علة حديث: (يخرج عُنُقٌ من النار) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         مرصد الأحداث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          معركة ملاذ كرد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الشوق للجنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          المُتشابه اللَّفظي فـي القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          جعفر شيخ إدريس: فيلسوف العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          تحريم إبرام اليمين وتوكيدها ممن يَعلم عجزَه أو كذبه فيها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          تخريج حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب أبعد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 479 - عددالزوار : 164091 )           »          من محاسن الدين الإسلامي وجود بدائل لكل عمل صالح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 1121 )           »          وقفات إيمانية وتربوية حول اسم الله العفو جل جلاله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى الاحاديث الضعيفة والموضوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الاحاديث الضعيفة والموضوعة ملتقى يختص بعرض الاحاديث الضعيفة والموضوعه من باب المعرفة والعلم وحتى لا يتم تداولها بين العامة والمنتديات الا بعد ذكر صحة وسند الحديث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 03:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,635
الدولة : Egypt
افتراضي علة حديث: (يخرج عُنُقٌ من النار)

علة حديث: (يخرج عُنُقٌ من النار)

محمد بن علي بن جميل المطري



روى أحمد بن حنبل في مسنده (8430) والترمذي في سننه (2574) وصححه من طريق عبد العزيز بن مسلم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «(يخرج عنقٌ من النار يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، وأذنان يسمع بهما، ولسان ينطق به، فيقول: إني وُكِّلتُ بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهًا آخر، وبالمصوِّرين)» ، وأشار الترمذي إلى الخلاف في روايته عن الأعمش فقال: "وقد رواه بعضهم عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا. وروى أشعث بن سوار عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه"، وقال الحافظ ابن رجب في كتابه التخويف من النار (ص: 225): "صححه الترمذي، وقد قيل: إنه ليس بمحفوظ بهذا الإسناد، وإنما يرويه الأعمش عن عطية عن أبي سعيد، ... وقد روي عن عطية عن أبي سعيد موقوفًا".
وقال حنبل بن إسحاق في جزئه (68): حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال: أخبرنا أبو الأحوص عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد به مرفوعًا بلفظ: (تخرج عنقٌ من النار يوم القيامة لها لسان تنطق به تقول: إني أُمرت بثلاثة: بمن جعل مع الله إلهًا آخر، ومن قتل نفسًا بغير نفس، وبالجبارين، فتنطوي عليهم فتلقيهم في النار قبل الحساب بخمس مائة عام)، وهذا إسناد صحيح، فالأصبهاني وشيخه أبو الأحوص سلَّام بن سُلَيم كلاهما ثقة متقن، لكن المشهور في هذا الحديث أنه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد، وهذا الإسناد الذي رواه حنبل: الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قد يكون خطأً من بعض الرواة، فلم يذكره الترمذي في سننه ولا الدارقطني في علله (5/ 102) حين ذكرا الخلاف على الأعمش، والله أعلم، ورواه الطبراني في الأوسط (318) من طريق موسى بن أَعْيَن عن الأعمش عن سعد بن عُبيدة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج عنق من النار لها لسان تتكلم به، وعينان تبصر بهما، فيقول: إني أُمِرت بكل جبار عنيد، وبمن دعا مع الله إلهًا آخر، ومن قتل نفسًا بغير حق)، وهذا الإسناد أيضًا غير محفوظ، والمحفوظ كما قال الدارقطني: الأعمش عن عطية العوفي عن أبي سعيد، ورجحه شيخنا حسن حيدر. يُنظر: علل الدارقطني تحقيق الدباسي (5/ 102)، ونزهة الألباب في قول الترمذي وفي الباب لحسن بن حيدر (4/ 2118).
وروى الحديث ابن عساكر في تاريخ دمشق (37/ 200) من طريق عبد العزيز بن مسلم عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعًا، وهذا أيضًا خطأ من بعض الرواة، فالمحفوظ في هذا الإسناد الذي يرويه عبد العزيز بن مسلم أنه عن الأعمش عن أبي صالح لا عن أبي حازم، هكذا رواه أحمد في مسنده والترمذي في سننه وغيرهما، وقد يكون الاضطراب في سنده من الأعمشِ نفسه أو ممن دونه، وهو الأقرب، والمحفوظ في هذا الحديث أنه عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري، وقد رواه غير الأعمش عن عطية عن أبي سعيد، فرواه أحمد في مسنده (11354) من طريق فِراس عن عطية، وابن أبي شيبة في مصنفه (34141) من طريق ابن أبي ليلى عن عطية، والحارث بن أبي أسامة (777) من طريق خالد بن طَهْمان عن عطية، وأبو يعلى في مسنده (1138) من طريق محمد بن جُحادة عن عطية، والبزَّار كما في كشف الأستار (3501) من طريق مُطرِّف بن طَريف عن عطية، وأبو الشيخ الأصبهاني في جزئه (83) من طريق سليمان التيمي عن عطية، كل هؤلاء الرواة الأربعة (فِراس، وابن أبي ليلى، وابن طَهمان، وابن جُحادة، ومُطرِّف، وسليمان التيمي) عن عطية بن سعد العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا، وهذا لفظ رواية أحمد: (يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وكِّلت اليوم بثلاثة: بكل جبار، وبمن جعل مع الله إلهًا آخر، وبمن قتل نفسًا بغير نفس، فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم)، وعطية العوفي ضعيف مدلِّس يكثر التدليس على الضعفاء والمجاهيل، قال البوصيري في إتحاف الخِيَرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (8/ 222): "رواه عبد بن حُمَيد وأبو يعلى الموصلي وأحمد بن حنبل، ومدار أسانيدهم على عطية العوفي، وهو ضعيف"، وينظر: طبقات المدلسين لابن حجر (ص: 14، 50)، فلا يصح هذا الحديث لا عن أبي هريرة، ولا عن أبي سعيد الخدري، فقد تفرد به هذا الراوي الضعيف المدلِّس عطية العوفي، والله أعلم.
وروى أحمد في مسنده (24793) من طريق يحيى بن إسحاق قال: أخبرنا ابن لَهيعة عن خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها حديثًا طويلًا مرفوعًا، وفيه: (يخرج عنقٌ من النار فينطوي عليهم، ويتغيظ عليهم، ويقول ذلك العنق: وُكِّلت بثلاثة: وكِّلت بمن ادعى مع الله إلهًا آخر، ووكِّلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، ووكِّلت بكل جبار عنيد)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 359): "رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، وقد وثِّق"، وضعَّف الحديث الأرناؤوط في تحقيق المسند لتفرد ابن لهيعة به.
وروى عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد (2/ 101) من طريق أبي المنهال سيَّار بن سلَامة الرِّياحي عن شَهر بن حَوشَب قال: حدثني ابن عباس قال: وذكر حديثًا طويلًا فيه: (خَرجَ عنقٌ من النار وأشرف على الخلائق له عينان تبصران، ولسان فصيح، فيقول: إني وكِّلت بثلاثة: وكِّلت بكل جبار عنيد، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السِّمسِم، فيُحبَس بهم في جهنم، ثم يخرج ثانيًا فيقول: إني وكِّلت بمن آذى الله ورسوله، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيُحبَس بهم في جهنم، ثم يخرج ثالثة، قال أبو المنهال: فأحسِبه يقول: إني وكِّلت بأصحاب التصاوير)، وفي إسناده شهر بن حوشب، فيه ضعف، وحديثه يحتمل التحسين، وحسنه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (18/ 537)، وروى أسد بن موسى هذا الأثر في كتابه الزهد (78) من طريق غسان الطهوي قال: حدثنا سيَّار بن سلَامة الرِّياحي عن أبي العالية الرِّياحي عن ابن عباس، وصححه أبو إسحاق الحويني في كتابه المنيحة بسلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 173)، قال الحويني: "إسناده قويٌّ، رجاله ثقات، ورواه: سيار بنُ سلامة أيضًا عن شهر بن حوشب عن ابن عباس فذكره. وفي شهر بن حوشب كلامٌ يسير، فلربما كان سيار بنُ سلامة يرويه على الوجهين"، ولو صح هذا الأثر عن ابن عباس فيُحتمل أن يكون له حكم الرفع، ويُحتمل أن يكون مما سمعه ابن عباس من بعض الصحابة أو من بعض أهل الكتاب، ففي متنه أشياء عجيبة، قال في أوله: (جُمِع الخلائق بصعيد واحد، جنهم وإنسهم، فإذا كان ذلك قيضت هذه السماء الدنيا عن أهلها، فينتشرون على وجه هذه الأرض، فلأهل السماء أكثر من جميع أهل الأرض جنهم وإنسهم بالضعف، فإذا رآهم أهل الأرض فزعوا إليهم، ويقولون: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم، ويقولون: سبحان ربنا، ليس فينا، وهو آت، ثم تقاض السماء الثانية، فلأهل السماء الثانية وحدهم أكثر من أهل هذه السماء الدنيا ومن جميع أهل الأرض بالضعف) ثم ذكر نحو هذا في كل سماء حتى السماء السابعة، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال (ص: 137) من طريق شهر بن حوشب وأبي العالية عن ابن عباس نحوه، ولا يُعرف هذا في شيء من الأحاديث الصحيحة في وصف يوم القيامة، ورواه الحاكم في المستدرك (8699) بنحوه من غير ذكر خروج عنق من النار من طريق علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس نحوه، وقال الحاكم: "رواة هذا الحديث عن آخرهم محتج بهم غير علي بن زيد بن جُدْعان القرشي وهو وإن كان موقوفًا على ابن عباس فإنه عجيب بمرَّة!"، وروى الحاكم في المستدرك (8506) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أثرًا شبيهًا به فيه: (إن الله عز وجل جزَّأ الخلق عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء الملائكة، وجزءًا سائر الخلق، وجزَّأ الملائكة عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء يسبحون الليل والنهار لا يفترون وجزءًا لرسالته، وجزَّأ الخلق عشرة أجزاء فجعل تسعة أجزاء الجن، وجزءًا بني آدم، وجزَّأ بني آدم عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء يأجوج ومأجوج، وجزءًا سائر الناس)، فقد يكون أثر عبد الله بن عباس أصله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مما أخذه من كتب أهل الكتاب، والله أعلم، ويدل على ذلك هذا الأثر:
قال ابن أبي شيبة في مصنفه (34176): حدثنا محمد بن فُضَيل عن حُصَين عن حسَّان بن أبي المخارق عن أبي عبد الله الجَدَلي قال: أتيت بيت المقدس فإذا عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس، فقال عبد الله بن عمرو: (إنا نجد في الكتاب أنه يخرج يومئذ عنقٌ من النار فينطلق مُعنَّقًا حتى إذا كان بين ظهراني الناس قال: يا أيها الناس إني بُعِثت إلى ثلاثة أنا أعرف بهم من الوالد بولده، ومن الأخ بأخيه، لا يغنيهم مني وِردٌ، ولا تخفيهم مني خافية: الذي جعل مع الله إلهًا آخر، وكل جبار عنيد، وكل شيطان مريد، فينطوي عليهم فيقذفهم في النار قبل الحساب بأربعين)، وإسناده حسن، وفيه تصريح عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه وجد هذا الكلام في الكتاب، والظاهر أنه يريد بعض كتب أهل الكتاب التي كان يحدِّث بها، فإنه مشهور بذلك.
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (13/ 366): "قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ)) رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو، وكان عبد الله بن عمرو أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك، ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تُذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح. والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه. والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني" انتهى بتصرف يسير.
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 52): "وجَدَ عبد الله بن عمرو بن العاص يوم اليرموك زاملتين مملوءتين كتبًا من علوم أهل الكتاب، فكان يحدِّث منهما بأشياء كثيرة من الإسرائيليات، منها المعروف والمشهور والمنكور والمردود".
والزاملتان مثنى زاملة، قال الزَّبيدي في تاج العروس (29/ 136): "الزاملة: التي يُحمل عليها طعام الرجل ومتاعه في سفره من الإبل وغيرها، والجمع زوامل، ولقد أبدع مروان بن أبي حفصة إذ هجا قومًا من رواة الشعر فقال:
زَوَامِلُ للأَشْعارِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ ... بِجَيِّدَها إِلاَّ كعِلْمِ الأَباعِرِ
لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي الْبَعِيرُ إِذا غَدَا ... بأَوسَاقِهِ أَو رَاحَ مَا فِي الْغَرائِرِ"
وقد روى الخليلي في الإرشاد في معرفة علماء الحديث (2/ 553) من طريق سفيان بن عيينة عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي قال: لقيتُ عبد الله بن عمرو بن العاص بمكة فقلت: حدِّثني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تحدثني عن السَّفَطين. قال الخليلي: قال علي بن المديني: أراد بالسَّفَطين كتبًا أصابها يوم اليرموك. وهذا الأثر إسناده صحيح.
ويُنظر في تحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما من كتب أهل الكتاب: مسند أحمد (7043)، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (74)، سِيَر أعلام النبلاء للذهبي (3/ 81)، البداية والنهاية لابن كثير (8/ 531)، صحيح السيرة النبوية للألباني (ص: 78).
وقد روي نحو هذا المعنى في خروج عنق من النار عن كعب الأحبار، وقد يكون كعب نقله عن أهل الكتاب، وقد يكون نقله عن عبد الله بن عمرو نفسه كما في الأثر السابق الذي رواه ابن أبي شيبة عن أبي عبد الله الجَدَلي، قال عبد الرزاق الصنعاني كما في جامع معمر بن راشد (10/ 400) المطبوع في آخر مصنف عبد الرزاق الصنعاني: عن معمر عن قتادة أن كعبًا قال: (يطلع عنقٌ من النار يوم القيامة فيقول: أُمِرتُ أن آخذ ثلاثة: من دعا مع الله إلهًا، وكل جبار عنيد) قال معمر: ونسيت الثالثة، وهذا الإسناد منقطع، قتادة لم يسمعه من كعب، والله أعلم.
والخلاصة: حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا: (يخرج عنق من النار يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، وأذنان يسمع بهما، ولسان ينطق به، فيقول: إني وُكِّلتُ بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهًا آخر، وبالمصوِّرين) صححه الإمام الترمذي والشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (512) والشيخ الأرناؤوط في تحقيق مسند أحمد (14/ 152) وشيخنا مقبل الوادعي في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (1406)، وقد اضطرب الأعمش أو من دونه في إسناده، ورجح الحافظ الدارقطني أنه عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري، وعطية العوفي ضعيف ومدلِّس عن الضعفاء والمجاهيل، قال الحافظ الذهبي في ديوان الضعفاء (ص: 276): "عطية مجمعٌ على ضعفه"، وقال الحافظ ابن حجر في طبقات المدلسين (ص: 50): "عطية بن سعد العوفي، ضعيف الحفظ، مشهور بالتدليس القبيح"، ولهذا الحديث شواهد فيها ضعف ونظر، وفي متون الشواهد اضطراب في عد الثلاثة الذين تأخذهم النار، ففي حديث أبي هريرة: (كل جبار عنيد، وكل من دعا مع الله إلهًا آخر، والمصوِّرين)، وفي حديث أبي سعيد: (من قتل نفسًا) بدل (المصورين)، وفي حديث عائشة: (من لا يؤمن بيوم الحساب) بدل (المصورين)، وفي حديث ابن عباس: (من آذى الله ورسوله) بدل (من دعا مع الله إلهًا آخر)، وفي حديث عبد الله بن عمرو: (كل شيطان مريد) بدل (المصورين)، وهذا الاضطراب في المتن يدل على عدم صحة الحديث مرفوعًا، ولا يصلح أن نجعل بعضها شاهدًا لبعض مع هذا الاضطراب في المتن، لا سيما وقد صرَّح عبد الله بن عمرو بن العاص أنه وجد ذلك في الكتاب، ولم ينسب الحديث إلى النبي عليه الصلاة والسلام، والثابت في صحيح مسلم (1905) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أول من يُقضى عليهم يوم القيامة ثلاثة: فذكر الشهيد المرائي، والقارئ المرائي، والمتصدق المرائي، وذكر أنهم يُسحبون إلى النار على وجوههم، ولم يذكر الثلاثة المذكورين في حديث خروج عنق من النار، فالظاهر أن حديث أبي هريرة في خروج عنق من النار ضعيف لا يصح، وقد ضعفه من المتقدمين: الإمام الدارقطني، ومن المعاصرين: شيخنا حسن حيدر، والله أعلم. يُنظر: علل الدارقطني (10/ 147)، المسند المصنف المعلل (34/ 699)، نزهة الألباب في قول الترمذي وفي الباب لحسن حيدر (4/ 2118).
والحديث الضعيف لا يجزم المحدثون بعدم نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما يضعفون الحديث بحسب ما يظهر لهم من ضعفٍ ظاهرٍ فيه أو علةٍ خفيةٍ تقدح في صحته، وقد يكون الحديث في نفس الأمر صحيحًا، قال العلامة ابن الصلاح في معرفة أنواع علوم الحديث (ص: 80): "إذا قالوا في حديث: إنه غير صحيح فليس ذلك قطعًا بأنه كذب في نفس الأمر، إذ قد يكون صِدقًا في نفس الأمر، وإنما المراد به: أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور، والله أعلم"، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 585): "تعليل الأئمة للأحاديث مبني على غلبة الظن، فإذا قالوا: أخطأ فلان في كذا لم يتعين خطؤه في نفس الأمر، بل هو راجح الاحتمال فيُعتمد"، فهذا الحديث في خروج عنق من النار قد يكون صحيحًا كما قال الترمذي وغيره من علماء الحديث الذين صححوه، ويكون الاختلاف الذي في إسناده ليس اضطرابًا، لاحتمال أن يكون الأعمش حفظه من جميع تلك الوجوه أو بعضها، ويكون الخلاف في متون شواهده لا يضر، لكونها بأسانيد ضعيفة، ويكون أصلها شاهدًا للحديث وإن اضطربت متونها، ويكون ما صرَّح به عبد الله بن عمرو أنه وجد ذلك في الكتاب لا يضر؛ لأنه قد يوافق ما عند أهل الكتاب ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام، فهذه الاحتمالات وإن كانت ضعيفة قد يعتمدها من يرى صحة هذا الحديث، ويراها احتمالات راجحة لا مرجوحة، ويبقى الحديث من الأحاديث المختلف في صحتها بين علماء الحديث، والله أعلم.
وقد تكلم شرَّاح الحديث في معنى قوله: (عُنُقٌ من النار)، فقال بعضهم: أي: طائفة منها، يُنظر: الغريبين في القرآن والحديث للهروي (4/ 1336)، غريب الحديث لابن الجوزي (2/ 131)، النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (3/ 310)، شرح المشكاة للطيبي (9/ 2950)، وقال بعض الشُّرَّاح: هو عنُقٌ على ظاهره، على هيئة الرقبة الطويلة، قاله مُلَّا علي القاري، وقوَّاه المباركفوري. يُنظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للقاري (7/ 2855)، تحفة الأحوذي للمباركفوري (7/ 249).
وكلام النار يوم القيامة ورؤيتها للناس ثابتٌ في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30]، وقال سبحانه: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12]، والله على كل شيء قدير، وفي الدنيا كل شيء يسبح بحمده، ويوم القيامة تتكلم الجلود والأعضاء بقدرته، والله سبحانه هو {الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21]، ونعوذ بالله من النار، ونسأله أن يميتنا مع الأبرار، والحمد لله الذي وفقني لهذا البحث بفضله وتيسيره، ولا يخلو من فائدة لكل من قرأه وإن خالفني في نتيجته، وقد استخرت الله في كتابته، وأسأل الله أن ينفع به عباده.










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 28 ( الأعضاء 0 والزوار 28)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.78 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]