الفتن وثبات القلب - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 229 - عددالزوار : 16757 )           »          تخريج حديث: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الحديث العشرون: ارتباط الإيمان بحسن الخلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3119 - عددالزوار : 486040 )           »          {ألم نخلقكم من ماء مهين} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          تقوية القول في تفسير الآية بعدم نقل بعض المفسرين غيره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          القرآن واللغة العربية والحفاظ على الهوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          بين المحكم والمتشابه - تأصيل قرآني لاجتهاد الراسخين وتحذير من زيغ المتأولين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          من مائدة التفسير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 4101 )           »          صفة العينين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 05:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,792
الدولة : Egypt
افتراضي الفتن وثبات القلب

فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم: الفتن وثبات القلب


من ساءَ قصدُه، وانحرفَت سريرتُه عن الإخلاص ظهرَ أثرُ ذلك على دينِه وسيرتِه و تركَ العمل بعد العلم والموعِظة من أسباب الخِذلان والضلال
من أجلُّ النعمِ: إخلاصُ العبوديَّة لله والاستِقامةُ على طاعته، والمُسلمُ يُحافظُ عليها، ويحرُسُ قلبَه مما يُكدِّرُها حيث الشيطانُ مُحيطٌ به من كل جانبٍ
فرِض الله في الاستِقامة على الدين والثباتِ عليه، والمُؤمنُ لا يتغيَّرُ حالُه في الشدَّة والرخاءِ، ولا يتذبَذبُ في السرَّاء أو الضرَّاء
ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (الفتن وثبات القلب)، التي تحدَّث فيها عن الفتن التي أصابَت جسدَ الأمة الإسلامية، وأن العلاجَ لهذه الفتن والتصدي لها يكون بالرجوع إلى الوحيين، مُفصِّلاً بذكر الأعمال الصالحة من فرائِض ونوافِل، والتي بدورها تُعينُ على الثبات على الحق.
فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.
- أيها المسلمون: أجلُّ النعمِ: إخلاصُ العبوديَّة لله والاستِقامةُ على طاعته، والمُسلمُ يُحافظُ عليها، ويحرُسُ قلبَه مما يُكدِّرُها؛ إذ الشيطانُ مُحيطٌ به من كل جانبٍ ليسلُبَها منه، قال - سبحانه - عنه: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}(الأعراف: 17).
وما من فتنةٍ ظهرَت أو ستظهرُ إلا وتُعرضُ على كل قلبٍ كعَرض الحَصير عُودًا عودًا، والفتنةُ كما تكونُ في الشرِّ كذلك في الخير تكونُ؛ كفِتنةِ المال والبَنين والعافية، قال - سبحانه -: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}(الأنبياء: 35).
وقلوبُ العبادِ بين أُصبعين من أصابِع الرحمن يُقلِّبُها كيف يشاء، والدينُ أعزُّ وأغلَى ما يملِكُه المُسلِم، وهو زادُه في الدنيا والآخرة، ولا غِنى له عنه، والحياةُ فتنٌ، والثباتُ عزيز.
وأعظمُ ما يُحتاجُ إليه: التمسُّك بالدين والثباتُ عليه، وقد أمرَ الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالاستِقامة على الدين، وعدم اتباع أهل الهوَى، فقال: {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}(الشورى: 15).
وأُمر كل مُسلمٍ أن يدعُو ربَّه في كل ركعةٍ بالهداية والثبات: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}(الفاتحة: 6).
قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -: «هذا الدعاءُ أفضلُ الأدعية وأوجبُها على الخلق؛ فإنه يجمعُ صلاحَ العبد في الدين والدنيا والآخرة».
ومن دَأبِ الصادِقين: الخوفُ على إيمانهم من النقص أو الزوال، إبراهيمُ - عليه السلام - حطَّم الأصنامَ بيدَيه، ومع هذا يدعُو ربَّه: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}(إبراهيم: 35).
ويُوسف - عليه السلام - يدعُو إلى التوحيد ويقول: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}(يوسف: 101).
ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم افتتحَ دعوتَه واختتمَها بالتوحيد، وكان كثيرًا ما يدعُو: «يا مُقلِّبَ القلوب! ثبِّت قلبي على دينِك»؛ رواه الترمذي.
وفي سفَره يدعُو ربَّه أيضًا بالثبات، فكان إذا سافرَ قال: «اللهم إني أعوذُ بك من وعثَاء السفر، وكآبة المُنقلَب، والحَور بعد الكَور - أي: الرجوعُ من الطاعة إلى المعصية -» رواه مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم - يتفقَّد ثباتَ صحابته، وإذا رأى من أحدهم نقصًا في العبادة ذكَّره ونصحَه، قال لعبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -: «يا عبدَ الله! لا تكُن مثلَ فُلانٍ، كان يقومُ الليلَ فتركَ قيامَ الليل»؛ رواه البخاري.
وحثَّ أمَّتَه على الثباتِ واستِدامة العمل، قالت عائشةُ - رضي الله عنها -: «وكان أحبُّ الدين إليه - أي: العمل - ما دامَ عليه صاحبُه»؛ رواه البخاري.
والله - سبحانه - هو الهادي والهدايةُ بيدِه وحده، قال تعالى في الحديث القُدسي: «يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلا من هديتُه»؛ رواه مسلم.
ولا تثبُتُ قدمُ الاستِقامة إلا بافتِقار القلبِ إلى الله، واليقين أنه لا ثباتَ إلا بتثبيتِه، قال - سبحانه -: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}(الإسراء: 74).
وصفاءُ التوحيد وتعلُّمه أعظمُ سببٍ للثباتِ على الدين، قال - سبحانه - عن أصحابِ الكهف: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}(الكهف: 14).
وطهارةُ القلب وسلامتُه وإخلاصُه من مُوجِبات الثبات.
ومن أعظم ما يصرِفُ الله به عن العبد أسباب الهلاك، قال تعالى عن يوسف -عليه السلام-: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}(يوسف: 24).
ومن ساءَ قصدُه، وانحرفَت سريرتُه عن الإخلاص ظهرَ أثرُ ذلك على دينِه وسيرتِه، قال صلى الله عليه وسلم : «إن الرجلَ ليعملُ بعملِ أهل الجنة فيما يبدُو للناس، وإنه لمن أهل النار، ويعملُ بعمل أهل النار فيما يبدُو للناس، وهو من أهل الجنة»؛ رواه البخاري.
قال ابن رجبٍ - رحمه الله -: «قولُه صلى الله عليه وسلم : «فيما يبدُو للناس» إشارةٌ إلى أن باطِن الأمر يكونُ بخلافِ ذلك، وأن خاتمةَ السُّوء تكونُ بسببِ دسيسةٍ باطِنةٍ للعبد لا يطَّلعُ عليها الناس».
والدعاءُ بالثبات افتِقارٌ وعبادة، وبه تحقيقُ الاستِقامة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعُو بالثبات على الهداية ويقول: «اللهم إني أعوذُ بعزَّتك لا إله إلا أنت أن تُضلَّني، أنت الحيُّ الذي لا يموتُ، والجنُّ والإنسُ يموتون»؛ رواه مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يُعلِّم أصحابَه الدعاءَ بذلك، قال شدَّادُ بن أوسٍ -رضي الله عنه-: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُنا أن نقول: «اللهم إني أسألُك الثباتَ في الأمر»؛ رواه الترمذي.
والراسِخون في العلم والإيمان يقولون: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}(آل عمران: 8).
والإخلاصُ مُوصِلٌ إلى الله ونجاةٌ من كل قاطِعٍ عنه، قال - سبحانه -:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}(العنكبوت: 69).
واتباعُ السنةِ عصمةٌ ونجاة، قال - سبحانه -: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}(النور: 54).
قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -: «وكلما كان الرجلُ أتبَعَ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، كان أعظمَ توحيدًا لله وإخلاصًا له في الدين، وإذا بعُد عن مُتابعته نقصَ من دينه بحسب ذلك».
وإذا ظهرَت فتنةٌ فالعصمةُ منها بعد الله في المُبادَرة بالأعمال الصالِحة، قال صلى الله عليه وسلم : «بادِروا بالأعمال - أي: الصالِحة - فِتنًا كقِطع الليل المُظلِم، يُصبِحُ الرجلُ مُؤمنًا ويُمسِي كافرًا، أو يُمسِي مُؤمنًا ويُصبِحُ كافرًا، يبيعُ دينَه بعَرَضٍ من الدنيا»؛ رواه مسلم.
والامتِثالُ لأمر الله بعد المواعِظ من سُبُل الثبات، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتً}(النساء: 66)..
كما أن تركَ العمل بعد العلم والموعِظة من أسباب الخِذلان والضلال، قال أبو بكرٍ - رضي الله عنه -: «لستُ تارِكًا شيئًا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعملُ به إلا عملتُ به، فإني أخشَى إن تركتُ شيئًا من أمرِه أن أزيغ»؛ متفق عليه.
والإقبالُ على تلاوة القرآن العظيم وحِفظِه واستِماعه والعمل به من مقاصِد تنزيله، وهو تثبيتٌ للقلب من الزَّيغ، قال - سبحانه - لنبيِّهصلى الله عليه وسلم : {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}(الفرقان: 32)، وقال - سبحانه - لهذه الأمة:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا}(النحل: 102).
وتأمُّل قصص الأنبياء وثباتهم مع ما لاقَوه من عداوةٍ وأذًى يُعينُ النفسَ على سُلوك طريقهم، قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}(هود: 120).
والصلاةُ طارِدةٌ لما يُفسِدُ القلبَ والبدَن، {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}(العنكبوت: 45).
والصدقةُ بُرهانٌ على إيمان العبد وصلاحِه، وبها يحفظُ الله ينَه ودُنياه.
ومن أكثرَ من النوافِل أحبَّه الله وحفِظَه، قال تعالى في الحديث القُدسي: «وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافِل حتى أُحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَه التي يبطِشُ بها، ورِجلَه التي يمشِي بها»؛ رواه البخاري.
وذِكرُ الله يُصلِحُ القلوبَ ويعصِمُها من الفتن، قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما-: «الشيطانُ جاثِمٌ على قلب ابن آدم، فإذا سهَا وغفلَ وسوسَ، وإذا ذكرَ اللهَ خنَس».
واليقينُ بإظهار الله لدينِه وحفظِه لملَّته عَونٌ على الطاعة والثباتِ على الدين، قال صلى الله عليه وسلم : «واللهِ ليُتمنَّ الله هذا الأمرَ، حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرَ موت لا يخافُ إلا اللهَ والذئبَ على غنَمه، ولكنكم تستعجِلون»؛ رواه البخاري.
والرِّضا بالمكتُوب من المصائِب والمصاعِب من أُسس الدين، وبه طُمأنينةُ القلب وسُروره، والمُؤمنُ أصبَرُ الناس على البلاء وأثبَتُهم على الدين في الشدائِد، وأرضاهم نفسًا في المُلِمَّات، ومن استشعرَ عظيمَ نعمة الهداية والاصطِفاء ازدادَ تمسُّكًا بالحق وثباتًا عليه، قال - سبحانه -: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}(الحجرات: 17).
والجزاءُ من جِنس العمل، فدوامُ المُراقبَة لله وحفظُ حدوده وحُرماته سببٌ لحِفظِ الله لعبدِه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «احفَظ الله يحفَظك»؛ رواه الترمذي.
ومُجالسةُ العلماء والصالحين تُحيِي القلوبَ وتُعينُ على الطاعة، قال - سبحانه -:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}(الكهف: 28).
وصفَ ابن القيِّم - رحمه الله - أثرَ زيارته لشيخ الإسلام بقولِه: «وكنا إذا اشتدَّ بنا الخوفُ، وساءَت منا الظنُون، وضاقَت بنا الأرض، أتيناه فما هو إلا أن نراهُ ونسمعُ كلامَه فيذهبُ ذلك كلُّه، وينقلِبُ انشراحًا ويقينًا وطُمأنينة».
والمُؤمنُ لا يغترُّ بالباطِل وأهلِه، {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ}(آل عمران: 196).
والقناعةُ بما قسمَ الله حُسنُ ظنٍّ به يُورِثُ التعلُّق به والتمسُّك بدينِه، قال صلى الله عليه وسلم : «كُن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابِر سبيل»؛ رواه البخاري.
وقِصَرُ الأمل وزيارةُ المقابِر للرجالِ، والإكثارُ من ذِكر الموت يحمِلُ النفسَ على التقوَى، ويسوقُها إلى الطاعة.
وتذكُّر منازِل الآخرة وما أعدَّ الله للصالِحين من عبادِه سُلوانٌ للثباتِ على الدين، قال صلى الله عليه وسلم : «إنكم ستلقَون بعدي أثَرَةً، فاصبِروا حتى تلقَوني على الحَوض» متفق عليه.
والعاقلُ لا يُخاطِرُ بتعريضِ قلبِه للفتن والشُّكوك، بزعمِ أنه لن يتأثَّر بها، فذلك عُجبٌ منه بنفسِه وحالِه، وقد يُعاقَبُ بالتخليةِ بينه وبين نفسِه فيُهلِكُها.
وتتبُّع الشُّبُهات والأفكار المُنحرِفة والعقائِد الفاسِدة، والشهوات سببٌ للزَّيغ.
وتوسُّع وسائِل الاتصال وسُهولة الوصول إليها يزيدُ من خُطورتها، ويكون الحذَرُ منها أوجَب.
ونَهجُ الأنبياء الفِرارُ من الفتن، يُوسُف - عليه السلام - استحبَّ السجنَ على الفتنة، فقال: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}(يوسف: 33).
وكان السلَفُ مع سعَة علمِهم وعميقِ إيمانهم ينأَون بأنفسهم عن مثلِ ذلك، قال معمَرٌ - رحمه الله -: كنتُ عند طاوس إذ أتاه رجلٌ يتكلَّم في القدَر، فتكلَّم بشيء، فأدخلَ طاوس أُصبعيه في أُذنه وقال لابنِه: «أدخِل أصابِعَك في أُذنَيك واشدُده ولا تسمَع من قولِه شيئًا، فإن القلبَ ضعيف».
قال الذهبيُّ - رحمه الله -: «أكثرُ أئمة السلَف على هذا التحذير، يرَون أن القلوبَ ضعيفةٌ والشُّبَه خطَّافة».
ومن طرَقَ أبوابَ الشُّبُهات والهوَى وقعَ فيها، قال - سبحانه -: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}(الصف: 5).
ومن اتَّقى الشُّبُهات استبرأَ لدينِه وعِرضِه.
ومن دُروب الضلال: الاعتِراضُ على نصوص الشرع، وردُّها بالأهواء والظُّنون، قال - سبحانه -: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(النور: 63).
قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -: «من تعوَّد مُعارضةَ الشرع بالرأي لا يستقرُّ في قلبِه الإيمان».
ومُحقَّرات الذنوبِ تجتمعُ على صاحبِها فتُهلِكُه، «إياكم ومُحقَّرات الذنوبِ، فإنهن يجتمِعن على الرجلِ حتى يُهلِكنَه»؛ رواه أحمد.
والاستِعجالُ في رُؤية ثمرَة الخير يُورِثُ فُتورًا ثم انقِطاعًا، والواجبُ دوامُ العمل والإخلاصُ لله فيه.
والإيمانُ يخلَقُ كما يخلَقُ الثوب، وتجديدُه بالتوبة والاستِغفار في كل وقتٍ وحين، والمُبادرةُ بذلك طهارةٌ للقلب وغسلٌ له من أدرَان الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم : «إن العبدَ إذا أخطأَ خطيئةً نُكِتَت في قلبه نُكتةٌ سوداء، فإذا هو نزعَ واستغفرَ وتابَ صُقِل قلبُه»؛ رواه الترمذي.
وبعدُ، أيها المسلمون:
فرِضا الله في الاستِقامة على الدين والثباتِ عليه، والمُؤمنُ لا يتغيَّرُ حالُه في الشدَّة والرخاءِ، ولا يتذبَذبُ في السرَّاء أو الضرَّاء، يعبُد ربَّه في كل حينٍ وعلى كل حال، ويعتزُّ بدينه ويتمسَّك به ويدعُو الناسَ إليه.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}(إبراهيم: 27).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

اعداد: المحرر الشرعي

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.69 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]