على ضوء الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة .. الوحي وضوابطه الشرعية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         غزة في ذاكرة التاريخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 14762 )           »          الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني.. راوٍ ماجنٌ وليس بمؤرخ مدقق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          أثر العربية في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 16388 )           »          العقيدة اليهودية والسيطرة على العالم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 2240 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 66 - عددالزوار : 43546 )           »          من أخطاء المصلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 597 )           »          فوائد من حديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 809 )           »          من مائدة الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13 - عددالزوار : 6803 )           »          "ليبطئن"... كلمة تبطئ اللسان وتفضح النية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          لطائف من القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 123 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 01:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة : Egypt
افتراضي على ضوء الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة .. الوحي وضوابطه الشرعية

على ضوء الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة .. الوحي وضوابطه الشرعية


  • الوحي الإلهي هو الطريق الوحيد لمعرفة مراد الله تعالى وهو أصل الأصول، ومصدر المعرفة الدينية
  • حاجة البشرية إلى الوحي باقية إلى قيام الساعة؛ لمعرفة أمور دينهم، ولا رسالة سماوية إلا بوحي من الله
  • السنة النبوية وحيٌ بلفظ غير القرآن كما قرره علماء الأمة وينبغي العناية بتدريس مسائل الوحي في المناهج التعليمية
  • الوحي إعلامٌ إلهي لا دخل للبشر فيه، وهو خاصّ بالأنبياء فيما يتعلق بالشريعة، وهو حجة لازمة يجب اتباعها
  • منهج السلف الصالح هو المنهج الوحيد القادر على صيانة مفهوم الوحي من التحريف، حفظًا للمعاني، ووقوفاً عند النصوص، وردا للهوى والأفكار الوافدة
  • الوحي ثابت بنصوص القرآن والسنة الصحيحة، وهو حق لا مراء فيه، وهو مختص بالأنبياء المرسلِين، لا يتغير ولا يتبدل بتغير الزمان أو المكان، فهو شرع رباني ثابت
  • الوحي محفوظ بحفظ الله، والسنة ثابتة، والعقل شاهد، والتاريخ مصدق، والمستقبل لا يصلح إلا بنور الوحي من السماء
  • حاجة البشر إلى الهداية لا يمكن سدّها بالعقل وحده؛ بل لا بد فيها من الوحي لبيان أحكام الشريعة
  • الانتماء للمنهج السلفي في التعامل مع الوحي ليس تعصباً، بل هو التزام بما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم
الوحي الإلهي من أعظمَ ما امتنّ الله به على عباده؛ إذ به قامت الحجة، ووضحت المحجة، واستقام أمر الدين والدنيا، ومن دونه لا يُعرف الله معرفة صحيحة، ولا تقوم شريعة، وقد اعتنى أهل العلم ببيان حقيقة الوحي وحفظه وحجيته ومنهجه، وجعلوا الإيمان به أصلاً من أصول العقيدة، ومن هنا تأتي أهمية هذا البحث في العصر الحاضر؛ حيث برزت شبهات تُنكر حجية الوحي، أو تحصره في القرآن وحده، أو تُشوّه مفهومه؛ ما يستلزم بياناً علميا موثقاً، يضع ضوابط فهم الوحي كما قرره علماء السلف الصالح، مع بيان حُجّية الوحي ومراتبه، والردّ على الشبهات المثارة حوله قديماً وحديثاً، ولا سيما شبهات الحداثيين والقرآنيين ومنكري السنة.
التعريف والمفهوم
  • يقصد بالوحي (لغةً): الإشارة السريعة، والكتابة، والرسالة، والإلهام، والإعلام الخفي السريع كما قال -تعالى-: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا} (مريم: 11)؛ قال الراغب الأصفهاني: «أصل الوحي: الإشارة السريعة، وذلك يكون بالكلام الخفي وبالرمز».
  • أما (اصطلاحاً) فقد عرّفه العلماء بأنه: «إعلام الله لأنبيائه - أو لمن شاء من عباده- بما شاء من أمره ونهيه، وحقائق الغيب، وغير ذلك، بطريقة سرية خفية، غير معتادة للبشر»، وفي ذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الوحي: ما يوحيه الله إلى أنبيائه من العلم والإيمان».
من أدلة الكتاب والسنة
يوجد في القرآن الكريم والسنة النبوية أدلة كثيرة على ثبوت الوحي الإلهي، ومن ذلك في القرآن قوله -تعالى-: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} (النساء: 163)، ومن السنة: حديث عائشة -رضي الله عنها- في بدء الوحي، وفيه: «حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ...» (رواه البخاري).
مكانة الوحي في عقيدة السلف
  • الوحي أصل الأصول: يرى أهل السنة أن الوحي هو المصدر الوحيد المقطوع بصحته في العلم بالدين، وأن العقل تابع له لا مُقَدَّم عليه، كما قال الإمام أحمد: «أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -». ولا طريق لمعرفتها إلا بالوحي.
ولعل من أبرز سمات المنهج السلفي تجاه الوحي: التسليم الكامل لنصوص الوحي، والحرص على فهم النصوص الشرعية وفق فهم الصحابة فقط دون مبالغة أو تحريف، مع الوقوف عند حدود النص وعدم الزيادة في الدين، والتفريق بين النص الثابت والاجتهاد البشري.
الوحي بين العقل والنقل
الأصل عند السلف أن صريح العقل لا يعارض صحيح النقل، وقد أسس ابن تيمية وابن القيم هذا المبدأ بأدلة كثيرة، منها: أن العقل محدود، ولا يمكنه إدراك الغيب؛ بينما الوحي مُحكم ثابت من الله، وأن التعارض المتوهم ناشئ عن نقص الفهم أو ضعف الاستدلال، وقد ألّف شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك كتابًا مهما أسماه (درء تعارض العقل والنقل)، وأوضح فيه أن من أسباب ظنّ التعارض: الجهل بمراد النص، أو الجهل بلسان العرب، أو الاستدلال الفاسد، واتباع الهوى، وتقديم الفلسفة على الوحي.
شروط صحة الوحي
كما ذكرنا فإن النبوة لا تقوم إلا على الوحي؛ ولذلك كان الوحي هو العلامة الفارقة بين النبي وبين سائر الناس، كما قال ابن تيمية: «النبوة لا تثبت بمجرد الصلاح، وإنما تثبت بالوحي المؤيَّد بالآيات» ومن ثم فإن كل نبي موحى إليه، وليس كل مُلهَم نبيًّا، ومن شروط صحة الوحي عند السلف: أن يكون المتلقي نبيا ثابت النبوة، وأن يصحب الوحي معجزة أو دليل صدق، وأن يكون الوحي محفوظاً من الزيادة والنقص، وألا يناقض الوحي القواعد الكلية للشرع، وأن يحمل الوحي هداية وتشريعاً، لا مجرد إلهامات نفسية.
حاجتنا إلى وحي السماء
لعل من أبرز مسوغات الوحي وحاجة البشر إليه ما يلي:
  • عجز العقل البشري: فهو عاجز عن معرفة تفاصيل الأمور الغيبية وإدراكها إلا بوحي من الله.
  • الهداية إلى الصراط المستقيم: قال -تعالى-: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} (المائدة).
  • تحقيق سعادة الدارين: فالوحي هو الدستور الإلهي الذي ينظم حياة الإنسان.
  • القطع واليقين: يقدم الوحي حقائق يقينية لا يتطرق إليها الشك.
مراتب الوحي وأنواعه
يسمى الوحي الإلهي في القرآن الكريم بعبارات متعددة، تعكس أنواعه ومراتبه، منها قول الله -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (الشورى: 51)، وينقسم الوحي في ضوء النصوص العقدية لأهل السنة والجماعة إلى مراتب متعددة، كما ذكرها ابن القيم -رحمه الله- وغيره من العلماء، ويمكن تلخيصها فيما يلي: 1- الرؤيا الصادقة: وهي بداية الوحي، حيث كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يرى الرؤى الصادقة كما قال: «كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح». وهذه الرؤيا تدخل ضمن الوحي. 2- الوحي بالإلقاء في القلب: وهو إلقاء جبريل -عليه السلام- للوحي في قلب النبي من غير أن يراه (وهو ما يسمى بالإلهام)، كملامسة الروح للقلب وتسكينه بما يريد الله. 3- الوحي بالوحي المشاهد: وهو ما كان يُتَمَثَّل فيه الملك جبريل -عليه السلام- للنبي في صورة إنسان، فيخاطبه ويبلغه الوحي كما نُقل في حديث جبريل المشهور. 4- رؤية الملك بصورته الحقيقية: كما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - جبريل -عليه السلام- على صورته التي خلق عليها، ولم يكن كلام الملك فيه إلا بقدر الحاجة، كما حدث مرتين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم . 5- الكلام المباشر من الله للنبي من وراء حجاب: كما كلم الله -تبارك وتعالى- موسى -عليه السلام- تكليما من وراء حجاب، وهذا النوع عميق وعظيم وهو مرتبة عالية لا ينالها إلا بعض الأنبياء. 6- الكلام المباشر مع الله دون حجاب: وهو مقام عالٍ نادر اختص الله به بعض الأنبياء مثل موسى -عليه السلام-؛ حيث كلم الله نبيه كلاماً مباشراً دون وسيط أو حجاب. وتكثر أنواع الوحي، فقد ذكر الإمام الحليمي 46 نوعاً، ولكن هذه تصنف ضمن ما تقدّم تقسيمه، كما أن درجات الوحي تؤكّد أن الكلام الإلهي المنقل هو وفق نظام واضح وثابت لا يقبل العبث، وهو من دلائل الاعتقاد الصحيح والعقيدة السلفية التي ترفع مكانة الوحي وأهل رسالات الله.
منزلة الإيمان بالوحي
معلومٌ أن القرآن الكريم هو كلام الله -تعالى- حقيقة، بحروفه ومعانيه، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وقد نزل القرآن الكريم من السماء على ضربين الأول: النزول جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، والثاني: النزول مفرقاً على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاث وعشرين سنة. وكان من حكمة نزول القرآن مفرقاً تثبيت قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتدرج في التشريع، ومناسبة مواجهة المستجدات والحوادث، إلى جانب التحدي والإعجاز.
قضايا عقدية متعلقة بالوحي
  • أولاً: عصمة الأنبياء في تبليغ الوحي: يؤمن أهل السنة بأن الأنبياء معصومون في تبليغهم للوحي.
  • ثانيًا: انقطاع الوحي وختام النبوة: من أصول عقيدة أهل السنة أن النبوة قد ختمت بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن الوحي السماوي الخاص بالرسالة قد انتهى بموته - صلى الله عليه وسلم -.
الفرق بين الوحي للبشر وبين غيرهم
ورد الوحي في القرآن الكريم على معانٍ منها: ١-الإلهام الفطري (كما في إيحاء الله إلى النحل). ٢-الإشارة (كما في إيحاء زكريا لقومه). ٣- ووسوسة الشيطان (كما في قوله -تعالى-: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ})، ومن ثم فإن هنالك فرقا بين الوحي الإلهي للبشر والوحي لغير البشر (كالملائكة أو غير الأنبياء من البشر) ويمكن تلخيصه فيما يلي: (1) الوحي للبشر (الأنبياء والرسل): وهو وحي خاص بالأنبياء والرسل الذين يُختارون ليبلغوا شرع الله وأحكامه للناس، وهو تعليم من الله -تعالى- عن طريق جبريل -عليه السلام- أو بطرائق أخرى مثل الكلام المباشر من الله، ويتضمن التشريع، والأحكام، والأخبار الغيبية اليقينية، وهذا النوع من الوحي ملزم ومصدر للتشريع الإسلامي، وهو عين كلام الله الذي لا يُبدل ولا يُحرف، وقد نزل على الأنبياء بغرض تبليغ الدين وإتمام الرسالة. (2) أما الوحي لغير الأنبياء (كالملائكة أو غيرهم من خلق الله) فإنه يوحى إليهم عن طريق أمر الله المباشر بتعليمات محدّدة، كتكليفهم بأداء مهام مثل الكتابة والتدبير، وهم لا يمتلكون إرادة مستقلة ولا يشرّعون، أما إذا كان الوحي لغير الأنبياء من البشر (مثل الصالحين)، فلا يعدو أن يكون إلهامًا أو إرشادًا أو إشارة معينة، ولكن ليس هو الوحي الحقيقي القطعي المصدر للنصوص الشرعية. (3) الوحي لبقية الكائنات: أشار القرآن الكريم إلى أن الوحي قد يشمل بعض الكائنات بنوع من الإيحاء أو الإلهام، لكنه يختلف بشدة عن الوحي الإلهي التشريعي الخاص بالأنبياء والرسل، ومن ذلك: الوحي للنحل كما في قوله -تعالى-: {وَأوَحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} (النحل: 68)، وهذا الوحي بمعنى الإلهام أو التوجيه الغريزي ليعرف كيف تبني بيوتها وتأخذ مأواها، وهو ما يمكن تسميته بـ «الوحي الإلهامي» وهو ليس كلامًا تشريعيًا، كما ذكر القرآن أن الأرض (والكائنات الأخرى) يوحى إليها يوم القيامة بأن تحدث عن أعمال الناس التي تمت على ظهرها، فهي بذلك تتلقى أوامر إلهية بالكيفية التي أرادها الله -تعالى-.
حُجية الوحي ومراتبه
لابد من التفريق بين مراتب الوحي وأنواعه؛ فالقرآن الكريم على سبيل المثال كلام الله لفظاً ومعنى، وهو محفوظ بنص قوله -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، أما السنة النبوية فإنها بوحي من الله لكنها جاءت على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - بمفرداته وتعبيره الذي أوتي جوامع الكلم، ومن أدلة حجيتها قوله -تعالى-: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، وقوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}، وبذلك فإن السنة النبوية وحي من الله غير متلوّ، وهي حجة في الأمور الشرعية والتعبدية كما قال -تعالى-: {ومَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وكما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: « ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه..»، ومن أنواع السنة كالوحي: السنة المبينة للقرآن، والسنة المستقلة بالتشريع، والسنة المؤكدة للحكم القرآني، ومن قواعد أهل السنة والجماعة في التعامل مع نصوص الوحي إثبات ما أثبته الله لنفسه، ونفي ما نفاه بلا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل، مع ردّ المتشابه إلى المحكم، وترك القول على الله بلا علم، مع الالتزام بفهم السلف الصالح؛ لأنه الأضبط والأعلم. ومن الدلائل العقلية على حجية السنة النبوية أن القرآن وحده لا يشرح تفاصيل الصلاة، والزكاة، والحج، وبغير السنة لا يُعرف الناسخ والمنسوخ، ولا تنضبط الأحكام الشرعية.
أثر الوحي في العقيدة والسلوك
الوحي هو الأساس الذي يبنى عليه الاعتقاد الصحيح بالألوهية والنبوّة، وهو ما يصدق به المسلم عقديا ويُقبل منه عمله؛ كما إن الالتزام بالقرآن والسنة والوحي كليهما يؤدي إلى الفلاح ونعيم الدنيا والآخرة، وهو طريق النجاة من الشرك والضلال، ويضاف إلى ذلك أن معرفة حقيقة الوحي تسهم في رفض البدع والخرافات التي تغير جوهر الدين؛ ومن هذا المنطلق فإن المحافظة على المنهج السلفي في فهم الوحي وبيانه هي ضمانة لاستقامة العقيدة وحفظ الشريعة من التحريف، كما إن في تصديق الوحي والإيمان به وقاية من شرور الضلال والإلحاد.
من آثار الإيمان بالوحي
  • أولاً: على مستوى الفرد: طمأنينة القلب، ووضوح الطريق والمعنى، والثبات على الحق، والنجاة من الشبهات، وتهذيب السلوك.
  • ثانياً: على مستوى المجتمع: الاستقامة العقدية، وتحقيق وحدة الأمة بتوحيد مصادر التلقي، وتحقيق العدالة التشريعية؛ لأنها من لدن حكيم خبير، والحفظ من الانحرافات الفكرية.
أبرز المناهج المنحرفة في التعامل مع الوحي
  • منهج المعتزلة: قدّموا العقل على الوحي، وردوا النصوص الشرعية بدعوى «التأويل العقلي»، وبذلك خالفوا إجماع السلف.
  • منهج الأشاعرة المتأخرين: قبلوا النصوص في الظنيات، وأوّلوها في الصفات.
  • منهج المتصوفة الفلسفية: جعلوا «الكشف» والإلهام مصدر المعرفة، وقدمه بعضهم على الوحي، وهذا انحراف وضلال مبين بيّنه شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد عليهم.
  • منهج الحداثيين: وهم الذين يجعلون الوحي «تجربة بشرية» وليس خطاباً إلهيا! وهم بذلك يناقضون النصوص واللغة والواقع التاريخي، ولعل من أحدث مناهج الحداثيين العرب ما يسمى بـ«القراءة الجديدة للنصوص الشرعية» بحجة عدم وجود «الحقيقة المطلقة» وهذا محض هراء وافتراء، فالله -عز وجل- هو مصدر الوحي من السماء وهو -سبحانه- الحق الأزلي، وما سواه مخلوق وحادث وفيه اختلاف كثير، وآراء وتصورات مختلفة، فالنص القرآني ثابت، وفهم السلف معيار يضبط التأويل، وما سواه يقبل الخلاف والتأويل، وهذا يشبه إلى حدّ كبير نظرة المدرسة العقلانية الغربية للوحي؛ حيث جعل الغرب الإنسان مركز الكون؛ ولذلك فإنه يتغير بتغير القائل ؛ بينما القرآن الكريم هو كلام الله -تعالى- مصدر التشريع.
أبرز الشبهات والردود
  • شبهة تأثر النبي بالبيئة: والرد على ذلك أن القرآن الكريم جاء مخالفاً لعادات العرب.
  • شبهة كون الوحي نتاج العقل الباطن: والرد على ذلك بالمعجزات الباهرة التي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
  • ومن شبهات الحداثيين الزعم بأن الوحي تجربة ذاتية نفسية! والرد على ذلك أن القرآن الكريم يصرّح بأنه {تنزيل من رب العالمين}؛ وبذلك فإنه لا يتضمن أي أثر للنفس البشرية؛ كما إن وجود المعجزة دليل على صدق النبي، والمعجزة لا تكون إلا من عند الله -تعالى-، ويضاف إلى ذلك أن اتساق الشريعة وتجانس الوحي يُثبتان مصدره الرباني، ولا شك أن عجز البشر عن الإتيان بمثل القرآن يدل على صدوره من الله-عز وجل-.
  • ومن الأدلة العقلية أيضا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يقرأ ولا يكتب، فليس الوحي نتاجاً ذهنيا؛ كما إن القرآن يتضمن أخباراً غيبية يستحيل صدورها عن البشر، وثبات شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - عبر 23 سنة يناقض كونه تجربة نفسية، ولا يغيب عنا أن الوحي جاء بأسلوب فوق طاقة البشر.
  • ومن الشبهات أيضاً: القول باكتفاء الإنسان بعقله ! والرد على ذلك يكون بأن العقل لا يعرف تفاصيل العبادات، وليس بمقدوره أن يهتدي للغيبيات دون وحي من الله، كما إن الشرائع لا تُستمد من العقل المحض، ولا شك أن الخلاف البشري العقلي دليل على حاجة الناس لوحي السماء.
الخلاصات والنتائج
بعد هذا العرض، يمكن تلخيص أهم النتائج فيما يلي:
  • الوحي الإلهي هو الطريق الوحيد لمعرفة مراد الله -تعالى-.
  • الوحي أصل الأصول، ومصدر المعرفة الدينية، وقد تكفل الله بحفظه وصيانته.
  • الإيمان بالوحي يتضمن الإيمان بمختلف أنواعه.
  • القرآن الكريم هو كلام الله -تعالى- المنزل، ختم النبوة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - حقيقة ثابتة.
  • حاجة البشرية إلى الوحي باقية إلى قيام الساعة؛ لمعرفة أمور دينهم، ولا رسالة سماوية إلا بوحي من الله.
  • العناية بتدريس مسائل الوحي في المناهج التعليمية.
  • نشر الفهم الصحيح للوحي عبر الوسائل الحديثة.
  • السنة النبوية وحيٌ بلفظ غير القرآن كما قرره علماء الأمة، وأن الإيمان بالوحي أصل من أصول الإيمان التي لا يتم إيمان عبد إلا به.
  • الوحي إعلامٌ إلهي لا دخل للبشر فيه، وهو خاصّ بالأنبياء فيما يتعلق بالشريعة، وهو حجة لازمة يجب اتباعها.
  • الوحي هو أصل الأصول، وميزان الحق والباطل؛ فلا إيمان بلا وحي، وهو مصدر العقيدة والشريعة، وهو الأساس الذي عليه تقوم المعرفة الدينية.
  • حاجة البشر إلى الهداية لا يمكن سدّها بالعقل وحده؛ بل لا بد فيها من الوحي لبيان أحكام الشريعة ورسالة السماء.
  • لم يعرف التاريخ ديناً لديه سند متصل مثل الإسلام؛ حيث تميّزت الأمة الإسلامية بعلوم الحديث والسند.
  • من التطبيقات المعاصرة لمفهوم الوحي في مواجهة الشبهات الإعلامية أن يكون الرد بالنصوص المحكمة، مع المنهج العلمي.
  • الإيمان بالوحي يربي قاعدة معرفية آمنة للشباب في بناء الوعي الشرعي، ويسهم في صناعة فكر متوازن.
  • الوحي ليس مجرد نصوص تُقرأ، بل هو أصل الوجود المعرفي للأمة، وسبب قيام حضارتها، ومصدر قوتها، ومنار هدايتها.
  • الانتماء للمنهج السلفي في التعامل مع الوحي ليس تعصباً، بل هو التزام بما كان عليه الصحابة، وبالحق الخالص الذي لا يرتاب فيه مؤمن.
  • الوحي محفوظ بحفظ الله، والسنة ثابتة، والعقل شاهد، والتاريخ مصدق، والمستقبل لا يصلح إلا بنور الوحي من السماء.
  • الوحي ثابت بنصوص القرآن والسنة الصحيحة، وهو حق لا مراء فيه، وهو مختص بالأنبياء المرسلِين، لا يتغير ولا يتبدل بتغير الزمان أو المكان، فهو شرع رباني ثابت.
الخاتمة
وهكذا يتبين لنا أن الوحي الإلهي هو الأساس الأول للدين، وأصل الهداية، ومنبع العلم الشرعي، وقد اجتمعت دلائل الوحي من جهة النقل الصحيح والعقل الصريح والواقع المحسوس والتاريخ المستقر لتثبت أنه تنزيل من الله -عز وجل-، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلّغه كاملاً غير منقوص، وأن الأمة حفظته بعلوم الرواية والدراية؛ كما يظهرُ بجلاء أن منهج السلف الصالح هو المنهج الوحيد القادر على صيانة مفهوم الوحي من التحريف، حفظًا للمعاني، ووقوفاً عند النصوص، وردا للهوى والأفكار الوافدة، ومن هذا المنطلق فإن الإيمان بالوحي وفق ضوابط أهل السنة ليس مجرد اعتقاد نظري، بل هو بناء فكري وحضاري وأخلاقي يُقيم الحياة الإنسانية على نور الشريعة، ويحميه من شرور التحريف والضلال والإلحاد.


اعداد: ذياب أبو سارة





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.02 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.56%)]