|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الحياة الاجتماعية في الإسلام محمد سلامة الغنيمي كان العرب قبل القرآن عبارة عن قبائل متفرقة متنازعة، تسود فيهم العصبية القبلية والهمجية البدوية، فتقوم الحروب بينهم على أتفه الأسباب، تنتشر بينهم الأمية ويتفشى فيهم الجهل، وكان الرق جزءاً أساسياً في حياتهم، يسخرونهم الأغنياء لخدمتهم ويستعملونهم في تجاراتهم، ليس لهم حقوق، وليس هناك قوانين وأسس تحكم العلاقة بين الخادم والسيد، فكل سيد يعامل خادمه كيف يشاء. وكان لديهم بعض العادات الاجتماعية السيئة مثل التقليل من شأن المرأة واحتقارها، فكانت زوجة الأب تورث مثلها مثل سائر الحيوانات والماديات، وانتشرت بينهم عادة وأد البنات وهى دفنهم أحياء، فضلاً عن التشاؤم والطيرة خاصة من الأنثى. وانتشرت بينهم الكثير من السلوكيات الخاطئة، مثل شُرب الخمر وكانوا يحبونها حباً جماً، وكذلك الميسر فكانوا يراهنون ويقامرون، وبجانب ذلك ساد فيما بينهم التعامل بالربا. فجاء القرآن الكريم بنهج اجتماعي أخلاقي، كان من نتائجه توحد تلك القبائل المتناثرة المتناحرة في قالب الأخوة الإسلامية، وأزال الفوارق الاجتماعية، وجعل الأفضلية للأتقى، وأكرم المرأة وأعطاها حقها أُماً وزوجة وبنتاً وأختاً، وألغى العادات والسلوكيات الجاهلية الأثمة، مثل وأد البنات والتعامل بالربا وشرب الخمر ولعب الميسر فسار المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضهم بعضاً، فتعاونوا على نصرة الدين، فسادوا العالم أكثر من ألف عام، وحضارتهم هي الحضارة الباقية الخالدة إلى يوم القيامة، في حين أن جميع الحضارات القديمة ولت واندثرت مع مرور الأيام، ولم يبقى منها إلا أطلال خاوية، وأثاراً بالية. والأن ما هي القواعد والأسس الاجتماعية التي يرتكز عليها المنهج الإسلامي في الحياة الاجتماعية، التي ربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها صحابته، فكان منهم ما كان، حتى نربى أبنائنا عليها. العدالة الاجتماعية: من أهم المبادئ التي أرساها الإسلام والتي يقوم عليه المجتمع الإسلامي، والأسس التي تؤسس عليها العلاقات بين أفراد المجتمع المسلم، والعدل هو المعيار الذى يدرك من خلاله مدى ثبات المجتمع واستقراره، فالمجتمع الذى يتفشى فيه الظلم وتضيع فيه الحقوق وتغيب بين أفراده الواجبات، فهو مجتمع جاهلي فوضوي، حيث يتسم أفراده بهيجان النفس واضطراب القلب وشرود الفكر وذهاب العقل من جراء الخوف والظلم وعدم الشعور بالاستقرار والأمن، فيسود بينهم النزاع والشقاق وتتفشى فيهم الجريمة وكل ذلك من أمارات خراب المجتمعات وذهابها، فما قامت الصراعات والثورات وتغيرت الحكومات والأنظمة السياسية والاجتماعية إلا نفوراً من الظلم وبحثاً عن العدل. أما المجتمع الذى يسود فيه العدل وتعرف فيه الحقوق وتؤدى فيه الواجبات فهو مجتمع يتسم بالثبات والاستقرار، حيث تسكن فيه النفوس، وتطمأن فيه القلوب فتهدأ فيه الضمائر وتهتدى فيه العقول، لشعورهم بالأمان والاستقرار، مما يؤدى إلى رخاء وازدهار ذلك المجتمع، لأنه لا ثبات ولا تقدم إلا بالأمن والاستقرار، ولا أمن ولا استقرار إلا بالعدل، وكما قيل: "إن الله يقيم الدولة الكافرة مع العدل، ويهلك الدولة المسلمة مع الظلم". لذلك عنى الإسلام بالعدل، وجعله حقاً للجميع مع الطبقات والفئات والأشخاص، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)[النساء: 135]. فلا فرق بين الغنى والفقير والصغير والكبير والصالح والطالح والضعيف والقوى والكافر والمسلم والحاكم والمحكوم والحقير والعظيم والعدو والصديق... فالكل في ميزان العدل سواء، روت عائشة... قال -تعالى-: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحديد: 25]. المساواة الاجتماعية: المساواة تعنى: المماثلة والمتشابه في القدر والقيمة، فالمساواة بين اثنين تعنى أن لهم نفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات، ولا فرق بينهم، وعكسها الظلم والاستبداد. فالمساواة الاجتماعية من أهم المبادئ التي ينادى بها الاجتماعيين والتربويين فهي القاعدة التي تحفظ للبشر حقوقهم، فمن يريد التميز في ظل مجتمع تغيب فيه المساواة ويسوده التمييز الطبقي والتعصب العرقي فلن يجد النور؛ لأن مثل هذا المجتمع تُقتل فيه المواهب وتضعف فيه القدرات، فالظلم الاجتماعي يؤثر تأثيراً كبيراً على سلوك وأخلاق أفراد المجتمع، فالمجتمع الذى تغيب فيه المساواة الاجتماعية، ويعلوه الظلم ويسوده القهر والاستبداد لفئة دون فئة، يُنشأ أفراد يتسمون بالجبن، والاستهتار واللامبالاة وعدم الانتماء، لانهم لم يحصلوا على حقوقهم ولم يتلقوا فرصتهم، فقُتلت بداخلهم المواهب والقدرات الشخصية، وتاهت الطموحات، وكل هذا مبرر كاف لانتشار الرذائل في هذا المجتمع. ومن ثم جاء الإسلام في أُمة تتسم بالتعدد الطبقي، سادة، وفقراء، ونساء وعبيد، ويسود الظلم بين هذه الطبقات، فالحقوق كلها موكولة إلى طبقة السادة، أما الفقراء فلا حق لهم سوى دريهمات معدودة نظير خدمتهم للطبقة الأولى، والعبيد لا يملكون أي حقوق فهم ملك لسيدهم يحق له التصرف فيهم كيفما شاء، ولا يخفى على أحد موقف المرأة في العصر الجاهلي، وكان العرب مع ذلك يرون أنهم أكمل شعب على الإطلاق وأن بقية الشعوب التي سموها بالأعاجم، هي شعوب وضيعة ناقصة. ولما قام المجتمع الإسلامي، أزال التعدد الطبقي، وألغى الفوارق الاجتماعية وساوى بين الناس جميعاً، قال - تعالى -: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء: 70]. فالتكريم حاصل لجميع البشر، فجنس الإنسان مكرم عند الله فلا تفرقة بين قبيلة وأخرى، ولا بين جنس وآخر، ولا سلالة وأخرى، ولا فرق على أساس اللون أو الجاه أو اللغة فالكل سواء، فلا يترك الإسلام لجماعة أن تستعلى وتترفع على جماعة أخرى، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]. فالأصل واحد وهو آدم -عليه السلام-. ومن مظاهر المساواة في الإسلام: تحقيق العدل مع كل الطبقات والأشخاص، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)[النساء: 135]. وروت عائشة: أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أُسامة بن زيد حِب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه أسامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتشفع في حد من حدود الله؟)) ثم قام فاختطب، ثم قال: ((إنما أُهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها))[[1]]. رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلن المساواة والعدل حتى ولو أدى إلى قطع يد ابنته، فالكل في الثواب والعقاب سواء؛ لا فضل لمخزومي على أعرابي. ومن مظاهرها أيضاً: المساواة في الحقوق الواجبة عليهم تبعاً لقدراتهم واستطاعتهم، قال -تعالى-: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا * وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا)[الطلاق: 6-7]. بذلك نرى أن الإسلام أتاح للجميع نفس الفرص ونفس الظروف، فما هو معيار التفاضل في الإسلام؟ وهل يستوى من جد واجتهد مع من تبلد وركن إلى هواه وشهواته؟ بل من أوضح مظاهر المساواة أن وضع الإسلام للتفاضل بين الناس، لا يجرى فيما لا يملكه الإنسان كالخلق والتكوين، وإنما يندرج ضمن قدراته واستعداداته، كأداء العبادات وفعل الخيرات وطاعة الله ورسوله فكلها أعمال يستطيع كل إنسان القيام بها، فوجه التفاضل فيها بحسب أداء كل شخص لها، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات: 13]. كما حث القرآن الجميع على التسارع والتسابق في فعل الخيرات، لينال كل منهم جزائه على حسب عمله وأدائه، قال - تعالى -: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[أل عمران: 133]. وقال تعالى-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد: 21]. وقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)[الكهف: 30]. فهكذا مع المساواة والعدالة الاجتماعية أتيحت الفرص أمام الصحابة جميعاً فظهر تفوقهم ونبوغهم، كلاً حسب إمكاناته وقدراته، فتولى بلال المولى الحبشي الأسود مهمة الأذان لأنه الأندى صوتاً، وتولى زيد بن حارثة قيادة الجيش في مؤتة لأنه الأصلح، ثم تولى من بعده ابنه أُسامة قيادة الجيش في تبوك ولم يتجاوز سنه السابعة عشر لأنه الأجدر بالمهمة، ولما طلب أبو ذر الإمارة رده النبى - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها أمانة وليس كفؤ لها، وعزل أبو بكر أمين الأمة أبو عبيده وولى خالداً لأن له فطنة في الحرب ليست في أبى عبيده، وكان منهم الاقتصادي الذى يسيل المال الحلال بين يديه كالماء مثل عبد الرحمن بن عوف، وعثمان ابن عفان، وكان منهم القائد الفذ الذى تدرس أفكاره وخططه حتى الأن مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وكان منهم الإداري العبقري مثل عمر بن الخطاب، وهكذا نبغوا وتفوقوا في جميع المجالات. لذلك وجب علينا أن ننشر العدل والمساواة فيما بيننا، وقد أوضحنا خطورة الظلم على المجتمع عامة، فكل من ولاه الله أمراً مهما كان حجمه فليتق الله ولينشر العدل فيه فالوالد في بيته، والمعلم في فصله والمدير في إدارته والموظف في مكتبه، وهكذا في كل الأوساط، حتى تتاح الفرص أمام الجميع وينتشر الخير ويعم الرخاء. وما الإرهاب وغيره من الجرائم الاجتماعية، إلا نتيجة للظلم الاجتماعي والتمييز بين الأفراد بناءَ على معايير آثمة ظالمة، حيث ينشأ الصغير في أسرة تفضل أحد أبنائها على غيره لصغر سن الآخر أو لجمال سمته، فيشعر معه بالقهر والإحباط، وبعد دخول المدرسة، يجد مُدرسه يهتم بأحد الأولاد ويوليه رعاية واهتمام أكثر من غيره من الأولاد إما لأنه ابن لزميل له، أو يأخذ معه درس خصوصي أو أنه ابن شخص لامع اجتماعيا، كما يجد أن من هو أقل منه تحصيلاً علمياً تفوق عليه في الدرجات بسبب الغش، وبعد أن يتم تعليمه الثانوي ويلتحق بالجامعة، يجد أن الفرصة الوحيدة للعمل بالجامعة والترقي في الدرجات العلمية والوظيفية لا بد أن يكون ابناً لاحد الأساتذة الموجودين بكليته، وبعد أن يتخرج هذا الشاب، لا يجد أمامه من فرص العمل إلا بعض الاعمال الدنيوية التي ليست لها علاقة بمجال تخصصه الدراسي في حين أن الوظائف المرموقة قاصرة على من لديهم المال أو المنصب " الجنيه أو الكارنيه"، وهذا هو التعبير السائد بين الشباب، وإذا تغلب الشاب على كل هذه المعوقات وأراد أن يكون أسرة وجد أمامه عدة عراقيل ومثبطات منها أن التسهيلات والمشاريع التي تقوم بها الدولة للشباب من أجل الحصول على سكن لا ينالها إلا أصحاب النفوذ، بالإضافة إلى غلاء الأسعار وارتفاع المهور......، فبالله عليكم ماذا سيكون مثل هذا الشاب؟ يصبح مثل هذا الشاب أمام أعداء الدين والوطن فيسهل عليهم توظيفه لمصالحهم وأهدافهم. فإذا كنا نريد مجتمعاً إسلامياً كمجتمع الصحابة، علينا أن نرسخ مفهوم المساواة في أذهان أبنائنا قولاً وعملاً، ونكون لهم خير قدوة، ويجب ألا ننس هذه المقولة: "إن الله يقيم الدولة الكافرة مع العدل، ولا يقيم الدولة المسلمة مع الظلم". الإخاء: بعد أن سرب الإسلام الطمأنينة إلى أفراد المجتمع بإشاعة المساواة بينهم وإقامة العدل فيهم وجعل التفوق والتميز نظير العمل فمن آمن وصدق قوله عمله وسلم الناس من غوائله ليس كغيره، ومن جد واجتهد في طلب العلم ليس كغيره عند الله، قال - تعالى -: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[المجادلة: 11]. حينئذ استقرت النفوس واطمأنت القلوب واهتدت العقول، ومع ذلك فكان لابد من ربط أبناء المجتمع المسلم، برابطة تعبر عن روح الإسلام في الوحدة والاجتماع وحرصه على نبذ التعصب والتفرق، رابطة ثابتة مستقرة لا تتغير بتغير الزمن ولا تتأثر بتداخل الثقافات، ليست اشتراكية، ولا رأسمالية..... وإنما هي رابطة إسلامية ربانية. قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات: 10]. والأخوة التي اختارها الإسلام إخوة مبادئ لا أخوة نسب؛ لأنها أقوى وأوثق من رابطة النسب؛ فهي التي جمعت بين " صهيب الرومي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي" وبين أبناء شبه الجزيرة العربية على اختلاف اتجاهاتهم القبلية" روم وحبشة وفرس وعرب "، أجناس وأوطان وألوان وعادات ومناهج وطباع وغرائز واتجاهات، فضلاً عن اختلاف الرؤى التي ينظر كل طرف من خلالها إلى الآخر، بين " الفرس و الروم " عداء منقطع النظير، و الفرس والروم ينظرون إلى العرب نظرة استقلال فهم يرون أن العرب " بدو همج " لا يستطيع أحد العيش معهم، فلم تحاول دولة واحدة منهم غزو العرب رغم سهولة ذلك، وفى الاتجاه الآخر نرى العرب أنفسهم يظنون أنهم خير الأجناس، وأن لهم السيادة على البشر. رغم كل هذه العوائق والتي يستحيل أن يقضى عليها ويمحى أثرها إلا الأخوة الإيمانية تلك الرابطة التي أزالت ومحت الفوارق العنصرية والعرفية، فلا " أبيض وأسود " ولكن " مؤمن وغير مؤمن " فردت الجميع إلى الأصل " آدم وحواء "، فهما الذى جاء منهم البشر جميعاً ومن ثم فكلهم متساوون، وتكون الأخوة بينهم على حسب إدراك كل منهما للدور الذى خلق الله آدم وحواء من أجله وهى عبادة الله وعمارة الأرض. وتلك الرابطة إنما هي نعمة من الله وفضل منه؛ لأنها تتعلق بالروح والقلب، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء، فلا يستطيع أحد أن يشتريها ولا يأتي بمثلها، قال -تعالى-: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الانفال: 63]. وقد تفوقت هذه الأخوة على أخوة النسب، بحيث لانسب ولا قرابة أمام الأخوة الإيمانية، فهذا أبو بكر الصديق. ومن هنا يقول: أنه لن تقوم الأمة الإسلامية، وتعود إلى ريادته ومكانتها التي كانت عليها، ولن تكون لها منعه وقوة علمية وحربية واقتصادية وفكرية وتجارية و.. و.. إلا بالعودة إلى الأخوة الإسلامية والانضواء تحت رايتها، فضلاً عن إدراكنا أن ما شاع بين المسلمين من نزاعات وقوميات وحدود وجنسيات إنما هي دعاوى هدم لا إصلاح، دعاوى تفريق وتشتيت لا تلاحم وترابط قام بها أعداء الإنسانية لبعثرة وحدتها وضياع هيبتها. وقد جعل الإسلام لهذه الأخوة مقومات تفضى إلى المحبة والوحدة وتبيد وتمنع كل عوامل النزاع والكره. المقصود من الإخاء في هذا الباب هو أن يتأخى مجموعة من الناس في العقيدة، قال -تعالى-: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الانفال: 63]. كان الصحابة قبل الإسلام عبارة عن قبائل متناحرة متنازعة، فقد كان بين الانصار " الاوس والخزرج " حروب طويلة دامت لسنوات عديدة، وكانوا يحملون لبعضهم البعض من الكره والبغض ما يستحيل معه زواله لو كان على يد بشر، إلا أن الإسلام آخى بين الجميع أوس وخزرج، أنصاراً ومهاجرين، قال -تعالى-: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)[الحجر: 47]. وقال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات: 10]. وقال -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[أل عمران: 103]. وقد عمق النبى -صلى الله عليه وسلم- هذا المبدأ في نفوس المسلمين، بجملة من الأقوال والسلوكيات، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث بن عمر: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجه أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"[[2]. ومنه أيضاً قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أنس: "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ فقال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره"[[3]]. ومنه ما رواه أبو هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تهادوا تحابوا"[[4]]. وايضاً عن أنس قال: "يا بني! تبادلوا بينكم؛ فإنه أودّ لما بينكم"[[5]]. وهكذا كان يتعامل المسلمون مع بعضهم البعض على أساس هذا المبدأ، فكان الواحد منهم يسعى إلى مرضاة أخيه، بل ولديه استعداد إلى أن يضحى بماله بل وبنفسه من أجل أخيه، فكانوا كالجسد الواحد يتألم بعضهم لتألم البعض الأخر، فكانوا خير قدوة وخير مثال في العلاقات الاجتماعية. مقومات الأخوة الإيمانية: إذا فقدت الأخوة الأساس الذى تقوم عليه، والذى يمدها بالثبات والاستقرار، والذى يعمل على تدعيمها وترسيخها كمبدأ من مبادئ التربية الاجتماعية، لأصابها الذبول وولت مدبرة مع أبطئ ريح، لذلك وضع الإسلام لها مقومات تدعمها وترسخها وتثبت أركانها. 1. المحبة والولاء: الولاء يعنى حب الله ورسوله والمؤمنين الموحدين ونصرتهم، فكل مسلم يجب عليه حب المؤمنين وموالاتهم ونصرتهم، ومن لم يفعل ذلك ووالى الكفار بالحب أو التقليد أو المحاكاة، فقد نقص إيمانه، قال - تعالى -: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ)[المائدة: 80]. فلا يمكن أن تتحقق الأخوة إلا إذا أحب المسلم أخاه المسلم محبة صادقة تصدر من القلب، قال - تعالى -: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 71]. ولأهمية الحب في قيام المجتمع المسلم، جعله الله -تعالى- شرط من شروط الإيمان، قال - تعالى -: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)[المائدة: 81]. كما جعله النبى - صلى الله عليه وسلم - أوثق عرى الإيمان، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله))[[6]]. وقال أيضاً - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[[7]]. هكذا قرن النبى -صلى الله عليه وسلم- المحبة بين المسلمين بمحبتهم أنفسهم، كما أنها سبب لتذوق حلاوة الإيمان وهذا من أكمل دواعي الحب، قال: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار))[[8]]. والأحاديث في الباب كثيرة. وطالما توافر هذا المبدأ في مجتمع ما فماذا تجد منهم؟ فمثلهم سيعملون على إرضاء بعضهم البعض، وبالتالي فلن تجد هناك شقاق أو خلاف، وإنما سيتفرغوا لنصرة دينهم وأوطانهم، كما فعل صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد سادو العالم في فترة لا تكاد تذكر. إذاً فلا سبيل إلى استقرار وتنمية في العلاقات الاجتماعية إلا بنشر المحبة بين صفوف المجتمع، الكل يعمل للكل، والكل يكمل الكل، محبة صادرة من الضمير، نابعة من القلب؛ لأنه يرجوا بها ابتغاء مرضاة الله -عز وجل-، لذك لن يشوبها المراء والمداهنة، بل هي صافية نقية خالصة ومن هنا كان لزاماً علينا أن نكون خير قدوة لأبنائنا، وأن نلقنهم القصص والمواقف التي تشير إلى تلك المحبة وفضلها، وأن نجنبهم المنافسات التي تثير الشحناء والبغضاء فيما بينهم. 2. الإيثار: وهو أن يؤثر غيره بالشيء مع حاجته إليه، وضده الأثرة: وهى استئثاره عن أخيه بما هو محتاج إليه، وعرفه الجرجاني في التعريفات: أن يقدم غيره على نفسه في النفع له والدفع عنه، وهو النهاية في الأخوة. والإيثار من الفضائل التي امتاز بها الإسلام دون غيره من الشرائع، فهو أرفع درجات السخاء، وأقوى دعائم ومقومات الأخوة الإيمانية، فهو مؤشر بقوة المحبة والإخوة، وعمق العلاقات الاجتماعية، وقوة التماسك الاجتماعي، فالإيثار ضد الأنانية، وحب الذات، والتي بدورها معول من معاول هدم العلاقات الاجتماعية وتفريقها، والتي تسربت وانتشرت داخل مجتمعنا الإسلامي، مهددة له بالتفكك والتمزق، زرعها الغرب وترك رعايتها للرأسماليين والعلمانيين، لذلك يأتي دور الإيثار حتى تعود الأخوة الإيمانية والترابط والتماسك الاجتماعي داخل الحضر، الذى أصبح التفكك سمة من سماته، فلنربي أبنائنا على الإيثار، كما تربى الجيل الاول عليه. فقد مدح الله-- تبارك وتعالى - الأنصار الذين أثرو المهاجرين على أنفسهم برغم ما كان بهم من فقر وحاجة، فقد أثروهم بالأموال والأولاد والدور، لذلك بشرهم الله - تعالى -بأسمى بشارة يبشر بها إنسان، وهو الفلاح، وهذا الفلاح ليس قاصراً على الدنيا فقط بل يتعداه ليشمل الآخرة ايضاً، قال - تعالى -: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)الحشر: 9]. وليس الفلاح خاص بهم مقصوراً عليهم، بل يمتد ليشمل كل من اقتفى أثرهم وسار على دربهم واتبع نهجهم، قال - تعالى - في الآية التالية: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)الحشر: 1]. وقال - تعالى -: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله عنهم وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة: 100 يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |