عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 602 - عددالزوار : 339346 )           »          أبناؤنا وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          7خطوات تعلمكِ العفو والسماح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          تربية الزوجات على إسعاد الأزواج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          الغزو الفكري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          حدث في العاشر من صفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          الإنسان القرآني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          الخطابة فنّ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          الرحمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          متاعب الحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-04-2020, 07:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة


عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(7)
محمود العشري
نصائح كلِّية للاستفادة من الحياة في تحصيل رضا الله- تعالى -:
أخي - يا بن الإسلام -:
إذا ما أحسنتَ استقبال رمضان، سَهُل عليك العمل على استثماره، والاستفادة مما يكون فيه من الخَيْرات، وأَذْكُر لك الآن بعض النَّصائح الكلية في حياتك عمومًا، وفي رمضان على وجه الخصوص، فأقول وبالله - تعالى - التوفيق، وعليه التُّكلان:


1- آمِن بالله - تعالى - وملائكته، وكتُبِه ورسله، واليوم الآخر، وآمِن بالقدَرِ خيره وشرِّه؛ قال - تعالى -:
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
[البقرة: 177]
وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].


ولَمَّا سُئل - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الإيمان قال - كما في "صحيح مسلم" -:
((أن تؤمن بالله وملائكته، وكتُبِه ورسله، واليوم الآخِر، وأن تؤمن بالقدَر خيره وشرِّه)).
وهذا الإيمان المطلوب تحتاج أن تتعلَّمه جيدًا كما تعلَّمه الصحابةُ الكرام؛ لأنه سبيلك إلى الجنَّة، ولهذا فإنِّي استعنت ربِّي - سبحانه - وبدأتُ في بعض البحوث المتعلِّقة بمسائل العقيدة والإيمان، أسأل الله - تعالى - أن يُتِمَّها عليَّ بخير، وأن ينفع بها، وأن يجعلَها خالصةً لوجهه، آمين.
2- أخلِص النِّية لله، واحذر الرِّياء في القول والعمل؛ فإنَّ عليك من الله عَينًا ناظرة، قال - تعالى -:
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
[البينة: 5].


وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((إنَّما الأعمال بالنيات، وإنَّما لكل امرئٍ ما نوى))
وفي "مسند أحمد" و"صحيح ابن حبان" و"مستدرك الحاكم":
((بَشِّر هذه الأُمَّة بالسَّناء والتَّمكين في البلاد، والنصر والرِّفعة في الدِّين، ومَن عَمِل منهم بعمل الآخرة للدُّنيا، فليس له في الآخرة من نصيب))
والحديث صححه الألبانيُّ في "صحيح الجامع".
فانظر - أخي يا بْنَ الإسلام - إلى هذا الرَّبْط الخطير بين التَّمكين والإخلاص، فبِه تعرف ما سبب تأخُّر التمكين؛ فإنَّ من أخطر الأسباب التي تحول بين هذه الأمة وبين التمكين في هذا العصر الذي يعاني فيه المسلمون من الهوان: فسادَ النِّية.


فيا أيُّها العاملُ لنصر الدِّين، الآملُ حصولَ التمكين، أخلص النِّية لله - تعالى - وإلا فالنارَ النارَ، أخلص نيتك، وطهِّر قلبك من الرِّياء، واقصد وجه الله بتوجُّهك، تكسِبْ خيرَيِ الدنيا والآخرة، وإلا فالخسار والدمار وخراب الديار، واعلم أنك تطلب ما عند الله - تعالى - وما عند الله لا ولن يُنال إلاَّ بطاعته.
فالنِّية هي الأصل - يا بن الإسلام - والله الحسيب والرَّقيب، مطَّلِع على السرائر والضمائر، لا تَخْفى عليه خافية، وكم من عملٍ يتصوَّر بصورة أعمال الدُّنيا، فيصير بِحُسن النية من أعمال الآخرة! وكم من عمل يتصور بصورة أعمال الآخرة، فيصير بِسُوء النية من أعمال الدنيا! فلْتَحذر.
قال عبدالله الأنطاكيُّ: مَن طلب الإخلاص في أعماله الظاهرة، وهو يُلاحظ الخلق بقلبه، فقد رام المُحال؛ لأنَّ الإخلاصَ ماءُ القلب الذي به حياتُه، والرياء يُمِيته.


فلا بد إذًا - للنجاة في الآخرة، وللانتِفاع بما تتعلَّم في الدنيا، والنَّفع به - من الإخلاص - رزقَنا الله جميعًا إيَّاه.
ولكن الإخلاص عزيز؛ ولذلك لا بدَّ من إعداد العُدَّة لتحقيقه؛ بالبحث عن أسبابه، ومُجاهدة النفس، وأُحِيلُكَ - أخي باغي الخير - على كتب الرَّقائق والتَّزكية؛ ففيها العون من الله لمن يريد أن يُعان.
3- اتَّبِع السُّنةَ النبوية في جميع أقوالك وأفعالك ونياتك؛ قال - تعالى -:
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
[الحشر: 7]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "صحيح البخاري":
((كلُّ أمتي يدخلون الجنة إلاَّ من أبَى))
قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال:
((من أطاعني دخل الجنَّة، ومن عصاني فقد أبى)).
4- اتَّقِ الله حيثما كنتَ، واعزِم على فعل جميع الأوامر، وترْكِ جميع المناهي؛ قال - تعالى -:
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن: 16]
وكان النبيُّ - صلى الله عيه وسلم - يقول - كما عند "مسلم" -:
((اللهم إنِّي أسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغِنَى)).


5- تُبْ إلى الله توبة نصوحًا، وأكثِرْ من الاستغفار؛ قال - تعالى -:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا
[التحريم: 8]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح مسلم":
((يا أيها النَّاس، توبوا إلى الله واستغفروه؛ فإنِّي أتوب إليه في اليوم مائة مرَّة)).
6- راقب الله في جميع حركاتك وسكناتك، واعلم أنَّ الله يراك ويسمعك، ويعلم ما يُكِنُّه صدرك، فاحذَرْه، قال - تعالى -:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
[الحديد: 4]
وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
[آل عمران: 5]
وقال: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح مسلم" - لما سُئل عن الإحسان:
((أن تَعْبد الله كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك)).


7- كن مُسارِعًا إلى فعل الخيرات من غير تردُّد، قال - تعالى -:
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ
[البقرة: 148]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "صحيح مسلم":
((بادروا بالأعمال الصَّالحة؛ فستكون فِتَن كقطع الليل المُظْلِم، يصبح الرجل مؤمنًا ويُمْسي كافرًا، ويصبح كافرًا ويمسي مؤمنًا، يبيع دينه بِعَرَضٍ من الدنيا)).
8- اصبر على طاعة الله، وعن مَعْصيته، وعلى أقداره المُؤْلِمة؛ قال - تعالى -


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
[آل عمران: 200]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الصَّحيحين:
((من يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أُعطِيَ أحدٌ عطاء خيرًا وأوسع من الصبر)).
9- اصْدُق مع الله في أقوالك وأفعالك ونيَّاتك، واصدق مع الناس، وإيَّاك والكذب؛ قال -تعالى -:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].
وفي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إن الصِّدق يهدي إلى البِرِّ...)).
10- عليك باليقين في الله، والتوكُّلِ عليه؛ فهو كافيك، قال - تعالى -:
﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
[الطلاق: 3]
وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول - كما في الصحيحين -:
((اللَّهم لك أسلمتُ، وبك آمنت، وعليك توكَّلت، وإليك أنبتُ، وبك خاصمت، اللَّهم أعوذ بعِزَّتك لا إله إلاَّ أنت أن تضِلَّني، وأنت الحيُّ الذي لا يموت، والجنُّ والإنس يموتون)).
11- استَقِم كما أمرَك الله ورسوله، قال - تعالى -:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
[هود: 112]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلم:
((قل: آمنتُ بالله، ثم استَقِم)).


12- تفكَّر في عظيم مخلوقات الله، وفناء الدُّنيا، وأهوال الآخرة، قال - تعالى -:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
[آل عمران: 190]
وقال: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
[يوسف: 109].
13- جاهِدْ نفسك على طلب معالي الأمور، ولا تركن إلى الرَّاحة والدَّعة، فتخسر الدنيا والآخرة
قال - تعالى -:
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
[العنكبوت: 69]
وفي "صحيح مسلم" قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفَعُك، واستعن بالله ولا تَعجِز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أنِّي فعلتُ كذا، كان كذا، ولكن قل: قدَرُ اللهِ وما شاء فعل؛ فإنَّ (لو) تفتَحُ عمل الشيطان)).


14- عليك بالقصد، وإيَّاك الغلو والتشدُّد، وتحميل النفس فوق طاقتها، قال - تعالى -:
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
[البقرة: 185]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الصحيحين:
((عليكم بما تُطِيقون، فوالله لا يملُّ الله حتى تَملُّوا، وكان أحب الدِّين إليه ما داوم عليه صاحِبُه)).
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هلكَ المُتنطِّعون))؛ قالها ثلاثًا، كما روى مسلمٌ، وهم المتعصِّبون المتشدِّدون.
15- احذَرْ من البدع ومُحْدَثات الأمور؛ فإنَّ كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، قال - تعالى -:
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
[الأنعام: 153].


وفي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ)).
16- ادع إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة، قال - تعالى -:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
[النحل: 125]
وفي "صحيح مسلم" قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((من دَلَّ على خيرٍ، فله مثل أجر فاعله))
وقال لعليٍّ - رضي الله عنه -: ((لأَنْ يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمر النَّعَم))
والحديث متَّفق عليه.


17- تعاوَنْ مع الناس على البِرِّ والتَّقْوى، ولا تتعاوَنْ على الإثم والعدوان، قال - تعالى -:
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
[المائدة: 2]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((من جهَّز غازيًا في سبيل الله، فقد غزا، ومن خلَفَ غازيًا في أهله بخير، فقد غزا))
والحديث متفق عليه.
18- أدِّ الأمانة لمن ائتمنك، ولا تَخُن من خانك؛ قال - تعالى -:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المتفق عليه:
((آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمِن خان)).


19- أحسِنْ إلى جارك، وارْعَ حقَّه، واستوصِ به خيرًا، قال - تعالى -:
﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
[النساء: 36]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المتَّفَقِ عليه:
((ما زال جبريلُ يوصيني بالجار حتَّى ظننت أنه سَيُورِّثه)).
20- عليك بالرِّفق والأناة والحِلْم، واحذر من الغفلة والعجلة، قال - تعالى -:
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
[الأعراف: 199]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأشجِّ عبدالقيس - كما عند مسلم -:
((إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم والأناة))
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المتفق عليه
((إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرِّفق في الأمر كلِّه)).


فاجتهد أن تتحلَّى بالحلم والأناة والرِّفق؛ لتحظى بحبِّ الله - عزَّ وجلَّ.
21- ازْهَد في الدُّنيا، وتقلَّل منها ما استطعت، وارغب في الآخرة؛ فهي الدار الحقُّ، قال - تعالى -:
﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
[العنكبوت: 64]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "صحيح مسلم":
((ما الدُّنيا في الآخرة إلاَّ مثل ما يجعل أحدكم إصبعَه في اليمِّ - البحر - فلينظر بِمَ يرجع))
وقال كما في البخاري:
((كن في الدُّنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل)).


22- عليك بالقناعة والعفاف والاقتصاد في العيشة، وإياك وسؤال الناس من غير ضرورة مُلِحَّة
قال - تعالى -:
﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا
[البقرة: 273]
وقال - تعالى -:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا
[الفرقان: 67]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الصحيح الذي رواه أهل السُّنن:
((من تكفَّل لي ألاَّ يسأل الناس شيئًا، أتكفَّل له بالجنَّة))
وقال - كما عند مسلم -:
((قد أفلح مَن أسلم ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه)).
23- أكثِر من ذِكْر الموت وزيارة القبور؛ فإنَّ ذلك أدعى أن تقف على حقيقة الدُّنيا الَّتي لا تُساوي عند الله جناح بعوضة، وأن تُضاعِف من جهدك وهِمَّتِك في الوصول إلى رضا الرَّحمن، ونَيْل الجنان في الآخرة، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((كنت نَهيتُكم عن زيارة القبور، فزوروها؛ فإنَّها تذكِّركم الآخرة)).


24- تَواضَعْ للناس، واخفض الجناحَ لهم، وإياك - يا بن الإسلام - والكِبْرَ والتعالي عليهم، قال - تعالى -:
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
[الشعراء: 215]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إنَّ الله أوحَى إليَّ أن تواضَعوا، حتَّى لا يَفْخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحد على أحد))
رواه مسلم، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((لا يدخل الجنَّةَ من كان في قلبه مثقالُ ذرَّة من كِبْر))
رواه مسلم، فاجتهد - يا بن الإسلام - في التواضع؛ فمن تواضعَ لله رفعه.
25- أطِعْ وُلاة الأمر - وهم العُلَماء والأمراء - في غير معصية الله، وادْعُ لهم بالصلاح والمعافاة
قال - تعالى -:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
[النساء: 59]
وفي المتفق عليه:
((على المرء المسلم السَّمعُ والطاعة فيما أحبَّ وكَرِه، إلاَّ أن يُؤمَر بمعصية، فإذا أُمِر
بمعصية فلا سَمْع ولا طاعة)).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-05-2020, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة

عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(8)
محمود العشري


قواعد مهمَّة للوصول إلى الجنة




أخي يا بن الإسلام:
بعد هذه النَّصائح الكليَّة، وقبل أن أَذْكر بعض وسائل استثمار رمضان؛ أحبُّ أن أؤصِّل معك بعض القواعد؛ لتنتبه إليها، وتُوليها فِكْرَك، وأنت تعمل على استثمار رمضان الاستثمارَ الأمثل، فأقول وبالله التوفيق:



أولاً: لقبول العبادة شرطان: الإخلاص، ومتابعة الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد قيل: قولوا لمن لم يَكُن مخلصًا: لا تتعنَّ؛ أيْ: لا تُرهق نفسك في العمل؛ لأنَّه سيكون هباء منثورًا؛ فلذلك حرِّر الإخلاص، واجتهد في ذلك، واحرص على أن يكون عمَلُك لله وحده، لا رياء الناس، ولا شهوة، ولا هوى، ولا حظَّ نفس، ولا لطلب الدُّنيا والعلو فيها، والأمر يحتاج إلى جهادٍ وصبر ومُثابرة.
ثانيًا: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من عمِل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد))؛ والحديث رواه مسلم، فلا تتعبَّد إلا بالوارد عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبِفَهم الصَّحابة لأصول العبادات، ولا تبتدع في دينك؛ فالبدعة شرٌّ من المعصية.


ثالثًا: التدرُّج أصل هامٌّ في دين الإسلام، فأوغل في الدِّين برِفْق، وراعِ فقه النَّفْس، ولا تُحمِّلها فوق طاقتها، فتستَحْسِر وتترك، ولكن لا يكون التدرُّج تكأةً للتَّفريط، ولا مَدْعاة للكسل، ولا سبيلاً لسقوط الهمَّة، وعدم طلب الأعلى والأكمل والأفضل، قال ابن الجوزيِّ: للنفس حظٌّ وعليها حق، فلا تميلوا كلَّ الميل، وزِنُوا بالقسطاس المستقيم.
رابعًا: الصبر أصل آخَر، فلا تظنَّ أنك ستَجِد قُرَّة العين في الصلاة من أوَّل مرة، أو تستشعر حلاوة ولذَّة القيام في البداية، أو تجد الخشوع والدموع عند تلاوة القرآن منذ الآية الأولى، كلاَّ ولا؛ فالأمر يحتاج إلى صبرٍ وصِدق ومعاناة.
قال بعضهم: عالَجْتُ قيام الليل سنَة، ثم تمتَّعت به عشرين سنةً، فاصبر سنة وسنوات؛ لتنال الرُّتَب العالية.


خامسًا: المُجاهدة والمعاناة أصلٌ مع الصبر والاصطِبار، قال بعض العلماء: مَن أراد أن تُواتيه نفسه على الخير عفوًا، فسينتظر طويلاً، بل لا بدَّ من حمل النفس على الخير قهرًا، وهذا هو الحقُّ المطلوب: أن يحمل الإنسان نفسه على الخير حملاً، وقال بعضهم: عوِّدوا أنفسكم على الخير؛ فإن النُّفوس إذا اعتادت الخير ألِفَتْه، فجاهد نفسك لعمل الخير، جاهد نفسك لتحقيق الإخلاص، جاهِد نفسك لتحسين العمل، جاهد نفسك للارتفاع بمستوى إيمانك، جاهد نفسك لتكون من المتَّقين.
سادسًا: تدرَّب ذهنيًّا على العبادات قبل أدائها، بمعنى أنك ينبغي أن تقرأ عن الصَّلاة وفَضْل قيام الليل، وجزاء الصَّائمين القائمين، وعاقبة المتصدِّقين، قبل أداء هذه العبادات، وكذلك قراءة أحوال النبِيِّ والصحابة والصالحين؛ لتكوين صورةٍ لهذه العبادات ذهنيًّا، واستشعارها قلبيًّا، ثم الدُّخول في هذه العبادات بهذا التصوُّر، فيكون الأمر أسلمَ، ويكون ذلك أدعى لتحصيلها على أحسن صُوَرِها، وأكملِ أحوالها.
سابعًا: لا تستخِفَّ بقدراتك، وكن مستعِدًّا للمُجازفة، إنَّ عدم المجازفة - نتيجةَ الخوف من الفشل - عائقٌ للنَّجاح، إن العبد الربانِيَّ هو الذي يعتمد على الله، ويتوكَّل عليه، ثم يحزم أمره، وينطلق في عمَلِه، قال - تعالى -: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 159] وقال: ﴿ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [محمد: 21].


أنت قويٌّ، فتوكَّل على الله، وأنت تستطيع الكثير، ولست أقلَّ ممن وصلوا إلى المراتب العليا في العلم والعمل، بقي لك الصِّدق والتوكُّل، ثم إذا أخفقت أو فشلت، فأعمِل فكرَك كيف تُجنِّب نفسك الإخفاق مرَّة أخرى.
ثامنًا: اطلب النتيجة لا الكمال، إنَّ المسلم الحكيم هو الذي يطلب النتيجة الصحيحة عبر مقدِّماتها الصحيحة دون أن يُبالغ في مطلبه، فيَنْزع إلى اشتراط الكمال في مواهبِه، فإذا وجد قصورًا في نفسه - وهو لا شكَّ واجدٌ - سارعَ إلى إصلاحه، واجتهدَ في تصحيحه، وليس شرطًا أن يصير صحيحًا مائة في المائة، لا بدَّ من قصور؛ ((فاستمتِع بها على عوج))؛ لأنَّ الانشغال بتحسين نتائج العمل خيرٌ ألف مرَّة من اشتراط الكمال في الأعمال؛ لأنَّ ذلك مثبِّط عن الأعمال، ودافعٌ إلى الانقطاع والاستِحْسار.


تاسعًا: تكامُل الشخصيَّة الإيمانية بتكامُلِ أعمال الإيمان، قالوا: لو أنَّ للنُّفوس بصماتٍ، لكانت أشدَّ اختلافًا من بصمات الأصابع، ومن ثَمَّ فليس كلُّ علاج موصوفٍ يناسب جميع النُّفوس، وقد علم فاطِرُ النُّفوس - سبحانه - أن خلقه هكذا، فجعل مَراضيه - سبحانه - متعدِّدة، تُناسب إمكانات النفوس، وطاقاتِها وقدراتها، فشرع - سبحانه - الصِّيام، والصلاة، والذِّكْر، والصَّدقة، والقرآن، وخدمة المسلمين، وطلب العلم، وتعليم الناس، والحجَّ، والعمرة... كل هذه العبادات وعشرات غيرها، منها فرائض ومنها نوافل، وجعل الفرائض بقدر ما لا يشقُّ على النفوس، ثم فتح الباب في النوافل يستزيد منها من يشاء، ولا حرج على فضل الله، فقُم بالفرائض فأدِّها كما ينبغي، ثم اعمد إلى النوافل فاستزِد مما تجد في نفسك رغبة وهِمَّة إليه، قال - تعالى - في الحديث القدسي الذي رواه البخاريُّ: ((ما تقرَّب إلَيَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه)).
فزِدْ في النوافل قدر ما تستطيع، ولكنَّ لكل نفس بابًا يُفْتَح لها من الخير، تَلِج فيه إلى منتهاه، فإذا وجدت من نفسك هِمَّةً ونشاطًا في جانب من جوانب العبادة فاسلُكْه ولا تتوانَ، وزد فيه، ولا تتأخَّر؛ لعلَّ الله يجعل فيه زكاة نفسك، والتزم جميع الجوانب بقدر الإمكان؛ فإنَّها مكملات لشخصَّيتك الإيمانية.
عاشرًا: المتابعة أمُّ المُداومة، والاستمرار أبو الاستقرار؛ لا بدَّ لك من شيخٍ متابع، أو أخٍ كبير مُعاون، أو على الأقل زميل مُشارك، لا تكن وحدك؛ ((فإنَّما يأكل الذِّئب من الغنم القاصية))؛ كما روى أبو داود، وحسَّنه الألباني.


والنَّفس بطَّالة، وبالسوء أمَّارة، فليكن لك شيخٌ يتابعك إيمانيًّا؛ كان رسول الله يُتابع أصحابه يوميًّا، فيقول: ((مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟ من أطعم اليوم مسكينًا؟ من عاد اليوم مريضًا؟)) كما روى مسلم، وقد أمره ربُّه بذلك في أصل أصول التربية، فقال: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ [الكهف: 28].
فابحث لك عن شيخٍ، وبالإخلاص تُرزَق، وابحث عن أخٍ كبير تستشيره، فهو ذو خِبْرة سابقة تنفعك، وائتَلِف مع مجموعة من الإخوة الأقران، يكونون عونًا لك على طاعة الله ورسوله، فتكونون: ﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ﴾ [الفتح: 29].
حادي عشر: لا تَمْنُن تستكْثِر: اعلم أخي الكريم أن التحدُّث بالعمل لا يخلو من آفات؛ فإمَّا أن يكون إظهار العمل للرِّياء والفخر والسُّمعة، فيحبط عملُك، أو تُحسَد، فالإيمان يتعرَّض للحسد، فتحصل الانتكاسة، فاكتُمْ عملك، وأَسِرَّ بقرباتك، ولا تُحدِّثْ بطاعاتك تَسْلَم، ونصيحة أخرى: أنت لا تدري أي أعمالك حاز القبول، ونِلْت به الرِّضا، فمهما كثر عملك، فلتكن على وجل خوف الردِّ، وعدم القبول، أو حذر الحسد وإفساد الأحوال، ولا تَفْتُر فتهلك، نعوذ بالله من تكدير الصافي، ونسأل الله السلامة والمُسامحة.


أخي يا بن الإسلام، إنَّ أجمل شيءٍ في هذه الدنيا أن يستعملك الله في طاعته، الشُّعور أن الله يستعملك في طاعته إحساسٌ رائع يتملَّكك، حتى لتكاد تشعر أن يدًا حانية تلمس خدَّك؛ لِتُدير وجهك، وتلفت نظرك إلى ما يُرضي ربَّك، وتشعر بهذه اليد تُمسك بيدك بحنوٍّ بالغ، فيه قوَّة؛ لتقودك وترفعك إلى عبادات وطاعات وقربات لم تكن لك على بال، وتستشعر هذه اليد حانية قويَّة دافئة في ظهرك، تَمْنعك من التَّراجع، وتدفعك إلى التقدُّم، تمنعك من السُّقوط، وتُشعرك أنك مسنود.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-05-2020, 01:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة

عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(10)
محمود العشري







وسائل استثمار رمضان


الوسيلة الثالثة
الصَّدَقة:
أخي يا بن الإسلام، إن المال - لِمَن استعان به على طاعة الله، وأنفقه في سبيل الخيرات المقرِّبة إلى الله - سببٌ موصِّل له إلى الله تعالى، وهو - لِمَن أنفقه في المعاصي، واستعان به على أغراضه المحرَّمة، أو اشتغل به عن طاعة الله - سبب قاطعٌ له عن الله - عزَّ وجلَّ.

وقد امتدح الله المتصدِّقين المنفقين، فقال - سبحانه -:
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274]
وبشَّر الله - تعالى - المؤمنين بأنَّه سيُضاعِف لهم الحسنات، ويرفع لهم الدَّرجات، فقال - تعالى -:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ
يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
[البقرة: 261]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح البخاري":
((ما من يومٍ يُصبح العباد فيه إلاَّ ملَكان يَنْزِلان، فيقول أحدهما: اللَّهم أعط منفِقًا خلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسِكًا تلَفًا)).



فيا بْنَ الإسلام، المال فتنة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أخرجه الترمذيُّ وصحَّحه الألباني:
((لكلِّ أمة فتنة، وفتنة أمَّتي المال))، ونحن في زمن الماديات، وصراع النَّاس على الكماليات، وهموم الناس الدَّنيئة التي خرَّبَت قلوبهم وعلاقتهم بربِّهم، في زمن التَّعاسة، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عند البخاري: ((تَعِس عبْدُ الدِّرهم والدِّينار)).

في هذا الزَّمان الحرج يحتاج الإنسان إلى التخلُّص من ربقة المادِّية الطاغية، وذلك ببذل المال، قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]،
وقال - تعالى - في الحديث القدسيِّ المتَّفِق عليه: ((أنفق يا بن آدم يُنفَق عليك))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصحيحين": ((اتَّقوا النار ولو بشِقِّ تمرة))
وفي رواية: ((مَن استطاع منكم أن يستَتِر من النار ولو بشقِّ تمرة، فليفعل))، وعند أحمد، وصححه الألباني في "صحيح ابن خزيمة" عن عقبة بن عامر مرفوعًا: ((كلُّ امرئٍ في ظلِّ صدقته حتَّى يُفصَل بين الناس))، أو قال: ((يُحكَم بين الناس))، وفي "صحيح مسلم" أيضًا: ((الصَّدقة برهان))؛ أيْ: دليلٌ على حبِّ صاحبها لله.

فيا أخي يا بن الإسلام، ربِّ نفسك على الزُّهد في الدنيا؛ ألاَّ يكون للدنيا أيُّ قيمة في قلبك، فهي لا تُساوي عند الله جناحَ بعوضة، فلا تفرح بإقبالها، ولا تحزن على إدبارها، ولتستَوِ عندك الحالتان؛ لأنَّك عبدٌ للمعطي المانع، قال - تعالى -:
﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 23]
قيل للإمام أحمد:
الرَّجلُ يملك ألف دينار ويكون زاهدًا؟ قال: نعم، قيل: كيف؟! قال: إذا لم يفرح إذا زادَتْ، ولَم يحزن إذا نقصَت.



واعلم أخي أنَّ الصدقة في رمضان لها مَنْزلة خاصَّة، وهي من دواعي قبول الأعمال والعبادات، وأنت بحاجةٍ ماسَّة شديدة إلى نَفْعِها وأجرِها وظلِّها يوم القيامة، قال - تعالى -:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]
وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ
يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]
وقال - تعالى -: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ
وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245]
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذي وصححه الألباني:
((ما نقَص مالُ عبدٍ مِن صدقة)).



وفي "الصحيحين": ((من تصدَّق بعِدْل تمرة مِن كَسْبٍ طيِّب - ولا يقبل الله إلا الطيِّب - فإنَّ الله يتقبَّلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبها كما يربِّي أحدُكم فَلُوَّه حتى تكون مثل الجبل))، وروى الترمذي وحسَّنه عن أنس مرفوعًا: ((إن الصدقة لَتُطفئ غضب الربِّ، وتدفع ميتة السُّوء))، وكما أنها تطفئ غضب الرب فهي تطفئ الذُّنوب والخطايا كما يطفئ الماء النَّار، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد:
((إن ظلَّ المؤمن يوم القيامة صدقته)).

فإذا كانت الصدقة من دواعي قبول الأعمال والعبادات، وأنت بحاجة ماسَّة شديدة إلى نَفْعِها وأجرها وظلِّها يوم القيامة، فلِمَ لا تجعل لله مقدارًا من الصدقة؟! ولا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولا بأس أن تنوِّعها؛ تارةً مالاً، وتارة طعامًا، وتارة لباسًا، وغير ذلك.

واعلم كذلك أن صدقة السرِّ أفضلُ من صدقة العلانية، قال - تعالى -:
﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ
مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271].

لذلك أنصحك - أخي يا بن الإسلام - ألاَّ يعلم عن صدَقتِك أحدٌ غيرك؛ فإنَّك بحاجةٍ إلى عمل السِّر بينك وبين الله؛ فكم من الأجر العظيم ينالك بهذا الفعل! فهذا العمل ينجي صاحبه على يُسْرِه؛ لما فيه من الإخلاص لله - تعالى - من أهوال وكُرَب يوم القيامة، فيُظِلُّ الله به صاحبه في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه، ففي "الصحيحين": ((سبعة يُظِلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله... ورجل تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتَّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))، فهل تفعل ذلك وتحرص على هذه العبادة العظيمة في السرِّ بينك وبين الله؟!



"كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان، حين يلقاه جبريلُ فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين يلقاه جبريل أجودُ بالخير من الرِّيح المرسَلة"؛ كما في "الصحيحين"، ولأن الصدقة في رمضان إعانة على أداء فريضة الصَّوم، والصدقة في أوقات الحاجات أفضَلُ منها في غيرها.

فالعاقل مَن يُسابق في ميزان الخيرات، بما يقدِّمه من الصِّلة والإحسان لإخوانه الفقراء، الذين أناخ الفقرُ ببابهم، وعضَّهم البؤسُ بِنابِه، وأوجعهم بكِلابه، فلا مورد له، ولو رأيتهم لظننتَهم من الأغنياء وأهل الثَّروة والمال، والله أعلم بما يقاسون من الدُّيون؛ لِما تحت أيديهم من الصِّغار والكبار، وما يقاسون من آلام الجوع والفقر، والشدَّة والعسر، ولكن يمنعهم الحياء وعزَّة النفس أن يمدُّوا أيديهم للسؤال، وأن يطلبوا الرِّزق إلا من الله الرزَّاق الكبير المتعالي، فهؤلاء هم الذين ينبغي الاعتناء بهم، والبحث عن أحوالهم؛ وذلك عن طريق جيرانهم وأقربائهم، حتَّى تقع الصدقة في موقعها.

واعلم أن الأولويَّة في الصدقة للأقرباء، والجار، وطُلاَّب العلم؛ فالصدقة على ذي الرَّحِم أفضل منها على غيره؛ ولا سيَّما مع العداوة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الصَّدَقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرَّحِم ثِنْتان؛ صدقة وصِلَة)) وقال: ((أفضل الصَّدقة على ذي الرَّحِم الكاشح))؛ رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.



ثم الصَّدقة على الجار أفضل؛ لقوله - تعالى -:
﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ [النساء: 36]
ولِحَديث: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُحْسِنْ إلى جاره)) وحديث: ((والله لا يؤمن))، قالوا: مَن يا سول الله؟ قال: ((مَن بات شبعان وجارُه جائع وهو يعلم))، ويُستحَبُّ أن يخصَّ بالصدقة من اشتدَّت حاجته؛ لقوله - تعالى -: ﴿ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 15].

واعلم أيضًا أنَّ الصدقة على طالب العلم أفضل؛ لأنَّ في إعطائه إعانة على العلم ونَشْر الدِّين؛ وذلك لتقوية الشريعة، وكون الصَّدقة على صاحب دين أفضل، وكذا على ذي عائلة أفضل عمَّن ليس كذلك، فاحرص أخي أن تكفل طالبَ علم ينفعك الله به دنيا وأخرى.

آداب الصَّدقة:
اعلم - أخي يا بن الإسلام - أنَّ الصدقة - التي يُرجى ثوابُها والنَّجاة بها يوم القيامة - لها شروطٌ وآداب، منها:
1 - أن يُراد بها وجْهُ الله - تعالى - فلا تُعطى مكافأةً على معروف، أو يُرجَى بها المكافأة بمعروف، ولا يُبتغَى بها ثناءُ الناس ومدحهم، أو شكر المتصدَّق عليه وامتنانُه، ولذا كانت صدَقةُ السرِّ أفضلَ من صدقة العلانية.

قال - تعالى -: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ [الليل: 17 - 21].

يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة في قوله - تعالى -: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 8 - 9]
ومَن طلب من الفقراء الدُّعاءَ أو الثناء، خرج من هذه الآية؛ ففي الحديث الذي في "سنن أبي داود":
((من أسدى إليكم معروفًا فكافِئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتَّى تعلموا أنكم قد كافأتموه)).



ولهذا كانت عائشة - رضي الله عنها - إذا أرسلَتْ إلى قومٍ بهديَّة تقول للرسول: "اسْمَع ما دعَوْا به حتى ندعُوَ لهم بمِثْل ما دعَوا، ويبقى أجْرُنا على الله"، وقال بعض السَّلف: "إذا أعطيتَ المسكين فقال: باركَ الله عليك، فقل: بارك الله عليك"، أراد أنه إذا أثابك بالدُّعاء، فادْعُ له بمثل ذلك الدُّعاء؛ حتَّى لا تكون اعتَضْتَ منه شيئًا".

2 - ألاَّ تُبْطِلها بالمنِّ على من تصدَّقتَ عليه بها، وإيذائه بذلك، قال - تعالى -: ﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ﴾ [المدثر: 6]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ﴾ [البقرة: 264]، والمنُّ: أن تَذْكرها وتتحدَّث عنها، أو تستخدمه بعطائك، أو تتكبَّر عليه لأجل إعطائه، والأذى أن تُظْهِرها، أو تعيِّره بالفقر، أو تَنْهره، أو توبِّخه، كان بعض السلف يَبْسط كفَّه ليأخذ الفقير من كفِّه، وتكون يدُ الفقير هي العليا.

وفي حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - المرفوعِ الذي رواه مسلمٌ وأحمد وأصحاب السُّنن: ((ثلاثةٌ لا يكلِّمُهم الله يوم القيامة، ولا يَنظر إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم: المُسْبِل إزارَه، والمَنَّان الذي لا يُعطي شيئًا إلاَّ منَّهُ، والمُنَفِّق سلعتَه بالحلف الكاذب)).



3 - أن تكون الصَّدقة من كَسْبٍ حلال طيِّب، لا حُرْمة فيه؛ فإنَّ الله - تعالى - طيِّب لا يقبل إلاَّ طيبًا، فعلى المتصدِّق أن ينتقي من ماله أفضلَه وأجوده؛ قال - تعالى -: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ
[آل عمران: 92]، وروى مسلمٌ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
((إن الله طيِّب لا يَقْبل إلاَّ طيبًا))، قال ابن رجب: "والطيِّب هنا معناه الطَّاهر"، وفي "الصحيحين" عن أبي هُرَيرة مرفوعًا: ((ما تصدَّق عبدٌ بصدقة من مالٍ طيِّب، ولا يقبل الله إلاَّ الطيب، إلاَّ أخذها الله بيمينه..)) الحديث، قال ابنُ رجَب: "وأما الصَّدقة بالمال الحرام، فغير مَقْبولة".

سُئل ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - عمَّن كان على عملٍ فكان يَظْلم ويأخذ الحرام، ثم تاب فهو يحجُّ ويعتق، ويتصدَّق منه؟ فقال: "إنَّ الخبيث لا يُكفِّر الخبيث"، وكذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إن الخبيث لا يكفِّر الخبيث، ولكن الطيِّب يكفِّر الخبيث"، وقال الحسَنُ: "أيُّها المتصدِّق على المسكين ترحمه: ارحم مَن قد ظلَمْت".



ومن كان تحت يده مالٌ من حرامٍ، فعليه إعادتُه لصاحبه أو لورثتِه إن مات، فإنْ تصدَّق بهذا المال الحرام يريد بذلك الصَّدقةَ عن نفسه به، فإنَّ هذه الصدقة منه غيرُ مقبولة، ولا يحصل لِمَن أُخِذ منه هذا المال بذلك أَجْرٌ؛ لعدم قصده ونيَّتِه.

أمَّا إن تصدَّق بالمال الحرام عن صاحب المال إذا عجز عن ردِّه إليه، أو إلى ورثته بعد مماته، فهذا جائزٌ عند أكثر العلماء؛ منهم: مالِك، وأبو حنيفة، وأحمد، وغيرهم، كالتصدُّق باللُّقَطة بعد التعريف بها، وانقطاع صاحبها، وليس لهذا المتصدِّق بهذا المال الحرامِ عليه أجرٌ، ولكن يتخلَّص بذلك من عهدته، إنَّما هي صدَقةٌ عن مالكِه؛ ليكون نفعه له في الآخرة حيث يتعذَّر عليه الانتفاع به في الدُّنيا، وإن كنت أرى أن له أجرًا عظيمًا على سعيه في التخلُّص من الحرام؛ ابتغاءَ وجه الله - تعالى - فهذا عمَلٌ من الأعمال الجليلة، والله أعلم.

واحذر أن تقصد الخبيثَ فتتصدَّق به؛ لقوله - تعالى -:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
[البقرة: 267].



4 - أن تَستصغِر العطيَّة؛ فإنَّك إن استعظمتَها أُعجِبت بها، والعُجْب من المُهلِكات، وهو محبِطٌ للأعمال، ويُقال: إنَّ الطاعة كلما استُصغِرَت عَظُمَت عند الله - تعالى - والمعصية كلَّما استُعظمت صَغُرت عند الله - تعالى.

5 - الإخلاص؛ فإن لم تكن مُخلِصًا تبتغي وجه الله - تعالى - فلا ثواب لك عنده؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح مسلم": ((إنَّ أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلِّه، فأُتِيَ به، فعرَّفه نِعَمه، فعرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تحبُّ أن يُنفَق فيها إلاَّ أَنفقتُ فيها لك، قال: كذبتَ، ولكنك فعلتَ لِيُقال: هو جوَاد، فقد قيل، ثم أُمِرَ به، فسُحب على وجهه ثم ألقي في النار)).

6 - أن تطلب بصدقتك مَن تَزْكو به الصَّدَقة من الأتقياء، أو أهل العلم، أو لِمَن كان مستتِرًا مُخفيًا حاجته لا يُكْثِر البثَّ والشكوى، أو يكون من الأقارب وذَوِي الأرحام، فتكون صدقةً وصلة رَحِم.



7 - إخفاء الصَّدقة - كلَّما أمكن - أفضلُ من إظهارها؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271].

8 - الإكثار من الصَّدَقة والمُداومة عليها؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح مسلم":
((والصَّدَقة برهان)).

9 - تَخيَّرِ الأطيبَ والأفضل، وأحَبَّ ما تملِكُ، وتصدَّقْ به؛ فقد قال - تعالى -:
﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92].

10 - اجتناب الخبيث؛ تأدُّبًا مع الله - تعالى - وقد قال - سبحانه -: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ
[البقرة: 267].

11 - الاهتمام بالقبول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]
فلْتتصدَّق، ولتكثر من الدُّعاء سائلاً الله - تعالى - القبول، قال - تعالى -:
﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60].



وأختم الكلام عن الصَّدقة بفِقْرة من كلام ابن الجوزيِّ - رحمه الله - وهي تستحقُّ - واللهِ - أن تُكتب بماء الذَّهب، قال ابن الجوزيِّ - رحمه الله -: "يَنبغي للإنسان أن يعرف شرفَ زمانِه، وقَدْرَ وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدِّم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيَّتُه في الخير قائمةً من غير فتور، فإذا علم الإنسانُ - وإن بالغ في الجدِّ - بأن الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته؛ فإذا كان له شيءٌ في الدُّنيا وقَف وقفًا، وغرس غرسًا، وأجرى نهرًا، ويسعى في تحصيل ذُرِّية تَذْكر الله بعده، فيكون الأجر له، أو أن يصنِّف كتابًا في العلم؛ فإنَّ تصنيف العالِم ولَدُه المخلَّد، وأن يكون عاملاً بالخير عالِمًا فيه، فينتقل من فعله ما يقتدي به الغير، فذلك الذي لم يمت، والله أعلم".


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-05-2020, 02:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة

عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(13)



محمود العشري

وسائل استثمار رمضان



الوسيلة العاشرة:
المحافَظة علَى الصلوات الخمس:
أخييا بن الإسلام: أصلِحْ صلاة الفريضة أولاً بالحِرْص على صلاة الجماعة في المسجد؛ فإنَّها واجبة على الرِّجال إلا مِن عذْر، ولا أحبُّ أن أذكرَ هنا الخلاف في المسألة ووجوه ترجيح الوجوب، ولكن إنْ شئت فراجِع في ذلك رسالة صلاة الجماعة للشيخ عبدالله السبت، ووجوب الصلاة في الجماعة للشيخ ابن باز، أما النساء فبيوتُهنَّ خيرٌ لهنَّ.

واحرص يا بن الإسلام، على تكبيرة الإحرام؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذي وصحَّحه الألباني: ((مَن صلَّى أربعين يومًا في جماعة لا تفوته تكبيرةُ الإحرام، كُتبت له براءتان: براءة مِن النار، وبراءة مِن النفاق))، فلِمَ لا يكون رمضان فرصةً عظيمة لمعاهدة النفس ألا تفوت تكبيرة الإحرام أبدًا خلال هذا الشهر، فإذا نجحت فاستمر على ذلك عشرة أيام بعد رمضان لتُحَصِّلَ الأجر.
إذًا، حاول تحقيق هذا الحديث، وكلما فاتتك تكبيرة الإحرام، فابدأ الأربعين مرة أخرى من جديد.

• احرص على التطهُّر في البيت كما في صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن تطهَّر في بيته ثم مشَى إلى بيت مِن بيوت الله؛ ليقضي فريضةً من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترفَع درجة)).

• احرصْ على الوصولِ للمسجد مبكرًا؛ فإنَّه مهم لصلاحِ القلْب؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلم: ((مَن توضَّأ فأحسن الوضوء، خرجتْ خطاياه مِن جسده حتى تخرُجَ مِن تحت أظفاره))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند مسلم أيضًا: ((مَن توضأ فأحسن، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ اجعلْني من التوَّابين ومِن المتطهِّرين، فُتِحت له أبوابُ الجنة الثمانية يدخُل مِن أيها شاء)).

ثم إنَّ التبكير إلى المسجد وانتظار الصلاة، له فوائدُ عظيمة كثيرة، من أهمها:
1- ترديد الأذان والدُّعاء بعده، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عندَ البخاري: ((مَن قال حين يسمع النِّداء: اللهمَّ ربَّ هذه الدعوة التامَّة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلةَ والفضيلة، وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدتَه، وجبتْ له شفاعتي يومَ القيامة)).

2- المحافَظة على صلاةِ الجماعة، وقدْ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((صلاة الجماعة أفضلُ مِن صلاة الفذِّ بسبعٍ وعشرين درَجة)).

3- المحافَظة على تكبيرة الإحرام.

4- إدراك الصفِّ الأوَّل؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث المتَّفق عليه: ((لو يعلم الناسُ ما في النِّداء والصفِّ الأوَّل، ثم لم يجدوا إلا أن يستهِموا عليه، لاستهموا عليه، ولو يَعلمون ما في التهجيرِ لاستبقوا إليه، ولو يَعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا))، والتهجير: هو الحضورُ مبكرًا إلى صلاة الظهر وإلى كل الصلوات، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في صحيح مسلم: ((خيرُ صفوف الرِّجال أوَّلُها، وشرُّها آخِرها)).

وسبحان الله! أراك يا بن الإسلام تتساهل، ورغم صلاتك في الجماعة الأولى إلاَّ إنَّك تكون من شرِّ صفوف الرِّجال! فلماذا لا تُسارع أخي إلى الصفِّ الأوَّل؟! قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد وصحَّحه الألباني: ((إنَّ الله وملائكتَه يُصلُّون على الصفِّ الأول))، وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستغفِر للصفِّ المقدَّم ثلاثًا، وللصفِّ الثاني مرَّة - كما رواه أحمد، وصحَّحه الألباني - ثم يسكُت ويلتفت ويُصلِّي.

لذلك أخي يا بن الإسلام، فإنَّ قضية الاحتساب تحتاج إلى بحْث، فابحث عن فضائل الأعمال، وهناك كتابٌ في فضائل الأعمال للمقدسي، ارجعْ إليه تجِد خيرًا كثيرًا - بإذن الله تعالى.

5- مِن فوائد التبكير كذلك: إدراك ميمنة الصفّ؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله وملائكته يصلُّون على ميامن الصفوف))؛ أخرجه ابنُ حبان، وحسنه شعيبٌ الأرناؤوط.

6- إدْراك التأمين وراءَ الإمام في الصلاة الجهريَّة؛ قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((إذا قال الإمام: (ولا الضالين)، فقولوا: آمين؛ فإنَّ مَن وافق قوله قولَ الملائكة غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنْبه)).

يا للخيبة إنْ لم يغفر الله لنا! واللهِ خيبة ما بعدَها خيبة؛ لأنَّها مسألة سهلة جدًّا، بمجرَّد قولك: "آمين" منضبطة خلف الإمام - مع الإمام - يُغفَر لك، فماذا يمنعك؟! ولماذا تتأخَّر في إتيانك وتضيِّع منك المغفرة؟!

إنَّ الوعود بمغفرة الذنوب المتقدِّمة أخي كثيرة جدًّا، فبعد هذا كله إذا لم يُغفر لك، فكيف ومتى؟!

7- التبكير إلى المسجد يمكِّنك مِن الإتيان بالنوافل المشروعة بيْن الأذان والإقامة.

8- التبكير إلى المسجد دليلٌ على أنَّ القلب معلَّق بالمساجد، ومِن السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة: ((رجلٌ قلْبه معلَّق بالمساجد))، كما في الصحيحين، فإذا اقترب موعدُ الصلاة فاهْرَع إلى المسجد.

9- التبكير إلى المسجِد وانتظار الصلاة سببٌ لحضور القلْب، وإقبال المرء على صلاته، وهذا الأمرُ هو لبُّ الصلاة، فكلما طال مكثُك في المسجد وذِكرك لله، زالتْ مشاغلُك ومتعلقاتك الدنيويَّة، وأقبلتَ على ما أنت فيه مِن قراءة وذِكر، فمهما كان عندَك مِن الهموم والمشاكِل في العمل، ومع الزوجة والأولاد والأقارِب، فصلِّ ركعتين: (واسجد واقترب) فستُرفَع عنك الهموم الأرضيَّة، وتُحلِّق في سماء الطاعة، أما إذا جئتَ متأخرًا إلى الصلاة، فاتَكَ كلُّ هذا الفضل والخير، أقبِلْ على الصلاة مبكرًا، واقعدْ بين الأذان والإقامة؛ ليمحوَ الله همومَك بالذِّكر والصلاة وإقبالك بكليِّتك على الله.

إن الذي يأتي متأخرًا سيظلُّ قلبه مشغولاً بما هو فيه مِن هموم الدنيا أثناءَ الصلاة؛ ولذلك تلاحظ أنَّ أوَّل الناس دخولاً المسجد هم آخِر الناس خروجًا منه غالبًا، والعكس صحيح، وما ذلك إلا لما ذكرتُه لك، فاحرِص.

10- المبكِّر إلى الصلاة يتمكَّن مِن قراءة القرآن بيْن الأذان والإقامة، فيحصُل على أجر عظيم.

11- المبكِّر إلى الصلاة يتمكَّن مِن الدعاء بين الأذان والإقامة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أخرجه أحمد وصحَّحه الألباني: ((الدعاءُ بين الأذان والإقامة لا يُرَدُّ))، وكذلك يتمكَّن من الإتيان بأذكار الصباح والمساء بعدَ الصبح وقبل المغرب.

12- إنَّ مَن يأتي مبكرًا إلى الصلاة يأتي غالبًا بسكينةٍ ووقار، فيكون متمثلاً لأمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيحوز حبَّه؛ ففي الصحيحين قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعَوْن، ولكن ائتوها وأنتم تمشُون وعليكم السكينة، فما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا)) وفي الرواية الأخرى: ((إذا أتيتُم الصلاة ائتوها بسكينةٍ ووقار))، ومَن يأتي إلى الصلاة مبكرًا يأتي ماشيًا، ومَن يأتي متأخرًا يأتي مسرعًا.

وانتبه إلى أنَّك إذا خرجتَ إلى الصلاة لا تُريد إلا الصلاة حصَّلت أجرًا عظيمًا؛ ففي الصحيحين أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا توضَّأ أحدُكم فأحْسَن الوضوء، ثم خرَج إلى المسجدِ لا ينزعه إلا الصلاة، لم تزلْ رِجله اليُسرى تمْحو سيِّئة، وتَكتب الأخرى حسنةً، حتى يدخُل المسجد)).

• اطرُدِ الشواغل وفرِّغ قلبك، واستشعر حلاوة الإيمان، واجعلِ الصلاة قرةَ عين لك.

• أذكار الصلاة مهمَّة، تدبَّرْها، وابحثْ عن معانيها، وافهمْ ما تقول، واستحضر في قلبك معنَى ما تدعو به.

• تدبَّر ما تتلو مِن القرآن في الصلاة؛ فإنَّه أدْعى لحُضور القلْب، واجعلْ قراءتك مِن المحفوظ الجديد، ولا تُصَلِّ بالعادة بسورٍ محدَّدة تُكرِّرها في كل صلاة.

• احرص يا بن الإسلام غايةَ الحرص على مسألة الخشوع في الصلاة عمومًا، وأنصحُك لمساعدتك في تحصيلِ ذلك برسالة "33 سببًا للخشوع في الصلاة" للشيخ المنجد، وكذلك رسالة "الخشوع في الصلاة وحضور القلْب فيها وعلاج الوسوسة" للشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين.

• واحرص على كثرة الذَّهاب إلى المسجد؛ فإنَّ لذلك أجرًا عظيمًا؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((مَن غدَا إلى المسجد أو راح، أعدَّ الله له نُزُلاً في الجنة كلَّما غدَا أو راح))، وقال: ((مَن توضَّأ ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاَّها مع الإمام، غُفِر له ذنبه))، والحديث صحيح، ورواه ابن خزيمة، وعن أبي هريرة عندَ مسلِم أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن تطهَّر في بيْته، ثم مشَى إلى بيتٍ مِن بيوت الله؛ ليقضي فريضةً مِن فرائض الله، كانت خُطواته: إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترْفَع درجة))، وفي صحيح سنن الترمذي عن بريدة الأسلمي عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((بشِّرِ المشَّائين في الظُّلم بالنور التام يومَ القيامة))، وفي صحيح سُنن أبي داود عن أبي أُمامة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن خرَج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة، فأجْرُه كأجر الحاجِّ المحرِم)).

• ومع الحِرْص على الصلوات عمومًا، احرصْ على صلاة الفجر على وجه الخصوص؛ وإنَّما نصصتُ عليها؛ لأنَّ أثقل الصلوات على المنافقين الفجر والعتمة - العشاء - كما في حديث أبي هريرة المتَّفق عليه، لكن العشاء - العتمة - في زماننا صارتْ في وسط أعمالِ الناس، فأصبح الفجرُ حقًّا هو أشدَّ الصلوات على المنافقين في زماننا؛ قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين ﴾ [هود: 114]، فمَن أراد أن يذكر الله فليحافظْ على الصلوات الخمْس، وإذا حضَر قلبه فيها فهو مِن الذاكرين لله تعالى، وقال تعالى: ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78]، وقرآن الفجر؛ أي: صلاة الفجر، تشْهَدُها الملائكة، كما في الصحيحين: ((يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاةِ الفجر وصلاة العصر، ثم يعرُج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلمُ بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلُّون))، وقد رَوَى البخاري أنَّ: ((مَن صلَّى البَردين دخَل الجَنَّة)).

آداب الصلاة:
الصلاة، هي المَعين الذي لا ينضَب، والزاد الذي لا يَنفَد، إنها مِفتاح الكَنز الذي يُغني ويفيض، مَن حافظ عليها فهو السعيد الرابح، ومَن أضاعها فهو الشقي الخاسر، هي الشعار الفاصِل بين المسلِم والكافر؛ ففي صحيح مسلم قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إنَّ بين الرجل وبين الشرك والكفر ترْكَ الصلاة)).

إنَّ الصلاة في الإسلام بمنزلة الرأس مِن الجسد، فكما أنَّه لا حياةَ لمن لا رأس له، فكذلك لا دِينَ لمن لا صلاةَ له، فهي أجلُّ وأعظم مباني الدين بعدَ توحيد رب العالمين.

إنَّها الراحة النفسيَّة للأبدان والأرواح؛ فهي تخفِّف ما في النفوس مِن ضيق، وتزيل ما بها مِن الآلام، وهي قرَّة عيون الموحِّدين، وزادهم الذي يصبِّرهم حتى ينظروا في الجنة إلى وجه ربِّ العالمين.

ولذلك كان للصلاة آداب يَنبغي مراعاتها، وهي كثيرة، ومنها:
1- تعظيمُ قدْر الصلاة؛ كان عمر - رضي الله عنه - يكتُب إلى عمَّاله: إنَّ أهم أموركم عندي الصلاة، فمَن حفظها وحافظ عليها حفظ دِينه، ومَن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع، ولا حَظَّ في الإسلام لمن ترَك الصلاة، وإنما حظُّهم من الإسلام على قدْر حظِّهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدْر رغبتهم في الصلاة.
2- حُسن الاستعداد لها بالتهيئة النفسيَّة واستشعار الخشوع قبلَ الدخول فيها.
3- الاستحضار الذِّهني لمعانيها وآدابها قبلَ الشروع فيها؛ فذلك عونٌ على الخشوع وحضور القلْب فيها.
4- تحسين الوضوء وإسْباغه، واستشعار معانيه مِن الطهارة الظاهِرة والباطنة استعدادًا لها.
5- إتمام رُكوعها وسجودها، وإعطاء كل رُكن حظَّه مِن الخشوع والاطمئنان.
6- إدراك معاني الذِّكر فيها وكثرته، وكثرة الدُّعاء، واستشعار القُرْب حال السجود.
7- المحافظة على صلاةِ الجماعة في المسجد.
8- تحسين الهيئة قبلَ الدخول في الصلاة؛ لأنَّ المصلِّي مقبِل على مالك الملك وملك الملوك، فأوْلَى أن يتزين له.
9- الإقبال على الصلاة بالسكينة والخشوع.
10- تجنُّب الالتفات والشرود؛ فهو اختلاسٌ يختلسه الشيطانُ مِن صلاة العبد، كما في صحيح البخاري.
11- عدم مجاوزة بصر المصلِّي موضعَ سجوده، وعدم تغميض عينيه، وعدم رفْع بصره إلى السماء؛ ففي صحيح البخاري قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما بال أقوامٍ يرْفعون أبصارَهم إلى السماء في صلاتهم؟!))، فاشتدَّ قوله في ذلك حتى قال: ((لينتهُنَّ عن ذلك أو لتُخطفنَّ أبصارُهم)).
12- التفكُّر والتدبُّر لمعاني الآيات، وتجنُّب الغفْلة والسهو.
13- الاطمئنان في أدائِها، وتجنُّب العَجَلة في أرْكانها.
14- مدافعة التثاؤب ما استطاع، حتى ولو بأخْذ شفتِه السُّفلى بسِنِّه، فإن لم يقدرْ غطَّاه بكمِّه أو بيده اليمنى.
15- تطويل الرَّكعة الأولى عن الثانية.
16- يُندَب للرَّجُل إذا أصابَه في صلاتِه حادِث هام أن يُسبِّح، وللمرأة أن تصفِّق؛ كإنذار أعْمَى، أو تنبيه غافِل، أو لتنبيه الإمام بسهوٍ ما.
17- الإسراع في أداء الصلاة في أوَّل وقتِها وعدم تأخيرها.
18- الجلوس في المصلَّى عقِبَ كلِّ صلاة للاستغفار والذِّكْر والدعاء.
19- انتظار الصلاة بعدَ الصلاة، وهذا مستحب؛ كانتظار صلاة العِشاء بعد صلاة المغرب، أو انتظار طلوعِ الشمس بعدَ صلاة الصبح لأداء صلاةِ الضحى، واغتنام هذه الأوقات في الذِّكْر وتلاوة القرآن.
20- المحافظة على أداء السُّنَن التابعة للفرائض، فلا يَنبغي للمسلِم أن يتهاون بها، ولا يرخص لنفسه في ترْكها، ويستحبُّ أن يصليَها في البيت؛ ليجعلَ لبيته نصيبًا مِن صلاته.
21- السعي في تحصيلِ ثمرات الصلاة؛ مِن خشية الله تعالى، ومراقبته في جميع الأحوال والأوقات، والانتهاء عن الفُحشِ في الأقوال والأفعال.


الوسيلة الحادية عشرة:
المحافظة على صلاة الفجر خصوصًا:
فما أسهل أن ينطق اللسان بكلمة الإسلام، ولكن ما أصعب أن يترسخ الإيمان في قلْب الإنسان:
﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ
[الحجرات: 14]
كثيرًا ما يتنافَى كلام اللِّسان مع إيمان القلْب، كما أنَّ كثيرًا ما يَتنافى كلامُ اللسان مع أفعال الجوارح، والمؤمن الصادِق هو مَن وافق قوله عمله، وهو مَن أظهر بلسانه ما يُخفي في قلْبه، أما المنافقون فظاهرُهم قد يكون حسنًا وطاهرًا، ولكن قلوبهم قاسية كالحجارة، أو هي أشدُّ قسوة.

والله تعالى مطَّلِع على القلوب، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، ويعلم المنافِق من المؤمِن، والكاذب مِن الصادق، لكنَّه شاء - سبحانه - أن يفرِض على عباده اختباراتٍ معيَّنةً تكشف سرائرَ القلوب وخبايا النفس، وتوضِّح أولئك الذين قالوا ما لا يفعلون، أو اعتقدوا ما لا يُظهرون، وغرض إظهارهم أن يقيم الله تعالى الحُجَّةَ عليهم؛ فلا يشعر أحدُهم يوم القيامة بظلمٍ ولا هضم، فإنَّه قد وضَع له اختبارًا واضحًا فرسَب فيه، كما أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - أراد بهذه الاختبارات أيضًا أن ينقِّي صف المؤمنين مِن المنافقين؛ رحمةً من الله - عزَّ وجلَّ - بالصفِّ المؤمن؛ لأنَّ اختلاط المنافقين بالمؤمنين يُضعِف الصفوف، ويسبِّب الاضطراب، ويجلب الهزائمَ والنكسات.

قال - تعالى - في حقِّ المنافقين: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: 47]، فرحمة الله تعالى بالصفِّ المؤمن اقتضتْ أن يَفرض هذه الاختباراتِ للتفرقة بين المؤمنين والمنافقين، وبين الصادقين والكاذبين، هذه الاختبارات سُنَّة إلهية ماضية، وضَعَها الله تعالى لكلِّ البشَر بلا استثناء، منذُ خلق الله آدم - عليه السلام - وإلى يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 1 - 3]، ولهذه الاختبارات خصائصُ معيَّنة:
فأولاً: يجب أن يكونَ الاختبار صعبًا؛ لأنَّه لو كان سهلاً لنجَح فيه الجميع: المؤمن والمنافق، ولم تحدُث التفرِقة المطلوبة.
وثانيًا: يجِب ألاَّ يكون هذا الاختبار مستحيلاً؛ لأنَّه لو كان مستحيلاً لفشِل فيه الطرفان: المؤمِن والمنافق؛ ولذلك فالاختبار لا بدَّ أن يكون متوازنًا، صعبًا بالدرجة التي لا يقوَى فيها المنافقون على النجاح فيه، وغير مستحيل لكي يُعطي الفرصة للمؤمنين أن ينجَحوا.

واختبارات الله - عزَّ وجلَّ - للخلْق كثيرة ومتعدِّدة ومستمرَّة منذُ أول لحظات تكليف الإنسان، وإلى يوم مماته، فالجهاد في سبيلِ الله اختبار، نعمْ هو اختبار صعْب، ولكنَّه ليس بمستحيل، ينْجَح فيه المؤمِن، ويتخلَّف عنه المنافق، والإنفاق في سبيل الله اختبار، اختبار صعْب ولكنَّه ليس مستحيلاً، يقدِر عليه المؤمن، ولا يقدِر عليه المنافق، وحسن معاملة الناس اختبار، وكظْم الغيظ اختبار، والرِّضا بحُكم الله - عزَّ وجلَّ - اختبار، وبِر الوالدين اختبار، وهكذا، الحياة كلها - بهذا المفهوم - اختبار؛ يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك: 2].

وتتفاوت درَجاتُ الصعوبة بيْن الاختبارات المختلفة، ولكنها في النهاية اختبارات، ومطلوب مِن المؤمن أن ينجحَ فيها كلها؛ ليثبتَ صِدق إيمانه، ويتوافَق لسانه مع قلْبه.

ومِن هذه الاختبارات الخطيرة اختبار صلاة الصُّبح، اختبار حقيقي، واختبار صعْب، لكنَّه ليس مستحيلاً، الدرجة النهائية في هذا الاختبار بالنسبة للرجال تكونُ بالمواظبةِ على صلاة الفجْر في جماعة في المسجد، أمَّا بالنسبة للنساء فتكون بالصلاة على أوَّل وقتِها في البيت، والفشل في هذا الاختبار الهام يكون بخروج الصلاة عن موعدِها الذي شَرَعه الله تعالى، وبيْن النجاح بتفوق والرسوب في الاختبار درجاتٌ كثيرة؛ هناك مَن يصلِّي معظم الصلوات في المسجد ويفوته بعضها، وهناك مَن يصلي بعض الصلواتِ في المسجد ويفوته معظمها، وهناك مَن يُصلِّي في بيته قبلَ خروج الوقت، وهناك مَن تفوته الصلاة في بيته ولا يصلِّي إلا بعدَ خروج الوقت، درجات كثيرة متفاوتة؛ ولكن يبقى النجاح المطلوب هو صلاة المؤمن في المسجِد في أوَّل الوقت.

هذا الاختبار هام للدرجة التي جعلتْ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستخدمه دائمًا للتفرِقة بيْن المؤمِن والمنافق؛ روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أثقل صلاة على المنافقين صلاةُ العِشاء وصلاة الفجْر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممتُ أن آمُرَ بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيُصلي بالناس، ثم أنطلِق معي برِجال معهم حزم مِن حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاةَ، فأحرِّق عليهم بيوتَهم بالنار))! ولكم أن تتخيَّلوا عِظمَ المشكلة، وضخامة الجريمة التي تدْفَع رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع رحمته وشفقتِه على أمَّته - لأن يَهُمَّ بتحريق بيوت هؤلاء، ولكني - والله - أرَى أنه مِن رحمته وشفقته قال هذه الكلمات؛ لأنَّه يُريد أن يستنقذَ أمَّته مِن نار الآخِرة بتخويفهم بنار الدنيا، وشتَّان بين نار الآخِرة ونار الدنيا.

وكان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا شكَّ في إيمان رجُل بحَث عنه في صلاة الفجْر، فإنْ لم يجده تأكَّد عنده الشكُّ الذي في قلبه، رَوى ذلك أحمد والنَّسائي والدارمي عن أُبيِّ بن كعْب - رضي الله عنه - قال: صلَّى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلاة الصُّبح، ثم قال: ((أشَهِد فلان الصلاة؟))، قالوا: لا.. قال: ((ففلان))، فقالوا: لا.. فقال: ((إنَّ هاتين الصلاتين - الصبح والعِشاء - من أثقلِ الصلاة على المنافقين، ولو يَعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا)).

والمنافقون لا يُدرِكون الخير الذي في صلاة الصُّبح في جماعة المسجد، ولو أدْرك هؤلاء هذا الخيرَ لجاؤوا إلى المسجد تحت أيِّ ظرْف، كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لأتوهما ولو حبوًا))، وأريدك أن تتخيَّل رجلاً كسيحًا لا يقوَى على السير، وليس هناك مَن يُعنيه على الحرَكة، ومع ذلك فهو يصرُّ أن يأتي المسجد يزْحَف على الأرض؛ ليدركَ الخير الذي في صلاة الفجْر في جماعة، فإذا أدركنا هذه الصلاةَ ثم نظرْنا إلى الأصحَّاء الذين يتخلَّفون عن صلاة الفجْر في المسجد، أدركْنا عِظم المصيبة.

وليس معنى هذا بالطَّبْع أن أتَّهِم أولئك الذين لا يُحافظون على صلاة الفجْر في المسجد في زمانِنا هذا بالنِّفاق، فأنا لستُ ممن يقيمون الأحكامَ على غيرهم، والله أعلمُ بظروفِ كلِّ مسلم، ولكني أذكُر ذلك الكلام؛ ليختبر كلٌّ منا نفْسَه، وليختبر أحبابه وأصحابه، وأولاده وإخوانه، إنْ كان المرء يهدر هذه الصلاة بصورةٍ منتظمة، فهذه علامةٌ واضحة من علامات النفاق، ومَن كانت به هذه العلامة فليراجعْ نفْسَه بسرعة، فإنَّه - ولا شكَّ - يُخشَى عليه مِن خاتمة السُّوء، نسأل الله العافيةَ والسلامة وحُسن الخاتمة لنا ولسائرِ المسلمين.

وقت صلاة الصبح:
كنت أتحدَّث عن موضوع صلاة الصُّبح في مجموعة مِن الأصدقاء، فدار بيني وبين أحدهم هذا الحوار:

قال: الحمد لله، أنا لا أنزل من بيتي إلاَّ إذا صليت صلاةَ الصبح، فسألتُه ببراءة: وأنت متى تستيقظ؟! قال: الساعة 7.30 تقريبًا! وأوَّل شيء أفعله أن أتوضأ وأُصلِّي الصبح!

قلت: سبحان الله! لقد فاتَ وقتُ الصبح! قال: كيف؟ أليس وقت كلِّ صلاة مِن أوَّل وقتها إلى وقتِ الصلاة الثانية؟! فيكون بذلك الصبح مِن أول ظهور الفجْر إلى صلاةِ الظهر؟! قلت: هذا الكلام صحيح بالنسبة لكلِّ الصلوات ما عدا صلاة الصبح، فإنَّ وقتَها مِن ظهور الفجْر إلى شروق الشَّمْس فقط، هذا الوقت المحدود الضيِّق الصعْب؛ ولذلك فهي اختبار، ولو كان الوقت مفتوحًا إلى صلاة الظهر، فأين الاختبارُ في ذلك؟!

إنَّ صلاة الصبح هي أقصرُ الصلوات المفروضة، فهي ركعتان فقط، ولكنَّها جعلت مقياسًا للإيمان، واختبارًا للصِّدق؛ لصعوبة وقتها، وعلى قدْر تعجُّبي من صاحبي الذي لا يعلم أمرًا مِن بديهيات هذا الدِّين، على قدْر حُزني من أنَّ الثقافة الإسلامية والعلوم الشرعيَّة وصلتْ إلى هذه الدرجة مِن الانحدار، حتى لا يعلم بعضُ المسلمين أو كثير مِن المسلمين أوقاتَ الصلاة المفروضة!

فأنا لا أتحدَّث عن وقتِ صلاة الضحى، أو وقت صلاة قِيام الليل، إنَّما أتحدث عن وقت صلاة الصبح! ذكَّرني ذلك بأمْرٍ من المضحِكات المبكِيات، وهو أحد معسكرات الشباب التابِع لأحد الأحزاب السياسيَّة؛ حيث كان برنامج المعسكر معلقًا على الجُدران في أكثر مِن مكان، وأول كلمة في هذا البرنامج هي: "الاستيقاظ وصلاة الصبح في الثامِنة صباحًا"! قلت: واللهِ هذه جريمة مع سبْق الإصرار والترصُّد! فالنيَّة مبيَّتة، والعزْم منعقد على تضييع فرْض مِن فروض الله - تعالى - ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله.

مواقيت الصلاة - أيُّها المؤمنون - أمورٌ توقيفية، بمعنى أنَّه ليس فيها اجتهادٌ من البشَر، لقدْ حُددت بدقَّة في أحاديثِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم تترك مجالاً لسوءِ فَهم، روى مسلمٌ عن عبدِالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وقتُ صلاة الصُّبح مِن طلوع الفجْر ما لم تطلعِ الشمس))، فليس هناك شكٌّ في وقتِ صلاة الصبح، وقد أكَّد رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على هذا المعْنَى في حديثِ الترمذي عن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - حين قال: ((مَن أدرك ركعةً مِن صلاة الصبح قبلَ أن تطلُع الشمس، فقدْ أدرك الصبح))؛ أي: إنَّه مَن أدرك ركعةً كاملة قبل أن تشرقَ الشمس فقد أدرك صلاةَ الصبح في موعدها، أمَّا مَن لم يدرك - ولو ركعة واحدة - فقد أصبحتْ صلاة الصبح في حقِّه قضاءً، وهذا - ولا شكَّ - أمرٌ خطير.

لكن الأصعب مِن ذلك أنَّ اختبار التفرقة بيْن النفاق والإيمان، وبيْن الصِّدق والكذِب، ليس بمجرَّد الصلاة قبلَ شروق الشمس، ولكن النجاح الحقيقي والمطلوب في هذا الامتحان يكون بصلاة الجماعة في المسجِد، وليس في البيت، وهذا بالطبع في حقِّ الرِّجال، أمَّا في حال النِّساء، فإنَّه - وإنْ كانت صلاتهنَّ في المسجِد مسموحًا بها - إلا أنَّ صلاتها في بيتها أفضلُ وأكثر ثوابًا؛ وذلك لحديث أبي داود الصحيح عن ابن عُمرَ - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تمنعوا نِساءَكم المساجد، وبيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ))، وكذلك لحديث أمِّ حُميد الساعديَّة - رضي الله عنها - في مسنَد أحمد بسَند حسَن، وكذلك في الطبراني أنَّها جاءتْ إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: يا رسولَ الله، إنِّي أحبُّ الصلاة معك، قال: ((قد علمت، وصلاتُكِ في بيتكِ خيرٌ لك مِن صلاتكِ في حجرتكِ، وصلاتكِ في حجرتكِ خير لكِ من صلاتكِ في داركِ، وصلاتُكِ في داركِ خيرٌ من صلاتِكِ في مسجد قومكِ، وصلاتكِ في مسجد قومِكِ خيرٌ لك مِن صلاتكِ في مسجد الجماعة))، وتعظيم أجْر صلاة المرأة في بيتها رحمة مِن الله - عزَّ وجلَّ - بها ورَحْمة بالمجتمع، فهذا أدْعَى لتجنُّب الفِتنة، وأحفظُ للمرأة وأسترُ لها، كما أنَّ فيه حفاظًا على الأطفال بالبيت، وعلى كبار السِّنِّ وغير ذلك مِن المصالِح، وسبحان الله الذي أنْزَل هذا الشَّرْع المحكَم!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16-05-2020, 01:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة

عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(16)



محمود العشري




الوسيلة الثانية: القرآن: قال بعضهم: كلُّ ما شغلك عن القرآن فهو شُؤْم عليك، واليوم ترى كثيرًا من المسلمين قد هجروا كتاب الله - تعالى - حتَّى إن بعضهم ليقول: والله ما قرأتُ في كتاب الله منذ أكثر من خمس سنوات - ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم - وآخر يقول: لم أُمْسك المصحف إلاَّ في رمضان.ولأنَّ شهر رمضان - أخي - هو شهر نزول القرآن، فسأقف عند القرآن وقفةً قد تطول شيئًا ما، قال الله - تعالى -: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان: 30 - 31].فيا ليتنا نعرف قدْرَ كلام الله - تعالى - قال - سبحانه -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: 29]، وفي "صحيح مسلم" قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنَّه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))، وقال أيضًا كما روى ابن حبَّان والبيهقيُّ والطبراني وصححَّه الألباني: ((القرآن شافع مشفَّع، وماحِلٌ مصدّق، مَن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومَن جعله خلفه ساقه إلى النار))، وقال كما عند الطبرانيِّ في "الأوسط"، وحسنه الألباني: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتَقِ ورتِّل، كما كنت ترتِّلُ في الدنيا؛ فإنَّ مَنْزلتك عند آخر آية تقرؤها)).اعْلَم - أخي يا بن الإسلام - أنَّ القرآن العظيم - كلام الله - من أكبر عوامل التَّثبيت؛ لأنَّه يزرع الإيمان، ويزكِّي النفس بالصِّلة بالله، ولأن آياته تَنْزل بردًا وسلامًا على قلب المؤمن، فلا تعصف به رياح الفتنة، بل يَطْمئن قلبه بذكر الله - تعالى - ولأنه يزوِّد المسلم بالتصوُّرات والقِيَم الصحيحة التي يستطيع من خلالها أن يقوِّم الأوضاع من حوله، وكذا الموازين التي تهيِّئ له الحُكْم على الأمور، فلا يضطرب حكمه، ولا تتناقض أقواله باختلاف الأحداث والأشخاص، ولأنه - كذلك - يردُّ على الشُّبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين والذيول.ومن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الَّذين ربطوا حياتهم بالقرآن، وأقبلوا عليه تلاوةً وحِفظًا، وتفسيرًا وتدبُّرًا، منه ينطلقون، وإليه يفيئون، وبين من جعلوا كلام البشر جلَّ هَمِّهم وشغلهم الشاغل.قال - تعالى -: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 51 - 52].جاهِدْهم بماذا؟! بالقرآن، كأنَّ الله - تعالى - يشير في هذه الآية إلى أنَّ هذا القرآن بديلٌ من إرسال الرسل؛ فقد كفل الله به مهمَّة جميع الرسل؛ بأن يصنع القرآنُ رجالاً كالرسل.يقول ربِّي - وأحقُّ القولِ قولُ ربِّي -: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ [العنكبوت: 50]، فقال - تعالى -: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ [العنكبوت: 51]، فهم يَطْلبون آية، فعرَّفهم أعظم آية؛ وهي القرآن.وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصحيحين": ((ما من نبيٍّ قبلي إلاَّ وأوتي ما على مِثْله آمنَ البشَر، وكان الذي أوتيتُه كتابًا يتلى، وأرجو أن أكون أكثرَهم تابعًا يوم القيامة)).هذه هي القضيَّة، قضية كلِّية؛ أنَّ ديننا كلَّه مردُّه إلى القرآن والسُّنة، القرآن هو الأصل، والسُّنة متمِّمة ومكمِّلة ومفسِّرة؛ ولذلك لا بدَّ أن تتذكَّر دومًا: "كل ما شغلك عن القرآن فهو شُؤْم عليك".بعض الناس طيلة الوقت يستمع إلى الأشرطة والأسطوانات، ويَحْضر للمشايخ، ويقرأ في كتب العلم، وهو هاجرٌ للقرآن، كلُّ هذا لن ينفعك، أخي، القرآنُ هو الذي يَصْنعك، القرآن يربِّيك، القرآن ينفعك، فعليك بالقرآن حفظًا وتلاوة، وتدبُّرًا وتفسيرًا ومذاكرة، تَفْهم معنى كلمة مذاكرة؟!القرآن فيه علم العقيدة والفقه، والسِّيرة والتفسير، والتاريخ، واللُّغة، والبلاغة، والرَّقائق... كل شيء، القرآن كلام الله، كتابٌ مبارَك، يربِّيك على العلم والعمل والدَّعوة، القرآن هو طريقك لأن تكون رجلاً!نعم، القرآن هو الذي يصنع الرِّجال، وسيظل يصنعهم إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، القرآن يفرخ الأبطال في حظيرة العبوديَّة.وأهل القرآن هم أهل الله وخاصَّتُه، فهل أنت من أهل الله وخاصته؟! هل أنت من أهل القرآن؟! هل وهَبْتَ كلَّ حياتك للقرآن؟! وهل وضعته على قمَّة أولوياتك؟! هل فكَّرت مرة أن تُذاكره كما تذاكر الكتاب الدراسيَّ بجدٍّ واجتهاد؟!أخي يا بن الإسلام، إذا كنت بعيدًا عن القرآن، فاعلم أنَّك محروم كلَّ الحرمان، ولو ذُقْت لَما ابتعدت، تعالَ إلى الله، واعكف على القرآن لتُصنع، وإلاَّ فما أبعد الدَّواء عن تلك الأدواء.قال - تعالى -: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾ [الرعد: 31]، كان المشركون يَطْلبون من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - آياتٍ حسِّية: تسيير الجبال، أو تقطيع الأرض، أو تَكْليم الموتى؛ فأنزل الله هذا القرآن، وكأنَّ الآيات تُشير إلى أنَّ هذا القرآن ليس من شأنه ذلك، بل أعظم من ذلك، وهو صياغة النُّفوس، وصناعة القلوب، وإيجاد الإنسان الذي يرضاه الله له عبدًا.لقد تربَّى الصحابة - رضي الله عنهم - أفضلُ جيلٍ عرَفَه التاريخ، على يدِ أعظم مُربٍّ عرفَتْه البشريَّة، تربَّوْا بالقرآن، فكان منهم ما تسمع وتقرأ، إيمان وثبات تزول دونه الجِبال، ولَيْتك - أخي - تقرأ مقدِّمة "في ظلال القرآن"، وتأمَّل ماذا يقول مَن ذاق نعمة القرآن، فرَبَّاه القرآنُ، وسرى بألفاظه ومعانيه في دمِه.ولذلك أنصحك - أخي يا بن الإسلام - أن تُربِّيَ أولادك على القرآن، دَعْهم للقرآن يربِّيهم، رَبِّهِمْ وتربَّ معهم على مائدة القرآن، فالقرآنَ القرآنَ، القرآنُ أصلٌ، ومن سلك طريق القرآن فقد بلغ مرادَ الله منه.قال - تعالى -: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، قال العُلماء: حَبْل الله: القرآن، فاجعل القرآن معك، وكن مع القرآن، لا تنسَه أبدًا؛ فإنَّه القائد والحادي والسَّائق إلى الله.مطلوبٌ منَّا أن نسلم زماننا للقرآن، أن يربِّينا القرآن، وأن يصنَعنا الله بالقرآن، وأن يقودنا القرآنُ، وأن يَحْكم القرآنُ حياتَنا؛ لنكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصَّته، فاللَّهم وفِّقنا إلى ما فيه رضاك عنَّا، واجعلنا وأهلينا وذرِّياتنا من أهل القرآن الَّذين هم أهلك وخاصتك.قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في "الصَّحيحين": ((إنَّ الأمانة نزلَت في جذر قلوب الرِّجال، ثم نزل القرآن، فعَلِموا من القرآن، وعلموا من السُّنة)).وتلاوة القرآن من أفضل القربات، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلمٌ: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))؛ وقال ابن مسعود: إنَّ الله أنزل هذا القرآنَ لِيُعمل به، فاتَّخذوا تلاوته عملاً.ولذلك اجتهِد في تلاوة القرآن ليلك ونهارك، فشهر رمضان هو شهر القرآن، قال ابن رجب: كان السَّلف يَتْلُون القرآن في شهر رمضان في الصَّلاة وغيرها.كان الأسودُ يختم القرآن في رمضان كلَّ ليلتين، وكان يختم في غير رمضان في كل ستِّ ليالٍ، وكان قتادةُ يختم في كلِّ سبع ليالٍ مرَّة، فإذا جاء رمضان ختم في كلِّ ثلاث ليالٍ مرة، فإذا جاء العشر الأواخر ختم في كلِّ ليلة مرة.قال النوويُّ: روى ابن أبي داود بإسناده الصَّحيح، أن مجاهدًا كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب والعشاء، وكانوا يؤخِّرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع اللَّيل.وقال ابنُ الحكم: كان الإمام مالكٌ إذا دخل رمضان يفرُّ من قراءة الحديث، ومُجالسةِ أهل العلم، وكان سفيان الثوريُّ إذا دخل رمضانُ ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن، وكانت أمُّنا عائشة - رضي الله عنها - تقرأ في المصحف أوَّل النهار في شهر رمضان، فإذا طلعت الشمس نامَتْ.وقال أبو الحسن بن عليٍّ صاحب الجُنَيد: صحبت أبا العبَّاس بن عطاء عدَّة سنين متأدِّبًا بآدابه، وكان له في كل يوم ختمة، وفي كلِّ شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث ختمات.فأين نحن - إخواني - مِن هؤلاء؟
فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ
إِنَّ التَّشَبُّهَ بِالكِرَامِ فَلاَحُ

ليستحوِذَ القرآنُ على غالب وقتك بالنَّهار قراءةً وتدبُّرًا وترتيلاً، وبالليل قيامًا ومُناجاة، ولتحرص على الختمة دائمًا، فلا تترك المصحف أبدًا، وأما إذا كنت في عملك فالْزَم الذِّكر، ولا تَفْتُر مطلقًا، فإذا فرغت فاهرع إلى كلام ربِّك - جلَّ وعلا.قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه البيهقيُّ وحسَّنه الألباني: ((من سرَّه أن يحبَّ الله ورسوله، فلْيَقرأ في المصحف))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد والطبرانيُّ وصححه الألباني: ((الصِّيام والقرآن يَشْفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أيْ ربِّ، منعتُه الطعام والشهوة؛ فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النوم بالليل؛ فشفِّعني فيه، فيشفعان)).فأكثِر من تلاوة القرآن قدْرَ ما تستطيع.وأمَّا النهي عن القراءة في أقلَّ مِن ثلاث، فقد قال ابن رجب: إنَّها على المداومة على ذلك، فأمَّا في الأوقات المفضَّلة كشهر رمضان - وخصوصًا الليالي التي يُطْلَب فيها ليلة القدر - والأقاليم المفضَّلة - كمكَّة لِمن دخلَها من غير أهلِها - فيُستحَبُّ الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتنامًا لفضيلة الزَّمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرِهما من الأئمَّة، ويدلُّ عليه عملُ غيرهم.قلت: في "الصحيحين" وسنن أبي داود وابن ماجه و"مسند أحمد" قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعبدالله بن عمرٍو لما بلَغَه أنه يقرأ القرآن كلَّ ليلة، قال: ((بلَغني أنك تقرأ القرآنَ كل ليلةٍ، فلا تفعل، اقرأ القرآن في كلِّ شهر))، قال: إنِّي أطيق أفضلَ من ذلك، قال: ((اقرأه في كلِّ عشرين))، قال: إنِّي أطيق أفضل من ذلك، قال: ((اقرَأْه في كلِّ عشر))، قال: إنِّي أُطِيق أفضل من ذلك، قال: ((اقرأه في كلِّ سَبْع))، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: ((لا أفضل من ذلك))، وفي روايةٍ: ((اقرأه في ثلاث))، وفي حديث آخَر، رواه الترمذيُّ وابن ماجه وأحمد، وصححَّه الألباني: ((لم يَفْقه مَن قرأ القرآن في أقلَّ مِن ثلاث)).فلْنَجعل الحد الأدنى من ذلك أَمْر النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعبدالله بن عمرو بن العاص: ((اقرأ القرآن في كلِّ شهر))، لو واظَبْت على ذلك لكان من أعظم الأجر، وإنَّ المرء ليمرُّ بالآية ويتدبَّرُها، ويقول في نفسه: أظلُّ أمكث شهرًا كاملاً، حتَّى أقرأ هذه الآية ثانية؟!والذي يقرؤه كلَّ يوم، فهذا خلاف الأَوْلى، أما أن يجعله أفضل مِمَّا شرعه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهذا مما لا ينبغي أن يقول به أحدٌ، والظاهر - والله أعلم - أنَّ عبدالله بن عمرو كان يقرؤه في صلاة القيام، وظلَّ مواظِبًا على ذلك إلى أن لقي الله، وكان يراجع حزبه بالنَّهار ليسهل عليه باللَّيل، بل نقل الإمام النوويُّ أن عامَّة الصحابة كانوا يختمون القرآن كلَّ أسبوع في صلاة القيام، لا في رمضان فقط، وأمَّا ما نُسِب لبعض الأئمة من قراءة القرآن في اليوم مرَّتين أو ثلاثًا، فهذا لم يثبت، وإن ثبت فهو خلاف السُّنة؛ فلذلك لا يُشرع، ولو كان ذلك في شهر رمضان.وأقلُّ وقتٍ أَذِن النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن تُختَم فيه قراءة القرآن هو ثلاثة أيام، فما ورَد عن غيره - صلَّى الله عليه وسلَّم - من ذلك فهي أحوالٌ مفضولة، لا فاضلة، والله أعلى وأعلم.وإذا كان الأمر كذلك، فهاك منهجَك - أخي يا بن الإسلام - في التِّلاوة: 1 - التلاوة أهمُّ من الحفظ، والجمع بينهما هو المتحتِّم لمن يريد أن يتربَّى.2 - خَتْم المصحف كلَّ جمعة هو غالِب هدْيِ السَّلف - رضوان الله عليهم أجمعين - وذلك بأن تتعوَّد أن تقرأ جزءًا من القرآن كلَّ صلاة فريضة، إمَّا قبلها، وإما بعدها، أو يتم قِسْمته ما بين الصلاتين؛ تبدأ من عصر الجمعة، وتنتهي عصر الخميس، ولليلة الجمعة وظائفُها.إن لَم تستطع فعلى الأقلِّ جزأين كلَّ يوم؛ في الصباح جزءًا، وفي المساء مثله، أدنى الأحوال أن تقرأ كلَّ يوم جزءًا، فلك في كلِّ شهر ختمة، وهذا فِعْلُ ضعيفِ الهمَّة، فلا تَدُم عليه، وإنَّما زِدْ وِرْدَك بالتدرُّج؛ لتختم كل أسبوع.3 - عند التِّلاوة اجتهد في التدبُّر؛ فإنَّ رمضان يمرُّ علينا تِلْو رمضان، وربما ختَمْنا القرآن كثيرًا، وربَّما كان هَمُّ أحدنا متى يصل إلى نهاية السُّورة، ومتى يصل إلى نهاية القرآن، ولا شكَّ أن في ذلك أجرًا عظيمًا؛ فقد كان سلَفُنا الصالح يُكثرون من ختمه في شهر رمضان - كما ذكَرْت طَرَفًا من فِعْل بعضهم - ولكن لماذا لا تضع خُطَّة خلال هذا الشهر كي تقرأ القرآن بتدبُّر، وتقف مع آياته بالرجوع إلى كتب التفسير، وتقييد الفوائد منها؟!كان شيخُ الإسلام يقول: "رُبَّما طالعت على الآيةِ الواحدة مائة تفسير، ثم أسأل الله الفهم، وأقول: يا معلِّم آدم علِّمني"؛ ولذلك فعند التلاوة اجتهد في التدبُّر، وذلك يحصل بما يلي:أ - حضور القلب عند التِّلاوة، وتفريغه من الشواغل بقدر الإمكان؛ حتى تستولي آياتُ الله - تعالى - على الفكر، وتشغل القلب، فإذا صارت معاني القرآن مكانَ الخواطر من قلبه، وهي الغالبة عليه، بحيث يصير إليها مفزَعُه وملجؤه، تمكَّن حينئذٍ من قلبه، وجلسَ على كرسيِّه، وصار له التصرُّف، وصار هو الأميرَ المُطاعَ أمْرُه، فحينئذٍ يستقيم له سَيْرُه، ويتَّضِح له الطريق، وتراه ساكنًا وهو يباري الرِّيح.ب - استشعار أنَّ القرآن كلام الله العظيم، فاخشَعْ.ج - اجمع أهلك على التِّلاوة معك - حتَّى ولو في بعض ما تَتْلو - وتَدارَسْ معهم القرآن.د - الأمر يحتاج إلى صبرٍ، فليس أوَّل مرَّة يحصل لك الخشوع، فلا تعجَلْ، واصبِرْ ولا تَجْزع.هـ - مصحف يشتمل على معاني الكلمات على الأقل، فتنظر فيما تريد فَهْمَه.مثالٌ إمام لتدبُّر كلام العلاَّم:فإن قلتَ: إنَّك قد أشرت إلى مقامٍ عظيم، فافتَحْ لي بابه، واكشف لي حجابَه، وكيف تدبُّرُ القرآن وتَفهُّمُه، والإشرافُ على عجائبِه وكنوزه؟ وهذه تفاسيرُ الأئمَّة بأيدينا، فهل في البيان غير ما ذكروه؟!
قلت: سأضرب لك مثالاً تحتذي به، وتجعله إمامًا لك في هذا المقصد؛ قال الله - تعالى -: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ [الذاريات: 24 - 30].فعهدي بك إذا قرأت هذه الآيات، وتطلَّعْتَ إلى معناها وتدبَّرتَها، فإنَّما تطَّلِع منها على أنَّ الملائكة أتَوْا إبراهيم في صورة الأضياف؛ يأكلون ويشربون، وبشَّروه بغلامٍ عليم، وأنَّ امرأته عجِبَت من ذلك، فأخبَرَتْها الملائكة أنَّ الله - تعالى - قال ذلك، ولم يتجاوَزْ تدبُّرك هذا الحد.فاسمع الآن بعضَ ما في هذه الآيات من أنواع الأسرار، وكم قد تضمَّنَت من الثَّناء على إبراهيم - عليه السَّلام - وكيف جمعَت الضِّيافة وحقوقها، وما تضمَّنت من الردِّ على أهل الباطل من الفلاسفة والمعطِّلة، وكيف تضمَّنَت عَلَمًا عظيمًا من أعلام النُّبوة، وكيف تضمَّنَت جميع صفات الكمال التي مرَدُّها إلى العلم والحكمة، وكيف أشارت إلى دليل إمكان المعاد بألطفِ إشارةٍ وأوضَحِها، ثم أفصحَتْ بوقوعه، وكيف تضمَّنت الإخبار عن عدل الربِّ وانتقامه من الأُمَم المكذِّبة، وتضمَّنَت ذِكْرَ الإسلام والإيمان، والفرْقَ بينهما، وتضمنت بقاء آيات الربِّ الدالَّة على توحيده وصدق رسله، وعلى اليوم الآخر، وتضمَّنت أنه لا ينتفع بهذا كلِّه إلا من في قلبه خوف من عذاب الآخرة - وهم المؤمنون بها - وأمَّا من لا يخاف الآخرة ولا يؤمن بها، فلا ينتفع بتلك الآيات.فاسمع الآن بعضَ تفاصيل هذه الجملة؛ قال - تعالى -: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [الذاريات: 24]، افتتَح - سبحانه - القصة بصيغة موضوعةٍ للاستفهام، وليس المرادُ بها حقيقةَ الاستفهام، ولهذا قال بعضُ الناس: إنَّ "هل" في مثل هذا الموضع بمعنى "قد" التي تقتضي التحقيق، ولكن في ورود الكلام في مثل هذا الاستفهام سرٌّ لطيف، ومعنًى بديع؛ فإنَّ المتكلِّم إذا أراد أن يُخْبِر المخاطَب بأمرٍ عجيب ينبغي الاعتناء به، وإحضارُ الذِّهن له، صدَّر له الكلام بأداة استفهامٍ لتنبيه سمعه وذهنه للمخبَر به، فتارةً يُصدِّره بـ: "ألاَ"، وتارة يصدره بـ: "هل"، فتقول: هل علمت ما كان من كيتَ وكيت؟! إمَّا مذكِّرًا به، وإما واعظًا له مخوِّفًا، وإما منبِّهًا على عظمة ما تُخْبِر به، وإما مقرِّرًا له؛ فقوله - تعالى -: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ [طه: 9]، ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [ص: 21]، ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ [الغاشية: 1]، ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [الذاريات: 24]: متضمِّنٌ لتعظيم هذه القصص، والتنبيه على تدبُّرِها، ومعرفة ما تضمَّنته.وفيه أمرٌ آخَر: وهو التنبيه على أنَّ إتيان هذا إليك عَلم من أعلام النبوَّة؛ فإنه من الغيب الذي لا تَعْلمه أنت ولا قومُك، فهل أتاك من غير إعلامِنا وإرسالنا وتعريفنا؟! أم لَم يأتك إلاَّ مِن قِبَلِنا؟! فانظر ظهورَ هذا الكلام بصيغة الاستفهام، وتأمَّل عِظَم موقعه من جميع موارده؛ يشهد أنَّه من الفصاحة في ذروتها العالية.وقوله - تعالى -: ﴿ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [الذاريات: 24] متضمِّن لثنائه - عزَّ وجلَّ - على خليله إبراهيم؛ فإنَّ في: ﴿الْمُكْرَمِينَ﴾ قولين؛ أحدهما: إكرام إبراهيم لهم، ففيه مدحُ إبراهيم بإكرام الضَّيف، والثاني: أنَّهم مُكْرَمون عند الله، كقوله: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: 26]، وهو متضمِّنٌ أيضًا لتعظيم إبراهيم ومَدْحِه؛ إذْ جعل الله ملائكتَه المكرمين أضيافًا له، فعلى كلا التقديرين فيه مدحٌ لإبراهيم - عليه السَّلام.وقوله: ﴿فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ﴾ [الذاريات: 25] متضمِّن لمدحٍ آخر لإبراهيم؛ حيث ردَّ - عليهم السَّلام - أحسنَ مما حيَّوه به؛ فإنَّ تحيتهم باسمٍ منصوب متضمِّن لجملة فعليَّة تقديره: سلَّمنا عليك سلامًا، وتحية إبراهيم لهم باسمٍ مرفوع، متضمِّن لجملة اسميَّة، تقديرها: سلامٌ دائم، أو ثابت، أو مستقرٌّ عليكم، ولا ريب أنَّ الجملة الاسمية تقتضي الثُّبوت واللزوم، والفعليَّة تقتضي التجدُّدَ والحدوث، فكانت تحيَّة إبراهيم أكمل وأحسن.ثم قال: ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ[الذاريات: 25]، وفي هذا من حُسْنِ مُخاطبة الضَّيف، والتذمُّمِ منه وجهان من المَدْح:أحدهما: أنَّه حذَف المبتدأ، والتَّقدير: أنتم قومٌ مُنكَرون، فتذمَّم منهم، ولَم يُواجِهْهُم بهذا الخطاب؛ لما فيه من الاستيحاش، وكان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يواجه أحدًا بما يكرهه، بل يقول: ((ما بال أقوامٍ يقولون كذا، ويفعلون كذا)).والثَّاني: قوله: ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ حذف فاعِلَ الإنكار، وهو الذي كان أنكرَهم كما في موضعٍ آخَر: ﴿نَكِرَهُمْ﴾ [هود: 70]، ولا ريبَ أنَّ قوله: ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ ألطَفُ من أن يقول: أنكَرْتُكم.وقوله: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ [الذاريات: 26 - 27] متضمِّن وجوهًا من المدح وآدابِ الضِّيافة وإكرام الضيف؛ منها قوله: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ﴾، والرَّوغان الذَّهاب بسرعةٍ واختفاء، وهو يتضمَّن المبادرةَ إلى إكرام الضيف، والاختفاء يتضمَّن ترك تخجيله، وألاَّ يعرِّضه للحياء، وهذا بخلاف مَن يتَثاقل ويتبادر على ضيفه، ثم يبرز بمرأًى منه، ثم يبدأ يخرج أمواله، ويحسبها، ويفعل كذا وكذا مما يتضمَّن تخجيل الضيف وحياءه، لكن لفظة: ﴿فَرَاغَ﴾ تنفي هذين الأمرين، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ الفاء تفيد السُّرعة.وفي قوله: ﴿إِلَى أَهْلِهِ﴾ مدْحٌ آخَر؛ لما فيه من الإشعار أنَّ كرامةَ الضيف مُعدَّة حاصلة عند أهله، وأنَّه لا يحتاج أن يستقرض من جيرانه، ولا يذهب إلى غير أهله؛ إذْ قِرَى الضيف حاصلٌ عندهم.وقوله: ﴿فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍيتضمَّن ثلاثة أنواع من المدح:أحدها: خدمة ضيفِه بنفسه؛ فإنه لم يُرسل به، وإنما جاء به بنفسه.والثاني: أنه جاءهم بحيوان تامٍّ، لم يأتهم ببعضه؛ ليتخيَّروا من أطيب لحمه ما شاؤوا.والثالث: أنه حيوان سمين ليس بِمَهزول، وهذا من نفائس الأموال؛ ولد البقَر السَّمين؛ فإنهم يعجبون به، فمن كرَمِه - عليه السَّلام - هان عليه ذبْحُه وإحضاره.وقوله: ﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ﴾ [الذاريات: 27] متضمِّنٌ المدحَ وآدابًا أخرى، وهو إحضار الطعام إلى بين يدي الضيف، بخلاف من يهيِّئ الطعام في موضع، ثم يقيم ضيفه، فيورده عليه.وقوله: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ [الذاريات: 27] فيه مدحٌ وأدَب آخر؛ فإنه عرَض عليهم الأكل بقوله: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ﴾، وهذه صيغة عَرْض مُؤْذِنة بالتلطُّف، بخلاف من يقول: ضَعُوا أيديكم في الطَّعام، كلوا، تقدَّموا... ونحو ذلك!وقوله: ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ [الذاريات: 28]؛ لأنَّه لَمَّا رآهم لا يأكلون من طعامه أضمَر منهم؛ خوفًا أن يكون معهم شر؛ فإنَّ الضيف إذا أكل من طعام ربِّ المَنْزل اطمأنَّ إليه، وأنس به، فلما علموا منه ذلك: ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ [الذاريات: 28]، وهذا الغلام إسحاقُ لا إسماعيل؛ لأنَّ امرأته عجبت من ذلك، فقالت: ﴿عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ [الذاريات: 29] لا يُولد لمثلي، فأنَّى لي بالولد؟! وأما إسماعيل فإنه مِن هاجر، وكان بِكْرَه وأوَّلَ ولد، وقد بيَّن الله - تعالى - في سورة هود في قوله: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: 71] في هذه القصَّة نفسها.وقوله: ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا﴾ [الذاريات: 29] فيه بيانُ ضعف عقل المرأة، وعدَم ثباتها؛ إذْ بادرَتْ إلى الندبة، فصكَّت وجهها عند هذا الإخبار.وقوله: ﴿عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ [الذاريات: 29] فيه حُسْن أدب المرأة عند خِطاب الرِّجال، واقتصارها من الكلام على ما يتأدَّى به الحاجة؛ فإنَّها حذفَت المبتدأ، ولم تَقُل: أنا عجوز عقيم، واقتصرت على ذِكْر السبب الدالِّ على عدم الولادة، ولم تَذْكُر غيره، وأما في سورة هود فذكرَت السبب المانع منها ومن إبراهيم، وصرَّحَت بالتعجُّب.وقوله: ﴿قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ﴾ [الذاريات: 30] متضمِّنٌ لإثبات صفة القول لله - تعالى - وقوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ [الذاريات: 30] متضمِّن لإثبات صفة الحكمة وصفة العلم، اللَّذين هما مَصْدر الخلق والأمر؛ فجميع خَلْقِه - سبحانه - صادرٌ عن علمه وحكمته، وكذلك أمره وشرعه مصدرُه عن عِلمه وحكمته، والعلم والحكمة متضمِّنان لجميع صفات الكمال؛ فالعلم يستلزم الحياة، ولوازم كمالها من القيوميَّة، والقدرة، والبقاء، والسمع والبصر، وسائر الصِّفات التي يستلزمها العلم التامُّ، والحكمة تتضمَّن كمال الإرادة والعدل، والرحمة والإحسان، والجود والبِرِّ، ووَضْع الأشياء في مواضعها على أحسن وُجوهها، ويتضمَّن إرسال الرُّسل، وإثبات الثَّواب والعقاب، كلُّ هذا يُعلم من اسمه الحكيم كما هي طريقة القرآن في الاستدلال على هذه المطالب العظيمة بصفة الحِكْمة، والإنكار على من يَزعم أنَّه خلَق الخلق عبثًا وسُدًى وباطلاً، فنفس حكمته تتضمَّن الشَّرع والقدر، والثَّواب والعقاب، ولهذا كان أصح القولين أنَّ المعاد يُعلم بالعقل، وأن السمع وردَ بتفصيل ما يدلُّ العقل على إثباته.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17-05-2020, 01:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة




عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(18)




محمود العشري

الوسيلة الخامسة: بِرُّ الوالدين:
الوالِدان هما أصحاب الفضل الأكبر بعد الله - تعالى - على الإنسان، قال - سبحانه -: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]؛ فهُما سبب وجوده في هذه الدنيا؛ لأنَّهما تحمَّلا من الكدِّ والتعب، والعناء والنَّصَب، ما لا يمكن أن يتحمَّله أحد؛ لأجل هذا أمرَنا الله - تعالى - بِحُسن الأدب معهما، والإحسان إليهما، بل قد جعله الله - تعالى - مقرونًا بعبادته في مواضعَ متعدِّدةٍ من كتابه - تعالى - يقول - سبحانه -: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23]، وقال - تعالى -: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، فحَقُّهما أعظم الحقِّ بعد حق الله - تعالى - فلا تُقدِّمْ عليهما أحدًا أبدًا، بل قد جعل الله - تعالى - رضاه في رضا الوالدين.من الأدب مع الوالدين:1 - حبُّهما ومُوالاتُهما، واستشعار فضلِهما، والدُّعاء لهما، كل ذلك على الدَّوام، وإن أساؤوا إليك.2 - السلامُ عليهما عند الدُّخول عليهما والخروج، والأفضل أن تقرن ذلك بتقبيل يدَيْهما.3 - حبُّهما ومَدْحُهما بما فيهما.4 - إدخال السُّرور عليهما بما يُحِبَّان، وأن تمنع عنهما ما يكرهان.5 - أن يعلم الابن أنَّه مهما قدم لوالديه، فهو قليلٌ في جانب ما قدَّموه، فمهما قدمت من معروف، ومهما فعلت من خير، فلن تستطيع أن تؤدِّي ولو جزءًا يسيرًا مما قدَّماه إليك وأنت طفل صغير.6 - لِينُ القول لهما، والتأدُّب عند مخاطبتهما؛ فقد قال - تعالى -: ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ [الإسراء: 23 - 24]، وقال عبدالله بن عمر لرجلٍ: أتَفْرَق من النَّار، وتحبُّ أن تدخل الجنة؟ قال الرجل: إي والله! قال: أحَيٌّ والِداك؟ قال: عندي أمِّي، قال: فوالله ما ألَنْتَ لها الكلام، وأطعمتَها الطعام، لتدخلنَّ الجنة، ما اجتنَبْتَ الكبائر.7 - أن لا يرفع صوته بحضرتهما.8 - القيامُ على خدمتهما، وأداء مصالحهما بإخلاص.9 - تقديم حقِّهما على حقِّ غيرهما على الدوام.10 - طاعتهما طاعة مطلَقة في المعروف، إلاَّ أن يأمرا بمعصية.11 - أن لا يتقدَّم الابنُ والِدَه في المشي إلاَّ لضرورة؛ كإزالة شوك أو نحوه.12 - تفقُّد مواضع راحتهما، وعدم إزعاجهما.13 - تجنُّب مدِّ اليد إلى الطعام قبلهما.14 - عدم الاستئثار بالطيِّبات دونهما، بل إيثارهما وتفضيلهما على غيرهما، ولو زوجة أو ولدًا.15 - دوام إكرامهما بالمال وغيره؛ فأنت ومالك لأبيك.16 - الإخلاص في حُبِّهما وخدمتهما، والثناء عليهما في حضورهما وغيبتهما.17 - القيام بخدمتهما دائمًا، ولزوم أقدامهما، وتسخير ما يستطيع لإدخال السُّرور عليهما.18 - طاعتهما مطلقًا، إلا في معصية الله ورسوله، وإن أمراك بمعصية فلا تطعهما، ولكن أَلِنْ لهما القول، وانصحهما بالأدب والمعروف.19 - عدم التعرُّض لسخطهما، فلو سخطا ودعا أحدهما على ابنه، فإنَّ الدُّعاء مستجاب منهما؛ لِما في الحديث الصَّحيح في "سنن الترمذي": ((ثلاث دعوات مستجابات لهنَّ، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولَدِه)).20 - تجنُّب الأمور المؤدِّية إلى العقوق، ومنها: الغضب منهما، التأفُّف من قولهما أو فِعْلهما، التضجُّر منهما، الحياء من الانتساب إليهما إذا أصبح ذا جاهٍ أو مركز.21 - الدعاء لهما بعد موتهما، والاستغفار لهما، قال - تعالى -: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].22 - التصدُّق عنهما بعد موتهما؛ فعن سعد بن عُبادة - رضي الله عنه - أن أُمَّه ماتت، فقال: يا رسول الله، إنَّ أمي ماتت، فأتصدَّق عنها؟ قال: ((نعم))، قال: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: ((سَقْي الماء))، قال: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة، والحديث صحيح، وهو في "سنن النسائي".23 - أن يصل المسلِمُ أقاربهما وأصدقاءهما بعد موتهما، ففي "صحيح مسلم" قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن أبرَّ البِرِّ صلةُ الولد أهل وُدِّ أبيه)).24 - زيارة قبرهما، والدُّعاء لهما، والترحُّم عليهما.25 - ألاَّ يتسبَّب في شتمهما؛ بأن يشتم والِدَيْ أحد، فيشتم هذا الشخص والديه.26 - إذا رأى الابن من أبيه ما يكره، فعليه أن يكلِّمه بغير عنف ولا إساءة، والأفضل أن يصبر ويحتمل جفاء والديه؛ فلا ينهرهما، بل وإذا بلغه شيءٌ عنهما يتأوَّل لهما، ويُحسن الظنَّ بهما، ويدفع عنهما.27 - وفي النِّهاية يجب أن يعلم كلُّ إنسان أنه ليس حيٌّ على ظهر الأرض أحقَّ بالمودة وحُسْن الصحبة من الوالدين، فلْيَكن جلُّ اهتمامه برضائهما وتطييب خاطرهما، المهمُّ: أنَّه لا سبيل إلى دخول الجنَّة إذا سخط الوالدان؛ فهما بابٌ من أعظم أبواب الجنَّة، فاحفظ هذا الباب أو ضيِّعْهُ!موعظة:أيُّها المضيع لأوكد الحقوق، المعتاض عن البِرِّ بالعقوق، الناسي لما يجب عليه، الغافل عمَّا بين يديه: بِرٌّ لوالديك عليك دَيْن، وأنت تتعاطاه باتِّباع الشين؟! تطلب الجنَّة بِزَعمك، وهي تحت أقدام أمِّك؟!حَملَتْك في بطنها تسعة أشهر كأنها تسع حِجَج، وكابدت عند وضعك ما يذيب المُهَج، وأرضعَتْك من ثديها لَبنًا، وأطارت لأجلك وسنًا، وغسلت بيمينها عنك الأذى، وآثرَتْك على نفسها بالغِذى، وصيَّرَت حجرها لك مهدًا، وأنالتك إحسانًا ورفدًا، فإن أصابك ألَمٌ أو شِكاية، أظهرت من الألم فوق النِّهاية، وأطالت الحزن والنَّحيب، وبذلَتْ مالها للطَّبيب، ولو خُيِّرت بين حياتك وموتها، لآثرت حياتك بأعلى صوتها.هذا؛ وكم عامَلْتَها بسوء الأدب مِرارًا، فدعَتْ لك بالتوفيق سِرًّا وجهارًا، فلما احتاجَتْ عند الكِبَر إليك، جعلتَها مِن أهون الأشياء عليك: فشَبِعْتَ وهي جائعة، ورَوِيت وهي ضائعة، وقَدَّمت عليها أهلك وأولادك في الإحسان، وقابلتَ أيادِيَها بالنِّسيان، وصَعُب لديك أمرها وهو يسيرٌ، وطال عليك عمرها وهو يسيرُ، وهجرتَها وما لها سواك نصير!هذا؛ ومولاك قد نهاك عن التَّأفيف، وعاتبَك في حقِّها بعتابٍ لطيف، ستُعاقَب في دنياك بعقوق البنين، وفي أُخْراك بالبعد من ربِّ العالمين، يناديك بلسان التَّوبيخ والتهديد: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [الحج: 10].لِأُمِّكَ حَقٌّ - لَوْ عَلِمْتَ - كَبِيرُ
كَثِيرُكَ يَا هَذَا لَدَيْهِ يَسِيرُ

فَكَمْ لَيْلَةٍ بَاتَتْ بِثِقْلِكَ تَشْتَكِي
لَهَا مِنْ جَوَاهَا أَنَّةٌ وَزَفِيرُ

وَفِي الوَضْعِ - لَوْ تَدْرِي - عَلَيْهَا مَشَقَّةٌ
وَمِنْ غُصَصٍ مِنْهَا الفُؤَادُ يَطِيرُ

وَكَمْ غَسَلَتْ عَنْكَ الأَذَى بِيَمِينِهَا
وَمَا حِجْرُهَا إِلاَّ لَدَيْكَ سَرِيرُ

وَتَفْدِيكَ مِمَّا تَشْتَكِيهِ بِنَفْسِهَا
وَمِنْ ثَدْيِهَا شِرْبٌ لَدَيْكَ نَمِيرُ

وَكَمْ مَرَّةٍ جَاعَتْ وَأَعْطَتْكَ قُوتَهَا
حُنُوًّا وَإِشْفَاقًا وَأَنْتَ صَغِيرُ

فَآهًا لِذِي عَقْلٍ وَيَتَّبِعُ الْهَوَى
وَآهًا لِأَعْمَى القَلْبِ وَهْوَ بَصِيرُ!

فَدُونَكَ فَارْغَبْ فِي عَمِيمِ دُعَائِهَا
فَأَنْتَ لِمَا تَدْعُو إِلَيْهِ فَقِيرُ

فاحرص أخي يا بن الإسلام على برِّ الوالدين، والقرب منهما، وقضاء حوائجهما، وطاعتهما في غير معصية الله، ومُحاولة الإفطار معهما، واحذر غضبَهما؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رضا الربِّ من رضا الوالد، وسخط الربِّ من سخط الوالد))، ولكن احذر أن تتَّخِذ وجوب طاعتهما سبيلاً إلى معصيةِ مَن أوجب عليك طاعتَهما - سبحانه وتعالى - فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أرضى الله بسخط النَّاس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناسَ، ومن أسخط الله برِضَا الناس، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس)).ولا يهولنك تهديدُ بعض الآباء الجهلاء بالغضب وعدم الرِّضا إذا لم تُنفذ رغباتهم التي ترى فيها معصية الله - تعالى - فالربُّ مطَّلِع عليم، ولا يهولنك أيضًا ما يَذْكرون للنَّاس من عقوقِك وسوء خلقك، ما دُمتَ تعاملهما بما يُرضي الله، وإن كان الأوجبُ عليك أن تسترضِيَهما، ولا تترك لهما بابًا لِذمِّك أمام الناس؛ حتى لا يُشوَّه الإسلام في صورتك، فإن بذلتَ وُسعَك، ولم يَكُفَّا عنك، فسلِّم أمرك لله العليم، وقل: ﴿ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18-05-2020, 03:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة



عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(21)





محمود العشري



الوسيلة التاسعة: الوضوء الشرعي وإسباغه:
الوضوء مِفتاح الصلاة، بل لا يَقبل الله تعالى صلاةَ مَن أحدث حتى يتوضَّأ، والوضوء طهور، وهو عبادةٌ بها يغفر الله ذنوبَ المسلِم، فالطهور شطرُ الإيمان.

واعلم يا بنَ الإسلام أنَّك إذا توضأتَ فإنَّك تستعد وتتهيَّأ للدُّخول على الله - تعالى - فعليك أن تتوبَ إليه؛ لأنَّه جعل الغسل بالماء مقدمةً للغسل مِن الذنوب، فإذا تمضمضت فطهر لسانك مِن الغِيبة والنميمة؛ فإنَّما خُلق اللسان لذِكْر الله - تعالى - وتلاوة القُرآن والتسبيح والتهليل والتحميد، وإذا استنشقتَ فطهِّر أنفك أن تشمَّ محرَّمًا، وإذا طهرت وجهك فطهِّر نظرَك مِن ثلاث: من أن تنظر إلى محرَّم، أو إلى مسلِم بعين الاحتقار، أو إلى عيْب أحد، فكلُّك عيوب، وقد خُلِقت العينان لتهتدي بهما إلى الحقِّ وإلى الطريق المستقيم، ولتستعين بهما في الحاجات، وإذا غسلت يديك وطهرتهما بالماء فطهرهما مِن أن تؤذي مسلمًا، أو تتناول بهما محرَّمًا، أو تكتب بهما ما يُؤذي مسلمًا؛ فالمسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده، وإذا مسحتَ رأسك فاعلم أنَّ مسحَه امتثالٌ لأمر الله وخضوع لجلاله، وتذلُّل بين يديه، وإظهار الافتقار إليه، وإذا غسلتَ رِجليك وطهرتهما فطهرهما مِن المشي إلى ما حرَّم الله، فما مِن عبد يخطو خطوةً إلا سُئل عنها: ماذا أراد بها؟

قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد وصحَّحه الألباني: ((أيما رجلٍ قام إلى وَضوئه يُريد الصلاة، ثم غسَل كفَّيه نزلتْ خطيئته مِن كفيه مع أوَّل قطرة، فإذا مضمض واستنشق واستنثر نزلتْ خطيئته مِن لسانه وشفتَيه مع أوَّل قطرة، فإذا غسل وجهَه نزلتْ خطيئته مِن سمعه وبصره مع أوَّل قَطْرة، فإذا غسل يديه إلى المرفقين ورِجليه إلى الكعْبَين سلِم مِن كل ذنب هو له، ومِن كل خطيئة كهيئته يوم ولدتْه أمُّه، فإذا قام إلى الصلاة رفَع الله بها درجتَه، وإنْ قعَد قَعد سالِمًا)).

وفي صحيح مسلِم عن عثمانَ أنَّه توضأ، ثم قال: رأيتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - توضَّأ مِثل وضوئي هذا، ثم قال: ((مَن توضَّأ هكذا، غُفِر له ما تَقدَّم مِن ذنبه، وكانتْ صلاتُه ومشيه إلى المسجد نافلةً)).

ومِن المُشاهَد مِن أحوال الناس أنَّ منهم من لا يُتقن الوضوء ولا يحسنه، وأنَّه ربما خرَج من وضوئه مأزورًا لا مأجورًا! إما بترْك واجب، أو بفِعل محرَّم منهيٍّ عنه في الوضوء، فوجَب تعلُّم أحكام الوضوء؛ لأهميةِ ثوابه وفضْله، ولتصحَّ به الصلاة، خاصَّة والعبدُ يُكرِّر هذا الوضوء في اليوم والليلة عدةَ مرَّات؛ ففي الصحيحين من حديث ابنِ عمر - رضي الله عنهما - قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ويلٌ للأعقابِ مِن النار)) مرَّتين أو ثلاثة، وهذا تحذيرٌ مِن عدم غسْل العقبين مع الرِّجلين في الوضوء.

ومِن الأدب في الوضوء:
1- التسمية؛ فقلْ عند غسل يديك: بسم الله.

2- استعمال السواك؛ لأنَّ السواك - كما في الحديث الصحيح في المسند – ((مَطْهرةٌ للفم، مرضاةٌ للربّ))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لولا أن أشُقَّ على أمَّتي، لأمرتُهم بالسواك معَ كلِّ وضوء))، وهو صحيح، وفي المسند.

3- الاقتصاد في الماء، وتجنُّب لطم الوجه بالماء.

4- ترْك الكلام والضحِك أثناء الوضوء؛ والكلام أثناء الوضوء غيرُ مستحبٍّ إلا لحاجة تفوتك؛ كأمْر بمعروف، ونهي عن منكر، وإرْشاد ضال، وردّ سلام.

5- الحِرْص على إسباغ الوضوء، خاصَّة في أوقات البَرْد.

6- الدُّعاء بعده، وذِكر ما ورد عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه النَّسائي والترمذي وابن ماجه وصحَّحه الألباني: ((مَن توضَّأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، اللهم اجعلني من التوَّابين واجعلني مِن المتطهِّرين؛ فُتحِت له ثمانية أبواب الجنة يدخُل مِن أيها شاء)).

7- صَلاة ركعَتين بعدَه بخشوع وكثرة ذِكْر لله، ولا يُحدِّث فيهما نفسه؛ ففي الصحيحين عن عثمانَ أنَّه توضَّأ، ثم قال: رأيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - توضَّأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: ((مَن توضَّأ نحو وضوئي هذا، ثم صلَّى رَكعتَين لا يحدِّث فيهما نفْسه، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنْبه)).

وروى مسلِم في حديثٍ طويل عن عمرو بن عَبَسةَ في ثواب الوضوء وفضْله بزيادة في آخِره: ((فإنْ هو قام فصلَّى فحمِد الله وأثْنى عليه ومجَّده بالذي هو له أهل، وفرَّغ قلبه لله، إلا انصرَف من خطيئته كهيئته يوم ولدتْه أمُّه))، وعند أحمد وحسَّنه الألباني: ((مَن توضَّأ فأحسن وضوءَه، ثم قام فصلَّى ركعتين أو أربعًا - شكَّ سهل - يُحسن فيهما الذِّكر والخشوع، ثم استغفَر الله - عزَّ وجلَّ - غُفر له))، وعند أحمد وأبي داود، وقال الألباني: حسنٌ صحيح، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن توضَّأ فأحسن وضوءَه، ثم صلَّى ركعَتَين لا يسهو فيهما، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))، وعند أبي داود والنَّسائي وأحمد وصححه الألباني: ((ما مِن أحد يتوضَّأ فيُحسن الوضوء ويُصلِّي ركعتين يُقبِل بقلبه ووجهه عليهما، إلا وجَبَتْ له الجنة)).

تنبيه في غاية الأهمية:
كثيرٌ مِن الناس لا يُحسنون صلاتهم، بل قد يصلُّون صلاةً لا خشوع فيها ولا طمأنينة، بل قد لا يُتمُّون ركوعَها وسجودها، فتكون صلاتُهم بذلك باطلة، وهم يظنُّون أنفسهم من المصلِّين، فينبغي تعلُّم أحكام الدِّين، ومعرفة واجباتِ الصلاة وأركانها وشروطها وإتمامها، ومعرفة مبطلاتِ الصلاة والمحرَّم فيها واجتنابها؛ حتى يُعدَّ المرءُ مصليًا حقًّا، وينال ثواب وأجْر المصلِّين، وما أعظمَه!

قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أبو داود والنَّسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد وصحَّحه الألباني: ((لا تُجزِئ صلاة الرجل حتى يُقيمَ ظهرَه في الركوع والسجود))، وعند أحمد وصحَّحه الألباني: ((لا يَنظُر الله إلى صلاة رَجلٍ لا يُقيم صُلبَه بين ركوعه وسجوده))، وعند أحمد أيضًا وصحَّحه الألباني كذلك، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ أسوءَ الناس سرقةً الذي يسرِق صلاته))، قالوا: يا رسولَ الله، وكيف يسرقها؟ قال: ((لا يُتمُّ رُكوعها ولا سُجودها))، وقد رَوى الطبراني وحسَّنه الألباني أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى رجلاً لا يُتمُّ ركوعه، وينقر في سجوده وهو يصلِّي، فقال: ((لو مات هذا على حاله هذه، مات على غير مِلَّة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم -))، ولما سُئل عن تسويةِ التراب في السجود، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الصحيحين: ((لا تَمْسَحْ وأنت تصلِّي، فإن كنتَ لا بدَّ فاعلاً فواحدة تسوية الحَصَى)).

فكيف بالعابثين في صلواتهم بغير حاجة؛ كالذين يقِفون أمامَ الله وأحدهم ينظر في ساعته، أو يُعدِّل ثوبه، أو يضَع أصابعه في أنْفه، أو يرمي ببصره يمينًا وشمالاً وإلى السماء، ولا يَخشى أن يُخطف بصرُه، والله - عزَّ وجلَّ - يقول: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 2]؟!


8- المحافظة على الوضوءِ بعدَ كلِّ حدَث؛ لما في صحيح سنن ابن ماجه: ((ولا يُحافِظ على الوضوء إلا مؤمِن)).

9- الحِرْص على الوضوء قبلَ النوم، فحافظ - يا بن الإسلام - على أذْكار النوم وآدابه، والذِّكر والدعاء عندَ الاستيقاظ، فقد رَوَى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال لي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أتيتَ مضجعَك فتوضَّأ وضوءَك للصلاة، ثم اضطجع على شِقِّك الأيمن، ثم قُل: اللهمَّ أسلمت وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأتُ ظهري إليك؛ رغبةً ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجَى منك إلا إليك، اللهم آمنتَ بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلتَ.. فإن متَّ مِن ليلتك فأنت على الفِطرة، واجعلهنَّ آخِر ما تتكلَّم به))، قال: فرددتها على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلما بلغتُ: اللهمَّ آمنت بكتابك الذي أنزلت، وقلت: ورسولِك، قال: ((لا، ونبيِّك الذي أرسلت))، وفي الصحيحين عن أبي هريرة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((يَعقِد الشيطان على قافية رأس أحدِكم ثلاثَ عُقد إذا نام، بكلِّ عقدة يضرِب: عليك ليلاً طويلاً، فإذا استيقظ فذكَر الله انحلَّتْ عقدة، وإذا توضَّأ انحلت عقدتان، فإذا صلَّى انحلت العقد، فأصبح نشيطًا طيِّب النفس، وإلا أصبح خبيثَ النفْس كسلان)).

10- أن يكونَ الوضوء في مكانٍ طاهر؛ لأنَّ المتوضئ يبدأ باسمِ الله تعالى ثم يدْعو بعدَ الوضوء مباشرةً، فلا ينبغي أن يكونَ المكان غير طاهر.

11- استحباب الوضوء لذِكْر الله تعالى.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26-04-2020, 10:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة

عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان
(6)
محمود العشري
القواعد الحسان في الاستعداد لرمضان
القاعدة الحادية عشر:
معرفة قُطَّاع الطريق إلى الله - تعالى -:
فهأنت قد شَمَّرت عن ساعد الجدِّ، وحثَثْت الهِمَّة الخاملة، وأوقدت نارَ العزيمة الخامدة، وألجَمْت هواك بلِجام الإرادة، وجمعتَ رقاب الأماني بزمام التوكُّل على الله في الفِعْل، وبدأت السَّيْر إلى الله - تعالى - لِتَصل إلى شهر رمضان وقد توقَّدَت عزيمتُك، وانقادت لك إرادتُك، وأذعنَتْ لك هِمَّتُك، لقد بدأت المعركة الحقيقيَّة مُذْ تمحَّض اختيارك لله وجدَّ سيرك إليه، ويممَّت القلب والقالب في الإقبال عليه، فاحذر حينئذٍ قُطَّاع هذا الطريق الوعر؛ فإنَّه طريق الجنَّة، وهو محفوف بالشهوات والهَوى والشياطين والنَّزغ والشُّبهات، وكلُّها أنواع لجِنس واحد، وهو العائق عن الوصول لِدَرب القبول، المُؤْذِن لشمس عزمك بالأفول، فتعال معًا نتذاكَرْ صفات بعض هؤلاء القُطَّاع ومكامِنهم وخدعهم؛ فبذلك تتعلَّم صفة الشرِّ؛ لتتجنَّبه، والمقصود بيان نماذج من هؤلاء القُطَّاع؛ ليُستدل بهم على غيرهم.
فمن هؤلاء القُطَّاع:
الفُتور والسَّآمة والملل، وهو مِن أعظم ما يعتري السَّالكين، وقد يتَعاظم أمْرُه ويستفحل، حتى يكون سببًا للرِّدة والنُّكوص، والعياذ بالله! وغالب شأنِ هذا الفتور مِن كثرة الفرَح بالطاعة، وعدم الشُّكر عليها، وعدم رؤية مِنَّة الله فيها، ومشاهدة النَّفس في أدائها.
قال ابن القيِّم - رحمه الله - واصفًا ومحلِّلاً ومُعالجًا لهذا الدَّاء: فإذا نَسِي السَّالكُ نفْسَه، وفَرِح فرحًا لا يُقارنه خوف، فلْيَرجع إلى السَّير إلى بدايات سُلوكه وحِدَّة طلبه؛ عسى أن يعود إلى سابقِ ما كان منه من السَّيْر الحثيث الذي كانت تسوقه الخشية، فيترك الفُتور الذي لا بُدَّ أن ينتج عن السُّرور.


فتخلُّل الفترات للسَّالكين أمرٌ لازم لا بُدَّ منه، فمن كانت فترتُه إلى مُقارَبةٍ وتسديدٍ، ولم تُخْرِجه مِن فرض، ولم تُدْخِله في محرَّم: رُجِيَ له أن يعود خيرًا مما كان، قال عمر بن الخطاب: إنَّ لهذه القلوب إقبالاً وإدبارًا، فإذا أقبلَتْ فخُذوها بالنَّوافل، وإن أدبرَت فألزِموها الفرائض.
وفي هذه الفترات والغيوم والحجُب التي تَعْرِض للسَّالكين - من الحِكَم ما لا يَعْلم تفصيلَه إلاَّ اللهُ، وبهذا يتبيَّن الصادق من الكاذب، فالكاذب ينقلب على عقِبَيه، ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه، والصادق ينتظر الفرَج، ولا يَيْئس من رَوْح الله، ويُلقي نفسه بالباب طريحًا ذليلاً، مِسكينًا مُستكينًا، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه ألبتَّة، ينتظر أن يضع فيه مالِكُ الإناء وصانِعُه ما يصلح له، لا بسببٍ من العبد - وإن كان هذا الافتقارُ من أعظم الأسباب - لكن ليس هو منك، بل هو الذي منَّ عليك به، وجرَّدَك منك، وأخلاك عنك، وهو الذي:
﴿ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ
[الأنفال: 24]
فإذا رأيتَه قد أقامك في هذا المقام فاعلَم أنَّه يريد أن يرحَمك، ويملأ إناءك، فإن وضَعْت القلب في غير هذا الموضع، فاعلم أنه قلب مُضيَّع، فسَلْ ربَّه ومن هو بين أصابعه أن يَردَّه عليك، ويجمع شملك به.
وقد أخبر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((إنَّ لكل عامل شِرَّة، ولكلِّ شِرَّة فَترة))
فالطالب الجادُّ لا بدَّ من أن تَعْرِض له فترة، فيشتاق في تلك الفترة إلى حالِه وقْتَ الطلب والاجتهاد، وربما كانت للسَّالك بدايةٌ ذات نشاط، كان فيها عالِيَ الهمة، فيفيده عند فتوره أن يَرْجع إلى ذكريات تلك البداية، فتتجدَّد له العزيمة، ويعود إلى دأبه في الشُّكر.


وكان الجُنَيد - رحمه الله - كثيرَ الذِّكْر لبداية سَيْره، وكان إذا ذكَرها يقول:
"واشَوْقاه إلى أوقات البداية"
يعني لذَّة أوقات البداية، وجمع الهمَّة على الطلب والسير إلى الله، والإعراض عن الخَلْق.
أمَّا إذا راودَتْك السَّآمةُ في عبادتك - كصلاةٍ أو ذِكْر أو تلاوة قرآن - فلا تُرسل زمام هواك للشيطان، محتجًّا بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:




((فوالله، إنَّ الله لا يَملُّ حتى تملُّوا))
وقد ذكَرْتُ لك في تمارين العزيمة فقْهَ هذا الحديث ونحْوِه عن الأئمَّة الأعلام، فحريٌّ بمن ملَّ العبادة أن يعود إلى نفسه؛ هلعًا وخوفًا من أن يكون ذلك من إعراض الله عنه، ولْيَستحضر في قلبه سوء أدبه مع الله، وعدمَ تعظيمه وقَدْرِه حقَّ قدره؛ إذْ تَطِيب نفسه مع شهوات الدُّنيا، ومُعافسة الأولاد والزَّوجات للساعات الطِّوال، ثم هو يُبتلى في عبادته بالملل بعد لُوَيحظات معدودات، وما رُوِي عن بعض السَّلَف من أنَّهم كانوا يتكدَّرون لطلوع الفجر؛ لأنَّه يحول بينهم وبين لذيذ المُناجاة فيُحمَل على أنهم يحزنون لعدم تواصل لذَّة المناجاة، لا أنَّهم كانوا يكرهون طلوع الفجر، ويقدِّمون قيام الليل على الفريضة، فهذا أبعَدُ ما يكون عن هَدْيِهم، ومُتواترِ سيرتهم، كيف وهم يَعْلمون أنَّ قرآن الفجر مشهود، تحضره الملائكة، وترفع أمره إلى الله؟!
ومن قُطَّاع الطَّريق إلى الله:
الوساوِسُ والخواطر الرَّديئة التي تَرِد على السَّالك طريقَ الآخرة، وتشمل هذه الخواطرُ الرديئة ما يَرِدُ على المبتلَيْن بالشَّهوات من التفكير في الصُّوَر، وفيما يعشقون، ومن يَهْوون... وكذا أصحاب الحِقْد والحسد، والأمراض القلبيَّة، والآفات النَّفْسية، وكلُّها انحرافات سلوكيَّة؛ أيْ: في السَّالك طريق الآخرة.
ومِن أعظمها خطرًا:
وساوس الشُّبهات في وجود الله، وذاته، وصفاته، وهذا مما ابتُلِي به كثيرٌ من شباب هذه العصور؛ لِغَلبة الأفكار الإلحاديَّة والعلمانيَّة، المبنيَّة على المادَّة والتفسير العِلْمي لكلِّ الظواهر الكونيَّة، وشيوع الفَحْشاء والشهوات الصارفة للقلوب عن مُمارسة عبوديَّتِها في التسليم والإذعان.
وتحليلاً للخواطر؛ يُمكِنُنا تقسيمُها إلى ثلاثة أنواع:
الأوَّل:
خواطر الشُّبهات؛ وهي العارضة في شأن وجود الله وذاته وصفاته، وفي قُرآنه، وأنبيائه ورسله، وقضائه وقدَرِه.
والثاني:
خواطر الشَّهَوات؛ وهي وارِداتُ الذِّهْن من الصُّوَر ونماذج المعشوقات.
والثالث:
خواطر القلب من آفاتٍ وأمراض نفسية؛ كالكبرياء والعُجْب والحِقْد.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26-04-2020, 10:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

وعلاج النَّوع الأول:
باستحضار اليقين، وكلامُنا مع مَن اعتقد وجودَ الله؛ أمَّا المُلْحد فلا خطابَ معه، وعندي: أنَّ الإلحاد هو النَّوع الوحيد من الجُنون الذي يُؤاخَذ الإنسان به، فمَن أيقن وجود الله وربوبيَّته، وهيمنتَه وتصرُّفَه، وعدْلَه وحِكْمَته - مثَّل هذا اليقين بالشمسِ يراها، ثم يستعرض الشُّبهات ويمثِّلها بمن يُماريه في رؤيته للشمس، ويُجادله في الدليل المفيد لطلوعها، حينئذٍ يردِّد قولَه - عزَّ وجلَّ -:
ï´؟ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ï´¾
[إبراهيم: 10]
ويردِّد قوله: آمنتُ بالله، ويستعيذ بالله من نزغ الشيطان، معتَصِمًا بالله، لائذًا بحفظه وكَلاءته، متعجِّبًا من تفاهة شُبهتِه:
وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الأَذْهَانِ شَيْءٌ
إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيلِ


وأما النوع الثانِي:
فهو الأعمُّ الأفشى بين الناس، وعلاجه من أصعب العلاجات، لكنَّنا نأتي على ذِكْر جملةٍ من الفوائد المهمَّة، المُجتثَّة لهذا المرض من جذوره.
فاعلم - أيُّها الأريب - أنَّ الشهوات في أصلها فطريَّة قدَرِيَّة، لا فكاك للعبد منها، فهو مَفْطور على الغضب واللَّذة، وحُبِّ الطعام والشَّراب، غير أنَّ هذه الشهوات رُكزت في الجبِلَّة لغاياتٍ، هي: حفظ النَّفس بالطعام، وردُّ الاعتداء وصيانة الذَّات بالغضب، وحفظ النَّسل باللذَّة - أعني شهوة الفَرْج - فإذا تعدَّت هذه الشَّهوات غاياتها، كانت وبالاً على أصحابها؛ ولذلك جاء عن النبيِّ - عليه السَّلام - التنبيهُ على حِفْظ الفَرْج والبطن واللِّسان، وأنَّه مِن أعظم أسباب النجاة والفوز.


فإذا علمتَ ذلك، تبيَّن سلطانُك على هذه الشَّهوات، وأنَّ الله - تعالى - قد أَمَّرَك في الحقيقة عليها، وأعطاك زمام قيادتها، فما عليك إلا ممارسةُ هذه الإمارة دون خوفٍ أو تباطؤ.
وحسم مادة الشهوات يكون بِحَسم موارد حياتِها، وأهمُّ تلك الموارد حبُّ الدنيا، والرغبة في نوال كلِّ ما يراه من جميلٍ فيها، فقَطْعُ شجرة الدنيا من القلب كفيلٌ بِصَرف الهمة مطلقًا عن الدنيا، والاهتمام بما تحصل به النَّجاة.
وهاك بعضَ الفوائد المُعِينة على حسم مادة الشهوات، وصَرْفِ واردات الخواطر الشيطانيَّة:
أوَّلاً:
التبَرُّؤ من حول النفس وقوَّتِها، والالْتِجاء والاعتصام والاستعاذة بالله تعالى، ومن جليل ما ينبغي ترداده في حقِّ المبتلى بالشهوة: "لا حول ولا قوَّة إلا بالله"، ومعناها: لا تحوُّل عن معصيةٍ إلاَّ بمعونة الله - عزَّ وجلَّ - ولا قوَّة على طاعةٍ إلاَّ بتوفيقٍ من الله - تبارك وتعالى.
ثانيًا:
تذكُّر المنغِّصات: سكرات الموت، ونزع الرُّوح، والقبر وأهواله، وسؤال الملَكَين، والبعث والنُّشور، وأهوال يوم القيامة، والمُثول بين يدي الله عاصيًا مذنِبًا، والنار وأهوالها.
ثالثًا:
تذكُّر المشوقات: كلذَّة المناجاة، وتوفيق الله للطاعة، وشرف الولاية، والانتساب إلى حِزْب الله، والكرامات اللاَّئقة لأوليائه عند موتهم، ودخولهم الجنَّة وما فيها من الحور العين، اللائي لا تُقارَن الدُّنيا كلها بأنملة من أنامل الواحدة منهنَّ، ورؤية الله يوم القيامة، ورضوانه على أهل الجنة.
رابعًا:
تذكُّر جمال خالق الجمال البشريِّ، الذي سماه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - جميلاً، فكلُّ جمال فُتِن به المرء لو تذكَّر معه جمال الله - تعالى - لتلاشَتْ كلُّ خواطره الرَّديئة.
خامسًا:
تذكُّر مثالب الصور المعشوقة وآفاتها وأمراضها، وفساد بواطنها وظواهرها.
سادسًا:
البُعْد عن المُثِيرات؛ كالسَّيْر في الطُّرقات العامة - وخاصَّة في هذه الأزمنة - وفي أماكن الفجور والفسوق، أو مشاهدة التليفزيون والفيديو، والمجلاَّت والجرائد السَّاقطة، التي تهدف غواية النُّفوس المطمئنَّة، وتحبُّ أن تشيع الفاحشةُ في الذين آمنوا، ومن هذا القبيل عدَمُ المكوث في خلوة إذا طرأ عارض الشَّهوة، بل يشتَغِل بالصَّوارف التي تلهيه عن تلك الخواطر؛ كذِكْر الله، وزيارة الصَّالحين، وحضور مجالس العلم، أو خدمة الأهل والمسلمين.
ويَنصح ابنُ القيِّم بما يلي:
• العلم الجازم باطِّلاع الرَّب - سبحانه - ونظره إلى قلبك، وعِلمه بتفصيل خواطرك.
• حياؤك منه.
• إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في البيت الذي خلَقه لتُسْكِنَه معرفته ومحبَّته.
• خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.
• إيثارك له أن تُساكن قلبك غير محبته.
• خشيتك أن تتولَّد تلك الخواطر، ويستعر شرَرُها، فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبَّة الله، فتذهب به جملة وأنت لا تشعر.
• أن تعلم أن هذه الخواطر بِمَنْزِلة الحَبِّ الذي يُلقى للطائر ليُصاد به، فاعلم أن كلَّ خاطر منها فهو حبَّة في فخٍّ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر.


• أن تَعْلم أنَّ الخواطر الرَّديئة لا تجتمع مع خواطر الإيمان ودواعي المحبَّة أصلاً، بل هي ضِدُّها من كلِّ وجه.
• أن تعلم أنَّ الخواطر بحرٌ من بحور الخيال، لا ساحل له، فإذا دخل القلب في غمراته غرق فيه، وتاه في ظلماته، فيطلب الخلاص، فلا يجد إليه سبيلاً، فيكون بعيدًا عن الفلاَح.
• أن تعلم أنَّ الخواطر وادي الحَمْقى، وأماني الجاهلين، فلا تُثْمر إلاَّ الندامةَ والخِزْي، وإذا غلبَتْ على القلب أورثَتْه الوساوس وعزلَتْه عن سلطانها، وانسدَّت عليه عينُه، وألقَتْه في الأَسْر الطويل.
أما النوع الثَّالث
وهو آفات القلب؛ كالحِقْد والحسَد، والكبرياء والعُجْب - فهو باطن الإثم، قال - تعالى -:
ï´؟ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ï´¾
[الأنعام: 120]
وجِمَاع دواء هذه الآفات رؤية عَجْز النَّفس، وقيامها بالله، ومشاهدة حِكْمة الله - تعالى - وتصرُّفِه في الخلق، فمِثْل هذا الاستحضار يَحُول بينه وبين الاعتراض على تقسيم الرِّزق والنِّعَم، ويحول بينه وبين رؤية النَّفس وقدرتها، ويؤول به الحال إلى التسليم بِمنَّة الله وعدله وحكمته.
وقد تكلَّم الإمام ابن الجوزي - رحمه الله - كلامًا نفيسًا عن هذه الآفات في كتابه: "الطب الرُّوحاني"، فراجِعْه هناك؛ تجِدْ علاجاتٍ تفصيليةً لكلِّ آفة ومرض، وحَسْبُنا من الألْف شاهد مثالٌ واحد.


لكن ابن القيِّم - رحمه الله - يَلْمس مَكمن الداء، ويَصِفه وصفًا دقيقًا، ثم يقترح العلاج المناسب، فيقول: "واعلم أنَّ الخطرات والوساوس تؤدِّي متعلّقاتها إلى الفكر، فيأخذ الفِكْرُ فيؤدِّيها إلى التذكُّر، فيؤديها إلى الإرادة، فتأخذها الإرادة إلى الجوارح والعمل، فتستحكم، فتصير عادة، فردُّها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوَّتِها وتمامِها، ومعلومٌ أنه لم يُعطَ الإنسان إماتة الخواطر، ولا القوَّة على قطعها وهي تَهْجم عليه هجوم النفس، إلاَّ أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها، ورضاه به، ومُساكنته له، على رفع أقبحها، وكراهته له، ونفرته منه، كما قال الصحابة: يا رسول الله، إنَّ أحدنا يجد في نفسه ما لأَنْ يحترق حتى يصير حممةً أحبُّ إليه من أن يتكلَّم به، فقال: ((أوَقدْ وجدتُموه؟)) قالوا: نعَم، قال: ((ذاك صريح الإيمان))
وفي لفظ: ((الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة)).
وفيه قولان:
أحدهما: أنَّ ردَّه وكراهته صريحُ الإيمان.
والثاني:
أنَّ وجوده وإلقاء الشيطان له في نفسه صريح الإيمان؛ فإنه إنَّما ألقاه في النَّفس؛ طلبًا لِمُعارضة الإيمان، وإزالته به، وقد خلق الله - سبحانه - النَّفس شبيهة بالرَّحى الدَّائرة التي لا تَسْكن، ولا بُدَّ لها من شيءٍ تَطْحنه، فإن وُضع فيها حيٌّ طحنَتْه، وإن وضع فيها تراب أو حصًى طحنته؛ فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنْزِلة الحَبِّ الذي يوضع في الرَّحى، ولا تبقى تلك الرحى معطَّلة قطُّ، بل لا بدَّ لها من شيءٍ يوضع فيها، فمن الناس من يَطْحن رَحاه حَبًّا يخرج دقيقًا، ينفع به نفسَه وغيره، وأكثرهم يطحن رملاً وحصًى وتِبنًا ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبيَّن له حقيقة طحنه".
فهذه نماذج من قُطَّاع طريقك إلى الله، وسفَرِك في درب الآخرة، وسعيك في عتق رقبتك من النار، وبَذْل ثَمن الجنة، فاحذر مثل تلك الصَّوارف وأعِدَّ لها عُدَّتها، والله الموفِّق.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 01-05-2020, 10:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

سبحان الملك! والله إنَّه لشعور رائع حقًّا؛ إحساس الإنسان أنَّه مدفوع لفعل الخير، مشغولٌ به، تتفتَّح أمامه أبوابُ الطاعات، وتُيَسَّر له، ويُعان عليها، ولك أن تُقارن بين هذا الإنسان وبين آخَر، كلَّما اتَّجه إلى طاعة تعسَّرت عليه وصُرِف عنها، وأينما الْتفَت أخذت قلبَه وعينَه، ويدَه ورجلَه معصيةٌ من المعاصي.


فإن سألتَ: كيف أكون ذاك الأول، وأنجو من ذاك الثاني؟! قلتُ: إنَّ الأمر يحتاج ابتداءً إلى رحمةٍ من الله - تعالى - فيجعلك من هؤلاء المرحومين، وينأى بك عن هؤلاء الخاسرين.
فإن قلتَ: ألا من سبيل للأسباب؟! قلت: بلى، وارد؛ تحتاج ابتداءً إلى هِمَّة عالية، ونيَّة صحيحة، فإذا رأى الله من عبده صِدْق النِّية، ووصل إليه من العبد عملٌ علِيٌّ، أخذ بيده إليه، واعتنى به أشدَّ من عناية الأب الشفيق بولده؛ فدبَّر له الأمور، وأصلح له الأحوال؛ قال - تعالى -: ï´؟ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ï´¾ [الليل: 4 - 10].
فمَدار الشأن على هِمَّة العبد ونِيَّته، وهُما مطلوبُه وطريقُُه، ولا يتمُّ إلا بترك ثلاثة أشياء:
الأوَّل: العوائد والرُّسوم، والأوضاع التي أحدثها الناس.
والثاني: هجر العوائق التي تعوقه عن إفراد مطلوبه وطريقه، وقطعها.
والثالث: قَطْع علائق القلب التي تَحُول بينه وبين تجريد التعلُّق بالمطلوب.


ثم إنَّك - أيُّها الحبيب المُحِبُّ - إن كنت تستشعر ثقلاً وصعوبة في الأخذ بالأسباب التي ذكرتُها لك؛ فإنَّ من رحمة الله بعباده وإكرامه - سبحانه - لهم أنْ هيَّأ لهم فُرَصًا ومناسباتٍ في أيام زمانهم، يكون الوصول فيها أسهلَ، وتُصْبِح الإعانات مجانيَّة للجميع.
فهناك مواسم ومناسبات يكون الوصول والدُّخول على الله - تعالى - في هذه المواسم بمواهب وهدايا ولطائف في يومٍ أو ليلة بلمحة خاطفة من خفايا لُطْفه - سبحانه - كما روى الطبرانيُّ - وحسَّنه الألباني - أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ لله في أيام الدهر نفحاتٍ فتعرَّضوا لها؛ فلعلَّ أحدكم تصيبه نفحة، فلا يَشْقى بعدها أبدًا))، ومن هذه المواسم شهر رمضان المعظَّم، أنعِم وأكرم بيومٍ واحد منه!
أخي يا بن الإسلام، إن الدنيا قصيرة، وليس لها قدْرٌ عند الله - تعالى - فهي لا تُساوي عند الله جَناح بعوضة؛ ومن ثَمَّ فهي لا تستحِقُّ أن نُفنِيَ أعمارنا في جمْع حطامها الزَّائل، بل علينا أن نملأ قلوبنا رغبةً في الآخرة، وفي لقاء مَن له الآخرة والأُولى - سبحانه وتعالى - فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما عند البخاري: ((مَن أحبَّ لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كَرِه لقاء الله كره الله لقاءه)).


ومن المعلوم أنَّ الإنسان لا يحبُّ لقاء الله، ولا يشتاق له إلاَّ إذا تزوَّد من العمل الصالح الذي يرضى الله - تعالى - عنه، ولن يكون ذلك إلاَّ باغتنام كلِّ لحظة من لحظات العمر في طاعة الله، وبخاصَّة في مواسم الطاعات، التي يُضاعِف الله فيها الأجر والحسنات، ويعفو فيها عن الذُّنوب والسيئات.
ولا شكَّ أن شهر رمضان هو أفضل شهور السَّنة على الإطلاق، وهو أفضل موسمٍ من مواسم الطاعة؛ ولهذا كان لزامًا علينا أن نحسن استقباله، وأن نغتنم كلَّ لحظة فيه؛ لنفوز بالرحمة والمغفرة والعتق من النِّيران، ولنسعد في الجنة بالنَّعيم والرضوان، والنظر إلى وجه الرحيم الرحمن.
فما هي أهمُّ وسائل استثمار رمضان؟!
إنَّ وسائل استثمار رمضان كثيرة جدًّا؛ ذلك لأنَّ استثمار رمضان إنما يكون بالاستِزادة من العمل الصالح، والأعمالُ الصالحة من الكثرة بمكان؛ ولهذا فإنِّي - بإذن الله - تعالى - أنتقي بعض الأعمال الصالحة اليسيرة، والتي أُجورها جزيلة جليلة، وأحيل عليك البحث والتنقيب عن غيرها.
وأنصحك - أخي يا بن الإسلام - أن يكون عندك كُنَّاش - كرَّاسٌ - تقيِّد فيه كلَّ عمل صالح جديد تَعْلمه، فتَعْمَل به، وتدعو إليه غيرَك، وتحتفظ به في كناشك؛ لعلَّك تُسْعِف به نفسك وإخوانك يومًا من الأيام، والله المستعان.


وأبدأ هذه الوسائل بحديثٍ جليل، رواه الإمام البخاريُّ - رحمه الله - بسنده عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أربعون خصلةً، أعلاهن منيحةُ العَنْز، ما مِن عامل يعمل بخصلة منها رجاءَ ثوابها، وتصديقَ موعودها، إلا أدخلَه الله بها الجنة)).
والخَصْلة: الفضيلة أو الحالة، وفي "لسان العرب" في مادة خصل: "الخصلة: الفضيلة والرَّذيلة تكون في الإنسان، وقد غلب على الفضيلة، وجمعها: خِصَال، والخصلة: الخَلَّة... وفي الحديث: ((من كانت فيه خصلة من النِّفاق))؛ أيْ: شعبة من شُعَب النفاق، وجزء منه أو حالة من حالاته".
وفي رواية للحديث عند أحمد: ((أربعون حسنة))؛ بدلاً من ((أربعون خصلة))، وعند الطبرانيِّ في "الأوسط" بلفظ: ((أربعون خلقًا))، لكن إسناده ضعيف.


والعَنْز: أنثى المَعِز، ومنيحة العَنْزِ: أن يُعطي صاحب العَنْز عنْزتَه لمن يحلب لبنَها، ويشرب منها، ثم يعيدها إليه، فإذا كانت المُعطاة للحلب شاةً أو بقرة أو جاموسة أو ناقةً مما يُحلب، لكان الثواب أكبر وأرجى.
والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يذكر الأربعين خصلةً، واكتفى بذكر أعلاهنَّ، قال ابن بطَّال ما ملخَّصه: "ومعلومٌ أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان عالِمًا بالأربعين المذكورة، وإنَّما لم يذكرها لمعنًى هو أنفع لنا من ذِكْرِها؛ وذلك خشية أن يكون التعيين لها مُزَهِّدًا في غيرها من أبواب الخير".
وقال ابن المنير: "الأَوْلَى أن لا يُعنى بعدِّها؛ لما تقدَّم"، لكن في زماننا ضعفت هِمَمُ الكثيرين، وتقاعست عن إتيان أبواب الخير كبـيرها وصغيرها، فبعدوا عن الاغتراف من رحمة الله - تعالى - بترك الطاعات الموصلة إليها، فرأيتُ من الأنسب بيانَ هذه الأبواب من الخير اليسيرة، الموصلة إلى رحمة الله - تعالى - ومغفرته الواسعة؛ لعلَّ ذلك يكون دافعًا للكثيرين إلى العودة، والإكثار من أبواب الخير، وقد رأوا سَعة رحمة الله - تعالى - وعظم مغفرته وفضله، وأنَّ نوال الجنة قريب ويسير بقليل العمل، ولله الحمد والمِنَّة.
فإن عادوا إلى الدَّرب وتنافسوا في مضماره، تاقت النُّفوس من جديدٍ لأبواب الخير المختلفة بعد أن أحيت نفوسَهم رحماتُ الله - تعالى - ومغفرته، وبعد أن علموا سعة رحمته - تعالى - وعظيم عطائه الذي لا حدَّ له.


وقد ذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - بعضًا ممن تكلَّم في حصر هذه الأربعين.
وأُولى هذه الخصال - كما في الحديث - منيحة العَنْز، وقد ورد في فضل منيحة اللَّبن حديثُ البَرَاء بن عازب - عند التِّرمذي وأحمد وصححه الألبانيُّ - قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((من منح منيحةَ لبن أو وَرِقٍ، أو هَدَى زُقاقًا، كان له مثل عِتْق رقبة))، ومنح الوَرِق؛ أيْ: قَرْض الدراهم، وقوله: "هَدى زقاقًا"؛ أيْ: أرشد ابن سبيل، وهداه إلى الطريق.
وعند مسلم: باب الترغيب في صدقة المنيحة مرفوعًا: ((ألا رجلٌ يمنح أهلَ بيتٍ ناقةً، تغدو بعُسٍّ، وتروح بعُس! إنَّ أجرها لعظيم))؛ ورواه البخاريُّ وأحمد، والعُسُّ هو القدح الكبير، وعند مسلمٍ وأحمد أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا: ((من منح منيحة، غدَتْ بصدقة، وراحت بصدقةٍ، صَبوحها وغَبُوقها)).


ضوابط لتعيين هذه الخصال الأربعين:
لَم يعيِّن الحديث النبويُّ الشريف الخصالَ الأربعين، ولكن في الحديث ما يفيد في التعرُّف عليها، فمن ضوابط تلك الخصال:
1- أنَّها أعمالٌ للعبد، أو حالةٌ يكون عليها، أو صفة تنطبق عليه، ينال بها رضا الله وجنَّته، واشتراط أن تكون هذه الخصالُ الأربعون مما يَتعدَّى بها نفْعُ العبد لغيره - كما في منيحة العَنْز المذكور في الحديث - فمحلُّ نظر، وليست بشرط؛ لأنَّ كلمة خصال الواردة في الحديث أعمُّ من ذلك، والخصال في اللُّغة قد تكون صفاتٍ للعبد، أو أحوالاً، أو سلوكيَّات، كما تكون أفعالاً، والصفات والأحوال والسُّلوكيات قد تكون خيِّرةً أو فاسدة، والذي يَعْنينا في الخصال الموجبة للجنة: الصفاتُ، والأحوال، والسُّلوكيات - إلى جانب الأفعال - الحسَنة الخيِّرة.


ويؤيِّد ذلك استعمالُ كلمة الخصال في أحاديثَ نبويَّة عديدة بما يوافق ذلك؛ فمن ذلك حديثُ عبدالله بن عمرٍو في "الصَّحيحين" وسنن أبي داود والترمذي والنسائي و"مسند أحمد" أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أربع خلال مَن كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا: من إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلَف، وإذا عاهد غدَر، وإذا خاصم فجَر، ومن كانت فيه خَصلةٌ منهن كانت فيه خَصلة من النِّفاق حتى يدَعَها))، فجعل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - خيانة الأمانة، وكذِبَ الحديث، وغدْرَ العهد خصالاً، وهي خصال مذمومة.
وفي حديث ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - في الصحيحين قال: وقال نبيُّ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأشجِّ عبدالقيس: ((إنَّ فيك لخصلتين يحبُّهما الله: الحلم والأناة)).
فجعل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذين الخُلقين من الخصال، وهما خصلتان محمودتان، فدلَّ ذلك على أن الخصال المذكورة أعمُّ من كونها محصورةً فيما يعود نفع العبد فيه على غيره، كمنيحة العنز المنصوص عليها في الحديث.


2- أنَّها أقلُّ - في الجهد المبذول والمشقَّة، وفي النفقة والعطاء - من منيحة العنز؛ إذْ إنَّ في الحديث عن هذه الخصال أن: "أعلاهنَّ منيحة العَنْز"، فما دونها أخفُّ منها في المشقَّة، وأقلُّ منها في البذل.
3- أنَّها يكفي ما كان منها عملاً متعديًا نفْعُه للغير - كمنيحة العَنْز - أن يفعله العبد مرَّة واحدة، فيدخل بهذه المرة الجنَّة - ولله المِنَّة - دون حاجةٍ إلى تكرار هذا الفعل مرَّات ومرات، أو المداومة عليه، ولو تكرَّر لكان خيرًا على خير.
4- أنَّ كل عمل منها على حِدَةٍ قد ثبت بخصوصه الدليل الشرعيُّ على أنه يوجب بِمُفرده دخول الجنَّة، أو غفران ما تقدَّم من الذنوب، أو الإنجاء من النار، أو نوال محبَّة الله - تعالى - ورضاه، ونحو ذلك.


فهذه هي الشُّروط التي رأى بعض العلماء مراعاتها في تحديد الخصال الأربعين اليسيرة الموجبة لدخول فاعلها الجنَّة، ولا يخفى عليك أخي يا بن الإسلام اشتراطُ كون الأحاديث المستدَلِّ بها على هذه الخصال مما ثبتت صحَّتُها وبلوغها درجة القبول؛ إذْ لا يصحُّ في تعيين هذه الخصال - ولا غيرها - الأحاديثُ الضعيفة والموضوعة مما لم يبلغ درجة القبول عند علماء الحديث - أصحاب هذا الشأن - ولكن:
هل هذه الخصال تزيد على الأربعين؟
جاء في الحديث أنَّ هذه الخصال اليسيرة الموجِبة للجنة أربعون، فإنْ وُجد أنَّها أكثر من ذلك بتتبُّع الأحاديث الواردة في هذا الشأن بالضوابط المذكورة، فكيف يُجمع بين الأمرين؟!


والجواب - والله أعلم - أنَّ ذلك ممكِنٌ من وجهين:
1- إمَّا أن يُقال: إنَّ ذِكْر العدد لا يُنافي الزيادة عليه، فيكون هذا العدد هو أقلَّ هذه الخصال، ويزيد عليها غيرها، كما في حديث خصال النِّفاق: ثلاثٌ في رواية، وأربع في أخرى، ومعلومٌ أنَّ هناك صفاتٍ للمنافقين فعليَّةً غير ذلك، فلم يمنع ذِكْرُ أنَّها أربعة في الحديث وجودَ ما يزيد عليها مما دلَّ عليه الدليل الشرعيُّ، ومثله في اجتناب السَّبع الموبقات: الشِّرك، والسِّحر، وقَتْل النفس بغير الحقِّ، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزحف، وقذف المُحصَنات، الوارد في حديث النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "الصحيحين" وسنن أبي داود والنَّسائي، لكن بلفظ الشُّح بدلاً من السِّحر، ولا يمنع وجودَ كبائر موبقات غيرها؛ كتَرْك الصَّلوات المفروضة، وترك أداء الزَّكاة، وترك صيام رمضان، وإدمان الخمر، وشهادة الزُّور، والزِّنا، واليمين الغموس - الكاذبة - والله أعلم.
2- وإمَّا أن يُقال: إنَّها كانت أربعين عند ذِكْر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لها، ثم زاد الله - تعالى - عليها غيرها، فضلاً منه وكرمًا، مما وردت به الأحاديث الثابتة، ووجب الأخذ بِها؛ للجمع بين تحديد الأربعين، والزيادة عليها بمقتضى أحاديثَ أخرى ثابتةٍ - والله أعلى وأعلم.
ويرى الدكتور "ياسر برهامي" أنَّها أربعون محدَّدة معلومة للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أبهم ذِكْرَها؛ ليجتهد الناسُ فيها كليلة القَدْر، وساعة الجمعة، والتِّسعة والتسعين اسمًا من أسماء الله الحسنى، والزيادة عليها إنَّما هي لأجل الخطأ في الاجتهاد؛ فنحن ليس عندنا ما نَزِن به الهيِّن والأهون، والأدنى والأعلى من الأعمال على وجه الجزم، بل هو مجرَّد اجتهاد حسب اختلاف القدرات والهمم والإرادات، والأزمنة والأمكنة، والله الموفِّق للصواب.


وبعد:
فبَيْن يديك - أخي يا بن الإسلام - مجموعة وسائل طيِّبة لاستثمار رمضان، ولعلَّك تجد بينها - إن شاء الله - بقيَّة الأربعين خصلة، ولسوف أكتفي - إن شاء الله - في غالب هذه الوسائل بذِكْر الأحاديث الواردة - أو بعضها - ما أمكن دون تعليقاتٍ أو شروح أو توضيح؛ تجنُّبًا للإطالة على أخي الحبيب، الذي أراه متشوِّقًا لاغتنام هذه الوسائل، إلاَّ في مواضع قد تكون قليلة، وذلك وفق ما تقتضي الحاجة فيها إلى فوائد أو تنبيهات، أو تفسيرٍ يسير للمعاني؛ لتحقيق الاستفادة الكاملة من العمل، وأدائه على الوجه المطلوب شرعًا، للحصول على أجره وثوابه، ومع ذلك فقد أُسْهِب في مواضع معيَّنة، فتحمَّلني عندها لله، فاللَّهم يسِّر وأعِن، يا كريم.










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 289.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 283.47 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]