إدمان المخدرات

[ابوالوليد المسلم]

إدمان المخدِّرات

عدنان بن سلمان الدريويش

المخدِّرات هي مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان وتسمم الجهاز العصبي، ويطلق لفظ (مخدِّر) على كل ما يُذهب العقل ويُغيبه؛ لاحتوائه على مواد كيميائية تؤدي إلى النعاس والنوم أو غياب الوعي، والإدمان على المخدرات يجعل الشخص يشعر برغبة مُلحة وقهرية لاستخدامها، رغم الأضرار التي تسببها له، وقد يتطور الأمر إلى أن يلجأ الشخص لزيادة الجرعة مع مرور الوقت؛ مما يسبب اعتمادًا نفسيًّا وجسديًّا عليها.

وقد ثبت علميًّا أن المخدِّرات تشل إرادة الإنسان، وتذهب بعقله، وتؤدي به لأفتك الأمراض، وتدفعه في أخف الحالات إلى ارتكاب الموبقات، والإسلام نهى عن كل ما يؤثر على العقل ويعطل دوره عن التفكير والإبداع؛ فعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مُسكر ومفتر))؛ [أخرجه أحمد]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ))؛ [أخرجه أحمد].

يقول أحد الشباب: كنت ذات يوم في المحكمة عند أحد القضاة وهو صديق لي، فجاءت امرأة كبيرة في السن، ترددت ودخلت وخرجت، فقلت له: يا شيخ ما قصة هذه المرأة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ هذه كان عندها ولد يتعاطى المخدرات، فإذا سكر جاء إليها، وقال: أعطِني فلوسًا ويهددها حتى تعطيه تحت الخوف، وجاءها مرة وبيده سكين، فظنت أنه يريد نقودًا، فقالت: سأعطيك سأعطيك وهي خائفة، فقال لها: ارقدي على الفراش، وتحت وطأة السكين، زنى بأمه.

قال القاضي: فأحضرنا الولد، وشكَّلنا المحكمة، وحكمنا بقتل الولد؛ لحديث البراء بن عازب قال: ((لقيت عمي ومعه الراية فقلت له: إلى أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده، أن أضرب عنقه وآخُذَ ماله))؛ [صححه الألباني في إرواء الغليل].

وقد يلجأ الشباب إلى تعاطي المخدرات لعدة أسباب؛ منها: أن يكون أحد أفراد الأسرة مدمنًا عليها، كالأب أو الأخ أو من المقربين، ومنها أن يكون الشاب مصابًا بمشكلة صحية أو نفسية أو سلوكية، مثل الاكتئاب أو القلق أو اضطراب نقص الانتباه، ومنها التفكك الأسري والوقوع ضحية لسوء المعاملة من أحد أفراد الأسرة، ومنها قلة تقدير الذات والشعور بالرفض الاجتماعي، ومنها الصحبة السيئة مما يجعله عُرضة لتجربة المواد المخدرة معهم، أثناء قضاء وقت ممتع في المناسبات الشبابية، وأخيرًا قلة التدين والبعد عن الله تجعل الشاب يستسهل تجربة ما حرم الله.

أيها الأب الكريم، إذا رأيت ولدك عنده تذبذب أو عنف في العلاقة مع الوالدين والإخوان والأخوات، أو رجفة في جسده، واحمرار في عينيه، أو اتساع في حدقة العين، أو هالات سوداء تحت العينين، وعدم اهتمام بالنظافة الشخصية أو المظهر العام، أو تغير في الشخصية، وتدنٍّ في الأداء الدراسي والوظيفي والمعرفي، أو الإصابة بالأمراض الجنسية، والأمراض الفيروسية كالتهاب الكبد الفيروسي، أو المقاومة للحصول على المال، والعزلة والعدوانية، فاحذر منه؛ فقد يكون دخل عالم الإدمان على المخدرات وأنت لا تعلم.

إن من أهم أسباب انتشار المخدرات بين الشباب والفتيات أصدقاءَ السوء؛ فقد أثبتت الدراسات أن أكثر من ثمانين بالمائة من الشباب الذين يتعاطَون المخدرات، كان وراءهم رفقاء السوء، فإذا جلست مع عشرات التائبين، وقرأت قصص النادمين، وحسرات المدمنين، تجدهم - بلا استثناء - يُجمعون على أن السبب الأول في الوقوع في الهاوية هم جلساء السوء، فالإنسان إذا خالط أمثال هؤلاء لا تظن أنهم سيدفعونه ويقولون: تعالَ نصلِّ، أو قُم نصلِّ الوتر، أو تعال لنتصدق، أو تعال لنحضر درسًا، كلا، بل ستجدهم يحاولون أن يبحثوا عما يسلُّون به أوقاتهم، وربما أوقعوه في أنواع من هذه المخدرات؛ لذا فإني أوصي كل أب وأم بالآتي:
• عليكم بتعزيز الإيمان في قلوب أولادكم، وتعليمهم على مراقبة الله في السر والعلن، واختيار الصديق العاقل، ومجالسة الصالحين.

• احترام شخصيتهم وتشجيعهم على التعبير عن آرائهم.

• نشر الحب بين الأسرة بالقول والفعل، والتنبيه على أن عدم الرضا عن السلوك ليس دليلًا على عدم الحب.

• تخصيص وقت للمشاركة العائلية مع أفراد الأسرة داخل البيت وخارجه، ومشاركتهم ألعابهم وأنشطتهم.

• التركيز على بناء القيم والأخلاق والقوانين الأسرية.

• إعطائهم الثقة والأمان من أجل البَوح بمشاكلهم ومشاعرهم.

• تعليم الأولاد مهارةَ حلِّ المشكلات، واتخاذ القرار وبناء العلاقات الإيجابية مع الآخرين، والتعامل مع مشكلة القلق والإحباط.

• الابتعاد عن الثقة العمياء، والدَّلال الزائد، والتركيز على الأخطاء، والعقاب الشديد، ولغة التهديد، والطرد من البيت، ومنعه من المصروف.

• استشارة المتخصصين في الجانب الشرعي والنفسي، والسلوكي والتربوي للمساعدة في بناء القيم وتخطِّي مشكلة الإدمان.

أسأل العظيم أن يصلح لنا ولكم الذرية، وصلى الله على سيدنا محمد.