الشكوى لله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1234 - عددالزوار : 134609 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 24 - عددالزوار : 5444 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 8161 )           »          ميزة جديدة لمتصفح كروم بنظام أندرويد 15 تتيح إخفاء البيانات الحساسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن ميزة الصورة المستطيلة بإنستجرام.. اعرف التفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتفى iPhone 14 Plus وGoogle Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          احمِ أطفالك من الإنترنت.. احذر ألعاب الفيديو لحماية أبنائك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أبل تعمل على جهاز بشاشة تشبه شاشة الآيباد مع ذراع آلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          طفلك يستخدم تطبيقات الموبايل سرا دون علمك.. كيف تكتشف ذلك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أدوات مهمة هتساعدك للحد من استخدام طفلك للإنترنت.. جربها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 21-11-2020, 10:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,970
الدولة : Egypt
افتراضي الشكوى لله

الشكوى لله
الشيخ عبدالله بن محمد البصري



أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، تَأَمَّلُوا حَالَ النَّاسِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، تَجِدُوا نُفُوسًا قَد بَلَغَ مِنهَا الضِّيقُ مَبلَغًا، وَأُخرَى كَادَت تَقضِي جَزَعًا، مَعَ قَدرٍ لَيسَ بِالقَلِيلِ مِن عَجَلَةٍ وَنَفَادِ صَبرٍ، إِذْ يَعِيشُونَ بِقُلُوبِهِم مَا بَينَ أَحوَالٍ عَالَمِيَّةٍ خَارِجِيَّةٍ، وَأُخرَى مَحَلِّيَّةٍ دَاخِلِيَّةٍ، يُحِسُّونَ في الأُولَى بِمُعَانَاةِ إِخوَانِهِمُ المُسلِمِينَ المُستَضعَفِينَ، وَيَغِيظُهُم مَا يَكِيدُهُ الأَعدَاءُ لَهُم وَمَا يَحِيكُونَهُ ضِدَّهُم، وَتُثقِلُهُم في الأُخرَى هُمُومٌ مُجتَمَعِيَّةٌ خَاصَّةٌ، تَدُورُ في مُجمَلِهَا حَولَ الحَالَةِ الاقتِصَادِيَّةِ وَتَذَبذُبِهَا، وَضِيقِ الأَرزَاقِ وَقِلَّةِ الفُرَصِ في الأَعمَالِ، وَغَلاءِ الأَسعَارِ وَسُعَارِ التُّجَّارِ، وَبَعضِ مَا يُوعَدُونَ بِهِ مِن أَنظِمَةٍ جَدِيدَةٍ لم يَستَوعِبُوهَا وَلم يَتَعَوَّدُوا عَلَى مِثلِهَا.



أَمَّا المُؤمِنُونَ المُوقِنُونَ، فَلَم يَزَلْ في قُلُوبِهِم مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ وَالثِّقَةِ بِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ، مَا بِهِ يَعتَصِمُونَ وَيَتَمَسَّكُونَ، وَعَلَيهِ يَتَّكِئُونَ وَيَقُومُونَ، رِضًا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَتَسلِيمًا لأَمرِهِ وَإِيمَانًا بِبَالِغِ حِكمَتِهِ، وَانقِيَادًا لِمَا يُجرِيهِ عَلَى عِبَادِهِ وَيُقَدِّرُهُ. وَأَمَّا المُشتَغِلُونَ بِالدُّنيَا، المُنهَمِكُونَ في حُبِّهَا، الَّذِينَ مَدُّوا العُيُونَ إِلى زَخَارِفِهَا، وَتَعَمَّقُوا في طَلَبِهَا وَالاستِكثَارِ مِنهَا، وَتَمَادَوا في بِحَارِهَا وَغَاصُوا في أَعمَاقِهَا، فَقَد تَكُونُ غَابَت عَن قُلُوبِهِم مَعَانٍ إِيمَانِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، كَانَ مِنَ الأَحرَى بِهِم أَن يَتَمَسَّكُوا بها وَيَعَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ مَهمَا تَغَيَّرَتِ الأَحوَالُ أَوِ اشَتَدَّتِ الأَزَمَاتُ، أَو عَظُمَ البَلاءُ وَتَوَالَتِ المَصَائِبُ. أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّهُ مَهمَا طَرَأَت عَلَى الحَيَاةِ مِن تَغَيُّرَاتٍ، أَو وَاجَهَتِ النَّاسَ فِيهَا المُشكِلاتُ وَالمُعضِلاتُ، أَو تَنَوَّعَتِ الحَوَادِثُ وَالمُؤَثِّرَاتُ، سَوَاءً عَلَى المُستَوَى العَالَمِيِّ العَامِّ، أَوِ في الشَّأنِ الدَّاخِلِيِّ الخَاصِّ، فَإِنَّ عَلَى المُسلِمِ أَلاَّ يَشتَغِلَ كَثِيرًا بِتَفَاصِيلِ مَا يَجرِي مِن أَحدَاثٍ أَو يُغرِقَ في تَحلِيلاتِهَا وَمَا تَؤُولُ إِلَيهِ بَعدَ حِينٍ، إِلى الحَدِّ الَّذِي يَغفَلُ فِيهِ عَن نَفسِهِ، وَيَنسَى مَا يَنبَغِي أَن يَكُونَ عَلَيهِ في عِلاقَتِهِ بِرَبِّهِ، إِذْ إِنَّ الانصِرَافَ كَثِيرًا إِلى مَا يَفعَلُهُ البَشَرُ وَيُدَبِّرُونَهُ، وَالغَفلَةَ عَمَّا يُقَدِّرُهُ رَبُّ البَشَرِ وَمُدَبِّرُ الكَونِ، لا يُنتِجُ إِلاَّ تَفَرُّقَ الهَمِّ وَتَشَتُّتَ القَلبِ وَضَيَاعَ الفِكرِ، وَتَقَطُّعَ النُّفُوُسِ حَسَرَاتٍ عَلَى آلامٍ قَرِيبَةٍ حَصَلَت وَوَقَعَت، أَو آمَالٍ بَعِيدَةٍ غَابَت وَعَزَبَت، وَمِن ثَمَّ يُدَاخِلُ اليَأسُ القُلُوبَ، وَيَحِلُّ القُنُوطُ بِالنُّفُوسِ، وَكَفَى بِهَذَا ضَلالاً وَانحِرَافًا، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].



أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد جَرَت حِكمَةُ اللهِ - تَعَالى - في عِبَادِهِ أَنْ خَلَقَهُم في كَبَدٍ، وَقَضَى أَن يَعِيشُوا شَيئًا مِنَ المَشَقَّةِ وَالابتِلاءِ، رِمَاحُ المَصَائِبِ عَلَيهِم مُشرَعَةٌ، وَسِهَامُ البَلاءِ إِلَيهِم مُرسَلَةٌ، وَلَولا أَنَّ الدُّنيَا دَارُ ابتِلاءٍ وَاختِبَارٍ، مَا ضَاقَ العَيشُ فِيهَا عَلَى الأَنبِيَاءِ وَالأَخيَارِ، وَلَو أَنَّهَا خُلِقَت لِلَذَّةٍ دَائِمَةٍ، لَمَا كَانَ لِلمُؤمِنِ حَظٌّ مِنهَا، غَيرَ أَنَّ الإِنسَانَ فيها لا يَخلُو مِن شِدَّةٍ وَضِيقٍ، وَمُصِيبَةٍ تَحُلُّ وَبَلِيَّةٍ تَنزِلُ، لَكِنَّ اللهَ قَضَى أَنَّ مَعَ الشِّدَّةِ فَرَجًا، وَأَنَّ مَعَ البَلاءِ عَافِيَةً، وَأَنَّ بَعدَ المَرَضِ شِفَاءً، وَأَنَّ مَعَ الضِّيقِ سَعَةً وَعِندَ العُسرِ يُسرًا، وَهُوَ القَائِلُ - سُبحَانَهُ -: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6] وَإِنَّ رَبًّا قَد رَعَى عَبدَهُ وَحَمَاهُ وَهُوَ جَنِينٌ في بَطنِ أُمِّهِ لا يَملِكُ مِن أَمرِ نَفسِهِ شَيئًا، وَأَخرَجَهُ مِن ظُلُمَاتِ البَطنِ وَضِيقِهِ إِلى نُورِ الدُّنيَا وَسَعَتِهَا، إِنَّهُ لَقَادِرٌ عَلَى أَن يَحفَظَهُ في مَسِيرَةٍ حَيَاتِهِ كُلِّهَا، وَأَن يَجعَلَ لَهُ فَرَجًا مِن ظُلُمَاتِ المِحَنِ جَمِيعِهَا؛ فَهُوَ - سُبحَانَهُ - الخَلاَّقُ العَلِيمُ، المُدبِرُ الحَكِيمُ الخَبِيرُ، الَّذِي لا يَقَعُ في الكَونِ إِلاَّ مَا شَاءَ كَيفَمَا شَاءَ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 3] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 31] وَإِذَا كَانَ المُدَبِّرُ هُوَ الرَّحمَنَ الرَّحِيمَ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ، فَإِنَّهُ لا يُقَدِّرُ عَلَى العِبَادِ شَرًّا مَحضًا، بَل مَا مِن مُصِيبَةٍ إِلاَّ وَفِيهَا مِنَ الخَيرِ مَا لَو عَلِمُوا حَمِيدَ عَاقِبَتِهِ مَا جَزِعُوا أَبَدًا وَلا حَزِنُوا، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " عَجَبًا لأَمرِ المُؤمِنِ، إِنَّ أَمرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ، وَلَيسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ، إِن أَصَابَتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ، وَإِن أَصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَمِن أَعظَمِ الخَيرِ الَّذِي تَشتَمِلُ عَلَيهِ المَصَائِبُ وَإِن كَانَ أَثَرُهُ لا يَظهَرُ في الدُّنيَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الفَرَحُ العَظِيمُ بِهِ في الآخِرَةِ، مُضَاعَفَةُ الأُجُورِ وَتَكفِيرُ السَّيِّئَاتِ وَرِفعَةُ الدَّرَجَاتِ، فَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ عَنهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " مَا يُصِيبُ المُسلِمَ مِن نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ وَلا حَزَنٍ، وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بها مِن خَطَايَاهُ " وَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا لا يَرَى فِيمَا يَجرِي مِن أَحدَاثٍ إِلاَّ جَانِبَهَا المُظلِمَ، فَإِنَّ هَذَا لا يَعنِي أَنَّ الخَيرَ قَدِ انقَطَعَ عَنهُ، أَو أَنَّهُ غَيرُ مَوجُودٍ فِيمَا قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيهِ، وَكَيفَ يَكُونُ ذَلِكَ وَالعَلِيمُ الخَبِيرُ - سُبحَاَنُه - يَقُولُ وَقَولُهُ الحَقُّ: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216] وَيَقُولُ: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19] وَيَقُولُ: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النور: 11] إِذَا عُلِمَ هَذَا - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَجِبُ عَلَى المُسلِمِ فِيمَا يَكتبُهُ اللهُ عَلَيهِ وَيُقَدِّرُهُ، أَن يَرضَى بِهِ وَيَستَسلِمَ لَهُ وَإِن كَانَ مُؤلِمًا، وَلَيسَ مَعنَى هَذَا الخُضُوعَ وَالخُنُوعَ، أَوِ الاكتِفَاءَ بِالبُكَاءِ وَالجَزَعِ، أَوِ الوُقُوفَ وَالانكِفَاءَ عَلَى النَّفسِ بِلا تَدبِيرٍ وَمُحَاوَلَةٍ لِلخُرُوجِ مِنَ المَأزَقِ، وَلَكِنَّ الوَاجِبَ أَن يَنظُرَ المَرءُ فِيمَا يُمكِنُ أَن يُخَفِّفَ بِهِ المُصِيبَةَ وَيُعَالِجَ آثَارَهَا، وَأَن يَنظُرَ فِيمَا بَقِيَ لَدَيهِ مِن خَيرٍ وَلَو كَانَ قَلِيلاً، فَيَستَثمِرَهُ وَيُدَبِّرَهُ، حَتَّى يَشتَدَّ عُودُهُ وَيُثمِرَ مِن جَدِيدٍ. وَأَمرٌ آخَرُ يَجِبُ عَلَى العَبدِ في حَالِ سَرَّائِهِ وَضَرَّائِهِ، وَهُوَ في حَالِ الضَّرَّاءِ بِهِ أَولى وَعَلَيهِ أَوجَبُ، أَلا وَهُوَ اللُّجُوءُ إِلى اللهِ وَدُعَاؤُهُ وَالتَّضَرُّعُ إِلَيهِ وَالاستِكَانَةُ إِلَيهِ، وَبَثُّهُ الشَّكوَى وَالحِرصُ عَلَى مَا يَجلِبُ مَعِيَّتَهُ، وَقَد ذَمَّ - تَعَالى - الَّذِينَ لا يَتَضَرَّعُونَ وَلا يَستَكِينُونَ وَقتَ البَلاءِ، فَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [المؤمنون: 76] وَفي الجَانِبِ الآخَرِ ذَكَرَ - تَعَالى - دَيدَنَ خَيرِ خَلقِهِ وَهُم أَنبِيَاؤُهُ وَرُسلُهُ، وَكَيفَ كَانُوا إِذَا نَزَلَ بِهِمُ البَلاءُ وَاشتَدَّ بِهِمُ الكَربُ وَعَظُمَت عَلَيهِم المَصَائِبُ، لَجَؤُوا إِلَيهِ وَتَضَرَّعُوا، وَأَظهَرُوا افتِقَارَهُم بِالَّشكَوى إِلَيهِ، فَهَذَا نُوحٌ - عَلَيهِ السَّلامُ - لَمَّا اشتَدَّ عَلَيهِ أَذَى قَومِهِ وَحَاصَرُوهُ وَهَدَّدُوهُ، وَكَانُوا يَأخُذُونَ مَن يَتَّبِعُهُ فَيَفتِنُونَهُم عَن دِينِهِم ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ﴾ [القمر: 10، 11] وَجَاءَهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِالنَّصرِ المُبِينِ، وَأَغرَقَ القَومَ بِالطُّوفَانِ الظَّالِمِينَ، وَأَنقَذَهُ وَمَن مَعَهُ مِنَ المُؤمِنِينَ، وَهَذَا أَيُّوبُ لَمَّا ابتُلِيَ بِالأَمرَاضِ، فَلَبِثَ في بَلائِهِ ثَلاثَ عَشرَةَ سَنَةً، حَتَّى رَفَضَهُ القَرِيبُ وَالبَعِيدُ، وَظَنُّوا مِن طُولِ البَلاءِ وَاشتِدَادِ المَرَضِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ أَنَّهُ لِذُنُوبٍ أَحدَثَهَا، فَحَزِنَ لِذَلِكَ وَدَعَا وَ﴿ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83] قَالَ اللهُ - تَعَالى -: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 84] وَهَذَا يُونُسُ - عَلَيهِ السَّلامُ - لَمَّا حُبِسَ في بَطنِ الحُوتِ في قَاعِ البَحرِ في ظُلمَةِ اللَّيلِ ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87] فَكَانَت العَاقِبَةُ ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88] وَهَذَا زَكَرِيَّا - عَلَيهِ السَّلامُ - يَتَقَدَّمُ بِهِ العُمُرُ وَيَكبُرُ وَيَشتَدُّ ضَعفُهُ، وَتَهِنُ عِظَامُهُ وَيَشِيبُ رَأسَهُ ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 4 - 6] وَيَرفَعُ الشَّكوَى إِلى اللهِ وَيُكَرِّرُهَا ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ [الأنبياء: 89، 90] أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُؤمِنُونَ - وَلْنَكُنْ مَعَ اللهِ بِطَاعَتِهِ يَكُنْ مَعَنَا بِحِفظِهِ وَتَوفِيقِهِ، فَإِنَّهُ - تَعَالى - مَعَ الصَّابِرِينَ، وَمَعَ المُؤمِنِينَ، وَمَعَ المُتَّقِينَ، وَمَعَ المُحسِنِينَ، وَمَن كَانَ اللهُ مَعَهُ فَلا خَوفَ عَلَيهِ وَلا حَزَنَ. قَالَ - تَعَالى -: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].

♦ ♦ ♦ ♦



أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّ الفِتَنَ وَالأَزَمَاتِ وَالشَّدَائِدَ وَالمُلِمَّاتِ، فُرصَةٌ لأَن يُرَاجِعَ المَرءُ نَفسَهُ وَيَختَبِرَ إِيمَانَهُ وَقُوَّةَ صَبرِهِ، وَيَتَمَيَّزَ صِدقُهُ مِن كَذِبِهِ..

لَولا المَشَقَّةُ سَادَ النَّاسُ كُلُّهُمُ ♦♦♦ الجُودُ يُفقِرُ وَالإِقدَامُ قَتَّالُ


إِنَّ عَلَى المُسلِمِينَ أَن يَستَشعِرُوا عِزَّتَهُم وَكَرَامَتَهُم وَإِن أَصَابَهُم مَا أَصَابَهُم، امتِثَالاً لأَمرِ اللهِ القَائِلِ: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139] وَإِنَّ مِن لَوَازِمِ ذَلِكَ عَدَمَ الاستِسلامِ وَالخُمُولِ، وَمُوَاجَهَةَ الوَاقِعِ بِالعَمَلِ الجَادِّ وَبَذلِ الأَسبَابِ المَشرُوعَةِ، وَالمُشَارَكَةِ في نَشرِ الأَمنِ وَدَرءِ الفِتَنِ، وَصِنَاعَةِ النَّصرِ وَبِنَاءِ أُسُسِ التَّمكِينِ، بِالتَّغيِيرِ مِن دَاخِلِ النُّفُوسِ أَوَّلاً، وَالانتِصَارِ عَلَى شَهَوَاتِهَا وَلَذَائِذِهَا، وَالعَودَةِ بها إِلى اللهِ، وَالتَّوبَةِ في كُلِّ وَقتٍ، فَإِنَّ الأَمنَ لا يُسلَبُ، وَالنَّصرَ لا يَتَأَخَّرُ، وَالنِّعمَةَ لا تُفقَدُ، إِلاَّ بِسَبَبٍ مِن أَنفُسِنَا، ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 79.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 77.47 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]