|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() ![]() السلام عليكم ورحمة الله ![]() اسال الله ان يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم ![]() نبذة مختصرة عن الشيخ العلامة أبي أويس بوخبزة التطواني حفظه الله اسمه ونسبه: هو الشيخ العلامة المحدث أبو أويس محمد بن الأمين بن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الحاج أبي القاسم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن سعيد بن يحيى بن عبد الله بن يحيى بن سعيد بن يحيى بن محمد بن الولي الصالح أبي الحسن علي بن الحسن الحسني الإدريسي العمراني المكنى (بوخبزة)، وينتهي نسب الشيخ إلى عبد الله بن إدريس مرورا بعمران (وإليه النسبة "العمراني") بن خالد بن صفوان بن عبد الله بن إدريس بن إدريس بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. مولده: ولد الشيخ حفظه الله ونفع به في مدينة تطاوين -شمال المغرب الأقصى-يوم السبت 26ربيع الأول1351 موافق يوليو1932هـ. دراسته : يقول الشيخ عن نفسه كما في ترجمته بقلمه:وفي السنة التالية أُدْخِلْتُ الكُتَّاب (الْمسِيدْ) فتلقيتُ مبادئ القراءة والكتابة والحساب والدين وبعضَ قصار المفصّل على الفقه المجوِّد السيد الحاج أحمد بن الفقيه المقرئ المعدَّل الأستاذ السيد عبدالسلام الدُّهْرِي (كان هذا السيد يختار للإمامة بالحجاج في البواخر التي كانت ترسلها إسبانيا في أول حكم (فرَانْكُو) للحج دعايةً وسياسة، فإذا ذهب أَنَابَ عنه الفقيه الشريف الأشيب السيد عبدالله شقور (الذي ما زال على قيد الحياة إلى الآن عام 1406، وقد تجاوز المائة، ثم توفي رحمه الله عام 1412هـ)، وبعد وفاة الفقيه الدُّهري واصلت على الفقيه الخَيِّر السيد محمد بن الراضي الحسّاني، وبعده على الفقيه البركة الزاهد السيد محمد بن عمر بن تَاوَيْت الودراسي والد الفقيه القاضي السيد أحمد وشقيقه الكاتب والأديب النابغة المؤلف السيد محمد رحمهما اللهّ، وعليه أتممتُ حفظ القرآن وسَرَدْتُه كلَّه أمامه على العادة الجارية، وبعد وفاته استمررت في القراءة على خَلَفه الأستاذ السيد محمد زيان، ولم أمكث معه إلا قليلا حيث أتممتُ حفظ بعض المتون العلمية كالآجرومية، والمرشد المعين على الضروري من علوم الدين، والخلاصة وهي ألفية ابن مالك، وبعض مختصر خليل في الفقه المالكي، ثم التحقت بالمعهد الديني بالجامع الكبير ومكثتُ فيه نحوَ عامين تلقيتُ خلالها دروساً نظامية مختلفة على ضَعف المستوى العام في التفسير والحديث والفقه والأصول والنحو البلاغة، على مدرسيه المشهورين الأساتذة: محمد بن عبدالصمد التُّجكاني، ومحمد بن عبدالكريم أًقَلعي الشهير بالفحصي (القاضي في ما بعد رحمه الله)، ومحمد بن عبدالله القاسمي (خليفة القاضي)، والعربي بن علي اللُّوهْ (الوزير في الحكومة الخليفية)، وقد ألف عدة كتب طُبع بعضها في الأصول والمنطق العقائد وتاريخ المقاومة في شمال المغرب، ومحمد بن حمو البقالي الأحمدي، والشيخ محمد المصمودي، والتهامي المؤذن الغرباوي، ومحمد الزكي الحراق السَّرِيفي، وأحمد القْصِيبي الأَنجري، وعمر الجَيّدي الغُماري وغيرهم (وقد توفي هؤلاء إلى رحمة الله في مُدد متفاوتة)، وكنت قبل التحاقي بالمعهد أخذتُّ عن والدي رحمه الله النحو بالآجومية والألفية إلى باب الترخيم حيث توفي، وكانت طريقتُه في التدريس من أنفع الطرق للمبتدئ، حيث كان يأخذني بحفظ المتن فقط، ثم يشرحه لي، ويلقنني الأمثلةَ والشواهد ويأخذني بحفظها ويبين لي محل الشاهد، ويمتحنني كل أسبوع، كما أخذتُّ دروسا في الفقه المالكي بالمرشد المعين لعبد الواحد بن عاشر، على الفقيه القاضي (بعد الاستقلال) السيد عبدالسلام بن أحمد علال البَختي الودْراسي، ودروسا أخرى في النحو على الأستاذ السيد المختار الناصر الذي كان مدرسا للبنات بالمدرسة الخيرية بتطوان، وكنا نقرأ عليه لأول عهدنا بالطلب بالزاوية الفاسية بالطَّرَنْكَات، وكان يطيل الدرس إلى أن ينام أغلب الطلبة رحمه الله، وعلى الأديب الكاتب الشاعر الناثر الفقيه المعدَّل السيد محمد بن أحمد علال البَختي المدعو ابن علال، وقبل هذا وبعده حضرتُ دروسا في الحديث والسيرة على الفقيه المؤرخ وزيد العدلية السيد الحاج أحمد بن محمد الرَّهوني، وكان هذا في الغالب في رمضان قبل أن ينتقل بسكناه إلى جِنانِهِ بِبُوجَرًّاح، وكان يسرُد له السيد محمد بن عزوز الذي تولى القضاء بإحدى قبائل غُمارة وبِها توفي، وكان يسرُد له أحيانا صحيح البخاري السيد عبد السلام أًجْزُول لجمال صوته، وعلى الفقيه المدرس النفّاعة السيد الحاج محمد بن محمد الفَرْطاخ اليَدْرِي، كما نفعني الله تعالى جدا بدروس الدكتور محمد تقي الدين بن عبد القادر الهلالي الحسيني السجلماسي الذي قدم تطوان حوالي 1365 هـ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، من أوربا وأقام بين ظهرانينا نحوَ ست سنوات تلقيتُ عليه خلالها دروسا في التفسير والحديث والأدب، وكان يلقي هذه الدروس بالجامع الكبير، وكان يسرد عليه محمد ابن فريحة، ويدرس بالدر المنثور للسيوطي والاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي، وأحدث بتطوان نهضة أدبية، وشغل الناس بآرائه وأفكاره، وأثار الفقهاء والصوفية بانتقاداته فلَمَزوه وآذوه فهجاهم أقذع الهجو رحمهم الله، كما انتفعت كثيرا بتوجيهات العلامة الأديب الوزير السيد محمد بن عبد القادر بن موسى المنبهي المراكشي منشأ التطواني دارا ووفاة، فكان يملي علي قصائده وأشعاره، ويذاكرني بلطائف المعاني وطرائف الآداب، وقد جمعت ديوانه في مجلد لطيف (توجد صورة منه بخزانة تطوان). وفي فاتح رجب 1367 هـ توفي والدي رحمه الله ففُتّ في عضدي ، وخمدت جذوة نشاطي، وتأخرت عن كثير من دروسي انشغالا بالعيش وحل المشاكل المخلفة، وسعيا على الوالدة والإخوان، ولم أنقطع قط عن الدراسة والمطالعة واقتناء الكتب و مدارسة إخواني الطلبة الأدبَ والعلمَ، وفي نحو عام 1370 هـ زرتُ مدينة فاس ومكثت بها أياما أخذت فيها دروسا على الفقيه الشهير محمد بن العربي العلَوي بالقرويين في أحكام القرآن لابن العربي، وبعد ذلك عرض علي الفقيه القاضي الحاج أحمد بن تاوَيْت رحمه الله العمل معه كاتبا بعد أن عينته وزارة العدل قاضيا ثانيا عند اتساع العمران، وازدحام السكان ، فأنشأت محكمة شرعية أخرى بحي العيون غربي الجامع، فقبلت وعملت معه كاتبا، وفي فاتح جمادى الأولى 1374 هـ في 27 /12/1954 م أصدرت مجلة "الحديقة" أدبية ثقافية عاشت خمسة أشهر؛ إذ توقفت في رمضان عامه، وكانت مجلة جميلة كنت آمل- لو عاشت- أن تكون مجلة الطلبة الوحيدة في شمال المغرب، حيث كان ينشر فيها نجباء الطلبة وكتابهم وشعراؤهم وقصاصوهم، وكنتُ قبل ذلك أصدرت بالمعهد الديني أول مجلة خطية باسم "أفكار الشباب" كنا نكتب منها نسختين أو ثلاثة يتداول الطلبة قراءتها، وبعد خروجي من المعهد اتصل بي جماعة من الطلبة وعرضوا علي المشاركة في نشاطهم الثقافي، وكان يتولى إدارة المعهد يومئذ أستاذ متعاون مع الإدارة الإسبانية، فأوجس خيفة من نشاطنا، وبث حولنا عيونه، وكنت أصدرت جريدة "البرهان" خطية لانتقاد سياسة الاستعمار الإسباني في التعليم واضطهاد الطلبة، والتضييق عليهم، ولم يصدر منها إلا عدد أول، فكتب مدير المعهد رسائل إلى رئيس الاستعلامات الإسباني (بِـلْدا) يُخبره فيها باستفحال نشاط الطلبة السياسي وصدور الجريدة وما يكتُب فيها فلان - يعنيني- وهو غير طالب بالمعهد ومتهم بالوطنية ! من مقالات تمس سياسية إسبانيا … إلخ، فاستدعِيتُ ونالني من السب والشتم والتهديد والأذية ما قرت به عين سيادة المدير للمعهد الديني الإسلامي ! وأذنابه، ولما أيِسَ هذا المدير "الأمين التمسماني" من انتقام الإدارة الإسبانية منا كتب إلى الباشا "اليزيد بن صالح الغُماري" بمثل ما كتب به إلى "بِلدا" فسألني الباشا عن التهمة فأجبته بأن رئيس الاستخبارات الإسباني سبقه إلى التحقيق في هذه القضية ولم يجد شيئا، فغضب الباشا واحتدّ، وأمر بنا إلى السجن لولا تدخلُّ بعض الناس، ومن عجيب صنع الله أن هذا الباشا اضطُرّ إلى الوقوف بباب مكتبي بالمحكمة بعد عزله في أول عهد الاستقلال فلم أعامله بالمثل، ثم تنبهت إلى أن مكتبه الذي هددني وهو خلفه هو المكتب الذي خاطبته من ورائه بعد أن احتاج إليّ، و لله في خلقه شؤون ثم انقطعت عن كل نشاط من هذا القبيل وأكببتُ على التدريس والكتابة، ونشرت مقالات كثيرة في عدة صحف ومجلات كمجلة "لسان الدين" التي كان يصدرها الدكتور"الهلالي" بتطوان، وبعد سفره "عبد الله كنّون" ومجلة "النصر" و "النبراس" ، وأخيرا جريدة "النور" وغيرها، ونظمت قصائد وأنظاما كثيرة معظمها في الإخوانيات ضاع أكثرها؛ لأني كنت أضمنها رسائل وأجوبة للإخوان ولا أحتفظ بنسخها، ولدي كنانيشُ فيها تقاييد ومختارات ومقطوعات لا يجمعها نظام ولا يضمها باب. وقد أصهرت إلى الأستاذ المحدث الكبير، بل كبير علماء الحديث بالشمال الإفريقي الشيخ "أحمد بن محمد ابن الصّدّيق التجكاني الغُماري الطنجي" وكنت أعرفه من قبل، فأعجبت بسعة اطلاعه ورسوخ قدمه في علوم الحديث، فكاتبته وجالسته واستفدت منه علما جما، وأعطاني من وقته وكتبه ما كان يضِنّ به على الغير، وأجازني إجازة عامة بما تضمنه فهرسه الكبير والصغير، كما أجازني مشافهة كثير من العلماء من أشهرهم الشيخ "عبد الحي الكتاني" عند زيارته لتطوان واعتذر عن الكتابة ووعد بها فحالت دونها مواقفه السياسية، كما أجازني الشيخ "عبد الحفيظ الفاسي الفهري" مشافهة بمصيف مرتيل، والشيخ "الطاهر بن عاشور" بمنزله بتونس عام 1382هـ، واعتذر عن الكتابة بالمرض والضعف، وهذا الأخير من شيوخ شيخي ابن الصديق، ولم تكن لي عناية بالإجازات، والشيخ "أحمد بن الصديق" هو الذي أجازني ابتداء دون طلب مني، ولم أكن معه على وفاق في الاعتقاد بالتصوف الفلسفي والصوفية والمبالغة في ذلك، كما لم أكن أرضى تخبطه في السياسة وتورطه في أوحالها، مما شوّه سمعته وسود صحيفته، وأصابني برشاش، كما ندمت بالغ الندم وتُبت إلى الله منه لما طوّح بي إليه الشيخ من التشيع المقيت والرفض المُردي، فتورطت في الحملة على كثير من الصحابة ولعن بعضهم كمعاوية وأبيه وعمرو بن العاص وسمرة وابن الزبير وغيرهم، متأثرا بما كنت أسمعه مرارا وأقرؤه من أحاديث مما عملت أيدي الروافض، كان الشيخ يمليها علينا مبتهجا مصرحا أنها أصح من الصحيح، فكنا نثق به ونطمئن إلى أحكامه، ويحكم على كل ما يخالفها من الأحاديث بأنها من وضع النواصب، ومن الطريف في هذا الباب: أنه كان يُبغض الشام وأهله ويصفهم بالشؤم على الإسلام وأهله، ويبطل ما ورد في فضله من أحاديث صحيحة، وظل كذلك إلى أن فر من المغرب إلى مصر، ثم زار الشام فأكرمه أهلها، وأقام له صوفيتها المآدب، فكتب إلى أخيه السيد حسن يقول بأنه رجع عن اعتقاده في الشام وأهله، وأن ما ورد في ذلك صحيح، ومما كان له الأثر الكبير في حياتي، ويعد وصلا لما كان انقطع من انتهاجي منهج السلف الصالح بعيدا عن تيارات التصوف الفلسفي والتشيع المنحرف اتصالي بالشيخ المحدث السلفي الحق "محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني الأرناؤوطي ثم الدمشقي" نزيل عمّان البلقاء الآن مهاجرا بدينه مضيقا عليه بعد أن أخرج من دمشق ظلما وعدوا، فقد اجتمعتُ به بالمدينة المنورة في حجتي الأولى عام 1382هـ بمنزله وأعطاني بعض رسائله، فاعتبرتها مناولة فاستأذنته في الرواية عنه بها فأنعم، وزارني بتطوان مرتين: قرأت عليه في إحداهما أبوابا من "السنن الكبرى" للنسائي المخطوطة بخزانة الجامع الكبير، واجتمعت به بطنجة، بمنزل الشيخ الزمزمي ابن الصديق، وسمعت من فرائده وفتاواه الكثير، وبعث إلي من رسائله وكتبه المستطابة ما أحيا في قلبي كامن الشوق إلى تتبع هذا المهيع المشرق والعناية بآثاره ومعالمه، والاستمساك بعراه، وما زلت إلى الآن لاهجا بفضله، داعيا إليه.اهـ. نسأل الله تعالى أن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة آمين. وبالجملة فالشيخ من النوادر في قوة الذاكرة وسرعة الحفظ ، والجلد على الكتابة والمطالعة.وله اطلاع واسع على ما حوته الخزانات العامة والخاصة من ذخائر ونفائس الكتب والمخطوطات ، قال عنه : الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة. إن الأستاذ العالم المحقق والباحث المدقق محمد بن الأمين بوخبزة، هو من مشاهير رجالات العلم والثقافة العربية الإسلامية في المملكة المغربية، ومن العلماء المشهود لهم بالإحاطة الواسعة بمحتويات خزائن الكتب العربية الإسلامية قديمها وحديثها، وبالمعرفة المتخصصة في ضروب شتى من العلوم الشرعية والعربية، وفي التراث العربي الإسلامي المحفوظ في كبريات المكتبات والمتاحف العربية الإسلامية والعالمية ـ كلفته بوضع جزء ثان لمعجم تفاسير القرآن الكريم، فنهض بهذا التكليف على خير الوجوه، وقام بعمل على جانب كبير من الأهمية، بحيث جاء هذا الجزء الذي تنشره المنظمة الإسلامية اليوم، جامعاً لمائة تفسير مما لم يرد في الجزء الأول». نسأل الله أن يحفظه ويبارك في علمه عمره .آمـــين ![]() |
#2
|
|||
|
|||
![]() ![]() ![]() من ذكرياتي مع الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله بقلم الشيخ العلامة الفقيه أبي أويس محمد بن الأمين بو خبزة الحسني قرأها وقدم لها د. جمال عَزُّون الحمدُ لله ربّ العالمين، والصّلاةُ والسّلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإنَّ تراجم العلماء مجال خصب يستفيد منه الدَّارسون شتّى الفوائد، وقد حفِظت لنا كتبُ السّير والتّراجم والتّاريخ وغيرها أخبارَ عدد هائل لا يكاد يُحصى من تراجم أهل العلم على اختلاف تخصُّصاتهم، واعتمد المترجِمون على مصادرَ عدَّة في صياغة التّرجمة، يأتي في مقدمتها التراجم الذّاتيّة التي يتحدّث فيها العَلَمُ عن حياته الشّخصيّة والعلميّة، يلي ذلك - فيما أحسب - كتابةُ أقرب النّاس للعَلَم كالولد والأخ والقريب ونحوهم مِمَّن أتيحت لهم المخالطةُ والمعرفة الدّقيقة بحكم النّسب والقرابة. ويقارِبُ ذلك ما يكتبُه المعاصرون للمترجَم مثل أصحابه وتلاميذه ونحوهم مِمّن تكثر مجالستُهم للعَلَم، وتتيسّر لهم الكتابةُ الدّقيقةُ عن أحواله وأخباره. وثمّة نوعٌ من مصادر التّرجمة تتمثّل في الذّكريات والمشاهدات التي يحتفظ بها من يُتاح له لقاء عابر أو سماع عاجل، ولا تخلو هذه من أخبار علميّة وشواردَ أدبيّة لها قيمتُها في صياغة التّرجمة، وأحسب أنّ ما كتبه الشّيخ الفقيه أبو أويس محمّد بو خبزة الحسني التطواني المغربي يُعَدُّ وثيقةً هامّةً تمثّل رأي أحد المغاربة المعجبين بالمحدّث العلاّمة الشّيخ محمّد ناصر الدّين الألبانيّ رحمه الله، الذي طار صيتُه في الآفاق، وبلغت مصنّفاته الحافلة مشارقَ الأرض ومغاربها. وشيخُنا أبو خبزة الحسني عالمٌ فقيهٌ أديبٌ خطيبٌ معتنٍ بالحديث النّبوي وبارع في قراءة المخطوطات، ولد عام 1351هـ - 1932م بتطوان[1]، وقد بلغ من العمر حال كتابته هذه الذّكريات عن الشّيخ الألبانيّ سبعين عاماً، ممّا يضفي عليها قيمة علميّة؛ إذ دبّجها عالمٌ عُمِّر هذه السّنين الطّويلة. وكنتُ قد طلبتُ منه - حفظه الله وأطال في عمره - في خطاب سابق كتابةَ ما يحضُره من ذكريات مع العلاّمة الألباني فتكرّم - رعاه الله - وأجابني إلى ذلك بما تراه أخي القارئ في هذه الذّكريات التي مرّ على كتابتها سبعُ سنوات[2]. من ذكرياتي الحمد لله!مع الشّيخ ناصر الألباني رحمه الله عرفتُه - طيّب الله ثراه - قبل أن ألقاه فيما بعد السّبعين وثلاث مئة وألف بقراءتي لكتابه "حجاب المرأة المسلمة" الطّبعة المصريّة الأولى بتقديم محبّ الدّين الخطيب، الذي وجدتُّ فيه نَفَساً جديداً غير مألوفٍ عندنا، ومنهجاً توثيقيّاً لم أعرفه إلاّ في صورةٍ قاصرةٍ عند الشّيخ أحمد شاكر المصري، وبعد سفر شيخي أبي الفيض أحمد بن الصّدّيق الغُماري إلى مصر وسُورية كتب إليَّ يخبرني بلقائه للشّيخ ناصر بالمكتبة الظّاهريّة - وقد أشار إلى هذا اللّقاء في كتابه "تحذير السّاجد" أعني الشّيخ ناصراً - ويثني عليه وعلى اطّلاعه النّادر، وتمكّنه من علوم الحديث، كما كرّر هذا الثّناء بأوفرَ منه في كتاب آخر، وأشار الشّيخ ناصر إلى هذا الثّناء والتّقريظ في أوّل الجزء الثّالث أو الرّابع[3] من سلسلته في الأحاديث الضّعيفة. كما عرفتُ الشّيخ قبل لقائه بواسطة مقالاته التي كان ينشرها بمجلّة التّمدّن الإسلاميّ[4] التي كانت تصدر بدمشق، وكانت تصل إلى تِطوان بحكم المبادلة الصّحافية مع صاحب مجلّة "الأنيس" التي كانت تصدر بتطوان، وكنتُ على صلةٍ به وبأحد أصدقائه الذي كان يأتيني بها كلّما وصلتْ، فأجد فيها ابتداءَ الشّيخ في نشر "سلسلة الأحاديث الصّحيحة" مع أجوبته لأسئلة حديثيّة، وتحقيقه لبعض البحوث بنَفَسِه ومنهجه المتميّز المشار إليه. وفي سنة 1382 حججتُ برّاً مع جماعةٍ من أهل تطوان منهم الفقيه القاضي الشّيخ أحمد بن تاوَيْت رحمه الله، وفي إحدى اللّيالي ونحن بالمدينة النّبويّة تأخّر الفقيهُ عن الرّجوع إلى البيت إلى ما بعد منتصف اللّيل، فسألتُه عن السّبب، فحكى لي عن احتفال بختم الدّراسة بالجامعة الإسلاميّة وكانت في أوّل عهدها، وجاء في حديثه ذِكْرُ الشّيخ ناصر وإقبال الطّلبة عليه، فلَفَتَ نظري اسمُه، وذكرتُه، وأخبرتُ الفقيه بمعرفتي بعلم الرّجل وإعجابي بتحقيقه ورغبتي الملحّة في لقياه، فأخبرني بأنّه يصلّي باستمرار بالحرم، فذهبتُ معه من الغد لصلاة العشاء بالحرم، وبعد الفراغ لقيناه بباب عبد المجيد، فسلّمتُ عليه وتعرّفتُ إليه، فأخَذَنا بسيّارته إلى بيته بناحية البقيع حيث سهِرتُ معه ساعاتٍ مشهودةً كان لها أحسنُ الأثر في حياتي، وناولني خلالَها من مؤلّفاته وكانت في طبعاتها الأولى: صفة الصّلاة، وصلاة التّراويح، وصلاة العيد في المصلّى، وتسديد الإصابة، وفهرسة كتب الحديث بالظّاهريّة الذي طبع منتخبُه، واستأذنتُه في الرّواية فأذن، وأخبرني بأنّه لا يعُدُّها ذات فائدةٍ أعني الإجازة بأنواعها، وأنّ العبرة عنده بالدّراية والبحث والتّحقيق، وأخبرني أنّه لا إجازة له إلاّ من الشّيخ راغب الطّبّاخ الحلبي الذي أجازه دون طلب منه، وتناولتُ مع الشّيخ أحاديثَ شتّى؛ منها: أنّه سألني عن الغُماريّين فأخبرتُه - وأنا من أعرَف النّاس بهم لمصاهرتي لهم - بتأييد الشّيخ أحمد لابن تيمية وابن القيّم في معتقدهما السّلفي، فسُرّ بذلك إلاّ أنّه سألني عن عمل الشّيخ في كتابه "مطابقة الاختراعات العصريّة" حيث يحتجُّ بالموضوعات والواهيات وهو يعرفُها، فأخبرتُه بانتهاجه مسلَك من يُحيل على السّند وهو يذكر الأحاديث بأسانيدها، وردّ الشّيخ ناصر هذه الفكرة بقوّة، كما أشار إلى حَلِفِ الشّيخ أحمد على أنّ مراد الله من الآيات النّازلة في المنافقين في أوائل سورة البقرة هم الوطنيّون العصريّون، فلم أدرِ ما أقول إلاّ أنّني قلتُ له بأنّه مسبوقٌ ببعض هذا من يوسف النّبهاني. وسأل الشّيخ ناصر عن زعم الشّيخ أحمد بأنّ جمال عبد النّاصر وأصحابه هم المبشّر بهم في حديث "لا تزال طائفةٌ من أمّتي"، وأنّ الزّعيم المغربي فلاناً هو المعنيُّ بحديث "وكان زعيمُ القوم أرذلَهم"[5]، فكان جوابي أنّ ذلك كان من الشّيخ ردَّ جميلٍ؛ لأنّ الثّورة المصريّة آوته وحمته بعد لجوئه إليها من المغرب. فقال الشّيخ ناصر: كيف يكون ردُّ الجميل بالكذب والتّحريف في الحديث النّبويّ؟ ولطول العهد نسيتُ مسائل أخرى تتعلّق ببعض أقوال الشّيخ الغُماريّ. وبعد سنواتٍ كثيرة زارنا الشّيخ ناصر في تطوان وطنجة مرّتين أملى في إحداهما ترجمته موسّعةً نُشر ملخّصها في جريدة "النّور" التي تصدر بتطوان، وأطلعتُه على بعض النّوادر بخزانة تطوان، وكنتُ يومئذ مسؤولاً عنها، وصوّرتُ له بعض الرّسائل. وفي الزّيارة الثّانية - وكان معه إخوةٌ من مرّاكُش، وهي المرّةُ التي زار فيها طنجة، وناظر الشّيخ الزّمزميّ ابن الصّدّيق الغُماريّ في توحيد الأسماء والصّفات - سألني عمّا يُقال من وجود "صحيح ابن حبّان" بتطوان فأجبتُه بالنّفي، وأخبرتُه بوجود النّصف الأوّل من نسخة دمشقيّة عتيقة من "السّنن الكبرى" للنّسائيّ، فرغب في الاطّلاع عليها، فذهبنا معاً لخزانة الجامع الكبير، ووقف على النّسخة وهي بخطّ شرقيّ جميل نُسخت في القرن السّادس، وأمرني أن أقرأ عليه أبواباً منها في العبادات، ففعلتُ مسروراً وعلّق بخطّه في دفترٍ أسانيدَ. وبعد سنواتٍ من هذه الزّيارة اعتمرتُ سنة 1404، وفي رجوعي عرّجتُ على دمشق واتّصلتُ بولده الأخ عبد اللّطيف، وسألتُه عنه فأخبرني بأنّه خرج من دمشق فارّاً بدينه وأنّه استقرّ الآن بعَمّان، ودلّني على عنوانه، فذهبتُ إليه، واهتديتُ لمنزله الجديد الذي شارك في بنائه بنفسه، فرحّب بي وأخبرني أنّه قدم يومَه من الإمارات، وأنّه أُجريت له عمليّة جراحيّة، وأنّه متعبٌ، ولولا معرفتُه ورغبتُه في الاجتماع ما سمح به، ولأنّه مُراقَبٌ، فجالستُه رحمه الله ساعةً أعُدُّها من أبرك ساعات العمر، وأهدى إليَّ الجزء الرّابع من "السّلسلة الصّحيحة"، وكان حديثَ الصّدور وفي تجليد فاخر، وكتب الإهداء بخطّه[6]، فاستأذنتُه في الرّواية مناولةً فقال: وما معنى الإهداء لأهل العلم إلاّ ذلك؟ ونزل بي من منزله بأعلى جبل الهملان إلى المسجد الحسيني بسيّارته التي انطلق بها في سرعة بالغة. وممّا أفدتُّه منه قولُه: إنّ المسلمين كانوا وما زالوا يعانون أزمة عقيدة وقد أضيفت إليها أزمةُ أخلاقٍ، وهما أزمتان حادّتان خطيرتان لا تطيب الحياةُ معهما[7]. وكان الشّيخ رحمه الله قبل هذا وبعده منذ أن توطّدت الصّلةُ بيننا لا يفتأ يهاديني، فأرسل إليّ مع الحجّاج والمعتمرين عدداً من رسائله. وأذكر من شواهد ورع الشّيخ وتوقّفه أنّه في الزّيارة الأولى لتطوان مررنا على حيّ تِجاري وفيه دكّان لبيع الطُّيوب والعطور، فوقف على بعض أنواعها التي تُقَصَّرُ بالمغرب وأُعجب به وسأل عن ثمنها وخرجنا، ثمّ جلسنا مع بعض الإخوان في دكّانه، فلحقنا بعضُ من كان معنا مِمّن حضر وقوفَ الشّيخ على العطور، وناول الشّيخَ قارورةً من ذلك العطر الذي أعجبه فأبى أن يأخذه، فرغب الرّجلُ إليه أن يعده هديّةً فأبى. وكان بلغني أنّ بعض دَجاجلة طنجة زار دمشق مع مريديه وفي نيّته أن يرزأ الشّيخَ بعضَ مالِه، فذهب إلى منزل الشّيخ وأمر مريديه أن يخلعوا المسابح من أعناقهم لأنّ الشّيخ وهّابيٌّ لا يقبل هذا، ففعلوا ودخلوا على الشّيخ وتذاكروا ونافقوه بالتّقيّة، ثمّ طلب منه شيخُهم الدّجّال القرمطيّ أن يُسْلِفَه نحو أربع مئة ليرة دَيْناً مردوداً لأنّهم نفدت نفقتهُم، فأسلفهم الشّيخُ وزار المغرب مرّتين ولم يأته الدّجّالُ حتّى للسّلام عليه والاعتذار، بل أضرب عن الزّيارة والسّؤال، فلذلك سألتُ الشّيخ بتطوان: هل زارك فلانٌ بطنجة وردَّ عليكَ مالَك الذي أسلفتَه؟ فأجاب بالنّفي وأنّه لم يسأل عنه وهو بطنجة حتّى لا يحرجه. فانظر إلى أخلاق هذا الوهّابيّ كما يلمزونه، وأخلاق هذا القطب الصّوفيّ كما يدّعي؟! وممّا سمعتُه منه رحمه الله وأثابه أنّه لمّا لقي الشّيخَ أحمد بن الصّدّيق بظاهريّة دمشق وتذاكرا، وكان الشّيخُ ناصر يأتيه بنوادر المخطوطات الحديثيّة التي لم يرها الشّيخُ الغماريُّ وربّما لم يسمع بكثير منها، وفيها أعلاقٌ بخطوط مؤلّفيها أو سُمعت على كبار الحفّاظ، وفي أثناء المذاكرة والمناقشة احتدَّ الغُماريُّ وصاح، وكان في خُلُقه حدّةٌ، خصوصاً إذا نُوقش في معتقده وحدة الوجود والقائلين بها، وهو من الغُلاة في هذا الباب، فردّ عليه الشّيخ ناصر بهدوءٍ: كيف تفعل هذا يا شيخ أحمد وأنتَ عربيٌّ وشريفٌ هاشميٌّ كما تقول، وأنا عجميٌّ ومع هذا أحتفظ بهدوئي وأدبي؟! وبالجملة فذكرياتي مع الشّيخ ناصر الدّين بحقٍّ طويلةٌ ولا أذكر السّاعة منها إلاّ هذا. وقد أُثيرت في زيارتي الأخيرة للمدينة المنوّرة الموسم الماضي مسألةُ روايتي عن الشّيخ مناولةً، وكأنّ بعض الإخوان من تلامذته تشكّكوا وتوقّفوا قائلين: إنّنا طلبنا من الشّيخ مراراً أن يجيزنا فأبى قائلاً: أنا لا أفتح على نفسي هذا الباب. فكان جوابي أنّ هذا رزقٌ معنويٌّ يسّره الله لي، على أنّ هذا كان منذ ما يقربُ من أربعين سنةً، وربّما كان معظمُ هؤلاء لم يُولَدوا بعدُ والشّيخُ يومئذ فتى مكتهلٌ صحيحُ البنية يتوقّدُ نشاطاً، وصادف أن زاره طالبٌ مغربيٌّ لمس من مذاكرته صدقَه وحرصَه على العلم وتعلّقَه بالحديث وعلومه وأهله، فقدّم إليه الشّيخُ مع القِرى - وكان قطعاً من الحَبْحَب؛ البطّيخ الأحمر كما أذكر - رسائلَ ممّا طُبع له يومئذ هديّةً، فاستأذنه الطّالبُ في الرّواية بالمناولة فأذن جبراً لخاطره وإتماماً معنويّاً لقِراه. وأذكر أنّ الشّيخ أبا إسحاق الحويني المصري - وهو من أنجب وألمع تلاميذ الشّيخ - لم يسألني هذا السّؤال وقد زرتُه بكفر الشّيخ منذ نحو سنة ونصف وأضافني وأكرمني وأهداني كتابه "تنبيه الهاجد"[8] فأخبرتهُ - وأنا معه بمكتبته العامرة - أنَّ لي روايةً عن كبار مشايخ المغرب المعاصرين، وعن شيخنا معاً الشّيخ ناصر، فرغب حفظه الله في الإجازة فكتبتُها له مجلساً في دفتر له كبير. وعلى كلّ حال فمن المعلوم أنّ زمن الرّواية انقضى على رأس الثّلاث مئة، وأنّ السّنّة جُمعت ولم يبق منها شيءٌ مجهولاً، وأنّ مقصود الرّواية بالإجازة إنّما هو التّبرّكُ بربط الاتّصال بأولئك العلماء وأصولهم الحديثيّة، تقليدٌ علميٌّ جرى به العملُ منذ قرونٍ، فمن تبنّاه وحرَص عليه بحسن نيّةٍ فقد أحسن، وأولى وأحقُّ بالعناية منه: حفظُ المتون والتّفقّه فيها والاستنباط بشروطه بعد نقد الأسانيد والبحث عن العلل وما يتعلّق بذلك، وهذا مجالٌ فسيحٌ جدّا تنقطع الأعمارُ دون استقصائه؛ ولذلك أشهدُ بمنتهى الصّدق والنّزاهة - والله على ما أقول وكيلٌ - أنّني ما رأيتُ فيمن لقيتُ من العلماء - وهم كثير - وأخذتُ عنهم مثل الشّيخ محمّد ناصر الدّين محمّد بن نوح نجاتي الألباني الأرناؤوطيّ في علمه وإخلاصه واطّلاعه على علوم الحديث ودقائقه، وإنصافه في البحث والمناظرة، علاوةً على سلوكٍ أشبه بسلوك السّلف الصّالح، أقول هذا ولا أزكّي على الله أحداً. وسائرُ من عرفتُ من المشايخ لا يخرجون عن صنفين: فقهاء مقلّدين متصوّفين غارقين إلى أذقانهم في البدع، لا يَطمَعُ في الاستفادة منهم مَنْ يناقشهم في مصائبهم، ويحاول تنبيههم على ما هم عليه من انحراف وضلال، وعلماء مُحدّثين مقلّدين يترسّمون خُطا من سبقهم دون بحث ولا تجديد، على اتِّضاعٍ في السّلوك، وانحراف في العقيدة، وتورّط في السّياسة واكتواء بنارها، وهؤلاء مشايخي وهم كبار علماء الحديث بالمغرب في العصر الحديث أَجَلُّهم وأعلمُهم وأتقنُهم الشّيخُ أحمد بن الصّدّيق، ولكنّه صوفيٌّ أسيرُ بدع؛ وحدة الوجود، والقول باكتساب النّبوّة، والدّفاع عن إيمان فرعون ... إلخ القائمة السّوداء التي يَبْصُقُ عليها العلم والإيمان والتّاريخ. يليه الشّيخ عبد الحيّ الكتّاني، وهو صوفيٌّ غريقٌ صاحب طريقةٍ، وموقفُه من الملك محمّد الخامس شهيرٌ. وابنُ خالته الشّيخ عبد الحفيظ الفهري وهو أعدلُهم سلوكاً أنفقَ من عمره ربعَه في التّاريخ لفروع الشّاذليّة، وهي طريقةٌ صوفيّةٌ بالمغرب. وهذا أخونا الكبير الشّيخ محمّد المنوني[9] وفضائلُه جمّةٌ، وقد تدبّجتُ معه، وهو كتَّانيُّ الطّريقة؛ يتهيّبُ الكلامَ فيها وانتقادَ أصحابها لفرط اعتقاده. وهكذا يَفْتِكُ سلطانُ البيئة بالمغرب بسلامة العقول والأديان، ولله في خلقه شؤونٌ. كتب هذه الذّكريات يومَ الأربعاء 6 من صفر 1421هـ عُبَيدُ ربّه أبو أويس محمّد بو خبزة الحسني عفا عنه. |
#3
|
|||
|
|||
![]() ![]() ![]() نبذة مختصرة عن الشيخ العلامة المحدث تقي الدين الهلالي ![]() هو العلامة المحدث و اللغوي الشهير و الأديب البارع و الشاعر الفحل و الرحالة المغربي الرائد الشيخ السلفي الدكتور محمد التقي المعروف بـ محمد تقي الدين ، كنيته أبو شكيب ( حيث سمى أول ولد له على اسم صديقه الأمير شكيب أرسلان ) ، بن عبد القادر ، بن الطيب ، بن أحمد ، بن عبد القادر ، بن محمد ، بن عبد النور ، بن عبد القادر ، بن هلال ، بن محمد ، بن هلال ، بن إدريس ، بن غالب ، بن محمد المكي ، بن إسماعيل ، بن أحمد ، بن محمد ، بن أبي القاسم ، بن علي ، بن عبد القوي ، بن عبد الرحمن ، بن إدريس ، بن إسماعيل ، بن سليمان ، بن موسى الكاظم ، بن جعفر الصادق ، بن محمد الباقر ، بن علي زين العابدين ، بن الحسين ، بن علي و فاطمة بنت النبي محمد صلى الله عليه و سلم . و قد أقر هذا النسب السلطان الحسن الأول حين قدم سجلماسة سنة 1311 هـ . ولد الشيخ سنة 1311 هـ بقرية "الفرخ" ، و تسمى أيضا بـ "الفيضة القديمة" على بضعة أميال من الريصاني ، و هي من بوادي مدينة سجلماسة المعروفة اليوم بتافيلالت الواقعة جنوبا بالمملكة المغربية. و قد ترعرع في أسرة علم و فقه ، فقد كان والده و جده من فقهاء تلك البلاد. قرأ القرآن على والده و حفظه و هو بن اثنتي عشر سنة ثم جوده على الشيخ المقرئ احمد بن صالح ثم لازم الشيخ محمد سيدي بن حبيب الله التندغي الشنقيطي فبدأ بحفظ مختصر خليل و قرأ عليه علوم اللغة العربية و الفقه المالكي إلى أن أصبح الشيخ ينيبه عنه في غيابه ، و بعد وفاة شيخه توجه لطلب العلم على علماء وجدة و فاس آنذاك إلى أن حصل على شهادة من جامع القرويين . ثم سافر إلى القاهرة ليبحث عن سنة المصطفى صلى الله عليه و سلم، فالتقى ببعض المشايخ أمثال الشيخ عبد الظاهر أبو السمح و الشيخ رشيد رضا و الشيخ محمد الرمالي و غيرهم ، كما حضر دروس القسم العالي بالأزهر و مكث بمصر نحو سنة واحدة يدعو إلى عقيدة السلف و يحارب الشرك و الإلحاد. و بعد أن حج توجه إلى الهند لينال بغيته من علم الحديث فالتقى علماء أجلاء هناك فأفاد و استفاد ؛ و من أجل العلماء الذين التقى بهم هناك المحدث العلامة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالرحيم المباركفوري صاحب "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي " و أخذ عنه من علم الحديث و أجازه وقد قرّظه بقصيدة يُهيب فيها بطلاب العلم إلى التمسك بالحديث والاستفادة من الشرح المذكور، وقد طبعت تلك القصيدة في الجزء الرابع من الطبعة الهندية ؛ كما أقام عند الشيخ محمد بن حسين بن محسن الحديدي الأنصاري اليماني نزيل الهند آنذاك وقرأ عليه أطرافا من الكتب الستة و أجازه أيضا . ومن الهند توجه إلى "الزبير" (البصرة) في العراق، حيث التقى العالم الموريتاني السلفي المحقق الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، مؤسس مدرسة النجاة الأهلية بالزبير، وهو غير العلامة المفسر صاحب "أضواء البيان" و استفاد من علمه، و مكث بالعراق نحو ثلاث سنين ثم سافر إلى السعودية مرورا بمصر حيث أعطاه السيد محمد رشيد رضا توصية وتعريفاً إلى الملك عبدالعزيز آل سعود قال فيها: (إن محمدا تقي الدين الهلالي المغربي أفضل من جاءكم من علماء الآفاق، فأرجو أن تستفيدوا من علمه) ، فبقي في ضيافة الملك عبد العزيز بضعة أشهر إلى أن عين مراقبا للتدريس في المسجد النبوي وبقي بالمدينة سنتين ثم نقل إلى المسجد الحرام والمعهد العلمي السعودي بمكة وأقام بها سنة واحدة . و بعدها جاءته رسائل من إندونيسيا ومن الهند تطلبه للتدريس بمدارسها، فرجح قبول دعوة الشيخ سليمان الندوي رجاء أن يحصل على دراسة جامعية في الهند ، وصار رئيس أساتذة الأدب العربي في كلية ندوة العلماء في مدينة لكنهو بالهند حيث بقي ثلاث سنوات تعلم فيها اللغة الإنجليزية و لم تتيسر له الدراسة الجامعية بها. و أصدر باقتراح من الشيخ سليمان الندوي وبمساعدة تلميذه الطالب مسعود عالم الندوي مجلة "الضياء". ثم عاد إلى الزبير (البصرة) وأقام بها ثلاث سنين معلما بمدرسة "النجاة الأهلية" المذكورة آنفا. و بعد ذلك سافر إلى جنيف بالسويسرا و أقام عند صديقه،أمير البيان، شكيب أرسلان ، و كان يريد الدراسة في إحدى جامعات بريطانيا فلم يتيسر له ذلك ، فكتب الأمير شكيب رسالة إلى أحد أصدقائه بوزارة الخارجية الألمانية يقول فيها : (عندي شاب مغربي أديب ما دخل ألمانيا مثله، وهو يريد أن يدرس في إحدى الجامعـات، فعسى أن تجدوا له مكانا لتدريس الأدب العربي براتب يستعين به على الدراسة) ، وسرعان ما جاء الجواب بالقبول، حيث سافر الشيخ الهلالي إلى ألمانيا وعين محاضراً في جامعة "بون" وشرع يتعلم اللغة الألمانية، حيث حصل على دبلومها بعد عام، ثم صار طالباً بالجامعة مع كونه محاضراً فيها، وفي تلك الفترة ترجم الكثير من الألمانية وإليها، وبعد ثلاث سنوات في بون انتقل إلى جامعة برلين طالباً ومحاضراً ومشرفاً على الإذاعة العربية ، وفي سنة 1940م قدم رسالة الدكتوراه، حيث فند فيها مزاعم المستشرقين أمثال: مارتن هارثمن، وكارل بروكلمان، وكان موضوع رسالة الدكتوراه "ترجمة مقدمة كتاب الجماهر من الجواهر مع تعليقات عليها"، وكان مجلس الامتحان والمناقشة من عشرة من العلماء، وقد وافقوا بالإجماع على منحه شهادة الدكتوراه في الأدب العربي. و أثناء الحرب العالمية الثانية سافر الشيخ إلى المغرب ، وفي سنة 1947م سافر إلى العراق و قام بالتدريس في كلية "الملكة عالية" ببغداد إلى أن قام الانقلاب العسكري في العراق فغادرها إلى المغرب سنة 1959م. و شرع أثناء إقامته بالمغرب ،موطنه الأصلي، في الدعوة إلى توحيد الله و نبذ الشرك و اتباع نهج خير القرون. و في هذه السنة (سنة 1959م) عين مدرسا بجامعة محمد الخامس بالرباط ثم بفرعها بفاس ، وفي سنة 1968م تلقى دعوة من سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة آنذاك للعمل أستاذاً بالجامعة منتدباً من المغرب فقبل الشيخ الهلالي وبقي يعمل بها إلى سنة 1974م حيث ترك الجامعة و عاد إلى مدينة مكناس بالمغرب للتفرغ للدعوة إلى الله ، فصار يلقي الدروس بالمساجد و يجول أنحاء المغرب ينشر دعوة السلف الصالح. و كان من المواظبين على الكتابة في مجلة (الفتح) لمحب الدين الخطيب، ومجلة (المنار) لمحمد رشيد رضا رحم الله الجميع. يتبع ![]() |
#4
|
|||
|
|||
![]() من شيوخه رحمه الله : • الشيخ محمد سيدي بن حبيب الله الشنقيطي • الشيخ عبدالرحمن بن عبدالرحيم المباركفوري • الشيخ محمد العربي العلوي • الشيخ الفاطمي الشرادي • الشيخ أحمد سكيرج • الشيخ محمد بن حسين بن محسن الحديدي الأنصاري اليماني • الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (غير صاحب "أضواء البيان") • الشيخ رشيد رضا • الشيخ محمد بن إبراهيم • بعض علماء القرويين • بعض علماء الأزهر مؤلفات الشيخ تقي الدين الهلالي رحمه الله كثيرة جدا و جمعها ليس بالأمر الهين لأنها ألفت في أزمنة مختلفة و بقاع شتى ، و منها : • الزند الواري والبدر الساري في شرح صحيح البخاري [المجلد الأول فقط] • الإلهام والإنعام في تفسير الأنعام • مختصر هدي الخليل في العقائد وعبادة الجليل • الهدية الهادية للطائفة التجانية • القاضي العدل في حكم البناء على القبور • العلم المأثور والعلم المشهور واللواء المنشور في بدع القبور • آل البيت ما لهم وما عليهم • حاشية على كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب • حاشية على كشف الشبهات لمحمد بن عبدالوهاب • الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق • دواء الشاكين وقامع المشككين في الرد على الملحدين • البراهين الإنجيلية على أن عيسى داخل في العبودية وبريء من الألوهية • فكاك الأسير العاني المكبول بالكبل التيجاني • فضل الكبير المتعالي (ديوان شعر) • أسماء الله الحسنى (قصيدة) • الصبح السافر في حكم صلاة المسافر • العقود الدرية في منع تحديد الذرية • الثقافة التي نحتاج إليها (مقال) • تعليم الإناث و تربيتهن (مقال) • ما وقع في القرآن بغير لغة العرب (مقال) • أخلاق الشباب المسلم (مقال) • من وحي الأندلس (قصيدة) في يوم الإثنين 25 شوال 1407هـ الموافق لـ 22 يونيو 1987م أصيبت الأمة الإسلامية بفاجعة و مصيبة يصعب على القلم وصفها ، و هي مصيبة موت الشيخ تقي الدين الهلالي رحمه الله و ذلك بمنزله في مدينة الدار البيضاء بالمغرب. و قد شيع جنازته جمع غفير من الناس يتقدمهم علماء و مثقفون و سياسيون. و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " اِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى اِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا، فَاَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَاَضَلُّوا " (رواه البخاري) فنسأل الله الكريم أن يرحم الشيخ رحمة واسعة و يدخله فسيح جناته و هذه هي خاتمة الشيخ محمد تقي الدين الهلالي : حدثنا رجل ممن جالس الشيخ محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله و زاره الشيخ في بيته و هو السيد عبد الإله الشرقاوي(*) الرباطي (و هو مقيم بالمغرب حاليا) أن ابن عم الشيخ المعروف في المغرب بــ "الهلالي" حدثه بما يلي : كان الشيخ محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله في أواخر أيام حياته مريضا طريح الفراش و كان لا يستطيع أن يتوضأ فكان يتيمم ؛و كان رحمه الله لا يرى التيمم بالحجر بل يتيمم بالتراب إذ كان له بمنزله كيس يملؤه بالتراب لذلك الغرض، و إذا قيل له تيمم بالحجر قال لا هذا فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم (يعني التيمم بالتراب).و ذات يوم قال لأهل بيته إيتوني بوَضوء فقالوا له أنت لا تستطيع التوضؤ فتيمم ، لكنه أصر على الوضوء فأتوه بوضوء.فتوضأ رحمه الله و صلى ركعتين و استلقى على الفراش و قال لمن كان ببيته من يجيد منكم قراءة القرآن ، فقرأ عليه أحدهم سورة ياسين و هو ينصت حتى أتمها؛ثم قال له الشيخ رحمه الله أعد القراءة من قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } فأعاد القارئ القراءة إلى أن انتهى من قوله تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } فرفع الشيخ إصبعه إلى السماء (يعني و كأنه يقول : الله هو الذي يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) ففاضت روحه من حينها ، فرحمه الله رحمة واسعة و رزقنا و إياكم حسن الخاتمة. آمين. |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |