن».

وفي تعليقها على تصريحات جون كيري في لندن (25/2/2013)، والتي قال فيها: « أن أوباما بصدد تقييم الخطوات التي يجب اتخاذها لمساعدة المعارضة السورية، وإلى أن إدارة أوباما مصممة على عدم إبقاء المعارضة السورية في مهب الريح ولا أن تبقيها في حال تشاؤم وهي تنتظر وصول مساعدات»؛ كتبت « الواشنطن بوست – 28/2/2013» تقول: إن وزير الخارجية الأميركي تحدث بهذه الكلمات لأنه يتوجب عليه أن يتحدث بمثلها، و « لأن قادة الثوار في سوريا قد ضاقوا ذرعا بالرفض الأميركي لاستيراد الأسلحة وتوفير التدريب والدعم المالي اللازم .. من أجل أن يحققوا هدف الولايات المتحدة المعلن».

في المستوى السياسي، وليس القيمي، يأتي الحديث عن الحاجة إلى التسليح في محاول لتحقيق « توازن سياسي» يؤدي إلى فرض التفاوض على جميع الأطرف السورية. وفي هذا السياق من الغبن أن تعتقد أوساط في المعارضة السورية أو بعض القوى المقاتلة ممن ترى فيها الولايات المتحدة الأهلية لتلقي السلاح أن التسليح المقصود يستهدف إسقاط الأسد. إذ أن كل الحديث الدائر عن بعض التوجهات الأوروبية لرفع الحظر عن للتسليح، تصب في خانة: « الأسلحة غير الفتاكة». أي التي لا تؤدي إلى قلب موازين القوى بل إلى « تحريك العملية السياسية» فقط لاغير.

وفي السياق أكد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، خلال اجتماعهم في بروكسيل (12/3/2013) أن: « الأولوية تبقى في إيحاد حل سياسي للأزمة السورية». ومن جهته قال وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، أن المناقشة لم تنته بعد .. و : « يبدو لي مؤكدا أن قضية رفع الحظر على الأسلحة تطرح أكثر فأكثر لأننا نشهد انعدام توازن أكيد بين بشار الأسد الذي يتزود بأسلحة قوية، مصدرها إيران وروسيا والائتلاف الوطني الذي لا يملك هذه الأسلحة نفسها». وختم كلامه أمام النواب الفرنسيين قائلا: « إذا كنا نريد زعزعة بشار الأسد فلا بد من إفهامه بأنه لن يتمكن من الانتصار بقوة السلاح، ولا بد لذلك من خلق توازن قوى جديد». وفي 14/3/2013 أعلن فابيوس أن باريس ولندن ستطلبان تقديم موعد الاجتماع المقبل للاتحاد الأوروبي ( المقرر نهاية شهر أيار / مايو) بشأن حظر الأسلحة على سوريا، وفي حال عدم التوصل إلى إجماع، ستقرران تزويد المعارضين السوريين بأسلحة بصفة فردية، موضحا أنه: « لا يمكن السكوت عن الخلل الحالي في التوازن بين إيران وروسيا اللتين تزودان نظام الأسد بالأسلحة من جهة، وبين الثوار الذين لا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم من جهة أخرى». وقال إن: « رفع الحظر هو أحد الوسائل الوحيدة المتبقية لتحريك الوضع سياسيا». وفي 16/3/2013 رأى وزير الخارجية الفرنسي السابق، آلان جوبيه، أن: « تسليح المقاتلين السوريين المعارضين سيتيح إعادة التوازن بعض الشيء إلى الأمور بين النظام الذي تزوده روسيا وإيران بأسلحة ثقيلة والمعارضة التي تقاتل بأسلحة خفيفة». ومن جهته أوضح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن تحفظات المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لا تتصل بمعارضتها لرفع الحظر، من حيث المبدأ، لكنها « تريد دراسة كل العواقب»، معتبرا أن: « المجازفة الكبرى ستكون عدم التحرك، وأن ترك الأمور على حالها يعني تعميم الفوضى»، معتبرا أن: « الخطر الأكبر هو عدم التحرك».

أما فيما يتعلق بالموقف الأمريكي؛ فقد سبق أن أعلنت الولايات المتحدة تأييدها لنوعية الدعم الذي أعلنت عنه فرنسا وبريطانيا لقوات المعارضة السورية, ولكنها أكدت في الوقت نفسه ( 15/3/2013) على لسان المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، أن الدول الأوروبية: « تتحدث عن تخفيف الحظر المفروض على الأسلحة وليس رفع الحظر»، وأن: « الأمور التي يتحدث عنها بعض الحلفاء تبقى في هذه المرحلة في خانة العتاد غير الفتاك». ومن جهته استعان وزير الخارجية، جون كيري، في 17/3/2013 بتصريحات رئيسه ليؤكد أن: « الرئيس باراك أوباما قال بوضوح إن الولايات المتحدة لن تقف في وجه الدول التي اتخذت قرار تسليم السلاح (إلى المعارضة السورية) سواء كانت فرنسا أو بريطانيا أو غيرهما، من الدول، لكن: « بلاده ترغب في أن يبقى الباب مفتوحا أمام الحل السياسي».

بعد المستويين القيمي والسياسي، يبقى المستوى الأمني المتعلق بوضع القوى المقاتلة ومرحلة ما بعد الأسد. فـ « التوازن» و « التحريك» الذي يتحدث عنه رموز « المركز» يتصل أيضا بالتفاوت القائم في ميزان القوى المسلحة بين القوى الإسلامية والقوى العلمانية، سواء في مستوى التدريب والتنظيم أو في مستوى التسليح أو في مستوى الحاضنة الاجتماعية. وعلى كل المستويات فإن التقييم الدولي يميل لصالح أفضلية القوى الإسلامية. وهذا ما يسبب القلق لـ « المركز» والقوى الإقليمية على السواء. وتبعا لذلك كشفت صحيفة « الواشنطن بوست – 24/2/2013» النقاب عن إرسال نحو ثلاثة آلاف طن من الأسلحة والعتاد إلى جنوب سوريا اشتُريت من كرواتيا ومولتها بحسب « النيويورك تايمز – 26/2/2013» السعودية. وبالتالي ثمة حاجة ملحة، قبل رحيل الأسد وليس بعده فحسب، إلى إحداث توازن عسكري عام وآخر خاص يتعلق بين ما يراه « المركز» الشمال ذو الغالبية الإسلامية والجنوب ذو الحضور العلماني. وفي السياق تضيف « الواشنطن بوست» أن تسليح: « الثوار المعتدلين في جنوبي سوريا يأتي في محاولة من قوى خارجية لمواجهة النفوذ المتزايد للجماعات الإسلامية المتطرفة في شمالي البلاد، وذلك من خلال تعزيز موقف المقاتلين المعتدلين في الجنوب». وتنقل عن مسؤول عربي القول: « إن الفكرة تتمثل في شحن أسلحة نوعية وثقيلة مع التأكد أنها تصل إلى أيدي الشباب الأخيار»، مضيفا أنه: « إذا أردنا إضعاف إضعاف جبهة النصرة، فإنه لا يتم ذلك من خلال حجب الأسلحة، ولكن من خلال تعزيز موقف المجموعات الأخرى».


وفي سياق « التوازن» بين القوى المسلحة أدلى بل بعض المسؤولين العسكريين السوريين والناشطين بشهادات لوسائل الإعلام تحدثوا فيها بصريح العبارة، خلال اجتماعات لهم مع قوى استخبارية دولية، عن دعوتهم إلى مقاتلة القوى الجهادية، وأشاروا إلى أن هناك نوع من الرضى وغض الطرف لدى القوى الدولية عن عزوف بعض القوى المحلية، إسلامية وغير إسلامية، عن خوض القتال ورفض مد يد العون للقوى المقاتلة فعليا، والاكتفاء بتخزين السلاح!!! فضلا عن قوى دولية تقاتل الثوار بأسلحة فاسدة غالبا ما تتسبب بقتلهم، بالإضافة إلى اختراقات محلية ودولية. أما « مهمات» الغدر « القذرة»، التي نفذتها قوى بعينها في درعا ودمشق وحلب ضد قيادات ومقاتلين إسلاميين، فقد أصابت ظهورهم في مقتل! وأغلب الاتهامات في هذا السياق تتجه نحو كتائب تعمل تحت اسم « الجيش الحر» وأخرى تابعة أو موالية لـ « الإخوان المسلمين» وثالثة لـ « جبهة» « الأصالة والتنمية» المحسوبة على فرق « الجامية» و « المدخلية» أو التي تنسب نفسها لما يسمى بـ « أهل الأثر». بل أن الاتهامات تصل إلى حد اعتبار مثل هذه القوى النسخة المماثلة لـ « الصحوات» التي أسستها الولايات المتحدة في العراق، واستخدمتها في ضرب المشروع الجهادي، أو شقيقتها المسماة بـ « اللجان الشعبية» التي تقاتل « أنصار الشريعة» في اليمن أو القوى الصوفية في الصومال المتحالفة مع الأثيوبيين والحكومة في قتال « حركة الشباب المجاهدين».

وفي السياق نُقل في 29/11/2012 عن الضابط السابق بوكالة الاستخبارات المركزية، والمتخصص بالشؤون العسكرية السورية، جيفري وايت، قوله: « إن واشنطن تعتقد أنه إذا لم تفعل شيئا، فإن الحرب ستنتهي ولن يكون لديها أي نفوذ وسط القوات المقاتلة على الأرض». لاسيما وأن المشكلة من وجهة نظر الإبراهيمي (30/12/2012)،: « أن تغيير النظام لن يؤدي بالضرورة إلى تسوية الوضع». بل أن إحدى المشكلات الكبرى، بحسب الملك الأردني، عبد الله الثاني، (26/1/2013) تكمن في: « أن مقاتلي تنظيم القاعدة أقاموا قواعد في سوريا العام الماضي وأنهم يحصلون على أموال وعتاد من الخارج»، مشيرا إلى أن: « طالبان الجديدة التي سيضطر العالم للتعامل معها ستكون في سوريا»، .. بل .. « أنه حتى وإن تحقق السيناريو الأكثر تفاؤلا، فإن تخليص سوريا منهم سيستغرق ثلاث سنوات على الأقل بعد سقوط الأسد».

وفي مقالة الساسة الأمريكيين الثلاثة، الآنفة الذكر، في « الواشنطن بوست – 31/12/2012»، ورد القول فيها: « إن عدم توفر المساعدات الإنسانية الأميركية للشعب السوري يعني إتاحة الفرصة للجماعات المتطرفة بتوفيرها وتقديمها، وبالتالي الفوز بمحبة وموالاة الشعب السوري الذي يعاني الأمرين»، موضحين أن: « العديد من السوريين يعتقدون أن الجماعات المتطرفة هي الوحيدة التي ساعدتهم في القتال ضد الأسد».

وفي 28/2/2013 ذكرت « نيويورك تايمز» أن مسؤولين أمريكيين أكدوا أن: « الولايات المتحدة عززت بصورة كبيرة دعمها للمعارضة السورية، وذلك بالمساعدة في تدريب مقاتلين من المعارضة في قاعدة بالمنطقة، كما أنها عرضت للمرة الأولى تقديم مساعدة ومعدات غير قاتلة للجماعات المسلحة بما يساعدها في الحملة العسكرية الدائرة». ونقلت عنهم القول إن: « مهمة التدريب الجارية حاليا تمثل أعمق تدخل أميركي في الصراع السوري، رغم أن حجم ونطاق المهمة لم يتضح، كما لم تتضح الدولة التي تستضيف التدريبات. ورأت الصحيفة أن: « الولايات المتحدة تتطلع إلى تحجيم قوة من وصفتها بالجماعات المتطرفة عن طريق مساعدة ائتلاف المعارضة السوري على القيام بالخدمات الأساسية في المناطق التي يسيطر عليها».

من جهته، وفيما يتعلق بالخشية من القوى الإسلامية، رأى وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، أنه: « كلما طال القتال الجاري بسوريا بين الثوار والقوات الموالية للرئيس بشار الأسد زادت مخاطر تشكيل جيل جديد من المتشددين المدربين على القتال سيمثل تهديدا لبريطانيا ودول أوروبية أخرى ... سوريا ... هي المقصد رقم واحد للجهاديين في كل مكان في العالم اليوم ... والثورة السورية ... ستكون الحالة الأكثر حدة لانتفاضة يختطفها الإسلاميون». هذه التصريحات أدلى بها هيغ في 15/2/2013 للصحفيين في المعهد الملكي المتحد للخدمات، وهو مركز للدراسات العسكرية. وجاءت في سياق خطاب يحدد إستراتيجية بريطانيا لمكافحة ما يسمى الإرهاب، وتَضمَّن دعوة مبطنة للتخلص من الإسلاميين حين قال: « ربما لا يمثلون تهديدا لنا عندما يذهبون أولا إلى سوريا، لكنهم إذا ظلوا على قيد الحياة ربما عاد بعضهم وقد ازدادوا تشددا في الفكر واكتسبوا خبرة في السلاح والمتفجرات». أما الروس فعليهم أن يدركوا أنه: « كلما طال أمد الصراع تزايد خطر هذا الأمر، وهي نقطة يجب ألا يغفلها صناع القرار في روسيا وغيرها».

أما وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، الذي لم يغفل تحذيرات هيغ للروس، فقد جدد تأييده لتسليح الثوار معتبرا أن: « هذه الخطوة ستمنع تنظيم القاعدة من الانتصار في سوريا». ومؤكدا من جديد على صيغة « التحريك السياسي» في مقابلة تلفزيونية ( 18/3/2013) قال فيها: « إذا أردنا التوصل إلى حل سياسي في سوريا فيجب تحريك الوضع العسكري ميدانيا، وتسليح مقاتلي المعارضة للتصدي للطائرات التي تطلق النار عليهم». وفي تصريحاته لشبكة « سكاي نيوز – 18/3/2013 » عاد وليام هيغ ليدلي بتصريحات بالغة الحذر والدقة، سواء لجهة القوى المعنية بالتسليح والمراقبة والسيطرة أو بالنسبة لإعادة النظر في المسألة برمتها إذا ما تعلق الأمر بـ « الإرهاب الدولي». وفي مستوى القوى المستهدفة بالتسليح قال: إن نقل الأسلحة يجب أن يكون: « خاضعاً للسيطرة ويتم بعناية فائقة، وخاصة ما يتعلق بنوعيتها وطرق مراقبة ما تم إرساله منها، والحصول على ضمانات بوجود حاجة إليها من الجماعات المتلقية لها». أما في المستوى الثاني فقال: « في حال تفاقمت الأزمة في الأسابيع والأشهر المقبلة، وصارت هناك مخاطر أكبر، فيجب أن نوازنها بمخاطر الإرهاب الدولي والتطرف التي تترسخ في سوريا، ومخاطر زعزعة الاستقرار في لبنان والعراق والأردن، ومخاطر الأزمة الإنسانية المتفاقمة».

ولتجنب تداعيات الثورة السورية، دعا الكاتب الأميركي ريتشارد كوهين في صحيفة « الواشنطن بوست – 19/3/2013 الولايات المتحدة إلى: « تسليح الثوار السوريين المعتدلين، وإلى الاضطلاع بدور قيادي يمنع كارثة إقليمية في الشرق الأوسط»، و : « الاضطلاع بدور قيادي في سوريا وإلى إنشاء منطقة عازلة، محذرا من تردد الإدارة الأمريكية بالإشارة إلى أن: « القتال الشرس الذي نخشاه تنفذه الفصائل الجهادية».

وفي السياق الحذر إياه، ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، « فرانس برس 16/3/2013» ( نقلا عن صحيفة « لوس أنجلوس تايمز») أنه طبقا لمسؤولين أمريكيين، حاليين وسابقين، فإن: « وكالة الاستخبارات المركزية تجمع معلومات حول الإسلاميين المتطرفين في سوريا لإمكانية توجيه ضربات إليهم بطائرات بدون طيار في مرحلة لاحقة» ... وأن ... « الوكالة تعمل بشكل وثيق مع الاستخبارات السعودية والأردنية وغيرها من أجهزة استخبارات المنطقة الناشطة في سوريا». ولمواجهة مرحلة ما بعد الأسد، طالب السيناتور الأميركي الجمهوري، ماركو روبيو، في مؤتمر صحفي له في « إسرائيل» (20/2/2013) الولايات المتحدة: « أن تحرص على أن تكون القيادة السورية الجديدة مسلحة تسليحا جيدا وقادرة على إدارة البلاد بعد سقوط الأسد». لعلها ستكون كذلك مع الإعلان عن تشكيل الحكومة المؤقتة!!!


رابعا وأخيرا: الحكومة المؤقتة


فبعدما أشيع من خلافات بين أعضاء الائتلاف المعارض في اجتماعات سابقة في القاهرة؛ أعلنت المعارضة السورية في أعقاب اجتماعاتها في استانبول ( 19/3/2013) عن تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة الأمريكي ( الكردي) من أصل سوري، غسان هيتو. وبحسب تصويت داخلي فقد حصل هيتو على 35 صوتا من بين 49، فيما حصل أسعد مصطفى على سبعة أصوات. وبحسب بعض التصريحات فإن أمام هيتو شهر من الترتيبات قبل أن يتوجه إلى الأراضي السورية. ويأتي تشكيل الحكومة في خضم الحديث عن تغير في السياسات الأمريكية والأوروبية حول تسليح الثوار السوريين وتغيير « قواعد اللعبة» كما قال وزير الخارجية الأمريكي، دون كيري.

وإذا قمنا بمقاربة كافة المواقف والتصريحات الدولية والإقليمية وكذا تصريحات المعارضة فإن الثورة السورية ليست إلا صداعا دوليا مريرا يمكن أن يقلب كل المعادلات الدولية والإقليمية والمحلية. وبالتالي ما من حل دولي إلا بالصيغتين السياسية والأمنية. وتبعا لذلك من المستحيل أن يكون الإعلان عن الحكومة المؤقتة في استانبول (19/3/2013) خارج إحدى الصيغتين أو نتاجهما وفي خدمتهما معا. ومن الطريف الإشارة إلى ما نقلته صحيفة « نيويورك تايمز – 19/3/2013 » عن أعضاء في الائتلاف المعارض قولهم أن رئيس الحكومة، غسان هيتو، هو: « خيار الإخوان المسلمين في سوريا»، تماما كما كان برهان غليون، الرئيس السابق لـ « المجلس الوطني»، خيار « الإخوان المسلمين» بحسب المراقب السابق للجماعة، علي صدر الدين البيانوني، وكما كان معاذ الخطيب أيضا.

في سياق تحذيره من انهيار النظام السوري والحاجة إلى حل سياسي قال الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في مؤتمر صحفي بدبي (16/1/2013)، بأن فرنسا ترغب في: « تسريع مرحلة الانتقال السياسي، والعمل على أن يتمكن الائتلاف الذي يجمع كل المعارضة من أن يكون السلطة الشرعية». وبالتأكيد لم يكن الإعلان عن الحكومة المؤقتة بعيدا عن تصريحات هولاند ولا عن المساعي الأمريكية على وجه التحديد. فهي سليلة ما يسمى بـ « جماعات الدعم» السورية المتنوعة التي تأسست برعاية ووصاية أمريكية صرفة. وهي جماعات علمانية لبرالية من ألفها إلى يائها، ولت تغير « النفحة الإيمانية» المصطنعة لرئيس الحكومة من هذه الحقيقة.

وعليه فلم يكن مستغربا أن تتوافق في أطروحاتها وتطلعاتها ونمط تفكيرها مع ما يؤمن به معاذ الخطيب، خاصة وأنه سبق وخاطب المجلس الأمريكي السوري (sac - 16/3/2013) بـ « نفحة روحانية» على الطريقة الأمريكية ذاتها، ومقاربا تعددية مجتمع المدينة المنورة بالمجتمع السوري. وتبعا لذلك لم ير في سوريا إلا ذلك: « النبع الحضاري المتجدد» من: « المسلمين والمسيحيين والعلويين والدروز والإسماعيليين والأكراد والعرب والتركمان والشركس»، ( وليتك لم تغفل عن اليزيديين واليهود والشياطين وملة إبليس ومن تبعه من الجنة والإنس أجمعين)، أما الوحي والرسول، صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، والمهاجرين والشريعة وحكم الله والتمكين للدين والانطلاق لفتح مكة والانتشار العالمي فليسوا مشمولين بـ « تعددية» الخطيب!!!

ولا ريب أن نزعة الخطيب الطاغية إلى رِفْعة « التعددية » البغيضة التي يتغنى بها شجعته في كلمته (19/3/2013) على شن هجوم فاضح على المجاهدين، الذين، جاؤوا لنصرة الشعب السوري، إلى حد وصفه لهم بـ « التكفيريين» غير المرحب بهم، متهما دولهم بالسعي إلى التخلص منهم: « هناك دول تدفع ملايين الدولارات لإرسال مئات من الشباب للقدوم والقتال في سوريا للتخلص منهم»، ولأنه (هم = السوريين) ضد أي: « فكر تكفيري أو دموي» .. فـ .. : « لن يسمحوا باستخدام هذه الحيلة لتدمير سوريا». وكأن هؤلاء هم الذين دمروا أو تسببوا بتدمير سوريا، وكأن سوريا لم تُدمَّر بعد على عين ومرآى النظام الدولي. إلا إذا كان الخطيب صدق أن هؤلاء « الورود الضحايا» هم العائق الأكبر في نصرة الثورة أو تسليحها.

هذه اللغة العدائية التاريخية، والتي لا يمكن أن تصدر إلا عن ألسنة « المركز» وحلفائه والخصوم وأصحاب الهوى والأجندات ومعهم المهووسين بالولايات المتحدة والمغرضين والظالمين والمفترين، لن تنجح في « إغراء» الأمريكيين في دعم الثورة السورية، كما أنها لا يمكن أن تصدر إلا بوصفها مستحقات سياسية وأمنية يجري دفعها لواشنطن لقاء سياسة « التوازن» و « التحريك». ومثل هؤلاء الذين عادة ما يجري صناعته وتسويقهم على حين غرة لن يتعظوا يوما فيمن سبقهم إلى المراهنة على الولايات المتحدة. وسينجحوا دوما في إقناع أنفسهم أن الولايات المتحدة وحلفاءها من دول الإجرام ليست هي المسؤولة عن مئات الآلاف من القتلى والجرحى في الصومال والعراق وأفغانستان وليبيا وفلسطين. ولأنهم فاسدون ومفسدون فلن يحتاجوا إلى القليل أو الكثير من الوقت كي يدركوا أن التدخل الأمريكي لم يأت بحرية أو ديمقراطية أو مدنية في هذه البلدان، ولم يأت بتقدم أو نهضة بقدر ما نهب الثروات وأفقر الشعوب، ولم يسبق له أن منع فسادا أو اغتصابا أو اختطافا أو انتهاكا للحرمات. فمن هو الدموي أيها الخطيب؟

مشكلة الخطيب، ومن معه، أنه لا يمتلك أية قوة أو مشروعية على الأرض لكنه يتحدث وكأنه عظيم سوريا، ويطالب الدول بسحب مواطنيها، ويعلن حكومة تمارس مهامها في المناطق التي ساهم هؤلاء « الدمويون التكفيريون» بتحريرها!!! فكيف سيتصرف مع أشقائهم « المحليين» منهم؟ هل سيستعين بالولايات المتحدة للقضاء عليهم؟ أم سينفيهم من الأرض؟ ألا يعلم الخطيب أن أكثر من نصف الثوار في سوريا اليوم من الإسلاميين الذين يخوضون أشرس المعارك ضد النظام، ويمسكون بأخطر الجبهات فيها؟

مثل هذه الحكومة التي تخطط للنزول إلى الميدان، ستسعى لتسلم سلطاتها وإدارة المناطق وتقديم الخدمات. والعجيب أنها لا تمتلك القدرة على إدارة حكومة في الحالة السلمية، فكيف ستدير وضعا متفجرا في بيئة مدججة بالسلاح والعنف إلا إذا كان السلاح هو هدفها الأول؟ وكيف ستتصرف مع سلاح يقدم خدمات الحماية والأمن والتقاضي والإغاثة؟ بل كيف لها أن تتشكل وسط تجاهل لإجمالي الجسم الثوري المسلح الذي يقدم كل التضحيات بالنفس والمال والأهل والممتلكات؟ وماذا عن خدماتها المنتظرة في تسليح الثورة؟ ومن هم المعتدلون المؤهلون بعرف الخطيب والحكومة لتسلم السلاح المنتظر؟ ولأية أهداف؟ أم أن الخدمات ستقتصر فقط على إثارة الانقسامات والضغائن وحجب الذخيرة ونزع السلاح والغدر بـ « التكفيريين» الوافدين و المحليين؟

الثابت أنه ما من حاجة تذكر في تشكيل هذه الحكومة في الوقت الذي تجري فيه معارك طاحنة في البلاد، وسط غياب أي أفق سياسي أو أمن يحمي الحكومة نفسها من هجمات النظام. وإذا أخذنا بعين الاعتبار سلسلة المراوغات والأكاذيب التي أدار بها « المركز» وقائع الحدث السوري خلال السنتين الماضيتين فمن الغبن الثقة بأن تكون الحكومة القادمة من رحم الولايات المتحدة ( وهي بهذا أشبه ما تكون بوليد سفاح لا يمكن له أن يتمتع بأية شرعية إلا في موطن ولادته) أفضل ممن سبقها من التشكيلات السياسية كـ « المجلس الوطني» و « ائتلاف المعارضة». وبالتالي فالتقييم المتاح لتشكيل هذه الحكومة، لا يخرج عن كونها، كما علق أحد السوريين، « حكومة احتلال أمريكي»، نظرا لما يحيط بتشكيلها والإعلان عنها من شكوك، سواء لجهة التوقيت أو لجهة الأهداف المأمولة أو لجهة الجدوى من هكذا خطوة سياسية لا مبرر لها على الإطلاق ..... حقا: هو زمن الهررة حين تستأسد!!!!

يتبع ....

*******************

ومن باب الإشارة إلى ما كتبناه سابقا في مقالة « الاختراق - 18/11/2012»؛ فليسمح لنا السادة القراء بالتذكير بهذه الفقرات الثلاثة، فلعل الذكرى تنفع المؤمنين:

ليست هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها قوى « المركز» تحقيق اختراقات في الثورة سواء في صلبها أو عبر هوامشها القريبة والبعيدة. ففي 11/8/2012 أُعلن في واشنطن عن تشكيل جماعة سورية معارضة من ستين عضوا باسم « جماعة الدعم السورية»، لجمع التبرعات المالية والعينية، وزعم لؤي السقا، أحد الأعضاء الاثني عشر في مجلس الإدارة، أن الجماعة: « تمثل آلاف المقاتلين في تسع محافظات، وأن هؤلاء الذين يمثلون ما يقارب نصف المقاتلين في الجيش الحر»!!!، وأنهم: « وقعوا إعلان مبادئ يدعو إلى دولة ديمقراطية لجميع السوريين بغض النظر عن الطائفة أو الدين أو العرق، وترفض المبادئ كذلك الإرهاب والتطرف والقتل بغرض الانتقام»!!!

وفي الولايات المتحدة أيضا، وفي ذات السياق من التواصل مع المعارضة أو صناعتها، نقلت وسائل إعلام في 12/8/2012 عن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، بعد لقائها نظيرها التركي، القول: « أنها التقت مجموعة من الناشطين السوريين والخبراء والقانونيين والصحفيين والقيادات الطلابية في محاولة لمعرفة ما يمكن للولايات المتحدة فعله لمساعدتهم». وفي تصريح إذاعي (19/9/2012) أعلن السفير الفرنسي في سوريا إريك شوفالييه، المكلف بالملف السوري عن موقف بلاده بالقول: « نعمل مع المعارضة لمساعدتها على تنظيم نفسها، ولدي تعليمات من رئيس الجمهورية للاتصال بمجمل مكونات المعارضة ومن ضمنها المجموعات المسلحة، ونحن أول دولة تقوم بذلك بهذا الشكل المنظم».

« قيادة واحدة»! لم يكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعيدا عنها، وهو يخوض آخر مناظرة طاحنة له مع خصمه في الانتخابات الرئاسية مت رومني (23/10/2012)، حيث كانت الثورة السورية حاضرة بقوة في العاصفة. وخلال المناظرة كان أوباما صريحا للغاية وهو يقول: « إننا نساعد المعارضة على تنظيم صفوفها ونحرص بصورة خاصة على التثبت من أنهم يعملون على تعبئة القوى المعتدلة في سوريا .. نتثبت من أن الذين نساعدهم هم الذين سيكونون أصدقاء لنا على المدى البعيد وأصدقاء لحلفائنا في المنطقة على المدى البعيد .. فالثوار الذين يصبحون مسلحين هم الأشخاص الذين سيصبحون الأطراف المسؤولة، علينا التصرف بحيث نكون واثقين ممن نساعد، وأننا لا نضع أسلحة بأيدي أشخاص قد يوجهونها في نهاية المطاف ضدنا، أو ضد حلفائنا بالمنطقة» .. ولأن أوباما ليس وحده من يؤمن بهذا التحرك؛ فقد دعا: « للعمل مع شركائنا وبمواردنا الخاصة لتحديد أطراف مسؤولة داخل سوريا، وتنظيمها وجمعها معا في مجلس يمكنه تولي القيادة بسوريا، والتثبت من امتلاكهم الأسلحة الضرورية للدفاع عن أنفسهم».

لكن ليس من العجيب أن تواصل الولايات المتحدة تجديد عزمها على تفصيل الثوب الجديد عبر إقامة كيان بديل عن المجلس الوطني، بصريح القول والفعل، ورغم أنف قوى المعارضة، وبلسان كلينتون: « إن واشنطن أعدت مرشحين سوريين للانضمام إلى أي قيادة جديدة للمعارضة يمكن أن تنبثق من مؤتمر مجموعة أصدقاء سوريا».
  #37  
قديم 13-06-2013, 06:15 AM
الصورة الرمزية غراس الجنه
غراس الجنه غراس الجنه غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: May 2010
مكان الإقامة: الدولة الإسلامية في العراق والشام
الجنس :
المشاركات: 4,283
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي

  #38  
قديم 13-06-2013, 10:24 AM
الصورة الرمزية *لمسة أمل*
*لمسة أمل* *لمسة أمل* غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jun 2013
مكان الإقامة: فلسطين
الجنس :
المشاركات: 3,120
الدولة : Palestine
افتراضي رد: الثورة السورية ومسارات التدويل -البيادق والعرّاب/د اكرم حجازي

اللهم انصر سووووريا على الاعداء .........
اللهم انصر الجيش الحر
اللهم كن معهم ولا تكن عليهم
اللهم امين
__________________


 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 178.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 173.34 كيلو بايت... تم توفير 4.86 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]