|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أسباب منع القطر (1) الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل الحمد لله الجواد الكريم؛ خلق الخلق فدبرهم، وهداهم إلى ما يصلحهم ورزقهم، احتاج الخلق إليه وهو غني عنهم ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ ﴾ [الذاريات:56 - 58] نحمده على ما هدانا، ونشكره على ما أعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الشُّورى:12]، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أكمل الخلق إيمانا به، وأكثرهم رجاء له، وأشدهم خوفا منه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه؛ فإن في طاعته سعادةَ الدارين، وإن في معصيته شقاءَ الحياتين ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الأعراف:35 - 36]. أيها الناس: رِزْقُ الخلقِ على الله تعالى، خلقهم سبحانه وكفلهم وهو يرزقهم ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك:15]. ومن خصائص ربوبيته عز وجل أنه ينفق على خلقه ويرزقهم منذ خلقهم، فلا ينقطع رزقه، ولا تنفد خزائنه، ولا ينقص ما عنده ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ الله بَاقٍ ﴾ [النحل:96] وفي الآية الأخرى ﴿ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ﴾ [ص:54]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يَدُ الله مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ ما أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السماوات وَالْأَرْضَ فإنه لم يَغِضْ ما في يَدِهِ) متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه. ورِزْقُ الله تعالى لعباده خاص وعام: فأما الخاص فيكون لبعض عباده دون بعض، بما يفتح الله تعالى عليهم من أبواب الرزق دون غيرهم، كما فتح سبحانه لبعض عباده في أبواب التجارة فلا يخسرون فيها أبدا، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ رضي الله عنه بِالْبَرَكَةِ في بَيْعِهِ (فكان لو اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فيه) رواه أبو داود. وأما الرزق العام فبما ينزل الله تعالى لعباده من غيث السماء، ويخرج لهم من خيرات الأرض، مما يحتسبونه وينتظرونه، ومما لا يحتسبونه ولا يتوقعونه، والله يرزق من يشاء بغير حساب، فينتفع بهذا الرزق البشرُ والحيوان والأشجار، ثم يعود نفع ذلك لبني آدم؛ لأن كل ما في الأرض مسخر لهم ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية:13]. إن رزق الله تعالى مقسوم بين عباده أفرادا ودولا وأمما على كيفية لا يعلمها إلا الله تعالى فهو الباسط القابض، وهو المعطي المانع ﴿ وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ﴾ [النحل:71] ومردُّ هذا التفاوت في الرزق بين العباد والدول والأمم علمُ الله تعالى وحكمتُه ﴿ اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [العنكبوت:62]. وأكثر الناس لا يدركون حكمة الله تعالى في رزقه؛ ولذلك يتسخطون ولا يرضون بما قُسم لهم منه ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ:36]. ومن حكمة الله تعالى في عدم التوسعة على البشر في الرزق أن ذلك يؤدي بهم إلى الأشر والبطر والبغي والفساد في الأرض ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ [الشُّورى:27]. والرزق يطلب من الله تعالى، ولا يبتغى عند غيره؛ لأنه لا رازق إلا الله تعالى ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ الله الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت:17]. ولجلب الرزق وتحصيله أسباب، كما أن للحرمان منه ومنعه أسبابا أخرى، وحري بالعاقل أن يجتنب أسباب حرمان الرزق، ويَجِدَّ في أسباب حصوله. والمطر من رِزْقِ الله تعالى لأهل الأرض ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ﴾ [غافر:13]. ويكون تصريفه وقسمته بين أهل الأرض على وفق مشيئة الله سبحانه لحكمة يريدها عز وجل ﴿ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [النور:43] وفي الآية الأخرى ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا ﴾ [الفرقان:50]. وإذا حُبِس القطر عن أهل الأرض حصل لهم من الكرب والجوع ونقص الثمرات وقلة الخيرات ما لا يعلمه إلا الله تعالى ﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ﴾ [الملك:21]. وفي خصوص الماء الذي لا حياة لمن على الأرض إلا به يقول سبحانه ممتنا على عباده ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أَمْ نَحْنُ المُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة:68 - 70] وفي الآية الأخرى ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [الملك:30]. وأسباب منع القطر من السماء عديدة، يجمعها ظلم العباد لأنفسهم بمعصية الله تعالى، وظلم العباد بعضهم لبعض. كما أن التخلص من هذا الظلم بنوعيه سبب لنزول الأمطار، والبركة في الأرزاق، وحلول الخيرات، ورفع العقوبات، وتصديق ذلك من كتاب الله تعالى ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف:96]. فعلم أن سبب حبس بركات السماء والأرض عنهم تكذيبهم، كما أن الإيمان والتقوى سبب لفتح هذه البركات على العباد. ومن شؤم أرباب الذنوب والمنكرات، أنهم سبب لمنع الأرض من الخيرات، وتَنَزُّلِ العقوبات، قال مجاهد رحمه الله تعالى في قول الله سبحانه (ويلعنهم اللاعنون): البهائمُ تلعن عصاة بني آدم حين أمسك الله عنهم بذنوب بني آدم المطر فتخرج البهائم فتلعنهم. وسمع أبو هريرةَ رضي الله عنه رجلاً يقولُ: إِنَّ الظالمَ لا يضرُّ إِلا نفسَه فقال أبو هريرةَ: بَلى والله حتى الحُبارى لتَموتُ في وكْرها هُزْلاً لظلمِ الظالمِ). قال العلماء: إنما خص الحبارى بالذكر لأنها أبعد الطير طلباً للرزق. ومع ذلك يرزقها الله تعالى في أوكارها حتى يلحقها شؤم معصية العاصين من البشر، فتحرم الرزق بسببهم. ولأجل ذلك ثبت في الحديث الصحيح (أن الْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ منه الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ) وكل ما يصيب العباد من المصائب والنكبات، ونقص الأرزاق، وغور المياه، وحبس الأمطار، وضعف النبات، وموت الأشجار فبسبب معاصيهم وذنوبهم، ولا يظلمهم الله تعالى شيئا ﴿ ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الرُّوم:41] وفي الآية الأخرى ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشُّورى:30]. بل إن الله تعالى لا يؤاخذ العباد بكل ذنوبهم، وإلا لأهلكهم أجمعين، ولم يظلمهم شيئا ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [النحل:61] وفي الآية الأخرى ﴿ وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ ﴾ [الكهف:58]. ومن بعض عقوبات الله تعالى للعباد أن يحبس عنهم قطر السماء، ويمنع نبات الأرض؛ كما عاقب سبحانه وتعالى بذلك فرعون وقومه لما عصوه عز وجل، ولم يتبعوا رسوله موسى عليه الصلاة والسلام ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف:130]. وهكذا عوقب أهل مكة على عصيانهم بحبس القطر والنبات عنهم، وأصيبوا بالجوع بدعوة النبي عليه الصلاة والسلام عليهم؛ كما روى ابن مسعود رضي الله عنه فقال ![]() نسأل الله تعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يشملنا بعفوه، وأن يتجاوز عنا، ونستجير به سبحانه أن يعذبنا بذنوبنا وبما فعل السفهاء منا، إنه سميع مجيب. ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف:23]. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم..... الخطبة الثانية الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده على جزيل فضله وعطائه، وأشكره على عظيم مَنِّه وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فإن تقواه سبحانه سبب لرفع البلاء، ودفع الضراء، وحصول الرزق، وحلول البركة ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطَّلاق: 2، 3]. أيها المسلمون: ثبت في نصوص الشريعة أن الذنوب والمعاصي سبب لكل بلاء ينزل بالناس، كما أن الطاعة سبب لكل خير يصيبهم. وقطر السماء من رزق الله تعالى، وما حُرمه الناس إلا ببعض ذنوبهم، ولو أُخذوا بها كلها لهلكوا. وكل عبد يعصي الله تعالى فليعلم أنه من أسباب حرمان البلاد والعباد من الرزق، وأن وبال معصيته يتعداه إلى غيره، حتى يأتي على الحيوان والطير، سواء كانت هذه المعصية فيما بينه وبين الله تعالى كالتهاون في الصلوات، وتضييع الطاعات، وارتكاب المحرمات، أو تعلقت معصيته بحقوق العباد من ظلمهم وأكل حقوقهم، وبخسهم أشياءهم، وقد جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) وفي لفظ: (وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا) رواه ابن ماجه وصححه ابن حبان. وذكر ابن عباس رضي الله عنهما أن اكتساب السيئات سبب لنقص الرزق. فإذا كان كذلك فكم في كل واحد منا من المعاصي والذنوب التي يجترحها وهو مُصِّرٌ عليها، أو التي يقترفها وهو غافل عنها؟ ولو جمعت ذنوب العباد كلهم فكيف ستكون؟! إن ذنوب الواحد منا سببٌ لمنع رزقه، وحرمانه التمتع به، ونزع البركة منه، فإذا حُرم مجموع الناس أرزاقهم بسبب ذنوبهم لم يبق لهم أرزاق، فيضيق عيشهم شيئا شيئا، حتى يأكل بعضهم بعضا، عوذا بالله تعالى من ذلك. إن منع القطر من السماء، وجدب الأرض، وفساد الزرع من شدة البرد ما هو إلا من نتائج ذنوبنا، ولا دافع لذلك إلا الله تعالى، فواجبٌ علينا أن نُقِّرَّ بذلك، ونتوب إلى الله سبحانه وتعالى؛ فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة. انظروا يا عباد الله كم في الناس من تضييع للصلوات، ومنع للزكاة وقد جاء الحديث بأن منعها سبب لمنع القطر من السماء. تأملوا..كم في الناس من عقوق للوالدين، وقطيعة للأرحام، وأذية للجيران، وهجر للإخوان..قد امتلأت قلوب الإخوان بعضهم على بعض بأسباب تافهة، وأمور حقيرة، استوجبوا بها غضب الله تعالى ونقمته..وحرموا رزقه سبحانه.. شاهدوا في زمننا هذا كيف تنتشر المنكرات، ويُجاهر بالموبقات، في الأسواق والمستشفيات والأعمال وغيرها، ويفرض هذا الفساد على الناس بالقوة، ويُؤصل له في كثير من وسائل الإعلام المنحرفة، ولا ينكر ذلك إلا القليل من الناس، حتى ماتت كثير من القلوب، وغابت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. أو تكاد!! بسبب تخاذل الناس، وقوة أهل الشر والبغي والفساد.. تأملوا..كيف بلغ ظلم الناس بعضهم لبعض في أكل الحقوق والغش في التجارات، والمجاهرة بالربا، وانتشار الرشوة والاحتكار والاستغلال والسرقة وأنواع المعاملات المحرمة.. كل ذلك.. وغيره كثير وكثير جدا سببٌ لما يجده الناس من حبس الأمطار، وفساد الزروع والثمار، وغلاء الأسعار، وقلة البركة في الأموال..فإن لم نبادر بتوبتة صادقة عاجلة نتخلص فيها من ذنوبنا فإن أحوالنا ستضيق على ضيقها، وستكسد معايشنا، وتمحق بركة أموالنا وأرزاقنا، والله تعالى إذا أراد عذاب العباد فهو سبحانه قادر عليهم ﴿ قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام:65]. ألا فاتقوا الله ربكم، وتخلصوا من ذنوبكم، وأدوا الحقوق التي عليكم..حافظوا على صلاتكم، وأدوا زكاة أموالكم، وصلوا أرحامكم، وأزيلوا الشحناء من قلوبكم؛ فإنها سبب لرفع الخير، ووقوع الشر.. مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، ولا يغلبنكم أهل الفساد والإفساد بباطلهم، وأنتم تمتلكون الحق وهو أقوى منه.. فإننا إن فعلنا ذلك، وصدقنا مع الله تعالى في توبتنا فتح سبحانه وتعالى علينا أرزاق السماء والأرض، وبارك لنا فيها، فجمع لنا بين نعيم الدنيا، وتحصيل أسباب نعيم الآخرة. ﴿ وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور:31]. وصلوا وسلموا على نبيكم...
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() أسباب منع القطر (2) الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل الحمد لله العلي الأعلى؛ أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، نحمده على سابغ نعمه، ونشكره على واسع فضله؛ فما من خير إلا وهو واهبه، ولا من بلاء إلا وهو دافعه ورافعه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ نواصي العباد بيديه، وآجالهم وأرزاقهم إليه، يعطيهم منذ خلقهم فما نفدت أرزاقه، ولا غاضت نفقته ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ï´¾ [فاطر:3]. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أنصح العباد للعباد وأتقاهم لله تعالى، رغَّب ورهَّب، وبشَّر وأنذر، ونهى العباد عن معصية الله تعالى، وحذَّرهم نقمته وعذابه حتى قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما مَثَلِي وَمَثَلُ ما بَعَثَنِي الله بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أتى قَوْمًا فقال: يا قَوْمِ، إني رأيت الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ وَإِنِّي أنا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ من قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا على مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ منهم فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ فَذَلِكَ مَثَلُ من أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ ما جِئْتُ بِهِ وَمَثَلُ من عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ من الْحَقِّ)) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا نقمته فلا تعصوه؛ فإن ربكم سريع العقاب، شديد المحال ï´؟ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ï´¾ [هود:102]. أيها الناس: يطيب لكثير من الناس الحديث عن البشائر والمرغبات، وينفرون ممن يحذرهم وينذرهم، ولا يحبون من يذكرهم بنصوص الترهيب والتخويف، ولا سيما في موجة التخذيل والإرجاء والتبديل لدين الله تعالى التي تكاد تجتاح العالم الإسلامي في هذا الزمن. ومن نظر في القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وجد فيهما الوعيد كما فيهما الوعد، وفيهما الترهيب كما فيهما الترغيب، وغالبا ما يُقرن في الكتاب والسنة الوعد بالوعيد، والترغيب بالترهيب ï´؟ اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [المائدة:98] ï´؟ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [الأنعام:165] وفي السنة النبوية روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إلا من أَبَى، قالوا: يا رَسُولَ الله، وَمَنْ يَأْبَى؟ قال: من أَطَاعَنِي دخل الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى) ونحو هذا كثير في القرآن الكريم، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا كان في الناس تقصير في طاعة الله تعالى، وإقبال على المعاصي؛ فإن من النصيحة لهم، والرأفة بهم؛ تذكيرَهم بعذاب الله تعالى؛ لئلا يحيق بهم وهم في غفلتهم؛ فإن أمما ممن سبقونا أسرفوا على أنفسهم بالعصيان فحل بهم عقاب الله تعالى وهم في غفلتهم ï´؟ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ï´¾ [الأعراف: 4]. ومن نظر في واقع الناس المعاصر وجد أنهم يعانون من مشكلات كثيرة، وتحل بهم مصائب متنوعة سواء على مستوى الأفراد أم على مستوى الجماعة، وصار الخوف من المستقبل ومفاجأته هاجسا يسيطر على العقول، ومرتكزا لبناء العلاقات، وتغيير القناعات، وأخذ الاحتياطات، ومن لم يحتط بدين الله تعالى فلا عاصم له. ثم كان حبس القطر عن الناس مكملا لمشكلاتهم، وزيادة في معاناتهم، وتضرر بذلك أهل الزرع وأهل الضرع، وعمت المصيبة أهل البوادي والقرى والمدن بما نتج عنه من غور المياه، وموت الزرع، وقلة الثمر، وجدب الأرض، وهُزال الماشية. والعادة أن الأمطار التي تنهمر في موسمها تخضَّر بها الأرض، وينتفع بها الزرع، ويعود ذلك بالفائدة على المواشي ثم على الناس، ويبقى مخزونها في الأرض لأهل السقاية يسقون بها زروعهم وأشجارهم، ويُروون بها نعمهم، وتنفعهم إلى الموسم القابل. أَمَا وقد حُبس قَطْرُ هذا الموسم عن العباد فإن الأمر خطير، وما ينتج عنه شديد، وما هو إلا من إنذار الرب للعباد؛ فإنه سبحانه يخوفهم بآياته ï´؟ وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ï´¾ [الإسراء: 59] فعسى أن يكون فينا من الخوف ما يجعلنا نحاسب أنفسنا، ونتوب إلى الله تعالى من معاصينا، ونلزم طاعة ربنا، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة كما قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، ونعوذ بالله العظيم أن نكون من أهل قوله سبحانه وتعالى ï´؟ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ï´¾ [الإسراء: 60]. إن حبس القطر، وغور المياه، وجدب الأرض، وقلة الثمر، وفساد الزرع، وهُزَال الماشية إذا أصاب قوما فإنه يكون ابتلاء للمؤمنين الطائعين، وإنذارا للعصاة المسرفين، والعقوبة إذا كتبت على قوم أصابتهم جميعا ï´؟ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ ï´¾ [الأنفال:25]. ولهذه العقوبة الربانية والإنذار الإلهي أسباب بخصوصها دلَّ الشرع عليها، كما أن عموم المعاصي أسباب لعموم المحن والبلايا بقول الله تعالى ï´؟ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ï´¾ [هود: 117] وفي آية أخرى ï´؟ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ï´¾ [القصص: 59] وفي آية ثالثة ï´؟ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ï´¾ [الشُّورى: 30]. وبخصوص قطر السماء دلت النصوص على أن تقصير العباد في تحصيل أسباب كمال الإيمان، وكسلهم عن تحقيق التقوى، وميلهم إلى الهوى سبب لمنع القطر ï´؟ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ï´¾ [الأعراف: 96] ومن بركات السماء الغيث المنزل، ومن بركات الأرض اهتزازها بالزرع، وزينتها بالخضرة، ولا يملك ذلك إلا الله تعالى، وذلك من رزقه في السماء والأرض ï´؟ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ï´¾ [غافر:13]. ودلت السنة النبوية على أن بخس الموازين، والغش في التجارات سبب للجوع والقلة، وبه تنزع البركة من الأرزاق وأن منع الزكاة سبب لحبس القطر؛ كما في حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: (أَقْبَلَ عَلَيْنَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: يا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إذا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِالله أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ....وذكر منها: ولم يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عليهم ولم يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إلا مُنِعُوا الْقَطْرَ من السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لم يُمْطَرُوا) رواه ابن ماجه. وجاء في القرآن ما يدل على أن نشر الفساد في الأرض، وتسويغه للعباد، وتشريعه بينهم، وعدم إنكاره فيهم سبب لفساد البر والبحر، وينتج عن فسادهما ذهاب خيراتهما، ونزع بركة أرزاقهما؛ فإن الله تعالى جعل في البر والبحر من الكنوز والأرزاق والخيرات ما ينتفع به العباد في مأكلهم ومشربهم وملبسهم ومركبهم، وإمعان العباد في المعاصي سبب لنزع البركة من البر والبحر، فتنضب أرزاقهما، وتذهب خيراتهما ï´؟ ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ï´¾ [الرُّوم: 41]. جاء عن عكرمة رحمه الله تعالى أنه قال في ظهور الفساد في البر والبحر: هو قحوط المطر، قيل له: قحوط المطر لن يضرَّ البحر، قال: إذا قلَّ المطر قلَّ الغوص.اهـ. وفي هذه الآية العظيمة بيَّن الله عز وجل أن فساد البر والبحر بسبب أعمال العباد، وأن ذلك من العذاب الذي يمسهم عساهم أن يرجعوا إلى ربهم، ويستمسكوا بدينهم، ويتوبوا من ذنوبهم ï´؟ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ï´¾ [الرُّوم: 41]. كذلك دلت السنة النبوية على أن الانغماس في الحرام مانع من قبول الدعاء، ومعلوم أن الناس إذا أصابتهم الضراء، ونزل بهم البلاء لجئوا إلى الله تعالى بالدعاء، وكم استسقى الناس في هذا العام، ورفعوا أكف الضراعة إلى الله تعالى، وخرجوا إلى المصليات طلبا للغيث فما استجيب لهم ولم يُغاثوا على كثرة ما خرجوا واستغاثوا، وربنا جواد كريم لا يَرُدُ سائلا، ولا يُخَيِّبُ داعيا، ولولا موانع الإجابة التي تلطخ العباد بها لأُجيبوا، ولتنزل عليهم غيث السماء مدرارا فاخضرت به أرضهم، روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا الناس إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فقال ï´؟ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ï´¾ [المؤمنون: 51] وقال ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ï´¾ [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ: يا رَبِّ يا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم. وفي زمننا هذا انتشرت المعاملات المالية المحرمة كالربا والنجش والغش، وأكل أموال الناس بالباطل فيما يعرف بتجارة الأسهم أو تشغيل الأموال ثم جحدها أو المماطلة فيها، مما كان فيه ظلم عظيم وإضرار بالضعفة من الناس، وكل ذلك ومثله كثير، وكثير جدا هو من أكل الحرام الذي يمنع إجابة الدعاء. أفعجبتم يا عباد الله إن استسقينا مرات عدة فلم نمطر، وحال كثير منا مع الأموال والتجارة فيها ما لا يخفى عليكم؟! فنسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا إلى البر والتقوى، وأن لا يؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منا، وأن يعفو عنا ويغفر لنا ويرحمنا ï´؟ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ ï´¾ [الأعراف:23]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.... الخطبة الثانية الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه يليق بجلال ربنا وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وأطيعوه؛ فبتقواه عز وجل تأمنون وترزقون ï´؟ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ï´¾ [الطَّلاق: 2 - 3]. أيها المسلمون: كثير من الناس لا يدركون خطورة منع القطر من السماء؛ لأنهم لم يفقدوا الماء من بيوتهم، ولا يُحسون بمعاناة إخوانهم من مُلَّاك الزرع والضرع، وتلك أنانية أن لا يفكر المرء إلا في نفسه دون إخوانه، ثم إن الضرر الذي يأتي عليهم اليوم يلحق بقية الناس غدا؛ فإن غور المياه، ونضوب الآبار، وفساد الزروع والثمار ضرره عام على جميع الناس ولو لم يروا أثره في الحال..كيف والبلاد تشكو فقرا كبيرا في المياه الجوفية مما ينذر بأسوأ العواقب في المستقبل القريب!! إن عدم اهتمام كثير من الناس بما منعوا من قطر السماء في هذا العام يدل على غفلة عظيمة؛ فالنذر تأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وهم لا يلقون لها بالا، ولا يرفعون بها رأسا، ولم يتغير لهم حال، إلا من رحم الله تعالى وقليل ما هم. إن سوء الظن بالله تعالى قد ملأ قلوب كثير من الناس حتى أماتها، والعذاب إنما ينزل بالناس إذا استحكمت الغفلة من قلوبهم، وكما أن من سوء الظن بالله تعالى دعاءَه سبحانه من غير يقين بالإجابة فإن من سوء الظن به سبحانه أن يظن العباد أنه لا يؤاخذهم بذنوبهم، وهذا فيه تعطيل لقدرته سبحانه أو لحكمته؛ فإن حكمته البالغة تقتضي مؤاخذة المصرِّين على عصيانهم بعد أن أعذر الله تعالى إليهم بما أرسل إليهم من النذر والآيات التي كان من آخرها حبس القطر عنهم، بل إن في ذلك استخفافا بوعيد الله تعالى للعباد في كتابه العزيز، واستهانة بعذابه، وتلك كانت طريقة المعذبين في الأمم الغابرة. أما أهل الإيمان فإن من إحسان ظنهم بربهم رجاءَ رحمته، والخوف من عذابه، والحذر من أسباب نقمته، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كان أحسن الخلق ظنا بالله تعالى، ومن إحسان ظنه به أنه عليه الصلاة والسلام كان يخاف عذابه؛ لعلمه بشدة بطشه، وسريع انتقامه، وأليم عقابه، وليقينه أنه يأخذ العصاة على حين غرة، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذلك في وَجْهِهِ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فإذا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عنه ذلك، قالت عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ فقال: إني خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ على أُمَّتِي) رواه مسلم. إننا محتاجون أيها الإخوة إلى من يذكرنا بنصوص الترهيب والوعيد؛ لكثرة ما يُنتهك في هذا الزمن من حرمات الله تعالى على مستوى الأفراد والجماعة، وقد جاهر أهل العصيان بمعاصيهم، وأطلع المنافقون قرونهم يناطحون بها ديننا، وأعلن الزنادقة رفضهم لشريعة الله تعالى، وحاول المحرفون تحريفها وتبديلها، مع تشريعهم للفساد الأخلاقي، ونشرهم للانحراف الفكري على أوسع نطاق، ودعوتهم الناس إلى الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، والفساد في الأرض، على عكس ما ارتضاه الله تعالى لنا دينا، وفرضه علينا شرعا، وهو سبحانه ينهانا عن الفساد في الأرض ï´؟ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ ï´¾ [الأعراف: 56]. فجمع عز وجل في هذه الآية بين النهي عن الفساد وبين الأمر بالدعاء في آية واحدة مما يدل على أن الفساد في الأرض من موانع إجابة الدعاء، وكم يفسد المفسدون من أخلاق الناس وأفكارهم في صحفهم وإعلامهم؟! ثم بيَّن سبحانه أن رحمة الله تعالى قريب من المحسنين، ومعنى ذلك أنها بعيد من المفسدين، وإذا سكت الناس عن إفساد المفسدين كانوا متواطئين معهم، فيُخشى عليهم أن ينالهم العذاب معهم، وعقوبة الله تعالى إذا كتبت على أمة عمتهم جميعا، ولا ينجو منها إلا الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر بدليل قول الله تعالى ï´؟ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ï´¾ [الأعراف: 165]. فلنعتبر يا عباد الله بما أصابنا من قحوط المطر، وجدب الأرض، وغلاء السلع، وقلة الموارد وغيرها من الإنذارات والآيات..لنعتبر بها عما هو أشد منها قبل أن يصيبنا ما أصاب الأمم التي قبلنا ï´؟ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ï´¾ [الرعد: 11]. وصلوا وسلموا على نبيكم.....
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |