|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() تَّفْسِيرِ (الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ ) الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ المجلد (15) سُورَةُ غافر من صــ 297 الى صــ 306 الحلقة (621) إياكم إذ أنتم في الدنيا وقد بعث إليكم الرسل فلم تؤمنوا أشد من مقتكم أنفسكم اليوم. وقال الحسن : يعطون كتابهم فإذا نظروا إلى سيئاتهم مقتوا أنفسهم فينادون { لَمَقْتُ اللَّهِ } إياكم في الدنيا {إذ تدعون إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } { أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ } اليوم. وقال معناه مجاهد. وقال قتادة : المعنى { لَمَقْتُ اللَّهِ } لكم { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } { أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ } إذ عاينتم النار. فإن قيل : كيف يصح أن يمقتوا أنفسهم ؟ ففيه وجهان : أحدهما : أنهم أحلوها بالذنوب محل الممقوت. الثاني : أنهم لما صاروا إلى حال زال عنهم الهوى ، وعلموا أن نفوسهم هي التي أبقتهم في المعاصي مقتوها. وقال محمد بن كعب القرظي : إن أهل النار لما يئسوا مما عند الخزنة وقال لهم مالك : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } على ما يأتي. قال بعضهم لبعض : يا هؤلاء إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما قد ترون ، فهلم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا ، كما صبر أهل الطاعة على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا ، فأجمعوا رأيهم على الصبر فصبروا فطال صبرهم ، ثم جزعوا فنادوا { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ } أي من ملجأ ؛ فقال إبليس عند ذلك : { إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ } إلى قوله : { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } يقول : بمغن عنكم شيئا { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ } فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم. قال : فنودوا { لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } إلى قوله : { فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ } قال فرد عليهم : { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } ذكره ابن المبارك. قوله تعالى : { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ } اختلف أهل التأويل في معنى قولهم : { َأمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } فقال ابن مسعود وابن عباس وقتادة والضحاك : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم ، ثم أحياهم ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها في الدنيا ، ثم أحياهم للبعث والقيامة ، فهاتان حياتان موتتان ، وهو قوله تعالى : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } وقال السدي : أميتوا في الدنيا ثم أحياهم في القبور للمسألة ، ثم أميتوا ثم أحيوا في الآخرة. وإنما صار إلى هذا ؛ لأن لفظ الميت لا ينطلق في العرف على النطفة. واستدل العلماء من هذا في إثبات سؤال القبر ، ولو كان الثواب والعقاب للروح دون الجسد فما معنى الإحياء والإماتة ؟ والروح عند من يقصر أحكام الآخرة على الأرواح لا تموت ولا تتغير ولا تفسد ، وهو حي لنفسه لا يتطرق إليه موت ولا غشية ولا فناء. وقال ابن زيد في قوله : { رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ } الآية قال : خلقهم في ظهر آدم وأخرجهم وأحياهم وأخذ عليهم الميثاق ، ثم أماتهم ثم أحياهم في الدنيا ثم أماتهم. وقد مضى هذا في {البقرة} . { فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } اعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف وندموا حيث لا ينفعهم الندم. { فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ } أي هل نرد إلى الدنيا لنعمل بطاعتك ؛ نظيره : { هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ } وقوله : { فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً } وقوله : { يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ } الآية. قوله تعالى : { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ } { ذَلِكُمْ } في موضع رفع أي الأمر { ذَلِكُمْ } أو { ذَلِكُمْ } العذاب الذي أنتم فيه بكفركم. وفي الكلام متروك تقديره فأجيبوا بأن لا سبيل إلى الرد. وذلك لأنكم { إِذَا دُعِيَ اللَّهُ } أي وحد الله { وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ } وأنكرتم أن تكون الألوهية له خاصة ، وإن أشرك به مشرك صدقتموه وآمنتم بقوله. قال الثعلبي : وسمعت بعض العلماء يقول : { وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ } بعد الرد إلى الدنيا لوكان به { تُؤْمِنُوا } تصدقوا المشرك ؛ نظيره : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } . { فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } عن أن تكون له صاحبة أو ولد. الآية : [13] { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ } الآية : [14] { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } الآية : [15] { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ } الآية : [16] { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } الآية : [17] { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } أي دلائل توحيده وقدرته { وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً } جمع بين إظهار الآيات وإنزال الرزق ؛ لأن بالآيات قوام الأديان ، وبالرزق قوام الأبدان. وهذه الآيات هي السموات والأرضون وما فيهما وما بينهما من الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والبخار والأنهار والعيون والجبال والأشجار وآثار قوم هلكوا. { وَمَا يَتَذَكَّرُ } أي ما يتعظ بهذه الآيات فيوحد الله { إِلَّا مَنْ يُنِيبُ } أي يرجع إلى طاعة الله. { فَادْعُوا اللَّهَ } أي اعبدوه { مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أي العبادة. وقيل : الطاعة. { وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } عبادة الله فلا تعبدوا أنتم غيره. قوله تعالى : { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ } { ذُو الْعَرْشِ } على إضمار مبتدأ. قال الأخفش : ويجوز نصبه على المدح. ومعنى { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ } أي رفيع الصفات. وقال ابن عباس والكلبي وسعيد بن جبير : رفيع السموات السبع. وقال يحيى بن سلام : هو رفعة درجة أوليائه في الجنة فـ { رَفِيعُ } على هذا بمعنى رافع فعيل بمعنى فاعل. وهو على القول الأول من صفات الذات ، ومعناه الذي لا أرفع قدرا منه ، وهو المستحق لدرجات المدح والثناء ، وهي أصنافها وأبوابها لا مستحق لها غيره قال الحليمي. وقد ذكرناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى والحمد لله. { ذُو الْعَرْشِ } أي خالقه ومالكه لا أنه محتاج إليه. وقيل : هو من قولهم : ثل عرش فلان أي زال ملكه وعزه ، فهو سبحانه { ذُو الْعَرْشِ } بمعنى ثبوت ملكه وسلطانه وقد بيناه في الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى. { يُلْقِي الرُّوحَ } أي الوحي والنبوة { عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } وسمي ذلك روحا لأن الناس يحيون به ؛ أي يحيون من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح. وقال ابن زيد : الروح القرآن ؛ قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا } وقيل : الروح جبريل ؛ قال الله تعالى : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ } وقال : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ } قُلْ {نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} . { مِنْ أَمْرِهِ } أي من قوله. وقيل : من قضائه. وقيل : { مِنْ } بمعنى الباء أي بأمره. { عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } وهم الأنبياء يشاء هو أن يكونوا أنبياء وليس لأحد فيهم مشيئة. { لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ } أي إنما يبعث الرسول لإنذار يوم البعث. فقوله : { لِيُنْذِرَ } يرجع إلى الرسول. وقيل : أي لينذر الله ببعثه الرسل إلى الخلائق { يَوْمَ التَّلاقِ } . وقرأ ابن عباس والحسن وابن السميقع { لِيُنْذِرَ } بالتاء خطابا للنبي عليه السلام. { يَوْمَ التَّلاقِ } قال ابن عباس وقتاده : يوم تلتقي أهل السماء وأهل الأرض. وقال قتادة أيضا وأبو العالية ومقاتل : يلتقي فيه الخلق والخالق. وقيل : العابدون والمعبودون. وقيل : الظالم والمظلوم. وقيل : يلقى كل إنسان جزاء عمله. وقيل : يلتقي الأولون والآخرون على صعيد واحد ؛ روي معناه عن ابن عباس. وكله صحيح المعنى. قوله تعالى : { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } يكون بدلا من يوم الأول. وقيل : { هُمْ } في موضع رفع بالابتداء و { بَارِزُونَ } خبره والجملة في موضع خفض بالإضافة ؛ فلذلك حذف التنوين من { يَوْمَ } وإنما يكون هذا عند سيبويه إذا كان الظرف بمعنى إذ ؛ تقول لقيتك يوم زيد أمير. فإن كان بمعنى إذا لم يجز نحو أنا ألقاك يوم زيد أمير. ومعنى : { بَارِزُونَ } خارجون من قبورهم لا يسترهم شيء ؛ لأن الأرض يومئذ قاع صفصف لا عوج فيها ولا أمتا على ما تقدم في {طه} بيانه. { لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } قيل : إن هذا هو العامل في {يوم يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } أي لا يخفى عليه شيء منهم ومن أعمالهم { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } . {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} وذلك عند فناء الخلق. وقال الحسن : هو السائل تعالى وهو المجيب ؛ لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه سبحانه فيقول : {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} . النحاس : وأصح ما قيل فيه ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود قال : "يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله جل وعز عليها ، فيؤمر مناد ينادي { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } فيقول المؤمنون هذا الجواب" سرورا وتلذذا ، ويقوله الكافرون غما وانقيادا وخضوعا. فأما أن يكون هذا والخلق غير موجودين فبعيد ؛ لأنه لا فائدة فيه ، والقول صحيح عن ابن مسعود وليس هو مما يؤخذ بالقياس ولا بالتأويل. قلت : والقول الأول ظاهر جدا ؛ لأن المقصود إظهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوي المدعين وانتساب المنتسبين ؛ إذ قد ذهب كل ملك وملكه ومتكبر وملكه وانقطعت نسبهم ودعاويهم ، ودل على هذا قوله الحق عند قبض الأرض والأرواح وطي السماء : "أنا الملك أين ملوك الأرض" كما تقدم في حديث أبي هريرة وفي حديث ابن عمر ، ثم يطوي الأرض بشماله والسموات بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون. وعنه قوله سبحانه : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } هو انقطاع زمن الدنيا وبعده يكون البعث والنشر. قال محمد بن كعب قوله سبحانه : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } يكون بين النفختين حين فني الخلائق وبقي الخالق فلا يرى غير نفسه مالكا ولا مملوكا فيقول : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } فلا يجيبه أحد ؛ لأن الخلق أموات فيجيب نفسه فيقول : { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } لأنه بقي وحده وقهر خلقه. وقيل : إنه ينادي مناد فيقول : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فيجيبه أهل الجنة : { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } فالله أعلم. ذكره الزمخشري. قوله تعالى : { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } أي يقال لهم إذا أقروا بالملك يومئذ لله وحده { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } من خير أوشر. { لا ظُلْمَ الْيَوْمَ } أي لا ينقص أحد شيئا مما عمله. { إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } أي لا يحتاج إلى تفكر وعقد يد كما يفعله الحساب ؛ لأنه العالم الذي لا يعزب عن علمه شيء فلا يؤخر جزاء أحد للاشتغال بغيره ؛ وكما يرزقهم في ساعة واحدة يحاسبهم كذلك في ساعة واحدة. وقد مضى هذا المعنى في {البقرة} . وفي الخبر : ولا ينتصف النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. الآية : [18] { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ } الآية : [19] { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور } الآية : [20] { وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الآية : [21] { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ } الآية : [22] { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ } قوله تعالى : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ } أي يوم القيامة. سميت بذلك لأنها قريبة ؛ إذ كل ما هو آت قريب. وأزف فلان أي قرب يأزف أزفا ؛ قال النابغة : أزف الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قد أي قرب. ونظير هذه الآية : { أَزِفَتِ الْآزِفَةُ } أي قربت الساعة. وكان بعضهم يتمثل ويقول : أزف الرحيل وليس لي من زاد غير ... الذنوب لشقوتي ونكادي { إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ } على الحال وهو محمول على المعنى. قال الزجاج : المعنى إذ قلوب الناس { لَدَى الْحَنَاجِرِ } في حال كظمهم. وأجاز الفراء أن يكون التقدير { وَأَنْذِرْهُمْ } كاظمين. وأجاز رفع { كَاظِمِينَ } على أنه خبر للقلوب. وقال : المعنى إذ هم كاظمون. وقال الكسائي : يجوز رفع { كَاظِمِينَ } على الابتداء. وقد قيل : إن المراد بـ { يَوْمَ الْآزِفَةِ } يوم حضور المنية ؛ قاله قطرب. وكذا { الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ } عند حضور المنية. والأول أظهر. وقال قتادة : وقعت في الحناجر المخافة فهي لا تخرج ولا تعود في أمكنتها ، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة كما قال : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ } . وقيل : هذا إخبار عن نهاية الجزع ؛ كما قال : { وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ } وأضيف اليوم إلى {ا الْآزِفَةُ } على تقدير يوم القيامة { الْآزِفَةُ } أو يوم المجادلة { الْآزِفَةُ } . وعند الكوفيين هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه مثل مسجد الجامع وصلاة الأولى. { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ } أي من قريب ينفع { وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ } فيشفع فيهم. قوله تعالى : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ } قال المؤرج : فيه تقديم وتأخير أي يعلم الأعين الخائنة وقال ابن عباس : هو الرجل يكون جالسا مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها. وعنه : هو الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره ، فإذا رأى منهم غفلة تدسس بالنظر ، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره ، وقد علم الله عز وجل منه أنه يود لو نظر إلى عورتها. وقال مجاهد هي مسارقة نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه. وقال قتادة : هي الهمزة بعينه وإغماضه فيما لا يحب الله تعالى. وقال الضحاك : هي قول الإنسان ما رأيت وقد رأى أو رأيت وما رأى. وقال السدي : إنها الرمز بالعين. وقال سفيان : هي النظرة بعد النظرة. وقال الفراء : { خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ } النظرة الثانية { وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } النظرة الأولى. وقال ابن عباس : { وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } أي هل يزني بها لو خلا بها أو لا. وقيل : { وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } تكنه وتضمره. ولما جيء بعبدالله بن أبي سرح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد ما اطمأن أهل مكة وطلب له الأمان عثمان رضي الله عنه ، صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال : "نعم" فلما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله : "ما صمتُّ إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه" فقال رجل من الأنصار فهلا أومأت إلي يا رسول الله ، فقال : "إن النبي لا تكون له خائنة أعين" { وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ } أي يجازي من غض بصره عن المحارم ، ومن نظر إليها ، ومن عزم على مواقعة الفواحش إذا قدر عليها. { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ } يعني الأوثان { لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ } لأنها لا تعلم شيئا ولا تقدر عليه ولا تملك. وقراءة العامة بالياء على الخبر عن الظالمين وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم. وقرأ نافع وشيبة وهشام : { يَدْعُونَ } بالتاء. { إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } { هُوَ } زائدة فاصلة. ويجوز أن تكون في موضع رفع بالابتداء وما بعدها خبر والجملة خبر إن. قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا } في موضع جزم عطف على { يَسِيرُوا } ويجوز أن يكون في موضع نصب على أنه جواب ، والجزم والنصب في التثنية والجمع واحد. { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ } اسم كان والخبر في { كَيْفَ } . و { وَاقٍ } في موضع خفض معطوف على اللفظ. ويجوز أن يكون في موضع رفع على الموضع فرفعه وخفضه واحد ؛ لأن الياء تحذف وتبقى الكسرة دالة عليها وقد مضى الكلام في معنى هذه الآية في غير موضع فأغنى عن الإعادة. الآية : [23] { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ } الآية : [24] { إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } الآية : [25] { فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ } الآية : [26] { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } الآية : [27] { وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ } قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا } وهي التسع الآيات المذكورة في قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } وقد مضى تعيينها. { وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أي بحجة واضحة بينة ، وهو يذكر ومؤنث. وقيل : أراد بالسلطان التوراة. { إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ } خصهم بالذكر لأن مدار التدبير في عداوة موسى كان عليهم ؛ ففرعون الملك وهامان الوزير وقارون صاحب الأموال والكنوز فجمعه الله معهما ؛ لأن عمله في الكفر والتكذيب كأعمالهما. { فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } لما عجزوا عن معارضته حملوا المعجزات على السحر. قوله تعالى : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا } وهي المعجزة الظاهرة { قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ } قال قتادة : هذا قتل غير القتل الأول ؛ لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان بعد ولادة موسى ، فلما بعث الله موسى أعاد القتل على بني إسرائيل عقوبة لهم فيمتنع الإنسان من الإيمان ؛ ولئلا يكثر جمعهم فيعتضدوا بالذكور من أولادهم ، فشغلهم الله عن ذلك بما أنزل عليهم من أنواع العذاب ، كالضفادع والقمل والدم والطوفان إلى أن خرجوا من مصر ، فأغرقهم الله. { وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ } أي في خسران وهلاك ، وإن الناس لا يمتنعون من الإيمان وإن فعل بهم مثل هذا فكيده يذهب باطلا. قوله تعالى : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } { أَقْتُلْ } جزم ؛ لأنه جواب الأمر { وَلْيَدْعُ } جزم ؛ لأنه أمر و { ذَرُونِي } ليس بمجزوم وإن كان أمرا ولكن لفظه لفظ المجزوم وهو مبني. وقيل : هذا يدل على أنه قيل لفرعون : إنا نخاف أن يدعو عليك فيجاب ؛ فقال : { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } أي لا يهولنكم ما يذكر من ربه فإنه لا حقيقة له وأنا ربكم الأعلى. { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ } أي عبادتكم لي إلى عبادة ربه { أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } إن لم يبدل دينكم فإنه يظهر في الأرض الفساد. أي يقع بين الناس بسببه الخلاف. وقراءة المدنيين وأبي عبدالرحمن السلمي وابن عامر وأبي عمرو : { أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } وقراءة الكوفيين { أَوْ أَنْ يُظْهِرَ } بفتح الياء { الْفَسَادُ } بالرفع وكذلك هي في مصاحف الكوفيين : {أو} بألف وإليه يذهب أبو عبيد ؛ قال : لأن فيه زيادة حرف وفيه فصل ؛ ولأن {أو} تكون بمعنى الواو. النحاس : وهذا عند حذاق النحويين لا يجوز أن تكون بمعنى الواو ؛ لأن في ذلك بطلان المعاني ؛ ولوجاز أن تكون بمعنى الواو لما احتيج إلى هذا ها هنا ؛ لأن معنى الواو { إِنِّي أَخَافُ } الأمرين جميعا ومعنى {أو} لأحد الأمرين أي { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ } فإن أعوزه ذلك أظهر في الأرض الفساد. قوله تعالى : { وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ } لما هدده فرعون بالقتل استعاذ موسى بالله { مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ } أي متعظم عن الإيمان بالله ، وصفته أنه { لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ } . الآية : [28] { وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } فيه أربع مسائل : الأولى- قوله تعالى : { وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ } ذكر بعض المفسرين : أن اسم هذا الرجل حبيب. وقيل : شمعان بالشين المعجمة. قال السهيلي : وهو أصح ما قيل فيه. وفي تاريخ الطبري رحمه الله : اسمه خبرك. وقيل : حزقيل : ذكره الثعلبي عن ابن عباس وأكثر العلماء. الزمخشري : واسمه سمعان أو حبيب. وقيل : خربيل أو حزبيل. واختلف هل كان إسرائيليا أو قبطيا فقال الحسن وغيره : كان قبطيا. ويقال : إنه كان ابن عم فرعون ؛ قاله السدي. قال : وهو الذي نجا مع موسى عليه السلام ؛ ولهذا قال : { مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ } وهذا الرجل هو المراد بقوله تعالى : { وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى } الآية. وهذا قول مقاتل. وقال ابن عباس : لم يكن من آل فرعون مؤمن غيره وغير امرأة فرعون وغير المؤمن الذي أنذر موسى فقال : { إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الصديقون حبيب النجار مؤمن آل يس ومؤمن آل فرعون الذي قال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله والثالث أبو بكر الصديق وهو أفضلهم" وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي لا تعجب من مشركي قومك. وكان هذا الرجل له وجاهة عند فرعون ؛ فلهذا لم يتعرض له بسوء. وقيل : كان هذا الرجل من بني إسرائيل يكتم إيمانه من آل فرعون ؛ عن السدي أيضا. ففي الكلام على هذا تقديم وتأخير ، والتقدير : وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون. فمن جعل الرجل قبطيا ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |