خطى المساجد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 270 - عددالزوار : 4842 )           »          أكبر مشايخ الإمام البخاري سنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          سورة البقرة: مفتاح البركة ومنهاج السيادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          لطائف من القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 301 )           »          من صفات الرجولة في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3116 - عددالزوار : 475978 )           »          إشراقة آية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 6687 )           »          تفسير قوله تعالى: { ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          حقوق القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 23 )           »          المضاف إلى الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم اليوم, 11:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,965
الدولة : Egypt
افتراضي خطى المساجد

خُطى المساجدِ

د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم

الحمدُ للهِ ذي الآلاءِ، جزيلِ العطاءِ، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له عظيمُ الثناءِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ وسلَّمَ عليه وعلى آلِه وصحبِه الأوفياءِ.
أما بعد، فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ-؛ ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

أيها المؤمنون!
مَن عرفَ ما يَطلبُ هانَ عليه ما يَبذلُ؛ ذاكم كان لسانَ حالِ ذلك الصحابيِّ الجليلِ الذي رَقَّ الناسُ لحالِه، وتوجَّعوا لتعبِه الذي كان يَتكبَّدُه؛ وصولًا لمسجدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُجيبًا داعيَ الصلاةِ. قال أبيُّ بنُ كعبٍ -رضيَ اللهُ عنه-: " كَانَ رَجُلٌ مَا أَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ مِنْ إِنْسَانٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِمَّنْ يُصَلِّي الْقِبْلَةَ أَبْعَدَ بَيْتًا مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ، قَالَ: فَكَانَ يَحْضُرُ الصَّلَوَاتِ كُلَّهُنَّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا ‌تَرْكَبُهُ ‌فِي الرَّمْضَاءِ، والظَّلْمَاءِ، قَالَ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ بَيْتِي بَلِزْقِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، لِكَيْمَا يُكْتَبَ أَثَرِي، وَرُجُوعِي إِلَى أَهْلِي، وَإِقْبَالِي إِلَيْهِ أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: "أَنْطَاكَ اللهُ ذَلِكَ كُلَّهُ "، أَوْ " أَعْطَاكَ مَا احْتَسَبْتَ أَجْمَعَ "، أَوْ كَمَا قَالَ " رواه أحمدُ ومسلمٌ واللفظُ لأحمدَ. فما الذخائرُ التي كان يَحتسِبُها ذلك الصحابيُّ بتلك الخُطى التي كان يُنَقِّلُها في ذهابِه من بيتِه إلى المسجدِ الذي يقيمُ فيه فريضةَ اللهِ وحتى رجوعِه لمنزلِه، والتي هانَ بسببِها عليه التعبُ، وباتَ مُتلذِّذًا بأجرِها؛ فلم يكنْ كَلُّ المسيرِ ولَفْحُ قَيْظِ الهجيرِ وإن كان صائمًا ظَمِئًَا، وزَخُّ المطرِ وإيحاشُ الليلِ المظلمِ مع وَقْعِ الحُفَرِ وانتثارِ الأحجارِ وانتشارِ الهوامِّ ذاتِ السمومِ مع مسيرِه وحدَه سِيَّما في البردِ القارسِ- لم يكن ذلك كلُّه مانعًا من شهودِ تلك الفرائضِ، أو سببًا إلى تفويتِ بعضِها، بلْ ولا أحدِها، أو داعيًا لاقتناءِ دابةٍ يتروَّحُ عليها وتكفيه عناءَ المشي، أو مُرَغِّبًا في السكنى قُرْبَ المسجدِ حتى كان عناءُ البُعدِ أحبَّ إليه من راحةِ القربِ وإنْ كان المنزلُ ملاصقًا للمسجد وبجوارِ بيتِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فكان عظيمُ احتسابِه مَثارَ سؤالِ نبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم له عن سببِ إصرارِه على إبقاءِ الحالِ رغمَ مشقةِ البُعدِ ووعثاءِ الطريقِ.

أيها المسلمون!
حين أدرك ذاك الصحابيُّ عِظَمَ مكانةِ خطى المساجدِ ذهابًا وإيابًا، واحتسبَها قربةً عندَ اللهِ؛ رجا من جزيلِ ثوابِها الذي نواه مما أحاطَ به علمُه وما لم يُحِطْ به ما قرّتْ به عينُه ببشرى نبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم بجمع اللهِ له ذلك كلَّه؛ فما ذخائرِ احتسابِ تلك الخُطى؟ إنَّ تلك الخطى عزيزةٌ جِدُّ عزيزةٍ على اللهِ؛ يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ، قَطْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ فِي خَشْيَةِ اللَّهِ، وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الأَثَرَانِ: فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ‌وَأَثَرٌ ‌فِي ‌فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ " رواه الترمذيُّ وحسَّنه الألبانيُّ. وكيف لا تكون عزيزةً وصاحبُها زائرٌ للهِ -جلَّ وعلا-، يقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَن توضّأَ في بيته فأحسنَ الوضوءَ، ثم أتى المسجدَ؛ فهو ‌زائرُ ‌الله، وحَقٌّ على المَزُورِ أنْ يُكرمَ الزائرَ " رواه الطبرانيُّ وجوَّدَه المنذريُّ. وأجلُّ تلك الكرامةِ فرحُه -سبحانه- بالقادمِ إلى المسجدِ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يتوضأُ أحدُكم فيُحسنُ وضوءَه ويسبِغُه، ثم يأتي المسجدَ لا يريدُ إلا الصلاةَ فيه، إلا تبَشْبَشَ اللهُ إليه كما يتَبَشْبَشُ أهلُ الغائبُ بطَلْعتِه» رواه أحمدُ وصحّحه ابنُ خُزَيمةَ. ولهذا الزائرِ مِن مزورِه كرامةُ ضيافةٍ جَزْلى في كلِّ مشْي، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ ‌اللَّهُ ‌لَهُ ‌نُزُلًا فِي الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ " رواه مسلمٌ. وتلك الخطى صَدَقَاتٌ بِعَدَدِهنِّ في صحيفةِ مَن مَشَاها، يقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ خُطْوَةٍ ‌تَمْشِيهَا إِلَى ‌الصَّلَاةِ ‌صَدَقَةٌ " رواه مسلمٌ. بل بلغَ أجرُ تلك الخطى ثوابَ الحجِّ، يقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَن ‌مشى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ في الجماعةٍ؛ فهيَ ‌كحجَّةٍ " رواه الطبرانيُّ وحسَّنَه الألبانيُّ. وبتلك الخطى المباركةِ يَنالُ الماشي من اللهِ ضمانًا بالرزقِ المباركِ الطيِّبِ والكفايةِ الربانيةِ من الضررِ والشرورِ إنْ عاشَ، ودخولِ الجنةِ إنْ ماتَ، يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " ثلاثةٌ كلُّهم ‌ضامنٌ ‌على ‌اللهِ؛ إنْ عاشَ رُزِق وكُفِيَ، وإنْ ماتَ أدخلهُ الله الجنّةَ؛ مَن دخلَ بيتَه فسَلَّمَ فهو ‌ضامنٌ ‌على ‌اللهِ، ومَن خرجَ إلى المسجدِ فهو ‌ضامنٌ ‌على ‌اللهِ، ومَن خرجَ في سبيلِ اللهِ فهو ‌ضامنٌ ‌على ‌اللهِ " رواه أبو داودَ وصحَّحَه ابنُ حبانَ. وبالخطوةِ الواحدةِ من خطى المساجدِ يُرفعُ العبدُ درجةً في الجنةِ من درجِها البالغِ عددَ آيِ القرآنِ بالإضافةِ إلى ارتقائه درجةَ شرفٍ في علوِّ الدنيا الحقِّ، وتُكفَّرُ عنه سيئةٌ، وتُكتبُ له حسنةٌ، فإنْ كانت المسافةُ ذهابًا ورجوعًا مائتي خطوةٍ -مثلًا- فتلك ألفُ درجةٍ في الجنةِ تُرفعُ، وألفُ حسنةٍ تُكتبُ، وألفُ سيئةٍ تُمحى، وذلك في اليومِ الواحدِ وليلتِه؛ فكيف في الأسبوعِ والشهرِ والعامِ والعمرِ؟! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَة " رواه البخاريُّ. وقال صلى الله عليه وسلم: " أتاني ربِّي -عزَّ وجلَّ- الليلةَ في أحسنِ صورةٍ -يعني في النَّوم- فقال: يا محمدُ! هل تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: نعم؛ يختصمونَ في الكفَّاراتِ والدرجاتِ، قال: وما الكفاراتُ والدرجاتُ؟ قال: المُكثُ في المساجدِ، والمشيُ على الأقدامِ إلى الجُمُعاتِ، وإبلاغُ الوضوءِ في المَكاره. ومَن فعل ذلك عاش بخيرٍ، ومات بخيرٍ، وكان من خطيئتِه كيومِ ولدتْه أمُّه " رواه أحمدُ وصحَّحه الألبانيُّ. قال ابنُ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنه-: " مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً " رواه مسلمٌ. ولأهلِ تلك الخطى في الظُّلَمِ خصيصةُ النورِ التي بشَّرَ بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ القيامةِ، فقد قال: " لِيَبْشَرِ الْمَشَّاؤونَ فِي الظَّلَامِ إِلَى الْمَسَاجِدِ ‌بِالنُّورِ ‌التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رواه ابنُ خزيمةَ وصحَّحَه. وتلك الخطى الصالحةُ من آثارِ الخيرِ التي يكتبُها اللهُ لأصحابِها. قال جابرُ بنُ عبدِاللهِ -رضيَ اللهُ عنهما-: خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمْ: " إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ! "، قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا بَنِي سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ ‌تُكْتَبْ ‌آثَارُكُمْ! دِيَارَكُمْ ‌تُكْتَبْ ‌آثَارُكُمْ! " رواه مسلمٌ. والأرضُ الصامتةُ شاهدةٌ لتلك الأقدامِ الطاهرةِ يومَ تحدِّثُ أخبارَها؛ ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12]. قال أبو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ [الزلزلة: 4]، قَالَ: «أَتَدْرُونَ ‌مَا ‌أَخْبَارُهَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، أَنْ تَقُولَ: عَمِلَ عَمَلَ كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا، فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا " رواه أحمدُ وصحَّحَه الحاكمُ ووافقَه الذهبيُّ. ولأجلِ الظفرِ بأكبرِ قدرٍ من الخُطى التي يَكثرُ الثوابُ بكثرتِها كان بعضُ السلفِ يقارِبُ بين خطاه إلى المسجدِ. قال ثابتٌ البُنانيُّ: كنتُ أمشي مع أنسِ بنِ مالكٍ -رضيَ اللهُ عنه-، وقد أُقيمتِ الصلاةُ فجعل يقربُ خُطاه، فقال: ألا تسألُني لِمَ أفعلُ هذا؟ قال: ولمَ تفعلُه؟ قال: ليكونَ أكثرَ لخُطانا.

الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.

أما بعدُ. فاعلموا أنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ...

أيها المؤمنون!
لئن كان هذا الثوابُ العظيمُ مُرتَّبًا على خُطى الفريضةِ في المسجدِ؛ فما بالكم بثوابِ الفريضةِ نفسِها؟! قال سعيدُ بنُ المسيّبِ: «مَن حافظَ على الصلواتِ الخمسِ في جماعةٍ فقدْ ملأَ البرَّ والبحرَ عبادةً»، وقال أبو زُرْعةَ الرازيُّ:" كنتُ منذُ سنين نحوِ عشرين سنةً ربما خطرَ ببالي تقصيري وتقصيرُ الناسِ في الأعمالِ في النوافلِ والحجِّ والصيامِ والجهادِ، فكثُرَ ذلك في قلبي، فرأيتُ ليلةً فيما يَرى النائمُ كأنَّ آتيًا أتاني فضربَ يدَه بين كتفي، فقال: قد أكثرتَ من العبادةِ، وأيُّ عبادةٍ أفضلَ من الصلواتِ الخمسِ في جماعةٍ؟! ". وإذا عُلِمتْ فضائلُ الخُطى وما أُعملتْ لأجلِه؛ زال العَجَبُ مِن تحمُّلِ هذا الصحابيِّ رَهَقَ المسيرِ؛ إذ حلاوةُ تَذَكُّرِ الأجرِ بالاحتسابِ تُذْهِبُ عناءَ التكليفِ الذي يَفنى ويبقى ثوابُه مدَّخرًا. وبه يُدْرَكُ سرُّ إصرارِ من تعلَّقتْ قلوبُهم بالمساجدِ على حضورِ الجماعاتِ فيها ولو تكبَّدوا كبيرَ المشقةِ، بل لو كانوا يُصارعونَ سكراتِ الموتِ. سمعَ عامرُ بنُ عبدِاللهِ بنِ الزبيرِ المؤذنَ وهو يجودُ بنفسِه ومنزلُه قريبٌ من المسجدِ، فقال: خذوا بيدي، فقيل له: أنت عليلٌ! فقال: أسمعُ داعيَ اللهِ فلا أجيبُه! فأخذوا بيدِه، فدخلَ في صلاةِ المغربِ، فركعَ مع الإمامِ ركعةً، ثمَّ ماتَ.

يا خطوةً نحوَ المساجدِ أُكرمتْ
يعلو بها في الجنتيْنِ السُّلَّما
ويَقَرُّ بالحسناتِ عينًا هانئًا
عبدٌ لربٍّ باتَ يُرضيه سَما
وبها تُكفَّرُ للعبادِ ذنوبُهم
يا فوزَ مَن وُقيَ الذنوبَ مُسَلَّما
وتَصيرُ نورًا بين أيدي مَن مشوا
يومَ القيامةِ حين يَغدو مُعْتِما
نُزُلُ الكرامةِ في الجنانِ مُهَيَّئٌ
يا سَعْدَ مَن حازَ الثوابَ وأَنْعَما
وبها يُحقَّقُ للمُشاةِ ضمانُه
رزقًا وحفظًا مِن إلهٍ أَكرما
عَفِّرْ خُطاك إلى المساجدِ واحتسبْ
آثارَ برِّك عند ربِّك تُكْرما
لا شيءَ يَبقى مِن عَياءِ فريضةٍ
والأجرُ باقٍ في الكتابِ مُرَقَّما





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 76.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.33 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.26%)]