|
|||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
على ضوء الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة .. الوحي وضوابطه الشرعية
الوحي الإلهي من أعظمَ ما امتنّ الله به على عباده؛ إذ به قامت الحجة، ووضحت المحجة، واستقام أمر الدين والدنيا، ومن دونه لا يُعرف الله معرفة صحيحة، ولا تقوم شريعة، وقد اعتنى أهل العلم ببيان حقيقة الوحي وحفظه وحجيته ومنهجه، وجعلوا الإيمان به أصلاً من أصول العقيدة، ومن هنا تأتي أهمية هذا البحث في العصر الحاضر؛ حيث برزت شبهات تُنكر حجية الوحي، أو تحصره في القرآن وحده، أو تُشوّه مفهومه؛ ما يستلزم بياناً علميا موثقاً، يضع ضوابط فهم الوحي كما قرره علماء السلف الصالح، مع بيان حُجّية الوحي ومراتبه، والردّ على الشبهات المثارة حوله قديماً وحديثاً، ولا سيما شبهات الحداثيين والقرآنيين ومنكري السنة. التعريف والمفهوم
![]() من أدلة الكتاب والسنة يوجد في القرآن الكريم والسنة النبوية أدلة كثيرة على ثبوت الوحي الإلهي، ومن ذلك في القرآن قوله -تعالى-: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} (النساء: 163)، ومن السنة: حديث عائشة -رضي الله عنها- في بدء الوحي، وفيه: «حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ...» (رواه البخاري). مكانة الوحي في عقيدة السلف
الوحي بين العقل والنقل الأصل عند السلف أن صريح العقل لا يعارض صحيح النقل، وقد أسس ابن تيمية وابن القيم هذا المبدأ بأدلة كثيرة، منها: أن العقل محدود، ولا يمكنه إدراك الغيب؛ بينما الوحي مُحكم ثابت من الله، وأن التعارض المتوهم ناشئ عن نقص الفهم أو ضعف الاستدلال، وقد ألّف شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك كتابًا مهما أسماه (درء تعارض العقل والنقل)، وأوضح فيه أن من أسباب ظنّ التعارض: الجهل بمراد النص، أو الجهل بلسان العرب، أو الاستدلال الفاسد، واتباع الهوى، وتقديم الفلسفة على الوحي. شروط صحة الوحي كما ذكرنا فإن النبوة لا تقوم إلا على الوحي؛ ولذلك كان الوحي هو العلامة الفارقة بين النبي وبين سائر الناس، كما قال ابن تيمية: «النبوة لا تثبت بمجرد الصلاح، وإنما تثبت بالوحي المؤيَّد بالآيات» ومن ثم فإن كل نبي موحى إليه، وليس كل مُلهَم نبيًّا، ومن شروط صحة الوحي عند السلف: أن يكون المتلقي نبيا ثابت النبوة، وأن يصحب الوحي معجزة أو دليل صدق، وأن يكون الوحي محفوظاً من الزيادة والنقص، وألا يناقض الوحي القواعد الكلية للشرع، وأن يحمل الوحي هداية وتشريعاً، لا مجرد إلهامات نفسية. ![]() حاجتنا إلى وحي السماء لعل من أبرز مسوغات الوحي وحاجة البشر إليه ما يلي:
مراتب الوحي وأنواعه يسمى الوحي الإلهي في القرآن الكريم بعبارات متعددة، تعكس أنواعه ومراتبه، منها قول الله -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (الشورى: 51)، وينقسم الوحي في ضوء النصوص العقدية لأهل السنة والجماعة إلى مراتب متعددة، كما ذكرها ابن القيم -رحمه الله- وغيره من العلماء، ويمكن تلخيصها فيما يلي: 1- الرؤيا الصادقة: وهي بداية الوحي، حيث كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يرى الرؤى الصادقة كما قال: «كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح». وهذه الرؤيا تدخل ضمن الوحي. 2- الوحي بالإلقاء في القلب: وهو إلقاء جبريل -عليه السلام- للوحي في قلب النبي من غير أن يراه (وهو ما يسمى بالإلهام)، كملامسة الروح للقلب وتسكينه بما يريد الله. 3- الوحي بالوحي المشاهد: وهو ما كان يُتَمَثَّل فيه الملك جبريل -عليه السلام- للنبي في صورة إنسان، فيخاطبه ويبلغه الوحي كما نُقل في حديث جبريل المشهور. 4- رؤية الملك بصورته الحقيقية: كما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - جبريل -عليه السلام- على صورته التي خلق عليها، ولم يكن كلام الملك فيه إلا بقدر الحاجة، كما حدث مرتين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم . 5- الكلام المباشر من الله للنبي من وراء حجاب: كما كلم الله -تبارك وتعالى- موسى -عليه السلام- تكليما من وراء حجاب، وهذا النوع عميق وعظيم وهو مرتبة عالية لا ينالها إلا بعض الأنبياء. 6- الكلام المباشر مع الله دون حجاب: وهو مقام عالٍ نادر اختص الله به بعض الأنبياء مثل موسى -عليه السلام-؛ حيث كلم الله نبيه كلاماً مباشراً دون وسيط أو حجاب. وتكثر أنواع الوحي، فقد ذكر الإمام الحليمي 46 نوعاً، ولكن هذه تصنف ضمن ما تقدّم تقسيمه، كما أن درجات الوحي تؤكّد أن الكلام الإلهي المنقل هو وفق نظام واضح وثابت لا يقبل العبث، وهو من دلائل الاعتقاد الصحيح والعقيدة السلفية التي ترفع مكانة الوحي وأهل رسالات الله. منزلة الإيمان بالوحي معلومٌ أن القرآن الكريم هو كلام الله -تعالى- حقيقة، بحروفه ومعانيه، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وقد نزل القرآن الكريم من السماء على ضربين الأول: النزول جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، والثاني: النزول مفرقاً على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاث وعشرين سنة. وكان من حكمة نزول القرآن مفرقاً تثبيت قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتدرج في التشريع، ومناسبة مواجهة المستجدات والحوادث، إلى جانب التحدي والإعجاز. قضايا عقدية متعلقة بالوحي
الفرق بين الوحي للبشر وبين غيرهم ورد الوحي في القرآن الكريم على معانٍ منها: ١-الإلهام الفطري (كما في إيحاء الله إلى النحل). ٢-الإشارة (كما في إيحاء زكريا لقومه). ٣- ووسوسة الشيطان (كما في قوله -تعالى-: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ})، ومن ثم فإن هنالك فرقا بين الوحي الإلهي للبشر والوحي لغير البشر (كالملائكة أو غير الأنبياء من البشر) ويمكن تلخيصه فيما يلي: (1) الوحي للبشر (الأنبياء والرسل): وهو وحي خاص بالأنبياء والرسل الذين يُختارون ليبلغوا شرع الله وأحكامه للناس، وهو تعليم من الله -تعالى- عن طريق جبريل -عليه السلام- أو بطرائق أخرى مثل الكلام المباشر من الله، ويتضمن التشريع، والأحكام، والأخبار الغيبية اليقينية، وهذا النوع من الوحي ملزم ومصدر للتشريع الإسلامي، وهو عين كلام الله الذي لا يُبدل ولا يُحرف، وقد نزل على الأنبياء بغرض تبليغ الدين وإتمام الرسالة. (2) أما الوحي لغير الأنبياء (كالملائكة أو غيرهم من خلق الله) فإنه يوحى إليهم عن طريق أمر الله المباشر بتعليمات محدّدة، كتكليفهم بأداء مهام مثل الكتابة والتدبير، وهم لا يمتلكون إرادة مستقلة ولا يشرّعون، أما إذا كان الوحي لغير الأنبياء من البشر (مثل الصالحين)، فلا يعدو أن يكون إلهامًا أو إرشادًا أو إشارة معينة، ولكن ليس هو الوحي الحقيقي القطعي المصدر للنصوص الشرعية. (3) الوحي لبقية الكائنات: أشار القرآن الكريم إلى أن الوحي قد يشمل بعض الكائنات بنوع من الإيحاء أو الإلهام، لكنه يختلف بشدة عن الوحي الإلهي التشريعي الخاص بالأنبياء والرسل، ومن ذلك: الوحي للنحل كما في قوله -تعالى-: {وَأوَحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} (النحل: 68)، وهذا الوحي بمعنى الإلهام أو التوجيه الغريزي ليعرف كيف تبني بيوتها وتأخذ مأواها، وهو ما يمكن تسميته بـ «الوحي الإلهامي» وهو ليس كلامًا تشريعيًا، كما ذكر القرآن أن الأرض (والكائنات الأخرى) يوحى إليها يوم القيامة بأن تحدث عن أعمال الناس التي تمت على ظهرها، فهي بذلك تتلقى أوامر إلهية بالكيفية التي أرادها الله -تعالى-. ![]() حُجية الوحي ومراتبه لابد من التفريق بين مراتب الوحي وأنواعه؛ فالقرآن الكريم على سبيل المثال كلام الله لفظاً ومعنى، وهو محفوظ بنص قوله -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، أما السنة النبوية فإنها بوحي من الله لكنها جاءت على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - بمفرداته وتعبيره الذي أوتي جوامع الكلم، ومن أدلة حجيتها قوله -تعالى-: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، وقوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}، وبذلك فإن السنة النبوية وحي من الله غير متلوّ، وهي حجة في الأمور الشرعية والتعبدية كما قال -تعالى-: {ومَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وكما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: « ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه..»، ومن أنواع السنة كالوحي: السنة المبينة للقرآن، والسنة المستقلة بالتشريع، والسنة المؤكدة للحكم القرآني، ومن قواعد أهل السنة والجماعة في التعامل مع نصوص الوحي إثبات ما أثبته الله لنفسه، ونفي ما نفاه بلا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل، مع ردّ المتشابه إلى المحكم، وترك القول على الله بلا علم، مع الالتزام بفهم السلف الصالح؛ لأنه الأضبط والأعلم. ومن الدلائل العقلية على حجية السنة النبوية أن القرآن وحده لا يشرح تفاصيل الصلاة، والزكاة، والحج، وبغير السنة لا يُعرف الناسخ والمنسوخ، ولا تنضبط الأحكام الشرعية. أثر الوحي في العقيدة والسلوك الوحي هو الأساس الذي يبنى عليه الاعتقاد الصحيح بالألوهية والنبوّة، وهو ما يصدق به المسلم عقديا ويُقبل منه عمله؛ كما إن الالتزام بالقرآن والسنة والوحي كليهما يؤدي إلى الفلاح ونعيم الدنيا والآخرة، وهو طريق النجاة من الشرك والضلال، ويضاف إلى ذلك أن معرفة حقيقة الوحي تسهم في رفض البدع والخرافات التي تغير جوهر الدين؛ ومن هذا المنطلق فإن المحافظة على المنهج السلفي في فهم الوحي وبيانه هي ضمانة لاستقامة العقيدة وحفظ الشريعة من التحريف، كما إن في تصديق الوحي والإيمان به وقاية من شرور الضلال والإلحاد. من آثار الإيمان بالوحي
أبرز المناهج المنحرفة في التعامل مع الوحي
أبرز الشبهات والردود
الخلاصات والنتائج بعد هذا العرض، يمكن تلخيص أهم النتائج فيما يلي:
الخاتمة وهكذا يتبين لنا أن الوحي الإلهي هو الأساس الأول للدين، وأصل الهداية، ومنبع العلم الشرعي، وقد اجتمعت دلائل الوحي من جهة النقل الصحيح والعقل الصريح والواقع المحسوس والتاريخ المستقر لتثبت أنه تنزيل من الله -عز وجل-، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلّغه كاملاً غير منقوص، وأن الأمة حفظته بعلوم الرواية والدراية؛ كما يظهرُ بجلاء أن منهج السلف الصالح هو المنهج الوحيد القادر على صيانة مفهوم الوحي من التحريف، حفظًا للمعاني، ووقوفاً عند النصوص، وردا للهوى والأفكار الوافدة، ومن هذا المنطلق فإن الإيمان بالوحي وفق ضوابط أهل السنة ليس مجرد اعتقاد نظري، بل هو بناء فكري وحضاري وأخلاقي يُقيم الحياة الإنسانية على نور الشريعة، ويحميه من شرور التحريف والضلال والإلحاد. اعداد: ذياب أبو سارة
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |