أزمة الأخلاق في المنظومة التربوية المعاصرة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4896 - عددالزوار : 1915214 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4466 - عددالزوار : 1236388 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13610 - عددالزوار : 737350 )           »          العز بن عبد السلام (سلطان العلماء وبائع الملوك والأمراء) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أبعاد التشويه التاريخي للدولة الأموية (أسباب ودوافع – أمثلة وردود) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 181 - عددالزوار : 56201 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 50 - عددالزوار : 39423 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 32787 )           »          اشتراط الحول والنصاب في الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-06-2025, 12:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,746
الدولة : Egypt
افتراضي أزمة الأخلاق في المنظومة التربوية المعاصرة

أزمة الأخلاق في المنظومة التربوية المعاصرة
مصطفى عطية جمعة

قبعة تخرج سوداء مع شريطة حمراء موضوعة على كتب بيضاء، فوق قاعدة دائرية في بيئة ملونة. تعكس الصورة روح الاحتفال بالتخرج والإنجاز الأكاديمي.

ما المنظومة التربوية إلا مرآة عاكسة لثقافة المجتمع وتوجهاته الحضارية والفكرية، وما يطمح أن يكون عليه أفراده في المستقبل، فالتربية هي أداة لنقل المعرفة، وتربية الأفراد، وإعدادهم إعدادا خلقيا وقيميا وفكريا وعلميا، بجانب الإعداد السلوكي والمهاري حسب التخصصات العلمية والتقنيّة المرادة. لذا، فإنه من الأهمية بمكان أن تكون هناك استراتيجية تحدد بوصلة العملية التربوية، وتضع أسسها، وتبيّن طرائقها التي ينبغي أن تسير فيها، ولا يمكن -بأي حال- تجاهل الإرث الحضاري والثقافي للمجتمع العربي والإسلامي، فكل المجتمعات في العالم، تسعى من خلال نظمها التربوية إلى توريث ثقافتها، ونقلها إلى الأجيال الجديدة، كي تحافظ على هويتها، ضد الغزو الثقافي.

وهو ما يؤكده حسن الحياري بأن الإنسان –عبر تاريخه الطويل- استخدم التربية كوسيلة لتحقيق أهداف متعددة؛ يرى أنها أسباب لسعادته، وإشباعٌ لطموحه، ولكن هذه الأهداف كانت وما زالت -وستبقى- متجددة ومتنوعة، من عهد إلى آخر، ومن قرن إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، فهدفها تطبيق ما يأمله المجتمع للأبناء والناشئة([1]).

فالتربية ليست عملية جامدة، تنقل معلومات متوارثة، بل هي عملية تتضمن الثوابت الأخلاقية والقيمية، وفيها مرونة توجب عليها التعاطي مع الجديد في العلوم والفنون والابتكارات. ومن الخطأ حصر التربية في منظورها الحضاري على الجانب التقني والعمراني، فالتربية معبرة عن البنية الاجتماعية والأخلاقية والفكرية التي يرومها المجتمع.

وكما يشير سعيد إسماعيل علي، فإن النظام التربوي بصفة عامة، والفكر التربوي بصفة خاصة، إنما هو منظومة فرعية من نظام أكبر؛ هو البنية الاجتماعية العامة..، فلابد من استقراء الأبعاد الحضارية للبنية المجتمعية، والتعرف على تراثه التربوي، والنظر في كيفية الاستفادة منه في المنظومة التربوية المعاصرة([2]).

ومن هنا، نشدد على أن التربية عملية هادفة ومقصودة وموجهة -كما يقرر صلاح العرب عبد الجواد-، يقوم المربون من خلالها بتقديم مواد علمية، ومواقف تربوية؛ وقيما وأخلاقا تُنْتِجُ تغيراتٍ في السلوك الإنساني، مع الأخذ في الحسبان أن التربية أعم من التعليم، لأنها تتناول شخصية الفرد كله، فهي أعم وأشمل ([3]) من التعليم الذي قد يكون محددا مؤطرا، في مرحلة دراسية ما، أو تخصص ما،

بما يعني عدم حصر مفهوم التربية في المدارس والجامعات والمعاهد، وإنما هي عملية مجتمعية شاملة، تساهم فيها الأسر والعائلات، ومؤسسات التوجيه المعنوي والإعلامي.

أما علاقة التربية بالحضارة، فهي علاقة أكيدة، فأي مجتمع إنساني ساع إلى التقدم والنهضة؛ لابد أن يضع رؤية حضارية له، يستفيد فيها من تراثه الثقافي، وكذلك من حضارات الأمم الأخرى، وكما يشير وِلْ ديورانت في تعريفه للحضارة بأنها نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة في إنتاجه الثقافي([4])، وهذا لا يعني أن هدف الحضارة هو الجانب الثقافي فقط، والذي هو معنوي، فالحضارة -كما يوضح ديورانت- لها جوانب أربعة، هي الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون، وتبدأ الحضارة حيث ينتهي الاضطراب والقلق، ويأمن الإنسان من الخوف، وتتوافر فيه عوامل الإبداع والإنشاء، للمضي في طريقه لفهم الحياة وازدهارها([5]).

ولكن المحور الذي يؤكد عليه ديورانت أن أية حضارة تتأسس على ما يمتلكه المجتمع من تراث أخلاقي وروحي، فيما يسمّى “الضمير”، والذي يتطور ويصبح وعيا اجتماعيا، بما يشعر الفرد أنه منتمٍ إلى مجتمع وجماعة، لها أخلاقيات، ويقدم لها الولاء والاحترام، فما الأخلاق إلا تعاون الجزء مع الكل، والمدنية أو الحضارة تستحيل بلا أخلاق([6]).

وهذا ثابت، ولابد من الانتباه إليه، عندما نقرأه في دائرة التربية الحضارية، فلابد من غرس الوعي بأن الحضارة تبدأ بالميراث الروحي للمجتمع، وتنضبط بمرجعيته الأخلاقية والقيمية، كي يمتلك الفرد/ الطالب ثوابت محددة، تمنعه من السقوط في الاستلاب الحضاري للآخر.

تلك الرؤية التي يعمّقها ألبرت أشفيتسر بأن الحضارة التامة (المكتملة) إذا حددناها من الخارج، وعلى نحو تجريبي، فإنها عبارة عن تحقيق كل تقدم ممكن في الكشف والاختراع، وفي تنظيمات المجتمع الإنساني، وأن تعمل من أجل التكميل الروحي للأفراد، الذي هو الهدف النهائي للحضارة([7])، مؤكدا أن الحضارة الغربية تسير في طريق الانهيار، بسبب إفراطها في المادية، وترك الأخلاق يقررها المجتمع، لا أن تمتاح من ميراثها الديني([8]).

فالكارثة أن تكون الأخلاق محددة من قبل المجتمع، بدون مرجعية روحية، خاصة إذا تلاعب الساسة وذوو المصالح والأهواء به، وتصبح الطامة الكبرى بإسباغ الصبغة القانونية على الأخلاق التي يتوافق عليها المجتمع، ويتناسى أفراده تراثهم الروحي الإنساني([9]). والمثال على ذلك شرعنة الإجهاض، والإباحية، والشذوذ الجنسي، بل وتدريسها في المدارس الغربية، منذ مراحل التعليم الأولى، تم فرض تعليم المثلية الجنسية والعلاقات خارج الزواج في غالبية دول أوروبا وأمريكا الشمالية، تحت شعارات الحرية، ورفض هيمنة الآباء على أخلاق الأبناء، وأن الفرد يحدد هويته الجنسية كما يرغب([10]).

وتذكر نهى القاطرجي أن الشذوذ الجنسي لا يوجد تفسير علمي ثابت له، ولا يمكن أن يكون وراثيا أو بالخلقة، كما يدّعي البعض، وقد اكتسب شرعيته منذ الثورة الجنسية خلال العقد1970 -1980م،مدعوما من قوى سياسية واقتصادية ومنظمات المجتمع المدني، ثم اكتسب حضورا في المناهج الدراسية، تحت شعار حق الفرد في تحديد هويته الجنسية واختيار ما يروق له، بدون وصاية أسرية أو دينية([11])، وفي المنظور النفسي التربوي فإن أهم أسباب الشذوذ الجنسي؛ وجود خطاب مجتمعي متساهل، يدعو إلى العلاقات التحررية، ويشجع على العلاقات غير التقليدية، بجانب عيش الطفل في أسرة مفككة، يغيب فيها الأب، وتتسلط الأم، مع اعوجاج في تربيته الجنسية المبكرة، والعلاقة مع رفاق السوء، أو تعرضه إلى تحرش أو اغتصاب([12]) في صغره، من قبل المقربين منه، أو في المدرسة أو الكنيسة.

هذا مجرد مثال لغياب المرجعية الأخلاقية الحضارية، والسقوط في إسر النموذج الحضاري الغربي، الذي أقصى المرجعية الدينية، وجعل الإنسان مصدرا للقيمة والأخلاق والحكم والمعيار، وكما يقول مالك بن نبي، فإنه منذ القرن التاسع عشر فإن العلم والأخلاق منفصلان، فالأول زادت كل خطوة في كبريائه وشموخه، والثاني زادت كل خطوة من انحناءة رأسه، وانشطرت وحدة الإنسان إلى جزءين: واحد يسمى الكائن المعنوي، والآخر الكائن الموضوعي، مما يؤدي إلى تجزئة الأمة، ثم تجزئة الإنسانية([13]).

وبعبارة أخرى، فإن الحضارة الغربية الحديثة، أعلت من شأن العلم، وقدّست ذات الإنسان، وحاربت الكنيسة بالفكر العلماني، فأوجدت إنسانا مجزّأً، يفصل الروحي والقيمي عن العلمي الموضوعي، وبمرور الوقت، صارت ذاته غارقة في نرجسيتها، وشهواتها، ولذائذها، وتسربت هذه الأفكار إلى التربية في العالم العربي.
تنزيل PDF

[1] - الحياري، د.حسن، أصول التربية في ضوء المدارس الفكرية إسلاميا وفكريا، ط1، 1993، دار الأمل للنشر والتوزيع، الأردن، ص231.

[2] - علي، د.سعيد إسماعيل، الفكر التربوي العربي الحديث، ط1، 1987، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ص9، 10.

[3] - عبد الجواد، صلاح العرب، اتجاهات جديدة في التربية الصناعية، ط1، 1962، دار المعارف، القاهرة، ص34.

[4] - ديورانت، ول وايريل، قصة الحضارة، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، د ط، د ت، تونس، المجلد الأول، ص4.

[5] - نفسه، ص4.

[6] - نفسه، ص65. يستخدم ديورانت مصطلح "الضمير" بمعنى الدين، وهو مصطلح يعود إلى "دارون"، الذي يعده فارقا بين الحيوان والإنسان، ضمن نظرته عن أصل الإنسان.

[7] - أشفيتسر، ألبرت، ترجمة: د. عبد الرحمن بدوي، ط1، 1962،المؤسسة المصرية العامة للترجمة والنشر، القاهرة، ص404.

[8] - نفسه، ص401.

[9] - نفسه، ص400.

[10] - انظر: دعدوش، أحمد، هل يتخذ مسلمو كندا التعليم المنزلي بديلا عن مناهج دعم الشذوذ؟، 27 / 9/ 2023، موقع الجزيرة نت، 27https://www.aljazeera.net/politics/2023/9/، ونرصد مظاهرات الجالية المسلمة، الذين طالبوا بحقهم في تعليم أبنائهم الأخلاق الإسلامية، ورفض هيمنة الأخلاق المجتمعية السائدة. وانظر كذلك تقريرBBC وعنوانه: جدل بشأن تدريس المثلية الجنسية للأطفال في مدارس في بريطانيا، 25/ 5/ 2019، ويتناول ردة الفعل على شرعنة المناهج البريطانية للشذوذ منذ المراحل الدراسية الأولى. (https://www.bbc.com/arabic/world-48381443) وقد انعكس الأمر على المدارس الأجنبية في العالم العربي، انظر الزهير، يونس، “المثلية الجنسية” تغزو مقررات وأنشطة المدارس الأجنبية بالمغرب، 21/ 8/ 2023 https://al3omk.com/865416.html

[11] - القاطرجي، د. نهى عدنان، الشذوذ الجنسي في الفكر الغربي وأثره على العالم العربي، ط1، 2017، مركز الفكر الغربي، الرياض، ص 91- 97. والثابت طبيا وبيولوجيا أنه لا يوجد سبب علمي للشذوذ وفق أبحاث العلماء. ص123- 125.

[12] - نفسه، ص129- 131.

[13] - بن نبي، مالك، بين الرشاد والتيه، ط2، 2002، دار الفكر بيروت – دمشق، ص72، 73.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 53.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.62 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.13%)]