التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنّة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ليس ترفا..! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 109 - عددالزوار : 64071 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 207 - عددالزوار : 125055 )           »          حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 229 - عددالزوار : 146875 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 110 - عددالزوار : 25236 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 69 - عددالزوار : 24440 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4617 - عددالزوار : 1469965 )           »          (وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهودُ وَلَا النَّصارى) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          من أعظم ما يُفسد العلاقة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          من فوائد غضِّ البصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 28-11-2019, 02:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,496
الدولة : Egypt
افتراضي التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنّة

التحقيق والإيضاح
لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنّة
تأليف سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز (رحمه الله )

مقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذا منسك مختصر يشتمل على إيضاح وتحقيق كثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، جمعته لنفسي ولمن شاء من المسلمين، واجتهدت في تحرير مسائله على ضوء الدليل.
وقد طبع للمرة الأولى في عام 1363هـ على نفقة جلاله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل، قدس الله روحه وأكرم مثواه.
ثم إني بسطت مسائله بعض البسط، وزدت فيه من التحقيقات ما تدعو له الحاجة، ورأيت إعادة طبعه؛ لينتفع به من شاء الله من العباد، وسميته (التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكاتب والسنة)، ثم أدخلت فيه زيادات أخرى مهمة، وتنبيهات مفيدة؛ تكميلاً للفائدة، وقد طبع غير مرة.
وأسأل الله أن يعمم النفع به، وأن يجعل السعي فيه خالصاً لوجهه الكريم، وسبباً للفوز لديه في جنات النعيم، فإنه حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في الحج وبيان فضله وآدابه، وما ينبغي لمن أراد السفر لأدائه، وبيان مسائل كثيرة مهمة من مسائل الحج والعمرة والزيارة على سبيل الاختصار والإيضاح، قد تحريت فيها ما دل عليه كتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم، جمعتها نصيحة للمسلمين، وعملاً بقول الله – تعالى -: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، وقوله - تعالى -: (وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) الآية، وقوله - تعالى -: (وتعاونوا على البر والتقوى).
ولما في الحديث الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: " الدين النصيحة" ثلاثاً، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وروى الطبراني عن حذيفة، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يمس ويصبح ناصحاً لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم فليس منهم".
والله المسؤول أن ينفعني بها والمسلمين، وأن يجعل السعي فيها خالصاً لوجهه الكريم، وسبباً للفوز لديه في جنات النعيم، وإنه سميع مجيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

فصل في أدلة وجوب الحج والعمرة والمبادرة إلى أدائهما
إذا عرف هذا فاعلموا - وفقني الله وإياكم لمعرفة الحق واتباعه -: أن الله - عز وجل - قد أوجب على عباده حج بيته الحرام، وجعله أحد أركان الإسلام، قال الله – تعالى-: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين).
وفي الصحيحين عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:" بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام ".
وروى سعيد في سننه، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين "، وروي عن علي – رضي الله عنه – أنه قال: " من قدر على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً ".
ويجب على من لم يحج وهو يستطيع الحج أن يبادر إليه؛ لما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما -، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "تعجلوا إلى الحج – يعني: الفريضة – فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له". رواه أحمد.
ولأن أداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع السبيل إليه؛ لظاهر قوله –تعالى -: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين).
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم - في خطبته: "أيها الناس، إن الله فرض عليكم الحج فحجوا". أخرجه مسلم.
وقد وردت أحاديث تدل على وجوب العمرة منها:
قوله – صلى الله عليه وسلم – في جوابه لجبرائيل لما سأله عن الإسلام، قال – صلى الله عليه وسلم -: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء، وتصوم رمضان" أخرجه ابن خزيمة، والدارقطني، من حديث عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - وقال الدارقطني: هذا إسناد ثابت صحيح.
ولا يجب الحج والعمرة في العمر إلا مرة واحدة؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح: "الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع".
ويسن الإكثار من الحج والعمرة تطوعاً؛ لما ثبت في الصحيحين، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:"العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة "

فصل في وجوب التوبة من المعاصي والخروج من المظالم
إذا عزم المسلم على السفر إلى الحج أو العمرة استحب له أن يوصي أهله وأصحابه بتقوى الله – عز وجل -، وهي: فعل أوامره، واجتناب نواهيه.
وينبغي أن يكتب ما له وما عليه من الدين، ويشهد على ذلك، ويجب عليه المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب؛ لقوله تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون).
وحقيقة التوبة: الإقلاع من الذنوب وتركها، والندم على ما مضى منها، والعزيمة على عدم العود فيها، وإن كان عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو عرض ردها إليهم، أو تحللهم منها قبل سفره؛ لما صح عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال "من كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليتحلل اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه".
وينبغي أن ينتخب لحجه وعمرته نفقة طيبة من مال حلال؛ لما صح عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً"، وروى الطبراني عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا خرج الرجل حاجاً بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك غير مبرور".
وينبغي للحاج الاستغناء عما في أيدي الناس والتعفف عن سؤالهم؛ لقوله – صلى الله عليه سلم -: "ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله"، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم".
ويجب على الحاج أن يقصد بحجه وعمرته وجه الله والدار الآخرة والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال في تلك المواضع الشريفة، ويحذر كل الحذر من أن يقصد بحجة الدنيا وحطامها، أو الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك، فإن ذلك من أقبح المقاصد وسبب لحبوط العلم وعدم قبوله، كما قال – تعالى -: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون)، وقال – تعالى -: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جلعنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً).
وصح عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "قال الله – تعالى -: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه".
وينبغي له أيضاً أن يصحب في سفره الأخيار من أهل الطاعة والتقوى والفقه في الدين، ويحذر من صحبه السفهاء والفساق.
وينبغي له أن يتعلم ما يشرع له في حجه وعمرته، ويتفقه في ذلك، ويسأل عما أشكل عليه؛ ليكون على بصيرة، فإذا ركب دابته أو سيارته أو طائرته أو غيرها من المركوبات استحب له أن يسمي الله – سبحانه - ويحمده، ثم يكبر ثلاثاً، ويقول: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون)، اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل"؛ لصحة ذلك عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، أخرجه مسلم من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما -.
ويكثر في سفره من الذكر والاستغفار، ودعاء الله – سبحانه - والتضرع إليه، وتلاوة القرآن وتدبر معانيه، ويحافظ على الصلوات في الجماعة، ويحفظ لسانه من كثرة القيل والقال، والخوض فيما لا يعنيه، والإفراط في المزاح، ويصون لسانه أيضاً من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية بأصحابه وغيرهم من إخوانه المسلمين.
وينبغي له بذل البر في أصحابه، وكف أذاه عنهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة على حسب الطاقة.

فصل فيما يفعله الحاج عند وصوله إلى الميقات
فإذا وصل إلى الميقات استحب له أن يغتسل ويتطيب؛ لما روي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – تجرد من المخيط عند الإحرام واغتسل، ولما ثبت في الصحيحين، عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: "كنت أطيب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت "، وأمر – صلى الله عليه وسلم – عائشة لما حاضت وقد أحرمت بالعمرة أن تغتسل وتحرم بالحج، وأمر – صلى الله عليه وسلم – أسماء بنت عميس لما ولدت بذي الحليفة أن تغتسل وتستثفر بثوب وتحرم، فدل ذلك على أن المرأة إذا وصلت إلى الميقات وهي حائض أو نفساء تغتسل وتحرم مع الناس، وتفعل ما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت، كما أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – عائشة وأسماء بذلك.
ويستحب لمن أراد الإحرام أن يتعاهد شاربه وأظفاره وعانته وإبطيه، فيأخذ ما تدعو الحاجة إلى أخذه؛ لئلا يحتاج إلى أخذ ذلك بعد الإحرام وهو محرم عليه، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – شرع للمسلمين تعاهد هذه الأشياء في كل وقت، كما ثبت في الصحيحين، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الأظفار، ونتف الآباط "، وفي صحيح مسلم، عن أنس – رضي الله عنه – قال "وقِّت لنا في قص الشارب، وقلم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة: أن لا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة"، وأخرجه النسائي بلفظ: "وقت لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم –"، وأخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي بلفظ النسائي، وأما الرأس فلا يشرع أخذ شيء منه عند الإحرام، لا في حق الرجال ولا في حق النساء.
وأما اللحية فيحرم حلقها أو أخذ شيء منها في جميع الأوقات، بل يجب إعفاءها وتوفيرها؛ لما ثبت في الصحيحين، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب"، وأخرج مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس".
وقد عظمت المصيبة في هذا العصر بمخالفة كثير من الناس هذه السنة ومحاربتهم للحى، ورضاهم بمشابهة الكفار والنساء، ولا سيما من ينتسب إلى العلم والتعليم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين لموافقة السنة والتمسك بها، والدعوة إليها، وإن رغب عنها الأكثرون، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم يلبس الذكر إزاراً ورداءً، ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين، ويستحب أن يحرم في نعلين؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "وليحرم أحدكم في إزارٍ ورداءٍ ونعلين"، أخرجه الإمام أحمد – رحمه الله -.
وأما المرأة فيجوز لها أن تحرم فيما شاءت من أسود أو أخضر أو غيرهما، مع الحذر من التشبه بالرجال في لباسهم، لكن ليس لها أن تلبس النقاب والقفازين حال إحرامها، ولكن تغطي وجهها وكفيها بغير النقاب والقفازين؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - نهى المرأة المحرمة عن لبس النقاب والقفازين، وأما تخصيص بعض العامة إحرام المرأة في الأخضر أو الأسود دون غيرهما فلا أصل له.
ثم بعد الفراغ من الغسل والتنظيف ولبس ثياب الإحرام، ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".
ويشرع له التلفظ بما نوى، فإن كانت نيته العمرة قال: (لبيك عمرة) أو (اللهم لبيك حجاً)؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – فعل ذلك، وإن نواهما جميعاً لبى بذلك فقال: (اللهم لبيك عمرة وحجاً)، والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة أو غيرهما؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما أهل بعدما استوى على راحلته، وانبعثت به من الميقات للسير، هذا هو الأصح من أقوال أهل العلم.
ولا يشرع له التلفظ بما نوى إلا في الإحرام خاصة؛ لوروده عن النبي – صلى الله عليه وسلم -.
وأما الصلاة والطواف وغيرهما فينبغي له ألا يتلفظ في شيء منها بالنية، فلا يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا، ولا نويت أن أطوف كذا، بل التلفظ بذلك من البدع المحدثة، والجهر بذلك أقبح وأشد إثماً، ولو كان التلفظ بالنية مشروعاً لبينه الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وأوضحه للأمة بفعله أو قوله، ولسبق إليه السلف الصالح.
فلما لم ينقل ذلك عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه - رضي الله عنهم - علم أنه بدعة، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" أخرجه مسلم في صحيحه، وقال - عليه الصلاة والسلام -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق على صحته، وفي لفظ لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".

فصل في المواقيت المكانية وتحديدها
المواقيت خمسة:
الأول: ذو الحليفة، وهو ميقات أهل المدينة، وهو المسمى عند الناس اليوم: أبيار علي.
الثاني: الجحفة، وهو ميقات أهل الشام، وهي قرية خراب تلي رابغ، والناس اليوم يحرمون من رابغ، ومن أحرم من رابغ فقد أحرم من الميقات؛ لأن رابغ قبلها بيسير.
الثالث: قرن المنازل، وهو ميقات أهل نجد، وهو المسمى اليوم: السيل:
الرابع: يلملم، وهو ميقات أهل اليمن.
الخامس: ذات عرق، وهي ميقات أهل العراق.
وهذه المواقيت قد وقتها النبي – صلى الله عليه وسلم -، لمن ذكرنا، ومن مر عليها من غيرهم ممن أراد الحج أو العمرة. والواجب على من مر عليها أن يحرم منها، ويحرم عليه أن يتجاوزها بدون إحرام إذا كان قاصداً مكة يريد حجاً أو عمرة، سواء كان مروره عليها من طريق الأرض أو من طريق الجو؛ لعموم قول النبي – صلى الله عليه وسلم – لما وقت هذه المواقيت: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة".
والمشروع لمن توجه إلى مكة من طريق الجو بقصد الحج أو العمرة أن يتأهب لذلك بالغسل ونحوه قبل الركوب في الطائرة، فإذا دنا من الميقات لبس إزاره ورداءه ثم لبى بالعمرة إن كان الوقت متسعاً، وإن كان الوقت ضيقاً لبى بالحج، وإن لبس إزاره ورداءه قبل الركوب أو قبل الدنو من الميقات فلا بأس، ولكن لا ينوي الدخول في النسك ولا يلبي بذلك إلا إذا حاذى الميقات أو دنا منه؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يحرم إلا من الميقات، والواجب على الأمة التأسي به – صلى الله عليه وسلم – في ذلك كغيره من شئون الدين؛ لقول الله – سبحانه -: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في حجة الوداع: "خذوا عني مناسككم".
وأما من توجه إلى مكة ولم يرد حجاً ولا عمرة؛ كالتاجر، والحطاب، والبريد ونحو ذلك فليس عليه إحرام إلا أن يرغب في ذلك؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث المتقدم لما ذكر المواقيت: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة"، فمفهومه أن من مر على المواقيت ولم يرد حجاً ولا عمرة فلا إحرام عليه. وهذا من رحمه الله بعباده وتسهيله عليهم، فله الحمد والشكر على ذلك، ويؤيد ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما أتى مكة عام الفتح لم يحرم، بل دخلها وعلى رأسه المغفر؛ لكونه لم يرد حينذاك حجاً ولا عمرة، وإنما أراد افتتاحها وإزالة ما فيها من الشرك.
وأما من كان مسكنه دون المواقيت؛ كسكان جدة، وأم السلم، وبحرة، والشرائع، وبدر، ومستورة وأشباهها فليس عليه أن يذهب إلى شيء من المواقيت الخمسة المتقدمة، بل مسكنه هو ميقاته فيحرم منه بما أراد من حج أو عمرة، وإذا كان له مسكن آخر خارج الميقات فهو بالخيار إن شاء أحرم من الميقات، وإن شاء أحرم من مسكنه الذي هو أقرب من الميقات إلى مكة؛ لعموم قول النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن عباس – رضي الله عنه – لما ذكر المواقيت قال: "ومن كان دون ذلك فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة" أخرجه البخاري ومسلم.
لكن من أراد العمرة وهو في الحرم فعليه أن يخرج على الحل ويحرم بالعمرة منه؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - لما طلبت منه عائشة العمرة أمر أخاها عبد الرحمن أن يخرج بها إلى الحل فتحرم منه، فدل ذلك على أن المعتمر لا يحرم بالعمرة من الحرم، وإنما يحرم بها من الحل. وهذا الحديث يخصص حديث ابن عباس المتقدم، ويدل على أن مراد النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: "حتى أهل مكة يهلون من مكة" هو الإهلال بالحج لا العمرة، إذ لو كان الإهلال بالعمرة جائزاً من الحرم لأذن لعائشة – رضي الله عنها – في ذلك ولم يكلفها بالخروج إلى الحل، وهذا أمر واضح، وهو قول جمهور العلماء – رحمة الله عليهم -، وهو أحوط للمؤمن؛ لأن فيه العمل بالحديثين جميعاً. والله الموفق.
وأما ما يفعله بعض الناس من الإكثار من العمرة بعد الحج من التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما وقد سبق أن اعتمر قبل الحج – فلا دليل على شرعيته، بل الأدلة تدل على أن الأفضل تركه؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله عنهم لم يعتمروا بعد فراغهم من الحج، وإنما اعتمرت عائشة من التنعيم؛ لكونها لم تعتمر مع الناس حين دخول مكة بسبب الحيض، فطلبت من النبي – صلى الله عليه وسلم – أن تعتمر بدلاً من عمرتها التي أحرمت بها من الميقات، فأجابها النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى ذلك، وقد حصلت لها العمرتان: العمرة التي مع حجها، وهذه العمرة المفردة، فمن كان مثل عائشة فلا بأس أن يعتمر بعد فراغه من الحج؛ عملاً بالأدلة كلها، وتوسيعاً على المسلمين.
ولا شك أن اشتغال الحجاج بعمرة أخرى بعد فراغهم من الحج سوى العمرة التي دخلوا بها مكة يشق على الجميع، ويسبب كثرة الزحام والحوادث، مع ما فيه من المخالفة لهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وسنته. والله الموفق.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 168.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 166.46 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.02%)]