تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السخرية في سورة ( المنافقون) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الأخلاق في حياتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 28 )           »          وقفة تربوية مع التقوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          فتح مكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 1784 )           »          فتنة المسلمين في الغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          معركة مرج الصفر شرقي شقحب بحوران (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          أبو مسلم الخراساني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 16 )           »          ابن العديم .. مؤرخ يعشق حلب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-07-2025, 08:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (17)
سُورَةُ الواقعة
من صــ 191 الى صــ 200
الحلقة (683)






من رف يرف إذا ارتفع ، ومنه رفرفة الطائر لتحريكه جناحيه في الهواء. وربما سموا الظليم رفرافا بذلك ، لأنه يرفرف بجناحيه ثم يعدو. ورفرف الطائر أيضا إذا حرك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه. والرفرف أيضا كسر الخباء وجوانب الدرع وما تدلى منها ، الواحد رفرفة. وفي الخبر في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم : فرفع الرفرف فرأينا وجهه كأنه ورقة تخشخش أي رفع طرف الفسطاط. وقيل : اصل الرفرف من رف النبت يرف إذا صار غضبا نضيرا ، حكاه الثعلبي. وقال القتبي : يقال للشيء إذا كثر ماؤه من النعمة والغضاضة حتى كاد يهتز : رف يرف رفيفا ، حكاه الهروي. وقد قيل : إن الرفرف شيء إذا استوى عليه صاحبه رفرف به وأهوى به كالمرجاح يمينا وشمالا ورفعا وخفضا يتلذذ به مع أنسيته ، قاله الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" وقد ذكرناه في "التذكرة" . قال الترمذي : فالرفرف اعظم خطرا من الفرش فذكره في الأوليين {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} وقال هنا : {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} فالرفرف هو شيء إذا استوى عليه الولي رفرف به ، أي طار به هكذا وهكذا حيث ما يريد كالمرجاح ، وأصله من رفرف بين يدي الله عز وجل ، روي لنا في حديث المعراج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ سدرة المنتهى جاءه الرفرف فتناوله منم جبريل وطار به إلى مسند العرش ، فذكر أنه قال : "طار بي يخفضني ويرفعني حتى وقف بي بين يدي ربي" ثم لما حان الانصراف تناول فطار به خفضا ورفعا يهوي به حتى أداه إلى جبريل صلوات الله وسلامه عليه وجبريل يبكي ويرفع صوته بالتحميد ، فالرفرف خادم من الخدم بين يدي الله تعالى له خواص الأمور في محل الدنو والقرب ، كما أن البراق دابة يركبها الأنبياء مخصوصة بذلك في أرضه ، فهذا الرفرف الذي سخره الله لأهل الجنتين الدانيتين هو متكاهما وفرشهما ، يرفرف بالولي على حافات تلك الأنهار وشطوطها حيث شاء إلى خيام أزواجه الخيرات الحسان. ثم قال : {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} فالعبقري ثياب منقوشة تبسط ، فإذا قال خالق النقوش إنها حسان فما ظنك بتلك العباقر!. وقرأ عثمان رضي الله عنه والجحدري والحسن وغيرهم {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارَفَ} بالجمع غير مصروف كذلك
{وَعَبَاقَرِيٍّ حِسَانِ} جمع رفرف وعبقري. و {رَفْرَفٍ} اسم للجمع و {وَعَبْقَرِيٍّ } واحد يدل على الجمع المنسوب إلى عبقر. وقد قيل : إن واحد رفرف وعبقري رفرفة وعبقرية ، والرفارف والعباقر جمع الجمع. والعبقري الطنافس الثخان منها ، قال الفراء. وقيل : الزراعي ، عن ابن عباس وغيره. الحسن : هي البسط. مجاهد : الديباج. القتبي : كل ثوب وشيء عند العرب عبقري. قال أبو عبيد : هو منسوب إلى أرض يعمل فيها الوشي فينسب إليها كل وشي حبك. قال ذو الرمة :
حتى كأن رياض القف ألبسها ... من وشي عبقر تجليل وتنجيد
ويقال : عبقر قرية بناحية اليمن تنسج فيها بسط منقوشة. وقال ابن الأنباري : إن الأصل فيه أن عبقر قرية يسكنها الجن ينسب إليها كل فائق جليل. وقال الخليل : كل جليل نافس فاضل وفاخر من الرجال والنساء وغيرهم عند العرب عبقري. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه : فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه "وقال أبو عمر بن العلاء وقد سئل عن قوله صلى الله عليه وسلم" فلم أر عبقريا يفري فريه "فقال : رئيس قوم وجليلهم. وقال زهير :"
بخيل عليها جنة عبقرية ... جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا
وقال الجوهري : العبقري موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن. قال لبيد :
كهول وشبان كجنة عبقر
ثم نسبوا إليه كل شيء يعجبون من حذقه وجودة صنعته وقوته فقالوا : عبقري وهو واحد وجمع. وفي الحديث : "إنه كان يسجد على عبقري" وهو هذه البسط التي فيها الأصباغ والنقوش حتى قالوا : ظلم عبقري وهذا عبقري قوم للرجل القوي. وفي الحديث : "فلم أر عبقريا يفري فريه" ثم خاطبهم الله بما تعارفوه فقال : {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَان} وقرأه بعضهم
{وَعَبَاقَرِيٍّ} وهو خطأ لأن المنسوب لا يجمع على نسبته ، وقال قطرب : ليس بمنسوب وهو مثل كرسي وكراسي وبختي وبخاتي. وروى أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} ذكره الثعلبي. وضم الضاد من {خُضْرٍ} قليل.
قوله تعالى : {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} {تَبَارَكَ} تفاعل من البركة وقد تقدم. {ذِي الْجَلالِ} أي العظمة. وقد تقدم {وَالْأِكْرَامِ} وقرأ عامر {ذُو الْجَلالِ} بالواو وجعله وصفا للاسم ، وذلك تقوية لكون الاسم هو المسمى. الباقون {ذِي الْجَلالِ} جعلوا {ذِي} صفة لـ {رَبِّكَ} . وكأنه يربد الاسم الذي افتتح به السورة ، فقال : {الرَّحْمَنُ} فافتتح بهذا الاسم ، فوصف خلق الإنسان والجن ، وخلق السماوات والأرض وصنعه ، وأنه {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ووصف تدبيره فيهم ، ثم وصف يوم القيامة وأهوالها ، وصفة النار ثم ختمها بصفة الجنان. ثم قال في آخر السورة : {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} أي هذا الاسم الذي افتتح به هذه السورة ، كأنه يعلمهم أن هذا كله خرج لكم من رحمتي ، فمن رحمتي خلقتكم وخلقت لكم السماء والأرض والخلق والخليقة والجنة والنار ، فهذا كله لكم من اسم الرحمن فمدح اسمه ثم قال : {ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} جليل في ذاته ، كريم في أفعال. ولم يختلف القراء في إجراء النعت على الوجه بالرفع في أول السورة ، وهو يدل على أن المراد به وجه الله الذي يلقى المؤمنون عندما ينظرون إليه ، فيستبشرون بحسن الجزاء ، وجميل اللقاء ، وحسن العطاء. والله أعلم.
سورة الواقعة
مقدمة السورة
مكية في قول الحسن وعكرمة وجابر وعطاء. وقال ابن قتاد : إلا آية منها نزلت بالمدية وهي قوله تعالى : {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} وقال الكلبي : مكية إلا أربع آيات ، منها آيتان {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} نزلتا في سفره إلى مكة ، وقوله تعالى : {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} في سفره إلى المدينة. وقال مسروق : من أراد أن يعلم نبأ الأولين والأخرين ، ونبأ أهل الجنة ، ونبأ أهل النار ، ونبأ أهل الدنيا ، ونبأ أهل الآخرة ، فليقرأ سورة الواقعة. وذكر أبو عمر بن عبدالبر في "التمهيد" و "التعليق" والثعلبي أيضا : أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده في مرضه الذي مات فيه فقال : ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي. قال : فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي. قال : أفلا ندعو لك طبيبا ؟ قال : الطبيب أمرضني. قال : أفلا نأمر لك بعطاء لك ؟ قال : لا حاجة لي فيه ، حبسته عني في حياتي ، وتدفعه لي عند مماتي ؟ قال : يكون لبناتك من بعدك. قال : أتخشى على بناتي الفاقة من بعدي ؟ إنى أمرتهن أن يقرأن سورة {الواقعة} كل ليلة ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا" .
بسم الله الرحمن الرحيم
الآية : [1] {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}
الآية : [2] {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}
الآية : [3] {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ}
الآية : [4] {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً}
الآية : [5] {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً}
الآية : [6] {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً}
قوله تعالى : {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} أي قامت القيامة ، والمراد النفخة الأخيرة. وسميت واقعة لأنها تقع عن قرب وقيل : لكثرة ما يقع فيها من الشدائد. وفيه إضمار ، أي اذكروا
إذا وقعت الواقعة. وقال الجرجاني : {إِذَا} صلة ، أي وقعت الواقعة ، كقوله : {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} و {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} وهو كما يقال : قد جاء الصوم أي دنا واقترب. وعلى الأول {إِذَا} للوقت ، والجواب قوله : {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} . {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} الكاذبة مصدر بمعنى الكذب ، والعرب قد تضع الفاعل والمفعول موضع المصدر ، كقوله تعالى : {لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً} أي لغو ، والمعنى لا يسمع لها كذب ، قاله الكسائي. ومنه قول العامة : عائذا بالله أي معاذ الله ، وقم قائما أي قم قياما. ولبعض نساء العرب ترقص أبنها :
قم قائما قم قائما ... أصبت عبدا نائما
وقيل : الكاذبة صفة والموصوف محذوف ، أي ليس لوقعتها حال كاذبة ، أو نفس كاذبة ، أي كل من يخبر عن وقعتها صادق. وقال الزجاج : {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} أي لا يردها شيء. ونحوه قول الحسن وقتادة. وقال الثوري : ليس لوقعتها أحد يكذب بها. وقال الكسائي أيضا : ليس لها تكذيب ، أي ينبغي ألا يكذب بها أحد. وقيل : إن قيامها جد لا هزل فيه.
قوله تعالى : {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} قال عكرمة ومقاتل والسدي : خفضت الصوت فأسمعت من دنا ورفع من نأى ، يعني أسمعت القريب والبعيد. وقال السدي : خفضت المتكبرين ورفعت المستضعفين. وقال قتادة : خفضت أقواما في عذاب الله ، ورفعت ، أقواما إلى طاعة الله. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : خفضت أعداء الله في النار ، ورفعت أولياء الله في الجنة. وقال محمد بن كعب : خفضت أقواما كانوا في الدنيا مرفوعين ، ورفعت ، أقوات كانوا في الدنيا مخفوضين. وقال ابن عطاء : خفضت أقواما بالعدل ، ورفعت آخرين بالفضل. والخفض والرفع يستعملان عند العرب في المكان والمكانة ، والعز والمهانة. ونسب سبحانه الخفض والرفع للقيامة
توسعا ومجازا على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل والزمان وغيرهما مما لم يكن منه الفعل ، يقولون : ليل نائم ونهار صائم. وفي التنزيل : {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} والخافض والرافع على الحقيقة إنما هو الله وحده ، فرفع أولياءه في أعلى الدرجات ، وخفض أعداءه في أسفل الدركات. وقرأ الحسن وعيسى الثقفي {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} بالنصب. الباقون بالرفع على إضمار مبتدأ ، ومن نصب فعلى الحال. وهو عند الفراء على إضمار فعل ، والمعنى : إذا وقعت الواقعة. ليس لوقعتها كاذبة وقعت : خافضة رافعة. والقيامة لا شك في وقوعها ، وأنها ترفع أقواما وتضع آخرين على ما بيناه.
قوله تعالى : {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً} أي زلزلت وحركت عن مجاهد وغيره ، يقال : رجه يرجه رجا أي حركه وزلزله. وناقة رجاء في عظيمة السنام. وفي الحديث : "من ركب البحر حين يرتج فلا ذمة له" يعني إذا اضطربت أمواجه. قال الكلبي : وذلك أن الله تعالى إذا أوحى إليها أضطربت فرقا من الله تعالى. قال المفسرون : ترتج كما يرتج الصبي في المهد حتى ينهدم كل ما عليها ، وينكسر كل شيء عليها من الجبال وغيرها. وعن ابن عباس الرجة الحركة الشديدة يسمع لها صوت. وموضع {إذَا} نصب على البدل من {إِذَا وَقَعَتِ} . ويجوز أن ينتصب بـ {ـخَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} أي تخفض وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال ، لأن عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ، ويرتفع ما هو منخفض. وقيل : أي وقعت الواقعة إذا رجت الأرض ، قاله الزجاج والجرجاني. وقيل : أي اذكر {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً} مصدر وهو دليل على تكرير الزلزلة.
قوله تعالى : {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً} أي فتتت ، عن ابن عباس. مجاهد : كما يبس الدقيق أي يلت. والبسيسة السويق أو الدقيق يلت بالسمن أو بالزيت ثم يؤكل ولا يطبخ وقد يتخذ زادا. قال الراجز :
لا تخبزا خبزا وبسا بسا ... ولا تطيلا بمناخ حبسا
وذكر أبو عبيدة : أنه لص من غطفان أراد أن يخبز فخاف أن يعجل عن ذلك فأكله عجينا. والمعنى أنها خلطت فصارت كالدقيق الملتوت بشيء من الماء. أي نصير الجبال ترابا فيختلط البعض بالبعض. وقال الحسن : وبست قلعت من أصلها فذهبت ، نظيره : {يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً} وقال عطيه : بسطت كالرمل والتراب. وقيل : البس السوق أي سيقت الجبال. قال أبو زيد : البس السوق ، وقد بسست الإبل أبسها بالضم بسا. وقال أبو عبيد : بسست الإبل وأبسست لغتان إذا زجرتها وقلت لها بس بس. وفي الحديث . "يخرج قوم من المدينة إلى اليمن والشام والعراق يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" ومنه الحديث الآخر : "جاءكم أهل اليمن يبسون عيالهم" والعرب تقول : جيء به من حسك وبسك. ورواهما أبو زيد بالكسر ، فمعنى من حسك من حيث أحسسته ، وبسك من حيث بلغه مسيرك. وقال مجاهد : سألت سيلا. عكرمة : هدت هدا. محمد بن كعب : سيرت سيرا ، ومنه قول الأغلب العجلي : وقال الحسن : قطعت قطعا. والمعنى متقارب.
قوله تعالى : {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً} قال علي رضي الله عنه : الهباء الرهج الذي يسطع من حوافز الدواب ثم يذهب ، فجعل الله أعمالهم كذلك. وقال مجاهد : الهباء هو الشعاع الذي يكون في الكوة كهيئة الغبار. وروي نحوه عن ابن عباس. وعنه أيضا : هو ما تطاير من النار إذا اضطربت يطير منها شرر فإذا وقع لم يكن شيئا. وقال عطية. وقد مضى في {الفرقان} عند قوله تعالى : {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ا} وقراءة العامة {مُنْبَثّاً} بالثاء المثلثة أي متفرقا من قوله تعالى : {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} أي فرق ونشر. وقرأ مسروق والنخعي وأبو حيوة {مُنْبَتاً} بالتاء المثناة أي منقطعا من قولهم : بته الله أي قطعه ، ومنه البتات.
الآية : [7] {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً}
الآية : [8] {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}
الآية : [9] {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ}
الآية : [10] {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}
الآية : [11] {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}
الآية : [12] {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}
قوله تعالى : {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً} أي أصنافا ثلاثة كل ، صنف يشاكل ما هو منه ، كما يشاكل الزوج الزوجة ، ثم بين من هم فقال : {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} {وأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} و {السَّابِقُونَ} ، فأصحاب الميمنة هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ، وأصحاب المشأمة هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار ، قاله السدي. والمشأمة الميسرة وكذلك الشأمة. يقال : قعد فلان شأمة. ويقال : يا فلان شائم بأصحابك ، أي خذ بهم شأمة أي ذات الشمال. والعرب تقول لليد الشمال الشؤمى ، وللجانب الشمال الأشأم. وكذلك يقال لما جاء عن اليمين اليمن ، ولما جاء عن الشمال الشؤم. وقال ابن عباس والسدي : أصحاب الميمنة هم الذين كانوا عن يمين حين أخرجت الذرية من صلبه فقال الله لهم : هؤلاء في الجنة ولا أبالي. وقال زيد بن أسلم : أصحاب الميمنة هم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن يومئذ ، وأصحاب المشأمة الذين أخذوا من شق آدم الأيسر. وقال عطاء ومحمد بن كعب : أصحاب الميمنة من أوتي كتابه بيمينه ، وأصحاب المشأمة من أوتي كتابه بشماله. وقال ابن جريج : أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات ، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات. وقال الحسن والربيع : أصحاب الميمنة الميامين على أنفسهم بالأعمال الصالحة ، وأصحاب المشأمة المشائيم علي أنفسهم بالأعمال السيئة القبيحة. وفي صحيح مسلم من حديث الإسراء عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة - قال - فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شمال بكى - قال - فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح - قال - قلت يا جبريل من هذا قال هذا آدم عليه السلام وهذه الأسودة التي عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار" وذكر الحديث. وقال المبرد : وأصحاب الميمنة أصحاب التقدم ، وأصحاب الشأمة
أصحاب التأخر. والعرب تقول : اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك ، أي أجعلني من المتقدمين ولا تجعلنا من المتأخرين. والتكرير في {مَاصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} . و {مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} للتفخيم والتعجيب ، كقوله : {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ} و {الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ} كما يقال : زيد ما زيد! وفي حديث أم زرع رضي الله عنها : مالك وما مالك! والمقصود تكثير ما لأصحاب الميمنة من الثواب ولأصحاب المشأمة من العقاب. وقيل : {أَصْحَابُ} رفع بالابتداء والخبر {مَاأصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} كأنه قال : {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} ما هم ، المعنى : أي شيء هم. وقيل : يجوز أن تكون {ما} تأكيدا ، والمعنى فالذين يعطون كتابهم بأيمانهم هم أصحاب التقدم وعلو المنزلة.
قوله تعالى : {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "السابقون الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم" ذكره المهدوي. وقال محمد بن كعب القرظي : إنهم الأنبياء. الحسن وقتادة : السابقون إلى الإيمان من كل أمة. ونحوه عن عكرمة. محمد بن سيرين : هم الذين صلوا إلى القبلتين ، دليله قوله تعالى : {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} . وقال مجاهد وغيره : هم السابقون إلى الجهاد ، وأول الناس رواحا إلى الصلاة. وقال علي رضي الله عنه : هم السابقون إلى الصلوات الخمس. الضحاك : إلى الجهاد. سعيد بن جبير : إلى التوبة وأعمال البر ، قال الله تعالى : {وَجَنَّةٍ} ثم أثنى عليهم فقال : {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} وقيل : إنهم أربعة ، منهم سابق أمة موسى وهو حزقيل مؤمن آل فرعون ، وسابق أمة عيسى وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية ، وسابقان في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، قال ابن عباس ، حكاه الماوردي. وقال شميط بن العجلان : الناس ثلاثة ، فرجل ابتكر للخير في حداثة سنه
داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهذا هو السابق المقرب ، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ثم طول الغفلة ثم رجع بتوبته حتى ختم له بها فهذا من أصحاب اليمين ، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ثم لم يزل عليها حتى ختم له بها فهذا من أصحاب الشمال. وقيل : هم كل من سبق إلى شيء من أشياء الصلاح. ثم قيل : {وَالسَّابِقُونَ} رفع بالابتداء والثاني توكيد له والخبرة {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} وقال الزجاج : {وَالسَّابِقُونَ} رفع بالابتداء والثاني خبره ، والمعنى السابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله {أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} من صفتهم. وقيل : إذا خرج رجل من السابقين المقربين من منزله في الجنة كان له ضوء يعرفه به من دونه.
الآية : [13] {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ}
الآية : [14] {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ}
الآية : [15] {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ}
الآية : [16] {مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ}
قوله تعالى : {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ} أي جماعة من الأمم الماضية. {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} أي ممن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم. قال الحسن : ثلة ممن قد مضى قبل هذه الأمة ، وقليل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم اجعلنا منهم بكرمك. وسموا قليلا بالإضافة إلى من كان قبلهم لأن الأنبياء المتقدمين كثروا فكثر السابقون إلى الإيمان منهم ، فزادوا على عدد من سبق إلى التصديق من أمتنا. وقيل : لما نزل هذا شق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت : {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة بل ثلث أهل الجنة بل نصف أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني" رواه أبو هريرة ، ذكره الماوردي وغيره. ومعناه ثابت في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن مسعود. وكأنه أراد أنها منسوخة والأشبه أنها محكمة لأنها خبر ، ولأن ذلك في جماعتين مختلفتين. قال الحسن : سابقو من مضى أكثر من سابقينا ، ولذلك قال : {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} وقال في أصحاب اليمين وهم سوى السابقين : {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إني لأرجو"




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 151.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 149.71 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (1.13%)]