|
ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() النميمة مفتاح الفتن وبابٌ للجريمة شعيب ناصري أما بعد: فإن اللسان أخطر ما في الإنسان، وهو كالأفعى له سمٌّ، ومن سُمه الغِيبة والقذف والنميمة، وغيرها من السموم، والنميمة هي نقل الخبر كما هو من شخص لآخر، فإن تحدثوا عنه بسوء نقلتَ له ما قيل فيه، وهذا هو أصلها، وتكون بين الأحبة والأزواج، والأصحاب والأقارب، وهناك من يفسد بينهم المودة، وهذا العمل من أحب الأعمال إلى قلب إبليسَ وجنوده؛ وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا؟ ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيُدنيه منه ويقول: نعم أنت))؛ [رواه مسلم]، والتفريق بين الأحبة أصله الأول هي النميمة التي يتغنَّى بها البعض، ويرَونها في مرتبة الهواية، والله المستعان. وقد قيل: إن أبا بكر رضي الله عنه كان يمسك بلسانه ويقول: (هذا أوردني الموارد)؛ [رواه أحمد في الزهد]، فانظر - يرحمك الله - إلى السلف كيف كانوا يخافون من الزَّلَّة والخطأ؟ وأما اليوم فأكثر الناس يرسل لسانه فيما لا يعنيه، ويدخل أنفه فيما لا يغنيه، وإن الخوف من شخص ما أحيانًا قد يزرع الحسد في قلب صاحبه بسبب الضعف في الإيمان، فيُسرع إلى باب النميمة حتى يفتحه في وجه من يخاف منه؛ لأن الحسد حينئذٍ قد سيطر عليه من كل الجوانب، وقد أعماه عن الصواب، فالحسد هو أشد فتكًا بالعقل من المخدِّرات، فالحسد يؤثر على القلب فيكون سببًا في الجريمة، وباب الحسد هي النميمة، فيخرج من القلب كالرصاصة للتفريق بين الأحبة؛ ولهذا كان في السابق يُقال: (عدوك ليس من قال فيك، عدوك الحقيقي هو من بلَّغك)، فإن النمَّام هو العدو الثاني بعد الشيطان، فقد فرَّقوا بين الإخوة والأزواج والأصحاب، بل فرقوا بين الآباء وأبنائهم، والله المستعان. فهناك من يدعو إلى الشر من باب الخير، فيأتي إليك بوجه الناصح الأمين، وبقلب الشيطان اللعين، فينقل لك القيل والقال، وينتظر النتائج بفارغ الصبر، وكأنه ليس من ذوي البشر؛ وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيهم: ((... وشر عباد الله المشَّاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبُرآء العَنَتَ))؛ [رواه أحمد وغيره]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((ألَا أنبئكم ما العَضْهُ؟ هي النميمة القالَة بين الناس))؛ [رواه مسلم]. وقال الإمام الشافعي رحمه الله: "من نمَّ لك نمَّ بك، ومن إذا أرضيته قال فيك ما ليس فيك"؛ [النوادر من حكم الشافعي لمعوض عماشة ص 12]، وهذه قاعدة اجتماعية، الأولى تطبَّق على كل نمام، وأما الثانية فلا تطبق على الجميع بل بعضهم فقط، وهي بمعنى أن يمدحك بأكثر ما فيك، أو يذمك بأسوأ ما فيك، وهذه صفة توجد في الكثير من الناس. وأما عن الأولى التي تطبَّق في حق كل نمَّام، فإن جاءك بما قيل فيك، فاعلم أنه سيذهب ويقول ما قلته في بعضهم، فهذا هو وصفهم الحقيقي، فأسرارك إن علِم بها أشاعها ونقلها، فالذي ينقل الخبر لا يؤتمن على السر إلا إن تاب واعتبر، وقد قال القائل: (احذر من نقل حديث غيرك، فإنه سينقل إلى غيرك حديثك)، وقال محمود السعيد: "والفتنة نائمة تستيقظ بالإشاعة والإذاعة)"؛ [تربية الأبناء، له، ص37]. والفتنة نوعان: الأولى: في الدين، من بدع وضلالات ومعاصٍ يروَّج لها في كل زمان ومكان، فهذه لا تنام، بل هي دائمًا بيننا. الثانية: وهي فتنة الدنيا التي تتسبب في القتل والعنف والتخريب، فهذه نائمة وتستيقظ بالنميمة وغيرها، ومن أيقظها فله وزرها ووزر ما حدث فيها، فيُلام عن كل قطرة دم تسبب فيها، ويحاسَب عليها يوم القيامة. وقد قال تعالى: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 43]؛ قال الشيخ السعدي رحمه الله: "فعاد مكرهم في نحورهم، ورد الله كيدهم في صدورهم، فلم يبقَ لهم إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب، الذي هو سنة الله في الأولين التي لا تُبدل ولا تُغير؛ أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد أن يحل به نقمته، وتسلب عنه نعمته"؛ [تيسير الكريم الرحمن، ص659]. وهناك فرق بين النميمة والفتنة: النميمة: هي نقل الخبر كما هو، فأن تخبرني بما قيل عني. الفتنة: أن أذهب أنا إلى القائل لأقول له ما قال هو عني، فيتصارع حينئذٍ القائل مع الناقل للخبر ذاك فيما بينهما، وقد تصل إلى الضرب أو القتل؛ فإن الفتنة نار، والنميمة هي حطبها، والنميمة هي قائدة الفتن مهما كانت. قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حله)؛ [رواه البخاري]، واعلم أن سفك الدماء ليس بالضرورة أن يكون القتل بذاته، وإنما كل قطرة تسيل من مسلم ظلمًا فهي سفك للدماء، وإن كانت متفاوتةً في الإثم، فالقاتل أعظم وزرًا منهم جميعًا، والضرب المبرح إن تسبب في سيلان الدم فهو من مراتب سفك الدماء، وهكذا... والنميمة غالبًا هي الطريق لهذه التصرفات العدوانية. وقد قال بعضهم: (ومفتاح الدماء الغِيبة، والسعي بين الناس بالنميمة، بنشر الفتن)؛ [جامع المهلكات للشيخ عرفان بن سليم، ص437]، وقال تعالى: ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ﴾ [المائدة: 64]، والنار هنا هي الفتنة، والنميمة أحد أسبابها، وإن كانت الآية قد نزلت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام، لكنها عامة لأهل الخير والصلاح من المسلمين. وهناك فرق بين النمَّام والفتَّان في كيفية نقل الكلام: عمل النمَّام: يكون بنقل الحقيقة بصدق. عمل الفتَّان: يكون غالبًا كذَّابًا في أقواله، لا حقيقة لها، أو هناك بعض الحقائق لكنه يزيدها كذبًا وتدليسًا، وإن كان الأول أقل وزرًا من الثاني حسب نوع الذنب وما يصل إليه، فهما في المعنى سواء، وهو نقل الخبر، وأما القصد فيختلف: الأول: من باب الصدق. الثاني: من باب الكذب، أو تدليس الصدق بالكذب، أو يخلط بينهما. وأما عن الفرق بين النمَّام والقتَّات، فقد قيل: (إن النمام الذي يحضر فينقلها، والقتات الذي يتسمع من حيث لا يعلم به ثم ينقل ما سمعه)؛ [جامع المهلكات للشيخ عرفان بن سليم، ص434]، وعمل القتات هو مثل التجسس؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ [السجدة: 22]. والنميمة هي التي تمهِّد الطريق للإجرام، فإن كان المجرم سيدفع ثمن جرمه، فالنمام أولى بذلك لأنه هو سبب الجريمة، والمجرمون الذين ذُكروا في هذه الآية هم كل الظالمين، سواء كانوا مشركين أو عصاةً معاندين مُصرين على الذنب؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((... ويل لأقماع القول، ويل للمُصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون))؛ [رواه أحمد]، فالنمام إن لم يتُب فهو منهم. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على قبرين فقال: ((أما إنهما لَيعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله))؛ [متفق عليه]، فهذا عذابه في القبر، وما أدراك ما القبر؟! أصعب مكان في حياة الإنسان، فكيف يكون عذابه يوم القيامة؟! ولهذا يقال: (إن من شبَّ على شيء شاب عليه)؛ أي من اعتاد على شيء، فإنه يبقى عليه حتى يشيب شعره فيه، مثل العاصي أو المستقيم، إلا البعض منهم، فهناك من يتوب، وهناك من ينحرف، فالنمام إن دامت النميمة على لسانه شاب عليها، وقد يموت دون توبة منها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك))؛ [رواه الشيخان]، فمن رأى من نفسه شرًّا، خصوصًا شر اللسان وبالأخص النميمة، فعليه بهذه الوصية للنبي عليه أفضل الصلاة والسلام. وقال الإمام الغزالي رحمه الله: "وكل من حملت إليه نميمة وقيل له: فلان يقول فيك... فعليه ستة أمور: 1. ألَّا يصدقه لأن النمام فاسق. 2. أن ينهاه عن ذلك وينصحه، ويقبح له فعله. 3. أن يبغضه في الله تعالى. 4. ألَّا يظن بأخيه الغائب السوء. 5. ألَّا يحمله ما حُكي له على التجسس والبحث عن ذلك. 6. ألَّا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه، فلا يحكي نميمته عنه فيقول: فلان حكى كذا، فيصير به نمامًا، ويكون آتيًا ما نهى عنه"؛ [جامع المهلكات للشيخ عرفان بن سليم، ص435]. كما أنه لا يجوز للشخص أن يقول لشخص آخر: "هل فلان تكلم عني أو قال شيئًا ما في ذاتي؟" لأن هذه وسوسة، ويفتح بها باب الفتنة على نفسه، فإن قال ما قيل فيك، فحينئذٍ تصبح نميمةً، وأما من وقع في مثل هذه الحالة فلا تخبره بما قال، أو قل له: "لم يقل عنك شيئًا"، فهي ليست من الكذب في شيء؛ لأنها من باب إصلاح البين وترقيق القلوب لبعضها؛ وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس الكذَّاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرًا، وينمي خيرًا))؛ [رواه مسلم]. وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 10، 11]، وجاء في تفسير الجلالين في معنى قوله: ﴿ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم: 11]: "ساعٍ بالكلام بين الناس على وجه الإفساد بينهم"؛ [تفسير الجلالين ص 564، 565]. وقال الشيخ الفوزان حفظه الله: "النميمة نوع من أنواع السحر، لأنها تفعل ما يفعله السحر من التفريق بين القلوب والإفساد بين الناس"؛ [شرح كتاب التوحيد ص 223]. فهذا آخر ما وفَّقني الله لكتابته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |