|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
فما حججت ولكن حجت الجنطة
فما حججت ولكن حجت الجنطة د. إسماعيل عبد عباس الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فهذه ذكرى تحمل ألَمًا وحسرةً، جاءت فكتبت هذا المقال بعنوان: فما حججت ولكن حجت الجنطة في يوم الجمعة الموافق 11/ 9 /2016 مِن العام الماضي، وفي الصباح الباكر، ودَّعت أهلي وإخوتي، وقبَّلت أولادي قُبلة الفِراق، فخرجت متوجهًا إلى مطار بغداد الدولي، مسافرًا إلى الله عز وجل، قاصدًا حجَّ بيته، وزيارة مسجد نبيه صلى الله عليه وسلم، وكالعادة أدخل، فأُفتَّش، ثم قدمت جنطتي وأمتعتي؛ لأَدعها في بغداد على أمل اللقاء بها في مطار المدينة المنوَّرة، فودَّعتها ولسان حالي يقول: ودَّعتُها وبِوُدِّي لو يُودِّعني *** صفوُ الحياة وأني لا أُوَدِّعُها تسلمتُ تذكرة السفر، وتقدَّمت إلى الكاونتر، فختمت ختم المغادرة، وجلست في صالة الانتظار مع عدد كبير من الحجاج، فُتِحَ باب الطائرة، وتقدَّمت النساء لصعودها، ازداد أملي وأخذ الفرح يَغمرني بقرب دوري لأرتقي الطائرة؛ لعلي أسعَد بسلامة الوصول إلى بلد الرسولصلى الله عليه وسلم. وهنا وما أدراك ما هنا! كنت لا أعلم ما تُخبِّئه لي الأقدار، ولا أتصور أني سأُمنع من الذهاب إلى الحج بعد كل هذه المراحل التي قطعتُها، فبينما أنا أتهيَّأ للصعود؛ إذ توالت عليَّ النداءات، وكثُرت الاتِّهامات، فبدأت أعيش الحسرات، وقعت أسيرًا في يدي مَن لا يرحم، أمسكوا بي، وعلامات الفرح والسرور تَغمرهم، وعلامات الحزن والحِرمان تعلو هامَتي، كل الوساطات باءت بالفشل، وانتهى بي المقام أن أكون في محجر لا يبلغ طوله ١٦٠ سم، فرأسي التصق بالجدار شرقًا، ورجلاي غربًا، ولا يزيد عرضه عن ٨٠ سم: ٤٠ سم منه أستلقي فيها، و٤٠ أقضي حاجتي، وأتوضأ وأغتسل، وأشرب وآكل، وأقف للصلاة فيها، لا تعرف فيه ليلًا ولا نهارًا، يعلم الله أني في عز النهار ووقت الظهيرة لم أرَ كف يدي من شدة ظلامه الدامس، عشتُ عزلة إجبارية، وخَلوة اضطرارية، بدأت أفكر فيمن كان معي قبل القبض عليَّ؛ لأُكمل معهم رحلة السفر في خيالي، رأيتهم وصلوا مطار المدينة المنورة، وأنا أعيش هذه اللحظات رأيت الجنط تدور، وكل جنطة تلتحق بحاملها؛ لتصحبه إلى محل سكناه، إلا جنطتي ليس لها صاحب، تدور يمينًا وشمالًا تبحث عني، وهي لا تعلم أن أقدار الله عز وجل قد حالت دون وصولي، فاستشعرتُها حرةً وأنا سجين، وحاجةً وأنا محروم، تذكرتُ صُحبتها معي، وصبرَها على ما أحمل فيها من متاع، فخاطبتُها ودموعي تسيل حسرة على ما فاتني، وألَمًا لما أصابني، فقلت: يا حاجة وجميلُ الصبر يَتْبعُها هل مِن سبيلٍ إلى لُقياك يَتَّفقُ ما أنْصفتْك دموعي وهْيَ دامِيةٌ ولا وفَى لكِ قلْبي وهْوَ يَحْتَرِقُ حملت هذه الغريبة - جنطتي - أمانات لإخوة سبقوني في الذهاب إلى الحج، فكانت جنطتي أمينة ووفيَّة، لقد أوصلت الأمانات إلى أهلها بعد أن انقطعتْ صحبتنا، وبعد تحمُّل ألوان الأذى وفنون التعذيب، حتى الزبال منهم قد نِلت منه، وبعد ألَم الفِراق لأهلي وأحبَّتي، وقساوة اللقاء بمن أظهر عداوته لي، فأضرَّ بي - أسال الله ألا يذهب الأجر - بعد كل هذا، أحاطت ألطافُ الله بي، وقد أحسَن بي إذ أخرجني من السجن، خرجت من السجن بفضل الله ومنِّه، ووصلت البيت، فسألتهم عن جنطتي، فقالوا: لقد أعادها أحبابُك معهم من الحج، ولم تُفتح إلى الآن، نظرت إليها، واستشعرت ما يقال بحقها - حج مبرور - فخاطبتُها ودموعي واللهِ تسيل حزنًا على حرماني، فقلت: فما حججتُ ولكن حجَّت الجنطة وها هو يوم الذكرى لذلك الفراق الأليم والحزن العظيم، كتبتُ فيه قصتي مع جنطتي! أسال الله ألا يُريكم فقْد الأوفياء، ولا جَفوة الأصدقاء، ولا يُوقعكم في أيدي الأعداء، وأن يُكرمنا وإياكم بحج بيته، وزيارة مسجد نبيه صلى الله عليه وسلم. أخوكم المحروم، ادعوا له لعل الله يُكرمه بالحج..
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |