
10-02-2021, 03:45 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,486
الدولة :
|
|
مواقف من حُسن تبعّل النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه
مواقف من حُسن تبعّل النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه
محمد شعطيط
يعد الهدي النبوي خير الهدي وأفضله وأحسنه وأكمله وأكثره رحمة ورقة وعذوبة وجمالاً فيما يخص علاقته بأزواجه؛ فقد جاء هدياً وسطاً بين المغالين والجافين؛ بين من يسعى إلى تسليع المرأة وإخراجها من عفتها وطهارتها واتخاذها خليلة يجدها أينما حل وارتحل، وبين من يريد أن يسلبها حقوقها التي منحها لها الشارع الحكيم.
فجاء الهدي النبوي فردّ للمرأة إنسانيتها وحفظ كرامتها بالأفعال لا بالأقوال، بالتشريعات الحكيمة لا بالشعارات الجوفاء.
ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة. فقد كان مثالاً حياً لما أراد الشارع للعلاقة بين الأزواج أن تكون.
كان قرآناً يمشي بين الناس، ويكفيه هذا الوسام الرفيع من العليم السميع: (وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4].
بين الحقوق والواجبات:
في مجتمعنا المسلم صنفان من الناس:
- صنف لا يذكر المرأة إلا ذكر آية القوامة: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)[النساء: 34].
وأحاديث السمع والطاعة: ((لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها))[1].
وأحاديث خلق المرأة من ضلع أعوج... وغيرها من النصوص التي يساء فهمها ولا يرجع فيها إلى الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويل الأحاديث وبيان ما أشكل منها.
- وصنف آخر قد تشرّب فكر الغرب ومنهجه، فالخير عنده ما جاء من هناك، مع أن المرأة الغربية أضحت في الغالب دمية وآلة لهو وسلعة وأداة إشهار، فلذلك تجدها شبه عارية على الجداريات وفي وسائل الإعلام وفي الإدارات وغيرها، إلا من رحم ربك.
والحق في المنطقة الرمادية بين هؤلاء وأولئك.. أما الصنف الأول فنقول لهم بكلام مختصر: إن الشارع الحكيم الذي أمر المرأة بطاعة زوجها وأعطى للرجل القوامة، هو نفسه الذي قال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ)[النساء: 19].
وقال -سبحانه-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْـمَعْرُوفِ)[البقرة: 228].
وقال كما في الأحاديث الشريفة: ((استوصوا بالنساء خيراً))[2].
((اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله))[3].
((اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة))[4].
وللصنف الثاني نقول: ليس الغرب وحده من أعطى المثال في حسن التعامل مع المرأة، بل لم يعرف الغرب إكرام المرأة، حتى اختلط بالمجتمع المسلم بعد الفتوحات الإسلامية، خصوصاً في الأندلس، وهذا مبسوط في كتب التاريخ وعلم الاجتماع والسياسة لمن أراد الرجوع إليه، بل إن "الحقوق" المزعومة التي حصلت عليها المرأة في الغرب إنما انتزعتها انتزاعاً، وقد جاءتها في الشرع على طبق من ذهب دون أن يعرق لها جبين.
وما حصل من تراجع في حقوقها في زمن الانحطاط فهو عام لجميع الأصناف وعلى كافة المستويات؛ فالتخلف لم يترك مجالاً إلا وأصاب منه.
فحق التصويت مثلاً لم يمنح للمرأة إلا في سنة 1893 في نيوزيلندا.
أما في أمريكا فلم يتم تفعيل حق المرأة في التصويت على المستوى القومي إلا في سنة 1920م.
وقد كانت المرأة في صدر الإسلام تشارك في البيعة كما في العقبة الأولى والثانية، ولها حق التصرف في مالها بيعاً وشراء وهبة وصدقة.
حُسن تبعّل النبي بأزواجه:
وقبل أن نمر إلى مواقف من حُسن تبعل النبي الكريم بأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، تجدر الإشارة إلى مادة "بعل" كما وردت في لسان العرب: البعل الزوج، وتبعلت المرأة: أطاعت بعلها. وتبعلت له: تزينت.
وامرأة حسنة التبعل إذا كانت مطاوعة لزوجها محبة له.
وفي حديث أسماء الأشهلية - خطيبة النساء -: ((إذا أحسنتن تبعل أزواجكن)) أي مصاحبتهم في الزوجية والعشرة.
والبعل والتبعل: حسن العشرة من الزوجين.. ا. هـ بتصرف[5].
وأقف عند هذه العبارة الأخيرة، فهي بيت القصيد، فليس حسن التبعل مقتصراً على النساء دون الرجال، بل هدي النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - يزيد هذا الأمر تجلياً ووضوحاً، وفي الأثر عن ابن عباس ترجمان القرآن - رضي الله عنهما -: "إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله -تعالى- يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)".
فإلى هذه الدرر البهية، والجواهر النبوية، مع حسن التدبر والتفكر:
1 - تلطفه وتودّده لأهله حتى في مأكلهن ومشربهن:
وليس هذا فحسب، بل ملاطفته لهن بإشارات هي غاية في الذوق والأدب وحسن التبعل، تقول عائشة - رضي الله عنها -: "كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي فيضع فاه على موضع فيَّ، وأتعرّق العرْق[6] وأنا حائض ثم أناوله النبي فيضع فاه على موضع فيّ"[7].
وفي حديث آخر عن منصور ابن صفية، أن أمه حدثته أن عائشة - رضي الله عنها – حدثتها: "أن النبي كان يتكئ في حجري وأنا حائض، ثم يقرأ القرآن"[8].
فرغم مكانته وكثرة مسؤولياته لم يمنعه ذلك من مجالسة نسائه ومآكلتهن رضي الله عنهن أجمعين.
2 - امتداحه زوجاته وإظهار مكانتهن:
فعن أنس أنه قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: بنت يهودي. فبكت، فدخل عليها النبي وهي تبكي، فقال لها: ((مَا يُبْكِيكِ؟)) فقالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهودي. فقال النبي: ((إِنَّكِ لابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِي، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ[9]، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟)) ثم قال: ((اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ))[10].
3 - التودد إليهن ومعاشرتهن بالمعروف:
فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فيدنو من إحداهن[11].
والتي يدنو منها هي التي حان يومها كما في الرواية الأخرى عن عائشة - رضي الله عنها - أيضاً: "قلّ يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس - وقاع - حتى يبلغ إلى التي هو يومها، فيبيت عندها"[12].
والشاهد هنا هو هذا الدنو النبوي والمودة والرحمة.
وذات مرة استأذن أبو بكر على النبي فسمع صوت عائشة -رضي الله عنها- عالياً، فلمَّا دخل تناولها ليلطمها، وقال: لا أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله. فجعل النبي يحجزه، وخرج أبو بكر مُغضباً، فقال النبي حين خرج أبو بكر: ((كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟!)) فمكث أبو بكر أياماً، ثم استأذن على رسول الله، فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما. فقال النبي: ((قَدْ فَعَلْنَا، قَدْ فَعَلْنَا))[13].
وعن أنس أن صفية -رضي الله عنها- خرجت مع رسول الله في سفر، فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله وهي تبكي وتقول: حملتني على بعير بطيء. فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها ويسكِّتها[14]. صلى الله على الرحمة المهداة.
4 - مراعاة غيرتهن:
فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله؟ أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرة قد أكل منها ووجدت شجراً لم يؤكل منها في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: ((في الذي لم يرتع منها)) تعني أن رسول الله لم يتزوج بكراً غيرها[15].
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبي عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين، مع خادم، بقصعة فيها طعام فضربت بها الحائط، فسقطت القصعة فانفلقت، فأخذ النبي فضم الكسرتين، وجعل فيها الطعام ويقول: ((غارت أمكم غارت أمكم)) ويقول للقوم: ((كلوا)) وحبس الرسول حتى جاءت الأخرى بقصعتها، فدفع القصعة الصحيحة إلى رسول التي كسرت قصعتها، وترك المكسورة عند التي كسرت[16].
5 - مشاورتهن والأخذ برأيهن:
لا كما اشتهر عند عامة الناس: شاوروهن وخالفوهن، وهو حديث مكذوب على النبي، بل الثابت من سنته خلاف ذلك، فإنه حين فرغ من قضية الكتاب في صلح الحديبية قال لأصحابه: “قوموا فانحروا، ثم احلقوا“. قال الراوي: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة -رضي الله عنها-: يا رسول الله أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام، فخرج، فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر هديه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق لبعض حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً[17].
6- السمر معهن:
وفيه حديث أم زرع الطويل الذي جلست عائشة - رضي الله عنها - تقصه على النبي وهو يصغي إليها، ثم جعل النبي الكريم نهاية القصة هذه الكلمة الرقيقة اللطيفة: كنت لك كأبي زرع لأم زرع[18]. زاد غير البخاري: غير أني لا أطلقك.
وردت عائشة - رضي الله عنها - في بعض الروايات: بأبي أنت وأمي، لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع.
وفي معرض استخلاص فوائد الحديث قال الإمام ابن حجر - رحمه الله -: وفي هذا الحديث.. حسن عشرة المرء أهله بالتأنيس والمحادثة بالأمور المباحة.. وفيه المزح أحياناً وبسط النفس به ومداعبة الرجل أهله وإعلامه بمحبته لها.. وجواز الانبساط بذكر طرف الأخبار ومستطابات النوادر تنشيطاً للنفوس[19].
فلا تبخل -أخي الكريم- على زوجك بكلمة تطمئن بها خاطرها وتطيب قلبها وتجدد بها معاني المودة والرحمة تأسياً بنبيك وحبيبك.
وقد بوب البخاري -رحمه الله- حديث أم زرع بقوله: باب حسن المعاشرة مع الأهل.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|