|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() نظرات في تقسيم السنة النبوية إلى تشريعية وغير تشريعية حمزة النهيري تحاول هذه الورقة البحثية أن تجيب عن سؤال التشريع في السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، وما مدى صحة هذا التقسيم المعرف في عصرنا بالسنة التشريعية وغير التشريعية الذي ظهر عند المعاصرين، وهل له جذور تراثية تدل على صحته، وهل هناك حاجة ماسة إلى هذا التقسيم في واقعنا المعاصرمن حيث اللوازم والآثار، وهو من مباحث علم أصول الفقه ذلك لأن مباحث السنة النبوية من أهم عناصر مباحث علم أصول الفقه، هذا مع وجود اختلافات نظرية بين المحدثين والأصوليين في مقاربتهم للسنة النبوية من جهة الثبوث ومن جهة الدلالة على الأحكام . وسيكون عرض هذا الموضوع من خلال بيان العناصر التالية: 1-السنة النبوية بين المحدثين والفقهاء. 2-حول مفهوم التشريع الإسلامي. 3-تقسيم السنة إلى تشريعية وغير تشريعية. 4-لوازم القول بتقسيم السنة النبوية إلى تشريعية وغير تشريعية. وسأحاول جهد الإمكان عرض هذه العناصر بشكل مختصر، وهو بناء مفاهيمي نؤسس به لموضوعنا حتى نستطيع أن نجيب عن السؤال الذي حرك البحث وأثار الإشكال في عصرنا. و هو سؤال التشريع وغير التشريع في السنة النبوية. 1- السنة النبوية بين المحدثين والفقهاء من الأمور العلمية المستقرة عند علماء المسلمين، أن السنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الاسلامي، فهي من حيث الرتبة تاتي بعد القرآن وهذا مما لا يختلف فيه المحدثون والأصوليون، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59 النساء﴾. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه[1]. وهذا التعبير يفهم منه تأخر السنة في الرتبة عن القرآن من حيث التشريع، إذ القرءان هو الأصل وهو المهيمن على السنة وإنما السنة جاءت لبيان ما قرره القرءان من جهات متعددة، أما استقلالها بالتشريع فقد جرى فيه الخلاف بين الجمهور وبعض علماء الحديث، إذ الجمهور على أنها بيانية وعلى هذا الشافعي والشاطبي[2]. والسنة هي كل ما نسب إلى رسول الله تعالى من أقوال غير القرآن، وأفعال وتقريرات وتروك . ولا شك أن بين المحدثين والأصوليين فوارق في المنهج الذي يسلكونه في التعامل مع نصوص السنة النبوية، لكنهم متفقون على أنها تأتي بعد القرآن رتبة ولا تنسخ السنة القرآن كما هو مذهب الجمهور، خلافا لابن حزم والشيخ محمد الامين الشنقيطي في أضواء البيان ومذكرة الأصول…فالضعيف -رتبة- لا ينسخ القوي كما يقول الشافعي. يقول ابن رشد في كتابه الضروري في أصول الفقه[3]: في الأصل الثاني وهو السنة..وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة لدلالة المعجزة على صدقه وهو حجة بنفسه على من سمعه مشافهة. فأما نحن فلم يبلغنا قوله صلى الله عليه وسلم إلا على لسان المخبرين، إما بطريق التواتر، وإما بطريق الآحاد. ولذلك ينقسم القول في الأخبار إلى هذين القسمين، ويعمهما بيان مراتب ألفاظ الصحابة رضي الله عنهم في نقل الاخبار، وهي مراتب.[4]. ففي هذا النص الرشدي يبرز لنا ابن رشد طريقة تعامل العقل الاصولي مع الأخبار وأن طريقتهم تتجه نحو الثبوت وطريقة إثبات هذا الثبوت ودلالته. يقول الشيخ الطاهر الجزائري في توجيه النظر إلى أصول أهل الأثر: والحديث عند الاصوليين: أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعاله. ويدخل في أفعاله تقريره، وهو عدم إنكاره لأمر رآه أو بلغه عمن يكون منقادا للشرع. وأما ما يتعلق به عليه الصلاة والسلام من الأحوال، فإن كانت اختيارية فهي داخلة في الأفعال، وإن كانت غير اختيارية كالحلية، لم تدخل فيه، إذ لا يتعلق بها حكم يتعلق بنا. وهذا التعريف هو المشهورعند علماء أصول الفقه، وهو الموافق لفنهم[5]. أما المحدثون فطريقتهم مخالفة للأصوليين والفقهاء.. يقول الشيخ الطاهر الجزائري رحمه الله: كل ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله، وأحواله فيدخل في ذلك أكثر ما يذكر في كتب السير، كوقت ميلاده ومكانه ونحو ذلك. وهذا التعريف هو المشهور عند علماء الحديث وهو الموافق لفنهم[6]. ولا شك أن السنة أعم من الحديث من حيث الاطلاق وفي هذا يقول ابن تيمية: الحديث النبوي عند الاطلاق ينصرف إلى ما حدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد النبوة، من قوله وفعله وإقراره، فإن سنته ثبتت من هذه الوجوه الثلاثة. فإذا أطلق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في مسمى حديثه: ذكر ما قاله بعد النبوة، وذكر ما فعله بعد النبوة، فإن أفعاله التي أقر عليها حجة، لا سيما إذا أمرنا أن نتبعها، كقوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي[7]. وليس صحيحا ما يذكره الدكتور حاتم العوني الشريف[8] من عدم وجود فوارق بين المحدثين والأصوليين في تعاملهم مع السنة النبوية، فهذا مما علم واستفاض في الدرس الأصولي والذي تكفلت به رسائل جامعية نذكر منها رسالة الأخ الدكتور معتز الخطيب رد المتن بين الاصوليين والمحدثين[9]. فنظر الأصولي غير نظر المحدث كما مر معنا من كلام ابن رشد والشيخ الطاهر الجزائري، وعلى هذا الملحظ ينبغي أن ننتبه إلى أن نظرنا إلى قول المتكلمين المعاصرين في تقسيم السنة إلى تشريعية وغير تشريعية سيكون بحسب النزعة العلمية التي يصدر عنها كل باحث ومؤلف في هذا الموضوع. فالمحدث يراعي جانب النسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلقا، والأصولي ينظر إليها من جهة الحجية ودلالتها على معاني التشريع. ولا يعنينا في مقاربتنا هاته التعرض لأطروحة محمد شحرور حول السنة النبوية التي يعتبرها عبارة عن وثائق تاريخية لا غير، فهذه القراءة الشحرورية المتهافتة للوحي وللسنة النبوية مجالها الدراسات النقدية التفكيكية لأطروحات الفكر الفوضوي المعلمن الذي لا ضابط له يضبطه مع ما عرف عنه بالتنكب عن طرائق العلماء في النظر والاستدلال، وهو القانون الكلي المقرر في مدونات علم أصول الفقه. 2- حول مفهوم التشريع الاسلامي الشرع هو: “ما شرعه الله عل ىلسان نبيه من أحكام” والمصدرالأساسي للشرع الإسلامي هوماجاء من عندالله تعالى في قرآنه وما جاءعن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقرآن والحديث،هما الوحيان والمصدران اللذان يعتمدعليهما، من جهة الأصل والمورد. والإجماع والقياس وباقي الأدلة فروع عنهما، والأحكام الشرعية مذكورة في القرآن والحديث إما على وجه الإجمال أو بصورة كلية أو جزئية يتم التنصيص فيها على الحكم الشرعي…، وهذا يستلزم وجود أدلة الاستنباط للأحكام الشرعية، بطريق الاجتهاد وتسمى هذه الأدلة أصول الأحكام، وهي التي يبحث فيهاعلم أصول الفقه. وبديهي أن التشريع الاسلامي هو ما نسب إلى الشرع بوجه من الوجوه، بحيث يقال هذه شريعة الله..أو هذا شرع الله وهذه أوامره وتلكم نواهيه.. و الشريعة هي القسم القانوني المكون للدين الإسلامي، والدين الإسلامي شريعة وعقيدة وأخلاق وعبادات[10]. قوله تعالى : ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ [الشورى: 13] يقول الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية الجامعة: قوله تعالى : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا فيه مسألتان الأولى : قوله تعالى : شرع لكم من الدين أي : الذي له مقاليد السماوات والأرض شرع لكم من الدين ما شرع لقوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، ثم بين ذلك بقوله تعالى : أن أقيموا الدين وهو توحيد الله وطاعته ، والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء ، وبسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما . ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسن أحوالها ، فإنها مختلفة متفاوتة ، قال الله تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وقد تقدم القول فيه . ومعنى ( شرع ) أي : نهج وأوضح وبين المسالك . وقد شرع لهم يشرع شرعا أي : سن . والشارع : الطريق الأعظم . وشرعت الإبل إذا أمكنتها من الشريعة . وشرعت في هذا الأمر شروعا أي : خضت . الثانية : قال القاضي أبو بكر بن العربي : ثبت في الحديث الصحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال في حديث الشفاعة الكبير المشهور : ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتون نوحا فيقولون له أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض . . . وهذا صحيح لا إشكال فيه ، كما أن آدم أول نبي بغير إشكال ،لأن آدم لم يكن معه إلا نبوة ، ولم تفرض له الفرائض ولا شرعت له المحارم ، وإنما كان تنبيها على بعض الأمور واقتصارا على ضرورات المعاش ، وأخذا بوظائف الحياة والبقاء ، واستقر المدى إلى نوح فبعثه الله بتحريم الأمهات والبنات والأخوات ، ووظف عليه الواجبات وأوضح له الآداب في الديانات ، ولم يزل ذلك يتأكد بالرسل ويتناصر بالأنبياء – صلوات الله عليهم – واحدا بعد واحد وشريعة إثر شريعة ، حتى ختمها الله بخير الملل ملتنا على لسان أكرم الرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فكان المعنى أوصيناك يا محمد ونوحا دينا واحدا ، يعني في الأصول التي لا تختلف فيها الشريعة ، وهي التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج ، والتقرب إلى الله بصالح الأعمال ، والزلف إليه بما يرد القلب والجارحة إليه ، والصدق والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة وصلة الرحم ، وتحريم الكفر والقتل والزنى والأذية للخلق كيفما تصرفت ، والاعتداء على الحيوان كيفما دار ، واقتحام الدناءات ، وما يعود بخرم المروآت ؛ فهذا كله مشروع دينا واحدا وملة متحدة ، لم تختلف على ألسنة الأنبياء وإن اختلفت أعدادهم ؛ وذلك قوله تعالى : أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه أي : اجعلوه قائما ، يريد دائما مستمرا محفوظا مستقرا من غير خلاف فيه ولا اضطراب ، فمن الخلق من وفى بذلك ومنهم من نكث ؛ فمن نكث فإنما ينكث على نفسه. واختلفت الشرائع وراء هذا في معان حسبما أراده الله مما اقتضت المصلحة وأوجبت الحكمة وضعه في الأزمنة على الأمم. والله أعلم. قال مجاهد : لم يبعث الله نبيا قط إلا وصاه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة ، فذلك دينه الذي شرع لهم ، وخص نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى بالذكر لأنهم أرباب الشرائع . فهذا الكلام الذي سقناه من كلام القرطبي رحمه الله يختصر لنا مفهوم التشريع الإسلامي في القرآن بفهومه العام الذي يمكن أن نعرفه بأنه: كل ما نسب الى الشريعة من أحكام سواء كانت عقائدية أو عبادية أو أخلاقية.. مما يزيد من قلقنا المعرفي عن تحقيق وجودي لمسمى السنة التشريعية وغير التشريعة. إذ إن للشريعة هاهنا معنى خاص غير المعنى العام.. فالشريعة بالمعنى الأعم هي الموافقة لتعريفنا حيث يشترط ورودها عن الشارع فتشمل الدين كله عقائد وأخلاقا وعبادات. أما عند إطلاق المعنى الأخص فالشريعة يقصد بها الأحكام التشريعية التي تعني الفتاوى والأحكام القضائية الملزمة، والتي لا تخص الأخلاق والمسائل الحياتية العادية التي جرت بها عادة الناس. وللتشريع الاسلامي خصائص معروفة يمتاز بها كالربانية والأخلاقية والشمولية والاستيعاب..وهذا له مجال آخر لا نطيل بذكره الآن[11]. فكل ماصدر عن الرسول فهو تشريع بالمعنى الأعم..يدخل فيه المباح باعتباره مأذونا فيه وإن كان المكلف لا يلزم به. أما بالمعنى الأخص، فما كان من قبيل التشريع فهو الذي يفعله المكلف ويتعين عليه شريعة ملزمة، وتترتب عليه أحكام الصحة والبطلان وأحكام الثواب والعقاب. 3- تقسيم السنة إلى تشريعية وغير تشريعية لقد اعتاد عقلنا الجمعي على الوقوع في أسر الألفاظ والمصطلحات خصوصا إذا كانت جديدة، ولها ارتباطات وسياقات سياسية واجتماعية فيبادرون إلى ذمها وردها دون نظر وفحص.. ولا زلت أذكر أن هذا التقسيم أقام زوبعة معرفية في جامعاتنا، لأنه يشم منه الترويج للعلمانية ومحاولة إلباسها لبوسا شرعيا كما يزعم ذلك أنصار المذهب الحرفي أو الظاهرية الجدد. والحق أن هذا المنهج في التعامل مع كل جديد وتقسيم، ليس سبيلا للمؤمنين وليس سبيلا للمنهج العلمي القائم على النظر والفحص والتحليل والبيان. ولا شك أن اعتبار موجة التطور التي يمر منها عصرنا ومجتمعاتنا، تحتم علينا التخلص وجوبا من الانفعلات وردود الافعال التي تحجبنا عن رؤية الحقائق والحقيقة التي هي مبتغى العارفين والسالكين الى الله تعالى الذي من أسمائه الحق، فعابد الحق ينبغي أن يسلك في الطريق إليه سبيل الحقائق لا سبيل الأوهام والظنون والتخرص بغير علم. ونستشعر في هذا معنى مصطلحي الجهة والجسم في الدرس الكلامي العقائدي اللذين آثارا ردود أفعال أدت إلى شنآن وبغضاء بين المدارس الكلامية لا زالت آثارها مستمرة إلى اليوم. وقد كان ابن تيمية موفقا حين دعى إلى ضبط مصطلح الجهة وكل مصطلح جديد قبل أي حكم عقائدي نقوم باتخاذه. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |