|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خطبة العيد بين التكبير والتحميد د. فهد بن ابراهيم الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله الذي خلق الخلق لعبادته، ووعد مَن أحسن منهم بواسع رحمته، وأعدَّ لمَن خاف مقامه واتَّقاه نُزُلًا في جنته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فإن العلماء اختلفوا فيما يبدأ به الخطيب خطبة العيد، هل يبدأ بالتحميد أم بالتكبير؟ ففي هذه الرسالة المختصرة سأنقل أقوال العلماء رحمهم الله تعالى في هذا الباب، مع ذكر الأدلة- إن وجدت- وكذلك بيان أقوال العلماء وخاصة أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة، مع بيان سبب اختيار هذا القول. وكذلك سأُبيِّن بعض الأحكام المتعلقة بصلاة العيد. فأقول مستعينًا بالله، ومتوكلًا عليه، ومفوضًا أمري إليه: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى من قديم وحديث فيما يبدأ به الخطيب خطبة العيد، هل يبدأ بالتحميد أم بالتكبير؟ فمنهم مَن قال: يبدأ بالتكبير. ومنهم مَن قال: يبدأ بالتحميد. ومنهم مَن يرى أن الأمر واسع، فأيهما بدأ به الخطبة جاز ذلك. وممن يرى أن خطبة العيد تبدأ بالتحميد ولا تبدأ بالتكبير طائفة من الشافعية، قال النووي رحمه الله: "نصَّ الشافعي وكثيرون من الأصحاب على أن هذه التكبيرات ليست من الخطبة، وإنما هي مقدِّمة لها، ومَن قال منهم: تُفتتح الخطبة بالتكبيرات يُحمَل كلامُه على موافقة النص الذي ذكرتُه؛ لأنَّ افتتاح الشيء قد يكون ببعض مقدِّماته التي ليست من نفسه، فاحفظ هذا؛ فإنه مهم خفي"؛ (انظر: روضة الطالبين) (2/ 74)، (ويُنظر: المجموع للنووي) (5/ 23)، (نهاية المحتاج للرملي) (2/ 392)، (فتح الباري لابن رجب) (5/ 485). وقال الإمام الشافعي كما في الأم (1/ 397): "التكبير في الخطبة في العيدين: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله، عن إبراهيم بن عبدالله، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: السُّنَّة في التكبير يوم الأضحى والفطر على المنبر قبل الخطبة، أن يبتدئ الإمام قبل أن يخطب، وهو قائم على المنبر، بتسع تكبيرات تترى، لا يفصل بينها بكلام، ثم يخطب، ثم يجلس جلسة، ثم يقوم في الخطبة الثانية فيفتتحها بسبع تكبيرات تترى لا يفصل بينها بكلام، ثم يخطب. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم قال: أخبرني إسماعيل بن أمية: أنه سمع أن التكبير في الأولى من الخطبتين تسع، وفي الآخرة سبع. قال الشافعي: وبقول عبيدالله نقول: فنأمر الإمام إذا قام يخطب الأولى أن يكبر تسع تكبيرات تترى لا كلام بينهن، فإذا قام ليخطب الخطبة الثانية أن يكبر سبع تكبيرات تترى لا يفصل بينهن بكلام، يقول: الله أكبر الله أكبر حتى يوفي سبعًا، فإن أدخل بين التكبيرين الحمد والتهليل كان حسنًا، ولا ينقص من عدد التكبير شيئًا، ويفصل بين خطبتَيْه بتكبير. قال الشافعي: أخبرني الثقة من أهل المدينة، أنه أثبت له كتاب عن أبي هريرة فيه تكبير الإمام في الخطبة الأولى يوم الفطر، ويوم الأضحى، إحدى أو ثلاثًا وخمسين تكبيرة في فصول الخطبة بين ظهراني الكلام. قال الشافعي: أخبرني من أثق به من أهل العلم من أهل المدينة قال: أخبرني مَن سمع عمر بن عبدالعزيز وهو خليفة يوم فطر، فظهر على المنبر فسلم، ثم جلس، قال: إن شعار هذا اليوم التكبير والتحميد ثم كبَّر مرارًا: الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ثم تشهَّد للخطبة، ثم فصل بين التشهد بتكبيرة. قال الشافعي: وإن ترك التكبير أو التسليم على المنبر، أو بعض ما أمرته به كرهته له، ولا إعادة عليه في شيء من هذا، إذا كان غير خطبة الجمعة"؛ ا هـ. وقال الشيرازي في المهذب (1/ 221): "والمستحب أن يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع؛ لما روي عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود أنه قال: هو من السنة: ويأتي ببقية الخطبة على ما ذكرناه في الجمعة"؛ ا هـ. وقال النووي في المجموع (5/ 28): "اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يستحب أن يكبر في أول الخطبة الأولى تسع تكبيرات نسقًا، وفي أول الثانية سبعًا، قال الشافعي والأصحاب: ولو أدخل بين هذه التكبيرات الحمد والتهليل والثناء جاز. وذكر الرافعي وجهًا أن صفة هذه التكبيرات كصفة التكبيرات المرسلة والمقيدة. واعلم: أن هذه التكبيرات ليست من نفس الخطبة، وإنما هي مقدمة لها. وقد نصَّ الشافعي وكثيرون من الأصحاب على أنهن لسن من نفس الخطبة، بل مقدمة لها، قال البندنيجي: يكبر قبل الأولى تسع تكبيرات وقبل الثانية سبعًا، قال الشيخ أبو حامد: هو ظاهر نص الشافعي. ولا يغتر بقول المصنف وجماعة: يستفتح الأولى بتسع تكبيرات، فإن كلامهم متأوَّل على أن معناه يفتتح الكلام قبل الخطبة بهذه التكبيرات، لأن افتتاح الشيء قد يكون ببعض مقدماته التي ليست من نفسه، فاحفظ هذا فإنه مهم خفي"؛ ا هـ. وفي الإقناع للشربيني (1/ 187): "(ويكبر) ندبًا (في) افتتاح الخطبة (الأولى تسعًا) بتقديم المثناة على السين، (و) يكبر (في) افتتاح (الثانية سبعًا) بتقديم السين على الموحدة ولاء إفرادًا في الجميع"؛ اهـ. وفي مغني المحتاج (1/ 312): "ويفتتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات ولاء إفرادًا والخطبة الثانية بسبع ولاء إفرادًا تشبيهًا للخطبتين بصلاة العيد، فإن الركعة الأولى تشتمل على تسع تكبيرات فإن فيها سبع تكبيرات وتكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع والركعة الثانية على سبع تكبيرات فإن فيها خمس تكبيرات وتكبيرة القيام وتكبيرة الركوع والولاء سنة في التكبيرات وكذا الإفراد"؛ ا هـ. وكذلك طائفة من الحنابلة، قال ابنُ رجب: "ذكَر بعضُ أئمَّة الشافعية: أن الخُطب كلها تُستفتح بالحمد بغير خلافٍ، وإنما التكبير في العيد يكون قبلَ الخُطبة، وليس منها، وأنَّ ذلك نصُّ الشافعي، وكذا ذكر طائفةٌ من أصحابنا: أنَّ ظاهر كلام أحمد أنَّه يُكبِّر إذا جلَس على المنبر قبل الخُطبة، وأنه ليس من الخُطبة، فإذا قام استفتح الخُطبة بالحمد"؛ (فتح الباري) (5/ 485). وهو اختيار ابن تيمية، قال ابنُ تيميَّة: "خطبة الجمعة تُفتتح بالحمد، بالسُّنة المتواترة واتِّفاق العلماء، وأما خطبة الاستسقاء، ففيها ثلاثةُ أقوال في مذهب أحمد وغيره، أحدها: أنها تُفتتح بالحمد لله كالجمعة، والثاني: بالتكبير كالعيد. والثالث: بالاستغفار؛ لأنه أخص بالاستسقاء، وخطبة العيد قد ذَكَر عبدالله بن عُقبة: أنها تُفتتح بالتكبير، وأخَذ بذلك مَن أخذ به من الفقهاء؛ لكن لم يَنقُل أحدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتَتَح خُطبتَه بغير الحمد، لا خُطبة عيد، ولا استسقاء، ولا غير ذلك"؛ انتهى من (مجموع الفتاوى) (22/ 393، 394، 24/ 225)، (ويُنظر: زاد المعاد لابن القيم) (1/ 448). واختيار ابن القيم، قال ابنُ القيِّم: "كان يَفتتح خُطَبه كلَّها بالحمد لله، ولم يُحفظ عنه في حديث واحد، أنَّه كان يَفتتح خُطبتي العيدين بالتكبير، وقد اختلف الناسُ في افتتاح خُطبة العيدين والاستسقاء، فقيل: يُفتتحان بالتكبير، وقيل: تُفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وقيل: يُفتتحان بالحمد؛ قال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة: وهو الصَّوابُ"؛ (انظر: زاد المعاد) (1/ 447، 448). واختيار ابن رجب، قال ابنُ رجب: "قد رُوي عن أبي موسى الأشعريِّ، أنه استَفتح خُطبتي العيدين بالحمد، ثم كبَّر بعد الحمد. وهو الأظهر"؛ (فتح الباري) (5/ 485). واختيار ابن باز، قال ابنُ باز: "المشروعُ في العيد خُطبتان كالجُمُعة، والمشروع أنْ تبدأ كلُّ خُطبة بالحمد، بالحمد لله والثناء عليه، والصَّلاة على نبيِّه صلى الله عليه وسلم، والشَّهادتين؛ شهادة أنْ لا إله إلَّا الله محمَّد رسولُ الله، في الجمعة وفي العيدين، كلُّها تبدأ بحمد الله والثناء عليه، والشهادة لله بالوحدانيَّة، وللنبيِّ بالرسالة، والصلاةِ على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وعْظِ الناس وتذكيرهم، في الجمعة وفي العيد"؛ (فتاوى نور على الدرب) (13/ 362). وقال ابن قدامة في المغني (2/ 239): "فإن صفة الخطبتين كصفة خطبتي الجمعة إلا أنه يستفتح الأولى بتسع تكبيرات متواليات، والثانية بسبع متواليات، قال القاضي: وإن أدخل بينهما تهليلًا أو ذكرًا فحسن، وقال سعيد: حدثنا يعقوب بن عبدالرحمن عن أبيه عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: يكبر الإمام على المنبر يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات ثم يخطب، وفي الثانية سبع تكبيرات، ويستحب أن يكثر التكبير في أضعاف خطبته. وروى سعد مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبتي العيدين؛ رواه ابن ماجه. فإذا كبر في أثناء الخطبة كبر الناس بتكبيره، وقد روي عن أبي موسى أنه كان يكبر يوم العيد على المنبر اثنتين وأربعين تكبيرة"؛ ا هـ. وقال ابن مفلح في الفروع (2/ 112): "ويسن أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات نسقًا، وظاهر كلامه: جالسًا، وقيل: قائمًا، فلا جلسة ليستريح إذا صعد؛ لعدم الأذان هنا بخلاف الجمعة، والثانية بسبع. وعنه بعد فراغها اختاره القاضي، قال أحمد قال عبيدالله بن عبدالله بن عتبة: إنه من السنة، وقيل: التكبيرات شرط. واختار شيخنا يفتتحها بالحمد؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبة بغيره، وقال: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم"؛ ا هـ. وقال المرداوي في الإنصاف (2/ 430): "قوله: (يستفتح الأولى بتسع تكبيرات) الصحيح من المذهب: أن افتتاحها يكون بالتكبير. وتكون التكبيرات متوالية نسقًا، على الصحيح من المذهب. وقال القاضي: إن هلَّل بينهما أو ذكر فحسن، والنسق أولى، وقال في الرعاية: جاز. قال في الفروع: وظاهر كلام أحمد تكون التكبيرات وهو جالس، وهو أحد الوجهين، وهو ظاهر ما قدَّمه في الفروع. والوجه الثاني: يقولها وهو قائم. قلت: وهو الصواب، والعمل عليه، وهو ظاهر كلام المصنف هنا وغيره؛ حيث جعل التكبير من الخطبة. قال في الفروع- بعد ذكر هذا الوجه- فلا جلسة ليستريح إذا صعد، لعدم الأذان هنا، بخلاف الجمعة، وأطلقهما في الرعاية والفائق، ومجمع البحرين، وابن تميم. واختار الشيخ تقي الدين افتتاح خطبة العيد بالحمد. قال: لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبة بغيره. وقال صلى الله عليه وسلم: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم"؛ ا هـ. قوله: (والثانية بتسع) الصحيح من المذهب: أن محل التكبير في الخطبة الثانية في أولها، وعليه جمهور الأصحاب، وعنه محله في آخرها، اختاره القاضي؛ ا هـ. وذلك للآتي: أولًا: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستفتح خطبة العيد أو غيرها بالتكبير؛ (انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية) (22/ 393، 394، 24/ 225)، (زاد المعاد لابن القيم) (1/ 448)، (السيل الجرار للشوكاني) (ص195)، (نيل الأوطار للشوكاني) (3/ 363). ثانيًا: أن الاستفتاح بالحمد هو شأن خطب النبي صلى الله عليه وسلم. أما مَن يرى أن خطبة العيد تبدأ بالتكبير فهم طائفة من الأحناف، قال ابن نجيم في (البحر الرائق) (2/ 175): "في المجتبى: ويبدأ بالتحميد في خطبة الجمعة وخطبة الاستسقاء وخطبة النكاح، ويبدأ بالتكبيرات في خطبة العيدين، ويستحب أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات تترى، والثانية بسبع، قال عبدالله بن عتبة بن مسعود: هو من السُّنَّة"؛ ا هـ. وفي البحر الرائق أيضًا (2/ 360): "...وأراد بالمناسك الخروج إلى منى وإلى عرفة، والصلاة فيها، والوقوف والإفاضة، وهذه أول الخطب الثلاث التي في الحج، ويبدأ في الكل بالتكبير، ثم بالتلبية، ثم بالتحميد؛ كابتدائه في خطبة العيدين، ويبدأ بالتحميد في ثلاث خطب؛ وهي: خطبة الجمع، والاستسقاء، والنكاح"؛ ا هـ. وفي شرح الحصكفي (2/ 175): "(ويخطب بعدها خطبتين) وهما سنة (فلو خطب قبلها صح وأساء) لترك السنة، وما يسن في الجمعة ويكره يسن فيها ويكره، والخطب ثمان بل عشر (يبدأ بالتحميد في) ثلاث (خطبة) جمعة (واستسقاء ونكاح) وينبغي أن تكون خطبة الكسوف وختم القرآن كذلك ولم أره "ويبدأ بالتكبير في خمس (خطبة العيدين) وثلاث خطب الحج إلا أن التي بمكة وعرفة يبدأ فيها بالتكبير ثم بالتلبية ثم بالخطبة؛ كذا في خزانة أبي الليث (ويستحب أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات تترى)؛ أي: متتابعات (والثانية بسبع) هو السنة"؛ ا هـ. وأيضًا ممن يرى أن خطبة العيد تبدأ بالتكبير طائفة من المالكية، ففي الثمر الداني (1/ 249) ونحوه في الفواكه الدواني (1/ 272): "ثم يرقى؛ أي: بعد الفراغ من السلام، يرقى بفتح الياء (المنبر ويخطب ويجلس في أول خطبته ووسطها) أخذ من كلامه أن الخطبة تكون بعد الصلاة، فليست خطبة العيد كخطبة الجمعة، لا من حيث الوقت؛ فإن هذه بعد الصلاة، وتلك قبل الصلاة، ولا من حيث الافتتاح؛ فإن هذه تفتتح بالتكبير وتلك بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت مثلها من حيث إن كلًّا منهما باللفظ العربي، ومن حيث الجهر فإنه يطلب في كل منهم"؛ ا هـ. وقال القرافي في الذخيرة (3/ 254): "ثم يغدون إذا بزغت الشمس إلى عرفة، قال ابن المواز: ولا يجلس في وسط هذه الخطبة، قال مطرف: يجلس ويفتتحها بالتكبير؛ كخطبة العيد، ويكبر في خلالها، وكذلك خطب الحج كلها، وهو موافق للمدونة"؛ ا هـ. وفي الفواكه الدواني (1/ 360): ""تنبيه" لم يتكلم المصنف على ما يفعله في السابع من ذي الحجة قبل خروجه لمنى، والذي يستحب له إتيان المسجد الحرام، فإذا دخل وقت الظهر صلَّاها بالناس، ثم صعد المنبر وخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير كالعيد، ويخللها به، ويذكر فيها فضل الحج"؛ ا هـ. واستدل مَنْ قال بهذا القول ببعض الأحاديث التي لا تخلو من ضعف. ومما استدلوا به ما أخرجه عبدالرزاق (6573) وغيره من طريق عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: "السُّنَّةُ التَّكْبِيرُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْعِيدِ، يَبْدَأُ خُطْبَتَهُ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ، وَيَبْدَأُ الْآخِرَةَ بِسَبْعٍ". وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث مرسل، ولا يصحُّ إسناده، وقد ضعَّفه النووي في خلاصة الأحكام بقوله: ضَعِيف الْإِسْنَاد، غير مُتَّصِل. وروى سعد مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبتي العيدين"؛ رواه ابن ماجه (1287) وغيره، وفي سنده عبدالرحمن بن سعد ضعيف وأبوه مجهول، وضعَّفه الألباني رحمه الله. وصحَّ عن بعض السلف القول به. قال ابن المنذر في الأوسط (328/ 4): ذكر التكبير في الخطبة. روينا عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، أنه قال: "التكبير في الخطبة يوم العيد تسعًا في الأولى، وسبعًا في الآخرة". وروي عن الأشعري أنه قال: "يكبر يوم العيد على المنبر ثنتين وأربعين تكبيرة". حدثنا محمد بن علي، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا أبو محمد، مولي قريش، قال: سمعت أبا كنانة الهجيمي، يحدث عن الأشعري: "أنه كان يكبر يوم العيد على المنبر ثنتين وأربعين تكبيرة". وروينا عن الشعبي أنه قال: يكبِّر الإمام على المنبر يوم العيد سبعًا وعشرين تكبيرةً، وروينا عن الحسن أنه قال: يُكبِّر الإمام على المنبر يوم العيد أربع عشرة تكبيرة، وروي عن عمر بن عبدالعزيز أنه كبَّر على المنبر في العيدين إذا رقي سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين تسبيح وتحميد وتهليل، ثم يفتتح الخطبة بعد سبع تكبيرات. وقال مالك: من السُّنَّة أن يُكبِّر الإمام في خطبة العيدين تكبيرًا كثيرًا في الخطبة الأولى، ثم الثانية أكثر من التكبير في الأولى، وقال الشافعي: نأمر الإمام إذا قام ليخطب الأولى أن يكبر تسع تكبيرات تترى لا كلام بينهن، وإذا قام ليخطب الخطبة الثانية أن يكبر سبع تكبيرات تترى، لا يفصل بينهن بكلام يقول: الله أكبر الله أكبر حتى يوفي سبعًا. قال أبو بكر: ليس في عدد التكبير على المنبر سنة يجب أن تستعمل فما كبر الإمام فهو يجزي، ولو ترك التكبير وخطب لم يكن عليه في ذلك شيء؛ ا هـ. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/ 148): قوله: "يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع"، يعني: يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات متتابعات والخطبة الثانية بسبع تكبيرات متتابعات. والدليل على ذلك ما يلي: 1- روي في هذا حديث، لكنه أُعلَّ بالانقطاع أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع"، وصارت الأولى أكثر؛ لأنها أطول، وخُصَّت بالتسع والسبع؛ من أجل القطع على وتر. 2- أن الوقت وقت تكبير؛ ولهذا زيدت الصلاة بتكبيرات ليست معهودة، وكان هذا اليوم يوم تكبير، فمن أجل هذا شُرع أن يبدأ الخطبتين بالتكبير، فصار لهذا الحكم دليل وتعليل. وقال بعض العلماء: إنه يبتدئ بالحمد كسائر الخطب، وكما هي العادة في خطب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يبدأ خطبه بحمد الله، ويثني عليه. وعلى هذا فيقول: الحمد لله كثيرا، والله أكبر كبيرًا، فيجمع بين التكبير والحمد؛ ا هـ. ومن العلماء مَن يرى أن الأمر في ذلك واسع، فإذا بدأ خطبة العيد بالتكبير: جاز، وإذا بدأ الخطبة بالتحميد: جاز. فقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل يبتدئ الخطيب خطبة العيد بالاستغفار أو بالتكبير أو بماذا يبدأ؟ أفتونا مأجورين. فأجاب: "أما الاستغفار فلا تستفتح به، ولا أعلم أحدًا قال به. وأما التحميد، أو التكبير فالعلماء مختلفون في هذا: فمنهم مَن قال: تبدأ بالتكبير. ومنهم مَن قال: تبدأ بالتحميد. والأمر في هذا واسع، فهو إذا قال: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. فقد ابتدأ بالتحميد. فالجملة كأنها جملة واحدة، وإنْ قال الحمد لله، والله أكبر، ولا إله إلا الله، فقد بدأ بالتحميد أيضًا فالأمر في هذا واسع"؛ (انظر: مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين) (16/ 248 ، 249).. أقول: ولا يمنع أن تتميز خطبة العيد بالتكبير؛ لأن التكبير شعار العيد، ومشروع قوله ونحن نمشي في الطرقات وعقب الصلوات، والتكبير ما دام تمجيدًا لله وتعظيمًا؛ فينبغي الإكثار منه، ولا يعد ابتداعًا، ولو بدأ بالحمد فهو أولى وأحسن؛ لأن كتاب الله تعالى بُدئ بالحمد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح خطبه بحمد الله والثناء عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر". وقد حسَّن هذا الحديث أو صحَّحه جمْعٌ من أهل العلم، فقد حسَّنه النووي وابن حجر، وصحَّحه ابن دقيق العيد وابن الملقن. وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله فقال: "جاء هذا الحديث من طريقين أو أكثر عند ابن حبان وغيره، وقد ضعَّفه بعض أهل العلم، والأقرب أنه من باب الحسن لغيره"؛ ا هـ. (مجموع فتاوى ابن باز) (25/ 135). وأشير إلى مسألة أخرى وهي: كم عدد تكبيرات صلاة العيد؟ أقول: اختلف الفقهاء في عدد التكبيرات التي تكون في صلاة العيد، على الأقوال الآتية: الحنفية: يرون أن صلاة العيد ركعتان؛ في الركعة الأولى ثلاثُ تكبيرات يؤديها المصلي بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح، وتكون قبل قراءة الفاتحة، والركعة الثانية فيها أيضًا ثلاث تكبيرات باستثناء تكبيرة الركوع، وتكون هذه التكبيرات بعد القراءة، ويسكت بين التكبيرات بقدر تسبيح ثلاث تسبيحات، ويرفع يديه عند كل تكبيرة سواء كان إمامًا أو مأمومًا، ويستحب أن يقرأ بعد الفاتحة بسورة الأعلى، أما في الركعة الثانية فيؤديها كما الأولى؛ إذ يأتي بتكبيرات ثلاث لكنها تكون بعد القراءة، ويستحب له أن يقرأ بعد الفاتحة بسورة الغاشية، ومن ثمَّ فإن عدد التكبيرات الزوائد في كلا الركعتين ست تكبيرات. المالكية والحنابلة: يرون عدد تكبيرات صلاة العيد في الركعة الأولى ستة سوى تكبيرة الإحرام، يؤديها المصلِّي بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح وقبل القراءة، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات عدا تكبيرة القيام من السجود، والتكبيرات في الركعتين تكون قبل القراءة. واستدلوا بما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يُكَبِّرُ في الفطرِ والأضحى في الأولى سبعَ تكبيراتٍ وفي الثانيةِ خمسًا)؛ رواه أبو داود (1149). وتعتبر كل تكبيرة سنة، ويرفع المصلي يديه مع كل واحدة منها قائلًا: "الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، وصلوات الله على محمد النبي وآله وسلم تسليمًا كثيرًا". الشافعية: يرون أن صلاة العيد ركعتان؛ يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات، يُؤديها المصلي بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح، رافعًا يديه إلى محاذاة كتفيه عند كل تكبيرة، ويفصل بين كل تكبيرة وأخرى زمن يسير كزمن قراءة آية معتدلة، ويُسن له أن يقول في زمن الفصل: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، ثم يتعوَّذ ويقرأ الفاتحة وما تيسَّر من القرآن الكريم، وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة الانتقال قبل البدء بالقراءة، واستدلوا بفِعْل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عن عوف المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كبَّر في العيدينِ: في الأولى سبعًا قبلَ القراءةِ، وفي الآخرةِ خمسًا قبلَ القراءةِ)؛ صححه الألباني في صحيح الترمذي (536). مسألة: حكم من نسيَ تكبيرات صلاة العيد: اختلف الفقهاء في حكم مَن نسي تكبيرات صلاة العيد على ثلاثة أقوال، وهي كما يأتي: الحنفية: بيَّنوا أن نسيان الإمام لتكبيرات صلاة العيد وتذكُّره إيَّاها في حال القيام لا يمنع من الإتيان بها، كما أن المسبوق إن أدرك الإمام في الركوع من صلاة العيد فإنَّه يكبِّر للصلاة ويأتي بالتكبيرات حال ركوعه، أما مَن نسي التكبيرات ولم يأتِ بها فإنه يسجد للسهو. المالكية: بيَّنوا أن مَن نسي تكبيرات صلاة العيد كلها أو بعضها إمامًا أو مأمومًا وابتدأ في القراءة فتذكرها أثناء أو بعد ذلك، فإنه يأتي بها ما لم يركع، ويعيد القراءة استحبابًا؛ لأنه يندب الافتتاح بالتكبير، وليس عليه رفع يديه مع كل تكبيرة سوى تكبيرة الإحرام بحيث يكون التكبير متواليًا لا فصل فيه، إلا أنَّ الإمام يفصل ساكتًا بقدر تكبيرة المأموم، ولأنه زاد في القراءة فإنه يسجد للسهو بعد السلام، وإن تذكَّر المصلِّي التكبيرات بعد ركوعه فلا يرجع للإتيان بها، فإن فعل ذلك بطلت صلاته، كما يسجد للسهو في حال أنقص عدد التكبيرات ويسجد له قبل السلام، إلا في حال كونه مأمومًا فلا يسجد؛ لأن إمامه يتحَمَّل النقص عنه، وإذا لم يسمع المأموم تكبير الإمام فإنه يتتبَّع تكبيره ويُكبِّر. أما المسبوق فإن أدرك الإمام بالتكبير يُكبِّر معه ما بقي منه ولا يكمل ما فاته إلا بعد فراغ الإمام من التكبير، فإن أدركه حال كونه يقرأ وعلم أي الركعتين يصلي يُسَنُّ له أن يأتي بست تكبيرات إن كانت الركعة الأولى، وخمس تكبيرات إن كانت الركعة الثانية، وذلك من غير تكبيرة الإحرام، وإن لم يعلم أي الركعتين يصلي فإنه يكبر ستًّا عدا تكبيرة الإحرام، وإن تبين له أنها الركعة الثانية، فإنه يقوم ليقضي الركعة الأولى بعد تسليم الإمام بحيث يكبِّر فيها ستًّا عدا تكبيرة القيام. الشافعية والحنابلة: بيَّنوا أنَّ مَن نسي تكبيرات صلاة العيد وبدأ في القراءة لا يعود إليها؛ لأنها سُنَّة وقد فات محلها بالقراءة، وصلاته صحيحة، وكذلك المسبوق بالتكبير كله أو بعضه فلا يقضي منه شيئًا، أما المسبوق الذي أدرك إمامه في التشهُّد فإنه يقوم بعد تسليم الإمام ويصلي ركعتين يُكبِّر فيهما، وإن لم يدركه إلا في الخطبة استمع لها وقضى الصلاة إن أحبَّ ذلك بحيث تكون صفة قضائه وفقًا لإحدى حالات ثلاث: أولها: قضاء الصلاة على صفتها كغيرها. وثانيها: أن يصلي أربع ركعات بتسليمة واحدة أو بتسليمتين. وثالثها: التخيير بين صلاة ركعتين أو أربع؛ لأنها تطوعُ نهارٍ؛ كصلاة الضحى. الحكمة من التكبير في صلاة العيد: التكبير لغةً هو تعظيم الله وإجلاله، وقوله تعالى: ﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾ [المدثر: 3]؛ أي: عظِّم ربَّك. واعتقاد أن يكون الله تعالى أكبر من كل شيء، وأعز من كل شيء. ولِكون التوقيف هو الأصل في العبادات فإنه يتحتم على المسلم اتِّباع أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم سواء استطاع أن يُدرك الحكمة في ذلك أم لا، لا سيَّما فيما يتعلق بكيفية الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلُّوا كما رأيتموني أصلي"؛ رواه البخاري (6008). ولقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم"؛ لذا فإن التكبير الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين هو أمرٌ تَعَبُّدي ليس للمسلم فيه إلا التسليم والطاعة. حُكم تكبيرات صلاة العيد: اختلفت أقوال الفقهاء في حكم التكبيرات في صلاة العيد؛ فذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أنها سُنَّة، في حين يرى الحنفية أنها واجبة، وفصَّل المالكية فقالوا بأنها سُنَّة مؤكَّدة، وحكم فِعْلها قبل قراءة القرآن في الصلاة مندوب. أحكام مُتعلِّقة بتكبيرات صلاة العيد: أولًا: وقت تكبيرات صلاة العيد: فصَّل الفقهاء في وقت تكبيرات صلاة العيد كما يأتي: الركعة الأولى: اختلف الفقهاء في وقت التكبير في الركعة الأُولى، وذلك على النحو الآتي: ذهب الحنفية، والشافعية، والإمام أحمد في روايةٍ عنه، ومن المعاصرين: الشيخ ابن باز، والشيخ الفوزان، واللجنة الدائمة للإفتاء إلى أن وقتها يكون بعد قراءة دعاء الاستفتاح وقبل البدء بالقِراءة، واستدلوا بأن دعاء الاستفتاح شُرِع لافتتاح الصلاة فيكون أولًا، ثم تأتي بعده التكبيرات، ثم القراءة. وذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أنها تكون بعد تكبيرة الإحرام وقبل قراءة دعاء الاستفتاح. وذهب الإمام أحمد بن حنبل في رواية رواها المرداوي عنه إلى أن للمُصلِّي الخيار في أن يُكبِّر قبل دعاء الاستفتاح، أو بعده. وذهب الإمام مالك إلى أنها تكون قبل قراءة الفاتحة. الركعة الثانية: اختلف الفقهاء في وقت التكبير في الركعة الثانية؛ فذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة إلى أنها تكون بعد الرفع من السجود وقبل قراءة الفاتحة. بينما يرى الحنفية أنَّها تكون بعد القراءة، ويجوز له أن يأتي بها قبل القراءة. حُكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة العيد: اختلف الفقهاء في حُكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة العيد على قولين: القول الأول:يرفع المُصلِّي يدَيه مع كُلِّ تكبيرة، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، ورواية عن الإمام مالك، وقال بذلك من المعاصرين: ابن باز، وابن عثيمين، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير في كل صلاة، وهذا نصٌّ عام يشمل التكبير كله، ومنه التكبير في صلاة العيد، كما استدلوا بفِعل الصحابة؛ إذ إنهم كانوا يرفعون أيديهم مع كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة، والعيد. القول الثاني: لا يرفع المُصلِّي يديه في التكبير في صلاة العيد، وهو قول الإمام مالك، واستدل على ذلك بالعدم؛ أي: إن الأصل عدم الرفع، وبأنه لم يثبت دليل صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بفِعل ذلك. ما يُقال بين تكبيرات صلاة العيد: اختلف الفقهاء فيما يُقال بين التكبيرات في صلاة العيد، كما يأتي: الحنفية: ذهبوا إلى أن المُصلِّي يسكت بين كل تكبيرتين بمقدار ثلاث تكبيرات، ولا يسن له قول شيء بينهما، ويجوز له أن يقول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر". المالكية: ذهبوا إلى أن تكبيرات العيد تكون متتابعة، ولا يُفصَل بينها بفاصل، باستثناء الإمام، فإنه يسن له السكوت قليلًا؛ لينتظر تكبير المصلين خلفه، ويُكرَه له قول أي شيء في سكوته، حتى وإن كان من الأذكار. الشافعية: ذهبوا إلى الندب بالقول بين تكبيرات العيد بالباقيات الصالحات الواردة في قوله تعالى: ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]، وهي: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، كما ذكر ذلك ابن عباس وجماعة من الفقهاء، ويجوز له أن يقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"، ويجوز له أن يقول غير ذلك من الأذكار بشرط عدم الإطالة فيه. الحنابلة: ذهبوا إلى أن المُصلِّي يقول بين تكبيرات صلاة العيد: "اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا"؛ وذلك لقول ابن مسعود رضي الله عنه عندما سُئِل عما يقوله المُصلّي بين تكبيرات العيد، فقال: "تحميد الله، والثناء عليه، والصلاة على النبي"، ويجوز للمُصلِّي أن يذكر الله بغير ذلك؛ لأن المقصود ذِكر الله بأي ذِكر كان، ولا يُشترَط ذِكرٌ مُعيَّن؛ لعدم ورود نص في ذلك، ولا يقول شيئًا بعد التكبيرة الأخيرة؛ لأن محل الذكر يكون بين التكبيرات فقط. حُكم من فاتَته تكبيرات صلاة العيد: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أن مَن فاتته تكبيرات صلاة العيد، فإنه لا يعود إليها؛ لأنها سنة فات محلها. وذهب الشافعية، والحنابلة إلى أن التكبيرات تفوت بفوات محلها، وهو بين الاستفتاح والتعوذ، فمن نَسِيها، أو أدرك الإمام وهو يقرأ الفاتحة، فإنه يدخل معه في الصلاة، ولا يُكبِّر تكبيرات صلاة العيد. أما المالكية فقد فصَّلوا في ترك المُصلِّي للتكبيرات وتذكُّرها قبل الركوع، أو بعده؛ فلو تذكَّر أثناء القراءة، أو بعدها، وقبل الركوع، فيستحب له أن يأتي بالتكبيرات، ثم يُعيد القراءة، أما إن تذكَّرها بعد الركوع، فإنه لا يرجع لأجل التكبيرات، وإن رجع بطلت صلاته؛ لأنه لا يجوز الرجوع من فرضٍ لأجل نافلة. بينما رأى الحنفية أن الإمام إذا نَسِي تكبيرات صلاة العيد وكان في الركوع؛ فإنه يعود ويُكبِّر، وعليه إعادة الركوع، ولا يُعيد القراءة، أما المأموم الذي يأتي والإمام قد بدأ في الصلاة وكان قبل أن يبدأ بالتكبير، فإنه يُتابعه بأفعال الصلاة، وإن أدركه بعد التكبيرات وكان الإمام قد شرع في القراءة، فإنه يُشرَع في حقه أن يُكبِّر تكبيرة الإحرام، ثم يأتي بالتكبيرات وحده؛ لأنه مسبوق، بينما إن جاء والإمام في الركوع فإنه يُكبِّر تكبيرة الإحرام، ثم يأتي بالتكبيرات وحده إلا إن خشي رفع الإمام من الركوع، فإن خشي ذلك فإنه يُكبِّر تكبيرة الإحرام، ثم يُكبِّر للركوع، وقد ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه يُكبِّر التكبيرات في الركوع؛ لأن الركوع له حكم القيام، أما أبو يوسف فقد ذهب إلى أنه لا يُكبِّر؛ لفوات محلها؛ وهو القيام، وتفوت التكبيرات عندهم إذا رفع الإمام رأسه من الركوع. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() كيفيَّة أداء صلاة العيد: اتفقت المذاهب الفقهية عمومًا على كيفية أداء صلاة العيد، وتعددت آراء أصحاب المذاهب في بعض تفصيلاتها، وبيان ذلك فيما يأتي: الشافعية والحنابلة: قال الشافعية بأن صلاة العيد تُؤدَّى ركعتَين جَهْرًا؛ يبدأ المسلم فيهما بتكبيرة الإحرام، ثم يكبِّر سبع تكبيرات أخريات، ويرفع يديه في كل تكبيرةٍ حذو منكبيه، ويضع اليمنى على اليسرى بين كل تكبيرتين، ويذكر الله بينهما، وتكون تلك التكبيرات قبل التعوذ والقراءة، ويُكرَه ترك تلك التكبيرات، أو الزيادة عليها، أو النقصان منها، وإن شرع في التعوذ قبل التكبيرات، فإنه يأتي بها جميعًا، ويتداركها، وإن شرع الإمام في قراءة الفاتحة دون أن يُكمل المأموم تكبيراته، فإنه لا يأتي بها؛ بسبب فوات محلها؛ فالمأموم مطالب باتباع إمامه في الصلاة، فإن ترك الإمام التكبيرات، أو أنقص منها، فإن المأموم يتَّبِعه في ذلك، ويُكبِّر المُصلِّي خمس تكبيراتٍ في الركعة الثانية سوى تكبيرة الإحرام، على الهيئة التي أتى بها في الركعة الأولى، ويُسَنُّ للإمام أن يقرأ في الركعة الأولى بسورة ق، وفي الثانية بسورة القمر، أو يقرأ في الأولى بسورة الأعلى، وفي الثانية بالغاشية، ويجلس الإمام جلسةً خفيفةً بعد أداء الصلاة، مقبلًا بوجهه على الناس، يخطب بهم، ويذكِّرهم بالعيد وأحكامه. وقد قال الحنابلة بالكيفيَّة ذاتها. أما الحنفيَّة فقالوا: تبدأ صلاة العيد بعَقْد النيَّة، ثم قراءة دعاء الاستفتاح، ثم رفع اليدين، والتكبير ثلاث مرات، والفصل بينهما بسكتة قصيرة بمقدار قول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، ثم التعوُّذ بالله، وقراءة سورة الفاتحة، وسورةٍ من سُور القرآن، وتُسَنُّ قراءة سورة الأعلى، وتُؤدَّى الركعة الثانية ابتداءً بالبسملة، ثم قراءة الفاتحة، وسورةٍ أخرى، وتُسَنُّ قراءة سورة الغاشية، ثم تُؤدَّى ثلاث تكبيراتٍ قبل الركوع، ثم تُخطَب بالناس خُطبتان بعد الانتهاء من الصلاة، وتبدأ الخطبة الأولى بتسع تكبيراتٍ، والثانية بسبع تكبيراتٍ، ويجلس بين الخُطْبتَين جلسةً يسيرةً؛ يدل على ذلك ما رواه الصحابي أبو سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: "كانَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ والأضْحَى إلى المُصَلَّى، فأوَّلُ شيءٍ يَبْدَأُ به الصَّلَاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، والنَّاسُ جُلُوسٌ علَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ، ويُوصِيهِمْ، ويَأْمُرُهُمْ"؛ رواه البخاري (956). أما المالكية فاعتبروا صلاة العيدين كصلاة النوافل؛ إلا أن المُصلِّي يأتي بست تكبيرات قبل القراءة وبعد تكبيرة الإحرام، وبخمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام في الركعة الثانية، ويُكرَه رفعُ اليدين حين التكبير إلا تكبيرة الإحرام؛ إذ يُندَب رفعُ اليدين فيها، ويُندَب تقديمُ التكبير على القراءة، ولا حرج في تأخيره إلى ما بعد القراءة، ولا تصحُّ متابعة الإمام إن كان يزيد أو ينقص في عدد التكبيرات، أو يؤخرها إلى ما بعد القراءة، وتُنْدَب لغير الإمام المُوالاة في التكبيرات مع عدم ترديد أيِّ شيءٍ بينها، وتُنْدَب للمُصلِّي قراءة سورة الأعلى، أو نحوها في الركعة الأولى بعد الفاتحة، وقراءة سورة الشمس، أو نحوها في الركعة الثانية، مع ندب الجَهْر بالقراءة، وتجدر الإشارة إلى أنَّ كلَّ تكبيرةٍ زائدةٍ سُنَّةٌ مُؤكَّدةٌ؛ فإن نَسِيَ منها المُصلّي شيئًا، وتذكَّرها قبل الركوع، فإنَّه يأتي بها، أمَّا إن كان منفردًا، فإنَّ إعادة القراءة تُندَب له، ويسجد سهوًا بعد السلام، ولا يأتي بشيءٍ إن تذكَّر ما نسيَه بعد الركوع، ويسجد للسَّهو قبل السلام، أمَّا إن نَسي تكبيرة واحدة، فلا يسجد للسَّهو لها، وإن اقتدى المُصلِّي بإمامٍ وهو يُكبِّر، فإنَّه يُكبِّر معه؛ سواء في الركعة الأولى، أو الثانية، إلَّا إن أتى بما فاته من الركعات بعد تسليم الإمام، فإنَّه يأتي بركعةٍ يُكبِّر فيها ستَّ تكبيراتٍ دون تكبيرة القيام، كما أنَّه يقضي ما فاته إن أدرك أقلَّ من ركعةٍ، ويأتي بستِّ تكبيراتٍ. شروط وجوب صلاة العيد: جاءت شروط وجوب صلاة العيد تِبعًا لتعدُّد آراء أهل العلم في حكمها؛ فالحنفية يقولون بوجوب صلاة العيد، ويقصدون بالوجوب وقوعها في منزلة بين الفريضة والسُّنَّة، ويشترطون لوجوبها ما يشترط لوجوب صلاة الجمعة، وهي: الإمام، والبلد الذي تُقام فيه الجماعة، والذُّكورة، والحُرِّية، وحلول الوقت المُعيَّن لها، والإقامة، وسلامة البدن، بينما ذهب الحنابلة إلى القول بأن صلاة العيد فرض كفاية، واشترطوا لفرضيتها الاستيطان في البلد، والعدد الذي تجب به صلاة الجمعة، أما المالكية، وقد ذهبوا إلى كونها سنة مؤكدة؛ فاشترطوا لتأكيد سنيَّتها ما يشترط لوجوب صلاة الجمعة، وأضافوا شرط عدم تلبُّس المسلم بأداء فريضة الحج، والشافعية قالوا بأنها سُنَّة مؤكدة بحق كل مكلف، ذكرًا وأنثى، مقيمًا ومسافرًا، حُرًّا وعبدًا. شروط صحَّة صلاة العيد: شروط صحة صلاة العيد عند الحنفية هي ذات شروطهم لوجوبها، وأهمها: الإمام، والبلد، والجماعة، والوقت، بينما اشترط الحنابلة الوقت، والجماعة فقط، أما المالكية والشافعية فلم يشترطوا إلا الوقت، ويُضاف إلى ما سبق ما يُشترَط لصحة كل صلاة؛ من الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة. سُنَن صلاة العيد: تُسَنُّ في صلاة العيد ما يُسَنُّ في غيرها من الصلوات، من الأقوال والأفعال، بالإضافة إلى سُنيَّة عدَّة أمورٍ أخرى فيها، بيانها فيما يأتي: • الموالاة في القراءة في ركعتي صلاة العيد؛ وذلك بعدم الفصل بين التكبيرات، والقراءة. • الاغتسال قبل صلاة العيد، والتطيُّب لها، مع تخيُّر أحسن الثياب؛ إذ ثبت في الصحيح: "أن ابنَ عُمَرَ كانَ يَغتَسِلُ يَومَ الفِطرِ، قَبلَ أنْ يَغدوَ إلى المُصَلَّى"؛ رواه مالك في (الموطأ) (2/ 248)، وعبدالرزاق في (المصنف) (5753)، والبيهقي (3/ 278) (6344)، صحَّحه النووي في (المجموع) (5/ 6). • تناول شيءٍ من الطعام قبل الخروج إلى صلاة عيد الفِطْر، ويُسَنُّ أن يكون حلوًا؛ كالتمر ونحوه؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "كانَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يَغْدُو يَومَ الفِطْرِ حتَّى يَأْكُلَ تَمَراتٍ، وقالَ مُرَجَّأُ بنُ رَجاءٍ، حدَّثَني عُبَيْدُ اللَّهِ، قالَ: حدَّثَني أنَسٌ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا"؛ رواه البخاري (953). • الذهاب إلى مُصلَّى العيد مشيًا على الأقدام، والحرص على مُخالفة الطريق في العودة من المُصلَّى. • النداء لصلاة العيد، بِقَول: "الصلاة جامعةٌ"، فلا يُشرع فيها أذانٌ ولا إقامةٌ. • التكبير في الطريق إلى مُصلَّى العيد، عند الشافعية، والمالكية، والحنابلة؛ في صلاة عيدَي الفطر والأضحى، والجهر به، أما عند الحنفية؛ فيُسَنُّ التكبير في الطريق إلى المصلَّى، في عيد الأضحى، دون عيد الفطر، مع الجهر به. وقت صلاة عيد الفِطْر: بيَّن العلماء أن وقت صلاة العيد يبدأ من بعد طلوع الشمس بمقدار رمحٍ، إلى وقت زوال الشمس؛ أي وقت الضحى؛ إذ نُهِي عن الصلاة وقت طلوع الشمس، كما تُكرَه أيضًا بعد طلوعها إلى أن تطلع بمقدار رُمْحٍ، ويُسَنُّ تأخير صلاة عيد الفطر؛ حتى يتمكَّن المسلمون من إخراج زكاة الفطر. مكان صلاة عيد الفطر: قال العلماء: يُسَنُّ أداء صلاة العيد في مُصلَّى؛ لما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يكن هناك أي عذر يمنع من ذلك، أما إن وُجِد عذرٌ؛ كالمطر، أو الرياح، فلا حرج بأن تُؤدَّى في المسجد، وإن وُجِد مَن لا يستطيع الخروج إلى المُصلَّى؛ لضعفٍ أو عجزٍ، استخلف الإمام في مسجد البلد من يُصلِّي بهم؛ لما ورد من فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فيستحب الخروج لصلاة العيد إلى المصلَّى في الصحراء خارج البلد، قال ابن عثيمين: "يُسَنُّ إقامتها في الصحراء خارجَ البلد، ويَنبغي أن تكونَ قريبة؛ لئلَّا يشقَّ على الناس"؛ (الشرح الممتع) (5/ 121). وقال أيضًا: "السُّنَّة في صلاة العيد أنْ تكون في الصحراء كما فعَل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كَبُر البلد، فإنَّه ينبغي أن يُنقَل المصلَّى إلى الصحراء، وإذا لم يُنقل فلا حرَجَ؛ لأنَّ كونها في الصحراء ليس على سبيل الوجوب، بل هو على سبيل الاستحباب"؛ (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين) (16/ 233). وهو مذهب الجمهور، من الحنفية، (انظر: حاشية ابن عابدين) (2/ 168، 169)، (ويُنظر: المحيط البرهاني لابن مازة) (2/ 101). والمالكية، (انظر: الكافي لابن عبدالبر) (1/ 263)، (حاشية العدوي) (1/ 389). والحنابلة، (انظر: الإنصاف للمرداوي) (2/ 298)، (كشاف القناع للبهوتي) (2/ 52 ، 53). ووجه عند الشافعية، قال النووي: "إنِ اتَّسع المسجدُ ولم يكن عذرٌ، فوجهان: أصحهما- وهو المنصوصُ في الأم، وبه قطع المصنِّف، وجمهورُ العراقيِّين، والبغويُّ، وغيرهم- أنَّ صلاتها في المسجدِ أفضلُ. والثاني- وهو الأصحُّ عند جماعة من الخراسانيِّين، وقطع به جماعةٌ منهم- أنَّ صلاتها في الصحراء أفضلُ؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم واظبَ عليها في الصحراء"؛ (انظر: المجموع) (5/ 5). وحُكي إجماعُ المسلمين على ذلك، قال ابن قدامة: "لنا: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يَخرُج إلى المصلَّى ويدَعُ مسجدَه، وكذلك الخلفاء بعده، ولا يترك النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأفضلَ مع قُربه، ويتكلَّف فِعل الناقص مع بُعده، ولا يُشرع لأمَّته تركُ الفضائل، ولأنَّنا قد أُمرنا باتباع النبيِّ صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، ولا يجوزُ أن يكون المأمور به هو الناقِص، والمنهيُّ عنه هو الكامل، ولم يُنقَل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه صلَّى العيد بمسجده إلَّا مِن عُذر، ولأنَّ هذا إجماعُ المسلمين؛ فإنَّ الناس في كل عصر ومصر يَخرجون إلى المصلَّى، فيُصلُّون العيد في المصلى، مع سَعَة المسجد وضِيقه، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي في المصلَّى مع شرَفِ مسجدِه"؛ (انظر: المغني) (2/ 276). وقال النووي: "قوله: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يخرُج يوم الأضحى ويومَ الفطر، فيبدأ بالصلاة، هذا دليلٌ لِمَن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلَّى، وأنه أفضلُ مِن فِعلها في المسجد، وعلى هذا عمَلُ الناس في معظمِ الأمصار"؛ (شرح النووي على مسلم) (6/ 177). الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة: 1- عن ابنِ عُمرَ، قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَغدُو إلى المصلَّى والعَنَزةُ بين يَديه تُحمَل، وتُنصَبُ بالمصلَّى بين يديه، فيُصلِّي إليها"؛ رواه البخاري (973)، ومسلم (501). 2- وعن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخرُجُ يومَ الفِطرِ والأضحى إلى المصلَّى"؛ رواه البخاري (956)، ومسلم (889). ثانيًا: فِعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم وخلفائِه الراشدين؛ فإنَّهم كانوا يُصلُّونها في الصَّحراءِ، ولولا أنَّ هذا أمرٌ مقصودٌ لم يُكلِّفوا أنفسَهم ولا الناسَ أن يَخرُجوا خارجَ البلدِ؛ (انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين) (5/ 121). بل ذكَر ابنُ قُدامةَ أنَّه إجماعُ الناس؛ يخرجون إلى المصلَّى مع شرفِ مسجدِه؛ (يُنظر: المغني لابن قدامة) (2/ 276). ثالثًا: أنَّ العملَ على هذا في مُعظمِ الأمصارِ؛ (انظر: كشاف القناع للبهوتي) (2/ 53). رابعًا: أنَّه أوقعُ لهيبةِ الإسلامِ، وأظهرُ لشعائرِ الدِّينِ؛ (انظر: كشاف القناع للبهوتي) (2/ 53). خامسًا: أنَّ الناسَ يَكثُرونَ في صلاةِ العيد، فيَضيقُ عليهم المسجدُ في العادةِ، ويَحصُلُ الزحامُ، وربَّما اختلَطَ الرِّجالُ بالنِّساءِ، فكان من المناسبِ الخروجُ إلى المصلَّى؛ (يُنظر: المجموع للنووي) (5/ 4)، (الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي) (1/ 399). قال القرطبي: "وقد اتَّفق مالكٌ وسائر العلماء على أن صلاة العيدين يُبرَز لهما في كل بلد إلا مكة؛ فإنَّها تُصلَّى في المسجد الحرام"؛ (تفسير القرطبي) (9/ 372). حُكم صلاة عيد الفِطْر: تعدَّدت أقوال أئمة الفقه في حكم صلاة العيد، وذهبوا في ذلك إلى ثلاثة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي: القول الأوَّل: قول الشافعيَّة، والمالكيَّة وهو أن صلاة العيد سُنَّةٌ مُؤكَّدةٌ؛ استدلالًا بِما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قَوْله لأعرابيٍّ سأله عمَّا افترضَه الله سبحانه عليه: "خَمْس صَلَوَاتٍ في اليَومِ واللَّيْلَةِ. فَقالَ: هلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قالَ: لَا، إلَّا أنْ تَطَوَّعَ"؛ رواه البخاري (46). واستدلُّوا أيضًا بمُداوَمة النبي صلى الله عليه وسلم عليها. القول الثاني: قال الحنفية إن صلاة العيد واجبة؛ وقد استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم داوَمَ عليها، ولم يتركها ولو مرة واحدة، ولأنها تُصلَّى جماعةً؛ فلو كانت سُنَّةً لَمَا أُدِّيت جماعةً، أو جاء فيها استثناء كصلاة التراويح. القول الثالث: قال الحنابلة: إن صلاة العيد فرضٌ على الكفاية؛ استدلالًا بقول الله تعالى: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]، وبعدم ترك النبي صلى الله عليه وسلم لها. حكمة مشروعيَّة صلاة عيد الفِطْر: مشروعيَّة صلاة العيد: صلاة العيد صلاةٌ مشروعةٌ، وقد ثبتت مشروعيتها بما ورد في كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة، قال الله تعالى: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]، والصلاة المذكورة في الآية يُقصَد بها صلاة العيد كما اشتُهر عن علماء التفسير، وروى الإمام البخاريُّ في صحيحه عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "شَهِدْتُ العِيدَ مع رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمْ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الخُطْبَةِ"؛ رواه البخاري (962). كما أجمع العلماء على مشروعية صلاة العيد. مكانة عيد الفِطْر في نفوس المسلمين: يضرب عيد الفطر أرقى المعاني للأمَّة الإسلاميَّة؛ إذ يظهر فيه التكافل الاجتماعيُّ بين المسلمين، والوحدة فيما بينهم، وتسمو رُوح الجِوار؛ ليصبحوا وكأنَّهم أهل بيتٍ واحدٍ يغمرهم الإخاء، وتظهر بشكلٍ واضحٍ قيمة الإخلاص، ويتبادلون التهاني فيما بينهم، والعيد يوم فرحٍ وسرورٍ وتجمُّلٍ، ويحرص المسلمون فيه على إطعام الفقراء، وسَدِّ حاجاتهم، فلا يشعرون بالنقص، كما أنَّ العيد يحرص على صِلة الرَّحِم، والأصدقاء، فتتصافى النفوس المُتشاحنة، وتثبت على طاعة الله تعالى، والسَّعي في سبيل نَيْل رضاه ومَحبَّته؛ فكما أنَّ العبد استقبل العيد بالطاعة، فإنَّه يجدر به العَزم وعَقْد الإرادة على الثبات والاستمرار عليها. مسألة: هل للعيد خطبة أم خطبتان؟ ذهب جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم إلى أنه يخطب في العيد بخطبتين، يفصل بينهما بجلوس، كما يفعل ذلك في خطبة صلاة الجمعة. جاء في المدونة (1/ 231): "وقال مالك: الخطب كلها خطبة الإمام في الاستسقاء والعيدين ويوم عرفة والجمعة، يجلس فيما بينها، يفصل فيما بين الخطبتين بالجلوس"؛ ا هـ. وقال الشافعي رحمه الله: "عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس. (قال الشافعي): وكذلك خطبة الاستسقاء وخطبة الكسوف، وخطبة الحج، وكل خطبة جماعة"؛ (انظر: الأم) (1/ 272)، (ويُنظَر: بدائع الصنائع) (1/ 276)، "المغني" (2/ 121). قال الشوكاني رحمه الله معلقًا على الأثر السابق: "والحديث الثاني يرجحه القياس على الجمعة. وعبيدالله بن عبدالله تابعيٌّ كما عرَفت، فلا يكون قوله: "من السنة" دليلًا على أنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما تقرر في الأصول. وقد ورد في الجلوس بين خطبتي العيد حديث مرفوع رواه ابن ماجه، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف"؛ ا هـ من "نيل الأوطار" (3/ 323). وحديث ابن ماجه (1279) هو ما رواه عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَخَطَبَ قَائِمًا، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ". والحديث أورده الألباني في ضعيف ابن ماجه، وقال عنه: منكر. قال في "عون المعبود" (4/ 4): "قال النووي في الخلاصة: وما رُوي عن ابن مسعود أنه قال: السنة أن يخطب في العيد خطبتين يفصل بينهما بجلوس، ضعيفٌ غير متصل، ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء، والمعتمد فيه القياس على الجمعة"؛ ا هـ. فتحصَّل من ذلك أن مستند الخطبتين: 1- حديث ابن ماجه، وأثر ابن مسعود رضي الله عنه، وكلاهما ضعيف كما سبق. 2- أثر عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، وهو تابعيٌّ. 3- القياس على الجُمُعة. 4- وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أمرًا رابعًا قد يُحتج به، قال رحمه الله: "وقوله: "خطبتين" هذا ما مشى عليه الفقهاء رحمهم الله أن خطبة العيد اثنتان؛ لأنه ورد هذا في حديث أخرجه ابن ماجه بإسناد فيه نظر، ظاهره أنه كان يخطب خطبتين. ومَن نظر في السنة المتفق عليها في الصحيحين وغيرهما تبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهن، فإن جعلنا هذا أصلًا في مشروعية الخطبتين فمحتمل، مع أنه بعيد؛ لأنه إنما نزل إلى النساء وخطبهن لعدم وصول الخطبة إليهن، وهذا احتمال. ويحتمل أن يكون الكلام وصلهن ولكن أراد أن يخصهن بخصيصة؛ ولهذا ذكرهن ووعظهن بأشياء خاصة بهن"؛ ا هـ من "الشرح الممتع" (5/ 191). وقد سُئلت "اللجنة الدائمة" ما نصه: هل في خطبة العيدين جلوس بين الخطبتين؟ فأجابت: "خطبتا العيدين سنة وهي بعد صلاة العيد، وذلك لما روي النسائي وابن ماجه وأبو داود عن عطاء عن عبدالله بن السائب رضي الله عنهما قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد، فلما قضى الصلاة قال: "إنا نخطب فمَن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومَن أحب أن يذهب فليذهب". قال الشوكاني رحمه الله في النيل: "قال المصنف رحمه الله تعالى: وفيه بيان أن الخطبة سنة؛ إذ لو وجبت وجب الجلوس لها"؛ ا هـ. ويشرع لمَن خطب خطبتين في العيد أن يفصل بينهما بجلوس خفيف قياسًا على خطبتي الجمعة، ولما روى الشافعي رحمه الله عن عبيد بن عبدالله بن عتبة رضي الله عنه قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس لصلاة العيد إلا خطبة واحدة؛ لأن الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيها إلا خطبة واحدة، والله أعلم"؛ ا هـ نقلًا عن "فتاوى إسلامية" (1/ 425). وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يخطب الإمام في العيد خطبة واحدة أو خطبتين؟ فأجاب: "المشهور عند الفقهاء رحمهم الله أن خطبة العيد اثنتان؛ لحديث ضعيف ورد في هذا، لكن في الحديث المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة، وأرجو أن الأمر في هذا واسع"؛ (انظر: مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين) (16/ 246). وقال أيضًا (16/ 248): "السنة أن تكون للعيد خطبة واحدة، وإن جعلها خطبتين فلا حرج؛ لأنه قد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لا ينبغي أن يهمل عظة النساء الخاصة بهن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعظهن. فإن كان يتكلم من مكبِّر تسمعه النساء فليخصص آخر الخطبة بموعظة خاصة للنساء، وإن كان لا يخطب بمكبِّر وكان النساء لا يسمعن فإنه يذهب إليهن، ومعه رجل أو رجلان يتكلم معهن بما تيسَّر"؛ ا هـ. ونسرد بعض أقوال العلماء في هذه المسألة: القول الأول:أن لصلاة العيد خطبةً واحدةً. وقد اختاره الشيخ ابن عثيمين والمحدث الألباني وأشار إليه الصنعاني. رحم الله الجميع. (انظر: الشرح الممتع) (145/ 5)، والألباني في شريط صوتي له، (سبل السلام) (188/ 3). وقد طرح الشيخ ابن عثيمين قولًا ثالثًا؛ وهو جعل خطبة ثانية للنساء إذا لم يسمعن الخطبة الأولى؛ (انظر: مجموع فتاوى ابن عثيمين) (248/ 16). ويدل عليه حديث ابن عباس قال: "ثُمَّ خَطَبَ، فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ، فَأَتَاهُنَّ"؛ رواه البخاري (98) ومسلم (884). وقد أنكر عطاء على الأمراء ألا يفعلونه؛ رواه البخاري (961). وقد صرَّح الشيخ ابن عثيمين أنه كان يخطب خطبة واحدة، في آخر خمس سنوات من وفاته؛ (انظر: لقاءاتي مع الشيخين ابن باز وابن عثيمين للدكتور عبدالله الطيار) (190/ 2). القول الثاني:أن لصلاة العيد خطبتين، وهذا هو قول جماهير العلماء. وحكي إجماعًا؛ (يُنظر: المحيط البرهاني) (100/ 2)، (المدونة) (1/ 248)، (الأم للشافعي) (272/ 1)، (المغني) (285/ 2)، (المحلى) (82/ 5). وقد ذهب الحنابلة إلى عدم وجوب الجلوس بينهما. كما في (الإنصاف والشرح الكبير) (353/ 5). حجة أصحاب القول الأول: 1- ظواهر النصوص التي يفهم منها أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبة واحدة ومنها: حديث جابر رضي الله عنه قال: "شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ، وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ، وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ"؛ رواه البخاري (978) ومسلم (885). وحديث أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ"؛ رواه البخاري (956) ومسلم (889). وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الخُطْبَةِ"؛ رواه البخاري (962) ومسلم (884). فظواهر هذه النصوص، تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه من بعده كانوا يقتصرون على خطبة واحدة. ويمكن أن يوجه هذا؛ بأن قول الصحابي "الخطبة"، لا يدل على أنها خطبة واحدة، فالمقصود جنس الخطبة لا عددها، كما يقال: "خطبة الجمعة" وهي خطبتان. 2- خطبة النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته أو قدميه. كما عند ابن ماجه (1288) وأحمد (11263) وابن حبان (2825) وأصله عند الشيخين بدونهما. وقد صحَّحه ابن الملقن في (البدر المنير) (85/ 5). ولذلك أقرَّ أبو سعيد الخُدْري رضي الله عنه الرجلَ الذي أنكر على مروان إخراج المنبر لصلاة العيد، كما عند أبي داود (1140) وأصله عند البخاري (956) ومسلم (49) بدونها. فلم يذكر الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج المنبر إلى المصلى، فيفهم منه تعذر جلوسه بين الخطبتين، وهذا يدل على أنها خطبة واحدة. ولكن في بعض روايات البخاري (961، 4859)، ومسلم (884، 885)، نص ابن عباس وجابر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم ينزل بعد خطبته. وهذا يحتمل أنه ينزل من المنبر أو الراحلة أو مكان مرتفع يقف عليه، فلا ترجيح بينها في تحقيق إخراج المنبر أو الجلوس على بعير أو حجر، وقد يترجح أنه يخطب من مكان مرتفع؛ لأن جابر في الرواية المتقدمة ذكر أن قام متوكئًا على بلال. 3- ما رواه عبدالرزاق (5650) عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: متى كان مَن مضى يخرج أحدهم من بيته يوم الفطر للصلاة؟ فقال: "كانوا يخرجون حتى يمتد الضحى فيصلون، ثم يخطبون قليلًا سويعة"، يقلل خطبتهم؟ قال: "لا يحبسون الناس شيئًا"، قال: ثم ينزلون فيخرج الناس؟ قال: "ما جلس النبي صلى الله عليه وسلم على منبر حتى مات، ما كان يخطب إلا قائمًا"، فكيف يخشى أن يحبسوا الناس؟ وإنما كانوا يخطبون قيامًا لا يجلسون. إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يرتقي أحدهم على المنبر، فيقوم كما هو قائمًا لا يجلس على المنبر حتى يرتقي عليه، ولا يجلس عليه بعدما ينزل؟ وإنما خطبته جميعًا وهو قائم، إنما كانوا يتشهدون مرة واحدة الأولى. ففي هذا الأثر يبين عطاء رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده، لم يكونوا يخطبون إلا مرة واحدة. لكن كما هو معلوم، فإن عطاء لم يدرك أحدًا منهم، فالأثر فيه انقطاع. ثم إن الخبر فيه إشكال، وهو نسبة إخراج المنبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وحجة أصحاب القول الثاني: 1- حديث جابر رضي الله عنه عند ابن ماجه (1289) قال: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَخَطَبَ قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً ثُمَّ قَامَ". وحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عند البزار (321/ 3) قال: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْعِيدَ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، وَكَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ قَائِمًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ". وهذه أحاديث لا تثبت. قال النووي في خلاصة الأحكام (838/ 2): "لم يثبت في تكرير الخطبة شيء". كما ضعفهما الألباني في (السلسلة الضعيفة) (635/ 12). 2- قول عبيدالله بن عبدالله بن عتبة: "السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين، يفصل بينهما بجلوس"؛ رواه الشافعي في (الأم) (272/ 1)، وقريب منه عند عبدالرزاق (290/ 3). وعبيدالله من أئمة التابعين والفقهاء السبعة المشهورين. إلا أن النووي ضعَّفه في (الخلاصة) (838/ 2)، وكذا الألباني ضعَّف السند إليه كما في (السلسلة الضعيفة) (636/ 12). لكن ذكره ابن قدامة في (المغني) (286/ 2)، وعزاه إلى سنن سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبدالرحمن عن أبيه عن عبيدالله قال: يكبر الإمام على المنبر يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات، ثم يخطب، وفي الثانية سبع تكبيرات. وهذا سند صحيح متصل يقوي رواية الشافعي. 3- تتابع الفقهاء على ذلك من غير ظهور مخالف. وقد حكى ابن حزم أنه لا خلاف في هذا كما في (المحلى) (82/ 5) فقال: "فإذا سلم الإمام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما جلسة، فإذا أتمهما افترق الناس...كل هذا لا خلاف فيه". ويؤكد هذا أنه لو ثبت الخلاف، لكان أسرع الناس إليه ابن حزم رحمه الله، فإنه لا يفوت ظواهر النصوص الصحيحة لأجل قياس أو حديث ضعيف، تدل على الاكتفاء بخطبة واحدة. وأشار ابن قدامة إلى الإجماع ضمنًا كما في (المغني) (285/ 2) فقال: "إن خطبتَي العيدين بعد الصلاة؛ لا نعلم خلافًا بين المسلمين، إلا عن بني أمية". وكذا نفى الخلاف الشيخ ابن جبرين رحمه الله في شرحه الصوتي على عمدة الأحكام. ومما يؤكد الإجماع ما اختاره المالكية والشافعية من أن للاستسقاء خطبتين قياسًا على خطبتَي العيد، ولم يعارضهم غيرهم في أن العيد وقع فيه خلاف؛ (انظر: الذخيرة) (435/ 2)، (نهاية المطلب) (648/ 2). وأيضًا فقد وقع الخلاف حول عدد خطبة الكسوف والاستسقاء وعرفة، بخلاف العيد؛ مما يدل على أنه إجماع. 4- قياس خطبتي العيد على خطبتي الجمعة؛ للتشابه بينهما في مسائل كثيرة، وإن وجدت فوارق فإنما أخرجها الدليل. قال النووي في (الخلاصة) (838/ 2): "المعتمد فيه القياس على الجمعة". وقال البيهقي في (السنن) (420/ 3) باب: جلوس الإمام حين يطلع على المنبر، ثم قيامه وخطبته خطبتين، بينهما جلسة خفيفة، قياسًا على خطبتي الجمعة. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في (فتاوى نور على الدرب) (364/ 13): "والعمدة في ذلك أن العيد كالجمعة، فالعيد عيد العام، والجمعة عيد الأسبوع، فالعلماء قاسوا صلاة العيد على صلاة الجمعة، فخطبوا خطبتين، هذا هو المشروع خطبتان كالجمعة؛ لأنها عيد السنة، فالعيدان هما عيد السنة، والجمعة عيد الأسبوع، وكذلك فيه العمل بالخبر الضعيف، الذي يعضده قياس العيد على الجمعة"؛ ا هـ. وقال السعدي رحمه الله في (الإرشاد) ص119: "فالذي اشتركت فيه أكثر مما افترقت. وقد اعترض على هذا، بأن الفروق بينهما كثيرة، فلا يتوجه القياس فيما وقع فيه الخلاف". 5- ما رواه ابن خزيمة (1446) عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ الْخُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ، وَكَانَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ". وقد بوَّب عليه ابن خزيمة بقوله: باب عدد الخطب في العيدين، والفصل بين الخطبتين بجلوس. وابن خزيمة هنا استدل بعموم الحديث، على دخول خطبة العيد فيه. ولكن في رواية مسلم (861) التنصيص على خطبة الجمعة، فدَلَّ على أن مقصود ابن عمر هو خطبة الجمعة. 6- ما ورد في إجزاء حضور العيد عن حضور الجمعة عند توافقهما، كما ورد عند أبي داود وغيره (1070)، مما يدل على أنها تقوم مقامها وتأخذ أحكامها، فالبدل يحكي المبدل، إلا ما استثناه الدليل. وهذا على مذهب الشافعية والحنابلة في الإجزاء، ولم يعارض الحنفية والمالكية بأن خطبة العيد واحدة؛ (انظر: المغني) (265/ 2)، (المجموع) (491/ 4). والشافعية أسقطوها عن أهل القرى، والحنابلة عن الكل. 7- تنصيص أئمة السلف على هذا، ومنهم الإمام مالك والإمام الشافعي رحمهم الله. قال مالك في (المدونة) (248/ 1): "ويقوم إمامهم فيخطب بهم خطبتين". وقال الشافعي في (الأم) (272/ 1): "يقوم فيخطب ثم يجلس بعد الخطبة الأولى جلسة أخف من هذه أو مثلها ثم يقوم فيخطب ثم ينزل". فالأول يحكي واقع المدينة، والثاني يحكي واقع مكة. • الراجح:الناظر في هذه المسألة من جهة الأدلة النقلية، يظهر له رجحان القول بخطبة واحدة، فظواهر النصوص الصحيحة المتقدمة تفيد ذلك، ولكن عند الحكم على المسألة، لا بد من استيعاب الأدلة، وعدم الاكتفاء ببعضها. فنحن بين ظواهر نصوص وإجماع، والقاعدة الأصولية أن النصوص تؤول عن ظاهرها، إذا عارضت الإجماع الذي لم يوجد له معارض، وهنا لم يوجد قائل سبق الإجماع بهذا القول، حسب النقل والتتبُّع. كما أنه يضاف إلى ذلك وجود حديث مرسل مع حديث ضعيف، تتابع العلماء على الاعتماد عليهما، وهذا يقوِّي ثبوتهما. ثم إنه يتعذر خفاء هذه السنة المشهورة على المسلمين، في أعصارهم وأمصارهم وفيهم سلفهم ومحققوهم، ثم تتبين بعد أربعة عشر قرنًا، والله أعلم. وأنبِّه هنا أنه لو صدرت فتوى بالإلزام بأحد القولين أو ظهرت مفسدة باعتماد أحدهما، فالمتوجه هو الاحتياط لذلك وعدم الانفراد والمخالفة، فهذه المسألة- كما ترى- أدلتها محتملة، وخاضعة للنظر الاجتهادي. وخلاصة الجواب: أن المسألة من مسائل الاجتهاد، والأمر في هذا واسع، وليس في السنة النبوية نصٌّ فاصل في المسألة، وإن كان ظاهرها أنها خطبة واحدة، فيفعل الإمام ما يراه أقرب إلى السنة في نظره. والراجح عندي في هذه المسألة: (أن لصلاة العيد خطبة واحدة، وأنا أخطب خطبة واحدة). وفي الختام أقول: هذا ما يسَّره الله لي في بيان أقوال أهل العلم المعتبرين من أصحاب المذاهب، من المتقدمين والمتأخرين، مع ذكر الأدلة على بعض أقوالهم. أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين، وأن يغفر لي ما كان فيه من خطأ أو نقصان. فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ أو نقصان فمني والشيطان، وأستغفر الله وأتوب إليه، وأسأله العفو والغفران، فهو أهل التقوى وأهل المغفرة. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |