أوصاف القرآن الكريم (17) {كتابا متشابها مثاني} - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ما أفضل حمية للمصابات بسكر الحمل؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          دليلك الشامل لأنواع السرطان! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          ما لا تعرفه عن أسباب العقم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          العصبية وصحة القلب: هل الغضب يدمّر صحتك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          أعراض مرض الزهري: كل ما تحتاج معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          أطعمة غنية بسكر الفركتوز: هل هي ضارة أم مفيدة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          7 نصائح ذكية حول كيفية الوقاية من داء القطط للحامل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          أسباب وعوامل خطر الإصابة بسوء التغذية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          أطعمة تحتوي على الكربوهيدرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          إنقاص الوزن بعد الولادة: طرق آمنة وفعالة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 02-04-2025, 10:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة : Egypt
افتراضي أوصاف القرآن الكريم (17) {كتابا متشابها مثاني}

أوصاف القرآن الكريم (17)

﴿ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ؛ ﴿ نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الْفُرْقَانِ: 1]، وَتَبَارَكَ ﴿ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا ﴾ [الْفُرْقَانِ: 61]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، وَيَقُولَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَثْمِرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ الْكَرِيمِ؛ فَقَدْ تَصَرَّمَ نِصْفُهُ وَبَقِيَ نِصْفُهُ، وَمَا بَقِيَ خَيْرٌ مِمَّا مَضَى؛ إِذْ فِيمَا بَقِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [الْقَدْرِ: 2-5].

أَيُّهَا النَّاسُ: مِنْ أَوْصَافِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ مُتَشَابِهٌ مَثَانٍ، فَآيَاتُهُ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيُكَمِّلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَا تَنَافُرَ بَيْنَهَا وَلَا تَنَاقُضَ، وَهُوَ كَذَلِكَ مَثَانٍ «لِأَنَّهُ مُكَرَّرُ الْأَغْرَاضِ»، فَتُكَرَّرُ فِيهِ الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي، وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، وَالْقَصَصُ وَالْأَخْبَارُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ؛ لِتَرْسِيخِ مَعَانِيهَا فِي عُقُولِ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَتَكْرَارُهَا يَكُونُ بِصِيَغٍ عِدَّةٍ، وَتَفْصِيلَاتٍ جَدِيدَةٍ، وَمَعَانٍ غَزِيرَةٍ؛ كَمَا سُمِّيَتِ الْفَاتِحَةُ السَّبْعَ الْمَثَانِيَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الْحِجْرِ: 87]، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَهِيَ ‌السَّبْعُ ‌الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ ‌السَّبْعُ ‌الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَسُمِّيَتِ الْفَاتِحَةُ بِالْمَثَانِي؛ لِأَنَّهَا تُكَرَّرُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنَ الصَّلَاةِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَمَلُّ الْمُصَلِّي مِنْ تَكْرَارِهَا، وَهَذَا مِنْ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ.

إِنَّ مَنْ نَظَرَ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ وَجَدَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَخْبَارِهِ وَقَصَصِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ تَكْرَارًا، لَكِنَّهُ بِسِيَاقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، تُحَاصِرُ ذِهْنَ قَارِئِ الْقُرْآنِ فِيمَا يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ؛ لِيَتَأَثَّرَ بِالْقُرْآنِ وَيَعْمَلَ بِمَا فِيهِ:
فَمِنَ الْمَثَانِي فِي الْقَصَصِ وَالْأَخْبَارِ: قَصَصُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؛ آدَمَ وَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَشُعَيْبٍ وَمُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرِهِمْ، فَثُنِّيَتْ فِي سُوَرٍ مُتَعَدِّدَةٍ، تَارَةً بِاخْتِصَارٍ، وَتَارَةً بِإِسْهَابٍ، وَفِي كُلِّ تَكْرَارٍ مَعَانٍ جَدِيدَةٌ، بِحَيْثُ تَكْمُلُ الْقِصَّةُ فِي مَجْمُوعِهَا، وَهِيَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ تُعْطِي مَعْنًى كَامِلًا؛ فَمَثَلًا قِصَّةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تَجِدُهَا مُقْتَضَبَةً فِي بِضْعِ آيَاتٍ مِنْ سُورَتَيِ الذَّارِيَاتِ وَالنَّازِعَاتِ، وَتَجِدُ قِصَّةَ وِلَادَتِهِ وَإِرْضَاعِهِ وَخَوْفِ أُمِّهِ عَلَيْهِ مِنَ الْقَتْلِ، وَحِيلَةَ نَجَاتِهِ فِي سُورَتَيْ طَهَ وَالْقَصَصِ، وَتَجِدُ قِصَّةَ دَعْوَتِهِ لِفِرْعُونَ وَمُنَاظَرَتِهِ وَهَزِيمَتِهِ وَغَرَقِ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ فِي سُوَرِ الْأَعْرَافِ وَالشُّعَرَاءِ وَطَهَ.

وَمِنَ الْمَثَانِي فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ: وَصْفُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ؛ فَإِنَّهُمَا وُصِفَتَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَسُوَرٍ عَدِيدَةٍ، مُجْتَمِعَتَيْنِ وَمُتَفَرِّقَتَيْنِ، بِأَسَالِيبَ مُتَعَدِّدَةٍ؛ لِتَرْغِيبِ قَارِئِ الْقُرْآنِ فِي الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا، وَتَرْهِيبِهِ مِنَ النَّارِ وَعَذَابِهَا، وَكَذَلِكَ وَصْفُ الْقِيَامَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ السُّوَرِ كَالْحَاقَّةِ وَالزَّلْزَلَةِ وَالْقَارِعَةِ، وَالتَّكْوِيرِ وَالِانْفِطَارِ وَالِانْشِقَاقِ وَغَيْرِهَا.

وَمِنَ الْأَوَامِرِ الْمُكَرَّرَةِ كَثِيرًا فِي الْقُرْآنِ بِأَوْجُهٍ مُتَعَدِّدَةٍ: الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ، كَالْأَمْرِ بِإِقَامَتِهَا: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 43]، وَالْأَمْرِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ [الْبَقَرَةِ: 238]، وَالْأَمْرِ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهَا: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 45]، وَالْوَصِيَّةِ بِهَا: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مَرْيَمَ: 31]، وَالدُّعَاءِ لِلنَّفْسِ وَالذُّرِّيَّةِ بِإِقَامَتِهَا: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 40]، وَالْأَمْرِ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا وَالصَّبْرِ فِي ذَلِكَ: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132]، وَالثَّنَاءِ عَلَى مَنْ يَأْمُرُ بِهَا: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مَرْيَمَ: 55]، وَبَيَانِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ فِيهَا؛ لِيَفْزَعَ الْمُؤْمِنُ فِي نَوَائِبِهِ إِلَيْهَا: ﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 39]، وَالثَّنَاءِ عَلَى التَّاجِرِ الْمُحَافِظِ عَلَيْهَا: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ﴾ [النُّورِ: 37]، وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الْكَسَلِ فِي الْقِيَامِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ: ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ﴾ [النِّسَاءِ: 142]، وَذَمِّ مَنْ ضَيَّعَهَا وَتَوَعُّدِهِ بِالْعَذَابِ: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مَرْيَمَ: 59]، وَآيَاتٌ غَيْرُهَا كَثِيرَةٌ عَنِ الصَّلَاةِ فِي سِيَاقَاتٍ أُخْرَى يَطُولُ الْمَقَامُ بِذِكْرِهَا.

وَمِنَ النَّوَاهِي الْمُثَنَّاةِ فِي الْقُرْآنِ: أَيِ: الْمُكَرَّرَةِ بِأَسَالِيبَ مُنَوَّعَةٍ؛ النَّهْيُ عَنِ الزِّنَا، وَبِدَايَاتِهِ؛ بِبَيَانِ ضَعْفِ الرَّجُلِ أَمَامَ شَهْوَتِهِ لِلنِّسَاءِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ فِي تَشْرِيعَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ لِإِغْلَاقِ أَبْوَابِ الْفَوَاحِشِ: ﴿ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النِّسَاءِ: 27-28]، وَالْأَمْرُ بِغَضِّ الْبَصَرِ، وَحِفْظِ الْفَرْجِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَرِيدُ الْقَلْبِ؛ فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ حَفِظَ فَرْجَهُ: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ [النُّورِ: 30]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى يَأْمُرُ النِّسَاءَ بِذَلِكَ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ بِإِخْفَاءِ زِينَتِهِنَّ: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النُّورِ: 31]، وَضَبْطُ حُرْمَةِ الْبُيُوتِ لِئَلَّا تَقَعَ الْأَبْصَارُ عَلَى النِّسَاءِ وَالْعَوْرَاتِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ [النُّورِ: 27]، وَالْأَمْرُ بِالزَّوَاجِ لِأَجْلِ الْعَفَافِ: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾ [النُّورِ: 32]، وَالثَّنَاءُ عَلَى مَنْ حَفِظَ فَرْجَهُ، وَذَمُّ مَنْ لَمْ يَحْفَظْهُ: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 5-7]، وَالنَّهِيُ عَنْ مُجَرَّدِ قُرْبَانِ الزِّنَا وَذَمُّهُ: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 32]، وَتَبْشِيعُ الزِّنَا وَتَقْبِيحُهُ وَتَحْرِيمُهُ: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النُّورِ: 3]، وَبَيَانُ عُقُوبَتِهِ فِي الدُّنْيَا لِلتَّنْفِيرِ مِنْهُ: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النُّورِ: 2]، وَآيَاتٌ سِوَاهَا فِي سِيَاقَاتٍ أُخْرَى يَطُولُ الْمَقَامُ بِذِكْرِهَا.

فَالْقَضَايَا الْمُهِمَّةُ لِلْبَشَرِيَّةِ مُثَنَّاةٌ فِي الْقُرْآنِ؛ أَيْ: مُكَرَّرَةٌ؛ لِتَكُونَ عَلَى الدَّوَامِ مَعَ قَارِئِ الْقُرْآنِ فَلَا يَغْفُلُ عَنْهَا، وَقُرَّاءُ الْقُرْآنِ فِيهِمْ عَوَامُّ وَأُمِّيُّونَ لَا يَقْرَؤُونَ وَلَا يَكْتُبُونَ، وَلَا يَحْفَظُونَ إِلَّا قِصَارَ السُّوَرِ؛ فَيَجِدُونَ فِيهَا أَوَامِرَ وَنَوَاهِيَ، وَوَعْدًا وَوَعِيدًا، وَإِشَارَةً إِلَى قَصَصٍ وَأَخْبَارٍ؛ لِئَلَّا يُحْرَمُوا مِنْ مَوْضُوعَاتِ الْقُرْآنِ الْكُبْرَى الَّتِي فِيهَا صَلَاحُ حَيَاتِهِمْ وَمَعَادِهِمْ.

هَذَا؛ وَإِنَّ انْتِفَاعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقُرْآنِ بِحَسَبِ مَا يُعْطِيهِ مِنْ وَقْتِهِ وَجُهْدِهِ وَعَقْلِهِ وَعَمَلِهِ؛ ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النِّسَاءِ: 82].

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّكُمْ فِي لَيَالٍ عَظِيمَةٍ يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقُرْآنِ فِي التَّرَاوِيحِ، وَتَتْلُونَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَتَفَكَّرُوا فِيهِ وَتَدَبَّرُوا، وَأَصْلِحُوا بِهِ قُلُوبَكُمْ، وَزَكُّوا بِهِ أَعْمَالَكُمْ؛ فَإِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّكُمْ حِينَ تَتْلُونَهُ أَوْ تُنْصِتُونَ لَهُ؛ فَإِنَّكُمْ تُنَاجُونَ بِهِ رَبَّكُمْ سُبْحَانَهُ.

وَبَعْدَ لَيَالٍ مَعْدُودَةٍ تَدْخُلُ عَلَيْكُمْ عَشْرُ رَمَضَانَ الْأَخِيرَةُ، الَّتِي فُضِّلَتْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِيهَا يَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ الْعَظِيمَةَ، وَكَانَ يَجِدُّ وَيَجْتَهِدُ فِيهَا مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ»، فَأَرُوا اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا تَجِدُوا خَيْرًا.

وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الِاعْتِكَافِ فَنِعِمَّا هِيَ؛ امْتِثَالًا لِلسُّنَّةِ، وَالْتِمَاسًا لِتِلْكَ اللَّيْلَةِ، قَالَ الْإِمَامُ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «عَجَبًا لِلْمُسْلِمِينَ تَرَكُوا الِاعْتِكَافَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْهُ مُنْذُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، كُلَّ عَامٍ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى»، وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: «مَثَلُ الْمُعْتَكِفِ كَمَثَلِ عَبْدٍ أَلْقَى نَفْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ، ثُمَّ قَالَ: رَبِّ لَا أَبْرَحُ حَتَّى تَغْفِرَ لِي، رَبِّ لَا أَبْرَحُ حَتَّى تَرْحَمَنِي».

وَمَنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الِاعْتِكَافُ فَلْيُحَافِظْ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَلْيَجْتَهِدْ فِي الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَا اسْتَطَاعَ؛ فَإِنَّ الرِّبْحَ فِيهَا كَثِيرٌ، وَالْفَوْزَ بِهَا عَظِيمٌ، وَالْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ فِيهَا.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 79.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 78.07 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]