عن فضل أيام وليالى رمضان نتحدث --- متجدد إن شاء الله - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 602 - عددالزوار : 339318 )           »          أبناؤنا وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          7خطوات تعلمكِ العفو والسماح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          تربية الزوجات على إسعاد الأزواج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          الغزو الفكري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          حدث في العاشر من صفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          الإنسان القرآني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الخطابة فنّ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الرحمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          متاعب الحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-04-2021, 06:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عن فضل أيام وليالى رمضان نتحدث --- متجدد إن شاء الله


11- رَمَضَانُ شَهْرُ التَّقْوَى
الشيخ عبد الرازق البدر

إن الله تبارك وتعالى الرحمن الرحيم أوصى عباده بتقواه التي بها يحصِّلون السعادة في هذه الحياة الدنيا ويوم
يقوم الأشهاد وينالون رضاه والفوز بدار كرامته والسلامة من ناره وعذابه ، وهي وصيته سبحانه للأولين والآخرين من خلقه قال تعالى: { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ } [النساء:131] ، وقد شرع سبحانه لعباده صيام شهر رمضان المبارك لتحقيق تقواه ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يعني بالصوم لأن الصوم وصلة إلى التقوى لما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات ، فما شُرع صيام هذا الشهر الكريم إلا لتحقيق التقوى ؛ بل إنه من أكثر ما يعين على تحقيقها ، قال ابن القيم رحمه الله : (( وللصوم تأثيرٌ عجيب فى حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحِميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها ، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها ؛ فالصومُ يحفظ على القلب والجوارح صحتها ، ويُعيد إليها ما استلبته منها أيدى الشهوات، فهو من أكبر العونِ على التقوى كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة:183] ))(1) اهـ .

وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في تفسيره لقوله{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }: (( فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى، لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه ، فمما اشتمل عليه من التقوى:
* أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها التي تميل إليها نفسه ؛ متقرباً
بذلك إلى الله راجياً بتركها ثوابه ، فهذا من التقوى.
* ومنها: أن الصائم يدرِّب نفسه على مراقبة الله تعالى ، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه، لعلمه باطلاع الله عليه.
* ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان ، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم
، فبالصيام يضعف نفوذه ، وتقل منه المعاصي.
* ومنها: أن الصائم في الغالب تكثر طاعته ، والطاعات من خصال التقوى.
* ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساةَ الفقراء المعدمين، وهذا من خصال التقوى)) اهـ.
وتقوى الله هي طاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ومعنى التقوى: أن يجع
ل العبد بينه وبين ما يخافُهُ وقايةً، وتقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه ، وذلك لا يكون إلا بفعل طاعته واجتناب معصيته .

والله عز وجل تارةً يأمر بتقواه فهو الذي يُخشى ويُرجى وكل خيرٍ يحصل للعباد فهو منه سبحانه ، وتارةً يأمر باتقاء النار التي هي مآل من خالف تقواه واتبع هواه كما قال تعالى :{ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [البقرة:24] ، وكقوله سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [التحريم:6] ، وتارةً يأمر باتقاء يوم القيامة يوم ال
حساب والجزاء والسعادة أو الشقاء ؛ اليوم الذي ينال فيه المتقون ثوابهم والمجرمون المخالفون للتقوى عذابهم وعقابهم كما قال تعالى: { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } [البقرة:281] .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بتقوى الله وإذا أرسل سرِيَّةً يوصي أميرها في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه خيراً ، ولما خطب يوم النحر في حجة الوداع أوصى الناس بتقوى الله لحاجة الناس إلى هذه الوصية ولعظيم أهميتها وفائدتها .
ولقد اعتنى السلف الصالح بتحقيق التقوى في نفوسهم وتوضيح معناها ومبناها ولم يزالوا يتواصون بها ؛ قال
ابن عباس رضي الله عنهما : " الْمُتَّقَونَ : الَّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنَ اللهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْهُدَى ، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ فِي التَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ " . وقال الحسن البصري رحمه الله : " الْمُتَّقُونَ اتَّقَوْا مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ ، وَأَدَّوْا مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِمْ " . وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : " لَيْسَ تَقْوَى اللهِ

بِصِيَامِ النَّهَارِ وَلاَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَالتَّخْلِيطِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ تَقْوَى اللهِ: تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللهُ ، وَأَدَاءُ مَا افْتَرَضَ الله " . وقال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى{ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ }[آل عمران:102] قال : " أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى ، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى ، وَأَنْ يُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرَ " ، وقال طلق بن حبيب: " التَّقْوَى أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ تَرْجُو ثَوَابَ اللهِ ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللهِ عَلَى
نُورٍ مِنَ اللهِ تَخَافُ عِقَابَ الله "(2) ، ولما قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : اتق الله، أجابه عمر بقوله: " لَا خَيْرَ فِيكُمْ إِنْ لَمْ تَقُولُوهَا، وَلَا خَيْرَ فِينَا إِذَا لَمْ نَقْبَلْهَا " .
والتقوى محلها القلب ، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث طويل وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ))(3) ، يقول ابن رجب
رحمه الله : " وإذا كان أصلُ التَّقوى في القُلوب ، فلا يطَّلعُ أحدٌ على حقيقتها إلا الله عز وجل ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)) -أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وفي رواية ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ)) (4) - وحينئذٍ فقد يكون كثيرٌ ممن له صورة حسنة أو مال أو جاه أو رياسة في الدنيا قلبه خراباً من التقوى ، ويكون من ليس له شيء من ذلك قلبُه مملوءاً من التقوى، فيكون أكرم عند الله عز وجل ، بل ذلك هو الأكثر وقوعاً " (5) اهـ.

وللتقوى عوائد عديدة وثمار كثيرة يجنيها المتقون في الدنيا والآخرة فمن ثمراتها في الدنيا:
- حصول العلم النافع قال تعالى: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ } [البقرة: 282]، وقال سبحانه: { إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَ
جْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } [الأنفال: 29].
- الخروج من المحن ، وحصول الرزق الطيب للعبد من حيث لا يحتسب قال تعالى: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [2] وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [الطلاق:2-3] .
- أنهم ينالوا محبة الله ، ومعيَّته ، ومغفرته ؛ وبذلك يتحقق لهم الفوز والفلاح ، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } [التوبة:4] ، وقال سبحانه: { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [البقرة:194] ، وقال عز وجل: { وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الأنفال:69] ، وقال تعالى: { وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [البقرة:189] .

وأما ثمرات التقوى في الآخرة فهي كثيرة وعديدة منها :
- الفوز بجنات النعيم ، وحصول الرفعة لهم والعاقبة الحميدة ، قال تعالى: { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ } [القلم:34] ، وقال سبحانه: { وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [البقرة:212] ، وقال سبحانه: { وَالْعَاقِ
بَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف: 128] .
- ومن أعظم ثمرات التقوى لقاءُ الله ورؤيتُه يوم القيامة قال تعالى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَ
رٍ [54] فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ }[القمر:54-55] .
فنسأل الكريم رب العرش العظيم ونحن في هذا الموسم العظيم والشهر الكريم أن يزيِّن قلوبنا بزينة التقوى وأن يجعلها لنا زاداً في هذه الدنيا ويوم نلقاه.

-----------------
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد (فصل: فى هَدْيه صلى الله عليه وسلم في الصيام ، ص: 201).
(2) أورد ابن رجب رحمه الله هذه الآثار عن السلف رحمهم الله في جامع العلوم والحكم (ا
لحديث الثامن عشر/ ص: 296-297).
(3) صحيح مسلم (2564).
(4) كلا الروايتين أخرجها مسلم برقم (2564).
(5) جامع العلوم والحكم لابن رجب (الحديث الخامس والثلاثون / ص: 626).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-04-2021, 05:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عن فضل أيام وليالى رمضان نتحدث --- متجدد إن شاء الله


15 - شَأْنُ الصَّلَاةِ فِي رَمَضَان

الشيخ عبد الرازق البدر


ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: ((بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَحَجِّ الْبَيْتِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ))(1).
لابد لنا ونحن في شهر الصيام أن نتحدث عن موضوع مهم وعظيم وهو لا يقل أهمية عن الصيام بل إنه يتقدم على الصيام في المرتبة والمكانة ألا وهو الصلاة ؛ فإن الصلاة من أعظم الواجبات التي أوجبها الله على عباده و
أجلِّ الفرائض التي افترضها ، فهي عماد الدين وآكد أركانه بعد الشهادتين ، وهي الصلة بين العبد وربه ، وأوّل ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة ، فإذا صلحت صلح سائر عمله ، وإذا فسدت فسد سائر عمله ، وهي الفارقة بين الكفر والإسلام ؛ فإقامتها إيمان وإضاعتها كفر وضلال وعصيان ، فلا دين لمن لا صلاة له ، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، من حافظ عليها كانت له نوراً في قلبه ووجهه وقبره وحشره ، وكانت له نجاة يوم القيامة، وحُشر مع

الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورٌ ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة ، وحُشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف.
(( قال الإمام أحمد رحمه الله : جاء في الحديث ( لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) ، وكان عمر بن الخطاب يكتب إلى الآفاق: " إن أهمَّ أموركم عندي الصلاةُ ؛ فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع، ولا حظ في الإس
لام لمن ترك الصلاة " . قال: فكل مستَخِفٍّ بالصلاة مستهين بها فهو مستخِفٌّ بالإسلام مستهين به ، وإنما حظهم في الإسلام على قدر حظهم من الصلاة ، ورغبتُهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة ، فاعرف نفسك يا عبد الله واحذر أن تلقى الله ولا قدر للإسلام عندك ، فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك ، وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الصلاة عمود الدين ) ، ألست تعلمُ أن الفُسطاطَ إذا سقط عموده سقط الفسطاط ولم ينتفع بالطنب ولا بالأوتاد ، وإذا قام عمود الفسطاط انتُفع بالطنب والأوتاد ! وكذلك الصلاة من الإسلام ، وجاء في الحديث: (إنّ أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن تقبلت منه صلاته تقبل منه

سائر عمله ، وإن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله)، فصلاتنا آخر ديننا وهي أوّل ما نُسأل عنه غداً من أعمالنا يوم القيامة ، فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين إذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام))(2) اهـ.
فتضييع الصلاة وإهمالها أمر جد خطير وليس بالهين ، وفما يلي وقفة مع بعض النصوص بشأن الصلاة :

قال الله تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْ
مُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ } [المدثر: 38-43] ، فأخبر سبحانه بأن تارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر ؛ وهو وادٍ في جهنم ، وقال تعالى: { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } [مريم: 59] ، وجاء عن ابن مسعود أن (غيّاً) نهر في جهنم خبيث الطعم بعيد القعر ، فيا عظم مصيبة من لقيه ويا شدة حسرة من دخله . وقال تعالى: { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } [التوبة:11] ، فعلَّق أخوَّتهم بفعل الصلاة ، فدل على أنهم إن لم يفعلوها فليسوا بإخوان لهم . وقال u: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ } [المرسلات: 48] ، ذكر ذلك بعد قوله: { كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ } [المرسلات: 46] .
وأما الأحاديث في هذا الشأن فهي كثيرة منها: ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ))(3) ، وروى أحمد وأهل الس
نن بإسناد صحيح عن يزيد بن حبيب الأسلمي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ))(4)،

وروى الإمام أحمد بإسناد جيد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ : مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ))(5)، وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَصَلَّى صَلَاتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ ))(6) ، وروى أحمد ومالك والنسائي بإسناد صحيح عن محجن
الأسلمي رضي الله عنه (( أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ ؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ )) (7) .

وقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا المعنى آثار كثيرة منها: ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ((لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ))(8) ، وقال: (( لا إسلام لمن ترك الصلاة)) قاله بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم، بل قال مثلَ قوله هذا غيرُ واحد من الصحابة منهم معاذُ بن جبل وعبدُ الرحمن بنُ عوف وأبو هريرة وعبدُ الله بن مسعود وغيرُهم . وروى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ
الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى ، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ ))(9) .

فإذا كان هذا شأن من لا يشهد الصلاة مع الجماعة يعده الصحابةُ منافقاً معلومَ النفاق فكيف إذن بالتارك لها !! - نسأل الله السلامة - ، وقد ورد في فضل المحافظة على الصلاة وشدّة عقوبة من تهاون فيها غير ما تقدم نصوص كثيرة لا يسع المقام لبسطها .
ومع ذلك فإنَّ مما يلاحظ على بعض الصائمين إهمالهم للصلاة وعدم عنايتهم بها ؛ إما بتأخيرها ع
ن وقتها ، أو بالتفريط ببعض الصلوات مع اهتمام وعناية بأمر الصيام ، ألم يعقِل هؤلاء مكانة الصلاة وعظم شأنها !! ألم يكن لهم في مدرسة الصيام ما يقودهم إلى المحافظة على الصلاة وتحقيق تقوى الله سبحانه !! ، بل بعضهم أساء الفهم وأبعد النجعة في فهم مدلول قول النبي صلى الله عليه وسلم (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) حيث توهم أن هذا الصيام يكفيه لنيل الغفران ، فركن إلى ذلك وضيع الصلوات ، وما أسوأه من فهم وأبعده عن الحق والهدى ، وأين هذا من النصوص الواردة في الصلاة ترغيبا وترهيبا وهي كثيرة ، وقد تقدم شيء منها ، وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ (( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ )) وترك الصلاة كبيرة من الكبائر ، بل دلت النصوص المتقدمة على أنه كفر ، وأن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن تقبلت تقبل منه سائر عمله ، وإن ردت رد عليه سائر عمله .
نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لإقام الصلاة وأدائها كما بينها رسولنا صلى الله عليه وسلم في المساجد مع الجماعة ، وأن يهدي ضال المسلمين ، ويحبب إلينا الصلاة وسائر العبادات إنه سميع قريب مجيب .

------------
(1) صحيح البخاري (8)، ومسلم (16) واللفظ له .
(2) حكم تارك الصلاة لابن القيم (ص: 9).

(3) مسلم (82).
(4) مسند الإمام أحمد (22833)، سنن الترمذي (2621 ) وقال: حديث حسن صحيح ، النسائي (463)، وابن ماجه (1079).
(5) مسند الإمام أحمد (2/169، رقم 6576) وصحح إسناده أحمد شاكر .
(6) صحيح البخاري (393).
(7)مسند الإمام أحمد (16347) ، موطأ الإمام مالك (293) ، سنن النسائي (857).
(8) موطأ الإمام مالك (74) ، سنن البيهقي (6291)، مصنف عبد الرزاق (3/125)، مصنف ابن أبي شيبة (8/581).
(9) مسلم (654).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28-04-2021, 04:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عن فضل أيام وليالى رمضان نتحدث --- متجدد إن شاء الله


16 - رَمَضَانُ شَهْرُ الدُّعَاء

الشيخ عبد الرازق البدر


ثبت في السنن عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( الدُّعَ
اءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ثُمَّ قَرَأَ : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60]))(1) .
فالدعاء من أجل العبادات وأعظمها وهو حق لله سبحانه وتعالى لا يجوز أن يُصرف لغيره كائناً من كان ، وله مكانة عظيمة في الدين ومنزلة رفيعة فيه ، وذلك لما في الدعاء من التضرع وإظهار الضعف والحاجة لله ، ولأن العبادة كلما كان القلب فيها حاضراً وأخشع فهي أفضل وأكمل ، والدعاء أقرب العبادات إلى حصول هذا المقصود، والدعاء فيه ملازمة للتوكل والاستعانة بالله ، والتوكل هو اعتماد القلب على الله وثقته به في حصول المحبوبات واندفاع المكروهات ؛ والنصوص في فضل
الدعاء وعظيم شأنه كثيرة لا تحصر ، ولشهر الصيام شهر رمضان المبارك خصوصية في الدعاء ، فإن الصائم ممن لا ترد دعوته إذا أخلص في صيامه ونصح في عبادته وصدق مع الله ففي الحديث ((ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ : دَعْوَةُ الصَّائِمِ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ))(2)، وقال صلى الله عليه وسلم : ((ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ))(3).

ومما يبين مكانة الدعاء وعلو شأنه في شهر الصيام أن قوله تعالى في سورة البقرة : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} قد جاء متخللاً لآيات الصيام و
في أثنائها ؛ فقبل هذه الآية قوله تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وبعدها قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } ، فجاءت هذه الآية الكريمة وهي مختصة بالدعاء متوسطة لآيات الصيام ومحفوفة بها ولعل في ذلك ما يدل على عظم قدر الدعاء وأهميته في هذا الشهر ؛ لأن العبد في هذا الشهر المبارك يملؤه الرجاء أن يوفقه الله للقيام بحق الله في هذا الشهر على أتم الوجوه وأكملها ؛ ولا سبيل له إلى ذلك إلا بسؤال الله ودعائه ، وهو كذلك يكثِر في هذا الشهر من الطاعات والعبادات والقربات وهو يرغب ويطمع أن يتقبلها الله منه ؛ ولا سبيل إلى ذلك إلا بدعائه والانكسار بين يديه والتضرع له ، وكذلك قد يكون العبد مرتكباً لبعض الآثام قبل رمضان أو صدر عنه نقص أو تقصير أو تفريط أثناء رمضان وهو يرغب في توبة الله عليه ومغفرة ذنوبه ؛ ولا سبيل إلى ذلك إلا بالدعاء ، فكأن الله يلفت عباده إلى ما يلوذون به ويهربون إليه وبه تجاب رغباتهم وتقضى حاجاتهم وتقال عثراتهم وتغفر زلاتهم.

قال ابن القيم رحمه الله : (( أساس كلّ خير أن تعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ؛ فتتيقن حينئذ أن الحسنات من نِعَمِه ؛ فتشكره عليها وتتضرعَ إليه أن لا يقطعها عنك ، وأن السيئات من خذلانه وعقوبته؛ فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها، ولا يكِلَكَ في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسك . وقد أجمع العارفون على أن كل خير فأصله بتوفيق الله للعبد، وكلَّ
شرٍّ فأصله خذلانه لعبده ، وأجمعوا أنَّ التوفيق أن لا يكِلَك الله إلى نفسك، وأن الخذلان : هو أن يخلي بينك وبين نفسك، فإذا كان كلُّ خير فأصله التوفيق وهو بيد الله لا بيد العبد؛ فمفتاحه الدعاءُ والافتقار وصدق اللَّجإ والرغبةِ والرهبةِ إليه ، فمتى أعطَى العبدَ هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له ، ومتى أضلَّه عن المفتاح بقي بابُ الخير مُرْتَجاً دونه ... وما أُتي من أُتِيَ إلا من قِبَل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء ، ولا ظَفِرَ من ظفر - بمشيئة الله وعونِه - إلا بقيامه بالشكرِ وصدقِ الافتقار والدعاء))(4) اهـ.

والدعاءُ شأنُه في الإسلام عظيمٌ، ومكانتُه فيه ساميةٌ، ومنزلتُه منه عالية؛ إذ هو أجلُّ العبادات وأعظمُ الطاعات وأنفعُ القربات، ولهذا جاءت النصوصُ الكثيرةُ في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبيِّنةُ لفضله والمُنَوِّهةُ بمكانته وعظم شأنه، والمرغِّبةُ فيه والحاثَّةُ عليه، وقد تنوَّعت دلالاتُ هذه النصوص المبيِّنة لفضل الدعاء، فجاء في بعضها الأمرُ به والحثُّ عليه، وف
ي بعضها التحذير من تركه والاستكبار عنه، وفي بعضها ذكرُ عِظم ثوابه وكبر أجره عند الله، وفي بعضها مدحُ المؤمنين لقيامهم به، والثناءُ عليهم بتكميله، وغيرُ ذلك من أنواع الدلالات في القرآن الكريم على عظم فضل الدعاء.

بل إنَّ الله سبحانه قد افتتح كتابه الكريم بالدعاء واختممه به، فسورة «الحمد» التي هي فاتحة القرآن الكريم مشتملةٌ على دعاء الله بأجلِّ المطالب وأكمل المقاصد، أَلَا وهو سؤال الله عزَّ وجلَّ الهدايةَ إلى الصراط المستقيم والإعانةَ على
عبادته، والقيامَ بطاعته سبحانه، وسورةُ «الناس» التي هي خاتمة القرآن الكريم مشتملةٌ على دعاء الله سبحانه، وذلك بالاستعاذة به سبحانه من شرِّ الوسواس الخنَّاس، الذي يوسوسُ في صدور الناس، مِنَ الجِنَّة والناس، وما من ريبٍ أنَّ افتتاحَ القرآن الكريم بالدعاء واختتامَه به دليلٌ على عِظم شأن الدعاء وأنَّه روحُ العبادات ولبُّها.

بل إنَّ الله جلَّ وعلا سمَّى الدعاءَ في القرآن عبادةً في أكثر من آية، مِمَّا يدلُّ على عِظم مكانته، كقوله سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر: 60]، وكقوله في
ما حكاه عن نبيِّه إبراهيم عليه السلام: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا } [مريم: 48 – 49]، ونحـوها من الآيات، وسَمَّى سبحانه الدعاءَ دِيناً كمـا في قوله: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 65]، ونحوها من الآيات.

وهذا كلُّه يُبيِّن لنا عِظمَ شأن الدعاء، وأنَّه أساسُ العبودية وروحُها، وعنوانُ التذلُّل والخضوع والانكسار بين يدي الربِّ، وإظهارِ الافتقار إليه، ولهذا حثَّ الله عبادَه عليه، ورغَّبهم فيه في آيٍ كثيرة من القرآن الكريم، يقول الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعً
ا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف: 55 – 56]، وقال تعالى: { هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65].
وأخبر سبحانه ـ مرَغِّباً عبادَه في الدعاءِ ـ بأنَّه قريبٌ منهم يُجيب دعاءَهم، ويُحقِّقُ رجاءَهم، ويعطيهم سؤلهم، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [الب
قرة: 186] ، وقال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ} [النمل: 62].
ولهذا فإنَّ العبدَ كلَّمـا عظُمت معرفتُه بالله وقويت صِلتُه به كان دعاؤُه له أعظمَ، وانكسارُه بين يديه أشدَّ، ولهذا كان أنبياءُ الله ورُسُلُه أعظمَ الناس تحقيقاً للدعاء وقياماً به في أحوالهم كلِّها وشؤونهم جميعِها، وقد أثنى الله عليهم بذلك في القرآن الكريم، وذَكَر جملةً من أدعيتهم في أحوالٍ متعدِّدةٍ ومناسبات متنوِّعةٍ، قال تعالـى في وصفهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُ
ونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].
فينبغي على المؤمن أن يعنى بهذه العبادة ، وأن يغنم أوقات هذا الشهر الشريف بالإقبا
ل على الله بالدعاء والسؤال والإلحاح راغبا راهبا ، مع العناية بشروط الدعاء وآدابه ، راجيا أن يكون من الفائزين بثواب الله الناجين من النار ، فإن لله عتقاء من النار وذلك كلَّ ليلة من ليالي رمضان .
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا ، ومنَّ علينا بالعتق من النار يا حي يا قيوم .

--------------
(1) سنن أبي داود (1479)، سنن الترمذي (3247) وقال: هذا حديث حسن صحيح ، سنن ابن ماجه (3828) .
(2) رواه الطبراني في الدعاء (1215) ، والبيهقي في شعب الإيمان (7513) .

(3) رواه البيهقي في السنن الكبرى (3/345، 6185) .
(4) الفوائد لابن القيم (ص:127- 128 )

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29-04-2021, 03:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عن فضل أيام وليالى رمضان نتحدث --- متجدد إن شاء الله


17 - يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ
الشيخ عبد الرازق البدر


روى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قا
ل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ))(1). وقد جاء التصريح في حديث رواه الإمام أحمد في مسنده بأن هذا المنادي ملَك من ملائكة الله وأنه يتكرر كلَّ ليلة حتى ينقضي الشهر ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((.. وَيُنَادِي فِيهِ مَلَكٌ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَبْشِرْ يَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ))(2). ولئن كان أهل الإيمان لا يسمعون صوت هذا المنادي إلا أنهم من ندائه على يقين ؛ لأن الذي أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .

فلنستشعر في ليالي رمضان المباركات هذا النداء المبارك ، هذا النداء العظيم ، ولنفعِّل هذا النداء في حياتنا ، ولنتأمل في أحوالنا وسلوكنا ، ولننظر في حالنا من أي أهل النداءين ؟ فإنهما نداءان وكل منهما مقصود به فئة من الناس " يا باغي الخير .. يا باغي الشر " ؛ وفي هذا دلالة أن قلوب الناس على قلبين : قلب يبغي الخير ويطلبه ويبحث
عنه ويتحراه ، وقلب آخر - والعياذ بالله - يبحث عن الشر ويتحرك في طلبه وينبعث في البحث عنه ، فليسوا سواء ؛ ليس من كان قلبه قلباً صالحاً مستقيماً يطلب الخير ويتحراه كمن قلبه -والعياذ بالله- قلباً شريراً لئيماً يبحث عن الشر ويتحراه .
فمن كان قلبه ذلك القلب الكريم الذي يتحرى الخير ويطلبه فليغنم شهر الخيرات : بالإقبال على الله ، وبالمزيد من الطاعات ، وبالاستكثار من العبادات ، وباغتنام موسم الخيرات بالإكثار من الرغائب والمستحبات ، وفي الحديث القدسي يقول الله جل وعلا : ((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْ
تُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ))(3) فالمقبِل على الخيرات يجتهد في الفرائض أولاً تبكيراً إليها ومزيد اهتمامٍ بها وسعياً في تتميمها وتكميلها ، ثم بعد ذلك يوسع في باب الرغائب والمستحبات اغتناماً واستكثارا .

وما من شك أن هذا النداء العظيم المتكرر كلَّ ليلة من ليالي رمضان يُعَدُّ حافزاً عظيماً للهمم والعزائم في شهر الخيرات ؛ ينادي المقبلين على الخيرات تحفيزاً لهم وشحذاً لهممهم لاستباق الخيرات ؛ سواء كانت متعلقة بالنفس كالمحافظة على الواجبات وأداء الصلاة والصيام وغيرها من الواجبات على أتم الوجوه وأفضلها والمنافسة في أداء النوافل والسنن واجتناب المحرمات والمكروه
ات ، أو كانت متعلقة بالغير كبذل النصيحة لهم وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران وسائر الناس ، وكالإنفاق في سبيل الله ومساعدة الفقراء والمحتاجين ، وكفّ الأذى عن الناس ومساعدتهم بالمال والبدن والجاه .

وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أكملَ هدي وأحسنَ هدي ، يقول ابن القيم رحمه الله مبيِّناً هديه صلى الله عليه وسلم في الصدقة والإحسان إلى الناس : (( كان صلى اللَّه عليه وسلم أعظمَ الناس صدقةً بما ملكت يدُه ، وكان لا يستكثر شيئاً أعطاه للهِ تعالى ولا يستقِلُّه، وكان لا يسأله أحدٌ شيئاً عنده إلا أعطاه قليلاً كان أو كثيراً ، وكان عطاؤه عطاء مَنْ لا يخاف ا
لفقر ، وكان العطاءُ والصدقةُ أحبَّ شيءٍ إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظمَ من سرور الآخذِ بما يأخذه، وكان أجودَ الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة ، وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه، تارة بطعامه، وتارة بلباسه .

وكان ينوّع في أصناف عطائه وصدقته، فتارة بالهبة، وتارة بالصدقة ، وتارة بالهدية، وتارة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمنَ والسلعة جميعاً كما فعل ببعير جابر، وتارة كان يقترض الشيء فيرد أكثر منه وأفضل وأكبر، ويشتري الشيء فيعطي أكثر من ثمنه، ويقبل الهدية ويكافئ عليها بأكثر منها أو بأضعافها، تلطُّفاً وتنوُّعاً في ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن ، وكانت صدقته وإحسانه بما يملكه وبحاله وبقوله ، فيُخْرِجُ ما عنده، ويأمُرُ بالصدقة ويحضُّ عليها
ويدعو إليها بحاله وقوله ، فإذا رآه البخيل الشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء، وكان مَنْ خالطَه وصحِبَه ورأى هديَه لا يملك نفسه من السماحة والندى، وكان هديه صلى اللَّه عليه وسلم يدعو إلى الإحسان والصدقةِ والمعروفِ، ولذلك كان صلى اللَّه عليه وسلم أشرحَ الناس صدراً ، وأطيبَهم نفساً ، وأنعَمهم قلباً ، فإن للصدقة وفعلِ المعروفِ تأثيراً عجيباً في شرح الصدر))(4)اهـ.
ومن شواهد ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ))(5).
ومن أبواب الخير التي رغب فيها الرسول صلى الله عليه وسلم تفطير الصائم وتجهيز الغازي في سبيل الله ((مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا أَوْ جَهَّزَ غَازِيًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ))(6).

وحث على الاعتمار في رمضان روى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً معي))(7) ، وروى ابن ماجة عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قَالَ : ((عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً))(8).
فالثواب في هذا الشهر عظيم والأجر كبير وأبواب الخير واسعة فليضرب كل بسهم فيها والله
تعالى يقول: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] ، وإذا فعل ذلك فليخلص لله النية ولْيَحتسب الأجر عنده ولْيُداوم على ذلك ما استطاع ، وليحرص على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وموافقة هديه في كل أمر ، وليطلب العون من الله وحده على فعل الخيرات والمسابقة في أداء الطاعات والإكثار من الحسنات ، ومن الدعوات العظيمة التي علَّمها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ولها نفع عظيم في هذا الباب ما رواه ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهَا هَذَا الدُّعَاءَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا))(9).
وفَّقنا الله جميعاً لفعل الخيرات واغتنام الأجور ورفيع الدرجات.

----------------
(1) سنن الترمذي (682)، وابن ماجه (1642)، واللفظ للترمذي .
(2) مسند الإمام أحمد (18042) .
(3) رواه البخاري (6502) .
(4)زاد المعاد لابن القيم (2/21-22).
(5) البخاري (6)، ومسلم (2308) واللفظ للبخاري .
(6) سنن البيهقي (7927) .
(7) البخاري (1863) .
(8) سنن ابن ماجه (2995) .
(9) سنن ابن ماجه (3846) .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 01-05-2021, 04:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عن فضل أيام وليالى رمضان نتحدث --- متجدد إن شاء الله


19- تَعْجِيلُ الْفَطُورِ وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ
الشيخ عبد الرازق البدر


لقد تعددت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بتعجيل الفطور وتأخير السحور وتنوع
ت هذه النصوص في دلالتها على أهمية ذلك ؛ فتارة بالأمر به ، وتارة ببيان فضله وعظيم ثوابه ، وتارة ببيان بعض الحِكَم العظيمة المترتبة عليه، وتارة بالنهي عن تركه ، إلى غير ذلك من أنواع الدلالة ، ومن هذه النصوص : ما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا ، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ))(1) ، وجاء في سنن أبي داود والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ))(2) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ((كَانَ لَا يُصَلِّي الْمَغْرِبَ حَتَّى يُفْطِرَ ، وَلَوْ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ ))(3) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ ))(4)، وقال: ((لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ ))(5)، وكان ((إِذَا أَفْطَرَ قَالَ ذَهَبَ الظَّمَأُ ، وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ))(6)، وقال صلى الله عليه وسلم :

((هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ يَعْنِي السَّحُورَ )) (7) ، وقال: ((عَلَيْكُمْ بِغَدَاءِ السُّحُورِ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَدَاءُ الْمُبَارَكُ))(8) ، وقال : ((السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ))(9)، وقال: ((إِنَّ السَّحُورَ بَرَكَةٌ أَعْطَاكُمُوهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا تَدَعُوهَا))(10)، وقال: ((تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَ
ةٍ مِنْ مَاءٍ ))(11)، وقال: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ فَلْيَتَسَحَّرْ بِشَيْءٍ))(12)، وقال صلى الله عليه وسلم : ((عَجَّلُوا الإِفْطَارَ، وَأَخَّرُوا السُّحُورَ ))(13)، وقال: ((بكّروا بالإفطار، وأخّروا السُّحور))(14) ، وقال: (( ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة))(15)، وقال: ((إِنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُعَجِّلَ إِفْطَارَنَا وَنُؤَخِّرَ سَحُورَنَا ، وَنَضَعَ أيمَانِنَا عَلَى شمائِلِنا فِي الصَّلاةِ))(16).

وهذه الأحاديث المتعددة والمتنوعة في الأمر بتعجيل الفطور وتأخير السحور تدل دلالة واضحة على أهمية هذا الأمر العظيم الذي غفل عنه كثير من الناس جهلاً بأهميته وبالحِكم العظيمة التي اشتمل عليها والآثار الحميدة التي تترتب عليه ، بل لو لم يكن في تعجيل الفطر وتأخير السحور إلا محض المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والاستجابة لأمره وكونه عبادة
عظيمة يتقرب فيها إلى الله سبحانه لكفى به سبباً في المحافظة عليه وعدم إهماله ، فإن محبة الله إنما تنال بذلك كما قال تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] ، وقد ثبت في سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا))(17) ، وذلك لحُسن متابعتهم وسرعة استجابتهم .
ثمّ إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن أكلة السحور أنها أكلة مباركة وأن السحور غداء مبارك وأن فيه بركة ، وهذا فيه دلالة واضحة على عظيم قدر هذه الطاعة ، فالبركة تكتنفها من كل جوانبها ؛ بركة في الطعام، وبركة في الفعل نفسه،
وبركة في الوقت ، فحريّ بالصائم أن يتحرى هذه البركة بأن يتسحر ويؤخر السحور ولو على شربة ماء إن لم يجد شيئاً يطعمه سواها .
والبركة : هي تنزل الخير الإلهي على الشيء ، وزيادته ، وعموم نفعه ، وزيادة الأجر والثواب فيه ، فما أعظم السحور وأجلّ قدره !! ومع ذلك يتغافل عنه كثير من الناس ؛ إما جهلاً بفضله ومكانته ، أو إيثاراً للآجل على الآجل ، فيفضل النوم عليه وغالباً ما يكون سبب ذلك السهر ، والمصيبة في ذلك تعظم إن كان في أمرٍ محرَّم نسأل الله العافية والسلامة.

ثم إن وقت السحر من أفضل الأوقات وأوفرها بركة ؛ أثنى الله على المستغفرين فيه ، وهو وقت نزول الرب إلى سماء الدنيا ليغفر للمستغفرين ويجيب الداعين ويعطي السائلين ويثيب العابدين بأفضل الجزاء في الدنيا ويوم الدين، فكيف يحرم الإنسان نفسه من هذا الخير في هذا الشهر العظيم شهر الطاعة والاستغفار وشهر العتق من النار!! . والله وملائكته يصلَّون على المتسحرين و
صلاة الله : ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى ، وصلاة الملائكة : دعاؤهم للعبد ، فما أجله من شرف وفضل يناله المتسحرون .

وفي المحافظة على تعجيل الفطور وتأخير السحور محافظة على الخيرية في الناس فإنه من أسبابها ، إضافة إلى ما فيه من تقوية الجسد وتنشيطه وطرد الضعف والكسل عنه فترة الصيام . وجاء في بعض النصوص تصريحٌ بحكمةٍ عظيمة من حِكَم تعجيل الفطور وتأخير السحور وتنبيه على أمر ينبغي المحافظة عليه أبداً حتى يكون هذا الدين ظاهراً وحتى تظل هذه الأمة محافظة على خيريتها
ألا وهو : مخالفة أهل الكتاب من اليهود والنصارى قال صلى الله عليه وسلم : ((فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ ))(18)، وقال صلى الله عليه وسلم : ((لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ فَإِنَّ الْيَهُودَ يُؤَخِّرُونَ))(19)، وقال صلى الله عليه وسلم : ((لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ ، لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ))(20) ، فإذا أوصى الشارع بمخالفة اليهود النصارى في هذا الأمر والذي قد يعده بعض الناس هيِّناً ، فما بالك بالأمور العظام التي بلي كثير من الناس فيها بالتشبه بهم والسير على منهجهم ومنوالهم كمشابهتهم في لباسهم وعاداتهم والافتخار بمحاكاتهم حتى في كلامهم ومأكلهم وشرابهم والفرح والتلذذ بالنظر إلى

قبائحهم من كلام ساقط وعقائد فاسدة وصور خليعة فاضحة ، ولا شك أن المشابهة الظاهرة تولد توافقاً وميلاً قلبياً في الباطن والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [المائدة:51]، وأكثر الناس تأثراً في هذا التشبه الشبابُ والنساءُ ؛ ألا فلينتبه الصائمون وليعتبروا به
ذا الشهر العظيم وليصْدُقوا مع الله ويعقدوا العزم على ترك هذا التشبَّه بأهل الكتاب فإن ذلك يضر بالفرد وبالمجتمع وبالأمة جمعاء ويؤثر على الدين كله .
قال شيخ الإسلام في كلامٍ له عن هذا الحديث : ((وهذا نص في أن ظهور الدين الحاصل بتعجيل الفطر لأجل مخالفة اليهود والنصارى ، وإذا كان مخالفتهم سبباً لظهور الدين فإنما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله ، فيكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة ))(21) .
اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، ووفِّقنا لاتباع شرعك ، وأعذنا من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء .

(1) البخاري (1954)، ومسلم (1100) واللفظ للبخاري .
(2) رواه أبو داود (2356)، والترمذي (696)، واللفظ لأبي داود .
(3) رواه الحاكم في المستدرك (1577) .

(4) رواه الإمام أحمد في المسند (21209، 21399).
(5) رواه البخاري (1957) ، ومسلم (1098) .
(6) رواه أبو داود (2357)، والحاكم (1536) .
(7) رواه النسائي (2167) .
(8)رواه النسائي (2166) ، والإمام أحمد (17126) .
(9) رواه الإمام أحمد (11334) .

(10)رواه الإمام أحمد في المسند (23036) .
(11) رواه ابن حبان (3476) .
(12) رواه الإمام أحمد في المسند (14991) .
(13) رواه الطبراني في المعجم الكبير (21513) .
(14) الكامل لابن عدي (6/323)، السلسلة الصحيحة (1773)، صحيح الجامع (2835).
(15) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (2/105) وعزاه للطبراني في الكبير .
(16) رواه الطيالسي (2654) ، والطبراني في المعجم الكبير (11323)، وابن حبان (1770) واللفظ للطيالسي.
(17) الترمذي (700) .
(18) رواه مسلم (1096).
(19) رواه ابن ماجه (1698) .
(20) رواه أبو داود (2353) ، والحاكم (1573) .
(21) اقتضاء الصراط المستقيم (1/209).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 02-05-2021, 03:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عن فضل أيام وليالى رمضان نتحدث --- متجدد إن شاء الله


20 - العَشْرُ الأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان
الشيخ عبد الرازق البدر


إن شهر رمضان المبارك شهر ٌكله بركة ورحمة أيامه ولياليه ، وتختص عشره الأواخر بمزيد مزية على بقية أيامه ولياليه بخصائص عظيمة وفضائل جليلة اختصت بها عن غيرها ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم من بعده يعظِّمون هذه العشر الأواخر ويجتهدون فيها أكثر مما يجتهدون في غيرها ، روى الإمام أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ))(1) ، وروى ا
لشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت : ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ))(2) .
ومعنى ((شَدَّ مِئْزَرَهُ)) : أي جدّ واجتهد في العبادة واعتزل النساء ؛ فلا يلتذ في تلك الليالي إلا بمناجاة ربه والتقرب إليه ، فما أباحه الله له من الجماع في ليالي رمضان يكون منشغلاً عنه بما سواه من العبادة والطاعة طمعاً في أن ينال ثواب هذه العشر ويوفَّق لإدراك ليلة القدر .

ومعنى (( أَحْيَا لَيْلَهُ )) : أي سهره منشغلاً فيه بالطاعة فأحياه بذلك ، وأحيا نفسه بسهره فيه تقرباً وتضرعاً وتعبداً لله ؛ لأن النوم أخو الموت ، ولا تحيا الأرواح ولا الأبدان ولا الأوقات ولا الأعمار إلا بطاعة الله وهذه هي الحياة الحقيقية قال تعالى: { أَوَمَنْ كَ
انَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [الأنعام:122] فسمى هذه الأجساد مع أنها تدب في الأرض وتأكل وتشرب ميتة وذلك لِـبُعدها عن الإيمان والطاعة للرحمن وانشغالها بالغيّ والفسوق والطغيان .

ومعنى (( أَيْقَظَ أَهْلَهُ )) : أي أقامهم للصلاة وللعبادة في هذه الليالي ، وهذا من تمام حرصه على أهله وعنايته بهم أداءً لواجب الرعاية التي استرعاه الله إياها ، وحرصاً منه في الدلالة على الخير والدال على الخير كفاعله ، إضافةً إلى أجره الذي يكتسبه باجتهاده بنفسه ، وفي ذلك أيضاً تشريع لأمته أن تحذو حذوه وتتأسى به في ذلك ، وفيه توجيه للآباء والأمهات وحثٌ لهم على العناية بتربية أبنائهم والاهتمام بهم خاصة في هذا الشهر الكريم وتعهدهم ومراقبتهم في عبادتهم وشدة المحافظة عليهم ، وتشجيعهم على المسابقة لفعل الطاعات واجتناب المنهيات ، والاستعانة بوسائل الترغيب والترهيب.
قال ابن حجر: ((وَفِي الْحَدِيث الْحِرْص عَلَى مُدَاوَمَة الْقِيَام فِي الْعَشْر الْأَخِير إِشَارَة إِلَى الْحَثّ عَلَى تَجْوِيد الْخَاتِمَة ، خَتَمَ اللَّهُ لَنَا بِخَيْرٍ آمِينَ ))(3).

ومما تميزت به هذه العشر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف فيها ، واعتكف أصحابه من بعده ؛ والاعتكاف : لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله ، وهو من السنن الثابتة بالكتاب والسنة ، قال تعالى: { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ }
[البقرة:187] ، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ))(4).

وقد أوضح بعض أحكام الاعتكاف العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في مجالسه المشهورة المختصة بشهر رمضان التي نفع الله بها كثيراً - فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً ، وتغمده بواسع رحمته ، وكتب له في هذا الشهر المبارك مثل أجور كل من استفاد من هذا الكتاب وانتفع به وغيره من كتبه - ومما جاء فيه :
قوله : " والمقصود بالاعتكاف : انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في مسجد من مساجده طلبا لفضله وثوابه وإدراك ليلة القدر ، ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والقراءة والصلاة والعبادة ، وأن يتجنب ما لا يَعنيه من حديث الدن
يا ، ولا بأس أن يتحدث قليلاً بحديثٍ مباحٍ مع أهله أو غيرهم لمصلحة ، لحديث صفية أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : « كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ لِأَنْقَلِبَ - أي : لأنصرف إلى بيتي - فَقَامَ - النبي صلى الله عليه وسلم – مَعِيَ... » الحديث(5) .

ويحرم على المعتكف الجماع ومقدماته من التقبيل واللمس لشهوة لقوله تعالى : { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } ، وأما خروجه من المسجد فإن كان ببعض بدنه فلا بأس به لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ))(6)، وفي رواية: ((كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَائِضٌ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ ))(7) .
وإن كان خروجه بجميع بدنه فهو ثلاثة أقسام:

الأول: الخروج لأمر لابد منه طبعاً أو شرعاً ؛ كقضاء حاجة البول والغائط والوضوء الواجب والغسل الواجب لجنابة أو غيرها والأكل والشرب ، فهذا جائز إذا لم يمكن فعله في المسجد ، فإن أمكن فعله في المسجد فلا ، مثل أن يكون في المسجد حمام يمكنه أن يقضي حاجته فيه وأن يغتسل فيه أو يكون له من يأتيه بالأكل والشرب فلا يخرج حينئذ لعدم الحاجة إليه .
الثاني: الخروج لأمر طاعة لا تجب عليه ؛ كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك فلا يفعله إلا أن يشترط ذلك ابتداء اعتكافه ، مثل أن يكون عنده مريض يجب أن يعوده أو يخشى من موته فيشترط في ابتداء اعتكافه خروجه لذلك فلا بأس به .
الثالث: الخروج لأمرٍ ينافي الاعتكاف ؛ كالخروج للبيع والشراء وجماع أهله ومباشرتهم ونحو ذلك ، فلا يفعله لا بشرط ولا بغير شرط ؛ لأنه يناقض الاعتكاف وينافي المقصود منه) اهـ(8).
ومما تميزت به هذه العشر واختصت به أن فيها ليلة القدر، قال صلى الله عليه وسلم : ((تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ
فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ))(9)، وسيأتي الحديث عن هذه الليلة المباركة وعن فضائلها وأهمية اغتنامها وعدم إضاعتها في الحديث القادم إن شاء الله .
اللهم وفِّقنا للقيام بما يرضيك عنا في هذه العشر ، واختم لنا شهرنا بصالح الأعمال ، وتقبلها منا يا أكرم الأكرمين .

(1) رواه مسلم (1175) ، والإمام أحمد (24409) .
(2) رواه البخاري (2024) ، ومسلم (1174) واللفظ للبخاري .

(3) فتح الباري (4/270، تحت حديث رقم 2024).
(4) صحيح البخاري (2026)، ومسلم (1172).
(5) متفق عليه ؛ البخاري (3281) ، مسلم (2175) .
(6) رواه البخاري (2031) ، ومسلم (297) واللفظ للبخاري .
(7) رواه البخاري (2046) .
(8) مجالس شهر رمضان (ص: 118ـ 119).
(9) رواه البخاري (2017).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 03-05-2021, 03:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عن فضل أيام وليالى رمضان نتحدث --- متجدد إن شاء الله


21- لَيْلَةُ الْقَدْرِ
الشيخ عبد الرازق البدر


إن الله تعالى هو المتفرد بالخلق والاختيار كما قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } [القصص: 68] ، والمراد بالاختيار هنا هو الاجتباء والاصطفاء ، فالله - جل وعلا - لكمال حكمته وقدرته ولتمام علمه وإحاطته يختار من خلقه ما يشاء من الأوقات والأمكنة والأشخاص فيخصهم سبحانه بمزيد فضله وجزيل عنايته ووافر إنعامه وإكرامه ، وهذا بلا ريب من أع
ظم آيات ربوبيته وأكبر شواهد وحدانيته وكمال صفاته ، وهو من أبين الأدلة على كمال قدرته وحكمته وأنه يخلق ما يشاء ويختار وأن أزِمَّةَ الأمور بيده ؛ فلله الأمر من قبل ومن بعد ، يقضي في خلقه ما يشاء ويحكم فيهم بما يريد { فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [36] وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [الجاثية: 36-37] .

وإن مما خص الله عز وجل من الأوقات بمزيد تفضيله ووافر تكريمه شهرَ رمضان حيث فضَّله سبحانه على سائر الشهور ، والعشرَ الأواخر من لياليه حيث فضلها على سائر الليالي ، وليلةَ القدر حيث جعلها لمزيد فضلها عنده وعظيم مكانتها لديه
خيراً من ألف شهر ، وفخَّم أمرها وأعلى شأنها ورفع مكانتها عندما أنزل فيها وحيه المبين وكلامه الكريم وتنزيله الحكيم هدى للمتقين وفرقاناً للمؤمنين وضياء ونوراً ورحمة للعالمين ، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ [3] فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [4] أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [5] رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [6] رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ [7] لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} [الدخان: 3-8] ، وقال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [1] وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [2] لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [3] تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ [4] سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر] . فلله ما أعظمَها من ليلة وما أجلَّها وأكرمَها، وما أوفرَ بركتَها :

- ليلة واحدة خير من ألف شهر !! ومعنى ذلك أنها خير من ثلاثين ألفَ ليلةٍ ، وألفُ شهرٍ تزيد على ثلاثة وثمانين عاماً فهو عمر طويل لو قضاه المسلم كلَّه في طاعة الله عز وجل ، فليلة القدر وهي ليلة واحدة خير منه وهذا فضل عظيم . قال مجاهد: ((ليل
ة القدر خير من ألف شهر ليس في تلك الشهور ليلة القدر))، وهكذا قال قتادة والشافعي وغير واحد .
- وفي هذه الليلة الكريمة المباركة يكثر تنزل الملائكة لكثرة بركتها ، فالملائكة يتنزَّلون مع تنزل البركة والرحمة كما يتنزَّلون عند تلاوة القرآن وفي حلق الذكر .
- وهي سلام حتى مطلع الفجر يعني أنها خير كلها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر .

- وفي هذه الليلة الكريمة المباركة يُفْرق كل أمر حكيم أي يقدَّر فيها ما يكون في تلك السنة بإذن الله العزيز الحكيم ، والمراد بالتقدير أي التقدير السنوي ، أما التقدير العام في اللوح المحفوظ فهو متقدِّم على خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما صحت بذلك الأحاديث ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل ليلة القدر أنه قال: ((مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))(1).

وليلة القدر هي قطعاً في شهر رمضان المبارك لقوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] مع قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } وهي أرجى ما تكون فيه في العشر الأوا
خر منه لقوله صلى الله عليه وسلم : (( تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ))(2) ، وطلبها في أوتار العشر آكد لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى ))(3) .

قال ابن حجر في الفتح : تحت (بَابٌ تَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ) : " فِي هَذِهِ التَّرْجَمَة إِشَارَة إِلَى رُجْحَان كَوْن لَيْلَةِ الْقَدْرِ مُنْحَصِرَةً فِي رَمَضَان ، ثُمَّ فِي الْعَشْر الْأَخِيرِ مِنْهُ ، ثُمَّ فِي أَوْتَارِهِ لَا فِي لَيْلَةٍ مِنْهُ بِعَيْنِهَا ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَجْمُوع الْأَخْبَار الْوَارِدَة فِيهَا "(4) اهـ .

وقد ذكر العلماء أن من حكمة إخفائها وعدم تعيينها في النصوص : أن يجتهد المسلمون في جميع العش
ر بطاعة الله تعالى بالتهجد وقراءة القرآن والإحسان ، وليتبين بذلك النشيط والمجد في طلب الخيرات من الخامل الكسلان، ولأن الناس لو علموا عينها لاقتصر أكثرهم على قيامها دون سواها ، ولو علموا عينها ما حصل كمال الامتحان.
إن الواجب علينا جميعاً أن نحرص تمام الحرص على طلب هذه الليلة المباركة لنفوز بثوابها ولنغنم من خيرها ولنُحَصِّل من أجورها ، فإن المحروم من حُرم الثواب ومن تمر عليه مواسم المغفرة ويبقى محملاً بذنوبه بسبب غفلته وإعراضه وعد
م مبالاته ؛ فطوبى لمن نال فيها سبق الفائزين ، وسلك فيها بالقيام وحُسن العمل سبيل الصالحين، وويل لمن طُرِدَ في هذه الليلة عن الأبواب وأغلق فيها دونه الحجاب وانصرفت عنه هذه الليلة وهو مشغول بالمعاصي والآثام مخدوع بالأماني والأحلام مضيِّع لخير الليالي وأفضل الأيام ؛ فيا عظمَ حسرتَه ويا شدةَ ندامتَه .
من لم يربح في هذه الليلة الكريمة ففي أي وقت يربح !! ومن لم يُنِبْ إلى الله في هذا الوقت الشريف فمتى ينيب!! ومن لم يزل متقاعساً فيها عن الخيرات ففي أي وقت يعمل !! قال صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ ))(5).

ويستحب للمسلم أن يكثر فيها من الدعاء لأن الدعاء فيها مستجاب ، وليتخير من الدعاء أجمعه ، روى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت : ((يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو ؟ قَالَ : تَقُولِينَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَ
فْوَ فَاعْفُ عَنِّي))(6) ، فإن هذا الدعاء عظيم المعنى عميق الدلالة وهو مناسب لهذه الليلة غاية المناسبة ، فهي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم وتقدَّر فيها أعمال العباد لسنة كاملة حتى ليلة القدر الأخرى ، فمن أعطي في تلك الليلة العافية وعفا عنه ربه فقد أفلح غاية الفلاح، ومن أعطي العافية في الدنيا وأعطيها في الآخرة فقد أفلح ، والعافية لا يعدلها شيء ؛ فلنتحر خير هذه الليلة وبركتها بالمحافظة على الصلوات المفروضة ، وكثرة القيام ، وأداء الزكاة ، وبذل الصدقات ، وحفظ الصيام ، وكثرة الطاعات ، واجتناب المعاصي والسيئات ، والندم والتوبة من الذنوب والخطيئات ، والإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن.
اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر واجعلنا ممن يقومها إيماناً واحتساباً واعف عنا إنك عفو كريم.

(1) رواه البخاري (1901)، والنسائي (2195) .
(2) رواه البخاري (2020)، ومسلم (1169) .

(3) رواه البخاري (2021) ، ومسلم (1165) .
(4) فتح الباري (4/259، حديث رقم 2017).
(5) رواه ابن ماجه (1644) .
(6) سنن ابن ماجه (3850) .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 04-05-2021, 04:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عن فضل أيام وليالى رمضان نتحدث --- متجدد إن شاء الله


22- تَصْفِيدُ الشَّيَاطِينِ فِي رَمَضَان
الشيخ عبد الرازق البدر


إن مما تميز به شهر رمضان المبارك تصفيد الشياطين ومردة الجنّ فيه ، روى البخاري ومسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ))(1) ، وروى أحمد والنسائي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ((هَذَا رَمَضَانُ قَدْ جَاءَكُمْ تُفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ ، وَتُسَلْسَلُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ )) (2) ، روى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ))(3).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (( وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ فَضَعُفَتْ قُوَّتُهُمْ وَعَمَلُهُمْ بِتَصْفِيدِهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَفْعَلُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُمْ قُتِلُوا وَلَا مَاتُوا بَلْ قَالَ : " صُفِّدَتْ " وَالْمُصَفَّدُ
مِنْ الشَّيَاطِينِ قَدْ يُؤْذِي لَكِنَّ هَذَا أَقَلُّ وَأَضْعَفُ مِمَّا يَكُونُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ ؛ فَهُوَ بِحَسَبِ كَمَالِ الصَّوْمِ وَنَقْصِهِ ، فَمَنْ كَانَ صَوْمُهُ كَامِلًا دَفَعَ الشَّيْطَانَ دَفْعًا لَا يَدْفَعُهُ دَفْعُ الصَّوْمِ النَّاقِصِ )) (4) اهـ.
وكثير من الناس اليوم جهلوا أو تجاهلوا أمر الشيطان فلم يدركوا مدى كيده وعداوته لبني آدم وحرصه على إخراجهم من رحمة الله ورضوانه وإيقاعهم في سخطه وغضبه ونيرانه ، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [فاطر:6] ، وهي عداوة مستمرة إلى يوم القيامة وكل من انشغل في هذا ال
شهر الكريم بغير طاعة الله من المعاصي والذنوب واللهو واللعب والسهر وفي القيل والقال والنظر في الفضائيات وما فيها من سموم فقد خلص الشيطان إليه ونال منه بغيته ؛ وإن كيده لا يكاد ينحصر .

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان جملة كبيرة من مكائده التي كاد بها عباد الله : (( ومن كيده للإنسان : أنه يورده الموارد التي يُخيل إليه أنّ فيها منفعته ، ثم يُصدِرُه المصادر التي فيها عطبه، ويتخلى عنه ويُسْلِمُه ويق
ف يَشْمَتُ به ويضحك منه ، فيأمره بالسرقة والزنا والقتل ويدل عليه ويفضحه قال تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الأنفال:48] ؛ فإنه تراءى للمشركين عند خروجهم إلى بدر في صورة سراقة بن مالك وقال : أنا جار لكم من بني كنانة أن يقصدوا أهلكم وذراريَكم بسوء ، فلما رأى عدوُّ الله جنود الله تعالى من الملائكة نزلت لنصر رسوله فرّ عنهم وأسلمهم كما قال حسان: دَلَّاهُمُ بِغُرُورٍ ثَمَّ أَسْلَمَهُمْ إِنَّ الْخَبِيثَ لمنْ وَالَاهُ غَرَّارُ

وكذلك فعل بالراهب الذي قتل المرأة وولدها ؛ أمره بالزنا ثم بقتلها ثم دلّ أهلها عليه وكشف أمره لهم ، ثمّ أمره بالسجود له فلمّا فعل فرَّ عنه وتركه وفيه أنزل الله سبحانه: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ
إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } [الحشر:16] ، وهذا السياق لا يختص بالذي ذكرتْ عنه هذه القصة، بل هو عام في كل من أطاع الشيطان في أمره له بالكفر لينصره ويقضي حاجته، فإنه يتبرأ منه ويسلمه كما يتبرأ من أوليائه جملة في النار ويقول لهم: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ } [إبراهيم:22] ، فأوردهم شرّ الموارد وتبرأ منهم كل البراءة .
ومن كيد عدو الله تعالى : أنه يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه ؛ فلا يجاهدونهم ، ولا يأمرونهم بالمعروف، ولا ينهونهم عن المنكر، وهذا من أعظم كيده بأهل الإيمان، وقد أخبرنا الله سبحانه عنه بهذا فقال: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَ
اءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [آل عمران:175] ، المعنى عند جميع المفسرين: يخوفكم بأوليائه. قال قتادة: ( يعظمهم في صدوركم، ولهذا قال: { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } ، فكلما قوي إيمان العبد زال من قلبه خوفُ أولياء الشيطان، وكلما ضعف إيمان العبد قوي خوفه منهم ) .

ومن مكايده أنه يسحر العقل دائماً حتى يكيده ، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله ، فيزين له الفعل الذي يضره حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء ، وينفر من الفعل الذي هو أنفع الأشياء له حتى يخيَّل له أنه يضره ، فلا إله إلا الله !! ك
م فُتن بهذا السحر من إنسان ، وكم حال بين القلب وبين الإسلام والإيمان والإحسان! وكم جلا الباطل وأبرزه في صورة مستحسنة، وشنّع الحق وأخرجه في صورة مستهجنة ! وكم بهرج من الزُّيوف على الناقدين، وكم روّج من الزغل على العارفين ! فهو الذي سحر العقول حتى ألقى أربابها في الأهواء المختلفة والآراء المتشعبة، وسلك بهم في سبل الضلال كل مسلك ، وألقاهم من المهالك في مهلك بعد مهلك ، وزين لهم من عبادة الأصنام وقطيعة الأرحام ووأد البنات ونكاح الأمهات ووعدهم الفوز بالجنات مع الكفر والفسوق والعصيان ، وأبرز لهم الشرك في صورة التعظيم ، والكفر بصفات الرب تعالى وعلوه على عرشه وتكلمه بكتبه في قالب التنزيه، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

في قالب التودد إلى الناس وحُسن الخلق معهم والعمل بقوله: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } [المائدة:105] ، والإعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في قالب التقليد والاكتفاء بقول من هو أعلم منهم ، والنفاق والإدهان في دين الله في قالب العقل المعيشي الذي يندرج به العبد بين الناس . فهو صاحب الأبوين حين أخرجهما من الجنة ، وصاحب قابيل حين قتل أخاه
، وصاحب قوم نوح حين أُغرِقوا ، وقوم عاد حين أهلِكوا بالريح العقيم ، وصاحب قوم صالح حين أهلكوا بالصيحة ، وصاحب الأمة اللوطية حين خُسف بهم وأتبِعوا بالرجم بالحجارة ، وصاحب فرعون وقومه حين أخِذوا الأخذة الرابية ، وصاحب عبَّاد العجل حين جرى عليهم ما جرى، وصاحب قريش حين دعوا يوم بدر، وصاحب كل هالك ومفتون)) (5) اهـ.

فهذا هو العدو قد ظهرت أوصافه وبدت علاماته وملامحه ، يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ويأخذ بأي طريق يتحقق له به ذلك . قال بعض السلف : (( وما أمر الله عز وجل بأمرٍ إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما تقصيرٌ وتفريطٌ ، وإما إفراطٌ وغلوٌّ ، فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين))(6)، فلينظر كل واحد إلى نفسه وأفعاله هل فيها استجابة للشيطان وح
بائله ؛ فيتدارك نفسه بالتوبة إلى الله والإقلاع عما هو فيه من ضلالٍ وشرٍ ويعلن العداوة لهذا العدو اللدود ، أم أنه في حماية الله وحفظه ؛ فيشكر الله على ذلك ويسأله الثبات ويسعى في الاستزادة من فعل الصالحات ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ كثيراً بالله من الشيطان ويعلِّم أصحابه ذلك {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ [97] وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون:97-98] ؛ اللهم إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه.

(1) البخاري (3277)، ومسلم (1079) واللفظ للبخاري .
(2)سنن النسائي (2105) ، المسند (13408) .

(3) الترمذي (682)، وابن ماجه (1642)، واللفظ للترمذي .
(4) مجموع الفتاوى لابن تيمية (25/246).
(5) إغاثة اللهفان لابن القيم (1/125ـ 128).
(6) الوابل الصيب (ص: 29).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 05-05-2021, 03:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عن فضل أيام وليالى رمضان نتحدث --- متجدد إن شاء الله


23- أَدَاءُ الزِّكَاةِ وَبَذْلُ الصَّدَقَات
الشيخ عبد الرازق البدر


إن رمضان هو شهر الخيرات والبركات والطاعات ؛ فهو شهر الصيام ، وشهر الصلاة والقيام ، وشهر الذكر وتلاوة القرآن ، وشهر الجود والإكرام والزكاة والصدقة والبر والإحسان ، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان ، وذلك أن الصيام له ارتباط وثيق بالإنفاق والصدقة ، فإن الأغنياء عندما يمتنعون في فترة زمنية محددة عن
الطعام والشراب طاعة لله ويقاسون حرّ الجوع وألم العطش فإن هذا يجعلهم يتذكرون إخواناً لهم من المسلمين يقاسون هذه الآلام طيلة أيام السنة أو معظمها فيقذف الله بسبب ذلك الرحمة في قلوبهم تجاه إخوانهم فتجود نفوسهم ببذل الأموال وإخراجها ؛ سواء كانت من قبيل الزكاة الفرض ، أو الصدقات والنفقات المستحبة في أوجه الخير كلها .

وفيما يتعلق بالزكاة ؛ فقد فرض الله على المؤمنين ذوي الأموال الزكوية زكاةً تُدفع للمحتاجين منهم وللمصالح العامة النفع كما قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَ
ارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].

وفي القرآن آيات كثيرة في الأمر بإيتاء الزكاة والنفقة مما رزق الله ، والثناء على المنفقين والمتصدقين وذكر ثوابهم، وتواترت بذلك كله الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيَّن ما تجب فيه الزكاة من المواشي والحبوب والثمار والنقود والأموال المعدة للتجارة ، وذكر أنصبتها ومقدار الواجب منها ، وذكر الوعيد الشديد على مانعها ؛ واتفق المسلمون على نقصان إيمان تار
كها ودينه وإسلامه ، وإنما اختلفوا هل يكفر تاركها أم لا ؟ وفي الزكاة والصدقة والإحسان عدد من الفوائد الضرورية والكمالية والدينية والدنيوية :
منها : أنها من أعظم شعائر الدين وأكبر براهين الإيمان ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال : ((وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ))(1) أي على إيمان صاحبها ودينه ومحبته لله إذ سخى لله بماله المحبوب للنفوس .

ومنها : أنها تزكِّي وتنمِّي المعطِي والمعطَى والمال الذي أخرجت منه ؛ أما تزكيتها للمعطي : فإنها تزكي أخلاقه وتطهره من الشح والبخل والأخلاق الرذيلة ، وتنمي أخلاقه فيتصف بأوصاف الكرماء المحسنين الشاكرين ، فإنها من أعظم الشكر لله
، والشكر معه المزيد دائماً ، وتنمي أيضاً أجره وثوابه ؛ فإن الزكاة والنفقة تضاعَف أضعافاً كثيرة بحسب إيمان صاحبها وإخلاصه ونفعها ووقوعها موقعها ، وهي تشرح الصدر وتُفرِح النفس وتدفع عن العبد من البلايا والأسقام شيئاً كثيراً ، فكم جلبت من نعمة دينية ودنيوية ، وكم دفعت من نقم ومكاره وأسقام ، وكم خفّفت الآلام ، وكم أزالت من عداوات وجلبت من مودة وصداقات ، وكم تسببت لأدعية مستجابة من قلوب صادقات .

وهي أيضاً تنمِّي المال المخرَج منه ؛ فإنها تقيه الآفات وتحل فيه البركة الإلهية ، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ))(2) بل تزيده ، وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }[سبأ:39] وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا))(3)، والواقع يشهد بذلك ؛ فلا تكاد تجد مؤمناً يُخرج الزكاة وينفق النفقات في محلها إلا وقد أنزل الله له البركة في ماله ويسَّر له أسباب الرزق ، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ ؛ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ : اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدْ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ قَالَ فُلَانٌ لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ ، فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنْ اسْمِي ؟ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ : اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ لِاسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا ؟ قَالَ أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ )) ، وفي رواية له ((وَأَجْعَلُ ثُلُثَهُ فِي الْمَسَاكِينِ وَالسَّائِلِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ )) (4).

وأما نفعها للمعطَى فإن الله تعالى قد أمر بدفعها للمحتاجين من الفقراء والمساكين والغارمين وفي الرقاب وللمصالح التي يحتاج المسلمون إليها في ضوء الآية المتقدمة ، فمتى وُضعت في محلها اندفعت الحاجات والضرورات واستغنى الفقراء
أو خف فقرهم وقامت المصالح النافعة العمومية ، فأي فائدة أعظم من ذلك وأجلّ !! فلو أن الأغنياء أخرجوا زكاة أموالهم ووُضعت في محلها لقامت المصالح الدينية والدنيوية وزالت الضرورات واندفعت شرور الفقراء وكان أعظم حاجز وسد يمنع عبث المفسدين ، ولهذا كانت الزكاة من أعظم محاسن الإسلام لما اشتملت عليه من جلب المصالح والمنافع ودفع المضار .

ومما جاء في عقوبة تارك الزكاة قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [34] يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34-35] ، وروى البخاري
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا مَالُكَ ، أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا : {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } الآية [آل عمران :180] )) (5) .
وإذا وفّق الله العبد لإخراج زكاته أو تصدق في سبيل الله فليحذر الرياء والسمعة والمنّ والأذى لأنها تبطل الأجر وقد تعقبه بالوزر قال
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264].
اللهم إنا نعوذ بك من مال لا يقرِّبنا إليك ، ونسألك طهارة نفوسنا وقلوبنا من الشح والبخل وجميع أمراض القلوب ، ونسألك أن تكتب للمنفقين والمتصدقين أجرهم وتجزِل لهم المثوبة .

(1) رواه مسلم (223).
(2) مسلم (2588).

(3) البخاري (1442)، ومسلم (1010).
(4) مسلم (2984).
(5) البخاري (1403).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 06-05-2021, 04:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عن فضل أيام وليالى رمضان نتحدث --- متجدد إن شاء الله


24- خُطُورَةُ قَـوْل الزُّورِ وَالْعَمَل بِـهِ
الشيخ عبد الرازق البدر


روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ))(1).
إن الصيام إنما شرعه الله لعباده لتتهذّب نفوسهم وتستقيم أخلاقهم وتتحقق لهم التقوى وتطيب القلوب والجوارح والألسن ، والمؤمن بالله يسعى ويحرص على حفظ قلبه ولسانه وجوارحه مما يسخط الرب ويغضبه ؛ فيسأل الله ويبذل الأسباب التي تجعل قلبه ينطوي على الإيمان والتوحيد والإخلاص وغير ذلك من أعمال القلوب الصالحة، وجوارحه متجهة إلى الطاعات أو المباحات فيما تسمعه أو تبصره أو تأخذه أو تسعى فيه وفيما تستخدمه وتتناوله من مأكول أو مشروب أو ملبوس أو غير ذلك ، ول
سانه الذي هو ترجمان القلب والمخبر عما يكِنُّه لا ينشغل إلا بما يرضي الله من ذكر واستغفار وتلاوة للقرآن وحديث مباح ، والقلب هو قائد اللسان وجميع الجوارح فبسلامته يسلم اللسان فلا يقول إلا الخير وتسْلَم الجوارح فلا تأتي إلا الخير ، أما ما يغضب الله من سائر المعاصي ومن الكذب وقول الزور والغيبة والنميمة والسباب والشتم وغير ذلك مما تقترفه الألسن وبقية الجوارح فإنه يفر منها فراراً ويخشى الوقوع فيها أشد الخشية لما يعلم من خطورتها وسوء عاقبتها .

ثم إن اللسان بما يقترف من آثام هو سبب هلاك كثير من الناس وحرمانهم من الجنة ووقوعهم في النار ؛ ومن هذه الآثام التي تكون سبباً للهلاك : قولُ الزور والعمل به ، والغيبة ، والنميمة ، والسباب ، والفسوق ونحوها مما هو مناهض تمام المناهضة للمصالح التي من أجلها شُرع الصوم ، فمن لم يصُم لسانه عن هذه القبائح ولم يستفِد من صيامه عن المباحات الصيام عن المحرمات من الكذب وقول الزور والغيبة والنميمة والغش والسب والشتم فمتى يستفيد !! وحصائد الألسن هي التي تورد صاحبها الموارد
وتهلكه وتوبقه ، ففي آخر حديث وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ قال صلى الله عليه وسلم : ((أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ : كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ، فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))(2)، قال ابن رجب رحمه الله : (( والمراد بحصائد الألسنة: جزاء الكلام المحرم وعقوباته ، فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيراً من قولٍ أو عمل حصد الكرامة، ومن زرع شراً من قولٍ أو عملٍ حصد غداً الندامة ، وظاهر حديث معاذ يدلُّ على أن أكثر ما يدخل به الناس النار النطقُ بألسنتهم ، فإن معصية النطق يدخل فيها الشركُ وهو أعظم الذنوب عند الله عز وجل ، ويدخل فيها القول على الله بغير علم وهو قرين الشرك ، ويدخل فيه شهادة الزور التي عدَلت الإشراك بالله عز وجل ، ويدخل فيها السحر والقذف، وغير ذلك من الكبائر والصغائر كالكذب والغيبة والنميمة وسائر المعاصي الفعلية لا يخلو غالباً من قول يقترن بها يكون معيناً عليها))(3) .

والواجب علينا جميعاً أن نحذر في شهرنا هذا وفي سائر أوقاتنا قول الزور وشهادة الزور والغيبة والنميمة وأن نحفظ ألسنتنا من كل قول محرم وقبيح ؛ لأن حصائد الألسن وخيمة وعقوبتها عند الله عظيمة .

أما قول الزور فقد قرنه الله سبحانه بالشرك بالله في قوله تعالى : {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَا
جْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30] ، روى الإمام أحمد والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيباً فقال : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ إِشْرَاكًا بِاللَّهِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَرَأَ : {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ})) (4) وفي الصحيحين عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ))(5).
وأما الغيبة فقد قال الله عنها : {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ }[الحجرات: 12] ، وأما النميمة فقد قال صلى الله عليه وسلم : ((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ))(6) أي: نمام .

وأما الكذب فإنه أساس كل فجور قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ))(7) ؛ لأنه يَجُرُّ إلى كل المعاصي التي يقترفها اللسان وتقترفها الجوارح الأخرى ، فكل عمل صالح - ظاهر أو با
طن - فمنشؤه الصدق ، وكل عمل فاسد - ظاهر أو باطن - فمنشؤه الكذب ، والله تعالى يعاقب الكذّاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه ، ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق ، ولا مفاسدهما ومضارّهما بمثل الكذب ولذلك قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [التوبة: 119].

فالواجب على المسلم أن يصون لسانه من ذلك كله ليحقق إسلامه وليكمّل إيمانه وليصون دينه ولينال دخول الجنة والنجاة من النار ؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ))(8) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ))(9)، وروى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ ))(10) والمراد بذلك اللسان والفرج ، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : ((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ))(11)، وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ , فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا ؛ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))(12).
نسأل الله العافية والسلامة ، ونسأله سبحانه أن يحفظ علينا ألسنتنا وسائر جوارحنا وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً .

(1) البخاري (1903).
(2) رواه الترمذي (2616) ، وقال: حديث حسن صحيح.
(3) جامع العلوم والحكم (الحديث التاسع والعشرون ، ص: 147).

(4) المسند (16943) ، والترمذي (2299) .
(5) البخاري (2654، 5976)، ومسلم (87).
(6) رواه البخاري (6056)، ومسلم (105).
(7) رواه البخاري (6094)، ومسلم (2607).
(8) رواه البخاري (10)، ومسلم (41) من حديث جابر .
(9) رواه البخاري (6018)، ومسلم (47).
(10) البخاري (6474).
(11) البخاري (6477)، ومسلم (2988).
(12) مسلم (2581).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 174.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 168.38 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (3.38%)]