المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشوره


الصفحات : 1 2 3 4 5 6 [7]

القلب الحزين
15-12-2013, 06:49 PM
على الطريق المؤدي من الفاتيكان الى الأزهر


إعداد ماري فيتزجيرالد
صحفية إيرلندية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1205954064headerpic_08.jpg
صورة لإدريس توفيق القس البريطاني سابقاً والداعية إلى الله حاليا

ترجمة أ.د. منى أبو كريشة
أستاذة الأمراض العصبية في كلية الطب جامعة القاهرة
ادريس توفيق (http://www.idristawfiq.com/)، هو كاهن كاثوليكي بريطاني أعتنق الإسلام مؤخراً،. هذه المقاله هي ترجمة للقاء معه على مجلة أيريش تايمز (http://www.ireland.com/newspaper/world/2006/0811/1154691576730.html).
ماري فيتزجيرالد أجرت لقاء مطولاً معه وتحدث فيها عن رحلته نحو الهداية واعتناق الإسلام ونحب أن ننقله لكم كما هو للفائدة.
انها القصة التي تجذب الناس لحضور محاضراته في منزله الكائن اليوم في القاهرة وتجذبهم لقراءة عموده في صحيفة محلية باللغة الانجليزيه. وهي تضمن له مشاركة العشرات في المناقشات على الانترنت في المواقع الاسلامية.
الكل يريد ان يعرف عن الرجل البريطاني الذي تحول من كاهن كاثوليكي إلى مسلم ورع، او بعبارة أخرى "من الفاتيكان الى الازهر".
ادريس، هو رجل متواضع يبلغ الاربعين وعدة سنوات، ويفهم لماذا قصته تثير استغراب ملايين ولكن بالنسبة إليه الأمر كان منطقيا جدا ليصبح مسلما.
يقول. أرى حياتي تسير في خط مستقيم، مما يؤدي شيئا فشيئا الى حيث انا اليوم."
ادريس درس الكهنوت في روما. شكوكه حول مهنته أدت به في نهاية المطاف الى مغادرة الكهنوت، مما أدى إلى فترة من عدم اليقين بشأن ما هو الاتجاه الذي سيأخذه في حياته.
وقال انه قرر ان يحصل على إستراحة لبعض الوقت، فحجز رحلة إلى مدينة الغردقة المصرية المطلة على ساحل البحر الاحمر. وعندما شعر بالملل من الشاطئ، اتجه إلى القاهرة وتعرض لصدمة ثقافية مختلفة تماما عن ما كان يتوقع.
لأول مرة في حياته اجتمع وتحدث إلى المسلمين، وراقب عن كثب الطقوس. والاستماع الى الدعوة الى الصلاة والشعب يتوقف عن العمل للصلاة نحو مكة مما ترك انطباعا عميقاً لديه.
يقول عن نفسه:" إن أسبوع الإجازة أثر فيّ أكثر من أي شيء آخر وبدأ يزرع بذور الإسلام في قلبي. كانت هذه هي المرة الأولى كنت قد تحدثت فيها مع المسلمين. رأيت انهم ليسوا متعصبين يقرعون طبول الحرب، كانوا فقط ناس عاديين. اكثر من ذلك، انهم شعب لطيف جداً ويملؤهم الايمان"
إدريس عاد الى بريطانيا حيث عمل استاذاً للدين في احدى المدارس الثانويه. وبعد احداث الحادي عشر من ايلول / سبتمبر دفعته هذه الأحداث إلى معرفة المزيد عن الاسلام.
كما أتيحت له فرصة الاجتماع مع يوسف اسلام (http://quran-m.com/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=369&select_page=14)، سابقا كات ستيفن، في مسجد لندن المركزي، وكان لقاء محوريا.
يقول:"قلت له ماذا تفعل لتصبح مسلما؟ '، فاجاب انه ينبغي للمسلم ان يعتقد في إله واحد، ويصلي خمس مرات في اليوم ويصوم خلال شهر رمضان. قاطعته قائلا انني كنت أؤمن فعلا بهذا وبل قد صمت مع طلابي المسلمين خلال شهر رمضان.
"حتى سال :' ماذا تنتظر؟ ' قلت له لم اكن انوي التحول.
"في تلك اللحظة أذن المؤذن للصلاة وكان الجميع على استعداد لها وقفت خلف خطوط الصلاة. فجلست أبكي وأبكي، ثم قلت لنفسي،' من تحاول ان تخدع؟ "
عملية التحول إلى الاسلام هو أمر بسيط.، من شأنه - ان يقول المسلم الشهاده أمام الشهود يعترف بوجود اله واحد، هو الله، مع الاقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
"كثير من المسلمين الجدد يستخدمون كلمة' العودة 'بدلا من تحويل، وذلك لان الاسلام، هو ببساطة' العودة ' إلى الطبيعة الحقيقية للبشرية.
ادريس تحول رسميا إلى الإسلام في مسجد الأزهر، و اتخذ اسم ادريس توفيق -- ادريس، اسم النبي، وتوفيق، وهو في اللغةالعربية تعني حسن الحظ.
"الناس والاحداث دفعتني الى الاسلام"، يقول. "ما جعلني أغادر الكنيسة لم يكن لي اي مشكلة معها.
"اننا نقدس الماضي في الكنيسة، لقد استمتعت بما فعلت، وأنا أحب جميع اولئك الذين تعاونت معهم،. انا فقط لم اكن سعيدا من داخلي."
وعندما سئل عما يراه في الاسلام وتفتقر اليه الكاثوليكيه.
"هذا سؤال مشحون جدا،" يقول، بجدية.
اكبر فرق، اذن؟
"اود ان اقول ان الاسلام يجعل الله محور كل شيء،" يجيب بصورة توضيحية. "انها ليست حول ما فعله يسوع لي انها ليست تقديم صلوات من أجلي. كل شيء يدور حول الله.
"الشيء الآخر هو ان الاسلام يشمل كل جانب من جوانب الحياة. انها ليست الذهاب الى الكنيسة - يوم الاحد -،
"الاسلام يخبرك كيف تحيي الناس، وكيف تأكل الطعام الخاص بك، وكيف ادخل الى غرفة -- كيف نفعل كل شيء في الحياة. بينما المسلمون ليسوا قديسين، والاسلام يشجع المسلمين على التفكير في الله في كل وقت. الاسلام، في جوهره ينسب كل شيء الى الله. بالنسبة للمسلمين، الاسلام هو كل شىء."
وهل التجربه أثارت لديك شكوك في كونك تحولت؟
"لا، لا شيء على الاطلاق،" يجيب. "ورغم ان احد الحواجز لأصبح مسلما كان قصة ابراهيم. يقول الكتاب المقدس ان ابراهيم ضحى بابنه اسحاق، والقرآن يقول انه اسماعيل.
"ربما يبدو غريبا، لكنني تصارعت مع هذا لفترة طويلة. فكرت في ان واحدا منهما يجب ان يكون على خطأ، ولكن في نهاية المطاف، تقبلت ما يقول الاسلام.
"ليس لدي مشكلة مع' انه لا اله الا الله '-- انا كنت دائما أعتقد هذا. ومحمد هو رسوله؟ تعلمت هذا و فهمت جوهره".

"عندما تركت الكنيسة، وتركتها ورائي،" يقول. "انا لا اريد افساد اى شيء يعتقده الناس. إذا كان الناس تسالني عن تحولي سأقول لهم ولكني أترك الامر عند هذا الحد."
وهناك القليل من البيانات المتاحة عن عدد المتحولين الى الاسلام. في الولايات المتحدة 100،000 يتحولون كل سنة. وجد ان مقابل كل رجل يتحول إلى الإسلام، اربع نساء، يحذون حذوه.
اكدت دراسة صدرت حديثا عن يحيى (الذي كان يعرف سابقا جوناثان)، المدير العام السابق لهيئة الاذاعة البريطانية، الى ان هناك الآن 14200 من المتحولين البيض في بريطانيا.
"اعتقد ان الناس الذين يعتنقون الاسلام نرى انهم يتسمون بهدوء وبساطه لم تظهر من قبل،" يقول ادريس. "لا أرى أنه دين جامد، انه مولد للطاقة. الاسلام هو جميل حلو ولطيف.
"وكل القيم التي كانت قائمة في بريطانيا وايرلندا قبل 30 او 40 عاما خلت – مثل احترام والديك، وكبار السن والحكماء – هي ما زالت موجودة في جميع العالم الاسلامي ".
وقد قام بنشر كتاب لغير المسلمين، وشرح تعاليم الاسلام. الاسلام والغرب ينظر كل منهما للآخر بعيون شك وليس هناك حاجة لذلك. ونحن جميعا أناس عاديين مع اختلاف توجهاتنا، "يقول:" غالبية البريد الالكتروني الذي يأتيني من مسلمين وطلاب جامعات شباب ومهتمين اخبروني انهم يحبذون أسلوبي في تقديم ما أعتقده، أقول لهم ولو اننا نصبح قدوات جيدة للمسلمين، الناس في الغرب سيجلسون ويلاحظون. وهذا من شأنه ان يثير اعجابهم. ينبغي لنا كمسلمين أن نحاول اعطاء مثال ممتاز. "
ان احد الامور التي تغيظني كثيرا: هو الكلام عن الصدام بين الحضارات. "لا يوجد صراع الحضارات على الاطلاق، وهذا هراء، لأن الاسلام هو الوطن في اي حضارة،. إذا كنت مسلما في بريطانيا، كنت بريطانيا.
"هذا النقاش في بريطانيا حول ولاء المسلمين، وسواء كان من الممكن ان المسلمين مخلصون لبريطانيا هو مجرد سخف. اعتقد انه في نواح كثيرة مشكلة عنصرية. إذا ذهبت الى لندن، لم يكن احد يسألني عن ولائي لبريطانيا بسبب لون جلدي. السبب إذاً ليس لانهم مسلمون، فالسبب هو انهم الجيل الثاني من الباكستانيين، او البنغاليين او العرب. انه ليس له اي علاقة مع الاسلام. "
يقول. "هناك طرق لتقديم التعاليم الاسلامية في شكل سهل على الناس ومقبول، "
" إسلامي، وإسلام كل مسلم اعرفه في مصر وبريطانيا، هو أن تحاول أن تكون شخصا جيدا كل يوم.
"ولن اخوض للدفاع عن الاسلام لأنه أكثر بكثير مما تفخر به.
للتواصل مع الأستاذ إدريس توفيق
على العنوان التالي:
مصر ـ الجيزة ـ 9 شارع حسين أحمد رشيد
P.O.Box 279, Postal Code 12311
[email protected] ([email protected])
كما يمكن زيارة موقعه
http://www.idristawfiq.com/
المصدر:
تقارير عن "وجوه الاسلام" أيريش تايمز الايرلنديه
http://www.ireland.com (http://www.ireland.com/newspaper/world/2006/0811/1154691576730.html)

القلب الحزين
15-12-2013, 06:49 PM
لا إله إلا الله ... والرؤيا التي تحققت



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1203521334108905358_0e1448dc1a_m.jpgشرف النساء باعتناق الإسلام
وقصة الأخت/ شرف النساء تعطي مثالاً في الفرق بين الأسرة قبل الإسلام... وبعد الإسلام فلم تكن حياة الإنسان سعيدة بوجود أبيه وأمه على قيد الحياة فحسب، بل لابد لحياته أن يكون لها نظام، وأمل يعيش من أجله، وهدف يعرف منه الإنسان لماذا خلقه الله تعالى حتى يرسم لنفسه حياة دينية مفعمة بالحب لخالقه، وحبه لوالديه وكل من هو حوله... وهذا ما سوف نعرفه في هذه القصة من خلال الحلم السامي " لا إله إلا الله".
نشأتها
ولدت في قرية صغيرة من قرى سريلانكا تلك البلد التي تتعدد فيها الديانات فهناك النصرانية والبوذية والهندوسية والكل يعبد ما تهواه نفسه... بالإضافة إلى الدين الإسلامي الحنيف، تختلط حياة الناس من كل الأديان ويعيشون جنباً إلى جنب وكل إنسان يتصف بأخلاق دينه وتظهر عليه علامات توضح منهجه في الحياة... فالمسلمون يذهبون إلى المساجد... عندما يرتفع صوت المؤذن وكذلك النصارى يرتادون الكنائس كلما دق ناقوس الكنيسة... ويأتي في المرتبة الأخيرة عبَّاد الأصنام من البوذيين والهندوس... وهؤلاء عبادتهم متيسرة لهم فكل منهم يتخذ إلهه حسب هواه إن كان صنماً أو شجرة أو فأراً أو شمساً أو... أو... الخ..
الرياح العاصفة
المهم أني كنت أعيش في بيت متواضع مع أبي وأمي وأختي الصغرى... في ظل هذه الأسرة عشت أمام هبوب رياح يملؤها نكد الحياة وتفكك رباط الأسرة من الناحية الدينية والاجتماعية... فلم يكن أبي متمسكاً بمبادئ دينه أو يعرف واجبات حياته الاجتماعية... فعصفت هذه الرياح بالأسرة وأدت إلى تحول حياتي إلى شبه ضياع، وأصبحت يتيمة لأب، وأبي على قيد الحياة... فالوالد يجب عليه أن يرعى أسرته ويظلل بجناحيه على أسرته ويخلق فيها الهدوء والأمان ولكن أين الوالد من هذه الصفات ... لم يكن أبي من الآباء الذين يقدرون مسئولية أبنائهم ولم يكن من الأزواج الذين يعرفون الحب والمودة لنسائهم، كان كثير التغيب عن البيت يقضى معظم أوقاته مع رفاقه يتسكع في المقاهي وقوارع الطرق، وكأنه ليس لديه أسرة !!
لم يكن حريصاً على رعايتنا أو الإنفاق علينا.. مما جعلنا في حالة شديدة من البؤس وطغي على حياتنا جواً ذا صيف حار نحتاج فيه إلى من يلطف من حولنا المنزل بنسيم الربيع البارد. وأصبحت العلاقة بين أبي وأمي واهيةً وصار بيتنا كبيت العنكبوت قابل للتفكك في أي وقت... ولم يعد للصفات الزوجية مكاناً في حياة أمي وأبي ... وكان الطلاق هو نهاية المطاف.
الحياة القاسية
أصبحت ظروفنا المعيشية صعبة جداً وكشرت لنا الحياة عن أنيابها فنحن الآن بلا عائل.. ومن أين لأمي أن تسد رمقنا أو تصرف علينا.. فالسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة... والجو أمسى على الأسرة خريفاً تساقطت فيه أوراق الحنان والرحمة الأسرية .. وطارت واحترقت فيه زهور العطف الفطري .. فأين الوالد ... وأين هو الآن؟؟
رعاية عمي
بدأت حاجتنا تتزايد يوماً بعد يوم إلى الغذاء والكساء ومصاريف المدرسة... لجأنا إلى عمي ووجد نفسه أمام الأمر الواقع... ورق لحالتنا ... وبدأ ينفق علينا ويمد يده لمساعدتنا ... فصفاته تختلف تماماً عن صفات والدي رويداً رويداً ... أخذ يرعاني أنا ووالدتي وأختي .
زوجة عمي القاسية
لما بلغت الثامنة من عمري تزوج عمي بامرأة تشبه أبي في عدم العطف والرحمة، وتسببت في قطع مساعداته لنا فتلك المرأة لم تساعدنا ولم تدع لنا باباً إلا وأوصدته وأحكمت إغلاقه!! وحولت عمي من رجل معطاء إلى رجل حبس عواطفه عنا .
زواج أمي
انتقلنا أنا وأمي إلى بيت جدي ... بيت أبيها... وبعد أن قضينا فترة قصيرة في هذا البيت ... تقدم رجل مسلم للزواج من أمي، وافقت أمي أن تعيش حياتها في ظل رجل يحميها من الصواعق وسيول الحياة الجارفة.
واجهت أمي معارضة من أهلنا بسبب اختلاف الدين ولكن الظروف المعيشية كانت في صالح الأم أن تحسم لها الأمر وتجعلها تقاوم كل هذه المعارضة القوية... وذلك لتحمي نفسها من الضياع ... ووافقت دون تردد على الزواج من الرجل المسلم وبذلك تستطيع أمي أن تحمينا من مهبات الرياح، ولتحصل على سند واعتبار بين المجتمع علاوة على الحفاظ على شرفها بيد أن الأمر الذي جعل أمي تتمسك بقوة بالزواج من هذا المسلم هي أخلاقه وصفاته الحسنة التي طمأنت أمي... فكل ما أمره به دينه كان يؤديه.
الحياة تبتسم من جديد
بدأت الحياة تبتسم لي في ظل هذه الأسرة .. في كنف الرجل المسلم الذي يعرف حقوقه وواجباته حول بيته. كان ورعاً خلوقاً بالفعل... يؤدي الصلاة في وقتها ... كثير الذهاب إلى المسجد.
إسلام أمي
لم تلبث أمي في بيت الزوج المسلم إلا قليلاً من الشهور واعتنقت الإسلام بفضل الله تعالى ثم بفضل أخلاق هذا الزوج المسلم الذي وجدت في رعايته الأبوة والأخوة وللعلم أن زوج أمي هذا لم يرغمها على تعاليم الإسلام أو اعتناقه بيد أن المعاملة الحسنة هي التي أرغمت أمي على الهداية والوصول إلى الطريق المستقيم.
أما أنا فكنت أعيش مع أختي الصغرى في بيت جدتي، التي تعلقت بحبها كثيراً، حيث أنها كانت تظلل عليَّ بحنانها، وتنصحني كثيراً فلم أطق يوماً فراقها ولو للحظة، ولكن كنت أقوم بزيارة أمي في أيام محددة من الأسبوع، كنت ألمس الأبوة في عيون هذا الرجل الذي يتميز بسعة قلبه ورجاحة عقله فلم يكن يفرق بيني وبين ابنته من أمي، فقد كان يعاملنا بالتساوي في العطف والحب والحنان، وكأنه نهراً فياضا.
كان يعبر بمشاعره بطرق مختلفة منها شراء الهدايا، واصطحابنا معه إلى أماكن النزهة والترفيه الشيء الذي فقدته مع والدي الذي أنا من صُلبه.
ورغم ذلك لم أحبذ الانتقال للعيش مع أمي بسبب حب جدتي لي وهي والدة أمي، فلم ترض أن أفارقها.
الحديث عن الإسلام
وفي ظل الزيارات المتعددة التي كنت أزور فيها أمي وزوجها، كانا يحدثاني عن الإسلام، وكانت أمي تحاول إقناعي بأن هذا الدين هو دين الأمن والسلام للفرد والأسرة والمجتمع، كما رأيت الفرق بين حياتي في ظل أبي غير المسلم، وفي ظل زوج أمي المسلم، كانت دائماً تقول لي: إن الإسلام يرد على جميع التساؤلات التي ترد إلى ذهن الانسان في كثير من الأمور الدينية، ولكن كل ذلك دون جدوى.
نقطة التحول في حياتي
في سن الرابعة عشر من عمري، جذبني حنان الأبوة لهذا الرجل الذي وجدته عوضاً عن أبي، وذهبت للعيش معهم لمدة سنتين، وكانت تلك الفترة نقطة التحول في حياتي، فقد كان لشدة ورعه الأثر البالغ في نفسي، بالإضافة إلى ذلك فقد كان يقص علينا قصص الأنبياء عليهم السلام، وحياة الصالحين والصحابة الكرام رضوان الله عليهم، مبيناً أن الحضارة الإنسانية بدأت ببعث الرسل والأنبياء، وكان يركز من خلال أحاديثه على القيم والمبادئ الدينية المستفادة من تلك القصص المفيدة.
الدعوة غير المباشرة
وبهذه الطريقة كان يعرفني بالإسلام وتعاليمه، ويشرحها لي دون أن أشعر بأنه يحاول إقناعي بالإسلام، ونظراً لأني كنت في سن المراهقة وأبحث عن الحرية حسب فهمي واعتقادي، فقد كنت في نفس الوقت أخاف أن أفتقدها في ظل الإسلام.
وبعد مرحلة التعرف على الإسلام وفهم سماحته وجمال الحياة في هذا الدين، بدأ يعطيني بعض الكتب والكتيبات الإسلامية والأشرطة لزيادة فهم الإسلام، لأني كنت أحب القراءة.
وبهذه الصفة كنت متفوقة دائماً في دراستي .
الرؤيا الرائعة
وفي ذات ليلة من الليالي، وبينما أنا غارقة في سبات عميق، رأيت جبلا كبيرا يخر هداً ويتحطم ويتحول إلى كوم تراب ويظهر مكانه نور وتخرج من وسطه عبارة "لا إله إلا الله" يا إلهي ما أجمل هذا ... إنها هدية رب العالمين الذي يعلم السر وأخفى ... وعندما استيقظت صباحاً على الفور تذكرت هذه الرؤيا الرائعة، وأسرعت إلى أمي وذكرت لها ما حدث هي وزوجها... لقد فرحا أشد الفرح وبشراني، بأنه خير بإذن الله وابتسم كل منهما للآخر.
الرؤيا الثانية
وبعد يومين من هذا رأيت أيضا رؤيا لم تغب عن بالي حتى اليوم، وكانت تلك الرؤيا تتكرر دائماً كلما نمت، والذي كان يحدث أنني أشاهد رجالاً من العرب يرتدون ملابس بيضاء، وهم يشكلون دائرة, وأنا بينهم في وسط هذه الدائرة، وكانوا يرددون عبارات جميلة باللغة العربية وأنا أرددها خلفهم، وذلك دون أن أعرف هذه اللغة، وكالعادة أسرعت إلى أمي وزوجها وقصصت لهما ما حدث.
ما معني هذه العبارات؟ وما تفسير هذه الرؤيا؟
وبجواب زوج أمي وتفسيره لها أثلج صدري، وازداد تلهفي لمعرفة الكثير عن الإسلام وزادت قراءتي لهذا الدين.
ولما انتهيت من الامتحانات في هذه السنة الدراسية وهي آخر مراحل الثانوية – كانت الساعات تمر ببطء وكأنها سنين حيث كنت متلهفة لمعرفة النتيجة.
النجاح في الدراسة
وبعد ظهور النتائج ذهبت إلى المدرسة لأعرف نتيجتي، ووقعت عيناي على درجاتي العالية، طرت فرحاً... وانطلقت مسرعة إلى أمي لأبشرها بنجاحي والتفوق.
عانقتني وعيناها تذرفان بالدمع، وجاشت بالبكاء وتذكرت كم كانت حياتها قبل الإسلام، وهي الآن في مأمن وفي حمى دين عظيم، ثم قالت : مبروك يا بنتي مبروك يا حبيبتي... وأسرعت إلى أبي أيضاً الذي ربى عندي الأمل وسعة الصدر وقبل جبيني قائلاً وفقك الله يا بنتي!
اعتناق الإسلام... ومعانقة الإيمان
قلت له إن التوفيق حقيقة هو من عند الله بفضل الإسلام وأخلاقه ونبله وحفاظه على حياة الإنسانية، وكرامته للمرأة كل هذا جعلني أتفوق في ظل الأسرة المسلمة، والآن هناك بشرى عظيمة هي أعظم من نجاحي، هذه النتيجة سوف تكون النجاح في الدنيا وفي الآخرة، وهي الفوز الحقيقي للإنسان ... وقد طال شوقي لأن أظهر حبي للإسلام والمسلمين.. قالت ... أمي ... هيا يا بنتي شوقتينا... قولي لنا ما هي البشرى؟!
البشرى : النطق بالشهادتين
أماه ... البشرى هي أعظم بشرى في تاريخ البشر ... الإسلام إني أريد أن أعتنق الإسلام... فخرت أمي على وجهها ساجدة لرب العالمين بالبكاء وهي تردد الحمد لله رب العالمين... ولم تكن البشرى عند زوج أمي أقل فرحاً عنها ... فصاح بالتكبير الله اكبر .. الله أكبر ورفع يداه إلى السماء، يحمد ربه ودموعه على خديه الحمد لله الذي جعل مني سبباً في الهداية – أحمدك يا رب أحمدك يا رب ... وفي هذه اللحظات التي لا تنسى وهي ميلادي الحقيقي " نطقت الشهادتين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله" وبرئت من كل دين يخالف الإسلام، بعدما كان يرددها أمامي زوج أمي، وأصبحت مسلمة محبة للإسلام... والقراءة عنه وسوف أحاول أن أرد الجميل لهذا الدين الذي أخرجني من الضياع وحقق لي الأمان ووجدته حضناً دافئاً، وسأدعو إليه.
فشتان الفرق بين الأسرة المسلمة، وغيرها... ومثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى... فالحمد لله الذي هداني للإسلام وما كان لي ذلك إلا أن هداني الله، الذي عوضني عن أبي وأعطاني والداً مربيا يعرف ربه حق المعرفة فجزاه الله عني خير الجزاء.
وبعد ذلك جئت للكويت للعمل فوجدتها هي أمان من لا أمان له، وشعرت بالإسلام يتحرك على ظهر هذه الأرض من خلال المعاملة الإسلامية الراقية، والسلوك الإسلامي الفائق، وكيف لا والمآذن في كل مكان، ينطلق منها في اليوم – خمس مرات – صيحة الله أكبر التي تتعانق مع تسبيح الملائكة الكرام، وصلي الله على الحبيب محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

المصدر : نقلا عن موقع اللجنة العالمية للتعريف بالإسلام (http://www.ipc-kw.com/arabic/ipc-story-18.html)

القلب الحزين
15-12-2013, 06:50 PM
هداني الله إلى الإسلام



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1202389711234966951_d5d266e43c_m.jpgأيها الأخوة هذا الدين العظيم الإسلام إذا وجد من يعرضه عرضا صحيحا سليما فإن النفوس بفطرتها تقبل عليه أيا كان دينها.
تقول صاحبتها كاتبة القصة التي لم أهتدِ إلى اسمها:
رأيتها بوجهها المضيء في مسجد يقع على ربوة في مدينة أمريكية صغيرة تقرأ القرآن الذي كان مترجماً إلى اللغة الإنجليزية، سلمت عليها فردت ببشاشة، تجاذبنا أطراف الحديث وسرعان ما صرنا صديقتين حميمتين. وفي ليلة جمعتنا على شاطئ بحيرة جميلة حكت لي قصة إسلامها، فأحببت أن أحدثكم بها لعلها تكون لنا عظة وعِبرة.
قالت الأخت نشأت في بيت أمريكي يهودي في أسرة مفككة وبعد انفصال أبي عن أمي تزوج بأخرى أذاقتني أصناف العذاب، فهربت وأنا في السابعة عشرة من ولاية إلى أخرى حيث التقيت بشباب عرب وهم - كما حكت رفيقاتي المشردات كرماء - وما على إحداهن إلا الابتسام في وجههم حتى تنال عشاء، وتأوي ليلتها تحت سقف دافئ وعلى فراش مريح ! وفعلت مثلهن.. في نهاية كل سهرة كنت أهرب، فلم أكن أحب مثل هذه العلاقات، ثم إنني أكره العرب، ولكني لم أكن سعيدة بحياتي ولم أشعر بالأمان، بل كنت دائما أشعر بالضيق والضياع.....لجأت إلى الدين لكي أشعر بالروحانية ولأستمد منه قوة دافعة في الحياة، ولكن ديني اليهودي لم يكن مقنعاً، وجدته دينا لا يحترم المرأة، ولا يحترم الإنسانية، ديناً أنانياً كرهته ووجدت فيه التخلف، ولم أجد فيه بغيتي فأنا لاأقتنع بالخرافات ولا الأساطير....فتنصرت... وكانت النصرانية أكثر تناقضا في أشياء لا يصدقها عقل، ويطلبون منا التسليم بها، سألت كثيرا كيف يقتل الرب ابنه ؟ كيف ينجب ؟ كيف يكون لديننا ثلاثة آلهة ولا نرى أحداً منهم، احترت، تركت كل شيء ولكنني كنت أعلم أن للعالم خالقا. وكنت في كل ليلة أفكر، وأفكر حتى الصباح.
في ليلة كئيبة – وكل لياليّ كانت كئيبة - وفي وقت السحر كنت على وشك الانتحار من سوء حالتي النفسية، كنت في الحضيض لا شيء له معنى، المطر يهطل بغزارة، السحب تتراكم وكأنها سجن يحيط بي، والكون حولي يقتلني، ضيق الشجر ينظر إلى ببغض، قطرة مطر تعزف لحنا كريها رتيبا، وأنا أطل من نافذة في بيت مهجور... وجدت نفسي أتضرع لله، يا رب أعرف أنك هنا أعرف أنك تحبني، أنا سجينة،،، أنا مخلوقتك الضعيفة أرشدني إلى الطريق، رباه إما أن ترشدني أوتقتلني.. كنت أبكي بحرقة حتى غفوت. وفي الصباح صحوت بقلب منشرح لا أدري كنهه... خرجت كعادتي أسعى للرزق لعل أحدهم يدفع تكاليف فطوري، أوأغسل له الصحون فأتقاضى أجرها... هناك التقيت بشاب عربي تحدثت إليه طويلا، وطلب مني بعد الإفطار أن أذهب معه إلى بيته، وعرض علي أن أعيش معه، فوافقت على عرضه ورافقته إلى بيته..
بينما نحن نتغدى ونشرب ونضحك دخل علينا شاب ملتح اسمه سعد كما عرفت من جليسي الذي هتف باسمه متفاجئا، أخذ هذا الشاب بيد صديقي وطرده، وبقيت أرتعد - فها أنا أمام إرهابي وجها لوجه !!- لم يفعل شيئا مخيفا، بل طلب مني وبكل أدب أن أذهب إلى بيتي. فقلت له: لا بيت لي، نظر نحوي بحزن، استشعرته في قسمات وجهه، وقال حسنا ابقي هنا هذه الليلة - فقد كان البرد قارساً - وفي الغد ارحلي، وخذي هذا المبلغ ينفعك ريثما تجدين عملا، وهم بالخروج فاستوقفته وقلت له شكرا، فلتبقَ أنت هنا وسأخرج أنا، ولكن لي رجاء...
أريد أن تحدثني عن أسباب تصرفك مع صديقك ومعي، فجلس وأخذ يحدثني، وعيناه في الأرض فقال: إنه الإسلام يحرم المحرمات ويُحل الحلال، ويحرم الخلوة بالنساء وشرب الخمر ويحثنا على الإحسان إلى الناس وعلى حسن الخلق.... تعجبت، أهؤلاء الذين يقال " إنهم إرهابيون " ؟! لقد كنت أظنهم يحملون مسدسات، ويقتلون كل من يقابلون... هكذا علمني الإعلام الأمريكي قلت له أريد أن أعرف أكثر عن الإسلام، هل لك أن تخبرني، قال لي: سأذهب بك إلى عائلة مسلمة متدينة تعيش هنا، أعلم أنهم سيعلمونك خير تعليم.
فانطلق بي في اليوم التالي إليهم، وفي الساعة العاشرة كنت في بيتهم حيث رحبوا بي..وأخذت أسأل وأسأل، والدكتور سليمان رب الأسرة يجيب، حتى اقتنعت تماما بكل ما قال، وعلمت أني وجدت ما كنت أبحث عنه، دين صريح واضح متوافق مع الفطرة لم أجد أية صعوبة في تصديق أي شيء مما سمعت...كله حق...
أحسست بنشوة لا تضاهى حينما أعلنت إسلامي وارتديت الحجاب من فوري في نفس اليوم الذي صحوت فيه منشرحة..... في الساعة الواحدة مساء أخذتني السيدة إلى أجمل غرف البيت وقالت هي لك، ابقي فيها ما شئت. رأتني أنظر إلى النافذة وأبتسم، ودموعي تنهمر على خدي.. سألتني عن السبب، قلت لها إنني كنت بالأمس في مثل هذا الوقت تماما أقف إلى نافذة وأتضرع إلى الله ربي: إما أن تدلني على الطريق الحق وإما أن تميتني.. لقد دلني وأكرمني وأنا الآن مسلمة مكرمة أعرف ربي وأعرف طريقي إليه.. الإسلام هو الطريق، الإسلام هوالطريق...وأخذت السيدة تبكي معي وتحتضنني...
أعدها ونقّحها: دكتور عثمان قدري مكانسي
نقلا عن موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/

القلب الحزين
15-12-2013, 06:50 PM
كيف أسلم باذان


بقلم منير عرفه
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1193151674265px-kosrauiigoldcoin.jpg
صورة لعملة ذهبية فارسية مطبوع عليها صورة كسرى ملك فارس

قال تعـالى:-
{ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ... } سورة الأنعام آية 125
( 1 )
جهَّز عبد الله بن حذافة راحلته، وودَّع صاحبته وولده، ومضى إلى غايته ترفعه النجاد، وتحطه الوهاد، وحيداً، فريداً، ليس معه إلا الله.
حتى بلغ ديار فارس، فاستأذن بالدخول على ملكها، وأخطرَ الحاشية بالرسالة التي يحملها له، عند ذلك أمر كسرى بإيوانه فزُيِّن، ودعَا عظماء فارس لحضور مجلسه فحضروا، ثم أذِنَ لعبد الله ابن حذافة بالدخول عليه.
دخل عبد الله بن حذافة على سيد فارس، مشتملاً شملته الرقيقة، مرتدياً عباءته الصفيقة، عليه بساطة الأعراب، لكنه كان عاليَ الهمَّة، مشدود القامة، تتأجج بين جوانحه عزَّةُ الإسلام، وتتوقَّد في فؤاده كبرياءُ الإيمان.
المؤمن له هيبة، ومَن هاب اللهَ هابه كلُّ شيء.
فما إن رآه كسرى مقبلاً، حتى أومأ إلى أحدِ رجاله أن يأخذ الكتاب من يده، فقال عبد الله بن حذافة:
لا، إنما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدفعه إليك يداً بيد، وأنا لا أخالف أمر رسول الله.
فقال كسرى لرجاله: اتركوه يدنو مني، فدنا من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده، ثم دعا كسرى كاتبًا عربيًا مِن أهل الحيرة، وأمَرَه أن يفضَّ الكتاب بين يديه، وأن يقرأه عليه، فإذا فيه:
" بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام الله على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك."
فما إن سمع كسرى هذه الرسالة، حتى اشتعلت نار الغضب في صدره، فاحمر وجهه، وانتفخت أوداجه، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام، بدأ بنفسه، وبدأه بقوله: من محمدٍ رسول الله إلى كسرى، فكان تفكير كسرى تفكيرًا شكليًّا، ولم يفهم المضمون، ولم يهتمَّ له، فغضِبَ للشكل.
غضب هذا الرجل المغرور المتكبر رغم أن النبى صلى الله عليه وسلم خاطبه بالعظمة فقال ( إلى عظيم الفرس)، وكان النبى صلى الله عليه وسلم دقيقًا فى ألفاظه فلم يقل (سلام عليك) بل قال (سلامٌ على من اتّبع الهدى)، أي إن اتبعتَ الهدى فسلامٌ عليك، وإن لم تتبع الهدى، فالسلام ليس عليك، على من اتبع الهدى... وهكذا ..
ولكن أنَّى يأتى الخير من رجل امتلأت نفسه كبرًا وتيها فظن أنه الوحيد وما عداه صفرًا.
وكيف يؤمل الإنسان خيرا... وما ينفك مُتبعًا هواه
يظن بنفسه قدرًا وشرفًا ... كأن الله لم يخلق سواه
ولعل كسرى انفعل هذا الانفعال الشديد بسبب هزيمته الأخيرة التى نالها على أيدى الروم، فظن أن الأعراب والتابعين بدأوا يتجرأون عليه بسبب هزيمته.
لقد فقد كسرى توازنه تمامًا إذ إنه جلب الرسالة من يد كاتبه، وجعل يمزِّقها دون أن أى شر يجره على نفسه، مزقها وهو يصيح: أيكتبُ لي بهذا، وهو عبدي؟.
لأنه من أتباعه، ولأن باذان عامله على اليمن، تابع لكسرى، والمناذرة وعاصمتهم الحيرة يتبعون كسرى، فهذا الذي قال له:
من محمد رسول الله هو من عبيده، هكذا يفهم كِسرى، قال: أيكتب لي بهذا وهو عبدي ؟!!!
ثم أمر بعبد الله بن حذافة، أن يُخًرَج من مجلسه، فأُخرج.
فلما بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذلك الخبرُ قال: " اللهم مزِّق ملكه "
(2)
قام كسرى منتفخا وأمر كاتبه أن يكتب إلى باذان نائبه على اليمن: أن ابعث إلى هذا الرجل، الذي ظهر بالحجاز، رجلين جَلْدين من عندك، ومُرهما أن يأتياني به.
ولم تكن هذه المرة الأولى التى يسمع بها أهل اليمن عن دعوة الإسلام إذ أن أرض الحجاز ليست بعيدة عن أهل اليمن فهناك ارتباط وثيق بين البلدين من زمن بعيد من حيث الموقع الجغرافى ومن حيث الرحلات التجارية التى كانت قريش تقوم بها فى رحلتى الشتاء والصيف.
وقد سمع أهل اليمن عن رجل يدعى النبوة من أهل مكة وسمعوا أنه خرج طريدًا إلى يثرب وأقام بها حتى الآن أى قرابة عشرين عامًا -إذ ظل النبى فى مكة ثلاثة عشر عامًا وها نحن فى العام السابع للهجرة - كل هذا والأمر حتى الآن لا يعنيهم بل يتابعونه من بعيد.
لكن باذان ما إن وصلته رسالة سيده كسرى حتى انتدب رجلين من خيرة رجاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمَّلهما رسالةً له، يأمره فيها بأن ينصرف معهما إلى لقاء كِسرى، دون إبطاء، وطلب إلى الرجلين أن يقفا على خبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يستقصيا أمره، وأن يأتياه بما يقفان عليه من معلومات.
فخرج الرجلان يُغِذَّان السير الى غايتهما شطر المدينة، حتى إذا بلغاها علما مما رأيا من تعظيم أهل المدينة للنبى صلى الله عليه وسلم وحبهم له مدى خطورة المهمة التى أقبلا من أجلها حيث إنهما لا يستطيعان أن يأتيا بمحمد إلا إذا أتيا بأهل المدينة أجمعين، نظرًا للمحبة والفداء التى يصنعها أهل المدينة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
ولما دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما، وأظهر ذلك لهما وقد أشاح بوجهه الى الجانب الآخر حتى لا ينظر إليهما وقال: ( ويلكما من أمركما بهذا؟ قالا أمرنا ربنا يعنيان كسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي ).
ودفع الرجلان إلى النبى صلى الله عليه وسلم رسالة باذان، وقالا له:
إن ملك الملوك كسرى كتب إلى ملكنا باذان، أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد أتيناك لتنطلق معنا إليه، " شرِّف معنا " فإن أجبتنا، كلَّمنا كسرى بما ينفعك، ويكفُّ أذاه عنك، وإن أبيت، فهو مَن قد علمت سطوته وبطشه وقدرته على إهلاكك، وإهلاك قومك، " إذا قلت: لا، فإن كسرى قادرٌ على أن يهلكك، ويهلك قومك.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1193151738kesra.jpg
صورة للإيوان كسرى ملك الفرس

لم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم بل تبسَّم عليه الصلاة والسلام، وقال لهما:
ارجعا إلى رحالكما اليوم، وائتيا غداً.
فلما غدوا على النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي، قالا له: هل أعددتَ نفسك للمُضِيِّ معنا إلى لقاء كسرى ؟
فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: إن ربى قتل ربكما الليلة.
لن تلقيا كسرى بعد اليوم، فلقد قتله الله، حيث سلَّط عليه ابنه شيرويه في ليلة كذا من شهر كذا وقتَله.
إنه خبرُ الوحي، نقله ببرودة، لن تلقياه بعد اليوم، لقد قتله الله، لأنه مزَّق الكتاب.
فحدَّقا في وجه النبي، وبدت الدهشة على وجهيهما، وقالا:
أتدري ما تقول !! أنكتب بذلك لباذان ؟
قال: نعم، وقولا له: إن ديني سيبلغ ما وصل إليه ملك كسرى، وإنَّك إن أسلمتَ، أعطيتكَ ما تحت يديك، وملَّكتكَ على قومك.
بلِّغا باذان وقولا له: إنّ مُلكي سيصل إلى ملك كسرى، وأنت إن أسلمتَ أقررناك على ملكك، اختلف الأمر اختلافًا كلِّيًّا.
(3)
خرج الرجلان من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدما على باذان، وقالا له لقد أرسلتنا إلى رجل نأتيك به لا نستطيع أن نأتى به إلا إذا أتيناك بأهل المدينة جميعًا، وأخبراه الخبر.
طار عقل باذان، لكن باذان كان رجلا لبيبًا عاقلا حازما يعرف مصادر الأمور ومواردها، فقال لمن حوله:
إن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من شهر لنعرف حقيقة محمد.
قال له جلساؤه: كيف ذلك ؟
قال باذان: ننتظر حتى تأتينا الرسل من فارس، فلئن كان ما قال محمّدٌ من قتل كسرى حقًا فإن محمد نبيّ صادق، أما إن كان غير ذلك فلنا معه شأن آخر.
لم يكن وقتها أقمار صناعية، أو محطات بث مباشر، أو محطات وكالات أنباء عالمية، لم يكن لهذا كله وجود، بل إن الخبر يومها يحتاج إلى شهر كامل أو يزيد حتى ينتقل إلى اليمن.
وعلم أهل اليمن بالقصة كلها، فظل باذان ومن معه من أهل اليمن فى انتظار الرسل من قبل كسرى ..
انتظروا شهرًا كاملاً ..
حتى جاءت الرسل ..
فقال لهم أهل اليمن: هل حقًا قُتل كسرى.
فتعجب الرسل ..
فغروا أفواههم قائلين:
من أخبركم ؟!
من أعلمكم ؟!
قال باذان كيف تم ذلك ؟!
قالوا: لقد قامت ثورة كبيرة ضد كسرى من داخل بيته بعد أن لاقت جنوده هزيمة منكرة أمام جنود قيصر، فقد قام شيرويه بن كسرى على أبيه فقتله، وأخذ الملك لنفسه، وكان ذلك في ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع هـ، واستلم حكمه فحسبوا الليلة التى قتل فيها فإذا هى الليلة التى أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فض باذان رسالة شيرويه التى فيها:
" أما بعد فقد قتلت كسرى، ولم أقتله إلا انتقامًا لقومنا، فقد استحلَّ قتلَ أشرافهم، وسبيَ نسائهم، وانتهابَ أموالهم، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممّن عندك ".
فما إن قرأ باذان كتاب شيرويه، حتى طرحه جانبًا، وأعلن دخوله في الإسلام، وأسلم من كان معه من الفرس في بلاد اليمن.
يا لا باذان !!
لقد آمن قلبه وفؤاده
وسجد لله رب العالمين ..
وآمن معه أهل اليمن.
فلقد تأكدوا من صدق ما قاله محمد، ولمسوا ذلك بأنفسهم ..
وقالوا: لم يعد لنا قبلة نتوجه اليها الا حيث يتوجه محمد وصحبه.
(4)
وصل الخبر إلى مدينة رسول الله يعلمهم بإسلام باذان وإسلام أهل اليمن التى هى امتدادًا جعرافيًا للجزيرة العربية.
وفرح النبى صلى الله عليه وسلم بإسلامهم فرحًا شديدًا، وقال لأصحابه مُرحبًا بوفدهم: ( أتاكم أهل اليمن، هم أرق قلوبًا منكم، وألين أفئدة، وهم أول من جاء بالمصافحة ) .. ثم قال صلى الله عليه وسلم: " الإيمان يمان، الفقه يمان، والحكمة يمانية ".
وأرسل إليهم جماعة من أكابر أصحابه يعلمونهم الإسلام منهم الصحابى الجليل على بن أبى طالب ثم معاذ بن جبل الذى قال معلمًا إياه: " إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات فى يومهم وليلتهم فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة فى أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقيرهم فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس "
إنها خطوات مفصلة يعلم بها النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يبدأوا بالأهم فالمهم كما يقول القائل:
العلم إن طلبته كثير .. والعمر فى تحصيله قصير ..
فقدم الأهم منه فالأهم
وأمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يظل باذان على ملكه ..
يا لا باذان .. نال عز الدنيا، وسعادة الآخرة !
أما كسرى ففى مزبلة التاريخ، لقد مزق الله ملكه، فلم تقم له قائمة بعد ذلك. وما هى إلا سنوات معدودات حتى كانت مطارق الفتح الإسلامى تضرب إيوان كسرى وتسيطر عليه ودخل الصحابى الجليل سعد ابن أبى وقاص إيوان كسرى بعد هزيمتهم دخل باكيًا يقرأ قول الله تعالى:
{ كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ.وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ.وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ.فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ } سورة الدخان آية 25: 29.

القلب الحزين
15-12-2013, 06:51 PM
نصارى الغرب يلحقن بقوافل المسلمات في غزة




http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1190654414976619587_e5f07a8769_m.jpg
صورة لأحد شوارع غزة القديمة

روكسانه : شعرت بهيبة القرآن الكريم قبل أن أعتنق الإسلام
غزة/ من ريما محمد زنادة :
[email protected]
أنعم الله تعالى على قلبي روكسانه وكورا الإسلام وجعله طريقاً ليهتدوا به، ونبراس يضيء وهج مسيرتهما في حياة جديدة في ظل الإسلام بعد أن طويتا بل مزقتا صفحاتهما القديمة قبل أن يخترق الإسلام أفئدتهم التي كتب الله تعالى لها الحياة بعد موت سابق.
أكرمني الله تعالى
" شاء الله تعالى أن يدخل نور الهدى إلى قلبي فأكرمني بنعمة الإسلام فنطقت الشهادتين ليس بلساني فحسب بل نطقتها كل جوارحي التي أنعمها المولى علي " بهذه الكلمات استهلت روكسانه رومانية الأصل التي سميت نفسها بعد إسلامها فاطمة الزهراء حديثها .
وأضافت ونور الإسلام قد وهج على جبهتها المشرقة بنور الإسلام: إن إسلامي كان بالتدرج فعندما كنت طفلة في رومانيا لم أشعر بالطمأنينة خاصة عندما كنت أذهب للكنيسة، وأقوم بالطقوس الدينية أشعر بضيق في داخلي حيث أسمع العديد من العبارات التي لا أعي معناها وأجدها غريبة من نوعها مثل تقبيل الصور التي يدعي النصارى أنها صورة النبي عيسى ومريم العذراء "عليهما الصلاة والسلام" والأغرب من ذلك أن كل صورة تختلف عن الأخرى بشكلها وشخصياتها، وكثيرا ًما كنت أسمع لكلام القسيس وغالباً لا أفهم كلامه، وكثيراً ما كنت أضحك لأفعالهم مما جعله دافعاً في داخلي بعدم الذهاب للكنيسة.
وأوضحت بعد أن رسمت ابتسامة الرضا والشكر لله تعالى، أنها من خلال دخولها للإسلام استطاعت أن تجد إجابات للعديد من الأسئلة التي عجزت النصرانية عن الإجابة عليها.
وبقلب مطمئن بذكر سبحانه وتعالى أشارت إلى أنها في إحدى الأيام وجدت شريط فرغبت بسماعه، وشاء الله تعالى أن يكون للدعاية الهندي أحمد ديدات يحتوي على حوار بين المسلمين والنصارى، فكان المسلون يجيبون على كل الأسئلة التي توجه إليهم بأدلة قرآنية حيث سمعت أمور عن الإسلام لم تسمع عنها من قبل مما أثر ذلك في نفسها بالرغبة للتعرف أكثر عن الإسلام عكس النصارى الذين عجزوا عن تفسير ما يقومون به من عبادات وغيرها من الأمور.
في الغرب
وبينما كانت تتحدث معي فاطمة في عيادة الأسنان حيث تعمل طبيبة أسنان دخلت إحدى المريضات فاستأذنت بعض الوقت للقيام بعملها وكانت قبل ذلك طلبت فنجان من الشاي وعندما أحضر لها الفنجان طلبت منها المريضة أن تؤجل الكشف على أسنانها من أجل أن تشرب الشاي قبل أن يبرد رفضت د.فاطمة وقالت وهي تبتسم :" أقوم بعلاجك أولاً ثم بعد ذلك أشرب الشاي المهم أسنانك " وبعد علاجها للمريضة استكملت حديثها معي بشيء من الابتسامة التي تؤكد تغير حياتها بعد الإسلام.
وذكرت بشي من الحزن بأن الكثير من هم في دول الغرب لم يتعرفوا على الدين الإسلامي بمعناه الحقيقي.
وبنبرة حزن كانت واضحة على كلماتها "يرجع ذلك للأسف الشديد إلى بعض الأشخاص الذين يحملون الإسلام بالهوية فقط حيث كانوا يقوموا بأفعال في الغرب كان الغرب أنفسهم لا يقوموا بها، إضافة إلى عدم إجابتهم بصدق حول الأسئلة التي تتوجه إليهم عن الإسلام".
وبابتسامة جديدة رسمتها على كلماتها" هذا لا ينفي وجود مسلمين كانوا يحملون في قلوبهم الإيمان، وطاعة الله تعالى مما عمل على دخول الطمأنينة في قلوبنا فكان منهم زوجي فلسطيني الأصل ملتزم بتطبيق تعاليم الدين الإسلامي مما جعل أفعاله تحبب قلبي إلي الإسلام" .
وتابعت قولها والشعور بالأمان استحوذ على فؤادها" حينما كنت أرى القرآن الكريم قبل إسلامي أشعر بأنه كتاب عظيم لأنه كلام الله تعالى مما جعلني أشعر بالهيبة وأنا أراه ".
أعرف دينك
أما إيمان من كندا التي أرادت أن يستقر الإسلام ليس في قلبها فحسب بل في اسمها أيضاً حيث قامت بتغير اسمها من كورا إلى إيمان.
شاء سبحانه وتعالى أن يخترق نور الإسلام في فؤادها لتستنشق هواء نقي يتطلبه جسدها لتنتقل به في حياتها من الظلمات إلى النور قائلة:" أسلمت بعد أن اطلعت على مجموعة من الكتب حول الديانات مما جعلني أتعرف أكثر على الدين الإسلامي".
وتابعت بالكثير من الثقة التي كانت واضحة عليها " قبل أن أكون مسلمة درست الدين على طريقتي الخاصة لعدة شهور لأتعرف على الدين الذي سأعتنقه ثم قررت بعد ذلك أن أسلم بعد أن تأكدت أنه الشيء الوحيد الصحيح في حياتي ".
وحول نظرتها للمسلمين أشارت إلى أن الإسلام كامل، ولكن المسلمين ليسوا كذلك متمنية من كل مسلم أن يتعلم أمور دينه جيداً، وعن الأديان الأخرى حتى يستطيع أن يدعوا إليه بطريقة وأسلوب صحيح .
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1190654549dscf2356.jpg
صورة لأحد أحياء مدينة غزة

دور المسلمين
وعن دور المسلمين تجاه من أسلم حديثاً قال د.ماهر أحمد السوسي أستاذ الفقة المقارن المساعد بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية،" يجب أن نعلم أن المسلم مكلف بنشر الإسلام، ودعوة الناس إليه، حيث هو دين الله للناس جميعا، وفي هذا يقول الله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر تؤمنون بالله ..) فالآية الكريمة تبين أن أمة المسلمين قد أخرجت للناس جميعاً، ولم تبعث لنفسها فقط، بل كلفت بحمل عبء دعوة الناس جميعاً إلى هذا الدين".
وأضاف: من خلال ما سبق يتبين أن للمسلمين دوراً هاماً تجاه من يدخل في الإسلام، وهو العمل على رسم صورة واضحة وحقيقية عن الإسلام كما أراده الله سبحانه وتعالى، لا كما يريده الداعية.
وذكر بأنه من واجب المسلمين تجاه من اسلم حديثاً أن نكون لهم قدوة حسنة، وأن نجسد الإسلام على شكل سلوك وتصرفات، هي في حقيقتها أوامر الإسلام ونواهيه، وأن نتصرف أمامهم بخلاف ما ندعوهم إليه، وبمعنى آخر يجب أن نكون أمامهم صورة حيّة للإسلام.
ونوه إلى وجود كثير من الأخطاء التي تصدر عن كثير ممن يتعاملون مع المسلمين الجدد ذلك التعالي والاعتداء بالنفس، ومحاولة الإيحاء لهؤلاء أنهم بسبب حداثة إسلامهم دون سائر المسلين، وأن غيرهم من المسلمين هم أفضل منهم، وهذا مما يصد هؤلاء عن الإسلام لما يرونه من سوء خلق المسلمين.
ونوه إلى تحقيق ذلك ينبغي على من يتعامل مع هؤلاء أن يكون متفهماً لروح الإسلام وحقيقته، عالماً بما يدعو الناس إليه علماً صحيحاً، وأن يبتعد عن الاجتهادات الشخصية، والتحليلات المزاجية للأشياء.
وأما عن دور الدول الإسلامية ذكر د. السوسي بأنها عليها بالأصل أن تقوم بتوفير الإمكانيات المالية والمعنوية والفكرية التي يمكن من خلالها الانطلاق إلى دعوة الناس إلى الإسلام وترغيبهم فيه، ومن ذلك إعداد الدعاة المدربين، العارفين بالإسلام على حقيقته، ذوي الملكات الخاصة القادرة على إقناع الناس بما يحملون من تعاليم شريعة الإسلام.
وحول دور الزوج مع زوجته غير المسلمة أردف د. السوسي قائلاً :إن الزوج أقرب اجتماعياً وعاطفياً إلى زوجته، وأكثر التصاقاً بها، وهذا يلقى على الزوج مهاماً أكثر من غيره حيث أن الإسلام لا يفرض على من تزوج بغير المسلمة أن يلزمها بالإسلام، أو أن يدفعها إلى الإسلام رغماً عنها، لقول الله تعالى (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي) .
وفيما يتعلق ببعض الأخطاء التي يرتكبها بعض المسلمين في الغرب التي تسيء للمسلمين أكد قائلاً : "إن المسلمين ليسو ملائكة، فهم كسائر البشر قد يخطئون وقد يصيبون، وأنه ليس شرطاً أن يكون كل مسلم قد وصل الذروة في الإسلام، فمن طبيعة النفس البشرية أنها تخطئ أحياناً، وتقصر أحياناً أخرى، يقول الله تعالى: (وما أبرئ نفسي أن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، منوهاً إلى أن هؤلاء موجود في كل الديانات والمذاهب".

القلب الحزين
15-12-2013, 06:51 PM
رئيس الاتحاد العالمي للبرمجة اللغوية العصبية يعلن إسلامه على يد الشيخ عوض القرني



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1184714583pic01a.jpg
صورة للدكتور عوض القرني

أعلن رئيس الاتحاد العالمي للبرمجة اللغوية العصبية الدكتور وايت ود سمول إسلامه على يد فضيلة الشيخ الدكتور/ عوض بن محمد القرني في البحرين، حيث طلب الدكتور "وايت ود سمول" أن يشهر إسلامه على يد فضيلة الشيخ د. عوض القرني، أثناء المؤتمر العالمي للبرمجة اللغوية العصبية المنعقد في البحرين تحت عنوان: "البرمجة اللغوية العصبية ما لها وما عليها" بتاريخ: 29/6- 1/7/1428هـ الموافق: 14-15/7/2007م ، وقد ألقى فضيلة الشيخ د. عوض القرني على أعضاء المؤتمر محاضرة بعنوان: "البرمجة اللغوية العصبية والدين" كما ألقى محاضرة أخرى للمدربين والمدربات في مملكة البحرين .
الجدير بالذكر أن الدكتور/ وايت ود سمول سمّى نفسه بعد إسلامه" عبد الحكيم" باسم الابن الأكبر لفضيلة الشيخ د. عوض القرني، وقد دعا الشيخ د. القرني صديقه الدكتور/ "عبد الحكيم" لأداء فريضة الحج والعمرة على نفقته الخاصة، ولبّى د. "عبد الحكيم" "وايت ود سمول" سابقا الدعوة، وسيكون للدكتور "عبد الحكيم" زيارة خاصة عائلية إلى مدينة أبها لزيارة عائلة الشيخ الدكتور عوض القرني .
وفي حوار أجراه الشيخ د. عوض القرني مع رئيس الاتحاد العالمي للبرمجة اللغوية العصبية الدكتور وايت ود سمول يقول:
"قضيت مع هؤلاء المدربين الساعات الطوال في نقاش وردود عليهم ومنهم( وايت ود سمول) لقد اختل توازنه في الكلام من كثرة النقاش والحوار الذي دار بيني وبينه، وأخيرا تحدثت معه عن الإسلام وقد كانت في آخر جلسة، وقد نزلت دموعه وقال إن كان هذا الإسلام فأنا مسلم، وذلك بحضور 60 ممارسا، وبحضور أربعة أساتذة من جامعات المملكة".
وتحدث المدرب/ فهد الفيفي قائلاً: "أنا ممن حضروا هذا الموقف مع وايت وود سمول الذي يحمل الدكتوراه في فلسفة العلوم، والشيخ عوض دخل له من تخصصه هذا، فقد استطاع الشيخ عوض أن يتحدث عن فلسفة العلوم وأسهب، ثم تحدث عن الإسلام، وقال: إن الدين الإسلامي جاء ليجيب على ثلاثة أسئلة إحتارت في الإجابة عنها عقول البشرية، وهي: من أنا ؟؟ لماذا خلقت ؟؟ ما هو مصيري ؟؟ فأعجب وايت بطرح الشيخ عوض .. وكيف أنه استطاع أن يجمل الإسلام كاملا في هذه الكلمات الوجيزة، ثم استفاض الشيخ عوض بعد ذلك في الحديث عن الإسلام، فتأثر د. وايت بهذا الكلام ... لكنه كان متحفظا.
وكان د."وايت" قد سمع القران الكريم فأعجب به أيما إعجاب .. وكأن القران سحره أو سلبه لبه .. لقد تكلم لنا عن استخدام المدرب للموسيقى في دوراته .. ثم عقب قائلا: طبعا أعلم أن كلامي هذا لا يهمكم لأنكم لستم بحاجة لأي موسيقى .. أنتم تملكون القرآن .. أعظم موسيقى بشرية سمعتها من قبل .. لها تأثير غير عادي على أعصاب الإنسان وراحته.
كان د. وايت .. معجبا جدا بالشيخ عوض القرني وعلمه وتواضعه، لقد طلب وايت أن يكون الشيخ عوض نائبه في الخليج .. فتمنّع الشيخ عوض بحكم مشاغله وارتباطاته .. فأصر د."وايت" على ذلك، فاشترط الشيخ عوض عدة شروط أهمها: أن يوافق جميع المدربين على هذا .. فقام وايت وعمل تصويتا بسيطا .. فوافق الجميع بلا استثناء .. وهكذا فالشيخ عوض القرني هو نائب رئيس الاتحاد العالمي في الخليج وهو المسئول عن مدربي الاتحاد العالمي في الخليج ..
في اليومين الأخيرين : جاء وايت وصلى بجانبي، لقد علمه أحد الإخوة الوضوء، فجاء يصلي كما أصلي.
تكلم الأستاذ محمد عاشور في ختام الدورة وقال: بأن كل ما نبذله من جهد هو لصالح الأمة ككل ولصالح إخواننا في فلسطين ... وأسهب الأستاذ: محمد عاشور حتى تأثر الجميع ..
بعثت ببصري نحو وايت وروبرت .. فوجدت المترجم واقفا بجانبهما يترجم لهما كلام الأستاذ محمد عاشور، وكان وجه وايت صعب المعايرة ،إلا أنني لا حظت شيئا غريبا لم أستطع تفسيره ، قام وايت، وأخذ اللاقط بعد محمد عاشور، وبدأ يتكلم بتلعثم لم نعهده من قبل عليه، ثم تكلم كلمات موجزة وهو يبكي بمرارة، ثم اضطرب وكاد يسقط، هرع إليه روبرت سميث واحتضنه حتى لا يسقط .
أرجو من كل من يقرأ كلماتي هذه أن يدعو لوايت بالهداية .. وأن يشرح الله صدره للإسلام .. وأن يوفقنا الله جميعا لهداه وطاعته ..
وهاهو وايت سمول يشهر إسلامه الليلة الأحد 2/7/1428هـ في البحرين على يد الشيخ / الدكتور عوض بن محمد القرني
نسأل الله لنا وله الثبات
المصدر: موقع الرسالةhttp://www.al-resalah.net (http://www.al-resalah.net/news/detail.asp?iData=101&iCat=33&iChannel=7&nChannel=News)

القلب الحزين
15-12-2013, 06:52 PM
قصة إسلام عماد المهدي الشماس السابق
( 1 )


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1177810385clip.jpg صورة للشماس السابق عماد المهدي بعد الإسلام
في البداية سألت ( الشاب عماد ): أن يلخص لنا قصة إسلامه فقام بتلخيصها كالتالي: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد : * فنعمة الإسلام كفى بها نعمة، ولو سجدنا لله شكراً حتى نموت ما وفّينا هذه النعمة حقها من الشكر لله تعالى. فالمسلم الذي يعيش في ظل الإسلام يتمتع بنعمة عظيمة – ألا وهي نعمة الإسلام، ولا يشعر بطعم هذه النعمة إلا من كان محروماً منها ثم أكرمه الله بها. أخي القارئ: كان لا بد أن أحدثكم عن نفسي قبل أن أحدثكم عن نعمة الإسلام التي هداني الله إليها لعلك تسألني وتقول: ما هي أسرتك قبل الإسلام وبعده ؟ قبل الإسلام: كانت تتكون أسرتي من أربعة أشخاص وهم أنا وأختي وأمي ووالدي، كانت أسرة نصرانية كأي أسرة متدينة تذهب إلى الكنيسة وتحضر قداسها في مواعيدها ( الأحد والجمعة )، تؤدي جميع الطقوس داخلها من اعتراف، أو تناول، أو صلاة. فالاعتراف: هو اعتراف العبد للقسيس بذنبه الذي اقترفه خلال الأسبوع، وكل فرد في الكنيسة يجب عليه هذا الاعتراف أمام القسيس، ويختار لنفسه قسيساً معيناً، ويسمى بعدها هذا القسيس ( الأب الروحي ) ، وبعضهم يسمي هذا القسيس ( الضمير الروحي ) !!! ويعد الاعتراف سراً من بين أسرار الكنيسة السبعة وهي :
1- سر المعمودية أو التغطيس أو التنصير.
2- سر العشاء الرباني أو التناول.
3- سر التناول . 4- سر التثليث .
5- سر الزواج .
7- سر الكهنوت.
واكتفي بشرح الاعتراف والتناول حتى لا يتشعب الموضوع ويتفرق من بين أيدينا .. التناول: يلي الاعتراف[1]، وهو[2] عبارة عن ( نبيذ العنب ) ( الخمر ) ويقرأ عليه القسيس بعض الطقوس ما يقرب من ساعة ونصف تقريباً، وحسب اعتقادهم يقولون: قد يتحول هذا الخمر إلى دم المسيح ويشرب كل من اعترف للقسيس ملعقة من هذا الخمر . ويجذبني الحديث إلى تعريف ( أخي القارئ ) بالقداس في الكنيسة: فالقداس هو ما يفعل صباح يوم الجمعة والأحد، وهذا القداس في نظرهم قمة العبادة، ويؤدون فيه بعض الطقوس باللغة القبطية القديمة، وأكثر الذين يصلون خلف القسيس لا يعلمون عن هذه الكلمات شيئاً ... ( لا تضحك !! فليس بعد الكفر ذنب ) !!! وهذه الأسرار السبعة ما هي إلا شرك باله، كما يظهر ذلك في – تثليث الأب والابن والروح القدس حيث اتخذوا المسيح عليه السلام إلهاً نم دون الله، ويتم تمجيده على هذا الأساس. وكنت أذهب مع عائلتي إلى الكنيسة يوم الجمعة في الصباح وكذلك الأحد، ذلك المكان الموحش ، الممتلئ بدخان المباخر في كل جوانب الكنيسة، حتى إنك تكاد لا ترى يدك من شدة هذا الضباب من الدخان، - كذلك لم يكن هناك من يشبع رغبتي داخلها لأن كلام القس في القداس باللغة القبطية – إلا أنهم كانوا في مدارس الأحد[3]، يتم عمل مسابقات وهدايا مِمَّا يُرغّب الأطفال في الذهاب إلى الكنيسة.
* عمل الوالد والوالدة : والدي كان تاجر حبوب، وأمي كانت تعمل في مجال التمريض، وكنت دائماً أحب أن أكون مع والدي في الدكان حتى كنت أسارع في البيع والشراء ، كذلك كان هناك متجر حبوب آخر ملكاً للعائلة الكبيرة ، الجد والجدة والأعمام والعمات، وكان لي مكانة مميزة عند جدي برغم وجود أبناء العم من حولي . كذلك لي عم آخر وكان ذلك العم يحبني حباً كثيراً ويقول : ( إنني أعتبرك ابني وأنا على يقين أن والدك لا يعرف قيمتك مثلي )، – الحمد لله – كنت ماهراً في التجارة ، ماهراً مع الناس ، اشتهرت بحسن الخلق وحسن التعامل مع الناس وكذلك الصدق في المنزل ، كان – والحمد لله – أسلوبي طيباً مع الناس جميعاً ، وهذا مما فُطرتُ ونشأت عليه . * بداية النور : وفي بداية دخول النور إلى بيتنا الذي أنار بنور الإسلام شعرت بتوجه أمي الحنون نحو الإسلام – لا تعجب فـ ( القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف يشاء ) وجدت أمي تنفر من النصرانية ، حتى أنها بدأت تمتنع عن الذهاب إلى الكنيسة وتميل إلى الإسلام . وفي ذلك الوقت وافق صيام شهر رمضان ، الصيام عند النصارى ، حيث يفطر المسلمون عند المغرب ، ويفطر النصارى عند ظهور النجوم في السماء ، عند اقتراب المغرب [4]. وعندما كانت تظهر النجوم في السماء كان ذلك يسبق الأذان ، إلا أن الأم كانت تنتظر حتى تسمع الأذان ، تعجبتُ ! وفي مرة من المرات قلت لها (ماما) ما هذا ؟ إني أراك لا تفطرين عند ظهور النجم في السماء مثلنا وتأكلين عند أذان المغرب كالمسلمين . ما هذا ؟!!!! أخبريني بصراحة الأمر . فتقول يا عماد – يا عماد لا تشغل بالك . وعلمت بعد ذلك أنها بسلوكها هذا تتجهُ إلى الإسلام وتميل إليه وأنها كانت تصوم رمضان ، ولم تكن صائمة صيام العذراء ، لأن صيام العذراء كان خمسة عشر يوماً ولكنها صامت ثلاثين يوماً حتى انتهى شهر رمضان المبارك . بدأت تظهر كثيرٌ من المواقف مثل هذا وعلى سبيل المثال : كان وما زال يأتي درس الشيخ الشعراوي يوم الجمعة بعد الصلاة ، والمعروف لدى النصارى أنه وقتما يكون الشعراوي في التلفاز تكون لديهم ساعة نحس ، وكان ذلك مختلف تماماً عند أمي ، فكانت تجلس أمام التلفاز صامتة كما لو أن طفلاً أمام والده ، أو تلميذاً أمام أستاذه ، حتى لو أنك حدثتها لم تجبك من شدة انتباهها لدرس الشيخ الشعراوي. وفي تلك الفترة كان هناك برنامج اسمه ( ندوة للرأي ) لمجموعة من العلماء ، فكانت تجلس وتركز انتباهها على سماع الإجابة.
كل هذه التغيرات كانت واضحة في أمي أثناء هذه الفترة . لما فكرت أمي في إظهار إسلامها جلست معي وقالت لي يا عماد وأنت ابني الوحيد ولن أجد أحداً يسترني غيرك ! كانت لهجة أمي متغيرة وكأنها خائفة من شيء فقلت لها خيراً ( يا ست الكل ) كانت مترددة في حديثها معي . ثم قالت في حديثها معي ( لا – لا أنت أبني الكبير وأول فرحتي في هذه الدنيا لا يمكن أن تفكر في يوم أنك تؤذي أمك ) . من هذه الكلمات بدأت أشعر بالرعب يدب في قلبي ( خائفة ، لا يمكن أن تفكر في يوم أنك تؤذي أمك - لا – لا أنت ابني الوحيد . هذه الكلمات لها معان كثيرة جداً وتحمل أكثر من علامة استفهام ؟؟؟ . وسط هذا التفكير السريع سألت أمي لماذا هذا التردد – ماذا حدث وماذا سيحدث ... ؟ يا أمي ، أريحي قلبك ، وأريحيني ولكن ( الأم هي الأم ) قالت : ماذا تفعل لو حاولا قتلي .... ؟! قتلك !!! من سيقتلك ؟!! قالت : إخوتي ، وأبوك، وأفراد العائلة كاملة. قلت لها: ولماذا وأنت أفضل أخت لهم وهم يحبونك جميعاً ؟ وبنظرة إلى عين أمي المملوءة بالدموع قالت : ماذا تفعل لو صرت مسلمة !! هل ستحاربني مثلهم ؟ قلت لها: الأم هي الأم ، وأنت في كل الأحوال أمي ... ثم غلب عليّ البكاء وتعانقنا ، وقالت : إن هذا الموضوع اجعله سرّاً بيني وبينك . هذا الموقف هزني كثيراً لقد كان بداخلي، أسئلة كثيرة تحيرني وأفكار عديدة تقلقني ، وهواجس رهيبة تكاد تمزق قلبي ، وحيرة لا أجد لها حلاً !!!
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1177810562dsc0070011.jpg صورة للشيخ عماد المهدي مع الداعية الشيخ محمد حسان في بيته في المنصورة
* الصدمة الأولى: بعد هذا الموقف بعدة أيام رجعت من المدرسة فلم أجد أمي، ولم أجد ملابسها، ولم أجد أحداً في المنزل. شعرت ساعتها بوحشة الفراق، وغربة البعاد، بعاد الأم الغالية، وقد خيّمت عليّ الكآبة، واستولى عليّ الخوف من المستقبل، وتمنيت لو كان ذلك حلماً ولم يكن حقيقة، ذهبت على الفور لدكان أبي وقلت له: يا أبي – عدت فلم أجد أمي في المنزل: قال: لعلها عند إحدى صديقاتها.. قلت: يا أبي – حتى ملابسها لم أجدها بالدولاب. قال الأب: ماذا تقول يا عماد ؟ فكررتُ، وهنا ازداد تعجب أبي وقام مندهشاً . وذهب معي على الفور إلى المنزل – إنها الصدمة أين أمك ؟ أين ؟ … أين ؟ واقسم أنه لم يغضبها ولم يقع بينهما ما يوجب الخلاف أو الغضب ، وشملت الصدمة كل أفراد العائلة ، إنها أسلمت وأعلنت إسلامها أمام الجهات المسؤولة ولن تعود إلى البيت أبداً … !! جُنّ جنون العائلة كلها وفقدت توازنها، وصارت تقول في حق الإسلام والمسلمين كل ما يقال من ألفاظ السب والشتم واللعن وصار الجميع ( الوالد والأعمام والأخوال ) في حالة عصبية شديدة جداً، انفعالية في الكلام حتى فيما بينهم، واعتبروها كارثة وعاراً ألحق بالعائلة كلها نزل بهم وحل عليهم جميعاً . وكان من بين البلاء الذي حل عليّ وقتها أن أمي كانت تُشتم وتُسب بأفظع الشتائم من أقرب الأقارب والأخوال والأعمام ، وكانوا دائماً يقولون إنها كانت تشبه المسلمين في كذا وكذا . ومنهم من كان يقول بنت كذا وكذا تركَتْ أولادها وذهبت إلى الإسلام. كنت أسمع ذلك وأشاهده ولم أستطع الرد ولا الدفاع عنها ، ولكن العم كان يذهب إليها في الجهات المختصة ليوقع الإقرار تلو الإقرار بعدم التعرض لها. ولما كان يلقاها كان يتعطفها كي تعود إلى ولديها لشدة حاجتهما إليه .
* حلاوة الإيمان : لكن أمي رفضت هذا الإلحاح بشدة بعدما ذاقت حلاوة الإيمان، وأسلمت – والحمد لله رب العالمين – وتركتنا وديعة عند من لا تضيع ودائعه – سبحانه وتعالى – خير حافظ وأفضل معين ، وهو أرحم الراحمين .
* موقف الكنيسة : كنت أتردد على الكنيسة وأحضر جميع دروسها ولا سيما درس الثلاثاء ، كان درساً معروفاً لدى الجميع في الكنيسة ، ويحاضر فيه القس بنفسه محاضرة عامة تتعلق بموضوعات شتى ، خاصة المحاضرات السياسية . ويتحدث فيه بحرية ويبدي آراءه دون حسيب أو رقيب عليه في حديثه . وخلال درس من دروس الثلاثاء هذا تعرض في حديثه إلى موضوع أمي لأنه كان موضوع الساعة وقتها ، والكل يتحدث عنه في الكنيسة . فقال هذا القس : ( تذكرون فلانة الفلانية وذكر اسمها ) التي استسْلَمت للشيطان وأعلنت إسلامها وخانت المسيح والمسيحية ، - وباعت أولادها - ، وباعت نفسها للمسلمين ، وتركت الطهارة وذهبت إلى { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا } [الكهف: 5].
* وصمة عار : المرأة التي تركت المسيح الإله المخلص[5] لهذا الكون أراد المسيح نفسه أن يفضحها بعد أن خانت الكنيسة وهي الآن ملقاة في السجن في قضية من قضايا الآداب .. ؟؟ هنا أصابني الذهول وكادت نظرة الحاضرين أن تقتلني ، وكأنني ارتكبت أشنع الجرائم الخلقية، كأني ارتكبت جريمة الزنا والعياذ بالله. قلت : هذا غير معقول ؟ أمي تجازف بترك دينها وترك عبادة المسيح وتتركنا أنا وأختي هنا نواجه كل هذا البلاء ولا ذنب لنا، كرهت نفسي وتمنيت أن الموت يأتيني في كل لحظة، وخرجتُ من الكنيسة ويعلم الله أني لا أدري كيف أسير في الشارع تكاد عيني لا ترى أحداً من الناس، وبينما أنا على هذه الحال من الكآبة والحزن الشديد سمعت صوتاً ينادي عليّ عماد ( عمدة )[6] فرأيت أمي كانت تسير دائماً قرب منزلنا لترانا أنا وأختي على حذر، وأرْسَلت امرأة من الجيران في منزلنا لهذا الغرض وعَلِمتْ أني في الكنيسة واقترب موعد رجوعي فانتظرتني عند عودتي تسعد بلقائي ، وقتها شَعُرت بصراع شديد في داخلي، ومجموعة من المشاعر المتضاربة، إنها أمي الحبيبة الحنونة ! ... إنها السيدة التي باعت المسيح ولا بد من الانتقام منها ... وسط هذا التفكير لم اسمع منها أي كلمة من شدة ذهولي .. والتفتُّ لها وقلت متى خرجت من السجن! كانت معها مجموعة من زميلاتها في مجال التمريض ولفيفٌ من الجيران المسلمين وقالت : بل قالوا جميعاً ( سجن إيه ) ! أمك فضّلت الآخرة على الدنيا . قالت أمي : ( عمدة ابني حبيبي ) ألم أقل لك إنهم سوف يرمونني بالتهم ، خذ هذه الورقة فيها عنواني على أن تتعهد لي بأن لا تعطي هذا العنوان لأحد. وسلّمتُ عليها وقبلتها ، وكان من بين الحاضرين رجل ملتح ، وزوجته منقبة ، قال هداك الله ووضع يده على كتفي لكنني نزعتها بعنف وشدة، وتركت أمي ورجعت إلى منزلنا المظلم[7] رأيت أختي (هبة) لكنها كانت صغيرة لم تع أو تفهم ما يدور من حولنا ، نظرتُ إليها وقلت : ما ذنب الأبناء بما يفعله الآباء . كلمة سمعتها من مدرس نصراني تعليقاً على موضوعنا.
أصبح أمامي موضوع هام جداً وهو زيارة أمي في منزلها ، وكان قد مر على لقائي بها وإعطائي العنوان المذكور ستة أيام تقريباً وكان ذلك قبيل المغرب . من هنا اخترق نور الإيمان قلبي المظلم[8] ؟ عندئذ ذهبت إلى أمي لزيارتها في منزلها فاستقبلتني استقبالاً رائعاً وجلستُ أنظر إلى منزلها المتواضع ذي الفرش البسيط ، ووسط هذه النظرات السريعة إذ بالمنادي ينادي : ( الله أكبر ... الله أكبر ... ) الأذان . والله الذي لا إله غيره كأني أسمع هذا الأذان لأول مرة في حياتي رغم سماعي لهذا الأذان مئات المرات، ولكن كان لهذا الأذان في هذه اللحظة بالذات وقع عظيم في قلبي لم أشعر به من قبل. قامت أمي من جواري على الفور وذَهَبَتْ فتطهرَّتْ وتوضّأت ثم دخلت في صلاة المغرب وجعلت تتلو القرآن في الصلاة بصوت مسموع ، وكنت لأول مرة أسمع القرآن من أمي ، إنها سورة (الإخلاص) وكان ذلك الموقف لا يوصف كان له أثر طيب على مشاعري ، تمنيت أن أجلس على الأرض وأقبل قدمَي أمي وهي تصلي ، شعرت بشيء ما يغسل قلبي ، دخل عليّ صفاء وحب امتلكني . شعور غريب ، إنها روح جديدة تسري في جسدي ، واجتمعت في نفسي إشعاعات النور وشعرت بإشراق شمسِ يومٍ جديد بعد الغيوم القاتمة وظلام الليل الدامس . غلب علي البكاء بمدى الظلم الذي وقع عليها من ذاك القس في درس الثلاثاء الماضي ، تمنيت أن أرى هذا القس ليأخذ جزاءه مني فقد اعتدى على أمي .. !! دون أي وجه حق لماذا يشوه سيرتها ؟! أهذا عدل ؟ أبذلك أمر المسيح ؟ هل هذا هو القس الذي يعترف له المُذنب ؟ هل هذا هو قدوة المجتمع النصراني من الداخل .. ؟! كل هذه تساءلات كانت في حاجة إلى إجابة ..
* تغير واضح: جلست مع أمي ما يقرب من ساعة ونصف وأحضرت لي طعاماً وأكلتُ معها كان هذا اليوم وهذه الزيارة كأنها حلم جميل ، لا أكاد أصدق أن هذا قد حدث وأن له واقع ملموس.
* مناظرة مع القس: خرجت من عند أمي وأنا مرتاح القلب مثلج الصدر وذهبتُ إلى منزلنا، وفي الثوم الثاني ذهبت إلى الكنيسة لحضور المحاضرة المعروفة كل ثلاثاء . كان يتحدث نفس القس وأثناء المحاضرة أراد أن يكمل حديثه القذر عن هذه الجوهرة المصونة، ويكمل حديثه عن أمي الطاهرة البريئة . فقال هذا القسُّ: أما عن فلانة فكنت عندها أمس وقلت لها يا بنتي إن أولادك أحوج ما يكونون إليك ، لكن للأسف ما زالت في السجن وكانت هناك صعوبة بالغة حتى أتمكن من الحديث معها بتوسع ، لأنكم تعرفون السجن ، وما أدراكم ما السجن على العموم هذا جزاء كل بائع للمسيح وهذا جزاء كل خائن . في هذه اللحظة شاهدت كل فرد في الكنيسة ينظر إليّ نظرات عجيبة فلم أمتلك نفسي ووقفت أمام هذا الطاغوت أحدثه بأعلى صوت ... بدأت حديثي بما يلي: كفاية يا أبونا [9]. ثم وجهت كلامي للجميع قائلاً يا حضرات أنا كنت عند أمي أمس ولم تدخل السجن كما سمعتم وهذا الرجل كذاب بل إنه على العكس تماماً مما قاله هذا القس . انتبه إلي الجميع لي يحاولون تهديئي بكافة الطرق ويذكروني بمكانة القس . قال هذا القس يخاطبني: ما لك يا عماد عيب عليك ، اسكت يا بني ، ماذا حصل لك ؟ ماذا في الأمر ؟ قلت: أنت كذاب . وأثناء حديثي المباشر له سكت الجميع والتفتُّ لجمهور الحاضرين وقلت لهم: يا جماعة أنا كنت عند أمي في أمس فقط في المنزل وليست في السجن . عندما سمعَت أمي الأذان قامت وتطهرت وتوضأت وصلت ( منتهى النقاء ) والله رأيت في وجهها نضارة ما بعدها نضارة. يا جماعة أمي ليست في السجن كما يزعم (أبونا) وهاكم العنوان لمن يرغب في زيارتها . وأقسِم لكم أنني عندما سمعت آيات القرآن من أمي كانت هذه الآيات تغسلني وتطهرني من داخلي . فقاطعني القس قائلاً : اسكت يا ولد وإلا سأطردك خارج الكنيسة والدك لم يستطع تربيتك يا قليل الأدب . قلت له : دعني أسألك يا أبونا : هل أنت تتطهر قبل الصلاة كما يتطهر المسلمون[10]؟ حينئذ جن جنون الجميع كبيراً وصغيراً اسودّت وجوههم وكشروا عن أنيابهم . فمن قائل: اسكت لقد جاوزت حدود الأدب .. ومن قائل أنت قليل الأدب والبعض قد انهال عليّ بالضرب . أما القس فقد تغير لونه واسود وجهه وارتعشت يداه وظهر على وجهه الاضطراب والهزيمة والفضيحة. وقال كلمته الأخيرة الدالة على ألم الهزيمة ومرارتها : اتركوا هذا الولد .. فقد أجرَت له أمه غسيل مخ . خرجتُ من الكنيسة وأنا مرتاح البال ، ورغم أنني كنت خائفاً مما سيحدث بعد ذلك، وظللت أبكي حتى توجهت إلى بيت أحد أصدقائي الأعزاء ، من الذين قويت صلتي بهم وتأكدت صداقتي معهم على مر الأيام، فلم أجده في البيت، ورأتني أمه على حالي التي كنت عليها فرقّت لحالي وحزنت من أجلي وقالت : ( منها لله أمك هي السبب فلينتقم الله منها). لم أكد أسمع كلام هذه المرأة حتى رغِبت في الهجوم عليها وكدت أن أخنقها هي وذلك القس الكاذب، وغالبت نفسي وقلت: لعل هذا الغضب من مواجهة القس والتجرؤ عليه. ( وسوسة من الشيطان)، فلأرجعن إلى الإنجيل لعلي أجد فيه السكينة والهداية والهدوء. أمسكت الإنجيل لعلي أجد فيه شيئاً يرفع عني هذا الكرب وهذا الغمّ الذي ألمّ بي، ولكن سرعان ما عدت إلى صوابي، وقلت في نفسي هل هذا كتاب الله حتى أرجع إليه ؟ ثم عدت ثانية إلى الإنجيل أمسكه ولم أزل ممسكاً به فازدادت كآبتي ، واشتد حزني ، وكثرت علامات الاستفهام من حولي واستشعرت بل وتأكدت أنه كتاب كأي كتاب يحكي قصة شخص أكل وشرب ونام وفعل كذا الغرائب وخوارق العادات . ثم قلت من المتحدث في كل هذا ؟ أو من الذي كتب هذه الأخبار بعد رفع المسح، ولماذا تتعدد الروايات وتختلف وتتناقض أحياناً ، ويوجد فيها كثير من الخرافات. شعرت بملل غير عادي من القراءة في الإنجيل ، وظهرت علامات استفهام أخرى. لكن حرصي على الوصول إلى الحقيقة دفعني لمزيد من المراجعة ومعاودة قراءة الإنجيل مرة أخرى. وبعد أيام في يوم الجمعة ذهبت إلى الكنيسة في قداس الصباح وجاء دوري في الاعتراف ووقفت أمامه وقلت له : هناك أسئلة كثيرة أنا في حاجة إلى الإجابة عليها ، هناك أسئلة من داخل الإنجيل لم أجد من يُجيب عليها ، قال : وعدٌ مني يا (عماد أفندي) نجلس سوياً وأجيب على جميع أسئلتك، ثم قرأ على رأسي بكلمات كنا نعرفها جيداً في النصرانية . وبعد عدة أيام أرسل لي القس هدية ( صليباً من الذهب الخالص ) مع ( سلسلة عنق ) ولاحظت أن معاملته تغيرت معي تماماً ، وأصبح يعاملني بأحسن ما يكون. وذات مرة فاجأني بقوله في ( لهجة حانية) أنا آسف يا ابن المسيح إذ ذكرت أمك بما ذكرتها على تلك الصورة التي ضايقتك فأنت ابن المسيح ونحن نحبك جميعاً ، كذلك المسيح يحبك . ولم أعرف أن ذلك القس الخبيث يدبر مكيدة لينتقم مني . فقال لي يا (عماد) أرسل لي أباك وعمك أريدهما في أمر ضروري أمر سيسعدك جداً جداً وستكون مستريحاً للغاية . لم أعلم أن هذا الخبيث يدبر لي مكيدة وأنه يريد والدي وعمي من أجل هذا.
وفي نفس اليوم قلت لأبي : إن القس فلان يريدك في أمر ضروري جداً . فقال : لماذا ؟ قلت له لا أدري كذلك يُريد عمي . فقال والدي سنذهب له يوم الجمعة القادم . وفي يوم الجمعة ذهبت أنا ووالدي وعمي إلى الكنيسة حيث قداس الجمعة وبعد القداس التقى والدي وعمي مع القس ، ولما هممت بالدخول في صحبتهما استوقفني القس وطلب مني أن أنتظر خارج الغرفة لأن الحديث مع الوالد والعم في شأن هام جداً وخاص . ومكثوا في اجتماعهم ما يقرب من ساعة خرج والدي وعمي في حالة حزن شديد ولما سالت والدي ماذا حدث قال لي: لا شيء ، وفي المنزل قال لي : إنه يُريدك أنت وأختك لتمكثا معه في دير لمدة ثلاثة أيام استبشرت بتلك الرسالة الفريدة لما يتمتع به ذلك الدير وذاك ( الأنبا) من مكانة عالية في نفوس النصارى وما في هذا الدير من كرامات[11]. قلت لوالدي : ثلاثة أيام في هذا المكان؟ قال : نعم ، فأجبته بالموافقة وطلب مني أن أستعد للسفر خللا يومين أنا وأختي هبة وكان والدي حزيناً جداً على غير الغادة وبعد يومين جاء الموعد .
* خداع : وقام والدي يساعدني في إعداد حقيبة السفر وتعجبتُ لما وجدت والدي يضع كل ملابسي أنا وأختي ... سألته يا أبي لماذا تضع كل ملابسي ؟ ... إنها ثلاثة أيام فقط . قال لي أبي : ( عماد يا بني ) ستعرف كل شيء وذهبنا إلى المطرانية في القاهرة ، وإذا بي أرى أبي منهمكاً في إنهاء بعض الإجراءات ثم انتقلنا إلى بني سويف وفي الطريق سألته إلى أين نحن ذاهبون أنا وأختي ؟ وعِنْدَ مَن ؟ ليس لنا أقارب في بني سويف !! قال: ( هناك ستكونون في أحسن حال وأروق بال ، وسأكون عندكم بعد أسبوع علشان تكونوا في غاية الانبساط ) وإذ بوالدي يبكي وحضن أختي هبة الصغيرة ويزيد في البكاء ويقول : ( منها لله أمك منها لله هي السبب ) . وصلنا بني سويف (المطرانية ) وتحدث أبي مع المطران ثم ذهب بنا إلى بيت اسمه ( بيت الشماسة ) وكان هذا المنزل قديماً مقابلاً لقصر الثقافة ، وكان رئيس هذا المنزل قسيساً ومشرفاً عاماً ، ورجلاً صعيدي الأصل ، شديد اللحية ، فسلم والدي عليّ وأوصاني بأختي وودعني ثم انصرف وذهبتْ أختي إلى مكان مجاور للمطرانية هو ( بيت الفتيات)، تعرفتُ على أفراد المنزل من الشباب ، وذهب بي المشرف إلى غرفة كان المكان غير مرح لأن كل الغرف كانت شبه عنبر السجن، حيث الأسرة ذات الطابقين والملابس المرقعة من الخلف ، والزي الموحد وكثرة عدد المقيمين وطريقة أسلوب قذرة ، من ألفاظ وأحاديث فيما بينهم وشتائم كل منهم للآخر والتنابذ بالألقاب. كان الموقف صعباً عليّ لأن المكان غير مريح ، والصحبة لا تعاشر وبعد عدة أيام سألت المشرف إلى متى الجلوس ها ومتى سأعود إلى محافظتي ؟ كان الرد أفظع رد، وكان هذا اليوم عصيباً ، وكنتُ محل سخرية من الجميع . حفظت أشياء خلف القسيس وتهيأت بكل التعاليم من القساوسة والمشرفين، والكل كان يقول : إن هذا الشاب له مستقبل باهر في الحديث والمناقشة ، وقد تم رشمي شماساً[12] في بني سويف ، وتم قص شعري على شكل صليب، وتمتم ببعض الكلمات وقال مطران بني سويف أثناء رشمي ( عقبال ما تبقى قسيس ) وصرت منذ تلك اللحظة حائزاً على درجة (شماس) داخل الهيكل، بدأت تدور الأيام وبدأتُ أتأقلم مع شباب البيت ، وأصبحت محبوباً لديهم جميعاً لحسن القول معهم وحسن التعامل . مللت الحياة داخل البيت بسبب تعاليم النصرانية التي كانت تصب فوق رؤوسنا على غير شرح أو تعليل . بدأت في كتابة الخطابات لوالدي وأخذت أشرح له الوضع الذي أنا فيه من ألم وحزن شديد وغربة ما بعدها غربة . لكن كل الخطابات التي ذهبت له من بني سويف كانت دون جدوى !!

القلب الحزين
15-12-2013, 06:54 PM
يتبـــع الموضوع السابق


قصة إسلام عماد المهدي الشماس السابق
( 2 )
* قرار إداري : خرج قرار إداري من المطرانية في بني سويف بنقلي أنا وأختي فوراً إلى ( بني مزار) المنيا ولا أدري لماذا ؟... ! جاء أحد القساوسة مخصوصاً من المنيا وقال : أين عماد وأخته ؟ وكان ذلك أول لقاء مع أختي ( هبة ) منذ ستة شهور، وتعانقنا معاً وبكيت من شدة فرحتي بلقاء أختي هبة ، وسألتها عن حالها أخبرتني بأنها كانت أصعب حياة عاشتها في حياتها إذ كانت المشرف تتعامل معهم بالعصا. أخبرنا القس المرسل بأنهم علموا في بني مزار من الأنبا ( مطران بني سويف ) بأنني وأختي غير مستريحين في بني سويف . وتم على الفور نقلنا إلى ( بيت النعمة ) وفي الطريق سألني القس عن أمي كانت إجابتي لا تسمن ولا تغني من جوع ، وفي نهاية حديثي قلت له : أتصدق أنني نسيت شكل أمي . ضحك ذاك القس وقال: ( أحسن أنت عاوز منهم إيه ، أنت هنا معنا وستكون في يوم ما قسيساً للكنيسة له مكانته في المجتمع والأوساط المرموقة وستكون في حياة أفضل من هنا بإذن المسيح ) . سألته متى سنرجع إلى والدي ؟ قال : ( أظن أنه عيب قوي إنك تنظر إلى الدنيا بهذه النظرة، وأنت وُضِعت ضمن مجموعة تعد لتكون من القساوسة )، قلت له : وأختي هبة ؟ قال : وأختك هبة ( كم سنة كمان وتتزوج بقس طيب مثلي )[13] . أحسست بأنه قد تم الحكم عليّ بالسجن مدى الحياة أنا وأختي. ذهبنا إلى المنزل ( بيت النعمة ) وهو معروف لدى الناس بمدرسة الأقباط المشتركة الابتدائية ، وداخل هذه المدرسة من الركن الشمالي فيلا ثلاثة أدوار هي ( بيت النعمة ) سلّمت علينا امرأة وذهبت بنا إلى القس مشرف البيت . فسلم علينا وقال للمشرفة الملعونة : ( أحضري طعاماً للأولاد وأفضل الملابس وخذي هبة لحجرتها مع زميلاتها ، وأما الواد عماد يجلس في الطابق الأسفل مع أمير وسامح ورؤوف ) . المنزل حقيقة كان أفضل بكثير من ( بني سويف ) وكان لكل فرد سرير ودولاب منفرد به . أحضرَتْ المشرفة بعض الملابس الجديدة ، تعرفتُ على هذا الثلاثي ، كانوا في منتهى الأدب والأخلاق والاحترام ، كان أمير وسامح أخوين ، وكان رؤوف غريباً عنهم ، أحببت هؤلاء جداً . وكان الكل خائفاً جداً جداً من المشرفة العجوز التي ( حرمها الله من كل مسحة جمال أو خلق ) ونعتها بكل ما هو قاس وقبيح ، إنها مخيفة حقاً ، شربت المرّ ألواناً ، وعشت الصبر بكل معانيه على يد هذه العجوز ، حتى سميتُ هذا البيت ( بيت النقمة لا بيت النعمة ) وصرت أذكر الأيام التي عشتها في بني سويف بكل خير ، فقد كانت أيامي فيها نعيماً قياساً على أيامي في بيت النعمة. كانت هذه المرأة تتعامل معنا بالسياط الحامية وكأنها في حديقة حيوان . كما عبرَّت ذات يوم بقولها : ( هؤلاء الحيوانات لا بد لهم أن يتربوا بهذه الطريقة). حتى إن هذه المرأة كانت تراقبنا وقت تناول الطعام وتلاحقنا بأوامرها ، ولم يكن غريباً أن تأمر الفرد أن ينهض ويترك الطعام دون أن يشبع إذلالاً له وإهانة لكرامته أمام زملائه .
* قصوا لها شعرها !!!
وأما عن أختي هبة فقد قصوا لها شعرها وأخبروها عندما تبلغ من العمر خمسة عشر سنة تتزوج على الفور .. !! وذات يوم جاء القس الكبير يتفقد أحوالنا فكانت تتعامل في منتهى الأدب والأخلاق مع الشباب والفتيات أمام القس . سألني القس يوماً .. كيف حالك ؟ هنا أحسن من بني سويف ، قلت لك : إن ( بني سويف ) كانت أرحم بكثير من هنا .. قال متعجباً : ولماذا .. !! قلت له : هذه المرأة هي السبب لأنها تتعامل معنا كما لو أنها تتعامل مع حيوانات ، لا تتعامل معنا إلا بالعصا . نظر إليها القس نظرة كلها لوم ، وقال لها : أهذا الكلام صحيح ؟ قالت : أنت عارف إن الأولاد تكذب . قال : ....... لا .... !! مكثَتْ هذه المشرفة حوالي أسبوعاً أفضل ما يكون في تعاملها مع الشباب . وبعد سفر القس إلى المنيا رجعت أسوء ما يكون ومعي أنا بالذات.
* إعادة المحاولة : لم أجد سبيلاً للهروب من البيت لأن الحراسة على البيت كانت مشددة ، ولم يكن أمامي إلا كتابة خطابات لوالدي ، أشرحُ له المواقف وأستعطفه لينقذني أنا وأختي من هذا الكرب الشديد . وفي تلك الفترة أصابني المرض والهزال ، ومرت الشهور كأنها سنين ، حتى مضى حوالي خمسة شهور أخرى في بني مزار ، وفي يوم من الأيام بعد هذه الشهور الخمس تحدّثت المشرفة معنا بشدة إلا أنني لم أتمالك نفسي وقلت لها : ( ربنا ينتقم منك ) لأن ذلك الموضوع كان فيه ظلم واقع على أحد الزملاء في الغرفة ، فما كان منها بعد أن سمعت هذه الكلمة إلا أن قامت على الفور وأحضرت العصا وأخذتُ يومها ( علقة موت ) ...
* جاء الفرج من الله : بعد ما قامت هذه العجوز الشمطاء بضربي أنا وأمير كان ذلك في الصباح ، وبعد المغرب جاء عم فهمي حارس المنزل مُهرولاً ينادي يا عماد ... يا عماد ... قلت له : ماذا حدث ( يا عم فهمي ) قال : أبوك خارج المنزل جاء ليراك أنت وأختك هبة ، رفعت صوتي بكلمة الله ... الله ، هل أنت صادق ؟ فرح الرجل وقال : أبوك والله يا بني . خرجتُ مسرعاً نحو الباب وإذا بوالدي واقفٌ لم أتمالك نفسي إلا وأنا بين أحضانه أبكي بكاء شديداً ، وقال : ( كده يا بابا ، إحنا عملنا إيه فيك .. ) !! بكى الوالد بكاء شديداً جداً ثم نظر إليّ وقال : فين أختك ؟ قلت له : لا أدري ، قال ( إزاي وليه الضعف ده مالك أنت مريض) ، نظرت له نظرة لوم وعتاب ولم أتكلم، وكان يومها أثر السياط على جسدي من ضر بالمشرفة في الصباح . لما رأى هذا قال متعجباً : ( لا يمكن يكون إنسان هو اللي فعل كده فيك ) . توجه نحو المشرفة وقال : فين (أبونا فلان )، قالت : في المنيا ، قال لها الوالد : لو سمحت أحضري هذا الرجل ضروري ، قالت : هو مشغول ، يمكنك تشوف ولدك وترحل مع ألف سلامة . قال الوالد : أنا لا أريد أن أسمع صوتك لأنك امرأة عديمة القلب . قالت المرأة مقاطعة كلام الوالد : ( إزاي تتحدث معي كده ) ؟ قال الوالد : مقاطعاً كلامها ( أحضري القس (فلان ) فوراً ، ومش عاوز أسمع لك صوت، وأنا جالس هنا ومش ماشي إلا ما أشوف أبونا فلان ... !! ) . قامت المرأة على الفور وتحدثت مع القس في التليفون وقال لها : ( ليجلس الرجل في غرفة عماد وسأكون عندكم في الصباح الباكر ) . وقد جاء الرجل في الصباح الباكر ، وأحضر الإفطار له ولوالدي ولي ، وبعد الإفطار قال الوالد ( أريد أن أخذ أولادي معي ) ... قال القس : ( أسف ومش عاوز كلام كتير في الموضوع ده ) . ( أقسم الوالد إن لم تحضر عماد وهبة وملابسهم سأكون مكسّر كل شيء في البيت ده على رأسكم يا أولاد ... !! ) . وقام بالتهديد للقس وقال : ( علماً بأنني سوف أذهب الآن إلى محافظ المنيا علشان أفضح أموركم عند المسلمين ، ومش كده وبس إن خرجت أنت يا سي (القس) من البيت سليم يكون ده فرج من الله ) .
* الرحيل من سجن بني مزار: انتهى الكلام فما كان من القس إلا أن قال منادياً على المشرفة أن تحضر ملابس عماد وهبة فوراً . ولما رأى والدي المشرفة قال متهكماً بهم : ( سأسألكم سؤالاً يا ملائكة الرحمة : هل أمر المسيح بضر بالأولاد ؟! بهذه الصورة القذرة من هذه المرأة .. ؟!!) . تعجب القس وقال لها ألم أقل لك لا تضربي الأولاد بهذه الصورة ؟ خرجنا أنا ووالدي وأختي من هذا السجن بعد وداع أبكاني على أمير وسامح ورؤوف الذين خلفتهم في هذا السجن الرهيب ، ولا أنس آخر كلمة قالوها لي : ( حاتمشي وتسبنا هنا في العذاب مع صاحبة القلب الحجر).
* صدمة عنيفة : وفي الطريق إلى مدينتنا سألت والدي عن حال أمي ، فقال لي ( عماد انسى الموضوع ده ) . يا حبيبي أمك ماتت من حوالي ست شهور في حادث سيارة صدمها خالك فلان ... كانت صدمة نفسية عنيفة ، أصابني الذهول وقلت لوالدي : إذن لماذا نذهب إلى مدينتنا ؟! نعود من حيث أتينا ، وظلتُ أردّد ماتت أمي ، ماتت أمي وبكيت ، فقال الوالد : ( أظن عيب قوي تبكي ) إنت راجع إلى أهلك عيب تبكي والحياة أمامك طويلة .
* وعاد الأمل من جديد : يشاء الله عز وجل بعد مُضي أربعين يوماً بينما كنت في الدكان وحدي ، سمعت صوت أمي: يا عماد يا عماد ، ارتميت في حضنها ما يُقارب نصف ساعة وأنا أردد كلمة : ماما على قيد الحياة ؟ الله أكبر ... !! وأيقنت أن والدي أخفى عليّ الحقيقة حتى لا أفكر فيها، سألتها على عنوانها، وأخذتُ العنوان وعاد الأمل من جديد . وبعد أيام قليلة قمت بزيارتها فرحبت بي وأخذتُ أختي بعد ذلك لها لتمكث معها أوقات ، وعلمت بعد ذلك أن موضوع سفرنا إلى بني سويف كان مؤامرة خطط لها القس .
* مرسال من الكنيسة : أرسل القس نفسه رسالة لي يقول : تعال مارس مهامك كشماس داخل الكنيسة . ووجدت أن هذا طلب الجميع لي ، كلما رآني أحد من عائلتي يقول : لماذا لا تمارس مهامك في الكنيسة ؟ مكثت حوال تسع قداسات ولم أطق هذا العمل أبداً ، طلب مني أن أكون مدرساً للأطفال في مدارس الأحد فرفضت ، وبعد كثرة الاطلاع داخل الكتاب المقدس لديهم كان لي هذا الحوار مع مجموعة من الشباب .
* جلست مع أكثر من عشرين شاباً داخل الكنيسة، وكان ذلك قبل إسلامي بحوالي سنة وأربعة أشهر .
* كلمات مؤثرة : قلت للشاب ماذا تقولون في رجل زنا ببناته ؟ قال واحد : كافر .. ! وقال الآخر : ابن الـ ... ! قلت : وإذا كان الذي فعل هذه الفعلة نبي من أنبياء الله . وذكرت هذه الواقعة في الكتاب المقدس !!! صرخ في وجهي شاب وقال : هذا افتراء وكذب وبهتان عظيم على الكتاب المقدس . لاحقه آخر وقال : هات هذه الآية إذا كنت صادقاً حقاً . قلت: هذا دليلي، افتح معي الإنجيل في سفر التكوين (19: 33-35). (فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة ودخلت البكر وأضجعت مع أبيها ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها ، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة : ( إني اضطجعتُ البارحة مع أبي) . نسقيه خمراً الليلة ، فادخل واضطجعي معه فتنجبي من أبينا نسلاً ، فسقتا أباهما خمراً في تلك الليلة أيضاً ، وقامت الصغيرة واضطجعت معه ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها . فحملت ابنتا لوط من أبيهما ؟! قلت لهؤلاء الشباب : أيها المتعلمون والمثقفون ، ماذا تقولون في نوح ؟ قالوا : إنه نبي من أنبياء الله والمحببين إلى الله . قلت : أتدرون ماذا يقول الكتاب المقدس عنه ؟ سكت الجميع ولم يرد أحد. قلت : ( وابتدأ نوح يكون فلاحاً وغرس كرماً ، وشرب من الخمر ، فسكر وتعرى داخل خبائه ) ( سفر التكوين : (9/20، 21) سكت الجميع ولم أجد أحداً يعلق على هذا . * بطّل فلسفة : وبعد عدة أيام سألت القس أمام الشباب وقلت له وأنا أضحك : يا أبونا ... هل الله يراه أحد ؟! أجاب على الفور : ( الله لا يراه أحد قط ) يوحنا (1/18) . قلت له : وإذا كان الكتاب المقدس الذي قال في إنجيل يوحنا ( الله لم يره أحد قط ) نفسه الكتاب المقدس الذي جاء فيه ، سفر خروج (33/ 11) ( ويكلم الرب موسى وجهاً لوجه كما يكلم الرجل صاحبه ) . قال القس : يا عماد بطل فلسفة !!! وعند خروجي من الكنيسة سمعت المدرسة التي تدرس للأطفال رافعة صوتها جداً. قلت لها : يا أستاذة فلانة اخفضي صوتك. قالت : (لماذا هو ممنوع تتحدث المرأة في الكنيسة ) ورفعت صوتها عالية وضحكت. قلت لها : نعم ممنوع أن ترفع المرأة صوتها أو تتحدث في الكنيسة ، ضحكت وقالت افتي يا مفتي ! ( لتصمتْ نساؤكم في الكنائس ، لأنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمن بل يخضعن ، كما يقول الناموس أيضاً ، ولكن إن كُن يردن أن يتعلمن شيئاً فليسألن رجالهن في البيت لأنه قبيحٌ بالنساء أن يتكلمن في كنيسة ) (كورنتوس 14/34 – 35) . قالت صدق من قال : (تنفع قسيس ) وضحكت وقالت : شكراً يا بونا ، بسخرية!!! * خداع بخداع : علم والدي أنني أزور أمي من حين لآخر فاستدعاني ذات مرة وقال لي هل عاودت زيارة أمك ؟ قلت له : نعم ، تعجب الوالد فسألني مندهشاً : لماذا ؟ قلت : ألم تكن هي سبب ما حدث لنا في بني سويف والمنيا ، وما حدث لك أنت أيضاً؟ قال : نعم ربنا ينتقم منها كانت السبب. قلت له : لذلك أنا عاودت زيارتها لأنتقم منها ولأنها خانت المسيح . قال لي : كيف ذلك ؟ قلت له : اصبر وسترى بنفسك. قال: ربنا يصلح حالك، لكن خد بالك منها . ولما تحدث معي في هذا الأمر قلت له ما قلته لأبي ، أعجب بي جداً ، وقال : أحسنت ، ثم قال : القس فلان يقول إنه يتوقع لك مستقبلاً رائعاً في الكنيسة الأرثوزكسية . سُررت كثيراً لاقتناعهم بهذا الأمر وظللت أقوم بزيارة أمي على مرأى منهم . مكثت فترة طويلة عند أمي أتعلم الإسلام وما فيه، وأتدارس القرآن، وكان بجوار المنزل مسجد تعرفت على خطيب المسجد الشيخ حسين أحمد عامر ( أبو أحمد ) رجل فاضل رأيت فيه أخلاق الإسلام في تعامله مع الجميع، رأيت هذا الرجل الأخ الكبير الحنون، تعلمت على يديه الكثير والكثير ، وكان له الفضل الأول في صعودي المنبر بعد ذلك، بارك الله في هذا الرجل وبارك في أولاده ، وأسأل الله أن يرزقه الإخلاص في العمل، وأن يجازيه على ما فعل . بعد ما ألممتُ بتعاليم الإسلام الأولية ، وأخذت قسطاً من الثقافة الإسلامية بشكل عام ، حتى أستطيع الرد على أي إنسان فيما يتعلق بأمور الإسلام. بعدما تمكنت من هذا قلت لأمي ... ( لقد آن الأوان أن أعلن إسلامي) . كانت حكيمة في ردها بارك الله فيها : قالت : ( أختك هبة قبلك، لأنك لو أسلمت قبل هبة ستضيع ... ستلقى عندهم ما تلقاه من شقاء وبلا هوادة ) . هذا الكلام أشعرني بالخوف على أختي ودفعني لمساعدتها .
* إسلام أختي : وبعد هذا الحديث بفترة بسيطة .. كنت جالساً في المنزل وإذا بهبة راجعة من الكنيسة وفي يديها صورة أخذتها من الكنيسة ، ( كان عمرها لا يتجاوز الإثني عشر عاماً ) . قلت لها يا هبة ما هذه الصورة ؟ ... قالت صورة للمسيح في مذود البقر[14] وهو طفل رضيع ، .... قلت لها : وما هذا الذي حول المسيح ؟ قالت : بهائم ، فقلت وهل يليق بالسيد المسيح أن يولد وسط الحيوانات ؟ أم يولد في بيت متواضع مثلاً إذا كان هذا من باب التواضع ؟ سُررت حين سمعت في نهاية حديثي مع هبة وهي تقول وأنا أيضاً غير مقتنعة بهذا المنطق بالمسيحية وراغبة في الإسلام معك . ما لبثت إلا أن أعلنت إسلامها ونطقت بالشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ) فاكتملت بذلك فرحتي – والحمد لله –.
* نهاية المطاف : ذهبنا بعد هذه الرحلة الشاقة الطويلة لنعلن إسلامنا أمام الجهات المسؤولة ، وجدت معاناة شديدة جداً من المسؤولين من مناقشات طويلة وضغوط من النصارى عنيفة . انقلبت كنائس النصارى في بلدنا ، ولم يصدق الكثير منهم أن (عماد) الذي تنبأ له القس أنه سيكون قسيساً في يوم ما قد أسلم ، لكن الله قادرٌ على كل شيء إذا أراد الهداية لعبد من عباده نفذت مشيئته وتحققت إرادته ، يجعل – سبحانه – من يشاء سعيداً ويجعل من يشاء شقياً ، فهو القائل : {{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 125]. أعلنا إسلامنا وسط حفاوة رائعة من الإخوة المسلمين ، وبقي الوالد مع زوجته التي تزوجها بعد رجوعنا من بني مزار . بدأت أزوره فكان ينهرني المرة تلو المرة حتى أصبحت الآن أحب شيء إلى قلبه. امتنع عن الذهاب إلى الكنيسة ، ولم يعد يصوم صومهم ، ولم يعد يتحدث مع أي نصراني إلا قليلاً . زهد الدنيا ، لم يعد ينظر حتى إلى دكانه ، وأنا الآن ما زلت أحاول معه لإقناعه بدخول الإسلام . وإن شاء الله تعالى سوف أجد قريباً بصيصاً من نور الإسلام في قلبه ، وإني أحوج ما أكون لدعاء أخي القارئ الكريم بأن يفتح الله قلبه وينور بصيرته ، وأسأل الله له الهداية إنه ولي ذلك والقادر عليه . سألت الأخ عماد قائلاً : أخ عماد : وجدتك وقفت عن الحديث أكثر من مرة أثناء سرد قصتك ، وبعض المرات بكيت ، يا تُرى لماذا ؟!! فقال : إن هذه الأحداث تتمثل أمامي ، جرح عميق ، وذكريات مؤلمة قاسية . ثم قال : بسهولة تغير نمط حياتك في ملابس ومأكل ومشرب ، لكن ليست بسهولة تغير دينك ، إلا إذا كنت مقتنع . وسألت الأخ عماد المهدي وقلت له : هل هناك محاورات مع النصارى بعد دخولك في الإسلام ؟ فأجاب : المحاورات كثيرة بفضل الله فمنها محاورات كثيرة حول : التثليث ، ومسألة الصلب ، ونفي ألوهية المسيح . وغير ذلك كثير ، ولا يسعنا المقام لسرد هذه المحاورات كلها . وهناك حوارات سريعة ونادرة ولها هدفها الطيب وعلى ما أذكر منها . بعد إسلامي بينما كنت مع مجموعة من الشباب المسلم وإذا بالقس الذي تحدث عن أمي بعد إسلامها ، وهو نفسه الذي دبر لي مؤامرة سفري إلى بني سويف ، كان يسير في الشارع ومعه مجموعة من الشباب النصراني بعضهم أعرفهم . اقتربت من القس وسلمت عليه ، فقال لي بلهجة كلها انفعال : أهلا يا ابن المسيح الضال . قلت له : دعك من هذه الخرافات ، وفكر فيما يدور حولك ، هل تعلم أنك على ضلال ؟ قال القس : ( بعت دمك[15] يا عماد عند المسلمين علشان تعرف تاكل ) . فقلت له : هل تعرف أن البابا .... تزوج؟! فقال على الفور : البابا لا يتزوج . فقلت : سبحان الله البابا لا يتزوج، والإله يتزوج وينجب ابناً !! عجباً لكم تحرّمون هذا الأمر على الباب وترضونه للإله !! ضحك الجميع ( مسلم ونصراني ) واسودّ وجه ذاك القس ... !! وهناك مواقف أخرى : هناك مدرس ثانوي أعرفه جيداً ، هذا الرجل وظيفته في الكنيسة ، عمل غسيل مخ للأطفال حتى يشبوا كارهين سنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة الأطهار – رضوان الله عليهم أجمعين – . سألته يا أستاذ فلان ... قال : نعم يا يهوذا الأسخريوطي[16].
. قلت له : لماذا قدم السيد المسيح نفسه قربانا ًلمغرفة خطيئة آدم ولم يقدم آدم نفسه هو بدلاً عنها ؟!! ولماذا كان عيسى عليه السلام هو المسؤول وحده دون غيره عن خطيئة آدم ومطالبا ًبالتكفير عنها ؟ وأين المسؤولية الفردية؟! أليس ضياعها في المجتمع دليلاً على أنه يُحكم بشريعة الغاب؟ ثم أهذا من العدل أن يجيء الله بآدم فيأمره بتقديم نفسه قرباناً ؟! ولماذا يقدم عيسى نفسه قرباناً بلا سبب وجيه ؟! ثم من الذي أحيا المسيح بعد موته ؟ هل أحيا نفسه ؟ أما أحياه غيره ؟ وإن كان هذا عن طيب خاطر فمن ذا الذي كان يصيح ويستغيث على الصليب ويقول : ( إيلى إيلى لم سبقتني ؟ ) أي إلهي إلهي لماذا تركتني ، سمع هذا الكلام ، وبعده فرّ هارباً ولم يعقب .
يمكن التواصل معه على العناوين التالية :
[email protected]
من داخل مصر :0123552410 ومن خارج مصر 0020123552410
الهوامش والمراجع:
[1] وقد سبق الحديث عنه . [2] أي التناول .[3] مساء كل أحد للأطفال .. ويتم عمل غسيل مخل للأطفال حتى يكبرُ الطفلُ ويكره كل ما يتعلق بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة الأطهار . ويتم عمل درس كل ثلاثاء في المساء للشباب ويعالج هموم الشباب من مشاكل المراهقة ، ويتم حضور جميع الشباب والفتيات ، ويتم عمل درس آخر مساء كل أربعاء للعائلات ، ويتم من خلال هذه المحاضرة الحديث في جوانب سياسية أو جوانب اجتماعية حسب أحداث المجتمع المتجددة والمعاصرة . [4] * أنواع الصيام عند النصارى : 1- الصوم المقدس وهو خمسة وخمسون يوماً ، منها الأربعون التي صامها المسيح ، وخمسة عشر يوماً تشمل أسبوع الآلام حسب زعمهم حتى يوم القيامة وهو صوم ما يسبق عيدهم بيوم . 2- صوم الميلاد ثلاثة وأربعون يوماً ينتهي بعيد الميلاد . 3- صيام الرسل ويزيد وينقص . 4- صيام السيدة العذراء مريم مدته خمسة عشر يوماً . 5- صوم يونان سيدنا يونس عليه السلام مدته ثلاثة أيام . 6- صوم يوم الأربعاء والجمعة على مدار السنة . 7- صوم البرامون تتراوح مدته ما بين يوم واحد إلى سبعة أيام في السنة . * تعريف الصيام لدى النصارى : صيام العذراء وهو الامتناع عن الإفطار حتى ظهور أي نجم في السماء ، أي عند اقتراب المغرب . بقية الصيام أكثره اجتهادي علماً بأن كل أنواع هذا الصيام ، يمتنع فيه عن أكل ما فيه روح أو ما يستخرج منها ويقتصر على أكل البقول وكثرة الزيوت في الأطعمة . [5] الإله المخلص أي الجدير بالذكر ، بحثت في الكتاب المقدس كاملاً فلم أجد نعتاً واحداً يقول فيه المسيح عن نفسه : أنا ربكم الأعلى أو أنا إله فاعبدوني فلم أجد شيئاً من ذلك، ولكن الكثير من النصوص الإنجيلية تبين بوضوح أنه نبي ورسول فهو القائل في الكتاب المقدس : إنجيل يوحنا 5-24 الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدي كما يقول المسيح عن نفسه أيضاً : ولكنكم تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلكم بالحق الذي سمعه من الله : يوحنا 8-40 فلو كان إلهاً حقاً لاستبدل كلمة ابن الإنسان – التي يطلقها على نفسه دائماً عن مجيئه الأول ومجيئه الثاني ، والتي تعني ابن مريم أو ابن بشر لكلمة ابن الله أو الله المتجسد ... . [6] عمدة أحب ما كنت أسمع من أسماء من أمي . [7] ظلام فقدان الأم . [8] ظلام فقدان الإيمان . [9] أبونا .. هو لقب القس داخل الكنيسة إذا أراد أحد أن يخاطبه . [10] من المعلوم لدى النصارى أنهم لا يتطهرون حتى بعض الوقوع في الجنابة أو الجماع لا يوجد في كتابهم أمر بالطهارة بل يغسل موضع الجماع من الزوجين ولا يحدث اغتسال كلي للجسد . [11] هذا زعم النصارى . [12] شمّاس: هي مرتبة من مراتب الكنيسة الأرثوذكسية ، ويكون عن طريق القسيس بعد أخذ قسط من التعاليم النصرانية ، ويسبق هذه المرتبة خادم في الكنيسة ، وهذه المرتبة تكون تمهيد ليكون شماساً بعد ذلك ، ويتدرج حتى يكون في يوم ما رئيس شماسة أو يدخل كلية اللاهوت ويتخرج منها قسيس . [13] القس يتزوج أما الراهب لا يتزوج لأن شريعة النصارى تبيح الزواج للقس وتمنع الزواج على الرهبان . [14] مذود البقر : حظيرة البهائم – حيث إن النصارى يعتقدون أن المسيح ولد في حظيرة البهائم ، فإذا سألتهم هل يليق بالسيد المسيح أن يولد في حظيرة بهائم قالوا إنه تواضع منه ... !! حاشا لله أن يكون المسيح يولد في حظيرة بهائم انظروا إلى هذا وانظروا إلى التكريم الذي كرم الله به المسيح في القرآن : {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا } [مريم: 33]. [15] المقصود بهذه المقولة أنه ألقى محاضرة ذات يوم وأخبر الناس عن رجل يدعى منير أعلن إسلامه لكنه لم يجد لقمة العيش فصار يبيع دمه للحصول على لقمة العيش. وأعتقد أن هذا افتراء عليه، كما افترى على أمي من قبل وعليّ أنا شخصياً، ادعى أنني أسلمت لأتزوج بفتاة مسلمة ، علماً بأنني مسلم منذ 8 سنوات ولم أتزوج حتى الآن . [16] يهوذا الأسخريوطي : معروف لدى النصارى بأنه بائع المسيح وخائن المسيح الأول ، لذلك يسمونه التلميذ الخائن .

القلب الحزين
15-12-2013, 06:54 PM
كيث مور عالم الأجنة الشهير



نبذة عنه: البروفيسور كيث مور من أكبر علماء التشريح والأجنة في العالم, في عام 1984 إستلم الجائزة الأكثر بروزا في حقل علم التشريح في كندا (جي. سي. بي) جائزة جرانت من الجمعية الكندية لاختصاصيي التشريح ترأس العديد من الجمعيات الدولية، مثل الجمعية الكندية والأمريكية لاختصاصيي التشريح ومجلس إتحاد العلوم الحيوية.
وهذه قصة إسلامه من كتاب الذين هدى الله للدكتور زغلول النجار:
دعيت مرة لحضور مؤتمر عقد للإعجاز في موسكو فكرهت في بادئ الأمر أن أحضره لأنه يعقد في بلد كانت هي عاصمة الكفر والإلحاد لأكثر من سبعين سنة وقلت في نفسي: ماذا يعلم هؤلاء الناس عن الله حتى ندعوهم إلي ما نادي به القرآن الكريم؟!.فقيل لي: لابد من الذهاب فإن الدعوة قد وجهت إلينا من قبل الأكاديمية الطبية الروسية.
فذهبنا إلى موسكو وفي أثناء استعراض بعض الآيات الكونية وبالتحديد عند قول الله تعالي(يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون)-السجدة:5-.
وقف أحد العلماء المسلمين وقال: إذا كانت ألف سنة تساوي قدران من الزمان غير متكافئين دل ذلك علي اختلاف السرعة.
ثم بدأ يحسب هذه السرعة فقال: ألف سنة..لابد وأن تكون ألف سنة قمرية لأن العرب لم يكونوا يعرفون السنة الشمسية والسنة القمرية اثنا عشر شهراً قمرياً ومدة الشهر القمري هي مدار القمر حول الأرض, وهذا المدار محسوب بدقة بالغة, وهو 2.4 بليون كم.فقال: 2.4 بليون مضروب في 12 -وهو عدد شهور السنة-ثم في ألف سنة, ثم يقسم هذا الناتج علي أربع وعشرين-وهو عدد ساعات اليوم-ثم على ستين-الدقائق-ثم علي ستين-الثواني-.فتوصل هذا الرجل إلي سرعة أعلي من سرعة الضوء.فوقف أستاذ في الفيزياء- وهو عضو في الأكاديمية الروسية-وهو يقول :لقد كنت كنت أظنني-قبل هذا المؤتمر-من المبرزين في علم الفيزياء,وفي علم الضوء بالذات,فإذا بعلم أكبر من علمي بكثير.
ولا أستطيع أن أعتذر عن تقصيري في معرفة هذا العلم إلا أن أعلن أمامكم جميعاً أني( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله).
ثم تبعه في ذلك أربعة من المترجمين, الذين ما تحدثنا معهم على الإطلاق وإنما كانوا قابعين في غرفهم الزجاجية يترجمون الحديث من العربية إلي الروسية والعكس, فجاءونا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ليس هذا فحسب وإنما علمنا بعد ذلك أن التلفاز الروسي قد سجل هذه الحلقات وأذاعها كاملة فبلغنا أن أكثر من 37 عالماً من أشهر العلماء الروس قد أسلموا بمجرد مشاهدتهم لهذه الحلقات.
ليس هذا فحسب..وإنما كان معنا أيضاًً كيث مور*وهو من أشهر العلماء في علم الأجنة ويعرفه تقريباً كل أطباء العالم,فهو له كتاب يدرس في معظم كليات الطب في العالم وقد ترجم هذا الكتاب لأكثر من 25 لغة فهو صاحب الكتاب الشهير(The Developing Human).فوقف هذا الرجل في وسط ذلك الجمع قائلاً:
"إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في الإنسان لتبلغ من الدقة والشمول ما لم يبلغه العلم الحديث, وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون إلا كلام الله, وأن محمداً رسول الله"
.فقيل له: هل أنت مسلم؟!؟.قال: لا ولكني أشهد أن القرآن كلام الله وأن محمداً مرسل من عند الله.فقيل له:إذاً فأنت مسلم,قال: أنا تحت ضغوط اجتماعية تحول دون إعلان إسلامي الآن ولكن لا تتعجبوا إذا سمعتم يوماً أن كيث مور قد دخل الإسلام. ولقد وصلنا في العام الماضي أنه قد أعلن إسلامه فعلاً فلله الحمد والمنة.
وفي مؤتمر الإعجاز العلمي الأول للقرآن الكريم والسنة المطهرة والذي عقد في القاهرة عام 1986 وقف الأستاذ الدكتور، كيث مور (Keith Moore) في محاضرته قائلاً : (إنني أشهد بإعجاز الله في خلق كل طور من أطوار القرآن الكريم، ولست أعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم أو أي شخص آخر يستطيع معرفة ما يحدث في تطور الجنين لأن هذه التطورات لم تكتشف إلا في الجزء الأخير من القرن العشرين، وأريد أن أؤكد على أن كل شيء قرأته في القرآن الكريم عن نشأة الجنين وتطوره في داخل الرحم ينطبق على كل ما أعرفه كعالم من علماء الأجنة البارزين).
علماً أن مراحل خلق الإنسان (بني آدم ) التي ذكرها القرآن هي سبع مراحل. قال تعالى: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ،ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )) [المؤمنون 12ـ14]
وقد أثبت علم الأجنة هذه المراحل وصحتها وتطابقها مع المراحل المذكورة في القرآن. وهذه المراحل هي:1- أصل الإنسان (سلالة من طين) 2- النطفة 3- العلقة 4- المضغة 5-العظام 6- الإكساء باللحم 7- النشأة.
وقد اعتبر المؤتمر الخامس للإعجاز العلمي في القرآن والسنة والذي عقد في موسكو (أيلول 1995) هذا التقسيم القرآني لمراحل خلق الجنين وتطوره صحيحاً ودقيقاً وأوصى في مقرراته على اعتماده كتصنيف علمي للتدريــس علماً أن الأستاذ الدكتور كيث مور Keith Mooreوهو من أشهر علماء التشريح وعلم الأجنة في العالم ورئيس هذا القسم في جامعة تورنتو بكندا (والذي كان أحد الباحثين المشاركين في المؤتمر المذكور ) ، ألف كتاباً يعد من أهم المراجع الطبية في هذا الاختصاص ( مراحل خلق الإنسان _ علم الأجنة السريري ) وضمنه ذكر هذه المراحل المذكورة في القرآن، وربط في كل فصل من فصول الكتاب التي تتكلم عن تطور خلق الجنين وبين الحقائق العلمية والآيات والأحاديث المتعلقة بها وشرحها وعلق عليها بالتعاون مع الشيخ الزنداني وزملائه.

القلب الحزين
15-12-2013, 06:55 PM
انطوان الاشقر.. من مسيحي ماركسي إلى داعية إسلامي بالبرازيل


ساوباولو- الصادق العثماني
من مسيحي ماركسي يحب اللينينية ويخلص لها من خلال انتمائه إلى الحزب الشيوعي البرازيلي إلى داعية اسلامي يعمل على نشر الدعوة .. تلك الكلمات تلخص قصة الداعية انطوان علي الأشقر في البرازيل الذي ينحدر من مدينة السانتوس بولاية ساوباولو. وهو من مواليد 1971، ويعمل مشرفا على جهاز الذبح الحلال التابع لمركز الدعوة الإسلامية.
تسلل الصراع الي داخله- كما يقول الأشقر - جاء مع كثرة التساؤلات حول الكون ومن خلقه وهو صغير يدرس بالمدارس الكاثوليكية البرازيلية، حيث كان أبيه يرغب في أن يصبح ابنه قسيسا. غير أنه مع دخوله الجامعة بدا يميل نحو الماركسية التي كانت آنذاك تكتسح الجامعات البرازيلية. وتحول في هذه الفترة إلى ناشط حركي في الحزب الشيوعي البرازيلي مؤمن بحقوق الفقراء ورفض سطوة الرأسمالية.
ويقول الأشقر "كنت أقوم بتوزيع منشورات ماركس وأنجلز ولينين واستالين داخل المدارس والثانويات العامة، وبهذه الحركة والنشاط عينت رئيسا للقسم الثقافي والناطق الرسمي للحزب الشيوعي البرازيلي في مدرستي ثانويتي، وكنت أردد هذه المقولة دائما: قلبنا أحمر ،بمعني أن الإنسان خلق شيوعيا بالفطرة".
ويتابع "في أواخر الثمانينيات رشح الحزب الشيوعي البرازيلي السيد باولوفريري إلى رئاسة الجمهورية ، وكنت له الذراع الأيمن في الحملة الانتخابية نظرا لإيماني المطلق حينها بالتيار الماركسي".
من أم اكلثوم الي الإسلام
ويحكي الأشقر أسباب تحوله إلى الإسلام مشيرا إلى أن البداية كانت بسماع الأغاني العربية لأم كلثوم وغيرها وهو ما دفعه هو لمحاولة تعلم اللغة العربية، وهو ما قاده للتعرف على الاسلام في نهاية المطاف.
ويقول "كنت اتسامر انا وصديق لي في أحد الجلسات الماجنة ونستمع لنغمات عبد الحليم حافظ وسيدة الطرب العربي أم كلثوم، وعبر هذه الأغاني العربية أحببت أن أتعلم هذه اللغة حتى نعي ما بهذه الأشرطة، والذي يطرب لها صديقي".
وتابع "طلبت من صديقي مساعدتي لتعلم اللغة العربية، فأخذني على مسجد بمدينة "تاوبته" فاستقبلنا شيخ المسجد بلباسه العربي الأنيق ،فانشرح صدري لشخصيته المتميزة وقدرته على الإقناع حتى ظننته ماركسيا مثلي وكان اسمه إذا لم تخني الذاكرة الشيخ محمد حسان عارف عجاج وهو سوري، فبدأت قصتي معه في تعلم العربية".
نطق الشهادتين بالسعودية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/4/1642251.jpg
صورة للشيخ الأشقر اثناء حضوره ندوة يدعو خلالها للاسلام
ومن خلال هذه الأجواء بدأ الأشقر يتعرف على الإسلام ويستفسر عن معناه وماذا يحمل وهنا يقول "بدأت من تلقاء نفسي نقارن بين المسيحية والنظرية الماركسية والإسلام وفي الأخير رضيت بالإسلام ديني عن وعي وحب واختيار لأسباب منها سهولة الوصول إلى الرب في الإسلام، بحيث ليس هناك واسطة بينك وبينه "َإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ".
وأعلن الأشقر الشهادتين والتزم بفرائض الإسلام أثناء مشاركته في دورة شرعية نظمتها المملكة العربية السعودية في برازيليا، العاصمة السياسية للبرازيل ، ثم التحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ليتعمق أكثر في الإسلام.
وبعد العودة من المملكة، يقول الداعية "الأشقر": "قضيت في المملكة 8 سنوات وعدت إلى البرازيل داعية إلى الله تعالى لاقوم بواجبي تجاه هذا الدين، حيث القي المحاضرات في الجامعات والمساجد والمدارس، حتى في النوادي الماسونية والمعابد اليهودية.. نظرا للحرية الدينية المطلقة التي يحميها القانون البرازيلي".
لكن الأشقر -كما يقول- يواجه معوقات عديدة خاصة ممن يرفضون قيامه بالدعوة للإسلام لاسيما في ظل اجواء تربط بين العنف والاسلام،كما أن بعض البرازيليين أحيانا ما يعودون إلى دينهم القديم بعد أن كانوا قد دخلوا في الإسلام .غير أن الاشقر لازال يواصل نشاطه الدعوي في المساجد والمدارس والجامعات، فضلا عن نشاطاته الدعوية المكثفة عبرالشبكة العنكبوتية (الأنترنت).
المصدر: موقع العربية الإخباري http://www.alarabiya.net/Articles/2006/10/23/28494.htm

القلب الحزين
15-12-2013, 06:56 PM
قصه الدكتور ملير


بقلم أبو نور
كان من المبشرين النشطين جدا في الدعوة إلى النصرانية وأيضا هو من الذين لديهم علم غزير بالكتاب المقدس Bible....
هذا الرجل يحب الرياضيات بشكل كبير.....لذلك يحب المنطق أو التسلسل المنطقي للأمور.
في أحد الأيام أراد أن يقرأ القرآن بقصد أن يجد فيه بعض الأخطاء التي تعزز موقفه عند دعوته للمسلمين للدين النصراني....
كان يتوقع أن يجد القرآن كتاب قديم مكتوب منذ 14 قرن يتكلم عن الصحراء وما إلى ذلك.....
لكنه ذهل مما وجده فيه..... بل واكتشف أن هذا الكتاب يحوي على أشياء لا توجد في أي كتاب آخر في هذا العالم .......
كان يتوقع أن يجد بعض الأحداث العصيبة التي مرت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم مثل وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها أو وفاة بناته وأولاده...... لكنه لم يجد شيئا من ذلك......
بل الذي جعله في حيرة من أمره انه وجد أن هناك سورة كاملة في القرآن تسمى سورة مريم وفيها تشريف لمريم عليها السلام لا يوجد مثيل له في كتب النصارى ولا في أناجيل هم !!
ولم يجد سورة باسم عائشة أو فاطمة رضي الله عنهم.....
وكذلك وجد أن عيسى عليه السلام ذكر بالاسم 25 مرة في القرآن في حين أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يذكر إلا 5 مرات فقط فزاد ت حيرة الرجل.....
اخذ يقرا القرآن بتمعن أكثر لعله يجد مأخذا عليه .... ولكنه صعق بآية عظيمة وعجيبة ألا وهي الآية رقم 82 في سورة النساء : " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا "
يقول الدكتور ملير عن هذا الآية " من المبادئ العلمية المعروفة في الوقت الحاضر هو مبد إيجاد الأخطاء أو تقصي الأخطاء في النظريات إلى أن تثبت صحتها Falsification test... والعجيب أن القرآن الكريم يدعوا المسلمين وغير المسلمين إلى إيجاد الأخطاء فيه ولن يجدوا ...."
يقول أيضا عن هذه الآية " لا يوجد مؤلف في العالم يمتلك الجرأة ويؤلف كتابا ثم يقول هذا الكتاب خالي من الأخطاء ولكن القرآن على العكس تماما يقول لك لا يوجد أخطاء بل ويعرض عليك أن تجد فيه أخطاء ولن تجد "
أيضا من الآيات التي وقف الدكتور ملير عندها طويلا هي الآية رقم 30 من سورة الأنبياء: " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شي حي أفلا يؤمنون"
يقول "إن هذه الآية هي بالضبط موضوع البحث العلمي الذي حصل على جائزة نوبل في عام 1973 وكان عن نظرية الانفجار الكبير وهي تنص أن الكون الموجود هو نتيجة انفجار ضخم حدث منه الكون بما فيه من سماوات وكواكب "
فالرتق هو الشي المتماسك في حين أن الفتق هو الشيء المتفكك فسبحان الله .
يقول الدكتور ملير :
الآن نأتي إلى الشيء المذهل في أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والادعاء بان الشياطين هي التي تعينه والله تعالى يقول :
"وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ 210 وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ 211 إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ 212 " الشعراء
" فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ 98 " النحل
أرايتم ؟؟ هل هذه طريقة الشيطان في كتابة أي كتاب ؟؟ يؤلف كتاب ثم يقول قبل أن تقرأ هذا الكتاب يجب عليك أن تتعوذ مني ؟؟
ان هذه الآيات من الأمور ا لاعجازية في هذا الكتاب المعجز ! وفيها رد منطقي لكل من قال بهذه الشبهة "
من القصص التي أبهرت الدكتور ملير ويعتبرها من المعجزات هي قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أبو لهب ................
يقول الدكتور ملير :
"هذا الرجل أبو لهب كان يكره الإسلام كرها شديدا لدرجة انه كان يتبع محمد صلى الله عليه وسلم أينما ذهب ليقلل من قيمة ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم,اذا رأى الرسول يتكلم لناس غرباء فانه ينتظر حتى ينتهي الرسول من كلامه ليذهب إليهم ثم يسألهم ماذا قال لكم محمد؟ لو قال لكم ابيض فهو اسود ولو قال لكم ليل فهو نهار المقصد انه يخالف أي شيء يقوله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويشكك الناس فيه .
قبل 10 سنوات من وفاة أبو لهب نزلت سورة في القران اسمها سورة المسد, هذه السورة تقرر ان أبو لهب سوف يذهب إلى النار, أي بمعنى آخر ان أبو لهب لن يدخل الإسلام.
خلال عشر سنوات كل ما كان على أبو لهب أن يفعله هو أن يأتي أمام الناس ويقول "محمد يقول إني لن اسلم و سوف ادخل النار ولكني أعلن الآن أني أريد أن ادخل في الإسلام وأصبح مسلما !! .
الآن ما رأيكم هل محمد صادق فيما يقول أم لا ؟ هل الوحي الذي يأتيه وحي الهي؟ .
لكن أبو لهب لم يفعل ذلك تماما رغم ان كل أفعاله كانت هي مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه لم يخالفه في هذا الأمر .
يعني القصة كأنها تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأبي لهب أنت تكرهني وتريد ان تنهيني , حسنا لديك الفرصة ان تنقض كلامي !
لكنه لم يفعل خلا ل عشر سنوات !! لم يسلم ولم يتظاهر حتى بالإسلام !!
عشر سنوات كانت لديه الفرصة ان يهدم الإسلام بدقيقة واحدة ! ولكن لان الكلام هذا ليس كلام محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه وحي ممن يعلم الغيب ويعلم ان ابو لهب لن يسلم .
كيف لمحمد صلى الله عليه وسلم ان يعلم أن أبو لهب سوف يثبت ما في السورة أن لم يكن هذا وحيا من الله؟؟
كيف يكون واثقا خلال عشر سنوات أن ما لديه حق لو لم يكن يعلم انه وحيا من الله؟؟
لكي يضع شخص هذا التحدي الخطير ليس له إلا أمر واحد هذا وحي من الله."
{ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ }
يقول الدكتور ملير عن أية أبهرته لإعجازها الغيبي :
"من المعجزات الغيبية القرآنية هو التحدي للمستقبل بأشياء لا يمكن ان يتنبأ بها الإنسان وهي خاضعة لنفس الاختبار السابق الا وهو falsification testsأو مبدأ إيجاد الأخطاء حتى تتبين صحة الشيء المراد اختباره , وهنا سوف نرى ماذا قال القران عن علاقة المسلمين مع اليهود والنصارى .القران يقول أن اليهود هم اشد الناس عداوة للمسلمين وهذا مستمر إلى وقتنا الحاضر فاشد الناس عداوة للمسلمين هم اليهود "
ويكمل الدكتور ملير :
" ان هذا يعتبر تحدي عظيم ذلك ان اليهود لديهم الفرصة لهدم الإسلام بأمر بسيط إلا وهو ان يعاملوا المسلمين معاملة طيبة لبضع سنين ويقولون عندها : ها نحن نعاملكم معاملة طيبة والقران يقول اننا اشد الناس عداوة لكم ,إذن القران خطأ ! , ولكن هذا لم يحدث خلال 1400 سنة !! ولن يحدث لان هذا الكلام نزل من الذي يعلم الغيب وليس انسان !!"
يكمل الدكتور ملير :
" هل رأيتم ان الآية التي تتكلم عن عداوة اليهود للمسلمين تعتبر تحدي للعقول !! "
" لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمنوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ 82 وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ 83 وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَ ا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ 84 " المائدة
وعموما هذه الآية تنطبق على الدكتور ملير حيث انه من النصارى الذي عندما علم الحق آمن و دخل الإسلام وأصبح داعية له ..... وفقه الله
يكمل الدكتور ملير عن أسلوب فريد في القران أذهله لإعجازه :
" بدون أدنى شك يوجد في القران توجه فريد ومذهل لا يوجد في أي مكان آخر , وذلك ان القران يعطيك معلومات معينة ويقول لك : لم تكن تعلمها من قبل !! مثل :
سورة آل عمران - سورة 3 - آية 44 " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم اذ يلقون اق لامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون "
سورة هود - سورة 11 - آية 49 " تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها آنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين "
سورة يوسف - سورة 12 - آية 102 " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ اجمعوا أمرهم وهم يمكرون "
يكمل الدكتور ملير :
" لا يوجد كتاب مما يسمى بالكتب الدينية المقدسة يتكلم بهذا الأسلوب, كل الكتب الأخرى عبارة عن مجموعة من المعلومات التي تخبرك من أين أتت هذه المعلومات, على سبيل المثال الكتاب المقدس (الإنجيل المحرف ) عندما يناقش قصص القدماء فهو يقول لك الملك فلان عاش هنا وهذا القائد قاتل هنا معركة معينة وشخص آخر كان له عدد كذا من الأبناء وأسماءهم فلان وفلان ..الخ .
ولكن هذا الكتاب(الإنجيل المحرف) دائما يخبرك إذا كنت تريد المزيد من المعلومات يمكنك أن تقرأ الكتاب الفلاني أو الكتاب الفلاني لان هذه الملومات أتت منه "
يكمل الدكتور ملير:
" بعكس القران إذ يمد القارىء بالمعلومة ثم يقول لك هذه معلومة جديدة !! بل ويطلب منك أن تتأكد منها إن كنت مترددا في صحة القران بطريقة لا يمكن أن تكون من عقل بشر !! .
والمذهل في الأمر هو أهل مكة في ذلك الوقت - أي وقت نزول هذه الآيات - ومرة بعد مرة كانوا يسمعونها ويسمعون التحدي بان هذه معلومات جديدة لم يكن يعلمها محمد صلى الله عليه وسلم ولا قومه, بالرغم من ذلك لم يقولوا: هذا ليس جديدا بل نحن نعرفه , أبدا لم يحدث أن قالوا مثل ذلك ولم يقولوا : نحن نعلم من أين جاء محمد بهذه المعلومات , أيضا لم يحدث مثل هذا , ولكن الذي حدث أن أحدا لم يجرؤ على تكذيبه أو الرد عليه لا نها فعلا معلومات جديدة كليا !!! وليست من عقل بشر ولكنها من الله ا لذي يعلم الغيب في الماضي والحاضر والمستقبل "
جزاك الله خيرا يا دكتور ملير على هذا التدبر الجميل لكتاب الله في زمن قل فيه التدبر
المصدر : منقول عن موقع صيد الفوائد http://www.saaid.net/

القلب الحزين
15-12-2013, 06:57 PM
قصة إسلام أيرين



ترجمة : الأستاذ زكي الطريفي
أكتب قصتي هذه بنيّة أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، فلعلّها تساعد أحد الذين يبحثون عن الحقيقة، فيعرفون أنهم سيجدونها في الإسلام.
لقد أعلنت إسلامي قبل سبع سنوات، والحمد لله. في البداية عرفت شيئاً من الإسلام عن طريق صديقة لي في الجامعة، فقد أنهيت المدرسة الثانوية معتقدة بأن القرآن الكريم كتاب اليهود، وأن المسلمين وثنيون يعبدون الأصنام. ولم تكن لديّ رغبة في تعلُّم دين جديد. وكنت أومن بفكرة أساسية تقول: "بما أن الولايات المتحدة هي الدولة رقم واحد، فإن ذلك يعني أنّ لدينا الأفضل من كل شيء وحتى الدين". ومع أنني كنت أعلم بأن المسيحية ليست ديناً مثاليّاً، لكني كنت أعتقد بأنها أفضل ما هو موجود، وكان لديّ دائماً رأي بأن الإنجيل على الرغم من أنه يحوي كلام الله تعالى فإنه أيضاً يحوي كلام البشر ممن دوَّنوه. وكنت في كل مرة أقرأ فيها الإنجيل أمُرُّ -وبمشيئة الله تعالى- على فقرات هي حقّاً غريبة وقذرة. ولم يكن بإمكاني أن أفهم كيف يمكن أن يقوم أنبياء الله تعالى -عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وحاشاهم- بفعل تلك الأفعال الكريهة في حين أنّ هناك الكثير من الناس العاديين الذين يعيشون حياتهم كلها حتى دون أن يخطر ببالهم فعل مثل تلك الأفعال غير الأخلاقية المقرفة. كتلك الأفعال المنسوبة للنبي داوود، وسليمان، ولوط وغيرهم -عليهم جميعاً صلوات الله تعالى وسلامه-. وأذكر حين كنت أسمع في الكنيسة أنه إذا كان الأنبياء يفعلون مثل تلك الذنوب والفواحش، فكيف باستطاعتنا نحن الناس العاديين أن نكون أفضل منهم ؟! ونتيجة لذلك -كما يدَّعون- كان يجب على المسيح -عليه الصلاة والسلام- أن يموت على الصليب للتكفير عن ذنوبنا، لأننا ضعفاء ولم نستطع أن نصون أنفسنا بأنفسنا.
ثم بدأتُ الصراع مع مفهوم الثالوث، مُحاوِلةً أن أفهم كيف أنّ إلهي ليس واحداً، ولكن ثلاثة في آن معاً. فأحدهم خلق الكون، والثاني أريق دمه لتكفير ذنوبنا، وحول الثالث وهو الروح القدس -عليه السلام- كان السؤال ما يزال قائماً... ومع ذلك فكلهم متساوون ؟! عندما كنت أصلّي للإله، كان في مخيلتي صورة محددة لشيخ كهل حكيم بثوب فضفاض يسكن فوق السحاب. وعندما كنت أريد أن أصلّي للمسيح -عليه الصلاة والسلام- كنت أتصوره شابّاً ملتحياً ذا شعر أشقر ذهبي وعينين زرقاوين. أما بالنسبة للروح القدس -عليه السلام-، فقد كان باستطاعتي فقط أن أناشد إلهاً تحيطه الألغاز، لأني لم أكن متأكدة من طبيعة مهامه. ولذلك لم أكن أشعر مطلقاً بأني أصلي لإله واحد. ولكني مع ذلك كنت أتوجه مباشرة إلى الله تعالى حين كنت أجد نفسي في ضيق، لأني كنت متأكدة بأن هذا هو الرهان الأفضل.
عندما بدأت بحثي في الإسلام لم يكن لديّ مشكلة في التوجه في الصلاة مباشرة إلى الله تعالى، فقد كان هذا شيئاً طبيعيّاً. إلا أنني كنت خائفة من التخلي عن إيماني بالسيد المسيح -عليه الصلاة والسلام - ولذلك أمضيت الكثير من الوقت في التأمل حول هذا الموضوع. وبدأت قراءة التاريخ المسيحي بحثاً عن الحقيقة. وعندما تعمّقت أكثر في دراستي بدأت أرى بوضوح أكبر التشابه بين تقديس وتضحية المسيح -عليه الصلاة والسلام- وبين الأساطير اليونانية القديمة التي تعلّمتها في المدرسة الثانوية، حيث يتفق الإله مع امرأة من البشر لإنتاج مولود يمكن أن يكون نصف إله ويملك بعض صفات الألوهية، وأدركت أن هذه المقاربة كانت مهمة جدّاً لـ (بولس) لكي يجعل اليونان الذين كان يدعوهم يقبلون الديانة المسيحية، وعرفت أن بعض أتباعه كانوا لا يوافقونه على هذه الأساليب. فقد بدا لـ (بولس) أن من الممكن أن يكون هذا شكلاً أفضل للعبادة بالنسبة لليونانيين من شكل التوحيد الصارم الذي يفرضه العهد القديم. ولا يعلم ما الذي كان يحصل حينها بالضبط إلا الله تعالى وحده.
وحتى عندما كنت في المدرسة الثانوية، كانت لديّ صعوبات في فهم بعض المسائل المسيحية. وهناك أمران اثنان على وجه الخصوص سبَّبا لي إزعاجاً كبيراً:
الأمر الأول، كان التناقض المباشر بين النصوص في العهد القديم والجديد. فقد كنت دائماً آخذ الوصايا العشر على أنها من المسلَّمات، فهي قوانين واضحة يريدنا الله تعالى أن نلتزم بها ونتبعها. مع أن توجُّهنا في العبادة للسيد المسيح -عليه الصلاة والسلام- كان يخرق الوصية الأولى تماماً، باتخاذنا شريكاً لله تعالى. ولم يكن بإمكاني أن أفهم أبداً لماذا غيَّر الله العليم -سبحانه وتعالى- رأيه بخصوص الوصية الأولى !
أما الأمر الثاني فكان بخصوص التوبة. ففي العهد القديم طُلب من الناس أن يتوبوا من ذنوبهم؛ أما في العهد الجديد فلم يعد ذلك مهمّاً، حيث إن السيد المسيح -عليه الصلاة والسلام- قد ضحَّى بنفسه ليكفِّر عن ذنوب الناس. ولذلك لم يقم (بولس) بدعوة مستمعيه للتوبة من ذنوبهم، بل أعلن انتصار الإله على الآثام بصلبه السيد المسيح عليه السلام. فقد برزت في رسالة بولس إلى مؤمني روما الطبيعة المتطرفة للقوة الإلهية بوضوح وذلك بتأكيده على أن الله تعالى -بموت المسيح على الصليب- قام بالقضاء علىكل الشرور -سبحانه وتعالى عما يصفون- فالناس ليسوا مدعوين لعمل الخير لكي يرضى الله تعالى عنهم! إذن فما هو الدافع الذي يمكن أن يكون لدينا لكي نكون أناساً طيبين؟! بالإضافة إلى أن كون الإنسان سيّئاً يمكن أن يكون فيه الكثير من المتعة ! فما كان من المجتمع إلا أن أعاد تعريف قيم الخير والشر.
فلو سألنا أي خبير في رعاية الأطفال فإنه سيقول لنا بأن الأطفال يجب أن يتعلموا بأنّ لأفعالهم نتائج، وهم يشجعون الآباء على أن يسمحوا لأطفالهم بتجربة نتائج أفعالهم واقعيّاً. وبما أن الأفعال في المسيحية ليس لها نتائج، بدأ الناس يتصرفون مثل الأطفال فاسدي التربية؛ مطالبين بالحق في عمل ما يسرّهم، ومطالبين في الوقت ذاته بحب الله تعالى وحب الناس وقبولهم غير المشروط لكل سلوكياتهم حتى الحقير منها! إذن ليس غريباً أن سجوننا قد امتلأت حتى فاضت؛ وأن الآباء لا يستطيعون أن يسيطروا على سلوكيات أبنائهم. مع أن هذا لا يدعونا للقول بأننا في الإسلام نؤمن بدخول الجنة نتيجة لأعمالنا، فالرسول محمد r بيّن لنا بأننا سوف ندخل الجنة برحمة الله تعالى، والدليل هو ما جاء في الحديث الذي رواه أبوهريرة عن رسول الله r أنه قال: "لن يُنجيَ أحداً منكم عملُه. قال رجل: ولا إياك يا رسول الله! قال: ولا إياي، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة ولكن سدِّدوا" (صحيح مسلم، رقم 5036).
ولهذه الأسباب لم أكن أعرف حقّاً من هو الله تعالى. فإذا لم يكن السيد المسيح -عليه الصلاة والسلام- إلهاً مستقلاًّ، ولكن جزءاً من الله تعالى فقط، إذن لمن كان يضحِّي؟! ولمن كان يصلّي في ذلك البستان؟! وإذا كان ذا طبيعة مستقلة عن الله تعالى، فإن هذا يتضمن تركنا لحقيقة التوحيد، وهو ما يناقض تعاليم العهد القديم. كان كلُّ ذلك مربكاً، ففضلت أن لا أفكر به، وأدركت حقيقة أني لم أستطع فهم ديني.
عند هذا المنعطف بدأتْ نقاشاتي الدينية في الجامعة مع زوج المستقبل ... سألني أن أوضح له مفهوم الثالوث. وبعد عدة محاولات فاشلة لكي أفعل ذلك، لوَّحت بيدي في الهواء -كدليل على الإخفاق- مدعية بأني لست عالمة في اللاهوت! وعلى هذا أجابني: "وهل يجب أن تكوني عالمة في اللاهوت لتفهمي الأساس الذي يقوم عليه دينك؟! آآآه" كان هذا مؤلماً حقّاً؛ ولكن الحقيقة تؤلم أحياناً. فحاولت عندئذ -وبطريقة عقلانية بهلوانية- أن أتفكَّر: "من هو الإله الذي أعبده حقيقة؟" واستمعت له بتذمر عندما حدثني عن وحدانية الله تعالى. وأنه سبحانه وتعالى لم يغيّر رأيه بخصوص الوصية الأولى، بل أكمل رسالته للإنسانية من خلال النبي محمد r. فكان عليّ الاعتراف بأن ما قاله كان له وقع معقول . فإن الله تعالى أرسل رسله على التعاقب ولقرون عديدة، لأن الناس كانوا ينحرفون عن الطريق ويحتاجون إلى الهداية. ولكني حتى عند هذه النقطة أخبرته بأنه يمكنه أن يحدثني عن دينه من أجل المعلومات العامة فقط، وقلت له: "لا تحاول أن تدخلني الإسلام، لأنك لن تنجح بذلك أبداً" ، فأجابني: "لن أفعل، ولكني أريد فقط أن تتفهمي المجتمع الذي أتيتُ منه، ومن واجبي كمسلم أن أفعل ذلك". وفعلاً لم يقم هو بإدخالي الإسلام، بل شرح الله تعالى صدري للدين الحق والحمد لله.
في هذه الفترة أعطتني صديقة لي ترجمة للقرآن الكريم وَجَدَتهْا في إحدى المكتبات. ولم تكن تعلم بأن الذي عمل على هذه الترجمة كان يهوديّاً عراقيّاً غرضه إبعاد الناس عن الإسلام، وليس لمساعدتهم في فهم القرآن الكريم. وعندما قرأت الكتاب بدا لي مربكاً، فوضعت دوائر وخطوطاً حول وتحت الفقرات التي أردت أن أسأل صديقي المسلم عنها. وعندما عاد من إجازته في الخارج وضعت الكتاب في يدي ووجهت له أسئلة كثيرة، ولكنه أوضح لي وبهدوء أن تلك الأمور لم تكن من القرآن الكريم. وأعلمني بالمعنى الحقيقي لكلّ الآيات التي سألت عنها وعن أسباب نزولها. ثم وجد لي ترجمة جيدة للقرآن الكريم.وما زلت أذكر حين كنت أجلس وحيدة أقرأ القرآن الكريم باحثة عن أخطاء أو استفسارات. فكنت كلما أقرأ أكثر تصبح قناعتي أكبر بأن هذا الكتاب لا يمكن أن يكون له إلا مصدر واحد، إنه الله تعالى. قرأت عن رحمة الله تعالى وعن قدرته على مغفرة كل الذنوب -إلا أن يُشرك به- فبدأت أبكي، بل كان نحيباً من أعماق قلبي. بكيت لجهلي ولفرحتي بأني أخيراً وجدت الحقيقة. وعندها أدركت أني تغيّرت وإلى الأبد. وكنت مندهشة من الحقائق العلمية في القرآن الكريم، والتي لم تؤخذ من التوراة والإنجيل -كما يدّعي البعض-، فأنا في ذلك الوقت كنت قد حصلت على درجتي العلمية في علم الأحياء الدقيقة (الميكروبيولوجي)، فأعجبت بشكل خاص بوصف القرآن الكريم لعملية نمو الجنين، وأشياء أخرى. وحالما أصبحت متأكدة بأن القرآن الكريم حقّاً من عند الله تعالى، قررت أن أعتنق الإسلام ليكون ديني. كنت أعلم أن ذلك لن يكون سهلاً، ولكن لا شيء يمكن أن يكون نافعاً أكثر من هذا الدين.
تعلّمت أن الخطوة الأولى والأكثر أهمية لدخول الإسلام هي أن أشهد "بأن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ". وبعد أن فهمت أن السيد المسيح -عليه الصلاة والسلام- كان رسولاً من عند الله تعالى لبني إسرائيل ليعيدهم إلى صراط الله تعالى المستقيم بعد أن ضلّوا السبيل، لم يكن لديّ صعوبة مع المفهوم الذي يقوم على عبادة الله تعالى وحده. ولكني حينها لم أكن أعرف من هو محمد r، ولم أكن أفهم لماذا يتوجّب علينا اتباعه. وأدعو الله تعالى أن يبارك في كل أولئك الذين ساعدوني لأفهم وأقدّر حياة نبينا rخلال السنوات السبع الماضية؛ فقد تعلمت أن الله تعالى أرسله ليكون قدوة ومثالاً للبشرية جمعاء، فجعلة مثالاً لنا جميعاً لكي نتّبعه ونقلّده في كل شؤون حياتنا. فقد كان خُلُقُهُ القرآن r. وأدعو الله تعالى أن يهدينا جميعاً لنعيش كما علّمنا رسول الله r.
أختكم في الله
سُميّة فنّون
المصدر: موقع مجلة الفرقان http://www.hoffaz.org (http://www.hoffaz.org/forqan/F2005/F45/furqan45-21.htm)

القلب الحزين
15-12-2013, 06:58 PM
قصة إسلام الأخت شريفة كارلو


إن قصة دخولي الإسلام تأخذ معناها من معنى قول الله تعالى: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين). فقد وضعت خطتي، والمجموعة التي كنت أنتمي إليها حاكت خططها، ولكن الله تعالى مَكَرَ لي فكان كلُّ الخير في مكره جلَّ شأنه.
فعندما كنت في فترة المراهقة وقعت في دائرة اهتمام مجموعة من الأفراد ممن لهم جدول أعمال غاية في الشرِّ والفساد. كانوا -وربما ما زالوا- يشكّلون جمعية متمتعة بحرية الحركة، مكوَّنة من أفراد يعملون في مناصب حكومية، وكان لهم مهمة خاصة وهي "تدمير الإسلام". لم تكن هذه جمعية حكومية رسمية –حسب علمي على الأقل- ولكنهم ببساطة كانوا يستغلّون مناصبهم في الحكومة الأمريكية للمُضيِّ قُدُماً باتجاه هدفهم.
عرض عليَّ أحد أعضاء هذه الجمعية الانضمام إليهم، لأنه لاحظ أني قوية البيان والحجة، ومتحمسة في دفاعي عن حقوق المرأة. أخبرني بأني إذا درست العلاقات الدولية مع التخصص في منطقة الشرق الأوسط، فإنه يضمن لي وظيفة في السفارة الأمريكية في جمهورية مصر العربية. وكان الهدف -في نهاية المطاف- أن أستغلَّ منصبي هناك في الحديث إلى النساء المسلمات، وأن أعمل على دعم "حركة حقوق المرأة" التي ما تزال في طور النمو. فظننت بأنها فكرة عظيمة، لأني رأيت النساء المسلمات على شاشة التلفاز، وظننت بأنهن فقيرات ومضطهدات، فأردت أن أقودهنّ إلى نور الحرية في القرن العشرين.
وبهذه النية بدأت دراستي الجامعية. فدرست القرآن الكريم والحديث الشريف والتاريخ الإسلامي. ودرست بشكلٍ موازٍ أيضاً كل الطرق التي أستطيع بها استخدام هذه المعلومات من أجل تحقيق هدفي وهو تشويه الإسلام. فتعلّمت كيف ألوي أعناق الكلمات لتعني ما أردتها أنا أن تعنيه. وهذه وسيلة فعَّالة.
لكن رسالة الإسلام بدأت تأسرني أثناء دراستي؛ فقد كانت ذات معنى، وكان هذا مما أخافني جدّاً. لذلك – ولكي أقوم بردِّ فعل مضاد- بدأت بتلقّي دروس في المسيحية، واخترت أن آخذ هذه الدروس عند أحد أساتذة الجامعة، كان يتمتع بسمعة مرموقة حيث كان حائزاً على درجة الدكتوراه في علم اللاهوت من جامعة هارفارد. فشعرت بأني سأكون عنده في أيد أمينة. نعم ... كنت في أيد أمينة ولكن ليس لنفس الأسباب التي ذهبت لأجلها. فقد قُدِّرَ أن كان هذا الأستاذ مسيحيّاً موحِّداً؛ فلم يكن يؤمن بالثالوث، أو ألوهية السيد المسيح -عليه الصلاة والسلام-، بل كان يؤمن بأن السيد المسيح -عليه الصلاة والسلام- كان فقط رسولاً من رسل الله تعالى.
وقد أثبت لنا ذلك بأخذه النصوص الإنجيلية من مصادرها اليونانية والعبرية والآرامية، وبرهن على قوله بأن أشار إلى كل الأماكن التي تم فيها التحريف. وأشار خلال الشرح إلى الأحداث التاريخية التي تناسبت مع هذه التحريفات أو أعقبتها. وما أن أنهيت هذه المادة حتى كانت مسيحيتي قد تحطّمت، ولكني لم أكن مستعدة بعد لقبول الإسلام.
وواصلت دراستي لنفسي ومن أجل وظيفتي المستقبلية، فاستغرقني ذلك قرابة ثلاث سنين. وفي أثناء ذلك الوقت كنت أسأل المسلمين عن دينهم. أحد هؤلاء الذين سألتهم كان أخاً مسلماً من المؤسسة الإسلامية، وعندما لاحظ اهتمامي –والحمد لله- بالدين الإسلامي جعل من تعليمي شغله الشاغل، فكان يحدثني في كل فرصة سانحة. لقد علّمني الكثير عن الإسلام، ولذلك أدعو له الله تعالى دائماً أن يجزيه عني خير الجزاء.
وفي أحد الأيام اتصل بي وأخبرني بأنّ مجموعة مسلمة تزور المدينة وأرادني أن أقابلهم. وافقت على ذلك وذهبت للقائهم بعد صلاة العشاء. كان هناك الكثير من الناس، فأفسحوا لي مكاناً وقعدت بمواجهة سيّد باكستاني كبير في السن. ما شاء الله، لقد كان هذا الأخ واسع الاطلاع في المسائل المسيحية. ودار بيننا النقاش حول كثير من مسائل القرآن الكريم والإنجيل، واستمر لساعات طويلة.
وبعد استماعي لهذا الرجل الحكيم وهو يحدثني ما كنت أعرفه من قبل - من تلك الدروس في المسيحية عند أستاذي الجامعيّ- عرض عليّ هذا الأخ ما لم يعرضه أحدٌ من قبل، فقد دعاني لدخول الإسلام. إنه - وخلال ثلاث سنوات من البحث الطويل- لم يقم أحدٌ بدعوتي لدخول الإسلام. نعم، لقد جادلوني وعلّموني ووعظوني ولكن لم يدعُني أحدٌ لدخول الإسلام. أدعو الله تعالى أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم. وما أن دعاني ذلك الشيخ لدخول الإسلام حتى عرفت بأن الوقت قد حان، لأني عرفت بأنّ هذا هو دين الحق، وكان لزاماً عليَّ أن أتخذ القرار.
والحمد لله الذي شرح صدري للإسلام، فقلت وعلى الفور: "نعم، أريد أن أصبح مسلمة". فرددت بعده الشهادتين بالعربية ومعناهما بالإنجليزية. وأقسم بالله أنِّي شعرت حين نطقت بهما وكأنَّ حملاً ثقيلاً قد رُفِعَ عن صدري، فتنفّست عميقاً وكأني كنت أتنفّس لأول مرة في حياتي.
فأحمد الله تعالى أن أنعم عليَّ بحياة جديدة، وصحيفة أعمال نظيفة، وفرصة لدخول الجنة، وأدعوه تعالى أن أعيش ما تَبَقَّى من عمري وأن أموت على الإسلام. آمين.
أختكم في الله
شريفة كارلو
ترجمة : الأستاذ / زكي شلطف الطريفي
المصدر : مجلة الفرقان الأردنية http://www.hoffaz.org (http://www.hoffaz.org/)

القلب الحزين
15-12-2013, 06:59 PM
ثلاثين صينياً يشهرون إسلامهم في السعودية

بعد وجبة "جريش" جذبتهم المعاملة الحسنة وحركات الصلاة


قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتتم مكارم الأخلاق ).
وقال الله تعالى:( وإنك لعلى خلق عظيم ) سورة القلم.
وقال تعالى:( فبما رحمة من اللَّه لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك (آل عمران.
أشهر 30 صينيا إسلامهم في جامع عبد الله المطلق في حي المصيف شمال مدينة الرياض يوم الجمعة الماضي، بعد أن أكلوا وجبة شعبية في المملكة تدعى "جريش"، بحسب ما ذكرته صحيفة الحياة اليوم الاثنين 17-4-200.
ووفقا للصحيفة فقد فوجيء مواطن سعودي لم تذكر الصحيفة اسمه عقب أداء المصلين إحدى الفرائض، بوجود سبعة من العمال الصينيين يقفون في محراب المسجد، وينظرون باستغراب شديد إلى حركات من تبقى من المصلين أثناء أداء "النوافل"، ليبادروا بسؤاله عن نوع واسم الرياضة الغريبة التي يؤديها الناس في هذا المكان.
واكتفى المواطن بإجابات مقتضبة عن الصلاة بقدر ما يتقن من مفردات إنكليزية، لكنه أردف إجابته بدعوة الصينيين بإلحاح إلى تناول طعام العشاء في منزله المجاور للمسجد. واختار المضيف عشاءً للضيوف من الجريش ( قمح ولحم )مع الدجاج المحمر والرز الصيني. طعم الجريش لم يكن الشيء الوحيد الذي أعجب به الصينيون في العشاء، ولكن المعاملة الحسنة التي وجدوها من شخص يلقونه للمرة الأولى سلبت قلوبهم.
وأثني الصينيون على أكلة "الجريش" وطلبوا من المواطن السعودي وصفة إعدادها، لكن لم يعطيها لهم، إلا بعد أن حصل على وعد منهم بتكرار الزيارة مع بقية زملائهم في السكن، خصوصاً أنه لا تزال لديهم أسئلة حول الدين الإسلامي يحتاجون من يجيب عليها.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/6/1.jpg مجموعة من المسلمين الصينيين يؤدون الصلاة في احد المساجد بالصين

ونقل الضيوف الحديث عن دماثة صاحبهم ولذة الجريش إلى بقية زملائهم الذين يعملون في شركة للمقاولات. وفي هذه الأثناء، بادر المواطن بالاتصال بالمسؤولين في جمعية ندوة الشباب الإسلامي، يطلب المساعدة في هداية هؤلاء الصينيين الذين سيحلون ضيوفاً عليه في إجازة نهاية الأسبوع. وبدورهم، تجاوب المسؤولون في الجمعية مع طلبه، ووعدوه بإرسال داعية مسلم من الجنسية الصينية إلى مكان الدعوة.
الصورة الحسنة التي رسمها الضيوف السبعة عن مضيفهم، دفعت بنحو 50 عاملاً من أصدقائهم للتوجه إلى مكان الدعوة في إحدى الاستراحات. واستعد المستضيف جيداً هذه المرة للإجابة على تساؤلات الصينيين، بمشاركة مدير مكتب الدعوة والإرشاد في شمال الرياض عبدالعزيز الشثري، والداعية الصيني الذي قام بدور الترجمة.
وحسب الصحيفة، فقد بدا واضحاً أن الصينيين الذين لا يدين معظمهم بأي ديانة، لا يعرفون عن الدين الإسلامي سوى أنه دين يفرض الختان، ولديه مشكلة حالية مع الدنمارك، الأمر الذي تبدل بعدما استمعوا لموجز مفصل عن مبادئ الدين العظيمة، وشخصية الرسول الكريم الذي يستمد منه المسلمون جميع معاملاتهم الحسنة.
وتناول الـ50 صينياً "الجريش" الذي سمعوا عنه من زملائهم في تلك الليلة، ولكن بعد أن أعلن 30 منهم دخولهم في الإسلام.
المصادر:
نقلاً عن موقع قناة العربية الإخبارية:
http://www.alarabiya.net/Articles/2006/04/17/22937.htm
وموقع صحيفة الحياة اللندنية:
http://www.daralhayat.com/arab_news/gulf_news/04-2006/Article-20060417-a6af2a5a-c0a8-10ed-01d1-b9b7bab0d832/story.html

القلب الحزين
15-12-2013, 06:59 PM
قصة الهداية والبحث عن السعادة


بقلم سعيد الزياني
قال الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ).
قال الله تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ).
ككل الناس كنت أبحث عن الحياة الطيبة ، وكنت أظنها فيما يعتقده الكثير ، أنها في الحصول على أشياء معينة ، كالمال والشهرة وغيرهما مما يطمح إليه غالبية البشر ، فسعيت للحصول على ذلك ، فوجدت نفسي وأنا صغير السن في بيئة المشاهير من خلال الإذاعة والتلفزيون ، حيث بدأت أشارك في برامج الأطفال ، وكان بيتنا في مدينة الرباط بالمغرب قريبا جدا من مبنى الإذاعة والتلفزيون ، فبرزت في برامج الأطفال من خلال مشاركاتي في التمثيليات وأناشيد الأطفال التي كانت تتسم بالبراءة والفطرة وتشتمل على حِكَمٍ ومواعظ ، كان ذلك في بداية الستينيات ، ثم بدأت تدريجيا الابتعاد عن البراءة والفطرة ، عندما استخدمونا ونحن أطفال صغار لمشاركة الكبار سنا في تسجيل الأغاني بالإذاعة والتلفزيون وعلى المسارح ، وبحكم تأثير البيئة ، بدأت أهتم بهذا الميدان الذي وجدت نفسي فيه ، إلى أن شاركت في مسابقة تلفزيونية للأصوات الناشئة (كما يقولون) وكان ذلك من خلال برنامج كان يذاع على الهواء مباشرة اسمه ( خميس الحظ ) فبدأت الجرائد تكتب عني مشجعة كي أستمر في ميدان الغناء ، وكان عمري آنذاك لم يتجاوز الخامسة عشر ، ثم كانت لي مشاركات من خلال برامج أخرى تلفزيونية هذا وأنا طالب أتابع دراستي ، إلى أن التحقت كمحترف بالفرقة الوطنية في المغرب ، وأصبحت أشارك أشهر المغنيين مثل عبد الوهاب الدكالي وعبد الحليم حافظ الَّذَيْنِ أصبحا فيما بعد من أكبر أصدقائي ، وفي الوقت نفسه كنت أشارك فرقة التمثيل الوطنية بالإذاعة حتى برزت في ميدان التمثيل وأصبحت أتقمص أدوارا رئيسية ، ثم بدأت أُعِدُّ وأقدم برامج إذاعية وتلفزيونية ، التي أصبحت من أشهر البرامج وأنجحها عند الجمهور ، بالإضافة إلى أني كنت أقدم النشرات الإخبارية في الإذاعة والتلفزيون مع أنشطة أخرى في ميدان الإعلام كالكتابة والتلحين والإخراج الإذاعي وغيرها. كل هذا كان بحثا عن السعادة التي لم أجدها في ذلك الميدان المليء بالهموم والمشاكل والأحقاد ، رغم أن علاقاتي كانت جيدة مع الجميع ، بل كنت أحب جميع زملائي ويحبونني ، إلا من كانوا يحسدونني على ما كنت ألاقي من نجاح ( في نظرهم ) !! ومما كان يميزني في المجتمع الذي كنت أعيش فيه ، أنه كانت لي صداقات وعلاقات وطيدة مع كبار المسؤولين في الحكومة المغربية ، حيث كان من جملة أصدقائي رئيس وزراء المغرب آنذاك ( المعطي بوعبيد رحمه الله ) الذي كنا نتبادل الزيارات تقريبا يوميا ، ويسمونه في المغرب ( وزير أول ) ، مما جعلني أتعرف عن قرب على حياة كبار المسؤولين وأشهر الفنانين ، الذين كان أغلبهم قد حُرِمَ السعادة التي كنت أبحث عنها ، فبدأت أتساءل ، ما هي السعادة ؟ ومن هم السعداء ؟ في الوقت الذي كان يعتقد فيه الكثير من الناس أننا نعيش في سعادة نُحسد عليها ، وكانت الجرائد والمجلات تكتب عني وعن (أنشطتي) باستمرار ، وتُجرِي معي مقابلات صحفية بين الفينة والأخرى ، إلى أن طُرح علي سؤال ذات يوم في إحدى المقابلات من طرف صحافي كان يتتبع أخباري باهتمام بالغ واسمه (بوشعيب الضبَّار) ، وكان السؤال هو : هل يطابق الاسم المسمى ؟ أي ، هل أنت سعيد في حياتك الفنية والخاصة ؟ وكان جوابي : أنا س ع ي ( سعيـ ) ولازال ينقصني – د – وأنا في بحث عنه ، وعندما أجده سأخبرك . كان ذلك في سنة 1974 م . بما أني لم أجد السعادة في ميدان الفن والإعلام الذي كنت أعيش فيه ، قلت في نفسي : بما أن لفظ السعادة موجود ، لابد أن يكون الإحساس بها موجودا ، فقررت أن أستغل برامجي الإذاعية التي كانت ناجحة ، للبحث عن السعادة المفقودة . فخصصت لذلك حلقات جمعت فيها نظريات وآراء الكثير من المفكرين والأدباء والفلاسفة حول السعادة ، كما أني أدرجت في البرنامج آراء الكثير من المستمعين من مختلف شرائح المجتمع حول هذا الموضوع ، وقلت في نهاية البرنامج معلقا على هذه الآراء : لقد طلبت آراء في السعادة ، فحدثوني عن كل شيء إلا عن السعادة ، حدثوني عن أحاسيس تنتاب الإنسان لفترة معينة ثم تزول ، ويبقى السؤال مطروحا ، ما هي السعادة ؟ وأين هم السعداء ؟ بعد هذا قلت في نفسي : ربما لم يقع اختياري إلا على الأشقياء الذين اطَّلعت على آرائهم ونظرياتهم ، فقررت أن أفسح المجال لكل المستمعين في برنامج إذاعي على الهواء مباشرة ، لكي يعبروا عن آرائهم حول السعادة . مع العلم أن الاستماع إلى الإذاعة كان في ذلك الوقت أكثر من مشاهدة التلفزيون ، بالإضافة إلى أنه لم تكن هناك قنوات فضائية ، وكانت المحطات المحلية تبث برامجها في ساعات معينة . فتلقيت آراء المستمعين حول السعادة ، فوجدتها آراء متشابهة ، بألفاظ مختلفة ، وقلت في آخر البرنامج المباشر ما سبق أن قلته في الحلقات الماضية : لقد طلبت آراء في السعادة ، فحدثوني عن كل شيء إلا عن السعادة ، حدثوني عن أحاسيس تنتاب الإنسان لفترة معينة ثم تزول ، ويبقى السؤال مطروحا ، ما هي السعادة ؟ وأين هم السعداء ؟
بعد ذلك قلت في نفسي : لقد بحثت عن السعادة في كل مكان ، ودخلت جميع البيوت دون استئذان ( من خلال الإذاعة والتلفزيون ) فلم أجد من يدلني على السعادة !! إذن السعادة ليست موجودة في المغرب !! ( ذلك ما كنت أعتقد في ذلك الوقت ، وإلا فالمغرب مليء بالسعداء الذين عرفتهم فيما بعد ، وسأتحدث عنهم لاحقا ) . فقررت أن أبحث عن السعادة خارج المغرب ، وكانت أوروبا أقرب ( سراب ) إلى المغرب سافرت إليها في سنة 1977م باحثا عن السعادة ، فازداد شقائي هناك ، لأنني لم أغير البيئة ، أي من بيئة شر إلى بيئة خير ، بل غيرت فقط الموقع الجغرافي. رجعت في نفس السنة إلى المغرب وإلى ميدان الإذاعة والتلفزيون والفن ، وأنا غير راض عن نفسي ، ولكني كنت مضطرا لأنه لم يكن لدي بديل ، ولم أجد آنذاك طريق السعادة . وفي تلك السنة توفي عبد الحليم حافظ الذي كان لي صديقا حميما ، فتأثرت بوفاته وخصوصا وأنه كان يحكي لي في جلسات خاصة همومه ومشاكله ومعاناته ، فكنت أخاطب نفسي قائلا : يا سعيد : لو تستمر في ميدان الغناء ، أقصى ما يمكن أن تصل إليه أن تكون مثل عبد الحليم ، أتتمنى أن تكون مثله في التعاسة والشقاء ؟ وكنت أتساءل مع نفسي ، لو جمعت الأموال الكثيرة وترقيت في أعلى المناصب ، أقصى ما يمكن أن أصل إليه أن أكون مثل فلان أو فلان الذين كانوا أصدقائي وكنت أعرف حياتهم الخاصة ، وأعرف همومهم ومشاكلهم ومعاناتهم ، لقد كنت شقيا وكانوا أشقياء ، ولكني كنت أقل شقاء منهم ، لأن بعضهم كان لا يستطيع أن يأكل وكنت أستطيع أن آكل ، وكان لا يستطيع أن يتزوج النساء وأنا أستطيع ذلك . إذن معنى هذا أن الترقي في هذه المجالات ، هو تَرَقٍ في الشقاء !!
ولكن كان علي أن أستمر في البحث إلى أن أجد السعادة المنشودة ، وأن أبقى في ميدان الفن والإذاعة والتلفزيون إلى أن أجد البديل . واصلت نشاطي في هذا الميدان أُعد وأقدم البرامج ، أُلحن وأغني وأكتب وأُقدم السهرات الفنية بالتلفزيون،إلى سنة 1981م حيث زاد الشقاء وأحسست بضيق جعلني أُغادر المغرب مرة أخرى في البحث عن السعادة ، ولكن إلى أين ؟ نحو نفس السراب الذي توجهت إليه سابقا : أوروبا . وهناك زاد الشقاء مرة أخرى ، فرجعت إلى المغرب ، ومن أجل التغيير فقط ، التحقت بإذاعة دولية في مدينة طنجة شمال المغرب ، اسمها : إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية (ميدي 1) التي أصبحت من ( نجومها ) وكنت في الوقت نفسه أغني وأشارك في الحفلات والسهرات ، فزادت الشهرة وزاد المال وزاد الشقاء !! فبدأت أتساءل مع نفسي ، لماذا أعيش في هذه الدنيا ؟ هل لآكل وأشرب وأنام وأشتغل حتى أموت ؟ إذا كانت حياة كهذه ونهايتها موت ، فلا معنى لها ولا مبرر !! وإذا كنت في انتظار الموت الذي سيضع حدا لهذا الشقاء ، لماذا أبقى في انتظاره ؟ لماذا لا أعجل به وأموت الآن ؟ ( كانت هذه وساوس من الشيطان للدعوة إلى الانتحار ، وهذا الذي يحصل للكثير من المشاهير ) ولم أكن أعلم أن موت الذين يعيشون على هذا الحال ، ليس نهاية للشقاء ، بل هو بداية الشقاء الحقيقي ، والعذاب الأليم في نار جهنم والعياذ بالله . وأنا في صراع مع النفس والشيطان ، كانت والدتي -رحمها الله- حريصة على هدايتي ، ولكنها لم تجد الأذن الصاغية والقلب السليم الذي يتقبل دعوة الحق ، وبالأحرى ما كنت أراه من تصرفات بعض المسلمين ، كان يبعدني عن الدين ، لأن لسان حالهم كان يعطي صورة مشوهة عن الإسلام ، كما هو حال الكثير من المنتسبين للإسلام في هذا الزمان ويا للأسف . فكنت أرى المسلمين بين تفريط وإفراط ، بالإضافة إلى أن بعض المنتسبين للعلم ، كانوا يقصرون في دعوتنا إلى الله ، فكنت ألتقي مع بعضهم في مناسبات عديدة ، فكانوا ينوهون بي وبأعمالي الإذاعية والتلفزيونية ، ولا يسألون عن حالي ، هل أصلي أم لا ؟ بل كانوا يشجعونني على ما كنت عليه . فانتابني اليأس والقنوط ، وبدأت أفكر في الوسيلة التي تريحني من هذا العناء ، وتضع حدا لهذا الشقاء . وأنا على هذا الحال ، وقع بين يدي كتاب باللغة الفرنسية عنوانه الانتحار :
suicide) le ) لكاتب فرنسي ، فقرأته ، فإذا به جداول لإحصائيات للمنتحرين في الدول الأوروبية ، مبينة تزايد هذه الانتحارات سنة عن سنة ، وذَكر أن أكثر بلد يشهد الانتحارات هو السويد ، الذي يوفر لمواطنيه كل ما يحتاجونه ، ورغم ذلك فإن عدد الانتحارات في تزايد عندهم ، حتى أصبح عندهم جسر سمي ( جسر الانتحارات ) لكثرة الذين كانوا يُلقون بأنفسهم من ذلك الجسر !! عندما قرأت عن حياة هؤلاء المنتحرين وجدت أن حياتي شبيهة بحياتهم ، مع الفارق بيننا ، أني كنت أؤمن أن هناك ربا في هذا الوجود ، هو الخالق والمستحق للعبودية ، ولكني لم أكن أعلم أن هذه العبودية لله هي التي تحقق سعادتي في هذه الدنيا ، ناهيك عن الغفلة عن الآخرة وما ينتظرنا فيها . في الوقت نفسه قرأت عن بعض المشاهير من الغرب الذين أسلموا وتغيرت حياتهم رأسا على عقب ، وتركوا ما كانوا عليه قبل إسلامهم حيث وجدوا سعادتهم المنشودة في توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبودية . ومن جملة هؤلاء ، المغني البريطاني الشهير ، كات ستيفنس ، الذي أصبح اسمه ، يوسف إسلام . اندهشت عندما رأيت صورته في إحدى المجلات وقد تغير شكله تماما ، مع العلم أن الناس ينظرون إلى التغيير الظاهري ، ولا يستطيعون أن يعرفوا التغيير الباطني والمشاعر التي يحسها الذي شرح الله صدره للإسلام . عندما سافرت آخر مرة إلى أوروبا ، كان قد رافقني أخ لي يكبرني بسنة وأربعة أشهر ،والذي بقي في هولندا بعد رجوعي إلى المغرب ، فالتقى هناك بدعاة إلى الله كانوا يجوبون الشوارع والمقاهي والمحلات العمومية ، يبحثون عن المسلمين الغافلين، ليذكروهم بدينهم ويدعونهم إلى الله تعالى، فتأثر بكلامهم ، وصاحبهم إلى المسجد حيث كانت تقام الدروس وحلقات العلم ، وبقي بصحبتهم إلى أن تغيرت حياته ، وبلغني أن أخي جُنَّ وأطلق لحيته وأصبح ينتمي إلى منظمة خطيرة ، نفس الإشاعات التي تُطلَق على كل من التزم بدين الله ، بل هي سنة الله في الكون ، أن يؤذى كل من أراد الدخول في زمرة المؤمنين ، ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )[العنكبوت : 2].
عاد أخي بعد مدة بغير الوجه الذي ذهب به من المغرب ، وقد حَسُنَ دينه وخُلقه ، وبعد جهد جهيد من طرف أخي والدعاة إلى الله الذين كانت هداية أخي على أيديهم ، وجهد ودعاء والدتي –رحمها الله- شرح الله صدري وعزمت على الإقلاع عما كنت عليه ، وندمت على ما فرطت في جنب الله ، وعزمت أن لا أعود إلى ذلك . فوجدت نفسي أعرف الكثير من المعلومات والثقافات ، إلا عن الشيء الذي خلقت من أجله ، والذي يحقق لي سعادة الدنيا والآخرة ، وهو دين الله تعالى ، فقررت أن أترك كل شيء لكي أتعلم ديني . فتفرغت لطلب العلم والدعوة إلى الله ، فوجدت سعادتي المنشودة بفضل الله ومَنِّهِ ، وأنا الآن سعيد والحمد لله ، منذ أن سلكت هذا الطريق ، وأسأل الله تعالى أن يثبتني عليه حتى ألقاه . غبت عن المغرب سنة وثلاثة أشهر لتعلم الدين والدعوة إلى الله في مجالس العلماء الربانيين ، فخرجت بوجه ، ورجعت بغير الوجه الذي خرجت به ، وبعد رجوعي تصفحت قصاصات الجرائد والمجلات التي كانت تكتب عني ، فوجدت السؤال الذي كان قد طُرح علي ، وكان قد مرت عليه 12 سنة وهو : هل يطابق الاسم المسمى ؟ أي ، هل أنت سعيد في حياتك الفنية والخاصة ؟ وكان جوابي : أنا س ع ي ( سعيـ ) ولازال ينقصني – د – وأنا في بحث عنه ، وعندما أجده سأخبرك . كان ذلك في سنة 1974 م . فبعثت برسالة إلى الصحافي الذي كان قد طرح علي السؤال أقول فيها : سألتني في حوار بجريدة الكواليس بتاريخ كذا ..السؤال التالي : وذكَّرته بالسؤال ، وكان جوابي هو التالي : وذكَّرته بالجواب ، ثم قلت له : وبما أني وعدتك بأن أخبرك بمجرد ما أجد – د – فقد وجدته وأنا الآن سعيد ، وجدته في الدين والدعوة .

المصدر: موقع صيد الفوائد http://www.saaid.net

القلب الحزين
15-12-2013, 07:00 PM
قصة إسلام قسيس مصري



بقلم الدكتور وديع أحمد (الشماس سابقاً)
* بسم الله الرحمن الرحيم ..الحمد الله على نعمة الإسلام نعمة كبيرة لا تدانيها نعمة لأنه لم يعد على الأرض من يعبد الله وحده إلا المسلمين.
* ولقد مررت برحلة طويلة قاربت 40 عاما إلى أن هداني الله وسوف أصف لكم مراحل هذه الرحلة من عمري مرحلة مرحلة:-
مرحلة الطفولة:- ( زرع ثمار سوداء )
* كان أبى واعظا في الإسكندرية في جمعية أصدقاء الكتاب المقدس وكانت مهنته التبشير في القرى المحيطة والمناطق الفقيرة لمحاولة جذب فقراء المسلمين إلى المسيحية.
* وأصر أبى أن أنضم إلى الشمامسة منذ أن كان عمري ست سنوات وأن أنتظم في دروس مدارس الأحد وهناك يزرعون بذور الحقد السوداء في عقول الأطفال ومنها: -
1- المسلمون اغتصبوا مصر من المسيحيين وعذبوا المسيحيين.
2- المسلم أشد كفرا من البوذي وعابد البقر.
3- القرآن ليس كتاب الله ولكن محمد اخترعه.
4- المسلمين يضطهدون النصارى لكي يتركوا مصر ويهاجروا..... وغير ذلك من البذور التي تزرع الحقد الأسود ضد المسلمين في قلوب الأطفال.
* وفى هذه الفترة المحرجة كان أبى يتكلم معنا سرا عن انحراف الكنائس عن المسيحية الحقيقية التي تحرم الصور والتماثيل والسجود للبطرك والاعتراف للقساوسة.
مرحلة الشباب ( نضوج ثمار الحقد الأسود )
أصبحت أستاذا في مدارس الأحد و معلما للشمامسة وكان عمري 18 سنة وكان علي أن أحضر دروس الوعظ بالكنيسة والزيارة الدورية للأديرة ( خاصة في الصيف ) حيث يتم استدعاء متخصصين في مهاجمة الإسلام والنقد اللاذع للقرآن ومحمد ( صلي الله علية وسلم ).
* وما يقال في هذه الاجتماعات:
1- القرآن مليء بالمتناقضات ( ثم يذكروا نصف آية ) مثل ( ولا تقربوا الصلاة...)
2- القرآن مليء بالألفاظ الجنسية ويفسرون كلمة ( نكاح ) علي أنها الزنا أو اللواط.
3- يقولون أن النبي ومحمد ( صلي الله عليه وسلم ) قد أخذ تعاليم النصرانية من ( بحيره ) الراهب ثم حورها و اخترع بها دين الإسلام ثم قتل بحيرة حتي لا يفتضح أمره........ ومن هذا الاستهزاء بالقرآن الكريم و محمد ( صلي الله عليه وسلم ) الكثير والكثير...
أسئلة محيرة:
الشباب في هذه الفترة و أنا منهم نسأل القساوسة أسئلة كانت تحيرنا:
شاب مسيحي يسأل:
س: ما رأيك بمحمد ( صلي الله عليه وسلم ) ؟
القسيس يجاوب: هو إنسان عبقري و زكي.
س: هناك الكثير من العباقرة مثل ( أفلاطون، سقراط, حامورابي.....) ولكن لم نجد لهم أتباعا و دين ينتشر بهذه السرعة الي يومنا هذا ؟ لماذا ؟
ج: يحتار القسيس في الإجابة
شاب أخر يسأل:
س: ما رأيك في القرآن ؟
ج: كتاب يحتوي علي قصص للأنبياء ويحض الناس علي الفضائل ولكنه مليء بالأخطاء.
س: لماذا تخافون أن نقرأه و تكفرون من يلمسه أو يقرأه ؟
ج: يصر القسيس أن من يقرأه كافر دون توضيح السبب !!
يسأل أخر:
س: إذا كان محمد ( صلي الله عليه وسلم ) كاذبا فلماذا تركه الله ينشر دعوته 23 سنه ؟ بل ومازال دينه ينتشر إلي الآن ؟ مع انه مكتوب في كتاب موسي ( كتاب ارميا ) إن الله وعد بإهلاك كل إنسان يدعي النبوة هو و أسرته في خلال عام ؟
ج: يجيب القسيس ( لعل الله يريد أن يختبر المسيحيين به ).
مواقف محيرة:
1- في عام 1971 أصدر البطرك ( شنودة ) قرار بحرمان الرهب روفائيل ( راهب دير مارمينا ) من الصلاة لأنه لم يذكر أسمه في الصلاة وقد حاول إقناعه الراهب ( صموائيل ) بالصلاة فانه يصلي لله وليس للبطرك ولكنه خاف أن يحرمه البطرك من الجنه أيضا !!
وتسائل الراهب صموائيل هل يجرؤ شيخ الأزهر أن يحرم مسلم من الصلاة ؟ مستحيل
2- أشد ما كان يحيرني هو معرفتي بتكفير كل طائفة مسيحية للأخرى فسالت القمص ( ميتاس روفائيل ) أب اعترافي فأكد هذا وان هذا التكفير نافذ في الأرض والسماء.
فسألته متعجبا: معني هذا أننا كفار لتكفير بابا روما لنا ؟
أجاب: للأسف نعم
سألته: وباقي الطوائف كفار بسبب تكفير بطرك الإسكندرية لهم ؟
أجاب: للأسف نعم
سألته: وما موقفنا إذا يوم القيامة ؟
أجاب: الله يرحمنا !!!
بداية الإتجاة نحو الإسلام
* وعندما دخلت الكنيسة ووجدت صورة المسيح وتمثاله يعلو هيكلها فسألت نفسي كيف يكون هذا الضعيف المهان الذي استهزأ به و عذب ربا و إلها ؟؟
* المفروض أن أعبد رب هذا الضعيف الهارب من بطش اليهود. وتعجبت حين علمت أن التوراة قد لعنت الصليب والمصلوب عليه وانه نجس وينجس الأرض التي يصلب عليها !! ( تثنية 21 : 22 – 23 ) .
* وفي عام 1981 : كنت كثير الجدل مع جاري المسلم ( أحمد محمد الدمرداش حجازي ) و ذات يوم كلمني عن العدل في الإسلام ( في الميراث ، في الطلاق ، القصاص ...... ) ثم سألني هل عندكم مثل ذلك ؟ أجبت لا.. لا يوجد
* وبدأت أسأل نفسي كيف أتي رجل واحد بكل هذه التشريعات المحكمة والكاملة في العبادات والمعاملات بدون اختلافات ؟ وكيف عجزت مليارات اليهود والنصارى عن إثبات انه مخترع ؟
* من عام 1982 و حتي 1990: وكنت طبيبا في مستشفي ( صدر كوم الشقافة ) وكان الدكتور محمد الشاطبي دائم التحدث مع الزملاء عن أحاديث محمد ( صلي الله عليه وسلم ) وكنت في بداية الأمر اشعر بنار الغيرة ولكن بعد مرور الوقت أحببت سماع هذه الأحاديث ( قليلة الكلام كثيرة المعاني جميلة الألفاظ والسياق ) و شعرت وقتها أن هذا الرجل نبي عظيم
هل كان أبي مسلما
* من العوامل الخفية التي أثرت علي هدايتي هي الصدمات التي كنت أكتشفها في أبي ومنها:
1- هجر الكنائس والوعظ والجمعيات التبشيرية تماما.
2- كان يرفض تقبيل أيدي الكهنة ( وهذا أمر عظيم عند النصارى )
3- كان لا يؤمن بالجسد والدم ( الخبز والخمر ) أي لا يؤمن بتجسيد الإله.
4- بدلا من نزوله صباح يوم الجمعة للصلاة أصبح ينام ثم يغتسل وينزل وقت الظهر ؟!
5- ينتحل الأعذار للنزول وقت العصر والعودة متأخرا وقت العشاء.
6- أصبح يرفض ذهاب البنات للكوافير.
7- ألفاظ جديدة أصبح يقولها ( أعوذ بالله من الشيطان ) (لا حول ولا قوة الا بالله )...
8- وبعد موت أبي 1988 وجدت بالإنجيل الخاص به قصاصات ورق صغيرة يوضح فيها أخطاء موجودة بالأناجيل وتصحيحها .
9- وعثرت علي إنجيل جدي ( والد أبي ) طبعة 1930 وفيها توضيح كامل عن التغيرات التي أحثها النصارى فيه منها تحويل كلمة ( يا معلم ) و ( يا سيد ) إلي ( يا رب ) !!!ليوهموا القاريْ أن عبادة المسيح كانت منذ ولادته.
الطريق إلي المسجد
* وبالقرب من عيادتى يوجد مسجد ( هدى الإسلام ) اقترب منه وأخذت أنظر بداخله فوجدته لا يشبه الكنيسة مطلقا ( لا مقاعد – لا رسومات – لا ثريات ضخمة – لا سجاد فخم – لا أدوات موسيقى وإيقاع – لا غناء لا تصفيق ) ووجدت أن العبادة في هذه المساجد هي الركوع والسجود لله فقط، لا فرق بين غنى وفقير يقفون جميعا في صفوف منتظمة وقارنت بين ذلك وعكسه الذي يحدث في الكنائس فكانت المقارنة دائما لصالح المساجد.
في رحاب القرآن
* وأردت أن أقرأ القرآن واشتريت مصحفاً وتذكرت أن صديقي أحمد الدمرداش قال أن القرآن ( لا يمسه إلا المطهرون ) واغتسلت ولم أجد غير ماء بارد وقتها ثم قرأت القرآن وكنت أخشى أن أجد فيه اختلافات ( بعد ما ضاعت ثقتي في التوراة والإنجيل ) وقرأت القرآن في يومين ولكني لم أجد ما كانوا يعلمونا إياه في الكنيسة عن القرآن.
* الأعجب من هذا أن من يكلم محمد صلى الله عليه وسلم يخبره أنه سوف يموت ؟!! من يجرؤ أن يتكلم هكذا إلا الله ؟؟!! ودعوت الله أن يهدين ويرشدني.
الرؤيا :
وذات يوم غلبني النوم فوضعت المصحف بجواري وقرب الفجر رأيت نورا في جدار الحجرة وظهر رجلا وجهه مضيء اقترب منى وأشار إلى المصحف فمددت يدي لأسلم عليه لكنه اختفى ووقع في قلبي أن هذا الرجل هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن القرآن هو طريق النور والهداية.
أخيرا – أسلمت وجهي لله
* وسألت أحد المحامين فدلني علي أن أتوجه لمديرية الأمن – قسم الشئون الدينية – ولم أنم تلك الليلة وراودني الشيطان كثيرا ( كيف تترك دين آبائك بهذه السهولة ) ؟
* وخرجت في السادسة صباحا ودخلت كنيسة ( جرجس وأنطونيوس ) وكانت الصلاة قائمة، وكانت الصالة مليئة بالصور والتماثيل للمسيح و مريم و الحواريين وآخرين إلي البطرك السابق ( كيرلس ) فكلمتهم: ( لو أنكم علي حق وتفعلون المعجزات كما كانوا يعلمونا ففعلوا أي شيء... أي علامة أو إشارة لأعلم إنني أسير في الطريق الخطأ ) و بالطبع لا إجابة.
* وبكيت كثيرا علي عمر كبير ضاع في عبادة هذه الصور والتماثيل. وبعد البكاء شعرت أنني تطهرت من الوثنية وأنني أسير في الطريق الصحيح طريق عبادة الله حقا.
* وذهبت إلي المديرية و بدأت رحلة طويلة شاقة مع الروتين ومع معاناة مع البيروقراطية و ظنون الناس وبعد عشرة شهور تم إشهار إسلامي من الشهر العقاري في أغسطس 1992.
اللهم أحيني علي الإسلام وتوفني علي الإيمان
اللهم احفظ ذريتي من بعدي خاشعين، عابدين، يخافون معصيتك ويتقربون بطاعتك
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

المصدر :
موقع الدكتور وديع أحمد (الشماس سابقا)
http://wade3.jeeran.com/story.html

القلب الحزين
15-12-2013, 07:01 PM
الطريق الروحي إلى مكة


بقلم :معالي الشيخ: صالح بن عبدالرحمن الحصين
كان الصبي (ليوبولدفايس) تحت إصرار والده يواظب على دراسة النصوص الدينية ساعات طويلة كل يوم، وهكذا وجد نفسه وهو في سن الثالثة عشرة يقرأ العبرية ويتحدثها بإتقان، درس التوراة في نصوصها الأصلية وأصبح عالماً بالتلمود وتفسيره، ثم انغمس في دراسة التفسير المعقد للتوراة المسمى (ترجوم) فدرسه وكأنما يهيئ نفسه لمنصب ديني.
كان إنجازه المدهش يعد بتحقيق حلم جده الحاخام الأرثوذكسي النمساوي بأن تتصل بحفيده سلسلة من أجداده الحاخامات، ولكن هذا الحلم لم يتحقق، فبالرغم من نبوغه في دراسة الدين أو ربما بسببه نمت لديه مشاعر سلبية تجاه جوانب كثيرة من العقيدة اليهودية، لقد رفض عقله ما بدا من أن الرب في النصوص التوراتية والتلمودية مشغول فوق العادة بمصير أمة معينة ، وهم اليهود بالطبع. لقد أبرزت النصوص الرب لا كخالق وحافظ لكل خلقه من البشر؛ بل كرب قبلي يسخر كل المخلوقات لخدمة الشعب المختار.
لم يؤد إحباطه من الديانة اليهودية في ذلك الوقت إلى البحث عن معتقدات روحية أخرى، فتحت تأثير البيئة اللا أدرية التي يعيش فيها وجد نفسه يندفع ككثير من أقرانه إلى رفض الواقع الديني وكل مؤسساته، وما كان يتطلع إليه لم يكن يختلف كثيراً عما يتطلع إليه باقي أبناء جيله، وهو خوض المغامرات المثيرة.
في تلك المرحلة من عمر (ليوبولدفايس) اشتعلت الحرب العالميــة الأولى (1914- 1918) وبعد انتهاء الحرب -وعلى مدى عامين- درس بلا نظام تاريخ الفن والفلسفة في (جامعة فينا) ولكن ما كان مشغوفاً بالتوصل إليه هو جوانب محببة إلى نفسه من الحياة، كان مشغوفاً أن يصل بنفسه إلى مثل روحية حقيقية كان يوقن أنها موجودة؛ لكنه لم يصل إليها بعد!.
كانت العقود الأولى للقرن العشرين تتسم بالخواء الروحي للأجيال الأوروبية، أصبحت كل القيم الأخلاقية متداعية تحت وطأة التداعيات المرعبة للسنوات التي استغرقتها الحرب العالمية الأولى في الوقت الذي لم تبد فيه أي روحية جديدة في أي أفق، كانت مشاعر عدم الإحساس بالأمن متفشية بين الجميع، إحساس داخلي بالكارثة الاجتماعية والفكرية أصاب الجميع بالشك في استمرارية أفكار البشر وفي كل مساعيهم وأهدافهم، كان القلق الروحي لدى الشباب لا يجد مستقراً لإقدامه الوجلة، ومع غياب أي مقاييس يقينية أخلاقية لم يكن ممكناً لأي فرد إعطاء إجابات مقنعة عن أسئلة كثيرة كانت تؤرق وتحير كل جيل الشباب.
كانت علوم التحليل النفسي (وهي جانب من دراسات الشاب ليوبولدفايس) تشكل في ذلك الوقت ثورة فكرية عظمى، وقد أحس فعلاً أن تلك العلوم فتحت مزاليج أبواب معرفة الإنسان بذاته، كان اكتشاف الدوافع الكامنة في اللاوعي قد فتح أبواباً واسعة تتيح فهماً أوسع للذات، وما أكثر الليالي التي قضاها في مقاهي (فينا) يستمع إلى مناقشات ساخنة ومثيرة بين رواد التحليل النفسي المبكرين من أمثال (الفريد ادلر) و (هرمان سيتكل).
إلا أن الحيرة والقلق والتشويش حلت عليه من جديد، بسبب عجرفة العلم الجديد وتعاليه ومحاولته أن يحل ألغاز الذات البشرية عن طريق تحويلها إلى سلاسل من ردود الأفعال العصبية.
لقد نما قلقه وتزايد وجعل إتمام دراسته الجامعية يبدو مستحيلاً؛ فقرر أن يترك الدراسة، ويجرب نفسه في الصحافة.
كان أول طريق النجاح في هذه التجربة تعيينه في وظيفة محرر في وكالة الأنباء (يونايتد تلجرام)، وبفضل تمكنه من عدة لغات لم يكن صعباً عليه أن يصبح بعد وقت قصير نائباً لرئيس تحرير قطاع أخبار الصحافة الاسكندنافية بالرغم من أن سنه كانت دون الثانية والعشرين، فانفتح له الطريق في برلين إلى عالم أرحب (مقهى دين فيستن) و(رومانشية) ملتقى الكتاب والمفكرين البارزين ومشاهير الصحفيين والفنانين، فكانوا يمثلون له (البيت الفكري) وربطته بهم علاقات صداقة توافرت فيها الندية.
كان في ذلك الوقت سعيداً بما هو أكثر من النجاح في حياته العملية، ولكنه لم يكن يشعر بالرضا والإشباع ولم يكن يدري بالتحديد ما الذي يسعى إليه وما الذي يتوق إلى تحقيقه.
كان مثله مثل كثير من شباب جيله، فمع أن أياً منهم لم يكن تعساً إلا أن قليلاً منهم كان سعيداً بوعي وإدراك.
(1)
لو قال له أحد في ذلك الوقت: إن أول معرفة له مباشرة الإسلام ستصبح نقطة تحول عظمى في حياته؛ لعد ذلك القول مزحة، ليس بالطبع لأنه محصن ضد إغراءات الشرق التي تربط ذهن الأوربي برومانتيكية ألف ليلة وليلة، ولكنه كان أبعد ما يكون عن أن يتوقع أن تؤدي تلك الرحلة إلى أي مغامرات روحية.

كل ما كان يدور في ذهنه عن تلك الرحلة كان يتعامل معه برؤية غربية، فقد كان رهانه محصوراً في تحقيق أعمق في المشاعر والإدراك من خلال البيئة الثقافية الوحيدة التي نشأ فيها، وهي البيئة الأوروبية، لم يكن إلا شاباً أوربياً نشأ على الاعتقاد بأن الإسلام وكل رموزه ليس إلا محاولة التفافية حول التاريخ الإنساني، محاولة لا تحظى حتى بالاحترام من الناحية الروحية والأخلاقية، ومن ثم لا يستحق الذكر، فضلاً عن أن يوازن بالدينين الوحيدين اللذين يرى الغرب أنهما يستحقان الاهتمام والبحث (اليهودية والمسيحية)، كان يلف تفكيره الفكر الضبابي القاتم والانحياز الغربي ضد كل ما هو إسلامي، أو كما يعبر عن نفسه:"لو تعاملت بعدل مع ذاتي لأقررت أني أيضاً كنت غارقاً حتى أذني في تلك الرؤية الذاتية الأوروبية والعقلية المتعالية التي اتسم بها الغرب على مدى تاريخه". [ 104].

ولكن بعد أربع سنوات كان ينطق بشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ويتسمى باسم (محمد أسد).

بالرغم من أن حياته تفيض بالمغامرات والمفاجاءات والمصادفات فلم يكن إسلامه نتيجة لأي من ذلك بل كان نتيجة لسنوات عدة من التجول في العالم الإسلامي، والاختلاط بشعوبه، والتعمق في ثقافته، وإطلاعه الواسع على تراثه بعد إجادته للغة العربية والفارسية.

كان في الأعوام المبكرة من شبابه بعد ما أصابه الإحباط وخيبة الأمل في العقيدة اليهودية التي ينتمي إليها قد اتجه تفكيره إلى المسيحية بعد أن وجد أن المفهوم المسيحي للإله يتميز عن المفهوم التوراتي؛ لأنه لم يقصر اهتمام الإله على مجموعة معينة من البشر ترى أنها وحدها شعب الله المختار، وعلى الرغم من ذلك كان هناك جانب من الفكر المسيحي قلل في رأيه إمكانية تعميمه وصلاحيته لكل البشر، ألا وهو التمييز بين الروح والبدن. أي بين عالم الروح وعالم الشؤون الدنيوية، وبسبب تنائي المسيحية المبكر عن كل المحاولات التي تهدف إلى تأكيد أهمية المقاصد الدنيوية، كفت من قرون طويلة في أن تكون دافعاً أخلاقياً للحضارة الغربية، إن رسوخ الموقف التاريخي العتيق للكنيسة في التفريق بين ما للرب وما لقيصر؛ نتج عنه ترك الجانب الاجتماعي والاقتصادي يعاني فراغاً دينياً، وترتب على ذلك غياب الأخلاق في الممارسات الغربية السياسية والاقتصادية مع باقي دول العالم، ومثل ذلك إخفاقاً لتحقيق ما هدفت إليه رسالة المسيح أو أي دين آخر.

فالهدف الجوهري لأي دين هو تعليم البشر كيف يدركون ويشعرون، بل كيف يعيشون معيشة صحيحة وينظمون العلاقات المتبادلة بطريقة سوية عادلة، وإن إحساس الرجل الغربي أن الدين قد خذله جعله يفقد إيمانه الحقيقي بالمسيحية خلال قرون، وبفقدانه لإيمانه فَقَدَ اقتناعه بأن الكون والوجود تعبير عن قوة خلق واحدة، وبفقدان تلك القناعة عاش في خواء روحي وأخلاقي.

كان اقتناعه في شبابه المبكر أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده قد تبلور إلى اقتناع فكري بأن عبادة التقدم المادي ليست إلا بديلاً وهمياً للإيمان السابق بالقيم المجردة، وأن الإيمان الزائف بالمادة جعل الغربيين يعتقدون بأنهم سيقهرون المصاعب التي تواجههم حالياً، كانت جميع النظم الاقتصادية التي خرجت من معطف المادة علاجاً مزيفاً وخادعاً ولا تصلح لعلاج البؤس الروحي للغرب، كان التقدم المادي بإمكانه في أفضل الحالات شفاء بعض أعراض المرض إلا أن من المستحيل أن يعالج سبب المرض.

كانت أول علاقة له بفكرة الإسلام وهو يقضي أيام رحلته الأولى في القدس عندما رأى مجموعة من الناس يصلون صلاة الجماعة يقول: "أصابتني الحيرة حين شاهدت صلاة تتضمن حركات آلية، فسألت الإمام هل تعتقد حقاً أن الله ينتظر منك أن تظهر له إيمانك بتكرار الركوع والسجود؟ ألا يكون من الأفضل أن تنظر إلى داخلك وتصلي إلى ربك بقلبك وأنت ساكن؟ أجاب: بأي وسيلة أخرى تعتقد أننا يمكن أن نعبد الله؟ ألم يخلق الروح والجسد معاً؟ وبما أنه خلقنا جسداً وروحاً ألا يجب أن نصلي بالجسد والروح؟ ثم مضى يشرح المعنى من حركات الصلاة، أيقنت بعد ذلك بسنوات أن ذلك الشرح البسيط قد فتح لي أول باب للإسلام" [120].

بعد هذه الحادثة بشهور كان يدخل الجامع الأموي في دمشق ويرى الناس يصلون، ويصف هذا المشهد "اصطف مئات المصلين في صفوف طويلة منتظمة خلف الإمام، ركعوا وسجدوا كلهم في توحد مثل الجنود، كان المكان يسوده الصمت يسمع المرء صوت الإمام من أعماق المسجد الجامع يتلو آيات القرآن الكريم، وحين يركع أو يسجد يتبعه كل المصلين كرجل واحد، أدركت في تلك اللحظة مدى قرب الله منهم وقربهم منه بدا لي أن صلاتهم لا تنفصل عن حياتهم اليومية بل كانت جزءاً منها، لا تعينهم صلاتهم على نسيان الحياة بل تعمقها أكثر بذكرهم لله، قلت لصديقي ومضيفي ونحن ننصرف من الجامع: ما أغرب ذلك وأعظمه! إنكم تشعرون أن الله قريب منكم، أتمنى أن يملأني أنا أيضاً ذلك الشعور، رد صاحبي: ما الذي يمكن أن نحسه غير ذلك والله يقول في كتابه العزيز: )ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد )" [166].

ويقول بعد ذلك:"تركت تلك الشهور الأولى التي عشتها في بلد عربي قطاراً طويلاً من الانعكاسات والانطباعات، لقد واجهت مغزى الحياة وجهاً لوجه وكان ذلك جديداً تماماً على حياتي، الأنفاس البشرية الدافئة تتدفق من مجرى دم أولئك الناس إلى أفكارهم بلا تمزقات روحية مؤلمة من عدم الاطمئنان والخوف والطمع والإحباط الذي جعل من الحياة الأوروبية حياة قبيحة وسيئة لا تعد بأي شيء " [131].

"أحسست بضرورة فهم روح تلك الشعوب المسلمة لأني وجدت لديهم تلاحماً عضوياً بين الفكر والحواس، ذلك التلاحم الذي فقدناه نحن الأوربيين، واعتقدت أنه من خلال فهم أقرب وأفضل لحياتهم يمكن أن أكتشف الحلقة المفقودة التي تسبب معاناة الغربيين وهي تأكل التكامل الداخلي للشخصية الأوروبية، لقد اكتشفت كنه ذلك الشيء الذي جعلنا نحن أهل الغرب ننأى عن الحرية الحقة بشروطها الموضوعية التي يتمتع بها المسلمون حتى في عصور انهيارهم الاجتماعي والسياسي" [132].

"ما كنت أشعر به في البداية لا يعدو أكثر من تعاطف مع شكل الحياة العربية والأمان المعنوي الذي أحسبه فيما بينهم تحوّل بطريقة لا أدركها إلى ما يشبه المسألة الذاتية، زاد وعيي برغبة طاغية في معرفة كنه ذلك الشيء الذي يكمن في أسس الأمن المعنوي، والنفسي وجعل حياة العرب تختلف كلياً عن حياة الأوربيين، ارتبطت تلك الرغبة بشكل غامض بمشكلاتي الشخصية الدفينة، بدأت أبحث عن مداخل تتيح لي فهماً أفضل للشخصية العربية والأفكار التي شكلتهم وصاغتهم وجعلتهم يختلفون روحياً عن الأوروبيين، بدأت أقرأ كثيراً بتركيز في تاريخهم وثقافتهم ودينهم، وفي غمرة اهتمامي أحسست بأني قد توصلت إلى اكتشاف ما يحرك قلوبهم ويشغل فكرهم ويحدد لهم اتجاههم، أحسست أيضاً بضرورة اكتشاف القوى الخفية التي تحركني أنا ذاتي وتشكل دوافعي وتشغل فكري وتعدني أن تهديني السبيل" [132]".

"قضيت كل وقتي في دمشق أقرأ من الكتب كل ما له علاقة بالإسلام، كانت لغتي العربية تسعفني في تبادل الحديث؛ إلا أنها كانت أضعف من أن تمكنني من قراءة القرآن الكريم، لذا لجأت إلى ترجمة لمعاني القرآن الكريم، أما ما عدا القرآن الكريم فقد اعتمدت فيه على أعمال المستشرقين الأوروبيين.

ومهما كانت ضآلة ما عرفت إلا أنه كان أشبه برفع ستار، بدأت في معرفة عالم من الأفكار كنت غافلاً عنه وجاهلاً به حتى ذلك الوقت، لم يبدُ لي الإسلام ديناً بالمعنى المتعارف عليه بين الناس لكلمة دين؛ بل بدا لي أسلوباً للحياة، ليس نظاماً لاهوتياً بقدر ما هو سلوك فرد، ومجتمع يرتكز على الوعي بوجود إله واحد، لم أجد في أي آية من آيات القرآن الكريم أي إشارة إلى احتياج البشر إلى الخلاص الروحي ولا يوجد ذكر لخطيئة أولى موروثة تقف حائلاً بين المرء وقدره الذي قدره الله له، ولا يبقى لابن آدم إلا عمله الذي سعى إليه، ولا يوجد حاجة إلى الترهب والزهد لفتح أبواب خفية لتحقيق الخلاص، الخلاص حق مكفول للبشر بالولادة، والخطيئة لا تعني إلا ابتعاد الناس عن الفطرة التي خلقهم الله عليها، لم أجد أي أثر على الثنائية في الطبيعة البشرية فالبدن والروح يعملان في المنظور الإسلامي كوحدة واحدة لا ينفصل أحدهما عن الآخر.

أدهشني في البداية اهتمام القرآن الكريم ليس بالجوانب الروحية فقط بل بجوانب أخرى غير مهمة من الأمور الدنيوية، ولكن مع مرور الوقت بدأت أدرك أن البشر وحدة متكاملة من بدن وروح، وقد أكد الإسلام ذلك، لا يوجد وجه من وجوه الحياة يمكن أن نعده مهمشاً؛ بل إن كل جوانب حياة البشر تأتي في صلب اهتمامات الدين، لم يدع القرآن الكريم المسلمين ينسون أن الحياة الدنيا ليست إلا مرحلة في طريق البشر نحو تحقيق وجود أسمى وأبقى وأن الهدف النهائي ذو سمة روحية، ويرى أن الرخاء المادي لا ضرر منه إلا أنه ليس غاية في حد ذاته، لذلك لا بد أن تُقنن شهية الإنسان وشهواته وتتم السيطرة عليها بوعي أخلاقي من الفرد، هذا الوعي لا يوجه إلى الله فقط؛ بل يوجه أيضاً إلى البشر فيما بينهم، لا من أجل الكمال الديني وحده بل من أجل خلق حالة اجتماعية تؤدي إلى تطور وعي للمجتمع بأكمله حتى يتمكن من أن يحيا حياة كاملة.

نظرت إلى كل تلك الجوانب الفكرية والأخلاقية بتقدير وإجلال، كان منهجه في تناول مشكلات الروح أعمق كثيراً من تلك التي وجدتها في التوراة، هذا عدا أنه لم يأت لبشر دون بشر ولا لأمة بذاتها دون غيرها، كما أن منهجه في مسألة البدن بعكس منهج الإنجيل منهج إيجابي لا يتجاهل البدن، البدن والروح معاً يكونان البشر كتوأمين متلازمين، سألت: ألا يمكن أن يكون ذلك المنهج هو السبب الكامن وراء الإحساس بالأمن والتوازن الفكري والنفسي الذي يميز العرب والمسلمين" [166-168].


يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
15-12-2013, 07:02 PM
يتبــــع الموضوع السابق
الطريق الروحي إلى مكة


(2)
بعد أن غادر سوريا بقي شهوراً في تركيا في طريق عودته إلى أوربا لتنتهي رحلته الأولى إلى العالم الإسلامي.

"بدأت انطباعاتي عن تركيا تفقد حيويتها وأنا في القطار المتوجه إلى فينا وما ظل راسخاً هو الثمانية عشر شهراً التي قضيتها في البلاد العربية، صدمني إدراكي أني أتطلع إلى المشاهد الأوروبية التي اعتدتها بعيني من هو غريب عنها، بدا الناس في نظري في غاية القبح وحركاتهم خالية من الرقة، ولا علاقة مباشرة بين حركاتهم وما يدرونه ويشعرون به، أدركت فجأة أنه على الرغم من المظاهر التي تنبئ بأنهم يعرفون ما يريدون إلا أنهم لا يعرفون أنهم يحيون في عالم الإدعاء والتظاهر، اتضح لي أن حياتي بين العرب غيرت منهجي ورؤيتي لما كنت أعده مهماً وضرورياً للحياة، تذكرت بشيء من الدهشة أن أوربيين آخرين قد مروا بتجارب حياتية مع العرب وعايشوهم أزماناً طويلة فكيف لم تعترهم دهشة الاكتشاف كما اعترتني، أم أن ذلك قد وقع لهم أيضاً؟ هل اهتز أحدهم من أعماقه كما حدث لي " [178-179].

"توقفت بضعة أسابيع في فينا واحتفلت بتصالحي مع أبي الذي سامحني على ترك دراستي الجامعية ومغادرتي منـزل الأسرة بتلك الطريقة الفجة، على أي حال كنت مراسلاً لجريدة (فرانكفوتر ذيتونج) وهو اسم يلقى التقدير والتبجيل في وسط أوربا في ذلك الوقت، وهكذا حققت في نظره مصداقية ما زعمت له قبل ذلك من أني سأحقق ما أصبو إليه وأصـل إلى القمة" [179].

"رحلت بعد ذلك من فينا مباشرة إلى فرانكفورت لأقدم نفسي شخصياً إلى الصحفية التي كنت أمثلها في الخارج على مدى عام، كنت في طريقي إليها وأنا أشد ثقة بنفسي فالرسائل التي كنت أتلقاها من فرانكفورت أظهرت لي أن مقالاتي كانت تلقى كل التقدير والترحيب" [180].

"أن أكون عضواً عاملاً في مثل تلك الصحيفة كان مصدر فخر واعتزاز لشاب في مثل سني، وعلى الرغم من أن مقالاتي عن الشرق الأوسط قوبلت باهتمام شديد من قبل جميع المحررين إلا أن نصري الكامل تحقق في اليوم الذي كلفت فيه أن أكتب مقالاً افتتاحياً بالصحيفة عن مشكلة الشـرق الأوسط" [182].

"كان من نتائج عملي في جريدة (فرانكفوتر ذيتونج) النضج المبكر لتفكيري الواعي، كما نتجت عنه رؤية ذهنية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فبدأت في مزج خبرتي بالشرق بعالم الغرب الذي أصبحت جزءاً منه من جديد، منذ عدة شهور مضت اكتشفت العلاقة بين الاطمئنان النفسي والعاطفي السائد في نفوس العرب وعقيدة الإسلام التي يؤمنون بها، كما بدأ يتبلور في ذهني أن نقص التكامل النفسي الداخلي للأوروبيين وحالة الفوضى اللاأخلاقية التي تسيطر عليهم قد تكون ناتجة من عدم وجود إيمان ديني قد تكونت الحضارة الغربية في غيابه، لم ينكر المجتمع الغربي الإله إلا أنه لم يترك له مكاناً في أنساقه الفكرية" [182].

بعد عودته إلى أوروبا من رحلته كان يحس بالملل إحساس من أجبر على التوقف قبل التوصل إلى كشف عظيم سيميط عن نفسه الحجب لو أتيح له مزيد من الوقت.

كان يتوق إلى العودة إلى الشرق مرة أخرى، وقد تحقق له ما أراد إذ إن رئيس تحرير الجريدة الدكتور هنري سيمون –الذي كان في ذلك الوقت مشهوراً في أرجاء العالم- قد رأى فيه مراسلاً صحفياً واعداً فوافق بحماس على عودته إلى الشرق الأوسط بسرعة.
(3)
عاد إلى الشرق ليقضي عامين آخرين بين مصر وبلاد الشام والعراق وإيران وأفغانستان، عاد من أوروبا وفي ذهنه صورة عن عالم الغرب ظلت تزداد في ذهنه مع الأيام رسوخاً وثباتاً، عبّر عن هذه الصورة فيما يأتي: "لاحقاً إن الإنسان الغربي قد أسلم نفسه لعبادة الدجال، لقد فقد منذ وقت طويل براءته، وفقد كل تماسك داخلي مع الطبيعة، لقد أصبحت الحياة في نظره لغزاً، إنه مرتاب شكوك ولذا فهو منفصل عن أخيه، ينفرد بنفسه، ولكي لا يهلك في وحدته هذه فإن عليه أن يسيطر على الحياة بالوسائل الخارجية، وحقيقة كونه على قيد الحياة لم تعد وحدها قادرة على أن تشعره بالأمن الداخلي، ولذا فإن عليه أن يكافح دائماً وبألم في سبيل هذا الأمن من لحظة إلى أخرى، وبسبب من أنه فقد كل توجيه ديني وقرر الاستغناء عنه فإن عليه أن يخترع لنفسه باستمرار حلفاء ميكانيكيين، من هنا نما عنده الميل المحموم إلى التقنية والتمكن من قوانينها ووسائلها، إنه يخترع كل يوم آلات جديدة ويعطي كلاً منها بعض روحه كيما تنافح في سبيل وجوده، وهي تفعل ذلك حقاً، ولكنها في الوقت نفسه تخلق له حاجات جديدة، ومخاوف جديدة وظمأ لا يُروى إلى حلفاء جدد آخرين أكثر اصطناعية، وتضيع روحه في ضوضاء الآلة الخانقة التي تزداد مع الأيام قوة وغرابة، وتفقد الآلة غرضها الأصلي – أي أن تصون وتغني الحياة الإنسانية- وتتطور إلى صنم بذاته، صنم فولاذ، ويبدو أن كهنة هذا المعبود والمبشرين به غير مدركين أن سرعة التقدم التقني الحديث ليست نتيجة لنمو المعرفة الإيجابي فحسب؛ بل لليأس الروحي أيضاً. وأن الانتصارات المادية العظمى التي يعلن الإنسان الغربي أنه بها يستحق السيادة على الطبيعة هي في صميمها ذات صفة دفاعية؛ فخلف واجهتها البراقة يكمن الخوف من الغيب، إن الحضارة الغربية لم تستطع حتى الآن أن تقيم توازناً بين حاجات الإنسان الجسيمة والاجتماعية وبين أشواقه الروحية، لقد تخلت عن آداب دياناتها السابقة دون أن تتمكن أن تخرج من نفسها أي نظام أخلاقي آخر – مهما كان نظرياً- يخضع نفسه للعقل، بالرغم من كل ما حققته من تقدم ثقافي؛ فإنها لم تستطع حتى الآن التغلب على استعداد الإنسان الأحمق للسقوط فريسة لأي هتاف عدائي أو نداء للحرب مهما كان سخيفاً باطلاً يخترعه الحاذقون من الزعماء.. الأمم الغربية وصلت إلى درجة أصبحت معها الإمكانات العلمية غير المحدودة تصاحب الفوضى العملية، وإذا كان الغربي يفتقر إلى توجيه ديني حاذق فإنه لا يستطيع أن يفيد أخلاقياً من ضياء المعرفة الذي تسكبه علومه وهي لا شك عظيمة، إن الغربيين – في عمى وعجرفة- يعتقدون عن اقتناع أن حضارتهم هي التي ستنير العالم وتحقق السعادة، وأن كل المشاكل البشرية يمكن حلها في المصانع والمعامل وعلى مكاتب المحللين الاقتصاديين والإحصائيين، إنهم بحق يعبدون الدجال" [373].

في هذه الرحلة الثانية أمكنة أن يتقن اللغة العربية ولذلك فبدل أن ينظر إلى الإسلام بعين غيره من المستشرقين ومترجمي القرآن غير المسلمين صار في إمكانه أن ينظر إلى الإسلام في تراثه الثقافي كما هو، لم يعد على اعتقاده السابق استحالة أن يتفهم الأوروبي بوعي العقلية الإسلامية، أيقن أنه لو تحرر المرء تماماً من عاداته التي نشأ عليها ومناهجها الفكرية وتقبل مفهوم أنها ليست بالضرورة الأساليب الصحيحة في الحياة لأمكن أن يفهم ما يبدو غريباً في نظرة عن الإسلام، كانت فكرته عن الإسلام تتطور وتنمو طوال هذه الرحلة الثانية التي أمكنه فيها أن يختلط بالشعوب ويناقش العلماء، يتصل بالزعماء.

"كان التفكير في الإسلام يشغل ذهني إن الأمر بدا لي في ذلك الوقت رحلة لاستكشاف ما أجهله من تلك المناطق، كان كل يوم يمر يضيف إلى معارف جديدة، ويطرح أسئلة جديدة لأجد إجاباتها تأتي من الخارج جميعها أيقظت شيئاً ما كان نائماً في أعماقي، وكلما نمت معارفي عن الإسلام كنت أشعر مرة بعد أخرى أن الحقائق الجوهرية التي كانت كامنة في أعماقي من دون أن أعي وجودها بدأت تنكشف تدريجياً ويتأكد تطابقها مع الإسلام" [255].

كان اليقين ينمو في داخلة بأنه يقترب من إجابة نهائية عن أسئلته، بتفهمه لحياة المسلمين كان يقترب يومياً من فهم أفضل للإسلام؛ وكان الإسلام دائماً مسيطراً على ذهنه " لا يوجد في العالم بأجمعه ما يبعث في نفسي مثل تلك الراحة التي شعرت بها والتي أصبحت غير موجودة في الغرب ومهددة الآن بالضياع والاختفاء من الشرق، تلك الراحة وذلك الرضا اللذان يعبران عن التوافق الساحـر بين الذات الإنسانية والعالم الذي يحيط بها" [238].

بهذه الروح من التسامح تجاه الآخر استطاع بسهولة أن يتخلص من انخداع الرجل الغربي وإساءته فهم الإسلام بسبب ما يراه من تخلف وانحطاط في العالم الإسلامي.

"الآراء الشائعة في الغرب عن الإسلام [تتلخص] فيما يأتي: (انحطاط المسلمين ناتج عن الإسلام، وأنه بمجرد تحررهم من العقيدة الإسلامية وتبني مفاهيم الغرب وأساليب حياتهم وفكرهم؛ فإن ذلك سيكون أفضل لهم وللعالم)، إلا أن ما وجدته من مفاهيم وما توصلت إلى فهمه من مبادئ الإسلام وقيمه أقنعني أن ما يردده الغرب ليس إلا مفهوماً مشوهاً للإسلام... اتضح لي أن تخلف المسلمين لم يكن ناتجاً عن الإسلام، ولكن لإخفاقهم في أن يحيوا كما أمرهم الإسلام.. لقد كان الإسلام هو ما حمل المسلمين الأوائل إلى ذراً فكرية وثقافية سامية" [243-244].

"وفر الإسلام باختصار حافزاً قوياً إلى التقدم المعرفي والثقافي والحضاري الذي أبدع واحدة من أروع صفحات التاريخ الإنساني، وقد وفر ذلك الحافز مواقف إيجابية عندما حدد في وضوح: "نعم للعقل ولا لظلام الجهل، نعم للعمل والسعي ولا للتقاعد والنكوص. نعم للحياة ولا للزهد والرهبنة". ولذلك لم يكن عجباً أن يكتسب الإسلام أتباعاً في طفرات هائلة بمجرد أن جاوز حدود بلاد العرب، فقد وجدت الشعوب التي نشأت في أحضان مسيحية القديس بولس والقديس أوجستين... ديناً لا يقر عقيدة ومفهوم الخطيئة الأولى .. ويؤكد كرامة الحياة البشرية، ولذلك دخلوا في دين الله أفواجاً، جميع ذلك يفسر كيفية انتصار الإسلام وانتشاره الواسع والسريع في بداياته التاريخية ويفند مزاعم من روجوا أنه انتشر بحد السيف[246].

وكان ذكاؤه الحاد ونفاذ بصيرته، ونهمه إلى الاطلاع على التراث الفكري للمسلمين، يعمق معرفته بالإسلام فيبصره على حقيقته " كانت صرة نهائية متكاملة عن الإسلام تتبلور في ذهني ، كان يدهشني في أوقات كثيرة أنها تتكون داخلي بما يشبه الارتشاح العقلي والفكري، أي أنها تتم من دون وعي وإرادة مني، كانت الأفكار تتجمع ويضمها ذهني بعضها إلى بعض في عملية تنظيم ومنهجة لكل الشذرات من المعلومات التي عرفتها عن الإسلام . رأيت في ذهني عملاً عمرانياً متكاملاً تتضح معالمه رويداً رويداً بكل ما تحتويه من عناصر الاكتمال، وتناغم الأجزاء والمكونات مع الكل المتكامل في توازن لا يخل جزء من بآخر، توازن مقتصد بلا خلل، ويشعر المرء أن منظور الإسلام ومسلماته كلها في موضعها الملائم الصحيح من الوجود" [381].

"كانت أهم صفة بارزة لحضارة الإسلام وهي الصفة التي انفردت بها عن الحضارات البشرية السابقة أو اللاحقة أنها منبثقة من إرادة حرة لشعوبها، لم تكن مثل حضارات سابقة وليدة قهر وضغط وإكراه وتصارع إرادات وصراع مصالح، ولكنها كانت جزءاً وكلاً من رغبة حقيقية أصيلة لدى جميع المسلمين مستمدة من إيمانهم بالله وما حثهم عليه من إعمال فكر وعمل، لقد كانت تعاقداً اجتماعياً أصيلاً لا مجرد كلام أجوف يدافع به جيل تالٍ عن امتيازات خاصة بهم... لقد تحققت أن ذلك العقد الاجتماعي الوحيد المسجل تاريخياً تحقق فقط على مدى زمني قصير جداً، أو على الأصح أنه على مدى زمني قصير تحقق العقد على نطاق واسع، ولكن بعد أقل من مائة سنة من وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم- بدأ الشكل النقي الأصيل للإسلام يدب فيه الفساد، وفي القرون التالية بدأ المنهج القويم يزاح إلى الخلفية .. لقد حاول المفكرون الإسلاميون أن يحفظوا نقاء العقيدة؛ إلا أن من أتوا بعدهم كانوا أقل قدرة من سابقيهم، وتقاعسوا عن الاجتهاد... وتوقفوا عن التفكير المبدع والاجتهاد الخلاق... كانت القوة الدافعة الأولى للإسلام كافية لوضعه في قمة سامية من الرقي الحضاري والفكري.. وهذا ما دفع المؤرخين إلى وصف تلك المرحلة بالعصر الذهبي للإسلام، إلا أن القوة الدافعة قد ماتت لنقص الغذاء الروحي الدافع لها وركدت الحضارة الإسلامية عصراً بعد عصر لافتقاد القوة الخلاقة المبدعة، لم يكن لدي أوهام عن الحالة المعاصرة للعالم الإسلامي، بينتْ الأعوام الأربعة التي قضيتها في مجتمعات إسلامية أن الإسلام مازال حياً وأن الأمة الإسلامية متمسكة به بقبول صامت لمنهجه وتعاليمه؛ إلا أن المسلمين كانوا مشلولين غير قادرين على تحويل إيمانهم إلى أفعال مثمرة، إلا أن ما شغلني أكثر من إخفاق المسلمين المعاصرين في تحقيق منهج الإسلام الإمكانيات المتضمنة في المنهج ذاته، كـان يكفيني أن أعـرف أنه خلال مدى زمني قصير .. كانت هناك محاولة ناجحة لتطبيق هذا المنهج، وما أمكن تحقيقه في وقت ما؛ يمكن تحقيقه لاحقاً، ما كان يهمني- كما فكرت في داخلي- أن المسلمين شردوا عن التعليمات الأصلية للدين... ما الذي حدث وجعلهم يبتعدون عن المثاليات التي علمهم إياها الرسول – صلى الله عليه وسلم- منذ ثلاثة عشر قرناً مضت ما دامت تلك التعليمات لا تزال متاحة لهم إن أرادوا الاستماع إلى ما تحمله من رسالة سامية؟ بدا لي كلما فكرت أننا نحن في عصرنا الحالي نحتاج إلى تعاليم تلك الرسالة أكثر من هؤلاء الذين عاشوا في عصر محمد – صلى الله عليه وسلم-، لقد عاشوا في بيئات وظروف أبسط كثيراً مما نعيش فيه الآن، ولذلك كانت مشكلاتهم أقل بكثير من مشكلاتنا... العالم الذي كنت أحيا فيه – كله- كان يتخبط لغياب أي رؤية عامة لما هو خير وما هو شر... لقد أحسست بيقين تام.. أن مجتمعنا المعاصر يحتاج إلى أسس فكرية عقائدية توفر شكلاً من أشكال التعاقد بين أفراده، وأنه يحتاج إلى إيمان يجعله يدرك خواء التقدم المادي من أجل التقدم ذاته، وفي الوقت نفسه يعطي للحياة نصيبها. إن ذلك سيدلنا ويرشدنا إلى كيفية تحقيق التوازن بين احتياجاتنا الروحية والبدنية، وإن ذلك سينقذنا من كارثة محققة نتجه إليها بأقصى سرعة... في تلك الفترة من حياتي شغلت فكري مشكلة الإسلام كما لم يشغل ذهني شيء آخر من قبل، قد تجاوزت مرحلة الاستغراق الفكري والاهتمام العقلي بدين وثقافة غربيين، لقد تحول اهتمامي إلى بحث محموم عن الحقيقة" [380-386].

لقد صار في إمكانه أن يميز بين ما هو الإسلام وما هو غريب عنه في تصورات المسلمين وسلوكهم في رحلته الأولى رأى حلقة ذكر يقيمها الصوفية في أحد مساجد " سكوتاري" في تركيا ويصفها بهذه العبارات " كانوا يقفون في محيط واحد فاستداروا في نصف دورة ليقابل كل واحد منهم الآخر أزواجاً، كانوا يعقدون أذرعهم على صدورهم وينحنون انحناءة شديدة وهم يستديرون بجذوعهم في نصف دائرة .. في اللحظة التالية[كانوا] يقذفون أذرعهم في الاتجاه المعاكس الكف اليمنى ترتفع والكف اليسرى تنزل إلى الجانب، وتخرج من حلوقهم مع كل نصف انحناءه واستدارة أصوات مثل غناء هامس "هو" ثم يطرحون رؤوسهم للخلف مغمضين أعينهم ويجتاح ملامحهم تقلص ناعم، ثم تتصاعد وتتسارع إيقاعات الحركة وترتفع الجلاليب لتكون دائرة متسعة حول كل درويش مثل دوامات البحار... تحولت الدائرة إلى دوامات، اجتاحهم الانهماك، وشفاههم تكرز بلا نهاية(هو، هو)" [251].

وفي الرحلة الثانية يتذكر حلقة الذكر هذه ويعلق عليها "اتضحت في ذهني معاني لم تبد لي عندما شاهدت حلقة الذكـر [في سكوتاري]، كان ذلك الطقس الديني لتلك الجماعة- وهي واحدة من جماعات كثيرة شاهدتها في مختلف البلاد الإسلامية – لا يتفق مع صورة الإسلام التي كانت تتبلور في ذهني.. تبين لي أن تلك الممارسات والطقوس دخيلة على الإسلام من جهات ومصادر غير إسلامية، لقد شابت تأملات المتصوفة وأفكارهم أفكار روحية هندية ومسيحية، مما أضفى على بعض ذلك التصوف مفاهيم غربية عن الرسالة التي جاء بها النبي –صلى الله عليه وسلم-، أكدت رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم- أن السببية العقلية هي السبيل للإيمان الصحيح بينما تبتعد التأملات الصوفية وما يترتب عليها [من سلوك] عن ذلك المضمون، والإسلام قبل أي شيء مفهوم عقلاني لا عاطفي ولا انفعالي، الانفعالات مهما تكن جياشة معرضة للاختلاف والتباين باختلاف رغبات الأفراد وتباين مخاوفهم بعكس السببية العقلية، كما أن الانفعالية غير معصومة بأي حال" [253].

كتب بعد ذلك بسنوات " (لقد بدا لي الإسلام مثل تكوين هندسي محكم البناء) كل أجزائه قد صيغت ليكمل بعضها البعض وليدعم بعضها بعضاً، ليس فيها شيء زائد عن الحاجة وليس فيها ما ينقص عنها، وناتج ذلك كله توازن مطلق وبناء محكم، ربما كان شعوري بأن كل ما في الإسلام من تعاليم وضع موضعه الصحيح هو ما كان له أعظم الأثر علي، لقد سعيت بجد إلى أن أتعلم عن الإسلام كل ما أستطيع أن أتعلمه، درست القرآن وأحاديث النبي، درست لغة الإسلام وتاريخه وقدراً كبيراً مما كتب عن الإسلام، وما كتب ضده، أقمت ست سنوات تقريباً في نجد والحجاز ومعظمها في مكة والمدينة بغرض أن اتصل مباشرة بيئة الإسلام الأصلية، وبما أن المدينتين كانتا مكان اجتماع المسلمين من مختلف الأقطار فقد تمكنت من الاطلاع على مختلف الآراء الدينية والاجتماعية السائدة حالياً في العالم الإسلامي، وكل هذه الدراسات والمقارنات خلقت لدي اعتقاداً راسخاً أن الإسلام كظاهرة روحية واجتماعية لا يزال أقوى قوة دافعة عرفها البشر رغم كل مظاهر التخلف التي خلفها ابتعاد السلمين عن الإسلام.
Islam At The Crossroads ED.1982-12
(4)
طوال العامين اللذين قضاهما في رحلته الثانية في العالم الإسلامي كان بعقله ومعلوماته يتقدم بسرعة في الطريق إلى الإسلام، لقد وعى ذلك وهو يعدو بجواده فوق جبال إيرانية مغطاة بالثلج الأبيض"بدا العالم كله مبسوطاً أمامي في رحابية لا تنتهي، بدا شفافاً في عيني كما لم يبد من قبل، رأيت نمطه الداخلي الخفي، وأحسست بنبضه الدفين في تلك الأصقاع البيضاء الخالية، واندهشت من خفاء ذلك عليّ منذ دقيقة مضت، وأيقنت أن كل الأسئلة التي تبدو بلا إجابة ماثلة أمامنا في انتظار أن ندركها، بينما نحن – الحمقى المساكين- نطرح الأسئلة وننتظر أن تفتح الأسرار الإلهية نفسها لنا بينما تنتظر تلك الأسرار أن نفتح نحن أنفسنا لها.
مر أكثر من عام بين انطلاقي المجنون على جوادي فوق الجليد والبرد قبل أن اعتنق الإسلام، ولكن حتى في ذلك الوقت قبل إسلامي كنت أنطلق- دون أن أعي ذلك- في خط مستقيم كمسار السهم المنطلق باتجاه مكة المكرمة" [274-275].
"كنت في طريقي من مدينة هراة إلى مدينة كابل... توجهنا إلى قرية ده زانجي، جلسنا في اليوم التالي حول غداء وافـر كالمعتاد [ في بيت الحاكم] بعد الغداء قام رجل من القرية بالترفيه عنا...
غنى على ما أذكر عن معركة داود وجالوت، عن الإيمان عندما يواجه قوة غاشمة ... علق الحاكم في نهاية الأغنية قائلاً: " كان داود صغيراً إلا أن كان إيمانه كان كبيراً" فلم أتمالك نفسي وقلت باندفاع : " وأنتم كثيرون وإيمانكم قليل"، نظر إليّ مضيفي متعجبًا؛ فخجلت مما قلت من دون أن أتمالك نفسي، وبدأت بسرعة في توضيح ما قلت واتخذ تفسيري شكل أسئلة متعاقبة كسيل جارف، قلت:" كيف حدث أنكم معشر المسلمين فقدتم الثقة بأنفسكم تلك الثقة التي مكنتكم من نشر عقيدتكم في أقل من مئة عام حتى المحيط الأطلسي.. وحتى أعماق الصين، والآن تستسلمون بسهولة وضعف إلى أفكار الغرب وعاداته؟ لماذا لا تستجمعون قوتكم وشجاعتكم لاستعادة إيمانكم الفعلي، كيف يصبح أتاتورك ذلك المتنكر التافه الذي ينكر كل قيمة للإسلام، رمزاً لكم في الإحياء والنهوض والإصلاح؟".
ظل مضيفي صامتاً.. كان الثلج قد بدأ في التساقط خارجاً، وشعرت مرة أخرى بموجة من الأسى مختلطة مع تلك السعادة الداخلية التي شعرت بها ونحن نقترب من ده زانجي أحسست بالعظمة التي كانت عليها تلك الأمة، وبالخزي الذي يغلف ورثتها المعاصرين.
أردفت مكملاً أسئلتي " قل لي كيف دفن علماؤكم الإيمان الذي أتي به نبيكم بصفائه ونقائه؟ كيف حدث أن نبلاءكم وكبار ملاك أراضيكم يغرقون في ملذات بينما يغرق أغلب المسلمين في الفقر.. مع أن نبيكم علمكم أنه لا يؤمن أحدكم أن يشبع وجاره جائع؟.
هل يمكن أن تفسر لي كيف دفعتم النساء إلى هامش الحياة مع أن النساء في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم- والصحابة ساهمن في شؤون حياة أزواجهن؟ كان مضيفي مازال يحملق فيّ دون كلمة، وبدأت أعتقد أن انفجاري ربما سبب له ضيقاً، في النهاية جذب الحاكم ثوبه الأصفر الواسع وأحكمه حول جسمه.. ثم همس " ولكن أنت مسلم" ضحكت وأجبته" كلا لست مسلماً ولكني رأيت الجوانب العظيمة في رسالة الإسلام مما يجعلني أشعر بالغضب وأنا أراكم تضيعونه، سامحني إن تحدثت بحدة، أنا لست عدواً على أي حال " إلا أن مضيفي هز رأسه قائلاً : " كلا أنت كما قلت لك مسلم إلا أنك لا تعلم ذلك، لماذا لا تعلن الآن هنا: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وتصبح مسلماً بالفعل بدلاً من أن تكون مسلماً بقلبك فقط " قلت له: " لو قلتها في أي وقت فسأقولها عندما يستقر فكري عليها ويستريح لها " استمر إصرار الحاكم: ولكنك تعرف عن الإسلام أكثر مما يعرفه أي واحد منا، ما الذي لم تعرفه أو تفهمه بعد؟ " قلت له: " الأمر ليس مسألة فهم بل أن أكون مقتنعاً، أن أقتنع أن القرآن الكريم هو كلمة الله، وليس ابتداعاً ذكياً لعقلية بشرية عظيمة" ولم تمح كلمات صديقي الأفغاني من ذهني على مدى شهور طويلة" [375-376].
(5)
بعد شهور من هذه الحادثة كان ينطق بالشهادة أمام رئيس رابطة المسلمين في برلين كان قد رجع إلى أوروبا من رحلته الثانية التي استغرقت عامين من التجوال في العالم الإسلامي فعرف أن اسمه أصبح من الأسماء المعروفة.. وأنه أصبح واحداً من أشهر مراسلي الصحف وسط أوروبا، بعض مقالاته لقيت ما يفوق الاعتراف بأهميتها، وتلقى دعوة لإلقاء سلسلة من المحاضرات في أكاديمية الجغرافيا السياسية في برلين، ولم يحدث كما قيل أن رجلاً في مثل سنه (السادسة والعشرين) قد حقق ذلك التميز، وأعيد نشر مقالاته الأخرى في صحف كثيرة حتى إن واحدة من تلك المقالات نشرت في ثلاثين مطبوعة مختلفة.
ولكن بعد عودته واتصاله من جديد بأصدقاء الفكر والثقافة في برلين، ومناقشته معهم قضية الإسلام، أحس أنه وإياهم لم يعودوا يتحدثون من المنطلقات الفكرية نفسها، شعر بأن من يرون منهم أن الأديان القديمة أصبحت شيئاً من الماضي وهم الأغلبية ومن كانوا لا يرفضون الأديان رفضاً كلياً، كانوا كلهم يميلون بلا سبب إلى تبني المفهوم الغربي الشائع الذي يرى أن الإسلام يهتم بالشؤون الدينية وتنقصه الروحانيات التي يتوقع المرء أن يجدها في أي دين "ما أدهشني بالفعل أن اكتشف أن ذلك الجانب من الإسلام هو ما جذبني إليه من أول لحظة وهو عدم الفصل بين الوجود المادي والوجود الروحي للبشر، وتأكيد السببية العقلية سبيلاً للإيمان، وهو الجانب ذاته الذي يعترض عليه مفكروا أوروبا الذين يتبنون السببية العقلية منهجاً للحياة، ولا يتخلون عن ذلك المنهج العقلاني إلا عندما يرد ذكر الإسلام، لم أجد أي فرق بين الأقلية المهتمة بالأديان والأغلبية التي ترى أن الدين أصبح من المفاهيم البالية التي عفا عليها الزمن، أدركت مع الوقت مكمن الخطأ في منهج كل منهما ، أدركت أن مفاهيم من تربوا في أحضان الأفكار المسيحية في أوروبا ... تبنوا مفهوماً يسود بينهم جميعاً، فمع طول تعود أوروبا نسق التفكير المسيحي تعلّم حتى اللادينيين أن ينظروا إلى أي دين آخر من خلال عدسات مسيحية فيرون أي فكر ديني صالحاً لأن يكون ديناً إذا غلفته مسحة غامضة خارقة للطبيعة تبدو خافية وفوق قدرة العقل البشري على استيعابها، ومن منظورهم لم يف الإسلام بتلك المتطلبات.. كنت أوقن بأني في طريقي إلى الإسلام وجعلني تردد اللحظة الأخيرة أؤجل الخطوة النهائية التي لا مفر منها، كانت فكرة اعتناق الإسلام تمثل لي عبور قنطرة فوق هاوية تفصل بين عالمين مختلفين تماماً قنطرة طويلة حتى إن المرء عليه أن يصل إلى نقطة اللاعودة أولاً قبل أن يتبين الطرف الآخر للقنطرة، كنت أعي أني لو اعتنقت الإسلام لاضطررت إلى خلع نفسي نهائياً من العالم الذي ولدت ونشأت فيه، لم تكن هناك حلول أخرى، فلم يكن ممكناً لامرئ مثلي أن يتبع دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم- ويظل بعدها محتفظاً بروابطه مع مجتمع يتصف بثنائية المفاهيم المتعارضة والمتناقضة، كان سؤالي الأخير الذي كنت متردداً أمامه هو : هل الإسلام رسالة من عند الله أم أنه حصيلة حكمة رجل عظيم؟" [287-289].
ولم يمكث غير بعيد حتى جاءت الإجابة، لقد اتصل من جديد بحياة الغرب مباشرة، ورأى مبلغ التعاسة والشقاء الذي يعانيه الغربيون ولكنهم لا يعونه أو لا يعون سببه، كان في القطار مع زوجته، وشغل نفسه بالتطلع إلى وجوه الناس "بدأت أتطلع حولي إلى الوجوه.. كانت جميعاً وجوهاً تنتمي إلى طبقة تنعم بلبس ومأكل جيدين ولكنها كانت تشي بتعاسة داخلية عميقة ومعاناة واضحة على الملامح تعاسة عميقة حتى إن أصحابها لم يدركوا ذلك.. كنت أوقن بأنهم غير واعين وإلا لما استمروا في إهدار حياتهم على هذا المنوال من دون أي تماسك داخلي ومن دون هدف أسمى من مجرد تحسين معيشتهم ومن دون أمل يزيد على الاستحواذ المادي الذي من الممكن أن يحقق لهم مزيداً من السيطرة" [290].
جاءت الإجابة حين قرأ القرآن فور عودته إلى بيته – وكانت تلك التجربة التي مر بها في القطار لا تزال حية في تفكيره.
"وقفت لحظات مشدوها وأنا أحبس أنفاسي، وأحسست أن يدي ترتجفان، فقد كان القرآن يتضمن الإجابة.. إجابة حاسمة قضت على شكوكي كلها وأطاحت بها بلا رجعة، أيقنت يقيناً تاماً أن القرآن .. من عند الله" [291].
(6)
بعد إسلامه بست سنوات كان يقطع الصحراء الكبرى قادماً من " قصر عثيمين" على الحدود السعودية العراقية وقاصداً مكة، كانت رحلة مليئة بالمفاجأة والمغامرة لقد أشرف فيها على الموت.
وكتب كتابه " الطريق إلى مكة " يقص فيه التفاصيل المثيرة لهذه الرحلة، ويقص معها تفاصيل رحلة أخرى رحلة روحه إلى مكة، رحلتها إلى الإسلام.
بقلم :معالي الشيخ: صالح بن عبدالرحمن الحصين
منقول عن موقع صيد الفوائد

القلب الحزين
15-12-2013, 07:03 PM
قصة إسلام الدكتور المستشار مجدي مرجان



http://quran-m.com/firas/ar_photo/1273760678ca319f92-a3d9-4b1c-9122-e5e81a5e2eaa_top.jpgنشأت كغيري من النصارى في مصر بين عائلة تؤمن بإله ثالوثي أتعصب لنصرانيتي بشدة، وأنظر إلى الإسلام في مصر على انه دخيل وافد، ليست له جذور عميقة في هذا البلد العتيد صاحب الحضارة القديمة الضاربة في أعماق التاريخ، انتظر يوم الخلاص من كل ما هو إسلامي حولها، أو يحمل ما يمت إلى الإسلام بصلة من قريب أو بعيد، فهي لا تنسى ما لنصرا نيتها من طقوس وأناشيد، وتقيم لها الابتهالات والنشاطات، وتبنى لها الكنائس ذات الأبراج و الأجراس.
بدأت طفولتي كغيري من نصارى مصر الذين تربوا وترعرعوا في ارض الكنانة، تدرجت في دراستي، و أرادت لي أسرتي أن أكون قساً من قساوسة مصر الذين يلبسون الثياب السوداء حداداً على ضياعها من النصرانية وانتقالها إلى دولة إسلامية يتربع على أرضها الأزهر الشريف، بمنارته الخالدة التي ساعدت على نشر الإسلام وتأصيل عقيدته وحفظ لغته، لغة القرآن على مر العصور و الأزمان.
التحقت في مدرسة الثالوث شماساً في إحدى الكاتدرائيات لأكون أحد دعاة هذه العقيدة مجاهداً من اجل نشرها وتعليمها للناس. حيث تم إعدادي وتوجيهي فأصبحت داعياً لله ( الثالوث ) مكافحاً لنشر طقوسه وتعاليمه.
أتاحت لي تلك النشأة فرصة كبيرة للدراسة و التنقيب و البحث و الاطلاع على كثير من المعارف الدينية و الأسرار اللاهوتية، كنت تواقاً للبحث و المعرفة، ابذل الكثير من الجهد و الوقت لكي أصل إلى الحقائق الناصعة التي لا غبار عليها ولا غبش فيها، ساعدني على ذلك ميلي الفطري إلى التأمل و التدقيق، والبحث و التحقيق، لم اقتنع في قرارة نفسي بما ورثته من آبائي و أجدادي من هذه العقيدة التي لم ترسخ في عقلي وقلبي يوماً ما، ولكنها ظلت بين مد وجزر، وانحسار وضعف.
لا لا يكفى للإيمان الحقيقي وراثة العقيدة وتقليد الآباء و الأسلاف و العمات و الجدات، فليكن الدين في يوم من الأيام إقرارا قائم، ولا انسياقاً لطقوس متبعة، و إنما كان الدين دوماً دعوه إلى الحق وثورة على الباطل ولو كانت العقيدة إرثاً لما انتقل الناس من باطل إلى حق، ومن عبادة الأصنام و الأوثان إلى عبادة الخالق، ولبقى العالم اليوم كما كان منذ آلاف السنين يسبح في الأباطيل والأوهام.
ظللت ابحث عن الحقيقة واطلبها، واقرأ كثيراً، و أتأمل أكثر و أكثر، أناقش وأفند وأقيم حواراً مع نفسي ومع كل من حولي من النصارى لعلى أجد الجواب لكل ما يدور بداخلي. لقد قمت بنفسي بمناقشة كثير من الإخوة المسيحيين فى مدى فهمهم وتقبلهم لهذه العقيدة تارة حين كنت محسوباً في الجماعة المسيحية وتارة بعد انسلاخي عنها.
لقد أرهقني البحث عن الحقيقة و اسهرنى السعي من اجلها أريد الوصول إلى بر الآمان. لقد آخذت سفينة النجاة وأبحرت بها ومعي من الكتب و المراجع كل ما أتمناه وبدأت بالحضارات العريقة وكان البحث مع أقدمها على الإطلاق وهى الحضارة المصرية الفرعونية القديمة، فهي من أقوى الحضارات و أقدمها على مر التاريخ، فهل عرفت هذه الحضارة التثليث أم الوحدانية وهل وقفت على حقيقتها ؟
1 – بدأت بالعصر ( الحجري الحديث ) ( 6000 – 5000 ق. م ) من أهم النصوص الدينية التي ترجع إلى هذا العصر السحيق. تلك النصوص المعروفة باسم ( متون الأهرام ). و أما عن عقيدة ( التوحيد ) الواردة في هذه النصوص السحيقة القديمة. يذكر المؤرخ / أنطوان ذكري فقرات مما ورد في " متون الأهرام "هذه... مثل ( إن الخالق لا يمكن معرفة اسمه أي ( الاسم الأعظم ) لأنه فوق مدارك العقول ) لان الموضوع سوف يطول فسوف أحاول الاختصار.
2 – انتقل إلى عصر الآسرة ال ( 3 ) ( 2780 – 2680 ق. م ) نجد الحكيم ( كاجمنى ) وكان وزيراً لأحد ملوك هذه الأسرة يقول في أحد حكمه: إسُلك طريق الاستقامة... لئلا ينزل عليك غضب " الله ".
3 – انتقل إلى عصر الأسرة ال ( 5 ) ( 2560 – 2420 ق. م ) نجد فى هذه الفترة الحكيم ( بتاح حوتب ) كان وزيراً لأحد ملوك هذه الأسرة. وقد كتب مجموعة من المواعظ و النصائح لابنه. ومن ضمن هذه النصائح نصيحة يقول فيها: بيد ( الإله ) مصير كل حي... ولا يجادل في هذا إلا جاهل... سوف يرتضى ( الله ) عملك إذا كنت متواضعاً... وعاشرت الحكماء ليكن للناس نصيب مما تملك – ( صدقة وزكاة ) – فهذا واجب على من يكون صفياً ( لله ).
4 – بعد ذلك رحلت بالسفينة إلى عصر الأسرة ال ( 6 ) ( 2420 – 2280 ق. م ) لأجد الحكيم الحاكم " اليفنتين " المسمى ( حر خوف ) يقول ارغب أن يكون اسمي قد بلغ الكمال فى حضرة ( الإله ) العظيم. كل هذا الكلام يدل على ماذا؟ أليس يدل على التوحيد الخالص.
5 – انتقلت إلى عصر الأسرة ال ( 8 ) ( 2280 – 2242 ق. م ) عاش الحكيم ( آني ) في قصر أحد ملوك هذه الأسرة وقد كتب مجموعة من النصائح و المواعظ منها على سبيل المثال:- اخلص ل ( الله ) في أعمالك... لتتقرب إليه وتبرهن على صدق عبوديتك... حتى تنالك رحمته وتلحظه عنايته... وكل الأقوال تأتى بصيغة " المفرد "
http://quran-m.com/firas/ar_photo/1273762815353565.jpg
غلاف كتاب الله واحد أم ثلاثة يمكن التحميل من هنا (http://www.al-maktabeh.com/ar/open.php?cat=&book=28)

أي انه كان من ( الموحدين ) ويتكلم على التوحيد الخالص.
6 – انتقل إلى عصر الأسرة ال ( 10 ) ( 2133 – 2052 ق. م ) نجد الحكيم ( اختوى ) ترك لنا أحد البرديات من ملوك هذه الأسرة تحتوى على مواعظ ونصائح إلى ابنه / مرى كارع يقول فيها ( والإله ) يعرف الشقي وينتقم منه بأشد العقاب. و ( الإله ) يقول أنا المنتقم. وسأعاقب كُلاً بذنبه وعلى الإنسان أن يعمل ما يريد على إلا ينسى الحساب الأخير ونجد الكثير و الكثير من الحكماء و المواعظ التي تتكلم على التوحيد الخالص.
7 – انتقل إلى عصر الملك ( أمنحتب الثالث ) ( 1397 – 1360 ق. م ) وهو والد إخناتون وله لوحة مكتوب عليها. أيها الخالق الذي لم يخلقك أحد " الواحد "... المنقطع القرين فى صفاتك و الراعي ذو القوة و البأس. والصانع الخالد في أثاره التي لا يحيط بها حصر.
8 – انتقل إلى عصر الأسرة ال ( 18 ) ( 1570 – 1304 ق. م ) في هذا الوقت ظهر إخناتون ( 1370 – 1304 ق. م ) وبالطبع المؤرخون يجمعون على أن " إخناتون "... كان من كبار الموحدين. من صلوات " إخناتون " تعرف صفات " الله " الذي دعا إلى عبادته دون سواه... فإذا هي أعلى الصفات التى ارتقى إليها فهم البشرية قديماً فى إدراك كمال ( الإله ) فهو: الحي.. المبدئ للحياة.. الملك الذي لا شريك له في الملك.. خالق الجنين وخالق النطفة التى ينمو منها الجنين.. نافث الأنفاس الحية فى كل مخلوق.. بعيد بكماله قريب بآلائه.. تسبح باسمه الخلائق على الأرض والطير في الهواء. أليس هذا توحيداً خالصاً أين التثليث ؟ أين الإقانيم ؟
9 – رحلت بسفينة النجاة وتوجهت إلى عصر الأسرة ال ( 20 ) ( 1200 – 1090 ق. م ) أثناء البحث وجدت شئ لا يخطر على بال فى هذه الفترة ظهر حكيم ( أمين موبي ) في الصعيد ويطلق عليه الصعيدي الإخميمي وهذا الحكيم سبق الحكيم لقمان..بسنوات قليلة.. كتب هذا الحكيم ( الموحد ) الورع مجموعة من المواعظ والأمثال.. بعنوان ( تعاليم من الحياة ) ( سبايت ) يقول ( أمين موبي ) ( الكمال لله ) وحده والعجز من صفة الإنسان.. سبح ( الله )... واعصي الشيطان.
لا تظهر أمام الناس غير ما تبطن. واجعل ظاهرك كباطنك. فإن ( الله ) يبغض الكذوب المخادع. وأثناء مشاهدتي علي كتاب " أمين موبي"( سبايت ) ويعني ( تعاليم...حكم) كما يعني ( أمثال ). وجدت أنه تمت ترجمته إلي اللغة " العبرية " في عصر النبي " سليمان " حيث عرف باسم " سفر الأمثال " ثم مع تقادم العهود.. نسبة اليهود إلي نبيهم وشاع بين الجميع أن مؤلف " سفر الأمثال " هو " سليمان " الحكيم بينما مؤلفة الحقيقي.. هو ( أمين موبي ) الحكيم. ولقد تنبه العالم إلي هذا الخطأ الذي انتشر واشتهر علي مدي قرون طويلة وذلك عندما تم اكتشاف " البردية " التي تحوي ( أمثال أمين موبي ).. حيث وجد أن " سفر الأمثال " المنسوب إلي " سليمان " والذي اعتبر جزء من " العهد القديم " المقدس لدينا يهود ومسيحيين.. ما هو إلا ترجمة حرفية.. لكتاب ذلك الحكيم المصري الإخميمي ( أمين موبي ) وجدت العالم الألماني " ارمان " أول من نبه في سنه 1924 م إلى الشبه الذي بين حكم وأمثال " أمين موبي " وبين ( سفرالأمثال ". كانت كلمات " ارمان " بمثابة قنبلة ووجدت بالفعل أن كثير من علماء الآثار وعلماء الكتاب المقدس أكدوا فى العالم هذه الحقيقة ومن علماء الآثار " جريفث " و " لانج " و" جاردنر " و " كيمر " و " سمسون " و " مالون " و " هوميرت " و العالم الأمريكي " بريستد "... الذي يعتبر أيضاً حجة في الدراسات " العبرية " واللغة العبرية.. وقد نشر بحوثه وآراءه في كتابه " فجر الضمير " عام 1933 م.
و حتى في ( قاموس الكتاب المقدس ) ص 903 الذي يعتبر مرجعاً رئيسياً في العقيدة المسيحية.. نجد هذا الاعتراف بوجود ( المشابهة ).. حيث يذكر – وبرغم كل التحفظات – ما يأتي ( ويري بعض العلماء ( تشابهاً ) بين أمثال( أمين موبي ).. وبين الكلمات الواردة في " سفر الأمثال " وفي صفحة 836 يحدد النصوص المتشابه والمتطابقة تماماً. ويحسم العالم الكبير / بريستد هذه القضية بقوله ( جميع العلماء بكتاب " العهد القديم " الذين يعتد بآرائهم وأبحاثهم فيه.. يجزمون الآن بأن محتويات ( سفر الأمثال ) قد أخذت بالنص من حكم الحكيم المصري القديم ( أمين موبي ).. أي أن النسخة العبرانية.. هي ترجمه حرفية عن الأصل الهيروغليفي العتيق. أي أن ما يقرأه جميع اليهود والمسيحيين في العالم الآن.. وعلي مدي عهود طويلة سابقه أيضاً.. علي انه جزء من كتاب ( العهد القديم ) المقدس.. ما هو إلا كلمات أحد حكماء ( قدماء المصريين ).. المؤمنين الموحدين..
10-انتقل إلى عصر الأسرة ال(21) الحكيم المصري ( لقمان ) المصري الجنسية والمولد الموحد الذي كانت كل حكمة تنطق بالتوحيد هذا الحكيم الخالص وقد انتشر تأثير الحكمة حتى عرفه الإغريق ( اليونان ) ALCMAN كما أن هنالك من حكماء " اليونان " من حضروا إلي " مصر " ليتعلموا من حكمته.. ومنهم " ابند قليس ".. لم يذكر في العهد القديم ولكن ذكر في القرآن بالحكمة والعظة لابنه " وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ " سورة لقمان /12 هذا هو أحد حكماء ( قدماء المصريين ) الذين عاشروا في ذلك العصر والذي كان بنص القرآن.. مضرب المثل في التوحيد (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: يَا بُنَيَّ.. (لَا تُشْرِكْ) بالله إِنَّ (الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لقمان /13 11-انتقل إلى عصر الأسرة ( الثلاثين ) آخر الأسرات الفرعونية ظهر الحكيم ( بتوزيريس ) واحد من أعظم الحكماء الموحدين.. وهو الحكيم الصعيدي الذي سجل كتاباته حوالي ( 350 ق.م ) يقول في أحد حكمه ( أيها الأحياء.. لو وعيتم ما أقول واتبعتموه.. فسوف تفيدون منه خيراً.. إن سبيل من يخلص نفسه ل(الله) فيه صلاح وطوبى لمن يهديه قلبه إليه. ولسوف أنبئكم بما وقع لي.. أجعلكم تدركون الحكمة مما يريد ( الله ).
وسأعمل علي إدخالكم في جمال الروحانيات الربانية وإذا كنت قد بلغت هنا مدينة الخلد. فقد كان السبيل إلي ذلك أني عملت صالحاً في الدنيا.. وأن قلبي قد هوي إلي سبيل ( الله منذ طفولتي حتى اليوم. وكان توفيق ( الله ) يلازم نفسي طوال الليل.. كما كنت أعمل طبق أمره من الفجر.ولقد مارست العدل وكرهت الظلم ولم أعاشر من ضلوا سبيل الله ولقد فعلت هذا كله.. لأنني كنت واثقاً من أنني سوف أصير إلي ( الله ) بعد مماتي. ولأني آمنت بمجيء يوم قضاء العدل.. وهو يوم الفصل حيث يكون الحساب أيها الأحباء.. لسوف أجعلكم تعرفون ما يحب ( الله ) ويريد ولسوف أهديكم سبيل الحياة الحق.. وهي السبيل الصالحة لمن أطاع ( الله ). طوبى لمن يهديه قلبه إليها. إن من اطمأن قلبه إلي سبيل ( الله ).. اطمأن مكانه في الأرض ألا ما أسعد من ملأت خشية ( الله قلبه في الدنيا.. ونجد في وصايا الحكيم " بتوزيريس " صورة دقيقة لهذا ( أي الإيمان بأن هنا لك " رب واحد " أعظم.. ففي هذا " النص " نجد ( الإله ) يذكر " مفرداً " ولا ينعت بغير ( الإله )... وهو عندهم الخالق الأول... بيده الخير... وبأمره يتم كل شئ... هذه رحلتي عبر القدماء المصريين من عصر الأسرة الأولى إلى الأسرة الثلاثين حتى فتره الاحتلال لمصر من الهكسوس امتلأت بالأنبياء كموسى ويوسف الذين كانوا ينادون بالتوحيد حيث الشرك كان وافد مع الهكسوس. ما أروع رحلتي ازددت حباً وتعلق بالقراءة ومعرفة كل شيء أخذت سفينتي وأبحرت إلي الحضارة اليونانية القديمة ولنتعرف علي آراء فلاسفتها الكبار وما هو موقفهم في الوحدانية؟
فإذا الجواب يأتي علي لسان فلاسفتها الكبار يأتي ساطعاً فهذا " سقراط " شيخ الحكماء يقول لتلاميذه " يجب أن تعرفوا أن إلهكم واحد وهذا أفلاطون الذي أعلن علي الجميع أن " الله واحد لا شريك له " ويأتي بعده أرسطو فيقرر هذه الوحدانية بقوله " مما يدل علي وحدانية الله انتظام العالم وتناسق حركاته " وهذا الفيلسوف اليوناني مليسوس يقول إن " اللا متناهي واحد فقط إذا يمتنع أن يكون هناك شيء خارج اللا متناهي ".. إلي آخر هذه الكوكبة التي أثبتت شهاداتها علي مر العصور للحق والتاريخ والتي نطقت بها الفطرة من أعماقها تأكد وحدانية الخالق العظيم. فإذا كان هذا هو موقف الفلاسفة فرسان الحكمة والمنطق وأصحاب الرأي والفكر، والاستقراء والاستدلال.. زدت فرحاً وأحسست أنني اقتربت من الحق اقتربت من الطريق الصحيح وكعادتي آخذت سفينتي ابحث عن علماء الطبيعة والكون أصحاب الحقائق والنظريات ماذا قالوا وماذا توصلوا من براهين وإثباتات ونتائج وتجارب وملاحظات ومشاهدات ومطالعات. فرحلت بسفينتي ابحث عنهم وماذا قالوا. فها هو العالم الإنجليزي هرشل يقول " كلما اتسع نطاق العلم كلما زادت البراهين. الدامغة علي وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية.
فالجيولوجيين والرياضيين والفلكيين والطبيعيين قد تعاونوا علي تشيد صرح العلم وهو صرح عظمة الله وحده ". وها هو العالم الفلكي الشهير إسحاق نيوتن يقول " في الحال الواضح أنه لا يوجد أي سبب طبيعي يمكن أن يعزي إليه توجيه جميع الكواكب وتوابعها للدوران في وجهة واحدة، وعلى مستوى واحد بدون حدوث أي تغيير يذكر فالنظر لهذا الترتيب يدل على وجود حكمة سيطرت عليه ثم قال: غير هذا ففي تكون الإجرام السماوية كيف استطاعت الذرات المبعثرة أن تنقسم إلى قسمين القسم المضيء منها انحاز إلى جهة لتكوين الإجرام المضيئة بذاتها كالشمس و النجوم، والقسم المعتم تجمع في جهة أخرى لتكوين الإجرام المعتمة كالكواكب وتوابعها كل هذا يعقل حصوله إلا بفعل عقل لا حد له إلى أن قال " وهذه الكائنات كلها فى قيامها على أبدع الأشكال وأكملها آلا تدل على وجود إله منزه عن الجسمانية حي حكيم " وبذلك استطاعت جميع البحوث العلمية فى وصف إله منزه عن الجسمانية.
فإذا كان هذا موقف العقلاء و الفلاسفة والعلماء، فما هو موقف الأنبياء الذين أرسلهم الله لهداية البشر و إرشادهم. فأخذت سفينتي وأبحرت فى العهد القديم لأبحث هل العهد القديم عرف التثليث ؟
1. يقول موسى عليه السلام " الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من اسفل، وليس سواه " ( تثنيه ص 4 / 39 ) ويقول موسى أيضا في سفر الخروج " انه ليس مثل الرب إلهنا " ( الخروج 8 / 10 ) ولقد كانت أولى الوصايا العشر التى أنزلها الله على نبيه موسى وشعبه قوله سبحانه " أنا الرب ألهك، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي ( الخروج ص 20 / 3 ).
2. وداود عليه السلام، يخاطب الله قائلاً " يا الله من مثلك " ( مزمور 71 / 19 ) ويستطرد داود فى المزمور التسعين مناجياً ربه بقوله " من قبل أن توجد الجبال أو أ بدأت الأرض و المسكونة، منذ الأزل إلى الأبد أنت الله " ( مزمور 90 / 2 ) ثم يخاطب داود إلهه بقوله " لأنك عظيم أنت وصانع عجائب.أنت الله وحدك " ( مزمور 86 / 10 ). ويدعو داود الشعب إلى تعظيم الله الواحد قائلاً " ليسبحوا اسم الرب لأنه قد تعالى اسمه وحده مجده فوق الأرض و السماوات " ( مزمور 148 / 13 ) ثم يخاطب داود أخيرا أصحاب التعدد و التشبيه فى تعجب قائلاً " من هو إله غير الرب ومن هو صخره سوى إلهنا "(مزمور18/13).
3. ونحميا النبي يخاطب الله الواحد بقوله " أنت هو الرب وحدك " ( نحميا 9 / 6 ).
4. ويقول ملاخى النبي " أليس إله واحد خلقنا " ( ملاخى 2 / 10 ) ويتحدث الله فى التوراة عن نفسه مبيناً للناس وحدانيته سبحانه وتعالى ويقول عز وجل " قبلي لم يصور إله وبعدى لا يكون، أنا الرب وليس غيري مخلص " ( اشعياء 43 / 11 ).
ويقول تبارك وتعالى " أنا الأول و أنا الآخر ولا إله غيري " (اشعياء44/6 )ويقول سبحانه "أنا أنا هو، وليس إله معي " ( تثنيه 32 / 39 ) ويقول الله أيضا " أنا الرب، لا أتغير " ( ملاخى 3 / 6 ) يتحدث النبي اشعياء فى استغراب وتعجب إلى أصحاب التشبه والتعدد بقوله " فبمن تشبهون الله وأي شبه تعادلون به " ( اشعياء 40 / 18 ). ثم يورد اشعياء قول الله معاتباً المجسدين والمشبهين فيقول " بمن تشبهونني وتسوونني وتمثلونني لنتشابه " ( اشعياء 46 / 5 ) حقاً... بمن تشبهون الله، وبمن تساوونه، وبمن تمثلونه ؟ أتشبهونه بأحد مخلوقاته الضعيفة.. أم تساوونه بشيء من الوجود. هذا هو التوراة دستور اليهودية و أساس المسيحية، الكتاب الذي يقدسه اليهود ويؤمن به المسيحيون إذا نقبنا فيه لم نجد كاهنا يتحدث عن الثالوث ولا نبياً يهمس بالتعدد و لا التركيب، ولا شبيه ولا مثيل قال بهذا كافة الأنبياء فى التوراة وكافة أحبار اليهود. ثم رحلت بسفينتي إلى العهد الجديد لنشاهد الشواهد هل من تثليث أم نادت بالتوحيد ؟ هناك عبارات حفظنها دائماً نستدل بها على الثالوث أو لاهوت المسيح ابتدأت أتأملها بعمق و البعد عن حفظ النصوص وأن أكون مردداً لها بلا تفهم معناها. أولا: فى إنجيل متى الرسول " هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو أسمه عما نوئيل الذي تفسيره الله معنا " ( متى 1 / 23 ) وهى مأخوذة من نبوة اشعياء النبي " السيد نفسه يعطيكم آيه العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عما نوئيل " ( اشعياء 7 / 14 ) كنت دائماً أقول هذا الاقتباس للتدليل على آلوهيه المسيح. ولكن الإنسان الباحث غير الإنسان الملقن أثناء البحث وجدت التالى. أولاً: هذه المعجزة كانت فى عهد الملك آحاز علامة له على هزيمة أعدائه وقد تمت فى عهده ثانياً: ليس فى نص اشعياء كلمه " الله معنا " تفسير متى عما نوئيل بأنه هو الله معنا، هو تفسير له وحده أداه إليه اجتهاده. ثالثاً: ليس كلام السيد المسيح. رابعاً: السيد المسيح لم يسمى عما نوئيل وحتى إذا أردنا أن ننسب عما نوئيل إلى السيد المسيح ( الله معنا ) بإنه الله فإسماعيل ابن إبراهيم معنى اسمه (الله يسمع ) لكننا لا نقول إسماعيل الله. خامساً: يقول القديس يوحنا " الله لم يره أحد " ( يوحنا ص 1 / 18 ) ويقول القديس بولس فى رسالته الأولى إلى تيموثاوس أن " الله لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه " ( تيموثاوس 1 ص 6 / 16 ) وفى رسالة يوحنا الأولى يقرر أن " الله لم ينظر أحد " (يوحنا ص4/12) نصوص الإنجيل تدل على أن الله لا يراه أحد و المسيح مرئي فلا يكون إلها. بهذا الشكل تفهمنا هذه العبارة على معناها الحقيقي وليس لها أي علاقة بلاهوت المسيح.
ثانياً: النص الثاني الذي كنا نستدل به على لاهوت المسيح و التثليث. ( في إنجيل متى الإصحاح 28 – 19 ) ( اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب و الابن والروح القدس ) وكنت دائماً أقول أن يوحنا الرسول يوضح هذه العقيدة في رسالته الأولى قائلاً " فان الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الأب و الكلمة و الروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد " ( الرسالة الأولى ليوحنا الإصحاح الخامس الفقرة 7 ) وفى بشارة الملاك جبرائيل للعذراء مريم يقول " الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظلك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله " ( إنجيل لوقا الإصحاح الأول الفقرة 35 ) وكنت دائماً بعد قولي هذا أقول أن هذه النصوص تقرر الآتي: 1 - أن الله واحد فى ثلاثة اقانيم متساوية في الجوهر والمجد والكرامة والقدرة
2 - يدل على الوحدانية قول المسيح فى لفظه باسم وليس بأسماء.
3 - أن الأب هو الله – والابن هو الله – والروح القدس هو الله. هذا ما حفظناه وعلمناه لكن ما ورد فى إنجيل متى من أركان التعميد تعتبر من الأركان الخمسة ولم يذكر فى الأناجيل غير متى فقط لكن لما تأملت إنجيل متى هذا النص ورد بعد واقعة الصلب وظهور السيد المسيح ووصى تلاميذه بذلك نعلم أن التعميد من المهمات الدينية فلماذا لم يبلغهم المسيح قبل الصلب ؟ عندما كان يعظهم فى الهيكل هذه الفقرة لفتت نظري وشئ آخر إن الوصية كانت للتلاميذ بحضور يوحنا فلماذا لم يذكرها فى إنجيله ؟
وهى من اعظم أركان دينه و بالعودة للأناجيل لوقا و مرقص و يوحنا أن نص الوصية ( بان يعمدوا بروح القدس فقط ) بدون ذكر الأب و الابن بل فى إنجيل متى نفسه قبل أن يأتي بالعبارة السابقة التى كنت أثبت بها التثليث قال ( سيعمدكم بروح القدس ) فقط وأيضا هذا الكلام يناقض ما حفظناه في ( إنجيل متي الإصحاح 10 الآية 5-6 ) وأيضاً ما وصاهم المسيح به قبل رحيله حيث قال لهم " إلي طريق أمم لا تمضوا، وإلي مدينة للسامريين لا تدخلوا بل أذهبوا بالحري إلي خراف بيت إسرائيل الضالة "، كما أن وجدت من علماء الكتاب المقدس من أنكر النص " أدولف ههرنك " قال " أن إحالة النص المذكور مشكوك فيها، واعتبروا زائفاً متعللاً بعده أسباب.


يتبـــــــــــــــع

القلب الحزين
15-12-2013, 07:05 PM
يتبـــع الموضوع السابق


قصة إسلام الدكتور المستشار مجدي مرجان


أولاً: أنه " لم يرد إلا في الأطوار المتأخرة من التعاليم المسيحية ما يتكلم عن المسيح وهو يلقي مواعظ، ويعطي تعليمات بعد أن أقيم من الأموات وأن بولس لا يعلم شيئا عن هذا "
ثانياً: أن " صيغة التثليث هذه ( التي تتكلم عن الأب، والابن والروح القدس ) غريب ذكرها علي لسان المسيح، ولم يكن لها نفوذ في عصر الرسل، وهو الشيء الذي كانت تبقي جديرة لو أنها صدرت عن المسيح شخصياً "
ثالثاً: أن التثليث اعتمد عام 381 ميلادياً بمجمع القسطنطينية حضرة 150 أسقف وقرروا فيه صيغة التثليث وأن الله واحد في ثلاثة اقانيم هي الأب و الابن والروح القدس أي أن التثليث ما عرف وما كان موجود من قبل ولا أحد من التلاميذ واتباعهم قالوا به. بالنسبة لما ورد فى رسالة يوحنا الأولى: ( فإن الذي يشهدون في السماء هم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد ) كانت تعطى أساسا لعقيدة التثليث لكن فقرة التثليث هذه بدأت تختفي من اغلب التراجم الحديثة لأنها لم توجد في اقدم النصوص اليونانية المعول عليها، و إنما وجدت أولا فى نص لاتيني لاحق، ثم انتقلت منه بعد ذلك إلى اللغات الأخرى، فهي من عمل كاتب مجهول أقحمها في المتن إقحاما. يقول بروس مترجم أستاذ لغة العهد الجديد وآدابه " جامعة اكسفورد " لا تظهر هذه الفقرة في مخطوطات الترجمة اللاتينية المعتمدة للكتاب المقدس، قبل حوالي 800 عام ميلادية وعلى أي حال وجدت كثير من علماء الكتاب المقدس يقرون بأنها عبارة مدسوسة، تسألت في نفسي من المسئول عن مصائر الملايين من المسيحيين الذين ماتوا وهم يعتقدون أن عقيدة التثليث التي تعلموها تقوم على نص صريح بالكتاب المقدس بينما هي نص دخيل أقحمته يد كاتب مجهولة. جلست مع نفسي وأنا جالس فى سفينة النجاة تسألت عن الثالوث و أعلل مع نفسي.
1- لا أحد من الأنبياء قبل وبعد المسيح أوصوا بالثالوث كل الأنبياء أوصوا الناس بعباده الله الواحد الأحد، المسيح نفسه ما ذكر ثالوث انه اختراع وتلفيق من قبل القساوسة والكهنة.
2- التوراة، التي نثق بها لا يوجد بها أي إشارة إلي الثالوث الله واحد في التوراة كيف اصبح الله ثلاثة في واحد ؟ أن رب موسى هو رب المسيح كيف يصبح إله موسى واحد وإله المسيح ثلاثة في واحد ؟
3- الثالوث نفسه لا يمكن أن يفهم أو يتخيل كيف يكون الله مكون من ثلاثة آلهة؟
4- أن الثالوث المسيحي عبارة عن أرجوحة بين التوحيد والإشراك بالله يقولون الله الواحد ( لكن في ثلاثة ) أو ثلاثة ( لكن في واحد) كما لو أننا لا يمكن أن نقرر هل الله واحد أم ثلاثة وجعلها مساومة والنتيجة " ثلاثة من واحد " لكن اللغز مازال باقياً فكيف الواحد يمكن أن يكون ثلاثة وكيف الثلاثة يمكن أن يكونوا واحد ؟.
5- المسيح كان مولود ومخلوق من قبل الله فكيف يمكن لمخلوق يوحد الخالق أن يشكل جزء من الثالوث.
6 - المسيح ولد فكيف كان الثالوث قبل ولادته ؟ هل كانوا اثنين وماذا قبل وجود الروح القدس ؟.
7- الروح القدس قد خلق من قبل الله وقبل ذلك ما كان موجود وإذا الثالوث سيكون مستحيل فكيف يمكن أن يكون الثالوث موجود قبل خلق المسيح والروح القدس ؟
8- المسيح كان علي الأرض والله في السماء والروح القدس مثل حمامة ( فلما تعمد يسوع صعد من الماء في الحال، وإذا السماوات قد انفتحت له ورأي روح الله هابطا ونازلاً علية كأنه حمامة –وإذا صوت من السماوات يقول هذا هو أبني الحبيب الذي به سررت كل السرور " ( متي 3/16-17 ) كل من الثلاثة كان شخص مستقل منفصل كل عن الأخر هل يمكن أن يكونوا واحداً ؟ وهم مختلفين في الطبيعة كل واحد علي حده. فكيف يكونوا واحداً
9- طبقاً للإنجيـل مات المسيح بعد صلبه ماذا حدث إلي الثالوث في نفس الوقت المسيح كان ميت هل أصبح الله خلال موته ثلثين؟ هل كان الله يدير الكون بالثلثين ؟
10- المسيح قال " أما ذلك اليوم وتلك الساعة، فلا يعرفها أحد، ولا ملائكة السماوات ولا الابن، إلا ألآب وحدة " ( متي 24-36 ) إذا كان المسيح والروح القدس أدني معرفة من ألآب إذا المسيح والروح القدس ليس مساوياً للأب ولذلك لا يمكن أن يكون متأهلين للاندماج في ثالوث فهم منفصلون عن بعضهم ليس واحد في ثلاثة ولا ثلاثة في واحد.
11- إذا كان المسيح جاء من الأب فهو ملحق له وليس مساوياً له وهكذا لا يمكن أن يكون الله المساوي ولذلك ينهار الثالوث.
12- إذا الروح القدس جاء من الأب كالمسيح وكليهما أدني من الله وهكذا لا يمكن أن يكونا إلهين يتساويا مع الله.
13- كان المسيح يصلي لله ويشكر الله ويسأله بمساعدته هذا برهان على أن المسيح هو مخلوق وهو لا يمكن أن يكون شريك الله أو مساوي له.
14- المسيح قال " أولي الوصايا جميعاً هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد. فأحب الرب إلهك بكل قلبك وبكل نفسك وبكل فكرك وبكل قوتك هذه هي الوصية الأولي " ( مرقص 11 ( 29-30 ) المسيح قال بنفسه الله واحد هو ما قال واحد في ثلاثة أو ثلاثة في واحد.
15- الروح القدس جبريل وجد قبل المسيح وعلي الرغم من هذا العهد القديم ما قال بأن الروح القدس هو الله. لماذا ؟ وكيف أصبح الروح القدس بعد ولادة المسيح هو الله ؟ الروح القدس ملاك لكن فجأة الكنيسة رقته إلي رتبه إله.
16- إذا كان الله ثلاثة في واحد ماذا يحدث إذا الثلاثة أقانيم اختلفوا ؟ لقد كان المسيح حريصاً علي أنه لا يصلب هل تم التصويت ؟ هل أصواتهم ستكون متساوية ؟ ماذا إذا أصر أحد الأقانيم علي رأيه ؟ كل هذه التساؤلات تدل علي أن مسألة التثليث ما كانت معروفة للمسيح نفسه وما أحد من الرسل قال بها.
نص أخر كنت دائماً أقوله في المواعظ " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " ( إنجيل يوحنا 1:1 ) كنت أستدل علي لاهوت المسيح أيضاً بها ولكي نفهم هذا النص نعود للنص الأصلي باللغة اليونانية kai ho logos en pros tontheon kai theos en ho logos نلاحظ أن كلمة الله في اليونانية استخدمت كلمتان مرة ( تونثيوس ) ومرة استخدمت ( هوثيوس ) فكلمة هوثيوس الله أو إله و هذه الكلمة للأسف الشديد استخدمت للشيطان في 2 كورنثوس 4:4 ( الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمي أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله ) استخدم لفظ " هوثيوس " ( في سفر الخروج ( 7:1) فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلها لفرعون وهارون أخوك يكون نبيك ). وأيضا في ( سفر الخروج 4:16 ) وهو يكلم الشعب عنك وهو يكون لك فما وأنت تكون له إلها ) هل معني ذلك أن موسى أصبح الله بالطبع لا. شيء أخر المسيح لم يقل هو بنفسه مقدمة إنجيل يوحنا ولكن كما ذكر كثيراً من المؤرخين هذه العبارة من قول فيلو الإسكندرانى الذي كان موجود قبل يوحنا وكتاباته المشهورة والتي كانت تخرج من مكتبه الإسكندرية ( 20 ق. م – 50ب. م ) قبل ظهور إنجيل يوحنا عام 98 ب. م.
الشيء الآخر إساءة ترجمة النص لأنه لو قلنا " في البدء كان الكلمة و الكلمة كان عند الله " ( تجعل فرق بين الكلمة و الله ) ونجعلهم كيانان ومعنى ذلك الهان. الشيء الآخر وهو أن هل كتب وتكلم يوحنا اليونانية ؟بالطبع لا ولكن عند الترجمة يتم ترجمة سيئة أحياً ولذلك هناك ترجمات لهذه العبارة بصورة التالية " في البداية الكلمة وجدت والكلمة كانت مع الله والكلمة كانت قديسة ". الخلاصة أن هذا النص لم يقله المسيح ولم يدعوا له المسيح ولم يقل أنا الله فيعبدوني أو أنا ثالث ثلاثة، يقول القديس بولس في رسالته الأولي إلي صديقة تيموثاوس " لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يوسع المسيح " (تيموثاوس 2/5 ) أما يعقوب الحواري فيقول ( أنت تأمن أن الله واحد حسناً تفعل ) ( يعقوب 2/19 ).
ويورد الإصحاح الخامس في إنجيل يوحنا قول السيد المسيح عليه السلام معنفا قومه اليهود علي عدم إيمانهم بالله الواحد بقوله " كيف تقدرون أن تؤمنوا وانتم تقبلون مجدا بعضكم من بعض والمجد الذي من الآلة الواحد لستم تطلبونه " ( يوحنا 5/44 ) فالسيد المسيح هنا يعنف بني إسرائيل علي زيفهم وضلالهم وعدم اعتمادهم علي الله الواحد، معتمدين علي المخلوقات الثانية. يحدثنا القديس مرقص في إنجيله أنه بينما كان السيد المسيح جالساً مع تلاميذه وحواريه يشرح لهم تعاليم الله أتاه أحد الناس يسأله " أي وصيه هي أول الكل.. فأجاب يسوع: إن أول الكل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد. وتحب الرب إلهك من كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك هذه هي الوصية الأولي " ويستحسن الرجل قول السيد المسيح، ويتيقن بذلك من صدق نبوته فيرد عليه قائلاً " جيداً يا معلم بالحق قلت لأنه الله واحد وليس آخر سواه.. " لإنجيل مرقص 12/29-30) ونفس الحادثة يوردها إنجيلي متى ولوقا وفيها يقرر السيد المسيح أن أول كل الوصايا ولباب الدين وأساسه، هي توحيد الله وحبه وعبادته سبحانه بكل قوانا وقدراتنا، ومن كل فكرنا وعمق قلوبنا. وحين يسمع السائل ذلك يطمئن إلى صدق السيد المسيح، ويؤمن بحقيقة رسالته ويتأكد انه نبي مرسل من قبل الله الواحد الذي يدعو إليه كافة الأنبياء وتخضع له كافة المخلوقات.
ويحدثنا القديس متى فى إنجيله انه بينما كان السيد المسيح يسير في الطريق " وإذا واحد تقدم وقال له أيها المعلم الصالح، أي صلاح اعمل لتكون لي الحياة الأبدية، فقال له: لماذا تدعوني صالحاً ليس أحد صالح إلا واحد وهو الله، ولكن إذا أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا.. " وهذه الحادثة مذكورة أيضاً في الإصحاح العاشر من إنجيل مرقص، وفيها نري أحد الأشخاص يسأل السيد المسيح طالباً منه أن يرشده إلي الأعمال الخيرة التي تؤدي به إلي دخول الجنة وقبل أن يبدأ الرجل سؤاله فإنه يخاطب السيد المسيح في إجلال وتقدير " أيها المعلم الصالح " ولكن السيد المسيح الإنسان بدلاً من أن يسر بهذه التسمية، وبنعمة بوصف الصلاح فإنه يثور ويغضب رافضاً بشدة أن ينسب إليه الصلاح أو أن تخلع عليه صفة من صفات الله، فالسيد المسيح بشر خاضع لقانون الصواب والخطأ، لا يمكن أن يكون دوماً صالحاً ولكن الصلاح لله وحده، وهذا ما دعا السيد المسيح إلي أن يحرص قبل إجابة السائل علي سؤاله أن يزيل من ذهنه ما التبس عليه موضحاً ومؤكداً وحدانية الله، واختصاصه سبحانه بكل صفات الصلاح والكمال التي لا يشاركه فيها أحد.
ثم يأتي إبليس الرجيم محاولاً غواية المسيح، محرضاً إياه علي الإشراك بالله أو السجود لغير مولاه، عارضاً عليه ممالك الأرض وخزائن الدنيا، ولكن السيد المسيح الرسول الأمين والنبي العظيم ينتصر علي التجربة ويقهر عبث الشيطان ثم ينهره قائلاً " اذهب عني يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد.. "( إنجيل متى 4/10 ). وفي الإصحاح السابع عشر من إنجيل يوحنا يورد القديس مناجاة السيد المسيح لربه الواحد وفي هذه المناجاة يبين المسيح للناس طريق الحق طريق الحياة الأبدية، طريق جنات النعيم، يقول المسيح لربه " هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك، أنت الإله الحقيقي وحدك " ( يوحنا 17/2 ).
نعم لقد صدق السيد المسيح أن طريق الفردوس هو التوحيد أما طريق الجحيم فهو الشرك والتثليث والتعدد، نعم لقد صدق السيد المسيح أنت يا رب وحدك الإله الحق، وليس غيرك إلا الزيف والزور والبهتان أنت يا رب وحدك الإله الحقيقي أما الباقون فآلهة مزيفون وسادة مشوهون إبتدعهم خيال المرضي وأحلام الواهمين فماذا عما كنا نعلم الناس وخصوصاً من المنطق والفلسفة للإقناع الأخريين " إن الذات والد للنطق فيقال له الأب والنطق مولود من الذات فيقال له الابن والحياة منبعثة من الذات فيقال له الروح القدس. فالله الأب قائم بذاته، ناطق بخاصية الابن الذي هو النطق، هي بخاصية الحياة التي هي روح القدس والله الروح القدس قائم بخاصية الذات الذي هو الأب، ناطق بخاصية النطق الذي هو الابن، هي بخاصيته التي هي الحياة. فأي منطق هذا ؟ وأي عقل يدرك هذا ؟ وأي لسان ينطق بهذا وقول به ؟ وهل فهمتوا حاجة ؟.
وإذا كان الأب قائماً بذاته، والله الابن قائماً بخاصية الذات الذي هو الأب فعلا هذا التشابك والتمزق أو التدخل والتفرق في أن واحد ؟ وكيف يقوم الثلاثة بخاصية الذات، ثم ينطقون بخاصية الابن ؟ وكيف يحيون جميعاً بخاصية الحياة التي هي الروح القدس ؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلي جواب ثاني لكي تفسر كل هذه الخزعبلات والأساطير، وهذا آخر يقول " إن تسمية الثالوث باسم الأب والابن والروح القدس تعد أعماقا إلهية سماوية لا يجوز لنا أن نتفلسف في تفكيكها وتحليلها أو نلصق بها أفكاراً من عندنا ".
وثالث يقول: " إن الأقانيم ليست مجرد أسماء تطلق علي الله أو مجرد صفات بها، بل ثلاث شخصيات متميزة غير منفصلة متساوية فائقة عن التصور. ومنهم من مثل الله الثالوث، بالشمس فالشمس تتكون من ثلاثة عناصر و أجرام هي جرم الشمس، وشعاع الشمس، وحرارة الشمس، فالشعاع منبعث من الجرم، والحرارة منبعثة من الشعاع، والجرم والكل شمس واحدة.وآخرون مثلوا الله بالشجرة لها أصل وساق وثمر والشجرة واحدة وآخرون مثلوه بينبوع أو فتيل الشمعة.
إلي آخر تلك التشبيهات لقد كثرت التأويلات والتشبيهات، وتداخلت الشروح والتحليلات حتى تحولت إلي خرافات وأساطير وأخر يقول أن كنا نحاول تفسير وحدانية الله تفسيراً حرفياً مطلقاً. كما يفعل بعض العقلانيين فالكتاب المقدس يصبح كتابا مملؤاً بالمتناقضات، ويصير المسيح مجرد إنسان ذي نزعة دينية لكن لا يمكن أن يكون هناك إيمان بدون عقل ولا عقل بدون إيمان. أما فريضة إلغاء العقل لكي نؤمن فلا يصبح فرق بيننا وبين الأنعام هذه الخرافات والأساطير لا يقرها دين ولا يقتنع بها عقل أو منطق، تسبح في متاهات وظنون ويسبح معها العقل في عالم الخيال واللامعقول علاوة على ما منحوه لكل أقنوم من الأقانيم الثلاثة من صفات وخصائص.
وكيف يكون المسيح إله و" ابن الله " وقد أقر بعبوديته وشهد ببشر يته وقد جاءت الأدلة الدامغة علي تلك البشرية بكل ما لها وما عليها وحرص دائماً في أحاديثه مع الناس أن يصف نفسه وما فيها من قوة وضعف، وغضب وخوف، وحزن وبكاء وتعب، ويأكل ويشرب كما يأكل ويشرب البشر كما قررت الأناجيل كما في متي 18-21، ( يوحنا 70:4 ) وينام ويخلد إلي الراحة كما في مرقص (4: 35 –40 ) ولوقا( 7:22-24) متي ( 8:23-27 ) ويصلي ويدعوا.. إلي أخر ما يفعله الإنسان وما يقوم به البشر وقد حرص دائماً في أحاديثه مع الناس أن يصف نفسه بهذا اللقب " ابن الإنسان " الذي امتلأت الأناجيل وازدحمت به، ويردده كثيراً ليوقظ أصحاب الفطر السليمة و العقول المستقيمة، هادماً كل المراتب التي رفعوه إليها ومنحوه إياها، فقد رفعه بعضهم إلى مرتبة الألهه ثم اختلفوا حول طبيعة الإلهية، هل هو إله خالص، أم شخصية مزدوجة نصفها إله ونصفها إنسان ؟ وهل هو ذات الله أم يعنى الله ؟ واقترب به بعضهم إلى درجة أدنى من الملائكة، وساواه بعضهم بالملائكة، وارتفع به آخرون إلى مرتبة أعلى من الملائكة. قال البعض انه إنسان ثم دب بين هؤلاء البعض الخلاف، هل هو نبي أم إنسان عادى ؟ وهل كان صالحاً أم فاسداً، باراً أم شريراً، طيباً أم مشعوذاً صادقاً أم كاذباً، عاقلاً أم مجنوناً، عبد الله أم حليفاً للشيطان. بعد هذه الرحلة لو أظهرت كل ذلك هل سيكون مصيري المصلح الأسباني " سرفتيوس " الذي جهر بالوحدانية لله وإنكار الثالوث فيقرر إحراقه حياً سنة 1553 م.
بالطبع الإنسان بعد ما يصل إلى الحق لا يخاف الموت بل يجد اللذة عندما يموت وهو على حق. تسألت ما هو دين الحق ؟ وكيف اختاره ؟ فوضعت بحثي هذا في مسألة العقيدة في الله وصحة الكتاب الذي جاء به كل نبي فى وقتنا الحاضر من واقع التاريخ والعبادات وبعد دراسة مستفيضة وحيادية وبعد هذه الرحلة الشاقة الطويلة التي قطعتها قبل اختيار دين الحق منقبا عن الحقيقة الساطعة طالباً الهداية و السداد، راجياً أن أصل إلى ما ترتاح إليه نفسي وتستقيم عليه فطرتي التي خلقها الله سوية مستقيمة، فوصلت ظافراً بفضل الله ورحمته لبر الآمان فأعلنت إسلامي بقولي ( لا اله إلا الله محمد رسول الله ) عن علم وقناعه ويقين " ولدت ل اعبد المسيح وارفعه إلها فوق الألهه، فلما شببت شككت، فبحثت عن الحقيقة ونقبت فعرفت، وناداني المسيح يا عبد الله أنا بشر مثلك، فلا تشرك بالخالق وتعبد المخلوق، ولكن اقتدى بي واعبده معي ودعنا نبتهل له سوياً ( أبانا و إلهنا حمدك و سبحانك رب العالمين وإياك نعبد وإياك نستعين ).
يا عبد الله أنا وأنت وباقي الناس عبيد الرحمن. فآمنت بالله وصدقت المسيح وكفرت بالالهه المصنوعة. تسميت بعد إسلامي باسم " محمد " تيمنا باسم سيد الخلق محمد نبي الرحمة ونبي الحب الذي رفع " قيمة الحب ومكانته في حياة الناس وبعد مماتهم ودلل على أهمية الحب في الدنيا و الآخرة. وصدق الحق إذ يقول "فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ " سورة الأنعام 125.
وقد تم محاولة طمسي عن الناس كتبي وتم حرق سيارتي ولكن" يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(سورة التوبة 32).
لي من الكتب " الله واحد أم الثالوث " " المسيح إنسان آم إله " " محمد نبي الحب " هذه هي رحلتي من التثليث إلى التوحيد ومن الشرك للتوحيد ومن الظلمة إلى النور اهديها لكل من يريد معرفة الحق وطريق النجاة أسئل الله الهداية لمن يريد وينور له قلبه.
وعقله اللهم أمين

القلب الحزين
15-12-2013, 07:06 PM
لوفيجارو تلقى الضوء على انتشار الإسلام بالبرازيل



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12659920538250c0a2-0f16-11df-b37b-4e7c455c37c2.jpg
نشرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية (http://www.lefigaro.fr/international/2010/02/01/01003-20100201ARTFIG00135-l-islam-gagne-du-terrain-au-bresil-.php) تحقيقاً عن تزايد عدد الأشخاص الذين يعتنقون الإسلام فى البرازيل، وذلك بعد أحداث 11 سبتمبر، التى دفعت الكثير من غير المسلمين والذين لم يصدقوا ما نشرته الصحف الغربية عن الإسلام، إلى الرغبة فى التعرف بصورة أفضل على هذه الشعوب التى تمكنت من زعزعة الإمبراطورية الأمريكية.
يقول باولو دا روشا بينتو، أستاذ بجامعة فلوميننسى، أن من الصعب تحديد عدد المسلمين فى البرازيل بالضبط، إلا أنه يقارب المليون مسلماً، وأكبر مؤشر على ازدياد انتشار الإسلام فى البرازيل، من وجهة نظره، هو تزايد عدد أماكن العبادة، فعلى الرغم من وصول موجات من المسلمين فى وقت مبكر من القرن العشرين، سواء سوريين أو لبنانيين أو فلسطينيين، إلا أن أول مسجد لم يفتتح إلا فى عام 1960، ولم يبدأ بالفعل بناء أماكن العبادة إلا فى الثمانينيات، ليتسارع إيقاع البناء فى بداية الألفية الثالثة.
وتفسر روزانجيلا، وهى سيدة برازيلية اعتنقت الإسلام فى بداية التسعينيات وتعمل فى مركز نشر الإسلام لأمريكا اللاتينية، انتشار الإسلام فى البرازيل إلى هجمات 11 سبتمبر، حيث دفعت هذه الأحداث البعض إلى الرغبة فى معرفة المزيد عن هذا الشعب القادر على زعزعة الإمبراطورية الأمريكية، كما أن البعض الآخر تشككوا فيما تنشره الصحافة عن الإسلام، ولذلك، كما تروى روزانجيلا، "عندما أتى هؤلاء الأشخاص إلى المركز، رأوا أن الإسلام لا علاقة له بالكراهية، وبدأ البعض منهم تدريجياً فى اعتناق الإسلام".
تضيف الصحيفة أن حركة اعتناق الإسلام كانت دائماً موجودة فى البرازيل، على الرغم من أن نسبة الدعوة إلى الإسلام كانت منخفضة للغاية، ولكنها كانت بصفة عامة ترتبط بزواج برازيلية من شخص مسلم. بيد أن أحداث 11 سبتمبر، كما يؤكد باولو دا روشا، قد زادت من توضيح الرؤية الحقيقية للمسلمين بصورة أفضل، وأزكت الفضول فى التعرف عليهم أكثر، ويضيف أن الفصول الدراسية الجامعية حول العالم العربى والإسلام، والتى كانت نسبة الحضور فيها ضعيفة للغاية، باتت تزدحم الآن بالرواد.
وتشير الصحيفة إلى وجود عامل آخر ساهم فى إقبال عدد كبير من البرازيليين على اعتناق الإسلام وهو المسلسل التليفزيونى Le Clone، فبعد ثلاثة أسابيع من هجمات 2001 على مركز التجارة العالمى، أطلقت قناة "جلوبو" هذا المسلسل الذى تدور أحداثه فى المغرب ويقوم بتصوير العالم العربى والإسلامى، وقد كان هذا الأمر من قبيل المصادفة، حيث كانت القناة تخطط لعرضه من قبلها بشهور.
وقد لاقى هذا المسلسل نجاحاً كبيراً، حتى أن عبارة "إن شاء الله" باتت تستخدم بطريقة شائعة فى شوارع ريو دى جانيرو وساو باولو.. وأصبحت الكثير من النساء البرازيليات يخططن للتخلى عن دينهم من أجل الزواج من "سعيد"، البطل المسلم فى المسلسل، وهو شخصية رومانسية ينال احترام زوجته.
ويرى الشيخ جهاد، إمام أحد المساجد، أن هذا المسلسل قد ساهم أكبر مساهمة فى قبول الكثيرين للإسلام، وذلك على الرغم من أن بعض المسلمين كانوا يتوجهون إليه احتجاجا على الأسلوب الكاريكاتورى الذى يقدمه المسلسل، ولكنه كان يجيبهم بأنه مسرور "فقبل ذلك، كانت الصورة المأخوذة عنا أننا كائنات من كوكب آخر أو إرهابيين.. أما الآن يُنظر إلينا كأناس يحبون الاحتفالات. فأيهما تفضلون؟".
وتنقل الصحيفة شهادة أحد الشباب البرازيليين الذى اعتنق الإسلام، وهو نجم أحد فرق موسيقى الراب الكبرى فى ساو باولو، والذى يقول أن ربع أعضاء فرقته قد اعتنقوا الإسلام، فى حين أن الآخرين قد اختاروا أن يقلدوا أسلوبهم فى الحياة "عدم شرب الكحول، عدم التدخين، احترام المرأة ومساعدة مجتمعهم". ويرى هذا الشاب أن الإسلام قد أنقذ بذلك العشرات من أصدقائه من الخمر والمخدرات والسجن.
ومن ناحية أخرى، يقول باولو فرح، الذى يدير مركز الدراسات العربية، أن وصول رسالة المساواة العرقية والعدالة الاجتماعية التى يحملها الإسلام إلى ضواحى البرازيل قد شهدت نجاحا كبيرا فى قلب هذه المجتمعات الأكثر فقراً، لاسيما بين الشباب الذين يعانون من عنصرية ووحشية الشرطة.
كما تلقى الصحيفة الضوء على موقف الحكومة البرازيلية التى ترفض معاملة المسلمين كشعب منفصل. والدليل على ذلك أنه فى أعقاب أحداث سبتمبر، طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من حكومات باراجواى والبرازيل النظر عن كثب إلى الطوائف الإسلامية، بحجة أنها قد تأوى مراكز للإرهاب.
وفى حين سارعت باراجواى بحماس إلى تنفيذ ذلك والقبض على بعض التجار المسلمين فيها، بل وحتى تعذيب البعض منهم، أجابت البرازيل أنها ستدافع عن جميع المواطنين البرازيليين بلا استثناء ضد أى تدخلات أجنبية. إلا أن ذلك لا يعنى، كما تستدرك الصحيفة، أن ظاهرة "الإسلاموفوبيا" غائبة تماماً فى البرازيل.. وهو ما تؤكده روزانجيلا التى تحمل دائما بحقيبتها حجابا آخر، فى حالة تعرضها لاعتداء.
المصدر:
المرصد الإسلامي لمقاومة التنصير:
http://www.tanseerel.com/main/articles.aspx?selected_article_no=3317
جريدة الفيجاروا الفرنسية
http://www.lefigaro.fr/international/2010/02/01/01003-20100201ARTFIG00135-l-islam-gagne-du-terrain-au-bresil-.php

القلب الحزين
15-12-2013, 07:06 PM
إسلام مارك شيفر :: المليونير والمحامي الأمريكي الأشهر


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1258554165image001.jpg مارك أمام الحرم المكي

أشهر المليونير الأمريكي مارك شيفر إسلامه في المملكة يوم السبت قبل الماضي بعد أن كان في زيارة سياحية للسعودية لمدة عشرة أيام . ويعتبر مارك شيفر محامي و مليونير و شخصيه مشهورة في لوس انجلوس الامريكية؛ كونه احد أشهر المحامين المختصين بقضايا التعويضات، وكان قد كسب آخر قضية تعويض رفعت ضد المغني الأمريكي مايكل جاكسون قبل وفاته بأسبوع .
وعن قصة إسلام مارك يقول الأستاذ ضاوي بن ناصر الشريف المرشد السياحي السعودي: أنه ومن لحظة وصول مارك للسعودية بدء يسأل عن الإسلام وعن الصلاة، ويضيف الأستاذ ضاوي بقوله وجلسنا في الرياض يومين وكان مارك مهتماً بالإسلام، وبعد ذلك انتقلنا إلى نجران ثم إلى أبها ثم ذهبنا إلى العلا ،وفي العلا ازداد اهتمامه بالإسلام.
وعندما خرجنا في جولة شده كثيرا منظر ثلاثة من الشباب السعوديين الذين كانوا يرافقوننا في العلا وهم يصلون في الصحراء على التراب بكل بساطة وبعد يومين في العلا ذهبنا إلى الجوف وفي الجوف طلب مني مارك كتباً عن الإسلام، وأحضرت له كتباً صغيرة عن الإسلام، وبدأ في قراءة هذه الكتب، وفي الصباح طلب مني أن اعلمه الصلاة! فشرحت له كيف يصلي وكيف يتوضأ ، وفعلا قام وصلى بجواري، وبعد ذلك اخبرني انه ارتاح كثيرا للصلاة ، وفي مساء الخميس عدنا إلى جدة، وكان مستمراً في قراءة الكتب عن الإسلام، وفي صباح الجمعة كنا في جولة في جدة القديمة، وعندما حان وقت صلاة الجمعة عدنا للفندق وأخبرتهم أنني سوف اذهب للصلاة، فقال لي مارك أريد أن اذهب معك وأشاهد الصلاة، فقلت مرحبا وذهبت للمسجد وصليت الجمعة مع بعض المصلين خارج المسجد من شدة الزحام، وكان يراقب الجميع وبعد انتهاء الصلاة شاهد المصلين وهم يسلمون على بعض والجميع مسرور وأعجبه هذا المنظر كثيرا.
وعندما عدنا للفندق اخبرني انه يرغب في الدخول في الإسلام! فقلت له: اغتسل، وفعلا اغتسل ثم لقنته الشهادة ونطقها ثم صلى ركعتين. وبعد ذلك اخبرني السيد مارك انه يريد أن يذهب إلى الحرم المكي الشريف في مكة المكرمة ويصلي فيه قبل مغادرته السعودية مساء السبت!!
وبعد ذلك ذهبنا الى مكتب الدعوة والإرشاد في الحمراء وأشهر السيد مارك إسلامه في مكتب الدعوة والإرشاد فرع الحمراء وتم منحه شهادة إسلام مؤقتة ونظرا لأن باقي أفراد المجموعة الامريكية سوف يغادرون مساء السبت فقد تكفل الأستاذ محمد تركستاني بتوصيل السيد مارك إلى الحرم المكي الشريف .
وعن ذهاب السيد مارك إلى الحرم المكي الشريف يقول الأستاذ محمد أمين تركستاني: انه بعد الحصول على شهادة الإسلام المؤقتة ذهبت أنا والسيد مارك إلى الحرم المكي الشريف ومنذ أن شاهد الحرم المكي الشريف حتى تهلل وجهه وبدت عليه السعادة ولما دخلنا إلى الحرم وشاهد الكعبة ازدادت فرحته كثيرا وتهلل وجهه بالبشر والسرور وحقيقة والله اعجز عن وصف ذلك المشهد وبعد أن طاف السيد مارك بالكعبة الشريفة صلينا وخرجنا ولم يكن يرغب بالخروج .
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1258554129image002.jpg مارك والأستاذ محمد تركستان في الحرم


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1258554081image003.jpg مارك ومعه شهادة إسلامه

ولدت من جديد :
وبعد أن أشهر السيد مارك إسلامه اعرب في حديث للرياض عن سعادته وقال: لا استطيع وصف شعوري ولكني الآن ولدت من جديد في هذه الحياة والآن بدأت حياتي الجديدة . وأضاف كنت سعيدا وفي قمة السعادة وكنت اشعر بسعادة لا استطيع وصفها لكم عندما زرت الحرم المكي الشريف والكعبة المشرفة . وفي سؤال عن الخطوة التالية له بعد إسلامه قال سوف اقرأ المزيد عن الإسلام وأتعمق في دين الله وسوف أعود للسعودية من اجل أداء مناسك الحج . وعن الدافع الذي جعله يشهر إسلامه قال لقد كانت لدي معلومات قليلة عن الإسلام وعندما زرت السعوديه وشاهدت المسلمين في السعوديةوشاهدتهم وهم يصلون شعرت برغبة قوية في معرفة المزيد عن الإسلام وما أن قرأت المعلومات الصحيحة عن الإسلام حتى تأكدت انه الدين الحق , وفي فجر يوم الأحد الماضي غادر السيد مارك مطار الملك عبدالعزيز في جده متوجهاً إلى أمريكا وقبل المغادرة كتب في ورقة البيانات في المطار في خانة الديانة مسلم .

القلب الحزين
15-12-2013, 07:10 PM
قصة إسلام الزعيم الأمريكي مالكوم إكس



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1255371580180px-malcolm_x_nywts_4.jpg
صورة لمالكوم إكس سنة 1964

مالكوم إكس (http://ar.wikipedia.org/wiki/%C3%99%E2%80%A6%C3%98%C2%A7%C3%99%E2%80%9E%C3%99%C 6%92%C3%99%CB%86%C3%99%E2%80%A6_%C3%98%C2%A5%C3%99 %C6%92%C3%98%C2%B3) هو الداعية الإسلامي المشهور "مالكوم إكس" أو "مالك شباز" الأمريكي الأصل والجنسية، الذي صحَّح مسيرة الحركة الإسلامية التي انحرفت بقوَّة عن الحق في أمريكا، ودعا للعقيدة الصحيحة، وصبر على ذلك حتى راح شهيدًا لدعوته ودفاعه عن الحق.
مولده ونشأته
وُلِد مالكوم إكس بمدينة ديترويت في 6 من ذي القعدة 1343هـ/ 29 من مايو 1925م في أسرة فقيرة قُتِِلَ عائلُها في حادث عنصري، وكانت هذه الفترة في أمريكا شديدة الاضطراب بالتمييز العنصري البغيض بين البِيض والسُّود، فنشأ مالكوم مشحونًا بالكراهية والبغض ضد البيض، وطرد من المدرسة رغم حِدَّة ذكائه، فانتقل إلى مدينة نيويورك حيث عاش حياة اللهو والعبث، والتي انتهت به إلى السجن وهو في العشرين، وبالسجن تغيرت حياته؛ إذ اعتنق الإسلام وأقبل على قراءة الكتب الإسلامية، واستفاد من فترة سجنه استفادة كبيرة؛ حيث أتى على كتب كبار لم يتوفر لغيره قراءتها، كما تعلم فن المحاورة والمناظرة مع قساوسة السجن.
الخروج من السجن
بعد أن خرج من السجن سنة 1952م قرَّر "مالكوم إكس" أن يُعمِّق معرفته بتعاليم إليجا محمد[1]، فذهب إلى أخيه في ديترويت، وهناك تعلم الفاتحة وذهب إلى المسجد، وتأثر بأخلاق المسلمين. وفي المسجد استرعت انتباهه عبارتان: الأولى تقول: "إسلام: حرية، عدالة، مساواة"، والأخرى مكتوبة على العلم الأمريكي، وهي: "عبودية: ألم، موت".
قابل "مالكوم إكس" إليجا محمد زعيم حركة أمة الإسلام[2] التي انضم إليها بعد ذلك، والتي حفِلت بالانحرافات العقائدية التي انتهت بإعلان إليجا محمد النبوة.
عمل "مالكوم إكس" في شركة "فورد" للسيارات فترة ثم تركها، وأصبح رجل دين، وامتاز بأنه يخاطب الناس باللغة التي يفهمونها؛ فاهتدى على يديه كثير من السود، وزار عددًا من المدن الكبرى، وكان همُّه الأول هو "أمة الإسلام"، فكان لا يقوم بعمل حتى يقدِّر عواقبه على هذه الحركة.
وقد تزوج في عام 1958م ورُزق بثلاث بنات، سمَّى الأولى عتيلة، على اسم القائد الذي نهب روما، وفي نهاية عام 1959م بدأ ظهور مالكوم في وسائل الإعلام الأمريكية كمتحدث باسم حركة أمة الإسلام، فظهر في برنامج بعنوان: "الكراهية التي ولدتها الكراهية"، وأصبح نجمًا إعلاميًّا انهالت عليه المكالمات التليفونية، وكتبت عنه الصحافة، وشارك في كثير من المناظرات التلفزيونية والإذاعية والصحفية؛ فبدأت السلطات الأمنية تراقبه، خاصةً بعد عام 1961م، وبدأت في تلك الفترة موجة تعلُّم اللغة العربية بين أمة الإسلام؛ لأنها اللغة الأصلية للرجل الأسود.
توسَّم إليجا محمد في مالكوم إكس النباهة والثورية والقدرة الإقناعية؛ فضمَّه لمجلس إدارة الحركة، وجعله إمامًا لمعبد رقم 7 بنيويورك. أبدى مالكوم كفاءة دعوية فائقة وزار الجامعات والحدائق والسجون وأماكن تجمُّع الناس، وأسلم على يديه الكثيرون، منهم الملاكم العالمي "كلاي"، وفتحت له قنوات التلفاز أبوابها، وعقد المناظرات على الهواء، وذاع صيته بقوَّة.
نقطة التحول في حياته
ثمَّ حدث تحول جذري في حياة مالكوم إكس، عندما ذهب للحج سنة 1960م/ 1379هـ، وهناك التقى مع العلماء والمشايخ، وقابل الملك فيصل الذي قال له: "إن حركة أمة الإسلام خارجة عن الإسلام بما تعتقده من ضلالات". فطاف مالكوم بلاد الإسلام للاستزادة من العلم، فزار مصر والسودان والحجاز، والتقى مع شيخ الأزهر ومع الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر، ثم عاد لأمريكا وأعلن إسلامه من جديد، وبدأ مرحلة جديدة وخطيرة وأخيرة من حياته.
عاد "مالك شباز" لأمريكا سنة 1961م/ 1380هـ، وأخذ في الدعوة للعقيدة الصحيحة، وحاول إقناع إليجا محمد بالحق والذهاب للحج، ولكن إليجا رفض بشدة وطرده من الحركة، فشكَّل "مالك" جماعة جديدة سماها "The Muslim Mosque Inc"، وأخذ في الدعوة للدين الصحيح، فانضم إليه الكثيرون، وأوَّلهم: والاس بن إليجا محمد نفسه، وأخذ إليجا محمد في تهديد "مالك" بالقتل، لكنه لم يخف أو يتوقف؛ فشنَّ عليه إليجا حملة دعائية إعلامية شرسة لصرف الناس عنه، فلم تزد هذه التهديدات مالكًا إلا إصرارًا، واشتركت الصحف الأمريكية في التضييق على مالك، مع أنها كانت من قبل تفتح له أبوابها عندما كان يدعو للدين الباطل والعقيدة الفاسدة.
من أقواله
- "على الوطنية أن لا تعمي أعيننا عن رؤية الحقيقة، فالخطأ خطأ بغضِّ النظر عمّن صنعه أو فعله".
- "لا أحد يمكن أن يعطيك الحرية، ولا أحد يمكن أن يعطيك المساواة والعدل، إذا كنت رجلاً فقم بتحقيق ذلك لنفسك".
- "لا تستطيع فصل السلام عن الحرية، فلا يمكن لأحدٍ أن ينعم بالسلام ما لم يكن حرًّا".
اغتياله
ظل مالك شباز يدعو للعقيدة الصحيحة غير عابئٍ بتهديدات إليجا محمد، حتى كان يوم 18 من شوال سنة 1381هـ/ 21 من فبراير 1965م، وهو اليوم الذي أطلق فيه ثلاثة من الشبان السود النار على مالك شباز أثناء إلقائه لمحاضرة في جامعة نيويورك، فمات على الفور، وكان في الأربعين من عمره، وكانت عملية اغتياله نقطة تحوُّل فاصلة في سير حركة أمة الإسلام، حيث تركها الكثير من أتباعها والتحقوا بجماعة أهل السنة، وعرفوا الدين الحق.
وبعد وفاة إليجا محمد تغيرت أفكار الحركة، وتولى والاس بن إليجا محمد رياسة الحركة، وتسمى بوارث الدين محمد، وقام بتصحيح أفكار الحركة، وغيَّر اسمها إلى "البلاليين" نسبة إلى بلال بن رباح [3].
[1] زعيم حركة أمة الإسلام.

[2] حركة ظهرت بين السود في أمريكا، وقد تبنّت الإسلام بمفاهيم خاطئة غلبت عليها الروح العنصرية.

[3] موقع مفكرة الإسلام، الرابط
: http://www.islammemo.cc/article1.aspx?id=53589

القلب الحزين
15-12-2013, 07:10 PM
قصة إسلام الزعيم الأمريكي مالكوم إكس


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1255371580180px-malcolm_x_nywts_4.jpg
صورة لمالكوم إكس سنة 1964

مالكوم إكس (http://ar.wikipedia.org/wiki/%C3%99%E2%80%A6%C3%98%C2%A7%C3%99%E2%80%9E%C3%99%C 6%92%C3%99%CB%86%C3%99%E2%80%A6_%C3%98%C2%A5%C3%99 %C6%92%C3%98%C2%B3) هو الداعية الإسلامي المشهور "مالكوم إكس" أو "مالك شباز" الأمريكي الأصل والجنسية، الذي صحَّح مسيرة الحركة الإسلامية التي انحرفت بقوَّة عن الحق في أمريكا، ودعا للعقيدة الصحيحة، وصبر على ذلك حتى راح شهيدًا لدعوته ودفاعه عن الحق.
مولده ونشأته
وُلِد مالكوم إكس بمدينة ديترويت في 6 من ذي القعدة 1343هـ/ 29 من مايو 1925م في أسرة فقيرة قُتِِلَ عائلُها في حادث عنصري، وكانت هذه الفترة في أمريكا شديدة الاضطراب بالتمييز العنصري البغيض بين البِيض والسُّود، فنشأ مالكوم مشحونًا بالكراهية والبغض ضد البيض، وطرد من المدرسة رغم حِدَّة ذكائه، فانتقل إلى مدينة نيويورك حيث عاش حياة اللهو والعبث، والتي انتهت به إلى السجن وهو في العشرين، وبالسجن تغيرت حياته؛ إذ اعتنق الإسلام وأقبل على قراءة الكتب الإسلامية، واستفاد من فترة سجنه استفادة كبيرة؛ حيث أتى على كتب كبار لم يتوفر لغيره قراءتها، كما تعلم فن المحاورة والمناظرة مع قساوسة السجن.
الخروج من السجن
بعد أن خرج من السجن سنة 1952م قرَّر "مالكوم إكس" أن يُعمِّق معرفته بتعاليم إليجا محمد[1]، فذهب إلى أخيه في ديترويت، وهناك تعلم الفاتحة وذهب إلى المسجد، وتأثر بأخلاق المسلمين. وفي المسجد استرعت انتباهه عبارتان: الأولى تقول: "إسلام: حرية، عدالة، مساواة"، والأخرى مكتوبة على العلم الأمريكي، وهي: "عبودية: ألم، موت".
قابل "مالكوم إكس" إليجا محمد زعيم حركة أمة الإسلام[2] التي انضم إليها بعد ذلك، والتي حفِلت بالانحرافات العقائدية التي انتهت بإعلان إليجا محمد النبوة.
عمل "مالكوم إكس" في شركة "فورد" للسيارات فترة ثم تركها، وأصبح رجل دين، وامتاز بأنه يخاطب الناس باللغة التي يفهمونها؛ فاهتدى على يديه كثير من السود، وزار عددًا من المدن الكبرى، وكان همُّه الأول هو "أمة الإسلام"، فكان لا يقوم بعمل حتى يقدِّر عواقبه على هذه الحركة.
وقد تزوج في عام 1958م ورُزق بثلاث بنات، سمَّى الأولى عتيلة، على اسم القائد الذي نهب روما، وفي نهاية عام 1959م بدأ ظهور مالكوم في وسائل الإعلام الأمريكية كمتحدث باسم حركة أمة الإسلام، فظهر في برنامج بعنوان: "الكراهية التي ولدتها الكراهية"، وأصبح نجمًا إعلاميًّا انهالت عليه المكالمات التليفونية، وكتبت عنه الصحافة، وشارك في كثير من المناظرات التلفزيونية والإذاعية والصحفية؛ فبدأت السلطات الأمنية تراقبه، خاصةً بعد عام 1961م، وبدأت في تلك الفترة موجة تعلُّم اللغة العربية بين أمة الإسلام؛ لأنها اللغة الأصلية للرجل الأسود.
توسَّم إليجا محمد في مالكوم إكس النباهة والثورية والقدرة الإقناعية؛ فضمَّه لمجلس إدارة الحركة، وجعله إمامًا لمعبد رقم 7 بنيويورك. أبدى مالكوم كفاءة دعوية فائقة وزار الجامعات والحدائق والسجون وأماكن تجمُّع الناس، وأسلم على يديه الكثيرون، منهم الملاكم العالمي "كلاي"، وفتحت له قنوات التلفاز أبوابها، وعقد المناظرات على الهواء، وذاع صيته بقوَّة.
نقطة التحول في حياته
ثمَّ حدث تحول جذري في حياة مالكوم إكس، عندما ذهب للحج سنة 1960م/ 1379هـ، وهناك التقى مع العلماء والمشايخ، وقابل الملك فيصل الذي قال له: "إن حركة أمة الإسلام خارجة عن الإسلام بما تعتقده من ضلالات". فطاف مالكوم بلاد الإسلام للاستزادة من العلم، فزار مصر والسودان والحجاز، والتقى مع شيخ الأزهر ومع الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر، ثم عاد لأمريكا وأعلن إسلامه من جديد، وبدأ مرحلة جديدة وخطيرة وأخيرة من حياته.
عاد "مالك شباز" لأمريكا سنة 1961م/ 1380هـ، وأخذ في الدعوة للعقيدة الصحيحة، وحاول إقناع إليجا محمد بالحق والذهاب للحج، ولكن إليجا رفض بشدة وطرده من الحركة، فشكَّل "مالك" جماعة جديدة سماها "The Muslim Mosque Inc"، وأخذ في الدعوة للدين الصحيح، فانضم إليه الكثيرون، وأوَّلهم: والاس بن إليجا محمد نفسه، وأخذ إليجا محمد في تهديد "مالك" بالقتل، لكنه لم يخف أو يتوقف؛ فشنَّ عليه إليجا حملة دعائية إعلامية شرسة لصرف الناس عنه، فلم تزد هذه التهديدات مالكًا إلا إصرارًا، واشتركت الصحف الأمريكية في التضييق على مالك، مع أنها كانت من قبل تفتح له أبوابها عندما كان يدعو للدين الباطل والعقيدة الفاسدة.
من أقواله
- "على الوطنية أن لا تعمي أعيننا عن رؤية الحقيقة، فالخطأ خطأ بغضِّ النظر عمّن صنعه أو فعله".
- "لا أحد يمكن أن يعطيك الحرية، ولا أحد يمكن أن يعطيك المساواة والعدل، إذا كنت رجلاً فقم بتحقيق ذلك لنفسك".
- "لا تستطيع فصل السلام عن الحرية، فلا يمكن لأحدٍ أن ينعم بالسلام ما لم يكن حرًّا".
اغتياله
ظل مالك شباز يدعو للعقيدة الصحيحة غير عابئٍ بتهديدات إليجا محمد، حتى كان يوم 18 من شوال سنة 1381هـ/ 21 من فبراير 1965م، وهو اليوم الذي أطلق فيه ثلاثة من الشبان السود النار على مالك شباز أثناء إلقائه لمحاضرة في جامعة نيويورك، فمات على الفور، وكان في الأربعين من عمره، وكانت عملية اغتياله نقطة تحوُّل فاصلة في سير حركة أمة الإسلام، حيث تركها الكثير من أتباعها والتحقوا بجماعة أهل السنة، وعرفوا الدين الحق.
وبعد وفاة إليجا محمد تغيرت أفكار الحركة، وتولى والاس بن إليجا محمد رياسة الحركة، وتسمى بوارث الدين محمد، وقام بتصحيح أفكار الحركة، وغيَّر اسمها إلى "البلاليين" نسبة إلى بلال بن رباح [3].
[1] زعيم حركة أمة الإسلام.

[2] حركة ظهرت بين السود في أمريكا، وقد تبنّت الإسلام بمفاهيم خاطئة غلبت عليها الروح العنصرية.

[3] موقع مفكرة الإسلام، الرابط
: http://www.islammemo.cc/article1.aspx?id=53589

القلب الحزين
15-12-2013, 07:11 PM
قصة إسلام السويدي ميكائيل بليخيو


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/125077247601-yahia-.jpg
السويدي ميكائيل بليخيو

أصبحت ظاهرة المتحولين إلى الإسلام في الغرب ملفتة للنظر , فأعداد الغربيين الذين أسلموا ويسلمون باتت مدهشة للغاية , و لم يعد الأمر مقصورا على فئة دون أخرى بل إنّ المتحولين إلى الإسلام في الغرب يتنمون إلى الجنسين معا , و إلى مختلف المستويات العلمية والأكاديمية , كما فعل أخيرا الفيلسوف السويدي هوجان لارسون الذي أعلن عن إسلامه في السويد , وقد حدث ذلك بعد دراسات مستفيضة عن الإسلام قام بها لارسون الذي توجّ كل ذلك بإعلان إسلامه في مدينة مالمو في الجنوب السويدي , ومن هؤلاء المتحولين السويدي ميكائيل بليخيو الذي سمّى نفسه إبراهيم , لم يكتف بإعلان إسلامه بل تعمقّ في الدراسات الإسلامية وفتح مدرسة إسلامية في مدينة أوبسالا السويدية لتعليم أبناء الجالية المسلمة في السويد تعاليم دينهم ...و قد كان لنا معه هذا اللقاء ..
هل لك أن تحدثنا عن حياتك قبل الإسلام في السويد !
على إمتداد حياتي و منذ أن بدأت ذاكرتي تعي كنت على الدوام أؤمن بأنّ الله موجود , لكن هذا الإعتقاد لم يكن مؤثرّا في حياتي , أو موجها لها , فهذا الإعتقاد كان في واد , و حياتي في واد آخر , لقد كانت حياتي مليئة بالمشاكل والعقد والإنكسارات , فقد توفيّت أمي عندما كان عمري 14 سنة , و سافر أبي إلى منطقة أخرى وقطن فيها , وتولى أخي الأكبر رعايتي , و كان مرا في رعايته لي , الأمر الذي جعلني أتوجّه إلى شرب الخمور و أتعاطى المخدرات – الحشيش على وجه التحديد ..والحمد لله أنني إكتشفت الإسلام , الذي منحنى الطمأنينة و اليقين والآمان و نقلني من دوائر الضياع و الهلكة و إلى دائرة النور والإستقرار و العبودية , وقد إكتشافي للإسلام إلى معرفة كم هي الجاهلية مضرة للإنسان , و كم هي الهداية خلاقّة ورائعة و تصون فطرة الإنسان...
وكيف إكتشفت الإسلام !
عندما كان عمري 17 سنة تعرفّت على عائلة من إرتيريا تقيم في السويد , و كنت عندما أزور هذه العائلة كنّا نتناقش حول الديانات و الإسلام , والخصوصية الموجودة في الإسلام و ما إلى ذلك من المواضيع ذات الصلة , وهذه النقاشات لم تكن لتوصلني إلى الإسلام , فقد كنت أعتبرها مجرد نقاشات عادية خصوصاً بعد أن إستقرّ آلاف المسلمين في السويد و أصبحوا ظاهرة حقيقية , وأعترف أيضا أنني بدأت أحب هذه النقاشات الحيوية , حيث عندما بلغت سنّ العشرين إستعرت النسخة السويدية من القرآن الكريم و أخذت أقرأ بتمعّن كل ما ورد في القرآن الكريم , وكان يهمني في هذه المرحلة عقد مقارنة بين الإنجيل وقد كنت قرأته والقرآن الذي تعرفت عليه حديثا .و الطريف أيضا أنّ العائلة الإرتيرية قالت لي : أنّ القرآن مقدس بالنسبة للمسلمين ولا يجوز لمسه إلاّ إذا كان الإنسان متوضئا , و نصحوني بالوضوء لقراءة القرآن الكريم , فوجدت نفسي أتوضأ تلقائيا بعد أن دلوني إلى كيفية الوضوء ..
و ضعت القرآن الكريم التي ترجمت معانيه إلى اللغة الإنجليزية و التي قام بها عبد الله يوسف علي في كيس , و في داخله قصاصة ورق كتب عليها كيفية الوضوء , و توجهت إلى بيتي , حيث توجهت رأسا إلى الحمام وبدأت بالوضوء كما كتب لي على الورقة , وعندما إنتهيت من الوضوء شعرت بإشراقة ما في قلبي و أحسست براحة عجيبة جديدة عليّ , وبعد الوضوء شرعت في قراءة معاني القرآن الكريم .
الله أكبر , مشاعر عدة إنتابتني وأنا أقرأ القرآن , فرح داخلي و إنفراجة في الصدر , و أدركت تلقائيّا أنني مسلم ..و ظللّت أقرأ القرآن الكريم , و أقرأ , لم أشعر مطلقا بالملل , وبعد ثلاثة أسابيع من قراءة القرآن و بعض الكتب نطقت بالشهادتين , قائلا : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله , عليه الصلاة والسلام .
وبعد أن أسلمت لم أتمكن من الذهاب إلى المسجد لإعلان شهادة إسلامي , كنت أظنّ أنّ المسلمين و كما يصورهم الإعلام الغربي أصحاب لحى طويلة وكثيفة و يحملون دوما سكاكين لقتل الناس , لكن وعندما توجهت إلى المسجد وجدت كل الرعاية من المسلمين الذي ساعدوني و إستوعبوني .
هل أثرّ عليك عدم إلتزام كثير من المسلمين بإسلامهم !
هذا يتوقف على نوعية السلوك , فإذا كان المسلم في الغرب أو في العالم الإسلامي لا يصلي , فالله تعالى هو الذي سيتولى أمره , و ربما الأثر يختلف عن أثر تأثير الجرائم التي يقترفها بعض المسلمين في الغرب حيث أن ذلك يؤثرّ سلبا على نمو الإسلام في السويد وفي الغرب على السواء ..
فأنا عندما أحدث السويديين غير المسلمين عن الإسلام كونه دين سلام وآمان , ثمّ يتعرض هؤلاء السويديون للسرقة من قبل أشخاص مسلمين , فهذا الشيئ ينزع الصدقية عن دعوتي الإسلامية وسط السويديين والغربيين .
إنّ عدم إلتزام المسلمين بإسلامهم في الغرب يؤثّر إلى أبعد الحدود على تطور الإسلام وتكامله في الغرب وخصوصا قضايا المعاملات , ولهذا عندما نحدث الغربيين عن الإسلام يحدثوننا فورا عن السرقات والإغتصاب والسطو وبيع المخدارت التي يضطلع بها أشخاص يحملون أسماء إسلامية للأسف الشديد , و هنا تبدأ صعوبة دعوة الغربيين إلى الإسلام الذين يربطون فورا بين تصرفات المسلمين والإسلام و يعتبرون هذه التصرفات السيئة من وحي الإسلام .
ومع كل ذلك , كيف ترى مستقبل الإسلام في الغرب والعالم !
يعتبر الإسلام من الديانات الأكثر إنتشارا في أوروبا و يمكن القول أنّ للإسلام مستقبلا كبيرا في أوروبا , منذ أن أسلمت وإلى يومنا هذا شاهدت إقبال الآلاف على الإسلام في كل أوروبا , وسيصبح بالتأكيد الديانة الأكثر إنتشار من شمال أوروبا وإلى جنوبها , وأنظر على سبيل المثال إلى إنتشار الإسلام في فرنسا , فعلى رغم دعاية اليمين المتطرف ضد الإسلام والمسلمين هناك , إلاّ أنّ الإسلام يتطور ويتقدم بشكل مدهش في فرنسا وغيرها ..
وكما يقول الحديث النبوي الشريف أو الذي معناه أنّ الإسلام سيشّع مجددا على الكون والمعمورة :(((لا يبلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولايترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله به الاسلام وذلا يذل الله به الكفر)). وعالميا ستحول الإسلام إلى أصعب رقم في المعادلة الدولية , و الدلائل والمؤشرات كلها تدلّ على ذلك .
كيف كانت ردة فعل أقاربك و المجتمع السويدي عندما دخلت الإسلام !
لقد كان الأمر صعبا في البداية , قد أبتليت أشدّ البلاء في طريق إسلامي , فقد تنكرّت لي عائلتي و غادرت بيتي حاملا معي بعض أغراضي , أصبحت أنام في المساجد و لدى بعض الإخوة الذين فتحوا لي بيوتهم والحمد لله . و قد قاطعني أقرب الناس إليّ وباتوا لا يتصلون بي , وهو الأمر الذي أحزنني و أغمنيّ , وكثيرا ما كنت أعود في هذه المرحلة إلى القرآن الكريم مرددا من تلقاء نفسي سورة الكافرون , وأتوقّف عند قوله تعالى : لكم دينكم وليّ ديني .........
لقد أصررت على إسلامي , و كنت دوما اردد لكم طريقكم ولي طريقي , و قد أدخلني هذا الإصرار في صراع مع مكاتب العمل وأسواق العمل وعموم المجتمع السويدي .
من هذا المنطلق , كيف تنظر إلى حظر الحجاب في فرنسا!
مبدئيا أقول ساعد الله أخواتنا هناك , لقد خالف النظام الفرنسي أبسط المنطلقات الديموقراطية , و أبسط قواعد حقوق الإنسان الذي يتبجّح بها الغرب , وعلى الأخوات في فرنسا أن يناضلن من أجل حقوقهن , و الحجاب حق و هذا الحق مكفول في الدساتير الغربية , و إلاّ كانت الديموقراطية الغربية حكر على الإنسان الغربي و تعني الشهوات والحيوانية فقط ..
وكيف ترى ما أقدمت عليه جريدة يولاند بوستن الدانماركية التي تطاولت على النبي محمد عليه الصلاة والسلام !
أتصوّر أن ما أقدمت عليه جريدة يولند بوستن قد خدش كل الإحترام , و قفز على كل المسلمات والمقدسات , و يجب أن نسأل أنفسنا لماذا فعلت يولاند بوستن ذلك ! ولماذا لقيت دعما من أكثرية غربية لا تفهم الإسلام ! وبناءا عليه يجب أن نسعى جاهدين لتقديم الوجه الحضاري للإسلام في الغرب , و إيصال المحتوى الحضاري للإسلام إلى كل الجهات في الغرب ..
و أتصوّر أنّ السيرة النبوية حافلة بعشرات الدروس التي يمكن إقتباسها في راهننا , فلطالما ضرب الرسول عليه الصلاة والسلام بالحجارة وهو يصلي , و كان أحدهم يضع القمامة قرب بيته , لقد جابه رسول الله كل أولئك بالأخلاق الحسنة التي جعلت أعداءه يقرون في النهاية بعظمة الإسلام ...
لماذا أخفق مسلمو أوروبا في دخول معترك السياسة الأوروبية !
في الواقع قد قرأت العديد من الدراسات الإسلامية و الفكرية والسياسية التي تتمحور حول آلية العمل السياسي الإسلامي ضمن منظومة سياسية غير إسلامية
والواقع أن مشاركة المسلمين ضرورية في العمل السياسي الغربي حتى يؤثروا على مجريات القوانين التي ستؤثر على حياتهم بالتأكيد .
فمسلمو فرنسا لو كان لهم وجود كبير داخل البرلمان الفرنسي لأمكنهم إلغاء قانون حظر الحجاب أو عرقلته على الأقل , و على ذلك فقس ..
ونفس الشيئ ينطبق أيضا على أمريكا , فلو أنّ المسلمين كان لهم مشاركة سياسية فاعلة لما بلغ التعاون الإسرائيلي – الأمريكي مداه هناك ..
ماهي في نظرك أحسن الوسائل والطرق لنشر الإسلام في أوروبا !
مبدئيّا يجب أن يكون لدينا تخطيط بعيد المدى , ولا يجب أن نقع في معضلة إستعجال قطف الثمار , فالقرآن الكريم ظلّ وعلى إمتداد ثلاث وعشرين سنة يتنزّل على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام , ولا يجب التركيز فقط على فقه الحلال والحرام بين الغربيين , فالأولى تعريف الغربيين بأصول العقيدة و ماهية التوحيد لأنّه الأصل , و الفروع تأتي بعد ذلك , فمن غير المنطقي أن نحدث الغربي عن حرمة لحم الخنزير و شرب الخمر , قبل أن نحدثّه ماهية الوجود ومن أوجد هذا الوجود , و فلسفة الكون و الرؤية التوحيدية عبر مقارنات ما هو مطروح في الفكر الغربي وغير ذلك ...
وما زلت أعتقد أن في سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام أكبر الإستراتيجيات في آليات نشر الإسلام في أوروبا .
أنت شخصيّا , ماذا كنت تعرف عن الإسلام قبل إسلامك !
لم أكن أعرف الكثير عن الإسلام , لقد كان الإعلام الغربي هو المرجع بالنسبة إلي في فهم الدين الإسلامي و حياة المسلمين , وفي الواقع فإنّ الإعلام الغربي يلعب أكبر الأدوار في تشويه الإسلام والمسلمين .
وكيف تنظر إلى الخلافات بين المسلمين في الغرب وفي العالم الإسلامي !
أن يختلف المسلمون في الأراء الفهية والفكرية , فهذا أمر كان وسيظل منذ مئات السنين , لكن أن يتحوّل هذا الخلاف إلى فتنة بين المسلمين فهذا أمر غير مقبول مطلقا , خصوصا و أنّ الرسول دعا الله أن يقيّ أمته من الفتنة .
أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا فهذا غير مقبول ويعتبر جريمة كبيرة في الإسلام , وللأسف الشديد فقد أصبح الخلاف المفضي إلى الفتنة بين المسلمين كالسرطان الذي ينهش الجسم القويّ ويرديه صريعا .
وبالنسبة إليّ فإنّ الإسلام منحني الطمأنينة و السلام وسوف أستمر مسلما إلى أن ألقى الله .....
هل يهتم الأوروبيون عادة بدراسة الإسلام !
لقد تبينّ لي أنّ العديد من المراهقين و الشباب الغربيين يبدون حرصا على دراسة الإسلام , و دورنا و واجبنا أن نريهم الطريق المستقيم .
كيف تقدمّ وسائل الإعلام الغربية الإسلام !
كل وسائل الإعلام في الغرب تقدّم الإسلام بطريقة سلبية للأسف الشديد , و مع كل الخبث الموجود في هذه الوسائل إلاّ أنّها أحيانا تقدمّ وتحديدا الشاشات الصغيرة أفلاما وثائقية عن الإسلام تكون سببا في تعريف الكثير من الأوروبيين الإسلام أو أقلا تحملهم على التفكير في ماهية الإسلام وجوهره , و في نظري فإنّ المهم هو أن نقدمّ الإسلام بصورة نقية وحضارية و أخلاق المسلمين الحسنة في الغرب هي الفيصل في نشر الإسلام بشكل صحيح في الغرب .
و هل أثرّ العنف في البلاد العربية والإسلامية على إهتمام الغربيين بالإسلام !
بالتأكيد فإنّ هذا أهم ما يؤثّر على الغربيين و يحول دون تواصلهم مع الثقافة الإسلامية , وهذا العنف المتداول في العالم الإسلام لم يؤثّر على الغربيين و يجعلهم غير قادرين على إستيعاب حضارية الإسلام , بل أثرّ علينا كمسلمين غربيين من ناحية نشر الإسلام بين الغربيين .
مع أي المنهجين أنت , مع حوار الحضارات أو صراعها !
بطبيعة الحال أنا مع الحوار قلبا وقالبا , وهذا أساس إسلامنا وقرآننا , فالمولى عزّ وجلّ يدعونا في قرآنه إلى إستخدام البينّة و الحجّة والبرهان .. ولا إكراه في الدين , والإسلام لم ينتشر قطّ بالعنف و الإجبار بل إنتشر بالبينّة و الحكمة , وهذه المنطلقات هي التي قامت عليها الحضارة الإسلامية , وبنيت عليها الدعوة الإسلامية .
ماذا منحك الإسلام !
لقد منحني الإسلام كل شيئ , منحني الطمأنينة والسلام , لقد علمني الإسلام كل شيئ على الصعيد الشخصي والإجتماعي و علمني دفئ الأسرة , و جعل لحياتي مغزى هدف , ولا يمكنني في هذا الحوار أن أحصي ما منحني إياه الإسلام , وما أعطتني إياه العبودية للّه تعالى .
لماذا في نظرك نشهد تحوّل الكثير من الغربيين إلى الإسلام !
لأنّ الإسلام واضح ومبسط على عكس المسيحية القائمة على التعقيد , و أهداف الإسلام بينة وواضحة , و هو يمنح الطمأنينة و الإستقرار النفسي للغربيين الذين يؤرقهم قلق الحياة و سرعة إيقاعها بمنأى عن الروح .
فالمسيحية على سبيل المثال وقع فيها تغيير كبير , ووصلنا إلى مرحلة بات فيها رجال الكنيسة في السويد والغرب يقرون الزواج المثلي واللواط و غير ذلك .
ولعلّ الجانب الإيجابي الوحيد في الحضارة الغربية هو هامش الحرية الذي يتيح لنا كمسلمين أن نؤدّي مناسكنا وفرائضنا بدون تدخّل من السلطات القائمة.
*****
حاوره: يحيى ابوزكريا
http://www.algeriatimes.net/news/algernews.cfm?ID=1494 (http://www.algeriatimes.net/news/algernews.cfm?ID=1494)

القلب الحزين
15-12-2013, 07:12 PM
من قسيس إلى داعية إسلامي


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1216544399untitled-88.jpgالحاج رشيد شاي مكتوب أول مسلم من أبناء قبيلة غريامة يذهب إلى الديار المقدسة لأداء الفريضة الخامسة على يد لجنة مسلمي إفريقيا، ولد مسيحياً وتربى في أحضان الكنيسة البروتستانتية حتى أصبح قسيسا بكنيسة الرب، ومندوبا وراعيا لها في مقاطعة فيتينغيني من سنة 1938 حتى اعتناقه الإسلام سنة 1993 م.
كان الحاج رشيد قبل إسلامه من أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين، ولكن الله تعالى من عليه بنعمة الإسلام ليتغير مسار حياته من قسيس نصراني إلى داعية مسلم.
وقد أسلم معه يوم إعلان إسلامه كل أتباع كنيسته الذين قدروا بثلاثمائة شخص، وحول الكنيسة الطينية التي أقامها على قطعة أرض له إلى مسجد، ثم من الله عليه بنعمة أداء فريضة الحج التي غيرت مسار حياته مرة أخرى، وزادت من حبه للإسلام والدعوة إلى الله تعالى ليهب نفسه للدعوة في سبيل الله، ويضع نصب عينيه إعادة بنى قومه إلى دينهم الأصلي : الإسلام، وبعد عودته مباشرة من الديار المقدسة، هدى على يديه أزيد من مائة من أبناء قريته إلى الإسلام بعدما كانوا مسيحيين.
وقد أجرينا معه هذه الحوار على هامش حفل أقيم للمهتدين الجدد بقريته.
* الحاج رشدي هل لكم أن تحدثونا عن كيفية اعتناقكم الإسلام ؟
لقد كنت قسيساً للكنيسة وممثلاً لها في منطقتي، وكنت أدعى جورج شاي مكتوب، وقد قضيت مدة تزيد عن الخمسين عاماً في هذا المنصب، اطلعت خلالها على كامل ما جاء في الإنجيل من آيات وسور وقصص عن عيسى وحوارييه.
واكتشفت أن ما يسميه المسيحيون الكتاب المقدس كتب بعد الصلب المزعوم للمسيح بحوالي مائة عام على يد بولس الرسول وغيره. كما اكتشفت من خلال الكتاب المقدس أن عيسى – عليه السلام - كان نبياً لم يكن ابن الله أو إلهاً كما يزعمون، وقد أشار الكتاب المقدس إلى أن عيسى لم يدخل الكنيسة قط ولم يأمر ببنائها، بل كان يؤدي صلواته في المعابد التي تشبه المساجد عند المسلمين. وقرأت في الكتاب المقدس أيضاً أن الختان ليس من عادات المسيحيين وأنه لا يدخل الكنيسة من كانا مختوناً، وهذا كلام بولس الرسول بالطبع وليس كلام عيسى المسيح عليه السلام. فقد أمر المسيح بالختان http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1216544469untitled-2.jpgوكان مختونا. وعرفت أن الدين الوحيد الذي يأمر بالختان هو الإسلام ومن عادتنا نحن أهل غريامة أن يختن الصبي في أسبوعه الأول ولا مكان لغير المختونين في قبيلتنا..
من هنا توصلت إلى أن ديننا الأصلي نحن أهل غريامة هو الإسلام، وأن مكاننا الحقيقي الذي يجب علينا أن نتواجد فيه هو المسجد فنطقت الشهادتين أمام الملأ وتبعني ثلاثمائة شخص من أتباع كنيستي في نفس اليوم، وحولت مبنى الكنيسة التابع لي والمقام على أرضى إلى مسجد ولكن الكنيسة لم تدعني وشأني حيث قاموا بإغرائي أولا، ولما امتنعت أخذوا مني كل الامتيازات التي كنت أتمتع بها وأولها راتبي الشهري الذي كنت أتقاضاه منهم، والعطايا التي كانت تجمع لي من قبل أتباع الكنيسة في كل المنطقة التي كنت مندوباً فيها والسيارة ولكني ما زلت مصراً على اتباع عقيدة التوحيد.
* كيف كان شعوركم عن تلقيكم نبأ الذهاب إلى الحج، وكيف كان تصوركم له قبل ذلك ؟
عندما كنت مسيحيا كنت أقرأ عن نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل وعن بناء بيت اسمه الكعبة، وكنت أعتقد أن هذا ضرب من التاريخ فقط، ولم يعد له مكان في يومنا هذا، ولما أسلمت عرفت أن الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، وأن الذهاب إليه واجب شرعي على القادر، ولم أتصور أن أحظى يوما ما بفرصة أداء هذه الفريضة ؛ لهذا فقد كان خبر الذهاب إلى مكة مفاجأة لم أتوقعها قط في حياتي.
وقد حاول أبنائي وأقربائي منعي من الذهاب خوفاً علي من الموت أو عدم العودة ولكنني أصررت على موقفي مهما كلفني الأمر، وتجدر الإشارة هنا إلى أن أبناء غريامة يعتقدون أن كل من يذهب إلى الحج لن يعود إلى بلاده أبداً بل يصعد من هناك مباشرة إلى السماء، وقد تخلف زميلي الذي رشح هو الآخر لمرافقتي إلى الحج خوفاً من هذه الخرافة، لقد بكت عليّ كل الأسرة وأنا أودعهم ولم يكن أحد منهم يتوقع عودتي للديار سالماً.. في الحقيقة لقد غير ذهابي إلى الحج وعودتي تصور الناس الخاطئ لها.
* كيف وجدت الديار المقدسة ؟
في الحقيقة لم أكن أتصور أن أكون وسط هذا الازدحام الكبير الذي شهدته في مكة كما لم أعش في حياتي مواقف إيمانية مثلما عشتها في الحج، لقد جمعت مكة كل شعوب العالم وجنسياته، فأدركت http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1216544513untitled-5.jpgأن الإسلام دين العالمين وليس للعرب فقط كما يعتقد الكثيرون، وأدركت معنى (الحمد لله رب العالمين) التي نقرؤها نحن المسلمين أكثر من عشرين مرة في اليوم.
* ما التغيير الذي أحدثه الحج في حياتكم ؟
لقد أصبحت اعتقد منذ اعتناقي الإسلام أنه هو دين الحق، وكنت أتحرك كلما سنحت لي الفرصة لدعوة بني قومي أي أنني كنت فقط استقطع مما فضل من وقتي للدعوة ولكن اعتقادي ازداد بل تضاعف مباشرة بعد أداء الفريضة التي قريتني من الله تعالى، وتضاعف بسببها نشاطي الدعوي، لقد وهبت نفسي لدعوة بني قومي وإرجاعهم إلى دينهم الأصلي الإسلام، وبدأت أول ما بدأت به قريتي التي أسلم فيها أزيد من مائة شخص بعد عودتي مباشرة من الحج بعدما كانوا كلهم مسيحيين. فأغلقت الكنيسة التي كانوا يتعبدون فيها، لقد كنت قبل ذهابي إلى الحج مثل الممرض الذي يداوي الجروح والخدوش وصداع الرأس والبطن فقط أما بعد ذهابي وعودتي من الحج فصرت كالطبيب الذي حصل على دبلوم عال يمكنه من القيام بالعمليات الجراحية المعقدة جدا، لقد تغيرت من ذلك الداعية البسيط المحدود الحركة إلى داعية يحاول إصلاح بني قومه كلهم وإرجاعهم إلى دينهم الأصلي بما أوتيت من قوة.
* كيف ترى مستقبل الدعوة في المنطقة ؟
لقد دخلت المسيحية إلى البلاد قبل حوالي مائة سنة على يد المستكشفين وتجار الرقيق الأوربيين بحجة تحرير الإنسان الإفريقي من العبودية والرق. بينما وصل الإسلام إلى المنطقة عن طريق تجار العرب والمسلمين الأوائل الذين نشروا الإسلام بحميد أخلاقهم قبل مئات السنين. لقد قام المبشرون بإنشاء كنيستين هما فري تاون FREE TOWN بممباسا وكنيسة MISSION SOCIETY في رباي وتسمى أيضاً كنيسة الدكتور كرافت بنسبة إلى مؤسسها، وقد أقام المبشرون معسكرين لأبناء المنطقة في كلا الكنيستين ليؤسسوا نواة من المسيحيين الأفارقة.
وساهم هذا في طمس الهوية الإسلامية للإنسان الغريامي ولجوء الغالبية العظمى منهم إلى داخل الغابات هروبا بدينهم وخوفاً على أبنائهم من الرق والعبودية التي كان يمارسها من يسمون بالمستكشفين الأوروبيين، وقد ازداد النشاط الكنسي بالمنطقة في العقود الأخيرة بينما انحسر دور العرب المسلمين في الاهتمام بالتجارة فقط داخل المدن، وقد أدت كل هذه العوامل إلى طمس الهوية الإسلامية http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1216544551untitled-6.jpgللأجيال الجديدة من أبناء المنطقة ووقوعهم فريسة سهلة في يد المبشرين.
ورغم ذلك فإنك ترى أن كل شيء في المنطقة يدل على أن الإسلام كان هنا في الماضي القريب، فأسماؤنا مسلمة، وعادات الغالبية منا توافق تعاليم الإسلامي وسننه مثل الختان ودفن الميت، والامتناع عن أكل الجيف وما لم يذكر عليه اسم الله، كما أن لدينا قابلية كبيرة جدا للدخول في الإسلام أو بالأحرى العودة إليه، ولو اهتم العرب مرة أخرى بالمنطقة ودخلوا غاباتها وأدغالها، لعاد الناس كلهم أو على الأقل الغالبية منهم إلى الإسلام في زمن قياسي جداً فنحن لا نرى في المنطقة سوى منظمة إسلامية وحيدة تهتم بالدعوة وهي لجنة مسلمي إفريقيا وبعض الحركات الفردية المحتشمة بينما تهتم باقي المنظمات الإسلامية الأخرى بالعمل في المدن فقط.
واسمحوا لي أن أستغل هذه الفرصة لأوجه نداء إلى كافة المنظمات الإسلامية للاهتمام بأبناء غريامة وتسيير قوافل لدعوة الناس وإرشادهم داخل الغابات، كما أدعو كافة المحسنين لبناء مساجد ومدارس إسلامية بالغابة وتوفير أئمة ومدرسين ودعاة لتعليم أبناء المسلمين وإنقاذهم من براثن الجهل والتخلف، وحمايتهم من الكنيسة ولإرشاد الناس إلى الحق.
* ما هي أمنيتكم ؟
أتمنى أن يأتي يوم يعود فيه كل أبناء غريامة للإسلام. كما أتمنى أن أتمكن من إصلاح ما أفسدته عندما كنت مسيحياً، وأتمنى أن يحصل عدد أكبر من أبناء غريامة على فرصة للذهاب إلى الحج في المرة المقبلة لاعتقادي الجازم أن هذا أحد أهم السبل لتغيير واقع قومي وإقناعهم بالعودة إلى الإسلام.
المصدر: موقع التاريخ
http://www.altareekh.com/

القلب الحزين
15-12-2013, 07:12 PM
قصة إسلام شنودة وحنا



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1209631625323695818_9993240d29.jpgالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. هذه هى قصة إسلام الأخوة الثلاثة النصارى الذين منّ الله عليهم بالإسلام وكنت بفضل الله سبباً فى ذلك وكنت أنوي أن لا أنشرها حتى تكون لله فقط إلى أن أشار علىّ أحد أهل العلم بنشرها لما فيها من فوائد.
تبدأ أحداث هذه القصة بعد صلاة فجر أحد الأيام عندما كنا نصلي بالمسجد الجامع بمنطقتنا وبعد أن صلينا كنت أقف مع أحد إخواني بجوار المسجد للإطمئنان على أخباره حيث أنه كان مشغولاً الفترة التى قبل هذه القصة مباشرة ولم أكن أراه إلا مرة واحدة فقط كل أسبوع وأثناء كلامي مع أخي هذا فوجئنا بشاب يقترب منا ويسألنا عن أقرب عيادة لأحد الأطباء أو مستشفى وكان ظاهراً عليه علامات الإعياء والمرض الشديد فعرفنا سريعاً أنه ليس من أهل الحي الذي نسكنه لعدم معرفته بالأطباء الموجودين أو المستشفيات وكان الوقت مبكراً جداً( بعد صلاة الفجر ) وكان صديقي على موعد للسفر فودعته سريعاً ثم اصطحبت السائل هذا إلى مستشفى صغير تسمى نهر الحياة هى الوحيدة القريبة منا والتى هى تعمل فى ذلك الوقت وللعلم فإن هذه المستشفى يملكها النصارى ويديرها النصارى ولا يعمل بها إلا نصارى وكانت هذه المستشفى تبعد عنا مسافة واحد كيلو متر تقريباً .
وبعد مائة متر فقط وجدت أن هذا المريض بدأت تزداد عليه علامات الإعياء والتعب ولا يستطيع أن يمشي فعرضت عليه أن أحمله ولكنه رفض في بادئ الأمر ولكن بعد ذلك شعرت بأنه فعلاً لن يستطيع أن يكمل المسافة إلى المستشفى ماشياً بجواري فحملته على كتفي بقية الطريق وحتى أُهون عليه وأُنسيه آلام المرض فتحت معه حواراً للتعارف بيننا فبدأت بذكر إسمي له ومكان سكني فسكت هو ولم يخبرني بإسمه فسألته عن اسمه حتى أُخرجه من دائرة الألآم بكلامه معي فأخبرني باسمه فقال ( مجدي حبيب تادرس).
فعلمت أنه نصرانى وعلمت لماذا لم يرد أن يخبرنى باسمه من تلقاء نفسه ثم توقع هو مني أن أُنزله من على كتفي وأتركه يكمل طريقه بنفسه فقال لى الله يكرمك يا شيخ أحمد نزّلني واذهب أنت حتى لا أُؤخرك فقلت له إن ديننا لا يأمرنا بذلك إنه يأمرنا بإسداء المعروف وفعل الخير لكل الناس ومساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف وبدأت أذكر له أكثر من ذلك طمعاً في إسلامه أو على الأقل أن يعلم حقيقة ديننا وأنه دين الرحمة فى مواطن الرحمة وأنه ليس دين الإرهاب وأن الآيات الحاثة على الإنتقام من الكافرين لها مواطنها وهى الحرب وما إلى غير ذلك من توضيح روعة الإسلام فشعرت أن ذلك يشق عليه لأنه مضطراً أن يسمعني وهو لا يستطيع ذلك لشدة الألم الذي كان يشعر به فسكت عن الكلام حتى وصلنا إلى المستشفى وعندما وصلنا إلى هناك وجدنا العاملين بالمستشفى نائمون فتعجلتهم بفتح الأبواب وإيقاظ الأطباء فرأيتهم يتحركون ببطء شديد مع أن المريض(مجدي) يتأوه ويتألم بأعلى الأصوات ففطنت أنهم يهملوننا لأنني مسلم ( ذو لحية ) .
فبادرت بالنداء على المريض باسمه الذي يفهمون منه أنه نصراني فقلت له ( يا جرجس أقصد يا مجدي ) كأننى أخطأت عندما ناديته ولكن في حقيقة الأمر كنت أنا أتعمد ذلك ( وما ذلك إلا لأن اسم مجدي هنا فى مصر من الأسماء المشتركة بين المسلمين والنصارى فإذا قلت يا مجدى لن يفهم العاملون أنه نصراني مثلهم)
وتوقعت أن العاملون بالمستشفى لن يزيدهم شيء معرفة أن هذا المريض نصراني ولن يزيدهم نشاطاً وإسعافاً للمريض معرفة ذلك من عدمه ودعوت الله بذلك أى أن لا تتغير معاملتهم للمريض بعد معرفة أنه نصراني مثلهم.
وبالفعل تم ما توقعته وما دعوت الله من أجله وكان سبب توقعي لذلك أن هذا الوقت من الأوقات العزيزة على الإنسان ويحب فيها النوم وأن الله أخبرنا أنه أغرى العداوة والبغضاء بين النصارى بعضهم البعض وكان سبب دعوتي أن يتم ما أتوقعه وأن يرى هو بنفسه الفرق فى المعاملة بين المسلم والنصراني، فالمسلم ليس من دينه ولكنه ترك وقته ومصالحه ومشى به حاملاً إياه على كتفه، والنصارى بني دينه أهملوه مع ما يجده من شدة الألم، وبعد أن وجد هو بنفسه هذه المعاملة السيئة منهم، وجدته يبكي فقلت فى نفسي أتتك فرصة كبيرة إنه يبكى حزناً على انتمائه لهذا الدين وأنه لا يحث متبعيه على هذا السلوك الذي سلكته أنا معه، فبدأت أطمع أكثر في إسلامه وقلت إنه الآن أقرب ما يكون إلى الهدى.
فقمت بتعنيف العاملون ونهرتهم على عدم إسراعهم فى إسعافه ثم حملته الى السرير للكشف عليه لتشخيص حالته وإعطائه بعض المسكنات حتى يهدأ ويشعر بالراحة فرفضوا أن يقوموا بالكشف عليه من الأساس إلا بعد دفع قيمة الكشف فسألتهم عن القيمة فقالوا إنها ثلاثون جنيهاً فقال هو لا يوجد معه غير خمسة جنيهات فرفضوا أن يبدأوا الكشف إلا بعد دفع القيمة كاملة فصرخت فيهم: كيف تعلقون حياة شخص على دفع قيمة الكشف مقدماً، فرفضوا ولم يكن معي وقتها أى نقود فليس من عادتي أن أخرج إلى صلاة الفجر مصطحباً نقوداً، ولكن كانت معى ساعتي اليدوية الخاصة بي وكانت قيمتها تتعدى خمسمائة جنيهاً، فعرضت عليهم أن يأخذوها ويتموا الكشف على المريض وإن لم أحضر لهم المبلغ كاملاً قبل يوم واحد تكون الساعة ملكهم فوافقوا هم على ذلك وكل ذلك يحدث أمام هذا المريض (مجدي).
فبدؤوا بالكشف عليه فشخصوا حالته على أنها بعض الحصوات في الكلى وأعطوه بعض (المسكنات) تحت حساب الساعة طبعاً
ثم جلست بجواره على سريره حتى يطمئن بوجودي بجانبه وبالفعل أخذ يمسك يداي ويقبض عليها كأنه يريد أن يشكرنى فبادرته بقولى (متخفش أنا معاك لغاية ما تكون احسن من الأول).
فابتسم وقال بصوت خافت: "هوا كل المسلمين مثلك"
فقلت له: "إن هذه هي تعاليم ديننا لكل المسلمين وأن الذي لا يفعل ذلك هو المخطأ فليس العيب في الدين ولكن العيب في الذي لا يتمسك به"
فنظر إلي وقال مبتسماً (إنت خلبوص أوي يا شيخ) فبادلته الضحك وتبادلنا الضحكات والقفشات حتى أُؤنسَهُ.
فلما بدت عليه علامات الإرتياح وذهاب الألم طلب منا العاملون بالمستشفى مغادرتها لأن المبلغ الذي سيأخذونه مقابل الكشف فقط وليس مقابل الإقامة فعلى صوت المريض (حرام عليكم أنتم مبتخافوش ربنا أنا لسه عيان)
فعرضت عليه أن يأتى معي إلى بيتي فرفض وقال بل اصطحبنى إلى بيتي أنا فوافقته على أن أجلس معه أمرضه ولأجل لو ساءت حالته، خاصة أنه يسكن وحده وهو ليس من أهل الحي فوافق على ذلك ثم خرجنا معاً من هذه المستشفى إلى منزله ثم ذهبت إلى منزلي لإحضار نقود ثم ذهبت إلى المستشفى فأعطيتهم النقود واستردت ساعتي ثم خرجت منها الى السوق فأحضرت طعاماً ثم عدت إلى مجدى فوجدته نائماً، فلم أرد أن أوقظه فتركته نائماً وقمت أنا بإعداد الطعام فلما انتهيت منه ذهبت إليه وجلست بجواره والطعام مجهز فلما استيقظ هو أطعمته ثم ذهبت لإحضار الدواء وعندما عدت وجدته نائماً فلما استيقظ أعطيته الدواء وأطعمته.
وهكذا ظللت معه أربعة أيام لا أتركه إلا للصلاة ثم أعود إليه مسرعاً أُطعمه وأعطيه الدواء وأغسل له ملابسه وأسهر بجواره ولا أنام حتى ينام هو وإذا استيقظ استيقظت معه لعله يحتاج مساعدتى وفى خلال هذه الأيام أُلمّح له عن بعد بأن ذلك من تعاليم ديننا بدون توجيه مباشر مني حتى لا يفهم أني أفعل ذلك حتى يدخل فى الإسلام فقط فقد كان شاباً ذكياً جداً.
وبعد أن أتم الله له الشفاء قلت له: "إنت الآن كويس لا تحتاجنى معك سأتركك وإذا شعرت بأي ألم اتصل بي وستجدني عندك بأسرع ما يمكن".
وكانت المفاجاة المذهلة العظيمة الجميلة... إنها بركة العمل قد حلت سريعاً... إنها المكافأة من الله لمن عمل لنصرة دينه... إن هذا الشاب (مجدي) يسألنى سؤال... إنه أجمل سؤال سمعته بأذني في الدنيا... إنه يقول لي... كيف أستطيع أن أدخل في الإسلام.
فلم أتمالك نفسي من البكاء الشديد، وكان لهذا البكاء منى (الغير متكلف) مفعول السحر عند هذا الأخ، فقام واعتنقني واعتنقته، فأرشدته إلى الشهادتين والغسل.
ومكثنا معاً لمدة شهرين تقريباً (أقرب شخصين إلى بعض) أعلمه مبادئ الدين ثم قام بإشهار إسلامه في الأزهر الشريف وطلب منى أن أختار له اسماً في الإسلام، فاخترت له اسم (عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرؤوف)، ففرح به كثيراً وطلبت منه أن يتكتم الأمر حتى ندبر له أمور معيشته في مكان بعيد عمن يعرفه من أهله حتى يستتب له الأمر.
ولكن بعد يومين فقط حضر له أخواه ليقيما معه فشعرا بتغير كبير على أخوهما حتى علما بإسلامه عن طريق الخطأ منه فعنفاه وضرباه ومنعا عنه الطعام وعذبوه تعذيباً شديداً حتى يعود إلى دينه ولكنه كان كالجبل فلما جربا معه كل المحاولات لرده إلى النصرانية فكرا في إلقاء الشبه عليه حتى يشككوه في الإسلام ويعود الى النصرانية ولم يجدا أفضل من الشخص الذي دعاه للإسلام بأن يظهرا عجزه عن نصرة الإسلام أمامه فطلبا منه أن أحضر لمناظرتهم ففرح هو بذلك كثيراً وطلب منى الحضور ودعونا الله أنا وعبد الله أن يمنّ عليهما بالإسلام
وبالفعل حضرت لمناظرتهما فمكنني الله من إبطال شبههما، ثم أوضحت لهم المتناقضات التي فى عقيدتهم، وظل أخوهم يتحدث بأسلوبه معهم حتى طلبا الدخول في الإسلام.
ثم أسلما والحمد لله
ثــــم أسميتهمــــــــا
(عبد المحسن بن عبد الرحمن بن عبد الرءوف)
و (عبـــد الملـــك بن عبد الرحمن بن عبد الرءوف)
وبعد أقل من شهر توفى الأصغر منهم (عبدالله) وهو يصلى قيام الليل وهو يتلو قوله تعالى:
{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }
ثم كفناه وصلينا عليه ودفناه فى مقابر المسلمين.
رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته وألحقنا به على خير
فلقد عرفته أقل من شهرين لم يفطر فيها يوماً فقد صام كل أيامه فى الإسلام ولم يترك ليلة لم يقمها، وحفظ ثلث القرآن وفى ليلة
وفاته أتياه سيدنا (سلمان الفارسى وتميم الداري)، وقالا له: "أكمل عندنا يا عبدالله"
كلما تذكرته لا أتمالك نفسي من البكاء وكانت هذه قصة (عبدالله )
أمّا عن قصة المناظرة التى بينى وبين (شنودة) و(حنا) أقصد بالطبع (عبد المحسن) و(عبدالملك ) فلها أيضاً قصة مشوقة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أراد نشر القصة، فله ذلك شرط أن ينشرها كاملة
يمكن مراسلة صاحب القصة على الإيميلات التالية:
[email protected]
[email protected]

القلب الحزين
15-12-2013, 07:15 PM
هذه المقالة طويله شوي

كنت نصرانيـا ـ قصة واقعية لشاب جزائري
( 1 )


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12066969951364989499_23dd50ae0f_m.jpgتأليف : محنــــــــــد أزواو
[email protected]
مقدمـــة
الحمد لله رب السموات والأرض، الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النّور، الذي يهدي الضال ويعفو عن السيئات.
اللهمّ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، تعرف سرّ قلبي، عليك توكلت، أشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا ( صلى الله عليه وسلم) عبده ورسوله، هو أسوتي في العبادة الحقّة لله.
يظل التنصير خطرا داهما، كل مسلم مدعو لمجابهته، ليس بالعدوان، لكن بتحصين كامل ضد هذه الآفة التي تأتي لتضاف إلى مختلف الظواهر التي تهدد مجتمعنا الإسلامي عامة، ومجتمعنا خاصة.
بعيدا أن يكون هذا الكتاب شبه اضطهاد، ما هو إلا إيقاظ لضمائر من يجهلون هذا الخطر.
وهي نجدة للنصارى الذين – ربما – هم مرهقون بالشكوك، وهي كذلك ذكرى لأولئك الذين يصرون ويتشبثون في ضلالهم، في هذه العقيدة الخاطئة المحرّفة، والتي هي بعيدة عن أن تعتبر كرسالة حقّة من الله إلى الناس.
إذن بدافع الحبّ للحقيقة والاحترام الذي أكنّه تجاه جميع المسيحيين، خاصّة أولئك الذين كانوا في الماضي إخوة لي في الإيمان، أتوجّه إليهم بالنية الصادقة، والباعث على ذلك واجب تنبيههم تجاه الشذوذ الموجود في الإنجيل.
يا أيها النّصارى إنّي لا أشك في صدقكم، ولا في حبّكم لله، ولا في النّور الذي ترونه في كلام عيسى ( عليه الصلاة والسلام )، ولا في نشوة الإخاء التي تعيشونها معا.
إنّي أطرق باب قلوبكم، ودعوني أبوح لكم بقصتي التي سأحكيها لكم بكل وفاء، لا تتسرعوا في الحكم عليّ، لكن ابدؤوا أولا بفهمي.
دعوا إذن جانبا أحكامكم المسبقة، ولنبحث معا عن الحقيقة بكل موضوعية، ولندعوا الله ليهدنا سواء السبيل لأنّ :" كل من يدعو يستجاب له، وكل من يبحث يجد، ويفتح لكلّ من يدق الباب " كما جاء في العهد الجديد.
...أحكي لكم شهادتي عسى أن تكون نافعة لكم، إن شاء الله، وأعلم علم اليقين، أنّي لست الوحيد الذي مرّ بهذه التجربة، والكثير من النّصارى سيعرفون أنفسهم من خلال هذه الشهادة.
(فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ) [سورة: الأعراف - الأية: 176].
سفر التكوين أو بداية المأساة
في سنة 1995، سنة اعتناقي للنصرانية، كانت الجزائر في أوج الغليان، الركود في كل مكان، وعلى جميع المستويات، منطقتنا القبائل، لم تلمسها حقا ظاهرة الإرهاب، ولكن كنّا نعيش المقاطعة الدراسية، ولست بصدد تقديم درس في التاريخ، ولكن لأصف لكم كيف كانت تلك الحالة مرتعا خصبا لأكون فريسة للتنصير.
كان عمري آنذاك 20 سنة، وكنت طالبا ثانويا، إيماني بالله كان دائما في قلبي، ولم أشك أبدا في وجود الله، أليس كل هذا الخلق وهذا التنظيم الرائع والمنسجم للكون والحياة، يشهد على وجوده ؟! (إِنّ فِي ذَلِكَ لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ) [سورة: الرعد - الآية: 3]
لكن : " قال الجاهل في قلبه : لا يوجد إله !" ( مزامير : 14 نص 1).
عبادة الله كانت دائما بالنسبة لي أمرا محوريا وجوهريا، كنت أقول في قرارة نفسي : يوما ما حتما سألتزم في سبيل الله... أعترف أنّني كنت في تلك المرحلة لا أعرف شيئا عن الإنجيل، وأنّ معرفتي بالإسلام كانت سطحية.
لم أقرأ قط القرآن الكريم، سوى بعض السور والآيات، شيء غريب، أغلب النّاس يقرؤون مختلف الكتب التي هي أقوال البشر، ولكن لا يقرؤون القرآن، كلمة الله إلى البشر... لا نعرف أيّ " سحر " يصدّ الناس عن قراءة هذا الكتاب، هل هو مخصّص فقط للأئمة ؟!
في تلك المرحلة لم أكنّ متديّنا، ولا ممارسا لواجباتي الدينية.
كانت المطالعة تسليتي المفضّلة، فكانت بالتالي ملاذي الوحيد للهروب من الغمّ اليومي : الروتين والقلق.
لقد كانت قراءاتي عامة، تقوم أساسا على الفكرة الغربية، الفكرة التي لا تنفصل بتاتا عن أسلوب الإنجيل، فكان من الصعب جدّا الهروب من التطلّع على زيادة المعرفة بهذه العقيدة، إذ كنت ألتقي دوما بكلمات من الإنجيل، مثل : " تحابوا فيما بينكم "، " أحب الربّ من كل قلبك، بكل روحك، وبكل أفكارك ".
هذه الكلمات أثرت فيّ بعمق، لأن ميلي إلى الجانب الروحي كان مفرطا جدّا، إلى درجة أنّي كنت أصاب بالذهول أثناء قراءتها، وهذا ولّد لديّ رغبة ملحة وعارمة لقراءة الكتاب المقدّس، فقط قراءته، وليس لكي أتنصّر !!.
كانت في قريتنا عائلة نصرانية جزائرية كنت لا أعرفها جيدا خاصة ربّ العائلة الذي كان يعيش في عزلة تقريبا.
لا أدري كيف أصفهم ؟ كانوا مسالمين محترمين محبوبين...وبكلّ إيجاز واختصار : كانوا نصارى صادقين يُنَفّذون وصايا يسوع بقدر المستطاع.
فبدأ اهتمامي بهؤلاء النّصارى، يزداد أكثر حتى وضعت نصب عيني هدف تزويدي بالإنجيل، فاتّصلت بإبن هذا النّصراني الذي كان شابا في مثل سنّي، أخذ كل واحد منا يقترب من الآخر، وكنّا كثيرا ما نتحدث عن مواضيع روحية حتّى أصبحنا متجاوبين معا، إلى غاية اليوم الذي وعدني فيه بإحضار العهد الجديد وكتاب حكم سليمان.
وهو ذاهب إلى السفر أوصى والديه بإعطائي الكتب، اليوم الذي بعده – إن كانت ذاكرتي قوية وجيدة – ذهبت إلى أبيه لآخذ التصانيف الموعودة، وأثناء تلاقينا، قررنا السير لتبادل أطراف الحديث... أحضَر الكتابَين...وضعهما في جيبه... وذهبنا في نزهة... لن أنسى أبدا ذلك الوقت الذي أمضيناه معا، حقا لقد بهرني الرجل في ذلك اليوم، لا جرم أنّه كان يعيش في عزلة، لكنه يخفي حتما أمورا ما!.
ونحن نسير معا، قبل غروب الشمس، كان يحدثني عن حياته، وعن التغيير الذي أحدثه فيه يسوع، وفسّر لي كيف كان يعيش فيما مضى في الظلمات والذنوب، وكيف أنّ يسوع أنقذه، وأخذه إلى النّور، والطمأنينة والسعادة.ومنذ تلك اللحظة وآلة الاقتناع بدأت تفعل فعلها فيّ طبعا، كان الرجل يظن أنّ الروح القدس هو الذي يساعده في الوعظ، أما أنا فلم أكن أعلم أنّه كلما توغلنا في ظلام الليل، كلما توغلت في ظلام التنصير.
إنّ خطة الوعظ عند المنصّر يتمثل في إقناع الشخص الذي يعظ، والإثبات له بأنّه نجس، دنس، غارق في الظلام، وذلك طبعا لفطرتنا، لأن أبوينا – آدم وحواء ( عليهما الصلاة والسلام ) – هما أول من أذنب، وبعد أن يقتنع الشخص بهذا، يعرفه بالوجه المخالف، قداسة الربّ، مجده، طهره، مما يجعل الشخص في حيرة من أمره :
فكيف يمكن له أن يتوب إلى الله المقدس الطاهر، وهو ملوث بالذنوب والدنس؟
ثم ينتقل المنصّر إلى الطور الأخير، ضاربا الضربة القاضية، تلك التي تطمئنه، بأنّ الله يحبه ويريد أن ينقذه من هذا، ثم يتلو عليه النص المشهور، والذي حسب النصارى يختصر الكتاب المقدس " لكن هكذا أحبّ الله العالم حتى وهب ابنه الأوحد، فلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية " ( إنجيل يوحنا : 3 نص 16).
إذن " بوسيلة الإيمان " يكون الخلاص، وذلك بأن تعتقد أنّ يسوع هو " ابن الله " ومات على الصليب من أجل ذنوب البشر، وأنّ الخطايا دفنت معه في القبر، ثم في اليوم الثالث يبعث نقيا منيرا، تاركا الذنوب تحت التراب.
فيكون الشخص إذن أمام اختيارين :
- إما أن يؤمن بهذا وذنوبه كلها مغفورة، وهذا يؤهله إلى حياة منيرة أبدية، وهو مبرأ أمام الربّ بهذه العقيدة.
- أو يجهل كلّ هذا، ويموت بذنوبه، وسيكون مستوجب العقاب الأبدي ( إنجيل مرقس : 16نص 15).
أعزائي القرّاء ؛ هلاّ فهمتم عملية التلاعب هذه ؟
إنّ الاعتقاد في النصرانية يتمثل في اعتقاد أعمى !
ألم يأت في الإنجيل : " إن آمنت تشاهدين مجد الله " ؟ ( إنجيل يوحنا :11 نصّ 40).
فالواعظ إذن يجمّد عقلك، ويركز على العواطف فقط.
إنّه يثير فيك شعور الإحساس بالذنب، والخوف من الموت بذنوبك من جهة، ومن جهة أخرى يثير فيك شعورا بالأمل.
وبهذه الكيفية وقعت في هذه الحيلة، ونحن نسير في منتصف الليل، وأنا لا أميّز تماما وجه المنصّر، ولا أسمع سوى كلمات سحرية وعذبة مثل العسل.
لم أفهم ماذا يحدث لي ؟ لم أعرف أينبغي لي أن أخاف أم أكون مطمئنا؟
كنت أتساءل في مكنون نفسي: من هذا الرجل ؟ مع من لي الشرف ؟ هل مع الشيطان أم مع ملاك ؟ وقبل أن نفترق قدّم لي الكتابين.
شيء عجيب، منذ ذلك الحين وصورة هذا الرجل لم تعد تفارق مخيلتي...
وصلت إلى الدار وفي ساعة متأخرة من الليل، تناولت العشاء بسرعة، ودخلت غرفتي وبدأت في قراءة العهد الجديد بلهفة شديدة، قرأت إذن الأناجيل، والتي كانت أمنيتي، لقد انبهرت انبهارا شديدا بنورانية كلمات يسوع، كانت لا تتحدث إلاّ عن الحب والمغفرة. وانبهرت من المعجزات والبركات التي يتركها أينما حلّ( عليه السلام).
كان أفقا جديدا فتح أمامي، لقد كان المثل الأعلى !ثم نمّت متأخرا تلك الليلة.
بعد استيقاظي في صبيحة الغد، الأحاسيس التي أحسست بها داخليا كانت نفسها، شعرت أنّي في نور وسعادة، ومنذ ذلك الحين وزياراتي لهذا الشخص النصراني تتكرّر، حتى شعرت أنّي جد متعلق به...
لم أعتنق النصرانية مباشرة... لكن كنت أشعر دوما بشيء ما يدعو قلبي لإعتناق هذه العقيدة، كان هناك حاجزان اثنان: التثليث والإسلام..
غير أنّي – مع فرط ما تحدثت مع النصراني – إتضح لي كل شيء، إذ كان يحدثني عن الإسلام معتبرا إياه عقيدة الشيطان، أمّا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فهو عنده مدّعي النبوة، كان يردد عليّ مرارا كلمة المسيح( عليه الصلاة السلام) في الإنجيل التي يقول فيها : " كل شجرة طيبة تحمل ثمارا طيبة، لكن الشجرة الخبيثة تؤتي ثمارا خبيثة " ( إنجيل متى 7نص 17).
فالإسلام مثل ما يزعمون : شجرة خبيثة : تؤتي ثمارا خبيثة، وثمار الإسلام هي الإرهاب، الجريمة، العنف.
أمّا فيما يخص التثليث فكان يقول لي بأنّ النّصارى لا يعبدون إلاّ إلها واحدا، والذي يتجلّى في ثلاثة أشخاص !! الأب، الابن، الروح القدس !!
والذي يكونوا واحدا وهم متساوون !!ولكي يفسر هذه " الجمبازية الروحية " قدّم لي النّصراني مثاله الشهير : (فالإنسان خلق على صورة الله، مثل ما يقول الإنجيل، فهو يملك جسدا، وروحا ونفسا ولكنّهم شيء واحد).
وبجهل منّي، بدا لي أنّ الأمور واضحة، فلم يبق لي إلا أن أتبنى الجهر بالعقيدة الجديدة، وأن ألتزم في طريق المسيح، والذي صار منذ ذلك الوقت سبيلي وحقيقتي.
وفي صبيحة أحد الأيام، ذهبت إلى النّصراني لأجهر بإيماني، وكم كانت سعادته كبيرة... وأصبحت منذ ذلك الحين " ابن الله ".
ولم أكن أعلم أنّي أمضيت عقدا مع الشيطان.
سفر الخروج
لا يمكن أن تتصوروا ما أحسست به عند بداية إعتناقي للنصرانية، فلقد كانت السعادة التي تغمر قلبي بالغة وفريدة من نوعها، إذ لم أتوقف من ترديد هذه الكلمة الموجهة من طرف " الأب ليسوع" : " أنت إبني الحبيب، وفيك وضعت كامل سعادتي "، وكأنّها كانت موجهة اليّ، أحسست بسكينة عميقة، وبنور استولى على قلبي ؛ لقد كنت مسرورا.
والنّصارى يسمّون هذا "بالحب الأول "، فهم يعتقدون بأنّ هذا التأثير نتيجة إستقبال الروح القدس، روح يتلقّاه كل من يعتقد العقيدة النصرانية.
لقد أحدث معي تغييرا كبيرا، فكان :" سفر الخروج ".
تركت إذن الحياة القديمة لأجل حياة جديدة، مزّقت الكذب الذنوب والظلمات، لأسلك سبيل الحق والنّور، كنت أعتقد حقيقة أنّي بعثت من الأموات مع المسيح من أجل الحياة الأبدية، فكنت أرى الأمور على وجه مخالف، وكنت أجهد نفسي لأزرع الحب والصداقة حولي،أقابل الشر بالخير، الكره بالحب، وكنت أجتنب كذلك الغضب مثلما يوصي الإنجيل.
وهدفي يتمثل في الوصول إلى الطهر والقداسة.
ولأجل هذا، كنت مع إخواني النّصارى، نلتقي مرة في الأسبوع لنقوم بما يسمى "بالتقارب الأخوي"التي كانت بمثابة غذائنا الروحي. فكنّا نتقاسم كلمة الربّ نشكر المسيح يسوع من أجل الذنوب التي غفرها لنا مسبقا، لأنّه مات من أجل خلاصنا.
كنّا نصلي، نغنّي، وفي بعض الأحيان نرقص، نظرا لغلبة النّشوة التي تساورنا.
وكنّا نظن أنّ حضور يسوع هو الذي استقرّ بنا.
ولقد كنّا كذلك- في بعض المناسبات – نقضي الليالي من أجل الاحتفال بميلاد " يسوع"، فنحيي الليل كله ونحن نصلّي ونترنم ب:" محامد ليسوع ".
ومرة في السنة، تقام مؤتمرات، فيها نتشرّف بتلك المناسبة بزيارة أخ لنا من الخارج (غالبا من فرنسا، أمريكا...)، الذين كانوا يقدّمون لنا توجيهات ونصائح تتعلق بعقيدتنا، وبكلمة موجزة، كل هذا كان يعيننا على تجديد وتقوية إيماننا وتوطيد علاقاتنا الأخوية.
إن النظرة المسيحية للأشياء وتفسيرها للظواهر تسير جميع الأصعدة : النّفسية، الاجتماعية، السياسية...الخ،وكلها مرتبطة بالجانب الروحي، وعلى حسب هذا التصور، فإنّ العالم ملك للشيطان، ففيه الصراع بين الظلام والنّور، بين الربّ والشيطان، والذين لا يؤمنون بيسوع ينتسبون إلى الشيطان، وهم في الظلمات، وهم روحيا أموات.
إنّ النّصراني لا يصارع ضد" الجلد والدم "، أي ضد النّاس لكن ضد الأرواح.
فمثلا عندما، يتحدث نصراني مع مسلم، ابتداء يعتقد أنّه يواجه روح الإسلام التي تتعلق بالمسلم وتمنعه من رؤية الحقيقة والإيمان بيسوع مخلّصه.
إنّ النّصراني الذي أهين أو اضطهد من أجل اسم المسيح، ينبغي أن يكون سعيدا، لأنّ يسوع يقول له بأنّ أجره سيكون كبيرا ( إنجيل متى :5 نص 11-12).
ولمّا اكتشف النّاس إعتناقي للنصرانية كان ذهلهم شديدا، وانتشر الخبر ووصل عائلتي، والتي كان ردّ فعلها عنيفا خاصة من طرف إخوتي الكبار.
والله أسأل أن يغفر لي الإضطراب الذي أحدثته لهم خاصة لأمّي، لكن هذه المضايقات لم تثن عزمي، بل بالعكس، لقد زادت قوة إيماني، لأن التزامي كان بصدق، والقضية قضية مبادئ وعقيدة.إذ لا شيء بإمكانه أن يرد قناعتي، في الصلاة كنت أدعو " يسوع" لكي يغفر لهم ويهديهم نحو النّور من أجل أن ينجوا ويفوزوا بالخلاص الأبدي.
إنّ أخصّ ما يميز العقيدة النصرانية هو الأثر الجاسم على الشخص النّصراني، هذا الأخير يكون جد منغلق على إيمانه، فلقد كنت أعيش غيابا كليا عن الحياة العائلية والاجتماعية، في حين أنّي كنت جد مرتبط بإخواني النصارى أكثر من أفراد عائلتي.
لقد كان الإنجيل بالنسبة لي بمثابة ثدي الأم للرضيع، وأنا الذي كنت أحب القراءة وأظهر اهتماما بالغا بالبحث والعلم، كل هذا أصبح بالنسبة لي دون أيّ أهمية، لأن الكتاب المقدس يقول بأنّ :" حكمة العالم جنون بالنسبة للربّ " إذ كل ما ينتسب إلى هذا العالم زائل، محكوم عليه بالفناء.
" تفاهة التفاهات، كلّ شيء تافه " هكذا مذكور في (سفر الجامعة 2 نص 2).
هناك عنصر آخر يجذب ويغري الناس بالنصرانية، ويكون في بعض الأحيان السبب الرئيسي في اعتناقهم لها، وهذا من طرف الكثير منهم، أنّها مسألة " المعجزات " كما في إنجيل مرقس ( أضف إلى معلوماتك أنّه الإنجيل الوحيد الذي يتناول هذا المقطع )( مرقس 16نصّ 17-20)-: فيسوع مدّ بالقدرة الحواريين : طرد الأرواح الشريرة، ومسك الثعابين، وإشفاء المرضى، والحديث بلغات جديدة، بل حتى حسب مقاطع من العهد الجديد : بإمكانهم إحياء الموتى!!
النّصارى يستعملون كثيرا هذه الوسائل في وعظهم لفتنة الناس، ولأنّه طعم فعال يؤكل في الصنّارة !
فأصبحت أحيا دائما بهمّة وحماس، حلمي الكبير أن أصبح من كبار المبشّرين بالإنجيل، واعظا تماما مثل يسوع ( عليه السلام )...تمنّيت أن أسيح في الأرض وأبشّر النّاس بالحقيقة. وحيثما كنت، كنت أبشّر بالمسيحية طبعا، وذلك في الثانوية وفي قريتي، ونتيجة لذلك كنت سببا في ارتداد كثير من النّاس. أتذكر أنّي كنت أستعمل جميع الوسائل التي تبدو لي أنّها لائقة من أجل تبليغ المسيحية للآخَرين.
خذ على سبيل المثال، وفي وسط المدينة كنت أجمع أوراق الأشجار، وأكتب عليها هذه الكلمة " يسوع يحبُّك " فكنت أرميها هنا وهناك، حتى في داخل السيارات عندما أجد النوافذ مفتوحة.
بالتالي سطرت حياتي، فكنت أحيا حياة نصراني طيلة 3 سنوات معتقدا أنّني كنت على الصراط المستقيم، وعلى سبيل الحق دون أن ينتابني أدنى شكّ بأنّ مصيري سيأخذ يوما ما مجرى آخر...
السقوط
مثلما ذكرت سابقا، لقد كان الكتاب المقدّس لي بمثابة " ثدي الأم بالنسبة للرضيع " إذ كنت أقرؤه وأتفحّصه بدقّة، لأنّ تدبر كلمة الربّ هي أكثر من واجب.
ونظرا لقراءاتي المتكررة، صرّت وكأنّي أحفظ العهد الجديد عن ظهر قلب، وخلال قراءاتي أصادف في بعض الأحيان نصوص ومقاطع أجد صعوبة في استيعابها، أو بعبارة أدقّ : في تنسيقها.



يتبـــــــــــــع

القلب الحزين
15-12-2013, 07:16 PM
يتبـــع الموضوع السابق ( 2 )

كنت نصرانيـا ـ قصة واقعية لشاب جزائري


لقد أحدثت لي بلبلة، وسأذكر بعض الأمثلة :
° يسوع مات من أجل جميع الذنوب، إذن فهي كلها مغفورة، فكيف يعقل إذن بأنّ من يجذف على الروح القدس أو يسبّه فهو مذنب بخطيئة أبدية ؟!( مرقس 3 نص 29)،وأنّه ليس بمغفور له البتّة ؟!( متى : 12 نص 31 -32).
وفي المقطع نفسه،يؤكد يسوع ( عليه السلام )على أنّ كل خطيئة ضده فهي مغفورة، ولكن ليس ضد روح القدس، فلماذا إذن هذا الخلاف بين شخصيات التثليث بما أنّها كلها متماثلة ؟!
° لم أتمكن من قبول، كيف أن يسوع " الذي هو إله " لا يعلم متى ستكون الساعة، لكن الأب وحده الذي يعلم !
أليس الله بكل شيء عليم ؟!( متّى : 24 نصّ 36).
° طلب رجل من يسوع : " أيها المعلم الصالح ؛ ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية ؟" وقبل أن يجيب يسوع السائل بماذا يعمل، نبهه بهذه الملاحظة : لماذا تدعوني صالحا ؟ لا صالح إلاّ الله وحده " ( مرقس 10 نصّ 17).
يسوع يصرح بأنّ الربّ وحده هو الصالح، وبالتالي فهو يشهد بأنّه ليس جزءا من الألوهية البتّة!.
° يسوع يصيح على الصليب قبل موته :" إلهي، إلهي، لماذا تركتني ؟!" (مرقس :15 نصّ 34).
على حسب عقيدتي يسوع هو الإله، لماذا نادى إذن يا إلهي ؟!
° لقد حيّرني أن أجد في الكتاب المقدس، كلمة الربّ،مقاطع أو كلمات بين معقوقتين ([]) مثل ما وجد في إنجيل مرقس 16 نص 9-20، والأسوأ من هذا : هو كلمات الشارح في أسفل الصفحة ( مثلما هو الأمر في الكتاب المقدس :" الطبعة الجديدة الثانية المنقحة )" نقرأ مثلا :" 10 النصوص 9-20 موجودة في كثير من المخطوطات، لكنّها غير موجودة في مخطوطات أخرى، وبعض المخطوطات الثانوية تحوي عوض هذه النصوص المفقودة، أو زيادة عليها، خاتمة مختلفة ". فهل هذه هي كلمة الربّ ؟!
° معرفتنا للتثليث واضحة : الربّ، الابن، والروح القدس متساوون، ولكن كيف لنا أن نفهم هذه المساواة عندما نسمع يسوع يقول : " ولأنّ الأب أكبر منّي " ( يوحنا : 14 نصّ 28).
° في الصلاة الكهنوتية ( كما في يوحنا : 17نصّ 3) : يسوع (عليه الصلاة السلام) وحده مع "الأب "، إنّها الفرصة الأفضل أين تعرف عقيدة التثليث وتفسّر نفسها. فكانت المفاجأة الكبرى وأنا أقرأ : "والحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحق وحدك، ويعرفوا يسوع المسيح الذي أرسلته ".
أليست الحياة الأبدية هي في أن توقن بموت وبعث يسوع ؟!فكيف يحدث أن يصرح يسوع بأن الحياة الأبدية تكمن في معرفة الإله وحده.
° لقد حيّرني، أن يضع يسوع نفسه على قدم المساواة مع الناس، وينكر خاصية الألوهية عندما قال :"... لكن اذهبَ نحو إخواني، وقل بأنّي أصعد إلى أبي وأبيكم، إلى ربّي وربّكم " (يوحنا 20-27).
° لقد صدمت عند موت " أنانيس وصافيرة " ( الأعمال 5 نصّ 111) لا جرم أنّهم أذنبوا، لكن عوض تنبيههم ودعوتهم إلى أن يتوبوا، وإذ بالقدّيس بيير يُدينهم، فيموتوا في الحين، ألم يمت يسوع من أجل جميع الذنوب ؟!.
° أليس هو القائل : " إبن الإنسان لم يأت من أجل تضييع أرواح الناس، لكن من أجل إنقاذهم " ( لوقا :9 نص 56).
° بقراءة الأناجيل الأربعة حول موضوع بعث يسوع، وجدتّ أن الروايات مختلفة من كتاب لآخر، فلم أعرف من أصدق.
في بداية الأمر لم أتنبّه لمثل هذه التناقضات، كنت أقول في قرارة نفسي أنّ المشكلة تكمن في سوء فهمي للمعاني، وقلت كما تقول النّصارى إنّ الروح القدس حتما سيفهمني إيّاها !!.
ولكوني صادق في إلتزامي، لم أكن أسمح لنفسي في أن أشكّ في عقيدتي، وفي كتابي المقدّس حتى وإن كانت مثل هذه النصوص تبعث في نفسي الشكّ، كنت أعتقد أنّ الشيطان هو الذي يحاول أن يثنيني عن عزمي، إذ أنّ حتى يسوع وسوس له من طرف الشيطان عبر الكتابات ( كما في متّى : 4 نص 1-11) فكنت أدعو باسم يسوع لكي يطرد الشكّ بعيدا عنّي، إذ الشكّ عدو الإيمان.
في غالب الأحيان كنت أجد الطمأنينة في قلبي، لكن، وفي بعض الأحيان، يراودني الشكّ، فلقد كان بمثابة ضباب يغطّي ويخفي كلّ شيء، وبمجرد إنقشاع هذا الضباب تبرز الحقيقة وتظهر، فكذلك كنت أطرد الشكّ.
... ومع مرور الوقت إذ بالتناقضات تطفو وتظهر، فالطّبع أغلب، كما يقول المثل :" أطرد السّجية تعود جريا".وهذا جلب لي الكثير من التعاسة، والحالة أصبحت لا تطاق...
أعترف أنني عانيت كثيرا...فالحيرة استولت عليّ شيئا فشيئا، وأصبح الأمر بالنسبة لي حقيقة ينبغي أن أوجهها... إيماني بدأ يتزعزع، وناقوس الخطر يقرع قلبي !.
الربّ الذي أعبد والكتاب الذي أقرأ، أصبحا جميعا موضع شكّ.
لم أستطيع البوح بحالي إلى إخواني، كنت بالأمس القريب أنا الذي أثبت قلب من يشك منهم !على أنّي في أحد الأيام، حاولت أن أفعل ذلك... أتذكر أنّي إتصلت هاتفيا بأحد الإخوة النّصارى، قلت له بأنّ الأمور ليست على ما يرام، فنصحني بأن أتوب وأعود إلى وصايا الربّ ( يسوع عليه السلام ) فأجبته بأنّي ليس لديّ مشكل مع الوصايا، لكن مشكلتي بالأحرى مع "الربّ" نفسه !!
وكم من المرّات كنت أركع، مصليا، باكيا، متوسلا يسوع لكي يساعدني للخروج من الأزمة، ولكي يجلّي لي الأمر، لم أكن أبدا مستعدا لأتخلّى عن عقيدتي، إذ كنت شخصا متصلّب الرأي، فمهما يكن الأمر فأنا أحب يسوع... لم يكن سهلا عليّ أن أتخلّى عنه بعد كل الذي عشته، والنّصراني الصادق حتّما سيفهم هذا جيدا !!
ومما زاد من قلقي هو وجود عدة أناجيل مختلفة فيما بينها، مما استلزم وجود عدة طوائف. فكنت أتساءل : هل أمتلك الإنجيل الصحيح والرسالة الإلهية الحقّة ؟
وهل حقيقة أنا على الملّة الحقّة؟.توالت الأيام، وإذ بي أجدني جد منعزل، وأجدني – في قرارة نفسي – أعيش في وحشة شديدة، الإضطراب والغمّ كانا يلازمانني، كنت أتعذب كثيرا وفي صمت.لقد كانت من أصعب أيام حياتي.وبكلمة واحدة: إنّه السقوط.
لم أستطع التحمل أكثر، نفذ صبري، قلت في نفسي : إذن حان الوقت لأن أواجه الحقيقة، وأتقبلها كيفما كانت !ينبغي أن أفعل شيئا ما، لم يكن لي إختيار : - إما أنّي على طريق الحق ؛
- أو على طريق الضلال، فعليّ إذن أن أتوب، وكفاني كذبا على نفسي وعلى الآخرين...
على كل حال، يبقى التحقق من كلا الحالتين.
فجمعت كلّ ما يتحدّث ويُفسّر الكتاب المقدّس، خاصة قضية التثليث، لكن هذا لم يضف لمعلوماتي أي جديد يذكر، ولم يخفف من قلقي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أخذت كل ما يحمل في طيّته نقدا للإنجيل، فقرأت مرتين الكتاب الشهير ( كتاب موريس بوكاي ) : " الإنجيل، القرآن، والعلم "، قرأت – أيضا – كتب أحمد ديدات، مثل " هل الكتاب المقدس كلام الله ؟"،" هل المسيح هو الله ؟"...كذلك كتاب لابن قيم الجوزية :" هداية الحيارى من اليهود والنصارى "، وكتاب لا أذكر مؤلفه معنون ب:" سبحان الله العظيم ".
أعترف أنّني بعد إطّلاعي على هذه الكتب، صدمتي كانت أكبر، وقلقي كان أعمق، إذ لا زلت متشبثا بإيماني والذي أصبح ضعيفا، وبفضل هذه الكتب، زاد علمي بكثير من الأخطاء والتناقضات الموجودة في الكتاب المقدس، التي لا مراء فيها ولا جدل.
أذكر هنا سلسلة من النصوص – والتي لن أعلّق عليها -، وأترك الأمر للقارئ ليتأكد :
° وهكذا إكتملت السموات والأرض بكل ما فيها، وفي اليوم السابع أتمّ الله عمله الذي قام به، فاستراح فيه من جميع ما عمله.وبارك الله اليوم السابع وقدّسه، لأنّه استراح فيه من جميع أعمال الخلق " ( التكوين 1:2-3).
° فقال الربّ " لن يمكث روحي مجاهدا في الإنسان إلى الأبد. هو بشريٌ زائغ، لذلك لن تطول أيّامه أكثر من مئة وعشرين سنة فقط " ( التكوين 3:6)..
وذلك يناقض سفر التكوين 11 من النص 10 إلى 26... أين ذكر أنّ الإنسان يعيش أكثر من 120 سنة !
° ورأى الربّ أنّ شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأنّ كل تصور فكر قلبه يتسم دائما بالإثم، فملأ قلبه الأسف والحزن لأنّه خلق الإنسان " ( التكوين 5:6-6).
° فقال له الربّ، تيقن أنّ نَسلك سيتغرّب في أرض ليست لهم، فيستعبدهم أهلها، ويذلونّهم 400 سنة " ( التكوين 15 : 13)..
وذلك يناقض الخروج 12 النصّ 40 : " وكانت مدة غرّبة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر 430 سنة "
° ( التكوين 19 : 30-38) وملخص الفقرة أنّ لوطا ( عليه السلام ) عندما غادر "صوغر " مع إبنتيه... لجؤوا إلى كهف في جبل... فسقتا في إحدى الليالي أبيهما خمرا... وضاجعت الإبنة الكبرى أباها... فولدت إبنا دعته " موآب "، وهو أبو الموآبيين !!...وكذلك فعلت الإبنة الصغرى، فولدت إبنا ودعته " بن عمي "، وهو أبو بني عمّون !!
أهكذا يفعل حقا الأنبياء ( عليهم السلام ) وهم قدوة البشر ؟!!
° ( التكوين 32 :25-33) الفقرة تتحدث عن مصارعة يعقوب ( عليه السلام ) للربّ !!...إذ رآه وجها لوجه، وصارعه حتى مطلع الفجر : " وعندما رأى أنّه لم يتغلّب على يعقوب !!طلب من يعقوب أن يطلق سراحه...بعد أن يباركه!!.. " فسأله : ما إسمك ؟ فأجاب: يعقوب.فقال : لا يدعى اسمك في ما بعد" يعقوب "، بل " إسرائيل " ( ومعناه : يجاهد مع الله (، لأنّك جاهدت مع الله والنّاس وقدرت " !!وكأنّ هذا إنتاج من " هوليوود " !!أليس هذا إستهزاء ومسخرة بالله ؟!!
° ( التكوين 38 :15-19) " فعندما رآها يهوذا ظنّها زانية لأنّها كانت محجبة، فمال نحوها إلى جانب الطريق، وقال "دعيني أعاشرك "، ولم يكن يدري أنّها كنّته.فقالت :" ماذا تعطيني لكي تعاشرني ؟" فقال " أبعث إليك جديٌ معزي من القطيع " (...) فأعطاها ما طلبت، وعاشرها فحملت منه..."
° ( الخروج :5:20-6) :"...لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ، لأنّي أنا الربّ إلهك إله غيور، أفتقد آثام الآباء في البنين حتى الجيل الثالث والرابع من مبغضي، وأبدي إحسانا نحو ألوف من محبّي الذين يطيعون وصاياي ".
وذلك ما يناقض ( حزقيال 18:20) :" أمّا النّفس التي تخطئ فهي تموت، لا يعاقب الإبن بإثم أبيه، ولا الأب بإثم إبنه.يكافأ البارّ ببرّه، ويجازى الشرّير بشرّه ".
°( صموئيل الثاني 4:8) :"...وأُسر من جيشه ألفا وسبع مائة فارس، وعشرين ألف راجل، وعرقب داود كل خيول المركبات بإستثناء مئة مركبة "
وذلك ما يناقض ( أخبار الأيام الأول 18-4)...وأُسر سبعة آلاف فارس وعشرين ألف راجل، وعرقب داود كلّ خيل المركبات، ولم يُبق لنفسه سوى مئة مركبة ".
° ( صموئيل الثاني 10: 18) :" وما لبث الآراميون أن انّدحروا أمام الاسرائليين، فقتلت قوات داود رجال سبع مائة مركبة، وأربعين ألف فارس، وأصيب شوبك رئيس الجيش ومات هناك ".
وذلك ما يناقض ( أخبار الأيام الأول 19: 18) :"...تقهقر على إثرها الآراميون أمام هجمات الاسرائليين، وقتل داود سبعة ألاف من قادة المركبات، وأربعين ألفا من المشاة، كما قتل شوبك رئيس الجيش".
° ( صموئيل الثاني 1:24) : " ثم عاد فاحتدم غضب الربّ على إسرائيل، فأثار داود عليهم قائلا :" هيّا قم بإحصاء إسرائيل ويهوذا ".
وذلك ما يناقض ( أخبار الأيام الأول 1:21) وتآمر الشيطان ضدّ إسرائيل، فأغرى داود بإحصاء الشعب ".
°( صموئيل الثاني 24: 13) : " فمثل جاد أمام داود وقال : اختر إمّا أن تجتاح البلاد سبع سنين جوع، أو تهرب ثلاثة أشهر أمام أعدائك وهم يتعقّبونك، أو يتفشى وباء أرضك طوال ثلاث أيام...".
وذلك ما يناقض ( أخبار الأيام الأول 12:21) : "...هيا إختر... إمّا ثلاث سنين مجاعة...".
° ( ملوك الأول 26:7) :" وبلغ سمك جدار البركة شبرا، وصنعت حافتها على شكل كأس زهر السوسن، وهي تسع ألفي بثّ، نحو أحد عشر ألفا وخمس مئة جالون من الماء".
وذلك ما يناقض ( أخبار الأيام الثاني 5:4) :"...وكانت تتسع لثلاثة آلاف بثّ ( نحو إثنين وسبعين ألفا وخمس مئة لتر ) ".
° ( ملوك الثاني : 26:8) : '' وكان أخزيا في الثانية والعشرين من عمره حين ملك، ودام حكمه في أورشليم سنة واحدة''.
وذلك ما يناقض ( أخبار الأيام الثاني 2:22) : " وكان أخزيا في الثانية والأربعين من عمره حين تولّى الملك...".
( وقد صحح هذا الخطأ في ترجمة الكتاب المقدس للغة العربية للطبعة السادسة...وهذا ليس من الأمانة العلمية للمترجمين!!).
° ( ملوك الثاني 1:19-7) نفس الفقرة بكلماتها أعيدت في (إشعياء 1:37-7)!!.
° ( المزمور 23:44-26) انظر أخي القارئ كيف يخاطب الربّ الجليل في هذا الدعاء :" قم يارب ؛ لماذا نتغافى ؟ إنتبه، ولا تنبذنا إلى الأبد.لماذا تحجب وجهك وتنسى مذلّتنا وضيقنا ؟ إنّ نفوسنا قد انحنت إلى التراب، وبطوننا لصقت بالأرض. هب لنجّدتنا وأفدنا من أجل رحمتك".
° (حزقيال 23) :" وأوحى اليّ الربّ بكلمته قائلا : يا ابن آدم كانت هناك امرأتان إبنتا أمّ واحدة، زنتا في صباهما في مصر، حيث دوعبت ثدييهما، وعبث بترائب عذرتهما.إسم الكبرى أهولة، واسم أختها أهوليبة،وكانتا لي وأنجبتا أبناء وبنات، أمّا السامرة فهي أهولة، وأرشليم هي أهوليبة. وزنت أهولة مع أنّها كانت لي..." والى آخر الفقرة...
فهل هذا هو كلام الربّ المقدس ؟!...وهل تستطيع –أخي القارئ – أن تقدم على قراءة مثل هذا الكلام على أهلك مثلا؟!.
° ( إنجيل متّى 5:27) : " فألقى قطع الفضّة في الهيكل وانصرف، ثمّ ذهب وشنق نفسه"...
وذلك ما يناقض ( أعمال الرسل 18:1) : " ثمّ إنّه إشترى حقلا بالمال الذي تقاضى ثمنا للخيانة، وفيه وقع على وجهه،فانشقّ من وسطه، واندلقت أمعاؤه كلّها، وعلم أهل أورشليم جميعا بهذه الحادثة، فأطلقوا على حقله إسم " حقل دَمَخ" بلغتهم، أي : حقل الدم..."
وهذا ما يناقض –أيضا(متّى 7:27) :"...وبعد التشاور اشتروا بالمبلغ حقل الفخّاريّ ليكون مقبرة للغرباء...".
°( مرقس 8:6):"وأوصاهم ألا يحملوا للطريق شيئا إلاّ عصا، لا خبزا ولا زادا ولا مالا ضمن أحزمتهم...".
يناقض (لوقا3:9):" لا تحملوا للطريق شيئا : لا عصا، ولا زادا، ولا خبزا، ولا مالا، ولا يحمل الواحد ثوبين...".
°(مرقس 46:10): "ثمّ وصلوا إلى أريحا، وبينما كان خارجا من أريحا، ومعه تلاميذه وجمع كبير، وكان ابن تيماوس الأعمى، جالسا على جانب الطريق يستعطي...".
وذلك يناقض (لوقا 35:18): "ولمّا وصل إلى جوار أريحا، كان أحد العميان جالسا إلى جانب الطريق يستعطي ".
° (يوحنا 31:5) : "لو كنت أشهد لنفسي، لكانت شهادتي غير صادقة".
وهذا يناقض (يوحنا 14:8) :" فأجاب : مع أنّي أشهد لنفسي، فإنّ شهادتي صحيحة".
°(يوحنا 17:20):" فقال لها : لا تمسكي بي !فإنّي لم أصعد بعدُ إلى الأب، بل اذهبي إلى إخوتي، وقولي لهم : إني سأصعد إلى أبي وأبيكم، والهي وإلهكم!".
وذلك يناقض (يوحنا 27:20):"ثمّ قال لتوما :"هات إصبعك إلى هنا، وانظر يديّ، وهات يدك وضعها في جنبي...".
°(متّى 34:27): "أعطوا يسوع خمرا ممزوجة بمرارة ليشرب فلمّا ذاقها، رفض أن يشربها".
وهذا يناقض (مرقس23:15):" وقدّموا له خمرا ممزوجة بمرّ، فرفض أن يشرب ".
° (متّى 46:27):"ونحو الساعة الثالثة صرخ يسوع بصوت عظيم :"ايلي، ايلي،لماذا شبقتني ؟"أي : إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟".
ذلك ما يناقض (يوحنا29:8):"إن الذي أرسلني هو معي، ولم يتركن وحدي، لأنّي دوما أعمل ما يرضيه؟".
° (الأعمال 7:9) : "...وأمّا مرافقوا شاول فوافقوا مذهولين لا ينطقون، فقد سمعوا الصوت ولكنّهم لم يروا أحدا".
وهذا يناقض ( الأعمال9:22):"وقد رأى مرافقي النّور، ولكنّهم لم يسمعوا صوت مخاطبي".
° (الأعمال 10:22) :"فسألت : ماذا أفعل ياربّ؟ فأجابني الربّ:قم وأدخل دمشق، لأنّي لم أكن أبصر بسبب شدة ذلك النّور الباهر".
وذلك مايناقض (الأعمال 16:26):"إنهض وقف على قدميك،فقد ظهرت لك لأعيّنك خادما لي، وشاهد بهذه الرؤيا التي تراني الآن، وبالرؤى التي ستراني فيها بعد اليوم".
لا يمكنكم تصور العذاب الشديد الذي عانيته بعد إكتشافي لهذه التناقضات في الكتاب المقدّس، كان جدّ صعب عليّ أن أسلّم بذلك، إحباطي كان كبيرا، عقيدتي أصبحت في موضع نظر.
وأخيرا، وخلال 3 سنوات كنت أسلك السبيل الخطـأ، ضللت الطريق إذن، ورجائي ذهب سدًى، أنا الذي ظننت أنّي وصلت قمة المجد، أدركت أنّي كنت في الهاوية، أنا الذي ظننت أنّي أمتلك الحقيقة، وإذ هي بهتان مبين، ورسالة محرّفة أصلا، من طرف عقول وأيد مفسدة، والتي هدفها الوحيد هو خداع النّاس وصرفهم عن الحقيقة ليس إلاّ.
...أحسست أنّي غرقت كما تغرق السفينة في البحر، وانهرت انهيارا شاقوليا كما انهارت عمارتي مركز التجارة العالمي بعد اعتداءات 11 سبتمبر.
إنّي لا أبالغ إن قلت لكم، بل أؤكد لكم –غفر الله لي –مثلما قال جوب :"ملعون اليوم الذي ولدتُّ فيه "...فلولا فضل الله،لانحرفت.
وكنت غالبا، أسير وحيدا في الطريق، كنت أطرح سؤالا على نفسي مثل المجنون : "من هو الربّ، ومن هو الشيطان ؟"فكان ثمّة الالتباس، على كل حال كنت على يقين بأنّ الكتاب المقدّس قد حرّف، والحقيقة موجودة في موضع آخر.



يتبـــــــــــــع

القلب الحزين
15-12-2013, 07:17 PM
يتبـــع الموضوع السابق ( 3 )

كنت نصرانيـا ـ قصة واقعية لشاب جزائري


العهد الأخير
خلال فترة الحيرة هذه، والصراع النّفسي، هناك شيء واحد ثبّتني وأمدّني بالأمل ؛إنّه الاعتقاد بوجود إله.
فكنت أدعو الله دوما وأرجوه أن ينقذني، ولم أيأس في طلبي...
هناك بدأت أبحاثي حول الإسلام، ومثلما ذكرت سابقا، كانت لي معرفة سطحية حول هذا الدّين خاصة بعد إعتناقي للنّصرانية، إذ كنت أشعر ببغض شديد للإسلام ولرسوله ( عليه الصلاة والسلام ).
أتذكر أنّي بمجرد سماع هذه الكلمة " إسلام " يخيّل إليّ وكأنّّه ستار أسود فوق قلب أسود !
لقد كانت لي أحكام مسبقة كثيرة حول هذا الدّين، وخاصة أنّ الواقع الذي تعيشه بلادنا يأتي ليؤكد هذه الأحكام.
وبكلمة واحدة، كنت أراه مثلما يقول النّصارى :" هو دين له ثمار خبيثة، لأنّه شجرة خبيثة ".
متوخيا التأكد من هذه القاعدة، شرعت في قراء ة القرآن الكريم.إذ عندما يكون لديك ألم في الأسنان تستشير طبعا طبيب أسنان، وليس طبيب العيون أو غيره !!إذن لمعرفة الإسلام، ذهبت مباشرة إلى النّبع : القرآن، وتركت أحكامي المسبقة جانبا.
أولا مجرّد وجوب طهارة الشخص الذي يريد قراءة القرآن يجعل من هذا الكتاب مميزا، عكس الكتب الأخرى، وذلك في العالم أجمع...قرأت وأعدّت قراءة القرآن الكريم، وفي الوقت نفسه أتردّد مرارا على مكتبة ثانويتنا- وكانت مفتوحة للرّاغبين في المطالعة من أهل القرية - التي كانت نوعا ما غنية بتصانيف تشرح الإسلام، لقد كان إكتشافا عظيما بالنسبة لي.
إنّ ما اكتشفته في بداية الأمر هو المعنى الحقيقي لعبارة "الله أكبر " ؛ الله أكبر من كل شيء، أكبر ممّا يقوله اليهود والنّصارى، وأكبر ممّا يتصوره أحد، إن في القرآن التعريف الكامل للّه، إله أهلٌ بهذا الاسم، أحد لا يتجزأ، ليس له مثيل، وليس له كفؤًا أحد، مثل ما ورد في سورة الإيمان الخالص (الاخلاص).
(( قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2)لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد )) (سورة الاخلاص).
الله ليس شيئا مركبا، لا يأكل ولا يشرب ولايبكي، إذ أنّه ليس بمخلوق، لكنه الخالق.
الحيّ الذي لا يموت أبدا.
لنسمع لله يعرّف نفسه بنفسه، ويعرف نفسه للنّاس :(هُوَ اللّهُ الّذِي لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ هُوَ الرّحْمَـَنُ الرّحِيمُ [22] هُوَ اللّهُ الّذِي لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدّوسُ السّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبّرُ سُبْحَانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ [23] هُوَ اللّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوّرُ لَهُ الأسْمَآءُ الْحُسْنَىَ يُسَبّحُ لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [24] [الحشر 22-24].
الشيء الجديد الذي اكتشفته كذلك هو : "التوحيد "، الذي يعتبر مسألة محورية وأساسية في الإسلام، وأن تجعل مع الله إلها آخر (الشرك) من أكبر الذنوب التي لا تغفر إذا لم يتب منها العبد قبل موته : (إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَىَ إِثْماً عَظِيماً) [سورة: النساء - الآية: 48].
إنّ التوحيد هي الرسالة الرئيسية من الله إلى البشر، وبالتالي فهو الذي يُوحّد جميع الرسالات والرسل، ومن أجل هذا بعثوا، ليذّكروا النّاس بأنّ لهم خالقا واحدا لا يُعبد إلاّ هو، اله واحد أحد (وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُولٍ إِلاّ نُوحِيَ إِلَيْهِ أَنّهُ لآ إِلَـَهَ إِلاّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ) [سورة: الأنبياء - الآية: 25].
إنّها الرسالة نفسها التي تجدها في العهد القديم :" إسمع إسرائيل ! الأبديّ ربُّنا، الأبديّ واحد، أحبّ الأبديّ ربّك بكلّ مقلبك، بكل روحك، وبكل قوتك :وهذه الكلمات التي أعطيها لك هذا اليوم ستصبح في قلبك، تحفّظها لأولادك، وستتكلم بها عندما تكون في دارك، وعندما تسافر وعندما تنام، وعندما تستيقظ، تقرؤها وكأنّها علامة في يدك، وستكون كعصابة بين عينيك، تكتبها على أعمدة دارك وأبوابها "(التثنية 6:نص4-9).
بالفعل ؛إنّ هذا هو عين ما وعظ به يسوع ( عليه السلام) للفوز بالخلاص الأبدي والحياة الخالدة، فيقول وهو يناجي الرّبّ :" والحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحقّ وحدك "(يوحنا:17 نصّ3).
الرسول الخاتم محمد (صلى الله عليه وسلم ) كذلك وعظ بالكلام نفسه، حيث نقرأ في القرآن : (قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىَ إِلَيّ أَنّمَآ إِلَـَهُكُمْ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ) [سورة: الكهف - الآية: 110]
إنّ الشهادة بأن "لا اله إلاّ الله " توجب علينا أن ننفي كل ألوهية باطلة، وأنّ نقيم عبادتنا لله وحده، لأنّ الله خلقنا من أجل هذا الهدف الوحيد: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ) [سورة: الذاريات - الآية: 56].
عكس النّصرانية، الإسلام يدعوك –قبل أن تؤمن –للنّقد وللتفكير، لكن على أساس من البراهين والحجج.وهذا فقط من أجل أن يثبّت قلبك ويشتد عزمه، حتى يؤمن عقلك بهذه العقيدة التي هي في غاية البساطة والوضوح.
(قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [سورة: البقرة - الآية: 111].
في حين أنّ العقيدة النّصرانية (عقيدة التثليث ) معقدة لدرجة أنّ النّصراني بنفسه يجد مضضا لتكوين فكرة واضحة المعالم في ذهنه.
إنّ القرآن يمدّ المسلم بتربية شاملة، كاملة منسجمة، والتي تبني شخصية سوية، فهو يعتني ويأخذ بعين الاعتبار كل خصائص الإنسان : الروحية، الثقافية، النفسية، الجسدية، الاجتماعية...الخ.
إنّ المسلم لا يقيّد نفسه ولا يحصرها في مجال واحد، إنّه يجد في القرآن ما يحثه على التفكير والتأمل، وعلى البحث لمعرفة العلم وفهم شتّى الظواهر.
الله لا يطلب من الإنسان أن يستأصل غريزته، وأن يُعذب جسده، فهي معركة بلا جدوى،إذ هي ضد الفطرة، بل إنّه يأمر بمجاهدة النّفس لتملك زمامها، دون أن ننسى الإعتناء بالجسد، فلا ينبغي حرمانه من حقوقه.
إنّ الإسلام يحثّ المسلم أن يكون فعالا، وأن يشارك في الحياة الاجتماعية، وذلك بفعل الخير، وزرع الحب والسلّم، وأن يشعر بأنّه نافع وخادم لغيره من الناس، ومطلوب من المسلم كذلك مكافحة الأمراض والآفات الاجتماعية وذلك بالحكمة.
أما التربية التي تريدها النّصرانية، فهي أُحادية الجانب !لا تعتمد إلاّ على الجانب الروحي، فالنّصراني المقطوع عن الواقع تبدو عليه غيبوبة جد ظاهرة، والتي يمكن لها أن تتفاقم مع مرور الوقت لتصبح في الأخير عبارة عن فصام.
ومما لفت إنتباهي كذلك هو : "الآيات " ذات الصبغة العلمية في القرآن، فالله يتحدث عن الظواهر الكونية حديثا موافقا للإكتشافات العلمية الحديثة، فالقرآن وأحاديث الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) تتحدث واقعيا عن جميع المجالات العلمية : علم الفلك، علم النفس، علم البيولوجيا، علم الأجنّة...إلى غير ذلك.
إكتشفت أيضا أنّ الإسلام حقيقة عبارة عن تواصل للوحي الإلهي، وأنّ محمدا (صلى الله عليه وسلم ) هو آخر الرسل، لكن أعداء الحقيقة يريدون –وبأي ثمن –أن يقطعوا الطريق أمام الوحي الأخير.
(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَىَ اللّهُ إِلاّ أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [32] هُوَ الّذِيَ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىَ وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [33]) [سورة: التوبة - الآية:32- 33]
فاليهود والنّصارى لا يعترفون بأنّ محمدا (صلى الله عليه وسلم ) خاتم الرسل...
وبعد فترة من الزمن، وأنا أتابع أبحاثي في كتب العلماء، مثل الشيخ أحمد ديدات، إكتشفت أنّ رسول الإسلام ذكر بوضوح في الكتاب المقدس، وسأذكر هنا بعض الأمثلة :
° أليس الربّ هو الذي وعد هاجر من أنّه سيجعل من إبنها إسماعيل (عليه السلام ) أمّة كبيرة (التكوين 21:18)؟فماذا قيل عن هذه الأمة الكبيرة في الكتاب المقدّس ؟ لا شيء !رغم أنّ (محمدا صلى الله عليه وسلم ) من سلالة إسماعيل، وهذه الأمة الكبيرة هي الأمة الإسلامية.
° الرّبّ وعد موسى (عليه السلام) بأن يُوجد رسولا مثله (العهد القديم:18نص18)
والوحيد الذي يشبه موسى (عليه السلام ) هو محمد (صلى الله عليه وسلم)أما النصارى فيقولون بأنّه يسوع( عيسى عليه السلام)، في حين أنّه لا يشابهه قطّ.
ولنكتفي بذكر سبب واحد فقط، فإنّ موسى (عليه السلام )رسول، ويسوع (عليه السلام )ربّ –حسب العقيدة النصرانية-.
°في عهد يسوع،إختلف النّاس اختلافا شديدا في قضية بعثة يسوع المسيح ( عليه السلام ) : البعض قالوا إنّه الرسول الموعود لموسى (عليه السلام) من طرف الربّ، أمّا الآخرون قالوا إنّه المسيح (إنجيل يوحنا:7 نصّ 40-41) ؟، ما يفهم أنّهم كانوا ينتظرون رسولا آخر غير يسوع، والذي ما هو إلاّ محمّد (صلى الله عليه وسلم ).
° يوحنا المعمدان (يحي –عليه السلام- ) في (إنجيل يوحنا:1نص19-25) سئل عن شخصية عيسى (عليه السلام)، فأجاب بأنّه المسيح، لا النبيّ، ولا إيليا.من يكون إذن ذلك النبيّ (الذي ذكره يوحنا) إن لم يكن محمدا (صلى الله عليه وسلم) ؟!.
°يسوع بشّر بمجيء "بار قليط آخر"، المشتق من الكلمة اليونانية (بار قليطوس)، مترجمو الكتاب المقدّس يترجمون هذه الكلمة بالمعزّى /الروح القدس(يوحنا 14نصّ :15-26)لكن الحقيقة "بار قليط " تعني شفيعا آخر"، أي :إنسان آخر.
لاحظوا ما ورد في (يوحنا16نصّ13-14)عن يسوع (عليه السلام) :"لأنّه لا يتكلم من عنده، بل يتكلم بما يسمع، ويخبركم بما سيحدث ".إنّ هذه النبوءة لا تنطبق على "الروح القُدس" التي هي الشخصية الثالثة في عقيدة التثليث، إنّه لمن المستحيل بأن تكون الكلمات التي ينطقها الروح القدس الله، لكن لاحظوا كيف أنّ هذا المقطع ينطبق تماما على وصف محمد (صلى الله عليه وسلم) لأنّه ورد في القرآن وصفه:
°((( وما ينطق عن الهوى 3 إن هو إلاّ وحيٌ يوحى))))النجم (3-4)
إنّ الكلام الذي سيقوله محمد (صلى الله عليه وسلم )لن يأتي من عنده، لكن من عند الله بواسطة الملك جبريل (عليه السلام)، ليكون بعد ذلك مسموعا من طرف الرسول (عليه السلام)، مثلما يختمه (يوحنا:16نص13-14).
والرسول محمّد (صلى الله عليه وسلم ) أخبر عن أمور مستقبلية، نبوءات وعلامات القيامة الصغرى والكبرى، كما صوّر التصوير التام ليوم القيامة.
أغلب هذه النبوءات والعلامات الصغرى التي تحدث عنها تحققت تقريبا، مما يثبت رسالته.
أليس من علامة مدّعي النبوءة الذي يتكلم باسم الربّ أنّ قوله لن يتحقق (التثنية :18النص21-22)؟
°ثم انظر كيف أنّ الربّ، بوحيه لموسى (عليه السلام)، بشّر بالرسالات الثلاثة الكبرى، تلك التي بعث بها موسى وعيسى ومحمد (عليهم الصلاة والسلام).
"الأبدي جاء من سيناء، أشرق عليهم من سير، سطح من جبل باران" (التثنية:33نص2).
"باران" هو ما نطلق عليه اليوم اسم"مكة"، أين وجد إسماعيل (عليه السلام) قديما، (التكوين:21نص21)، وأين بعث الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) برسالة الإسلام.
وقارن الآن النصوص السابقة من الكتاب المقدس مع هذه الآيات من القرآن :
(وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ [1] وَطُورِ سِينِينَ [2] وَهَـَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ) [سورة: التين - الأية: 1-3].
إنّ هذه الآيات تشير إلى أماكن وحي رسالات التوحيد الثلاثة.
إذن بهذه الأدلة نستنتج أنّ الإسلام ما هو إلاّ تواصل للرسالات السابقة، وأنّ محمدا (صلى الله عليه وسلم ) حقا هو خليفة عيسى (عليه السلام).
أما من الناحية الأدبية فالقرآن تحفة لا نظير لها.
العارفون باللغة ظلّوا منبهرين ومعترفين بعظمة هذا الكتاب المقدّس، قالوا : إنّه من المستحيل أنّ رجلا أمّيا مثل محمد (صلى الله عليه وسلم ) يمكن له أن يكتب القرآن، لكن بعض النّصارى يقولون بكل اعتباط أنّ محمدا نقل من الكتاب المقدّس !فتحققت من الأمر، فإذ بي أجد أنّ القرآن بالعكس ما هو إلا مواصلة للرسالات السابقة، بل حتى أنّه يصحّح الكتاب المقدس في كثير من تناقضاته المهندسة من طرف المحترفين.
حتى لا يخطئ النّصارى أو غيرهم إذا ما وجد نوعٌ من التشابه بين الكتاب المقدّس والقرآن حول بعض الأمور، فما هو إلا برهان أنّ الله الذي أوحى بأحدهما هو الذي أوحى بالآخر.
-القرآن حجة واقعية، بأنّ الله الحكيم العليم، أوفى بعهده، إذ هو الحافظ الأمين لرسالته المبعوثة للنّاس، لأنّنا نجد في القرآن قوانين الأخلاق التي أوحيت لموسى وعيسى (عليهما الصلاة والسلام)، وكذلك القوانين الأخلاقية الجديدة (الشريعة ) التي أوحيت لنبيّنا محمّد (صلى الله عليه وسلم ).
إذن ؛رسالة الله إلى النّاس كاملة شاملة وتامة ومحفوظة من الله بنفسه :
(إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [سورة: الحجر - الآية: 9]
في أحد الأيام، وبينما كنت أتحدث مع أحد النّصارى حول موضوع القرآن، عبّرت له عن انبهاري وتفاجئي الكبيرين حول هذا الكتاب، فطلبت منه بكلّ سذاجة، وأنا لا زلت نصّرانيا آنذاك أن يخبرني من أين جاء القرآن، فأجابني بأنّ القرآن كلمة الشيطان !
وحدث لي فيما بعد –وأنا أقرأ القرآن-أن أصادف هذه الآيات من سورة التكوير : قال تعالى: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رّجِيمٍ 25 فَأيْنَ تَذْهَبُونَ 26 إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ 27لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) [سورة: التكوير - الآية:25- 28].
بقراءتي هذه الآيات إهتزّت فرائصي من منبت شعري إلى أخمص قدمي !
هكذا ؛كانت أبحاثي هذه، إكتشفت حقيقة الإسلام، فعرفت جيدا الفرق بين حقيقة واقع المسلمين وما ينبغي أن يكونوا عليه كما هو في القرآن الكريم.فلقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) صادقا ومحقّا إذ قال قبل أربعة عشر قرنا من الزمان : (وَقَالَ الرّسُولُ يَرَبّ إِنّ قَوْمِي اتّخَذُواْ هَـَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [سورة: الفرقان - الآية: 30].
إنّها الحقيقة، فالمسلمون هجروا القرآن، هدايتهم ونورهم ومنبعهم الحقيقي للوحدة والحياة.
أصارحكم القول، بالرغم من أنّ قلبي وعقلي إنتعشا برسالة الإسلام، وبالرغم من أنّي كنت مقتنعا بصحّة القرآن، لكن لم يكن من السهل عليّ أن أبدّل مرة أخرى ديني.كنت خائفا، التجربة النّصرانية علمتني أن لا أتعجل في قراراتي،قلت في نفسي :لربما سيحدث لي مع الإسلام الشيء نفسه الذي حدث لي مع النّصرانية،فلعل غضون أعوام، أكتشف مرة أخرى عدم صحة الإسلام، فقررت التريث والإنتظار.
في خلال هذه المدة، القلق إستولى على قلبي، كلما تقدمت في أبحاثي، كلما إكتشفت بأنّ إعتناقي للنّصرانية كان أكبر خطأ وقعت فيه في حياتي، كنت أقول لنفسي بأنّي ضيّعت ثلاث سنين في بهتان مبين.ثم هناك تلك المسؤولية الثقيلة ثقل الجبل، والتي كنت أحسّ بها إزاء أناس كنت سبب اعتناقهم للنّصرانية.فكيف أفعل لأقنعهم بخطئي وخطئهم ؟وكيف ستكون مسؤوليتي أمام الله إذا ما مات أحد منهم على هذه العقيدة بدون أن أنذره؟.
وقبل كلّ هذا، هذا الحياء وهذا الجرم الذي أشعر به تجاه الله، العليّ القدير، إذ أنّي كفرت به بأن جعلت له شريكا، ونسبت له ولدا!.
في أحد الأيام، وأنا أفكّر في كل هذا، نظرت إلى السماء وأنا أبكي وأردّد من أعماق قلبي دعاء يونس (عليه السلام)، هذا الدعاء الذي أحبّه كثيرا: (لاّ إِلَـَهَ إِلاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمِينَ) [سورة: الأنبياء - الآية: 87].



يتبـــــــــــــع

القلب الحزين
15-12-2013, 07:18 PM
يتبـــع الموضوع السابق ( 4 )

كنت نصرانيـا ـ قصة واقعية لشاب جزائري


رؤيـــا
تمر الأيام، والألم ينتاب قلبي، أحسست بنوع من " التآكل الروحي "،كانت من أصعب اللحظات في حياتي.
حدث أنّه في إحدى الليالي، بعدما عدّت إلى بيتي، وفي ساعة متأخرة من الليل، كنت جدّ متعب إلى درجة أنّه كانت لديّ الرغبة الجامحة لأخفف عن نفسي.
إستلقيت على السرير، ورفعت يداي نحو السماء، وبدأت أدعو الله أن ينقذني ممّا أنا فيه، بدأت دعائي بحمد الله والثناء عليه لأنّه أهل لهذا، أو بكل بساطة لأنّه "الإله".حمدتّه على خلق السماوات والأرض، وعلى أن اختارني وأخرجني إلى الوجود، وبعد هذا كلّه، دعوت الله أن يغفر لي جميع ذنوبي، وأن يقبل توبتي.أؤكد لكم بأنّي لم أحسّ بعظمة الله مثلما أحسست بها تلك الليلة، إلى درجة أنّي لم أتوقف عن البكاء، أحسست وكأنّ السماء كانت مفتوحة لي، وكل كلمة أنطق بها كانت عند الله مسموعة، ألححت عليه، وطلبت شيئا واحدا فقط:
الهداية إلى صراطه المستقيم.
الحقّ يقال، كنت حينها حياديا في دعائي، كنت أدعو الله،ليس على أنّي نصّراني أو مسلم ولا غيرهما، لكن أدعوه كمخلوق ضالّ يريد أن يعبد خالقه...أمضيت وقتا طويلا، ألحّ في الدعاء، وبعد ذلك نمت، فرأيت هذه الرؤيا :
"رأيتني واقفا ممعنًا النّظر إلى مسجد قريب منّي حوالي 15 مترا، كان ثمّة صمت القبور، كنت وحيدا، عيناي لا تدعان قطّ المسجد، وفجأة وإذ بقوة غيبية تحملني وتأخذني بسرعة الضوء، وأجدني داخل المسجد !".
إستيقظت مذعورا تحت وقع الصدمة، مفزوعا، فأدركت أنّه، بلا شكّ، الله هو الذي إستجاب لدعواتي من خلال هذه الرؤيا، لم أستطع أن أنطق ولو بكلمة، كان بداخلي إحساس لا يمكن التعبير عنه، عدّت إلى النّوم وعيناي مغرورقة بالدموع.
سبحان الله ! ها هو تأكيد روحي جاء من عند الله يضاف إلى تأكيداتي العلمية على صدق الرسالة القرآنية.
فبدأت أولا بإعتناق الإسلام فنطقت بالشهادتين :"أشهد أن لا اله إلا الله، وأنّ محمدا رسول الله".
وقررت أن ألتزم بتعاليم الإسلام، الدّين الحق، هو دين الله، دين جميع الأنبياء والمرسلين.
الحمد لله، وبعد مضي أربع سنوات لا زلت دوما مسلما.
وهناك أمر جدير بالملاحظة !وهو كلما تعمّقت في معرفتي بالإسلام، كلما إزددتّ يقينا ووضوحا، عكس النّصرانية، إذ كلما تعمقتّ في معرفتها كلما راودني الشكّ، واكتنفني الغموض.
وبعد هدايتي، اتجهت نحو أولئك الذين كنت سببا في اعتناقهم للنّصرانية، وشرحت لهم كل شيء، وبعون الله، تقريبا كلهم تركوا النّصرانية، بل ومنهم من إعتنق الإسلام بفضل الله.
رأيت جميع النّصارى الذين عرفتهم، قمت بواجبي أمام الله، المتمثل في إنذارهم بالخطر الذي يترصدهم، وتحذيرهم من الغرور باعتمادهم على يسوع، مثلما هو وارد في النّصرانية.
والله أدعو أن يهديهم إلى حقيقة الإسلام مثلما هداني.آمين
من هو يسوع (عيسى)؟
معرفة الله هي أجلّ معرفة.
من الواضح أن يقال : أنّ الله سبحانه وتعالى بعث رسله وأنبياءه للإنسانية من أجل أن يُعرف، إذ أنّ معرفة الله في الإسلام هي أولى الأولويات، وهي شرط في قبول الأعمال والأفعال: (فَاعْلَمْ أَنّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلا اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [سورة: محمد - الآية: 19].
الله إذن يأمر رسوله أولا بتوحيده، ثمّ بالتّوبة.
فواضح إذن أنّه قبل أن تؤمن بأي عقيدة كانت، من المهم جدّا أن تستدلّ على هذا الإيمان، بمعنى أن تكون مدركا لما سوف تَعبُد، خلافا للكتاب المقدّس فبعد ألفي سنة قضية العقيدة النّصرانية لم تحلّ بعد، "التثليث"و"شخصية يسوع " هما موضع خلاف وجدل من مختلف الطوائف المسيحية : (فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ )[سورة: مريم - الآية: 37].
بل هذه القضية تشكّل مشكلا حتّى بين أعضاء الطائفة الواحدة.والأدهى من ذلك هو غموضها للنّصراني ذاته !!.
في حين أنّ القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يوضح لنا الأمر حول حقيقة العقيدة المسيحية، كذلك حقيقة شخصية عيسى (عليه السلام).هذا الكتاب المقدّس، الموحى إلى محمّد (صلى الله عليه وسلم )، آخر الأنبياء والرسل، هو الكتاب الوحيد الذي يطمئن القلوب،ويثبّتها بالحقائق التي يحويها.
ولكي نعيد النور واليقين إلى الرسالة الإنجيلية والى شخصية عيسى (عليه السلام )مزيلين الغموض عنهما، سنعرض وبإيجاز هذه النقاط بآيات قرآنية، وحتى بنصوص من الكتاب المقدّس.
1-الميلاد المعجز لعيسى (عليه السلام).
القرآن الكريم : (إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [سورة: آل عمران - الآية: 59].
فعندما قدّر الله ميلاد عيسى (عليه السلام)، بغير أن يمسّ مريم بشر، كانت المعجزة "فما من شيء غير ممكن عند الله "(لوقا : 1نص 37).
لماذا نطلق عليه –إذن –اسم ابن الله "؟!.
هل لكونه ولد من امرأة فقط فنجعل لله عائلة!!.
إذ الكاثوليك يدعون مريم :"أم الربّ" (سُبْحَانَ اللّهِ عَمّا يَصِفُونَ) [سورة: المؤمنون - الآية: 91].
(وَقَالُواْ اتّخَذَ الرّحْمَـَنُ وَلَداً [88] لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً [89] تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ الأرْضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً[ 90] أَن دَعَوْا لِلرّحْمَـَنِ وَلَداً ً[91]وَمَا يَنبَغِي لِلرّحْمَـَنِ أَن يَتّخِذَ وَلَداً) [92]) [سورة: مريم - الآية:88- 92].
2- إنّ عيسى (عليه السلام ) ما هو إلا رسول، رسول إلى بني إسرائيل :
ورد في القرآن في شأنه: (وَرَسُولاً إِلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ) [سورة: آل عمران - الآية: 49]، (مّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ وَأُمّهُ صِدّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيّنُ لَهُمُ الاَيَاتِ ثُمّ انْظُرْ أَنّىَ يُؤْفَكُونَ) [سورة: المائدة - الآية: 75]، (يَأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاّ الْحَقّ إِنّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىَ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ) [سورة: النساء - الآية: 171].
نقرأ كذلك في الكتاب المقدّس :
°فقال لهم يسوع : "لا نبي بلا كرامة إلاّ في وطنه ودينه "(متّى :13نص57)
° "ولمـَّا دخل يسوع أورشليم ضجّت المدينة كلّها وسألت : من هذا ؟فأجابت الجموع : هذا هو النبي يسوع من ناصرة الجليل "(متّى 21نص 10-11).
° أنا لا أقدر أن أعمل شيئا من عندي :"فكما أسمع من الأب أحكم، وحكمي عادل لأنّني لا أطلب مشيئتي، الذي أرسلني" (يوحنا:5نصّ30).
°"فوقع الخلاف بينهم، وقالوا أيضا للأعمى : أنت تقول إنّه فتح عينيك، فما رأيك فيه ؟فأجاب :ّإنّه نبيّ!"(يوحنا:9نصّ17).
°"أنا الذي كلمكم بالحقّ كما سمعته من الله "(يوحنا :8نصّ40).
°"لا تقصدوا أرضا وثنية، ولا تدخلوا مدينة سامرية، بل اذهبوا إلى الخراف الضالة بني إسرائيل "(متّى :10نصّ6).
فأجابهم يسوع :"ما أرسلني الله إلا إلى الخراف الضالّة من بني إسرائيل "(متّى : 15نصّ24).
3- رسالة عيسى (عليه السلام ):
القرآن الكريم: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُم مّصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [سورة: الصف - الآية: 6].
إذن رسالة عيسى (عليه السلام) واضحة :
-بعث مصدّقا للتوراة، ومبشرا بالنّبأ السّار، نبأ مجيء الرسول (عليه الصلاة والسلام)(أحمد أو محمد يطلق في القرآن على رسول الإسلام ).
والكتاب المقدّس أو الأناجيل تؤكّد ذلك :
فيوحنّا المعمدان (عليه السلام) يقول "توبوا، لأنّ ملكوت السماوات قد اقترب "(ملكوت السماوات أو النّبأ السّار)(متّى :3نصّ2).
وقد يظنّ ظانّ أنّ ملكوت السماوات أو النبأ السّار هو الإخبار بمجيء عيسى عليه السلام، لكن بعد حين متّى يقول لنا : "وبدأ يسوع من ذلك الوقت يبشّر فيقول : توبوا، لأنّ ملكوت السماوات اقترب "(متىّ4نصّ17).
ممّا يثبت الرسالة الحقيقية لعيسى (عليه السلام) التي هي التبشير بالنّبأ السّار، نبأ مجيء خاتم الرسل، رسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم )لقد جاء في الإنجيل على لسان عيسى (عليه السلام) أنّه قال بكل وضوح لليهود بأنّ "الحجر الذي رفضه البنّاؤون صار رأس الزاوية ؟هذا ما صنعه الربّ، فيا للعجب ! لذلك أقول لكم :سيأخذ الله ملكوته منكم ويسلمه إلى شعب يجعله يثمر "(متّى :21نصّ42-43).
"الحجر المرفوض "هو أَبُ محمّد (صلى الله عليه وسلم )، أي :إسماعيل (عليه الصلاة السلام) الذي ألقي في صحراء باران (مكّة)، أما ملكوت الله الذي ينزع من اليهود هو وحي الله إلى البشر. وبعد اليهود سيعطى لأمة أخرى، هي أمّة محمد (صلى الله عليه وسلم) التي ستصبح بعد ذلك أمة كبرى، مما يثبت صدق وحي الله لهاجر أمّ إسماعيل (عليه السلام) :"لأنّي سأجعل منه أمّة عظيمة "(التكوين :21نصّ18).
فماذا قيل عن هذه" الأمّة العظيمة"؟لم يذكر الكتاب المقدّس عنها ولا كلمة !.
4- معجزات عيسى (عليه السلام):
القرآن جدّ واضح حول هذه المسألة، فعيسى (عليه السلام) يقوم بالمعجزات، لكن بإرادة وبإذن الله، مثله مثل الرسل الآخرين الذين جاؤوا من قبله، جاء في القرآن :
(وَرَسُولاً إِلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رّبّكُمْ أَنِيَ أَخْلُقُ لَكُمْ مّنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَىَ بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لآية لّكُمْ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ) [سورة: آل عمران - الآية: 49]
والكتاب المقدّس يثبت لنا ذلك، بالفعل، ففي (لوقا :11نصّ20)عيسى (عليه السلام)يقول :
"وأمّا إذا كنت بإصبع الله أطرد الشياطين".
قبل أن يحيي عيسى (عليه السلام) لعازر دعا الله أوّلا، طلب منه أن يستجيب له (يوحنا :11نصّ41-42).
إذن فعيسى (عليه السلام) لا يستطيع أن يفعل أيّ شيء بدون إذن الله، أليس هو القائل –كما في (يوحنا 7نصّ42)-:"أنا لا أستطيع أن أفعل شيئا بنفسي ".
إلى غاية يومنا، كثير من النّصارى من مختلف الطوائف يشهدون بأنّهم عايشوا أو سمعوا حول حالات شفاء أو رقية تمّت باسم يسوع !لكن نحن المسلمون لا يدهشنا هذا قطّ ! لأنّ الله ورسوله حذرانا من قبل من "الدّّجّالين "، وحتى عيسى عليه السلام حذر من هؤلاء النّاس الذين يفعلون المعجزات باسمه، كما نقرأ في( متّى:24نصّ24)"فسيظهر مسحاء دجّالون، وأنبياء كذّابون، يصنعون الآيات والعجائب العظيمة ليضلّوا".
إنّ النّصارى يحتكرون لأنفسهم هذه القدرة بالتركيز أساسا على النصوص الوحيدة المروية من طرف إنجيلي واحد، ألا وهو مرقس (16:نصّ9-20).
زد على ذلك، أنّها نصوص موضوعة بين معقوفتين ([])، ممّا يعني أنّها آيات لا توجد في بعض مخطوطات العهد الجديد (وهذا حسب الكتاب المقدّس : الطبعة الجديدة المنقّحة).
وأمر آخر، هو أنّ عيسى (عليه السلام) في يوم القيامة سيشهد ضد هؤلاء النّصارى الذين يزعمون أنّهم يصنعون" المعجزات"باسمه، فلقد حذرهم من قبل ففي متّى(7نصّ22-23)نقرأ:
"سيقول لي كثير من الناس يوم الحساب : ياربّ،ياربّ، أليس باسمك نطقنا بالنبوءات ؟وباسمك طردنا الشياطين ؟وباسمك عملنا العجائب الكثيرة ؟فأقول لهم : ما عرفتكم قطّ!ابتعدوا عنّي يا من يقترفون ظلما عظيما !.
الظلم العظيم عرّف في القرآن في الآية 13 من سورة لقمان: (لاَ تُشْرِكْ بِاللّهِ إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [سورة: لقمان - الآية: 13].
الظلم العظيم الذي يعاب عليه النّصارى، هو أنّهم جعلوا من عيسى (عليه السلام)الرسول إلها !.
أكدّتُّ على هذه النقطة لأنّ النّصارى ضلّوا وأضلّوا كثيرا من النّاس بما يسمونه "المعجزات بــسم يسوع"، في حين المستفيد الوحيد من عملهم هو الشيطان!.
هذه الخوارق توجد حتى في الديانات الأخرى، لكن ينبغي على النّاس أن يأخذوا حذرهم منها.فإنّ الدّجّال مثلا سيقوم بأعمال عظيمة ليفتن ويضل كثيرا من الناس، إذن هذا الأمر ليس بمعيار لمعرفة الحقيقة.
5-قضية الذنب :القرآن واضح كذلك بالنسبة لهذه المسألة (فالإنسان ضعيف، يقع دائما في الذنب)فالإنسان خلق ضعيفا، وخطّاء، فلسنا ملائكة معصومين !لكن المسلم مطالب بأن يحيا حياة توبة، وأن يطمع في رحمة الله : قال تعالى: (قُلْ يَعِبَادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رّحْمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعاً إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ) [سورة: الزمر - الآية: 53].
في حين أنّ النّصارى، على عكس ذلك، فهم يعتقدون أنّ عيسى (عليه السلام)مات على الصليب من أجل خطايا البشرية، ومن آمن بيسوع غفر له ونجا، لكن الذي لا يؤمن به يموت ومعه ذنوبه، وسيكون مستوجبا للعقاب الأبدي.
"سبحان الله " !ألا تكفي رحمة الله لمغفرة الذنوب ؟!!.
بالرغم من ذلك،فإنّه قبل مجيء عيسى عليه السلام نقرأ في العهد القديم بأنّ مغفرة الذنوب كانت ممنوحة بالتوبة الصادقة.فموت عيسى (عليه السلام) من أجل خطايانا مجرد إختلاق !.
النّصارى في صلواتهم يغنّون ويشكرون عيسى لأنّه غفر لهم ذنوبهم مسبقا كل ذنوبهم بمجرد موته، ولقد ورد في الإنجيل أنّ عيسى (عليه السلام) تحدّث بإسهاب عن هؤلاء الصنف من النّاس، نقرأ مثلا في مثل الفريسي وجابي الضرائب في (لوقا 18 نصّ9-14).
الفريسي أليس مثل هؤلاء النّصارى عندما قال :"شكرا لك يا الله، فما أنا مثل سائر النّاس المحتكرين الظالمين الزّناة، ولا مثل هذا الجابي"؟.إنّ هذا الجابي مثله مثل كل النّصارى، ويظنّ أنّه مبرأ طاهر وناج، ولنقارنه مع هذا الجابي الذي : "لا يجرأ أن يرفع عينيه نحو السماء، بل كان يدقّ على صدره ويقول : إرحمني يا الله، أنا الخاطئ".
أليس مثله كمثل المسلم الذي يعترف بأخطائه وذنوبه، ويستحي من الله، ملتمسا مغفرته ؟!ثمّ إنّه من غير المقبول والمعقول بأنّ ذنب شخص يحمل وزره شخص آخر، بل الأصحّ بداهة أن نجزم أنّ كل شخص مسؤول عن نتائج أعماله.
من جهة أخرى، إنّه مكتوب في الكتاب المقدّس بأنّ :"النّفس التي تذنب هي التي ستموت، والإبن لا يتحمل خطأ أبيه والأب لا يتحمل خطأ إبنه، عدالة المنصف ستكون له، وخبث الشرير سيكون عليه "(حزقيال :18نصّ20).
أبونا آدم (عليه الصلاة والسلام )عصى الله فتاب، فمنح الله له مغفرته (وَعَصَىَ ءَادَمُ رَبّهُ فَغَوَىَ [121] ثُمّ اجْتَبَاهُ رَبّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىَ) [سورة: طه – الأية121- 122].
6-الخلاص : إنّ النجاة في الإسلام كائنة –قبل كل شيء –برحمة الله، لأنّه من ذا الذي يستحق أن ينال الجنّة وما فيها لو لا رحمة الله ؟لكن رغم ذلك، الأمر الذي يأتي في المرتبة الثانية، هو الإيمان الصحيح بوحدانية الله ثم الأعمال الصالحة.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم (وَالْعَصْرِ [1] (إِنّ الإِنسَانَ لفي خُسْرٍ [2]إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ[3]) [سورة: العصر].
وفي كثير من الآيات، يؤكد الله سبحانه على الإيمان والعمل الصالح.
الشيء نفسه بالنسبة للكتاب المقدّس، مثل الرجل الذي سأل عيسى (عليه السلام) كيف ينبغي له أن يعمل ليرث الحياة الأبدية (لوقا:18نصّ18-20)؟ إنّ هذا لشيء غريب، مادام أنّه تقرر أنّ الخلاص في أن تؤمن بموت وبعث عيسى (عليه السلام)، لكن ها هو ذا عيسى (عليه السلام) يجيب السائل بأنّ ليس له إلاّ أن يحفظ وأن يعمل بالوصايا.
حتّى أنّ في متّى :(25نصّ34-45) عيسى (عليه السلام) يؤكدّ بأنّ الخلاص سيكون بالإيمان والأعمال، وأنّ إرث الملكوت سيكون للذين قاموا بأعمال صالحة.نفس الأمر في رسالة يعقوب (1نصّ27)و(2نصّ19-26) التي تشير إلى هذا المعنى :"الخلاص يكمن في أن تعتقد بإله واحد وأن تُطبّّق أوامره ".
وهو ما يتفق مع هذه الآية الكريمة: (قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىَ إِلَيّ أَنّمَآ إِلَـَهُكُمْ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا) [سورة: الكهف - الآية: 110].




يتبـــــــــــــع

القلب الحزين
15-12-2013, 07:19 PM
يتبـــع الموضوع السابق ( 5 )

كنت نصرانيـا ـ قصة واقعية لشاب جزائري




7-القيامة :
حسب إنجيل برنابا –المكتشف في آواخر القرن التاسع عشر –الذي صُلبَ لم يكن عيسى (عليه السلام)، لكنّه على الأصحّ:"يهوذا الخائن".
بطرس كان جدّ محقّ إذ نفى أن يكون الذي صلب هو عيسى (عليه السلام) (متّى :26نصّ69-75)، بل ابتهل وأقسم بأنّه لا يعرف الذي صُلب.
لقد كان يهوذا هو الذي اعتقل وَوُضع للموت، فالله صنع المعجزة بأن جعل يهوذا يشبه عيسى (عليه السلام)، وكل النّاس أخطؤوا.
القرآن يقول في هذا الموضوع : (وَقَوْلِهِمْ إِنّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـَكِن شُبّهَ لَهُمْ وَإِنّ الّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّ مّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاّ اتّبَاعَ الظّنّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً [157] بَل رّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً[158]) [سورة: النساء - الآية: 157-158].
8-التثليث (ألوهية عيسى):
إنّ عقيدة التثليث هي أكبر بهتان عرفته البشرية، إنّي مقتنع بأنّ لا أحد من النّصارى يملك اليقين على التثليث، لذا فالشكّ في قلوبهم أكيدا مؤكدا، من أجل ذلك، فالشكّ يعتبر عند النّصراني العدو الأكبر لعقيدتهم بعد الشيطان.
"الشكّ يؤدي إلى الحقيقة "، كما يقول ديكارت،"أن تشكّ "معناه : أن تُفكر وأن تطرح أسئلة لتفهم، وكل هذا يعتبر خطرا بالنسبة للنّصراني.
هذا الأخير، وبدون أن يُدرك أنّ العقل هو الذي يحثه لكي يفكر في عقيدة تقبّلها بلا تَبصُّر، يعتقد حينذاك أنّ الشيطان هو الذي يهاجمه، ويجب عليه باستمرار أن يطرده من عقله!
إن الإنسان الذي يملك عقلا لا يقبل أبدا هذه العقيدة !لا داعي أن نعود إلى التناقضات الموجودة في عقيدة التثليث، لقد برهنّا على ذلك بنصوص من الكتاب المقدّس، ثمّ لماذا "مراوغة التثليث "هذه ؟أليس الإيمان بالله الواحد الأحد أكثر إطمئنانا للقلب، وتثبيتا للعقل؟
(أَأَرْبَابٌ مّتّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ) [سورة: يوسف - الآية: 39]
أحمد ديدات كان جدّ محقّ عندما تحدّى النّصارى أن يقدّموا نصّ واحد أين يقول فيها عيسى (عليه السلام) :"أنا الله "أو "أعبدوني".
طبعا لا توجد!
جاء في القرآن في هذا الموضوع : (لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِيَ إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ إِنّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنّةَ وَمَأْوَاهُ النّارُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [72] لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـَهٍ إِلاّ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لّمْ يَنتَهُواْ عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسّنّ الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [73] أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىَ اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ [74]) [سورة: المائدة - الآية:72- 74].
عيسى (عليه الصلاة والسلام ) ما هو إلاّ بشر، ورسول من الله، أليس هو القائل : "أنا الذي كلمكم بالحقّ كما سمعته من الله "(يوحنا :8 نصّ 40).
(اتّخَذُوَاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُوَاْ إِلَـَهاً وَاحِداً لاّ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ) [سورة: التوبة - الآية: 31].
أخي القارئ ؛إنّه لجدّ واضح، مثلما تأكّد من أنّه يوجد فرق بين ما لقّنه عيسى (عليه الصلاة والسلام ) وما يلقّنه النّصارى حول حقيقة عيسى (عليه الصلاة والسلام).
خاتـــمة
التَّفكُّر في الله أمر جدّي ومهم، إنّّها قضية حياة أو موت، جنّة أو نار !فالشخص الذي يريد أن يلتزم بأي عقيدة أو دين ينبغي عليه أولا أن يتأمل ويبحث ويطلب النّصح قبل أن يستعجل.
تخيّلوا معي صدمة وخيبة أمل ذلك النّصراني الذي بعد الموت يكتشف إلها ما عرفه قط ّ في حياته !!.
هذا هو –إذن –ما تعلمته من تجربتي النصرانية.
الحمد لله،الآن بعد أن فتح الله عيناي أدركت جيّدا خطة الشيطان.
إكتشفت أنّ السعادة والطمأنينة التي كنت أحسّ بها وأنا نصّراني لم تكن الاّ تزيينا وكيدا من الشيطان ليضلني ويضلّ كثيرا من النّاس.
(إِنّهُمُ اتّخَذُوا الشّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنّهُم مّهْتَدُونَ) [سورة: الأعراف - الآية: 30]
للأسف الكبير، النّصارى يظنّون ويعتقدون أنّ الله هداهم لنوره، في حين أنّ الشيطان –عليه اللعنة- وليّهم، يضلهم ويحثهم على أن يخدعوا ويضلّوا الآخرين، لأنّ الذي لا يعبد الله، الإله الحقّ الأحد، حتما سيعبد الشيطان.
(إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً[116] إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاّ شَيْطَاناً مّرِيداً [117] لّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لأتّخِذَنّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مّفْرُوضاً [118] وَلاُضِلّنّهُمْ وَلاُمَنّيَنّهُمْ وَلأمُرَنّهُمْ فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلأَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتّخِذِ الشّيْطَانَ وَلِيّاً مّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مّبِيناً [119] يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشّيْطَانُ إِلاّ غُرُوراً [120] أُوْلَـَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصا [121] )[سورة: النساء - الآية:116- 121].
أرأيتم إلى مكر الشيطان ؟!"يَعدهم ويمنّيهم "أي يُوهم النّصارى أنّهم ناجون ومغفور لهم مسبقا !وأمّا المسلمون فيؤمنون بالمسيح الحقّ أنّه رسول من عند الله.
أمّا الشيطان ؛ فلقد نجح في إيهام النّاس بأنّ عيسى (عليه السلام) إله، رغم أن يوحنّا حذّر من هذا، ونصح بإختبار الأرواح لمعرفة هل هي من الله (1يوحنا : 4 نصّ1-3).
إنّ النّصارى يؤمنون بإله لم يوجد قطّ !مثلما أشار إليه أحمد ديدات – رحمه الله -.
إنّي أعتقد بدون أي مبالغة بأنّ حكمة السامري (متّى:13(1-23) تنطبق تماما على تجربتي النّصرانية،كنت الأرض الطيّبة، ولكمة الكتاب المقدّس أتت ثمارها على قلبي : النّاس حرّفوه، وأنا حصدّت الشكّ حول صدق الرسالة الإنجيلية.
يوجد في النّصارى من عمّيت بصائرهم، رغم البراهين القاطعة على بطلان معتقدهم، يكابرون ويصّرون على سلوك سبيل العقيدة المحرّفة، ويستمرون في الكذب على أنفسهم، ويكذبون على النّاس.
هؤلاء النّاس على خطر !ولا نستطيع أن نعمل شيئا لهم إلاّ إذا تداركوا الأمر بأنفسهم في ماذا ينفعهم الكبر والإصرار اللذان يقودانهم إلى نار جهنم، والى خسارة أنفسهم إلى الأبد!!.
حتى أنّ عيسى (عليه السلام) يقول عنهم كما في (لوقا:7نصّ32).
"زمّرنا لكم فما رقصتم، وندبنا لكم فما بكيتم ".
وجاء في القرآن (صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) [سورة: البقرة - الآية: 18]
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنّمَ كَثِيراً مّنَ الْجِنّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاّ يَسْمَعُونَ بِهَآ) [سورة: الأعراف - الآية: 179].
يوم القيامة عيسى (عليه السلام ) يشهد ضدّهم وسيبرئ نفسه أمام الله من جرائمهم وظلمهم.
(وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنّاسِ اتّخِذُونِي وَأُمّيَ إِلَـَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيَ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنّكَ أَنتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ [116] مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [117] إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [سورة: المائدة - الآية: 118] [سورة: المائدة - الآية:116- 118].
كانت لي حادثة مع أمثال هؤلاء النّاس، ففي أحد الأيام، وأنا أتحدث مع نصّراني، وبعد عرض طويل، أثبتُّ فيه تحريف الكتاب المقدّس وصدق الرسالة القرآنية، فلم يجد أيّة حجة ليدافع بها، وعوض أن يتوب إلى الله، إستحوذ الكبر على قلبه، فختم قائلا :"مهما يكن من الأمر، وحتى إن كان إله القرآن هو الحقّ، أُفضّل أن يلقيني في النّار، عوض أن أعبده "فسبحان الله!!.
أدعو الله أن يهديه للإسلام،إذ لا نملك له ولأمثاله الاّ الدعاء لهم بالهداية.
يوجد –بالمقابل- صنف من النّصارى، متواضعي القلوب، يحبون ويبحثون بصدق عن الله، عندما يكتشفون الإسلام –إن شاء الله –سيهتدون، لأنّ القرآن سيخبرهم بكلّ الحقيقة، يقول الله تعالى في حقّهم : (لَتَجِدَنّ أَشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنّ أَقْرَبَهُمْ مّوَدّةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّا نَصَارَىَ ذَلِكَ بِأَنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ [82] وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرّسُولِ تَرَىَ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ مِمّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَآ آمَنّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ [83] وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحَقّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ [84] فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ) [85] [سورة: المائدة - الآية:82- 85].
أيها النصارى واليهود ؛ بل أيّها النّاس بمختلف إعتقاداتكم ؛استجيبوا لنداء الله خالقكم الواحد :
(قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ) [سورة: آل عمران - الآية: 64].
هذا هو إذن ما سيوحّد، ليس النّصارى والمسلمون فقط، بل كلّ البشرية على وجه الأرض، إنّها العودة إلى الله الواحد، واتّباع سبيل الإسلام :
(إِنّ الدّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [سورة: آل عمران - الآية: 19]
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [سورة: آل عمران - الآية: 85]
دينٌ خالصٌ وقيّم : (أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِيّاهُ ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [سورة: يوسف - الآية: 40].
دين مؤيّد بكتاب محفوظ من الله وحده :
(إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [سورة: الحجر - الآية: 9]
(أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) [سورة: النساء - الآية: 82].
(مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىَ وَلَـَكِن تَصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة: يوسف - الآية: 111].
هذا هو إذن القرآن، إنّه نور لمن أراد أن يبصر، هداية ورحمة لمن أراد أن يستقيم، وليس بشيء لمن يقرَؤه بأعين الموتى.
كلمة "إسلام" تعني "الاستسلام والخضوع "،أن تتعلق كليّا بالله راضيا به ربّا، وأن تعيش طوع أمره.
أبونا في العقيدة، إبراهيم (عليه السلام) كرّم كثيرا من الله، لأنّه كان القدوة الكاملة في خضوعه التّام لله.
إذ أنّ الله أمره أن يذبح إبنه الذي يحبه كثيرا، فما كان من إبراهيم الاّ أن يطيع ويخضع.ولقد اختصر سليمان (عليه السلام) حكمته بهذه العبارة –كما في( الجامعة :12نصّ 13)-:"اتّق الله،واعمل بوصاياه، تكن إنسانا كاملا ".
الأمر نفسه بالنسبة لعيسى (عليه السلام)، كان خاضعا لله، وعاش حياة مُنفّذا وصايا الله، إذ يقول –كما في (يوحنا :6نصّ38)-:"بعثت لا لأعمل ما أريده أنا، بل ما يريده الذي أرسلني ".
لقد كان رسولنا محمّد (صلى الله عليه وسلم ) النموذج الأمثل في خضوعه لله، في حركاته ونظراته وكلماته وأعماله، بل حتى في أبسط أمر من حياته، ما هذا ؟إلاّ تعبير عن هذا الخضوع والعبودية التّامة لله سبحانه وتعالى :
(لّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً) [سورة: الأحزاب - الآية: 21].
إنّ المسلم وهو يضع جبهته على الأرض أثناء صلاته، في هذه الوضعية الكريمة (السجود) ما هي إلاّ إشارة إلى الخضوع والإعتراف للخالق من طرف المخلوق، فالمسلم إذن يعبر بهذه الطريقة عن خضوعه لله الواحد الذي هو أهل للحمد والعبادة.
المسلم في صلاته يضع جبهته على الأرض، هذه الوضعية الشريفة (السجود) ما هي إلاّ تعبير عن الخضوع والإعتراف للخالق من طرف المخلوق، فالمسلم إذن يعبر بهذه الطريقة عن خضوعه لله الواحد الذي هو أهل للحمد والعبادة.
الإسلام هو الدّين الحق من الله إلى الناس، وإنّه دين جميع الأنبياء والمرسلين (عليهم الصلاة والسلام).
فالخلاص الحقيقي ليس في أن تستسلم للشهوات الجسدية أو الاجتماعية، ولا أن تعبد الشيطان أو النّاس أو الأصنام،لكنّه في الحقيقة إذعان واستسلام لله الأحد ثمّ القيام بالعمل الصالح : (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنّةَ إِلاّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىَ تِلْكَ أَمَانِيّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ[111] بَلَىَ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [112] ) [سورة: البقرة - الآية:111- 112].
الآن فقط تحقّقت لماذا يقول النّصارى أنّ روح الإسلام هي أصعب روح للإخراج ؛فالإسلام بالنسبة لهم هو الوحيد في هذا العالم بأسره من بين جميع العقائد والديانات والإيديولوجيات الذي يمثّل تحدّيا وخطرا داهما للنّصرانية، لأنّ أكذوبة التثليث –وبكل بساطة-لا يمكن أن تصمد أمام نور التوحيد.
أعزّائي المسلمين وعزيزاتي المسلمات ؛إسمعوا –يرحمكم الله-صرخة الحق هذه من قلب يريد لكم الخير في الحياة الدنيا، والسعادة في الآخرة.
°إن حدث وقال لك نصراني :"يسوع هو الله "، أجبه بأن :"لا إله إلاّ الله".
°وإن قال لك :"الله يتكون من ثلاث "،قل له :
(قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) [سورة: الإخلاص - الآية: 1].
°وإن أصرّ على أن يشرح لك بأنّ :"الأب إله، والابن إله، والروح القدس إله، والثلاثة يكوّنون إلها واحدا،فأجبه بأنّ:
(أَأَرْبَابٌ مّتّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ) [سورة: يوسف - الآية: 39]
(وَقَالُواْ اتّخَذَ الرّحْمَـَنُ وَلَداً [88] لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً [: 89] تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ الأرْضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً [90] أَن دَعَوْا لِلرّحْمَـَنِ وَلَداً [91] وَمَا يَنبَغِي لِلرّحْمَـَنِ أَن يَتّخِذَ وَلَداً [92] ) [سورة: مريم - الآية:88- 92]..
°وإن قال لك : "عيسى مات من أجل خلاصك "،قل له :إن كان حقيقة عيسى هو الله، فإنّ الله حيّ لا يموت أبدا!.
°وإن أصرّ وبشّرك بأنّ :"عيسى يدعوك ليغفر لك خطاياك، وأن يحمل خطاياك على الصليب "،قل له :
( وَمَن يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلاّ اللّهُ) [سورة: آل عمران - الآية: 135]
(وَلاَ تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ) [سورة: الأنعام - الآية: 164].
(كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [سورة: المدثر - الآية: 38]
° وإن عاند بقوله :"النّصرانية هي دين الحقّ"، أجبه بأنّ :
(إِنّ الدّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ) [سورة: آل عمران - الآية: 19].
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [سورة: آل عمران - الآية: 85].
° وإن عاند، وأحسست أنّ قلبه يتحجّر، (فَلَمّآ أَحَسّ عِيسَىَ مِنْهُمُ الْكُفْرَ) [سورة: آل عمران - الآية: 52].
،فاعلم أنّه أصبح أو سيصبح وليّا وخادما للشيطان، الذي يدعو ضحاياه ليكونوا من عداد الخاسرين، ومن أصحاب الجحيم، خذ حذرك إذن، لأنّ سلوكهم الفاتن طعم، وكلماتهم المعسولة تحوي على سمّ قاتل، ألا وهو "الشرك".
افرح واحمد الله على هذه النعمة،كن معتزّا من كونك مسلما خاضعا لله، أعلنه حيثما كنت،احكه لأبنائك، أكتبه على طاولة قلبك، وقل لكلّ شخص يعيب عليك انتمائك للإسلام: (قُلْ إِنّنِي هَدَانِي رَبّيَ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مّلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [161] قُلْ إِنّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ [162] لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوّلُ الْمُسْلِمِينَ [163] قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبّ كُلّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ ثُمّ إِلَىَ رَبّكُمْ مّرْجِعُكُمْ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [164] ) [سورة: الأنعام - الآية161 -164].
اعلموا، أعزّائي القرّاء،بأنّ الإسلام سيظل دوما شامخا،حتى وإن كثر أعداؤه، وحتّى وإن كيد له بكل المكائد الممكنة، وسيواصلون الكيد من أجل أن يوهنوه.
لكن الإسلام سيكون دوما منتصرا،لأنّه بكل بساطة دين الله رب العالمين !لذلك فإنّ الكذب وشتّى الأباطيل ستسقط وتضمحل بالرغم من كون أصحابها هم الأقوياء في نظر العالم أجمع :
(وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَىَ أَمْرِهِ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [سورة: يوسف - الآية: 21].
(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ) [سورة: الأنبياء - الآية: 18].
فسبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
اللهمّ فاشهد أنّي بلّغت وأنذرت.
يمكن مراسلة المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]

القلب الحزين
15-12-2013, 07:21 PM
العودة إلى الفطرة.. قصة إسلام الشاب البريطاني لامان بول



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1205498846laman.gif
السنة الطقسية في المسيحية : هي سنة مسيحية وكنسية، تضعها الكنيسة لتنظيم عبادة القديسيين، وهي زمن مقدس غايته اشراكهم بالأكثر في أهم أحداث يسوع المسيح الخلاصية، والتأمل بها فكما أن السنة المدنية تتكون من دوران الأرض حول الشمس، وهكذا السنة الطقسية تتكون من دورة الكنيسة حول المسيح متتبعة حياته الخلاصية، وتبدأ هذه السنة في الأحد الأول من تشرين الثاني وتقسم إلى أزمنة: زمن الميلاد - زمن الدنح أو الغطاس - زمن الصوم - زمن الآلام - زمن القيادة - زمن العنصرة، وأخيراً زمن الانتظار أو المجيء الثاني.
الرجوع الى الفطرة
حضارة لاهية وحريات مزعومة، وأيام ماضية وسنوات معدومة، فكيف تحسب من عمر الإنسان؟ له ام عليه؟!! وما الذي يقضي على قيمه وفطرته السوية .. هل هو الانسان ذاته؟ ام طبيعة الحياة التي تغتال منه العمر وهو لا يدري؟!!
رحلة «لامان» رحلة غير عادية في سبيل طريق الهداية التي مر بها، بحيث إنها غريبة ومثيرة في بعض الأوقات لتعدد المنحنيات التي مر بها في حياته، ومن حيث تخبطه في الاحتكاك ما بين تربيته في المسيحية والتقائه بأمه، إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن من هدى وإيمان.
نشأته:
- توفي والده وهو في سن الخامسة من عمره وتركه مع أمه لتتذوق وبال العيش من بعده، وتتكبل محطات الوصول الى بر الأمان وهي بين حضارة لا تعترف بالوسيلة، ولكنها تعترف بالغاية فقط فالغاية في الغرب تبرر الوسيلة، والنجاح المرجو بأية طريقة قادرة على تحقيقه.
- تركت الأم المسلمة ابنها «لامان» وهي في ذلك الوقت لم تكن تعي مفهوم الإسلام حتى تستطيع أن تقف أمام أعاصير الرياح التي ستواجهها، ولذلك سلمت ابنها وفلذة كبدها وهو في سن البراءة وهو عجينة طرية لينة قابلة للتغير حسب ما ترشده طبيعة من حوله إلى جديه، وهي تعلم أنهما مسيحيين، ولكن هذا مصيرها، وبحكم اندماج المرأة في العمل الغربي وخروج المرأة للعمل نداً بند الى جانب الرجل وتلبية لمتطلبات الحياة كانت الدوافع الأساسية الرامية لترك «لامان» عند جديه لتربيته.
- جديه كانا متمسكين بتعاليم الكنيسة والتقاليد الغربية وحرية التصرف في كل شيء دون أخذ مشورة من يهمه أمر لامان «والدته» ترعرع ونشأ في أحضان جديه، ومارس حياته كطفل مسيحي والأمر ليس بيده، وتشكلت طبيعته على حسب ما يسير جديه وعلى نمط حياتهما، بين عبادة الكنيسة وترانيمها والذهاب إليها وبين خروجهما وسيرهما على التقاليد والعادات الغربية التي هي بعيدة عن الإسلام كل البعد، فبعده عن حضن أمه ليس الإنساني فحسب، بل الحضن الفكري أيضا هو الأهم، والأفضل للإنسان أنه إذا ولد لأبوين غير مسلمين وتربى في حضن المسلمين ويصبح مسلما، لكان خير له من أن يولد لأبوين مسلمين ويربى في حضن غير مسلم.
- بين تهافت الغربيين على زيف التقدم والحضارة المزعومة أصبح «لامان» فريسة اليتم» ونشأ نشأته غير مسلم خلافا لمولده، وإن لم ينصِّرْه أبواه أو يهودانه، لكن هذا قدر مكتوب وإرادة الله سيرته هكذا.
«لامان» مسيحي:
أصبح «لامان» بعيدا عن أبويه وتوارت آثار فطرته الإسلامية وراء تربيته لولوجه في الطقوس المسيحية، ولكنه لم يكن مهتما بشخصه تجاه الدين المسيحي في صغره، فطبيعة الأحداث هي التي جعلته مسيحيا دون تمسك منه أو قيد حيال هذه الديانة، ولذلك لم يبحث في يوم من الأيام عن طبيعة خالقه أو ما هو هذا الدين، إذ كان يذهب للكنيسة قبل إدراك الوعي وقبل سن النضوج، فكان غير مبالٍ بما يراه أمامه من تصرفات عبادية أو عقائدية، وكان يرى ان ذهابه مع جديه، هو مجرد خروج لنزهة ترفيهية أو لحفلة كما يقول، وليس هناك فائدة ترجى من وراء ذلك سوى إشباع النفس لهوا ولعبا فقط.
سن النضوج:
- بلغ «لامان» سن السادسة عشرة من عمره وهو بين هذه الأهواء، ولم يدرِ أي طريق يسلك، واندمج بحكم سن المراهقة في حياته الشبابية هذه مع طبيعة الجو الذي يحيط به، من خلال الذهاب إلى الحانات والبارات وممارسة كافة أنواع اللعب والبذخ وشرب المسكرات وغيرها، حياة كحياة غالبية الشباب الغربي مع عدم الإهمال في الوسائل التي تؤدي إلى تحقيق الرغبات في التقدم نحو النجاح في الدراسة أو غيره، بيد أنه في هذه الفترة مرحلة الانتقال من الثانوية إلى الجامعة، وصلت معنوياته إلى أدنى درجة منخفضة.
- وإلى هذه السن لم يعرف عن الدين شيئا، ولم يعرف من هو إلهه أو أي عقيدة يتبع، بدأ التفكير فيما يجري من حوله من أمور، فأبويه مسلمين وجديه اللذان تربى في أحضانهما مسيحيين وهو لا يعرف أي انتماء له، ولا يعرف حتى نفسه، في ذاك الوقت كانت أمه قد تزوجت من رجل مسلم مصري الجنسية، وبزواجها من هذا الرجل اكتسبت جرعة علمية عن الإسلام وفوائده، كانت بمثابة الدافع القوي لها في تنمية دينها الإسلامي، فبعد ذلك الزواج أسست هي وزميلة لها مركز إسلامي مصغر، وجمعت فيه كافة تعاليم الإسلام من تعريف بالقرآن الكريم والسنة النبوية والفقه الإسلامي أيضا ومبادئ وأخلاقيات التربية الإسلامية، بحيث يقوم هذا المركز بتعليمها لمن يرغب في تعلمها، وأصبحت رؤية الإسلام متضحة أمام والدته بعد إهمال طال لفترة ما بين وفاة زوجها الأول وتزوجها بالثاني، وذلك بعد إنشاء هذا المركز ولهذا الحين لم يكن يعرف عن الإسلام شيئا، أو حتى عن وجود الله تعالى.
البحث عن الذات:
- بعد أن افتتحت أمه المركز الإسلامي وأيقنت ما فيه ابنها من ضلال وأرادت أن تنتشل ابنها من مستنقع الغرق ودأبت في التحرك لضمه إليها، رغم أنه في المرحلة الجامعية، ولكنه يحتاج في هذا الوقت بالذات لكنف أمه، وخاصة أنها أمست قادرة على تغير حياته جذريا لما وصلت اليه من معرفة بالدين الإسلامي وممارسة العمل الديني.
- إلتقته أمه وكأنه طفل في المهد وضمته إليها بعد طول هذه السنوات مع إنها كانت تراه، ولكن هذه المرة تختلف عن غيرها من اللقاءات بعدما عرفت ما عليها من واجبات أمام ابنها الضائع، وأيقنت أنها شاركت في ما وصل إليه من ضلال بعيد عن حضنها، كانت تبكي بحرقة مريرة، وفؤاد أم غاب عنها ابنها سنوات عدة غيابا وجدانيا وليس فراقا، لأول مرة يشعر «لامان» بحنان الأم ودفء حضنها، وكأنه رضيع ومن هذه اللحظة بدأ البحث عن الذات، حيث إنه استفاق ولم يعد صغيرا ومل من الحياة بلا معنى.
- كان «لامان» في هذه المرحلة يعرف جيدا أنه لابد من تحقيق النجاح واجتياز كل الصعاب للوصول إليه، رحل مع والدته إلى «لندن» بعدما تقرب منها واطمأن على نفسه معها، ويبدو أن أمه ضمته بنصائح زوجها ووقوفه إلى جانبها وعلى أساس ان تكون ناجحة في العمل الإسلامي الذي سلكته مع زميلتها المسلمة.
- وللآن لم يعرف «لامان» حقيقة وجود الله تعالى في الكون أو طبيعة الدين إلا كلاما فقط من والدته دون إقناع.
- بعد أن أحضرت له أمه كتباً خاصة كانت تحتفظ بها منذ أن كانت متزوجة بأبيه، وهي كتب عن الفلسفة والطبيعة، وما يتعلق بالحقائق الكونية من اعجازات علمية وغيرها دينية على مر الدهر، بدأ عقله يستفيق وتنقشع من على قلبه الغشاوة والتيه والضلال، فكان يسأل نفسه كثيرا حتى يعرف الصواب من الخطأ، من بين هذه الاسئلة: أين أنا من نفسي؟ ما الذي أراه أمامي الآن وهل هذه حقائق بالفعل؟ ومن هو رب هذا الكون؟ وكيف خلق الله الكون؟ وآيات عديدة بدأ يسأل نفسه عنها بعدما تفتحت عينيه على كتب أبيه.
اتجاهه نحو القرآن الكريم:
- هذه التساؤلات وغيرها الكثير كانت جديرة بأن تفرض عليه قراءة القرآن الكريم وتفسيره والذي كان من بين كتب أبيه، حيث أنه الآن في كنف أمه المسلمة وحتى يعرف كل الحقائق دينية كانت أو علمية وكما يقول:
- بدأت أقارن الحقائق الدينية الموجودة في القرآن الكريم بالحقائق العلمية التي توصل إليها العلم في القديم والحديث، وكلما زاد بحثي وتطلعاتي اكتشف أحداثاً وحقائق مذهلة ومفاجئة مطابقة لما ينص عليه القرآن الكريم ويدل على صدقه، ولم يحدث أن واجهت خطأ أو مخالفة في القرآن لطبيعة الكون وما فيه.
- سبحان الله العظيم - نعم انه القرآن كتاب الله المنزل على رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، من حكم به عدل ومن اهتدى به هدي الى صراط مستقيم
"قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ {15} يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {16}" (سورة المائدة الآيات (15 - 16)
- بدأت الأفكار الإيمانية تدب الى عقل «لامان» باتجاه نحو الدين الإسلامي ورغبته أخذت طريق الاستقامة.
- من خلال تطلعاته وبحثه في القرآن الكريم عرف «لامان» من هو خالقه سبحانه وتعالى الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء وهو على كل شيء قدير، خلق البحار فأجراها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها والجبال كيف أرساها، وأنه هو الذي خلقه فسواه فعدله في أي صورة ما شاء ركبه أن جعل له عينين ولسانا وشفتين.
الإسلام دين ارتضاء:
- كلما أشرقت شمس الإسلام على أرض الكفر أنارتها وبدلت ظلماتها نورا وكفرها إيماناً، وبالتأكيد أن هذه الشمس أشرقت على قلب «لامان» لتذيب من عليه جليد الكفر وتنير له دروب الإيمان وتثنيه عن دروب الشك والضلال الذي أحاطته من جراء جديه وتربيتهم له، نعم وقد نشبت فيه روح التوحيد وأنارت فكره وجعلت أمامه الجو ربيعا صافيا لرؤية الحقيقة.
- ولأنه كان لا يتمسك بعقيدة معينة أو محددة وكانت العلمانية طاغية على عقله، ومن خلال المقارنة والوصول الى الحقائق التي تؤكد وجودية الله تعالى في الكون وكثرة الآيات الدالة على قدرته. فهذه الآيات والحقائق تجعل الإنسان في رضا تام مع نفسه من حيث يقين العقل وتصديق القلب ورؤية العين لما هو موجود أمامها.
لحظات الإيمان
- بينما هو جالس ذات ليلة من الليالي مع نفسه لا يوجد معه غير القرآن العظيم أنيساً، والله يشهد عليه أنه لصادق، وفي لحظة حولت مجرى حياته من الشك والأوهام ومحت صور الكنيسة والخزعبلات العالقة في ذهنه إلى إيمان صادق ويقين عقلي، لقد شهد على نفسه والله يشهد عليه من قبله «انه قد آمن بوجود الله وتوحيده بأن الله واحد لا شريك له في الكون سبحانه وتعالى».
- يقول لامان: كانت الحجرة التي أجلس بها مغلقة والليل أرسى سكونه وأنا وحيد لم يكن معي إلا الله، اتجه إحساسي في هذه اللحظة نحو الاعتراف بوجود الله سبحانه وتعالى مع نفسي وأخذ قلمي يتجه ناحية أوراقي وبه كلمات من نور وأخذ يكتب:
- «اشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً رسول الله»
- بعدها أخذت تنهيدة طويلة النفس، ثم استراحت جوارحي وهمدت أنفاسي، وقمت بالتوقيع أسفل الشهادتين على الورقة التي أضاءت لي طريق الهداية وكان الله شهيداً على ذلك.
"اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "
(سورة البقرة الآية 257)
أثر ذلك على أصدقائه:
- من بين أصدقائه كان له صديق مسلم عربي من تونس، ولكن صداقته به جاءت متأخرة، وجاءت أثناء البحث عن الصراط المستقيم، فعندما علم هذا الصديق التونسي بما حدث من «لامان» مع نفسه ومع ربه أخذ يكبر ويهلل ويحمد الله أن مَنَّ على صديقه بالهداية واحتضنه، وبدأ يصطحبه الى المساجد بداية من أول صلاة جمعة وكانت أول صلاة له يصليها داخل المسجد هو وصديقه هذا، بعدها سرى الإيمان في قلبه، ولم يعد يترك صلاة داخل المسجد وربما كانت أغلب الأوقات يصليها مع هذا الصديق في البداية.
إشهار إسلامه علانية
- بعد أن مَنَّ الله عليه بالإسلام بينه وبين ربه، وبعد معرفة أصدقائه بما حدث منه، أراد ان يكون إشهار إسلامه علانية، وبمساعدة صديقه التونسي والذي جاء به الى مجموعة من أصدقائه واصطحبوه جميعا الى أحد المراكز الإسلامية وتم إشهار إسلامه رسمياً، ودون اسمه ضمن المهتدين الجدد للإسلام بهذا المركز بلندن. ومن ثم نال شهادة إشهار الإسلام.
أثر الصلاة في نفس لامان
- الصلاة هي الصلة بين العبد وربه، بحيث انها تنمي الإسلام لدى المهتدين فأول ما يفعله المسلم الجديد بعد هدايته إقامة الصلاة وعليها تنمو زيادة الإيمان لدى المهتدي، من خلال الحفاظ عليها وتأديتها في أوقاتها، وقد كان لها الأثر العظيم في نفس «لامان» من حيث أنها أسبغت عليه أخلاقيات الإسلام وبها أصبح مراقباً لربه سبحانه وتعالى، ووجد نفسه التي كانت ضائعة، لما رأى تحقيق الهدف الذي خلق من أجله في هذه الفريضة، وابتغاء مرضاة الله تعالى في كل شيء
"تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ " (سورة الفتح الآية 29)
فمن خلال الصلاة استطاع «لامان» التغلب على هفوات نفسه ونزواتها، وطرأ على حياته تغيراً جذريّاً بفضل التمسك بالصلاة وبات من الذين يؤمنون بربهم حق الإيمان مُنقادا لأمر الله «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين».
الجديد الذي طرأ على حياة لامان بعد الهداية:
- هناك عوامل عدة طرأت على حياة «لامان» بعد الهداية» اجتماعياً ودينياً وعملياً:
- اجتماعياً: تحولت حياته جذرياً من حيث الانعزال عن حياة الترف واللعب والإباحيات التي يقرها المجتمع الغربي في صورة الحرية.
- دينياً: أصبحت حياة ثمينة ورسم لها أهدافا يجب تحقيقها، وأول هذه الأهداف «هي عبادة الله» حيث انه الهدف الأسمى الذي خلق الإنسان من أجله ...
"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " (سورة الذاريات الآية 56)
والتعمق في تفسير حقائق القرآن الكريم ودراستها ومعرفة قراءته بالعربية حتى يتسنى له الحفظ الجيد.
- عملياً: بعدما مرت به قبل إسلامه ظروف اليأس وضعف المعنويات كاد أن يهوي إلى السقوط في الفشل غير أن اتجاه أمه نحوه ساعده كثيرا في الخروج من تلك الوهلة، ولهذا رأى في نفسه بعد إسلامه واستقرار فكره أنه لابد من اجتياز كل الصعاب التي تواجهه، والوصول الى النجاح، وتحقيق الأهداف التي يطمح في الوصول إليها.
- بعد هذه المستجدات التي طرأت على حياة (لامان) وجد لنفسه قيمة في هذه الحياة ويجب العمل من أجل تحقيق الذات. وعلى اثر ذلك كانت المرحلة الجامعية قد انتهت ونال شهادة في خدمة الإسلام.
تأسيس صفحة بالإنترنت
- بعدما أنهى دراسته الجامعية بدأ بتأسيس صفحة بالإنترنت عن الإسلام خاصة به، تشرح وتوضح بعض الأمور والتساؤلات المثيرة عن الإسلام، واكتشاف الشبهات، ووضعها بصفحته. وكان من بينها حقوق المرأة في الإسلام، وكذلك الإسلام، ومفهوم الإرهاب، وهذه النقاط كانت تطرح العديد من الاستفسارات، وقد تفاعل الكثيرون معه واكتسب العديد من الذين يريدون الدخول في الإسلام، وبما انه كان في بداية حياته الإسلامية لم يكن عنده القدرة على الردود والإجابات، فكان يحولها الى الجمعيات الإسلامية في أمريكا (اكنا) وفي بريطانيا وكل هذه الأسئلة أغلبها كيف يمكن لنا الدخول في الإسلام.
الالتحاق بشبكة إسلام اون لاين
- عن طريق علاقته بالمركز الإسلامي ببريطانيا «نيو مسلم اوجيكت» والخبرة التي اكتسبها في هذا المجال وإتقان مهارات الإدخال ووضع البيانات وكثرة العمل في الدعوة الإسلامية. فكان هذا المركز هو همزة الوصل بينه وبين إسلام اون لاين واجتاز الاختبارات وأصبح من خلال ذلك المشروع «داعية إسلامي» وها هو الآن تستضيفه الجمعيات الإسلامية لخدمة مشاريعها في مجال الدعوة بالإنترنت احدث تقدم في أسلوب الدعوة يخدم الإسلام في شتى أنحاء العالم.
نظرة الإعلام الغربي للإسلام كما يراها «لامان»
- الإعلام الغربي بشكل عام يعتمد اعتماداً كلياً على المادة وعلى ما تحتاجه الناس غالباً ما يكون ذلك، أي أنه إذا كانت المعلومات مؤثرة أو قوية ستجذب الناس حولها أكثر، ومن هذا المنطق تعتمد الوسائل الإعلامية الغربية على إثارة السلبيات ناحية الإسلام وتعمد تشويه صورته، فكلما ذكرت الأمور السلبية مضخمة حدث إنجاز أكثر. وهذه هي الفكرة التي يعتمد عليها الإعلام الغربي بالنسبة للإسلام، بمعنى إظهار الإسلام بصورة سلبية.
الصعوبات التي تواجه المسلمين في الغرب
- بالنسبة لي، لم يكن لدي صعوبات أو أي مشاكل بالمعنى والحمد لله، ويذكر «لامان» انه في أثناء اجتماعه مع إحدى المؤسسات في بريطانيا، وأذن المؤذن، ومن ثم قام بالاستئذان وذهب للصلاة، فوجد ترحيباً واحتراماً، ولكن بعض المسلمين يواجهون صعاباً في بعض الدول التي تعارض حجاب المرأة المسلمة. ويفصلون الدين عن مجال العمل، سواء كان في العبادة او في الفكر أو أي مجال آخر لذلك فإن المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب يفصلن عن العمل دون تعارض، وبعضهن تم فصلهن من العمل والقانون ردهن مرة أخرى من خلال ذلك المبدأ.
الاسم بعد الإسلام: كما هو
العمر: : 35 عاماً
الجنسية: بريطاني
الديانة السابقة: المسيحية
الوظيفة: داعية إسلامي بالإنترنت
مكان العمل: مركز إسلام أون لاين
المصدر موقع :
http://www.ipc-kw.com/arabic/ipc-story-8.html

القلب الحزين
15-12-2013, 07:21 PM
من مغني في كورال كنسي إلى داعي إلى الله


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1202993612smawai1.gif
صورة لمحمد سوماوي بعد إسلامه

في بداية حديثه عن قصته مع الهداية تكلم عن قدرة الخالق جل شأنه في الكون فقال: إن لكل صنعة صانع، ولكل أمرٍ مدبر حكيم وهذا الكون يتفرد مع صنعه بحكمة الله تعالى الذي أوجده بقدرته جل شأنه، وكل فعل في الحياة له سبب حتى تسير الأمور طبيعية، فوجب على كل إنسان مخلوق في هذه الحياة، أن يؤمن بالله وحده سبحانه وتعالى، ويعلم أنه الخالق الواحد الذي خلق الكون بما فيه من الأحياء والجمادات دون مساعدة من أي مخلوق آخر، كما يعتقد المؤمن الصادق أن هذه المخلوقات في حاجة إلى الرعاية والحماية من الزلزال والانهيار والزوال والله هو صاحب الفضل ومالك الملك الرحمن الرحيم دون أن يتخذ صاحبة ولا ولداً هو الحي القيوم المهيمن على هذا الملك "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً"
المهتدي كان شماساً في كنيسة
محمد سوماوي من الفلبين ،كان يعتنق النصرانية، ومتمسكاً بها إلى درجة الالتزام بمواعيد الصلاة والترانيم التي تقام بداخل الكنيسة، كما أنه كان منشداً ضمن الكورال الديني مثله مثل والديه اللذان يتمسكان بدينهما.
رحلتي مع الهداية
يقول : محمد سوماوي:
تبدأ رحلتي مع الهداية في عام 1990 أثناء الغزو العراقي للكويت وكيف أن هذه الأحداث كانت سبباً في هدايتي
لقد كان أساس عقيدتي هو الإيمان بالله، فعندما كنت نصرانياً كانت تراودني الأسئلة الكثيرة في كل وقت، وكنت دائم الحضور للمناسبات الدينية النصرانية، كما كنت عضواً في الكورال الديني كناشد لله وهو المسيح بن الله كما يعتقد النصارى – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وهذا هو مبدأ الدين والعبادة السابقة لي "أن المسيح عيسى هو اله بن الله!!! مثلما درست وتعلمت منذ ولادتي.
ولكن الأسئلة التي كانت تراودني كثيرة، فلم أكن مقتنعاً بما نفعله، ولم أطمح من وراء هذه العبادة إلا أن أعيش معهم كفرد نصراني كاثوليكي.
عملي السابق
بالفلبين كنت أعمل لحاماً في تركيب الشبابيك الحديدية والأبواب، بالإضافة إلى سائق وفي وقت آخر أقوم بتوصيل المسافرين مقابل القليل من الأجر.
ولم يكن في خاطري في يوم من الأيام أن أسافر خارج الفلبين، أو للكويت، كي أعمل هناك كنت أظن بأن عملي لا يؤهلني إلى العمل بالخارج.
سفر أختي
لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى، سافرت أختي الكبرى إلى الكويت للعمل بها قبل الغزو العراقي وفي أثناء وجودها حدث الغزو واستمر لمدة سبعة أشهر، لم نعرف أي شيء عنها، ولم يأتنا خبر يطمئننا عما هي فيه، وازدادت حيرتنا عليها، وهي الأنثى الوحيدة بيننا كأخت، وتظفر بقدر كبير من الحب لدى والدينا، وفي هذه الفترة كان الحزن يخيم على الأسرة، وزاد انشغال أبي وأمي عليها أشد الانشغال، ومن كثرة الأحداث فقدنا الأمل في بقاءها على قيد الحياة، وأنا أكبر إخواني الذكور، فكان عليَّ مسئولية التحقق من فقدانها، هل هي حية أم ماتت؟
الأمر ليس سهلاً ويحتاج إلى البحث الكثير والسؤال عنها لدى كل من أقبل وأدبر – والأكثر من ذلك – كيف نتصرف إن كانت ميتة؟
وأين هي إذا كانت حية؟ الأمر كله يرجع إلى الله سبحانه وتعالى... وعليِّ أن أمهد إلى ما لو حصل سوء لأختي كيف أتصرف وهذا ما كنت أقوم به وأهديء من روعهما وأمسح دموع آلامهما ، لقد كانا يحزناني جداً.
المهم أننا فقدنا الأمل، ولم يعد يراودنا أدنى شك في رجوعها إلينا.
المفاجأة
بعد 9 أشهر من سفرها وهذه المدة تساوي مدة حمل الوليد، وبعد انتهاء الغزو العراقي للكويت، استلمت رسالة من البريد، وهي تعد بمثابة الولادة الجديدة لأختي بالنسبة لنا وبمثابة ولادتها في الإسلام، وإذا باسم أختي مكتوباً على الرسالة باسمها قبل الإسلام، واسمها بعد أن منَّ الله عليها بالهداية، فقد أسلمت في هذه الفترة، المهم أننا فرحنا جداً وعم السرور على وجوه الأسرة، لقد كانت مفاجأة بالنسبة لنا، وما أجملها من مفاجأة... اختي ما زالت حية!! الأم تبكي من شدة الفرح وتحمد الرب الذي حفظ أختي – أخبرتنا في الرسالة بأنها حية وفي أمان الله وأسلمت وتزوجت من كويتي، وهذا الأمر لا يعنينا بقدر ما كنا نرجو أن نجدها على قيد الحياة.
سفري إلى الكويت
بعد شهرين من الرسالة الأولى، جاءتنا رسالة أخرى من أختي تذكر فيها بأنها في حاجة ماسة إلى سفري للكويت ووجودي بجانبها، يضحك سوماوي ويقول يبدوا أنها كانت ترغب في هدايتي بسفري إليها!!! المهم أننا لم نفهم من مضمون الرسالة سوى أنها محتاجة لوجودي فقط... وأبديت استعدادي لأن أكون إلى جانبها... وقد كنت مشتاقاً إليها، فهي كما ذكرت أختي الوحيدة ولابد لي من الاطمئنان عليها طالما أن الظروف ستسمح بذلك.
ويمضى قدر الله سبحانه وتعالى وتمضي الأسباب تسير كما أرادها جهزت أوراقي وجواز السفر وأرسلته إلى أختي وبعدها وصلتني الموافقة على الدخول إلى الكويت سافرت في 28 نوفمبر 1992.

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1202993660smawai2.gif
صورة لمحمد سوماوي وهو يقرأ القرآن
حياة جديدة ودعوة إلى الإسلام:
مع وصولي إلى الكويت بدأت تدور في ذهني أسئلة عديدة حول هذه الحياة الجديدة، لأنني أول مرة أرى فيها العرب، بهذا الشكل المميز الدشداشة والغترة والعقال، والأمر يختلف تماماً عن الفلبين.
انتظرتني أختي في شوق وولع، وكان حلماً لكل منا أن يرى بعضنا البعض لقد جاشت بالبكاء، وكانت تكرر هل أنا في حلم لم تصدق أنني معها حمدت الله حمداً كثيراً وأخذت تسأل عن أبي وأمي وأخواتي كيف حالهما، وأخذتني إلى منزلها هي وزوجها الكائن في منطقة القصور، لبثت معهما مدة ليست طويلة، وأخذا يدعواني إلى الإسلام، بعد أن عرفت كيف أنها أسلمت؟ وبدأ يحبباني في هذا الدين، وكأنها أتت بي من الفلبين لهذا الأمر! سألتهما إن كان في الأمر إجبار على أن أعتنق الإسلام ؟! ردا بكل وضوح ليس الإسلام هكذا.
لا إكراه في الدين
"لا إكراه في الدين" بل الأمر لك!!
قلت: إذا فاتركاني لأمري حتى يحكم الله فيه!!
لا أخفى عليكم... فقد بدأت أفكر في الإسلام لماذا اعتنقت أختي هذا الدين وأخذ هذا السؤال يطرح نفسه: وهي الآن تدعو إليه؟
بعد ذلك طلبت منهما أن أدرس الإسلام ولابد من إعطائي فرصة لفهم هذا الدين فهماً جيداً فقبلا ذلك وفرحا فرحاً شديداً، واحترما رغبتي، وبدأت أتعلم أسس ومبادئي الإسلام.
وبدأ كل منهما يحضر لي الكتب والأشرطة، وأذكر أن أختي أعطتني كتابا بعنوان "الحلال والحرام في الإسلام " كي أقرأه ولم يكن اهتمامي بالحلال والحرام بقدر اهتمامي بمعرفة العقيدة الإسلامية أولاً فهي الأساس في العبادة... وعليها سيكون الإيمان لم أستفد من هذا الكتاب إلا قوانين وصور من حياة المسلم.
لم أكن متعجلاً في البحث عن الدين الجديد، وخلال وجودي معهما كنت دائماً أسمع الأذان "الله أكبر – الله أكبر" وبدأت تلين جوارحي من أثر ما يدور من حولي من إيمانيات .
الأذان وسيلة إعلامية
وكان أول ما عرفته هو معنى هذا الأذان... إنه يدعو المسلمين إلى الصلاة.. ويكون في أوقات محددة من الليل والنهار.
بدأ تفكيري يزداد في أمر الإسلام فهنا أذان " الله أكبر – الله أكبر" فوق كل مآذن المساجد.. وهناك أجراس ودقات لا يعنى منها إلا التنبيه فقط.. الفرق جداً شاسع !! بين نداء النصارى والذي يرن كل سبت وأحد من أيام الأسبوع، وبين نداء المسلمين الذي يناديهم في اليوم خمس مرات – طاعة لله...
تمضى الأيام مع ملاحظتي لأختي وزوجها وهما يصليان سوياً كنت أشعر أنهما في أشد الطمأنينة والسكينة وبدأ حب الإسلام يتسلل إلى قلبي.
التلفزيون داعية
في يوم من الأيام ذهبت أختي وزوجها لزيارة بعض الأقارب، وتركاني في المنزل وحيداً أشاهد التلفاز في الديوانية لأطالع الأخبار، وما يحدث في العالم... ولكن المدهش أنني فتحت التلفاز وعلى القناة الثانية التي تبث برامجها باللغة الإنجليزية، وكان موعدي مع برنامج للشيخ صلاح الراشد أمرا قدره الله تعالى " الذي إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون".
ووجدت الشيخ/صلاح الراشد أمين عام لجنة التعريف بالإسلام آنذاك وقد كان هذا في شهر رمضان المبارك شهر الهدى والفرقان عام 1993 وفي هذا البرنامج كان يتحدث عن علاقة الإسلام بالأديان الأخرى، ويتحدث عن الإسلام والنصرانية، وعن عيسى ومحمد (صلى الله عليه وسلم) في الإنجيل. وبدأت أنتظر هذا البرنامج الشيق من كل مساء من يوم الأربعاء وأستمع إلى ما يقوله بحرص شديد.
محمد (صلى الله عليه وسلم) في التوراة والإنجيل
وعندما سمعت في هذا البرنامج أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أخبر عن نبوته في الإنجيل والتوراة، وأنه سيبعث بعد موسى وعيسى عليهما السلام. وكنت أبحث عما يؤكد لي أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ذكر في الإنجيل، لأنني لم أجد اسمه في العهد القديم ولا في العهد الجديد من الكتاب المقدس.
أخذت أهتم اهتماماً شديداً بالإسلام كونه يدعو إلى الوحدانية، كما بين لي الشيخ صلاح الراشد وهذا الذي كنت أؤمن به عندما كنت نصرانياً... بيد أن الذي أدهشني، ولم أستطع مقاومته أو معارضته هو شرحه لنبوة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) من خلال الكتاب المقدس عند النصاري قبل أن يحرف ومن مصادر إنجيلية موثوق بها، وقد استشهد بذلك الشيخ/ الراشد، ببعض الإثباتات من الإنجيل.
وبالفعل وجدت ما شرحه وبينه حقيقة لبعث الرسول الخاتم (صلى الله عليه وسلم) الذي ورد في الإنجيل الأصلي قبل أن يحرف، ولم أستطع إنكار هذا الأمر وأخذت أقرأ ما جاء في سفر التثنية عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في الإنجيل والذي جاء فيه:
" لهذا أقيم لهم نبياً من بين إخوانهم وهو مثلك، وأضع كلامي في فمه، فيخاطبهم بكل ما أمرهُ به، فيكون أن كل من يعصى كلامي الذي يتكلم به باسمي، فأنا أحاسبه .".
بداية اعتناق الإسلام
وهنا بدأ قبولي للإسلام كدين جديد لي، وبدأ يأخذ ويمتلك شغاف القلب، وبدأ حبي له، يتزايد ومن يستطيع أن يتحمل هذه المحاسبة من الله تعالى فكل إنسان عليه أن يخاف الله، رب الأرباب ومسبب الأسباب ملك الأرض والسماء.
" إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً"
وتفتح طريقي إلى الإسلام بإرادة الله، وقررت الحضور إلى لجنة التعريف بالإسلام مع زوج أختي لإشهار إسلامي وإعلان شهادتي بوحدانية الله تعالى الخالق، شاهداً بأن عيسى بن مريم هو عبدالله ورسوله ومحمد رسول الله خاتم الأنبياء والمرسلين نبي الرحمة.
المسيح عبداً رسولاً
أشهرت إسلامي في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك وأصبح اعتناقي للإسلام من منطلق خوفي من عقاب الله وحسابه لي واقتناعي بوجدانية الله تعالى، وقد زاد ارتباطي بالإسلام وبإخواني المهتدين الجدد، ولا يعني إسلامي أنني تركت المسيح عليه السلام بل إيماني بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسول الله نبياً ورسولاً والإسلام يضع سيدنا عيسى في المكانة المناسبة له وهو عبدالله ورسوله مثل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، والفرق بينهما أن رسول الله محمد هو خاتم الأنبياء المرسلين، وهذا جاء بالقرآن وذاك جاء بالإنجيل وكلاهما يدعو إلى توحيد الله عز وجل.
تعلمت الإسلام
والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أرسله الله للناس كافة إلى يوم القيامة والحمد لله، الآن وقد مضى على إسلامي حوالي عشر سنوات قد تعرفت على الإسلام وفهمت هذا الدين فهماً صحيحاً، وزاد إيماني بعد دراستي "للتوحيد في الإسلام" وهو كيفية الإيمان المطلق بوحدانية الله تعالى.
أيضاً تعلمت كيف يؤدي المسلم ما عليه من عبادات وما عليه من واجبات، فقد أحل الإسلام حلالاً وحرم حراماً وعلى المسلم أن يراقب ربه في كل حين وهدايتي هي بأمر الله الذي يهدي من يشاء، وهو الذي هداني لأن أكون مسلماً وجاء بي من الفلبين إلى الكويت ليقضى أمراً كان مفعولاً.
لا أنسى أصحاب الفضل علي أختي وزوجها بعد الله سبحانه وتعالى، وهذا البرنامج الداعي إلى تنوير عقول العباد الذي أخرجني من دين إلى دين جديد يهدي إلى الرشد ويتبع رضوان الله.
لجنة التعريف بالإسلام والدعوة إلى الله
ولجنة التعريف بالإسلام التي كان لها الباع الطويل في تدريسي الإسلام وكان انطلاق الهداية والنور في قلبي، بها رجالٌ سخروا من أنفسهم خدمة لدين الله، نسأل الله أن يأجرهم هم والذين أسسوا هذا الصرح العظيم في الدعوة إلى الله.
مساعد داعية
لقد تعلمت ودرست الإسلام بعد إشهار إسلامي بهذه اللجنة واجتزت كل الدورات والمحاضرات وحصلت على عدة شهادات منها وتخرجت في البداية مساعد داعية للجالية الفلبينية والآن أعمل كداعية بفرع لجنة التعريف بالإسلام بالأحمدي والحمد لله فقد أسلم الكثير على يدي فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
الحج إلى بيت الله الحرام
وشاركت في العديد من الحوارات بين النصاري والمسلمين وحججت إلى بيت الله الحرام عدة مرات واعتمرت عدة مرات وحباني الله برعاية وهداية لم تكن في الحسبان ولم أكن أتخيلها.
هداية الله تعالى
واقتضت حكمة الله تعالى أن أتحول من منشد في الكورال الديني بالكنيسة إلى داعية إسلامي ... نعم إنها هداية الله صاحب الفضل ومالك الملك الرحمن الرحيم والحمد الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
المصدر : نقلا عن موقع اللجنة العالمية للتعريف بالإسلام (http://www.ipc-kw.com/)

القلب الحزين
15-12-2013, 07:23 PM
مقاطع فيديو لبعض قصص أعتناق الإسلام في الغرب




http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1199879406src11998091641.jpgقال الله تعالى:(إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) [النصر : 3]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر . ] رواه جماعة ذكرتهم في تحذير الساجد ص 121 ، ورواه ابن حبان في صحيحه 1631 و 1632، وأبو عروبة في المنتقى من الطبقات وله شاهد من حديث أبي ثعلبة الخشني مرفوعا نحوه أخرجه الحاكم 155 / 3 وصححه ورده الذهبي، وأورده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة.
نضع بين أيديكم قطوفاً من أفلام اليوتوب تتناول أخبار اعتناق الإسلام في الغرب وشاهدات من أكرمه الله سبحانه بالإسلام نسأل الله لكم بمشاهدتها الفائدة.
شبكةNBC الأمريكيةعشرون الف شخص يعتنقون الإسلام سنويا فيامريكا
NBC NEWS:20000 americans Convert To ISLAM Each Year!
http://www.youtube.com/watch/v/2PS2creVhaM (http://www.youtube.com/watch/v/2PS2creVhaM)
قسيس أمريكي سابق يكشف اعتناق قساوسة كثيرين للإسلام:
Yusuf Estes - Priests and Preachers accepting Islam
http://www.youtube.com/watch/v/E6K0627FiCk (http://www.youtube.com/watch/v/E6K0627FiCk)
الفنزويليون يدخلون في دين الله أفواجا:
Many Latinos Convert Daily To ISLAM .. Live From Venezuela!
http://www.youtube.com/watch/v/1XyrxzQIN9w (http://www.youtube.com/watch/v/1XyrxzQIN9w)
الكثير من الألمان يعتنقون الإسلام يوميا:
Every day many Germans convert to ISLAM :
http://www.youtube.com/watch/v/34kjurzK500 (http://www.youtube.com/watch/v/34kjurzK500)
التلفزيون الهولندي الإسلام أسرع الديانات انتشارا بين الشبابالألماني
Holland TV:ISLAM fastest spreading Faith among Youth Germans
www.youtube.com/watch/v/WAXXN6XOnzQ (http://www.youtube.com/watch/v/WAXXN6XOnzQ)
آلاف الدنماركيين يدخلون الإسلام:
Thousands of Danish convert to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/kru6XQ8CT48 (http://www.youtube.com/watch/v/kru6XQ8CT48)
تقرير تلفزيوني آلاف اللاتينيين يعتنقون الإسلام
TV Report Thousands Hispanics Converting To ISLAM
http://www.youtube.com/watch/v/yDwGsmTx3D4 (http://www.youtube.com/watch/v/yDwGsmTx3D4)
عالم ألماني وزوجته يعتنقون الإسلام:
German Scientist & his wife,clinic assistant convert 2 islam
http://www.youtube.com/watch/v/uP-2IqH_l4c (http://www.youtube.com/watch/v/uP-2IqH_l4c)
عالم أوربي يعتنق الإسلام
European Scientist converts to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/0IspK651RpY (http://www.youtube.com/watch/v/0IspK651RpY)
الدكتور البريطاني ويبر يعتنق الإسلام:
Dr. Ian Weber from England converts to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/gUZR6XwU8Pw (http://www.youtube.com/watch/v/gUZR6XwU8Pw)
طالب علوم يعتنق الإسلام في أمريكا:
science students turn to islam
http://www.youtube.com/watch/v/y3_JYk4Bo4Y (http://www.youtube.com/watch/v/y3_JYk4Bo4Y)
تقرير تلفزيوني النصارى في فرنسا يعتنقونالإسلام:
TV_ReportChristians Convert To ISLAM in France
http://www.youtube.com/watch/v/Dhu0eEuIsGg (http://www.youtube.com/watch/v/Dhu0eEuIsGg)
المسلمون في تكساس قصص للمسلمين الجدد في تكساس:
Turning Muslim in Texas - People reverting to Islam in Texas
http://video.google.com/videoplay?do...46116459496814 (http://video.google.com/videoplay?do...46116459496814)
امريكية تحولت للإسلام بعد أسابيع من 11 سبتمبر
Angela Collins - Muslim Convert weeks after 9/11 Incident
http://www.youtube.com/watch/v/j6PJgJdEzNM (http://www.youtube.com/watch/v/j6PJgJdEzNM)
أسترالية تعتنق الإسلام:
NEW MUSLIM Woman from austrailia CONVERT :
http://www.youtube.com/watch/v/-baqULx5IBU (http://www.youtube.com/watch/v/-baqULx5IBU)
قصة مسلم امريكي جديد:
The Choice - A Story of New American Muslim Convert
http://www.youtube.com/watch/v/CML3CRPMefA (http://www.youtube.com/watch/v/CML3CRPMefA)
ايرلندي يعتنق الإسلام
Irish and "loving Islam" Convert to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/dIc5oFAva-4 (http://www.youtube.com/watch/v/dIc5oFAva-4)
يهودي يعتنق الإسلام
Jewish To Islam convert
http://www.youtube.com/watch/v/KcBiJnLjwVw (http://www.youtube.com/watch/v/KcBiJnLjwVw)
مسلم يروي التغيرات التي حصلت له بعد شهرين من إسلامه:
www.youtube.com/watch/v/IlOuITPE6kE (http://www.youtube.com/watch/v/IlOuITPE6kE)
http://www.youtube.com/watch/v/1qpQvpmEqkc (http://www.youtube.com/watch/v/1qpQvpmEqkc)
لماذا اعتنقوا الإسلام:
Why do they accept the Islam
http://www.youtube.com/watch/v/aJ3TGAnFc-U (http://www.youtube.com/watch/v/aJ3TGAnFc-U)
135 امريكي يعتنقون الإسلام في وقت واحد
135 Convert to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/36Glj_FAGcw (http://www.youtube.com/watch/v/36Glj_FAGcw)
مسلمة جديدة تعتنق الإسلام في كندا
Convert to Islam from Canada
http://www.youtube.com/watch/v/uKPer2fma9U (http://www.youtube.com/watch/v/uKPer2fma9U)
براين يروي قصته من المسيحية الى الإسلام:
Revert to Islam - Brian From Christianity (Convert to Islam) ...
http://www.youtube.com/watch/v/bI_YVnD9UvI (http://www.youtube.com/watch/v/bI_YVnD9UvI)
العديد من العوائل النصرانية واليهودية يعتنقون الإسلام
Many Jew and Christian Families Convert To ISLAM
http://www.youtube.com/watch/v/84ZtVLI5kXM (http://www.youtube.com/watch/v/84ZtVLI5kXM)
قسيس كاثوليكي بريطاني يعتنق الإسلام
British Catholic Priest Converted To ISLAM
http://www.youtube.com/watch/v/pn0iPlWQNlI (http://www.youtube.com/watch/v/pn0iPlWQNlI)
يوناني يعتنق الإسلام
Greece Men Convert to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/IlAjkuECrHc (http://www.youtube.com/watch/v/IlAjkuECrHc)
هندوسي يعتنق الإسلام
Convert to Islam from Hinduism
http://www.youtube.com/watch/v/zePqNxz895U (http://www.youtube.com/watch/v/zePqNxz895U)
نصرانية تعتنق الإسلام
Christian Convert to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/HDkW2Y35mKQ (http://www.youtube.com/watch/v/HDkW2Y35mKQ)
اثنان وعشرين استرالي واسترالية يعتنقون الإسلام بعد محاضرة
Twenty two/22 Brothers and sisters convert to (Islam) ....
http://www.youtube.com/watch/v/XQBn6loQTdY (http://www.youtube.com/watch/v/XQBn6loQTdY)
امرأتين من بريطانيا يعتنقون الإسلام
Two british Women of different colours convert to Islam
www.youtube.com/watch/v/uEfMcPQfv7w (http://www.youtube.com/watch/v/uEfMcPQfv7w)
الماني يعتنق الإسلام
German convert to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/9U1zNXXQA6Q (http://www.youtube.com/watch/v/9U1zNXXQA6Q)
ثلاثة فرنسيات يعتنقون الإسلام
Three French Sisters Convert To ISLAM :
www.youtube.com/watch/v/JiksSo0lwL4 (http://www.youtube.com/watch/v/JiksSo0lwL4)
الصحفية ريدلي تعتنق الإسلام:
Sister Yvonne Ridley Becomes Muslim Islam Video
http://www.youtube.com/watch/v/aOe5s5hP4Gw (http://www.youtube.com/watch/v/aOe5s5hP4Gw)
لماذا اعتنقت هذه الألمانية الإسلام:
WHY Christians German Lady convert to ISLAM, SEE VIDEO
http://www.youtube.com/watch/v/afFv22Wsd5A (http://www.youtube.com/watch/v/afFv22Wsd5A)
الماني تعتنق الإسلام
Germany Convert To ISLAM
http://www.youtube.com/watch/v/os4vUxfJizU (http://www.youtube.com/watch/v/os4vUxfJizU)
لماذا اعتنق جيرومي الإسلام ؟
Jerome - How I wrestled my way to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/b2YZGGDGUWE (http://www.youtube.com/watch/v/b2YZGGDGUWE)
قصة الماني اعتنق الإسلام:
The story of a German convert to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/gjRjzTAk-RQ (http://www.youtube.com/watch/v/gjRjzTAk-RQ)
عبدالسلام يعتنق الإسلام:
Revert to Islam - Abdus Salam (Convert to Islam) ...
http://www.youtube.com/watch/v/VqlilLIQJRE (http://www.youtube.com/watch/v/VqlilLIQJRE)
الأمريكية مريم تعتنق الإسلام:
Revert to Islam - Maryam Noor (Convert From Christianity) ....
http://www.youtube.com/watch/v/ig0N9aRT0Hc (http://www.youtube.com/watch/v/ig0N9aRT0Hc)
المان يعتنقون الإسلام في التلفزيون الألماني:
Germans convert to Islam on german TV
http://www.youtube.com/watch/v/nFqj3xPKc88 (http://www.youtube.com/watch/v/nFqj3xPKc88)
تقرير تلفزيوني عن مسلمين جدد:
TV Report Rechtsanwalt konvertiert zum ISLAM :
http://www.youtube.com/watch/v/_4LrIv6kK9o (http://www.youtube.com/watch/v/_4LrIv6kK9o)
قسيس يعتنق الإسلام:
JoleneA Southern Baptist Converts to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/RHQOx12-WJU (http://www.youtube.com/watch/v/RHQOx12-WJU)
محمد مصعب يروي قصته في اعتناق الإسلام:
Revert to Islam - Muahmmad Musab (Convert From Christianity) ....
http://www.youtube.com/watch/v/Co0xom_KcXM (http://www.youtube.com/watch/v/Co0xom_KcXM)
يوسف علي يروي قصة اعتناقه الإسلام:
Revert to Islam - Yusuf Ali (Convert to Islam) ... :
http://www.youtube.com/watch/v/NcjXK7qzE_k (http://www.youtube.com/watch/v/NcjXK7qzE_k)
كيف اعتنقت ميلينا الأسلام:
How Melina came to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/jLht7Kk0bGg (http://www.youtube.com/watch/v/jLht7Kk0bGg)
عبدالله لبان يروي قصة اعتناقه للإسلام:
Revert to Islam - Abdullah Laban (Convert to Islam) ... :
http://www.youtube.com/watch/v/gGeHzUkkJH4 (http://www.youtube.com/watch/v/gGeHzUkkJH4)
اللاتينيين يتركون الكنيسة ويعتنقون الإسلام:
TV Report Latinos Leaving The Church And Turning To ISLAM
http://www.youtube.com/watch/v/j2w14xxi0bM (http://www.youtube.com/watch/v/j2w14xxi0bM)
وليام شبيل و25 من عائلته يعتنقون الإسلام:
William Chappelle and 25 members of his family embrace Islam :
http://www.youtube.com/watch/v/mkBW4l4TmPE (http://www.youtube.com/watch/v/mkBW4l4TmPE)
الإسلام في هولندا:
Islam In Netherlands
http://video.google.com/videoplay?do...97847671713770 (http://video.google.com/videoplay?do...97847671713770)
6 ألمان يعتنقون الإسلام:
6 German convert to Islam - 2007 - LIVE
http://www.youtube.com/watch/v/0SpqpGKp7ts (http://www.youtube.com/watch/v/0SpqpGKp7ts)
كارولين تتحول الى الإسلام:
Caroline convert from christianity to islam
http://www.youtube.com/watch/v/2Cpmvne2wj0 (http://www.youtube.com/watch/v/2Cpmvne2wj0)
أمرأة يابانية تتحول الى الإسلام:
Japanese Women Turning To ISLAM.
http://www.youtube.com/watch/v/L7PIOhK-SgA (http://www.youtube.com/watch/v/L7PIOhK-SgA)
مسلمة امريكية جديدة تتكلم عن الحجاب:
American converted Muslim Woman speaking about the Veil
http://www.youtube.com/watch/v/L85Mcq3EDX8 (http://www.youtube.com/watch/v/L85Mcq3EDX8)
الدكتورة ريتشاردسون يتحول الى الإسلام في أمريكا:
Dia Richardson converted to Islam in USA :
http://www.youtube.com/watch/v/Tp097NNj3Pk (http://www.youtube.com/watch/v/Tp097NNj3Pk)
ألمانية نصرانية تتحول الى الإسلام:
German christ convert to ISLAM
http://www.youtube.com/watch/v/UTyu18RgrAo (http://www.youtube.com/watch/v/UTyu18RgrAo)
مسلمة جديدة تتكلم عن الإسلام من لندن:
New Muslim Lady .. Live from London
http://www.youtube.com/watch/v/NTlta20vsow (http://www.youtube.com/watch/v/NTlta20vsow)
أمرأة هولندية تتحول الى الإسلام:
Dutch Women Turning To ISLAM in Holland
www.youtube.com/watch/v/UyyxPO0HFLk (http://www.youtube.com/watch/v/UyyxPO0HFLk)
أمرأة من جنوب ألمانيا تتحول الى الإسلام:
New Sister From South Germany
http://www.youtube.com/watch/v/EkBRKrUDnEU (http://www.youtube.com/watch/v/EkBRKrUDnEU)
كيف تتحول الى الإسلام:
How to Convert to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/i9K7lmYaucU (http://www.youtube.com/watch/v/i9K7lmYaucU)
اربع مسلمون جدد من اربع مناطق مختلفة من العالم:
4 New Muslims from 4 Corners of the World
http://video.google.com/videoplay?do...59428535210219 (http://video.google.com/videoplay?do...59428535210219)
جيني كيف تحولت الى الإسلام ؟
Jenny - How I came to Islam
http://video.google.com/videoplay?do...40716668905509 (http://video.google.com/videoplay?do...40716668905509)
كات ستيفينس يتحول الى يوسف إسلام:
Cat Stevens becomes Yusuf Islam
http://video.google.com/videoplay?do...65900354777626 (http://video.google.com/videoplay?do...65900354777626)
اصغر مسلم جديد في بريطانيا:
Islam Youngest Muslim Reverts in The World- in England
http://video.google.com/videoplay?do...31311255429137 (http://video.google.com/videoplay?do...31311255429137)
عبد الرحيم غرين يتحول الى الإسلام:
Why Abdul Raheem Green Came to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/wF8joJaOVJw (http://www.youtube.com/watch/v/wF8joJaOVJw)
روبرت يتحول الى الإسلام:
Robert converts to Islam
http://www.youtube.com/watch/v/vU5HGHiNUu0 (http://www.youtube.com/watch/v/vU5HGHiNUu0)
قصة تحول مؤثرة الى الإسلام:
Islam Best and inspirational Revert Story
http://video.google.com/videoplay?do...40414685693208 (http://video.google.com/videoplay?do...40414685693208)
قصة تحول كريستال الى الإسلام:
Revert to Islam - Sister Crystal (Convert From Christianity) ...
http://www.youtube.com/watch/v/IZF9stLSYjY (http://www.youtube.com/watch/v/IZF9stLSYjY)
مسلمة جديدة أسبانية تتكلم عن حقوق المرأة فيالإسلام
Spanish Woman talks about Woman rights in Islam
http://www.youtube.com/watch/v/exdCJ_wT9E4 (http://www.youtube.com/watch/v/exdCJ_wT9E4)

القلب الحزين
15-12-2013, 07:23 PM
مسلمات الغرب في غزة يذقن حلاوة الإسلام في رمضان


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1190954420395951887_ed9be012bb_m.jpg شارع فهمي بيك في غزة

غزة/ من ريما محمد زنادة:
[email protected]
ما أجمل أن تعيش شهر رمضان بأجواء تشعر من خلالها بالإيمان وتسمع صوت الأذان بتكبيراته العالية في سماء غزة ليسبقها صوت المدفع معلناً موعد الإفطار ليهل الدعاء من أفواه أفراد العائلة حول مائدة الطعام حيث صلة الأرحام والمحبة التي تملأ القلوب بذكر الله تعالى...أجواء عايشتها مسلمات الغرب بشهر رمضان الفضيل في غزة بعد أن أنار سبحانه وتعالى أفئدتهم بحبه والعمل على طاعته.
سيد الاستغفار
"اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك من نعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب إلا أنت" دعاء سيد الاستغفار كانت تردده استفلانة إسماعيل(35عام) بعربيتها التي مزجت بلغتها الروسية حتى حفظته لكي تردده باستمرار خاصة في شهر رمضان لكي يحفظها الله تعالى ويحفظ عائلتها.
قالت ونور الإسلام قد ارتسم على معالم وجهها المشرق:"أشعر في قلبي بحلاوة الإيمان خاصة عندما بدأت أتعلم أكثر عن الإسلام وأتلو القرآن الكريم... حقاً قد تغير كل شيء في حياتي ليكون لها طعم آخر".
وأضافت بعد أن رجعت بالذاكرة إلى الخلف: لم أكن اعلم في روسيا عن رمضان ولاسيما أن الإسلام نادرا ًبأن نعلم عنه شيء حيث لا يوجد مساجد وإن وجد فهي قليلة جداً فحينما تزوجت برجل فلسطيني مسلم في يوم عقد القران أخذت السيارة التي تنقلنا إلى مكان لعقد القران ولأعلن إسلامي وقتاً طويل لكي تجد مسجد، وبعد جهد عثرنا على مسجد أو بالأصح هو بمثابة المركز يتعلق بأمور المسلمين.
وأوضحت بعد أن حفظت وفهمت العديد من الأوردة والأذكار، أنها كان لابد لها بان تختار الإسلام مع الزواج لكون الزوج مسلم والأبناء سيكونون مسلمين وحرصاً على وحدة الأسرة وحبها للإسلام جعلها ترغب بان تعتنقه.
وابتسامة رسمتها على وجهها الذي شاء الله تعالى أن ينيره بنور الإسلام أشارت إلى أن كل شيء بالإسلام جعلها تحبه من تعاليم دينية ومحبة وصلة الأرحام وبر الوالدين وغيرها الكثير من التعاليم التي كانت سبب راحتها في إتباعها.
وتابعت لقد تغيرت حياتي بالإسلام سواء من خلال أفكاري أو سلوكي فقد تعلمت قراءة القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية.
رمضان في غزة
ببراءة ارتسمت على كلماتها : ما أجمل شهر رمضان حيث العبادة والإكثار من الدعاء والصلاة حيث أقوم مع ابنتي وزوجة أخ زوجي بمسابقة مع بعضنا البعض لتشجع إحدانا الآخرى في قراءة القرآن، وصلة الرحم حيث اجتمع مع عائلة مع أسرتي وعائلة زوجي حول مائدة الإفطار، ودعوة الأهل لفطور رمضان .
وبنبرة كان فيها شيء من الحزن ذكرت بأن الجميع يذهب لزيارة أهله في رمضان بينما أنا عائلتي في روسيا ولا املك هوية فلا استطيع زيارتهم في روسيا حيث إنني لم أرى عائلتي ما يقارب خمسة عشر عاماً، لكن سرعات ما عادت الابتسامة عندما تذكرت بأنها تقوم مع زوجها بزيارة أهله وأقاربهم الذين هم بمثابة أهلها.
وعن وجودها بغزة عبرت بسعادة كانت واضحة على نبرات صوتها :" كل يوم لنا حسنات في غزة فحينما نخاف لنا حسنات، وحينما تقطع الكهرباء لنا حسنات أيضاً، والأجمل في غزة أن أهلها ناس طيبون أحبهم كما يحبوني، كما أن مدينة غزة تكثر فيها المساجد التي نسمع منها الدعاء والصلاة، وما يعجبني هو أن الكثير يردد السلام عليكم، ولقد قمت بإرسال رسالة إلى عائلتي بروسيا تحدثت فيها عن طيبة أهل غزة.
وبدعاء ردده قلبها قبل لسانها:" يارب تفرج علينا ..يارب ترزقنا رزق الحلال .. وأن تجعل مثوانا الجنة..."، مبينة بأنها تحب صلاة التراويح برمضان فهي تحافظ عليها كل يوم، كما تهتم بأداء ركعتين قبل صلاة الفجر.
وأضافت: سأقوم بتربية أطفالي على تعاليم الإسلام العظيم وحب الله تعالى واغرس فيهم كل المعاني الجميلة التي يحبها الإسلام.
وأوضحت أنه بالرغم أن والديها غير مسلمين إلا أنهما يحبون الإسلام وأنها تدعوا لهما دوماً بأن يدخلا الإسلام خاصة أن شقيقتها أسلمت بعدما تزوجت برجل فلسطيني مسلم.
وبابتسامة خفيفة : أعد فطور عربي وليس روسي لان أولادي يحبون الأكل العربي كما إنني اهتم بإعداد القطايف لذيذة الطعم.
رمضان مختلف
ووافقتها بالرأي روشانة المدهون بان رمضان غزة له طعم مختلف عن روسيا فرغم أنها مسلمة الأصل إلا أنها لم تكن تعلم الكثير عن الإسلام أو رمضان نظراً لقلة المساجد بروسيا، لكنها حينما تزوجت برجل مسلم من فلسطين وجاءت إلى فلسطين فقد تغيرت حياتها كثيرا ًليذوق قلبها حلاوة الإسلام وتعليمه التي جهلت الكثير منها بالسابق.
وأردفت قائلة:" رغم أنني مسلمة بالأصل لكنني لم أكن أعلم عن الإسلام إلا الأمور البسيطة خاصة في ظل نادر لوجود المساجد بروسيا، بينما في غزة أشعر بان رمضان هو عيد له أجوائه الجملية المختلفة عن روسيا".
وذكرت بأنها كانت تصلي بالسابق لكن بشكل متقطع كونها لا تعرف الكثير عن الإسلام لكن الآن اختلف معها الأمر حيث أصبحت أكثر فهماً لتعاليم الإسلام وقراءة القرآن الكريم مما جعل قلبها أكثر حباً للإسلام وإتباعه، كما زادت خشيتها من الله تعالى.
وأشارت إلى أن أكثر ما جعلها تهتم بتعاليم دينها العظيم هو إرشاد زوجها وأهله لها وتوضيح أمور دينها، وإنها كانت بروسيا تصلي بالمنزل بينما في غزة فإنها تحب الصلاة في المسجد.
وبكلمات عبرت عن حبها لشهر رمضان: شهر رمضان جميل حيث يذوق المرء فيه حلاوة الإيمان خاصة أنها تكون أقل انشغالا مما يجعلها تهتم بقراءة القرآن الكريم، أو سماعه، مبينة بأنها لا ترغب بمشاهدة المسلسلات التي تعرض على التلفاز سواء برمضان أو من غير رمضان.
وحول أجواء رمضان ذكرت بأنها تحب أجوائه حيث صلة الرحم واجتماع العائلة حول مائدة الإفطار، كما أنها تحب أن تسمع صوت الطبول وقت السحور حيث تستعد لإعداد السحور والصلاة .
وعن وجودها بغزة أردفت قائلة:"أشكر الله تعالى بأنني بغزة لكون كل يوم يمر في غزة لنا ثواب وأجر فحينما نخاف يكون لنا حسنات فأمور كثيرة تجعلنا من خلالها نحصل على الكثير من الأجر والثواب، فكثير ما كان يخاف أطفالي حينما يسمعوا صوت الطائرة فكنت أقول لهم لا تخافوا ربنا ينتظركم وهو يحبكم، وأحثهم دوما ًعلى الصلاة وحب الله تعالى".
وبكلمات محبة تشاركت بها المدهون وإسماعيل لمركز القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية ولأستاذتهم أمل الخضري التي كانت تساعدهم في فهم تعاليم دينهم وتعليمهم اللغة العربية وتوضيح كل ما يكون صعب عليهم فهمه من خلال معاملتها الطيبة معهم وسلامها وسؤالها عنها خاصة إذا تغيبت احد منهن أو من زميلاتهن عن موعد الدرس.

القلب الحزين
15-12-2013, 07:24 PM
من هونغ كونغ إلى بريطانيا...هل يضيع إسلامها


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1186069625hongkong_victoria_peak.jpgإعداد سحر لبّان
لفتت نظري بهدوئها وامارات الحزن المرتسمة على محيّاها، نعم انها طالبة جديدة التحقت بالمعهد حديثا بعد عطلة عيد الفطر.
اتتني المكتبة وطلبت بخجل شديد كتبا عن الاسلام، اعطيتها ما طلبت وتركتها وانصرفت الى عملي.
وتكرّرت لقاءاتنا، بحكم عملي كأمينة لمكتبة الجامعة، بالاضافة إلى تعليمي اللغة العربية فيها، كنت اراها كل اسبوع في حصة المكتبة تجلس منزوية لوحدها، صامتة، تقرأ كتبا عن الاسلام، عكس طالباتنا القديمات، فأكثر ما يلفتن انظارهن الكتب التي تتكلم عن الزواج وعن حقوق المرأة او القصص الاجتماعية او الخرافية.
كل هذا دفعني للتفكير بأمرها، علام ينطوي صمتها ؟لماذا كلّ هذا الحزن؟ولماذا اراها دائما وحيدة؟
وقرّرت التقرّب منها والتكلّم معها، ومحاولة كسر الحاجز الذي وضعته بينها وبين الاخريات، ونجحت في ذلك والحمد لله، وكانت المفاجأة.
إنها فتاة من هونغ كونغ من أصل هندي، في السادسة والعشرين من عمرها، كانت تدين الديانة الهندوسية، وأسلمت منذ أقل من سنة .
طلبت منها كتابة قصة اسلامها والمصاعب التي واجهتها وتواجهها حتى الآن، وبعد أيام أتتني في المكتبة وسلمتني اوراقا كانت عبارة عن قصة اسلامها باللغة الانكليزية، وطلبت مني نشرها مع عدم ذكر اسمها الاصلي خشية معرفة أهلها بمكانها، وإليكم اخواني الافاضل قصة اسلام هذه الفتاة مع الدعاء لها بالتثبيت والعون، اللهم آمين.
تقول في رسالتها:اخوتي واخواتي في الله الاعزاء : احييكم بتحية الاسلام والتي هي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وانا سعيدة اذ اتقاسم معكم اليوم قصة تعرفي على هذا الدين القويم، وعلى نعمة الله تعالى لي بانارة طريقي لدخول دينه الصحيح والحمد لله رب العالمين.
اسمي بعد الاسلام حفصة فاروق، واخترت هذا الاسم تيمنا بالسيدة حفصة زوجة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وابنة اميرنا الصحابي العادل عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله تعالى عنه.
انا فتاة هندية كنت ادين بالديانة الهندوسية كما هم اهلي اليوم، واسأله تعالى ان يهديهم للدين الصحيح، اللهم آمين
انتقلنا الى هونغ كونغ حيث التحقت هناك بمدرسة آسيوية، وحيث كات معظم الطالبات هناك مسلمات .
وكنا كثيرا ما يتكلمن مع بعضهن عن الاسلام وعن روعته واخلاق المسلم الصحيح، مما دفعني فضولي للتعرف على هذا الدين الذي تدينه اكثر صاحباتي في المدرسة، وبدأت اسألهن عنه، ولم اكن اتصور ردود فعلهن وهن يتكلمن عنه بحماس شديد ورغبة في هدايتي اليه .
ومرة بينما كنت اجلس في الصف في حصة الفراغ اطالع كتابا اتسلى به لتمضية الوقت، اذ بي اسمع حوارا بين اثنتين تجلسان قريبا مني، كانتا تتكلمان عن الجنة والنار وان الجنة هي للمسلمين، اما غير المسلم فله والعياذ بالله النار. هذه العبارة هزتني وتملكتني رغبة شديدة بالتعمق في معرفة هذا الدين، ومعرفة جواب سؤال تردّد كثيرا في ذهني، لماذا الجنة للمسلمين فقط؟ والذين لا يدينون بدين الاسلام لماذا لهم النار؟ وماهي الجنة؟ وما هي النار؟ فبدأت مشوار بحثي للتعرف اكثر عن الاسلام، فاستخدمت لذلك الانترنت، وبدأت اقرأ عن الاسلام واستمع الى المحاضرات لمعرفة الجواب، وبحثي هذا اخذ مني اكثر من سنة، وانا اشعر كل يوم وبعد كل محاضرة بقرب اكثر الى دين الله الصحيح .
وذات يوم شعرت انني يجب علي النطق بالشهادتين وان هذا هو الدين الذي يجب علي اتباعه، وشعرت بتعلق شديد بالله تعالى، وكنت امضي الليالي ابكي واسأله تعالى ان ييسر لي الدخول بدينه، وان يشرح صدري للاسلام ويكون عونا لي.ومضيت على هذا المنوال أياما عديدة، وذات ليلة لم أستطع النوم فيها، هرعت الى الهاتف متصلة بصاحبتي في المدرسة وأيقظتها من النوم لأزفّ إليها قراري هذا، ونطقت بالشهادة عبر الهاتف، ورفرف قلبي بين جنباتي، وفاضت عينيّ شلالات من الدمع، وعدت وردّدت الشهادتين مرات ومرات، كنت كطائر يطير في السماء، وما عدت اسمع الا رجع صوتي بالشهادتين يضجّ في أذني، آه كم أنا سعيدة اليوم، اليوم هو يوم مولدي، اليوم ولدت من جديد، ولدت حفصة فاروق، وماتت الأولى .
وفي اليوم التالي، أعدت الشهادتين على مسمع صاحباتي في المدرسة، ورذدتها فاختلطت بأصوات تكبير الطالبات، وامتزجت دموعي بدموعهن، وبكيت فرحة لاستجابة رب العباد لدعائي، وهدايتي لطريقه القويم .
لن انسى هذا اليوم ما حييت، فهو كان الفاصل بين الجنة والنار .
وبدأت مشواري الطويل لتعلم الاسلام وتعاليمه، بدأته بزيارة للمسجد لأتعلم الصلاة.
ذهبت للمسجد لوحدي،أول مرّة أدخل مسجدا، كم مرة راقبت المصلين وهم يدخلونه ويخرجون منه، كم مرة وقفت اتأمل بناءه وتصميمه، لم يخطر ببالي قط أنني سأرتاده بيوم، ولكن، ها أنا بداخله، يا لروعة هذا المكان،فعلا إنه بيت من بيوت الله، شعرت برهبة ملأت كياني، ما ان عتبت بقدميّ باب المسجد، انا الآن في بيتك يا الله، يا من لك الحمد والشكر، وتناهى إلى أذني صوت الامام يبدأ بالصلاة.لم أشاهد مسلما يصلي قبل اليوم،أخذت بحركات المصلين وبصوت الامام وهو يتلو القرآن، كم صوته شجي، وقفت أتأملهم، وأنا أشعر بسعادة كبيرة تغمرني، متى سأنضم إلى هذه الصفوف؟ علي أن أتعلم الصلاة بسرعة . وتكرّرت زياراتي للمسجد وأصبحت يومية، وبدأت احاول ان اتعلم الصلاة بمراقبتي للمصلين فيه، ولكن عناية الله تعالى لي لم تكن لتتركني، فبعد عدة اسابيع من ذهابي الدائم للمسجد تعرفت على اخوات في الله كن ولله الحمد خير عون لي، حيث اسرعن وتسابقن لتعليمي كيفية الصلاة وتعليمي ايضا الحروف العربية .
سبحان الله، ما كنت لأتصور ردود فعل الاخوات الطيبات في المسجد حينما علمن انني جديدة في الاسلام، وكيف أنهن عاملنني باحترام شديد، وبذلن ما في وسعهن لمساعدتي، فكانت ثمرة جهودهن أنني ولله الحمد تعلمت الصلاة على الشكل الصحيح، وكذلك تعلمت قراءة القرآن .
أول مرّة وقفت فيها بين يدي الله تعالى، لم أستطع تكملة صلاتي من شدة البكاء، يومها أبكيت جميع الحاضرات، لم أكن لأصدق أنّ الصلاة صلة بين العبد وربّه إلا حينما جرّبت ذلك، كنت أشعر أنّني بين يديه تعالى، وعند سجودي ما كنت أودّ أن أقوم منه،يا الله كم أنا في نعمة، أين كنت وأين أصبحت، هذا من فضلك يا الله.
كل هذا واهلي لم يكن لديهم اي علم باسلامي، وعندما بدأت الصلاة في البيت، كانت امي قد سافرت الى والدي واخي في الهند، وبقيت في هونغ كونغ لوحدي، لذلك لم اواجه في حينها اي مشكلة في ممارسة الفرائض من صلاة وصيام.
ولكن بعد مرور اشهر من دخولي الاسلام، أهدتني أخت لي في المسجد حجابا وطلبت مني أن أجربه، حملته والاخوات يراقبنني بتلهف،و وضعته على رأسي، وضعت تاج المرأة المسلمة، ونظرت لنفسي في المرآة، هل هذه أنا؟ وسقطت دمعة حارة، كيف لي أن انزعه بعد أن وضعته؟ هو فرض على كلّ مسلمة، وأنا اليوم عليّ أن آتي بكل الفرائض، كيف لي ان انزع بيدي تاجا توّج رأسي،لا، منذ اليوم لن أخرج من غير حجاب أبدا، بل منذ هذه اللحظة،وقررت ارتداءه، وبارتدائي لتاج المرأة الاسلامي والذي هو شعار المرأة المسلمة، كان بمثابة تصريح واعلان عن اسلامي للآخرين.
الحمد لله لا يوجد احد من عائلتي في هونغ كونغ، ولكنني كنت أتهيّب من مقابلة أحد يعرفني ويعرف عائلتي، فكنت كثيرا ما اكون مرتبكة وانا اسير على الطريق خوفا من مفاجأة احدهم لي، وكنت على يقين ان المواجهة آتية لا محالة .
وذات يوم قابلت في طريقي صديقة اختي،التي نظرت الي باستغراب ثم بامتعاض. لم اهتم لنظراتها، ولم اكن لأهتم برأي احد ممن هم في هونغ كونغ، أنا على يقين أنني على صواب، وأنا فخورة بإسلامي، لكن اكثر ما كان يهمني هو ماذا ممكن ان يفعل اهلي عندما يعلمون باسلامي؟
بعد مقابلتي لصديقة اختي بايام قليلة، اتصل بي والدي وطلب مني الحضور فورا للهند، طبعا، عرفت ما وراء طلبه هذا، خاصة انه صرّح أنّ عليّ الزواج بأسرع وقت من عريس هندوسيّ تقدم لي، وما كنت لأوافق على الذهاب ابدا،كيف أذهب وأنا على معرفة بما يمكن أن ينتظرني هناك حين وصولي ؟ فوالدي ما كان ليتصل إلا بعد أن تناهى إلى مسامعه خبر دخولي للاسلام، واعرف ما هي فكرتهم عن هذا الدين وعمن يدينون به. كان لا بدّ لي من الرفض، ورفضي جعل والدي يتيقن أن ما سمعه كان صدقا، ورفضت متعللة بالدروس وقرب الامتحانات، ولكنه لم يكن ليقنعه جوابي هذا، وقرر أن يأتيني هو.
قرار قدومه وقعت عليّ كالصاعقة، يا رب... ماذا أفعل؟ أنقذتني من نارالكفر فانقذني من نار أبي.
واحترت في امري.. ماذا سأفعل الآن؟ وكيف سأواجهه؟ هل سيتقبل اسلامي؟ وماذا لو لم يتقبله؟
أسئلة كثيرة كانت تقضّ مضجعي وترافقني نهاري، كنت أقوم الليل متضرعة إلى الله تعالى أن ينقذني، ليس خوفا على نفسي، لكن خوفا على إسلامي، فقد كنت جديدة العهد به.
لم يستطع والدي العودة الى هونغ كونغ فور اتخاذه هذا القرار، وهذا ما ترك لي فسحة من الوقت للتصرّف، وكنت قد سمعت عن اخت هندية كانت مثلي تدين بالهندوسية قبل اسلامها، وحاولت سابقا التواصل معها ولكن لم اجد منها اي ردّ.
ولكن، الله لطيف دائما وابدا بعباده المخلصين، وعندما اشتدّت بي الأزمة وتفاقمت، وشعرت ان لا ملجأ ولا منجى الا الى الله تعالى، وصلني رد الاخت زوافيرة، وكانت رسالة النجاة لي.
الاخت زوافيرة اخبرتني في رسالتها انها قد تركت هونغ كونغ وذهبت الى بريطانيا فارّة بدينها وبولديها، حيث التحقت بالعمل كمشرفة في معهد اسلامي في نوتنغهام، ودعتني الى القدوم اليها وحذرتني من مواجهة اهلي باسلامي . وهكذا كان، حزمت ما خفّ من المتاع وهرولت مسرعة لبريطانيا، كنت في سباق مع الزمن،لذلك، لم أنتبه إلى أنّ عليّ قطع تذكرة سفر ذهاب وإياب، وإحضار مبلغ من المال يكون كافيا لاقامتي، و ما ان وصلت مطار هيثرو حتى وجدت ان الامر لم يكن بهذه السهولة، ورفض اعطائي تأشيرة دخول للبلد، مع أنني املك جواز سفر من هونغ كونغ، يخوّلني دخول بريطانيا متى اردت، واعادوني من حيث اتيت، متحججين أنني ما أتيت إلى بريطانيا الا للبقاء فيها للأبد، وحجتهم على ذلك عدم حيازتي لتذكرة العودة، ناهيك عن أن المبلغ الذي أحمله لا يخولني الانفاق على نفسي اثناء اقامتي وكذلك شراء تذكرة العودة عند انتهاء الزيارة.
كيف لم انتبه إلى هذه الأمور قبل أن اخطو هذه الخطوة؟ كلّ هذا سببه السرعة بالهرب من مقابلة والدي. الآن علي العودة وقد تكون المواجهة.
مشاعر كثيرة انتابتني وأنا أنتظر في المطار قرار الرفض، مزيج من خوف وقلق واضطراب، ناهيك عن التعب والساعات الطويلة التي امضيتها في المطار،وسؤال واحد يتردّد في خاطري الى اين اذهب ؟ والدي لابد ان يكون قد وصل هونغ كونغ الآن،و عرف بهروبي، فالله المستعان، والتجأت الى الله، وسألته بتضرّع أن ينقذني مما أنا فيه، ووصلت هونغ كونغ ولم يكن باستطاعتي العودة الى بيتي خوفا من مواجهة أبي، فهو لابدّ أنّه قد وصل البلد وعلم بهروبي، وأظنّ أنّه بدأ البحث عني، ولذلك كان لامفرّ من تغيير السكن، فسكنت مع اخت مسلمة لمدة شهرين، وكنت خلال هذين الشهرين اخفي نفسي عن العيون بجلباب ونقاب .
ولم اعرف إلى متى سأبقى على هذا الحال، وبقيت على اتصال مع الاخت زوافيرة، التي كانت تشجعني على الثبات والصبر، وأغرتني بمعاودة القدوم إلى بريطانيا، لكن بعد تفكير وتدبر.
وفي شهر رمضان المبارك، شاء الله تعالى لي أن أعاود الكرة، والحمد لله رب العالمين، توّجت محاولتي بالنجاح، وها أنا الآن أدرس في هذه الجامعة، وأسكن فيها، وقد منّ الله تعالى عليّ بعطف الأخت الطيبة زوافيرة فكانت لي بمثابة الأم التي فقدتها، وابنتها بمثابة الاخت الصغرى وابنها بمثابة الأخ.
الآن وأنا هنا أشعر ولله الحمد أن إيماني أصبح أقوى من الأول، فلم أعد أكتفي بتلاوة القرآن كما كنت في هونغ كونغ، بل بدأت أقرأ عن الاسلام وعن تعاليمه.
لا أستطيع الانكار أنني اشتاق كثيرا لأهلي، وأنهم دائما ببالي وفكري، وكثيرا ما أهتف ليلا منادية أمي، لكن ...اسلامي هو الاهم، والله سبحانه وتعالى يبتلي المسلم، ويرسل العون . الله سبحانه وتعالى حرمني من الاهل الحقيقيين، ولكنه عوضني بأهل في الاسلام، معلماتي، صاحباتي، كلهن أهلي وأنا أشعر بينهن بالراحة والحب والامتنان، فالحمد والشكر لك يا الله على نعمتك ورحمتك ولطفك بي.
انا لن أنسى أهلي، وان شاء الله تعالى سيأتي اليوم الذي استطيع فيه أن اواجههم باسلامي، وان ادعوهم اليه واشرح لهم كم الاسلام رائع وليس مثلما كنا نظنه ويصورونه لنا .
لقد وجدت في الاسلام ما لم أجده في ديانتي السابقة وهذا مؤكد، لأنه دين الله تعالى أما الآخر فهو دين الشيطان .
وجدت في الاسلام السلام والرحمة، وحسن التعامل مع الآخرين، وجدت فيه جواب كلّ سؤال قد يخطر على بال ايّ انسان، وهذا طبعا لأنه من عند خالق الانسان وصانعه .
الاسلام كرّم المرأة ورفع من شأنها، وان هو طلب منها لبس الحجاب والتستر فهذا لأجلها هي ولأجل مجتمع سليم، وحضّ على الابتعاد عن الاختلاط وحافظ على الاسرة .
مهما تكلّمت عن الاسلام فسيبقى قليل قليل.
كلمة أخيرة : ارجوكم، اسألوا الله تعالى لي الثبات ولأهلي الهداية ولعائلة الاخت زوافيرة بالتوفيق .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نقلا عن موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/daeyat/saharlabban/3.htm

القلب الحزين
15-12-2013, 07:24 PM
يهودية تعتنق الإسلام وتتطلع للحج والعمرة


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/11844925041_705106_1_34.jpg
آية قالت إنها ذاقت طعم الطمأنينة للمرة الأولى في حياتها
فور اعتناقها الإسلام تيمنت "موران" اليهودية بآيات المصحف الشريف فبدلت اسمها إلى "آية" وهي تتطلع للحج والعمرة ومستعدة لتحمل كل الصعاب من أجل دينها ولا يهمها -حسب ما تقول- سوى طاعة الله.
وموران أو آية سيدة يهودية من مدينة عكا داخل أراضي 48 أشهرت إسلامها يوم الجمعة رغم احتجاجات شديدة من والديها، وقالت إنها ذاقت طعم الطمأنينة والتقوى للمرة الأولى في حياتها.
تقول آية (31 عاما) التي تزوجت من شاب عربي قبل بضع سنوات إن تعاليم الإسلام كانت تستهويها منذ تعرفت عليها بفضل مجاورة أهلها للمسلمين في عكا واحتكاكها مع ذوي زوجها.
وتضيف آية التي تتحدث بلغة تخلط بين العربية والعبرية "اعتدت قبل إسلامي أن أصلي خمس مرات باليوم إلى أن اعتنقت الإسلام وبدأت أحس بمخافة الله بشكل حقيقي".
وتقول "رغم أني لم أمارس طقوس الديانة اليهودية، لكن الإيمان بالله كان ينمو في قلبي، وكنت أبحث عن الأمان والطمأنينة والراحة النفسية فلم أجدها سوى بالسجود بين يديه".
وعن قرار اعتناقها الإسلام قالت آية للجزيرة نت إنها قررت إشهار إيمانها الجديد خلال أدائها صلاة العصر في مسجد الجزار حيث تواظب على أداء الصلوات فيه يوميا مع أخواتها المسلمات اللواتي رحبن بها بحرارة، كما تقول.
وأعربت عن سعادتها بقرارها النابع من "تفهمي لدين الإسلام وجوهره والمعاملة الحسنة التي تلقيتها من المسلمين الذين وقفوا إلى جانبي"، وهو ما شدها إلى الإسلام، حسب قولها.
الحلم
ويبدو أن آية لم تكتف بإشهار دينها، بل تتحين الفرصة لتحقيق حلمها بزيارة قبر النبي الأكرم وأداء فريضة الحج، كما لم تكتف بحصولها على الطمأنينة وحدها فسارعت لتسجيل أولادها الثلاثة رامي وتمام وعمري، في مدرسة عربية بعدما غيرت اسمي ابنتيها إلى آمنة أم الرسول وفاطمة ابنته، داعية النساء المسلمات الالتزام بعبادة الله وتعاليمه.
وتعتبر آية التي تتمتع بسماع الأناشيد الدينية وأغاني المغني البريطاني سامي يوسف أن الله كتب لها عمرا جديدا بمنحها هذه الطمأنينة، وهي تكثر من ترديد (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) و "يا الله يا رب العالمين احفظني مسلمة ليوم الدين".
وذكرت أنها عندما توجهت لمجلس الحاخامات اليهودية في القدس للتنازل عن الديانة اليهودية سألها أحد الحاخامات عن تحولها لدين الإسلام فأجابته "أنت لن تعرف ما أشعر به بعد النطق بشهادة الإسلام".
صدمة الوالد
اعتناق الابنة الشابة للإسلام صدم عائلتها، حسب ما ذكرته، لكن والدتها كانت أكثر تفهما ولفتت إلى أنها تأمل أن يغير الله موقف والدها الرافض لاعتناقها الإسلام.
وأضافت "أنا مستعدة لتحمل أي صعاب لأجل دين الإسلام، ولا يهمني سوى طاعة الله، لقد أخبرت والدي بأني ألبس الحجاب وبأنني مسلمة ومستعدة أن أقّبل أيديكما وجبينكما مرضاة لله الذي أوصى برضى الوالدين".
الاقتتال فتنة
وبحزن تحدثت آية عن مشاهد اقتتال الأشقاء في غزة، وشددت على أن ما أسمته بـ"الفتنة" ستحقق لإسرائيل أعذب أحلامها للتخلص من القضية الفلسطينية.
آية وجهت أول مناشدة لها لفرقاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بالاحتكام للقرآن الكريم والعمل بحكم الصلاح بين الطائفتين المتقاتلتين.
وأضافت "سألت عن موقف الدين في حال نشوب الخلافات بين المسلمين، فعلمتني إحدى الأخوات في مسجد الجزار في عكا سورة الحجرات وأذكرهم بالآية القائلة "وأقسطوا إن الله يحب المقسطين".
المصدر: الجزيرة نت تقرير وديع عواودة-حيفا
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/0FB0A442-D10F-4AF9-ADD2-87B92A7A17E8.htm

القلب الحزين
15-12-2013, 07:25 PM
الشهيد القس السابق الأثيوبي ملقاه فقادو




http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1174032367220px-allah-green.jpgنقلاً عن ما نشرته صحيفة المسلمين عنه عدد 2 أكتوبر 1991بتصرف:
القس الأثيوبي الذي أسلم على يديه الكثيرون نال ثقة الكنيسة فيما يقوم به من نشاط في حركات التبشير والتنصير حتى وصل إلى أعلى المراتب الكنسية، ولكن داخله الشك عندما وقع تحت يده كتاب يتضمن تفاسير قرآنية وكانت بداية خطواته على طريق الإيمان الذي يحكيه فيقول:
" عشت سنوات من التيه، و لم أكن أدري ما يخبئه القدر لي ... خدمت المسيحية بكل ما أستطيع ، ومن ثم تدرجت في السلم أخرى. حتى وصلت إلى مراتب عليا في الكنيسة وأصبحت أحد القياديين فيها، ثقةً من كبار القساوسة في شخصي وفيما أقوم به من نشاط بكل إخلاص و همة ، مما دفعهم إلى تحميلي مسئوليات كبرى في التبشير و التنصير.
كنت محباً للقراءة و الاطلاع ، فلم أجد كتاباً عن الإنجيل إلا قرأته حتى فوجئت و أنا أقرأ بعض الكتب الإنجيلية المترجمة أنها تتناول الدين الإسلامي و تطرح سؤالاً مؤداه : أهو دين سماوي أم لا ؟ .. و عندما وصلت إلى هذه النقطة بدأت أعيد طرح السؤال مرة أخرى ... ثم مرت الأيام و عثرت على كتاب للتفاسير القرآنية مكتوب باللغة الأمهرية ، فبدأت أقارن بين ما وجدته في هذا الكتاب و ما قرأته سابقاً في الترجمات الإنجيلية عن دين محمد ، حتى بدأ يداخلني الشك و أشعر بالفرق الهائل و بالتحريف الذي حدث تجاه دين الإسلام ، حتى أيقنت تماماً أن الإسلام هو الدين الحقيقي .. بعدها أشهرت إسلامي و تسميت باسم "محمد سعيد قفادو" ...فيقول:عكفت على إعداد دراسة تبين أسباب إسلامي موضحاً فيها حقيقة المعلومات الخاطئة المنحرفة في الكتب الإنجيلية، و من ثم أوردت الحقائق الثابتة ورفعتها إلى المجلس الإسلامي الأعلى في أديس أبابا ".
ثم يصمت برهةً يلتقط فيها أنفاسه ليعرض رد فعل الكنيسة فيقول:
" لم تقف الكنيسة موقف المتفرج بعد أن فضحها من عاش بداخلها ردحاً من الزمن، فتحركت بسرعة وحركت أذنابها في السلطة الشيوعية إبَّان عهد "منجستو" وسلطوا عليّ أجهزة الأمن التي قامت باعتقالي، ودخلت السجن لمدة ثلاثة أشهر بلا ذنب سوى أنني اعتنقت الإسلام وتخليت عن المسيحية ".
و كان لمحمد سعيد دور في الدعوة الإسلامية فيعبر عن ذلك بقوله :
" بعد خروجي من السجن استفدت من علاقاتي الشخصية و نجحت في إدخال أكثر من مائتي شخص جديد لدين الإسلام ، و لكن الأسقف "كارلويوس" رئيس القساوسة لم يهنأ له بال حتى قام برشوة أجهزة القمع في نظام "منجستو" الديكتاتوري ، و مرةً ثانية جرى اعتقالي و تأكد لي أنني لن أخرج هذه المرة من السجن ، و لا سيما أن الكنسيين مستمرون في ملاحقتي ، غير أنه بعد زيارة قام بها الدكتور "عبد الله عمر نصيف" الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي لأثيوبيا و لقائه مع الرئيس السابق "منجستو" طلب منه الإفراج عني، فاستجاب لطلبه "
وهكذا نجد أنفسنا أمام شخصية صارت تستميت من أجل عقيدتها لا يثنيها عنها المكائد المتلاحقة.
وهذا ما كتبته مجلة الفيصل عنه عدد أبريل 1992-بتصرف- :
و لد ملقاه فقادو لأب يهودي و أم نصرانية في إحدى قرى أثيوبيا، و درس في صباه المبكر التوراة و الإنجيل ، و اختار أن يصير نصرانياً كأمه ، و لم يكن اختياره نابعاً عن قناعة بالديانة النصرانية ، و لكن للأفضلية التي يحظى بها أتباع هذه العقيدة في بلاده التي تعد أحد معاقل النصرانية في إفريقيا .
و لم يجد "ملقاه" ذاته في التوراة أو الإنجيل ، إذ رأى في الأولى مجموعة من الأقاصيص والأساطير التي عمد الكهان و الأحبار إلى حشوها بكل ما هو غريب بعد أن حرفوا الكلم عن مواضعه، فلم يتقبل عقل "ملقاه" ما في التوراة المحرفة من خرافات وأباطيل، فنبذها إلى دراسة الإنجيل الذي تؤمن به والدته ، فوجد أن التناقض بين نصوص الأناجيل واضح، فضلاً عن كونها لا تقدم تفسيراً للحياة و الكون و لا تحاول تنظيم أية علاقة في شئون الدنيا و الآخرة ، فأدرك أنها ليست الكتاب المنزل على عيسى عليه السلام ، أما الإسلام فلم يحاول "ملقاه" أن يدرسه و لم يَسْعَ إليه لحظة ، فالدعاية الكنسية القوية والمؤثرة تصور الإسلام على أنه دين المتخلفين و تنسب العديد من الافتراءات و الأكاذيب عليه و على المسلمين، و من ثم كبر "ملقاه" على بغض الإسلام ، و بحث عن مهنة تليق بمستوى أسرته الاجتماعي وتتيح له أن يحيا حياته في بحبوحة و رغد من العيش ، فلم يجد أفضل من السلك الكنسي ، حيث سيحظى بالاحترام و بالمرتب الكبير و بالسيارة ، و قد ساعده على الالتحاق بالعمل في الكنيسة حفظه التوراة ، و صار الشاب "ملقاه" قساً يشار إليه بالبنان و تقبل العامة يديه وينادونه "أبانا" ..
و استمر عمله في الكنيسة ست سنوات ، اجتهد خلالها في الدعوة إلى النصرانية دونما كلل أو ملل ن و لاسيما أنه ينعم بمميزات عدة من راتب سخي و سكن أنيق و سيارة فاخرة في بلد تهدده المجاعة كل يوم و تفتك بالكثيرين من مواطنيه .
و ظل هكذا يعمل بجد في خدمة الكنيسة و الدعوة ،وكانت ليلة فاصلة إذ رأى فيها ـ فيما يرى النائم ـ رجلاً يقترب منه في المنام و يوقظه هاتفاً به أن يقرأ شهادتي : "لا إله إلا الله ، محمد رسول الله"، و سورة الإخلاص : { قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد و لم يولد * و لم يكن له كُفُواً أحد } .. فقام من نومه فزعاً و قد روعته تلك الرؤيا التي لم يستوعبها ، و إنما فسرها بفهمه القاصر على أنها من الشيطان.
و تكررت الرؤيا ليلتين أخريين، و رأى في الليلة الثالثة نوراً يضئ أمامه الطريق و رجلاً يقرئه الشهادتين و سورة الإخلاص، فأدرك من فوره أن هذه رؤيا حق و ليست من عمل شيطان رجيم كما كان يتوهم ، فالنور الذي أضاء سبيله في الرؤيا قد تسرب في وجدانه و أنار بصيرته فأصبح من يومه و في قرارة نفسه إيمان عميق بأن عقيدة الإسلام هي الحق و ما دونها باطل .. و لم يطُل به التفكير لأنه بحكم دراسته اللاهوتية كان مطلعاً على البشارات العديدة برسالة محمد صلى الله عليه و سلم، و لذا أشهر إسلامه عن اقتناع تام.
و عندما حدث زوجته في الأمر عارضاً عليها الدخول في الإسلام جاوبته بالإيجاب و دخلت معه في عقيدة التوحيد، و كذلك فعل أطفاله الثلاثة.
و كان أول ما فعله "ملقاه" بعد إشهار إسلامه أن قام بتغيير اسمه إلى "محمد سعيد" معتبراً ذلك اليوم يوم ميلاده الحقيقي شاكراً الله تعالى ما أنعم به عليه من نعمة الهداية إلى دين الحق .
أما بالنسبة للأوساط الكنسية الأثيوبية فقد استقبلت نبأ إسلام "محمد سعيد" بغضب شديد ، و لم تكتفِ بحرمانه من الامتيازات التي كان ينعم بها من مسكن راقٍ و سيارة فاخرة و راتب ضخم و غير ذلك، بل سعت حتى أدخلته السجن ليلقى صنوفاً و ألواناً من التعذيب في محاولة لرده عن إيمانه و ليكون عبرة و عظة لكل من يفكر في ترك النصرانية و الالتحاق بركب الإسلام.
و تحمل "محمد سعيد" كل ذلك صابراً محتسباً أجره عند الله، و لم يتزحزح إيمانه قيد أُنمُلة، و لسانه يلهج بالحق: "سبحان الله، و الحمد لله، و لا إله إلا الله"..
و حين لم تُجدِ معه وسائل التعذيب ـ و ما أكثرها ! ـ اضطر القساوسة إلى تركه لكيلا يتحول إلى رمز و قدوة تنير الطريق لكثير من رعايا الكنيسة إلى درب دين الحق .
و خرج "محمد سعيد" من السجن أقوى إيماناً و اشد تصميماً على إيصال دعوة الحق إلى غيره، إذ زادته محنة السجن ثباتاً و حرصاً على أن يصبح داعية للإسلام بعدما كان قساً يدعو إلى النصرانية ، و جعله الله سبباً في هداية نحو 280 شخصاً اعتنقوا الإسلام على يديه .
و يذكر "محمد سعيد" أنه قد استفاد من دراسته للتوراة و الإنجيل في استكشاف الكثير من أوجه الإعجاز القرآني، و أنه بحكم عمله السابق كقس يدرك الأساليب غير السوية التي يلجأ إليها المنصرون من أجل جذب الفقراء و المحتاجين إلى الديانة النصرانية ، حيث يستغلون فقر الناس و عَوَزهم بالتظاهر بمواساتهم مادياً و معنوياً و الاهتمام بهم صحياً و تعليمياً في محاولة لاكتساب ودهم و محبتهم، و من ثم السيطرة على عقولهم و إقناعهم بأن في النصرانية خلاصهم من عذاب الآخرة و فقر الدنيا !!
هذا و يقضي "محمد سعيد" أوقاته في حفظ القرآن الكريم، مع ما في ذلك من مشقة لكونه من غير الناطقين باللغة العربية ليتمكن من الدعوة الإسلامية . وعن أسلوبه في الدعوة يقول :
" أعتمد على معرفة عقيدة من يدعو و من ثم مناقشته في عقيدته و إظهار بطلانها و مخالفتها للفطرة و العقل، ثم بعد ذلك أقوم بشرح ما في الإسلام من نواحٍ خيِّرة عديدة مبيناً أنه الدين الحق الذي اختاره الله للبشرية منذ بدء الخليقة ، فالإسلام يعني التسليم لله بالربوبية و الطاعة و الانقياد لأوامره ـ عز و جل ـ و اجتناب نواهيه "
و عن أمنية "محمد سعيد" يقول :
" أمنيتي الخاصة أن أتمكن من هداية والدي و والدتي إلى دين الحق .. أما أمنيتي العامة فهي أن أستطيع أن أكون أحد فرسان الدعوة الإسلامية و أن يوفقني الله لما فيه خير أمة الإسلام و أن ينصرها و يعلي شأن دينه "
أجل .. أمنيات تدل على صدق إيمان القس السابق "ملقاه" بدين محمد صلى الله عليه و سلم الذي صار سعيداً باعتناقه له فتسمى باسم نبي الإسلام و يقرنه بكونه سعيداً .
أما آخر أخباره فكان الخبر التالي من موقع مفكرة الإسلام (http://www.islammemo.cc/):
(فقادو) من أشهر قساوسة أثيوبيا، ذاع صيته وانتشر اسمه لنشاطه في تنصير أعداد كبيرة من أبناء جلدته، تعمق في دراسة النصرانية واطلع على أدق تفاصيلها وخفاياها، وأصبح علماً بارزاً من أعلامها، وقد أكسبته هذه الشهرة الجاه والمال وأصبح ذا شأن عظيم في أوساط نصارى القرن الأفريقي.
رأى في منامه كأنه يقرأ سورة الإخلاص بكاملها {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد}ونظراً لما يمتاز به من ذكاء حاد وفطنة وحس يقظ لم تمر عليه هذه الرؤيا مرور الكرام بل ظل يدور حولها ويمعن النظر في تفسيرها ويفكر في فحواها ومغزاها. ولما لم يصل إلى نتيجة مقنعة حول تعبير هذه الرؤيا ذهب إلى مكتب رابطة العالم الإسلامي بأثيوبيا علّه يجد ما يطفئ ظمأه، ويجد تعليلاً وتوضيحاً وتفسيراً لرؤيته التي لم يهدأ له بال بعدها لإدراكه بأن هذه السورة من سور القرآن. وقد وجد في مكتب الرابطة ضالته إذ أوضح له مدير المكتب مغزى هذه الرؤيا وأن الله عز وجل أراد له الهداية وإخراجه من الظلمات إلى النور وكعادة مكاتب الرابطة، المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، في نشر الدعوة الإسلامية وإرشاد الناس إلى دين الله اقتنع السيد (فقادو) بعد عدة زيارات للمكتب بالإسلام وأشهر إسلامه بحمد الله وأصبح اسمه (محمد سعيد).
ونظراً لما يمثله هذا الرجل من ثقل في النصرانية فقد أزعج إسلامه الكنيسة واعتبروه مارقاً عن ديانتهم ولا مناص من عودته إلى النصرانية أو تصفيته جسدياً. وفي الجانب الآخر يعتبر إسلام هذا الرجل مكسباً كبيراً للمسلمين نظراً لكثرة أتباعه وتأثيره عليهم وتأثرهم به مما سيؤدي إلى إسلام قرى بأكملها وهذا ما تم بالفعل.
ولما أحس رجال الكنيسة بما يمثله (فقادو) من خطورة وأدركوا تمسكه بالإسلام واستحالة عودته إلى ديانتهم قرروا الانتقام منه وقد فطن إلى ذلك. وقام مكتب الرابطة بأثيوبيا بالتنسيق مع الأمانة العامة للرابطة بمكة المكرمة بمنحه تأشيرة دخول إلى المملكة العربية السعودية لإبعاده عن مضايقات رجال الكنيسة من جهة ولتعليمه مبادئ الإسلام في مهبط الوحي من جهة أخرى. ونظراً لعدم إلمامه باللغة العربية فقد تم إلحاقه بمعهد اللغة العربية التابع لجامعة أم القرى بمنحة من الرابطة وتم تأمين سكن مناسب له ولأسرته بمكة المكرمة وتخصيص راتب شهري يليق بمكانته. ونظراً لحدة ذكائه كما أسلفت فقد تعلم أساسيات اللغة العربية في وقت قياسي وتعمق في دراسة الإسلام وحسن إسلامه وظهرت سمات الصلاح في وجهه وحفظ بعض أجزاء القرآن الكريم وترقق قلبه وأصبح دائم البكاء من شدة فرحه بما أنعم الله عليه من نور الهداية.
وفي هذه الأثناء جاءته ابنة راعي الكنيسة قادمة من إثيوبيا وهى شابة حسناء، أتته باكية مستنجدة مدعية بأن أباها طردها عندما أدرك أنها سوف تعتنق الدين الإسلامي وهى جاءت إلى فقادو لكي ينقذها من أسرتها التي تريد قتلها وطلبت منه أن يتزوجها ويعلمها الإسلام وتم لها ما أرادت فتزوجها وأسكنها في جدة لأن زوجته الأولى أسلمت معه وسكنت في مكة المكرمة.
ولم يكن يعلم بما حيك له من سوء وما دبر له من مكائد فقد يئس رجال الكنيسة من عودته إلى ديانتهم فخططوا لقتله حتى وإن كان خارج أثيوبيا.
وأرسلوا له هذه الحسناء المصابة بمرض الإيدز وبالتالي انتقلت إليه العدوى ونقلها دون أن يعلم إلى زوجته الأولى. ولما أدركت هذه الشابة نجاح مهمتها ولّت هاربة إلى إثيوبيا تاركة هذا المرض يسري في جسد محمد سعيد وزوجته. ولم يمهلهما المرض كثيراً حيث توفيت زوجته بعد عدة أشهر أما هو فقد هزل جسمه وضعفت قوته ثم قضى نحبه ودفن بمكة المكرمة. نسأل الله أن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جناته.
وصدق الله العظيم: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملّتهم....} [البقرة:120].
رحمك الله يا فقادو وتقبلك شهيداً في جنة الخلد.

القلب الحزين
15-12-2013, 07:26 PM
نساء يعتنقن الإسلام


د.عبد المعطي الدالاتي
كانت حياتهن بلا هدف … فأحببن أن يكون لها معنى ..
كانت أرواحهن مسكونة بالظلام ، فابتغين لها رزق النور ..
كانت قلوبهن تتمرغ في أوحال المادة ، فغمرنها بسبحات الطهر ، وغمسنها في عطور الإيمان ..
حكاياتهن متشابهة!!
رحلة طويلة وشاقة في طريق محفوفةٍ بالشك والشوك ، ثم اللحظة العليا التي اجتزن بها المنعطف الأسمى في حياتهن، بعد أن انتصرن في أكبر معركة تخوضها الروح ..
وتحولن بنقلة واحدة إلى القمة السامقة ! حيث الإسلام ، فرمين على عتبته آصار الجهل والحيرة والضياع …
هذا المنعطف الذي أعلن فيه شهادة التوحيد ، لا تقاس لحظاته بعقارب الزمن ، بل بدقات القلوب الخافقة الساكنة !.
أي مزيج هذا !؟ سكون كله اضطراب !! واضطراب كله سكون !!
إنها لحظة مقدسة من زمن الجنة ، هبطت إلى زمنهن وحدهن من دون الناس جميعاً ..
إنها لحظة ملهمة أمدّت عقولهن بحيوية هائلة ، وقوة روحية فيّاضة ، فإذا الدنيا وعُبّادها خاضعون لفيض هذه القوة ..
أنا لست أشك أنَّ ملائكة تهبط في ذلك المكان ، وملائكة تصعد لترفع ذلك الإيمان الغض النديّ إلى الله .
أسأل الله الذي أسعدهن في الدنيا بالإسلام ، أن يسعدهن في الآخرة برضاه …

* الشهيدة المفكرة صَبورة أُوريبة
(ماريا ألاسترا) ولدت في الأندلس عام 1949م ، حصلت على إجازة في الفلسفة وعلم النفس من جامعة مدريد ، واعتنقت الإسلام عام 1978م ، وكانت تدير مركز التوثيق والنشر في المجلس الإسلامي ، استشهدت في غرناطة عام 1998م على يد حاقد إسباني بعد لحظات من إنجاز مقالها (مسلمة في القرية العالمية) .
ومما كتبت في هذا المقال الأخير :
"إنني أؤمن بالله الواحد ، وأؤمن بمحمد نبياً ورسولاً ، وبنهجه نهج السلام والخير … وفي الإسلام يولد الإنسان نقياً وحراً دون خطيئة موروثة ليقبل موقعه وقَدره ودوره في العالم" .
"إن الأمة العربية ينتمي بعض الناس إليها ، أما اللغة العربية فننتمي إليها جميعاً ، وتحتل لدينا مكاناً خاصاً ، فالقرآن قد نزل بحروفها ، وهي أداة التبليغ التي استخدمها الرسول محمد *" .
"تُعد التربية اليوم أكثر من أي وقت آخر ، شرطاً ضرورياً ضد الغرق في المحيط الإعلامي ، فصحافتنا موبوءة بأخبار رهيبة ، لأن المواطن المذعور سيكون أسلس قياداً ، وسيعتقد خاشعاً بما يُمليه العَقَديّون !(1).
رحمها الله وأدخلها في عباده الصالحين .

* الكاتبــة مريــم جميلــة
(مارغريت ماركوس) أمريكية من أصل يهودي ، وضعت كتباً منها (الإسلام في مواجهة الغرب) ، و(رحلتي من الكفر إلى الإيمان) و(الإسلام والتجدد) و(الإسلام في النظرية والتطبيق) . تقول :
"لقد وضع الإسلام حلولاً لكل مشكلاتي وتساؤلاتي الحائرة حول الموت والحياة وأعتقد أن الإسلام هو السبيل الوحيد للصدق ، وهو أنجع علاج للنفس الإنسانية".
"منذ بدأت أقرأ القرآن عرفت أن الدين ليس ضرورياً للحياة فحسب ، بل هو الحياة بعينها ، وكنت كلما تعمقت في دراسته ازددت يقيناً أن الإسلام وحده هو الذي جعل من العرب أمة عظيمة متحضرة قد سادت العالم".
"كيف يمكن الدخول إلى القرآن الكريم إلا من خلال السنة النبوية ؟! فمن يكفر بالسنة لا بد أنه سيكفر بالقرآن" .
"على النساء المسلمات أن يعرفن نعمة الله عليهن بهذا الدين الذي جاءت أحكامه صائنة لحرماتهن ، راعية لكرامتهن ، محافظة على عفافهن وحياتهن من الانتهاك ومن ضياع الأسرة"(2).

* السيدة سلمى بوافير (صوفي بوافير)
ماجستير في تعليم الفرنسية والرياضيات .
تمثل قصة إسلام السيدة (سلمى بوافير) نموذجاً للرحلة الفكرية الشاقة التي مر بها سـائر الذين اعتنقوا الإسـلام ، وتمثل نموذجاً للإرادة القوية ، والشـجاعة الفكرية وشجاعة الفكر أعظم شجاعة .
تروي السيدة سلمى قصة اهتدائها إلى الإسلام فتقول باعتزاز :
"ولدت في مونتريال بكندا عام 1971 في عائلة كاثوليكية متدينة ، فاعتدت الذهاب إلى الكنيسة ، إلى أن بلغت الرابعة عشرة من عمري ، حيث بدأت تراودني تساؤلات كثيرة حول الخالق وحول الأديان ، كانت هذه التساؤلات منطقية ولكنها سهلة ، ومن عجبٍ أن تصعب على الذين كنت أسألهم ! من هذه الأســئلة : إذا كان الله هــو الذي يضــر وينفع ، وهو الذي يعطي ويمنع ، فلماذا لا نسأله مباشرة ؟! ولماذا يتحتم علينا الذهاب إلى الكاهن كي يتوسط بيننا وبين من خلقنا ؟! أليس القادر على كل شيء هو الأولى بالسؤال ؟ أسئلة كثيرة كهذه كانت تُلحُّ علي ، فلمّا لم أتلق الأجوبة المقنعة عنها توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة ، ولم أعد للاستماع لقصص الرهبان غير المقنعة ، والتي لا طائل منها .
لقد كنت أؤمن بالله وبعظمته وبقدرته ، لذلك رحت أدرس أدياناً أخرى ، دون أن أجد فيها أجوبة تشفي تساؤلاتي في الحياة ، وبقيت أعيش الحيرة الفكرية حتى بدأت دراستي الجامعية، فتعرفت على شاب مسلم تعرفت من خلاله على الإسلام، فأدهشني ما وجدت فيه من أجوبة مقنعة عن تساؤلاتي الكبرى ! وبقيت سنة كاملة وأنا غارقة في دراسة هذا الدين الفذ ، حتى استولى حبه على قلبي ، والمنظر الأجمل الذي جذبني إلى الإسلام هو منظر خشوع المسلم بين يدي الله في الصلاة ، كانت تبهرني تلك الحركات المعبرة عن السكينة والأدب وكمال العبودية لله تعالى .
فبدأت أرتاد المسجد ، فوجدت بعض الأخوات الكنديات اللواتي سبقنني إلى الإسلام الأمر الذي شجعني على المضي في الطريق إلى الإسلام ، فارتديت الحجاب أولاً لأختبر إرادتي ، وبقيت أسبوعين حتى كانت لحظة الانعطاف الكبير في حياتي ، حين شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
إن الإسلام الذي جمعني مع هذا الصديق المسلم ، هو نفسه الذي جمعنا من بعد لنكون زوجين مسلمين ، لقد شاء الله أن يكون رفيقي في رحلة الإيمان هو رفيقي في رحلة الحياة" .

*الكاتبة البريطانية إيفلين كوبلد
شاعرة وكاتبة ، من كتبها (البحث عن الله) و(الأخلاق) . تقول :
"يصعب عليَّ تحديد الوقت الذي سطعت فيه حقيقة الإسلام أمامي فارتضيته ديناً ، ويغلب على ظني أني مسلمة منذ نشأتي الأولى ، فالإسلام دين الطبيعة الذي يتقبله المرء فيما لو تُرك لنفسه"(3).
"لما دخلت المسجد النبوي تولّتني رعدة عظيمة ، وخلعت نعلي ، ثم أخذت لنفسي مكاناً قصّياً صليت فيه صلاة الفجر ، وأنا غارقة في عالم هو أقرب إلى الأحلام … رحمتك اللهم ، أي إنسان بعثت به أمة كاملة ، وأرسلت على يديه ألوان الخير إلى الإنسانية !"(4).
وقــلــــت أســارعُ ألقــى النبــيّ *** تعطّرت ، لكن بعطرِ المدينـــهْ
وغامـــت رؤايَ وعــدتُ ســـوايَ *** وأطلقتُ روحاً بجسمي سجينهْ
سجدتُ ، سموتُ ، عبرتُ السماء *** وغادرتُ جسمي الكثيف وطينهْ
مدينـــةُ حِبّـــي مــراحٌ لقلــبـــي *** سـناءٌ ، صفاءٌ ، نقــاءٌ ، ســكينهْ(5)
"لم نُخلق خاطئين ، ولسنا في حاجة إلى أي خلاص من المسيح عليه السلام ، ولسنا بحاجة إلى أحد ليتوسط بيننا وبين الله الذي نستطيع أن نُقبل عليه بأي وقت وحال.
وأختم هذه الرحلة المباركة بهذه الكلمات العذبة للشاعرة "أكسانتا ترافنيكوفا"
التي أتقنت اللغة العربية ، وتذوقَتها إلى حد الإبداع الشعري الجميل ، وها هي تقول :
خذ قصوري والمراعي .. وبحوري ويراعي .. وكتابي والمدادْ
واهدني قولةُ حقٍ تنجني يوم التنادْ
دع جدالاً يا صديقي وتعالْ .. كي نقول الحق حقاً لا نُبالْ
ونرى النور جلياً رغم آلات الضلالْ
نحن ما جئنا لنطغى .. بل بعثنا لحياةٍ وثراءْ
وصلاةٍ ودعاءْ .. عند أبواب الرجاءْ .. يومها عرسُ السماءْ .
* * *
"من كتاب " ربحت محمدا ولم أخسر المسيح"
-------------------------------
[1] عن مقال (مسلمة في القرية العالمية) ترجمة صلاح يحياوي ، مجلة (الفيصل) العدد (291) عام 2000م .
[2] عن (مقدمات العلوم والمناهج) للعلامة أنور الجندي ( مجلد6/ ص199 ) .
[3] عن (الإسلام) للدكتور أحمد شلبي ص (297) .
[4] عن (آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في الغرب)للمفكر أنور الجندي (360) .
[5] ديوان (أحبك ربي) د.عبد المعطي الدالاتي ص (45) .

القلب الحزين
15-12-2013, 07:27 PM
الرحلة إلى النور


بقلم: الأخت الآيسلندية آنا ليندا
ترجمة : الأستاذ زكي الطريفي
سأحاول بقدر استطاعتي أن أكون واضحة، وآمل ألاّ يملّ أولئك الَّذين يجدون قصَّتي طويلة. سأبدأ منذ البداية...
ولدت كـ "آنا ليندا تراوستادوتير" لعائلةٍ آيسلنديَّةٍ-دانمركيَّة في ريكجافيك في آيسلندة عام 1966، وعُمِّدتُ في كنيسةٍ لوثريَّة. هاجرت عائلتي إلى فانكوفر في كندا، ومن ثمَّ إلى نيويورك عندما كنت صغيرة. أنهيت دراستي الثانويَّة في السَّادسة عشرة من عمري، وفي عام 1988 حصلت على شهادة البكالوريوس من جامعة مكجيل في مونتريال في كندا. ومنذ ذلك الحين وأنا في سفرٍ حول العالم دارسةً وعاملة. وكانت الدانمرك مقرَّ إقامتي منذ عام 1990.
في عام 1997 -وحين كنت أدرس اللغة العربيَّة في القاهرة- اشترت لي إحدى صديقاتي الإنجليزيَّات -وهي مسيحيَّةٌ من المولودين الجدد- إنجيلاً بعهديْه القديم والجديد. كنت مسرورةً غاية السُّرور لأنِّي قرَّرت بأنِّي بحاجةٍ لمعرفة ماهيَّة الإنجيل وما يحويه. فلقد شعرت بأنِّي أكاد بصعوبةٍ أن أدعو نفسي مسيحيَّة دون دراسة الإنجيل بتمحيص. وفي عام 1998 -وحين كنت أدرس في جامعة دمشق- قرأت الإنجيل كلَّه، من الغلاف إلى الغلاف، آخذةً بعض الملحوظات خلال قراءتي. وحين انتهيت من ذلك، أدركت بأنَّ هناك الكثير الكثير من المتناقضات، والكثير من الأشياء الَّتي لم أتَّفق معها. كوصف الإله والنِّساء، هذا دون ذكر كلِّ الأشياء الَّتي كتبها بولص في العهد الجديد. وحين قرأت عن أولئك الرِّجال المقدَّسين -الرُّسل (عليهم الصَّلاة والسَّلام)- كنوحٍ ولوطٍ وداود.. إلخ، وجدت بأنِّي لا أحترمهم. لقد أحببت وأُعجبت بموسى (من العهد القديم)، وبعيسى (من العهد الجديد) (عليهما صلوات الله وسلامه). وحين انتهيت من قراءة التَّوراة، حاولت الحصول على التلمود الكامل لليهود، ولكن من دون فائدة. لقد سمعت دوماً بأنَّ اليهود -عدا الإصلاحيِّين منهم- لا يعترفون بأيٍّ كان يدخل اليهوديَّة. وأيضاً هناك الكثير -ولكن ليس الكل- من اليهود الصَّهاينة (أولئك الَّذين يدعمون إسرائيل). وأنا من أشدِّ النَّاس عداوةً للصُّهيونيَّة وإسرائيل. وهكذا فأنا بالصُّدفة فلسطينيَّة التوجُّه. وكنت أيضاً أريد ديناً يقبل بالدَّاخلين فيه. ثمَّ انشغلت قليلاً بالبوذيَّة، ولكنِّي قرَّرت بأنَّها لا تناسبني، فالبوذيُّون لا يؤمنون بالله تعالى؛ وأنا أومن بالله تعالى بقوَّة، وكنت دوماً كذلك. لكن البوذيَّة بالنِّسبة لي كانت ما تزال تشكِّل طريقةً بديلةً ما للحياة. أُمِّي وأنا اعتدنا نقاش الهندوسيَّة، ولذا فقد كنت مهتمّةً بها جدّاً، ولكن هناك الكثير من الآلهة الهندوسيَّة بالنِّسبة لي؛ لذا فقد كانت الهندوسيَّة خارج النِّقاش. والواقع أيضاً بأنَّك لا تستطيع الدُّخول في الهندوسيَّة.
حين ولد ابني آندري عمر في أكتوبر 2001، سُئِلتُ إن كنت سأُعمِّده أم لا، وحتى حينئذٍ رفضت ذلك. فقد شعرت بأنَّ الأطفال البريئين سيدخلون الجنة حتماً، معمَّدين كانوا أو غير معمَّدين. وعلى أيَّة حال، كيف كان بإمكاني تقديمه للدِّيانة المسيحيَّة في حين كنت أنا نفسي لا أدعو نفسي بالمسيحيَّة المؤمنة،وهذا على الرُّغم من أنِّي ولدت وترعرعت كبروتستانتيَّة؟! فلم أكن أومن بالثالوث؛ ولا بمريم (عليها السَّلام) كـ "أُمٍّ" للإله؛ ولا بعيسى (عليه الصَّلاة والسَّلام) كـ "ابن" للإله؛ ولا بعيسى الَّذي يموت (على الصَّليب) ليطهِّرنا من خطايانا؛ ولا بعيسى الَّذي يصرخ على الصَّليب باللغة الآراميَّة: "إيلي، إيلي، لِمَ شبقتني؟" أعني لماذا كان سيصرخ عيسى (عليه الصَّلاة والسَّلام): "إلهي، إلهي، لِمَ تخلَّيت عني؟" في حين أنَّه كان (يُفترض) بأنَّه كان يعلم أنَّ الله تعالى أرسله كرسول له لهذه المهمَّة؟!
لقد نُشِّئْتُ على أن أكون من أشدِّ النَّاس عداوةً للمسلمين والإسلام. هذه حقيقة؛ لقد كنت كذلك. وكنت أيضاً ضدَّ العرب قبل انتقالي للقاهرة لدراسة اللغة العربيَّة (لقد كان يعجبني الخطُّ العربيُّ الجميل). فقد ترعرعت في الولايات المتحدَّة الأمريكيَّة، وعلى الأفلام الأمريكيَّة الَّتي كانت دوماً تُصوِّر العرب على أنَّهم أُصوليُّون، ومتطرِّفون، ومضطهدون للنِّساء، ومتديِّنون متعصِّبون، وإرهابيُّون، وبأنَّهم ليسوا طبيعيِّين، وأنَّهم أُناسٌ محدودو الذَّكاء. والغالبيَّة العظمى من الَّذين يكرهون العرب لم يكونوا في أيِّ بلدٍ عربيٍّ أبداً؛ فالواقع هناك مختلفٌ تماماً.
في عام 1999 عُدْتُ إلى دمشق للعمل في إحدى السَّفارات. وهناك -في عام 2000- قابلت مهندساً يُدْعى مُهنَّداً. ثم تزوَّجنا بعد فترةٍ وجيزةٍ من لقائنا. ولأكون صادقةً، فإنِّي حين تزوَّجت مهنَّداً كان ذلك لأنِّي أحببته، وعلى الرُّغم من كونه مسلمًا! لكنِّي أدركت مع الوقت بأنِّي أحببته لأنَّه كان مسلمًا، ومسلماً جيِّداً. فقد قابلت الكثير من المسلمين هنا في الدانمرك وفي الشَّرق الأوسط، وكما هو الحال في حياتي كلِّها، فقد قابلت بعضاً من الطيِّبين وغير الطيِّبين من المسيحيِّين واليهود والهندوس والبوذيِّين.. إلخ. ولكنِّي اعتقدت بأنَّ كلَّ أولئك المسلمين الَّذين قابلتهم يمثِّلون الإسلام. وفي أيِّ وقتٍ كنت أسأل المسلمين أسئلةً عن الإسلام كان شيء يصدمني: فتقريباً كان كلُّ واحدٍ منهم يدَّعي بأنَّه خبيرٌ بالإسلام، حتَّى أولئك الَّذين أعطوني معلوماتٍ خاطئةً كما عرفت لاحقاً. وكان من الأجدى بهم أن يقولوا فقط: "لا أعرف"، أو "لست متأكِّداً". وفي حين أنِّي لم أكن أحكم أبداً على المسيحيَّة أو أيِّ دينٍ آخر من خلال أتباعه، إلا أنَّه من الغريب أنِّي حكمت على الإسلام من خلال كلِّ عربيٍّ التقيته، وذلك على الرُّغم من أنَّه: أوَّلاً، ليس كلُّ العرب مسلمين. فمنهم البروتستانتيُّون، والكاثوليك، واليهود، والدروز، والأقباط، والعلويُّون.. إلخ؛ وثانياً: أكثر المسلمين ليسوا عربًا. فالمسلمون في إندونيسيا، والهند، والصِّين، ومقدونيا، وماليزيا، وروسيا، وتايلند، وإفريقيا، والبوسنة، وأمريكا، والسُّويد.. إلخ؛ وإلى جانب هؤلاء هناك العرب أيضًا. لقد نُشِّئْتُ على ألا أكون متحيِّزةً، ولكنِّي كنت كذلك. لقد استغرقني وقتاً طويلاً لأُدرك ذلك.
فقط، وبعد ساعاتٍ لا تُحصى من الحوار -وفي بعض الأوقات من الجدل- مع زوجي، إلى أن أصبحت منفتحة العقل بما فيه الكفاية لأُدرك بأنَّه لم تكن لديَّ الصُّورة الشَّاملة.
خلال شهر رمضان –شهر تشرين الثاني من عام 2002- سألت مهنَّداً إن كان بإمكانه مساعدتي في قراءة القرآن الكريم بالعربيَّة. كان لديه القليل من الوقت، ولكنِّي كنت مصمِّمةً على قراءة القرآن بالعربيَّة، وبمساعدة ترجمةٍ جيِّدة. حين قرأت القرآن -الكتاب الأقدس في الإسلام- فكَّرت كم هو جميلٌ، وعلميٌّ، ورحيمٌ، ومكرم للمرأة! كلُّ الكتب الَّتي قرأتها تقريباً عن الإسلام كانت مؤلَّفةً من قِبَلِ غير المسلمين، وكانت تُظهر الإسلام بصورةٍ سلبيَّة. وأولئك الَّذين كانوا يكتبون ضدَّ الإسلام كانوا في بعض الأحيان يقتطعون مقتطفاتٍ من القرآن تاركين ما يتبقَّى من الآيات؛ أو أنَّهم كانوا يترجمون الآيات بطريقةٍ خاطئةٍ، إما لهدفٍ ما أو عن طريق الخطأ. كنت أعرف ما يكفي من اللغة العربيَّة لأعرف بأنَّ ما كنت أقرأه كان لا يشبه أيَّ شيءٍ قرأته في حياتي. فهناك الكثير من العلم، والكثير من المعرفة، والَّتي لم تُكتشف إلا في العصر الحديث. أعني أنَّ النبيَّ مُحمَّداً (صلَّى الله عليه وسلَّم) ذكر: الثقوب السَّوداء، والسَّفر في الفضاء، والـ DNA وعلم الوراثة، والتطوُّر، والجيولوجيا، وعلم البحار والمحيطات، وتطوُّر الجنين، وأصل الحياة.... يا إلهي! لقد كنت دوماً أسمع بأنَّ القرآن ما هو إلَّا نسخةً كربونيَّةً عن الإنجيل، ولكن لم يكن أيٌّ من هذا في الإنجيل! وتساءلت مندهشةً كيف كان بإمكان أيِّ إنسانٍ قبل 1400 عام مضت أن يكتب شيئاً كهذا! وبعض هذه الأشياء لم تُكتشف إلا في هذا القرن فقط! عندئذٍ فكَّرت: "حسناً، فالعلماء العرب من الفلكيِّين، وعلماء الرياضيَّات والجغرافيا كانوا متقدِّمين جدًّا في ذلك الوقت، فربَّما اشترك بعضهم في كتابة هذا الكتاب من هنا وهناك معتمدين في ذلك على الإنجيل. ولكنِّي بعدئذٍ حين درست ذلك بشكلٍ أعمق أدركت بأنَّ الثَّورة العلميَّة العربيَّة (الإسلاميَّة) حدثت بعد ظهور الإسلام. وبعدئذٍ قرأت بأنَّ المسلمين يؤمنون بأنَّ القرآن أُوحي به لمُحمَّدٍ (صلَّى الله عليه وسلَّم) من خلال الملك جبريل (عليه السَّلام)، وأنَّه استمراريَّةٌ لكلمة الله تعالى. فالمسلمون يؤمنون بأنَّ أجزاءً من التَّوراة والإنجيل الَّتي تتحدَّث عن حياة عيسى أوحى بها الإله، أو "الله" كما يُدعى الإله باللغة العربيَّة، وليس هذا (اسم الإله "الله") فقط عند المسلمين، بل وعند النَّصارى واليهود الَّذين يتحدَّثون العربيَّة أيضاً. والمسلمون يوقِّرون إبراهيم، وسليمان، وموسى، وعيسى، ونوح (عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين)، وفي الحقيقة يوقرون كلَّ الأنبياء المذكورين في الإنجيل. ومذكورٌ أيضاً بأنَّ هناك أنبياء آخرين جاءوا لأقوامٍ آخرين ليجعلوهم أُناساً طيِّبين. وقد قيل أيضاً بأنَّ بوذا كان أحد هؤلاء الرُّسل، ولكنَّه كعيسى (عليه الصَّلاة والسَّلام) لم يقل للنَّاس بأن يؤمنوا بأنَّه مُساوٍ لله تعالى، وبأنَّه فقط رسولٌ من عنده تعالى. والمسلمون أيضاً يؤمنون بأنَّ مُحمَّداً هو خاتم الرُّسل، إلى أن يعود المسيح (عليه الصَّلاة والسَّلام) إلى الأرض.
إنَّ القرآن يقول بأن الله تعالى يمكن أن يختم على قلوبنا وسمعنا، وأن يضع على أعيننا غشاوة، فلا نستطيع أن نرى ولا أن نشعر برسالة القرآن؛ ففقط وبمشيئة الله تعالى نستطيع ذلك. في الثَّاني عشر من شهر كانون الأوَّل لعام 2002 رأيت رؤيا فظيعةً جعلتني أُفكِّر وأُمحِّص في الدِّين بعمقٍ أكبر. فالرُؤى مهمَّة جدّاً في آيسلندة، وتفسير الأحلام هو عمليّاً علم! لم أعتقد أبداً بأنِّي بحاجةٍ إلى الدِّين. ومع أنَّ الدِّين سحرني دوماً إلا أنِّي كنت أُومن بأنِّي على ما يرام بإيماني بالله تعالى فقط، وأني آخذةٌ جزءًا صغيراً من كلِّ الأديان المختلفة حتَّى حصلت على كوكتيلي الخاص: "خليط آنا".
في شهر كانون الثاني 2003 بدأت البحث على الإنترنت، كنت فقط أبحث عن أشياء مثل: "الإسلام"، "القرآن"، "المسلم".. إلخ. وفي شهر آذار -حين كنت في ريكجافيك- واتتني الفرصة للحديث مع واحدةٍ من أعزِّ صديقاتي الآيسلنديَّات، وهي مسلمة، وقد نصحتني بترجمةٍ جيِّدةٍ للقرآن الكريم بالإنجليزيَّة، وهي ترجمة عبد الله يوسف علي، لأقرأها مع النُّسخة العربيَّة الأصليَّة. فحصلت عليها في شهر نيسان وبدأت باستخدامها للمساعدة.
وفي شهر أيار لعام 2003 ردَّت صديقتي الآيسلنديَّة الزِّيارة، وبَقِيَتْ معنا لمدَّة أسبوعين. تحدَّثنا عن القرآن، وأخبرتها بأنِّي أريد ترجمة القرآن للآيسلنديَّة، فأخبرتني بأنَّ هذا هو حلمها أيضاً. فاتَّفقنا على أن نقوم بذلك معاً. استخدمنا وقتنا بشكلٍ جيِّد، وكنَّا نناقش المسيحيَّة واليهوديَّة والإسلام طيلة اليوم، وكلَّ يوم. فقد تفحَّصتْ دينها اللوثريِّ (السَّابق)، وتأمَّلتْ في اليهوديَّة، وزارتْ إسرائيل (فلسطين المحتلَّة) مرَّتين، وفقط في زيارتها الثَّانية بدأت بتأمُّل الإسلام. لقد مرَّت بنفس الطِّريق كما حصل معي، ووصلت إلى نفس النتائج. وبالعودة إلى عام 1995 أذكر حين أخبرتني بأنَّها أصبحت مسلمة بأنِّي سلكت معها سلوكاً سيِّئاً، فقد كنت سلبيَّةً جدّاً؛ وعارٌ عليَّ أنِّي لم أشدَّ من أزرها!
الآن وجدت بأنِّي أرى نفسي كمسلمة. وأخبرت زوجي عن ذلك، فامتحنني بطريقةٍ مطوَّلة. ثمَّ سألني الانتظار بخصوص تغيير ديني. وأخبرني بأنِّي بدخولي الإسلام يمكن أن أجعل حياتي صعبةً جدّاً، وبأنَّ النَّاس الَّذين لا يعرفون الإسلام سيعاملونني بطريقةٍ مختلفة، وبأنَّه في ذلك الوقت -في عام 2003- وفي هذا العالم الَّذي نعيش فيه سيسخر النَّاس منِّي. وقال بأنِّي ربَّما سأخسر علاقاتي مع عائلتي وأصدقائي إن اعتنقت الإسلام. لقد خشي من أنَّ النَّاس الَّذين لا يعرفوني بشكلٍ جيِّدٍ، أو الَّذين لم أقابلهم منذ وقتٍ طويل، أو الَّذين لم يلتقوه من قبل، سيظنُّون بأنَّه أكرهني على الدُّخول في الإسلام. فأخبرته بأنَّه إن كانت تلك حقيقة، فإنَّنا لم نكن لنتزوَّج أصلاً، لأنَّنا حين تزوَّجنا كنت ما أزال على المسيحيَّة، وكنت ما أزال مسيحيَّة حتى ذلك الوقت. وحاججته أيضاً بأنَّ النَّاس الَّذين يعرفونني جيِّداً يعرفون أيضاً بأنِّي قويَّةٌ في رأيي، ومدافعةٌ حقيقيَّةٌ عن المرأة والإنسانيَّة، وبأنَّني عنيدة، ولكنِّي لست منغلقة الفكر، وبأنَّه لا يمكن لأحدٍ أن يُسيطر عليّ...فقد حاول والداي ذلك لسنواتٍ دون فائدة!
فقررت عندئذٍ بأنَّه إن كان أصدقائي أو عائلتي لا يريدون أيَّ اتِّصالٍ معي - لأنِّي قرَّرت أن أُصبح مسلمة - فليكن الأمر كذلك! فديني هو شأني الخاص، وأنا فخورةٌ ببحثي في المسيحيَّة، وفي اليهوديَّة، والهندوسيَّة، والبوذيَّة والإسلام. فقد استغرقني الأمر أعواماً عديدةً وساعاتٍ لا تُحصى من القراءة والبحث الرُّوحيِّ لأَصِلَ إلى هذه النُّقطة. فإيماني بالله تعالى هو شيءٌ كنت دوماً آخذه على مَحْمَلِ الجدِّ ولم أكن أبداً خجولةً من إعلان إيماني، وحتَّى عندما كان الآخرون يسخرون منِّي لإيماني بشيءٍ كانوا يقولون بأنَّنا لا نستطيع رؤيته. فكنت أُحاججهم: "انظروا حولكم، كيف لا يمكنكم الإيمان بكائنٍ أعلى خَلَقَ كلَّ شيءٍ من حولنا!". ولأولئك الَّذين ينظرون إلى الإسلام على أنَّه نوع من الموضة أقول: "إنَّه ليس كذلك. بل هو واحدٌ من أكبر الأديان في العالم، إن لم يكن الأكبر، فالآن واحدٌ من كلِّ أربعةٍ من النَّاس في هذا الكوكب هو مسلم. وهو الدِّين الأسرع انتشاراً".
هكذا وفي النِّهاية -في شهر حزيران من عام 2003- قرَّرت أن أصبح مسلمةً بشكلٍ رسميٍّ لكي أستطيع الذِّهاب إلى مكة للحج. لقد كنت أبحث عن الإجابات لوقتٍ طويل -منذ طفولتي- وفي منتصف التسعينات كنت أشتري الكتب عن مختلف الأديان. وفي أعماقي كنت أتخيَّل بأني سأجد الإجابات من أجل نفسي. وأذكر المرَّة الأولى حين سمعت الأذان، وحين نادى المؤذِّن: "الله أكبر" من مأذنة المسجد. كان يوماً جميلاً مشمساً -الأحد من شهر شباط لعام 1997- في القاهرة، وكانت أجراس الكنيسة تقرع أيضاً، ولكنِّي حين سمعت النِّداء للصَّلاة بدأت الدُّموع تنهمر على وجنتيّ، ودون إدراكٍ منِّي لذلك. لم أكن مسلمةً حينئذٍ، ولكنَّ ذلك حرَّك مشاعري. وواحدةٌ من أقدم وأعزِّ صديقاتي، وهي كاثوليكيَّة، كانت في بيروت قبل فترة، وكانت تُقِيمُ في فندقٍ حين صَحَتْ على صوت الأذان في السَّاعة الرَّابعة والنِّصف فجراً في ليلتها الأُولى في لبنان، فتأمَّلتْ في ذلك كم هو مؤثِّرٌ لدرجة أنَّها بكت أيضاً.
حين أقرأ القرآن أشعر به في داخلي، عميقاً في أحشائي، وبأنَّه المناسب بالنِّسبة لي. جمال الوحي القرآنيِّ يجعلني أبكي أحياناً. فهو الطَّريقة الشَّاملة للحياة. ولم يحرِّك مشاعري أيُّ كتابٍ دينيٍّ آخر لدرجة البكاء أبداً.
القرآن ببساطة هو أعقد كتابٍ قرأته في حياتي. فكلَّما قرأته أكثر، فهمته أكثر، وتساءلت أكثر. فالقرآن يلهمك أن تتعلَّم أكثر. ففي كلِّ مرَّةٍ تقرأه، تتكشَّف لك طبقاتٌ أخرى من الفهم. أنا لست خبيرة، ولن أكون أبدًا، حتَّى ولو قرأت منه كلَّ يومٍ لبقيَّة حياتي، فسوف أظلُّ أتعلَّم منه شيئاً جديداً، فهو مليءٌ بالعجائب. وما زلت أُلحق بدراستي القرآنيَّة دراسة الإنجيل، كإنجيل برنابا، والتوراة... إلخ.
وقد حصلت على صديقاتٍ جديداتٍ عبر الإنترنت. فأثناء بحثي على الشبكة وصلت إلى موقعٍ إسلاميٍّ آيسلنديّ: www.islam.is، فاتَّصلت بالكاتبة وبدأنا المراسلة. وفي بداية عام 2004 تقريباً أرسلت لها تقريراً كتبته بعنوان: "الإسلام في آيسلندة 2003"، والَّذي أرسلته إلى حكومة المملكة العربيَّة السعوديَّة، فاقترحت بأن نقوم ثلاثتنا بالعمل على ترجمة معاني القرآن الكريم من العربيَّة إلى الآيسلندية، فهي أيضاً تتكلَّم اللغة العربيَّة. لذا يبدو بأنَّنا سنكون ثلاث آيسلنديَّاتٍ مسلماتٍ يعملن على ترجمة معاني القرآن الكريم. ولأولئك الَّذين يبحثون عن ترجمةٍ إنجليزيَّةٍ جيِّدة، فقد سمعت بأنَّ ترجمة (محمَّد أسد) أيضاً جيَّدة، وسأحصل عليها لنفسي أيضاً.
وقد اشتريت أيضاً كمّاً هائلاً من الكتب للقراءة في كوالالامبور الصَّيف الماضي. فهي مكَّةٌ جديدةٌ للمسلمين من حيث الكتب، وقد تموَّنت حقّاً! فلقد قضينا -زوجي وابني وأنا- شهراً في ماليزيا. ما أروع تلك البلاد! فمن البلاد الإسلاميَّة لم أكن إلا في الشرق الأوسط العربيّ، أما هنا فقد كان عالماً إسلاميّاً جديداً في جنوب شرق آسيا! كانت التجربة رائعة، وهذا أقلُّ ما يمكن أن يُقال. فقد كنت دوماً مغرمةً بالفنِّ والعمارة الإسلاميّيْن، وماليزيا تُعدُّ متحفاً إسلاميّاً في داخل بيوتها وخارجها! فَتَحْتَ حُكْمِ رئيس الوزراء السَّابق محاضر محمَّد، كان للإسلام انبعاثًا. وقد أراد توحيد كلِّ البلاد الإسلاميَّة، ليس فقط فيما يُدعى المؤتمر الإسلاميّ، بل وأراد أيضاً عملةً موحَّدةً، وهي الدِّينار الذهبيّ. يا لها من رؤيا! الإسلام في حاجةٍ لرجالٍ ونساءٍ مثله!
أحاول دوماً أن أكون إيجابيَّة، لذا أظنُّ بأنَّ هذا الزَّمن رائع -القرن الواحد والعشرون! فإن كان بإمكان واحدةٍ مثلي أن تصبح مسلمة، فهناك أملٌ لأيِّ أحد! أصدقائي الَّذين ناقشت معهم الدِّين في الوقت القريب يعرفون بأنِّي أصبحت مسلمة، وكانوا كلُّهم داعمين لي دون تردد. كنت مندهشة شيئاً ما بأنَّهم لم يُصدموا. وقالوا بأنَّهم كانوا يعتقدون بأنِّي لابد يوماً ما أن أجد محرابي الَّذي كنت أبحث عنه لوقتٍ طويل، فكانوا سعداء لأجلي. حتَّى أنَّ بعضهم دعوني باسمي الإسلاميِّ الجديد: نور. مع أنِّي ما زلت أستخدم اسمي "آنا ليندا"، لأنَّه الاسم الَّذي اختاره لي والداي، والذي يمثِّل الشَّخص الَّذي كنته لستةٍ وثلاثين عاماً مضت. "نور" هو فقط استمراريَّةٌ لكينونتي!
هذه هي نهاية قصَّتي: "الرِّحلة إلى النُّور". الرِّحلة التي لا تشكِّل في الحقيقة إلا بدايةٌ فقط!
مع السلامة، والله معكم.
المصدر: موقع مجلة الفرقان http://www.hoffaz.org (http://www.hoffaz.org/forqan/F2005/F45/furqan45-21.htm)

القلب الحزين
15-12-2013, 07:28 PM
قصة إسلام أمينة أسيلمي


ترجمة : الأستاذ زكي الطريفي
البداية والقرار:
كنت في بداية السنة النهائيّة للحصول على درجتي العلميَّة في دراسة (وسائل الترفيه)، عندما قابلت أوَّل مجموعةٍ من المسلمين في حياتي. وقد كانت السَّنة الأولى التي كُنَّا فيها نستطيع أن نُسجِّل للفصل من خلال الحاسوب، فسجَّلت ثمّ ذهبت لأهتمّ ببعض الأعمال العائليَّة في (أوكلاهوما). فأخذ العمل مني فترةً أطول مما كنت أظنُّ بحيث عدت متأخِّرةً أسبوعين على بداية الفصل. ولكنِّي لم أكن قلقةً حول تعويض ما فاتني، لأنِّي كنت الأولى في صفّي. ومع كوني طالبة في ذلك الوقت كنت أفوز بالجوائز أثناء منافستي مع المتخصِّصين في هذا المجال.
ويجب أن أقول أيضاً بأنِّي كنت خجولةً جدّاً، على الرغم من أنِّي كنت أذهب إلى الكليِّة وأحصل على العلامات العالية، وأُدير عملي الخاص، وعلى الرغم من وجود العديد من الأصدقاء المقرَّبين الّذين كانوا من حولي. فكنت كثيرة الصَّمت، وبطيئةً جدّاً في التعرُّف إلى الناس، فمن النادر أن أتحدَّث لأيِّ أحدٍ إلا إذا اضطررت لذلك أو إن كنت أعرفه من قبل. كانت الدروس التي آخذها تتطلب مني أن أقوم ببعض الأمور الإداريَّة والتّخطيط المدني، بالإضافة إلى وضع البرامج الّتي تناسب الأطفال، فكانوا هم الوحيدين الذين أشعر معهم بالراحة.
حسناً... فلنعد إلى قصتنا. كان التوزيع الذي قام به الحاسوب قد خبَّأ لي مفاجأةً عظيمةً، فقد كنت مُسجَّلةً في مادةٍ مسرحيَّةٍ حيث كنت مُلزمةً بالتمثيل الحيِّ أمام الجمهور. أصابني الخوف الشديد بسبب ذلك، فأنا لا أكاد أتجرَّأ على طرح بعض الأسئلة في قاعدة الدرس، فكيف يمكنني أن أقف على المسرح أمام كلِّ الناس؟! حدَّثت زوجي عن ذلك ولكنَّه كان هادئاً كعادته دائماً، فاقترح عليَّ أن أتحدَّث مع الأستاذ وأشرح له المشكلة، وأن أتَّفق معه على قيامي بكتابة النصِّ أو تجهيز الملابس. ووافق الأستاذ على أن يحاول مساعدتي للخروج من هذا المأزق. وهكذا ذهبت إلى الدرس يوم الثلاثاء التالي.
عندما فتحت باب القاعة لأدخل تلقّيت الصّدمة الثانية. فقد كانت القاعة مليئةً بـ(العرب) أو (لاعبي الجوكي على الجمال) كما يحلو للبعض تسميتهم. حسناً... لم أكن أبداً قد شاهدت أحداً من العرب من قبل ولكنِّي كنت قد سمعت بهم. فما كان مني إلا أن قرَّرت أني -ولا بأيِّ طريقةٍ- لا يمكنني الجلوس في غرفةٍ مليئةٍ بالكفرة القذرين! بل خطر لي أيضاً بأنَّه من الممكن أن ينتقل إليِّ أحد الأمراض المخيفة من أحدهم. فكلُّ الناس كانوا يقولون بأنَّهم قذرون، وأنّهم ليسوا أهلاً للثقة أيضاً. فما كان مني إلا أن أغلقت الباب وعدت أدراجي إلى البيت. ولكني يجب أن أذكر شيئاً صغيراً الآن. فحين كنت أفكّر بهذه الطريقة كنت ألبس سروالاً جلديّاً مثيراً، وحِذاءً ذا كعبٍ عالٍ، وكأس الخمر في يدي... لكنّهم هم الذين كانون (السَّيئين) في نظري!
عندما أخبرت زوجي عن أولئك الطلاب العرب، وأنَّه ولا بأيِّ حال يمكن أن أعود إلى هناك، هدَّأ من روعي بطريقته الهادئة، وذكّرني بأنِّي كنت دوماً أدَّعي بأنّ لله تعالى دائماً سبباً لكلّ شيء، ولربما يتوجَّب عليَّ التفكير جيداً بهذا الأمر قبل أن أتَّخذ قراراً نهائيّاً. وذكّرني أيضاً بأنّ لديَّ منحةً دراسيةً، فإذا كنت أريد المحافظة عليها فإنه يجب عليَّ المحافظة على مُعدّل علاماتي وإلا فإنّ أمراً كهذا يمكن أن يحطّم كلّ شيء. فصلَّيت لله تعالى في اليومين التاليين داعيةً إيَّاه الرَّشاد. وفي يوم الخميس عُدت إلى الصفّ وكان لديَّ اعتقادٌ بأنّ الله تعالى دبَّر هذا لكي أُخلّص أولئك المساكين الكفرة من عذاب جهنم.
بدأت تدريجيّاً أشرح لهم كيف أنهم سيحترقون في جهنم خالدين فيها، إذا لم يقبلوا المسيح (عليه الصلاة والسلام) كمُخَلّصٍ لهم، فتعاملوا معي بلطفٍ جمّ ولكنَّهم لم يهتدوا! عندئذٍ، شرحت لهم كيف أنّ المسيح (عليه الصلاة والسلام) يحبهم وكيف مات على الصليب ليُخلّصهم من آثامهم. وكلّ ما عليهم فعله لينقذوا أنفسهم هو أن يقبلوه في قلوبهم. فظلّوا على نفس المستوى من اللّطف معي، ولكنّهم ما زالوا لا يهتدون!!! ولهذا قرّرت أن أقرأ كتابهم المقدس لأريهم بأنَّ الإسلام دينٌ مُزيَّفٌ وأنَّ محمداً (صلى الله عليه وسلم) إلهٌ مزيَّف. فأعطاني أحدهم نسخةً من ترجمة القرآن الكريم وكتاباً آخر عن الإسلام، وبدأت دراستي. كنت على يقينٍ بأنّي سأجد الدليل الذي أحتاجه وبسرعةٍ كبيرة. لكنّي قرأت القرآن الكريم والكتاب الآخر، ومن ثمّ قرأت خمسة عشر كتاباً أخرى، كان من بينها صحيح مسلم، ثم عدت إلى القرآن الكريم. فقد كنت مُصمِّمةً على هدايتهم! وهكذا استمرت دراستي للإسلام سنةً ونصف.
خلال ذلك الوقت، بدأت تظهر بعض المشكلات بيني وبين زوجي. فقد كنت أتغيَّر، ومع أنّ هذا التغيُّر كان في بعض الأمور فقط إلا أنها كانت كافيةً لإزعاجه. فلم أعد أريد الذهاب إلى الخمَّارات والحفلات التي اعتدنا الذهاب إليها كلّ جمعةٍ وسبت. وأصبحت أكثر هدوءاً وأكثر بُعداً عنه. فوصل إلى يقينٍ بأنّ لي علاقةً غير شرعيّة، ولذلك قام بطردي من البيت. فانتقلت إلى شقّةٍ أخرى مع أطفالي، ومع كلّ هذا فقد واصلت جهودي مُصمِّمة على هداية أولئك المسلمين إلى المسيحيَّة!
وفي أحد الأيام طُرق بابي، وحين فتحت الباب رأيت رجلاً يلبس ثوباً أبيضَ طويلاً للنوم وعلى رأسه قطعة قماشٍ كاروهات حمراء اللون، وكان يرافقه ثلاثةٌ من الرجال في ملابس نومهم أيضاً! (لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها عرباً في لباسهم التقليديّ). فشعرت بأنهم أهانوني إهانةً عظيمة. فكيف يسمحون لأنفسهم بأن يطرقوا بابي وهم يرتدون ملابس النوم؟! وأيّ نوعٍ من النساء يظنني هؤلاء؟! وتخيَّلوا صدمتي عندما قال لي الرجل الذي يلبس الخرقة الحمراء على رأسه بأنه يفهم رغبتي في أن أُصبح مسلمة! فأعلمته -وبسرعةٍ- بأنّي لا أريد أن أُصبح مسلمة. ثم تداركت قائلة بأنِّي -وعلى الرغم من ذلك- لديَّ بعض الاستفسارات، إذا كان لديه الوقت.
فمنحني الأخ عبدالعزيز الوقت الكافي، وكان صبوراً جدَّاً في نقاشه معي حول كلّ المسائل. ولم يُشعرني على الإطلاق بأني سخيفةٌ أو أن سؤالي سؤالٌ غبيٌّ. وسألني إن كنت أُومن بأنّ هناك إلهاً واحداً، فقلت: نعم. فسألني إن كنت أُومن بأنّ محمداً صلى الله عليه وسلم كان رسولاً لله تعالى، ومرةً أخرى قلت: نعم. فقال لي: أنت بهذا مسلمة! فجادلته بأني مسيحيّة وأنّي فقط أُحاول أن أفهم الإسلام. أما في داخل نفسي فإنّي كنت أُفكّر: "أنا لا أستطيع أن أُصبح مسلمة، فأنا أمريكيّةٌ بيضاء! وماذا سيقول زوجي؟! وإذا أصبحت مسلمةً فإنّي يجب أن أُطَلّق من زوجي، وعائلتي ستنتهي".
ثم أوضح لي لاحقاً بأنّ تحصيل المعرفة والفهم الروحيّ ما هو إلا كصعود السلّم: "فإذا كنتِ صاعدةً على السلّم وحاولت أن تقفزي عدة درجات مرة واحدة فإن هناك خطورة السقوط. فالشهادتان ما هما إلا الدرجة الأولى على السلم، وهناك أمورٌ كثيرةٌ يجب أن نتحدث عنها". وفي وقتٍ لاحقٍ من مساء ذلك اليوم -الحادي والعشرين من آذار لسنة 1977م وعند صلاة العصر- أعلنت إسلامي. ولكن بما أنّه كانت هناك أمورٌ لم أكن قد تقبَّلتها بعد، وحيث إنّ الصِّدق كان من طبعي دائماً، فقد قمت بإضافة بعض الكلمات إلى الشهادتين فكانت كالتالي: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله" وأضفت: "ولكنِّي لن أُغطّي شعري أبداً، وإذا أخذ زوجي زوجةً أُخرى غيري فإني سوف أقوم بـ...". فسمعت همهماتٍ من بعض الرجال، ولكنَّ عبد العزيز أسكتهم. وعلمت فيما بعد أنّه أخبرهم ألا يناقشوا هذين الأمرين معي مُطلقاً. لقد كان على قناعةٍ بأنِّي سأصل وحدي إلى الفهم الصحيح لهما.
كانت الشهادتان حقّاً هما الخطوة الأولى على سلّم المعرفة الروحيَّة والقُرب من الله تعالى التي حصَّلتها مع مرور الوقت. وواصل عبد العزيز زيارتي والإجابة على أسئلتي. أدعو الله تعالى أن يجزيه خير الجزاء على صبره وتسامحه. فهو لم يُقَلّل من قدْري، ولم يتفاعل تجاه أيِّ تساؤلٍ كنت أطرحه على أنَّه سؤالٌ سخيفٌ أو غبيّ، بل كان يتعامل مع كلّ سؤالٍ بحصافة، وكان يخبرني دائماً بأنَّ أغبى سؤالٍ هو ذاك الذي لم يُسأل أبداً. آه... هذا ما اعتادت جدتي قوله أيضاً! لقد شرح لي كيف أنّ الله تعالى حثَّنا على طلب العلم والطُّرق التي يمكن أن تزيدنا قُرباً منه. وعندما كان يشرح لي أمراً ما، كان هذا وكأنَّك تراقب زهرةً أمامك كيف تتفتَّح ورقةً ورقةً حتى تصل إلى ذروة الروعة في جمالها. وعندما كنت أخبره بأنَّني لا أُوافق على أمرٍ ما ولماذا، كان دائماً يقول: "أنت مُحقَّةٌ إلى حدٍّ ما"، ومن ثمّ كان يُريني كيف أنظر في عمق المسألة ومن جوانبها المتعدِّدة لكي أصل إلى الفهم التام، والحمد لله!
تعلّمت بمرور الأعوام على يد كثيرٍٍ من الشيوخ. كان كلٌّ منهم مُتميّزاً بشكل ٍ خاص، مع اختلافهم عن بعضهم البعض. وأنا شاكرةٌ لكلٍّ منهم على ما قدَّموه لي من العلم والمعرفة. فقد علَّمني كلٌّ منهم كيف أُنمِّي إيماني وحبِّي للإسلام. وبازدياد معرفتي كانت التغييرات في حياتي تظهر بوضوحٍ أكبر. ففي السنة الأولى بدأت بوضع الحجاب. لا أدري متى بدأت، فقد جاء هذا الأمر تلقائيّاً مع ازدياد معرفتي وفهمي للإسلام. وحتى إنَّني أيضاً بدأت أُناصر تعدُّد الزوجات. فقد أدركت بأنَّ الله تعالى ما كان ليشرع هذا الأمر إلا إذا كان نافعاً، وتدَّبروا قول الله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى . الذي خَلَقَ فَسَوَّى . وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى . وَالّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى . فَجَعَلَهُ غُثَاءً أحْوَى . سَنُقرِئُكَ فَلا تَنْسَى . إلا ما شَاءَ الله إنَِّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى . وَنُيَسِّرُكَ لليُسْرَى) (الأعلى: 1-8).
عندما كنت في بداية دراستي للإسلام، لم أتوقّع أن أجد شيئاً اُريده أو أحتاجه في حياتي الخاصَّة، ولم أكن أظنُّ بأنّ الإسلام يمكن أن يُغيِّر أسلوب حياتي. وفي ذلك الوقت لم يكن لأحدٍ أن يُقنعني بأنِّي سأكون في سكينةٍ وحبٍّ غامرٍ وسعادةٍ بسبب الإسلام.
إنّ هذا الكتاب يتحدَّث عن الإله الواحد خالق الكون. إنّه يصف الطريقة الجميلة التي يُنظّم بها العالم. هذا القرآن العظيم يحوي بين دفّتيه كلَّ الإجابات، فالله تعالى هو الودود، وهو السَّلام، وهو الحافظ، وهو الغفور، وهو الرزَّاق، وهو المدبِّر، وهو الكريم، وهو المجيب، وهو الولي، وهو المُغني! (ألَمْ نَشْرَح لَكَ صَدرْكَ . وَوَضَعْنَا عَنْكَ ِوزْرَكَ . الّذِي أنْقَضَ ظَهْرَكَ . وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ . فَإنِ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنْ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح: 1-6). فالقرآن الكريم يعالج كلّ مسائل الوجود ويُرينا الطريق الواضح للفلاح، إنه الخارطة التي تُبيّن لنا طُرُقَ الفوز بمغفرة الله تعالى، وهو (الدَّليل المرشد للحياة) من صانع الحياة سبحانه وتعالى. وإذا سألتموني كم غيَّر الإسلام حياتي، فإنِّي أقول: "كم كنَّا سنحبُّ النُّور لو أنَّنا عشنا فترةً في الظلام". فالإسلام لم يؤثّر في حياتي فقط، بل غيَّرها تماماً.
حياتي العائليّة
كنت وزوجي يُحبُّ أحدنا الآخر حبّاً عظيماً ما زالت آثاره باقيةً إلى الآن في قلبينا. ولكنَّ بعض المشكلات بدأت تظهر بيننا عندما بدأتُ دراستي للإسلام. فقد رآني أتغيَّر ولم يُدرك ما الذي كان يحدث لي. وحتى أنا نفسي لم أكن أُدرك هذا أيضاً، لأنِّي عندئذٍ لم أكن أُلاحظ كم كان سلوكي يتغير. فما كان منه إلا أن وصل إلى اعتقادٍ بأن لا شيء يُمكن أن يُغَيِّرني بهذه الطريقة إلا وجود رجلٍ آخر في حياتي. ولم تكن لديَّ طريقةٌ لكي أشرح له ما الذي كان يُغيِّرني لأنِّي لم أكن أعلم.
وحتى بعد أن أدركت بأنِّي أصبحت مسلمةًَ لم أستطع أن أثنيه عن شكّه، فكان يقول: "ما الذي يمكن أن يجعل المرأة تُغيِّر شيئاً أساسيّاً في حياتها –كدينها- إلا وجود رجلٍ آخر في حياتها!" على كلِّ حال، لقد كان يرى أنّ هذا هو السبب المنطقيَّ الوحيد لما كان يحدث. ومع أنَّه لم يستطع أبداً تقديم الدليل على وجود هذا الرجل الآخر، إلا أنَّه كان يُؤمن بوجوده. فانتهى بنا الأمر إلى طلاقٍ بشع. وقرَّرت المحكمة أن تكون المحكمة الشرعيَّة الأورثوذكسيِّة هي التي تُقرِّر بخصوص حضانة أطفالي.
أعطتني المحكمة الشرعيَّة مُهلةً من الزمن لكي أختار بين أمرين أحلاهما مُرّ, فإما أن أتخلّى عن الإسلام، وبذلك يتركوني مع أطفالي، وإمَّا أن أتنازل عن حضانة أطفالي وأبقى على إسلامي. كنت في حالة ذهولٍ شديدةٍ، فقد كان الاختيار صعباً، وبدا لي وكأنَّ كلا الخيارين مستحيل. وكنت على يقينٍ بأنِّي إذا تخلَّيت عن إسلامي فإنِّي سأُربِّي أطفالي على الضَّلال. ولم تكن هناك طريقة لأُنكر ما كان في قلبي، فكيف لي أن أُنكر الله تعالى؟! فلم أستطع عندئذٍ فعل ذلك. فالتجأت إلى الصلاة لله تعالى، ودعوته كما لم أدْعُهُ من قبل. وبعد مرور نصف ساعةٍ أصبحت على يقينٍ بأنَّه لا يوجد مكانٌ آمن فيه على أطفالي أكثر من أن يكونوا بين يدي الله تعالى. ولو أنكرته الآن فلن تكون هناك طريقة في المستقبل أُعلّم بها أطفالي روعة أن تكون مع الله تعالى. فأخبرت المحكمة بأنِّي أستودع الله تعالى أطفالي، ولاأعدُّ ذلك تخلّياً عنهم!
وغادرت المحكمة مُدركةً بأنّ حياتي بدون أطفالي ستكون في غاية الصعوبة. ومع أنّ قلبي كان مُنفطراً إلا أنَّه كان مطمئنّاً، فعرفت يقيناً بأنِّي فعلت الصَّواب. ووجدت عزائي في آية الكرسي: (اللهُ لا إلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ ومَا في الأرْضِ مَنْ ذا الذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بإذنهِ يَعْلَم مَا بَيْنَ أيْديهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلا يَؤودُهُ حفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَليُّ الْعظِيمُ) (البقرة:255). ودفعتني هذه الآية أيضاً لأبدأ بالبحث في معاني أسماء الله تعالى الحسنى لأكتشف الجمال في كلٍّ منها.
ولم تكن حضانة أطفالي والطلاق هما الابتلاءين الوحيدين حينئذٍ، فبقيّة أفراد عائلتي لم يتقبَّلوا اعتناقي الإسلام، ورفض معظمهم أن يكون لهمُّ أيّ علاقةٍ بي. فكانت أمي تؤمن بأنّ الأمر لا يعدو كونه مرحلةً فقط أمرُّ بها وسوف تذهب في طريقها. أمَّا أختي -المتخصصة في علم النفس- فكانت على يقينٍ بأنِّي -وببساطةٍ شديدةٍ- فقدت عقلي ويجب أن أدخل المشفى للعلاج. وكان أبي يعتقد بأنِّي يجب أن أُقتل قبل أن أنغمس إلى أعماقٍ سحيقةٍ في جهنم. ففي وقتٍ قصيرٍ وجدت نفسي بلا زوج وبلا عائلة... فماذا سيكون بعد؟!
الأصدقاء
معظم أصدقائي تخلّوا عنِّي في السنة الأولى من إسلامي. فلم أَعُدْ في نظرهم مُسلِّيةً على الإطلاق. فأنا لا أرافقهم إلى الخمَّارات والحفلات، ولم أكن مهتمّةً بإيجاد صاحب لي؛ بل كان كلُّ ما أفعله هو قراءة ذلك الكتاب (القرآن) والحديث عن الإسلام... فما هذا الملل؟! ولم يكن لديَّ المعرفة الكافية لكي أساعدهم على فهم الإسلام ولأُبيّن لهم كم هو جميل.
الوظيفة
ثم كانت وظيفتي هي التالية في الذهاب. ففي حين كنت أفوز بكلّ جائزةٍ في مجال عملي، وكانوا يعترفون بخبرتي كمُبتكرةٍ لأساليب كسب المال، إلا أنَّ هذا لم يمنع من أن يكون أول يومٍ وضعت فيه حجابي هو آخر يومٍ في وظيفتي. فأصبحت حينئذٍ بلا عائلةٍ، أو أصدقاء، أو عمل.
المكافأة من الله تعالى على النجاح في الابتلاء
كانت جدَّتي هي شعاع النُّور الأوَّل بعد إسلامي، فلم تُثنِ على قراري فقط بل وانضمَّت إليّ مُعْتنقةً الإسلام مثلي... فيا للمفاجأة! أنا كنت أعرف دائماً أنّها تمتلك الكثير من الحكمة... ولكن إلى هذا الحد؟! وتُوفِّيت بعد اعتناقها الإسلام بساعاتٍ قليلة، رحمها الله تعالى. وعندما أتوقّف لأتأمَّل في ذلك أشعر بأنِّي أغبطها كثيراً. ففي اليوم الذي أعلنت فيه إسلامها، ومُحيَتْ فيه كلُّ آثامها وبُدِّلتْ حسنات، يتوفاها الله تعالى لتكون كفّة حسناتها في الميزان ثقيلةً جدّاً، مما يملأني بسعادةٍ غامرة.
ومع مرور الوقت وازدياد معرفتي بالإسلام كنت أكثر استعداداً للإجابة على أيّ تساؤلات، فتغيَّرت أمورٌ كثيرةٌ في حياتي، ولكنَّ الأثر الأعظم كان للتغييرات التي حصلت في شخصيِّتي.
وبعد بضع سنوات من إعلاني الإسلام، هاتَفَتْني أمي وقالت بأنّها لا تعرف ما هو هذا (الشيء) الذي يُسمَّى (الإسلام)، ولكنّها تأمل في أن أبقى مؤمنةً به، فقد كان يُعجبها ما كان يصنعه الإسلام في حياتي. ثم اتَّصلت بي بعد ذلك بعامين وسألتني: "ماذا يجب على الإنسان أن يفعل ليصبح مسلماً؟" فقلت لها بأنّ كلّ ما عليها أن تفعله هو "شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله". فقالت: "إنّ كلّ أحمقٍ يعرف هذا! ولكن ما هي الإجراءات التي يجب عليَّ القيام بها؟!" فأعدت عليها ما قلت، فقالت: "حسناً، ولكن لا تُخبري أباك الآن". ولكنها لم تكن تعلم بأنّ أبي كان قد سبقها بالحديث مع عن هذا الموضوع. فوالدي -الذي كان يظنُّ بأنَّه من الواجب قتلي قبل أن أتعمَّق في جهنم- كان قد دخل الإسلام قبل ذلك بشهرين. ومن ثم أخبرتني أختي -الخبيرة في الصِّحة النفسيّة- بأنِّي الشخصيَّة الأكثر تحرُّراً من بين من تعرفهم... وإنه لإطراء عظيمٌ حين يصدر ممن هم مثلها!
وبدل أن أُحدثكم بتفاصيل دخول كلٍّ منهم الإسلام، دعوني أخبركم ببساطة بأنِّ معظم أفراد عائلتي يواصلون دخول الإسلام كل سنة. وقد كنت في غاية السعادة حين أخبرني أخٌ عزيزٌ من المركز الإسلاميِّ بأنَّ زوجي السابق دخل الإسلام. وقال لي بأنَّه سأله لماذا يريد اعتناق الإسلام؟ فأجاب: "ذلك لأنّي -ولستَّة عشر عاماً- كنت أُراقب حياة زوجتي كمسلمة، وأنا الآن أريد أن تكون ابنتي مثلها". ثم زارني بعد ذلك وطلب مني أن أُسامحه على كلِّ ما فعله لي. ولكنِّي كنت قد سامحته منذ وقتٍ طويل.
وفي الوقت الذي كنت أكتب فيه هذه السطور، هاتفني ابني البكر –ويتني- ليقول لي بأنَّه سيدخل في الإسلام، وقد خطّط لإعلان إسلامه في المركز الإسلاميّ بعد أسبوعين، وهو الآن يقرأ عن الإسلام قدر ما يستطيع من أجل ذلك... إنّ الله هو الرحمن الرحيم.
بمرور السنين، اشتهرت بحديثي عن الإسلام. والكثير من الذين حضروا للاستماع إليّ دخلوا الإسلام والحمد لله. وازدادت سكينتي الداخليَّة مع ازدياد معرفتي وثقتي بحكمة الله سبحانه وتعالى. فقد عرفت بأنّ الله تعالى ليس فقط خالقي، بل هو أيضاً أعزّ (أصدقائي)، ولذلك فأنا على يقينٍ بأنَّه تعالى سيكون دائماً إلى جانبي، وأنَّه لن يتخلّى عني أبداً. فكلّ خطوةٍ أخطوها تجاهه سبحانه وتعالى يخطو مقابلها تجاهي عشراً؛ وكم هو جميلٌ أن ندرك هذا.
حقيقة أنّ الله تعالى اختبرني -كما وعد بأن يختبر المؤمنين- ولكنّه أنعم عليّ أكثر مما كان بإمكاني أن آمل. فقبل بضع سنوات أخبرني الأطباء بأنّ لديَّ سرطاناً مُنتشراً. وأوضحوا لي بأنَّه لا يمكن علاجه حيث كان قد تطوَّر لدرجةٍ كبيرة، وعملوا على تهيئتي للموت بإيضاحهم لي مراحل تطوُّر المرض، وأخبروني أنَّه ربما بقي لي سنةً من العمر. كنت قلقةً من أجل أطفالي -وخاصة الأصغر عمراً – فمن ذا الذي سيعتني بهم؟ ومع هذا فلم أقنط من رحمة الله تعالى، وفي النهاية فكلُّنا صائرٌ إلى الموت. وكنت مُتيقِّنةً في قلبي بأنّ الألم الذي كنت أُعانيه يحوي الكثير من البركة.
وأذكر وفاة أحد الأصدقاء -وهو كريم الميساوي الذي مات بالسرطان حين كان في العشرينات من عمره- وفي سكرات الموت الأخيرة كان يبدو عليه الحزن والألم بطريقةٍ لا تُصدَّق، ولكنَّه كان يُشعُّ بحبِّ الله تعالى، وقال لي: "إنّ الله تعالى حقّاً رحيم؛ فهو سبحانه وتعالى يريد لي أن أدخل الجنَّة بكتابٍ نظيف". فعلّمني بموته حبّ الله تعالى لعباده ورأفته بهم، وأعطاني بذلك شيئاً للتأمُّل، فهذا يُعتبر من الأمور التي يَندُر أن يناقشها الناس!
ولم أنتظر طويلاً لأرى النِّعم التي كانت تحلُّ عليَّ من الله تعالى. فالأصدقاء الذين يحبونني كانوا يظهرون من حيث لا أدري. ثمّ أنعم الله تعالى عليَّ بتأدية فريضة الحج. وتعلّمت مدى أهميّة أن نشارك الآخرين حقيقة الإسلام. ولم أكن أهتمُّ إذا كان الناس الذين أتحدَّث إليهم من المسلمين أو من غيرهم، أو إذا كانوا يتفقون معي أم يختلفون، أو إذا كانوا يحبونني أم يكرهونني؛ فقد كانت الموافقة التي أنشُدُها هي موافقة الله تعالى، وكان الحبُّ الوحيد الذي أحتاجه هو حبُّ الله تعالى. ولكنِّي مع هذا اكتشفت بأنّ الناس كانوا يحبونني أكثر وأكثر دون سببٍ واضح. فتذكرت ما قرأته بأنّ الله تعالى إذا أحبَّ عبداً فإنَّه يُلقي له القَبول في الأرض. فأنا لا أستحق كلّ هذا الحب، ولكن لا بدَّ وأنّ هذه نعمةٌ أخرى من نِعَمِ الله تعالى... الله أكبر!
لا توجد الكلمات التي تستطيع أن تُعبِّر عن مدى تغيُّر حياتي بالإسلام، فأنا سعيدةٌ جدّاً بكوني مسلمة. فالإسلام هو حياتي. والإسلام هو نبض قلبي. والإسلام هو الدَّم الذي يجري في عروقي. والإسلام هو قوّتي. والإسلام هو الذي جعل حياتي في غاية الرَّوعة والجمال. فأنا بدون الإسلام لا أساوي شيئاً، فلو حصل -لا قدَّر الله- وتخلّى الله عني لما استطعت البقاء.
"اللهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُوراً وَفيِ بَصَرِي نُوراً وَفي سَمْعي نُوراً وَعَنْ يَميِنِي نُوراً وَعَنْ يَسَارِي نُوراً وَفَوْقِي نوراً وَتَحْتِي نُوراً وَأمَامي نُوراً وَخَلْفي نُوراً وَاجْعَلْ لي نُوراً". (صحيح البخاري).
"رَبِّ اغْفِر لي خَطيئتَي وَجَهْلي وَإسْرَافي في أمْري كُلّه، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي. اللهُمَّ اغفر لي خَطَايَايَ وَعَمْدي وَجَهْلي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي. اللهُمَّ اغْفْر لي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ. أنتَ المُقَدِّمُ وَأنْتَ المُؤَخِّرُ وَأَنْتَ علَى كُلّ شَيءٍ قديِر". (صحيح البخاري).
أختكم في الله
أمينة أسيلمي
المصدر: موقع مجلة الفرقان http://www.hoffaz.org/forqan/F2005/F45/furqan45-21.htm

القلب الحزين
15-12-2013, 07:28 PM
روبرت كرين



الدكتور روبرت كرين مستشار الرئيس الأمريكي نيكسون, في عام 1959م حصل على دكتوراه في القانون العام ثم دكتورا في القانون الدولي والمقارن ، رئيس جمعية هارفارد للقانون الدولي ، ومستشار الرئيس الأمريكي نيكسون للشؤون الخارجية ، ونائب مدير مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض سابقاً, ويعتبر أحد كبار الخبراء السياسيين في أمريكا, ومؤسس مركز الحضارة والتجديد في أمريكا.
يتقن ست لغات حية, متزوج وأب لخمسة أولاد.
نشر عشرة كتب وخمسين مقالة اختصاصية حول الأنظمة القانونية المقارنة والاستراتيجية العالمية وإدارة المعلومات.
بعد حصوله على شهادة الماجستير في الأنظمة القانونية المقارنة من جامعة هارفارد. أسس صحيفة "هارفارد" للقانون الدولي وتسلم منصب الرئيس الأول لجمعية هارفارد للقانون الدولي, عمل لمدة عقد من الزمن في المراكز الاستشارية لصناع السياسة في واشنطن.
وفي عام 1962م شارك في تأسيس مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية. وفي عام 1963م وحتى عام 1968م كان أكبر مستشاري الرئيس السابق ريتشارد نيكسون في السياسة الخارجية, وفي عام 1969م عينه نيكسون نائباً لمدير مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض, وفي عام 1981م عينه رونالد ريغان سفيراً للولايات المتحدة في الإمارات العربية.
كلفه نيكسون بتلخيص مجموعة من تقارير المخابرات الأمريكية كان قد طلبها منهم لموضوع كان يكتب عنه فوافوه بملف كامل عن الأصولية الإسلامية وعدد كبيرة من التقارير والبحوث لا يسمح له وقته بقراءتها,ومع أن التقرير مكتوب بأيدي المخابرات الأمريكية وليس بأيد إسلامية إلا أنه ترك عند روبرت أثر حسن وقرعت معلوماته شغاف قلبه.
في عام 1980م تابع بأمر من حكومته ندوات ومؤتمرات عن الإسلام شارك فيها عدد من قادة الفكر الإسلامي, وقد سمع خطبة لأحد الدعاة وهو يشرح الإسلام, ثم رآه يصلي ويسجد فأعتقد في هذا إهانة له ولإنسانيته أول الأمر ولكنه أدرك بعد ذلك أن هذا الداعية ينحني لله ويسجد له وبما له من ثقافة وعلم تيقن له بأن هذا العمل هو الصحيح. إضافة إلى لقائه مع البروفسور روجيه غارودي في دمشق وأفكاره لذلك وجد أن الإسلام هو الحل الوحيد، فهو الذي يحمل العدالة في مقاصد الشريعة وفي الكليات والجزئيات والضروريات، وهو كمحام كان يسعى إلى مبادئ ليست من وضع البشر, وكل هذه المثل العليا وجدها في الإسلام, وهكذا أنشرح فلبه للإسلام ومن يومها في عام 1980م أعلن إسلامه وأطلق على نفسه أسم فاروق عبد الحق.
وهكذا أصبح د. فاروق عبد الحق ( د. روبرت كرين سابقا ), منذ ذلك الوقت أخذ يهتم في مستقبل الإسلام في أمريكا وله طروحات مهمة في المؤتمر الرابع والعشرين للاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية المعروف اختصاراً بـ ISANوالذي عقد في الفترة ما بين 29/8 إلى 1/9/1986م بمدينة أنديانا بوليس، والذي خصص لمناقشة مستقبل الإسلام في أمريكا الشمالية, وهو حين يوجه النقد إلى الغرب لنظرته المنحازة والقاصرة تجاه الإسلام، فانه لا ينسى توجيه اللوم إلى بعض المسلمين في الشرق أو الغرب ممن لا يفهمون ويطبقون التعاليم الإسلامية, فمن الصعب كما يقول : (أن تفهم الغربيين حقيقة الإسلام لأن الكثير من المسلمين الذين يعيشون في الغرب لا يمارسون ولا يعيشون حسب تعاليم الإسلام)."
نقلا :موقع الموسوعة الحرة http://wikipedia.org/ (http://wikipedia.org/)
للمزيد من المعلومات عنه أضغط هنا (http://www.google.com/search?hl=ar&q=%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%B1%D8%AA+%D9%83%D8%B1%D9%8 A%D9%86+&btnG=%D8%A8%D8%AD%D8%AB+Google&lr=)

القلب الحزين
15-12-2013, 07:29 PM
قصة إسلام سوزان كارلاند



الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين
دعونا نتدبر و نتأمل هذه القصة الحقيقية
الصحفي مارتين فلانجان يتحدث إلى سوزان كارلاند ، الحاصلة على جائزة المسلمة الأسترالية لهذه السنة
نشأت سوزان كارلاند فى منطقة فيرمونت حيث لا تزال في ذاكرتها ذكريات لطيفة متعلقة بهذا المكان وتقول كم هو الأمر لطيفا عندما أحاول أن أكرر نفس التجربة مع ابنتي حيث أخذها إلى البحيرات التي كانت تأخذني أمي إليها حيث كنت أقضي وقتا لطيفا في إطعام البط
يتحدث مارتن فلانجان قائلا " نحن الآن في منزل سوزان كارلاند حيث ترتدي تنورة من القطن وقميص طويل الأكمام وحجاب لونه أزرق على النقيض مما كانت علية منذ فترة قصيرة وتتمتع سوزان بطاقة كبيرة وروح المرح حيث تضع صوراً لمشاهير الفكاهة من بين الذين لهم الأثر الكبير فى تكوين شخصيتها ومعذلك فهي تبدوا متعبة حيث كثيرا ما توقظها ليلا ابنتها ذات العشر شهور .
انفصلا والدي سوزان عندما كانت في السابعة من عمرها و ذهبت سوزان لتعيش مع أمها التي تصفها بالقوة والمودة وأنها كانت لها الأثر الكبير في حياتها .
وتوصف هذه الأم بأنها مسيحية متزمتة تحمل أفكار قساوسة متزمتين من أمثال جون شلبي سبونج. عندما كانت سوزان طفلة كانا والديها ينتميان إلى الكنيسة المتحدة. :كانت سوزان تذهب إلى مدارس الأحد ولكنها ابتعدت عن دروس الأحد لتهتم بأغاني الفيديو وذلك عندما كان عمرها أثنى عشر عاما وتستطرد سوزان " أنا أمنت بالله . أنا دائما أشعر بالرغبة فى معرفة الله "
وعندما كانت في الرابعة عشر من عمرها انضمت إلى كنيسة تنفرد بطابع خاص يتمثل في ادعاء أفرادها بأن الله يتحدث إليهم ليلاً وكان أمراً غريبا بل مستنكراً لديها وامتلأت حيرة من تلك الطريقة لمعرفة الله المحيط بكل شيء وعلى خلاف المعهود إذ بها تتحول إلى نهج المراهقين الذي يتمثل فى حضور الحفلات البالية والحفلات الكبرى والخروج في رحلات طويلة كما توقفت عن حضور دروس علم البيولوجي والانجليزي
وعندما كانت في السابعة عشرة من عمرها كان من بين قراراتها في عامها ا لجديد هو البحث في الأديان ولم يكن الإسلام فى المقام الأول في حيز تفكيرها فهو يبدو لها ( أو صُورلها ) على أنه دين عنيف وغريب وشهواني وكل ما كانت تعرفه عن الإسلام هو جملة كانت قد قرأتها في موسوعة الأطفال والسينما وكانت أمها دائماً تقول لها فيما بعد " أنها تفضل لها أن تتزوج من بائع مخدرات عن أن تتزوج من مسلم".
وتستطرد سوزان قائلة أنها لاتعرف إن كانت هي التي وجدت الإسلام أم الإسلام الذي وجدها. حيث تصور حكايتها من لحظة بدأ تشغيل التلفازلمشاهدة برنامج ويجذب انتباهها مقالات في المجلات والصحف وعلى نحو خاص تبدأ في دراسة الدين الإسلاميحتى تقف على رحمة ومودة تقول عنها أنها أبدا ما توقعت أن تجدها.
وبدرجة كبيرة من الأهمية راق لها الإسلام حيث لا يوجد فيه الفصل بين العقل والجسد والروح كما في المسيحية .
وعندما قررت أن تسلم أخذت تشحذ همتها لتخبر الأصدقاء والعائلة خصوصا أمها مؤجلة تلك اللحظة حتى تدخل القدر ذات ليلة عندما أعلنت أمها أنهم سيتناولون شرائح من لحم الخنزير في ذلك العشاء وهنا بكت أمها وعانقتها وبعد ذلك بعدة أيام لبست سوزان الحجاب.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/6/1suzan.jpg
وعن الحجاب تقول سوزان أنه مبالغ فيه إذا ما قورن بالإسلام حيث أن الإسلام يمس كل شكل في حياتك وبالنسبة لي فالإسلام علامة تذكرني بأنني قريبة من الله ويجعلالمرأة رمزا للإسلام أو سفيرا له.
وتقول أنها كثيرا ما كانت تلقى المضايقات في الشارع بسبب إسلامها وأبتعد عنها بعض من أصدقائها المقربين ولكن الآن بعد خمسة سنوات بلغت الرابعة والعشرون فإن لديها أصدقاء مسلمون وغير مسلمون ولديها زوجها المسلم الاسترالي المولد الذي يعمل في معسكرات قريبة من ريشموند وقد حصلت على درجة جامعية علمية في الآداب والعلوم وتود أن تصبح عالمة اجتماع.
أنها تعتقد أن قدرها في الحياة ألا تستسلم أو تخضع. فحجابها يعنى التعليقات الوقحة وكثيراً من النظرات في الشارع. وتفكر في ارتداء قميص مكتوب عليه " إذا ظللت تنظر إلى فستلقى ردا مناسباً. وفى نفس الوقت لا تزال تجد نفسها في جدال داخل المجتمع المسلم بشأن دور المرأة.
تعتقد أن هدفها الأسمى هو العمل بالمساجد حيث كانت المرأة باستمرار بمنأى عن هذا مع أن هناك الكثيرات اللواتي يمكن أن يقمن بذلك ولكن هذا كان محظور حيث ظل هذا الأمر مقصورا فقط على الرجال .
وكثيرا ما كانت تصاب بالإحباط بسبب بعض الاتجاهات داخل المجتمع الاسلامى بسبب مسائل تتعلق بالجنس أو العرق. وهى تعتقد أن الإسلام الحقيقي هو ما تطالب به هي ومجموعة نسائية تزداد أعدادها باستمرار.
إنها عضو فعال داخل المجتمع الإسلامي تتحدث باسم الإسلام في الكنائس والمدارس غير الإسلامية كما تعمل في مساعدة اللاجئين .
وعند ما أخبرناها بأنها فازت بلقب " مسلم هذا العام "وهى جائزة تقدر ب2000دولار توزعها في المؤسسات الخيرية, قبلت ذلك بشرط أن تنفق هذا المال فى أستراليا على منظمات إسلامية وغير إسلامية .
إن حياتها لم تكن دوما مستقرة ولكنها كما تقول إنها اعتادت على عدم الاستسلام, إنها لم تندم أبدا على التحول إلى الإسلام
المصدر:
http://www.theage.com.au/articles/2004/04/04/1081017035193.html?from=storyrhs

القلب الحزين
15-12-2013, 07:29 PM
قصة إسلام الحاخام يوسف خطاب



حاخام مستوطن يهودي في إحدى مستوطنات غزة حلم بإقامة إسرائيل الكبرى يعتنق الإسلام ويتحول إلى داعية إسلامي في أوساط اليهود في إسرائيل
كان الحاخام يوسف كوهين البالغ من العمر 34 عاماً من سكان مستوطنة في قطاع غزة سابقاًَ من أتباع "ساطمار" (تيار صوفي يهودي)، وقدم إلى إسرائيل قبل 4 سنوات من الولايات المتحدة الأمريكية، وأسر سريعاً بسحر حركة "شاس" المتدينة، لكن الأمر لم يدم طويلاً. فقد قرر يوسف كوهين الذي يدعى اليوم يوسف خطاب، أن يشهر إسلامه وجميع أفراد عائلته. وانتقل الخطاب للعيش في القدس الشرقية. وبدأت طريق يوسف كوهين الملتوية في حي بروكلين، حيث انضم هناك إلى أتباع "ساطمر". وتعرف على زوجته لونا كوهين عن طريق وسيطة، وتزوجا قبل 12 عاماً ولهم من الأبناء أربعة. وقرر كوهين القدوم إلى إسرائيل عام 1998، حيث وصل وعائلته مباشرة إلى قطاع غزة، إلى مستوطنة "غادير" في المجمع الاستيطاني "غوش قطيف" وهو يحمل أفكارا صهيونية لإقامة إسرائيل الكبرى، إلا أن الحياة في قطاع غزة لم تلائم ظروف العائلة حديثة العهد. وقررت العائلة في وقت لاحق الانتقال للسكن في "نتيفوت" الواقعة في جنوب إسرائيل. وتردد كوهين في تلك الفترة على عمله في الحي اليهودي في القدس القديمة، وبدأ هناك بإجراء أول اتصالاته مع مسلمين. وفي مرحلة معينة قام كوهين بمراسلة رجال دين مسلمين عبر الإنترنت، وبدأ في قراءة القرآن باللغة الإنجليزية. وقرر كوهين اجتياز جميع الحدود فأعلن إسلامه وغير اسمه ليصبح يوسف خطاب، وغيرت زوجته اسمها إلى قمر، وغيرت أسماء أولاده الذين يتعلمون اليوم في مدرسة إسلامية ويتحدثون اللغة العربية بطلاقة، وهو في مراحل متقدمة من تعلم اللغة العربية.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/4/Clip_3.jpg
صورة للحاخام يوسف كوهن قبل الإسلام
وانتقلت العائلة للسكن في حي جبل الطور في القدس الشرقية، وبدأ خطاب يعمل في جمعية إسلامية خيرية في المدينة.
هذا ولم يكتف خطاب بالانتقال إلى الإسلام بل ذهب مباشرة إلى أحضان التيار الإسلامي "السلفيون" وتحول إلى داعية إسلامي وأسس في القدس مركزاً للدعوة الإسلامية يقوم بنشاط واسع في أوساط اليهود حتى يعتنقوا الدين الإسلامي وفعلاً اعتنق العشرات من اليهود الدين الإسلامي بفضل نشاطاته في الدعوة الإسلامية . وبالنسبة لخطاب، فإن حركة حماس تمثل نهج الدين الإسلامي بالصورة الصحيحة، "ويؤكد أن التيار الذي ينتمي إليه يعارض العمليات التفجيرية. وتقوم السلطات الإسرائيلية منذ أن أعلن الخطاب عن إسلامه بتضييق الخناق عليه ورفضت الاعتراف به كمسلم حتى حصل مؤخراً بعد أن تعرض لمتاعب كبيرة على اعتراف وزارة الداخلية الإسرائيلية بتدخل حقوقي من مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية. وينتقد خطاب بشدة رجال حركة "شاس" التي كان من مؤيديها حتى الفترة الأخيرة. ويقول خطاب في هذا الصدد: "قدمت إلى البلاد بسبب الحاخام عوفاديا يوسيف (زعيم حزب شاس الروحي) وأسلمت بسببه. لقد كنت أكن التقدير للحاخام عوفاديا يوسيف، وقررت أن أسمي ابني على اسمه، إلا أنني غيرت اسمه لعبد الله بعدما أسلمت". ولا يحمل خطاب في جعبته أي كلمات إيجابية عن الإسرائيليين، أو عن رئيس الحكومة، أريئيل شارون. "المسلمون يعانون من الظلم في كل مكان، وشارون يضيف ظلماً على الظلم". وهو الحال بالنسبة للسلطة الفلسطينية التي لم تلق الإعجاب بنظر خطاب. وحول رؤيته للشرق الأوسط فيكتفي بإقامة دولة فلسطينية،"الهدف الأول هو إقامة دولة فلسطينية على أكبر مساحة ممكنة". وقبل وصوله قرر أن حزب (شاس) المتدين هو الأقرب إليه والى مفاهيمه. وحال وصوله انضم إلى الحزب وتعمق في العمل اليومي وحصل على شهادات تقدير لنشاطه. ولكنه شيئاً فشيئاً وصل إلى وضع قرر فيه: (لا أستطيع أن أتحمل أكثر. لا أريد أن أبقى يهودياً) وأضاف: (لم يأت هذه القرار بسرعة أو بشكل عفوي. فأنا كنت أقضي معظم وقتي في المراسلة وقراءة المواقع المختلفة في الإنترنت, وخلال ذلك تعرفت على شخص اسمه (زهادة) وتعمقت علاقتنا وبتنا نتناقش يومياً في مختلف القضايا عبر الإنترنت وكان للدين قسط كبير في محادثاتنا). منذ تلك اللحظة بدأ يوسيف كوهين التعرف على الدين الإسلامي, ويوماً بعد يوم رغب في التعمق أكثر حتى سيطر حب الاستطلاع عليه. (تركز حديثنا في البداية على فلسفة الحياة واهميتها وجمالها, والى أي مدى يؤثر الدين الإسلامي على الإنسان. بعد ذلك تعمقت العلاقة أكثر إلى أن أدركت أن زهادة شيخ من دولة الإمارات العربية في الخليج, وهو رجل متعمق بالدين). وقال له الشيخ زهادة انه سيتصل بشيوخ في القدس وبأنه يستطيع الوصول إليهم وهم بدورهم يشرحون له أكثر عن الدين الإسلامي ويكون التعامل أسهل من الإنترنت.وافق يوسف كوهين على هذا الاقتراح, وكان قد انجذب إلى الدين الإسلامي وبدأ يقتنع به, فتوجه إلى شيوخ القدس الذين نجحوا في إقناعه بترك اليهودية واعتناق الإسلام. لم يتردد يوسف, وأبلغ زوجته لونا قراره هذا, وكما قال لنا لم تعارضه بتاتاً بل انه وجد لديها الحماس نفسه لاعتناق الإسلام. وهكذا بدأ الاثنان في تعلم الدين الإسلامي والتعمق به إلى أن وصلا إلى قرار بالتوجه إلى المحكمة الشرعية في القدس وتسجيل العائلة كمسلمة.
الآن يعمل على إقامة مركز للدعوة الإسلامية في أوساط اليهود في القدس في السوق القديمة بالقرب من حائط البراق للاستعلام عن الإسلام وحتى الآن عدد الذين أسلموا عن طريقه بلغ العشرات لا يتجاوز العشرات
ويقول أنه يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم مذهب السنة والجماعة وهو يتبع مذهب الإمام احمد ابن حنبل وأنه تعلم الدين الإسلامي من فتاوى وكتب كل من الشيخ عثمان بن عبد العزيز بن الباز والشيخ ناصر الدين الألباني والشيخ منذر والشيخ قاسم الحكيم .
ولما سؤل عن أنه كان حاخام يهودي يعيش في مستوطنة بغزة وفجأة تحول الى داعية للإسلام ما هو السبب وراء ذلك؟
أجاب أنا عشت في مستوطنة غوش قطيف بغزة وأنا الآن من المغضوب عليهم عند إسرائيل لأنني أسلمت والذي جعلني ادخل في الدين الإسلامي هو التوحيد بالله سبحانه وتعالى.

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/6/Clip.jpg
صور ليوسف خطاب مع عائلته(زوجته وأولاده)
ولما سؤل أنت الآن كشخص مسلم ترتدي الزي الإسلامي أنت وعائلتك هل هذا الشيء يسبب لك مشاكل عندما تكون على حواجز أو عندما تتردد على أي مصلحة إسرائيلية الا يعتقدون بأنك عربي؟
-هم حينما يشاهدونني يتفاجئوا وحينما يعرفون أن اسمي يوسف كوهين يعتقدون بأنني عربي وقد سرقت هوية إسرائيلية وأتعرض للتوقيف ساعة أو ساعتين على الحاجز حتى لو كان هناك شخص من الضفة على الحاجز نفسه يتركونه وينتبهون لي لأنني ارتدي زي السنة ويعني سرقة هوية بالنسبة للحواجز العسكرية الإسرائيلية أنني في طريقي لتنفيذ عملية انتحارية. وفي إحدى المرات مرة تعرضت للاعتقال أنا وابني عبد الرحمن حيث اعتقلوني في مركز شرطة القدس وقاموا باعتقالي عند المسجد الأقصى وتم توقيفي لمدة 5 ساعات وكانوا خلال هذه الساعات يسألونني أسئلة في الإسلام حتى يتأكدوا بأنني مسلم وذلك حينما كنت أعيش في مستوطنة "نيتفوت" وتأكدوا بأنني مسلم حينما جعلوا ابني عبد الرحمن يصلي أمامهم وذلك لأنهم كانوا يشكون في إسلامي كما أنني تعرضت للاعتقال أكثر من مرة للاشتباه بأنني سرقت الهوية الإسرائيلية واعتقدوا بأنني انتحل شخصية يهودي لتنفيذ عملية عسكرية في إسرائيل.
يوسف كوهين وزوجته لونا وأطفالهما الأربعة : رحاميم شالوم (11سنة) حسيبة (9سنوات) عزرا (7سنوات) وعوفاديا (5سنوات) من الديانة اليهودية إلى الديانة الإسلامية. وأصبح يوسف كوهين وأفراد عائلته مواطنون يدينون بالإسلام وبالتالي باتوا يحملون أسماء عربية هي: يوسف محمد خطاب (الأب) قمر محمد خطاب (الام) عبد الرحمن (الابن الأكبر) حسيبة (احتفظت بنفس الاسم) عبد العزيز (بدل عزرا) وعبد الله (بدل عوفاديا). وكان قرار يوسف خطاب اعتناق الديانة الإسلامية وإشهار إسلامه هو وزوجته وأطفاله الأربعة آثار ضجة وزوبعة في المحافل الدينية الإسرائيلية خاصة في أوساط حركة (شاس) التي كان ينتمي إليها ومورست عليه ضغوط كبيرة لثنيه عن قراره إلا انه واجه هذه الضغوط بقوة ورفض الانصياع لها ثم اضطر للانتقال إلى السكن في القدس الشرقية المحتلة.
المصدر المقالة: نقلا ًعن جريدة دنيا الوطن الفلسطينية بتصرف
http://alwatanvoice.com/articles.php?go=articles&id=232
مصدر الصور:
http://www.khoshkan.com/karwan/04hakham.htm

القلب الحزين
15-12-2013, 07:31 PM
قصة إسلام مراد هوفمن
( 1 )


يقول هوفمان: لم تمر سوى ايام معدودات قبل ان اشهر اسلامي بنطق الشهادتين يوم 25 سبتمبر 1980، وليس من الامور الهينة ان يقدم المرء كشف حساب وتقييما لتطوره الفكري. لقد كتب هيرمان هسه في احدى رواياته القصيرة "نوفاله" Klein und Wagner عام 1919: "التحدث هو اضمن السبل لإساءة فهم كل شيء وجعله ضحلا ومجدبا". وكتب ايضا في روايته "لعبة الكرات البللورية" محذرا من صياغة معنى داخلي في كلمات، اذ يقول على لسان قائد الاوركسترا: "اظهر المهابة للمعنى، ولكن لا تظنه قابلا للتعلم". لقد فشل عظماء كثيرون في هذه المحاولة. فعمر القوي، ثاني الخلفاء، كان يضطهد المسلمين الى ان اعتنق الاسلام، ولا يمكن حقا فهم كيفية اقتناعه بالاسلام على نحو مفاجئ بعد ان قرأ سورة طه إثر مشاجرة مع اخته. ويستشهد هوفمان في هذا الصدد بقول ابي حامد الغزالي (القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلادي) في اعترافاته: "ان العقيدة لم تتغلغل في نفسه من خلال دليل واحد واضح بعينه، وانما من خلال عدد لا يحصى من اسباب الايمان، وخبرات ومواقف مصاحبة يمكن تعديد تفصيلاتها". ويقول اخيرا: ان عودته الى الاسلام كانت بفعل "نور القاه الله في صدره".
وفي كتابه الرائع "الطريق الى مكة"، يعرض لأمر هدايته الى الاسلام، اذ يصفه بما لو كانت "ضربة من السماء" قد اصابته. اما انا، فكنت لسنوات، بل لعقود، منجذبا الى الاسلام كالمغناطيس، لانني ألفت افكاره، كما لو كنت قد عايشته من قبل. لقد وجهتني على هذا الدرب ثلاثة احداث اساسية، ذات طبيعة انسانية، وجمالية فنية، وفلسفية، ويرتبط اول هذه الاحداث ارتباطا عجيبا بالجزائر. ففي عام 1960، امضيت شهرين في Chateau Neuf sur Loire لأتمكن من اجادة اللغة الفرنسية، استعدادا لامتحانات القبول بوزارة الخارجية، وهناك، كنت اقرأ يوميا تقارير الصحافة الفرنسية عن حرب الجزائر.
المسألة الجزائرية
وقال هوفمان: في اختبار القبول بوزارة الخارجية الألمانية، كان على كل متقدم ان يلقي محاضرة لمدة لا تتجاوز خمس دقائق في موضوع يحدد عشوائيا، ويكلف به قبلها بعشر دقائق. ولكم كانت دهشتي عندما تبين لي ان موضوع محاضرتي هو "المسألة الجزائرية". وكان مصدر دهشتي هو مدى علمي بهذا الموضوع، وليس جهلي به. وبعد شهور قليلة من الاختبار، وقبل ان اتوجه الى جنيف بوقت قصير، اخبرني رئيس التدريب، عندما التقينا مصادفة اثناء تناولنا للطعام، ان وجهتي قد تغيرت الى الجزائر. في اثناء عملي بالجزائر في عامي 61/1962، عايشت فترة من حرب استمرت ثماني سنوات بين قوات الاحتلال الفرنسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، وانضم اثناء فترة وجودي هناك طرف ثالث هو "منظمة الجيش السري"، وهي منظمة ارهابية فرنسية، تضم مستوطنين وجنودا متمردين. ولم يكن يوم يمر دون ان يسقط عدد غير قليل من القتلى في شوارع الجزائر. وغالبا ما كانوا يقتلون رميا بالرصاص على مؤخرة الرأس من مسافة قريبة. ولم يكن لذلك من سبب، الا كونهم عربا، او لأنهم مع استقلال الجزائر. وكنت عند سماعي صوت سلاح آلي، اتصل تليفونيا بزوجتي الاميركية لتسرع الى شراء ما تحتاج اليه، لان الهجوم التالي في المنطقة نفسها لا يتوقع حدوثه قبل عشرين دقيقة.
وكانت انبل مهماتي هي اعادة افراد الفرقة الاجنبية من الالمان الفارين الى الوطن بمعاونة من السلطات الفرنسية. وكان عدد هؤلاء الرومانسيين المساكين غير قليل، منذ فر قائد قوات المظلات في العام السابق. وكم كان الموت يجذبهم! وكانت منظمة الجيش السري قد جندت عددا منهم ضمن قوات خاصة (كوماندوز). ومن ثم وجدوا انفسهم بين نارين. كما أن فرص نجاتهم من الموت كانت ضئيلة جدا. وكنت، بصفتي ممثلا للقنصلية العامة الالمانية، اضع الزهور على قبور الكثير منهم. كنت، وأنا ابحث عن ألمان بين الجرحى في المستشفيات، احمل سلاحي معدا للاستخدام. وكنت ادقق النظر في وجه من يقابلني، بل وفي يديه. وعندما كانت القامات تتقابل، كان كل شخص يبتعد عن الآخر عائدا الى الخلف، طلبا للامان، وفي بعض الاحيان كانت زوجتي المذعورة تصر على حماية ظهري، فكانت تسير خلفي على مسافة عدة خطوات حاملة في كم ثوبها سكينا حادة.
ويسترجع هوفمان بعض الذكريات قائلا: "وما يزال بعض ذكريات تلك الايام يثير كآبة في نفسي حتى الآن. فعندما كنت في طريقي الى مقر اذاعة فرنسا 5، حيث كان من المقرر ان القي، تنفيذا لتكليف من القنصل العام، محاضرة عن "وضع الرقص المسرحي" في المانيا، تعطلت مضخة البنزين في سيارتي الفولكس فاجن من طراز "الخنفسة" في شارع ايزلي الضيق، كثير المنحنيات. وسرعان ما اصطفت السيارات خلف سيارتي، مطلقة اصوات النفير، وفي تلك الاثناء، كان امامي رجل يعبر الشارع، واطلق عليه شخص الرصاص من الرصيف المقابل، فسقط جريحا امام رفرف سيارتي الايسر، واذا بالمهاجم يشير لي بسلاحه آمرا ان اواصل سيري، كي اخلي ساحة اطلاق الرصاص. ولم اكن ارغب في ذلك، بل ولم اكن استطيعه ايضا، واخيرا، تقدم الشخص الذي يحمل السلاح من الرجل المصاب واطلق عليه رصاصة اخرى اردته قتيلا، ثم اختفى في زحام البشر في تؤدة وعلى مهل. ولقد استأت كثيرا ايضا، عندما رأيت مضطرا اعضاء منظمة الجيش السري، وهم يشعلون النار في سيارات شحنوها سلفا ببراميل من الوقود، ويدفعونها من فوق منحدر الى حي يسكنه العرب. ولا بد للمرء من ان يتوقع ان يكون على قائمة القتلى، اذا ما اصبح شاهدا غير مرغوب فيه. وكان حلاقي في الابيار يدرك ذلك جيدا، فحين هاجمت قوات "منظمة الجيش السري" مكتب التلغراف المقابل لمحله في شارع جاليني، ادار مقعده حتى لا يكون شاهدا على ما يجري. ولم يكن تصرفه اقل غرابة من تصرف احد افراد الشرطة الذي عرض عليّ في مايو (ايار) عام 1962 ان يحرس سيارتي، بينما كانت النيران مشتعلة خلف ظهره في مكتبه بالابيار.
عندما توصل الرئيس الفرنسي شارل ديجول، في ايفيان في مارس (اذار) عام 1962، الى اتفاق مع الحكومة المؤقتة لجبهة التحرير الوطني الجزائري على وقف اطلاق النار في يوليو (تموز) التالي، صعدت منظمة الجيش السري من اعمالها الارهابية، بهدف استفزاز الجزائريين لخرق الاتفاق، فبدأ افرادها في تصفية النشء الاكاديمي الجزائري، وراحوا يقتلون، رميا بالرصاص، النساء اللاتي يرتدين الحجاب. وقبل تحقيق الاستقلال بأيام قلائل، اطلقوا الرصاص على آخر بائع جزائري جائل في الابيار، فأردوه قتيلا امام مكتبي مباشرة. وكان هذا البائع قد عاش ينادي على اسماكه منذ عقود طويلة، دون ان يلحق اذى بأي انسان كائنا من كان. وفي الشارع الذي كنت اقطنه، كان جيراني من الفرنسيين يلقون من النوافذ على المنتصرين بكل ما لا يبخلون به. وكانت الثلاجات التي يلقون بها تسقط على اكوام من القمامة التي لم تزل منذ اسابيع، وهو ما كان من حسن حظ الفئران.
الاحتكاك عن قرب بالإسلام
شكلت هذه الوقائع الحزينة خلفية اول احتكاك لي عن قرب بالاسلام المعيش. ولقد لاحظت مدى تحمل الجزائريين لآلامهم، والتزامهم الشديد في رمضان، ويقينهم بأنهم سينتصرون، وسلوكهم الانساني، وسط ما يعانون من آلام. وكنت ادرك ان لدينهم دورا في كل هذا. ولقد ادركت انسانيتهم في اصدق صورها، حينما تعرضت زوجتي للاجهاض تحت تأثير "الاحداث" الجارية آنذاك. فلقد بدأت تنزف عند منتصف الليل، ولم يكن باستطاعة سيارة الاسعاف ان تحضر الينا قبل الساعة السادسة صباحا، بسبب فرض حظر التجول، وبسبب شعار "القتل دون سابق انذار" المرفوع آنذاك. وحينما حانت الساعة السادسة، ادركت وانا اطل من نافذة مسكني في الطابق الرابع، ان سيارة الاسعاف لا تستطيع العثور علينا، لان منظمة الجيش السري كانت قد غيرت في تلك الليلة اسماء كل شوارع الحي الذي اقطنه، بحيث اصبحت كلها تحمل اسماء مثل شارع "سالان" وشارع "يهود" وشارع "منظمة الجيش السري".
بعد تأخير طال كثيرا، كنا في طريقنا متجهين الى عيادة الدكتور شمعون (قبل ان تنسفها منظمة الجيش السري بوقت قصير)، حيث صادفنا حاجزا اقامته الجمعية الجمهورية للامن، وعلى الرغم من صفير البوق الذي كان السائق يطلقه، فانه لم يكن باستطاعته ان يشق طريقه الا ببطء شديد، وكانت زوجتي تعتقد، في تلك الاثناء، انها ستفقد وعيها. ولذا، وتحسبا للطوارئ، راحت تخبرني ان فصيلة دمها هي O ذات RH سالب. وكان السائق الجزائري يسمع حديثها، فعرض ان يتبرع لها ببعض من دمه الذي هو من نفس فصيلة دمها. ها هو ذا العربي المسلم يتبرع بدمه، في اتون الحرب، لينقذ اجنبية على غير دينه. لكي اعرف كيف يفكر ويتصرف هؤلاء السكان الاصليون المثيرون للدهشة، بدأت اقرأ "كتابهم".. القرآن في ترجمته الفرنسية لـPesle/Tidjani. ولم اتوقف عن قراءته منذ ذلك الحين، حتى الآن، وحتى تلك اللحظة، لم اكن قد تعرفت على القرآن الا من خلال النوافذ المفتوحة لكتاتيب تحفيظ القرآن في ميزاب جنوب الجزائر، حيث يحفظه اطفال البربر، ويتلونه في لغة غريبة عنهم، وهو ما دهشت له كثيرا. وفي ما بعد ادركت ان حفظ وتلاوة القرآن، باعتباره رسالة الله المباشرة، فرض تحت الظروف كافة. ولقد ازعجني رد الفعل الغاضب من جانب احد الجزائريين، عندما حدثته في بار فندق ترانس ميدترانيان في غرداية، عن قراءتي للقرآن، اذ استنكر في صراحة لا ينقصها الوضوح، وجود ترجمات له. واعتبر محاولة ترجمة كلام الله الى لغة اخرى بمثابة تجديف. ولم استغرق وقتا طويلا قبل ان استوعب رد فعله. فاللغة العربية تشتمل على مفردات لا تدل على وقت محدد بعينه. فالمفردات التي تشير الى مستقبل مؤكد يمكن ان تدل على امر حدث في الماضي ايضا. ناهيك عن ان اللغة العربية تتضمن بعض ما يمكن للعربي ان يفهمه تلميحا. وبغض النظر عن ذلك، فهناك المشكلة المعتادة التي تكمن في ان الكلمات التي تعبر عن ذات المعنى في لغتين لا تتطابق في ما يختص بتداعي الخواطر الا نادرا. ومن ثم، فان كل ترجمة للقرآن ان هي الا تفسير يفقر المعنى ويجرده من مضمونه. وهكذا كان الرجل في البار على حق.
لم تشأ هذه الجزائر، التي ادين لها بالكثير، ان تتركني لحالي، وانما تبعتني كالقدر. فعندما اصبحت سويسرا ترعى مصالحنا في الجزائر، في عام 1966، كان عليّ ان اعمل من السفارة الالمانية في برن على استمرار الاتصال مع من تبقى من بعثتنا الدبلوماسية في الجزائر، من خلال القسم السياسي في السفارة السويسرية. وكان البريد المرسل من بون الى الجزائر، يمر من خلالي اسبوعيا. وبعد 25 عاما من عملي بالجزائر لأول مرة، عدت اليها سفيرا في عام 1987. ومنذ اعتمدت سفيرا في المغرب، المجاور للجزائر، في عام 1990، يندر ان تفارق مخيلتي صورة الجزائر التي ما تزال تعاني آلاما مأساوية، فهل يمكن ان يكون ذلك كله محض مصادفة؟!
الفن الإسلامي
وقال هوفمان: هدتني الى الاسلام ايضا، تجربة مهمة، ذات طبيعة جمالية متصلة بالفن الاسلامي، ولهذه التجربة، قصة تتلخص في انني "مولع بالجمال"، وكنت منذ صباي معجبا بالجانب الشكلي للجمال، وارغب الغوص في اعماقه حتى عندما كانت حماتي الاميركية تقول ـ استنادا الى المنهج البيوريتاني ـ ان الجمال مجرد امر سطحي، وانه ليس الا خداعا على السطح. عندما تلقيت في عام 1951 الدفعة الاولى من منحة التفوق، التي تمنحها وزارة الثقافة في بافاريا "للموهبين جدا"، دفعتها بأكملها ثمنا لشراء نسخة مطبوعة على قطعة من الجوت من لوحة بول جوجان: "الفتاة وثمار المانجو". وبما انني لم اكن ممن يقطنون حي Maximilianeum الواقع على اليمين من نهر ايزار Isar، وانما كنت اقيم في المستوطنات السكنية للثوريين الديمقراطيين، عند ميدان ماسمان، حيث يتقاسم العمال والطلبة غرفها، فقد نقلت لوحة جوجان التي اشتريتها الى مسكني هناك، ورحت احللها، ولم ألبث ان اقتنعت بأن الفن الساكن (غير المتحرك)
ـ الرسم والنحت والعمارة والخط والاعمال الفنية الصغيرة ـ مدين بالفضل في تأثيره الجمالي للحركة المجمدة، ومن ثم، فانه مشتق من الرقص. ولذلك، يزداد احساسنا بجمال الفن التشكيلي كلما ازدادت قدرته على الايحاء بالحركة. وهذا هو ما يفسر انبهاري الشديد بالرقص الذي دفعني الى مشاهدة عروض الباليه كافة في مسرح برينزرجنتن في ميونخ. ومنذ ذلك الحين ازداد اهتمامي بالرقص، واتسع ليشمل كل ما يتصل به. وكنت اقضي كل ساعة فراغ بين مواعيد المحكمة في صالات عروض الباليه، بالقرب من قصر العدل. وحصلت على تمارين للباليه، لكي اتعلم ـ ولو على نحو متخلف ـ رقص الباليه الكلاسيكي، حتى اعرف ماهية ما اكتب عنه. ويعتمد هذا الفن اللطيف، في نهاية الامر، على جهد بدني خارق، وهكذا تعلمت ان اميز، على سبيل المثال، بين الحركات المختلفة واساليب ادائها.
كان اكثر ما يروق لي هو مدرسة لونافون زاخنوفسكي الروسية، التي تعيش في المنفى، ولقد تربت في هذه المدرسة تلميذات نجيبات مثل انجيلا البريشت، ومنها تكونت في منتصف الخمسينات فرقة "باليه زاخنوفسكي"، التي قدمنا بواسطتها عروضا راقية في ميونخ وفي مدن اخرى في بافاريا. وكنت مسؤولا عن التعاقدات، والدعاية والاضاءة، ووحدة الماكياج. وفي عام 1955، أسست في ميونخ بالاشتراك مع كارل فيكتور برينتس تسوفيد، جماعة اصدقاء الباليه، وتوليت معه باب نقد الرقص في صحيفة ميونخ المسائية.
كانت المراحل التالية في حياتي هي بايجاز: العمل في ما بين عامي 1954 و1980 ناقدا متخصصا للباليه في صحف في المانيا وبريطانيا واميركا، والعمل محاضرا لمادتي تاريخ وعلم جمال الباليه بمعهد كولونيا للباليه في ما بين عامي 1971 و1973، وتقدمت بمذكرات الى وزير الثقافة الألماني حول تأسيس باليه قومي الماني. ولم يكن بعض معارفي يعلم ان القانون والدبلوماسية هما مهنتي الاساسية، وليس الباليه. وكان الكتاب الاثير حقا عندي، هو كتاب جيلبرت وكونز عن تاريخ علم الجمال كعلم فلسفي. وكعاشق للباليه، ذلك الفن المجرد الذي يجسد الموسيقى، كنت في الواقع ابحث عن الاسباب التي ترغمنا على الاحساس بجمال اشياء او حركات بعينها. ولهذا السبب، كنت اقبع لأسابيع طويلة في احدى الغابات البافارية باحثا في اسس علم جمال الحركة. وهناك تبين لي اننا كبشر لا نملك الا ان نحس جمال الجسد البشري الصحيح وما يتطابق مع مقاييسه. وهو ما ينطبق ايضا علينا كمحللين بصريين لما تفرزه الطبيعة من صور وانواع. يضاف الى ذلك اننا نقرأ الصور في ذات الاتجاه الذي نكتب فيه. وتبين لي اخيرا ان الحركات تستحوذ على انتباهنا بسبب ما يمكن ان تنطوي عليه من مخاطر. وتبين لي آخرا اننا نعجب بحركات الطرد المركزي، لاننا نستطيع ان نتخيلها ممتدة في ما لا نهاية. عبر هذا الطريق، صار الفن الاسلامي بالنسبة لي تجربة مهمة ذات قيمة عالية ومثيرة، ألا يماثل في سكونه تماما ما اسعدني في حركات الباليه، التجريدية: القدرة الانسانية، والحركة الداخلية، والامتداد في ما لا نهاية؟ وذلك كله في اطار الروحانية التي يتسم بها الاسلام.
وألهمتني اعمال معمارية، مثل الحمراء في غرناطة والمسجد الكبير في قرطبة، اليقين بأنها افراز حضارة راقية رفيعة. واستوعبت جيدا ما كتبه راينر ماريا ريلكا بعد زيارته لكاتدرائية قرطبة، اذ كتب: "... تملكني منذ زيارة قرطبة عداء وحشي للمسيحية، انني اقرأ القرآن وهو يتجسد لي صوتا يستوعبني بقوة طاغية، واندفع بداخله كما تندفع الريح في الارغن". وصار الفن الاسلامي لي وطنا جماليا، مثلما كان الباليه الكلاسيكي من قبل، واصبحت ارى الاعمال الفنية للعصور: الاغريقي والروماني والقوطي، ولعصر النهضة والروكوكو مثيرة، وعريقة، واصيلة، بل وعبقرية، ولكنها لا تنفذ الى داخلي، ولا تحرك عواطفي ولا مشاعري.

هوفمان يدعو المسلمين إلى إدراك قوة جاذبية الفن الإسلامي
المفكر الألماني: وضعت الديانة الكاثوليكية لدرايتي التامة بها محل تساؤلات وشكوك
أدرك المفكر الالماني الدكتور مراد هوفمان ان للدين الاسلامي جاذبية خاصة ما ان يبدأ الشخص في دراسة الاسلام حتى يندفع الى الايمان بمبادئه وقيمه التي تعمل على اصلاح المجتمعات الانسانية. ويدرك تماما ان هذا الدين الرباني مصلح لكل زمان ومكان.
وروى لي الدكتور هوفمان عندما التقيته في مدينة شيكاغو الاميركية في اغسطس (آب) الماضي جوانب مهمة في قصة اسلامه، مشيرا الى ضرورة الرجوع الى كتابه "الطريق الى مكة" الذي لخص فيه مسيرة رحلته الايمانية الى الاسلام.
وقال لي هوفمان انه يحرص حرصا شديدا على حضور الملتقيات الاسلامية باعتبارها مدخلا مهما في تقارب المسلمين ومن ثم تفاعلهم وانفعالهم بهذا الدين. وكذلك ضرورة مشاركة المفكرين الاسلاميين في الملتقيات الفكرية الغربية لتصحيح صورة الاسلام المشوه عند هؤلاء الغربيين وابراز الاسلام بصورته السمحة التي تؤكد دوره الاصلاحي للمجتمعات الانسانية كافة.


يتبـــــــــــــــع

القلب الحزين
15-12-2013, 07:33 PM
يتبـــــع الموضوع السابق ( 2 )
قصة إسلام مراد هوفمن

يتابع هوفمان حديثه عن جاذبية الاسلام: "انني ادرك قوة جاذبية فن هذا الدين الآن افضل من ذي قبل، حيث انني محاط في المنزل الآن بفن تجريدي، ومن ثم بفن اسلامي فقط. وادركها ايضا عندما يستمر تاريخ الفن الغربي عاجزا عن مجرد تعريف الفن الاسلامي. ويبدو ان سره يكمن في حضور الاسلام في حميمية شديدة في كل مظاهر هذا الفن، كما في الخط، والارابيسك، ونقوش السجاد، وعمارة المساجد والمنازل والمدن. انني افكر كثيرا في اسرار اضاءة المساجد وفي بنائها الديمقراطي، وفي بناء القصور الاسلامية، الذي يوحي بحركة متجهة الى الداخل، بحدائقها الموحية بالجنة بظلالها الوارفة وينابيعها ومجاريها المائية، وفي الهيكل الاجتماعي ـ الوظيفي المبهر للمدن الاسلامية القديمة (المدينة) الذي يهتم بالمعيشة المتجاورة تماما كما يهتم بابراز موقع السوق وبالمواءمة او التكيف لدرجات الحرارة وللرياح، وبدمج المسجد والتكية والمدرسة والسبيل في منطقة السوق ومنطقة السكن. وان من يعرف واحدا من هذه الاسواق ـ وليكن في دمشق، او اسطنبول او القاهرة او تونس او فاس ـ يعرف الجميع، فهي جميعا، كبرت ام صغرت، منظمات اسلامية من ذات الطراز الوظيفي. فما اكثر ما تجولت في سوق مدينة سالي المؤاخية للرباط لكي استعيد حيويتي. انه ذروة مجتمعية حيوية يجد فيها كل انسان مكانا له، شيخا كان ام شابا، صحيحا كان ام مريضاً، فقيرا ام غنيا، ابيض ام اسود، ولا يوجد به عجلة، ولا ازمة ضيق وقت، ولا مبالغة في تقييم الذات، ولا خمور ولا وسائل نقل ثقيل، ولا سياج ولا ابتزاز، وحيث الجميع سواسية، وكل عملية شراء ترتبط بـ"دردشة"، وحيث تغلق الحوانيت ابوابها وقت الصلاة.
كان ما احسست منذ البداية انه اسلامي وباعث على السعادة هو في واقع الامر التأثير الناضج للتناغم الاسلامي، وللاحساس بالحياة والمكان الاسلاميين على العقل والروح. وهذا ما احسست به في متحف جولبينكيان الاسلامي في لشبونة، مثلما احسست به في المسجد الاموي بدمشق، وفي مسجد ابن طولون بالقاهرة، وفي مسجد القيروان القديم او المسجد السليمي في درنة. وقبل ان يقودني الدرب الفلسفي الى الاسلام، الذي قادني بدوره الى تجربة اساسية ثالثة في حياتي، كنت قد حصلت، وانا بعد في سن المراهقة في مدينة اشفنبرج، على قسط وافر من التعليم الجيزويتي، من خلال عضويتي لجمعية Congregatio Mariana وهي المقابل لحركة "المانيا الجديدة" المتمركزة في الشمال.
ويعود ارتباطنا، بل تعلقنا الرومانسي، بهذه المنظمة الى فترة حكم النازي، وذلك لان الجستابو لم يتمكن من الكشف عنها عندما كانت تقاوم هذا الحكم سرا. ولم يكن حتى ابي المشتت الفكر يعلم بعضويتي لهذه المنظمة. وكنا نجتمع اسبوعيا مع احد القساوسة الجيزويت في احدى المقابر، في ظل اجراءات امنية مشددة. فكان كل فرد منا لا يعرف سوى افراد مجموعته فحسب. ولكننا تمكنا بمرور الوقت من استقطاب افضل عناصر تلاميذ المدارس الثانوية. وقطعنا بذلك الطريق على منظمة "شبيبة هتلر"، اي اننا منعنا هذه العناصر الجيدة من ان تنضم الى منظمات الشباب التابعة للحكم النازي، ولقد ادهشنا ان عدد افراد المنظمة بلغ عند انتهاء الحرب 80 فردا. بعد ان انقضت الحرب، عدنا الى الاستمتاع بحياة واساليب منظمات الشباب التي كانت سائدة في عشرينات هذا القرن.
ونظرا لما سبق ذكره، فقد كنت على دراية تامة بالديانة الكاثوليكية، وبأدق شؤونها من الداخل، ولكنني في الوقت ذاته، كنت قد بدأت اضع هذه الديانة محل تساؤلات وشكوك. كنت انا وCarl Jacob Burckherdt نتساءل دوما عما اذا كان من الصواب ان يكون عالم اللاهوت ودارس الاديان مسيحيي الديانة. وبالرغم من اعجابي بفلسفة Ludwig Wittgenstein فاني كنت على يقين تام من عدم وجود دليل ينفي وجود الله. وكنت شديد التمسك بالرأي القائل بأن عدم وجود الله غير مؤكد بشكل قاطع، وان الاعتقاد بوجود الله او نفي وجوده يظل مسألة تحسمها العقيدة ويقين الفرد. ولقد حسمت هذا باعتقادي في وجود الله. وبعد ذلك، ثار سؤال عن ماهية الاتصال بين الله الانسان. ولقد كنت شديد الاقتناع بامكانية، بل قل بضرورة، تدخل الله وتسييره لمجريات الامور. ويرتكز اقتناعي هذا على دراستي ودرايتي بتاريخ الانسانية والعلوم والحق، التي استنتجت من خلالها ان مجرد مراقبة الطبيعة وتتبعها فقط لن يقودنا الى ادراك حقيقة علاقتنا ببيئتنا وبالله. الا يشهد تاريخ العلوم على حقيقة مفادها ان الحقائق العلمية يغير بعضها بعضا بسرعة شديدة؟! كنت بهذه الخطوة قد حسمت يقيني بامكانية، بل بضرورة، الوحي والدين، ولكن اي دين؟ واي عقيدة؟ هل هي اليهودية، او المسيحية او الاسلام.
وجاءتني الاجابة من خلال تجربتي الثالثة التي تتلخص في قراءتي المتكررة للآية 38 من سورة النجم: "لا تزر وازرة وزر اخرى"، ولا بد من ان تصيب هذه الآية بصدمة شديدة كل من يأخذ مبدأ حب الآخر الوارد في المسيحية مأخذ الجد، لانه يدعو في ظاهر الامر الى النقيض. ولكن هذه الآية لا تعبر عن مبدأ اخلاقي، وانما تتضمن مقولتين دينيتين تمثلان اساسا وجوهرا لفكر ديني، هما:
1 ـ انها تنفي وتنكر وراثة الخطيئة.
2 ـ انها تستبعد، بل وتلغي تماما، امكانية تدخل فرد بين الانسان وربه، وتحمل الوزر عنه.
3 ـ والمقولة الثانية هذه تهدد، بل وتنسف مكانة القساوسة وتحرمهم من نفوذهم وسلطانهم الذي يرتكز على وساطتهم بين الانسان وربه وتطهيرهم الناس من ذنوبهم. والمسلم بذلك هو المؤمن المتحرر من جميع قيود واشكال السلطة الدينية.
اما نفي وراثة الخطيئة وذنوب البشر، فقد شكل لي اهمية قصوى، لانه يفرغ التعاليم المسيحية من عدة عناصر جوهرية، مثل: ضرورة الخلاص، التجسيد، الثالوث، والموت على سبيل التضحية. وبدا لي ان تصور فشل الله في خلقه، وعدم قدرته على تغيير ذلك الا بانجاب ابن والتضحية به ـ اي ان الله يتعذب من اجل الانسانية ـ امر فظيع ومروع، بل وتجديف واهانة بالغة. وبدت لي المسيحية وكأنها تعود لترتكز في اصولها على اساطير متنوعة ومتعددة. وتبين لي جليا الدور الخطير والشرير الذي لعبه بولس الرسول. لقد قام بولس، والذي لم يعرف المسيح ابدا ولم يصاحبه في حياته، بتغيير بل وبتزوير التعاليم اليهودية ـ المسيحية التي صاغها برنابه وترى في المسيح احد رسل الله وانبيائه. وتيقنت ان المجلس الملي، الذي انعقد في نيقيا (عام 325)، قد ضل طريقه تماما، وحاد عن الصواب وتعليمات المسيحية الاصلية، عندما اعلن ان المسيح هو الله، واليوم، اي بعد مرور ما يزيد على ستة عشر قرنا، يحاول تصحيح هذا الخطأ بعض علماء اللاهوت الذين يتمتعون بجرأة شديدة.
ومجمل القول انني بدأت انظر الى الاسلام كما هو، بوصفه العقيدة الاساسية الحقة التي لم تتعرض لأي تشويه او تزوير.. عقيدة تؤمن بالله الواحد الاحد الذي "لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" (سورة الاخلاص). رأيت فيه عقيدة التوحيد الاولى، التي لم تتعرض لما في اليهودية والمسيحية من انحراف، بل ومن اختلاف عن هذه العقيدة الاولى، عقيدة لا ترى ان معتنقيها هم شعب الله المختار، كما انها لا تؤله احد انبياء اليهود. لقد وجدت في الاسلام اصفى وأبسط تصور لله، تصور تقدمي، ولقد بدت لي مقولات القرآن الجوهرية ومبادئه ودعوته الاخلاقية منطقية جدا حتى انه لم تعد تساورني ادنى شكوك في نبوة محمد. ولقد سمعت مرارا قبل اعتناقي الاسلام مقولة ان التحول من دين الى دين آخر ليس له اي اهمية، حيث ان الاديان كلها تؤمن في آخر الامر بإله واحد، وتدعو الى الاخلاقيات والقيم ذاتها، وان السلوكيات والاخلاق الحميدة، بالاضافة الى الايمان بالله في قلب الانسان، وان يتوجه الانسان الى الله سرا، لأهم من الصلاة خمسا، ومن صوم رمضان وأداء فريضة الحج، كم من مرة اضطررت الى الاستماع الى هذه المقولات من مسلمين اتراك تخلوا عن عقيدتهم دون ان يدركوا ذلك.
ان إلها خاصا سريا ليس بإله، وكل هذه الحجج والمقولات تبدو واهية، اذا ما تيقنت ان الله يتحدث الينا في قرآنه. ومن يدرك هذه الحقيقة لا يجد مفرا من ان يكون مسلما بأعمق معاني هذه الكلمة.
الصلاة المفروضة
ويذهب هوفمان الى انه ربما يمكن القول: انني كنت قريبا من الاسلام بأفكاري قبل ان اشهر اسلامي في عام 1980، بنطق الشهادتين متطهرا كم ينبغي، وان لم اكن مهتما حتى ذلك الحين بواجباته ونواهيه فيما يختص بالحياة العملية. لقد كنت مسلما من الناحية الفكرية او الذهنية، ولكني لم اكن كذلك بعد من الناحية العملية. وهذا على وجه اليقين ما يتحتم ان يتغير الآن جذريا. فلا ينبغي ان اكون مسلما في تفكيري فقط، وانما لا بد ان اصير مسلما ايضا في سلوكياتي.
اذا كان الدين يعني رباطا يربط الانسان بربه، واذا كان الاسلام يعني ان يهب المسلم نفسه لله، فقد كانت اهم واجباتي، كمسلم حديث عهد بالاسلام، في الخمسينات من العمر، ان اتعلم صلاة الاسلام. وليس من الضروري ان يكون المرء خبيرا في الحاسب الآلي ليدرك ان الامر هنا يتعلق بمسألة اتصال.. ما اصلح فنون الاتصال للاتصال به؟
ومن المؤكد، على اي حال، انه لا شيء يعرض اسلام المرء للخطر اكثر من انقطاع صلته بربه. من ثم يصبح التسبيح بحمد الله هو العنصر المحوري في حياة كل من يعي ويدرك معنى ما يقوله، عندما يقول انه يؤمن بالله. وبناء على ذلك، فان من لا يصلي ليس بمؤمن من وجهة نظري. فمن يؤكد لامرأة غائبة حبه لها، دون ان تكون لديه رغبة في التحدث اليها تليفونيا او في الكتابة اليها، ودون ان يلقي نظرة واحدة على صورتها طوال اليوم، ليس محبا لها في حقيقة الامر. وهذا ما ينطبق تماما على الصلاة. فمن يعي ويدرك حقا المعنى الحقيقي لوجود الله، ستكون لديه بالضرورة رغبة في التأمل وفي التوجه الى الله كثيرا. وبذلك فقط، يصير ما يردده المسلم كثيرا وهو يقرأ سورة الفاتحة "إياك نعبد وإياك نستعين" حقيقة واقعة. وكنت حتى تلك اللحظات اجهل ما يجب فعله واتباعه في الصلاة. ناهيك عن قدرتي على الحفظ والتلاوة باللغة العربية، ومن ثم كانت اولى اولوياتي آنذاك هي التغلب على هذا النقص. وقبل ان امعن في دراسة مقدمة مصورة باللغة الالمانية للصلاة الاسلامية، تحظى بأكبر قدر من الثقة، طلبت من صديق تركي ان يعلمني الوضوء وكيفية الوقوف في الصلاة، والركوع والسجود، والجلوس على الارض مستنداعلى القدم اليسرى، ورفع الذراعين، واتجاه النظر، ومتى يقرأ المرء جهرا، ومتى يقرأ سرا مع تحريك الشفتين في القراءة، وكيف يقف المرء موقفا صحيحا خلف الامام، وكيف يتصرف المرء عندما يأتي متأخرا الى المسجد، وكيف يتحرك داخل المسجد، انه علم كامل! وفي الحقيقة، فانه من الخطر ان يتصرف المسلم كمسلم دون ان يكون كذلك.
وتبدأ الصلاة الاسلامية، وان بدا ذلك امرا غريبا، في الحمام او عند مصدر المياه في الفناء الامامي للمسجد بالوضوء. وينبغي تعلم ذلك بحسب تتابعه وتسلسله، وكيف يغسل المرء اليدين، وكيف يمسح الرأس، وكيف يتأكد من غسل الكعبين، كل شيء وضع وحدد على نحو دقيق تماما. وحينما ينوي المرء الصلاة ويرفع اليدين الى الرأس مكبرا مفتتحا الصلاة، فانه ينفصل تماما عن مشاغل حياته اليومية، مما يؤكد قدسية الصلاة بالنسبة له.
لا يمثل الوضوء مشكلة في البلدان الحارة، حيث تؤدي الحرارة المرتفعة الى سرعة الجفاف. وفي حالة عدم توفر الماء فانه يكفي تنظيف اليدين بالرمل على سبيل الرمز (التيمم)، ولقد تعرضت لمثل هذا الموقف، حينما غاصت السيارة التي يقودها سائقنا الخبير بالصحارى في السابع من شهر ديسمبر عام 1993، اثناء رحلة في منطقة ليوا الغنية بالنفط في الامارات العربية المتحدة، حيث تبدو الرمال صالحة تماما للتيمم. اما في مناطقنا الباردة، فليس من المريح حقا، في حالة عدم وجود مناشف، ان يضطر المرء الى ارتداء جواربه وقدماه مبتلتان. وتبين لي ان تعلم كيفية اداء الصلاة ايسر كثيرا مما كنت اتوقع، لان الصلاة تتكون من وحدات ثابتة تسمى "ركعة" فالركعات هي وحدات الصلاة.
وينبغي ان يتعلم المرء ايضا عدد الركعات في كل من الصلوات الخمس: الصبح، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وان يعرف مواقيتها، وما ينبغي على المسافر ان يراعيه من احكام الصلاة.
وتعلمت اخيرا كيفية الوقوف في صلاة الجماعة، حيث ينبغي ان يصطف المسلمون في صف مستقيم تتلاصق فيه الاقدام وتسد الفرج. وهذا التلاصق يرمز بالنسبة لي اكثر من مجرد ضم صفوف. انه يرمز الى التضامن على نحو يؤثر فيّ مجددا كل مرة. ويتجدد هذا التضامن في نهاية كل صلاة مع تحية "السلام عليكم" التي ينطقها المصلي وهو يلتفت يمينا ثم يسارا، وبعد ذلك يمسح وجهه بكلتا يديه اعلانا عن انتهاء الصلاة، وبعدها يمد يديه الى جاره في الصلاة مصافحا ومتمنيا ان يتقبل الله صلاته "تقبل الله صلاتك".
وروى لي عبد الوهاب عبادة، السكرتير العام لوزارة الخارجية الجزائرية، انه غير هذه التحية مرة عندما كان طفلا. فلقد بدا له انه من الاقرب الى المنطق ان يقول "السلام عليك". وكانت نتيجة ذلك انه تلقى على وجهه صفعة من والده الذي علمه ان المسلم يقول دائما: "السلام عليكم" لان تحيته تشمل جميع المخلوقات المرئية وغير المرئية، تشمل الملائكة وتشمل الصراصير.
من الاهمية بمكان ان يعرف كيف يحدد موضع صلاته، بحيث يضع نظارته وحافظة اوراقه على مسافة نحو 90 سنتيمترا امامه. فلن ينتهك احد موضع صلاة احد آخر، ولن يمر احد من امام احد المصلين مباشرة، وانني لأتذكر انني هممت بمغادرة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، بعد ان انتهيت من الصلاة، يوم 26 من ديسمبر (كانون الاول) عام 1982، وعندما بلغت الباب الرئيسي، كانت حركة السير بطيئة، وكان السبب ان احد القادمين الى الصلاة متأخراً، لحق بها فور وصوله الى الباب، وما يزال يكمل صلاته على الدرج في هدوء تام، بينما انقسمت جموع المصلين المنصرفين من المسجد حوله كما تنقسم حول صخرة. ولم يجرؤ احد على ان يزعجه، او يشوش عليه في صلاته، او ان يقتحم موضع صلاته. اما ما هو اشد غرابة واثارة للدهشة، فذلك الذي رأيته اثناء الطواف حول الكعبة في عام 1992.. فلقد راحت امرأة ضعيفة البنية تؤدي الصلاة دون اكتراث، في قلب الزحام على مسافة بضعة امتار من الكعبة، محاطة بأربعة رجال اشداء يصنعون حولها سياجا بسواعدهم. ومرة اخرى، يتكرر نفس رد الفعل الهادئ من جانب الناس، فلا لوم، ولا تأنيب، ولا كلمة غاضبة، وانما احترام للصلاة. ربما يكون من العسير او حتى من المستحيل، بسبب هذه القواعد الصارمة، ان يغادر المسجد احد من المصلين في الصفوف الامامية قبل ان يغادر الجميع. ولقد اضطررت في عام 1993 الى ان اترك مضيفي في ابو ظبي ينتظرني، لانني لم اجد وسيلة لمغادرة المسجد تتفق مع القواعد. فلكي اغادر المسجد عبر طريق جانبي، كان لا بد من ان امر افقيا من امام المصلين، وهذا هو "الحرام" بعينه.

هوفمان: خطب الجمعة في العالم الإسلامي تخاطب المشاعر أكثر من مخاطبتها للعقل
المفكر الألماني أحب أن أؤدي الصلاة بمفردي للتحكم في سرعة ايقاعها واكتشفت أنها تفيد في علاج أعراض التوتر المعاصر
يواصل المفكر الإسلامي الدكتور مراد هوفمان السفير الألماني السابق حديثه عن مسيرة رحلته الإيمانية إلى الإسلام. وفي هذه الحلقة يتوقف في محطات مهمة ليروي تفاصيل هذه الرحلة الإيمانية، مشيراً إلى حبه لأداء الصلاة بمفرده ليتسنى له التحكم في سرعة إيقاعها مع إقراره بفضل الجماعة والحرص علىها.
كما يروي لنا هنا قصة أدائها في جماعة إمامته للصلاة في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، عندما كان مشاركاً في الاحتفال السنوي لتجمع شمال الأطلسي الذي أقيم في تلك المدينة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1985، والمشاعر المضطربة التي انتابته في أول إمامة له لجماعة صغيرة من الأميركيين السود.
كما يتطرق هوفمان إلى خطب صلاة الجمعة في العالم العربي من خلال خبرته لسنوات طويلة، مشيراً إلى أنها للأسف لا تحقق ما كان يمكن أن تحققه، لأنها تخاطب المشاعر أكثر من مخاطبتها العقل.
فلنواصل معاً متابعة هذه الرحلة الإيمانية التي قادت هوفمان إلى الإسلام، دين الله رب العالمين.
استهل الدكتور مراد هوفمان حديثه عن حبه لأداء الصلاة بمفرده، حيث يقول: احب كثيرا ان اؤدي الصلاة بمفردي، حتى استطيع ان اتحكم في سرعة ايقاعها الذي يتسم عادة بالسرعة الى حد ما عند الصلاة في المسجد، بسبب مراعاة ظروف المرضى ومن يكونون على عجلة من امرهم، ومع ذلك، فان لصلاة الجماعة فضلا على الصلاة منفردا.
بعيدا عن المساجد التي لها امام محدد، يؤم الصلاة فيها، ينبغي قبل كل صلاة جماعة ان يختار في لحظتها من يومها، ويتمتع المضيف بالحق في ان يؤم الصلاة، ومع ذلك فاني احب بشدة ان افوض في امامتها واحدا من ضيوفي (مثل السفير السعودي، او رئيس حزب الاستقلال المحامي محمد بوستة، عندما نلتقي معا على مائدة الافطار في رمضان بمقر اقامتي في الرباط).
وذات مرة، اقتضت ظروف غريبة ان اصلي انا نفسي إماما، فعند وصولي الى سان فرانسيسكو في العاشر من اكتوبر (تشرين الاول) عام 1985، للمشاركة في الاحتفال السنوي لتجمع شمال الاطلسي، رحت ابحث في دفتر الهاتف وفي سجل الكنائس عن مسجد. وكنت موقنا انني سأجد في عاصمة المذاهب الاميركية جماعة اسلامية. وشد ما كانت دهشتي حينما قرأت: "المركز الاسلامي، 850 شارع ديفيزاديرو، تقام شعائر الصلاة يوميا في الساعة الثانية عشرة، وايام الأحد في الساعة الثالثة عشرة"، تماما كما هو معتاد في الكنائس التي لا تحدد مواعيد الصلاة بها تبعا لوضع الشمس كما هو الحال عند المسلمين. وعندما وصلت الى هناك، وجدت جماعة تتألف من ثلاثة اعضاء من السود. وانتظارا لارتفاع الاذان مناديا للصلاة راح شيخ اشيب الشعر، يضع على عينيه نظارة واسعة مائلة الى اسفل، يقرأ في نسخة عربية من القرآن واضعا الاصبع على السطور. وينضم الى الحاضرين عضو آخر من اعضاء الجماعة، انه يوسف سيمون.. شاب شيعي اسود يدرس العلوم السياسية، ولقد قابل دهشتي بالصمت، اذ لا بد من انه اعتاد ان يعاني التفرقة كأسود بين بيض، وكمسلم بين مسيحيين، وكشيعي بين سنة.
لم تفارقني الدهشة على الاطلاق، فها هو ذا المؤذن يؤذن للصلاة، ولكنه يبدأ بالاقامة قبل الاذان، ولأن بلالا اول مؤذن للاسلام بالمدينة المنورة كان اسود، فقد شعرت بحرج شديد في ان اصحح خليفته في سان فرانسيسكو. ولكني ما كنت لأستطيع الصمت ازاء كل هذه التطورات المتناقضة، فرحت اروي بحرص شديد انه سبق لي ان كنت في مكة، وانهم هناك يبدأون بالاذان ثم الاقامة.
ولم يدهشني رد الفعل لما قلت، بل اعتبرته رد فعل طبيعيا، اذ دعتني الجماعة الصغيرة على الفور للصلاة بها إماما، لانني "الاكثر علما" بين المسلمين الموجودين. ولم يؤثر في ذلك بأي حال كوني المانيا ابيض وانني جئتهم لاول مرة. وهكذا وجدت نفسي على غير انتظار في مواجهة القبلة. وتمنيت لو انها كانت، على الاقل، موجهة توجيها صحيحا نحو مكة، وصففت جماعتي الصغيرة جدا في صف مستقيم، ورفعت يدي مكبرا "الله اكبر". وان للمعرفة وحدها وزنا يعتد به. وهذا ما تؤكده ايضا واقعة اخرى، ففي ديسمبر (كانون الاول) عام 1982، أمّ صبي عربي في الخامسة عشرة من العمر، بفندق شيراتون المدينة، صلاة مجموعة من المعتمرين الباكستانيين الاميين. فيما يختص بصلاة الجمعة، التي تتألف بصفة اساسية من خطبتين قصيرتين ثم صلاة ركعتين، فانه لا بد لأدائها من الذهاب الى المسجد، وينهي الخطيب خطبته في العادة برفع يديه بالدعاء الى الله.
مخاطبة المشاعر لا العقل
وبناء على خبرتي لسنوات طويلة، لا تحقق هذه الخطب، للاسف، في العالم العربي ما كان يمكن ان تحققه، لانها تخاطب المشاعر اكثر من مخاطبتها للعقل. فهي تردد ما يؤمن به المؤمنون اكثر مما تعمقه. ويظهر ذلك في نبرة صوت الخطباء. فبعضهم يصرخ كما لو كان يستثير حماسة جيش لخوض معركة، وينبغي مع ذلك ان اقر، على الجانب الآخر، انه لا مجال في العالم الاسلامي للوعظ بأسلوب حديث، لانه لا يكاد يوجد به من يدعي الالحاد، فلماذا ينبغي على المرء اذن ان يدعم اسس ومبادئ العقيدة بحجج وبراهين عقلية ومعقدة، بدلا من ان يوظف تربويا ما يسود العالم الاسلامي من إيمان؟ (وهناك ايضا استثناءات ايجابية، فكما يتحمل بعض المسيحيين في ميونيخ مشقة الوصول عبر طرق اطول الى خطيب بعينه، كنت في فترة وجودي بالرباط اذهب حتى مشارف المدينة لأستمع الى إمام مسجد لالا "السيدة" سكينة، المثقف في خطبة صلاة الجمعة).
اثناء عملي الوظيفي، كان عليّ، تنفيذا لقاعدة بروتوكولية، ان اصلي صلاتيّ عيديّ الفطر والاضحى خلف قادة دول، مثل الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، والملك الراحل الحسن الثاني ملك المغرب. وكان ذلك يجري امام عدسات كاميرات التلفزيون، وكنت في كل مرة المس الروح الديمقراطية التي تضفيها الصلاة الاسلامية حتى على مثل هذه الاجواء. فسجود ملك على الارض مرتديا جواربه امر جد مختلف عن خطو رئيس فرنسا في كاتدرائية ريمس نحو موضع جلوسه المميز.
يتسم حفظ النصوص العربية، التي تتلى اثناء الصلاة، ومن بينها مقاطع قصيرة او طويلة من سور القرآن، بالنسبة للبعض، بقدر من الصعوبة، يفوق ذلك الذي يتسم به تعلم كيفية اداء حركات الصلاة. ولقد ساءني الا استطيع ان احفظ جيدا النصوص العربية، مما جعلني اشبه بمساعد قس يفتقر الى المعرفة اللاتينية. ولذلك، قررت مثل المسلمين كافة، منذ الازل الى الابد، ان اتعلم من اللغة العربية ما يكفي على الاقل لفهم الصيغ النحوية واصول المتون. (ولقد استفدت كثيرا من هذه المعرفة الاولية، عندما عملت في ما بعد سفيرا في الجزائر). وكان اول ما تعلمته بطبيعة الحال هو سورة "الفاتحة"، اول سور القرآن وفاتحة الكتاب، وهي مكون رئيسي لكل ركعة، ومن ثم، فانها تتلى يوميا 17 مرة على اقل تقدير. وبعد الفاتحة تعلمت السور رقم 112، اي سورة الاخلاص، التي تعادل من حيث مضمونها، وفقا لما يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ثلث القرآن بأكمله، على الرغم من قصر آياتها الاربع: بسم الله الرحمن الرحيم "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد".
وتلا ذلك المعوذتان، وهما: سورة الفلق (رقم 113)، وسورة الناس (رقم 114)، ثم سور مكية اخرى قصيرة مثل سورة الفيل (رقم 105)، وسورة قريش (رقم 106)، وسورة الكافرون (رقم 109)، وسورة النصر (رقم 110)، وكذا الآيات من 1 الى 5 من اول سورة نزل بها الوحي، وهي سورة العلق رقم (96): بسم الله الرحمن الرحيم "إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم". ولم اغامر بعد ذلك بمحاولة تعلم (حفظ) مقاطع اطول من القرآن مثل آية الكرسي (سورة 2 ـ آية 255)، وآية النور (سورة 24 ـ آية 35)، وكذا المقاطع الخاصة بأسماء الله الحسنى، اي صفات الله، (سورة 59 ـ الآيات 22 ـ 24 ـ 35)، الا بعد تقدمي المتنامي في المعارف العربية.
جوهر سلوك المسلمين
ان من يحلل نصوص الصلاة، يصل الى اليقين بأن جوهر الصلاة هو ذكر الله ودعاؤه. وهذا يتفق مع ارشاد القرآن الى ان اسمى واجبات الانسان: ان يهتدي بفضل قدراته الذهنية الى معرفة الله والتسبيح بحمده. وهذا هو جوهر سلوك المسلمين. فاذا سألت احدهم عن احواله، فلن يجيب: جيدة او سيئة، وانما سيقول: الحمد لله.

يتبـــــــــــــــع

القلب الحزين
15-12-2013, 07:34 PM
يتبـــــع الموضوع السابق (3 )
قصة إسلام مراد هوفمن

بعد الصلاة، يقوم المرء بشغف شديد بالتسبيح بحمد الله، مستخدما إما مسبحة مكونة من ثلاث وثلاثين او من تسع وتسعين حبة، واما اصابع يده مرددا في همس: "سبحان الله وبحمده" او "الشكر لله" و"الحمد لله"، و"الله اكبر"، ولعلنا نلاحظ انه ـ خلافا للمسيحية ـ تتعدد اشكال التسبيح والدعاء في الاسلام.
واذ كانت للدعاء مكانته الرئيسية، فان الانصراف عن الدعاء الى الله يصير نوعا من نقص الايمان، لان "الله قريب يجيب دعوة الداعي اذا دعاه". (انظر: سورة 2 آية: 186).
وكما انه ليس للدعاء صورة او قالب محدد، فليس له ايضا موقع او زمن محدد، ولا يشترط ان يكون باللغة العربية، وهو في حالته المثلى ذكر دائم لله. وهذا الذكر الدائم لله هو ما يجتهد فيه متصوفة المسلمين. ولقد قمت انا ماري شيميل بجمع قدر كبير من هذه الاذكار والادعية الاسلامية الجميلة.
ويرجع الى التصوف الاسلامي الفضل في تماسك وعدم تفكك الاذكار والادعية الاسلامية شكلا ومضمونا، بدءا من المتصوف الاندلسي ابن عربي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي وحتى فريثجوف شؤون في عصرنا الراهن. فلم يتحلل الصوفيون الاسلاميون الحقيقيون على الاطلاق من الشكليات المفروضة، وانما قاموا بعقلنتها. فها هو ذا شوؤن يقول في موضع آخر: "ان المسلم ـ وبصفة خاصة من يتبع السنة حتى في ادق واصغر تفريعاتها ـ يعيش في شبكة من الرموز..."، ومن يحمل هذا في قلبه لا يترك صلاته تتحول الى روتين. وسواء اديت الصلاة في مسجد شيعي في هامبورج، او في مسجد مبني بالطوب اللبن (الطوب الاخضر) وجذوع النخيل في واحة فيجيج شرق المغرب، او في المسجد الاموي في دمشق بفسيفسائه المبهرة، فان الصلاة واحدة، فقد تعلموها على يد معلم واحد (وهو ما حدث بالفعل). وهذا التوحد الشكلي يوفر الهدوء والطمأنينة اللازمين للتركيز التام.
علاج أعراض التوتر المعاصر
تنطوي الصلاة في الاسلام، بالاضافة الى جانبها الروحي، على بعد مادي ملموس، فضلا عن بعد سياسي محتمل. فالمرء يحتاج الى وقت طويل حتى يتعلم كيف يجلس على قدميه مسترخيا على ارض صلبة، دون ان يتعرض لتقلصات عضلية، مدركا ان وضع القدمين عاريتين في الوضع المناسب أيسر منه وهما داخل الجوارب. ولكن الجلوس على الارض دون حراك لساعات طويلة على نحو ما يفعله اخوتنا في الشرق امر لم يعد بمقدورنا ان نتعلمه في سن متقدمة.
ومن المؤكد، ان الصلاة في الاسلام تفيد في علاج اعراض التوتر المعاصر، الذي لا يحتاج الى وقت طويل لتحليل ومعرفة اسبابه. فالانسان المعاصر لا يعمل من حيث الكم، فيما يختص بالعمل العضلي بصفة خاصة، اكثر مما كان يعمل في ما مضى من الزمن، بل ان العكس هو الصحيح. اما الجديد، فهو السرعة التي تجري بها كل الاحداث وتجري بها كل الاعمال، بواسطة التلكس والفاكس والبريد الالكتروني والانترنت والبريد السريع ـ والتي ترهق المرء. فالناس يساورهم القلق من احتمال فقدان السيطرة على الامور ومداهمة المواعيد لهم، والخوف من الفشل، ويزيد تعاطي الخمور والتدخين والاقراص المخدرة والاقراص المنشطة الامر سوءا. ولقد ارتفعت تكاليف علاج انسداد الشرايين عند من يشغلون وظائف الادارة العليا، الى درجة انهم اصبحوا يرغمون على القيام باجازات اجبارية. وكذلك تتناول البرامج التدريبية لمديري شؤون العاملين التغذية الحيوية المرتدة، والتأمل الاستشرافي، وضرورة اكتشاف الفرد بنفسه لطقوس الشاي اليابانية كوسائل للتخلص من التوتر والقلق.
التحرر الداخلي
ومقولتي في المقابل، هي ان الصلاة الاسلامية تحقق كل هذا واكثر منه، اذ انها لا تساعد المؤمن على التوقف عن التفكير والاسترخاء فحسب، وانما تساعده ايضا على تحقيق تحرره الداخلي من سحر المال والجاه والمنصب. فبينما يجد الاميركي الذي يعيش تحت ضغوط مختلفة انه امام خيارين لا ثالث لهما: اما الحرب واما الهروب بالانتحار، يختار المسلم اختيارا ثالثا هو ان يفيض مع الاشياء، أي يتوكل المسلم على الله. فبفضل الصلاة الاسلامية لا يستطيع مسلم حقيقي ان يكون متوترا مؤرقا، ولا ان يكون مصدرا للتوتر والارق.
انني اعرف تماما عما اتحدث. فلقد كان بمقدوري ان اعرف كل العوامل التي تسبب الضغط والتوتر والارق من خلال عملي مديرا لقسم حلف شمال الأطلسي والدفاع في وزارة الخارجية الألمانية في الفترة من عام 1979 إلى عام 1983، ومن خلال عملي مديرا لادارة المعلومات الخاصة بخطر التهديدات بالعدوان في حلف شمال الاطلسي ببروكسل في الفترة من عامي 1983 ـ 1987.
ابتداء من عام 1980، لم اعد احمل معي في رحلات العمل سوى سجادة للصلاة وبوصلة (صنع تايوان)، لتحديد اتجاه القبلة، وان كنت على يقين بأن منشفة نظيفة تفي بالغرض، وان الله ليس غربيا ولا شرقيا، اذ (فأينما تولوا فثم وجه الله) (سورة البقرة: الآية 115). وراحت ايامي تتشكل اكثر فأكثر تبعا لمواقيت الصلاة، وليس تبعا للساعة التي تسبب القلق والتوتر. فعندما يتواعد المرء مع مسلمين، فانه لا يواعدهم "الساعة الثالثة والربع"، وانما يواعدهم لوقت غير محدد الى حد ما "بعد صلاة الظهر"، او "بعد صلاة المغرب".
ومجمل القول انني وجدت عين الصلاة تلك الطمأنينة والتحرر الداخلي الذي ينتزع المسلم من الضغوط كافة، لانه يستطيع ان ينتزعه من عالم يقاس الوقت فيه بالمال، والمال فيه هو كل شيء.
عندما تعرضت في عام 1992 لحملة طعن وتجريح شرسة في وسائل الاعلام بسبب ايماني، لم يستطع بعض من زملائي ان يفهم عدم اكتراثي بهذه الحملة (او انهم اعتبروه نوعا من الكبرياء والغطرسة)، وكان من الممكن العثور على تفسير لهذا السلوك من جانبي في الآية الخامسة من سورة الفاتحة (إياك نعبد وإياك نستعين).
في تلك الاثناء، صارت الصلاة بالنسبة لي عنصر تنظيم لحياتي على جانب كبير من الاهمية، حتى انني لم اعد ارغب العيش في بلد لا استطيع ان اسمع فيه نداء المؤذن الجميل للصلاة كما هو الحال في فاس، وفي اسطنبول مرة اخرى اخيرا.
لاحظت مرارا ان الصلاة المنزهة عن الغرض يمكن، بحكم طبيعتها، ان تصير عنصرا سياسيا. فإلى ما قبل اقدام الجبهة الاسلامية في الجزائر على العمل العلني في عام 1988، كان اتباعها قد بدأوا يتجنبون المساجد الخاضعة لاشراف الحكومة (كما يتجنب كثيرون من الاتراك العاملين في المانيا المؤسسات التابعة لوزارة الاديان التركية)، فاسلامهم الموازي ينعكس في صلاة موازية ايضا. ففي البليدة، على سبيل المثال، ادينا الصلاة في عام 1987 في مسكن خاص مجاور للمسجد مباشرة، بدلا من ان نصلي في المسجد. وبالمثل، كان من المظاهر المميزة ان تدخل المسجد مجموعات من الشباب، قبل او بعد صلاة الظهر بوقت قصير، لتصلي في احد الاركان كمجموعة مغلقة، وخلف امام خاص، وهذه هي ذات الظاهرة التي لاحظتها في سبتمبر (ايلول) عام 1994 في مسجد سنان باشا بحيى بارباروس في اسطنبول.
كانت النتائج السياسية باهرة، عندما ارادت حكومة جبهة التحرير الوطني الجزائري ان تدلل، في احد المساجد بالقرب من ميناء الجزائر يوم عيد الاضحى عام 1988، على مدى ما صارت اليه من تدين وورع. فلقد غضب الشعب بأكمله (او سخر)، عندما تبين له على شاشات التلفزيون ان عناصر قيادية من حزب الوحدة الاشتراكي تجهل بشكل واضح كيفية اداء الصلاة، ولم تمض سوى شهور قلائل حتى اصيبت جبهة التحرير الوطني في شهر اكتوبر (تشرين الأول) عام 1988 بهزيمة قاسية، في انتفاضة شعبية، بينما اكتسبت الجبهة الاسلامية للانقاذ وضع حزب شرعي.
لإنسان بفضل قدرته على التفكير وإعمال عقله يفاخر بأنه أعظم المخلوقات
يحكي المفكر الاسلامي الدكتور مراد هوفمان السفير الألماني السابق في رحلته الايمانية في هذه الحلقة عن أبرز مظاهر تحوله الى الاسلام، هو رفضه لاحتساء الخمر واختفاء زجاجة النبيذ الأحمر من فوق مائدة طعامه، اهتداء بتعاليم دينه الجديد الذي يحرم الخمر. ويقول هوفمان: "لقد ظننت في بادئ الأمر انني لن استطيع النوم جيدا دون جرعة من الخمر في دمي، بل ان النوم سيجافيني من البداية. ولكن ما حدث بالفعل كان عكس ما ظننت تماما. فنظرا لأن جسمي لم يعد بحاجة الى التخلص من الكحول، أصبح نبضي أثناء نومي اهدأ من ذي قبل. صحيح ان الخمر مريح في هضم الشحوم والدهون، لكننا كنا قد نحينا لحم الخنزير عن مائدتنا الى الأبد، بل ان رائحة هذا اللحم الضار (المحرم) أصبحت تسبب لي شعورا بالغثيان".
وهكذا جعل الاسلام هوفمان يفيق من سكره لعبادة ربه، التزاما بما حرمه الله عليه، وطاعة يلتمس بها مرضاة الله تعالى. وهنا نواصل معه هذه الرحلة الايمانية التي قادته الى النجاة من الهلاك في الآخرة.
د. هوفمان: الخمر ولحم الخنزير أكبر عائقين في طريق انتشار الإسلام بألمانيا
يعترف الدكتور مراد هوفمان انه كان خبيرا بالخمور قبل اعتناقه الاسلام، حيث يقول: كنت في جاهليتي الشخصية (زمن الظلام) قبل اعتناقي الاسلام خبيرا بالخمور حتى انني كنت أحدد أنواع الأنبذة الحمراء المدهشة بمجرد تذوقها بطرف لساني، وكان التمييز بين أنواع الخمور "الذكورية" و"الأنثوية" أيسر منه بين الانواع المختلفة داخل كل مجموعة منهما، حيث يتطلب الأمر بالنسبة لكل حالة تحديد الزيت الأثيري الخاص بها عن طريق التذوق. ولقد اتاحت لي الحياة الدبلوماسية، وبصفة خاصة حفلات العشاء الرسمية في ختام مؤتمرات وزراء حلف شمال الأطلسي، فرصة هائلة لاكتساب هذه الخبرة. ولقد تدربت بنشاط وجد لأنمي وأدرب ملكة التفرقة والتمييز بين أنواع النبيذ. واثناء عملي بباريس في عام 1967، كنت في عطلة نهاية الاسبوع أحجز عن طريق دليل ميشلان منضدة في أحد المطاعم ذات النجمة الواحدة، وكنت اختار النبيذ بواسطة الهاتف، وأطلب فتح الزجاجة على الفور، حتى يتأكسد النبيذ بدرجة كافية، ويصل الى كامل نضجه ومذاقه عند وصولي الى المطعم. وكنت في المساء اختار قائمة طعامي بما يناسب النبيذ وليس العكس.
التحريم القرآني للخمر
عندما كنت اشغل منصب المستشار الاول بالسفارة في بلغراد، في عامي 1977ـ 1978، كنت اقيم حفلات اختبار وتذوق للنبيذ، ادعو اليها الاصدقاء. وكنت اعرض على ضيوفي كيف يمكن عن طريق سقف الحلق تحديد انواع الكروم والتربة وطرق القطف وطرق التخمير والسنة، مستخدما انواعا من النبيذ الابيض عديم اللون، كنت قد جلبتها من متاجر متخصصة، ومن مناطق مختلفة، وكنت "كتربوي" اعرض انواع النبيذ على نحو تتابع فيه انواع تجمع بينها صفات مشتركة، وتميز بعضها بصفات اخرى. ولقد تطورت قدرات بعض ضيوفي، في واقع الامر، بحيث استطاعوا بعد سابع محاولة للتذوق ان يميزوا بين انواع النبيذ المختلفة تبعا لمعايير مختلفة.
لقد وجدت مع ذلك ان التحريم القرآني للخمر والمخدرات ليس ضرورة اجتماعية فحسب، وانما هو ايضا منفعة شخصية للفرد، اذ يمكنه ان يكون متيقظا صافي الذهن دائما. ومن ثم، انهيت هذه المرحلة من حياتي مرة واحدة، وإلى الابد، فان الانسان، بفضل قدرته على التفكير وإعمال عقله، يفاخر بأنه اعظم المخلوقات. فنحن البشر نستطيع ان نمعن التفكير في العالم من حولنا وفي احوالنا، وان نتصرف بحكمة، وهذه الصفات التي ترقى بنا، هي ذات الصفات التي ندمرها على نحو منتظم بتعاطي الخمور والمخدرات، ونحن بذلك نمتهن انفسنا ونحط من قدرتنا داخل المنظومة الكونية، وننحدر بالتالي الى مكانة ادنى من مكانة الحيوانات، التي لا يغيب عنها وعيها ابدا. فادمان تعاطي الخمور والمخدرات نوع من التشويه الذهني الذاتي. وكانت مديرة منزلي الصربية في بلغراد مثالا منذرا لي، اذ كانت تعود دائما الى ادمان الخمر، حتى بعد علاج لفترات طويلة.
ان مشهد مدمني تعاطي الخمر مشهد مهين، يبعث على الاكتئاب، ويثير الشفقة، وكثيرا ما يقدم هؤلاء على الانتحار، وهم يعلمون حقيقة حالهم، ولكنهم لا يستطيعون الرجوع عما هم فيه، لان الخمر سلبتهم العزيمة والارادة والقدرة على اتخاذ القرار. من النادر ان تجد عدد مدمني الخمر في المجتمع الاحدث في المدن التركية الكبيرة اقل من عددهم في المانيا. فهم يمسكون ـ من وقت الظهيرة ـ بكأس الراكيا في يد، وبالسيجارة في اليد الاخرى، مبرهنين بذلك على انهم لم يعودوا سادة انفسهم، وهم من الناحية الدينية، يمارسون بذلك نوعا من الشرك بالله، لأن الخمر ونيكوتين الدخان اهم عندهم من كل ما عداهما في العالم بمن في ذلك ربهم الذي خلقهم. فهم يستطيعون ـ في ظنهم ـ ان يعيشوا بدونه، ولكن ليس بدون الراكيا.
يهدف القرآن من وراء التحريم المطلق للخمر الى منع البدء في تعاطيها، حيث لا يبدو ضارا في حالة احتساء كأس واحدة. فالكأس الواحدة لا تبدو خطيرة في الظاهر يمكن في يوم ما ان تصبح كؤوسا عديدة، ومن المعتاد الا يرى المدمن انه معرض للخطر، وان يقدم ما لا حصر له من الاعذار والحجج لتبرير اعتياده التدخين او احتساء الخمر، في هذا الوقت بصفة خاصة، ومن ذلك كون المدمنين سعداء او تعساء، يعانون من ضغط العمل او في اجازة منه، جماعة او فرادى، مرضى او اصحاء، جوعى او شبعى.
لقد واجهت كرئيس مسؤول هذه المشكلة، فكنت، عندما انبه احد العاملين معي حتى قبل احتسائه الخمر بيوم واحد، كنت اعد معتديا على حقه في ان يعبر عن شخصيته بحرية (واواجه بذلك مشكلة مع مستشار شؤون العاملين). ومع ذلك، كان مستشار شؤون العاملين نفسه يستطيع ان يتأكد في اليوم التالي ان الموظف المعني صار في واقع الامر مدمنا للخمر. ومن ثم، فانه يعد رسميا من هذه اللحظة مريضا بادمان الخمر.
ان من لا يتعاطى الخمر، اذا وجد بين سكارى، سرعان ما يكتشف انه في مكان خطأ، اذ يرى هؤلاء انفسهم ظرفاء ومبدعين وقادرين على التخيل. ولقد استطعت ان اثبت لنفسي عكس ذلك تماما، عندما قمت بعزف مقطوعات موسيقية بذاتها على احدى الآلات النحاسية وتسجيلها ثلاث مرات. وكنت بين المرة والاخرى احتسي كأسين من ويسكي البربون من النوعية المفضلة لدي قبل اسلامي. وكان توقعي: ان عزفي سيكون افضل في كل مرة احتسي قبلها الويسكي، لكن جهاز التسجيل كشف الحقيقة الصاعقة!
شعرت بخجل شديد من سلوك بعض مواطنيّ ونحن على متن احدى طائرات شركة لوفتهانزا، في طريقنا الى جدة. فكنا كلما اقتربنا من السعودية بمناخها الشديد الجفاف، ازداد طلبهم وبالحاح شديد للخمر حتى انهم طلبوا من المضيف اربع زجاجات في وقت واحد ـ كما لو ان المرء يستطيع ان يجتر الخمر بعد ذلك كالجمل، ولقد كان مشهدهم مخزيا، وهم يغادرون الطائرة حاملين في ايديهم شجرة عيد الميلاد مغلفة بالبلاستيك ويترنحون من السكر.
واثبت في هذه الوقائع انه قد لا يكون هناك عائق في طريق انتشار الاسلام في المانيا اقوى من التحريم القرآني للخمر ولحم الخنزير. فلن يتنازل الألماني في بافاريا ولا في كولونيا عن طعامه المفضل من لحم الخنزير، ولا عن خمره المفضل.
وتجد الألماني يتغنى بجمال الفتيات التركيات، وبحق المرء في تعدد الزوجات اذا اراد، ورغبته بالتالي في ان يكون تركيا. ولكنه سرعان ما يعدل عن هذه الرغبة، ويصرخ بأنه لا يريد ان يكون تركيا لان الاتراك لا يشربون الخمر. وما كان يمكن ان يكون مجديا على الاطلاق ان يصير تركيا، وان كان الاتراك يتعاطون الخمر الآن، اذ يعاقب القانون في تركيا حاليا على تعدد الزوجات ولا يعاقب على تعاطي الخمر.
ان المسلم، بتناوله كوبا من الماء او العصير بين اناس يحتسون الخمر، يفسد عليهم بهجتهم، لان ما يفعله ينطوي على عقاب معنوي لهم. لذلك، اصبح من النادر بعد اعتناقي الاسلام ان ندعى، زوجتي وانا، الى حفلات خاصة او الى حفلات رقص، وكأن المرء لا يسعد الا بالخمر، وهكذا، اصبحنا معزولين "منبوذين".
اختلاف البيئة المناخية
كثيرا ما يساق اختلاف البيئة المناخية كحجة ضد التحريم الاسلامي للخمر ولحم الخنزير في مجتمعنا (المجتمع الالماني) بدعوى ان هذا التحريم لا يناسبه مناخيا. وهذه حجة تفتقر الى المنطق، فالحقيقة ان اضرار الخمر في العصر التكنولوجي اكبر بكثير منها في القرن السابع، حيث كان اقصى ما يمكن ان يحدث للمخمور هو ان يسقط من فوق صهوة جواده، او ان يعتدي بالضرب على زوجته واطفاله، او ان يقطع اوتار سيقان الجمل، (كان وقوع حدث شرير من هذا القبيل مناسبة لنزول احدى آيات تحريم الخمر في القرآن).
وما يزال النساء والاطفال يتعرضون اليوم للضرب تحت تأثير الخمر. وكذلك تسقط الطائرات اليوم تحت تأثيره. ولقد تسبب قائد احدى الناقلات البحرية تحت تأثير الخمر في وقوع اسوأ كارثة بيئية حتى الآن. وعلى الرغم من توفر احصاءات عن حوادث الطرق وحوادث المصانع، فانه لا يمكن تقدير الخسائر البشرية والمادية التي تصيب المجتمع الغربي بسبب ادمان الخمر والمخدرات. وفي بعض المستشفيات التركية، تتجاور اقسام علاج الادمان واقسام علاج الامراض العقلية، لما ينطوي عليه ذلك من انذار، ان عاجلا او آجلا، هذا اذا ما دمر العقل قبل ان يتوقف الكبد عن أداء وظائفه.
لقد كنت واحدا من ضحايا حوادث المرور التي تقع تحت تأثير الخمر، ففي نهاية عام دراسي في كلية الاتحاد بشينيكتادي بولاية نيويورك، قمت بجولة في الولايات المتحدة الاميركية "بطريقة الاوتوستوب". (اي ايقاف السيارات والانتقال بها مجانا من موقع الى آخر). وفي اثناء هذه الجولة، تعرضت يوم 28 من يوليو (تموز) عام 1951 لحادث سيئ بالقرب من هول سبرنجز بولاية مسيسيبي، فبينما كنا في طريقنا على الطريق السريع من اتلانتا بولاية جورجيا الى ممفيس في ولاية مسيسيبي، ظهر امامنا ونحن على مقربة من غايتنا شبح. ولا اتذكر شيئا عما حدث بعد ذلك. ولكني علمت في ما بعد ان هذا الشبح لم يكن سوى سيارة اصطدمت بنا، كان سائقها ومرافقه قد احتسيا كميات كبيرة من الخمر في تنيسي، التي تسمح باحتسائه اثناء القيادة، قبل ان يتوجها الى مسيسيبي التي تمنع احتساءه اثناءها.
وكانت خسائرنا اقل فداحة من خسائرهم، لاننا كنا نركب سيارة شيفروليه مصنوعة في عام 1941، اي قبل الحرب، وكانت اشد متانة من السيارة التي كانوا يركبونها وهي شيفروليه من انتاج عام 1943 اي اثناء الحرب.
ولقد تبين لي بوضوح ان ذراعي المصابة الآن، والتي كنت اضعها على وسادة المقعد الخلفية، قد وقتني مما هو اكثر، وكان من الواضح ايضا انني ما كنت لأنجو لو ان قامتي كانت اقصر بمقدار ثمانية سنتيمترات فقط، لانني كنت سأنكفئ في هذه الحالة على انفي وعيني بسرعة حوالي 160 كيلومترا في الساعة. ومع ذلك، كانت خسارتي في هذا الحادث تسع عشرة من اسناني. وبعد انتهاء الجراح من خياطة ذقني وشفتي السفلى، سألني قائلا: انه من الممكن اصلاح وجهي بعد سنوات عن طريق اجراء عملية تجميل، واضاف قائلا: "ان مثل هذا الحادث لا ينجو منه في الواقع احد، وان الله يدخر لك يا عزيزي شيئا خاصا جدا".
ولقد كنت افكر في هذا الامر، وانا اتجول في هول سبرنجز بذراع مربوطة وضمادة تحيط بالذقن وفم مخيط. وكنت افكر في ما أرفه به عن نفسي في يوم عيد ميلادي العشرين. ولكن كل شيء كان يؤلمني.. تناول الطعام او الشراب، او التنزه، او الاجابة عن الاسئلة، واخيرا ذهبت لأقص شعري، فهذا على الاقل لا يؤلم. ولم ادرك المغزى الحقيقي لنجاتي وبقائي على قيد الحياة الا بعد ثلاثين سنة، عندما اشهرت اعتناقي للاسلام.

يتبـــــــــــــــع

القلب الحزين
15-12-2013, 07:36 PM
يتبـــــع الموضوع السابق (4 )
قصة إسلام مراد هوفمن

بعد الصلاة، يقوم المرء بشغف شديد بالتسبيح بحمد الله، مستخدما إما مسبحة مكونة من ثلاث وثلاثين او من تسع وتسعين حبة، واما اصابع يده مرددا في همس: "سبحان الله وبحمده" او "الشكر لله" و"الحمد لله"، و"الله اكبر"، ولعلنا نلاحظ انه ـ خلافا للمسيحية ـ تتعدد اشكال التسبيح والدعاء في الاسلام.
واذ كانت للدعاء مكانته الرئيسية، فان الانصراف عن الدعاء الى الله يصير نوعا من نقص الايمان، لان "الله قريب يجيب دعوة الداعي اذا دعاه". (انظر: سورة 2 آية: 186).
وكما انه ليس للدعاء صورة او قالب محدد، فليس له ايضا موقع او زمن محدد، ولا يشترط ان يكون باللغة العربية، وهو في حالته المثلى ذكر دائم لله. وهذا الذكر الدائم لله هو ما يجتهد فيه متصوفة المسلمين. ولقد قمت انا ماري شيميل بجمع قدر كبير من هذه الاذكار والادعية الاسلامية الجميلة.
ويرجع الى التصوف الاسلامي الفضل في تماسك وعدم تفكك الاذكار والادعية الاسلامية شكلا ومضمونا، بدءا من المتصوف الاندلسي ابن عربي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي وحتى فريثجوف شؤون في عصرنا الراهن. فلم يتحلل الصوفيون الاسلاميون الحقيقيون على الاطلاق من الشكليات المفروضة، وانما قاموا بعقلنتها. فها هو ذا شوؤن يقول في موضع آخر: "ان المسلم ـ وبصفة خاصة من يتبع السنة حتى في ادق واصغر تفريعاتها ـ يعيش في شبكة من الرموز..."، ومن يحمل هذا في قلبه لا يترك صلاته تتحول الى روتين. وسواء اديت الصلاة في مسجد شيعي في هامبورج، او في مسجد مبني بالطوب اللبن (الطوب الاخضر) وجذوع النخيل في واحة فيجيج شرق المغرب، او في المسجد الاموي في دمشق بفسيفسائه المبهرة، فان الصلاة واحدة، فقد تعلموها على يد معلم واحد (وهو ما حدث بالفعل). وهذا التوحد الشكلي يوفر الهدوء والطمأنينة اللازمين للتركيز التام.
علاج أعراض التوتر المعاصر
تنطوي الصلاة في الاسلام، بالاضافة الى جانبها الروحي، على بعد مادي ملموس، فضلا عن بعد سياسي محتمل. فالمرء يحتاج الى وقت طويل حتى يتعلم كيف يجلس على قدميه مسترخيا على ارض صلبة، دون ان يتعرض لتقلصات عضلية، مدركا ان وضع القدمين عاريتين في الوضع المناسب أيسر منه وهما داخل الجوارب. ولكن الجلوس على الارض دون حراك لساعات طويلة على نحو ما يفعله اخوتنا في الشرق امر لم يعد بمقدورنا ان نتعلمه في سن متقدمة.
ومن المؤكد، ان الصلاة في الاسلام تفيد في علاج اعراض التوتر المعاصر، الذي لا يحتاج الى وقت طويل لتحليل ومعرفة اسبابه. فالانسان المعاصر لا يعمل من حيث الكم، فيما يختص بالعمل العضلي بصفة خاصة، اكثر مما كان يعمل في ما مضى من الزمن، بل ان العكس هو الصحيح. اما الجديد، فهو السرعة التي تجري بها كل الاحداث وتجري بها كل الاعمال، بواسطة التلكس والفاكس والبريد الالكتروني والانترنت والبريد السريع ـ والتي ترهق المرء. فالناس يساورهم القلق من احتمال فقدان السيطرة على الامور ومداهمة المواعيد لهم، والخوف من الفشل، ويزيد تعاطي الخمور والتدخين والاقراص المخدرة والاقراص المنشطة الامر سوءا. ولقد ارتفعت تكاليف علاج انسداد الشرايين عند من يشغلون وظائف الادارة العليا، الى درجة انهم اصبحوا يرغمون على القيام باجازات اجبارية. وكذلك تتناول البرامج التدريبية لمديري شؤون العاملين التغذية الحيوية المرتدة، والتأمل الاستشرافي، وضرورة اكتشاف الفرد بنفسه لطقوس الشاي اليابانية كوسائل للتخلص من التوتر والقلق.
التحرر الداخلي
ومقولتي في المقابل، هي ان الصلاة الاسلامية تحقق كل هذا واكثر منه، اذ انها لا تساعد المؤمن على التوقف عن التفكير والاسترخاء فحسب، وانما تساعده ايضا على تحقيق تحرره الداخلي من سحر المال والجاه والمنصب. فبينما يجد الاميركي الذي يعيش تحت ضغوط مختلفة انه امام خيارين لا ثالث لهما: اما الحرب واما الهروب بالانتحار، يختار المسلم اختيارا ثالثا هو ان يفيض مع الاشياء، أي يتوكل المسلم على الله. فبفضل الصلاة الاسلامية لا يستطيع مسلم حقيقي ان يكون متوترا مؤرقا، ولا ان يكون مصدرا للتوتر والارق.
انني اعرف تماما عما اتحدث. فلقد كان بمقدوري ان اعرف كل العوامل التي تسبب الضغط والتوتر والارق من خلال عملي مديرا لقسم حلف شمال الأطلسي والدفاع في وزارة الخارجية الألمانية في الفترة من عام 1979 إلى عام 1983، ومن خلال عملي مديرا لادارة المعلومات الخاصة بخطر التهديدات بالعدوان في حلف شمال الاطلسي ببروكسل في الفترة من عامي 1983 ـ 1987.
ابتداء من عام 1980، لم اعد احمل معي في رحلات العمل سوى سجادة للصلاة وبوصلة (صنع تايوان)، لتحديد اتجاه القبلة، وان كنت على يقين بأن منشفة نظيفة تفي بالغرض، وان الله ليس غربيا ولا شرقيا، اذ (فأينما تولوا فثم وجه الله) (سورة البقرة: الآية 115). وراحت ايامي تتشكل اكثر فأكثر تبعا لمواقيت الصلاة، وليس تبعا للساعة التي تسبب القلق والتوتر. فعندما يتواعد المرء مع مسلمين، فانه لا يواعدهم "الساعة الثالثة والربع"، وانما يواعدهم لوقت غير محدد الى حد ما "بعد صلاة الظهر"، او "بعد صلاة المغرب".
ومجمل القول انني وجدت عين الصلاة تلك الطمأنينة والتحرر الداخلي الذي ينتزع المسلم من الضغوط كافة، لانه يستطيع ان ينتزعه من عالم يقاس الوقت فيه بالمال، والمال فيه هو كل شيء.
عندما تعرضت في عام 1992 لحملة طعن وتجريح شرسة في وسائل الاعلام بسبب ايماني، لم يستطع بعض من زملائي ان يفهم عدم اكتراثي بهذه الحملة (او انهم اعتبروه نوعا من الكبرياء والغطرسة)، وكان من الممكن العثور على تفسير لهذا السلوك من جانبي في الآية الخامسة من سورة الفاتحة (إياك نعبد وإياك نستعين).
في تلك الاثناء، صارت الصلاة بالنسبة لي عنصر تنظيم لحياتي على جانب كبير من الاهمية، حتى انني لم اعد ارغب العيش في بلد لا استطيع ان اسمع فيه نداء المؤذن الجميل للصلاة كما هو الحال في فاس، وفي اسطنبول مرة اخرى اخيرا.
لاحظت مرارا ان الصلاة المنزهة عن الغرض يمكن، بحكم طبيعتها، ان تصير عنصرا سياسيا. فإلى ما قبل اقدام الجبهة الاسلامية في الجزائر على العمل العلني في عام 1988، كان اتباعها قد بدأوا يتجنبون المساجد الخاضعة لاشراف الحكومة (كما يتجنب كثيرون من الاتراك العاملين في المانيا المؤسسات التابعة لوزارة الاديان التركية)، فاسلامهم الموازي ينعكس في صلاة موازية ايضا. ففي البليدة، على سبيل المثال، ادينا الصلاة في عام 1987 في مسكن خاص مجاور للمسجد مباشرة، بدلا من ان نصلي في المسجد. وبالمثل، كان من المظاهر المميزة ان تدخل المسجد مجموعات من الشباب، قبل او بعد صلاة الظهر بوقت قصير، لتصلي في احد الاركان كمجموعة مغلقة، وخلف امام خاص، وهذه هي ذات الظاهرة التي لاحظتها في سبتمبر (ايلول) عام 1994 في مسجد سنان باشا بحيى بارباروس في اسطنبول.
كانت النتائج السياسية باهرة، عندما ارادت حكومة جبهة التحرير الوطني الجزائري ان تدلل، في احد المساجد بالقرب من ميناء الجزائر يوم عيد الاضحى عام 1988، على مدى ما صارت اليه من تدين وورع. فلقد غضب الشعب بأكمله (او سخر)، عندما تبين له على شاشات التلفزيون ان عناصر قيادية من حزب الوحدة الاشتراكي تجهل بشكل واضح كيفية اداء الصلاة، ولم تمض سوى شهور قلائل حتى اصيبت جبهة التحرير الوطني في شهر اكتوبر (تشرين الأول) عام 1988 بهزيمة قاسية، في انتفاضة شعبية، بينما اكتسبت الجبهة الاسلامية للانقاذ وضع حزب شرعي.
لإنسان بفضل قدرته على التفكير وإعمال عقله يفاخر بأنه أعظم المخلوقات
يحكي المفكر الاسلامي الدكتور مراد هوفمان السفير الألماني السابق في رحلته الايمانية في هذه الحلقة عن أبرز مظاهر تحوله الى الاسلام، هو رفضه لاحتساء الخمر واختفاء زجاجة النبيذ الأحمر من فوق مائدة طعامه، اهتداء بتعاليم دينه الجديد الذي يحرم الخمر. ويقول هوفمان: "لقد ظننت في بادئ الأمر انني لن استطيع النوم جيدا دون جرعة من الخمر في دمي، بل ان النوم سيجافيني من البداية. ولكن ما حدث بالفعل كان عكس ما ظننت تماما. فنظرا لأن جسمي لم يعد بحاجة الى التخلص من الكحول، أصبح نبضي أثناء نومي اهدأ من ذي قبل. صحيح ان الخمر مريح في هضم الشحوم والدهون، لكننا كنا قد نحينا لحم الخنزير عن مائدتنا الى الأبد، بل ان رائحة هذا اللحم الضار (المحرم) أصبحت تسبب لي شعورا بالغثيان".
وهكذا جعل الاسلام هوفمان يفيق من سكره لعبادة ربه، التزاما بما حرمه الله عليه، وطاعة يلتمس بها مرضاة الله تعالى. وهنا نواصل معه هذه الرحلة الايمانية التي قادته الى النجاة من الهلاك في الآخرة.
د. هوفمان: الخمر ولحم الخنزير أكبر عائقين في طريق انتشار الإسلام بألمانيا
يعترف الدكتور مراد هوفمان انه كان خبيرا بالخمور قبل اعتناقه الاسلام، حيث يقول: كنت في جاهليتي الشخصية (زمن الظلام) قبل اعتناقي الاسلام خبيرا بالخمور حتى انني كنت أحدد أنواع الأنبذة الحمراء المدهشة بمجرد تذوقها بطرف لساني، وكان التمييز بين أنواع الخمور "الذكورية" و"الأنثوية" أيسر منه بين الانواع المختلفة داخل كل مجموعة منهما، حيث يتطلب الأمر بالنسبة لكل حالة تحديد الزيت الأثيري الخاص بها عن طريق التذوق. ولقد اتاحت لي الحياة الدبلوماسية، وبصفة خاصة حفلات العشاء الرسمية في ختام مؤتمرات وزراء حلف شمال الأطلسي، فرصة هائلة لاكتساب هذه الخبرة. ولقد تدربت بنشاط وجد لأنمي وأدرب ملكة التفرقة والتمييز بين أنواع النبيذ. واثناء عملي بباريس في عام 1967، كنت في عطلة نهاية الاسبوع أحجز عن طريق دليل ميشلان منضدة في أحد المطاعم ذات النجمة الواحدة، وكنت اختار النبيذ بواسطة الهاتف، وأطلب فتح الزجاجة على الفور، حتى يتأكسد النبيذ بدرجة كافية، ويصل الى كامل نضجه ومذاقه عند وصولي الى المطعم. وكنت في المساء اختار قائمة طعامي بما يناسب النبيذ وليس العكس.
التحريم القرآني للخمر
عندما كنت اشغل منصب المستشار الاول بالسفارة في بلغراد، في عامي 1977ـ 1978، كنت اقيم حفلات اختبار وتذوق للنبيذ، ادعو اليها الاصدقاء. وكنت اعرض على ضيوفي كيف يمكن عن طريق سقف الحلق تحديد انواع الكروم والتربة وطرق القطف وطرق التخمير والسنة، مستخدما انواعا من النبيذ الابيض عديم اللون، كنت قد جلبتها من متاجر متخصصة، ومن مناطق مختلفة، وكنت "كتربوي" اعرض انواع النبيذ على نحو تتابع فيه انواع تجمع بينها صفات مشتركة، وتميز بعضها بصفات اخرى. ولقد تطورت قدرات بعض ضيوفي، في واقع الامر، بحيث استطاعوا بعد سابع محاولة للتذوق ان يميزوا بين انواع النبيذ المختلفة تبعا لمعايير مختلفة.
لقد وجدت مع ذلك ان التحريم القرآني للخمر والمخدرات ليس ضرورة اجتماعية فحسب، وانما هو ايضا منفعة شخصية للفرد، اذ يمكنه ان يكون متيقظا صافي الذهن دائما. ومن ثم، انهيت هذه المرحلة من حياتي مرة واحدة، وإلى الابد، فان الانسان، بفضل قدرته على التفكير وإعمال عقله، يفاخر بأنه اعظم المخلوقات. فنحن البشر نستطيع ان نمعن التفكير في العالم من حولنا وفي احوالنا، وان نتصرف بحكمة، وهذه الصفات التي ترقى بنا، هي ذات الصفات التي ندمرها على نحو منتظم بتعاطي الخمور والمخدرات، ونحن بذلك نمتهن انفسنا ونحط من قدرتنا داخل المنظومة الكونية، وننحدر بالتالي الى مكانة ادنى من مكانة الحيوانات، التي لا يغيب عنها وعيها ابدا. فادمان تعاطي الخمور والمخدرات نوع من التشويه الذهني الذاتي. وكانت مديرة منزلي الصربية في بلغراد مثالا منذرا لي، اذ كانت تعود دائما الى ادمان الخمر، حتى بعد علاج لفترات طويلة.
ان مشهد مدمني تعاطي الخمر مشهد مهين، يبعث على الاكتئاب، ويثير الشفقة، وكثيرا ما يقدم هؤلاء على الانتحار، وهم يعلمون حقيقة حالهم، ولكنهم لا يستطيعون الرجوع عما هم فيه، لان الخمر سلبتهم العزيمة والارادة والقدرة على اتخاذ القرار. من النادر ان تجد عدد مدمني الخمر في المجتمع الاحدث في المدن التركية الكبيرة اقل من عددهم في المانيا. فهم يمسكون ـ من وقت الظهيرة ـ بكأس الراكيا في يد، وبالسيجارة في اليد الاخرى، مبرهنين بذلك على انهم لم يعودوا سادة انفسهم، وهم من الناحية الدينية، يمارسون بذلك نوعا من الشرك بالله، لأن الخمر ونيكوتين الدخان اهم عندهم من كل ما عداهما في العالم بمن في ذلك ربهم الذي خلقهم. فهم يستطيعون ـ في ظنهم ـ ان يعيشوا بدونه، ولكن ليس بدون الراكيا.
يهدف القرآن من وراء التحريم المطلق للخمر الى منع البدء في تعاطيها، حيث لا يبدو ضارا في حالة احتساء كأس واحدة. فالكأس الواحدة لا تبدو خطيرة في الظاهر يمكن في يوم ما ان تصبح كؤوسا عديدة، ومن المعتاد الا يرى المدمن انه معرض للخطر، وان يقدم ما لا حصر له من الاعذار والحجج لتبرير اعتياده التدخين او احتساء الخمر، في هذا الوقت بصفة خاصة، ومن ذلك كون المدمنين سعداء او تعساء، يعانون من ضغط العمل او في اجازة منه، جماعة او فرادى، مرضى او اصحاء، جوعى او شبعى.
لقد واجهت كرئيس مسؤول هذه المشكلة، فكنت، عندما انبه احد العاملين معي حتى قبل احتسائه الخمر بيوم واحد، كنت اعد معتديا على حقه في ان يعبر عن شخصيته بحرية (واواجه بذلك مشكلة مع مستشار شؤون العاملين). ومع ذلك، كان مستشار شؤون العاملين نفسه يستطيع ان يتأكد في اليوم التالي ان الموظف المعني صار في واقع الامر مدمنا للخمر. ومن ثم، فانه يعد رسميا من هذه اللحظة مريضا بادمان الخمر.
ان من لا يتعاطى الخمر، اذا وجد بين سكارى، سرعان ما يكتشف انه في مكان خطأ، اذ يرى هؤلاء انفسهم ظرفاء ومبدعين وقادرين على التخيل. ولقد استطعت ان اثبت لنفسي عكس ذلك تماما، عندما قمت بعزف مقطوعات موسيقية بذاتها على احدى الآلات النحاسية وتسجيلها ثلاث مرات. وكنت بين المرة والاخرى احتسي كأسين من ويسكي البربون من النوعية المفضلة لدي قبل اسلامي. وكان توقعي: ان عزفي سيكون افضل في كل مرة احتسي قبلها الويسكي، لكن جهاز التسجيل كشف الحقيقة الصاعقة!
شعرت بخجل شديد من سلوك بعض مواطنيّ ونحن على متن احدى طائرات شركة لوفتهانزا، في طريقنا الى جدة. فكنا كلما اقتربنا من السعودية بمناخها الشديد الجفاف، ازداد طلبهم وبالحاح شديد للخمر حتى انهم طلبوا من المضيف اربع زجاجات في وقت واحد ـ كما لو ان المرء يستطيع ان يجتر الخمر بعد ذلك كالجمل، ولقد كان مشهدهم مخزيا، وهم يغادرون الطائرة حاملين في ايديهم شجرة عيد الميلاد مغلفة بالبلاستيك ويترنحون من السكر.
واثبت في هذه الوقائع انه قد لا يكون هناك عائق في طريق انتشار الاسلام في المانيا اقوى من التحريم القرآني للخمر ولحم الخنزير. فلن يتنازل الألماني في بافاريا ولا في كولونيا عن طعامه المفضل من لحم الخنزير، ولا عن خمره المفضل.
وتجد الألماني يتغنى بجمال الفتيات التركيات، وبحق المرء في تعدد الزوجات اذا اراد، ورغبته بالتالي في ان يكون تركيا. ولكنه سرعان ما يعدل عن هذه الرغبة، ويصرخ بأنه لا يريد ان يكون تركيا لان الاتراك لا يشربون الخمر. وما كان يمكن ان يكون مجديا على الاطلاق ان يصير تركيا، وان كان الاتراك يتعاطون الخمر الآن، اذ يعاقب القانون في تركيا حاليا على تعدد الزوجات ولا يعاقب على تعاطي الخمر.
ان المسلم، بتناوله كوبا من الماء او العصير بين اناس يحتسون الخمر، يفسد عليهم بهجتهم، لان ما يفعله ينطوي على عقاب معنوي لهم. لذلك، اصبح من النادر بعد اعتناقي الاسلام ان ندعى، زوجتي وانا، الى حفلات خاصة او الى حفلات رقص، وكأن المرء لا يسعد الا بالخمر، وهكذا، اصبحنا معزولين "منبوذين".
اختلاف البيئة المناخية
كثيرا ما يساق اختلاف البيئة المناخية كحجة ضد التحريم الاسلامي للخمر ولحم الخنزير في مجتمعنا (المجتمع الالماني) بدعوى ان هذا التحريم لا يناسبه مناخيا. وهذه حجة تفتقر الى المنطق، فالحقيقة ان اضرار الخمر في العصر التكنولوجي اكبر بكثير منها في القرن السابع، حيث كان اقصى ما يمكن ان يحدث للمخمور هو ان يسقط من فوق صهوة جواده، او ان يعتدي بالضرب على زوجته واطفاله، او ان يقطع اوتار سيقان الجمل، (كان وقوع حدث شرير من هذا القبيل مناسبة لنزول احدى آيات تحريم الخمر في القرآن).
وما يزال النساء والاطفال يتعرضون اليوم للضرب تحت تأثير الخمر. وكذلك تسقط الطائرات اليوم تحت تأثيره. ولقد تسبب قائد احدى الناقلات البحرية تحت تأثير الخمر في وقوع اسوأ كارثة بيئية حتى الآن. وعلى الرغم من توفر احصاءات عن حوادث الطرق وحوادث المصانع، فانه لا يمكن تقدير الخسائر البشرية والمادية التي تصيب المجتمع الغربي بسبب ادمان الخمر والمخدرات. وفي بعض المستشفيات التركية، تتجاور اقسام علاج الادمان واقسام علاج الامراض العقلية، لما ينطوي عليه ذلك من انذار، ان عاجلا او آجلا، هذا اذا ما دمر العقل قبل ان يتوقف الكبد عن أداء وظائفه.
لقد كنت واحدا من ضحايا حوادث المرور التي تقع تحت تأثير الخمر، ففي نهاية عام دراسي في كلية الاتحاد بشينيكتادي بولاية نيويورك، قمت بجولة في الولايات المتحدة الاميركية "بطريقة الاوتوستوب". (اي ايقاف السيارات والانتقال بها مجانا من موقع الى آخر). وفي اثناء هذه الجولة، تعرضت يوم 28 من يوليو (تموز) عام 1951 لحادث سيئ بالقرب من هول سبرنجز بولاية مسيسيبي، فبينما كنا في طريقنا على الطريق السريع من اتلانتا بولاية جورجيا الى ممفيس في ولاية مسيسيبي، ظهر امامنا ونحن على مقربة من غايتنا شبح. ولا اتذكر شيئا عما حدث بعد ذلك. ولكني علمت في ما بعد ان هذا الشبح لم يكن سوى سيارة اصطدمت بنا، كان سائقها ومرافقه قد احتسيا كميات كبيرة من الخمر في تنيسي، التي تسمح باحتسائه اثناء القيادة، قبل ان يتوجها الى مسيسيبي التي تمنع احتساءه اثناءها.
وكانت خسائرنا اقل فداحة من خسائرهم، لاننا كنا نركب سيارة شيفروليه مصنوعة في عام 1941، اي قبل الحرب، وكانت اشد متانة من السيارة التي كانوا يركبونها وهي شيفروليه من انتاج عام 1943 اي اثناء الحرب.
ولقد تبين لي بوضوح ان ذراعي المصابة الآن، والتي كنت اضعها على وسادة المقعد الخلفية، قد وقتني مما هو اكثر، وكان من الواضح ايضا انني ما كنت لأنجو لو ان قامتي كانت اقصر بمقدار ثمانية سنتيمترات فقط، لانني كنت سأنكفئ في هذه الحالة على انفي وعيني بسرعة حوالي 160 كيلومترا في الساعة. ومع ذلك، كانت خسارتي في هذا الحادث تسع عشرة من اسناني. وبعد انتهاء الجراح من خياطة ذقني وشفتي السفلى، سألني قائلا: انه من الممكن اصلاح وجهي بعد سنوات عن طريق اجراء عملية تجميل، واضاف قائلا: "ان مثل هذا الحادث لا ينجو منه في الواقع احد، وان الله يدخر لك يا عزيزي شيئا خاصا جدا".
ولقد كنت افكر في هذا الامر، وانا اتجول في هول سبرنجز بذراع مربوطة وضمادة تحيط بالذقن وفم مخيط. وكنت افكر في ما أرفه به عن نفسي في يوم عيد ميلادي العشرين. ولكن كل شيء كان يؤلمني.. تناول الطعام او الشراب، او التنزه، او الاجابة عن الاسئلة، واخيرا ذهبت لأقص شعري، فهذا على الاقل لا يؤلم. ولم ادرك المغزى الحقيقي لنجاتي وبقائي على قيد الحياة الا بعد ثلاثين سنة، عندما اشهرت اعتناقي للاسلام.

رمضان اختبار صعب لجلد المسلم وقوة احتماله
ما زلنا في رحاب الرحلة الإيمانية التي قادت الدكتور مراد هوفمان السفير الألماني السابق الى اعتناق الإسلام حيث يقول: بعد بضعة أشهر من اعتناقي الاسلام، حل شهر الصيام، شهر رمضان، وهو الشهر التاسع بين أشهر السنة الهجرية. وكنت انتظر حلوله بشيء من القلق والخوف، لأنه اختبار صعب لجلد المسلم وقوة احتماله، يجسد قمة وعيه وصحوته. ففيه ينبغي علي ان امتنع لمدة 29 أو 30 يوما من الفجر الى غروب الشمس عن الطعام والشراب والتدخين ومعاشرة الزوجة، ولكن مع ممارسة عملي كالمعتاد.
عرفت الصيام لأول مرة في عام 1977، على متن احدى طائرات شركة الخطوط الجوية اليوغسلافية JAT المتجهة من بلغراد الى اسطنبول، فلقد لاحظت ان يد جاري في الدرجة الاقتصادية لم تمتد الى الطعام إلا بعد رفع آنية طعام بقية الركاب، وعندما حان موعد الافطار الذي كان يتابعه بالنظر الى ساعته من حين الى آخر. وأثناء اقامتنا في بلغراد، كنا كثيرا ما ندعو رمضاني رمضان، البستاني الذي يرعى حديقتنا، الى طعام الافطار، اذ كان يثير شفقتنا باصراره الشديد على الصيام. فلقد كان يمتنع تماما عن تناول اي طعام عندما يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. ولقد قمت بصيام اسبوع من قبيل التعاطف معه. ومع ذلك، فان المرء لا يتعلم صيام 30 يوما الا بصومها فعلا.
د. هوفمان: الصوم فرصة لاختبار المرء لنفسه وإذكاء الإحساس الاجتماعي
في بون، كان من بين المهام الموكولة إلي اقامة حفلات عشاء لضيوف اجانب. وكان عدم مشاركتي لهم الطعام يثير حرجا شديدا: فهل اعاني توعكا في معدتي؟ ام ان الطعام الذي طلبته لهم بنفسي لا يرقى الى مستواي؟ وفي مثل هذه المناسبات، كنت اتذكر السهولة التي كان يمكن بها الاعتذار عن عدم تناول العصير او القهوة التركية التي كانت تقدم لي في وزارة الخارجية اليوغسلافية في شهر رمضان. وفي واقع الأمر، فان صيام رمضان لا يصبح مناسبة تسعد المرء على مدار العام كله الا عندما يكون في محيط مسلم، حيث يكون شهرا مشبعا تماما بالروحانيات.. شهر سلام داخلي واخاء.
المكونات المادية والمعنوية لرمضان
يشتمل الصوم في الإسلام، مثل كل العبادات، على مكونات مادية واخرى معنوية، لا ينفصل بعضها عن بعض. ويبدأ الحرمان البدني بامتناع المرء عن تناول قهوة أو شاي الصباح. وينخفض السكر في الدم اثناء النهار، حتى ليكاد المرء يصاب بالإغماء. ويسهل على المرء، من ناحية اخرى، ان يعرف كيف يعمل نظامه البيولوجي. فبالنسبة لي، هناك على سبيل المثال فترتان للنشاط الوفير في النهار، هما الساعة الحادية عشرة والساعة السادسة عشرة بعد الظهر. ولقد استفدت من ذلك على نحو نظامي، حيث وزعت عملي اليومي تبعا له الى: ما ينبغي، وما يجوز، وما يمكن عمله.
وكانت المجموعة الأولى من الأعمال هي ما أقوم بأدائه بقدر الامكان عندما يستفيد ضغط دمي من الذروة البيولوجية المخططة. فكنت احاول ان اقود سيارتي لمسافة 13 كيلومترا في طريقي من مقر قيادة حلف شمال الأطلسي الى مسكننا في أكسيل، وأنا في أوج نشاطي. وكنت أزيد من حذري حتى لا أعرض نفسي أو غيري للخطر. ففي شهر رمضان، تزداد بالفعل حوادث المرور، وبصفة خاصة عندما يحاول أرباب الأسر اللحاق بالافطار في منازلهم. ولقد لقي خمسة من مواطنينا من ألمانيا الشرقية سابقا حتفهم بالقرب من القنيطرة يوم 25 من فبراير (شباط) عام 1993، ثالث أيام شهر الصوم، عندما حاول سائق سيارة نقل ان يتجاوز الحافلة التي يستقلونها، فصدمها، فانقلبت بهم. وارجع الحادث الى ضعف تركيز قائد السيارة بسبب الصيام.
واليوم الثالث من أيام الصوم يوم عصيب، يكون فيه المرء في أسوأ حالاته، ويصاب بصداع شديد تزداد حدته اذا ما استلقى ليسترخي. ومع ذلك، يبدأ الجسد بقدرته الهائلة على التكيف في التأقلم منذ هذه اللحظة مع المعطيات الجديدة، فتخف حدة الصداع والاحساس بالجوع، ويستطيع المرء ان يرى من يتناول الطعام دون ان يحسده. ومع انني كثيرا ما اشعر في المساء بانني نقصت، ولا استطيع القراءة، واجلس امام شاشة التلفزيون بلا ارادة، فانني لا اشعر برغبة في الطعام وبخاصة اللحوم.
مدفع الإفطار
ويستطرد هوفمان حديثه عن صيام شهر رمضان المبارك قائلا: يعلن عن نهاية يوم الصوم في العالم الإسلامي باطلاق مدفع، وعندئذ يتناول المرء بعضا من الماء أو من العصير. وعددا فرديا من ثمرات التمر او الزيتون، ثم يؤدي صلاة المغرب شاكرا لله أن اعانه على صيام اليوم. ويبدأ تناول وجبة الافطار في كل من الجزائر والمغرب بتناول شاي بالنعناع الأخضر، وحساء داكن اللون هو شوربة الفريك الجزائرية، والحريرة المغربية التي يختلف مذاقها الى حد ما من منزل الى آخر، الى جانب بيضة مسلوقة وتمر وتمر بالعسل، الذي كان طعام الرسول صلى الله عليه وسلم المفضل. وسرعان ما ينتعش الجسد مرة أخرى. وبعد فترة توقف قصيرة، يتناول المرء وجبة كاملة من اللحوم، وفي المغرب من الدجاج، ولحم الضأن المشوي، والكسكسي باللحم البقري، وحلوى وفواكه. وكان كل ذلك يتم للأسف بسرعة حتى انني اعود الى منزلي في الساعة التاسعة مساءً من دعوات للافطار في الساعة السابعة والنصف مساءً.
يختلف مفهومي عن رمضان، المبني على اتباعي للسنة، عن الكيفية التي يمارس بها في بعض البلدان الإسلامية، ومن بينها المغرب. فالناس هناك يميلون الى ان يعوضوا في الليل ما فاتهم في النهار، فيشاهدون التلفزيون، ويلعبون الورق (الكوتشينة) حتى منتصف الليل، حيث يتناولون وجبة ثالثة (السحور). ومن ثم، لا يأخذ كثيرون من الجزائريين والمغاربة قسطا كافيا من النوم، بل انهم لا يتمتعون في الساعات القليلة التي يخلدون فيها الى النوم بنوم مريح من فرط اتخام معداتهم بالطعام. ويترتب على ذلك، انهم لا يلحقون بصلاة الفجر، وبصفة خاصة في رمضان. ولا يفيدون بشيء في ضحى اليوم التالي. ومن شأن هذا أن ينمي الاتجاه الغريب نحو استبدال الليل بالنهار في رمضان.
وفي واقع الأمر، يرتفع كثيرا استهلاك الأغذية في هذه البلدان في رمضان، بدلا من ان ينخفض. أما ما ينخفض بالتأكيد، فهو انتاجية العمل. ويؤثر رمضان على الانتاج القومي في هذه البلدان، كما لو كان فترة اجازة ثانية. أما ما أراه عبثا، فكان دعوتي من قبل شخصيات رفيعة المستوى الى تناول طعام الافطار باستخدام أدوات مائدة مصنوعة من الذهب، وكذا أن يبدأ المسلم تناول الطعام بقول: "Bon Appetit"، أي "شهية طيبة"، بدلا من قول "بسم الله" على طبق طعامه المليء بخيرات البحر، وقبل ان يؤدي صلاة المغرب. ولقد بدا لي دائما انه من غير المنطقي ان يصوم من لا يصلي. ولكن هذا السلوك يكشف عن حقيقة ان صوم رمضان اصبح يمارس في اقسام من عالم المسلمين على نحو يجرده من مغزاه الديني، ويجعله جزءا متحررا من المدنية. وهذا يفسر ايضا السلوك الغريب من جانب بعض المسلمين اذ يمتنعون عن تناول الخمور في شهر رمضان، باعتباره شهر اسلام مقابل احد عشر شهرا للراحة من الإسلام!
السحور وقرآن الفجر
يمضي يومي في رمضان في الفترة بين عاميّ 1987 الى 1994 على نحو مختلف تماما. فأنا آوي الى فراشي بعد صلاة العشاء، أي حوالي الساعة الحادية عشرة، وأضبط المنبه على الساعة الثالثة والنصف او الرابعة صباحا، لاستيقظ قبل بداية الصوم بنحو 40 دقيقة كي اتناول، قبل انطلاق مدفع الامساك، طعام السحور واشرب كثيرا من الماء. وبعد ذلك، اقضي ما تبقى من وقت حتى الفجر في قراءة القرآن. وبعد صلاة الفجر، أنام ساعتين. وكان العمل في سفارتي يبدأ متأخرا ساعة عن المعتاد. وكنت انجز بالفعل اكثر مما انجز في الأيام العادية، خاصة ان العمل يشغل عن الاحساس بالمعدة الخالية. وكنت في رمضان اجلس في مآدب غداء العمل الدورية التي يقيمها زملائي من البلدان اعضاء الاتحاد الأوروبي وأمامي طبق خال. وكان زميلي الفرنسي في الرباط مسيو دي كونياك يشاركني سلوكي "تضامنا" منه مع ابناء البلد المضيف، كما كان يقول، وهذا مما يعد تصرفا سياسيا بارعا.
الدروس الحسنية
ويقول هوفمان: كان يوم عملي في رمضان ينتهي عادة بحضور دروس دينية "درس الحسنية" في القصر الملكي بالرباط. وكانت الحكومة المغربية باكملها، وهيئة الأركان العامة، وعلماء المسلمين، وسفراء الدول الاسلامية، يجتمعون يوميا، ابتداء من الساعة الخامسة بعد الظهر في القصر الملكي المغربي. وكنا نستمع الى تلاوة قرآنية الى ان يصل العاهل المغربي الملك الراحل الحسن الثاني والأمراء. وكان من يلقون الدروس محاضرين مدعوين من جميع أنحاء العالم الاسلامي، من بينهم مسلمون اميركيون، واعلام كالشيخ محمد سيد طنطاوي من القاهرة شيخ الأزهر الحالي، وكانوا يجلسون على المنبر التقليدي، بينما يجلس الملك الحسن الثاني مثلنا جميعا عند أقدامهم في مربع حولهم.
كنت أنا وزملائي المسلمون نتناوب الدعوة الى طعام الافطار حوالي الساعة السابعة مساء. وعندما كان دوري يحين، كان بهو مقر اقامتي في سويسي الواقع بين غرفة الاستقبال (الصالون) وغرفة الطعام يتحول الى مسجد، حيث كانت ارضه تغطي بسجاجيد صلاة. ولقد صارت العلاقات والصلات التي اقمتها في هذه المناسبات مع بعض من اعضاء الحكومة ومن مستشاري الملك الراحل الحسن الثاني ذات طبيعة دائمة وقوية بمرور الوقت. ومن المعتاد، ان افقد بانقضاء شهر الصوم ما يتراوح بين 8 ـ 5 كيلوجرامات من وزني. وبتعبير أدق: فانني اقترب من وزني المثالي.
حركات تجويع بهلوانية
ينطوي الصوم، الى جانب بعده المادي، على بعد روحاني يصير بدونه مجرد حركات تجويع بهلوانية. وشهر رمضان شهر معظم، لما له من أهمية في تاريخ العالم. فلم يشهد رمضان موقعة بدر (عام 622م) ذات الأثر الحاسم في بقاء وتثبيت المسلمين الأوائل فحسب، وانما الأكثر اهمية من ذلك ان به ليلة القدر التي بدأ فيها نزول الوحي بالقرآن. وعن هذه الليلة احادية الرقم التي تقع بين الليالي الأخيرة من رمضان، يقول الله في السورة 97: بسم الله الرحمن الرحيم "إنَّا أنزلناه في ليلة القَدْر @ وما أدراك ما ليلةُ القدْر @ ليلةُ القدْر خير من ألف شهر @ تنزَّل الملائكةُ والرُّوح فيها بإذن ربهم من كل أمر @ سلام هي حتى مطلع الفجر". هذا نص يصلح للتأويل والتفكر.
لقد جرت العادة على اعتبار ليلة السابع والعشرين من رمضان ليلة القدر. وتشترك ليلة القدر مع ليلة عيد الميلاد، وان يكن عن بعد، في ان المرء يهدي فيها (إخراج زكاة الفطر). كما تقام فيها ـ كغيرها من ليالي رمضان ـ صلاة التراويح، وتكثر تلاوة القرآن والتواشيح والأدعية. ومن ثم، فما لم يدرك المرء في هذه الليلة مغزى الرسالة والوحي، فمتى عساه يدركه؟!
وصوم رمضان، فرض على المسلمين. وهم يعتبرونه عبادة، باعتباره احد أركان الاسلام الخمسة التي لا تحتاج الى تبرير مقنع. فالمسلم، بوصفه عبدا لربه، يصوم لأنه أمره بالصوم. فالطاعة هنا واجبة. ويستطيع المرء ان يكتشف بسهولة ان هذا الفرض لم يفرض لله، وانما فرض من الله للناس.
منذ ان عادت رشاقة القوام لتصبح زيا سائدا (موضة)، راح النساء يتبعن نظما للتغذية تذكر بالصوم، كما يمكن ان تؤدي الى نحافة مرضية. ومع كثرة الحديث في الآونة الأخيرة عن اضرار الكوليسترول والوزن الزائد، ظهرت عروض مختلفة لبرامج التخسيس او انقاص الوزن.
إذكاء الإحساس الاجتماعي
ومن ناحية الصوم الاسلامي، فانه يفي بهذا الغرض وزيادة. فهو يؤدي، على سبيل المثال، الى اذكاء الاحساس الاجتماعي حيث يشعر الصائم مرة واحدة على الأقل في السنة بما يشعر به من يرغم على الصوم في العام كله، بسبب ما يعانيه من شح في الغذاء او المال.

يتبـــــــــــــــع

القلب الحزين
15-12-2013, 07:37 PM
يتبـــــع الموضوع السابق (5 )
قصة إسلام مراد هوفمن


وبالنسبة لي، لعل اهم اثر جانبي لصوم رمضان فيّ، انني استطيع ـ في رمضان ـ ان اختبر ما اذا كنت ما أزال سيد نفسي أم انني صرت عبدا لعادات تافهة، وما اذا كنت ما ازال قادرا على التحكم في نفسي ام لا. واتمنى ان يكون فرحا وليس غرورا ذلك الذي اشعر به بعد انتهاء آخر أيام رمضان، اي عند صلاة المغرب، من أنني استطعت بعون الله ان اصومه.

اختلاف رؤية هلال رمضان يعرض المسلمين لسخرية البعض
استوقفت المفكر الاسلامي الدكتور مراد هوفمان السفير الالماني السابق في رحلته الايمانية التي قادته الى اعتناق الاسلام في مطلع الثمانينات، ظاهرة اختلاف رؤية هلال رمضان التي تتجدد كل عام في العالم الاسلامي، على الرغم من المؤتمرات والندوات التي تشير بياناتها الختامية الى ضرورة توحيد رؤية هلال رمضان في البلاد الاسلامية.
ويقول هوفمان متسائلاً: من ذا الذي يستطيع ان يقول لي بثقة متى يبدأ رمضان؟ ومتى ينتهي؟ وقد يقول المرء ان تحديد متى واين يظهر الهلال الجديد امر فلكي يقين في ايامنا هذه. وهو بالفعل كذلك. ومع ذلك، فمن المخزي ان يظل مسلمو هذا الارض مختلفين في ايام بدء وانتهاء صومهم، تبعاً لكونهم اتراكاً او مغاربة او مصريين. وهذا امر من شأنه ان يضر بالصوم كحدث اجتماعي، وان يعرض المسلمين لسخرية البعض.

د. هوفمان: اليس من الممكن توحيد مواعيد شهر الصوم في العالم الاسلامي بناء على الحسابات الفلكية بالقياس الى مكة؟
يرجع الدكتور مراد هوفمان اختلاف رؤية هلال رمضان في البلاد الاسلامية الى سببين: أولهما، ان الأمة مجزأة الى دول قومية، ولا يكفي التركي او المغربي ان يعرف ان رؤية الهلال ثبت في مكة، اذ لا بد بالنسبة لكل منهما ان تثبت رؤيته في قونية او فاس. ويترتب على ذلك اختلاف في تحديد يوم بداية ونهاية شهر رمضان، لأن الترتيب الوضعي بين الشمس والأرض والقمر يختلف في كل بقعة من الأرض عنه في غيرها. ويتباين الاختلاف في موعد ظهور القمر في يومين متتاليين عن الاختلاف فيهما في موعد شروق الشمس، فيبلغ دقيقتين في شروق الشمس، بينما يبلغ خمس عشرة دقيقة في ظهور القمر.
أما السبب الثاني، فيدركه المرء على نحو أفضل. فلقد جرت العادة في عصور الاسلام الأولى على ان تثبت رؤية الهلال بالعين المجردة، وليس بالحسابات الفلكية او بالتنبؤات، وهو ما لم يمثل في ما مضى ولا يمثل اليوم أي مشكلة، بفضل الظروف المناخية في شبه الجزيرة العربية. واستنادا الى ذلك، يرى بعض الفقهاء المتشددين أن رؤية هلال رمضان بالعين المجردة من شخص موثوق به تقليد ضروري لا غنى عنه، وان الحسابات الفلكية غير كافية في هذا الشأن. ويعادل رفض التواريخ الفلكية عدم الأخذ في قانون العقوبات بدليل مبني على اساس غير قانوني.
الإجراءات الموروثة
ويتمسك المتشددون بالاجراءات الموروثة لتحديد بداية الشهر القمري، حتى وان حالت الظروف المناخية دون رؤية الهلال الذي يكون موجودا بالفعل. ويمكن ان يترتب على ذلك، كما حدث في عام 1994، ان يفطر المرء في المغرب متأخرا يومين عنه في السعودية. وعندما نقلت الاحتفالات بعيد الفطر في مكة، عبر وسائل الاعلام، في ثاني ايام الصوم الزائدة في المغرب عنها في السعودية، رأى بعض البسطاء في المغرب ان هذا الاختلاف أمر مخز ومشين! أليس من الممكن حقا ان توحد مواعيد شهر الصوم في انحاء العالم الاسلامي كافة بناء على الحسابات الفلكية بالقياس الى مكة، أسوة بما هو متبع في حالة تحديد مواقيت الحج، ومن ثم أيضا عيد الأضحى؟!
وعندما يتناول المرء يوم عيد الفطر أول قدح من القهوة في أول افطار منذ 29 أو 30 يوما، يشعر بألذ مذاق. وعند صلاة العيد في المسجد لا يلتقي المرء الا بأناس تشع منهم اشراقة داخلية. ولعل مما يبدو غريبا وان كان حقيقة ان يشعر المرء بالجوع عند الظهر لأنه تناول طعام الافطار، بينما ينسى طعام الغذاء في رمضان على الرغم من انه لم يتناول طعام الافطار. وهكذا تعود الأيام سيرتها الأولى.
زر رمضان
انني احتفظ لنفسي بما أسميه "زر رمضان". فعندما تكون هناك ضرورة بين الحين والآخر على مدار العام لترك وجبة او وجبتي طعام، اضغط ذهنيا على هذا الزر الذي يعيدني نفسيا الى رمضان بنفس الوضع ونفس الشعور. وسرعان ما احتمل جوعي، ولا اعيره اهتماما. وانني اترقب رمضان المقبل بسعادة غامرة، حتى وان لم يصدقني في ذلك احد.
مع مسلمين حول مائدة الطعام
ويذهب هوفمان الى انه اذا كنا قد تحدثنا في ما سبق عن الصوم أو الامتناع عن تناول الطعام، فلقد آن لنا ان نؤكد ان المسلمين لا يأكلون فقط، وانما يحق لهم ان يأكلوا باستمتاع وتلذذ كل ما هو صحي، وهذا يعني كل شيء ما عدا لحم الخنزير (والخنزيرالبري أيضا)، والميتة ومنتجات الدم مثل السجق المصنوع من الدم، ومشتقات الخنزير كالحلوى التي يدخل شحم الخنزير في صناعتها، وكذا الحلوى التي تحتوي على خمور.
ومن الخطأ تصور ان تحريم القرآن لتناول لحم الخنزير انما يعود الى اسباب مناخية فقط، او الى عدم القدرة على التعامل مع الدودة الشريطية في القرن السابع الميلادي. فنحن نعلم اليوم ان تناول لحم الخنزير يؤدي الى الاصابة بسرطان الامعاء وبالتهاب المفاصل، وبالاكزيما والدمامل والى ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم والى الاصابة بحمى القراص بسبب ارتفاع نسبة الهستامين.
ان تناول الطعام جلوسا على الأرض حول قطعة من الجلد دائرية او مربعة او بيضاوية الشكل، وليس على منضدة لا يقتصر فقط على البدو المرتحلين في الصحراء، وانما يمارسه ايضا بعض اخوتي المؤمنين في ألمانيا. فنحن عندما نتناول طعامنا على سبيل المثال في دار الاسلام في ليتسيل باخ في أودن فالد، نعد قطعة مماثلة من الجلد في قاعة الاجتماعات والصلاة، ونجلس او نستلقي عليها مثلما كان الاغريق الأقدمون يفعلون، وان يكن بدون نبيذهم. وهكذا يفعل بعض المسلمين في الغرب تقليدا، ولو في بعض الشكليات غير المهمة، للرجل الذي يدينون له بالكثير من الفضل... محمد صلى الله عليه وسلم. وتنطوي قطعة الجلد المشار اليها على معنى رمزي. فهي تذكرنا باننا جميعا بدو مرتحلون دائما على طريق عودتنا الى الله.
سلوك عملي
هذا السلوك في واقع الأمر سلوك عملي، اذ ان حمل ونقل هذه القطعة من الجلد أيسر كثيرا من تحريك منضدة في مسكن، او من شحنها في سيارة. وهكذا يمكن استغلال المكان الذي يتناول فيه المرء الطعام على رقعة (قطعة) الجلد في اغراض متعددة. ولكن ينبغي ملاحظة انه قليلا ما يتناول المرء الطعام واقفا أو جالسا القرفصاء او مستلقيا بما يضغط على المعدة. فالجلسة الصحية تكون بمد الساقين ناحية اليمين، مع الاتكاء على الذراع الأيسر. ومن ثم تبقى اليد اليمنى طليقة لتناول الطعام بها.
هناك، مع ذلك، في العالم العربي أيضا من يتناول الطعام واقفا كما هو الحال في تناول الطعام في محلات الوجبات السريعة في اوروبا واميركا. وفي الجزائر، جرت العادة على ان يتناول الناس شاة مشوية وهم وقوف حول منضدة الطعام، حيث يمكن ان تلتهب اصابع يد من يبدأ بقطع اللحم، الذي يؤكل معه خبز وبصل وملح وكمون. أما في بقية البلدان العربية من المغرب الى السعودية، فيأكل الناس الشياة المشوية وهم جلوس.
تعد التغذية السليمة، من اجل الحفاظ على سلامة الجسم، لصالح المرء نفسه ولصالح اهله، في المنظور الاسلامي فرضا، ومن ثم عبادة. لذلك يبدأ المسلم تناول طعامه بالبسملة، اي: بسم الله الرحمن الرحيم، وينهيه بالحمد، أي الحمد لله. وبما ان تناول الطعام عبادة، فان المسلم لا يقطع تناوله للطعام عندما ينادي المؤذن لعبادة اخرى، هي الصلاة، طالما كان هناك متسع من الوقت لادائها.
ولأن تناول الطعام عبادة، يحرص المرء على الا يسرف فيه، وعلى ألا يتناول منه ما يزيد على حاجته، وعلى ان يتوقف عنه على الرغم من شعوره بأنه يستطيع ان يستمر فيه، وعلى ألا يشبع حتى الامتلاء. وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا" (الاعراف: 31).
ومن المفروض ان يتوقع المرء ان يأتيه ضيوف فجأة، ولذلك ينبغي اعداد طعام يكفي لعدد اكبر من عدد الموجودين بالفعل. وتقضي التقاليد الاسلامية في مثل هذه الحالات، بان طعاما لفردين يكفي لثلاثة أفراد، وان طعاما لثلاثة أفراد يكفي أيضا لخمسة. لذلك لا يجد المرء في بلاد المسلمين حرجا في ان يزور احدا في وقت تناول الطعام، أي كما يقول الاميركيون جرب "حظك مع القدر".
الضيف المفاجئ
من كان مثلي وزوجتي، مضيفا رسميا في العالم الاسلامي يعرف ان المرء لا يستطيع ان يتوقع بدقة عدد من سيأتيه من ضيوف على مائدة العشاء فمن المحتمل ان يتخلف عدد غير قليل من المدعوين عن الحضور، بعد ان يكونوا قد اكدوا انهم سيحضرون. ومن المحتمل ايضا ان يحضر عدد من الضيوف يزيد كثيرا عن عدد الذين وجهت اليهم الدعوة مما قد يسبب حرجا للمضيف وللضيوف على السواء.
بسبب مثل هذه المواقف التي تساهم في اظهار العربي في صورة المهمل، كنا نتجنب بقدر المستطاع توجيه دعوة الى تناول طعام العشاء جلوسا حول منضدة، وفق ترتيب معين الى نحو 24 شخصا. وبدلا من ذلك، كنا نفضل ان ندعو الى تناول طعام العشاء في بوفيه مفتوح يصل الى 85 مدعوا ينتشرون على كثير من المناضد صغيرة الحجم موزعة بدون ترتيب تقريبا.
لذلك، يعزى تخلف ضيف عربي عن تلبية دعوة الى تناول طعام العشاء، على الرغم من التأكيد المسبق بالحضور، الى اسباب كثيرة غير العقبات المرتبطة بالعمل. ومن ذلك على سبيل المثال ان يكون قد استقبل ضيوفا على نحو مفاجئ، او ان تصر زوجته على ان ليس لديها ما ترتديه من الثياب. الا ان ما اصابني بدهشة الجمت لساني، كان اعتذار ضيف شرف مغربي عن عدم حضور حفل عشاء اقمته على شرفه، لأنه لم يكن يشعر بجوع. وكان هذا فيما اعتقد اصدق أسباب الاعتذار.
التفاخر والمباهاة
ولقد كنت انا وزوجتي نلبي جميع الدعوات التي توجه الينا، سواء أكانت دعوة من وزير أم من سائق سيارتي، أم دعوة من اميرة أم من خادمتنا. وهكذا أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يلبي حتى دعوات العبيد، ولم يجز رفض الدعوة إلا لسببين، وهما ان تؤدي الدعوة الى استدانة الداعي، او ان تكون لغرض التفاخر والمباهاة. ولذلك، لم اشعر بحرج لرفض دعوات كثيرة وجهت لي لحضور حفلات زفاف، لعلمي ان والد العروس يبغي المباهاة بحضوري كسفير.

"الإتيكيت" الاسلامي في الطعام يختلف تماما عن "الإتيكيت" الغربي.
يختتم المفكر الاسلامي الدكتور مراد هوفمان السفير الالماني السابق حديثه عن رحلته الايمانية التي اوصلته الى بر الامان باعتناقه الاسلام. وبعد ان توقفنا معه طويلا في محطة من المحطات المهمة في هذه الرحلة في حلقة الامس، حيث تحدث عن الاجواء الروحانية التي يعيشها المسلم في مشارق الارض ومغاربها خلال شهر رمضان المبارك، الذي هو شهر التوبة والغفران بمعنى انه شهر خلاص المسلم من الآثام والذنوب وأمل المسلم في المغفرة والرحمة. ينقلنا اليوم بحديثه عن آداب الطعام عند المسلمين الى جو آخر وعالم مختلف.
ويتحدث الدكتور هوفمان في هذه الحلقة عن كيفية تنظيم الاسلام لنواحي الحياة كافة، مستعرضا الملامح العامة التي تشكل آداب الطعام عند المسلمين اي "الاتيكيت" الاسلامي في الطعام الذي يختلف اختلافا كليا عن "الاتيكيت" الغربي في الطعام، مشيرا الى آداب وتقاليد كل منهما في مقارنة سريعة.
د. هوفمان: آداب الطعام في المغرب لها تقاليد راسخة وطقوس جميلة.
< يقول الدكتور هوفمان مثلما ينظم الاسلام نواحي الحياة كافة، فانه كذلك ينظم آداب الطعام، وهي ما نسميه "إتيكيت". والكثير من هذه الآداب مألوف لنا، لأنها آداب معروفة على نطاق العالم كله، بينما بعضها الآخر خاص بالمسلمين وحدهم، اهتداء بسلوكيات أتاها الرسول صلى الله عليه وسلم فعلا، او تنفيذا لتوصيات أوصى بها.
ففي بعض البيوت العربية، يستقبل الضيف بالتمور، ويساعده المضيف على خلع معطفه، ولا يتخذ مكانه في صدارة المجلس ما لم يصر المضيف على ذلك. وقبل تقديم الطعام، يتيح المضيف لضيوفه ان يغسلوا أيديهم، لأن المرء في نهاية الأمر يأكل بيده. ويحول بعض المضيفين، وبصفة خاصة في المغرب، الأمر الى طقوس جميلة وتقاليد راسخة، حيث يلتف الجميع حول حوض عليه صابون، بينما يصب الماء للضيوف شخص غالبا ما يكون هو المضيف نفسه. ويتكرر ذلك مرة اخرى بعد ان ينتهي الضيوف من تناول الطعام. ويقوم المضيف بتعطير يدي الضيف عند انصرافه بماء الورد او ماء البرتقال.
وينظف بعض المسلمين اسنانهم بالسواك، بعد الانتهاء من تناول الطعام. والسواك غصن صغير (سمكه حوالي 15 مم) من خشب لين تماما. ولدي أنا أيضا سواك حصلت عليه من المدينة المنورة، وميزته ان استخدامه لا يحتاج الى ماء ولا الى معجون أسنان.
لكي يستطيع المرء ان يتناول طعامه بيده، يجري تجزئة الطعام الى قطع صغيرة تغني عن الحاجة الى السكين. ومع ذلك، تقدم اليوم أدوات المائدة كاملة، ولا يقتصر الأمر على تقديم ملعقة الحساء فقط. ولا تسمح التقاليد باستخدام أدوات مائدة مصنوعة من الفضة، لا لكونها من مادة صنع النقود فحسب، وانما لأن ادوات المائدة الفضية ترف غير اسلامي بالنسبة لهم (وهو ما ينبغي ان يذكر به المرء بصفة دورية في مقار السفارات الاسلامية).
آداب الطعام
ويضيف السفير هوفمان قائلا: عندما يقدم الطعام، يأكل المرء مما يليه مباشرة من لحم او حلوى او فاكهة. ويهتم المضيف والجالسون بجوار المرء عادة بان يجد بطبقه كل ما لذ وطاب. وكثيرا ما يملأ لي البعض طبقي بما لذ وطاب دون اكتراث بمعارضتي الشديدة. ويخدم المرء نفسه ويأكل بثلاثة من اصابع يده اليمنى، هي الابهام والسبابة والوسطى، لأن الأكل باصبعين أمر عسير جدا، والأكل بكل اصابع اليد نهم مستهجن. واذا لم يستسغ المرء نوعا من الطعام فله ان يتركه جانبا ولا يأكل منه، وكان محمد صلى الله عليه وسلم نفسه يفعل ذلك، اذ كان لا يستسيغ الطعام الذي يحتوي على كثير من الثوم. ومن ناحيتي، فانني للأسف لا استسيغ طعم الكمون. ومرد الأسف هنا ان لهذا الصنف من التوابل دورا كبيرا في الشرق كله.
من اليسير على المرء ان يترك صنفا من الطعام دون ان يتناوله، عندما تقدم الوجبة باكملها ـ من المشهيات الى الحلوى ـ دفعة واحدة. ولقد خبرت ذلك، عندما دعاني الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الى تناول طعام الغداء معه، حيث كانت المائدة تبدو وكأنها تقوست تحت تأثير ثقل ما تحمل من طعام. وهو نفس ما حدث عندما كنت ضيفا على طعام الغداء يوم عيد الأضحى، على مائدة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود بمنى. ومن طبيعتي ان افقد شهيتي للطعام تماما عندما أرى أمامي ثمار الموز او الحلوى (تورتة بالكريمة) بجوار كبد مشوي او دجاجة محشوة بالنقل (المكسرات) وريش ضأن مشوي. لذلك، لم اتناول في منى سوى بضع ثمرات وقطعة خبز وثمرة موز، وانحنيت نحو الملك المضيف وانصرفت.
وتبعا لآداب الطعام عندنا في الغرب، يعد الانصراف فور الانتهاء من تناول الطعام اهانة بالغة، حيث اننا نشأنا منذ الطفولة على ألا ننصرف من حول مائدة الطعام قبل ان يأذن لنا الأم والأب. ولكن الأمر يختلف تماما حسب "الاتيكيت" الإسلامي، حيث يبدأ المضيف المسلم تناول الطعام (قبل ضيوفه ليثبت لهم سلامة الطعام وعدم خطورته) وآخر من يتوقف عن تناوله. وهكذا يبقى المضيف، حتى وان كان ملكا، آخر من يجلس بمفرده الى مائدته. ومن ثم، فقد كان سلوكي سليما.
وربما يستطيع المرء ان يعترض بأنني كنت استطيع على الأقل ان اجري في منى حوارا طيبا حول مائدة الغداء دون ان اتناول كثيرا من الطعام. حسنا! ولكن هذا ليس من الاسلام في شيء. فالمرء كضيف في بيت مسلم يستفيض في تجاذب اطراف الحديث قبل تناول الطعام، ويتحدث قليلا جدا اثناء تناوله، وينصرف بعد الانتهاء منه بقليل. ومن شأن هذا النظام ان يعطي للمضيف فرصة لتحديد طول الفترة التي يبقى فيها ضيوفه عنده.
اذا كنت قد تحدثت عن موائد عامرة باصناف وكميات الطعام، حتى لتكاد تتقوس من ثقله، فانني لم اقصد بذلك ان الاسراف، وفي المقام الأول القاء الطعام في اناء الفضلات، يمكن ان يكون سلوكا إسلاميا. بل انه على العكس من ذلك تماما. فالمضيفون المسلمون من دبي حتى مراكش يعتبرون ان من واجبهم اكرام الضيف وتدليله. وعلى أي حال، فهناك، خلف الكواليس، جيش كامل من العاملين ومن الفقراء مستعد لتلقي ما يتبقى من الطعام.
تمثل الحفاوة البالغة بالضيف في الشرق مشكلة لمن يزوره من الرسميين الألمان، لأن اللوائح المالية لجمهورية ألمانيا الاتحادية الغنية لا تسمح لممثليها ـ سواء كان رئيسا اتحاديا أو وزيرا أو مندوبا ـ ان يرد المعاملة بالمثل. ولا يعود ذلك فقط الى رقابة ديوان المحاسبات الاتحادي علينا، وانما هو ايضا نتاج لعملية وئيدة الخطى للتحول الى اقاليم، ولاشاعة البيروقراطية، وللفرز البروليتاري على نحو افقدنا القدرة على ان نحتفل وان نستضيف بكرم وحفاوة واناقة.
ولقد قدم المغرب، باستضافته مندوبي عالم المال بأكمله في مؤتمر الجات بمراكش في ابريل (نيسان) عام 1994، المثل على مدى اهمية كرم الضيافة في التقاليد الاسلامية. ولقد انصرف بعض المندوبين الغربيين، يسيطر عليهم شعور بالخزي، من ضيافة الأمير محمد ولي العهد المغربي الذي استضافهم استضافة ملوك في خيمة تغطي أرضيتها بسط فاخرة، قدمت لهم أثناءها ألعاب نارية.
المطبخ الإسلامي
بعد وصف الكيفية التي يجري بها تناول الطعام في العالم الاسلامي، يأتي الآن عرض للأطعمة التي يتناولها الناس هناك. والمطبخ الاسلامي، مثله مثل الفن الإسلامي، يتعرف عليه المرء للوهلة الأولى على الرغم من تنوعه الشديد. ويرجع هذا التنوع الشديد الى ان كل مجموعة قومية، من موريتانيا حتى بلوخستان، لها وجباتها القومية الخاصة بها، والتي تساهم بها في هذا المطبخ. وفي موسم الحج، تتحول مكة الى بوتقة يتحقق فيها انصهار مثالي لمطبخ إسلامي. ويتمثل القاسم المشترك في هذا المطبخ في سيطرة المطبخ التركي الذي يعد، الى جانب المطبخين الصيني والفرنسي، أحد أشهر وأشهى ثلاثة مطابخ في العالم. ويمكن للمرء في الواقع ان يحدد درجة تأثر المطابخ القومية المختلفة، كالمطبخ المصري والسوري واللبناني، بالمطبخ التركي.
وتشترك كل هذه المطابخ في كونها مثالا جيدا للعادة التركية المتمثلة في بدء تناول الطعام بتناول عدد لا حصر له من "المشهيات" (المزة) سهلة الهضم، الباردة او الدافئة، كالخضراوات والسلاطة والفواكه والبطيخ والكبد، المخ، والزبادي، وورق العنب المحشو وفاصوليا حمراء وسلاطة خيار... الخ. ولقد تبينت زوجتي اثناء جمعها وصفات (الاطعمة كثيفة العمل اليدوي) ان المشهيات تزيد على الوجبات الرئيسية في العالم الاسلامي بصفة عامة.
لقد جرت العادة في بلاد الخلفاء والسلاطين والأمراء ان يقدم الطعام في تتابع يأتي الحساء في نهايته، ويجري تناول قدح من شربات الفواكه بين الوجبات الرئيسية المكونة من السمك واللحم. ولكن الأمر يختلف عن ذلك في العالم العربي اليوم، اذ يهاجم المرء الضيف بأطباق متوالية من اللحم ظنا من المضيف ان طعامه يخلو عادة من اللحم.
يعلم الجميع ان الاسلام ليس دينا نباتيا. ولكن ربما لا يعلم الا القليلون من غير المسلمين انه محرم على المسلمين ان يأكلوا لحم الحيوانات التي لم تذبح وفق الشريعة الإسلامية. فوفقا للشريعة الاسلامية يذبح الحيوان راقدا وبسكين حادة جدا. ولتجنيب الحيوان الاحساس بآلام نفسية، لا بد من ان يغذى تغذية جيدة الى ان يحين موعد ذبحه، وألا يتعرض لمشاهدة حيوان آخر وهو يذبح، وألا يشاهد حتى السكين وهو يشحذ. بل ان من آداب الذبح في الاسلام، ان يخفي الجزار السكين خلف ظهره، وهو مقبل على الحيوان لذبحه. والجزار المدرب يقطع الحلق والمريء وشرايين الرقبة بضربة سكين واحدة، حتى يغيب الحيوان عن الوعي مرة واحدة، فينزف دمه تماما، ويسلم الروح بدون ألم.
أمر يدعو إلى السخرية
وبالنظر الى كل ذلك، يسمح للجماعة اليهودية في ألمانيا ان تذبح ذبائحها وفق الشريعة اليهودية، بينما يمنع المسلمون من هذا الحق، وهو امر يدعو الى السخرية. وفي شأن ذلك، يقول القرآن: "... فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم" (سورة الانعام: الآية 145). وتستنتج السلطات الألمانية من ذلك نتيجة "منطقية"، مؤداها انها اذا منعت المسلمين من ان يذبحوا ذبائحهم وفق شريعتهم، فسوف يضطرون الى اكل لحوم حيوانات لم تذبح وفقا لها. ولكن هذا التصور ينطوي على خطأ فادح في الحساب، لان اضطرار المسلم الذي ورد ذكره في القرآن ينطوي على محاولته درء خطر موت يتهدده جوعا. ومن ثم، فالمسلم في ألمانيا مضطر إما الى الاستغناء عن اللحوم بالأطعمة النباتية، وإما الى شراء اللحم من الجزارين اليهود.
يحذر القرآن من تحريم ما احله الله للناس من طعام: "قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نُفصِّل الآيات لقوم يعلمون" (سورة الأعراف ـ الآية 32). ومن ثم فانه يحث على تناول مواد غذائية بعينها، كاللبن والتمر والزيوت النباتية والأعناب والعسل الذي وصفه بأنه دواء "فيه شفاء للناس" (سورة النحل ـ الآية 69). ولذلك يضعه المرء في جميع الحلويات تقريبا في العالم الاسلامي، كالبقلاوة على سبيل المثال.
يمكنني ان اذكر على وجه السرعة وجباتي المفضلة في العالم الاسلامي. ففي المناطق الحارة، يحتاج المرء الى تناول الكثير من المشروبات التي تصل كمياتها الى 7 لترات يوميا، وبصفة خاصة اذا كان المرء يعيش منذ عشرين عاما باحدى كليتيه فقط. لذلك، فان اول ما يخطر ببالي من المشروبات هو اللبن باللوز، والقرفة والزنجبيل والقهوة التركي والشاي بالنعناع والقهوة التي تقدم في أبهاء فنادق المشرق العربي كافة والتي يشعر المرء بانه استعاد حيويته من جديد بعد ان يحتسي ثلاثة اقداح منها.
في أول زيارة لنا الى مكة في عام 1982، طلبنا في احد المطاعم ابريقا من القهوة، كما هي العادة في ألمانيا عندما يتناول مجموعة من الاصدقاء القهوة معا. وكلما كرر النادل السؤال اكثر من مرة عن طلبنا بهدف التأكد، أرجعنا ذلك الى مشكلات وصعوبات تتعلق باللغة.. واخيرا، احضر لنا طائعا ابريقا يمنيا تقليديا مملوءا بالقهوة العربية. لكننا لم نتمكن، بطبيعة الحال، من احتساء كل ما به كاملا، اذ شعرنا ان ضربات القلب راحت تتسارع بعد احتساء ما يعادل نصف قدح من الحجم الألماني.
طقوس إعداد الشاي الأخضر
كنا على موعد مع القدر، عندما أتيح لنا ان نشهد طقوس اعداد الشاي الأخضر بأوراق النعناع في ضاحية النخيل بواحة العطوف في جنوب الجزائر. وكنت قد القيت عام 1989 محاضرة في واحة بني عزجون المجاورة، حول عشر نقاط في العالم الاسلامي لا تروق لي، وبعدها قضيت ليلتي وحيدا في كوخ وسط عدد من اشجار النخيل. وفي الصباح، حضر مضيفي حاملا معه طعام الافطار وعددا من الاقداح والعلب. وغسل الابريق بماء ساخن، ثم غسل الشاي بماء ساخن داخل الابريق، وتخلص بعد ذلك من الماء ثم اضاف اوراق النعناع والكثير من السكر والماء المغلي الى الشاي. وراح بعد ذلك يصب الشاي في الاقداح من ارتفاع قدره حوالي نصف متر، دون ان تهدر نقطة واحدة منه ولا اعتقد ان هناك طريقة امتع من ذلك ليبدأ بها المرء صباح يوم جديد.
من بين اطعمة المسلمين التي افضلها: الباذنجان المحشو والمقلي، وسلاطة الجبن الفرنسي، والدجاج المحشو بالمكسرات، وريش الضأن، والحمص، والكباب، والأرز الشرقي وبخاصة الباكستاني (الذي يحتوي على كثير من القرفة والزبيب)، والتبولة والكسكسي الحلو، والعاشوراء، والمهلبية، وأم علي.

المصدر:
الهيئة ا لعالمية للمسلمين الجدد
http://www.4newmuslims.org/whyislama.htm

القلب الحزين
15-12-2013, 07:38 PM
قصة إسلام المطرب البريطاني كات ستيفن


بقلم فراس نور الحق
ولد كات ستيفنز جورجيو في 21 يوليو 1947 بلندن في بيت مسيحي متعدد المذاهب، فقد كان أبوه يونانيًا أرثوذكسيًا، بينما والدته سويدية كاثوليكية، في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع البريطاني طبقًا لتعاليم الكنيسة الإنجيليكانية، أدخلته أمه مدرسة دينية تعلم فيها أن الإنسان يمكن أن يصير إلهًا إذا أتقن عمله، فشجعه هذا على إجادة الغناء؛ إذ إنه سجل 8 شرائط قبل أن يبلغ العشرين من عمره، ووصلت إحدى أغنياته ضمن أفضل 10 أغنيات في بريطانيا آنذاك، فغيّر اسمه إلى كات ستيفنز، وهو الاسم الذي ذاعت به شهرته وأصبح يحلق في آفاق أوروبا كلها أثناء موجة "الهيبز" في ستينيات القرن الماضي ولم يكن قد تعدى الثانية واhttp://www.quran-m.com/images/13/yasaf/yusufdcb.jpgلعشرين من عمره بعد!
وعندما أتم عامه الثاني والعشرين أصيب كات ستيفنز بمرض السل الذي أقعده في الفراش معزولاً عن الناس في أحد المستشفيات لمدة عام تقريبًا عكف فيه على القراءة في كتب الفلسفة والتصوف الشرقي وتمنى لو أنه يعرف الطريق إلى اليقين الروحي؛ إذ كان يشعر بأن حياته بها شيء غير مكتمل على الرغم من النجاح الذي حققه، وفي النهاية قرر أن يعود إلى الغناء ولكن بمفاهيم جديدة تتسق مع ما قرأه في أثناء المرض.
وبالفعل حققت أغنيتاه "الطريق لمعرفة الله"، و"ربما أموت الليلة" نجاحًا كبيرًا زاده حيرة، فطرق باب البوذية ظنًا منه أن السعادة هي أن تتنبأ بالغد لتتجنب شروره، فصار قدريًا وآمن بالنجوم وقراءة الطالع، ثم انتقل للشيوعية ظنًا منه أن السعادة هي تقسيم ثروات العالم على الجميع ولكنه شعر أنها لا تتفق مع الفطرة، فاتجه كات ستيفنز إلى تعاطي الخمور والمخدرات ليقطع هذه السلسلة الصعبة من التفكير بعد أن أدرك أنه ليست هناك عقيدة توصل إلى اليقين، وعاد إلى تعاليم الكنيسة التي أخبرته أن الله موجود ولكن يجب أن تصل له عبر وسيط، فأدى هذا به إلى أن يختار الموسيقى دينًا له يفرغ فيها أفكاره ومعتقداته ثم في نهاية المطاف هداه الله تعالى إلى الإسلام وحسن إسلام فأسس المدرسة الابتدائية الإسلامية تحت اسم "إسلامية"، ثم المدرسة الثانوية الإسلامية للبنين والبنات في شمال لندن -وهما أول مدرستين إسلاميتين بريطانيتين
http://www.quran-m.com/images/13/yasaf/schplyg.jpg
صورة للمدرسة الإسلامية
أما عن قصة إسلامه فدعونا يحدثنا هو بنفسه عن قصة إسلامه:
" كل ما أريد أن أقوله هو كل ما قد عرفتموه ، لنؤكد ما قد عرفتموه : رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي أنزلها الله تعالى ـ دين حق . نحن كبشر قد أعطينا الأدلة على الخالق الذي وضعنا في قمة المخلوقات.
لقد خُلق الإنسان ليكون خليفة لله في الأرض ومن المهم أن ندرك التزامنا بأن نخلص أنفسنا من كل الأوهام ونجعل حياتنا إعداد للحياة الآخرة وأي شخص يفقد هذه الفرصة لن يعطى فرصة لأن يعود مرة أخرى لأنه ورد في القرآن الكريم حَتَّى قال الله تعالى :
(إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ )(سورة المؤمنين:9).
تربيتي الدينية المبكرة :
لقد نشأت في العالم المتقدم بكل الرفاهية والحياة المترفة، لقد ولدت في بيت مسيحي ونحن نعرف بأن كل طفل يولد على الفطرة ووالديه يجعلانه في هذا الدين أو ذاك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)..
لقد أعطيت هذا الدين (النصرانية ) وفكرت بهذه الطريقة لقد تعلمت وهي أن الله موجود، ولكن لا يوجد اتصال مباشرة مع الله لذلك يتوجب علينا أن نتصل بالله بواسطة المسيح هو في الواقع الباب المؤدي إلى الله وهذا ما عُّلمته ولكن لم أتقبله على الإطلاق.
لقد نظرت إلى بعض تماثيل المسيح إنما مجرد حجارة بدون حياة وعندما قالوا بأن الله ثلاثة أنا تحيرت كثيراً، ولكن لم أستطع المجادلة، أنا أعتقد بذلك نوعاً ما لأنني يجب علي أن أحترم معتقدات والديّ.
"نجم البوب " :
أصبحت بشكل تدريجي معزولاً عن هذه التربية الدينية ، بدأت بعزف الموسيقى وأنا أريد أن أصبح نجماً كبيراً، لقد أخذت اهتمامي كل تلك الأشياء التي شاهدتها في الأفلام ووسائل الإعلامية وربما اعتقدت بأن هذا هو ربي وهو جمع النقود، لدي عم يملك سيارة جميلة . قلت : حسناً هو يمتلكها، هو يملك الكثير من النقود لقد أثر بي الناس الذين حولي لأن أفكر بأنه هو هذا العالم هو ربهم بعد ذلك قررت بأن هذه هي الحياة بالنسبة لي لجني الكثير من النقود ، يكون لدي حياة عظيمة .
الآن نجوم البوب هم مثّلي . لقد بدأت بالأغاني ولكن لدي شعور عميق بالإنسانية ، الشعور بأن إذا أصبحت غنياً سأساعد المحتاجين كما يقول في القرآن قال الله تعالى : قول الله تعالى: {إنَّ الإنسان خُلق هلوعاً. إذا مسَّه الشر جزوعاً. وإذا مسَّه الخير منوعاً} "المعارج: 19 – 21".
وهكذا ما حدث أنني أصبحت مشهوراً جداً وأنا لا أزال مراهقاً ، لقد أصبح اسمي وصوري في كل وسائل الإعلام لقد جعلاني أكبر من الحياة، ولذلك أردت أن أعيش أكثر من الحياة والطريقة الوحيدة لفعل ذلك يجب أن أكون منتشي بالكحول والمخدرات .
في المستشفى:
بعد سنة من النجاح المالي والحياة المترفة، أصبحت مريضاً جداً وكان لزاماً عليّ أن أدخل المستشفى، بعد ذلك أصبحت أفكر ماذا سيحدث لي ، هل أنا جسد فقط !!
وكان هدفي في الحياة فقط أن أرضي هذه الجسد، لقد أدركت الآن بأن هذه المحنة هي نعمة من الله، فرصة لأن أفتح عينيّ لماذا أنا هنا ؟ لماذا أنا في السرير ؟
وبدأت أبحث عن الأجوبة في ذلك الوقت كان هناك اهتمام بالصوفية الشرفية أنا بدأت أقرأ عنها.
http://www.quran-m.com/images/13/yasaf/M_Ali.jpg
صورة ليوسف إسلام مع الملاكم المشهور محمد علي كلاي
وأول شيء بدأت أدركه هو الموت وأن الروح تتحرك، إنها لا تتوقف شعرت بأنني أشعر أشق الطريق إلى النعمة والإنجاز العظيم بدأت أتأمل وأكثر من ذلك أصبحت نباتي ،أنا الآن أعتقد بالسلام والزهور .. وهذه كانت النزعة العامة لي، ولكن ما أعتقد به بشكل خاص بأنني لست جسداً فقط هذا الشعور أتى لي بي إلى المستشفى.
في يوم من الأيام عندما كنت أمشي وقد هطل المطر، بدأت أركض إلى مأوى وثم أدركت بأن جسدي قد تبلل أخبرني جسدي بأنني أتبلل هذا جعلني أفكر بالقول بأن الجسد مثل الحمار ويجب أن يدرب إلى أين أذهب، وإلا سيقودك الحمار إلى الذي يريده.
ثم أدركت بأن لديّ إرادة من الله لهدايتي، أنا كنت مندهشاً بالمصطلحات الجديدة، أنا كنت أتعلم الديانة الشرقية.
بدأت بعزف الموسيقى مرة أخرى وهذه المرة بدأت أعكس أفكاري.
أنا أتذكر القصيدة الغنائية التي تقول " أنا أتمنى أن أعرف ما أتمنى أن أعرف من صنع الجنة، من صنع النار .. هل سأعرفك في السرير أو في القبر الترابي بينما الآخرين يصلون إلى الفندق الكبير وأنا عرفت بأنني كنت على الأرض" أنا كتبت أغنية أيضاً طرق معرفة الله حتى أنني أصبحت أكثر شهرة في عالم الموسيقى، أنا حقاً كان لدي وقت صعب أن أصبح غني ومشهور وبنفس الوقت أنا أبحث عن الحقيقة بشكل حاد، ثم وصلت إلى مرحلة حيث قررت بأن البوذية هي صحيحة تماماً ونبيلة ولكن لم أكن مستعداً لأن أصبح راهباً وأعزل نفسي عن المجتمع .http://www.quran-m.com/images/13/yasaf/Yusuf-p3.gif
أنا حاولت دراسة الدلالة السحرية للأعداد (زين )، (تشنج) وبطاقات التنجيم حاولت أن أنظر مرة أخرى على الإنجيل ولم أستطع أن أجد أي شيء في هذا الوقت لم أكن أعرف أي شيء عن الدين الإسلامي.
لقد زار أخي المسجد الأقصى في القدس وكان متأثراً بشدة لأنه كان ينبض بالحياة يسود فيه من ناحية أخرى السلام على خلاف (الكنائس والكنيس التي كانت فارغة ).
القرآن :
عندما عاد إلى لندن أحضر معه ترجمة لمعاني القرآن الكريم أعطاني إياها هو لم يصبح مسلم ولكن شعر بشيء ما في هذا الدين وفكر بأنه ربما أجد شيء ما فيه أيضاً.
وعندما تلقيت الكتاب الهادي الذي سيُشرح فيه كل شيء، من أنا ؟ ما هي الغاية من الحياة، ما هي الحقيقة، وكيف تكون الحقيقة .؟ من أين أتيت ؟ أنا أدركت بأن هذا هو الدين الحق . ليس الدين الذي يفهمه الغرب، ليس فقط لشيخوختهم .
بالنسبة للغرب عندما تعتقد بدين وتجعله هو الشيء الوحيد طريقاً لك في الحياة تعتبر متعصباً أنا لست متعصباً. أنا كنت تائهاً بين الجسد والروح في البداية، ثم أدركت بأن الجسد والروح ليسا منفصلين، لا يتوجب عليك أن تذهب إلى الجبل لأن تصبح متدين يجب أن تتبع إرداة الله . ثم تستطيع أن تسموا أعلى من الملائكة.
أول شيء أريد أن أفعله الآن هو أن أكون مسلم.
لقد أدركت بأن كل شيء يعود إلى الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو خالق كل شيء من هذه النقطة بدأت أفقد التكبر في نفسي . وأدركت بأنني هنا بسبب عظمتي الخاصة ولكنني أدركت بأنني لم أخلق نفسي . وكل الغرض من وجودي هنا هو لأخضع للتعاليم التي وضعت من قبل الدين الذي يعرفه الإسلام . من هذه النقطة بدأت أكتشفت إيماني شعرت بأنني مسلم .
وأدركت الآن بفضل قراءة القرآن بأن كل الأنبياء قد أرسلهم الله يحملون نفس الرسالة فلماذا يكون المسيحيين واليهود مختلفين ؟ .

أنا عرفت الآن كيف لم يقبل اليهود عيسى المسيح وغيروا كلام الله ، حتى أن النصارى أخطأوا في فهم كلام الله ودعوا عيسى ابن الله، هذا هو جمال القرآن ، يطلب منك أن تعكس وتفكر وأن لا تعبد الشمس والقمر وبخلق الله بشكل عام هل تدرك ما هو الاختلاف بين الشمس والقمر ؟
هما على أبعاد مختلفة عن الأرض ولكن يبدوان بنفس الحجم بالنسبة لنا، وفي بعض الأوقات الواحد يتداخل بالآخر حتى أن العديد من رجال الفضاء، عندما صعدوا في الفضاء رأوا الحجم الصغير للأرض ومساحة الفضاء لقد أصبحوا مؤمنين لأنهم رأوا دلائل قدرة الله .
عندما أقرأت المزيد من القرآن، إنه يتكلم عن الصلاة والبر والإحسان، أنا لست مسلماً إلى الآن، ولكن شعرت بأن أن القرآن هو الوحيد الذي يحبني وأن الله قد أرسله لي واحتفظت به سراً . إن القرآن يتكلم بعدة مستويات أنا بدأت أفهمه على المستوى الأخير
عندما يقول:(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ)(سورة آل عمران ).
وهكذا من هذه النقطة رغبت أن أقابل أخوتي المسلمين .
التحول :
لقد قررت إذن أن أسافر إلى القدس (كما فعل أخي ) وفي القدس ذهبت إلى الجامع وجلست ، لقد سألني رجل ماذا أريد؟.
أخبرته بأنني مسلم، وسألني عن أسمي أخبرته بأن اسمي (ستيفين ) لقد كان مندهشاً ثم التحقت بالصلاة على الرغم من أنها ليست بالشكل الصحيح.
وعند العودة إلى لندن قابلت أخت تدعى نفيسة، أخبرتها بأنني أريد أن أعتنق الإسلام، أرشدتني إلى الجامع الجديد. كان ذلك في عام 1977 بعد عام ونصف تقريباً من تلقي القرآن، أدركت الآن بأنه يجب علي أن أتخلص من كبريائي أتخلص من إبليس وأوجه وجهي باتجاه واحد وهكذا في يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة ذهبت إلى الإمام وأعلنت إسلامي.
لقد كان شخصاً قبلك حقق الشهرة والثروة ولكن الهادية هي التي شدتني ليس مهماً كم حاولت جاداً حتى عرفت القرآن .
أدركت الآن أنني أستطيع الاتصال المباشر مع الله على خلاف المسيحية أو أي دين آخر كما أخبرتني سيدة هندية ، " أنت لا تفهم النهدوسية " نحن نؤمن بإله واحد ونستخدم هذه الأصنام لمجرد التركيز " كانت تقوم بأنها لكي تتواجد مع الله الواحد يجب أن يكون هناك شركاء وهذه الأصنام هي الغرض. ولكن الإسلام أزاح كل هذه الحواجز والشيء الوحيد الذي يميز بين المؤمن والكافر هو الصلاة.

هذه هي عملية الطهارة :
أخيراً أتمنى أن أقول بأن كل شيء أفعله هو محبة لله وأطلب من الله وأصلي له بأن تستفيدوا من بعض تجاربي، علاوة على ذلك أحب أن أؤكد بأنني لم أتواصل مع أي مسلم قبل أن أعتنق الإسلام لقد قرأت القرآن أولاً ثم أدركت بأنه لا يوجد شخص تام الإسلام تام وإذا أردنا أن نتبع نهج النبي صلى الله عليه وسلم فسوف ننجح وعسى الله يهدينا لأن نتبع إمام الأمة محمد صلى الله عليه وسلم آمين .
يوسف إسلام (كات ستيفين ) سابقاً
المصادر : موقع يوسف إسلام
http://www.yusufislam.org.uk (http://www.yusufislam.org.uk/)/
http://www.islamtomorrow.com/converts/yusuf_islam.asp

القلب الحزين
15-12-2013, 07:47 PM
الحمدلله أتممت الموضوع المتفرع من الموسوعه


لم أسلم هؤلاء

وعدد المقالات 56 مقالة تبدأ من صفحة149
وتبد المقالات من رد رقم1483حتى تصل إلى 1551
صفحه رقم 156
وبعض المقالات والمعجزات طويلة جداً ونُسق لتقسيم المعجزه من موضوعين إلى ثلاثة مواضيع لان مساحة الرد لا تكفي


وإن شاء الله غداً سوف أبد بالموضوع الجديد ...

إبداعات إسلامية

أنتظروني ... وإن شاء الله يعينني على تكملة الموسوعه

كل احتــــــــــــــرامي للجميع دون أستثناء

القلب الحزين
18-12-2013, 06:23 PM
من هنـــا يبدا موضوع

إبداعات إسلامية


الأوقاف الإسلامية القديمة ودورها فـي النهضة التعليمية والثقافية



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1174509654clip_611.jpg صورة للمدرسة النورية التي بناها نور الدين محمود زنكي رحمه الله
بقلم يسري عبد الغني عبد الله
باحث ومحاضر في الدراسات العربية والإسلامية
مداخلة أولية :-

في هذه المقالة المتواضعة نحاول الحديث عن بعض الأوقاف الإسلامية القديمة في كل من : بلاد الشام ومصر والعراق كنماذج للأوقافالإسلامية ، ودورها في النهضة التعليمية والثقافية ، وذلك على أيام الدولة العباسية (المأمون ) ، والدولة السلجوقية (نظام الملك) , والدولة النورية (نور الدين محمود) , والدولة الفاطمية (الحاكم بأمر الله) , والدولة الأيوبية (صلاح الدين الأيوبي) ، وقد كان تحديد البحث بهذه الفترات ، لأن الحديث عن الأوقاف الإسلامية ودورها الثقافي والتعليمي بوجه عام ، يتطلب منا الحديث عن الأوقاف الإسلامية قديماً وحديثاً ، وكذلك الحديث عنها في بلاد إسلامية مثل:بلاد السند،ودول المغرب العربي ، وفي بلاد أخرى سكن فيها الإسلام مدة من الزمن مثل الهند وبلاد الأندلس , وبعض الدول الغربية التي توجد فيها أوقاف إسلامية ، وهذا يتطلب دراسة موسعة لا يستطيع مقالنا المتواضع أن يفي بها ، فلعلنا نوفق في الكتابة عن الفترات والبلاد التي حددناها .
بيت الحكمة والأوقاف :
قبلإنشاءبيت الحكمة ( أول مؤسسة ثقافيةتعليميةعند المسلمين ) والذي أعلن فاعلياته الثقافية المأمون العباسي ( 218 هـ ) بعد أن أسسه والده الخليفة / هارون الرشيد ، كان الراغبون في العلم يسعون إلى منازل وبيوت الشيوخ والعلماء للسماع منهم ، أضف إلى ذلك المسجد الذي كان دائماً مكاناً للعبادة والعلم .
ولهذا السبب لم تكن هناك نفقات معينة تبذل في سبيلنشر العلوم والمعارف ، فلما ظهرت الحاجة إلى تأسيس مكان يخصص لرعاية العلم ونشر الثقافة ، ظهرت في الوقت نفسه فكرة أن يوقف (الوقف) على هذه المؤسسة الثقافية التعليمية , وقف يُنتج إيراداً يكفي للإنفاق على شئونه اوشئون القائمين بالعمل فيها . [أحمد شلبي ، التربية والتعليم في الفكر الإسلامي ، ص 373 ، بتصرف] .
إذن كان المأمون العباسي الذي يعد بحق رائداً لنشر الثقافات والمعارف في العصر العباسيهوأول من أبرز هذه الفكرة للوجود ، فإنه لم يشأ أن يكون نشاط بيت الحكمة متوقفاً على سخاء الخلفاء والأمراء ، بل أراد أن يجعل نشاطه قوياًمتجدداًمتصلاً سواء أكان الخليفة كريماً أم شحيحاً .
ومن هنا هيأ للعلماء رزقاً سخياً يتقاضونهمن وقف ثابت يفيض ريعه عليالتكاليف المطلوبة لهذه المؤسسة الثقافية التعليمة .[سيد أمير علي ، مختصر التاريخ الإسلامي ، ص 274 ].
وانتشرت فكرة المأمون هذه بين من خلفه من الخلفاء والقادة والزعماء فأصبح من ضروريات إنشاء معهد ثقافي أو مدرسة أن يعين لها وقف ثابت ، تتلقى منه ما يفي بنفقاتها ، وما يمدها بما تحتاج من مصروفات .
ثم تطور هذا الاتجاه الإيجابي ، فظهرت الأوقاف أيضاً على الذين يشغلون أنفسهم بخدمة العلم و التعليم والثقافة في المساجد ، بل إن بعض الأركان أو الأعمدة بالمساجد كان يوقف عليها أوقاف سخية يصرف ريعها إلى من يجلس بها للتدريس والتعليم .
وسوف نحاول في سطورنا القادمة أن نقدم عرضاً سريعاً لنماذج من الأوقاف الإسلامية القديمة في كل من بلاد الشام ، ومصر ، والعراق ، محاولين إظهار دورها في خدمة العلم والثقافة , محددين كلامنا بأيام الدولة العباسية ، وأيام الدولة السلجوقية ، وأيام الدولة الفاطمية ، وأيام الدولة الأيوبية ، كما ذكرنا في مقدمة المقال .
المدارس النظامية :
يقول ابن خلكان في كتابه (الوفيات ، 1 / 202 ) : إن نظام الملك (485 هـ) ، هو أول من أنشأ المدارس فاقتدى به الناس .
ولكن السبكي في (طبقات الشافعية ، 3 / 137) ، والمقريزي في (الخطط ، 2 / 363) ، يذكران لنا أن نظام الملك ليس هو أول من أنشأ المدارس في الإسلام ، فقد وجدت المدرسة البيهقية في نيسابور قبل أن يولد نظام الملك ، والمدرسة السعيدية بنيسابور أيضاً ، بناها أبو سعيد إسماعيل بن علي ، ومدرسة أخرى بنيت للأستاذ / أبي إسحاق الإسفرائيني في نيسابور كذلك .
ويحاول السبكي في طبقاته وفي نفس الموضع السابق أن يوفق بين الرأيين فينسب إلى نظام الملك ، أنه كان أول من قدر المعاليم للطلبة ، فكأن المقصود بإنشاء المدارس هو تقدير هذه المعاليم ، وصرفها للطلبة !! [أحمد شلبي ، التربية والتعليم في الفكر الإسلامي ، ص 366 ، بتصرف] .
وفي رأينا المتواضع : أننا لا نوافق على ما اقترحه السبكي من أن المراد هو أن نظام الملك الوزير السلجوقي يعد أول من قدر المعاليم لطلاب العلم ، وقول ابن خلكان السابق صريح في أن نظام الملك هو أول من أنشأ المدارس ، وليس أول من قدر المعاليم ، ثم أن العزيز بالله الفاطمي سبق نظام الملك بقرن تقريباً في تقدير هذه المعاليم للطلاب . [المقريزي ، الخطط , 2 / 241] .
المشكلة إذن هي : هل كان نظام الملك أول من أنشأ المدارس أم لا ؟ ، الجواب عندي بالإيجاب ، إذا أريد المعني الفني الدقيق لكلمة مدارس ، وأما ما نطلق عليه كلمة مدارس (مجازاً) ، مما ظهر قبل نظام الملك هو جهد متواضع ، لم يعمر طويلاً , ولم يكن قوي الأثر في الحياة الإسلامية ، وهذا الجهد المحدود ظهر قبل مدارس نيسابور بعهد طويل .
فالذي ينسب إلى نظام الملك هو هذه النهضة التعليمية التي لم تتوقف قط ، هو هذا النظام الذي وضع لتعليم المسلمين في جميع البقاع , هو هذه الشبكة من المدارس التي انتشرت في القرى والكفور والمدن ، ولا يستطيع إنسان أن يدعي أنه يجاري نظام الملك في هذا المضمار .[أحمد شلبي ، مرجع سابق ، ص 367 ، بتصرف] .
لقد بنى نظام الملك المدارس والربط والمساجد في أنحاء البلاد , وأمدها بما تحتاج من كتب ، وعين لها المدرسين والخدم ، وفتح أبوابها على مصرعيه لكل من أراد أن يطلب العلوم والمعارف ، كما بذل لها العطايا الكريمة ، وأوقف عليها الأوقاف السخية التي تكفيها على مر الأيام ، فأحيا بذلك معالم الدين الداعي إلى العلم والمعرفة ، ونشط من العلم وأهله ما كان خاملاً في أيام من قبله .
فإنشاء المدارس إذاً إنما هو واحد من أفضال نظام الملك وأياديه ، ومأثرة ترجع له وحده ، ولا ترجع إلى سواه ، ومن هنا تنتسب مثل هذه المؤسسات إلى أعظم شخصية في الدولة ، وعليه فإن تسمية المدارس النظامية مطابقة لهذه القاعدة ، فما كان في الدولة على ذلك العهد من يجاري نظام الملك ، أو يناظره .
وقفية نظامية بغداد:
كان نظام الملك أول من أنشأ المدارسـ كما ذكرنا ـ، وعندما اختلف مع السلطان السلجوقي / ملكشاه ، اغتيل في ظروف غامضة ، وبنهايته الأليمة كانت نهاية أخرى أكثر ألماً تنزل بمدارسه ( المدارس النظامية ) ، حيث توقف العمل بها تماماً ، بل أن بعضها مثل نظامية بغداد اختفت في ظروف غامضة ، واغتُصب مكانها منذعهد سحيق ، فلم يعد معروفاً حتى وقتنا هذا على وجه الدقة للباحثين والدارسين .
ويبدو ـ للأسف الشديد ـ إن هذه النهاية الأليمة لم تلحقبالبناء فقط ، وإنما بكثير مما كتب عنه أيضاً .
فقد كان مما ضاع على الباحثين هذه الوثيقة المهمةالتي كتبت فيها وقفية نظام الملك على مدارسه .
لقد ورد ذكر هذه الوثيقة في عدة مراجع ، ولكن الباحثين قديماً وحديثاً لم يستطيعوا أن يحصلوا عليها أو على نصها .
وعلى كل حال فلدينا من المصادر ما يمدنا في هذا الموضوع بمعلومات ، إن لم تكن كاملة فهي قريبة بعض الشيء من الكمال .
* يقول سبط الجوزي في كتابه (مرآة الزمان، 2 / 121): وفيها ( أي في سنة 462 هـ ) أوقف نظام الملك الأوقاف على النظامية ، وحضر الوزير والقضاة والعدول ببيت النوبة ، وكتبوا الكتب وسجلت ، ومما وقف:سوق المدرسة ، وضياع ، وأماكن ، وشرط نظام الملك الشروط المعروفة .
* ويذكر أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي في كتابه (المنتظم في تاريخ الأمم والملوك ، 8 / 256) ، عن حوادثنفس السنة ( 462 هـ ) : إنه في يوم الأثنين 26 من جمادى الآخرة جمع العميد أبو نصر الوجوه ، فأحضر أبا القاسم ابن الوزير فخر الدولة والنقيبين والأشراف ، وقاضي القضاة والشهود إلى المدرسة النظامية وقرئت كتب وقفيتها ، ووقف الكتب فيها ، فكان من الوقف ضياع وأملاك وسوق أقيمت على بابها .
* وهذا هو الرحالة / ابن جبير يرى و يكتب لنا في رحلته (رحلة ابن حبير ، 239) :أنه رأى ببغداد نحواً من ثلاثين مدرسة ، ويقول : إنه ما فيها مدرسة إلا وهي يقصر القصر البديع عنها ، وأعظمها وأشهرها النظامية التي بناها نظام الملك ، ولهذه المدارس أوقاف عظيمة ، وعقارات واسعة للإنفاق على الفقهاء والمدرسين بها ، وللإجراء على الطلبة .
أما ما خصص من المال لرعاية الشئون الثقافية على العموموكذلك ريع الأوقاف المعينة للمدارس ، فإن المراجع التي بين أيدينا أو المتاحة لنا، أوردت تفصيلات مفيدة ونافعة للباحثين ، نقتبس منها الآتي :ـ
·كان نظام الملك ينفق في السنة الواحدة على التعليم ما يقدر بـ ( 600000 ) دينار.[ناجي معروف ، المدرسة المستنصرية ، ص 8]
· أما الريع الذي كانت تنتجه الأوقاف المخصصة لنظاميةبغداد ، فقد ورد أنه كان 15000 دينار في العام الواحد .[محمد عبده ، الإسلام والنصرانية ، ص 98]
·وقد كان ذلك الريع كافياً لمرتبات الشيوخ ولما يدفع للطلبة ، وكان يشمل مؤونة طعامهم وملابسهم وفرشهم,وغير ذلك من ضرورات معاشهم حتى نبغ فيها جمع من الفقهاء الأفاضل ممن لا يحصونعددا [الألوسي ، تاريخ مساجد بغداد ، ص 102].
· أما أوقاف نظام الملك على نظامية أصفهان فقد بلغت 10000 دينار سنوياً .[سعيد نفيس ، مدرسة نظامية بغداد ، ص 3] .
ويجدر بالذكر هنا أن من أوفى التراجم التي كتبت عنالوزير / نظام الملك تلك التي كتبها العلامة / السبكي فيكتابه : ( طبقات الشافعية ، 3 / 135 ـ 145 ) وقد كتبت بإسلوب رائع ، وصورت الرجل على أنه من أعظم المصلحين الاجتماعيين في الإسلام ، وأن شخصيته من أقوى الشخصيات التاريخية ، ونحن نحبذ أن يعتمد أي باحث في الكتابة عن نظام الملك على ما كتبه السبكي ، وكذلك على ما كتبه عماد الدين الأصفهاني ، وابن الأثير ، وابن خلكان ، وابن الجوزي ، لتعم الفائدة بإذن الله .
رجل يرعى العلم والتعليم :
كانت مملكة نور الدين محمود زنكي في سوريا أقوى مملكة قامت على أنقاض السلاجقة ، وقد خلد نور الدين اسمه كبطل من أبطال المسلمين في حروبهم ضد أدعياء حماية الصليب .
واستطاع نور الدين أن يضم إلى سمعته الحربية مكانة كمصلح اجتماعي كبير ، ومن أبرز إصلاحاته في هذا المجال رعايته لشئون العلم والتعليم ، فلقد أعد مملكته لتواصل حركة النشاط الذي بدأه الوزيرالسلجوقي / نظام الملك ، أو لتتلقى عن العراق وخُراسان ما ضعفتا عن حمله ، وذلك بعد انهيار دولة السلاجقة . [يسري عبد الغني ، يا نور الدين ... ، ص 5 وما بعدها] .
ومن هنا جاءت أهمية الدور الذي قام به نور الدين فهو لم يكن راعياً للعلم فقط ، وإنما كان مشرفاً على نهضته وحامياً لها حتى أسلمها إلى خلفه صلاح الدين ، وفي رأينا أنه لولا نور الدين وجهوده لخيف على هذه النهضة أن تفنى وتتلاشى وتضيع ، ولكن الرجل واصل السير في الطريق الذي بناه سلفه ، فبنى في بلاد الشام ولأول مرة العديد من المدارس التي فتحت أبوابها لطلاب العلم من كافة المستويات والطبقات ، في نفس الوقت الذي فتح فيه قلبه ومعاهده العلمية للمدرسين والعلماء والفقهاء الذين ضاقت بهم أرض العراق وخراسان ، بعد ما حل بها من شقاق واضطراب .
وهكذا كان نور الدين هو حلقة الاتصال بين نظام الملك السلجوقي الذي غرس النهضة التعليمية والعلمية ، وصلاح الدين الأيوبي الذي كتب على يديه لهذه النهضة البركة والنماء .
المدرسة النورية وأوقافها :
أما فيما يتعلق بالأوقاف على المدرسة النورية الكبرى التي بناها نور الدين محمود في دمشق السورية ضمن المدارس الأخرى العديدة التي شيدها , فقد سجلت هذه الأوقاف على الحجر الذي يكون العتبة العليا لباب المدرسة ، والكتابة الموجودة عليها واضحة ويمكن قراءتها حتى يومنا هذا .
* وفي هذه الوثيقة ، وبعد البسملة ، نعرف أن الذي أمر ببناء هذه المدرسة هو الملك العادل الزاهد / نور الدين أبوالقاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر (ضاعف الله ثوابه) .
* ونعرف أنه أوقفها على أصحاب الأمام سراج الأمة أبي حنيفة (رضي الله عنه) ، ووقف عليها ، وعلى الفقهاء والمتفقهة بها جميع الحمام المستجد بسوق القمح ، والحمامين المستجدين بالوراقة , والوراقة بعوينة الحمى ، وجنينة الوزير ، والنصف والربع من بستانالجورة بالأرزه ، والأحد عشر حانوتاً خارج باب الجابية ، والساحة الملاصقة من الشرق ، والتسعة حقول بداريا ، على ما نص وشرط في كتب الوقف رغبة في الأجر والثواب ، وتقدمه بين يديه يوم الحساب .
* ويضيف : فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ، إن الله سميع عليم ، وذلك في مدة أخرها شعبان سنة سبع وستين وخمسمائة .
ومعنى ذلك هو : أن هذه الأوقاف تسلم إلى المدرسة النورية الكبرى بدمشق ، في خلال مدة أخرها شهر شعبان سنة 567 هـ .
إن هذه الوثيقة التي احتفظ لنا التاريخ بها لوثيقة مهمة تبين لنا بوضوح الأوقاف التي عينها نور الدين للمدرسة النورية الكبرى ، وقد ظهر منها أن ريعها الوفير كان يكفي للإنفاق على الطلاب والمدرسين إنفاقاً سخياً متواصلاً.
ويمكن لنا أن نعطي مثالين آخرينلنؤكد هذه الحقيقة :
المثال الأول:
فقد ذكر المؤرخ / أبو شامه ف كتابه (الروضتين، 1 / 16) : أن نور الدين وقف على المدارس الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية ، وعلى أئمتها ومدرسيها وفقهائها أوقافاً كافية .
المثال الثاني :
ويقول الرحالة / ابن جبير (رحلة ابن جبير، ص 285) : إن من مناقب نور الدين محمود أنه عين للمغاربة الذين كانوا يلحقون بزاوية المالكية بالمسجد الجامع أوقافاً كثيرة ، منها : طاحونتان ، وسبعة بساتين ، وأرض بيضاء ، وحمام ، ودكانان بالعطارين ، وجعل أحد هؤلاء المغاربة مشرفاً على هذه الأوقاف .


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
18-12-2013, 06:24 PM
يتبــع الموضوع السابق
الأوقاف الإسلامية القديمة ودورها فـي النهضة التعليمية والثقافية



الأوقاف في مصر وبلاد الشامعلى أيام الفاطميين:
نحب أن ننبه هنا إلى أن أي حديث عن موضوع الأوقاف وأثره على النهوض بالتعليم والثقافة في مصر ، يجب أن يشمل الحديث عن بلاد الشام ( سوريا ، ولبنان ، المملكة الأردنية الهاشمية ، فلسطين العربية ) ، وذلك لأن نفوذ الفاطميين والأيوبيين والمماليك امتد إلى بلاد الشام
العربية الإسلامية في فترات طويلة من حكم هذه الأسر ، وعليه فسنذكرأمثلة من الأوقاف في بلاد الشام خلال كلامنا عن الأوقاف في مصر .
نقول : لقد وجدت الأوقاف على التعليم في مصر قبل عهد الوزير السلجوقي / نظام الملك ، وقبل ونور الدين محمود زنكي ، بوقت طويل .
*ففي سنة 378 هـ ، و في عهد العزيز بالله الخليفة الفاطمي أصبح الأزهر معهداً علمياً أكثر منه مسجداً . [استانلي بول ، القاهرة ، ص ص : 121 ـ 123 ] .
* ولذلك نجد أن الوزير الفاطمي / يعقوب بن كلس يسأل الخليفة العزيز بالله في تحديد أجور لجماعة من الفقهاء ، فأطلق لهم ما يكفي كل واحد منهم من الرزق نقداً ، وأمر لهم بشراء دار وبنائها فبنيت بجانب الجامع الأزهر ، فإذا كان يوم الجمعة حضروا إلى الجامع ، وتحلقوا فيه بعد الصلاة إلى أن تصلى العصر,وكان لهم أيضاً من مال الوزير صلة . [المقريزي ، الخطط ، 2 / 273] .
* فلما جاء الخليفة الفاطمي / الحاكم بأمر الله عمد إلى الأوقاف يعينها للإنفاق من ريعها على المساجد والمؤسسات الثقافية ، فلقد أوقف على الجامع الأزهر ، و الجامع براشدة ، ودار العلم ، أوقافاً عظيمة ذكرها في سجل أشهد عليه قاضي القضاة / مالك بن سعيد الفاروقي .
* ويقول المقريزي في (خططه، 2 / 273 ـ 274): كانت الأوقاف عن جميع الدار المعروفة بدار القرب ، وجميع القيسارية المعروفة بقيسارية الصوف ، وجميع الدار المعروفة بدار الخرق الجديدة ، ويؤكد الحاكم بأمر الله الفاطمي على أن هذه الوقفية دائمة للأبد ، لا يوهنها تقادم السنين .
صلاح الدين والنهوض بالتعليم والوقف عليه :
الحديث عن صلاح الدين الأيوبي ، مؤسس الدولة الأيوبية ، حديث متشعب النواحي ، ومجاله خصب في أي ناحية من نواحيه ، ولكنا نريد في هذه الإلمامة السريعة المقتضبة أن نذكر المعنى الذي سبقت الإشارة إليه ونحن نتكلم عن نور الدين محمود ، فإن صلاح الدين كان أولاً قائداً من قادة نور الدين محمود ، ثم حكم مصر باسمه ، ثم خلفه على عرش مصر , ثم عرش بلاد الشام ، ومن هنا يظهر بوضوح سبب التشابه بين صلاح الدين ونور الدين والذي يحلو للعديد من المؤرخين الحديث عنه . [يسري عبد الغني ، يا نور الدين ... ، ص 14 وما بعدها ] .
لقد تلقى صلاح الدين غرس النهضة من سلفه ، فشيد لأول مرة المدارس في مصر وفي سبيل العلم والفضل كانت تهون عليه نفقات بيوت المال .[ابن جبير ، رحلة ابن جبير ، ص 58 ] .
قال صلاح الدين للخيوشاني المشرف على إحدى مدارسه : " زد احتفالا وتأنقاً ، وعلينا القيام بمئونة ذلك " [ابن جبير ، المرجع السابق ، ص 48] .
أهمية حفظ التراث :
ودخول المدارس إلى مصر ليس أمراً سهلاً لمن يكتب عن التعليم والثقافة ، لأن معناه في التحليل الأخير حفظ ذلك التراث من غوغاء التتار الذين اجتاحوا معظم أنحاء العالم الإسلامي ، وأوقفوا كثيراً من مظاهر الرقي فيه ، وكان كرم صلاح الدين وسخاءه على العلم والتعليم داعياً لجذب العلماء والطلاب لا من العراق فحسب بل من شمالي أفريقيا أيضاً ، حيث كانت مصر في منتصف المسافة ، فرحل لها من هنا وهناك جمهرة كبيرة وجدوا في صلاح الدين ملكاً باراً كريماً وحامياً عظيماً , فجمعهم الإحسان الصلاحي ، على حد قول عبد اللطيف البغدادي في كتابه [الإفادة والاعتبار ، ص 16].
وعندما جاء الأيوبيون إلى مصر نقلوا معهم حماسة الوزيرالسلجوقي / نظام الملك ، وحماسة نور الدين زنكي ، وحمايتهما للعلم ، ثم وجدوا أنفسهم في مصر,أمام تراث الفاطميين العريق ، ومدنيتهم العريضة , التي كان الفن والعلم من أنضر فروعها الوارفة.
لقد حافظ الأيوبيون على هذا التراث المزدوج ، ورعوا العلم ، وما بخلوا يوماً ، وما قتروا ساعة في الإنفاق عليه ، فأنشأوا الكثيراً من المدارس والمعاهد ، وأوقفوا عليها الأوقاف السخية .
وفي نفس الوقت ظهرت موجة من التنافس الشديد في هذا المضمار ، حيث أخذ فيها الأمراء والعلماء بنصيب ملحوظ ، وحظ وافر .
وسوف نحاول في سطورنا القادمة أن نعطي لك أمثلة موجزة لهذه الأوقاف ، ودورها في خدمة العلم والثقافة والمعرفة .
* يقول ابن جبير : إن كل مسجد يستحدث بناءه أو مدرسة أو خانقاه ( الخانقاه أو الخانكاه كلمة فارسية الأصل جمعها في العربية خوانق ، ومعناها : دار موقوفة لسكنى الزهاد والصوفية والعباد ) ، يعين لها السلطان / صلاح الدين أوقافاً تقوم بها وبساكنيها والملتزمين بها . [ابن جبير ، رحلة ابن جبير، ص 275].
* ويضيف المقريزي : أن صلاح الدين عندما بنى المدرسة الناصرية بالقرافة وقف عليها حماماً بجوارها ، وفرناً تجاهها ، وحوانيت بظاهرها ، والجزيرة التي يقال لها جزيرة الفيل ببحر النيل خارج القاهرة .[المقريزي ، الخطط ، 3 /264] .
الناس كملوكهم :
واقتدى بصلاح الدين غيره ممن أنشأوا المدارس ورعوا العلم في العهد الأيوبي ، ومن هؤلاء نذكر : ـ
* تقي الدين عمر بن شاهنشاه الأيوبي الذي اشترى منازل العز التي كانت تشرف على النيل,ومعدة لنزهة الخلفاء الفاطميين , ثم جعلها مدرسة للفقه الشافعي ، ووقف عليها الحمام وما حولها ، وبنى فندقاً بفندق النخلة ووقفه عليها ، ووقف عليها جزيرة الروضة التي كان قد اشتراها من قبل. [المقريزي ، الخطط ، 3/ 364]
* ومن المدارس التي حظيت بوقف سخي المدرسة الدماغية بدمشق السورية ، وكانت داراً لشجاع الدين بن الدماغ ، فلما مات جعلتها السيدة زوجته مدرسة للشافعية والحنفية ، ووقفت عليها ثمانية أسهم من أربعة وعشرين سهماً من المزرعة الدماغية ، والحصة من رجم الحيات ، والحصة من حمام إسرائيل خارج دمشق ، والحصة بدير سلمان من المرج ، ومزرعة شرخوب عند قصر أم حكيم ، ومحاكرات ، وغير ذلك . [النعيمي ، الدارس ، 1 / 236 ـ 237 ].
زوايا جامع عمرو بن العاص :
ويذكر لنا المقريزي ثمانية من زوايا جامع عمرو بن العاص التي كانت تقام بها حلقات تعليمية ، ويشير إلى الأوقاف التي وقفت على كل من هذه الزوايا ، وفيما يلي موجزاًببعضها : ـ
1 ـ زاوية الإمام الشافعي التي درس بها فعرفت به،ووقفت عليها أرض بناحية سندريس، ووقفها السلطان الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين الأيوبي .
2 ـ الزاوية الكمالية بالمقصورة المجاورة لباب الجامع الذي يدخل إليه من سوق الغزل ، ورتبها كمال الدين السمنودي ، وعليها فندق بمصر موقوف عليها .
3 ـ الزاوية التاجية أمام المحراب الخشب ، رتبها تاج الدين السطحي أو المسطحي ،وجعلها دورا بمصر موقوفا عليها .
[المقريزي ، الخطط , 2 / 255 ـ 256] .
** وهكذا كانت الأوقاف في عالمنا الإسلامي في الأعم الأغلب هي المورد الذي ينفق منه على التعليم وعلى المؤسسات الثقافية التي تقدم خدمة مجانية لعامة الناس ، ولكن في بعض الحالات كانت نفقات التعليم والثقافة تدفع بشكل مباشر من الخزانة العامة للدولة ، وقد ذكر المؤرخون أن الوزير الفاطمي / يعقوب بن كلس كان يجري بتوجيهات من الخليفة الفاطمي / العزيز بالله ألف دينار في كل شهر على جماعة من أهل العلم والوراقين والمجلدين . [آدم ميتز ، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ، 1 / 294].
ومنالأمثلة التي تدعو للعجب والدهشة ما رواه لنا الرحالة / ابن بطوطة من أن أحمد ملك ( إيذج ) كان يقسم خراج بلاده أثلاثاً ، ويجعل الثلث لنفقة الزوايا والمدارس . [ابن بطوطة ، تحفة النظار ، 2 / 31].
وقفية ست الشام :
وفي ختام هذاالمقالالمتواضع نحب أن نورد وقفية مهمة هي تلك التي وقفتها ست الشام أخت السلطان / صلاح الدين الأيوبي على المدرسة الشامية الجوانية ، وبكل أسف فإن هذه المدرسة قد خربت ، واتخذت داراً ، ولكن بقي منها بابها القديم ، وقد كتب على عتبته العليا نص الوقفية ، وتمتاز هذه الوقفية فوق أن مرجعها هو النص المكتوب على العتبة,وهو مرجع موثوق به تماماً , بأنها وقفية مفصلة دقيقة .
[أحمد شلبي ،التربية والتعليم في في الفكر الإسلامي ، ص 380 , بتصرف ].
ونحب أن نشير هنا إلى أن طريق إنفاق ريع الأوقافالخاصة بست الشام ،ورد مفصلاً فيمرجع مهم وهو كتاب تاريخ مدارس دمشق ، للعلامة / النعيمي . [1 / 202 ـ 203] .
يقول نص وقفية ست الشام : " بسم الله الرحمن الرحيم : هذه مدرسة الخاتون الكبيرة الآجلة عصمة الدين ست الشام أم حسام الدين بنت أيوب بن شادي رحمها الله ، وقفتها على الفقهاء والمتفقهة من أصحاب الإمام / الشافعي ( رضي الله عنه ) ، والموقوف عليها وعليهم وعلى ما يتبع ذلك ، جميع القرية المعروفة ببزينة ، وجميع الحصة وهي أحد عشر سهماً ونصف من أربعة وعشرين سهماً من جميع المزرعة المعروفة بجرمانا ، وجميع الحصة وهي أربعة عشر سهماً من القرية المعروفة بالتينة ، ونصف القرية المعروفة بمجيدل السويدا ، وجميع القرية المعروفة بمجيدل القرية ، وذلك في سنة ثمان وعشرين وستمائة " .
** أما الإنفاق على هذه المدرسة فقد وضع على النحو التالي : ـ
أولاً ـ يبدأ في الإنفاق بعمارة المدرسة ، وثمن زيت ، ومصابيح ، وحصر ، وبسط ، وقناديل ، وشمع ، وما تدعو الحاجة إليه .
ثانياًـ يدفع للمدرس غرارة من الحنطة ، وغرارة من الشعير ، ومائة وثلاثون درهماً فضة ناصرية .
ثالثاًـ عشر الباقي يصرف إلى الناظر عن تعبه وخدمته ومشارفته الأملاك الموقوفة وتردده عليها .
رابعاًـ إخراج ثلثمائة درهم فضة ناصرية في كل سنة ، تصرف في ثمن بطيخ ومشمش وحلوى في ليلة النصف من شعبان على ما يراه الناظر .
خامساًـ الباقي يصرف إلى الفقهاء والمتفقهة,والمؤذن , والقيم المعد لكنس المدرسة ورشها وفرشها وتنظيفها وإيقاد مصابيحها ، ويعطى هؤلاء على قدر استحقاقهم على ما يراه الناظر في أمر هذا الوقف من تسوية وتفضيل وزيادة ونقصان وعطاء وحرمان .
هذا وقد ذكرت الواقفة أن من شرط الفقهاء والمتفقهة والمدرس والمؤذن والقيم أن يكونوا جميعاً من أهل الخير والدين والصلاح والعفاف وحسن الطريقة وسلامة الاعتقاد والسنة والجماعة .
كما شرطت ـ رغبة منها أن يظل الملتحقون بالمدرسة في مستوى مالي لائق , و ألا يزيد عدد الفقهاء والمتفقهة المشتغلين بهذه المدرسة عن عشرين رجلاً ، من جملتهم المعيد بها والإمام ، بخلاف المدرس والمؤذن والقيم إلا أن يوجد في ارتفاع الوقف نماء وزيادة وسعة ، فللناظر أن يقيم بقدر ما زاد ونما.[النعيمي ،الدارس ، نفس الموضع السابق ، بتقديم وتأخير من جانبنا ]
والله ولي التوفيق ,,
يمكن التواصل مع المؤلف على البريد التالي: [email protected]
المراجع والأسانيد
1ـ أحمد شلبي ، التربية والتعليم في الفكر الإسلامي ( جوانب التاريخ والنظم والفلسفة ) ، الجزء الخامس من موسوعة الحضارة الإسلامية ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، 1987 م .
2 ـ سيد أمير علي ، مختصر تاريخ الإسلام ، لندن ، 1916 م .
3 ـ سيد أمير علي ، روح الإسلام ، لندن ، 1940 م
4 ـ ابن الجوزي ( سبط ) ، مرآة الزمان ، مخطوطة بدار الكتب المصرية ، تحت رقم 551 ، تاريخ .55
5 ـ ابن الجوزي ( عبد الرحمن ) ، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك ، حيدر أباد ، الهند ، 1359 هـ .
6 ـ ابن جبير ، رحلة ابن جبير ، ليدن ، 1907 م .
7 ـ ناجي معروف ، المدرسة المستنصرية ، بغداد ، 1935 م .
8 ـ محمد عبده ، الإسلام والنصرانية مطبوع مع العلم والمدنية ، القاهرة ، 1948 م .
9 ـ الألوسي ، تاريخ مساجد بغداد ، طبعة بيروتية مصورة ، بدون ناشر ، وبدون تاريخ .
10 ـ أبو شامه ، الروضتين في أخبار الدولتين ، القاهرة ، 1287 هـ .
11 ـ سعيد نفيس ، مدرسة نظامية بغداد ، طهران ، 1313 هـ .
12 ـ ستانلي لان بول ، القاهرة ، لندن ، 1912 م .
13 ـ ستانلي لان بول ، تاريخ مصر في العصور الوسيطة ، لندن ، 1901 م .
14 ـ المقريزي ، الخطط ، القاهرة ، 1170 هـ .
15 ـ النعيم ، الدارس فيما في دمشق من المدارس ، دمشق ، 1948 م .
16 ـ آدم متز ، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ، الطبعة العربية ، القاهرة ، 1940 م .
17 ـ ابن بطوطة ، تحفة النظار ( رحلة ابن بطوطة ) ، باريس ، 1853 م .
18 ـ يسري عبد الغني ، المدنية العربية الإسلامية ( نظرات في الأصول والتطور ) ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1987 م .
19 ـ يسري عبد الغني ، يا نور الدين ... ، القاهرة ، 2004 م

القلب الحزين
18-12-2013, 06:26 PM
هكذا كانوا يوم كنا



الدكتور حسان شمسي باشا
طيب وكاتب إسلامي سوري مقيم في السعودية
للمسلمين فضل لا ينكر على الحضارة الإنسانية قاطبة، ولا سيما على حضارة الغرب المعاصرة.
فلقد نبغ علماء المسلمين في شتى العلوم والمعارف ، ويخطئ من يظن أن المسلمين كانوا مجرد نقلة ، نقلوا التراث الإغريقي فقط ، ذلك لأنهم قد استوعبوه وهضموه وفهموا أسراره ومضامينه ، وأضافوا إليه ومزجوه بعلوم الإسلام والقرآن .
وشهد الله ما ذكر ذاكر حضارة العرب إلا استهلت بعبراتنا الشؤون ، حسرة على من كانوا رسل خير ورحمة ، وحملة علم وعرفان ، أن تذهب جهودهم الإنسانية سدى على يد من خلفوهم في الحضارة ، فرجعوا بالفضيلة قرونا إلى الوراء .
وفي مجال الطب نبغ المسلمون في علوم الطب وفروعه ، وألفوا فيه الكتب والمراجع وابتكروا الآلات الطبية ، وأقاموا المستشفيات الثابتة والمتنقلة . واتسم العمل بالمستشفيات بالطابع الإسلامي ، والطابع الخلقي والإنساني بما يفوق نظام العمل بأرقى المستشفيات في بلاد الغرب .
ومن مفاخر الإسلام حقا أن أول المستشفيات في الإسلام كانت خيمة رفيدة ، و هي امرأة كانت تداوي الجرحى ، وتحتسب بنفسها على خدمة من أصابته الجراح من المسلمين . ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصاب سعد بن معاذ رضي الله عنه السهم في غزوة الخندق:
" اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب " .
ولما تتابعت الفتوح كان الجيش مضارب فيها الممرضات من النساء يداوين الجرحى ، وهذا من جهادهن .
وكان العرب يسمون المشافي ( بيمارستانات ) ويخففونها فيقول مارستانات . وهي في الأصل كلمة فارسية معناها " معسكر المرضى ".
وكانت البيمارستانات من أول عهدها إلى زمن طويل مستشفيات عامة ، تعالج فيها جميع الأمراض والعلل من باطنية وجراحية ورمدية وعقلية ، إلى أن أصابتها الكوارث ، ودار بها الزمن وهجرها المرضى فأقفرت إلا من المجانين، فصارت كلمة مارستان تعني مأوى المجانين
وفي الوقت الذي كانت فيه المشافي تشاد في كل مدينة من المدن الإسلامية ، كانت أوروبا تغرق في ظلام الجهل والتخلف .
وكان من أشهر المشافي في أوروبا في القرون الوسطى مستشفى " أوتيل ديو " في باريس . وقد جاء ذكره في كتاب ألفه " ماكس نوردو " قال فيه عن هذا المستشفى :
" كان يستلقي في الفراش الواحد أربعة مرضى أو خمسة أو ستة. فترى قدمي الواحد في جانب رأس الآخر. وكان الأطفال الصغار إلى جانب الشيوخ الشيب. حقا إن هذا لا يصدق، ولكنه الحقيقة والواقع. كانت المرأة تئن من مخالب المخاض إلى جانب رضيع يتلوى من التشنجات ، ورجل يحترق في هذيان الحمى إلى جانب مسلول يسعل سعلته الجارحة ، و مصاب بإحدى الأمراض الجلدية يمزق جلده الأجرب بأظافره الثائرة .
كانت رائحة الهواء في قاعات المرضى فاسدة حتى أن الزوار ما كانوا يجرؤن على دخولها إلا بعد أن يضعوا على وجوههم إسفنجة مبللة خلا . وتبقى جثث الموتى أربعا وعشرين ساعة في الفراش . وقد وصفه في القرن الثامن عشر باللي ويتنون ولافوازيه في تقريرهم وصفا تقشعر منه الأبدان ، إذ رأوا الموتى جنبا إلى جنب مع الأحياء ، كما رأوا الناقهين مختلطين في غرفة واحدة مع المحتضرين ، وكانت غرفة العمليات حيث الشق والقطع والبتر تأوى الذين تعمل لهم العمليات في الغد . فكانت تعمل في وسط الغرفة نفسها ، وكان المريض يرى أمامه تحضيرات العذاب ويسمع صراخ المعذبين ، فإن كان ممن ينتظر دوره في الغد كانت أمامه صورة أوجاعه المقبلة . وإن كان ممن مر بهذا الجحيم كان أمامه منظر يذكره بالأوجاع التي قاساها ".
ولم تعمل يد التحسين في هذا المستشفى الذي أنشئ عام 660 م إلا بعد الثورة الفرنسية عام 1789 م .
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/8/m_printed_1683.jpg لوحة جدارية لمستشفى ألماني يعود إلى القرن السادس عشر يمكن رؤية المرضى بجانب بعضهم بعضاً في غرفة كبيرة ويظهر أحد الأطباء وهو يتفقدهم

هكذا كانت حال أحد أشهر مشافي أوروبا في العصور الوسطى كما يصفها الدكتور أحمد شوكت الشطي، فماذا كانت حالة مستشفياتنا التي كان يطلق عليها البيمارستانات ؟
يقول المؤرخون إن المشافي العربية والإسلامية كانت تكرس للرضيع والوضيع ، والملك والمملوك ، والجندي والأمير .
وكان الخلفاء والأمراء والسلاطين وذوو الجاه يتبارون في بناء المشافي حتى أصبح في كل مدينة من المدن الكبرى في الإمبراطورية العربية الإسلامية مستشفى عام واحد على الأقل للعناية بالمرضى . وكان البيمارستان مؤسسة حكومية يقوم بنفقاتها أحد الخلفاء أو الأمراء.
كان المرضى يفحصون في المستشفى فيعطون من لا يحتاج إلى الاستشفاء فيه وصفة تحضر في صيدلية المستشفى. أما المرضى الذين يحتاجون إلى دخول المستشفى، فتدون أسماؤهم لقبولهم، ثم يستحمون، ويـبقون في المستشفى حتى الشفاء التام، وعلامته أكل رغيف من الخبز وفروج كامل !!
وعندما يخرجونهم يعطونهم ثوبا مع كمية من الدراهم لتقوم بنفقاتهم الضرورية خارج المستشفى. وكان الناس يتمارضون رغبة منهم في الدخول إلى المستشفى والتنعم بما فيه . وكان الأطباء يغضون الطرف أحيانا عن هذا التحايل
قال خليل بن شاهين الظاهري في كتاب " النجوم الزاهرة " بعد أن زار دمشق :
" وبها بيمارستان لم ير مثله في الدنيا، وعندما دخلت دمشق سنة 831 هـ كان بصحبتي رجل أعجمي من أهل الفضل والذوق ، فلما دخل البيمارستان ، تمارض وأقام به ثلاثة أيام ورئيس الأطباء يتردد إليه، فلما فحصه وعلم حاله وصف له ما يناسبه من الأطعمة الحسنة والفواكه والحلوى . وبعد ثلاثة أيام كتب له الطبيب كلمة جاء فيها :
إن الضيف لا يقيم فوق ثلاثة أيام، وهذا يوحي بأنه أدرك أنه متمارض، ومع ذلك فقد عامله كأحد الضيوف "
وكان لكل مستشفى عام أروقة خاصة للذكور والإناث . وخصصت فيها شعب للحمى والإسهالات والجراحة والتجبير والإصابات العينية وغيرها. وألحق بأكثر المستشفيات حمام عام . ومن أقسام المستشفى صيدلية يشرف عليها صيدلي مجاز ، ومجهزة بالأدوية والشرابات والعقاقير المختلفة .
وجهز كل مستشفى بمكتبة تضم المفيد من مخطوط أبقراط وجالينوس وأطباء المسلمين، يجتمع فيها الأساتذة والطلاب بعد جولة الصباح على المرضى .
وكان للمستشفيات أوقاف تعولها، وكانت الإدارة الطبية يرعاها الطبيب الأول يعاونه رؤساء مختلف الشعب، ويعاون هؤلاء معاونوهم وتلاميذهم.
وانتشرت البيمارستانات انتشارا كبيرا في العالم الإسلامي، وكان منها نوعان :
النوع الأول: وهو البيمارستان الثابت. ومن ذلك بيمارستان النوري الكبير بدمشق
وبيمارستان قلاوون بالقاهرة .
النوع الثاني: وهو البيمارستان المحمول. وهو الذي ينقل من مكان إلى آخر بحسب
انتشار الأمراض والأوبئة والحروب.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/7/hospital3-Mansuri.jpg بيمارستان قلاوون بالقاهرة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/Hospital-Aleppo-.jpg بيمارستان حلب


وبلغ من اهتمام الأمراء بالبيمارستان أن بعضهم كان يشرف بنفسه على سير العمل فيها، ومن هؤلاء أحمد بن طولون الذي اعتاد أن يتفقد أحوال المرضى في كل يوم جمعة في البيمارستان العتيق .
ولم تكن رسالة البيمارستان قاصرة على الرعاية والعلاج، وإنما امتدت لتشمل إعداد الأطباء، وتأهيلهم فكان بمثابة جامعة تخرج الأطباء، ويتبعون ما يطلق عليه في الوقت الحاضر اسمفريق العمل Team Work حيث يشترك أكثر من طبيب في تشخيص الحالة وعلاجها. وهذا المنهج الإسلامي هو الأصل الذي نشأ عنه ما يعرف في الوقت الحاضر في مجال العمل الطبي باسم مؤتمر الحالة Case Conference حيث يجتمع عدد من الأطباء والأخصائيين ويدرسون حالة مريض معينة ، ويبدي كل منهم رأيه ، ويتبادل الجميع الخبرة والمشورة .
أما المجاذم : فقد خصصت لعلاج المجذومين ، و أول مؤسسة عرفت في بلاد العرب هي مجذمة الوليد بن عبد الملك في دمشق سنة 88 هـ ، ثم تعددت المجاذم بعد ذلك . وتعد المجاذم العربية أول دور عولج فيها المصابون بالجذام معالجة فنية، وكان الدخول إليها غير تابع لقيد أو شرط، بينما كانت المجاذم في الغرب مخصصة لفئة من الناس. وكان على المقبول فيها أن يدفع رسما باهظا وأن يصطحب معه ما يحتاج إليه من مقاعد وأسرة وأواني الطعام والشراب .
وأما بيمارستانات الأمراض العقلية فقد تأسست في زمن الأمويين للعناية بالذين أصابهم مس أو اعتراهم ضعف عقلي . فقد كان المسلمون يعتبرون المعتوهين معدمين وعالة على إحسان الدولة ، لأن إصابتهم بقضاء من الله وقدره.
ولقد جاء في صك الأوقاف التي حبس ريعها لصالح المستشفى النوري أو العتيق بحلب أن كل مجنون يخص بخادمين فينزعان عنه ثيابه كل صباح ، ويحممانه بالماء البارد ، ثم يلبسانه ثيابا نظيفة ويحملانه على أداء الصلاة ، ويسمعانه قراءة القرآن يقرؤه رجل حسن الصوت ، ثم يفسحانه في الهواء الطلق .
أما في أوروبا، فكان المجانين يحرمون من دخول المستشفيات، وكانوا يقيدون بالسلاسل في بيوت الجنون، تلك البيوت التي كانت شرا من السجون، فيبقون فيها حتى ينتهي أجلهم !
فهل أتاك بعد هذا كله أن الغرب سبق حضارتنا بقرون حين اهتدوا إلى المستشفيات ؟
ولعلنا في الختام نذكر كلمة " رينان " التي يقول فيها :
" ما دخلت مسجدا قط إلا اعتراني خشوع يمازجه أسف على أني لم أكن مسلما "
فيتمنى أن يكون مسلما من ذلك الطراز: طراز نور الدين وصلاح الدين.
فإلى شحذ الهمم ودفن الظلام، نسأل الله أن يهدي المسلمين في كل مكان

القلب الحزين
18-12-2013, 06:27 PM
الإبل... فوائد في اليقظة والمنام


إعداد الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، سبحانه وتعالى, خلق الإنسان علمه البيان، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم، وعلى آله الطيبين الطاهرين, وعلى صحابته الصادقين المجاهدين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
الإخوة والأخوات:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بين أيديكم جولة علمية في بعض الإبداعات الإسلامية، قصدت منها تعريف أبناء المسلمين أهمية العلوم في بناء الحضارة الإسلامية.
فقد علم المسلمون أن من واجبهم تعمير الكون بنواميس الله في الخلق، فأسسوا حضارة علمية فريدة في تاريخ البشرية، إنها حضارة علمية مادية تقنية إيمانية، جمعت بين الإيمان بالله والعمل الصالح، والعلم النافع، والخلق العظيم وبين البناء والتعمير والإصلاح، إنها تركيبة حضارية فريدة لا توجد إلا في الحضارة الإسلامية.
ـ وقد جمعت لكم نماذج من عجائب الكائنات الحية في نفائس المخطوطات والكتب الإسلامية، بعد أن أعددت برنامجاً إذاعياً في إذاعة القرآن الكريم في مملكة البحرين في (96) حلقة في نفس الموضوع وبرنامج الثقافة العلمية في حياتنا اليومية في ( 70 ) حلقة، وبرنامج إبداعات إسلامية في ( 180 ) حلقة وطلب مني إعداد بعض هذه الحلقات للنشر فجاءت تلك المقالات التي بين أيديكم نماذج من هذه المقالات، التي أدعو الله أن تكون نافذة نطل منها على حركة التاريخ العلمي عند المسلمين، وأن تكون دافعاً لأبنائنا أن يعيدوا لأمتنا مجدها العلمي الذي وارته حقبة الحضارة الإسلامية التائهة في ديارنا العربية والإسلامية.
والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل.
المنامة في: 17/4/1426هـ
الموافق: 25/5/2005م
من عجائب الكائنات الحية في نفائس المخطوطات الإسلامية

الإبل... فوائد في اليقظة والمنام ( ا من 2 )
إعداد: د. نظمي خليل أبو العطاء
جولتنا اليوم مع عجائب المخلوقات الحية في محمية المخطوطات الإسلامية , حيث نتعرف أعجب المخلوقات وأصبر الكائنات الحية والتي قال عنها العلامة زكريا بن محمد بن محمود القزويني ( 600 ـ 682هـ ) في مخطوطته الطريفة عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: ( الإبل من الحيوانات العجيبة وإن كان عجبها سقط من أعين الناس لكثرة رؤيتهم إياها، وهو أنه حيوان عظيم الجسم، شديد الانقياد ينهض , بالحمل الثقيل ويبرك به، وتأخذ بزمامه فأرة وتقوده إلى حيث شاءت، ويتخذ على ظهره بيت يقعد الإنسان فيه مع مأكوله ومشروبه وملبوسه والوسادة والملحفة والنمرقة كما في بيته، ويتخذ للبيت سقف وهو يمشي بكل هذه. وبهذا قال ( الله ) تعالى: )أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت؟ (. وربما تصبر على الماء عشرة أيام، وإنما طولت رقبته ليستعين بها على النهوض بالحمل الثقيل ( وكأن القزويني هنا يقصد تطبيق قانون القوة في ذراعها تساوي المقاومة في ذراعها فإذا كان محور الارتكاز عند التقاء أقدامه بجسده، فإن حاصل ضرب وزن الرأس في طول الرقبة يُعادل الحمل في المسافة القصيرة بينه وبين محور الارتكاز عند أقدامه الأمامية، وتضاف إلى ذلك معاونة الأقدام الخلفية للجمل ورفعه إلى أعلى ). وهذا ذكاء للقزويني في فهم الشكل الظاهري للجمل ( Camelus dromedarius)لم أر مثله من قبل في علماء الشكل الظاهري للحيوان المتخصصين.
ـ ثم يستطرد القزويني الذكي في وصف أهمية طول رقبة الجمل فيقول:
ـ وينال الأرض ( أي: بطول رقبته ) يرعى منها حالة قيامه لتكون الرقبة مناسبة للقوائم، وليبلغ مشفره سائر جسده يحكه به. يهيج ( أي: جنسياً ) في شباط وعند ذلك لا خبر له بالحمل يحمل ما يحمله بعيران أو ثلاثة، عندئذٍ تؤخذ عصارة النورنج وتقطر في منخريه يذهب عنه ذلك.
ـ وإذا مرض أكل من شجرة البلوط يزول عنه.
ـ والشقشقة التي يخرجها لم تعرف أي شيء هي وقد يجتر والشقشقة خارجه، وإذا نهشته حية يأكل السرطان ( القبقب ـ الكابوريا ) تزول عنه غائلة السم. قال: قال ابن سينا: بهذا عرف أن السرطان نافع لنهش الحية.


فوائد طبية:
قال القزويني: قالوا: ليس للبعير مرارة وإنما على كبده شيء يشبهها، وهي جلدة فيها لعاب يكتحل به ينفع من الغشاء العتيق، وتطلى به الرقبة ينفع من الخوانيق، ووزن قيراط مع مثله من المسك يسقط به ينفع من الصرع.
ـ وكبده: من يداوم على أكله يدفع نزول الماء.
ـ وشحمه: لم يوضع في موضع إلا هربت منه الحيات.
ـ وسنامه: يذاب ويطلى به البواسير يسكن وجعها.
ـ وكرشه: فيه غدة إذا خرجت منه استحجرت وإذا سحقت بالخل ابيضت وهي من أنفع الأشياء للسموم القتالة.
ـ ووبره: يذار محرقاً على الأنف يحبس الرعاف ( أي: نزيف الأنف )، والدم السائل من الجراحات إذا ذر عليها.
ـ ولبنها: ينفع من السمومات كلها.
ـ وبعره: قال ابن سينا: يقطع الرعاف، ويمنع الجدري أن يبقى اثره، ويزيل الثآليل.
ـ والثابت علمياً: أن هناك مجموعة من الفطريات تعيش على بعرات الإبل تنتج كميات كبيرة من مضادات الحيوية، والمواد المثبطة لنمو الميكروبات والأنزيمات المحللة للسليلوز.
البعير لغة:
قال الدميري: سمي بعيراً لأنه يبعر، يقال: بعر البعير يبعر ( بفتح العين ) فيهما بعراً ( بتسكين العين ) كذبح يذبح ذبحاً. قاله ابن السكيت وهو اسم يقع على الذكر والأنثى وهو بمنزلة الإنسان من الناس. فالجمل بمنزلة الرجل، والناقة بمنزلة المرأة، والقعود بمنزلة الفتى، والقلومي بمنزلة الجارية.
وقال وحكي عن بعض العرب: صرعتني بعيري أي: ناقتي، وشربت من لبن بعيري، وإنما يقال لها: بعير إذا أجدع والجمع أبعرة وأباعر وبعران.
قال مجاهد في قوله تعالى: )ولمن جاء به حمل بعير (أراد بالبعير الحمار لأن بعض العرب يقول للحمار بعير وهو شاذ.
وعن الجمل قال الدميري: الجمل: الذكر من الإبل قال: قال الفراء: هو زوج الناقة، وجمع الجمل جمال وأجمال وجمائل وجمالات. قال تعالى: )كأنهم جمالات صفر (.
ـ ومن الطرائف قال الدميري: رأيت بخط بعض العلماء المتقدمين المبرزين أنه كان بخراسان رجل عائن ( يعني: حسود العين )، فجلس يوماً إلى جماعة فمر بهم قطار جمال ( أي: قافلة جمال )، فقال العائن: ( أي: الحسود بالعين ) من أي جمل تريدون أن أطعمكم من لحمه، فأشاروا إلى جمل من أحسنها, فنظر إليه العائن فوقع الجمل لساعته، وكان صاحب الجمل حكيماً فقال: من ربط جملي فليحله وليقل بسم الله عظيم الشأن شديد البرهان ما شاء الله كان حبس حابس من حجر يابس وشهاب قابس. اللهم إني رددت عين العائن عليه وفي أحب الناس إليه وفي كبده وكليتيه لحم رقيق وعظم دقيق فيما له يليق )فأرجع البصر هل ترى من فطور ثم أرجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير (. فوقف الجمل لساعته كأن لم يكن به بأس وندرت عين العائن.
الجمل في المنام:
قال الدميري: الجمل في المنام حج، ومن رأى جملاً يصول عليه فإنه يخاصم سفيهاً، ومن قاد جملاً بخطامه فإنه يهدي رجلاً ضالاً، ومن أكل رأس جمل في المنام اغتاب رجلاً رئيساً ومن رأى أنه يجر جملاً فإنه يقهر عدواً.
وعن الناقة قال: الناقة: الأنثى من الإبل وتجمع على نوق مثل بَدَنة وبَدُن وخشبة وخشب.
ـ وكنية الناقة: أم بّو، أم حائل، وأم حوار، وأم مسعود، ويقال لها: بنت الفحل، وبنت الفلاة، وبنت النجائب.
ـ والناقة في الرؤيا، كما قال الدميري، امرأة، فإن كانت من البخت فهي أعجمية، وإن كانت غير بختية فهي امرأة عربية، فمن رأى كأنه حلب ناقة تزوج امرأة صالحة، ومن كان متزوجاً وحلب ناقة، رزق ولداً ذكراً وربما رزق بنتاً، ومن رأى ناقة ومعها فصيلها، فإنه يدل على ظهور آية وفتنة عامة.
ـ أطرف ما قيل في الجمل:
ـ من أطرف ما قرأت عن الجمل في الكتب والمخطوطات الإسلامية ما قاله سعيد سليمان عاذرة في كتابه الإبل على لسان الجمل قال: قال الجمل: أنا الجمل أحمل الأحمال الثقال، وأقطع بها المراحل الطوال، وأكابد الكلال، وأصبر على مر النكال، ولا يعتريني من ذلك ملال, ولا أصول صولة الإدلال، بل أنقاد للطفل الصغير، ولو شاء الله لاستصعبت على الأمير الكبير، فأنا الذلول، وللأثقال حمول، لست بالخائن ولا الغلول، ولا الصائل عند الوصول، أقطع في الوصول ما يعجز عن الفحول، وأصابر الظلماء في الهواجر، ولا أحول، فإذا قضيت حق صاحبي، وبلغت مآربي، ألقيتُ حبلي على غاربي، وذهبت في البوادي أكتسب الحلال زادي، فإن سمعت صوت حادٍ سلمت إليه قيادي، وأوصلت فيه شهادي، وطلقت طيب رقادي، ومددت إليه عنقي لبلوغ مرادي، فأنا، إن ضللت فالدليل هاد، وإن زكلت آخذ بيدي من غليه انقيادي، وإن ظمئت فذكر الحبيب زادي، وأنا المسخر لكم يا شارة )وتحمل أثقالكم (فلم أزل بين رحلة ومقام حتى أصل إلى ذلك المقام. أ.هـ.
ـ وعن الإبل قال الجاحظ ( المتوفى سنة 255هـ ) في كتاب الحيوان: وفيها من خصال الشرف، والمنافع، والغناء في السفر والحضر، وفي الحرب والسلم، وفي الزينة والبهاء، وفي العُدّة والعتاد، ما ليس عند الكركدن ( وحيد القرن )، ولا عند الفيل ولا عند الجاموس.
ـ وقال خالد بن صفوان الخيل للقتال، والإبل للأحمال، والبراذين للجمال، والبغال للأثقال، والحمير للإمهال ( أي: النزهة على مهل ).
وقال رجل من بني تغلب شهد حرب البسوس: لم تصبر معنا في الحرب من الخيل إلا الكميت ومن الإبل إلا الحمر، ومن النساء إلا بنات العم.
· * *

القلب الحزين
18-12-2013, 06:29 PM
لا يأكل من صيد غيره


واثق الخطوة يمشي (( نمراً ))
إعداد: د. نظمي خليل أبو العطاء
النمر (Panthera paradus) ذلك الكائن المعجون بالكرامة، لا يأكل من صيد غيره يمشي ( كملك ) مع أنه ليس ملك الغابة، شديد الغضب، إذا بلغ منه الغضب مبلغه قتل نفسه.
الدميري والنمر:
قال الدميري في ( حياة الحيوان الكبرى ) النمر بفتح النون وكسر الميم، ويجوز تسكين الميم، وبفتح النون وكسرها ( أي: النمر ).
والنمر كما قال الدميري: ضربٌ من السباع فيه شبه من الأسد إلا أنه أصغر منه. وهو منقط الجلد نقطاً سوداً وبيضاً. وهو أخبث من الأسد , ولا يملك نفسه عند الغضب حتى يبلغ من شدة غضبه أن يقتل نفسه.
وجمع النمر أنمار وأنمر ونمور ونِمار والأنثى نمرة. وكنية النمر ( أبو الأبراد ) وأبو الأسود وأبو جعدة وأبوجهل وأبو خطاف وأبو الصعب وأبو عمرو وأبو المرسال. والأنثى أم الأبرد وأم رقاش.
ومزاج النمر كمزاج السبع , وهو صنفان صنف عظيم الجثة صغيرة الذنب، والعكس. وكله ذو قهر وقوة، وسطوات صادقة ووثبات شديدة. وهو أعدى عدو للحيوانات، لا تروعه سطوة أحد، وهو معجب بنفسه، فإذا شبع نام ثلاثة أيام ورائحة فمه طيبة بخلاف السبع. ومنزلته من السباع في المرتبة الثانية بعد الأسد وهو ضعيف الحزم شديد الحرص، يقظان الحراك وفي طبعه عداوة الأسد، والظفر بينهما سجال وهو نهوش خطوف بعيد الوثبة فربما وثبت أربعين ذراعاً صعوداً، ومتى لم يصعد لم يأكل شيئاً، ولا يأكل من صيد غيره وينزه نفسه عن أكل الجيف.
النمر في المنام:
رؤية النمر في المنام تعني رؤية سلطان جائر، أو عدو مجاهر شديد الشوكة، فمن قتله قتل عدواً بهذه الصفة ومن أكل لحمه في المنام نال مالاً وشرفاً ومن ركبه نال سلطاناً عظيماً فإن رأى النمر ركبه ناله ضرر من سلطان أو عدو.
النمر في العلم الحديث:
النمر في العلم الحديث يتبع المملكة الحيوانية من شعيبة الحبليات شعبية ( تحت شعبة ) الفقاريات من طائفة الثدييات، رتبة اللواحم الأرضية، من العائلة القطية.
ويستوطن النمر أفريقيا وآسيا ويختلف طوله من 120 ـ 150 سم من قمة الرأس حتى قاعدة الذنب، وطول الذنب من 60 ـ 96سم وارتفاع الكتفين من 45 ـ 62سم.
يختلف فراء النمر باختلاف البيئة ويتفاوت لونه من الأصفر إلى الأصفر الداكن والرمادي الفاتح، وعلى فرائه بقع كاملة أو حلقية.
والنمر أجمل حيوانات العائلة القطية بالتوشيم الذي يزينه وهو مرن العضلات قوي شجاع جريء مخادع وهو مثال قوي للضواري، وهو أشد الضواري خطراً على الإنسان والحيوان يستطيع تسلق الأشجار واللحاق بأسرع الحيوان.
ويبلغ النمر أوج جماله أثناء مشيه أو عدوه ولا يخشى النمر الناس ومساكنهم ويقترب من القرى والمدن , ويغشى حطائر الماشية والدواجن ليلاً, وهو متى زار مكاناً يعود إليه في نفس الليلة أو بعد انقضاء فترة قصيرة , وهذا ما يعلمه السكان فيتربصون به وكثيراً ما يلقى حتفه في هذه الغزوات.
وإذا هوجم النمر أو حوصر أو أدرك خطراً يحيق بصغاره فإنه ينقض على عدوه كالصاعقة وهو يهاجم الناس دون أن يطاردوه أو يحاولوا إخراجه.
وفترة حمل الأنثى من 87 ـ 99 يوماً وتضع الأنثى نمراً واحداً أو خمسة نمور صغار.
أنواع النمور:
ومن النمور، النمر العربي الذي يعيش في المناطق الجافة جنوبي شبه الجزيرة العربية , وهناك نمر الجليد الذي يستوطن آسيا حتى سيبيريا، والنمر الأمريكي ونمر الشجر الذي يستوطن المناطق الجنوبية الشرقية من آسيا وهو يقضي معظم حياته فوق الأشجار.
البَبِر:
ونترك النمر لننتقل إلى الببر كما ذكره الدميري في كتابه حياة الحيوان الكبرى حيث قال :
البَبِرْ بباءين موحدتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة , وهو ضرب من السباع. ويقال له: البريد والفَرانق بضم الفاء وكسر النون، وهو هندي معرّب، ولا يقدر أحد على صيده وإنما تسرق جراؤه ( أي: صغاره ) ويركض بها على الخيول السابقة فإذا أدركهم أبوها ألقوا إليه قارورة بها أحد أبنائه فينشغل بالنظر إليه والحيرة في إخراج ولده منها فيفوته بقية أبنائه.
فيربي الببر الصغير ويألف الصبيان ويأنس بالأنس.
والببر يألف شجرة الكافور فإذا كان عندها لم يستطع أحد أن يأخذ منها شيئاً.
وذكر في ربيع الأبرار أن الببر على صورة الأسد الكبير هو أبيض يلمع بصفرة وخطوط سود.
وقال أرسطو: الببر سبع مهيب يكون بأرض الحبشة خاصة لا بغيرها.
الببر في العلم الحديث:
الببر في العلم الحديث من المملكة الحيوانية يتبع شعبة الجبليات , من شعيبة الفقارات, من طائفة الثدييات, تحت طائفة الفقاريات , من رتبة اللواحم الأرضية , من العائلة القطية.
ويتميز الببر بجسم مستطيل ممدود ورأس مستدير وليس بذنبه شرابه، وشعره قصير أملس يستطيل على الخدين ويكون شوارب على جانبي الفم، والأنثى أصغر حجماً من الذكر، ولون الفراء أصفر صدئي داكن على الظهر، وفاتح على الجانبين.
أما الأجزاء السفلى والناحية الإنسية من الأطراف والشفاه وأسفل الخدود فهي مبيضة، وتمتد من الظهر خطوط سود أفقية غير منتظمة، إلى الصدر البطني، والذنب أفتح لوناً من أعلى البدن وعليه حلقات سود، والشوارب بيض، والعيون كبيرة مستديرة الحدقة ولونها بني مصفر، والصغار لا تختلف في تخطيطها عن الكبار، ولكنها أفتح لوناً، وتوجد حيوانات سود وأبيض ولكنه شذوذ نادر، ويأوي الببر إلى ضفاف الأنهار المكسوة بالغاب الطويل وإلى أحراش الخيزران الكثيفة وغيرها من الأدغال التي تتيح له مخبأ منيعاً كما أنه يسكن الخرائب.
والببر حيوان فائق السرعة، خفيف الحركة , لا يتعب إلا بعد وقت طويل وجهود جبارة، فهو في غزواته يقطع مسافات شاسعة في وقت قصير، ويعدو في سرعة كبيرة، ويجيد السباحة، ولقد بالغ الناس في قدرته على القفز البعيد، ولكن التجارب أثبتت انه لا يستطيع القفز لمسافة تزيد على ستة أمتار كما لا يتسلق الببر الأشجار إلا نادراً، ومعظم غذائه من الغزال والبقر الوحشي والحيوانات المنزلية ويأكل القرود والطاووس إذا وقعت له.

الحمل والولادة:
تختلف فترات تزاوج الببر باختلاف الموطن ولا تلد الأنثى في الأحوال العادية سوى مرة واحدة في السنة وكثيراً ما تتبادل ذكور عدة أنثى واحدة وتتراوح مدة الحمل بين 98 يوماً إلى 110 أيام وتضع الأنثى ما بين 2 ـ 4 من الجراء من مكان أمين يصعب الوصول إليه.
ويبلغ وليد الببر عند وضعه نصف حجم القطة المنزلية ولا تبارح الأم صغارها في الأسبوع الأول إلا مدفوعة بألم الجوع , ولكن متى كبرت الجراء واستطاعت أن تأكل فإن الأم تعود إلى سيرتها الأولى من التجوال البعيد.
وبعد ستة أسابيع تأخذ الصغار في التنقل مع أمها من مخبأ إلى مخبأ كما أن الأم تعود لتأخذ صغارها إذا ما وقع صيد قرب مكانها، وتبدأ الصغار في الصيد بنفسها وهي في الشهر الثامن من عمرها.
وإذا أخذ جرو البير صغيراً بحيث لا يزيد عمره على شهر واحد فإنه يصبح أليفاً لا يخشى ضرره ولا تعاوده النزعة الوحشية متى كان يأخذ كفايته من الغذاء.
أما أنثى الببر الأليفة فإنها تصبح خطراً على الحراس متى وضعت وتقابلهم متجهمة مكشرة عن أنيابها إذا ما حاولوا الاقتراب منها كما أنها تهاجم الذكر بعنف إذا حاول الاقتراب من صغارها.
وفيما عدا فترة الحضانة للأولاد فالببر أليف يحب ويطيع القائمين على رعايته ويبادلهم المعاملة الحسنة بمثلها فهو يتملقها ويلزم الهدوء إزاءهم , ومع ذلك فيجب أن تظل صداقة الإنسان للببر في موضع الشك والريبة والحذر لأنه ماكر مخادع وقوي عنيد لا يسامح إذا أسيء إليه.
* * *

القلب الحزين
18-12-2013, 06:33 PM
الثعلب... سبع ذكي



إعداد: د. نظمي خليل أبو العطا
ليس له قوة الأسد أو النمر ولذلك: تسلح بذكاء خبيث نادر مكنه من البقاء في عالم، لا يبقى فيه سوى الأقوياء.. وبذلك منح الثعلب معنى جديد للقوة يعتمد على الذكاء والدهاء حتى بات وصفاً لمن يتسمون بالمكر وعرفنا ألقاباً كثعلب الصحراء، وثعلب الملاعب والثعلب الملكي Vulpes canaوهكذا نجح الثعلب في إقناع الجميع بقوته مع أنه سبع جبان.
جولتنا اليوم تبدأ بكتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري حيث قال عن جنس الثعلب:
ـ الثعلب معروف، والأنثى ثعلبة، والجمع ثعالب وكنية الثعلب أبو الحصين، وأبو نجم وأبو نوفل، وأبو الوثاب، وأبو الخبص، والأنثى أم عويل والذكر ثعلبان.
مكر الثعلب:
وقال الدميري: الثعلب سبع جبان مستضعف ذو مكر وخديعة، ولكنه لفرط الخبث والخديعة يجري مع كبار السباع ومن حيلته في طلب الرزق أنه يتماوت، وينفخ بطنه ويرفع قوائمه حتى يظن أنه مات، فإذا قرب منه حيوان وثب عليه الثعلب وصاده.. وحيلته هذه لا تفلح مع كلاب الصيد.
وقال الجاحظ في كتابه الشهير ( الحيوان ): ومن أشد سلاح الثعلب الروغان والتماوت، وسلاحه سلحة فإن سلاحه أنتن وألزج وأكثر من سلاح الحبارى.
قالت العرب: أدهى وأنتن من سلاح الثعلب.
ومن ظريف ما يحكى عن الثعلب أن البراغيث إذا كثرت في صوفه تناول صوفة منه بفمه ثم يدخل النهر قليلاً فتصعد البراغيث فراراً من الماء ثم تجتمع في الصوفة التي في فيه فيلقيها في الماء ثم يهرب.
الشافعي وحيل الثعلب:
ومما يروى من حيل الثعلب ما ذكره الشافعي ورواه الدميري قال: كنا في سفر في أرض اليمن فوضعنا سفرتنا لنتعشى، وحضرت صلاة المغرب فقمنا نصلي، ثم نتعشى فتركنا السفرة كما هي وقمنا إلى الصلاة، وكان في السفرة دجاجتان، فجاء ثعلب فأخذ إحداهما، فلما قضينا الصلاة أسفنا عليها وقلنا حرمنا طعامنا، فبينما نحن كذلك إذ جاء الثعلب وفي فمه شيء كأنه الدجاجة فوضعه فبادرنا إليه لنأخذه ونحن نحسبه الدجاجة قد ردها فلما قمنا جاء إلى الأخرى وأخذها من السفرة، وأصبنا الذي قمنا إليه لنأخذه فإذا هو ليف قد هيّأه مثل الدجاجة.
الدميري وخواص الثعلب:
قال الدميري: وشحم الثعلب إذا أذيب وقطّر في الأذن الوجعة سكن وجعها.
وعن الثعلب في الأمثال قال: قالوا: أروغ من ثعلب.
وقال الشاعر:
كل خليل كنت خاللته لا ترك الله له واضحة

كلهم أروغ من ثعلب ما أشبه اليوم بالبارحة

الثعلب الرمليVulpes ruepelli:
يستوطن مصر والصحراء المتاخمة لحدودها والجزيرة العربية ويتميز بجسم رشيق فاتح اللون يفرقه تماماً عن الثعلب الأحمر، ولكن الفارق الكبير يتلاشى تدريجياً في الأصناف التي تستوطن جنوب أوروبا، كما قال الدكتور حسين زين الدين.
والثعلب الأوروبي أصغر من الثعلب المصري، وأطرافه أميل إلى القصر ويمتلك فروة كثيفة شديدة النعومة كما قال جونثان كينجدون وذنبه غزير الشعر.
وتوجد في مؤخرة جسم هذا الثعلب بالقرب من قاعدة الذنب غدة مميزة تفوح منها رائحة عطرية أقرب إلى رائحة البنفسج تفرز عبيرها عندما تشرع هذه الثعالب في المزاح واللهو.
ثعلب الفنك:
ومنه الفنك فضي الظهر ويستوطن من أفريقيا الجنوب، والجنوب الغربي، وهو صغير الحجم طوله 57سم والذنب طوله 30سم والآذان من 8 ـ 9سم ولونه: رمادي فضي.
وثعلب الفنك من أندر الثعالب في العالم حيث تتجمع في فروته من الخصائص ما يجعلها غاية في الكثافة والجمال والدقة والنعومة كما قال جونثان كينجدون.
ومنه الفنك الباهت، ويستوطن الكاميرون والسودان.
الفنك ـ كلب الصحراء ـ: ويوجد في شمال أفريقيا وشبه جزيرة سيناء وشمال بلاد الغرب والبراري.
وعن أسماء الثعلب وكناه قالت كوكب ديب دياب في قاموس الحيوان: ثعالة، القعلب، الحبتر، والرواغ، سمسم، والصيدناني، والعسلق، والهيطل.
وعن الذكر قالت: أبو البحيص، والثعلب، والثعلبان، والحبتر، وأبو خفص وأبو الحصين، وأبو زهرة، وأبو معاوية، وأبو نوفل، وأبو الوثاب.
وعن الأنثى قالت: ثعالة، والثعلبة، وأم رقاش، وأم عويل.
ومن أصواته: التضور ( عند الجوع )، والصياح، والضياح، والضعفاء، والوعوعة.
الثعلب ورأس الذئب الطائح:
وفي آخر كتاب الأذكياء لأبي الفرج ابن الجوزي (510 ـ 597هـ) قال:
زعموا أن أسداً وثعلباً وذئباً اصطحبوا فخرجوا يتصيدون، فصادوا حماراً وظبياً وأرنباً. فقال الأسد للذئب: اقسم بيننا صيدنا، فقال: الأمر أبين من ذلك، الحمار لك والأرنب لأبي معاوية ( يعني الثعلب ) والظبي لي، فخبطه الأسد فأطاح رأسه، ثم اقبل الأسد على الثعلب وقال: قاتله الله ما أجهله بالقسمة هات أنت يا أبا معاوية فقال الثعلب: يا أبا الحارث ( يعني: الأسد ) الأمر اوضح من ذلك الحمار لغذائك، والظبي لعشائك والأرنب فيما بين ذلك. فقال له الأسد: قاتلك الله ما أقضاك. من علمك هذه الأقضية؟ قال الثعلب: رأس الذئب الطائح عن جثته.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/4/rfoxrabt_resize.jpg
الثعلب في العلم الحديث:
والثعلب في العلم الحديث يصنف في المملكة الحيوانية من شعبة الحبليات، طائفة الثدييات، رتبة اللواحم الأرضية، من العائلة الكلبية، جنس الثعلب، ويتبع جنس الثعلب العديد من الأنواع منها الثعلب الأحمر، والثعلب المصري، والثعلب الرملي.
الثعلب الأحمر:
والثعلب الأحمر كما قال الدكتور حسين فرج زين الدين في أطلس ثدييات العالم: يستوطن أوروبا على التقريب، وهو الأكثر شيوعاً بين آكلات اللحوم في شبه الجزيرة العربية، وينتشر في معظم المناطق باستثناء الصحارى شديدة الحرارة والجفاف كما قال جونثان كينجدون في ثدييات الجزيرة العربية والثعلب من أكثر الثدييات تنوعاً في لونه ومظهره الخارجي، وهو رشيق الجسم كثيف الذنب يبلغ طول جسمه من 90 ـ 100 سم للذنب منها من 30 ـ 40سم، ولون الأجزاء العلوية أحمر صدئي، والتحتية أبيض.
والثعلب الأحمر حيوان ليلي يختفي طوال النهار ومدة حمل الأنثى من 60 ت 63 يوماً، وتلد من 3 ـ 9 جراء في أوائل الربيع.
وغذاؤه الدجاج والأرانب.
* * *

القلب الحزين
19-12-2013, 06:19 PM
الخيل معقود بنواصيها الخير



إسماعيل عليه السلام أول من ركب الفرس
إعداد: د. نظمي خليل أبو العطا
وتدخل جولتنا العلمية مع عجائب الكائنات الحية في نفائس المخطوطات الإسلامية جناح العائلة الخيلية من محمية المخطوطات الإسلامية، والمكتوب على مدخله: )والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ([سورة النحل آية: 80].
وأول قسم من أقسام هذا الجناح هو قسم الخيل حيث قال عنه كمال الدين محمد بن موسى الدميري (742 ـ 808 هـ) في كتابه حياة الحيوان الكبرى: الخيل جماعة الأفراس لا واحد له. وقيل: مفرده خائل.
وقال السجستاني: تصغيرها خييل. وسميت الخيل خيلاً لاختيالها في المشية ويكفي في شرف الخيل أن الله تعالى أقسم بها في كتابه فقال: )والعاديات ضبحاً (وهي خيل الغزو التي تعدو فتصيح أي: تصوت بأجوافها.
وفي الصحيح: عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرسه بأصبعيه وهو يقول: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة ). ومعنى عقد الخير بنواصيها أنه ملازم له كأنه معقود فيها.
والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة وكني بالناصية عن جميع ذات الفرس كما يقال فلان مبارك الناصية وميمون الغرة أي: الذات.
وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الشكال من الخيل.
والشكال: أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى بياض، أو في يده اليمنى ورجله اليسرى كذا وقع تفسيره في صحيح مسلم وهذا أحد الأقوال في الشكال.
ونتابع القراءة فيما كتبه الدميري عن الخيل.
قال ابن رشيق في عمدته في باب منافع الشعر ومضاره أن أبا الطيب المتنبي لما ذهب إلى بلاد فارس ومدح عضد الدولة بن بويه الديلمي وأجزل جائزته رجع من عنده قاصداً بغداد وكان معه جماعة فخرج عليهم قطاع طريق بالقرب من بغداد فلما رأى الغلبة فر هارباً فقال له غلامه: لا يتحدث الناس عنك بالفرار أبداً وأنت القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والحرب والضرب والقرطاس والقلم
فكر راجعاً وقاتل حتى قتل فكان سبب قتله هذا البيت.
أول الفرسان:
وأول من ركب الخيل إسماعيل عليه السلام ولذلك سميت بالعراب.
وقال الرازي: الإبل العِراب بالكسر خلاف البخاتي من البخت والخيل العراب خلاف البراذين.
ـ والخيل في المنام كما قال الدميري: قوة وزينة وعزة وهي أشرف ما ركب من الدواب.
فمن رأى في المنام عنده شيئاً منها نال قوة وعزّاً , وربما دل ذلك على اتساع حاله وإدرار رزقه وانتصاره على أعدائه.
ومن رأى خيلاً تتطاير في الهواء فإنها فتنة.
ـ وقال زكريا بن محمد بن محمود القزويني ( 600 ـ 682 هـ ) في كتابه عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: الفرس هو أحسن الحيوانات شكلاً وأشد الدواب عدواً وذكاء وله خصال حميدة وأخلاق مرضية وله صفاء اللون وحُسن الصورة وتناسب الأعضاء وحسن طاعته للفارس، كيف يشاء صرفه وانقاد له ومن الخيل ما لا يبول ولا يروث ما دام الراكب عليه.
ـ وقال: قال محمد بن السائب الكلبي إن الصافنات الجياد التي عرضت على سليمان عليه السلام كانت ألف فرس ورثها من أبيه داود عليه السلام فلما ألهته عن الصلاة حتى توارت بالحجاب عرقبها فوقد عليه قوم من الأزد وكانوا أصهاره فلما فرغوا قالوا: يا نبي الله! أرضنا شاسعة زودنا ما يبلغنا إليها فأعطاهم فرساً من تلك الخيل وقال: إذا نزلتم منزلاً فاحملوا عليه غلاماً واحتطبوا فإنكم لا توورون ( أي: توقدون ) ناركم حتى يأتيكم بطعام، فساروا بالفرس وكانوا إذا نزلوا منزلاً حملوا عليه غلامهم للقنص فلا يفوته شيء من ظبي أو بقر أو حمار إلى أن قدموا إلى بلادهم فسموا ذلك الفرس زاد الراكب وزعموا أن خيل العرب من إنتاجه.
وقال الدميري في حياة الحيوان الكبرى: الحِصان بكسر الحاء المهملة الذكر من الخيل. قيل: إنما سمي حصاناً لأنه حصن ماءه فلم ينزل إلا على كريمة.
الخيل في العلم الحديث:
والخيل في العلم الحديث من العائلة الخيلية، رتبة فردية الحافر شعيبة ( تحت شعبة ): الثدييات من شعبة الحبليات، التابعة للمملكة الحيوانية من الكائنات الحية.
وكما قال الدكتور حسين فرج زين الدين في كتابه القيم أطلس ثدييات العالم: أن العائلة الخيلية تضم الحمار، والزبرا ( أي: الحمار المخطط ) والحصان وجميعها تتميز بوجود حافر واحد يتكون من الأصبع الثالثة داخل صندوق قرني هو الحافر.
والذنب مغطّى بشعر طويل يعمل عمل المذبة أو المهشة في طرد الذباب في البيئة الخارجية والخيل حيوانات اجتماعية تعيش في قطعان قد يبلغ عدد الواحد منها بضع مئات.
والأفراس تلد صغيراً واحداً مرة كل سنتين ويولد الصغير كامل النمو مفتوح العينين يستطيع الوقوف بعد دقائق معدودة من مولده دون مساعدة ما. ومدة الحمل في الأفراس أحد عشر شهراً.
وتعمر الخيول طويلاً، وقد تلد الفرس في سن الخامسة والعشرين وقد عمر بعض الخيول خمسين عاماً.
ويوجد من الحصان صنفان فرس منغوليا الوحشي، والفرس الأهلي، والحصان العربي من الفرس الأهلية.
الحصان العربي ( Equus caballus) :
الحصان العربي من أقدم الخيول الأصيلة في العالم ويمتاز بقوة تحمله، وسرعته القائمة، وجمال منظره, وتناسق أعضائه ورشاقته , كما أنه سريع الاستجابة لقائده إذا أحسن معاملته، بالإضافة إلى إذنه المرهفة التي تطرب لسماع الإيقاع الجميل ويأتي الحصان بحركات خاصة بأرجله عند سماعها.
ومن خصائص الحصان العربي كما قال الدكتور محمد مصطفى شكري في كتابه الخيول ورعايتها: قدرته على التكيف مع الظروف الجوية الصعبة حارة كانت أم باردة , وكذلك تحمله للعطش ومحافظته على سرعته العالية لمسافات طويلة، واستغلاله لأكبر طاقة ممكنة من غذائه، كما يمكنه تحمل السير مسافات طويلة حاملاً أوزاناً تعادل ربع وزنه دون كلل.
ومنشأ الحصان العربي بالدرجة الأولى بلاد العرب, وقد كتب المؤرخ العربي الكلبي: أن العرب ينسبون جميع الخيول على خمسة أصول هي: الكحيلان، والصقلاوي، والعبيان، والحمداني، والهدبان، ولا تعتبر الخيل نقية إلا إذا كانت تنتسب إلى واحد من هذه الأصول والكلبي هو أبو المنذر هشام بن محمد الكلبي ضابط أنساب الخيل العربية منذ أن اشتهر أول فرس عربي كفحل للسفاد والف الكلبي كتاب أنساب الخيل سنة 876 ميلادية.
* * *

القلب الحزين
19-12-2013, 06:20 PM
إسهامات علماء المسلمين في الطب



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1267528215250px-persian_zakaria_razi.jpg صورة للوحة زيتية قديمة تظهر الرازي وهو يعالج أحد المرضى

د. راغب السرجاني
المقصود بعلوم الحياة أو العلوم الكونية
يُطْلَق على علوم الحياة تسميات أخرى مثل: العلوم الكونية، العلوم التقنية، العلوم التطبيقية، العلوم التجريبية.. وقد آثرتُ تسميتها بعلوم الحياة وذلك في مقابل علوم الشرع؛ لأني أرى أن بها تنصلح الحياة على الأرض، وهي تعني: العلوم النافعة التي يهتدي إليها الناس بعقولهم وتجارِبهم ومشاهداتهم، ويستطيعون من خلالها عمران الأرض وإصلاحها وتسخير إمكانياتها، واستكشاف الكون والبيئة، وهي مثل علوم الطب والهندسة والفلك والكيمياء والفيزياء والجغرافيا، وعلوم الأرض والنبات والحيوان، وغير ذلك من العلوم التي تشمل الماديات المبثوثة في الكون، والتي يحتاج إليها البشر في إصلاح حياتهم.

ولقد بلغت مكانة علوم الحياة في ظلِّ الإسلام مبلغًا عظيمًا، حتى أصبح المسلمون فيها سادة، وقد ملكوا ناصيتها كما ملكوا ناصية العالم، فغدت جامعاتهم مفتوحة للطلبة الأوربيين الذين نزحوا من بلادهم لطلب تلك العلوم، وطفق ملوك أوربا وأمراؤها يَفِدُون إلى بلاد المسلمين ليعالَجوا فيها، وهو ما دعا العلاّمة الفرنسي جوستاف لوبون يتمنى لو أن المسلمين استولوا على فرنسا؛ لتغدو باريس مثل قرطبة في إسبانيا المسلمة[1]"[2].!
وقال أيضًا تعبيراً عن عظمة الحضارة العلميَّة في الإسلام: "إن أوربا مدينة للعرب (المسلمين) بحضارتها وفي هذه المقالات نتناول جوانب من إسهامات المسلمين في علوم الحياة، ونبرز عظمة هذه الإسهامات، ومكانة ذاك التغيير الذي أثّر -ولا يزال- في مسيرة الإنسانيَّة.
تطوير العلوم المتداولة
لا شكَّ أنه كانت هناك علوم كثيرة متداولة قبل المسلمين، ساهمت فيها الحضارات السابقة بآثار طيِّبة، وهو ما اتَّكأ عليه المسلمون -ولهم الفخر في إعلان ذلك والتصريح به- عند بدء نهضتهم وقيام حضارتهم، غير أنهم - وهذا هو المعيار والأساس- لم يقتصروا على مجرَّد النقل عن غيرهم ممن سبقوهم، وإنما توسَّعوا وأضافوا إضافات باهرة من ابتكاراتهم واكتشافاتهم، واستطاعوا أن يسطروا في تلك العلوم التي كانت متداولة قبلهم تاريخًا ناصعًا مشرِّفًا، وهو ما نتبيَّنه ونتلمَّسه من خلال علم الطب.
تطور الطب على يد علماء المسلمين
يُعدُّ علم الطب من أوسع مجالات العلوم الحياتية التي كان لعلماء المسلمين فيها إسهامات بارزة على مدار عصور حضارتهم الزاهرة، وكانت تلك الإسهامات على نحو غير مسبوق شمولاً وتميُّزًا وتصحيحًا للمسار؛ حتى ليُخيَّل للمطَّلع على هذه الإسهامات الخالدة كأن لم يكن طبٌّ قبل حضارة المسلمين!!

ولم يقتصر الإبداع على علاج الأمراض فحسب، بل تعدَّاه إلى تأسيس منهج تجريبي أصيل انعكست آثاره الراقية والرائعة على كافَّة جوانب الممارسة الطبيَّة وقايةً وعلاجًا، أو مرافق وأدوات، أو أبعادًا إنسانية وأخلاقية تحكم الأداء الطبي.

وإن روعة الإسهامات الإسلامية في الطبِّ لتتجلَّى في تخريج هذا الحشد من العبقريات الطِّبِّيَّة النادرة، التي كان لها -بَعْدَ الله سبحانه وتعالى- الفضل الكبير في تحويل مسار الطبِّ إلى اتجاه آخر، تابعت المسير على نهجه أجيالُ الأطباء إلى يوم الناس هذا.

الطب النبوي
وإن بدايات تلك الصنعة تكمن في أن الإنسان منذ وُجِدَ على ظهر الأرض وهو يهتدي -بإلهام ربِّه- إلى أنواع من التطبيب تتَّفِق مع مستواه العقلي وتطوُّره الإنساني، وكان ذلك النوع من الطبِّ يُعرف بالطبِّ (البدائي) انسجامًا مع المستوى الحضاري للإنسان، ولذلك نجد ابن خلدون يذكر أن: "... للبادية من أهل العمران طبًّا يبنونه في أغلب الأمر على تجربة قاصرة، ويتداولونه متوارثًا عن مشايخ الحيِّ، وربما صحَّ منه شيء، ولكنه ليس على قانون طبيعي"[3].

ولما جاء الإسلام كان للعرب في الجاهلية مثل هذا الطب، فحثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على التداوي فقال - كما روى أسامة بن شريك رضي الله عنه: "تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاِّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الـْهَرَمُ"[4]. وعُرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التداوي بالعسل والتمر والأعشاب الطبيعية، وغيرها مما عُرف بـ "الطب النبوي"".

غير أن علماء المسلمين لم يَقِفُوا عند حدود ذلك الطبِّ النبوي، بل أدركوا منذ وقت مبكر أن العلوم الدنيوية -والطبّ أحدها- تحتاج إلى دوام البحث والنظر، والوقوف على ما عند الأمم الأخرى منها؛ وذلك تطبيقًا لهدي الإسلام الدافع دومًا للاستزادة من كل ما هو نافع، والبحث عن الحكمة أنَّى وُجدت.. فنرى أطباء المسلمين يأخذون في التَّعَرُّفِ على الطبِّ اليوناني من خلال البلاد الإسلامية المفتوحة، كما أن الخلفاء بدءوا يستقدمون الأطباء الروم، الذين سرعان ما أخذ عنهم الأطباء المسلمون، ونشطوا في ترجمة كل ما وقع تحت أيديهم من مؤلَّفات طبية، ولعلَّ هذا يُعْتَبَرُ من أعظم أحداث العصر الأموي.
عباقرة علماء المسلمين في الطب
أبو بكر الرازي
وقد تميَّز علماء الطبِّ المسلمين بأنهم أوَّل مَنْ عَرَفَ التخصُّص؛ فكان منهم: أطباء العيون، ويسمَّون (الكحَّالين)، ومنهم الجراحون، والفاصدون (الحجَّامون)، ومنهم المختصُّون في أمراض النساء, وهكذا. وكان من عمالقة هذا العصر المبهرين أَبو بكر الرازي، والذي يُعْتَبَرُ من أعظم علماء الطبِّ في التاريخ قاطبةً، وله من الإنجازات ما يعجز هذا الكتاب عن ضمِّه!

وما كادت عجلة الأيام تدور في العصر العباسي حتى أجاد المسلمون في كل فرع من فروع الطبِّ، وصحَّحوا ما كان من أخطاء العلماء السابقين تجاه نظريات بعينها، ولم يَقِفُوا عند حَدِّ النقل والترجمة فقط, وإنما واصلوا البحث وصوَّبوا أخطاء السابقين.
علي بن عيسى الكحال
فقد تطوَّر طبُّ العيون (الكحالة) عند المسلمين, ولم يُطاوِلهم فيه أحدٌ؛ فلا اليونان من قَبْلِهِمْ، ولا اللاتين المعاصرون لهم, ولا الذين أَتَوْا من بعدهم بقرون بلغوا فيه شَأْوَهم؛ فقد كانت مؤلَّفاتهم فيه الحُجَّة الأُولَى خلال قرون طِوَال، ولا عجب أن كثيرين من المؤلِّفين كادوا يَعْتَبِرُون طبَّ العيون طبًّا عربيًّا، ويُقَرِّر المؤرِّخون أن علي بن عيسى الكحال[5] كان أعظم طبيب عيون في القرون الوسطى برُمَّتِهَا، ومؤلَّفه (التذكرة) أعظم مؤلَّفَاته[6].
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1267527593220px-zahrawi1.jpg صورة أحد صفحات كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف يوضح فيها بعض أدواة الجراحة التي كانت مستعملة

أبو القاسم الزهراوي
وإذا طوينا تلك الصفحة المشرقة للرازي وابن عيسى الكحال فإننا نجد أنفسنا أمام عملاق آخر يُعْتَبَرُ من أعظم الجرَّاحين في التاريخ، إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق، وهو أبو القاسم الزهراوي (ت 403هـ) الذي تمكّن -كما أشرنا قبل ذلك- من اختراع أُولَى أدوات الجراحة كالمشرط والمقصِّ الجراحي، كما وَضَع الأُسُسَ والقوانين للجراحة، والتي من أهمِّها ربط الأوعية لمنع نزفها، واخترع خيوط الجراحة, وتمكَّن من إيقاف النزف بالتخثير.

وقد كان الزهراوي هو الواضع الأوَّل لعلم (المناظير الجراحية) وذلك باختراعه واستخدامه للمحاقن والمبازل الجراحية، والتي عليها يقوم هذا العلم, وقام بالفعل بتفتيت حصوة المثانة بما يشبه المنظار في الوقت الحاضر، إلى جانب أنه أوَّل مخترع ومستخدم لمنظار المهبل، ويُعْتَبَرُ كتابه (التصريف لمن عجز عن التأليف)، والذي قام بترجمته إلى اللاتينية العالم الإيطالي جيراردو[7] تحت اسم (ALTASRIF)، موسوعة طبية متكاملة لمؤسسي علم الجراحة بأوربا, وهذا باعترافهم، ولقد حلَّ الجزء الذي تكلَّم فيه الزهراوي عن الجراحة محلَّ كتابات القدماء، وظلَّ العمدةَ في فنِّ الجراحة حتى القرن السادس عشر (أي لما يزيد على خمسة قرون من زمانه)، ويشتمل على صور توضيحية للعديد من آلات الجراحة (أكثر من مائتي آلة جراحية!) كان لها أكبر الأثر فيمن أتى مِنْ بعده من الجرَّاحين الغربيين، وكانت بالغة الأهمية على الأخصِّ بالنسبة لأولئك الذين أصلحوا فنَّ الجراحة في أوربا في القرن السادس عشر؛ يقول عالم وظائف الأعضاء الكبير هالر: "إن جميع الجراحين الأوربيين الذين ظهروا بعد القرن الرابع عشر قد نهلوا واستقوا من هذا المبحث"[8].
ابن سينا
وقد برزت شخصيات إسلامية أخرى لامعة في ميدان علم الطب من أمثال ابن سينا (ت 428هـ) الذي استطاع أن يُقَدِّم للإنسانية أعظم الخدمات بما توصَّل إليه من اكتشافات، وما يسَّره الله له من فتوحات طبية جليلة؛ فقد كان أوَّل من اكتشف العديد من الأمراض التي ما زالت منتشرة حتى الآن، فهو الذي اكتشف لأوَّل مَرَّة طُفَيْل (الإنكلستوما), وسمَّاها الدودة المستديرة، وهو بذلك قد سبق العالِم الإيطالي (دوبيني) بنحو 900 سنة، كما أنه أوَّل من وصف الالتهاب السحائي، وأوَّل من فرَّق بين الشلل الناجم عن سبب داخلي في الدماغ، والشلل الناتج عن سبب خارجي، ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم، مخالفًا بذلك ما استقرَّ عليه أساطين الطبِّ اليوناني القديم، فضلاً عن أنه أوَّل من فرَّق بين المغص المعوي والمغص الكلوي[9]، كما كشف ابن سينا -لأوَّل مَرَّة أيضًا- طُرُقَ العدوى لبعض الأمراض المعدية كالجُدَرِيِّ والحصبة، وذكر أنها تنتقل عن طريق بعض الكائنات الحيَّة الدقيقة في الماء والجوِّ، وقال: "إن الماء يحتوي على حيوانات صغيرة جدًّا لا تُرى بالعين المجرَّدة، وهي التي تسبِّب بعض الأمراض"[10]. وهو ما أكَّدَهُ (فان ليوتهوك) في القرن الثامن عشر والعلماء المتأخِّرون من بعده بعد اختراع المجهر.

ولهذا فإن ابن سينا يُعَدُّ أوَّل من أرسى (علم الطفيليات) الذي يحتلُّ مرتبة عالية في الطبِّ الحديث؛ فقد وَصَفَ لأوَّل مَرَّة (التهاب السحايا الأولي) وفرَّقه عن (التهاب السحايا الثانوي) -وهو الالتهاب السحائي- وغيره من الأمراض المماثلة، كما تحدَّث عن طريقة استئصال (اللوزتين)، وتناول في آرائه الطبية أنواعًا من السرطانات كسرطان الكبد، والثدي، وأورام العقد الليمفاوية، وغيرها[11].

وكان ابن سينا جرَّاحًا بارعًا؛ فقد قام بعمليات جراحية دقيقة للغاية، مثل استئصال الأورام السرطانية في مراحلها الأولى[12], وشقّ الحنجرة والقصبة الهوائية، واستئصال الخرَّاج من الغشاء البلوري بالرئة، كما عالج البواسير بطريقة الربط، ووصف -بدقَّة- حالات النواسير البولية، إلى جانب أنه توصَّل إلى طريقة مُبْتَكَرَة لعلاج الناسور الشرجي لا تزال تُسْتَخْدَم حتى الآن! وتعرَّض لحصاة الكُلَى وشرح كيفية استخراجها والمحاذير التي يجب مراعاتها، كما ذَكَرَ حالات استعمال القسطرة، وكذلك الحالات التي يُحذر استعمالها فيها[13]

كما كان له باعٌ كبير في مجال الأمراض التناسلية؛ فوصف بدقَّة بعض أمراض النساء؛ مثل: الانسداد المهبلي, والإسقاط، والأورام الليفية، وتحدث عن الأمراض التي يمكن أن تصيب النفساء؛ مثل: النزيف، واحتباس الدم، وما قد يُسَبِّبُه من أورام وحُمِّيَّات حادَّة، وأشار إلى أن تَعَفُّنِ الرحم قد ينشأ من عُسْرِ الولادة، أو موت الجنين، وهو ما لم يكن معروفًا من قبل، كما تعرَّض أيضًا للذكورة والأنوثة في الجنين, وعَزَاهَا إلى الرجل دون المرأة، وهو الأمر الذي أَكَّدَه مؤخَّرًا العلم الحديث[14].

وإلى جانب كل ما سبق كان ابن سينا على دراية واسعة بطبِّ الأسنان, وكان واضحًا دقيقًا في تحديده للغاية والهدف من مداواة نخور الأسنان حين قال: "الغرض من علاج التآكل منع الزيادة على ما تآكل؛ وذلك بتنقية الجوهر الفاسد منه، وتحليل المادَّة المؤدية إلى ذلك". ونلاحظ أن المبدأ الأساسي لمداواة الأسنان هو المحافظة عليها, وذلك بإعداد الحفرة إعدادًا فنيًّا ملائمًا، مع رفع الأجزاء النخرة منها، ثم يعمد إلى مَلْئِهَا بالمادَّة الحاشية المناسبة؛ لتعويض الضياع المادِّيِّ الذي تعرَّضَتْ له السِّنُّ؛ ممَّا يُعِيدُهَا بالتالي إلى أداء وظيفتها من جديد[15].

ولم تكن تلك حالات استثنائية للعبقرية الإسلامية في مجال الطبِّ, فقد حفل سجلُّ الأمجاد الحضارية الإسلامية بالعشرات، بل المئات من الروَّاد الذين تتلمذتْ عليهم البشرية قرونًا طويلة.

د. راغب السرجاني
http://www.islamstory.com (http://www.islamstory.com/)
[1] جوستاف لوبون: حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر ص13، 317. [2] السابق ص566. [3] ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر 1/650. [4] أبو داود: كتاب الطب، باب في الرجل يتداوى (3855)، والترمذي (2038)، وقال: حديث حسن، وابن ماجه (3436)، وأحمد (18477)، والحاكم (8206)، وقال: حديث صحيح. ووافقه الذهبي، والبخاري في الأدب المفرد (291)، وقال الألباني: صحيح. انظر: صحيح الجامع (2930). [5] علي بن عيسى الكَحّال: هو علي بن عيسى بن علي الكَحّال، (ت 430هـ/1039م). طبيب حاذق في أمراض العين ومداواتها. وكانوا يسمونها "صناعة الكحل"، اشتهر بكتابه "تذكرة الكحالين". انظر: ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء 2/263، والزركلي: الأعلام 4/318. [6] ابن أبي أصيبعة: طبقات الأطباء 2/263. [7] جيراردو دا كريمونا Gerardo da Cremona (1114 - 1187م): مستشرق إيطالي، مولده ووفاته في (كريمونا) من مدن إيطاليا الشمالية، أقام زمنًا في طليطلة (بالأندلس)، فترجم عن العربية إلى اللاتينية أكثر من سبعين كتابًا في مختلف العلوم. [8] جوستاف لوبون: حضارة العرب ص591. [9] عامر النجار: في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية ص132، 133. [10] علي بن عبد الله الدفاع: رواد علم الطب في الحضارة الإسلامية ص298. [11] عامر النجار: في تاريخ الطب في الدولة الإسلامية ص133، وانظر: فوزي طوقان: العلوم عند العرب ص17. [12] انظر: محمود الحاج قاسم: الطب عند العرب والمسلمين ص148. [13] انظر: ابن سينا: القانون 3/165. [14] المصدر السابق 2/586. [15] انظر: ابن سينا: القانون 1/192.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:23 PM
البخلاء للجاحظ



إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
حديثنا اليوم عن كتاب البخلاء للجاحظ , ذلك الكتاب الذي صور فيه الجاحظ البخلاء الذين قابلهم وتعرفهم في بيئته الخاصة خاصة في بلدة مرو عاصمة خراسان , وقد صور الجاحظ البخلاء تصويراً واقعياً حسياً نفسياً فكاهياً , فأبرز لنا حركاتهم ونظراتهم القلقة أو المطمئنة ونزواتهم النفسية، وفضح أسرارهم وخفايا منازلهم واطلعنا على مختلف أحاديثهم، وأرانا نفسياتهم وأحوالهم جميعاً، ولكنه لا يكرهنا بهم لأنه لا يترك لهم أثراً سيئاً في نفوسنا.
ـ وقصص الكتاب مواقف هزلية تربوية قصيرة.
ـ والكتاب دراسة اجتماعية تربوية نفسية اقتصادية لهذا الصنف من الناس وهم البخلاء.
ـ الأهمية العلمية للكتاب:
ـ لكتاب البخلاء أهمية علمية حيث يكشف لنا عن نفوس البشر وطبائعهم وسلوكهم علاوة على احتوائه على العديد من أسماء الأعلام والمشاهير والمغمورين وكذلك أسماء البلدان والأماكن وصفات أهلها والعديد من أبيات الشعر والأحاديث والآثار فالكتاب موسوعة علمية أدبية اجتماعية جغرافية تاريخية.
ـ ونظراً لتعذر تبويب محتوى الكتاب فقد رأينا أن نعرض عليكم بعضاً من محتواه.
ـ نماذج من محتوى الكتاب:
1ـ ديكة مرو البخيلة:
قال ثمامة: لم أر الديك في بلدة قط إلا وهو لافظ، يأخذ الحبة بمنقاره، ثم يلفظها قدام الدجاجة، إلا ديكة مرو، فإني رأيت ديكة مرو تسلب الدجاج ما في مناقيرها من الحب قال: فعلمت أن بخلهم شيء في طبع البلاد , وفي جواهر الماء، فمن ثم عم جميع حيوانهم.
2ـ طفل مرو البخيل:
عندما سمع أحمد بن رشيد حديث ديكة مرو البخيلة من ثمامة قال: كنت عند شيخ من أهل مرو. وصبي له صغير يلعب بين يديه، فقلت له: إما عابثاً وإما ممتحناً: أطعمني من خبزكم، قال: لا تريده هو مر، فقلت: فاسقني من مائكم، قال: لا تريده هو مالح. قلت: هات لي من كذا وكذا قال: لا تريده هو كذا وكذا. إلى أن أعددت أصنافاً كثيرة كل ذلك يمنعنيه ويبغضه إليّ فضحك أبوه وقال: ما ديننا؟ هذا من علمه ما تسمع؟ يعني: أن البخل طبع فيهم وفي أعراقهم وطينتهم.
3ـ معاذة العنبرية وشاتها الاقتصادية:
قال شيخ: لم أر في وضع الأمور مواضعها وفي توفيتها غاية حقوقها، كمعاذة العنبرية. قالوا: وما معاذة هذه؟ قال:
ـ أهدي إليها العام، ابن عم لها أضحية، فرأيتها كئبة حزينة مفكرة مطرقة، فقلت لها: مالك يا معاذة؟ قالت: أنا امرأة أرملة، وليس لي قيم ( أي: من يقوم بأمرها )، ولا عهد لي بتدبير لحم الأضاحي، وقد ذهب الذين كانوا يدبرونه ويقومون بحقه، وقد خفت أن يضيع بعض هذه الشاة، ولست أعرف وضع جميع أجزائها في أماكنها، وقد علمت أن الله لم يخلق فيها ولا في غيرها شيئاً لا منفعة فيه. ولكن المرء يعجز لا محالة. ولست أخاف من تضييع القليل إلا أنه يجر إلى تضييع الكثير.
ـ أما القرن فالوجه فيه معروف، وهو: أن يجعل منه كالخطاف ويسمر في جذع من أجذاع السقف فيعلق عليه الزبل ( السلة )، والكيران، وكل ما خيف عليه من الفأر والنمل والسنانير وبنات وردان ( الصراصير )، والحيات وغير ذلك وأما المصران فإنه لأوتار المندفة، وبنا إلى ذلك أعظم الحاجة.
وأما قحف ( العظم فوق الدماغ ) الرأس والليحان وسائر العظام فسبيله أن يكسر بعد أن يعرق، ثم يطبخ فما ارتفع من الدسم كان للمصباح وللإدام وللعصيدة ولغير ذلك، ثم تؤخذ تلك العظام فيوقد بها، فلم ير الناس وقوداً قط أصفى ولا أحسن لهباً منه وإذا كانت كذلك فهي أسرع للقدر لقلة ما يخالطها من الدخان وأما الإهاب فالجلد نفسه جراب وللصوف وجوه لا تعد. وأما الفرث ( أي: الزبل ) والبحر فحطب إذا جفف عجيب.
ثم قالت: بقي الآن علينا الانتفاع بالدم، وقد علمت: أن الله عز وجل لم يحرم من الدم المسفوح إلا أكله وشربه. وأن له مواضع يجوز فيها ولا يمنع منها وإن لم أقع على علم ذلك حتى يوضع موضع الانتفاع به، صار كية في قلبي وقذى في عيني وهما لا يزالان يعوداني.
قال: فلم ألبث أن رأيتها قد تطلقت وتبسمت فقلت: ينبغي أن يكون قد انفتح لك باب الرأي في الدم. قالت: أجل ذكرت أن عندي قدوراً شامية جدداً. وقد زعموا: أنه ليس شيء أزيغ ولا أزيد في قوتها، من التلطيخ بالدم الحار الدميم، وقد استرحت الآن، إذ وقع كل شيء في موقعه.
قال: ثم لقيتها بعد ستة أشهر، فقلت لها: كيف كان قديد تلك؟ قالت: بأبي أنت! لم يجيء وقت القديد بعد لنا في الشحم والإلية والجنوب والعظم المعرق وفي غير ذلك معاش ولكل شيء إبان.

4ـ يسمعون بالشبع ويتهمون بأكل الهاضمات:
قال الجاحظ: وحثني أبو الأصبغ بن ربعي قال: دخلت عليه بعد أن ضرب غلمانه بيوم، فقلت له: ما هذا الضرب المبرح، وهذا الخلق السيىء؟ هؤلاء غلمان، ولهم حرمة وكفاية وتربية، وإنما هم ولد هؤلاء كانوا إلى غير هذا أحوج.
ـ قال: إنك لست تدري أنهم أكلوا كل جوارشين. ( بضم الجيم ـ أي: الأدوية الهاضمة ) كان عندي.
ـ قال أبو الأصبع: فخرجت إلى رئيس غلمانه فقلت: ويلك!! مالك وللجوارشن وما رغبتك فيه؟ قال: جعلت فداك: ما أقدر أن أكلمك من الجوع إلا وأنا متكىء، الجوارشن ماذا أصنع به؟ هو نفسه ليس يشبع، ولا يحتاج إلى الجوارشن ونحن الذين إنما نسمع بالشبع سماعاً من أفواه الناس، ما نصنع بالجوارشن.
5ـ ليلى الناطعية ولبس المرقع:
ـ ما زالت ليلى الناطعية ترفع قميصاً لها وتلبسه، حتى صار القميص الرقاع، وذهب القميص الأول، ورفت ( أصلحت ) كساءها ولبسته، حتى صارت لا تلبس إلا الرفو، وذهب جميع الكساء وسمعت قول الشاعر:
البس قميصك ما اهتديت لجيبه فإذا أضلك جيبه فاستبدل
6ـ فقالت: إني إذاً لخرقاء، أنا والله أحوص ( أخيط ) الفتق وفتق الفتق وأرقع الخرق وخرق الخرق.
7ـ البخيل بالبخور:
قال بخيل: حبذا الشتاء فإنه يحفظ رائحة البخور، ولا يحمض فيه النبيذ إذا ترك مفتوحاً، ولا يفسد فيه مرق إذا بقي أياماً، وكان لا يتبخر إلا في منازل أصحابه، فإذا كان في الصيف دعا بثيابه فلبسها على قميصه لكيلا يضيع من البخور شيء.
8ـ وقيل لبخيل: قد رضيت بأن يقال: عبد الله بخيل.
قال: لا أعدمني الله هذا الاسم.
قلت: كيف؟.
قال: لا يقال فلان بخيل إلا وهو ذو مال، فسلم إلي المال، وادعني بأي اسم شئت.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:24 PM
معجم البلدان لياقوت الحموي



إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
ـ حديثنا اليوم عن العمل الإبداعي الإسلامي، معجم البلدان للشيخ الإمام شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي المتوفى سنة 626 هجرية الموافقة لسنة 1228م ـ رحمه الله ـ، والمعجم يقع في خمس مجلدات من القطع (a4) كل جزء أكثر من ( 500 ) صفحة، مطبوع بنبط صغير حوالي ( 14 ). والكتاب كما قال الناشر يحتاج إلى تحقيق فهو معجم العرب الجغرافي.
ـ ومن العجب العجاب أن ياقوت كان عبداً لتاجر يسمى عسكر الحموي اشتراه جاهلاً بالخط فوضعه في الكتاب فتعلم، وأشركه في عمله في التجارة فتعلم الكثير. فقد جاء ياقوت أسيراً من بلاد الروم إلى حماه , وسافر إلى حلب وتنقل في البلدان إلى أن استقر في خوارزم , وقد استفاد ياقوت برحلاته الكثيرة فوائد جغرافية عديدة سنت له تأليف هذا الكتاب.
الكتاب في مقدمة المؤلف:
ـ قال ياقوت الحموي ـ رحمه الله ـ في مقدمته للكتاب: أما بعد: فهذا كتاب في أسماء البلدان، والجبال، والأودية، والقيعان، والقرى، والمحال، والأوطان، والبحار، والأنهار، والغدران، والأصنام، والأبداد، والأوثان، لم أقصد بتأليفه وأصمد نفسي لتصنيفه لهواً ولعباً، ولا رغبة حستني إليه ولا رهباً، ولا حنيناً استفزني على وطن، ولا طرباً حفزني على ذي ود وسكن، ولكن رأيت التدي له واجباً، والانتداب له مع القدرة عليه فرضاً لازماً، وفقني عليه الكتاب العزيز الحكيم، وهداني إليه النبأ العظيم، وهو قوله عز وجل حين أراد أن يعرف عباده آياته ومثلاته، ويقيم الحجة عليهم في إنزاله بهم أليم نقماته ) أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (. فهذا تقريع لمن سار في بلاده ولم يعتبر، ونظر إلى القرون الخالية فلم ينزجر، وقال: وهو أصدق القائلين ( قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين (. أي: انظروا إلى ديارهم كيف درست وإلى آثارهم وأنوارهم كيف درست، عقوبة لهم على اطراح أوامره، وارتكاب زواجره، على غير ذلك من آيات الحكمة والأوامر والزواجر المبرمة.
ـ السبب المباشر لتأليف الكتاب:
قال المؤلف: وكان من أول البواعث لجمع هذا الكتاب: أنني سئلت بمرو الشاهجان، في سنة خمس عشرة وست مئة في مجلس شيخنا الإمام السعيد الشهيد فخر الدين أبي المظفر عبد الرحيم ابن الإمام الحافظ تاج الإسلام أبي سعد عبد الكريم السمعاني تغمدهما الله برحمته ورضوانه، وقد فعل الدعاء إن شاء الله، عن حُباسة اسم موضع جاء في الحديث النبوي، وهو سوق من أسواق العرب الجاهلية. فقلت: أن حُباسة بضم الحاء، قياساً على أصل هذه اللفظة في اللغة لأن الحباسة: الجماعة من الناس من قبائل شتى وحبست له حباسة، أي: جمعت له شيئاً , فانبرى لي رجل من المحدثين وقال: إنما هو حباسة بالفتح، وصمم على ذلك وكابر، وجاهر بالعناد من غير حجة وناظر , فأردت قطع الاحتجاج بالنقل، إذ لا معول في مثل هذا على اشتقاق ولا عقل، فاستعصى كشفه في كتب غرائب الأحاديث، ودواوين اللغات مع سعة الكتب التي كانت بمرو يومئذٍ، وكثرة وجودها في الوقوف، وسهولة تناولها، فلم أظفر به إلا بعد انقضاء هذا الشغب والمراء، ويأس من وجوده ببحث واقتراء، فكان موافقاً والحمد لله لما قتله، ومكيلاً بالصاع الذي كلته، فألقي حينئذٍ في روعي افتقار العالم إلى كتاب في هذا الشأن مضبوطاً. وبالإتقان وتصحيح الألفاظ وبالتقييد مخطوطاً , ليكون في مثل هذه الظلمة هادياً، وإلى ضوء الصواب داعياً، ونبهت على هذه الفضيلة النبيلة، وشُرح صدري لنيل هذه المنقبة التي غفل عنها الأولون، ولم يهتد لها الغابرون.
محتوى الكتاب:
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ عن محتوى كتابه:
ـ وقد قدمت أمام الغرض من هذا الكتاب، خمسة ابواب بها يتم فضله، ويغزر وبله:
ـ الباب الأول: في ذكر صورة الأرض وحكاية ما قاله المتقدمون في هيئتها وروينا عن المتأخرين في صورتها.
ـ الباب الثاني: في وصف اختلافهم في الاصطلاح على معنى الإقليم وكيفيته واشتقاقه ودلائل القبلة في كل ناحية.
ـ الباب الثالث: في ذكر ألفاظ يكثر تكرار ذكرها فيه يحتاج إلى معرفتها كالبريد والفرسخ والميل والكوره وغير ذلك.
ـ الباب الرابع: في بيان حكم الأرضين والبلاد المنفتحة في افسلام وحكم قسمة الفيء والخراج فيما فتح صلحاً أو عنوة.
ـ الباب الخامس: في جمع من أخبار البلدان التي لا يختص ذكرها بموضع دون موضع، لتكتمل فوائد هذا الباب ثم أعود إلى الغرض فأقسمه ثمانية وعشرين كتاباً على عدد حروف المعجم، ثم أقسم كل كتاب إلى ثمانية وعشرين باباً للحرف الثاني والأول، والتزام ترتيب كل كلمة منه على أول الحروف وثانيه وثالثة ورابعة وإلى أي غاية بلغ فأقدم ما يجب تقديمه بحكم ترتيب أ ب ت ث على صورته الموضوعة له من غير نظر إلى أصول الكلمة وزوائدها، لأن جميع ما يرد إنما هي أعلام لمسميات مفردة وأكثرها عجمية ومرتجلة لا مساغ للاشتقاق منها.
أنموذج من محتوى الكتاب:
الأحساء: بالفتح والمد، جمع حسي، بكسر الحاء وسكون السين: وهو الماء الذي تنشفه الأرض من الرمل، فإذا صار إلى صلابة أمسكته فتحفر العرب عنه الرمل فتستخرجه.
قال أبو منصور: سمعت غير واحدٍ من تميم يقول: احتسينا حسيا أي: أنبطنا ماء حسي، والحسي الرمل المتراكم، أسفله جبل صلد، فإذا مطر الرمل نشف ماء المطر، فإذا انتهى إلى الجبل الذي تحته، أمسك الماء، ومنع الرمل وحر الشمس أن ينشفا الماء، فإذا اشتد الحر نبث وجه الرمل عن الماء فنبع بارداً عذباً يتبرض تبرضاً.
وقد رأيت في البادية أحساء كثيرة على هذه الصفة، منها أحساء بني سعد بحذاء هجر، والأحساء ماء لجديلة طيء بأجاء وأحساء خرشاف، وقد ذكر خرشاف في موضعه وأحساء القطيف، وبحذاء الحاجر في طريق مكة أحساء في واد متطامن ذي رمل، إذا رويت في الشتاء من السيول، لم ينقطع ماء أحسائها في القيظ.
ـ والأحساء: مدينة بالبحرين، معروفة مشهورة كان أول من عمرها وحصنها وجعلها قصبة عجر ابو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجناني القرمطي وهي إلى الآن مدينة مشهورة عامرة وأحساء بني وهب على خمسة أميال من المرتسي بين القرعاء وواقصة على طريق الحاج فيه بركة وتسع آبار كبار وصغار والأحساء ماء لغني.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:24 PM
الهدي العلمي النبوي في إصلاح الأمة



بقلم الدكتور نظمي خليل أبوالعطا

حدثناكم في مقال سابق عن الهدي العلمي النبوي في العلم والعلماء، وعلمنا أن الإسلام دين العلم, وأن أسلافنا فقهوا ذلك, فكانوا أساتذة العالم وقادته في أيامهم وملأت مؤلفاتهم مكتبات الدنيا ومصادر تعلمها فكتبوا في الطب والنبات والحيوان والكيمياء والفيزياء والفلك والأدب والفلسفة والمنطق والتاريخ والجغرافيا وعلم النفس والتربية والرياضيات وغيرها من العلوم والفنون، وكان الواحد منهم موسوعة تسير على قدمين، فهذا أبو حاتم السجستاني من مؤلفاته: كتاب الطير وكتاب النخل, وكتاب النبات, وكتاب السيوف والرماح, وكتاب الدروع والترس وكتب المذكر والمؤنث, والمقصور والممدود, وكتاب الفصاحة وغيرها من الكتب التي تزيد على عشرين كتابا.
ومن مؤلفات الحسن بن الهيثم كتاب المناظر المطبوع في اكثر من 780 صفحة وله مقالات في ضوء القمر ورؤية الكواكب والأظلال والكسوف.
وللدميري كتاب حياة الحيوان الكبرى, المطبوع في مجلدين ضخمين كتبه عندما اختلف بعض الطلاب في نوع الحيوان والكتاب موسوعة في وصف الحيوان وفؤائده وسلوكه.
وللجاحظ كتاب الحيوان ولابن البيطار كتاب الجامع لمفردات الأدوية والعقاقير ولابن سينا كتاب الطب, وللدينوري كتاب النبات, وللغزالي كتاب إحياء علوم الدين ولابن القيم كتب: زاد المعاد, والروح, والصارم, المسلول ومئات من الكتب المتداولة بين أيدينا ولابن تيمية موسوعات وللبخاري صحيحه ولمسلم صحيحه والموطأ لمالك ولو عددنا علماء المسلمين ومخطوطاتهم ما انتهينا من ذكر أسماء تلك المؤلفات.
فما السبب أخي المسلم أننا تخلينا عن مجدنا وكرامتنا وعلمنا ورضينا أن نكون مع الخوالف وفي مؤخرة ركب البشرية وأين الخلل في تربيتنا العلمية وأين الخلل في طرائق تعليمنا وتعلمنا ؟!.
في رأيي أن هناك العديد من الأسباب اذكر منها هنا بعضها على سبيل المثال لا الحصر على أن أعود إلى الموضوع مرات عدة لأنه يحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث.
أولا: بعدنا عن الهدي العلمي النبوي في تقدير العلم والعلماء فعن أبى موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(مثل ما بعثني الله من الهدي والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة قبلت الماء فانبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولانتبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به) متفق عليه.
ويستفاد من هذا الحديث في مقامنا هذا أن معظمنا كالقيعان التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ, لأننا لم نرفع العلم النافع رأسا, ولم نقبل هدى الله الذي أتى به المصطفى صلى الله عليه وسلم وحرصنا على ما لا ينفعنا وآثرنا الدنيا والعمل السريع لها عن العلم والتعب في تحصيله وتطبيقه.
قال: الرياء في الأعمال والبعد عن الورع والتقوى وعمل الأعمال العظيمة من اجل الناس, وقد نهى المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم عن ذلك حين قال: إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمته فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جرئ فقد قيل, ثم أمر به فسحب على وجهه حتى القي في النار, ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به، فعرفه نعمة فعرفها، فقال: فما عملت فيها قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. جزء من حديث أخرجه مسلم. فمعظم المسلمين الآن يتعلمون ليقال للواحد منهم متعلم, ويحمل الشهادات العليا ليقال أستاذ متعلم, وقد يسلك البعض مسالك غير مشروعة للحصول على الدرجة العلمية الكبرى, وأصبحت الدنيا مبلغ علمنا ومنتهى قصدنا, فلم يعد علماؤنا علماء, ولا أساتذتنا أساتذة, ولا كتابنا كتابا, إلا من رحم ربك, وتحولت جامعاتنا إلى مراكز لمنح الرخص المسماة بالشهادات وتحولت مراكز بحوثنا إلى أماكن للبحث العلمي من أجل الحصول على الرخصة العلمية وضاعت أموال المسلمين وأوقاتهم وأعمارهم, ثم وضعت البحوث على الأرفف في المكتبات ومصادر التعلم, أما التطبيق والعمل فهذا ليس من مقصدنا من التعليم والتعلم.
ثالثاً: الاستغراق في المصطلحات والتفسيرات النظرية والبعد عن العمل الجاد والمثمر والمنتج, حيث تحولت دراساتنا إلى تفسيرات, وبحوثنا إلى استنيانات واجتماعاتنا إلى تفلسف ومحاضر للجلسات, ومؤتمراتنا وندواتنا العلمية لاستعراض العضلات اللسانية في الكلام الذي لا يطيق منه شئ وهذا مناف لعقيدتنا قال تعالى:"يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتنا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" الصف2.
رابعاً: الوهن الذي أصاب المسلمين, فقد خاف علينا المصطفى صلى الله عليه وسلم الوهن, وعندما سئل عن الوَهَنْ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت) حيث أصبحت الدنيا مبلغ علمنا, وكرهنا الموت في سبيل الله, وأصبحنا نبحث عن مدرات الدنانير, وبعدنا عن مصلحات العباد, وأصبح حب الدنيا والأموال والأزواج والتجارة أحب إلينا من الله ورسوله قال تعالى " قل عن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين" سورة التوبة آية 24.
فعليك أخي المسلم أن تضع الآية السابقة في ورقة وترى هل الأبناء والأزواج والأموال والتجارة والمساكن أحب إليك من الله ورسوله وجهاد في سبيله, أم الله ورسوله والجهاد في سبيله أحب إلى نفسك من كل ما سبق؟ وهنا نقول لك لايحرم عليك هذه الأشياء ولكن حبها المطغي والمُنسي والملهي والصارف عن رسالتك في الحياة هو الممنوع.
وهنا ستعرف نفسك بالضبط ومع أي فريق أنت.
خامساً: فقدنا الثقة في أنفسنا, وأصبحنا في جهل لقدراتنا وديننا وتراثنا فطلبنا المشورة من بيوت خبرة غير المسلمين, وأصبحت مناهجنا لا تؤكد عن ذاتنا وعقيدتنا, فتخرجت أجيالنا مقطوعة الصلة بأمجادنا, ومن كان مخلصاً لدينه وعقيدته عاش في الماضي يمجد فيه, ولا يعيش في الحاضر, وينسى العمل للمستقبل فلم يستمتع بالحاضر ونعم الله عليه فيه, ولم يخطط للمستقبل, فكانت النتيجة كما نعلم جميعا, حتى لغتنا العربية لم نعد نقدر على التحدث بها, وأصبح الأجنبي الذي يتكلم غير العربية خبيرا حتى ولو كان لا يحمل إلا الشهادة الابتدائية, وبنظرة إلى رواتب العرب والمسلمين ورواتب الأجانب من غير العرب والمسلمين الذين يعملون في بعض ديار المسلمين نعلم ذلك علم اليقين.
أخي المسلم أختي المسلمة: قد تكون الكلمات قاسية والنظرة سوداوية والكلمات تقطر حزنا وسوادا, ولكن في الحقيقة نحن أمة رسبت في قاع التاريخ حاليا ونغوص الآن في الطين وهذا ليس كلامي ولكم من نتائج دراسات العديد من الباحثين والكتاب والمفكرين المخلصين, فمع أن الله سبحانه وتعالى ميزنا وجعلنا أمة وسطا وجعلنا خير أمة أخرجت للناس, فهل ترضى أخي المسلم أن نكون هكذا عالة على غير المسلمين وتوابع لغير المسلمين نأكل من مزارعهم ونلبس من مصانعهم ونحارب أنفسنا بأسلحتهم, وضاع المسلمون في أسبانيا, والصومال, والشيشان, والبوسنة, والهرسك, وفلسطين والجزائر وإريتريا, والعراق, والهند وفي ديار كثيرة لا نجرؤ على ذكرها وإلا وضعنا في مصاف غير العقلاء والمارقين.
أخي المسلم:
هذه دعوة لكل مسلم أن يتقي الله ربه, وان يتبع هدى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في تحصيل العلم النافع والعمل به, وتقدير العلم والعلماء, وأن نبتعد بأعمالنا عن الرياء ونجعلها خالصة لوجهه الكريم, ونبتعد عن الجدل والمناقشات العقيمة وأن نتق الله في أقوالنا وأفعالنا, وأن نبتعد عن الوهن ونثق في قدراتنا ونصر الله لنا لنعيد لامتنا مجدها ولديننا انتشاره وسماحته ووسطيته التي حجبت تحت ستار كثيف من سلوكياتنا غير الإسلامية وأن نعود إلى هداية الدنيا برحمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وقد بدأت تباشير النصر تظهر وبدأ جبل صناع الحياة في صنع الحياة فهيا بنا جميعاً نعمل وننتج لنخرج أمتنا إلى مكانتها التي وضعها الله منها أمة مؤمنه, عاملة, متعلمة, منتجة, تقود العالم بأخلاق القرآن, وتعمر الكون بنواميس الله في الخلق وبطاعة صاحب الخلق والأمر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:25 PM
معجم البلدان لياقوت الحموي



إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
ـ حديثنا اليوم عن العمل الإبداعي الإسلامي، معجم البلدان للشيخ الإمام شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي المتوفى سنة 626 هجرية الموافقة لسنة 1228م ـ رحمه الله ـ، والمعجم يقع في خمس مجلدات من القطع (a4) كل جزء أكثر من ( 500 ) صفحة، مطبوع بنبط صغير حوالي ( 14 ). والكتاب كما قال الناشر يحتاج إلى تحقيق فهو معجم العرب الجغرافي.
ـ ومن العجب العجاب أن ياقوت كان عبداً لتاجر يسمى عسكر الحموي اشتراه جاهلاً بالخط فوضعه في الكتاب فتعلم، وأشركه في عمله في التجارة فتعلم الكثير. فقد جاء ياقوت أسيراً من بلاد الروم إلى حماه , وسافر إلى حلب وتنقل في البلدان إلى أن استقر في خوارزم , وقد استفاد ياقوت برحلاته الكثيرة فوائد جغرافية عديدة سنت له تأليف هذا الكتاب.
الكتاب في مقدمة المؤلف:
ـ قال ياقوت الحموي ـ رحمه الله ـ في مقدمته للكتاب: أما بعد: فهذا كتاب في أسماء البلدان، والجبال، والأودية، والقيعان، والقرى، والمحال، والأوطان، والبحار، والأنهار، والغدران، والأصنام، والأبداد، والأوثان، لم أقصد بتأليفه وأصمد نفسي لتصنيفه لهواً ولعباً، ولا رغبة حستني إليه ولا رهباً، ولا حنيناً استفزني على وطن، ولا طرباً حفزني على ذي ود وسكن، ولكن رأيت التدي له واجباً، والانتداب له مع القدرة عليه فرضاً لازماً، وفقني عليه الكتاب العزيز الحكيم، وهداني إليه النبأ العظيم، وهو قوله عز وجل حين أراد أن يعرف عباده آياته ومثلاته، ويقيم الحجة عليهم في إنزاله بهم أليم نقماته ) أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (. فهذا تقريع لمن سار في بلاده ولم يعتبر، ونظر إلى القرون الخالية فلم ينزجر، وقال: وهو أصدق القائلين ) قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين (. أي: انظروا إلى ديارهم كيف درست وإلى آثارهم وأنوارهم كيف درست، عقوبة لهم على اطراح أوامره، وارتكاب زواجره، على غير ذلك من آيات الحكمة والأوامر والزواجر المبرمة.
ـ السبب المباشر لتأليف الكتاب:
قال المؤلف: وكان من أول البواعث لجمع هذا الكتاب: أنني سئلت بمرو الشاهجان، في سنة خمس عشرة وست مئة في مجلس شيخنا الإمام السعيد الشهيد فخر الدين أبي المظفر عبد الرحيم ابن الإمام الحافظ تاج الإسلام أبي سعد عبد الكريم السمعاني تغمدهما الله برحمته ورضوانه، وقد فعل الدعاء إن شاء الله، عن حُباسة اسم موضع جاء في الحديث النبوي، وهو سوق من أسواق العرب الجاهلية. فقلت: أن حُباسة بضم الحاء، قياساً على أصل هذه اللفظة في اللغة لأن الحباسة: الجماعة من الناس من قبائل شتى وحبست له حباسة، أي: جمعت له شيئاً , فانبرى لي رجل من المحدثين وقال: إنما هو حباسة بالفتح، وصمم على ذلك وكابر، وجاهر بالعناد من غير حجة وناظر, فأردت قطع الاحتجاج بالنقل، إذ لا معول في مثل هذا على اشتقاق ولا عقل، فاستعصى كشفه في كتب غرائب الأحاديث، ودواوين اللغات مع سعة الكتب التي كانت بمرو يومئذٍ، وكثرة وجودها في الوقوف، وسهولة تناولها، فلم أظفر به إلا بعد انقضاء هذا الشغب والمراء، ويأس من وجوده ببحث واقتراء، فكان موافقاً والحمد لله لما قُتله، ومكيلاً بالصاع الذي كلته، فألقي حينئذٍ في روعي افتقار العالم إلى كتاب في هذا الشأن مضبوطاً. وبالإتقان وتصحيح الألفاظ وبالتقييد مخطوطاً , ليكون في مثل هذه الظلمة هادياً، وإلى ضوء الصواب داعياً، ونبهت على هذه الفضيلة النبيلة، وشُرح صدري لنيل هذه المنقبة التي غفل عنها الأولون، ولم يهتد لها الغابرون.
محتوى الكتاب:
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ عن محتوى كتابه:
ـ وقد قدمت أمام الغرض من هذا الكتاب، خمسة ابواب بها يتم فضله، ويغزر وبله:
ـ الباب الأول: في ذكر صورة الأرض وحكاية ما قاله المتقدمون في هيئتها وروينا عن المتأخرين في صورتها.
ـ الباب الثاني: في وصف اختلافهم في الاصطلاح على معنى الإقليم وكيفيته واشتقاقه ودلائل القبلة في كل ناحية.
ـ الباب الثالث: في ذكر ألفاظ يكثر تكرار ذكرها فيه يحتاج إلى معرفتها كالبريد والفرسخ والميل والكوره وغير ذلك.
ـ الباب الرابع: في بيان حكم الأرضيين والبلاد المنفتحة في الإسلام وحكم قسمة الفيء والخراج فيما فتح صلحاً أو عنوة.
ـ الباب الخامس: في جمع من أخبار البلدان التي لا يختص ذكرها بموضع دون موضع، لتكتمل فوائد هذا الباب ثم أعود إلى الغرض فأقسمه ثمانية وعشرين كتاباً على عدد حروف المعجم، ثم أقسم كل كتاب إلى ثمانية وعشرين باباً للحرف الثاني والأول، والتزام ترتيب كل كلمة منه على أول الحروف وثانيه وثالثة ورابعة وإلى أي غاية بلغ فأقدم ما يجب تقديمه بحكم ترتيب أ ب ت ث على صورته الموضوعة له من غير نظر إلى أصول الكلمة وزوائدها، لأن جميع ما يرد إنما هي أعلام لمسميات مفردة وأكثرها عجمية ومرتجلة لا مساغ للاشتقاق منها.
أنموذج من محتوى الكتاب:
الأحساء: بالفتح والمد، جمع حسي، بكسر الحاء وسكون السين: وهو الماء الذي تنشفه الأرض من الرمل، فإذا صار إلى صلابة أمسكته فتحفر العرب عنه الرمل فتستخرجه.
قال أبو منصور: سمعت غير واحدٍ من تميم يقول: احتسينا حسيا أي: أنبطنا ماء حسي، والحسي الرمل المتراكم، أسفله جبل صلد، فإذا مطر الرمل نشف ماء المطر، فإذا انتهى إلى الجبل الذي تحته، أمسك الماء، ومنع الرمل وحر الشمس أن ينشفا الماء، فإذا اشتد الحر نبث وجه الرمل عن الماء فنبع بارداً عذباً يتبرض تبرضاً.
وقد رأيت في البادية أحساء كثيرة على هذه الصفة، منها أحساء بني سعد بحذاء هجر، والأحساء ماء لجديلة طيء بأجاء وأحساء خرشاف، وقد ذكر خرشاف في موضعه وأحساء القطيف، وبحذاء الحاجر في طريق مكة أحساء في واد متطامن ذي رمل، إذا رويت في الشتاء من السيول، لم ينقطع ماء أحسائها في القيظ.
ـ والأحساء: مدينة بالبحرين، معروفة مشهورة كان أول من عمرها وحصنها وجعلها قصبة عجر ابو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجناني القرمطي وهي إلى الآن مدينة مشهورة عامرة وأحساء بني وهب على خمسة أميال من المرتسي بين القرعاء وواقصة على طريق الحاج فيه بركة وتسع آبار كبار وصغار والأحساء ماء لغني.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:28 PM
الإعجاز والإيجاز للثعالبي


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
عجيب أمر علماء الأمة الإسلامية، علموا أن العلم عبادة ففاضت المكتبات بتوثيق علومهم والمستشفيات بإبداعاتهم الطبية، والمباني بفنهم الهندسي الإسلامي الفريد، والمزارع بهندستهم الزراعية , وهكذا في كل مناحي الحياة، ومع ذلك تجد العالم منهم قصاباً أو نجاراً أو حداداً أو عطاراً أو زراعاً.
ـ وعالمنا اليوم أبو منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي رحمه الله نموذج من هؤلاء فقد كان يخيط جلود الثعالب لأنه كان فراء , ومع ذلك أخذ عن أشهر العلماء الثقات كابن السكيت وأبي عبيدة والأصمعي والخوارزمي وسيبويه والسيرافي وابن جني وغيرهم.
ومع أنه كان فراء فقد وصف بأنه إمام المصنفين، ضربت إليه أباط الأبل وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب طلوع النجم في الغياهب.
ـ وصف المؤلف للكتاب:
وصف المؤلف رحمه الله عمله الإبداعي «الإعجاز والإيجاز» بقوله: كتاب في الكلمات القليلة الألفاظ الكثيرة المعاني المستوفية أقسام الحسن والإيجاز الخارجة عن حد الإعجاب إلى الاعجاز في النثر المشتمل على سحر البيان والنظم المحاكي قطع الجمان.
ـ محتوى الكتاب:
قال المؤلف رحمه الله عن محتوى كتابه الإعجاز والإيجاز: وأخرجته في عشرة أبواب فالباب الأول: في بعض ما نطق به القرآن الكريم من الكلام الموجز والمعجز والباب الثاني: في جوامع الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم. والباب الثالث: فيما صدر منها عن الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين. والباب الرابع: فيما نقل عن ملوك الجاهلية. والباب الخامس: فر روايع ملوك الإسلام وأمرائه. والباب السادس: في لطايف كلام الوزراء. والباب السابع: في بدايع كلام الكتّاب والبلغاء. والباب الثامن: في ظرايف الفلاسفة والزهاد والحكماء والعلماء. والباب التاسع: في ملح الظرفاء ونوادرهم. والباب العاشر: في وسايط قلائد الشعراء.
ـ مؤلفات أخرى للمؤلف:
للمؤلف رحمه الله مؤلفات أخرى منها:
يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، وفقه اللغة وسحر البلاغة، وسر البلاغة، ومؤنس الوحيد في المحاضرات.
ـ ماذا قال عنه الباخرزي:
قال الباخرزي عن المؤلف: أن الثعالبي هو جاحظ نيسابور وزبدة الأحقاب والدهور. لم تر العيون مثله ولا أنكر الأعيان فضله.
ـ أنموذج من محتوى الكتاب:
أولاً: في بعض ما نطق به القرآن من الكلام الموجز المعجز:
قال الثعالبي رحمه الله: من أراد أن يعرف جوامع الكلم ويتنبه إلى فضل الإعجاز والاختصار ويحيط ببلاغة الإيماء ويفطن لكفاية الإيجاز فليتدبر القرآن الكريم وليتأمل علوه على سائر الكلام فمن ذلك قوله عز ذكره: ) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ( [سورة فصلت آية 30] استقاموا كلمة واحدة تفصح عن الطاعات كلها في الائتمار والانزجار، وذلك لو أن إنساناً أطاع الله سبحانه وتعالى مئة سنة ثم سرق حبة واحدة لخرج بسرقتها عن حد الاستقامة، ومن ذلك قوله عز وجل: ) فلا خوف عليهم ولا هم يحزنزن ( [سورة البقرة آية 38] فقد أدرج فيه ذكر إقبال كل محبوب عليهم , وزوال كل مكروه عنهم , ولا شيء أضر بالإنسان من الحزن والخوف لأن الحزن يتولد من مكروه ماض أو حاضر, والخوف يتولد من مكروه مستقبل فإذا اجتمعا على امرئ لم ينتفع بعيشه بل يتبرم بحياته، والخوف والحزن أقوى أسباب مرض النفس، كما أن السرور والأمن أقوى أسباب صحتها فالحزن والخوف موضوعان بإزاء كل محنة وبلية.
ذوالسرور والأمن موضوعان بإزاء كل صحة ونعمة هنية ومن ذلك قوله عز اسمه: ) لهم الأمن وهم مهتدون ( [سورة الأنعام آية 82] فالأمن كلمة واحدة تنبئ عن خلوص سرورهم من الشوائب كلها لأن الأمن إنما هو السلامة من الخوف.
والحزن المكروه الأعظم كما تقدم ذكره فإذا نالوا الأمن بالإطلاق ارتفع الخوف عنهم واارتفع بارتفاعه المكروه وحصل السرور المحبوب.
ومن ذلك قوله تعالى ذكره: ) أوفوا العقود ( [سورة المائدة آية 3] فهما كلمتان جمعتا ما عقده الله على خلقه لنفسه وتعاقده الناس فيما بينهم ومن ذلك قوله سبحانه ) فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ( [سورة الزخرف آية 71] فلم يبق مقترح لأحد إلا وقد تضمنته هاتان الكلمتان مع ما فيهما من القرب وشرف اللفظ وحسن الرونق ومن ذلك قوله عز وجل: ) والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ( [سورة البقرة آية 64] فهذه الكلمات الثلاث الأخيرة تجمع من أصناف التجارات وأنواع المرافق في ركوب السفن ما لا يبلغه الإحصاء ومن ذلك قوله جل جلاله: ) فاصدع بما تؤمر ( [سورة الحجر آية 94] ثلاث كلمات اشتملت على شرائط الرسالة وشرائعها وأحكامها وحلالها وحرامها، ومن ذلك قوله جل ثناؤه في وصف خمر الجنة: ) لا يصدعون عنها ولا ينزفون ( [سورة الواقعة آية 19] فهاتان الكلمتان قد أتتا على جميع معايب الخمر ولما كان منها ذهاب العقل وحدوث الصداع برأ الله خمر الجنة وأثبت طيب النفس وقوة الطبع وحصول الفرح.
ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: ) لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ( [سورة المائدة آية 66] وهو كلام يجمع جميع ما يأكله الناس مما تنبته الأرض ومن ذلك قوله عز وعلا: ) ولهن مثل الذي عليهن ( وهو كلام يتضمن جميع ما يجب على الرجال من معاشرة النساء وصيانتهن وإزاحة حللهن وبلوغ كل مبلغ فيما يؤدي إلى مصالحن ومناجحهن وجميع ما يجب على النساء من طاعة الأزواج وحسن مشاركتهم وطلب مرضاتهم وحفظ غيبتهم وصيانتهم عن خيانتهم ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: ) ولكم في القصاص حياة ( [سورة البقرة آية 179] ويحكى عن أزدشير الملك ما ترجمه بعض البلغاء فقال: القتل أنفى للقتل: ففي كلام الله تعالى كل ما في كلام أزدشير الملك وفيه زيادة معاني حسنة فمنها إبانة العدل بذكر القصاص والإفصاح عن الغرض المطلوب فيه من الحياة , والحث بالرغبة والرهبة على تنفيذ حكم الله به والجمع بين ذكر القصاص والحياة , والبعد عن التكرير الذي يشق على النفس فإن قوله القتل أنفى للقتل تكرير غيره أبلغ منه ومن ذلك قوله عز ذكره في أخوة يوسف: ) فلما استيأسوا منه خلصوا نجياً ( [يوسف آية 80] وهذه صفة اعتزالهم لجميع الناس وتقليبهم الآراء ظهراً لبطن وأخذهم في تزوير ما يلقون به آباهم عند عودتهم إليه وما يوردون عليه من ذكر الحادث فتضمنت تلك الكلمات القصيرة معاني القصة الطويلة ومن ذلك قوله جلت عظمته: ) وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء ( [سورة الأنفال آية 58] فلو أراد أحد الأعيان الأعلام في البلاغة أن يعبر عنه لم يستطع أن يأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي يتضمنها حتى يبسط مجموعها , ويصل مقطوعها, ويظهر مستورها فيقول إن كان بينكم وبين قوم هدنة وعهد فخفن منهم خيانة أو نقضاً فاعلمهم أنك نقضت ما شرطت لهم وآذنهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على سواء.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:29 PM
المعجم المفهرس لألفاظ القرآن لعبد الباقي


كلمات القرآن تفسير وبيان لمخلوف
إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
(1) ـ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم:
ـ العمل الإبداعي الإسلامي الأول الذي نحدثكم عنه اليوم هو ذلك الكتاب الذي لا يستغني عنه المسام خاصة أولئك الدعاة العلميون الذين فاتهم حفظ القرآن الكريم. فباستعمال هذا العمل الإبداعي الإسلامي نستطيع معرفة مكان الكلمة في أي آية وموضع الآية في أي سورة في القرآن الكريم إذا كنا لا نعلم من الآية إلا كلمة واحدة.
هذا العمل كما هو واضح من عنوانه هو كتاب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم الذي وضعه الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله، سابقاً به عصر الحاسبات الآلية والبرمجة المعلوماتية, والمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم من الكتب التي لا يستغني عنها أي بيت مسلم ولا مدرسة أو مكتبة عامة أو خاصة, لذلك أنصح كل مسلم أن يقتني هذا العمل الإبداعي الفذ, ومن الأمور الطيبة أن هذا العمل قد وضع في برامج الحاسب الآلي حالياً وهو متوافر بطريقة عصرية وفي متناول الجميع.
تعريف المؤلف للكتاب:
قال الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله في مقدمته للكتاب: فهذا كتاب العالم الإسلامي، وكتاب العالم العربي، يحرص عليه المسلم لأنه كتاب دينه، ويحرص عليه العربي لأنه كتاب لغته, هو كتاب القرآن الكريم مرتبة مواد ألفاظه حسب ترتيب حروف الهجاء, ووالله ما أقدمت على وضعه، وإرهاق نفسي وإحناء جسمي، وانهاك قواي في عمله، والدأب في ترتيبه وتنسيقه، وإعادة مراجعته مرات متعددات إلا لما أيقنت من شدة الحاجة إليه وفقدان ما يسد مسده مما أُلف في بابه.
ثم قال: ولما أجمعت العزم على ذلك اخترت من أجله العلماء المغايير، وصفوة الأصدقاء المخلصين، لجنة عرضت عليهم فيها مواده مادة مادة، فما كان بادي الصحة أقروه، وما خفي عليهم وجه الصواب فيه فزعنا إلى المعاجم نستوضحها وإلى التفاسير نستلهمها,
ـ فلئن كان كتاب من عند غير الله أوفر نصيباً من الصحة لقد كان هذا الكتاب.

عمل المؤلف:
قال الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله في بيان ما لقيه من تعب ونصب في هذا العمل الإبداعي الفذ: «ولما تم لي ذلك، أقحمت نفسي لجنة العمل واستهديت الله فهداني، واستعنته فأعانني، ومضيت لا ألوي على شيء، حتى لقد كيفت طريقة معيشتي تكييفاً يحول دون الوقوف بي قبل إتمامه.
ولما كنت أعلم أنه ما من عمل يعمله الإنسان اليوم إلا ويود في الغد لو أنه استقبل من أمره ما استدبر ليبلغ به الجودة اليوم، ما لم يكن قد بلغ به منها بالأمس ـ فقد استأنفت نسخه من جديد في أثناء الطبع فأضفت إليه تحت كل لفظة رقماً يدل على عدد مرات ورودها في القرآن الكريم، ورمزت أمام كل آية مكية بحرف (ك)، وأمام كل آية مدنية بحرف (م) ولما كنت أخشى أن تسقط مني لفظة في أثناء النسخ، فقد لجأت إلى طريقة عددتها أنجح الطرق، وأضمنها للحصر والإصابة: ذلك أني كنت ـ بعد تصحيح التجربة الأخيرة ـ أضع خطأ في مصحف أعددته لذلك ـ على كل لفظة ورد ذكرها فيها، حتى إذا انتهى الكتاب، رجعت إلى المصحف وعرضته لفظة لفظة. وإني أحمد الله أنه لم يسقط مني غير خمس عشرة لفظة».
وقد استدرك المؤلف رحمه الله تلك الأخطاء ووضعها في جدول خاص بذلك، كما وضع في بداية الكتاب جدولاً ببعض الألفاظ التي قد يعسر العثور عليها إلا على القليل.
انموذج من الكتاب:
نفترض أننا نقرأ الآية ) قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ( ونود أن نتعرف مكانها في المصحف الشريف فإننا نتخير كلمة , من الآية ولتكن الأرض ونجردها من الألف واللام فتصبح «أرض» ونفتح المعجم على حرف الألف مادة أرض نجدها رقم (9) في سورة فصلت وهي مكية ورقم سورة فصلت 41.
ويمكن أن تكشف عنها في مادة (كفر) أو مادة (خلق) أو مادة (يوم) وهكذا كل كلمة وردت في القرآن الكريم , وكل آية يمكن معرفة السورة التي تقع فيها تلك الكلمة والآية التي وردت فيها ورقم الآية , وهذا كما قلنا سابقاً عمل إبداعي فذ فتح أبواب التعامل مع آيات القرآن أمام طلاب العلم وكتاب المقالات ومعدي الكلمات والخطب ومؤلفي الكتب ويسر للجميع الاستشهاد بالآيات القرآنية في سهولة ويسر.
وإذا أردنا أن نعلم كم مرة وردت كلمة الأرض في المصحف وأماكن ورود كل آية مجد أسقل كلمة أرض رقم (86) يعني هذه الكلمة وردت (86) مرة في المصحف الشريف وهكذا.


(2): كلمات القرآن تفسير وبيان:
العمل الإبداعي الثاني الذي نعرضه عليكم هو كتاب القرآن تفسير وبيان لفضيلة الأستاذ الشيخ حسنين محمد مخلوف، رحمه الله، مفتي الديار المصرية سابقاً, وعضو جماعة كبار العلماء وضعه رحمه الله في ربيع الأول سنة 1375 هجرية الموافق أكتوبر سنة 1956م وقال في مقدمته:
تعريف الكتاب:
قال المؤلف رحمه الله في مقدمة الكتاب:
فهذا تفسير لما يحتاج إلى التفسير والبيان من كلمات القرآن، يوضح معانيها، ويعين على فهم الآيات التي هي فيها، وضعت فيه الكلمات على ترتيب الآيات في السور، وعن يمين كل كلمة رقم آيتها، وعن يسارها تفسيرها، في دقة وإيجاز، مع سهولة ووضوح، ليكون رفيقاً للمقيم، وزاداً للمسافر، خفيف المحمل، سهل المأخذ، داني القطوف، يسارع إليه التالي والسامع فيسعفه بطلبته، ويعينه على بلوغ غايته، دون تجشم وعناء.
وقال أيضاً: لم نفسر الحروف المقطعة في فواتح بعض السور اختياراً للقول بأنها من أسرار التنزيل، والله أعلم بمراده.
فسرنا كلمات القرآن بالمعاني المرادة منها في الآيات وقد تكون المعاني حقيقية، وقد تكون مجازية، أو كنائية.
أهمية الكتاب:
هذا الكتاب لا يستغني عنه المسلم ليتعرف به معاني كلمات القرآن الكريم، فوجب أن يكون في كل بيت وفي كل مدرسة ومسجد وجامعة ومع كل طالب ودارس وباحث.
وقد تعمدت وضعه مع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لتكتمل الصورة أمام المسلم حيث يحدد مكان الآية في المصحف بالمعجم ويتعرف معاني كلماتها من كتاب الشيخ مخلوف.
أنموذج من الكتاب:
قال تعالى: ) قال: إنه يقول: إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ( [البقرة: 71] قال الشيخ مخلوف رحمه الله:
) لا ذلول (: ليست هينة سهلة الانقياد.
) تثير الأرض (: تقلب الأرض للزراعة.
) الحرث (: الزرع أو الأرض المهيأة له.
) مسلمة (: مبرأة من العيوب.
) لاشية فيها (: لا لون فيها غير الصفرة الفاقعة. وهكذا مع جميع آيات القرآن الكريم.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:30 PM
منهاج الدكان ودستور الأعيان للعطار الهاروني



إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
منهاج الدكان ودستور الأعيان في أعمال وتراكيب الأدوية النافعة للأبدان موسوعة صيدلانية ودائرة معارف طبية كما قال المحقق الدكتور حسن عاصي في مقدمة تحقيق الكتاب وقد حوى الكتاب إلى جانب التجربة والاختبار التاريخي العلمي لتركيب الأدوية النافعة للأبدان منذ قديم الزمان إلى وقت تأليف الكتاب ومن هنا كان الكتاب منهاجاً لمن رام صناعة الدواء ودستوراً لمن رام دفع البلاء مؤلفه أبو المنى داوود بن أبي نصر المعروف بالعطار الهاروني من علماء القرن السابع الهجري.
سبب تأليف الكتاب:
قال المؤلف رحمه الله عن سبب تأليف الكتاب: فإني رمت مجموعاً يكون جامعاً جميع أغراضي كافياً في جميع ما يحتاج إليه الراغب في تحصيل الإحاطة بكمال ما هو بصدده وإن يكون مستغنياً عن مرشد يرشده في جزئيات ما يضطر إليه فيما هو مشتغل به من صناعة الصيدلة..
ثم قال: فلم أجد كتاباً جامعاً لما رمته، ولا أقرباذين لأحد من المتقدمين أو المتأخرين كافياً فيما قصدته وكان قد وضع في زماني الشيخ السيد ابن بيان كتاباً لطيفاً وسماه الدستور المارستاني وذكر أنه قد ذكر فيه جميع ما يحتاج إليه وأن لا حاجة إلى غيره من المدونات ولعمري قد أهمل أشياء كثيرة مما يحتاج إليه من يكون له عناية بهذه الصناعة أعني صناعة الصيدلة المعروفة في هذا الزمان بصناعة العطر والشراب وليس ذلك عجزاً منته رحمه الله أن يصنف أبسط منه كلاماً وأكثر نفعاً وإنما قصد الاختصار وكانت مخاطبته فيه لمن يكون طبيباً عارفاً لأنه قد ذكر فيه قانون عمل الأشربة حملة والربوب جملة ومثل ذلك وهذا إنما يكون مع من تكون له عناية بالطب وإما عطار أو شرابي يريد أن يسترشد بكلامه فينبغي أن يكون مبيناً له صورة المعلم مع المتعلم ليبقى الناظر فيه مستريح الخاطر مخلص الذمة.
ولما تحقق عندي ذلك تبين لي قلة الانتفاع به مع كثرة فوائده ولو كان مبسوطاً أكثر وجمع فيه جميع ما جمعته لاستغنيت به ولم أجمع هذا الكتاب المختار.
منهاج التأليف:
قال المؤلف: فجمعت في هذا الكتاب مختاراً من عدة أقرباذينات «معناها تركيب الأدوية المفردة وقوانينها» مختارة مما يستعمل في هذا الزمان كالإرشاد «للشيخ موفق الدين إسماعيل» والملكي «لعلي بن العباس المجوسي» والمنهاج «لابن جزلة» على يحيى بن عيسى الكاتب وأقرباذين ابن التلميذ والدستور وغير ذلك من كتب الطب النفيسة ومما نقلته عن ثقات العشابين ومما امتحنته وجربته بيدي، وأخذته عن ثقة جرّبه، ومن امتحان الأدوية المفردة والمركبة ومما نقلته عن مشايخ عاصرتهم ثقات مشتغلين بهذه الصناعة الجليلة ولقيته.
محتوى الكتاب:
قال المؤلف عن محتوى الكتاب: ذكرت «فيه» الأشربة وطبخها والربرب وترتيبها والمربيات وترتيبها والسفوفات ودقها والشيافات والأكحال وكيفية تصويلها وحرق ما يحرق من أدويتها وكيفية عملها والمراهم وطبخها ووصايا ينتفع بها في اتخاذ الأدوية المفردة ومتى تجنى والأوعية التي توضع فيها، وما يفسدها فيتوقى وما يصلحها فيعتمد وكيفية استدراك ما بدا فيه الفساد.
وجعلته أبواباً ليكون ذلك معيناً لطالبه وسهلاً لمن يسترشد به.
والكتاب مقسم إلى خمسة وعشرين باباً سردها المؤلف قائلاً:
الباب الأول: فيما ينبغي لمن استصلح نفسه أن يكون متقلداً بعمل هذه المركبات أن يكون على غاية من الدين والثقة والتحرز والخوف من الله تعالى أولاً ومن الناس ثانياً.
الباب الثاني: في عمل الأشربة وطبخها وما يصلحها إذا فسدت.
الباب الثالث: في الربوب وترتيبها.
الباب الرابع: في المربيات وكيفية ترتيبها.
الباب الخامس: في المعاجين وعجنها.
الباب السادس: في الجوارشنات وتركيبها.
الباب السابع: في السفوفات ودقها.
الباب الثامن: في الأقراص وتقريصها.
الباب التاسع: في اللعوقات وعملها.
الباب العاشر: في الحبوب ونحبيبها وبنادق البزور وحب رمي الدور.
الباب الحادي عشر: في الأيارجات والمطبوخات والترياق وفي عسل الصبر وتدبيرها.
الباب الثاني عشر: في الأكحال وسحقها.
الباب الثالث عشر: في عمل الشيافات وعجنها.
الباب الرابع عشر: في المراهم وطبخها.
الباب الخامس عشر: في الادهان وكيفية اتخاذها.
الباب السادس عشر: في الأطلية واللطوخات.
الباب السابع عشر: في أدوية الفم والسنونات.
الباب الثامن عشر: في الفتايل المسهلة والقابضة والفرزجات والحقن.
الباب التاسع عشر: في الضمادات والجبارات والسعوطات والنفوخات.
الباب العشرون: في إبدال الأدوية التي يتعذر وجودها في الوقت الحاضر إذا دعت الضرورة إلى تركيبها على حروف المعجم.
الباب الحادي والعشرون: في شرح أسماء الأدوية المفردة التي يمكن أن يحتاج إليها في تركيب الأدوية وربما جهلت عن بعض الناظرين فيه من الصيادلة مرتبة على حروف المعجم.
الباب الثاني والعشرون : في الأوزان والميكييل على حروف المعجم.
الباب الثالث والعشرون: في وصايا ينتفع بها.
الباب الرابع والعشرون: في كيفية اتخاذ الأدوية المفردة وفي أي زمان بجنى ومن أي مكان وكيف تخزن وأي الأوعية فيها تخزن وما يفسدها وما يصلحها إذا بدا فيها الفساد وذكر ما يعمل مع بعض الأدوية ليمنع فساده وفي إعمار الأدوية المفردة والمركبة.
الباب الخامس والعشرون: في امتحان الأدوية المفردة والمركبة ووصف حال الجيد منها.
ثم قال: واسأل الله تعالى أن يعينني على إتمام ما قصدت إليه مما كانت نيتي في انتفاع الناس به لوجه الله تعالى وهذا أوان الشروع في المقصود.
نماذج من محتويات الكتاب:
قال في الباب الثاني «صناعة الأشربة» شراب النارنج لتقوية القلب ويقوي النعدة عملته للشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله وصفاه له القاضي فتح الدين فانتفع به، يحل السكر في ماء لسان ثور «نبات» عوض الماء وتكشط رغوته ويؤخذ له قوام غليظ، ويلقى عليه من شعير النارنج لكل رطل سكر أربع أواق ويؤخذ له قوام وينزل عن النار ويفتق بزعفران مداف بماء ورد لكل رطل ربع درهم إلى نصف درهم ويرفع، وقال في الباب الثالث «صناعة الروب»:
رُبّ السفرجل: يؤخذ السفرجل البالغ المُزّ يمسح ظاهره بخرقة صوف وينقى داخله من الحب ويدق ويعصر ماؤه ويغلي حتى ينقص منه الربع ثم يروق ويعاد إلى النار ويغلي حتى يذهب منه الربع أيضاً ويبقى النصف يضاف إليه وزن نصفه سكر أو دونه، السبب وفي عمل السكر فيه ليحفظ قوته فلا يفسد وإلا فالرّبّ هو الذي لا يكون في سكر وإن أمكن عمله بغير سكر كان أصلح .. ثم قال: وسمى رُبَّاً أي تغليظ المائيو والفرق بين الشراب والرُبّ وإن الشراب ما كان سكره أكثر من فاكهته والرُبّ ما كانت فاكهته أكثر من سكره أو لا سكر فيه البتة ومعنى التربيب التغليظ.


وفي الباب السادس «التوابل الهاضمة للطعام» في الجوارشات وتركيبها قال:
معنى الجوارش في اللغة الفارسية هاضم الطعام وأكثر ما يقع هذا الاسم على المعاجين التي تقع فيها الفلافل الثلاثة والزنجبيل والافادية وقد أضاف المتأخرون من الأطباء إلى هذه الأدوية المسهلة وغيرها ويستعملونها في أمراض مختلفة بحسب ما أضافوه إليها.
جوارشن الكمون: يحل الرياح الغليظة في البطن ويجود الهضم ويحل أوجاع القولنج الكائن عن الريح والبلغم ويسهل إسهالاً خفيفاً لما فيه من البورق ويحدر الغذاء عن المعدة وينفع الحبثاء الحامض والأبردة دافع لمضار الأغذية الغليظة الباردة.
يؤخذ كمون كرماني منقوع في خل خمر مجفف مئة درهم، وزنجبيل وفلفل وورق سذاب مجفف من كل واحد ثلاثون درهماً بورق أرمني عشرة دراهم تدق الأدوية وتنحل وتعجن بثلاثة أمثالها عسل نحل منزوع الرغوة ويرفع الشربة من أربعة دراهم إلى سبعة دراهم.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:30 PM
المنتخب من علم العين وعلاجها لعمار الموصلي


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
نواصل الحديث عن إبداعات المسلمين في طب العيون أو علم الكحالة بالحديث عن كتاب المنتخب من علم العين وعللها ومداواتها بالأدوية والحديد لمؤلفه أبي القاسم عمار بن علي الموصلي والذي ألفه في مصر في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي حكم ما بين عام 996 ميلادية حتى عام 1020 منها والذي حققه كل من الدكتور محمد رواس قلعة جي والدكتور محمد ظافر الوفائي.
وقد قال ابن أبي أصيبعة في كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء «والذي عرضناه عليكم سابقاً» عن عمار الموصلي: كان كحالاً مشهوراً ومعالجاً كذكوراً له خبرة بمداواة أمراض العين ودربة بأعمال الحديد، وكان قد سافر إلى مصر وأقام بها في أيام الحاكم، ولعمار بن علي من الكتب كتاب المنتخب في علم العين وعللها ومداواتها بالأدوية والحديد، ألفه للحاكم.
أما كتاب المنتخب «كما قال المحققان» فقد وردت بعض الاقتباسات منه في عدد من الكتب المتخصصة بطب العيون ألفت بعد عصره.. فقد ذكره محمد بن قسوم بن أسلم الغافقي المتوفي حوالي 1110 ميلادية في كتابه المرشد في الكحل عدة مرَّات واقتبس منه عدداً من الوصفات الدوائية والجراحية وخاصة عملية قدح الماء بكاملها.
كما أورد صلاح الدين بن يوسف الكحال الحموي المتوفي سنة 1296 م عدة اقتباسات من المنتخب.
وقد ترجم كل من البروفسور يوليوس هيرشبرغ وليبرت وميتفوخ في كتابهم الشهير: الكحالون العرب والذي نشر عام 1905مترجموا كتاب المنتخب «للموصلي» كاملاً.
كما ترجم ماكس مايرهوف الحكايات الست التي وردت في المنتخب عن الأساليب المختلفة في قدح الماء والتي مارسها عمار الموصلي ليظهر براعته الجراحية ومرونته في تغيير الأسلوب الجراحي حسبما يقتضيه ظرف العمل الجراحي.
المؤلف:
أبو القاسم عمار بن علي الموصلي المولود في شمال العراق والذي تنقل في فلسطين والكوفة ومصر وهو الذي استعمل لأول مرة في التاريخ عبارة الماء الهوائي لتصنيف ساد انخلع نحو أعلى الحدقة.
ـ وفد قام بالتجريب العملي لكل شيء عالج به الناس.
ـ وأول من اقترح جرح القزحية وإحداث علقة دموية يعلق فيها الماء إذا تعذر قدحه.
ـ أول من ذكر انخلاع العدسة.
ـ أول من استعمل كلمة الحدقة عوضاً عن ثقب العنبية.
ـ وأول من صنع المقدح المجوف من نحاس وقال: وهذا المقدح ما سبقني أحد قدح به.
ـ ويضع مواصفات لطبيب العيون الحاذث فيقول: يجب أن يكون ذا قدرة، ويحتاج إلى حدة نظره وثبات يده عن الرجفة.
وعمار كما قال المحققان ذو ملاحظة بالغة الدقة فهو دقيق في تصميم الأدوات الجراحية ويعطي المقاييس بدقة متناهية وهو دقيق الملاحظة «حيث لاحظ كثرة الماء بأعين الناس في تنيس (منطقة بحيرة المنزلة حالياً)» وقد عزا ذلك إلى استهلاكهم الأسماك ورطوبة الهواء ومن المؤسف أن يهمل أبناء العربية ذلك العبقري عن جهل أو تجاهل وأن يبقى هذا الكتاب الرائد في علم الكحالة مرمياً على أرفف المكتبات وألا يعلم قيمته العلمية وعبقرية مؤلفه إلا المستشرقون.
تقديم المؤلف لكتابه: ذكر المؤلف مقدمة لكتابه أوضح فيها سبب تأليفه للكتاب ثم بين أهميته العلمية بقوله: «وأبين فيه ذكر الأدوية التي تقع في العين وقواها، وخاصيتها ومنافعها منتخباً ما خطر ميسراً، ليسرع إلى علمه المبتدئ، ويتذكر به المنتهي وأذكر ما عالجت بالحديد وغيره إذ قدرتي وعملي به وعلمي ما يعجز عنه سواي من أهل هذه الصناعة الذين شاهدتهم».
محتوى الكتاب:
النسخة التي بين أيدينا من الكتاب نسخة محققة كما أوضحنا سابقاً تقع في 116 صفحة من القطع a 4 والكتاب مقسم إلى ثمانية أبوابولكل باب مفصل إلى فصول، والأبواب هي: حملة أمراض العين وتركيبها وأمراض الجفن وأمراض الماق وأمراض الملتحمة وأمراض القرنية وأمراض العنبية «الحدقة» وأمراض البيضية وأمراض العصبة المجوفة، وكل باب من الأبواب السابقة مقسم إلى فصول بحيث وصلت فصول الكتاب إلى ثمانية وأربعين فصلاً.
نماذج من محتوى الكتاب:
عن جملة أعضاء العين وتركيبها قال المؤلف في الباب الأول من الكتاب: اعلم أن العين مركبة من سبع طبقات وثلاث رطوبات وتسع عضلات وأعصاب متصلة بالعضل دقاق وبها تكون حركة العضل وعصبة مجوفة في كل عين وليس في ساير الجسم عصبة مجوفة سواها.
وأن الباري تبارك وتعالى جعل الثلاث الطبقات لخدمة الرطوبات الثلاث ليدفع عنها مضرة وليؤدي إليها منفعة، وهي الطبقة الشبكية وإنما سميت الطبقة بهذا الاسم لأنها مركبة من عروق وشرايين مشبكة على مثال شبكة الصيادين.
ـ ومما يليها الطبقة المسماة المشيمية، وإنما اشتق لهذه الطبقة هذا الاسم لأنها كثيرة الشرايين وهي مشتملة على الطبقة الشبكية ومنشؤها من طرف العصبة المجوفة.
ـ ومما يليها الطبقة المسماة الصلبة، وأن الباري تبارك وتعالى جعل هذه الطبقة الصلبة ملاصقة بالعظم ليدفع عن العين حس صلابة العظم وقسوته والآفات التي تكون منه.
ـ ثم إن الطبقة الشبكية مشتملة على الرطوبة الزجاجية وأنها هذه الرطوبة بهذا الاسم لأنها شبيهة بالزجاج المذاب.
ـ ومما يلي هذه الرطوبة الزجاجية الرطوبة المسماة الجليدية، وبها يكون البصر، ومغرقة فيها إلى نصفها لأنها تتغذى منها، وإنما سميت هذه الرطوبة بهذا الاسم لأنها شبيهة بالجليد الجامد في صفاته وبياضه وفسميت باسمه ومثل هذه الرطوبة في العين مثل نقطة وسط دائرة.
ومما يليها إلى خارج: الرطوبة المسماة البيضية وليس هي بملاصقة لها، بل تحتجز فيما بينهما الطبقة المسماة العنكبوتية وسميت هذه الطبقة بهذا الاسم لصفاتها وبياضها فإنها لو لم تكن صافية لم ينفذ منها النور.
وجعل الباري تبارك وتعالى في العين هذا الغشاء حاجزاً بين الرطوبتين لكثرة تغير الرطوبة البيضية على مر الزمان في كميتها وكيفيتها وإنما سميت هذه الرطوبة بهذا الاسم لأنها شبيهة ببياض البيض الرقيق وصفائه.
ـ ومما يلي هذه الرطوبة: الطبقة المسماة العنبية، وإنما سميت هذه الطبقة بهذا الاسم لأنها في شكل نصف عنبة وفيها من داخل خمل وحسرة كالحواصل ومن خارج أملس وغذاء هذه الطبقة من الرطوبة البيضية وفيها ثقب جعله الباري تبارك وتعالى لينفذ النور إلى الخارج ليلقى المحسوس ويتصل بالشعاع.
ـ ومما يلي هذه الطبقة طبقة يقال لها: القرنية وإنما سميت هذه الطبقة بهذا الاسم لصلابتها وصفائها لأنها شبيهة بالذيل المبري.
ـ ومما يليها الطبقة المسماة الملتحمة وهي غشاء من الخارج لكل الطبقات المذكورة وهذه الطبقات والرطوبات المذكورة إنما جعلها الباري تبارك وتعالى خدماً للرطوبة الجليدية، إما لتؤدي إليها منفعة، أو لتدفع عنها آفة.
ـ وكيفية هذه الرطوبة شفافة، صافية، مستديرة الشكل، مفرطحة، ولها عرض يسير وإنما جعلها الباري تبارك وتعالى بهذه الصفة لتقبل من المحسوسات شيئاً كثيراً ولئلا تسرع إليها الآفات والروح الباصرة تأتي إليها من العصبة المجوفة التي تجري فيها الروح وهي راكبة عليها وينفذ النور إلى أن يخرج من الثقب الذي ذكرناه آنفاً لتلتقي المحسوسات ومقابلة الشعاع ليتصل بنور الشمس.
ـ وأما العضل المديرة للعين للحركة لها: فهي تسع عضلات غير التي في الأجفان ثلاثة منها في أصل العصبة المجوفة التي تجري فيها الروح الباصر إلى العين ومنفعتها أنها تشدها لئلا تنتشر وتتسع فيتبدد النور وأربع عضلات متفرقة واحدة في الماق الأعظم والأخرى في الماق الأصغر، وأخرى من فوق وأخرى من أسفل واثنتان فيهما عوج يديران العين يمنة ويسرة وإلى فوق وإلى أسفل تعينان تلك الأربع عضلات.
ـ وأما الأجفان ففي الجفن الأعلى ثلاث عضلات وبها تكون حركته اثنتين تحركاته إلى الأسفل وواحدة تشيله إلى فوق وأما الجفن السفلاني فليس عليه حركة.
ثم قال: وهذه جملة أعضاء العين وتركيبها وما قصدت الاختصار في ذلك إلا ليقرب فهمه وحفظه لكل واحد ويتدبر به من الخاص إلى العام فإن هذا الكتاب هو المنتخب من علم العين وعلاجها وسنذكر أمراض كل طبقة من هذه الطبقات وأمراض كل عضو من أعضاء العين بأسمائها وأسماء أمراضها والخص في ذلك حتى لا يعسر على أحد فهمه.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:31 PM
المُهذَّب في الكُحْل المُجرَّب لابن النفيس


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
ـ حديثنا اليوم عن العمل الإبداعي الإسلامي كتاب المهذب في الكحل المجرب للعالم المسلم علي بن أبي الحرم الدمشقي المعروف بابن النفيس المتوفي سنة 687 هجرية الموافقة لسنة 1288 ميلادية رحمه الله رحمة واسعة.
ـ وعندما يذكر ابن النفيس رحمه الله وأرى تلك الكتب التي أبدع في تأليفها وأتذكر مجلسه وهو يؤلف وقد بريت له الأقلام، وهيئت له وهو يجلس وظهره إلى الحائط ويكتب من فيض الخاطر دون أن يستعين بكتاب، فلا يُعثر له قلم، ولا يتوقف عن الكتابة حتى يُحفى قلمه، فيرميه ويستبدله بقلم آخر وتعطى له الأوراق خالية من اليمين فيملأها علماً ويخرجها إلى اليسار وكأنه آلة استنساخ عصرية تقوم بطباعة ما في عقل ابن النفيس رحمه الله وصدره من العلم فأدعوا له بالرحمة والمغفرة رحمه الله رحمة واسعة.
المؤلف:
الحكيم الأجل، رئيس الأطباء، علاء الدجين علي ابن أبي الحرم القرشي الدمشقي المصري الشافعي المشهور بابن النفيس ولدَ سنة 607 هجرية وتوفي سنة 687 هجرية عن عمر ناهز الثمانين عاماً.
نزل في دمشق، وهناك تلقى علوم الطب على يد اثنين من كبار الأطباء هما عمران الإسرائيلي ومهذب الدين الدخوار.
ـ اشتغل ابن النفيس في بداية حياته الطبية كجالاً «أي طبيب عيون» كأستاذه الدخوار ألف كتابين في طب العيون للأول المهذب في الكحل المجرب والثاني مفتاح الشفاء في العين، ثم ذهب إلى القاهرة واشتغل في البيمارستان الناصري في القاهرة والذي أسسه الناصر صلاح الدين وارتقى في الطب إلى أن أصبح رئيس أطباء مصر والشام واشتهر حتى قيل في حقه أنه: لم يكن في الطب على وجه الأرض مثله ولا جاء بعد ابن سينا مثله.
ـ ترك ابن النفيس مجموعة من المؤلفات متنوعة في ميادين الطب والفلسفة والمنطق والفقه والحديث والنحو، على نحو يشهد ببراعة ابن النفيس وتعدد جوانب عبقريته وذكرت بعض المراجع ما يزيد على أربعة وعشرين مؤلفاً ضخماً منها العمل الإبداعي الموسوعي المهذب في الكحل المجرب.

وصف المؤلف للكتاب:
قال المؤلف في وصف الكتاب:
قال الفقير إلى الله تعالى علاء الدين ابن أبي الحزم القرشي عفا الله عنه بعد أن أحمد الله وأصلي على خير أنبيائه محمد وعلى آله وأصفيائه فإني أرتب هذا الكتاب على مقدمة ونمطين.
ـ أما المقدمة فتشتمل على ثلاثة فصول، الفصل الأول في ماهية صناعة الكحل. وقال: هذه صناعة موضوعها أعين الناس بما هي قابلة للصحة ومقابلها.
ومقصودها حفظ صحة العين موجودة، وأحداثها مفقودة، وإنما يتم ذلك لمن عرف أجزاء العين ومزاجها وخلقتها، وعرف صحتها وأنواع أمراضها وعرف العلامات التي يتعرف بها صحة العين وأنواع أمراضها، فلذلك وجب اشتمال هذا الجزء النظري من هذه الصناعة على هذه المعارف الأربع.
ـ أما الجزء العملي: فيشتمل على علم حفظ صحة العين وعلاج أمراضها، وهذه الصناعة بجزءيها جزء من صناعة الطب، لأن نظرها في بعض ما ينظر فيه الطب مع اتحاد الجهة والمقصد، وإنما اختصت العين بصناعة دون باقي الأعضاء لصعوبة أمراضها وأوجاعها، والاضطرار في عمل أدويتها واستعمالها إلى خبرة تامة. وستعرف ذلك في مواضعه إن شاء الله.
ـ والفصل الثاني في اختلاف الحيوانات بحسب العين وقال: تختلف الحيوانات في ذلك وجوه:
ـ الأول: وجود العين وعدمها، فإن الإسفنج وكثيراً من الأصداف والحلازين لا أعين لها.
ـ الثاني: جواهر العين: فإن السرطان عينه عظيمة صدفية وكذلك الإنسان والفرس.
ـ الثالث: عدد العين: فإن السمكة المعروفة في المغرب بحوت موسى عليه السلام ذات عين واحدة ولا كذلك غيرها وليس لحيوان أزيد من عينين وإن كان لبعض السمك ثماني أذان ولبعضه عشر وذلك لشدة عُسر السمع في الماء دون الأبصار.
ـ الرابع « وفيه عدد أجزاء العين في الحيوان ».
وعن الوجه الخامس والخاص بمقدار العين قال: فإن عين البومة كبيرة وعين العقاب صغيرة وكذلك الفيل ثم تكلم عن مقدار بياض العين وقوامها وشكلها ولونها ووضع إحدى العينين مع الآخرى، ووضع أجزاء العين وفعلها وزمان أبصارها وانفعالها وحدوث المرض فيها وهكذا.
ـ أما الفص الثالث في خواص الإنسان في أمر العين وفيه قال: من خواص الإنسان أن لعينيه مظلة من فوقهما وهي الحاجبان فإنهما يمنعان انحدار الأشياء إلى العين، وأيضاً لجفنه الأسفل من الهدب ما ليس لغيره وأيضاً أنه ذو رجلين ومع ذلك يحرك جفنه لأعلى، وأيضاً أنه ذو رجلين وعيناه ملوزتان وأيضاً إشراف عينيه على بدنه أكثر من باقي الحيوانات، وأيضاً عيناه متقاربتان جداً وأيضاً لهما وقاية زائدة وهي زيادة إشراف الأنف، فإن ذلك يمنع نفوذ المؤذي إلى العين المقابلة لجهة نفوذه. وأيضاً يكثر سيلان الدموع من عينيه، وأيضاً يكثر عروض الأمراض لهما وذلك لكثرة المواد المتصعدة إلى دماغ الإنسان عظيماً ليتسع ما يتصعد إليه، وخلقت عظامه متخلخلة ليسهل تحلل المواد منها، ولذلك رأس الإنسان يكثر فيه الفضول وتكثر أمراضه كالأمراض الحادثة من النزلات ونحوها، ولذلك تكثر في الإنسان الأزكمة والنزلات والسعال والبحوحة وكذلك يكثر فيه الرعاف والعطاس وقال: وأعين السودان: كحل جاحظة لزيارة رطوبة أدمغتهم بسبب رطوبة بلادهم مع الحرارة المصعدة.
ـ وأعين الترك: ضيقة، وذلك للبرد مع الرطوبة ولكثرة رطوبة أدمغتهم تكثر فيهم الفطوسة.
ـ وأعين الأعراب نجل متسعة وذلك ليبوسة أدمغتهم لأجل يبوسة أغذيتهم وقلة تفننهم فيها.
وأعين المصريين صغار مع كبر أنوفهم، وتكثر أمراض أعينهم لضعفها ولفساد أغذيتهم وكثرة الأغبرة عندهم والله تعالى أعلم وأحكم.
الجديد في المهذب:
ـ قال المحققان: يتميز ابن النفيس بفكر مبدع خلاق وقد أضاف إلى علم الكحالة سريرياً وجراحياً ما لا يمكن إغفاله وسرداً بعض الإضافات الموجودة هي كتاب المهذب في الكحل المجرب نتخير منها:
ـ في تعديل المقدح: ذكر ابن النفيس: وقد اتخذنا مقدحة رأسها «بدل المثلث من فوق» رقيق كالسيف بقدر ما يمكن تنفيذه في العين وفي وسط كل سطح حز كالنهر وعنقه مستديرة.
ـ ذكر ابن النفيس ولأول مرة في التاريخ عملية مص المِدَّة «الصديد» الكامنة في البيت الأمامي بالمنهت المجوف.
ـ ووصف ابن النفيس تسطع القرنية الناجم عن نقص الغط داخل العين والذي قد يشاهد في حالات التجفف الشديد «الحاد والمزمن» كما في حالات الإسهال، السبت السكري والإقياء المزمنة.
ـ ابن النفيس أول من نصح باستخدام الريشة كدليل قبل إدخال المقدح في العين وذلك تحاشياً لإدخال الأدوات الجراحية مراراً إلى العين واحتمال حدوث تلوث.
ـ كما حذر ابن النفيس من انخفاض ضغط العين المزمن الناجم عن عدم التئام الجروح وما قد يؤدي إلى انكماش العين.
ـ كما ينصح ابن النفيس بعدم تخريش الأنسجة السرطانية خشية انتقالها الموضَّع والبعيد كما يحذر من ارتفاع ضغط العين.
ـ وابن النفيس كما نعلم هو أول من اكتشف الدورة الدموية الصغرى سابقاً بذلك هارفي الانجليزي بمئات السنين، وابن النفيس أول من قال أن الدم ينقى في الرئتين سابقاً بذلك سرفيتس بثلاثة قرون.
وفي المهذب وصف دقيق للعقل الباطن وكيف يختزن المعلومات وكيف يخرج في حالة فقدان الشعور ولذلك يكون ابن النفيس رحمه الله قد سبق في هذا أصحاب مدرسة التحليل النفسي بمئات السنين.
انموذج من محتوى الكتاب:
في السرطان العارض في الطبقة القرنية: قال ابن النفيس رحمه الله عن المرض السابق: إن السرطان ورم سوداوي مؤلم له أصول ناشئة في العضو الذي هو فيه، وينقسم إلى مُقرّح وهو الحادث عن سوداء محترقة عن الصفراء أو عن السوداء «غير محترقة» وإلى غير مُقرّح، وهو الحادث عن غير ذلك من السوداء ويحدث في كل عضو، وهو في العين أشد إيجاعاً وذلك لأمور: أحدها: قوة حس العين، وثانيها: دوام حركتها وذلك مما يهيج وجع السرطان بتسخينه، وثالثها: أن المادة السوداوية شديدة المنافاة لمزاج العين الذي هو حار رطب باعتدال.
الأعراض:
ـ وقال: إذا حدث السرطان في العين لزمه أمور:
أحدها: وجع شديد لما ذكرناه أولاً.
وثانيها: تمدد شديد في عروق العين وذلك لأن السوداء لغلظها تحتاج إلى مكان واسع، وإنما يتم ذلك بزيادة التمدد.
وثالثها: نخس قوي يتأدى إلى الاصداع.
ورابعها: حمرة في صفاقات العين لتسخن دمها، ولقلة الوجع المحرك للروح والدم إلى جهته.
وخامسها: صداع بمشاركة الدماغ إلى العين.
وسادسها: سقوط شهوة الطعام.
وسابعها: اشتداد التألم بكل مسخن من دواء أو غذاء أو فصد أو حركة نفسية كما في الغضب، أو بدنية كما في التعب لما قدم ذكره.
العلاج:
قال ابن النفيس عن علاج المرض: أما شفاء هذا المرض بالتمام فمما لا مطمع فيه البته، والعمدة في ذلك على الاستفراغ وملينة ... وأما في الأخلاط: فلأن الدم إذا استحال إلى اليبوسة يغله السوداء صار في نفسه سوداء، لأن السوداء وإذا صار مزاج العضو ومزاج أخلاطه سوداوياً استحال جميع ما يرد إليه من الغذاء إلى ذلك.
فلذلك الأمراض السوداوية كلها عسيرة البدء، وما كان منها سوداء شديدة الرداءة فبرؤه لا محالة أعسر.... والسرطان أعسر برءاً من ذلك كله، لأن مادته لكراهة الأعضاء لها تدفعها بقوة واندفاعها يكون إلى موضع السرطان، لأن ذلك الموضع أقبل لها من غيره، ولذلك إذا قطع العضو المسرطن تولد إلى جواره سرطان آخر، وقد قطع الأطباء ثدياً فيه سرطان فحدث سرطان في الثدي الآخر.... فلذلك تصرف العناية في علاج السرطان إلى منع الزيادة، وتسكين الوجع.... وذلك بمثل طبيخ الافتيمون، والسفوف المسهل للسوداء المستعمل بماء الجبن، وإدامة تليين البطن والإكثار من ماء الشعير بالسكر ولا بد من إصلاح الغذاء.... وتضميد العين بملح البيض، ودهن الورد... وكذلك دواء متخذ من توتياء، ونشاء وشازنج... وكذلك جميع ما يتخذ من النشاء والاسفيداج والصمغ والأفيون وجميع الملينات والمخدرات هذا كله مع التحرز من الامتلاء وفساد الغذاء ومن الجوع المُحِد للمواد ومن جميع المنجرات والله تعالى أعلم.
ـ بقي أن نقول: أن الكتاب يقه محققاً في 516 صفحة من القطع a 4 وبه العديد من الموضوعات العلمية في مجال العين مما يجعله ثروة علمية قيمة، وقد صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «ايسيسكو» في الرباط ـ المغرب عام 1980م.
ـ وأعيد طبع الكتاب عام 1994م.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:32 PM
الأصمعي وضع فيه كتاباً


النبات.. عالم عرف القدامى أسراره
إعداد: د. نظمي خليل أبو العطاء
كتاب النبات لأبي سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي المتوفى رحمه الله سنة 216 هجرية حققه ونشره عبد الله يوسف الغنيم، وإذا كان كتاب الأصمعي كتاباً لغوياً فإن لدراسته أهمية بيئية كبرى , فدراسة كتب النبات ومعرفة التوزيع الجغرافي لأنواعه وأجناسه وفصائله لها فوائد أخرى لا تقل أهمية عن الفائدة اللغوية، التي طلبها علماء العربية كما قال المحقق لكتاب النبات للأصمعي، فهي تعين في معرفة نوع المناخ السائد وأنواعه والنشاط البشري الممكن وجوده في تلك الظروف.
وكثيراً ما يعين نوع النبات على تحديد كثير من المواضع المتشابهة الأسماء , وقد تنبه القدماء إلى أهمية النبات في تحديد الإقليم فقال ابن الفقيه في مختصر كتاب البلدان: وقد قيل فرق ما بين الحجاز ونجد أنه ليس في الحجاز غضاً، فما أنبت الغضا فهو نجد، وما أنبت الطلح والسمر والأسل فهو حجاز.
النبات والأرض:
يقال: ( رأيت أرض بني فلان غِبّ ( بعد ) المطر واعدة حسنة إذا رجى خيرها، وتمام نبتها في أول ما يظهر النبت ).
ويقال: أبشرت الأرض: إذا حسن طلوع نبتها أبشاراً، أي: بذرت فظهر نباتها حسناً. وبذرت الأرض تبذر بذراً، إذا ظهر نباتها متفرقاً.
ويقال: أرض بني فلان واصية: إذا اتصل بعض نباتها ببعض، وإذا طال ( النبات ) وتم قيل: قد استأسدت، فإذا خرج زهره قيل: قد جُنّ جنوناً، فإذا تكسر اليبيس ( من النبات ) فهو الحطام وهو قال الأصمعي: ومن شجر الحجاز الغرقد والسدر، والعوسج وما ينبت بجبال نجد: الثغام والحماض.
أما عن أجزاء النبات فقال الأصمعي: الخلفة: النبات يعقب ورقاً أخضر بعد ورق. وما كان من ورق ليس بعريض إنما هو خوصة.
وعن بعض أجناس النبات قال: العِشرق شجر الحنظل وثمره الحدج.
ـ والمرخ، والعفار، شجر كثير النار.
والأثل: يقال: ما ينبت منه في الجبال فهو نضار.
والإثاب: شجر يشبه الأثل، والخروع والينبوت، وهما في عمان والغاف ( شجرة الحياة ) في عمان أيضاً.
والرتم: شجر في الغور إذا قطع منه شيء خرج لبن فإذا أصاب العين حلبها.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:33 PM
كتاب المناظر لابن الهيثم



إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
ابن الهيثم رحمه الله أحد علماء ثلاثة يزدهي بهم تاريخ العلم وهم: ابن سينا، وابن الهيثم، والبيروني، كما قال الأستاذ الدكتور عبد الحليم منتصر رحمه الله في كتابه تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه حيث بلغت الحضارة العلمية الإسلامية في عهدهم الذروة وابن الهيثم أحد علماء الفيزياء الإسلاميين يعتبر الأرفع شأناً والأعلى كعباً والأرسخ قدماً وهو في مقدمة علماء الفيزياء في جميع العصور والأحقاب.
وقال الأستاذ مصطفى نظيف رحمه الله في كتابه الحسن بن الهيثم: أنه عالم اجتمعت فيه صفات العالم بالمعنى الحديث صفات العالم في علم الطبيعة النظرية والتجريبية والتطبيقية وهو الذي أبطل علم المناظر الذي وضعه اليونان وأنشأ علم الضوء بالمعنى الحديث وبحوثه المبتكرة في علم الضوء تجعله في مقدمة الأعلام الأفذاذ في تاريخ هذا العلم.
وقد ذكر محقق كتاب المناظر «المقالات 1، 2، 3» للأستاذ عبد الحميد صيره أن بلغت 92 مصنفاً منها كتاب المناظر وهو أضخم مؤلفاته التي وصلت إلينا وأكثرها طموحاً.
وصف الكتاب:
قال المحقق: لا شك أن كتاب المناظر هو أنفس ما أنتج العلماء العرب في مجال الفيزياء وهو في ذلك أهم كتاب في البصريات ظهر في الحقبة الممتدة بين القرن الثاني الميلادي وأوائل القرن السابع عشر ولم يكن الكتاب الذي وضعه ابن الهيثم في القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي محاولة فلسفية في طبيعة الضوء على طريقة معاصريه أو السابقين عليه من الفلاسفة وإنما هو دراسة لخصائص الضوء في أحواله الثلاث «الإشراق على الاستقامة، والانعكاس، والانعطاف» دراسة قائمة على الاختيار التجريبي أو ما أسماه ابن الهيثم «الاعتبار» واستخدام المناهج الرياضية في تفسير الظواهر الطبيعية وكان البحث في البصريات ينظر إليه في العالم اليوناني على أنه أحد فروع الرياضيات «شأنه في ذلك شأن الفلك والميكانيكا والموسيقى» واعتبره أرسطو من الرياضة «الأكثر قرباً من العلوم الطبيعية» وانتهى النظر بابن الهيثم إلى اعتبار البصريات بحثاً مركباً من العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية أو الرياضية كما قال بلفظه في صدر كتابه.
ويمكن القول أن فكرة «التركيب» هذه هي التي أثمر عنها أسلوبه الجديد في البحث ونتائجه الجديدة فالكتاب يتردد بانتظام بين وصف للتجارب المرتبة ترتيباً منطقياً يقضي إلى ما ينتج عنها وتطبيق للمعاني والأصول الرياضية على ما يقبل هذا التطبيق من الظواهر الضوئية والبصرية.
وفي هذا الكتاب أيضاً جاء ابن الهيثم بنظرية جديدة في الأبصار غير ما جاء به السابقون عليه من الرياضيون «مثل اقليدس وبطليموس» أو الفلاسفة «مثل أرسطو» أو الأطباء «مثل جالينوس» عرض ابن الهيثم هذه النظرية مجملة في المقالة الأولى من كتابه ولكنه رأى أنها لا تتم دون أن يلحق بها نظرية في سيكاوجية الأبصار وبذلك أراد أن يحيط بالموضوع من كل جوانبه.
ومن هنا فإن كتاب المناظر ينقسم إلى قسمين كبيرين يختص أولهما بإشراق الأضواء ورؤية المبصرات على الاستقامة وهذا موضوع المقالات الثلاث الأولى ويختص ثانيهما بانعكاس الأضواء وانعطافها وما يترتب عليها من إدراك المبصرات في المرايا المختلفة الأشكال وفي الأجسام المشفة وهو موضوع المقالات الأربع الأخيرة.
محتوى الكتاب:
1 ـ مقالات الكتاب:
كما علمنا فإن الكتاب يتكون من سبع مقالات الأولى في كيفية الإبصار في الجملة والثانية في تفصيل المعاني التي يدركها البصر وعللها وكيفية إدراكها والمقالة الثالثة في أغلاط البصر فيما يدركه على الاستقامةوعللها والمقالة الرابعة في كيفية إدراك البصر بالانعكاس عن الأجسام الصقيلة والمقالة الخامسة في مواضع الخيالات وهي الصور التي ترى في الأجسام الصقيلة والمقالة السادسة في أغلاط البصر فيما يدركه بالانعكاس وعللها والمقالة السابعة والأخيرة في كيفية إدراك البصر بالانعطاف من وراء الأجسام المشفة المخالفة لشفيف الهواء.
2 ـ فصول الكتاب:
تحتوي المقالة الأولى «في كيفية الإبصار بالجملة» على ثمانية فصول هي صور الكتاب في البحث عن خواص البصر وفي البحث عن خواص الأضواء وعن كيفية إشراق الأضواء فيما يعرض بين البصر والضوء وفي هيئة البصر وفي كيفية الإبصار وفي منافع آلات البصر والثامن: في علل المعاني التي لا يتم الإبصار إلا بها.
أما المقالة الثانية «في تفصيل المعاني التي يدركها البصر وعللها وكيفية إدراكها» فتحتوي على أربعة فصول هي: صدر المقالة في تمييز خطط الشعاع وفي كيفية إدراك كل واحد من المعاني الجزئية التي تدرك بحاسة البصر والربع والأخير في تمييز إدراك البصر للمبصرات.
والمقالة الثالثة في أغلاط البصر فيما يدركه على استقامة عللها وتتكون من سبعة فصول.
الأول صدر المقالة والثاني في تقويم ما يجب تقويمه لتبيين الكلام في أغلاط البصر ثم فصل في العلل التي من أجلها يعرض للبصر الغلط وأخر في تمييز أغلاط البصر ثم فصول في كيفيات أغلاط البصر التي تكون بمجرد الحس وفي كيفيات أغلاط البصر التي تكون في المعرفة والأخير في كيفيات أغلاط البصر التي تكون في القياس.
أما المقالة الرابعة «في كيفية إدراك البصر بالانعكاس عن الأجسام الصقيلة» فيتكون من خمسة فصول هي: صدر المقالة وفي أن صور المبصرات تنعكس عن الأجسام الصقيلة وفي كيفية انعكاس الصور عن الأجسام الصقيلة وفي أن ما يدركه البصر في الأجسام الصقيلة هو إدراك بالانعكاس والأخير في كيفية إدراك البصر للمبصرات بالانعكاس.
والمقالة الخامسة: وفي مواضع الخيالات وهي الصور التي ترى في الأجسام الصقيلة وتتكون من فصلين الأول صدر المقالة.
والثاني القول في الخيال.
أما المقالة السادسة «في أغلاط البصر فيما يدركه بالانعكاس وعللها» فتتكون من تسعة فصول هي صدر المقالة وفي أغلاط البصر التي تعرض في المرايا المسطحة وفي أغلاط البصر التي تعرض في المرايا الكرية المحدبة وفي أغلاط البصر التي تعرض في المرايا الاسطوانية المحدبة وفي أغلاط البصر التي تعرض في المرايا المخروطية المحدبة وفي أغلاط البصر التي تعرض في المرايا الكرية المقعرة وفي أغلاط البصر التي تعرض في المرايا الاسطوانية المقعرة والتاسع والأخير في أغلاط البصر التي تعرض في المرايا المخروطية المقعرة.
أما المقالة السابعة والأخيرة وهي في كيفية إدراك البصر بالانعطاف من وراء الأجسام المشفة المخالفة لشفيف الهواء وهي تتكون من سبعة فصول هي صور المقالة وفي أن الضوء ينفذ في الأجسام المشفة على سموت خطوط مستقيمة وينعطف إذا صادف جسماً مخالف الشفيف لشفيف الجسم الذي هو فيه وفي كيفية انعطاف الأضواء في الأجسام المشفة وفي أن ما يدركه البصر من وراء الأجسام المشفة المخالفة الشفيف لشفيف الجسم الذي فيه البصر إذا كان مائلاً عن الأعمدة القائمة على سطوحها هو إدراك بالانعطاف وفي الخيال وفي كيفية إدراك البصر للمبصرات بالانعطاف والسابع والأخير في أغلاط البصر التي تعرض من أجل الانعطاف.
وهكذا الكتاب درة علمية نادرة في المناظر والأبصار يدل على عقلية علمية فذة سبقت عصرها بعصور ووضعت وسام شرفٍ على صدر كل عالم بصريات مسلم.


انموذج من محتوى الكتاب:
قال ابن الهيثم رحمه الله في الفصل السادس من المقالة الأولى في كيفية الإبصار بعد أناقش الآراء العلمية الصحيحة والآراء غير الصحيحة..
فقال: فلنحرر الآن ما استقر من جميع ما ذكرناه فنقول: إن البصر يحس بالضوء واللون اللذين في سطح المبصر من الصورة التي تمتد من الضوء واللون اللذين في سطح المبصر في لجسم المشف المتوسط بين البصر والمبصر وليس البصر شيئاً من صور المبصرات إلا من سموت الخطوط المستقيمة التي تتوهم ممتدة بين المبصر ومركز البصر فقط، وإذا قد تحرر ذلك وتبين مع هذه الحال أن هذا المعنى ممكن وغير ممتنع فإنا نحرر الآن الدعوى.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:33 PM
كتاب البصر والبصيرة لثابت بن قرة الحراني



إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
ما زلنا مع إبداعات المسلمين في طب العيون حيث نعيش اليوم مع العمل العلمي الإبداعي الإسلامي كتاب البصر والبصيرة في علم العين وعللها ومداواتها للعالم ثابت بن قرة الحراني المولود عام 221 هجرية 221 هجرية والمتوفي سنة 288 هجرية منها والذي حققه كل من الدكتور محمد رواس قلعجي والدكتور محمد ظافر وفائي جزاهما الله عنا خير الجزاء.
والكتاب مقطوع بنسبه إلى ثابت بن قرة الحراني ولكن الدكتور ماكس مايرهوف عند حديثه في صفحة 8 في طبعة كتاب العشر مقالات في العين لحنين بن إسحاق قد نفى ذلك بقوله: «وعلى هذا لا بد أن يكون قد صنف أي كتاب البصر والبصيرة » بعد سنة 320 هجرية ولا يمت بصلة إلى العالم الصابئ العظيم ثابت بن قرة الذي عاش في العراق ومات في سنة 288 هجرية وهذا الكلام مرود عليه علمياً وتاريخياً كما جاء في الطبعة المحققة من كتاب البصر والبصيرة.
المؤلف:
الطبيب الفلكي الرياضي الفيلسوف المترجم ثابت بن قرة الحراني المكنى بأبي الحسن، ولد في مدينة حران بين نهري دجلة والفرات سنة 221 هجرية على الأرجح وتوفي سنة 288 منها وهو من الصابئة الذين يزعمون أن يحيى عليه السلام هو نبيهم ولما فرّ ثابت بن قرة من أهل دينه خوفاً من إساءتهم إليه لمخالفته بعض ما يقولون به، وأعجب به المعتضد وأغدق عليه بالأموال وأقطعه ضيعاً جميلة رغم أنه صابئ.
ـ وكان ثابت يجيد ثلاث لغات هي العربية والسريانية واليونانية وهو مؤسس علم الهندسة التحليلة ومكتشف علم التفاضل والتكامل وكان طبيباً حاذقاً وعالماً من علماء الطب وكتاب البصر والبصيرة خير شاهد على حذقه في علم الطب.
وقد صنف ثابت نحواً من مئة وخمسين كتاباً وكان حسن التصنيف وتوفي سنة 288 على الراجح عن سبعة وستين عاماً.
وصف المؤلف للكتاب:
ـ لما كنت سألت ـ وفقك الله ـ أن أؤلف لك كتاباً في العين أذكر لك فيه تركيبها وطبقاتها وشرح أدواتها ونعت أمراضعا وأمراض طبقاتها والعلامات الدالة على جميع ذلك ما يظهر للحس وما يخفى عنك وأن أذكر لك الأمراض التي تعالج بالحديد فيها وسياستها فبل العلاج وبعد وضعه وكيف يتدارك ما انتكس منها إلى أن يعود إلى حالته التي كان عليها من الصحة وقد أثبت لك ذلك حسبما وصلت إليه قدرتي وبلغته استطاعتي وهو بتوفيق الله لك مقنعاً لأنه على القانون الصناعي والمنهج الطبي بأبين قول وأوضحه وأخصر لفظ وأوجزه مستخرجاً من قول الفاضل جالينوس وغيره وما رأيته ونقلته من شيوخي وجربته في مداوتي فكن له حافظاً واعياً.
الطبعة المحققة من الكتاب:
ـ الطبعة المحققة من الكتاب والتي بين أيدينا تقع في 162 صفحة من القطع a 4 بدأت بالسيرة العلمية للمحققين ثم تعريف بثابت بن قرة، وتعريف بالكتاب تضمن دفاعاً عن المؤلف وإثباتاً أن الكتاب له تعريفاً بالنسخ الموجودة من الكتاب ومنهجية التحقيق والأربع الصفحات الأولى والأخيرة من الكتاب ومقدمة المؤلف وفهرست الكتاب وملحقاً خاصاً بالكتاب وكتاب المنتخب لعمار بن علي الموصلي الخاص بالأدوية المفردة الواردة في الكتابين وقد وضع الكتاب مع كتاب المنتخب في مجلد واحد من سلسلة التراث الطبي الإسلامي ـ علم الكحالة.
محتوى الكتاب:
يحتوي الكتاب على مقدمة من ستة عشر باباً هي أبواب: تشريح العين، جملة أمراض العين، وأمراض الجفن وأمراض الماق وأمراض الملتحمة وأمراض القرنية وأمراض العنبية وأمراض ثقب العنبية وأمراض الرطوبة البيضية وأمراض الرطوبة الجليدية وأمراض الروح الباصر وأمراض العصب المجوف وأمراض الرطوبة الزجاجية وأمراض الطبقة الشبكية وباب الأدوية.
ـ وقسم المؤلف الأبواب إلى فصول فحوى باب أمراض الجفن سبعة عشر فصلاً هي: الجرب والبرد والتحجر والالتصاق والشترة والشعيرة والشعر الزائد وانقلاب الشعر وانتثار الهدب والقمل والوردينج والسلاق والحكة والدمل والشرناق والتوتة والسعفة.
وحوى باب أمراض الماق فصول: الغرب والغدة والسيلان وباب أمراض الملتحمة يحتوي على عشرة فصول هي السبل والظفرة والطرفة والانتفاخ والجسا والحكة والودقة والرمد والدمعة والدبيلة.
ـ أما باب أمراض القرنية فيحوي فصول: البثور والأثر والسلخ والسرطان وتغير اللون وكمنه المده، أما باب أمراض العنبية فيحوي فصول: النتوء والانخراق ورأس المسمار ورأس النملة وباب تثقب العنبية يحتوي فصول: الماء والضيق والاتساع والحول والاعوجاج وباب أمراض الرطوبة البيضية يحوي فصول: تغير لونها غلظها ونقصها وجفافها وباب أمراض العصب المجوف فيحوي باب السدة وباب الأدوية يحوي ثلاثة فصول في إصلاح الأدوية وطبائع الأدوية المفردة والأدوية المركبة.
نماذج من محتوى الكتاب:
ـ عن أمراض الملتحمة قال المؤلف: أمراض الملتحمة عشرة: السبل والظفرة والطرفة والانتفاخ والجسا والحكة والودقة والرمد والدمعة والدبيلة.
وعن السبل قال: فأما السبل فهو نوعان: أحدهما يحدث من الأوردة التي في باطن القحف والآخر من الأوردة التي من خارج القحف وأنا ذاكر لك الفرق فيما بينهما.
ـ أما السّبَل الذي يكون حدوثه من باطن القحف من الجداول التي هناك فيستدل عليه بحمرة العروق التي تظهر على القرنية كالغمام المغشي لها ويكون معه آكال وعطاس متوال وكثرة الدموع وانتشار الأشفار وضربان في قعر العين وصاحبه لا يقدر على النظر في الشمس ولا في السراج وعلاج هذا النوع صعبٌ جداً وأنا أذكره من بعد.
ـ فأما النوع الثاني: فتولده من العروق والجداول التي فوق الجمجة.
وعلامته أن يحس بحر في حواجبه وترى في خديه حمرة وفي بعض الأوقات يضرب العروق التي في أصداغه وكذلك العروق التي على الملتحمة والقرنية وترى فوق الملتحمة الفوقية والملتحمة عروقاً مشتبكة غلاظاً ودقاقاً وترى العين كأنها قطعة دم، وصاحبه لا يبصر إلا قليلاً فإذا قابل النور لا يقدر على فتح عينيه ولا يبصر شيئاً.
ـ ومن علامته أيضاً: أمك ترى على العين منه غشاء يتحرك كلما تحركت أجفان العين وتتواتر عليه الدموع في وقت مقابلة الشمش وهذه علامات النوع الثاني من السبل وسبيل المتطبب أن يعرف العلامات الدالة على الأمراض فأنه إذا عرف ذلك سهل عليه معرفة الدواء.
ـ فأما النوع الذي يتولد من باطن القحف فعلاجه يكون في مدة طويلة ومواظبة كثيرة وسياسة لطيفة وإياك أن تقرب هذا الصنف بالحديد فتهلك العين لأنه متى عولج هذا الصنف الذي تولده من باطن القحف بالحديد لم يلحق أن تنصب إلى العين مادة أو يتولد من ذلك صداع عظيم يكون سبباً لهلاك العين، كذلك السبل الذي يكون معه قروح في القرنية وآثار السحوج والنتوء والتحرق احذره ولا تعالجه بالحديد فإذا رأيته وصحت عندك أعلامه فعالجه بأن تجذب هذه المادة إلى أسفل بالأدوية المسهلة المنقية للرأس، وبالحقن الحادة والغرغرة وبالأشياء التي تجذب الخلط إلى أسفل مثل الغرغرة بالخردل وماء العسل والسكنحبين العنصلي مع الأرياح بالسواك والماويزج والعاقر قرحاً والفصد في الصافن وتجنب الامتلاء من الطعام والشراب وتحذر الأطعمة الغليظة البطيئة الهضم وأكحلة باشياف الشراب ولا تمل من ذلك فهذه جملة علاج السبل المتولد من باطن القحف.
ـ وأما الذي تولده من خارج القحف فعلاجه بعد صحة العلامات التي ذكرتها بالحديد وللعلاج بالحديد مقدمات وهي أن تستفرغ العليل بالإسهال والفصد حتى تأمن عليه من مادة تنصب إليه من بعد العلاج.
ـ لقط السبل: أن ينوم العليل على ظهره ويجلس الطبيب مما يلي العين التي تريد لقطها والغلام الذي يفتح العين مقابلة.
ـ واعلم أن جميع من يعين الطبيب في جميع الأمراض يصلح أن يكون من سائر الناس إلا في لقط السبل فإن الذي يمسك الأجفان لا بد أن يكون طبيباً أو تلميذاً حاذقاً قد تعود العمل وتدرب عليه لأنه ربما انقلبت الأجفان في يده فيمنع ذلك من العمل ثم ابدأ بعد ذلك في الوصف الدقيق لخطوات إجراء العملية في عملية عجيبة ووصف دقيق يأخذ بألباب أهل طب العيون في العصر الحديث.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:34 PM
تاريخ النبات عند العرب لأحمد عيسى بك



إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
لقد كان العلامة الدكتور أحمد عيسى بك رحمه الله موسوعة علمية تسير على قدمين، وكما علمنا في المقال السابق فقد كان طبيباً بارعاً ومصنفاً موسوعياً ألف في الطب واللغة والتاريخ والنبات والحيوان وعلم الاجتماع، وقد تعرفنا في المقال السابق على موسوعته الطبية ذيل عيون الأنباء في طبقات الأطباء، واليوم نعيش مع عمله الابداعي الموسوعي تاريخ النبات عند العرب.
المؤلف: تعرفناه في المقال السابق.
تعريف المؤلف للكتاب:
قال المؤلف رحمه الله: فهذا مختصر في تاريخ النبات عند العرب والأطوار التي قطعها من جمع وتقييد، ثم التقلبات والتغيرات التي طرأت عليه في استعماله في الزراعة والعطارة والتداوي وما تفنن فيه العرب في جميع البلدان من التجارب المفيدة في ارتقائه من جميع النواحي كما سيظهر ذلك في متن الكتاب حتى بلغ منزلة لا يمكن التقليل من قدرها لا سيما في بلاد الأندلس حيث بلغ فيها الحد أن يستولد ورداً أسود، وأن يكتسب بعصر النبات صفات بعض العقاقير في مفعوله الدوائي، وهكذا إلى ما يدهش الباحث ويشغل ذهن المجرب.
ـ والله أسأل أن ينفع به الناس ويكون باعثاً للنشء على الاقتداء بأسلافه، بل والزيادة عليه تبعاً للإرتقاء العصري العجيب، وفيما ذكرت من الشرح لم أتعرض في شيء لتاريخ علم النبات الحديث.
النبات عند العرب:
قال المؤلف في بداية الكتاب: لكتابة تاريخ النبات عند العرب يتعين النظر إليه والبحث فيه من جملة نواح حتى تتكون من مجموعة تلك البحوف خلاصة تامة شاملة لتاريخ جميع أدواره يمكن الركون إليها.
ـ والنواحي التي يجب طرقها والولوج فيها لدراسة النبات أربع نواح:
ـ الأولى: الناحية اللغوية البحتة، أعني درس النبات في قلب جزيرة العرب وعلاقة ذلك بصحيح اللغة العربية.
ـ الثانية: دراسة تاريخ النبات لاعتباره من العقاقير أو ما يسمى بالنفردات الطبية.
ـ الثالثة: دراسة النبات من وجهة الفلاحة.
ـ الرابعة: دراسة ما دونه العرب في رحلاتهم وكتبهم مما رأوه واختبروه من النبات في جميع الأقطار التي جابوها عن بلادهم الأصيلة.
تعرف الكتاب:
الكتاب الذي بين أيدينا عمل إبداعي في مجال تاريخ النبات عند العرب يتكون من 283 صفحة من القطع A 4 يتألف من أربعة أبواب تحدث المؤلف في الباب الأول عن تاريخ النبات عند العرب وكيف دونت أسماء النبات والشجر ثم الحديث عن أربعة وثلاثين عالماً من علماء العرب ممن دونوا أسماء النبات.
ـ وفي الباب الثاني: تكلم المؤلف عن تاريخ النبات باعتباره من العقاقير وكتاب الأدوية المفردة ثم تحدث عن أكثر من سبعة وخمسين عالماً ممن ترجموا كتب النبات إلى العربية وألفوا فيه.
ـ وفي الباب الثالث: تحدث عن تاريخ النبات من وجهة الفلاحة الرومية واليونانية والنبطية والأندلسية وبعض الكتب التي ألفت فيها.
ـ أما في الباب الرابع: فقد ذكر المؤلف النبات عند جغرافيي العرب وروادهم وذكر منهم أكثر من خمسة عشرة رائداً من جغرافيي العرب.
ـ وختم المؤلف الكتاب بأهم المصادر والمراجع العربية والإفرنجية وقام المحقق الأستاذ أحمد عبد التواب عوض بوضع الفهارس الفهارس الفنية للكتاب والتي شملت فهارس الأحاديث والشعر والأعلام والقبائل والفرق والأماكن والبلدان وأسماء النبات. كما وضع المؤلف للكتاب فهرساً بمحتواه الإجمالي.
الإبداع في تأليف الكتاب:
من يطلع على الكتاب يجد أن المؤلف رحمه الله قد أبدع حقاً في إعداده للكتاب وتأليفه فجاءت موضوعات الكتاب متدرجة كما أوضحنا في محتواه سابقاً حيث بدأ بالناحية اللغوية حيث كان أخذ أسماء النبات مع أخذ اللغة عن الإعراب لتثبيت نسبة النبات إلى اللغة العربية الفصحى وأظهر الكتاب تاريخ جمع اللغة العربية، متتبعاً ذلك على أيدي أبرز العلامات المضيئة في تاريخ المعاجم العربية ومؤلفاتها واهتم بمن يهتم بالبنات.
وفي الباب الثاني تتبع كما رأينا الأطباء المشهورين الذين اهتموا بالنبات متبعاً في ذلك منهجاً تاريخياً فريداً وأخيراً تتبع المؤرخين والجغرافيين والرحالة العرب، ومن هنا جاء الكتاب مبدعاً في تأليفه.
نماذج من محتوى الكتاب:
ـ من الكتب التي أوردها المؤلف: كتاب النبات والشجر للأصمعي وقال عنه: طبع هذا الكتاب طبعة أغسث هفنر « nera Auguste Haff » والأب لويس شيخو في بيروت سنة 1908م وفي هذا الكتاب مقدمة بسيطة في الكلام عن النبات عامة فذكر أولاً أسماء الأرض في حالاتها المختلفة من حيث قبولها للزرع والنبات , ثم أسماء النبات في حالاته من نمو وكثرة وقوام وازدهار وإدراك ..الخ. ثم قسم النبات إلى أحرار وغير أحرار أو ذكور، ما رقَّ منها ورطُب، فأحرار البقل ما رقَّ وعنُقَ «أي حسن وكرم» وذكورها ما غلظ وخشن وذكر بعض أسماء النبات لكل من النوعين.
ثم قسم النبات أيضاً إلى: حمض وإلى خلة فقال: الحمض ما كان مالحاً، والخلة ما لم يكن فيه ملوحة وقال: إن الخلة عند الإبل بمنزلة الخبز والحمض بمنزلة اللحم.
قال: إذا أكلت الإبل الخلة صلب لحمها، واشتد طرقها، وإذا أكلت الحموض اندلقت بطونها وكبرت أدبارها فأسرعت الانهشام، أي السقوط والجزع، ولا تصبر صبر الخلَّية.
ثم ذكر من أسماء النبات ما ينبت في السهل، وما ينبت في الرمل من الشجر وغيره، ثم أتى بأسماء الشجر وبلغ عدد أسماء النبات التي ذكرها نحو 280 اسماً.
ـ ومن الكتب التي ذكرها المؤلف كتاب أخبار مصر لعبد اللطيف البغدادي سنة 629 هجرية فبعد أن تكلم عن البغدادي رحمه الله وعن مؤلفاته في النبات والأدوية المفردة تكلم عن كتاب مختصر أخبار مصر وقال: هذا الكتاب مقالتان المقالة الأولى ستة فصول هي: في خواص مصر العامة، وفيما يختص به من النبات، وفيما يختص به من الحيوان، وفي اقتصاص ما شوهد من آثارها القديمة، والباب السادس والأخير في غرائب أطعمتها والمقالة الثانية ثلاثة فصول هي: في النيل وكيفية زياداته وعلل ذلك وقوانينه، وفي حوادث سنة 597 هجرية والأخير في حوادث سنة 598 هجرية.
أما الفصل الثاني «فيما تختص به مصر» من النبات وفي هذا الفصل ذكر البغدادي ما شاهده من نبات مصر وشرح بعضه وعلق عليه ومن هذه النباتات الملوخية والخطمي واللبخ والجمبز والقلقاس والموز والحمضيات والسنط «أو القرظ» واليقطين، والفقوس والخيار، والبطيخ والياسمين والسفرجل.
ـ وفي باب الفلاحة ذكر العديد من الكتب القيمة ومنها بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة والرياحين وقال عنه: تصنيف السلطان المعظم الجامع بين فضيلتي السيف والقلم العباس ين علي بن بن داود الغساني وفي الكتاب قال مؤلفه: أنه تشجع في تأليف هذا الكتاب بعد مطالعة الكتب المدونة في الفلاحة وزراعة الأشجار المثمرة والحبوب والرياحين والبقول ومن تلك الكتب: كتاب جده الموسوم بملح الملاحة في معرفة الفلاحة وكتاب الفلاحة الرومية والفلاحة النبطية ووضع على حكم اصطلاح أهل المعرفة في اليمن وجعله مشتملاً على مقدمة وأبواب وخاتمة، والأبواب عدتها 17 باباً في الأرض والسماء والمياه وأوقات الفلاحة والزراعات والقطاني والبقول والخضروات والبذور والرياحين، ودفع الآفات، وفي منافع الحبوب والثمار والرياحين.
وهكذا أبدع الدكتور أحمد عيسى بك رحمه الله وأبدع علماء المسلمين ودونوا لنا تاريخاً مشرفاً في عالم النبات.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:35 PM
كشف الأسرار في حكم الطيور والأزهار للمقدسي

إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
كتابنا اليوم عن إبداعات العلامة عز الدين بن عبد السلام بن غانم المقدسي المتوفى سنة 678 هجرية رحمه الله والنسخة التي بين أيدينا حققها وعلق عليها الأستاذ علاء عبد الوهاب محمد
وهو من الكتب العلمية الأدبية الوعظية الممتعة جداً كما قال، وهو عبارة عن محاورات نثرية وشعرية وعلمية بين الطيور والأزهار والكؤلف رحمه الله القسم الأول منها في إشارات الأزهار والقسم الثاني في إشارات الطيور والقسم الثالث في إشارات الحيوان، وكان هدف المؤلف من تأليف هذا الكتاب توجيه الوعظ لأبناء جنسه من البشر وحثهم على الفضائل الأخلاقية على لسان الطير تارة والأزهار أخرى وهذا أسلوب إبداعي رائع اهتدى إليه المؤلف بعد معرفته طبيعة النفس البشرية سابقاً له علماء العصر في أهمية الإرشاد غير المباشر.
المؤلف:
مؤلف كشف الأسرار هو عبد السلام بن أحمد بن غانم بن علي عز الدين أحمد الأنصاري الشافعي المقدسي اشتهر بابن غانم المقدسي، نشأ في القدس الشريف في بيت علم وصلاح من مؤلفاته:
ـ الروض الأنيف في الوعظ الرشيق.
ـ حل الرموز ومفاتيح الكنوز.
ـ الفتوحات الغيبية في الأسرار القلبية.
ـ كشف الأسرار ومناقب الأبرار ومحاسن الأخيار.
ـ مفاخرة الأزهار والنباتات الناضرات، ومجاهدة الأطيار والجمادات الناطقات.
سبب تأليف الكتاب وتسميته:
قال المؤلف رحمه الله: فإني نظرت بعين التحقيق ورأيت بنور التصديق والتوفيق أن كل مخلوق مقر بوجود الخالق، وكل صامت في الحقيقة ناطق فاستعرت الإشارات واستقرأت العبارات فرأيت كلا ناطقاً بلسان حاله ولسان قومه، لكني رأيت لسان المحال أفصح من لسان القال، وأصدق من كل مقال، لأن لسان الخبر يحتمل التكذيب والتصديق ولسان المحال لا ينطق إلا بالتحقيق فالناطق بلسان الحال مخاطب لذوي الأحوال والناطق بلسان القال مقابل لأهل الصحة والاعتلال.
وقد وضعت كتابي هذا مترجماً عما استفدته من الحيوان برمزه والجماد بغمزه وما خاطبتني به الأزهار عن حالها والأطيار عن مقرها وترحالها وسميته: كشف الأسرار في حكم الطيور والأزهار وجعلته موعظة لأهل الاعتبار، وتذكرة لذوي الاستبصار فاعتبروا يا أولي الأبصار قال تعالى: ) إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب (.
محتوى الكتاب:
يحتوي الكتاب على إشارات النسيم، والورد والمرسين، والبان، والنرجس، واللينوفر، والبنفسج، والمنشور، والياسمين، والريحان والأقحوان والخزامى والشقيق والسحاب والهزار والباز والحمامة والخطاف واليوم والطاووس والدرة والخفاش والديك والبط والنحلة والشمع والفراش والفراش مع الشمع والنار والغراب والهدهد والكلب والجمل والفرس والفهد ودودة القز والعنكبوت والنملة والعنقاء.
نماذج من محتوى الكتاب:
إشارة الورد: فرأيت الورد يخبر عن طيب وروده ويعترف بعرفه «الريح الطيبة» عند شهوده ويقول: أنا الضيف الوارد بين الشتاء والصيف أزور كما يزور الطيف فاغتنموا وقتي فإن الوقت سيف أعطيت نفس العاشق وكسبت لون المعشوق فأروح الناشق «أي شم» فأنا الزائر وأنا المزور فمن كمع في بقائي فإن ذلك زور ثم من علامه الدهر المكدور والعيش الممرور «أي المرير» أنني حيث ما نبت رأيت الأشواك تزاحمني، والأدغال تجاورني فأنا بين الأدغال مطروح وبنبال شوكي مجروح وهذا دمي يرى عندما يلوح فهذا حالي وأنا ألطف الأوراد وأشرف الوراد فمن ذا الذي سلم الانكاد ومن صبر على نكد الدنيا بلغ المراد وبينما أنا أرفل في حلل النضارة إذ فطفتني يد النضارة فأسلمتني بين الأزاهير إلى ضيف القوارير فيذاب جسدي ويحرق كبدي ويمزق جلدي ويقطر دمعي الندي ولا يقام بأودي، ولا يؤخذ بقودي فجسدي في حرق وجفوني في غرق وكبدي في قلق قد جعلت ما رشح من عرقي شاهداً لما بقيت من حرقي، فيتأسى باحتراقي أهل الاحتراق ويتروح بنفسي ذوو الأشواق فأنا فإن عنهم بأياي باق فيهم بمعناي أهل المعرفة يتوقعون لقائي وأهل المحبة يتمنون لقائي وفي ذلك أقول:
فإن غبت جسماً كنت بالروح حاضراً
فسيان قربي إن تأملت والبعد
فلله من أضحى من الناس قائلاً
إنك ماء الورد إذا ذهب الورد


وقال عن إشارة اللينوفر «زهرة اللوتس أو البشنين»:
فناداه اللينوفر وحظه من السقم أوفى وأوفر وقال: أما تعتبر أيها الحزين باصفراري وأين من القضاء والقدر فراري، وأنا الذي رضيت بعاري ولست من العشق بعاري، الرياض قراري، والغياض داري فإن كنت عاشقاً داري فأهل الدار داري، ها أنا أعشق صفاء الماء فلا أفارقه في الصباح والمساء ومن العجب أني به ولهان وعليه لهفان وإليه ظمآن وأنا معه حيثما كان فهل سمعتم بمثل هذا الشأن واقف في الماء عطشان افتح عيني بالنهار فيغار عليّ من نظر الأغيار فإذا جن ليلي أنزلني عن رتبتي وحطني وأخذني إليه وغطني فأغوص في فكري وأعود إلى خلود ذكري فتستغرق عيني في مشاهدة قرة عيني، فلا يعرف الجهول أيني ولا يفرق العزول بين من أحبه وبيني فحيث ما مال بي هوائي لا أنظره إلا حذائي إن ظمئت رواني وإن مت واراني فحياه وجودي بحياته، وبقاء شهوري بثباته وقيام ذاتي بذاته وصفاء صفاتي بصفاته فما بيتاً بين ولولاه ما كنت أقراً بعد عين وفي ذلك أقول: «ثم أورد 8 أبيات من الشعر نفس المقال».
وفي إشارة الخفاش قال:
فناداه الخفاش وهو في ارتعاش إياك والزحام فقد حام حول الحمى وهو من ذوي الأرحام فما أذن القسام إلا لسام «للموت».. ثم قال:
ولكن عليك بأوقات الخلوات والقيام في الليالي المظلمات، ألم تراني إذا طلعت الشمس دخلت إلى وكري وإذا انبسطت النفس صفت لي خلوة فكري فأنا في النهار لا أزور ولا أزار محجوب عن الأبصار محبوب من ذوي الاستبصار فإذا دجى ليل جررت ذيلي وجعلت الليل معاشي وفيه انتعاشي لأن فيه يفتح الباب ويرفع الحجاب ويخلو الحبيب بالأحباب وتغفل أعين الرقباء وتتيقظ أشجان المحبين وأحزان الغرباء ثم لا تصادق إلا العشاق وذوي الأشواق ومن هو لكأس المحبة قد ذاق، فيفتح الحبيب بابه ويرفع حجابه وينادي أحبابه فترفع الرسائل بالدمع السائل وتجاب المسائل بألطف الوسائل ويقال: يا جبريل أقم فلاناً وأنم فلاناً وقل لمن كتم حبي يصرح بالإعلان، وقل لمن هو ظمآن «هذا كأس ملآن» وقل لمن هو في حبنا ولهان أن الوصل قد آن..
ثم قال: فقلت له أيها الطائر الضعيف مالي أراك تخالف من سواك إذا طلعت الشمس وقعت في الغشا فلا تزال كذلك في العشا فتعمى بما يستضيء به الناس وهذا خلاف القياس.
فقال: يا آدمي التكوين، ذلك لأني في مقام التلوين وما بلغت إلى مقام التمكين لأن المتلون الخائف يوهن عند تشعشع أنوار المعارف، والمتمكن العارف من يثبت عند شهور أسرار اللطائف وإنما عدم تمكني في تلويني لأني مخلوق ناقص الحقوق بالنهار أستر نقصي باستتاري وبالليل أناجي الحبيب بانكساري فيجود بغناه على فقري وبفضله على احتقاري فأول ما جبر به كسري ورحم به فقري أن جعل الليل خلوتي ومع أحبابه حضرتي وإليه لا إلى سواه نظرتي فإذا انقضت خلوة الليل أغمضت عيني بالنهار وقبيح على عين تمتعت برؤياه أن تنظر إلى ما سواه فقلت: تالله لقد فاز أهل الخلوات وامتاز أهل الصلوات ومنع من الجواز أهل الغفلات فأفهم الإشارات.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:36 PM
عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات للقزويني


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
ـ العمل الإبداعي الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم هو المؤلف الطريف عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات للإمام العالم زكريا بن محمد بن محمود القزويني المولود سنة 600 هجرية والمتوفى سنة 682 هجرية رحمه الله.
محتوى الكتاب:
بدأ المؤلف مؤلفه بخطبة وضح فيها سبب تأليفه للكتاب، وتسميته بعجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ثم بدأ في وصف معنى العجب، ثم شرح معنى الغريب والمشاهدات المألوفة لكن لا يستطيع شيء مع قدرة الخالق وجبلة المخلوق وجميع ما فيه: إما عجائب صنع الباري تعالى وذلك أما محسوس أو معقول لا ميل فيهما ولا خلل. وإما حكاية طريفة منسوبة إلى رواتها لا ناقة لي فيها ولا جمل، وأما خواص غريبة وذلك مما لا يفي العمر بتحرياتها ولا معنى لترك كلها لأجل الميل في بعضها فإني أحببت أن تكون منها على تقه فشمر لتجربتها وإياك أن تغتر أو تلم أو تمل إذا لم تصب في مرة أو مرتين ثم قال: وسميته عجائب المنخلوقات وغرائب الموجودات.
في شرح العجب:
في الشرح العجب قال القزويني رحمه الله: قالوا: العجب حيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء أو عن معرفة كيفية تأثيره فيه.
مثال ذلك: أن الإنسان إذا رأى خلية النحل ولم يكن شاهدها قبل لكثرته حيرة لعدم معرفة فاعلها، فلو علم أنها من عمل النحل لتحير أيضاً من حيث ذلك الحيوان الضعيف كيف أحدث هذه المؤسسات المتساوية الأضلاع التي عجز عن مثلها المهندس الحازق مع الفرجار والمسطرة ومن أين لها هذا الشمع الذي اتخذت منه بيوتها المتساوية التي لا تخالف بعضها بعضاً كأنها أفرغت في قالب واحد ومن أين لها هذا العسل الذي أودعته فيها ذخيرة للشتاء، وكيف عرفت أن الشتاء يأتيها وأنها تفقد فيه الغذاء وكيف اهتدت إلى تغطية خزانة العسل بغشاء رقيق ليكون الشمع محيطاً بالعسل من جميع جوانبه فلا ينشفه الهواء ولا يصيبه الفأر ويبقى كالبرنية المنضمة الرأس فهذا معنى العجب وكل ما في العالم بهذه المثابة.
وعن تقسيم المخلوقات: قال القزويني: المخلوق كل ما هو غير الخالق سبحانه وتعالى. وهو أما أن يكون قائماً بالذات أو قائماً بالغير، والقائم بالذات إما أن يكون متحيزاً فهو الجسم وإن لمن يكن فهو الجوهر الروحاني، وهو إما أن يكون متعلقاً بالأجسام تعلق التدبير وهو النفس أو لا يكون وهو إما أن يكون سليماً عن الشهوة والغضب وهو الملك أو لا يكون وهو الجن القائم بالغير فإن كان قائماً بالمتحيزات فهو الأعراض الجسمانية وإن كان قائماً بالمفارقات فهو الأعراض الروحانية كالعلم والقدرة..
وفي معنى الغريب قال:
الغريب كل أمر عجيب قليل الوقوع مخالف للعادات المعهودة والمشاهدات المألوفة وذلك إما من تأثير نفوس قوية أو تأثير أمور فلكية أو أجرام عنصرية كل ذلك بقدرة الله تعالى وإرادته فمن ذلك معجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ثم قال: ومنها اختصاص بعض النفوس من الفطرة بأمر عجيب لا يوجد مثله لغيرها كما ذكر أن في الهند قوماً إذا اهتموا بشيء اعتزلوا الناس وصرفوا همتهم على ذلك الشيء فيقع وفق اهتمامهم.. ثم قال: ومن ذلك أمور سماوية مظهور الكواكب ذوات الأذناب.. وانقضاض شهب يستضيء الجو منها، ومنها سقوط جسم من الجو ثقيل ومنها سقوط ثلج أبو برد في غير أوانه ومنها سقوط أحجار من الحديد والنحاس في وسط الصواعق ومنها وقوع خسف من الأرض وخروج ماء أسود منها.
وثالثها: أمور غريبة تحدث من أجساد أرضية كجذب المغناطيس للحديد.
كسوف الشمس:
وعن كسوف الشمس قال: وسببه كون القمر حائلاً بين الشمس وبين أبصارنا لأن جرم القمر كمد فيحجب ما وراءه فإذا قارن الشمس وكان في إحدى نقطتي الرأس والذنب أو قريباً منه فإنه يمر تحت الشمس فيصير حائلاً بينها وبين الأبصار.
وعن تأثير الشمس في السفليات قال:
وأما في السفليات فمنها تأثيرها في البحار فإنها إذا أشرقت على الماء صعدت منه أبخرة بسبب السخونة فإذا بلغ البخار إلى الهواء البارد تكاثف من البرد وانعقد سحاباً ثم تذهب به الرياح إلى الأماكن البعيدة عن البحار فينزل مطراً يحيي الله به الأرض بعد موتها، وتظهر منه الأنهار والعيون فيصير سبباً لبقاء الحيوان وخروج النبات وتكون المعادن.
وعن النباتات النجوم (الحولية) قال:
النجم كل نبت ليس له ساق صلب مرتفع مثل الزروع والبقول والرياحين والحشائش البرية فنقول: إن الله تعالى أجرى متنه سنة سنة أن يحيي الأرض بعد موتها فيجري يابس أنهارها وينشر رفات نباتها، فترى الأوراق نخضرة والأنوار والأزهار مصفرة ومحمرة ليستدل بها على إحياء الأموات وإعادة العظام والرفات.
وقال: واعلم أن عقول العقلاء متحيرة في أمر الحشائش وعجائبها وأفهام الأذكياء قاصرة عن ضبط خواصها وفوائدها وكيف لامع ما يشاهد من اختلاف صور قضبانها واختلاف أشكالها وألوانها وعجيب ستور أوراقها وأنهارها، وكل لون منها ينقسم إلى أقسام كالحمرة مثلاً فإنها وردي وأرجواني وسوسي وشقائق وأدريوني وإلى غير ذلك مع اشتراك كلها في الحمرة ثم عجائب روائحها ومخالفة بعضها البعض مع اشتراك الكل في الطيب ثم عجائب أشكال حبوبها فإنه لكل واحدة منها شكل وورق وعرق وزهر ولون وطعم ورائحة خاصة بل خاصيات (لا يعلمها) غير الله والتي عرفها الإنسان بالنسبة إلى ما لم يعرفه كقطر من البحر. ثم بدأ يصف تلك النباتات واحداً واحداً.
وتكلم عن الحيوان بنفس النسق. وهكذا فالكتاب مبدع وممتع بشكل غريب، فكان اسماً على مُسَمَّى.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:36 PM
تشريح العين وأشكالها ومداواة أعلالها للكفرطابي


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
نحدثكم اليوم عن كتاب تشريح العين وأشكالها وأعلالها تأليف علي إبراهيم بن بختيشوع الكفرطابي المتوفي بعد سنة 460 هجرية، والذي قال المؤلف في سبب تآليفه للكتاب:
ـ رأيت كل مؤلف كتاب ومصنف آداب له سبب حثه عليه، وغرض يقصد إليه، وللعلوم أوائل وأصول وللحكم حقائق ومحصول، سيما علم الطب وصناعته لشرف موضوعه وجلالته، إذ كان علماً قياسياً وأصلاً عقلياً وتجارياً وحيلاً وفصولاً وجملاً وقد أجمع كافة الناس على اختلاف الأجناس أن جالينيوس تمم هذه الصناعة وأكملها، وأبان غامضها ومشكلها وقرر لها أصولاً وجعل لها فصولاً تقرأ على ترتيب ونظام وقربها إلى الإفهام فجميع المصنفين من بعده مقصرون وفي إثره مجتهدون وأفضلهم من بيَّن في تصنيفه فهم كلامه وسلك طرق قوانيه فلما رأيت ذلك عدلت إلى تشجيع ألفاظه وتطبيقها ونقلها على معانيها وتحقيقها وما قد صح عند أتباعه، وتقرر في كتب أشياعه ورأيت في ذلك معنى لطيفاً وفناً شريفاً وهو تسهيل حفظه على الطالبين وتقريب فهمه من قلوب المتعلمين وأتميز به عن تصنيفهم وأبين به من تأليفهم فبدأت من الرأس بأشرف الحواس وهي العين وأعلالها وتشرحها وأشكاها وما تدعو الضرورة إلى معرفته لمن قصد هذا العلم على حقيقته.
المؤلف:
مؤلف كتابنا هذا كما قال المحققون للكتاب طبيب مغمور لم يتحدث عنه المؤرخون ولم يعرفوه إلا من خلال كتابه هذا الذي بين أيدينا ولم تتوافر لهم من المعلومات عنه غير ما استخلصوه من هذا الكتاب أنه علي بن إبراهيم بن بختيشوع الكفرطابي نشأ في بلدة كفرطاب بدمشق ثم رحل إلى مصر ومارس فيها مهنة طب العيون وجرب الكحل الذي ركبه عيسى الكحال لأكثر أمراض العين، ويرجح المحققون أنه رحل إلى اليمن وتعلم صناعة الكحل من أحد أطباء الهند هناك.
ـ وكان والده إبراهيم بن بختيشوع طبيباً للعيون وكان ابنه عليماً ينقل رأيه في بعض الأدوية في طب العيون.
ـ وكانت أسرة بختيشوع أسرة علم وطب اشتهرت هذه الأسرة بعلم الطب فتوارثه فيها الأبناء عن الآباء وأصل هذه الأسرة يعود إلى الطبيب النسطوري جرجس بن بختيشوع المتوفى سنة 155 هجرية والذي كان يعمل طبيباً في جنديسابور فذاع صيته هناك فاستدعاه الخليفة العباسي المنصور ليكون طبيبه الخاص.
ـ ثم خلفه في علم الطب ابنه بختيشوع بن جردس وكان طبيباً للرشيد ثم توالت الأسرة في خدمة الخلفاء طبياً لعلمهم ومهارتهم.
وأسرة بختيشوع كانت سريانية ولكن اسم مؤلفنا علي هو اسم إسلامي صرف وهذا يدل على تحول فروع الأسرة إلى الإسلام.
علي إبراهيم بختيشوع وماكس مايرهوف:
في مقدمة كتاب العشر مقالات في العين الذي عرضناه سابقاً عندما تحدث الدكتور ماكس مايرهوف طبيب العيون بالقاهرة عن كتاب تركيب العين وأشكاها ومداواة علمها قال عن علي بن بختيشوع: « إذ لم يكن مؤلفه أخصائياً في طب العيون بل متطبباً عاماً يتعاطى صناعته في كفر طاب (سوريا) ».
ـ وهنا فقد استهان مايرهوف ببلدة كفر طاب واستهان بعلي إبراهيم بن بختيشوع الكفرطابي مؤلف كتاب تشريح العين وأشكالها ومداواة أعلالها.
والمعلوم تاريخياً أن بلدة كفرطاب رغم ضغرها إلا أنها كما قال المحققون للكتاب كانت بلدة معطاء أخرجت لنا من الأدباء والشعراء والمحدثين والأطباء من سجل التاريخ اسمهم وحفظ لهم ذكرهم فأخرجت من المحدثين أحمد بن علي بن الحسن بن الفضل الكفرطابي المتوفى سنة 45 هجرية.
ومن اللغويين: أخرجت البلدة أبو الخير سلامة بن عياض بن أحمد المتوفي سنة 534 هجرية وله كتاب التذكرة في النحو في عشرة مجلدات وكتاب ما تلحن فيه العامة وكتاب فضل العربية.
ومن الأدباء: أخرجت كفرطاب أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عمر المتوفي سنة 533 هجرية وله كتاب غريب القرآن ونقد الشعر وبحر النحو وقد نقضي في هذا الكتاب مسائل كثيرة من مسائل النحويين كما قال المحققون للكتاب.
ـ وقد استهان مايرهوف بالمؤلف وادعى أنه متعاطي مهنة الطب وتاريخ أسرة الطبيب علي بن إبراهيم بن بختيشوه الكفرطابي يثبت عكس ما ادعى مايرهوف.
وقد تصدى محققو كتاب تشريح العين لهذا الادعاء ودافعوا عن المؤلف دفاعاً علمياً فقالوا:
ـ وما ندري من أين أتى مايرهوف بهذه المعلومات وأغلب الظن أن مايرهوف استنبط معلوماته هذه استنباطاً لأنه رأي أن مؤلفنا يتحدث في أول كتابه عن تركيب جسم الإنسان وعظامه وعضلاته وأعصابه وغير ذلك ورآه في آخر كتابه يذكر أدوية لأمراض لا علاقة لها بالعين كذكره دواء للأسنان وآخر للثة وآخر لمنع تحلب المواد من الدماغ إلى الصور وآخر للبواسير والحقيقة أن ما يرهوف قد غلط مرتين:
الأولى: عندما قال أن علي بن إبراهيم بختيشوع لم يكن أخصائياً في طب العيون، وما استند إليه في دعواه هذه لا يصلح مستنداً لأنه غاب عن ذهن مايرهوف أن العلماء يشترطون لمن يريد أن يكون متخصصاً في طب العيون أن يتقن الطب العام أولاً، ثم يتخصص في طب العيون لأن لعض أمراض العين سببه من الجسم وبعض أمراض العين يسبب مرضاً في الجسم... ومؤلفنا قد مهر في الطب العام بدليل ما قدمه لنا من معلومات في الطب العام والتشريح في كتابه هذا، ومهر في طب العيون ولا أول عندي على تخصثه في طب العيون ومهارته فيه، وممارسته له من أن جميع ما أورده من الأدوية لجميع أمراض العين في كتابه تشريح العين وأشكالها ومداواة أعلالها قد جربه على مرضاه وثبت له فاعليته وجدواه ومن العمليات الجراحية التي عملها في العين بنفسه فضلاً عن التي وصف عملها وصفاً دقيقاً فخو أذن متخصص وممارس لطب العيون.
نماذج من محتوى الكتاب:
ـ عن أمراض العين قال المؤلف رحمه الله:
ونبتدىء بأمراض الأجفان لما كانت بادية للأعيان وهي خمسة عشر مرضاً ونذكر أعراضها عرضاً عرضاً فمنها: الجرب والبرد والالتصاق والتحجر والشترة والشرناق والسعيرة والشعر الزائد وانتشار الهدب والقمل في الأجفان والسلاق والحكة والوردينج، والتوتة والدمل في أطراف الجفون وأطراف المآق وبعده مرض الماقين وهي ثلاثة أمراض: الغرب والغدة والسيلان.
ـ وأمراض الملتحمة عشرة أمراض: الانتفاخ والرمد والجسا المنعقد، والسبل والطرفة والظفرة والحكة والودقة والدبيلة والدمعة.
ـ وأمراض القرنية سبعة أمراض: القروح والأثر والسلخ والبثر والسرطان والحفر وتغير لونها عن القدر.
ـ وأمراض العنبية أربعة أنواع: فمنه ما يعرض في ثقبها من الاتساع، أو السدة أو الضيق ومنها ما يعرض من سوء المزاج مقل الزرقة بعد السواد لغلبة البرد والفساد، والجحوظ لكثرة المواد والصغر لليُبْس والجماد.
وقال: ونذكر ذلك على الاجتهاد:
ـ أما الاتساع: فمنه طبيعي ويكون لكثرة الروح الباصر أو لتغميض الواحدة فيتسع الناظر ويكون الاتساع أيضاً في الظلام وهذه كلها ليست من الأسقام وأما الآلام فيكون الاتساع تابعاً للشقيقة لمشاركة العضو الألم على الحقيقة ويكون أيضاً مع نزول الماء ويزول بزواله فيما يمكن قدحه وانحلاله.
ـ وأما الضيق: فيكون لبعض الأورام ويكون للخروج إلى الوضوء من الظلام ويكون لفرط اليبس والالتئام.
وعن الرطوبة البيضاء قال: والرطوبة البيضاء هي علة واحدة من رطوبة جامدة تجمد في الحدقة وهي بها ملتصقة ويعرف بالماء النازل والمرض الهائل وهي سبعة ألوان تشاهد بالعيان فمنها ما يشبه الماء ومنه ما يشبه لون السماء ومنها ما يشبه الزجاج ومنه أصغر كالعاج ومنه ما لونه يشبه الزرقة كاللازورد ومنه ما لونه أحمر كالورد ومنه ما لونه أخضر مجمد.
وهكذا أبدع المؤلف والطبيب علي بن إبراهيم بن بختيشوع الكفر طابي المتوفي بعد سنة 460 هجرية.
وإذا كان علي رحمه الله قد صرح في هذا الكتاب بأن الطب قد اكتمل على يد جالينوس وأنه لن يأتي في كتابه هذا بشيء من الإضافات غير تنميق العبارة وجمال الصنعة إلا أن المؤلف كما قال المحقق وكما رأينا في الكتاب أضاف لطب العيون الجديد من الناحية الأكاديمية.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:37 PM
تاريخ البيمارستانات في الإسلام لأحمد عيسى بك


إعداد الدكتور نظمي خليل أبو العطا
ـ ما زلنا مع إبداعات العلامة الدكتور أحمد عيسى بك رحمه الله العلمية، حيث نعيش اليوم مع علمه الموسوعي الإبداعي تاريخ البيمارستانات في الإسلام، وهذا الكتاب بيان رائع لعظمة التمدن الإسلامي، وما حفل به من أمجاد بذل في سبيله من جهاد حتى أظلت راياته البلاد وسعد بخيره العباد، وقد بدأ المؤلف بالتوثيق للبيمارستانات «أي المستشفيات» الإسلامية بخيمة السيدة رفيدة التي تعتبر أول مستشفى ميداني حربي في العالم.
تعريف المؤلف للكتاب:
قال المؤلف في أول الكتاب: هذه كلمة في تاريخ المستشفيات وهي التي كان يعبر عنها بكلمة بيمارستان في العهد الإسلامي إلى العصر الحاضر أي إلى إنشاء مستشفى أبي زعبل بضاحية القاهرة وهو أول مستشفى أنشأ على النظام الحديث في مصر سنة 1825م.
ـ وهذه البيمارستانات هي إحدى المنشآت والعمائر كالمساجد والتكايا والقباب والمدارس … الخ التي كان يشيدها الخلفاء والسلاطين والملوك والأمراء وأهل الخير من العموم صدقة وحسبة وخدمة للإنسان، وتخليداً لذكراهم ولم تكن مهمة هذه البيمارستانات قاصرة على مداواة المرضى، بل كانت في نفس الوقت معاهد علمية ومدارس لتعليم الطب، يتخرج منها المطببون والجراحون «الجرائحيون» والكحالون كما يخرجون اليوم من مدارس الطب.
تفسير كلمة بيمارستان:
ـ البيمارستان (بفتح الراء وسكون السين) كلمة فارسية مركبة من كلمتين (بيمار) بمعنى مريض أو عليل أو مصاب و (ستان) بمعنى مكان أو دار فهي إذاً دار المرضى ثم اختصرت في الاستعمال فصارت مارستان كما ذكرها الجوهري في صحاحه.
وكانت البيمارستانات من أول عهدها إلى زمن طويل مستشفيات عامة تعالج فيها جميع الأمراض والعلل من باطنية وجراحية ورمدية وعقلية.
أول من اتخذ البيمارستان في الإسلام:
روى مسلم رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق رماه رجل من قريش ابن العرقه رمي في الأكحل فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد يعوده من قريب.
وقال ابن إسحاق في السيرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسْلم يقال لها: رُفَيْدَة في مسجده كانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقوم حين أصاب سعد السهم بالخندق: «اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب».
ـ فيفهم من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أول من أمر بالمستشفى الحربي المتنقل.
ـ وقال تقي الدين المقريزي: أول من بنى البيمارستان في الإسلام ودار المرضى الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي في سنة 88هـ (706 م) وجعل في البيمارستان الأطباء وأجرى لهم الأرزاق وأمر بحبس المجذَّمين (مرض الجذام) لئلا يخرجوا وأجرى عليهم وعلى العميان الأرزاق.
وصف الكتاب:
الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه عمل إبداعي مقسم إلى بابين في الباب في الباب الأول تكلم المؤلف عن نشأة البيمارستانات في الإسلام ونظامها وأطبائها وأرزاقها والباب مقسم إلى 52 عنواناً جانبياً وفى فيها المؤلف الموضوع حقه.
ـ والباب الثاني تحدث فيه المؤلف عن البيمارستانات في البلاد الإسلامية على التفصيل من حيث المؤسس والمكان والبنيان والعاملين فيه، وقد وصف المؤلف أكثر من تسعين بيمارستاناً كبيراً.
ـ ويقع الكتاب في 294 صفحة من القطع a 4.
أنواع البيمارستانات:
ـ قسم المؤلف البيمارستانات كما هو حالها إلى نوعين ثابت ومحمول، وقال عن الثابت: ما كان بناؤه ثابتاً في جهة من الجهات لا ينتقل منها وهذا النوع من البيمارستانات كان كثير الوجود في كثير من البلدان الإسلامية لا سيما في العواصم الكبرى كالقاهرة وبغداد ودمشق ... الخ. وما يزال أثر بعضها باقياً على مر الدهور إلى الآن كالبيمارستان المنصوري «قلاوون الآن» بالقاهرة والبيمارستان المؤيدي بالقرب من القلعة بالقاهرة والبيمارستان النوري الكبير بدمشق والبيمارستان القيمري بها أيضاً، وبيمارستان أرغون بحلب.
ـ أما البيمارستان المحمول فقد قال عنه: هو الذي ينقل من مكان إلى مكان بحسب ظروف الأمراض والأوبئة وانتشارها وكذا الحروب وكان هذا النوع من البيمارستانات معروفاً لدى خلفاء المسلمين وملوكهم وسلاطينهم وأطبائهم بل من الراجح أن يكونوا هم أول من أنشأه.
وهو عبارة عن مستشفى مجهز بجميع ما يلزم المرضى ومداواتهم من أدوات وأدوية وأطعمة وأشربة وملابس وأطباء وصيادلة وكل ما يعين على المرض.
أنموذج من محتوى الكتاب:
نختصر لكم في السطور التالية ما ورد بكتاب تاريخ البيمارستانات في الإسلام عن البيمارستان الكبير المنصوري أو دار الشفاء أو بيمارستان قلاوون والذي شغل الحديث عنه من صفحة (83) بالكتاب حتى صفحة (171) منه وبدأ المؤلف الحديث عنه بتعريف البيمارستان ثم أوضح من أين بني وسبب بنائه واستمرار عمارته وإصلاحه، والآثار الباقية منه مع إيراد مخطط للمبنى والكتابات الأثرية فيه وصورةٌ للبيمارستان في بعض عصوره والثقة بالبيمارستان، ووقفية السلطان قلاوون على البيمارستان المنصوري وديباجة الوقفية ووقفية الأمير عبد الرحمن كتخدا على البيمارستان والأطباء الذين عملوا فيه وعددهم تسعة عشر طبيباً، ثم البيمارستان في نظامه العصري والأطباء العصريون الذين مارسوا العمل فيه وعددهم ستة أطباء.
ـ وعن افتتاح البيمارستان قال: ولما تكامل ذلك ركب السلطان وشاهده وجلس بالبيمارستان ومعه الأمراء والفقهاء والعلماء. وقال: وقد وقفت هذا على مثلي فمن دوني وأوقفه السلطان على الملك والملوك والكبير والصغير والحر والعبد والذكر والأنثى، وجعل لمن يخرج منه من المرضى عند برئه كسوة ومن مات جهزه، وكفن ودفن، ورتب فيه الحكماء الطبائعية والكحالين «أطباء العيون» والجرائحية والمجبرين لمعالجة الرمد والمرضى والمجرحين والمكسورين من الرجال والنساء، ورتب به الفراشين والفراشات والقومة لخدمة المرضى وإصلاح أماكنهم وتنظيفها وغسل ثيابهم وخدمتهم في الحمام، وقرر لهم الجامكات الوافرة وعملت التخوت والفرش والطراريح والأقطاع والمخدات واللحف والملاءات لكل مريض فرش كامل، وأفرد لكل طائفة من المرضى أمكنة تختص بهم، فجعلت الأدواوين الأربعة المتقابلة للمرضى بالحميات وغيرها وجعلت قاعة للرمد وقاعة للجرحى وقاعة لمن أفرط به الإسهال وقاعة لمن أفرط به الإسهال وقاعة للنساء ومكان حسن للممرورين من الرجال ومثله للنساء والمياه تجري في أكثر هذه الأماكن وأفردت أماكن لطبخ الطعام والأشربة والأودية والمعاجين وتركيب الأكحال والشيافات «الفتائل» والسفوفات وعمل المراهم والأدهان وتركيب الدريقات وأماكن لحواصل العقاقير وغيرها من هذه الأصناف المذكورة ومكان يفرق منه الشراب
وغير ذلك مما يحتاج إليه.
ـ ورتب فيه مكان يجلس فيه رئيس الأطباء لإلقاء درس الطب ينتفع به الطلبة.
ـ وهكذا استمر المؤلف رحمه الله في عمله الإبداعي تاريخ البيمارستانات في الإسلام.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:38 PM
القط يرعى صديقه الأعمى


والفهد عدّاء المسافات القصيرة
إعداد: د. نظمي خليل أبو العطا
القط يرعى صديقه الأعمى ـ هكذا قالت المرويات القديمة والفهد أسرع الحيوانات بحيث يمكن تشبيهه بعداء المسافات القصيرة , وبين القط والفهد شبه كبير يجمعهما. ويجعل جولتنا في المخطوطات معهما تتم في حلقة واحدة شائقة.
أولاً: السنور:
من عجائب القط:
قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى: القط هو السنور , والأنثى قطة , والجمع قطاط وقططة.
وحكى ابن خلكان وغيره: أنه كان يوماً على سطح جامع مصر يأكل شيئاً وعنده بعض أصحابه فحضرهم قط فرموا له لقمة فأخذها في فيه ( أي: فمه ) وغاب عنهم ثم عاد إليهم، فرموا له لقمة ثانية فأخذها وذهب، ثم عاد فرموا له شيئاً فأخذه وذهب ثم عاد ففعل ذلك مراراً كثيرة وهم يرمون له وهو يأخذ ويغيب ثم يعود من فوره، فتعجبوا منه فتبعوه فإذا به يأخذ ذلك الطعام ويدخل به إلى خربة فيها شبه البيت الخراب، وفي سطح ذلك قط أعمى فإذا هو يضع الطعام بين يديه فتعجبوا من ذلك.
فقال الشيخ يا بشاد ( وهي كلمة تعجب ) إذا كان هذا حيواناً أخرس قد سخر الله له هذا القط وهو يقوم بكفايته , ولم يحرمه الرزق ,فكيف يضيع مثلي ثم قطع الشيخ علائقه وترك خدمة السلطان.
القط في العلم الحديث:
يتبع القط وهو من المملكة الحيوانية شعبة الحبليات , من شعيبة ( تحت شعبة ) الفقاريات , من طائفة الثدييات , من رتبة اللواحم الأرضية من العائلة القطبة.
أنواع القطط:
1ـ القط البري: ومنه القط البري الإفريقي الذي يبلغ طوله نصف متر، وطول الذنب حوال 25سم وهو يشبه القطط المستأنسة، وهذا القط يمكن استئناسه بسرعة وسهولة.
ـ ومن القط البري قطط برية تعيش في شبه الجزيرة العربية كما قال جونثان كنيجدون في ( ثدييات الجزيرة العربية )، وهي قطط تجنح إلى الشراسة في سلوكها , فهي لا تتورع عن مهاجمة الإنسان والقطط الأخرى.
2ـ القط الرملي:
وهو من أجمل القطط شكلاً حيث يمتاز بفراء صوفي ناعم، وللقط البري وسادة من الشعر تكسو أسفل قدميه، توفر له الثبات أثناء القفز فوق الرمال الناعمة.
3ـ قط المستنقعات:
ويتميز بآذان كبيرة يستخدمها القط في تحديد موقع الفريسة بكل دقة وسط الأعشاب الكثيفة والطويلة فينقض عليها ويقتنصها بسرعة.
4ـ قط سرفال:
وهو يستوطن غرب وشرق وجنوب أفريقيا وهو نحيف في بناء جسمه، مرتفع الكتفين، ذو رأس مستطيل منضغط من الجانبين وله أذن كبيرة عريضة القاعدة بيضاوية الطرف، والذنب متوسط الطول، والفراء طويل الشعر كثيف خشن، ويبلغ طوله المتر للذنب منها 35سمن وارتفاعه نصف متر، ولونه بني مصفر باهت، وعليه بقع صغيرة، يختلف لونها بين الفاتح والداكن.
ثانياً: الفهد:
ونترك السنور بأنواعه وطبائعه لنتحدث عن قريبه الفهد والذي قال فيه الدميري في حياة الحيوان الكبرى:http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/6/cheetah_resize.jpg
ـ الفهد واحد الفهود، وفهد الرجل أشبه الفهد في كثرة نومه وتمرده.
من خصائص الفهد قال:
ويضرب بالفهد المثل في كثرة النوم وهو ثقيل الجثة، يحطم ظهر الحيوان في ركوبه، ومن خلقه اغضب وذلك: أنه إذا وثب على فريسة لا يتنفس حتى ينالها، فيحمي لذلك وتمتلىء رئته من الهواء الذي حبسه فإذا أخطأ صيده رجع مغضباً وربما قتل سائسه.
ـ وقال: قال ابن الجوزي: أن الفهد يصاد بالصوت الحسن , ومتى وثب على الصيد ثلاث مرات ولم يدركه غضب , ومن خلقه أنه يأنس لمن يحسن إليه.
وكبار الفهود أقبل للتأديب من صغارها.
ـ وأول من اصطاد بالفهد كليب بن وائل.
وأول من حمله على الخيل: يزيد بن معاوية.
وأكثر من اشتهر باللعب بالفهود: أبو مسلم الخراساني.
ـ الفهد في الأمثال والمنام:
ـ قالوا في الأمثال: أثقل رأساً من الفهد , وأنوم من فهد، وأوثب من فهد، وأكسب من فهد.
ـ والفهد في المنام عدو مذبذب لا يظهر العداوة والصداقة.
ـ الفهد في العلم الحديث:
ـ الفهد من المملكة الحيوانية، شعبة الحبليات , شعيبة ( تحت شعبة) الفقاريات، طائفة: الثدييات من العائلة القطية، جنس الفهد ومنه أنواع منها : الفهد الحبشي والفهد الآسيوي المسمّى بشيتا.
1ـ الفهد الحبشي:
يستوطن أفريقيا من الحبشة حتى الجنوب الغربي حيث يأوي على مناطق البراري.
وهذا النوع كبير الجسم قوي ويقوم على أصناف عدة لونها أصفر باهت متفاوت عليها بقع كثيرة سود، وكذلك شريط أسود يمتد من زاوية الخطم إلى العينين، ويكسو باطن القدم وأطراف الأصابع شعر داكن.
2ـ الفهد الآسيوي:
من الفهود المنتشرة في شبه الجزيرة العربية حيث تتوفر الغزلان ـ الغذاء الأساسي للفهد ـ وقد اندثر هذا الحيوان كما جاء في كتاب ثدييات الجزيرة وانقرض من المنطقة العربية وكان آخر ظهور له في عام 1977م.
ومن الفهد الآسيوي عدة أصناف متفاوتة في اللون يبلغ طول بعضها 1037متر، وطول الذنب 17سم وارتفاع الكتف من 76 ـ 84سم.
والفهد حيوان البراري الأصيل الذي يعتمد في حياته على سرعته أكثر مما يعتمد على قوته، وصوته يشبه صوت القطط غير أنه أخشن وأضعف، كما أن الفهد ينفخ عند الغضب، ويكشر عن اتباعه.
والغزال أحب فريسة إليه، وحيث تكثر الغزلان تكثر الفهود ويسكن الفهد عادة التلال الصخرية.
وتقول المراجع العلمية: أن الفهد أسرع الثدييات كافة في المسافات القصيرة، ومن البديهي: ان السرعة ومواهب الصيد التي لمسها الناس مع الفهد دفعتهم لأن ينتفعوا به مع الفهد دفعتهم لأن ينتفعوا به في الصيد وبعدوه ويربوه لهذه الغاية، وغدا الفهد دعامة مهمة وعوناً كبيراً للإنسان في الصيد ومهارته لا تقل عن مهارة الصقور.
واستعمله الملوك والشيوخ والوجهاء لهذه الغاية في آسيا وأفريقيا وأوروبا على السواء.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:38 PM
الملح علاج لسمه


العقرب... غدار في الليل!!
إعداد: د. نظمي خليل أبو العطا
للعقرب (Scorpion) Buthus quinquestriatusمآس كثيرة، فكم لدغ أناساً وكم تسبب في وفيات ولذلك حفظه التراث في كتاب عجائبه وتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن علاج سمه بالملح.
ونطالع ـ اليوم ـ ملف العقرب في المخطوطات العربية وافسلامية لتعرف كيف اتقى العرب سمه قديماً.
الهوام والحشرات من المخلوقات التي لا يمكن ضبط أصنافها لكثرتها قال بعض المفسرين: من أراد أن يعرف تحقيق قوله تعالى: )ويخلق ما لا تعلمون (. فليوقد ناراً في وسط غيضة بالليلة وينظر ما يغشى تلك النار من الحشرات فإنه يرى صوراً عجيبة وأشكالاً غريبة لم يكن يظن أن الله تعالى خلق شيئاً من ذلك.
على أن الخلق الذي يغشى ناره مختلف باختلاف مواضع الغياض والجبال والسهول والبراري فإن في كل بقعة من هذه البقاع ألواناً مختلفة من المخلوقات عما في البقعة الخرى.
التوازن البيئي:
وقال القزويني: ومن الناس من يقول: أي: فائدة من الهوام مع كثرة ضررها؟ ولم يدر أن الله تعالى يراعي المصالح الكلية، كإرسال المطر فإن فيه مصالح البلاد والعباد وإن كان فيه خراب بيت العجوز، فهكذا خلق الله هذه الحشرات في المواد الفاسدة والعفونات الكامنة لتصفو لحومها، ولا يعرض لها من الفساد الذي هو سبب الوباء وهلاك الحيوان والنبات وإن كان يتضمن لسع الذباب والبق، والذي يحقق ذلك أننا نرى الذباب والديدان والخنافس في دكان القصاب ( أي: الجزار ) والدباس ( أي: بائع الدبس والعسل ) أكثر مما نرى في دكان البرار والحداد.
وهذا الكلام يؤكد علم القزويني بعلم الاتزان البيئي حيث يرى أن في خلق الهوام والحشرات من المصالح البيئية الكلية ما قد يغيب عن علم معظم الناس.
وقد فرق القزويني بين الحشرات وباقي الهوام وفي هذا سبق علمي عظيم فكثير من المتعلمين حتى اليوم يخلط بين الحشرات وباقي الهوام وخاصة العقربيات والعناكب.
القزويني والعقرب:
قال القزويني: العقرب من أخبث الهوام , يلدغ كل شيء يلقاه , عينها على بطنها , وولدها يخرج من ظهرها، فإذا ولدت ماتت، وإذا لسعت هربت ولا تقف. وإذا خرجت من بيتها أول الليل كان لها نشاط فإن أول شيء لقيته ضربته.
قال بعضهم: لقيت العقرب قُمقماً فضربته بابرتها فسال منه الماء.
العقرب والحية:
قال القزويني: العقرب إذا لقيت الحية لدغتها فتسعى الحية في طلبها فإذا وجدتها أكلتها (حتى) تبرأ وأن لم تجدها تموت الحية.
الدميري والعقرب:
قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى: العقرب دويبة من الهوام تكون للذكر والأنثى، واحدة العقارب، وقد يقال للأنثى عقربة وعقرباء , ويصغر على عقيرب، والذكر عقربان، وهو دابة لها أرجل طوال قال الشاعر:
كل مرعى أمكم إذا غدت عقربة يكومها عقربان
ويكومها: أي: ينزو عليها.
وقال: يقال مكان مُعقرب ذو عقارب , وكنيتها أم عريط، وأم ساهرة، ومنها السود والخضر والصفر وهن قواتل وأشدها بلاء الخضر.
والعقرب أشد ما تكون إذا كانت حاملاً ولها ثماني أرجل وعيناها في ظهرها، ومن شأنها أنها إذا لسعت الإنسان فرت فرار مُسيء يخشى العقاب.
ومن عجب أمرها: أنها لا تسبح ولا تتحرك إذا ألقيت في الماء سواء كان الماء ساكناً أو جارياً.
وقال ابن قتيبة: ( أبو محمد عبد الله بن قتيبة الدينوري ) المتوفى سنة 276 في عيون الأخبار: ومن طبع العقرب أنك إن لقيتها في ماء غمر بقيت في وسط الماء لا تطفو ولا ترسب، وهي من الحيوان الذي لا يسبح.
العقرب في العلم الحديث:
العقارب كما تذكر كتب علم الحيوان كائنات ليلية تختفي نهاراً في الجحور وبين الأحجار وبين أكوام الأوراق القديمة المكدسة والأحذية القديمة.
وتأخذ في إنتاج السم داخل جسمها بالنهار ثم تخرج من مخابئها وقت الغروب وتأخذ في ممارسة مهامها في اللدغ حتى بعد الفجر. حيث تعاود إنتاج السم لذا فلدغة العقرب تكون خطيرة عند الغروب لاحتوائها على كمية أكبر من السم , أما لدغة الصباح فقليلة السمية حيث يكون مستودع السم تقريباً فارغاً. ولذلك كان من الهدي العلمي الإسلامي الاستعاذة من الليل إذا دخل )ومن شر غاسق إذا وقب (وكذلك تنفيض الفراش قبل النوم عليه فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما ندري ما فيه ).
وتعيش العقارب منفردة، ويتجنب كل من الذكر والأنثى الآخر ما عدا وقت التزاوج، وتقطن العقارب البلاد ذات الجو الحار بجميع أنحاء العالم , وتعيش أكبر الأنواع في الغابات الاستوائية ولكن الأكثر سما توجد في الصحارى الحارة.
والعقارب من رتبة العقربيات ( أو العقارب ) من طائفة العنكبوتيات أو العنكبيات من شعبة مفصليات الأرجل أو المفصليات , من اللافقاريات , من المملكة الحيوانية التابعة للكائنات الحية.
والعقرب Buthus quinquestriatusحيوان ولود، تتكون أجنتها داخل ردب خاصة من المبيض، وتقتل الأنثى الذكر عقب السفاد، وتحمل الأم صغارها على ظهرها، ويتغذى العقرب بامتصاص عصارة الفرائس.
سم العقرب:
يوجد نوعان مختلفان من سموم العقارب، النوع الأول له تأثير موضعي وغير مؤذ نسبياً، والنوع الثاني سم الأعصاب ويسبب آثاراً مرضية مميتة يؤدي إلى تشنج عصبي، يبدأ بتنميل موضعي ثم دوخة وشعور بحكة في الأنف والفم والحلق، ثم يثقل اللسان ويصعب الكلام وتتقلص العضلات , ويحدث غثيان وقيء وتبول لا إرادي , وتفشل الدورة التنفسية ويقف القلب وتحدث الوفاة.
إسعاف الملدوغ:
ـ لا يفضل وضع الثلج على مكان لدغ العقرب.
ـ لا يعطي الملدوغ الإسبرين لأنه يؤدي إلى توسيع الأوعية الدموية وانتشار السم.
ـ يفضل عدم مص السم بالفم حتى لا ينتشر السم إلى دم المُسعف.
ـ يربط أعلى مكان اللدغة برباط ضاغط.
ـ يتم تشريط مكان اللدغ بمدية أو شفرة حلاقة حادة جديدة مطهرة ومعقمة بالنار حتى درجة الاحمرار.
ـ يغسل مكان اللدغة بالماء والصابون ويجفف الموضع ويغطى بغبار نظيف.
ـ ينقل الملدوغ سريعاً إلى المستشفى أو أماكن الإسعاف.
ـ ذكر ابن سينا في كتاب القانون في الطب أنه يضمد بالملح مع بذر الكتان للسع العقرب.
ـ وقال ابن القيم في الطب النبوي من زاد المعاد في هدي خير العباد: وفي الملح من القوة المحللة ما يجذب السموم ويحللها.
ـ والثابت علمياً: أن الملح يزيد من الضغط الأسموزي خارج مكان الجرح فيتحرك السم من الداخل إلى الخارج وهذا يقلل من كمية السم في مكان اللدغ.
ـ وذكر ابن القيم في زاد المعاد قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذ سجد فلدغته عقرب في أصبعه، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( لعن الله العقرب ما تدع نبياً ولا غيره ). وقال: ثم دعا بإناء فيه ماء وملح فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح ويقرأ: )قل هو الله أحد (والمعوذتين حتى سكت. أخرجه الترمذي.
ـ وقال ابن القيم: في هذا الحديث العلاج بالدواء المركب من الأمرين الطبيعي ( الماء والملح ) والإلهي ( سورة الإخلاص ) من كمال التوحيد العلمي الاعتقادي والعلاج الطبيعي، وفي الملح نفع لكثير من السموم لا سيما لدغة العقرب.
وقال ابن قتيبة في عيون الأخبار:
وقال ابن ماسويه: المجرب للسع العقرب أن يسقى الزراوند ( نوع من النبات ) المدحرج ويشرب عليه ماء بارد ويمضغ ويوضع على اللسعة.
وقال: أشد ما تكون لسعتها إذا خرج الإنسان من الحمام لتفتح المنافس وسعة المجاري وسخونة البدن.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:39 PM
أذكى الطيور


الحمام يلغي التفرقة بين الذكر والأنثى
إعداد: د. نظمي خليل أبو العطا
في هذه الجولة العلمية بين نفائس المخطوطات الإسلامية نتعرف على عجائب الكائنات الحية، ونبدأ بكتاب عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات للإمام القزويني باب عجائب الطير وخواص أجزائه حين قال عن الحمام:
الحمام هو الطير المشهور الهادي إلى أوطانه من المسافات البعيدة، وهو أشد الطيور ذكاء فإذا أرسل من موضع بعيد يصعد نحو الهواء ويكون صعوده مدوّراً... فلا يزال يصعد وينظر حتى يرى شيئاً من علامات بلده، فعند ذلك يهبط إليها في أدنى زمان.
وربما غامت السماء فيصير الغيم حائلاً بينه والأرض فيقع في بلاد شاسعة أو يصيده شيء من الجوارح.
من عجائب الحمام:
قال القزويني: نرى عجباً بين زوج الحمام من الملاعبة مثل ما يجري بين الناس من القبلة والمعانقة وغيرها، ورأيت حمامة تسجد لذكرها حال طلبه، وحمامة لا تسجد إلا مع شدة الطلب، ورأيت ذكراً له انثيان يحضن بيض هذه وهذه.
ومن العجب: أن الحمام الذكر يحس بما أودع في رحم الأنثى فعند ذلك يهتم بعمل الأفحوصة ( والأفحوصة أو الفحصة هي النقرة كالتي تكون في ذقن الإنسان وخده. والمقصود هنا: هي النقرة التي يوضع فيها البيض ). فيتخذها على قدر بدنها، فإذا شخصاً لتلك الأفحوصة جوفاها حتى يظهر فيها مقعد تبقى البيضة فهي مصونة. فإذا وضعته يتناوبان عليه الحضن بعدما سخنا موضعهما وأحدثا له رائحة أخرى مستحدثة من طبيعة أبدانهما، ويقلبان البيض في أيام الحضن وساعاتها واكثرها على الأنثى كالمرأة التي تتكفل بالحضانة، فإذا صارت فراخاً فأكثر الرق على الذكر كالرجل الذي يتكفل بالنفقة.
وإذا خرج الفرخ نفخا في حلقه حتى يتسع ممر الغذاء لتعلمهما بأن ممر غذاء الفرخ لا يحتمل الطعام فيزقانه أولاً باللعاب المختلط بالطعام مكان اللبن. ( والثابت علمياً: أن في حوصلة الطير بعض الغدد التي تفرز اللبأ الذي تسقيه الفراخ في الأيام الأولى والذي يسمى بلبن العصفور ). وتعلمان أن حوصلته تحتاج على دبغ فيأكلان سوارح الحيطان ( أي: يأخذان بعض الحصى والرمل والجير ويطعمانها الفراخ ).
وقال: وحمام البر إذا مرض يأكل الجراد يزول مرضه والمتروك الذي يقال له اليمام يأكل أطراف القصبة يزول مرضه.
ومن ذكاء الحمام إذا رأت النسر لا تخاف وإذا رأت العقاب خافت، كذلك تفرق بين الغراب والصقر، وإذا رأت الشاهين رأت السم الناقع.
الدميري والحمام:
ونترك القزويني بعجائبه ونذهب إلى الدميري وحياة الحيوان الكبرى حيث قال عن الحمام:
قال: قال الجوهري: الحمام عند العرب ذوات الأطواق نحو الفواخت، والقماري، وساق حر والقطا والوراشين وأشباه ذلك، يقع على الذكر والأنثى وعند العامة أنها الدواجن فقط.
وجمع الحمامة حمام وحمائم وحمامات وربما قالوا حمام للفرد.
وحكى أبو حاتم عن الأصمعي في كتاب الطير الكبير: أن اليمام هو الحمام البري والواحدة يمامة وهو ضروب ( أي: أنواع ) والفرق بين الحمام الذي عندنا واليمام أن أسفل ذنب الحمامة مما يلي الظهر فيه بياض وأسفل ذنب اليمامة لا بياض فيه.
ونقل النووي في التحرير عن الأصمعي أن كل ذوات طوق فهي حمام، والمراد بالطوق الحمرة أو الخضرة أو السواد المحيط بعنق الحمامة في طوقها.
ونقل الأزهري عن الشافعي: أن الحمام كل ما عبّ وهدر وإن تفرقت أسماؤه، والعب هو جرع الماء من غير تنفس.
وقال ابن سيده: يقال في الطائر: عبّ ولا يقال شرب، والهدير ترجيع الصوت ومواصلته من غير تقطيع له.
وقال الدميري: الحمام الذي يألف البيوت قسمان:
ـ أحدهما: الحمام البري وهو الذي يلازم البروج وما أشبه ذلك وهو كثير النفور وسمي برياً لذلك.
ـ والثاني: الحمام الأهلي Columba livia domestica وهو أنواع مختلفة، وأشكال متباينة منها الرواعب والمراعيش والعداد والسداد والمضرب والقلاب والمنسوب.
أمراض الحمام:
قال ابن قتيبة في عيون الأخبار: قالوا: وأمراض الحمام أربعة: الكباد ( وجع الكبد ) والخنان ( داء يأخذ الطير في حلوقها )ن والسل، والقملب.
فدواء الكباد الزعفران والسكر الطبرزد ( سكر النبات )، وماء الهندباء يجعل في سُكرجة ( الصحفة أو القصعة بالفارسية ) ثم يمج في حلقه قبل أن يلتقط شيئاً.
ودواء الخنان: أن يلين لسانه يومياً أو اثنين بدهن البنفسج ثم الرماد والملح ويدلك بهما حتى تتسلخ الجلدة العليا التي غشيت لسانه، ثم يطلى بعسل ودهن ورد حتى يبدأ، ودواء السل: أن يطعم الماش ( حب أسمر اللون يميل إلى الخضرة ـ أو الحبة الخضراء ) المقشور ويمج في حلقه لبن حليب ويقطع من وظيفيه عرقان ظاهران اسفل ذلك مما يلي المفصل. ودواء القمل أن تطلي أصول ريشه بالزنبق ( دهن الياسمين ) المخلوط بدهن البنفسج، يفعل ذلك مراراً حتى يسقط قمله ويكنس مكانه الذي يكون فيه كنساً نظيفاً.
أبو البختري وضّاع الحديث:
قال الدميري: وذكر أن هارون الرشيد كان يعجبه الحمام واللعب به فأهدي له حمام وعنده أبو البختري وهب القاضي فروى له بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا سبق إلا في خف أو حافر ) أو جناح،، فزاد أو جناح وهي لفظة وضعها للرشيد: فلما خرج أبو البختري قال الرشيد: تالله لقد علمت أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأمر بالحمام فذبح فقيل له وما ذنب الحمام؟ قال: من أجله كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فترك العلماء حديث أبي البختري لذلك وغيره من موضوعاته فلم يكتبوا حديثه.
الحمام في الأمثال:
ـ قالوا: آمن حمام الحرم، وألف من حمام مكة.
ـ وقالوا: تقلدها طوق الحمامة: كناية عن الخصلة القبيحة أي: تقلدها كطوق الحمامة لأنه لا يزالها ولا يفارقها كما لا يفارق الطوق الحمامة ومثله قوله تعالى: ) وكل إنسان الزمناه طائره في عنقه ). أي: أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل لا ينفك عنه.
ـ وقالوا: أخرق من حمامة: لأنها لا تحكم عشها وذلك لأنها ربما جاءت إلى الغصن من الشجرة فتبني عليه عشها في الموضع الذي تذهب به الريح، فينكسر بيضها أكثر مما يسلم.
قال عبيد بن الأبرص:
عيبــوا بأمرهم كما عيب ببيضها الحمامة
جعلت لها عودين من بشم وآخر من ثمامة
أسماء الحمام وكناه:
ـ عن أسماء الحمام وكناه جاء في قاموس الحيوان لكوكب دياب:
ـ الحقم , والحمام , وابن خذام , والدباسي هو الحمام الوحشي من القماري والفواخت وما أشبه ذلك.
ـ والشفتين: هو اليمام، والصلصلة أي: الحمامة وأبو مهدي والهداهد والهدهد والهديل والهذل والورقاء أي: الحمامة واليمام.
ـ ويقال لذكر الحمام: أبو الأخضر والأنن وحجر ( اليمامة الذكر ) والحر وابن خذام والدبسي وأبو طلحة وأبو عكرمة وأبو عمران وأبو مهدي وأبو منجاب وأبو التائحة والهداهد وأبو الهذيل واليمام.
ويقال للأنثى أمهات الجوازل، والحمامة والسعدانة والسعفاء ( أي: المطوقة )، وأم عكرمة أم المثنى وأم هديل وبنت الهديل والورقاء.
ومن أسماء أولاده: البج، والحرّ، والزغلول، والزك، والشعقدان، والعاتق، والفرخ، والورداني، والياموم، وابن يومين.
أصوات الحمام:
من اصوات الحمام: الأرنان والاسترجاع والأنين والترجيع والترعيب والترنم والترنيم والنغرد والتغريد والتغني والتهدير والحنين والرجع، والرنين والسجح والسجع والشجون والنوح والهدر والهدهدة والهدير والهديل والوكوكة.
ومن أسماء بيوته ومواضعه: البرج والتمراد ( محضن الحمامة في البرج ) والحرا والريع ( برج الحمام ) والمحضن، والوقنة ( في الجبل ) والوكر.
وجاء في العلم الحديث: أن في العالم 255 نوعاً من الحمام، وأنه يقتات الحبوب والفواكه والنبات وبعض اللافقاريات، وتعرف الأنواع المختلفة منه بأصواتها وشكلها الظاهري ومن أجناسه الحمامة الخضراء , وحمام الصخر، وحمام الأشجار، والحمامة المنزلية Columba livia domestica

القلب الحزين
19-12-2013, 06:40 PM
ريم على القاع


إعداد: د. نظمي خليل أبو العطا
ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
هكذا وصف الشعراء المرأة الجميلة وشبهوها بالظبي الذي يقفز في دلال ورشاقة.
ولا تخلو قصائد العرب من ذكر الغزال والظبي والريم.
ولا تخلو أسماء العرب من ( ريم ) و ( ظبية ).
إذا عدنا للتراث العربي لنطالع صفحة الظبي في أوراقه سنجد الدميري يكتب في كتابه حياة الحيوان الكبرى:
ـ ( الظبي ): الغزال والجمع أظب وظبي والأنثى ظبية والجمع ظبيات وظباء وأرض مظبأة أي: كثيرة الظباء.
ـ وتكنّى الظبية بأم الخشف وأم شادن وأم الطلا.
أصناف الظباء حسب لونها:
قسم الدميري الظباء إلى ثلاثة أصناف حسب لونها إلى:
1ـ ظباء الأرم:
وهي ظباء خالصة البياض، والواحد منها ريم ومساكنها الرمال، ويقال أنها ضأن الظباء، لأنها أكثر لحوماً وشحوماً.
2ـ ظباء العفر:
ـ وألوانها حمر، وهي قصار الأعناق، وهي أضعف الظباء عدواً، تألف المواضع المرتفعة من الأرض والأماكن الصلبة. قال الكميت:
وكنا إذا جبار قوم أرادنا بكيد حملناه على قرن أعفرا
3ـ ظباء الأدم:
طوال الأعناق والقوائم بيض البطون.
الصفات العامة للظباء:
وصف الدميري الظباء بحدة البصر، وقال: إنها أشد الحيوان نفوراً. ومن كيس الظبي أنه إذا أراد أن يدخل كناسة يدخل مستدبراً، ويستقبل بعينيه ما يخافه على نفسه وخشفاته، فإن رأى أن أحداً أبصره حين دخوله لا يدخل، والظبي يستطيب الحنظل ويتلذذ بأكله، ويرد البحر فيشرب من مائه المر الزعاق.
ـ قال ابن قتيبة ( ابن محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ) المتوفى سنة 276هـ:
ولد الظبية أول سنة طلاًّ وحشف، ثم في السنة الثانية جذع، ثم في الثالثة: ثني، ثم لا يزال ثنياً حتى يموت.
غزال المسك:
قال الدميري: ويلتحق بالظباء غزال المسك. ولونه: أسود يشبه ما تقدم، وصفه من الظباء في القد ودقة القوائم وافتراق الأظلاف، غير أن لكل منها نابين أبيضين خفيفين خارجين من فيه، في فكه الأسفل قائمين في وجهه كتاب الخنزير كل واحد منهما دون المتر.
ـ ظباء الكودو الصغيرة:
وهي ظباء تعوزها القدرة على التحمل، وقد منحها الله سبحانه وتعالى خواص ظاهرية تعوضها عن ذلك، فأجسادها المخططة تختفي بسهولة في كنف الخيوط المتشابكة للأحراش، كما قال جوناثان كينجدون في كتابه عن ثدييات الجزيرة العربية.
الظباء في العلم الحديث:
الظباء في العلم الحديث من المملكة الحيوانية، شعبة الحبليات، شعيبة ( تحت شعبة ) الفقاريات من طائفة الثدييات، رتبة زوجية الحافر من العائلة البقرية.
ـ وقال الدكتور حسين فرج زين الدين في موسوعته العلمية أطلس ثدييات العالم:
تضم العائلة البقرية عدة أجناس جميعها زوجية، الحافر ومجترة، لها قرون دائمة بسيطة متفرغة، ويتركب القرن من غلاف قرني مجوف حديدي، ويوجد خصلة من الشعر على زور الظبي Tragelaphus imberbis والأنثى عديمة القرون، وللذكر والأنثى معرفة من شعر صلب.
ظبي الماء:
وهي ظباء تعيش في أسراب صغيرة من 5 على 20 فرداً أو في قطعان كبيرة من عدة مئات ولكل ذكر عشر إناث ومنه ظبي الماء الأصيل، وفيه: يصل ارتفاع الذكر إلى 125سم، ووزن من 400 ـ 500 رطل.
عرف أسود:
من أجمل الظباء كافة الظبي ذو العرف الأسود، وهو واسع الانتشار في جنوب أفريقيا وسواحلها الشرقية واللون العام في الذكر بني أسود وأسود لامع. والأبيض لون جانبي الرأس والبطن.
ويميل لون الإناث والصغار إلى البني المحمر، ويبلغ ارتفاع كتف الذكر 135كم، ووزنه حوالي 4500 رطل، وله معرفة منتصبة والذكر والأنثى مسلحان بالقرون، والقرن على شكل سيف عريض منجلي الشكل مقوس للخلف طوله 160سم، وطرفه حاد مذبب.
ظبي أوركس:
وهو يضم ظباء أصيلة، تتميز بضخامة الجسم، وبوجود القرون في الذكر والأنثى، والقرن طويل مستقيم أو مقوس قليلاً، وهو يستوطن شبه الجزيرة العربية والعراق وصحارى أفريقيا.
الوضيحي Arabian oryx( المها العربي ) Oryx leucoryx:
يستوطن جنوب شبه الجزيرة العربية والعراق، وهو يضرب في الصحراء عبر المسالك التي تغطيها الرمال والمبرمجة في ذاكرة الظبي.
وقال الدميري في حياة الحيوان الكبرى: أن المها هي البقر الوحشي والجمع مهوات.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:41 PM
الخيل ( 2 ـ 3 )




الخيل العربية.. أصالة وخمسة ألوان
إعداد: د. نظمي خليل أبو العطا
نواصل الحديث اليوم عن الخيل بجولة مع أبي المنذر هشام بن محمد السائب الكلبي في مخطوطته الشهيرة أنساب الخيل في الجاهلية ( 876هـ) والتي حققها أحمد زكي باشا حيث قال: كان داوود نبي الله عليه السلام يحب الخيل حبّاً شديداً، فلم يك يسمع بفرس يذكر بأصل كريم وعنق وحسن وجري إلا بعث إليه , وكلها من أعراق الجياد العربية حتى جمع منها عدداً كبيراً قيل: إنها بلغت ألف فرس.
ولما توفي داوود آل ملكه وميراثه إلى ابنه سليمان نبي الله الذي قال بعد وفاة والده ( ما ورثني داوود مالاً أحب إليَّ من هذه الخيل ).
ويقال: إن سليمان طلب يوماً عرضها عليه ليعرفها بشياتها وأسمائها وأنسابها فأخذ في عرضها حتى حان موعد صلاة الظهر فصلى ومر به وقت العصر وهو يعرضها فشغلته عن صلاة العصر حتى غابت الشمس ثم انتبه فذكر الصلاة واستغفر الله وقال: ( لا خير في مال يشغل عن الصلاة وعن ذكر الله ردوها ). وكان قد عرض منها تسع مئة وبقيت مئة لم تعرض فطفق يضرب سوقها أسفاً على ما فاته من وقت الصلاة.
وأما عن المئة التي لم تعرض عليه فقد قال: ( هذه المئة أحب إليّ من التسع مئة التي ألهتني عن ذكر ربي ).
زاد الراكب:
ويسترسل الكلبي عن أصل الجياد العربية فيقول: إن أول ما انتشر من تلك الخيل أن قوماً من الأزد من أهل عمان قدموا على سليمان بن داوود بعد زواجه من بلقيس ملكة سبأ ليقدموا له التهاني وليسألوه عما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم , ولما انتهوا من ذلك وهموا بالانصراف طلبوا إلى سليمان أن يأمر لهم بزاد يبلغهم بلادهم فدفع إليهم فرساً من خيله آنفة الذكر وقال لهم: ( هذا زادكم فإذا نزلتم فاحملوا عليه رجلاً وأعطوه مطرداً رمحاً قصيراً للطعن , وأوروا ناركم فإنكم لن تجمعوا حطبكم وتوروا ناركم حتى يأتيكم بالصيد ). فصار القوم لا ينزلون منزلاً إلا حملوا على فرسهم رجلاً بيده مطرد واحتطبوا وأوروا نارهم ( أي: أشعلوها ) فلا يلبث أن يأتيهم بالصيد من الظباء أو غيرها، فيكون معهم ما يكفيهم ويشبعهم ويفضل إلى المنزل الآخر فقال الأزديون: ما لفرسنا هذا اسم إلا زاد الراكب فكان ذلك أول فرس اشتهر في العرب من تلك الخيل.
وسمعت العرب بمزايا زاد الراكب وعراقته فصارت القبائل تستطرق الأزد ( يرجون سفاد أفراسهم منه ) فنتج لبني تغلب الهجيس فكان أجود من زاد الراكب ثم اشتهر الهجيس وأقبلت القبائل تستطرق بني تغلب فنتج لقبيلة بكر بني وائل الديناري فكان أجود من الهجيس. وسمعت قبيلة بني عامر بالديناري فاستطرقت بكر بن وائل فنتج لهم أعوج.
ـ ومن الجدير بالذكر أن أم أعوج هي الفرس المشهورة بالعراقة والعتق سبل وكانت ابنة الفرس المشهورة سوادة وأبوها فياض.
ـ وقال الدكتور محمد مصطفى شكري في الخيول ورعايتها: ( كان اهتمام العرب بإناث الخيول كثيراً حيث كانوا يركبون الأفراس ولا يركبون الخيول الذكور، وكانت هذه الإناث تعتبر ثروة لا تقدر بثمن، حيث كان من الصعب أو المستحيل الحصول على إحدى هذه الإناث قديماً بواسطة التجار الأوروبيين الذين سعوا كثيراً لشرائها من أجل تحسين سلالاتهم الأوروبية، ولكنهم سرعان ما نجحوا في الوصول إلى غاياتهم حيث توصلوا إلى الحصان الإنجليزي، الشائع الصيت.
ـ ويمكن القول: أن تهجين الخيول الأجنبية بالخيول العربية كان له تأثير واضح على الخيل الناشىء مما جعل الخيول العربية عملة نادرة لا تقدر بثمن وهذا يرجع بالدرجة الأولى إلى نقاء أصلها.
الشكل الظاهري للخيول العربية:
ننتقل الآن إلى علم الشكل الظاهري للخيل العربية فنبدأ بألوانها حيث جاء في كتاب الخيل العراب لقدري الأرضروملي بأن الخيل العربية تتمتع بعدة ألوان زاهية براقة جذابة أساسها خمسة ألوان هي: الأبيض، والأحمر، والأسود، والأخضر، والأصفر.
وتتمازج بعض هذه الألوان فيما بينها وتنتج من هذا التمازج ألوان جديدة عديدة أطلق عليها العرب أسماء جديدة تدل على الألوان المستحدثة.
1ـ اللون الأبيض:
وهو لون نادر في الخيل العربية عند الولادة وحتى سن الخامسة والسادسة وبعكس ذلك يكثر اللون الأبيض في الخيل التي تتجاوز أعمارها السادسة فأكثر والتي كان لونها في السن المبكرة أشهب، وعلى اختلاف شهبته، ويستحب في الخيل البيض سواد أعرافها وآذانها ونواصيها وهذا نادر.
2ـ اللون الأشهب:
الأشهب مزيج من اللونين الأبيض والأسود بدرجات متناسبة وهناك الأشهب الحديدي ( أو الأزرق ) وهو ما زاد فيه اللون الأسود على اللون الأبيض زيادة كبيرة بحيث يسيطر اللون الأسود بعض السيطرة.
والأشهب الفاتح: وهو ما ظهرت على لونه الأشهب بقع بيضاء أو وردية، والأشهب الرماني، وهو ما خالط شهبته لون أحمر، أو ما كانت تعلو شهبته نقط حمراء فاتحة.
والأشهب الملمع ( أو الأشيم ): وهو ما ظهرت على لونه الأشهب بقع متفرقة ذات لون مغاير للونه الأشهب.
والأشهب المولع:وهو ما ظهرت على لونه الأشهب بقع مستطيلة ذات لون مغاير للونه الأشهب، والأشهب الأخضر وهو ما مازج شهبته لون أخضر وهذا قليل.
3ـ الأدهم:
والأدهم:ما كان شعره أسود وهو نادر ومستحب بين الخيل العراب ومنه عدة أنواع منها:
الأدهم الغيهبي:وهو شديد السواد.
والأدهم الدجوجي: وهو ما دون الغيهبي سوداً.
والأدهم الأحوي: وهو ما مازج سواده لون أخضر.
ـ والعرب كما قال قدري الأرضروملي تكره في الخيل الفرس الأصم الذي لا بياض في وجهه وخاصة الغرة والذي لا تحجيل فيه وهو البياض في اليدين والرجلين، وقال الشاعر:
وأدهم كالغراب أسود لونا يطير مع الرياح ولا جناح
كساهُ الليل شملته وولى فقبل بين عينيه الصباح
4ـ الحصان الأحمر:
وهو ما احمر شعره وله عدة أنواع منها:
الأحمر الكميت: وهو ما كانت حمرته في سواد.
والأحمر الأصدأ: وهو ما قاربت حمرته السواد.
والأحمر الفاتح: وهو ما كانت حمرته فاتحة.
5ـ الفرس الأشقر:
وهو ما كان لونه مزيجاً بين اللونين الأحمر والأصفر وله أنواع منها:
الأشفر الذهبي: وهو ما شابه لون الذهب.
والأشقر الفاتح: وهو ما كثرت صفرته على اللون الأحمر.
والأشقر الغامق ( الأدبس ): وهو ما كثرت حمرته على اللون الأصفر.
والأشقر المدمي: وهو الذي تعلو شقرته الصفرة وأصول شعره بلون الحناء.
والأشقر العنابي: وهو الأشقر الفاتح مع بياض الغرف والذنب والناصية وهو قليل جداً.
ـ الشية: هي وجود لون في جسم الفرس يخالف لونه الأصلي والشية على أنواع:
ـ الغرة: هي البياض الكائن في وجه الفرس.
ـ السائلة: وهي التي تمتد في الجبهة إلى قصبة الأنف فشملتها وسالت على الأرنبة.
ـ الشمراخ: وهي التي تدق في الجبهة وعلى قصبة الأنف.
ـ المنقطة: كل بياض في جبهة الفرس يبلغ المرسن ثم ينقطع.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:42 PM
الخيل تشعل حرب داحس والغبراء ( 3 ـ 3 )

طلاق زوجة امرىء القيس
بسبب قصيدة عن الخيول
إعداد: د. نظمي خليل أبو العطا
بسبب الخيل طلق امرؤ القيس شاعر الجاهلية الشهير زوجته أم جندب رغم كل ما قال فيها من شعر وبسبب سباق للخيل قامت حرب داحس والغبراء والتي امتدت 40 عاماً وحصدت أرواحاً بالمئات.
وتحكي قصص الجاهلية طلاق أم جندب على النحو التالي:
نزل الشاعر المعروف علقمة بن عبدة ضيفاً على امرىء القيس في داره فتذاكرا الشعر والخيل , وادّعى كل منهما على صاحبه. فقال علقمة لامرىء القيس , قل شعراً تمدح فيه فرسك وأقول أنا مثله ونترك الحكم في المفاصلة بينهما إلى أم جندب زوجك فوافق امرؤ القيس وقال قصيدته البائية المشهورة:
فللساق الهوب وللوسط درة وللزجر منه وقع أهوج متعب
ومعنى البيت أن للرفس بالساق والزجر بالكلام وللسوط أثر شديد على فرسه.
ثم قال علقمة قصيدته البائية ووصف فرسه فيها فقال:
فأدركهن ثانياً من عنانه يمر كمر الرائح المتحلب
فحكمت أم جندب لعلقمة إذ قالت لامرىء القيس ( زوجها ) أن فرس علقمة أجود من فرسك، لأنك رفست فرسك بساقيك، واستعملت سوطك وزجرته، بينما لم يفعل علقمة شيئاً من هذا بل كان فرسه يدرك الصيد ثانياً من عنانه أي: بطلبه، ويجري كالمطر المتدفق المنهمر.
فغضب امرؤ القيس وطلقها فتزوجها علقمة ولهذا سمي بعلقمة الفحل.
وهكذا تسببت الخيل في طلاق زوجة الشاعر الكبير وهكذا كانت للخيل مكانة عند العرب.
تُسْبَى ولا يردها بليق:
من أروع ما حوت المخطوطات الإسلامية العربية في نسب الجياد وسرعة جريها تلك القصة الطريفة:
ـ فقد كانت لفارس من فرسان البدو فرس مشهورة في القبائل، وكان صاحبها شديد الكلف بها، يعزها معزة عظيمة , ويخصها بعناية خاصة بالمقارنة بجياده الأخرى , ويحرص عليها من السرقة حرصاً دقيقاً فيجعل القيد في رجليها ويديها ليلاً ونهاراً.
وبهذه الإجراءات الصارمة كان صاحب الفرس يظن أن فرسه في مأمن من السرقة وهو لا يعلم أن فارساً من قبيلة أخرى كان قد عقد العزم على الحصول عليها بكل إصرار، وأنه كان قد وجه لصاً محترفاً لسرقتها، وأن هذا اللص كان قد عمل مستخدماً لدى أحد أفراد قبيلة صاحب الفرس ليرعى إبله، ومن خلال عمله هذا كان يترصد الفرص لسرقة الفرس، وبعد بضعة أشهر وأتته الفرصة.
ففي ذات يوم تخلف صاحب الفرس عن منزله بعض الوقت فشفقت ابنته على الفرس وفكت قيدها بغية إعطائها الفرصة للتجول بحرية , وهي لا تعلم شيئاً من أمر اللص الذي ما أن رأى الفرس طليقة من قيودها حتى أسرع وقفز على ظهرها وركلها بساقيه فعدت تنهب الأرض نهباً. فضج الحي وركب الفرسان يطلبونه وكان ابن صاحب الفرس معهم وهو يمتطي حصاناً غير معلوم النسب يدعى بليق، كما حضر في الوقت المناسب صاحب الفرس المسروقة وتحته فرس كريمة من خيله فاشترك في مطاردة السارق.
ولما تزاحمت الخيل في أثر السارق وطال عليها المسير وتعبت ابتدأ الفرسان بالتقهقر ولم يبق سوى صاحب الفرس المسروقة وابنه اللذان كانا يجدان وراء اللص حتى اقتربا منه عند العصر، وكان الابن أقرب إليه من والده وكان أن يدرك السارق ويطعنه في ظهره فلما رأى والده ذلك فضل أن ينجو السارق بالفرس الأصيلة من أن يسترجعها الحصان بليق ويقول العرب أن بليقاً غير الأصيل لحق بفرسه الأصيلة وردها.
وكان اللص قد اقترب من أرض موحلة فناداه صاحب الفرس بأعلى صوته قائلاً: دون الغبط. أي: سر في الأرض الموحلة. وإلا فضحت الكحيلة. فعمل اللص بمشورة صاحب الفرس ووجهها إلى الأرض الموحلة. فذهبت لا تعبأ بصعوبة وأراد الابن اللحاق به غير أن الفرس غير النجيبة التي يركبها خانته في تلك الأرض الموحلة ورجع الفتى إلى والده يلومه على فعله فأجابه والده: تُسبى ولا يردها بليق. فصار مثلاً.
حرب داحس والغبراء:
لقد احتدمت حرب داحس والغبراء بين قبيلتي عبس وذبيان ابني بغيض بن ريث بن غطفان، والسبب الذي أشعل الشرارة الأولى لنيران هذه الحرب الضروس كان السباق الذي أجرى بين الفرسين داحس وكان فحلاً لقيس بن زهير العبسي، والغبراء وكانت أنثى لحمل بن المنذر بن بدر الذبياني وكان قد تم الاتفاق بين الطرفين على رهان قدره مئة بعير.
فأعد حمل بن بدر صاحب الغبراء كميناً لداحس في طريق السباق، حيث أمر بعض فتيان قومه بالظهور فجأة أمام داحس مما تسبب في سقوط فارسه.
وفازت الغبراء بسبب هذا الخداع وكاد صاحبها يحصل على الرهان لولا أن انكشفت المؤامرة بعد أن ندم فتيان الكمين على فعلتهم المتنافية مع الشرف العربي فحكم المحكمون لداحس بالرهان وانتهى السباق وأخمدت الفتنة.
ولكن أرباب السوء من قوم حذيفة بن بدر لاموا حذيفة على التسليم بالأمر الواقع وإعطائه الرهان لقيس، فطالب ابن بدر بالرهان.
ولكن باءت محاولاته بالفشل، وتطاول ابن حذيفة على قيس بالشتائم فما كان من قيس إلا أن طعنه برمح فأرداه قتيلاً وطار الشر بين القبيلتين لولا رسل الخير الذين فرضوا على قيس إعطاء دية القتيل وهدأت الفتنة.
ولكن تفجرت روح الشر في حذيفة بن بدر وأخيه حمل، جعلت أقواماً من قبيلتهم يقتلون مالك بن زهير شقيق قيس بن زهير.
وقبل قيس الدية في مقتل أخيه إخماداً للفتنة ولكن حذيفة رفض إعطاء الدية رغم تسامح قيس الذي كان يروم إرجاع المياه إلى مجاريها بين أولاد العم فحلّت الكارثة وقامت الحرب بسبب سباق خيل.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:42 PM
معجم المناهي اللفظية ـ لأبي زيد



إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
اللسان ذلك العضو الذي تتوسل إليه يومياً باقي أعضاء الجسم أن يتقي الله فيها، فحصاد ألفاظه إما أن تدخلهم الجنة فينعمون، أو تكبهم على منخارهم في النار فيهلكون.
ـ وقد أحسن الأستاذ بكر عبد الله أبو زيد صنعاً عندما وضع لنا معجماً للمناهي اللفظية يتعرف الانسان من خلاله كيف يصون لسانه وعقيدته ويعيش بين الناس في ود ووئام.
أهمية الالتزام التلفظي:
ـ يجب على العبد البعد عن الألفاظ المنهي عنها صيانة للتوحيد وحماية له، وحماية لحماه حفظاً للدين والعرض والشرف، وعمارة للتعايش بين العباد، وشد آصرة التآخي بينهم، سواء أكان النهي في ذلك للتحريم، أم للتنزه والورع عدولاً إلى الأدب الحسن: إما في تحسين اللازم للمباني من المعاني التي تفسرها وتؤثر على سلامة قصد اللافظ بها، كلفظ ( راعنا ) إذ نهى الله عنه، لما فيه من قصد معنى الرعونة عند اليهود، فأبدله الله ـ سبحانه ـ بلفظ: ( أنظرنا ) قال الله تعالى: ) يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ([البقرة: 104].
وقال تعالى: ) من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع، وراعنا ليّاً بألسنتهم وطعناً في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا لكان خيراً لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً ([النساء: 46].
ـ وأما إرشاداً إلى الأدب الحسن في المباني، ورشاقتها، وخفتها على اللسان، وحلاوة النطق بها، وهكذا مما يسمى بالتحسين الثانوي.
نماذج من محتوى الكتاب:
أولاً: من حرف الألف:
1ـ أألج:
جاء النهي عنه في مسند أحمد وسنن أبي داود والترمذي:
وعن عمرو بن سعيد الثقفي: أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أألج؟.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأمة يقال لها روضة: ( قومي إلى هذا فعلميه، فإنه لا يحسن يستأذن، فقولي له يقول: السلام عليكم أأدخل؟ فسمعها الرجل فقال: أأدخل ). ذكره ابن حجر في ترجمة روضة من ( الإصابة ) ـ وعن ريحانة قالت: جئت عمر فقلت: أألج؟ فقال لي: إذا جئت فقولي: السلام عليكم فإن قالوا: وعليكم السلام، فقولي أألج؟.
2ـ أبقاك الله: قال السفاريني: ( قال الخلال في الآداب: كراهة قوله في السلام: أبقاك الله.
أخبرنا عبد الله بن الإمام أحمد ابن حنبل قال: رأيت أبي إذا دعي له بالبقاء يكرهه، ويقول هذا شيء قد فرغ منه ).
وذكر شيخ الإسلام ( رحمه الله ) أنه يكره ذلك، وأنه نص عليه أحمد وغيره من الأئمة، واحتج له بحديث أم حبيبة لما سألت أن يمتعها الله بزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبيها أبي سفيان، وبأخيها معاوية فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنك سألت الله لآجال مضروبة، وآثار موطوءة، وأرزاق مقسومة، لا يعجل منها شيء قبل حله ولا يؤخر منها شيء بعد حله، ولو سألت الله أن يعافيك من عذاب في النار، وعذاب في القبر كان خيراً لك ).
3ـ أرى الله أمير المؤمنين:
قال سفيان الثوري: كتب كاتب لعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ هذا ما رأى الله ورأى عمر، فقال: ( بئس ما قلت: قل هذا ما رأى عمر، فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمن عمر ). انتهى.
وذكر ابن القيم رحمه الله: كتب كاتب بين يدي عمر حكماً حكم به فقال: هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر، فقال: لا تقل هكذا، ولكن قل: هذا ما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. أ.هـ.
4ـ استووا:
يحصل الغلط في هذا اللفظ من جهتين:
الأولى: فتح الواو، فيكون إخباراً، وحقه الضم ليكون أمراً.
والثانية: اقتصار بعض الأئمة على هذا اللفظ في تسوية الصف، دون تحقيق المراد من استواء الصف بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، ويؤكد عليه، ويهدي إليه.
5ـ أصولي:
من الجاري في مصطلحات العلوم الشرعية: أصول الدين، ويقال: الأصل. ويقصد به: علم التوحيد ومنها أصول التفسير، أصول الحديث، أصول الفقه. وإلى هذا اشتهرت النسبة للمبرز فيه بلفظ: الأصولي. وعنهم ألف المراغي كتاب: طبقات الأصوليين.
ـ ولكن في أعقاب اليقظة الإسلامية في عصرنا، وعودة الناس إلى الأخذ بأسباب التقوى، والإيمان، والتخلص من أسباب الفسوق والعصيان، ابتدر أعداء الملة الإسلامية هذه العودة الإيمانية , فأخذوا يحاصرونها ويجهزون عليها بمجموعة من ضروب الحصار والتشويه،وتخويف الحكومات منهم، ومن نفوذهم... ثم قال: جلبت مجموعة من المصطلحات المولودة في أرض الكفر، تحمل مفاهيم سيئة إلى حد بعيد وكان منها هذا اللقب: ( الأصولية ) والنسبة إليه أصولي.
6ـ الأصولية:
الأصولية، الراديكالية، النضالية، الخلاص... العهد السعيد جميعها وأمثال لها من الألقاب الدينية مصطلحات أجنبية تولدت حديثاً في العالم الغربي، أوصافاً ( للكهنوتيين ) المتشددين.
فإذا أخذنا هذا المصطلح ( الأصولية ) نجد حقيقته كما يلي: أنه يعني في بيئته الأصلية ـ العالم الغربي ـ فرقة من البروتستانت تؤمن بالعصمة لأفرادها الذين يدعون تلقيهم عن الله مباشرة، ويعادون العقل، والفكر العلمي، ويميلون إلى استخدام القوة والعنف في سبيل هذا المعتقد الفاسد فمصطلح الأصولية، وما في معناه هو إذ: لإيجاد جو كبير من الرعب والتخوف من الإسلام ومقاومة من يدعون إليه.
7ـ زمان سوء:
أي: سب الزمان بمعنى الدهر.
قال السكوني: ويقول قائلهم: ( هذا زمان سوء ) وليس لهم في الزمان نفع ولا ضر، فيعود اعتراضهم إلى الفاعل سبحانه وتعالى.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ) أي: فإن الله هو الفاعل وحده دون الدهر وغيره لأنكم إذا سببتم الدهر، لأنه يفعل بكم الضر، وهو في الحقيقة لم يفعل شيئاً فيصير سبكم للفاعل على الحقيقة وهو الله سبحانه وهو كفر. انتهى.
8ـ هلك الناس:
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الرجل: هلك الناس فهلو ( أهلكهم ). رواه مسلم والبخاري.
قال النووي في شرح الحديث: ( أهلكهم ) برفع الكاف وفتحها والمشهور الرفع...
وقال الحميدي: والأشهر الرفع أي: أشدهم كلاكاً قال: وذلك إذا قال ذلك على سبيل الازدراء عليهم والاحتقار به، وتفضيل نفسه عليهم لأنه لا يدري سر الله تعالى في خلقه.
وقال الخطابي: لا يزال الرجل يعنف الناس ويذكر مساويهم ويقول: فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك فإذاً فهل ذلك فهو أهلكهم، أي: أسوأ حالاً منهم فيما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم.
وقال مالك: إذا قال ذلك تحزناً لما يرى فيه الناس قال: يعني من أمر دينهم، فلا أرى بأساً. وإذا قال ذلك عجباً بنفسه وتصاغراً للناس فهو المكروه الذي نهى عنه.
ـ وصف الكتاب: بقي أن نقول: أن الكتاب سفر كبير يقع في ( 590 ) صفحة من القطع الكبير ومطبوع طباعة ممتازة باللونين الأحمر والأسود وقد اتبعه بكتاب فوائد في الألفاظ.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:43 PM
عيون الأخبار لابن قتيبة



إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
كتاب عيون الأخبار لأبي محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 286 هجرية حوى موضوعات مرشدة لكريم الأخلاق، زاجرة عن الدناءة، ناهية عن القبيح، باعثة على صواب التدبير، ولأن علم الدين والحلال والحرام تقليداً لا يجوز أن نأخذه إلا عمّن نراه حجة.
وهذا الكتاب لم يكن وقفاً على طالب الدنيا دون طالب الآخرة، ولا على خواص الناس دون عوامهم، ولا على ملوكهم دون سوقتهم، بل وفى كل فريق منهم قسمه، ولكي يروح على القارىء من كد الجد، ضمن الكتاب نوادر طريفة وكلمات مضحكة تدخل في باب المزاح والفكاهة يقول: ( مثل هذا الكتاب مثل المائدة تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف شهوان الآكلين ).
محتويات الكتاب:
هذا الكتاب حلية الأدب، ونتاج فكر الحكماء، ولقاح عقول العلماء، وسير الملوك وآثار السلف، قسم المؤلف فيه الأخبار والأشعار وجمعها في عشرة كتب، كل كتاب بمثابة باب.
فالكتاب الأول: هو كتاب السلطان، وفيه أخبار السلطان وسيرته وسياسته، على جانب اختياره القضاة والحجاب والكتاب، وفيه يكثر النقل عن الفرس والهند ومما يشير إلى تأثر الأدب العربي بأدب هؤلاء ولكنه في موضوع القضاء لم ينقل إلا عن أحكام العرب والمسلمين.
والكتاب الثاني: هو كتاب الحرب وفيه الأخبار عن آداب الحرب ومكائدها، ووصايا الجيوش وعددها وسلاحها.
وفي الكتاب الثالث: يسهب المؤلف في الحديث عن مخايل السؤدد وأسبابه، ويتحدث عن الذل والمروءة والغنى والفقر والبيع والشراء.
والكتاب الرابع: هو كتاب الطبائع والأخلاق المذمومة وفيه الأخبار عن تشابه الناس في الطبائع إلى جانب طبائع الجن والسباع والطير والحشرات.
والكتاب الخامس: وهو كتاب العلم والبيان، وفيه: الأخبار عن العلماء، والبيان والبلاغة والخطب والمقامات ووصف الشعر.
والكتاب السادس: وهو كتاب الزهد وفيه أخبار الزهاد، ومناجاتهم، ومواعظهم، وذكر الدنيا والموت ثم يليه كتاب الإخوان، ويحث فيه على حسن اختيارهم، وبعده كتاب الحوائج، ويتضمن الأخبار عن استنجاح الحوائج بالكتمان والصبر والهدية والرشوة ولطيف الكلام ثم الكتاب التاسع وهو كتاب الطعام: وفيه أخبار الأطعمة الطيبة، الحلواء، وما يأكله فقراء الأعراب، وما يصلح الأبدان من الغذاء والحمية وشرب الدواء ومضار الأطعمة ومنافعها، إلى جانب نتف من طب العرب والعجم وأخيراً كتاب النساء: وفيه الأخبار عن اختلاف النساء في أخلاقهن وخلقهن وما يختار منهن للنكاح وما يكره.
المؤلف:
مؤلف عيون الأخبار هو محمد عبد الله بن المسلم ابن قتيبة الدينوري ( بكسر الدال وسكون الياء وفتح النون والواو معاً وكسر الراء وتشديد الياء )، من أصل فارسي، ولد أبوه مسلم بمرو، ولد ببغداد سنة 213 هجرية ومن أساتذته أبو حاتم السجستاني صاحب كتاب النخل الذي عرضناه عليكم سابقاً.
ومن مؤلفات ابن قتيبة معاني الشعر الكبير، وعيون الشعر، والشعر والشعراء، والماتب، والمناقب عن عيون الشعر، وأدب الكاتب، وديوان الكتاب، وإعراب القرآن، ومعاني القرآن، ومشكل القرآن، وغريب القرآن، والرد على القائل بخلق القرآن، وآداب القراءة، وغريب الحديث، ومشكل الحديث، والمشتبه من الحديث والقرآن، وإصلاح غلط أبي عبيد في غريب الحديث، والمسائل والجوابات، وجامع الفقه، والتفقيه، ودلائل النبوة، ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وخلق الإنسان، والرد على المشبهة، وجامع النحو، وجامع النحو الصغيرن والتسوية بين العرب والعجم، وفضل العرب على العجم، والرد على الشعوبية، والعرب وعلومها، واللفاظ المغربة بالألقاب المعربة، والبلغة في شذور اللغة، وتقويم اللسان، والاشتقاق، وتعبير الرؤيا، والمعرفة، والمعارف، والأشربة، والعلم، والقلم، والأنوار، وفرائد الدر، وحكم الأمثال، والحكاية والمحكي، والرجل والمنزل، والنبات والجراثيم، والميسر والقداح، وآداب العشرة، والجوابات الحافرة، والقلام، وتاريخ الخلافة والإمامة والسياسة، ووصيته إلى ولده، وأرجوزة الظاء والضاء.
وكتاب عيون الأخبار الذي بيننا طبع في أربعة أجزاء في مجلدين في ( 533 ) صفحة من القطع (a4).
ـ نماذج من محتوى الكتاب:
عن المشاورة والرأي قال ابن قتيبة في عيون الأخبار: حدثنا الزيادي قال: حدثنا حماد بن زيد، عن هشام، عن الحسن قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير حتى المرأة فتشير عليه بالشيء فيأخذ به ( كما حدث عند استشارته صلى الله عليه وسلم لأم سلمة يوم صلح الحديبية ).
وقرأت في التاج: أن بعض ملوك العجم استشار وزراءه فقال أحدهم: ( ولا ينبغي للملك أن يستشير منا أحداً إلا خالياً به، فإنه أموت للسر وأحزم للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض، فإن إفشاء السر إلى رجل واحد أوثق من إفشائه إلى اثنين وإفشائه إلى ثلاثة فإفشائه إلى العامة، لأن الواحد رهن بما أفشى إليه. والثاني يطلق عنه ذلك الرهن، والثالث علاوة فيه، وإذا كان سر الرجل عند واحدٍ كان أحرى ألا يظهره رهبةً منه ورغبة إليه، وإذا كان عند اثنين دخلت على الملك الشبهة، واتسعت على الرجلين المعاريض، فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن اتهمهما اتهم بريئاً بجناية مجرم، وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له عن الآخر ولا حجة معه.
وقرأت في كتاب للهند أن ملكاً استشار وزراء له فقال أحدهم: الملك الحازم يزداد برأي الوزراء الحزمة كما يزداد البحر بمواده من الأنهار، وينال بالحزم والرأي ما لا يناله بالقوة والجنود، وللأسرار منازل: منها ما يدخل الرهط فيه، ومنها ما يستعان فيه بقوم، ومنها ما يستغنى فيه بواحد، وفي تحصين السر الظفر بالحاجة والسلامة من الخلل، والمستشير وإن كان أفضل رأياً من المشير، فإنه يزداد برأيه رأياً كما تزداد النار بالسليط ضوءاً. وإذا كان الملك محصناً لسره بعيداً من أن يعرف ما في نفسه متخيراً للوزراء مهيباً في أنفس العامة كافياً بحسن البلاء لا يخافه البريء ولا يأمنه المريب مقدراً لما يفيد وينفق، كان خليقاً لبقاء ملكه، ولا يصلح لسرنا هذا إلا لسانان وأربع آذان، ثم خلا به ).
وفي كتاب للهند: ( من التمس من الإخوان الرخصة عند المشورة، ومن الأطباء عند المرض، ومن الفقهاء عند المشورة أخطأ الرأي وازداد مرضاً وحمل الوزر ).

القلب الحزين
19-12-2013, 06:44 PM
العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي



إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطاء
حديثنا اليوم عن الكتاب الذي ملأ سمع الدنيا بأدبه، ونظم الأدب والعلم في عقده، وتفرد في إبداعه وتجميعه، فذاع صيته. إنه كتاب العقد الفريد لأبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلس ـ رحمه الله ـ.
والكتاب موسوعة علمية فريدة طبعت في سبعة أجزاء من القطع فلوسكاب كل جزء يقع في حوالي ( 400 ) صفحة.
ـ العقد الفريد ليس الوحيد في بابه:
ـ العقد الفريد ليس الكتاب الوحيد في بابه في التراث العربي الإسلامي الأدبي، فقد ألف في هذا الباب: البيان والتبيين، والكامل والأمالي، وعيون الأخبار والعقد ونحو ذلك كثير ولكن على الرغم من أنها كتب مختارات فإن لكل كتاب طعماً يدل على ذوق صانعه، كما قال المحققون في مقدمة الكتاب، ولوناً يدل على شخصية مصوره، هذا الجاحظ يدل كتابه على استغلاله لتجاربه وظروفه الاجتماعية، وعلى ما للمتكلمين من خصائص في تفتيق الموضوع وتشقيق الكلام، وهذا المبرد أديب نحوي متحفظ في مجونه عربي لا غير في ثقافته يتأثر ذوقه إلى حد كبير بفروق النحاة والعلماء أكثر مما يتأثر به ذوق الأدباء , وهذا أبو علي القالي تغلب عليه اللغة أكثر مما يغلب عليه النحو، فهو مؤلف البارع في اللغة وشارح المعلقات، ومؤلف في الإبل ونتاجها والخيل ومشياتها.... وهذا ابن قتيبة واسع الثقافة في آداب العرب والعجم، يخلط الجد بالمزح ولكن في تحفظ علماء الدين، ينقل أكثر مما ينقد، ويروي أكثر مما يبدع شأنه في ذلك شأن المحدثين.
فكرة العقد الفريد:
لقد تصور المؤلف كتابه عقداً كما سماه مؤلفاً من خمس وعشرين جوهرة كريمة اثنتا عشرة في جانب واثنتا عشرة أخرى في جانب ولكن لم يسم إلا الاثنتي عشرة الأولى فلؤلؤة وفريدة، وزبرجدة وجمانه، ومرجانة وياقوتة، وجوهرة وزمرة، ودرة ويتيمة، وعسجدة ومجنبة أما الاثنتا عشرة التي في الجانب الآخر فهي هذه الأسماء مكررة، فاللؤلؤة الثانية، والفريدة الثانية، وهكذا وفي الوسط، وهي الثالثة عشرة ـ جوهرة تسمى الواسطة.


تفرد العقد الفريد:
العقد الفريد ـ كما رأينا سابقاً ـ منظوم من جواهر كريمة فيه من كل صنف جوهرتان إلا الواسطة، وهو خيال شاعر لطيف لا أعرف أحداً سبق إليه، ولا أظن أنه وقف طويلاً عند اختيار اسم الجوهرة لتشاكل الموضوع، فاللؤلؤة الأولى في السلطان، واللؤلؤة الثانية في الفكاهات والملح، والفريدة الأولى في الحروب، والثانية في الطعام والشراب... الخ.
منهج التأليف للعقد:
ـ أوضح المؤلف منهجه في التأليف في مقدمة الكتاب فذكر أنه:
(1) تخيره من متخير جواهر الأدب ومحصول جوامع البيان.
(2) وأنه ليس له إلا تأليف الاختيار وحسن الاختيار، وفرش لدرر كل كتاب.
(3) وأنه تطلب نظائر الكلام وأشكال المعاني فقرن كل جنس منها إلى جنسه، وجعل كل جنس باباً على عدته.
(4) وأنه عمد في اختياره من جملة الأخبار وفنون الآثار إلى أشرفها جوهراً، وأظهرها رونقاً، وألطفها معنى، وأجزلها لفظاً، وأحسنها ديباجة، وأكثرها حلاوة وطلاوة.
(5) وأنه حذف الأسانيد طلباً للتخفيف والإيجاز.
(6) وأنه رأى الكتب قبله قاصرة فجعل كتابه هذا كافياً جامعاً لأكثر المعاني التي تجري على أفواه الخاصة والعامة.
(7) وأنه أتبع ذلك بشواهد من الشعر في تجانس الأخبار، وقرن بها غرائب شعره.
أنموذج من محتوى الكتاب:
من آداب الجهاد والمجاهدين في الإسلام:
ـ جاء في العقد الفريد ـ كتاب الفريدة في الحرب...
كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ومن معه من الأجناد:
أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال , فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدونا، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددهم ليس كعدوهم، ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا واعلموا أن عليكم في مسيرتكم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله ، ولا تقولوا أن عدونا شر منا فلن يسلط علينا وإن أسأنا، فرب قوم قد سلط عليهم شر منهم كما سلط على بني إسرائيل، لما عملوا بمساخط الله، كفار المجوس ) فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً (. واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم. اسأل الله لنا ولكم , وترفق بالمسلمين في مسيرهم ولا تجشمهم مسيراً يتعبهم، ولا تقصر بهم عن منزل يرفق بهم، حتى يبلغوا عدوهم والسفر لم ينقص قوتهم، فإنهم سائرون إلى عدو مقيم حامي الأنفس والكراع ( أي: الخيل ). وأقم بمن معك في كل جمعة يوماً وليلة، حتى تكون لهم راحة يحيون فيها انفسهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم، ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه ولا يرزأ أحداً من أهلها شيئاً، فإن لهم حرمة وذمة ابتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها فما صبروا لكم فتولوهم جبراً , ولا تستنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح , وإذا وطئت أرض العدو فأزك العيون بينك وبينهم ولا يخف عليك أمرهم وليكن عندك من العرب أو أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه، فإن الكذوب لا ينفعك خبره وإن صدقك في بعضه، والغاش عين عليك وليس عيناً لك، وليكن منك عند دنوك من أرض العدو أن تكثر الطلائع وتبث السرايا بينك وبينهم، فتقطع السرايا إمدادهم ومرافقهم وتتبع الطلائع عوراتهم، وأنتق للطلائع أهل الرأي والبأس من أصحابك، وتخير لهم سوابق الخيل، فإن لقوا عدواً كان أول ما تلقاهم القوة من رأيك، واجعل أمر السرايا إلى أهل الجهاد والصبر على الجلاد ولا تخص بها أحداً بهوى، فيضيع من رأيك وأمرك أكثر مما حابيت به أهل خاصتك، ولا تبعثن طليعة ولا سرية في وجه تتخوف عليها فيه غلبة، أو ضيعة ونكاية فإذا عاينت العدو فاضمم إليك أقاصيك. وطلائعك وسراياك واجمع إليك مكيدتك وقوتك، ثم لا تعاجلهم المناجزة ما لم يستكرهك قتال، حتى تبصر عورة عدوك ومقاتله، وتعرف الأرض كلها كمعرفة أهلها بها، فتصنع بعدوك كصنعه بك، ثم إذك أحراسك على عسكرك، وتيقظ من البيات جهدك، ولا تأت بأسير له عقد إلا ضربت عنقه، لترهب بذلك عدو الله وعدوك والله ولي أمرك ومن معك، وولي النصر لكم على عدوكم والله المستعان.
وهكذا يجمع أبو عمر بن عبد ربه الأندلسي ـ رحمه الله ـ فرائد عقده، ولىء قراءاته وينظمها لها عقداً فريداً حرباً بكل منا أن يقتنيه ويتعلم مما فيه.
( ولكننا نحذر من بعض الأخبار التاريخية المكذوبة على الصحابة في هذا الكتاب)

القلب الحزين
19-12-2013, 06:46 PM
أعلام النساء لعمر كحَّاله وتكملته لمحمد يوسف


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
العمل الإبداعي الإسلامي الذي نناقشه هو الموسوعة العربية الإسلامية الفريدة أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام للأستاذ عمر رضا كحاله، ذلك العمل الذي جعل المرأة العربية والإسلامية محل اهتمامه ودراسته فخرج عملاً مبدعاً ضخماً يقع في خمسة أجزاء كل جزء حوالي 400 صفحة من القطع a 4.
ومن يطلع على هذا العمل يرى المكانة العالمية للمرأة المسامة فالكتاب يفضح تلك الدسيسة والفرية الكبرى التي يدعي مروجوها أن الإسلام حطّ من قدر المرأة المسلمة.
ـ الأهمية العلمية للكتاب:
قال المؤلف في مقدمة الكتاب موضحاً أهمية الكتاب وسبب تأليفه: أن الباحث إذا أراد أن يبحث في المرأة العربية أو المسلمة يجد عقبة كأداء لا يذللها إلا إذا مكث ردحاً من الزمن منقباً في بطون الأسفار المطبوعة والمخطوطة لعله يظفر بطلبه ويدرك حاجته وليس ذلك سلس المطلب سهل المرام لكل من طلب ذلك، بل لا بد له من أن يتجشم في بحثه مشقة في غنى عنها إذا رجع إلى «أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام» الذي أقدمه نقص؟؟ مرشداً في بحثهم ومعيناً يخفف عنهم العناء الذي يصادفونه خلال الدرس والتنقيب.
تكملة أعلام النساء:
قام الأستاذ محمد خير رمضان يوسف بإعداد كتيب يقع في 116 صفحة من القطع a 4 ضمنه أعلام النساء العربيات في الفترة من سنة 1977م إلى 1995م قال في مقدمته: فليست هناك موسوعي في تراجم النساء تضاهي موسوعة «أعلام النساء» للأستاذ عمر رضا كحالة الذي توفي سنة 1408هـ.
ولما كنت قدمت كتابي «تتمة الأعلام للزركلي، وتكملة معجم المؤلفين لكحاله» وفيهما أعلام ومؤلفات من النساء فقد عنَّ لي تجريد ما فيهما من تلك الأعلام وإصداره في كتاب مستقل ليكون تكملة لكتاب أعلام النساء لفترة تاريخية محددة تبلغ تسعة عشرة عاماً «1397 ـ 1415هـ». الموافق «1977 ـ 1995م» وهي تأريخ لوفيات الأعلام والمؤلفين الذي قدمته في التتمتين المذكورتين ولم أضف إليهما ـ هنا ـ إلا ترجمات نساء قليلات لم أرَضمها إلى الكتابين السابقين.

المرأة المسلمة بين الماضي المشرق والحاضر المقفر:
من يقارن بين العمل الذي قام به الأستاذ عمر كحاله والعمل الذي قام به الأستاذ محمد خير يوسف ويدرس حال المرأة المسلمة في ماضيها المشرق يرى أن حاضرها مقفر ومؤلم فامرأة مثل عائشة بنت طلحة التميمية التي لا نعلم عنها شيئاً قد أرخ لها الأستاذ عمر كحاله في خمس عشرة صفحة , وامرأة مثل تحية كاظم زوجة الرئيس جمال عبد الناصر كتب عنها فقط المؤلف تسع كلمات دون ذكر لتاريخ ميلادها، فقط كتب: زوجة الرئيس جمال عبد الناصر ماتت في 25 آذار «مارس» وكتب سطراً واحداً عن سعاد علي مظلوم أول مهندسة في تاريخ العراق الحديث وسيزا نبراوي رائدة الحركة النسائية في مصر كتب عنها عشر كلمات فقط.
وهنا نعلم مكانة المرأة في صدر الإسلام وحضورها برأيها وشعرها وموقفها واسمها وتاريخها فالمرأة ليست مهملة في الإسلام فزوجة زعيم القومية العربية ندر الحديث عنها واعتبر الكثير ذلك الممدوحة في حق جمال عبد الناصر الذي ساير الفكر العربي المعاصر وتصوره للمرأة وهذا الكلام ليس طعناً في أحد ولكن المقارنة اقتضت ذلك. امرأة مسلمة مغمورة يحفظ لها التاريخ أكثر من خمس عشرة صفحة وهي ليست زوجة نبي ولا شخصية عامة مثل أسماء بنت أبي بكر. أما زوجة زعيم القومية العربية فلا يجد كاتب في العصر الحديث أكثر من تسع كلمات يكتبهن عن امرأة زعيم.
الأهمية الإسلامية لكتاب أعلام النساء:
من المقارنة السابقة بين كتابي أعلام النساء وكتاب تكملة أعلام النساء تتضح أهمية نشر الكتاب من الناحية الإسلامية حيث حوى الكتاب سيرة أعلام النساء المسلمات والتي تتبين مدى تقدير الإسلام للمرأة فالمرأة في الإسلام مثل الرجل قال تعالى: ) ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ([البقرة : 228] وهذه أدل آية على مساواة المرأة بالرجل في الإسلام فللمرأة مثل الذي عليها بالمعروف من الحقوق والواجبات.
أنموذج من محتوى الكتاب:
أمامة بن الحارث..
من ربات الفصاحة والبلاغة والرأي والعقل خطب الحارث بن عمرو ملك كندة بنتها أم إياس بنت عوف بن ملحم الشيبباني فزوجها أبوها منه فقالت أمامة لابنتها:
«إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت لذلك منك ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتها إليهما لكنت أغنى أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال.
أي بنيه إنك فارقت الجو الذي منه خرجت وخلقت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فأصبح بملكه عليك رقيباً مليكاً فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً يا بنية احملي عني عشر خصال تكن ذخراً وذكراً: الصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة والتعهد لموقع عينه والتفقد لموضع أنفه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا طيب ريح والكحل أحسن الحسن والماء أطيب الطيب المفقود والتعهد لوقت طعامه والهدوء عنه عند منامه فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مبغضة , والاحتفاظ ببيته وماله والارعاء على نفسه وحشمه وعياله, فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير والارعاء على العيال والحشم حُسن التدبير , ولا تفشي له سراً، ولا تعصي أمراً، فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره وإن عصيت أمره أوغرت صدره ، ثم اتقى مع ذلك الفرح إن كان ترحاً والاكتئاب عنده إن كان فرحاً فإن الخصلة الأولى من التقصير والثانية من التكدير , وكوني أشد ما تكونين له إعظاماً يكن أشد ما يكون لك إكراماً , وأشد ما تكونين له موافقة يكن أطول ما تكونين له موافقة. واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت، والله يخير لك». فحملت إليه فعظم موقعها منه وولدت له الملوك السبعة الذين ملكوا بعده اليمن.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:46 PM
مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
مفردات ألفاظ القرآن للعلامة الراغب الأصفهاني من الأعمال الإسلامية الإبداعية والذي سلك فيه منهجاً بديعاً ـ كما قال المحقق صفوان عدنان داوودي ـ ومسلكاً رفيعاً ينم عن علم غزير, وعمق كبير فنجده أولاً يذكر المادة بمعناها الحقيقي، ثم يتبعها بما اشتق منها ثم يذكر المعاني المجازية للمادة وبين مدى ارتباطها بالمعنى الحقيقي.
ـ وهذا أمر لا يقدر عليه إلا من سبر غور اللغة، وخاض في لججها وبحارها.
ـ ويذكر على ذلك شواهد من القرآن أولاً ثم من الحديث ثانياً ثم من أشعار العرب وأقوالهم ثالثاً.
ـ ففي نطاق الآيات يكثر الراغب من الاستشهاد بها على المعنى المراد، كما يورد القراءات الواردة, ثم نراه يفسر القرآن بالقرآن كثيراً, ثم بأقوال الصحابة والتابعين, ثم يأتي بأقوال الحكماء التي تتفق عليها الشريعة.
المؤلف:
غلب على المؤلف لقبه «الراغب الأصفهاني» فأهمل اسمه وكثر الاختلاف فيه والأشهر كما قال المحقق صفوان داوود أن اسمه الحسين ـ وقد خلف الراغب الأصفهاني مؤلفات عدة وصلت إلى أكثر من خمسة عشر مؤلفاً من أهمها: جامع التفسير، ودرة التأويل في حل متشابهات القرآن, وتحقيق البيان في تأويل القرآن، وأفانين البلاغة والذريعة في مكارم الشريعة، ومحاضرات الأدباء ومحاورات البلغاء والشعراء، ومختصر إصلاح المنطق، ورسالة في الاعتقاد، ورسالة في مراتب العلوم.
ثناء العلماء على كتاب المفردات:
أثنى كثير من العلماء على كتاب مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني منهم حاجي خليفة الذي قال: مفردات ألفاظ القرآن للراغب، وهو نافع في كل علم من علوم الشرع.
ـ وجاء في الصفحة الأولى من مخطوطة المفردات في المكتبة المحمودية ما يلي:
هذا كتاب لو يباع بوزنه
ذهباً لكان البائع المغبونا
أوَما مِنَ الخسران أني آخذٌ ذهباً
ومهطٍ لؤلؤاً مكنوناً
وقال عنه المحقق صفوان داوودي: أن كتاب المفردات يعتبر موسوعة علمية صغيرة، فقد حوى اللغة والنحو، والصرف، والتفسير، والقراءات والفقه والمنطق، والحكمة، والأدب، والنوادر, وأصول الفقه, والتوحيد.
ـ والكتاب مطبوع في مجلد واحد يقع في 1247 صفحة من القطع (a 4) ببنط «14».
سبب تأليف الكتاب:
قال المؤلف في مقدمته للكتاب: وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه في أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه كتحصيل اللبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه، وليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع, فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتمد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم, وإليها مفزع حُذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لُبوب الحنطة.
ـ وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوف فيه ألفاظ القرآن على حروف التهجي، فتقدم ما أوله الألف، ثم الباب على ترتيب حروف المعجم، معتبراً فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزائد، والإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب، وأجبل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الألفاظ على الرسالة التي عملتها مختصة بهذا الباب.
نماذج من محتوى الكتاب:
1 ـ بيت: أصل البيت: مأوى الإنسان بالليل لأنه يقال: بات: أقام بالليل، كما يقال: ظلَّ بالنهار ثم قد يقال للمسكن بيت من غير اعتبار الليل فيه، وجمعه أبيات وبيوت لكن البيوت بالمسكن أخص والأبيات بالشعر قال عز وجل: ) فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ( [النمل : 52] وقال تعالى: ) واجعلوا بيوتكم قبلة ( [النور : 27] ويقع ذلك على المتخذ من حجر ومدر وصوف ووبر، وبه شبه بيت الشَّعر، وعبر عن مكان الشيء بأنه بيته وصار أهل البيت متعارفاً في آل النبي عليه الصلاة والسلام، ونبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «سلمان منا أهل البيت» (سنده فيه ضعف) أن مولى القوم يصبح نسبته إليهم كما قال: «مولى القوم منهم، وابنه من أنفسهم» (صحيح) وبيت الله والبيت العتيق: مكة قال الله عز وجل ) ولْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق ( [الحج : 29]. ) إن أول بيت وضع للناس لَلَّذِي ببكة ( [آل عمران : 96] ) وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ( [البقرة : 127] يعني: بيت الله. وقوله عز وجل: ) وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى ( [البقرة : 189] إنما نزل في قومٍ كانوا يتحاشون أن يستقبلوا بيوتهم بعد إحرامهم فنبه تعالى أن ذلك منافٍ للبر. وقوله عز وجل: ) والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ( [الرعد: 23] معناه: بكل نوع من المسار وقوله تعالى: ) في بيوت أذن الله أن ترفع ( [النور: 36] قيل: بيوت النبي نحو: ) لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ( [الأحزاب: 53].
وقيل: اشير بقوله ) في بيوت ( إلى أهل بيته وقومه. وقيل: أشير به إلى القلب. وقال بعض الحكماء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صور» (متفق عليه).
2 ـ سلم: السَّلْم والسلامة: التعري من الآفات الظاهرة والباطنة قال تعالى: ) بقلب سليم ( [الشعراء : 89] أي متعرٍ من الدَّغْل فهذا في الباطن وقال تعالى: ) مسلمة لاشية فيها ( [البقرة : 71] فهذا في الظاهر، وقد سَلِمَ يَسْلَمُ سلامة سلاماً وسلَّمه الله قال تعالى: ) ولكن الله سلم ( [الأنفال : 43] وقال تعالى: ) ادخلوها بسلامٍ آمنين( [الحجر : 46].
أي: سلامة، وكذا قوله تعالى: ) اهبط بسلام منا ( [هود : 48] والسلامة الحقيقية ليست إلا في الجنة، إذ فيها بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وصحة بلا سقم كما قال تعالى: ) لهم دار السلام عند ربهم ( [الأنعام : 127].
أي: السلامة قال تعالى: ) والله يدعو إلى دار السلام ( [يونس: 25] وقال تعالى: ) يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ( [المائدة: 16] يجوز أن يكون كل ذلك من السلامة وقيل: السلام اسم من أسماء الله تعالى وكذا قيل في قوله: ) لهم دار السلام ( [الأنعام: 127] و ) السلام المؤمن المهيمن ( [الحشر: 23] قيل: وصف ذلك من حيث لا يَلْحقه العيوب والآفات التي تلحق الخلق، وقوله: ) سلام قولاً من رب رحيم ([يس : 58] ) سلام عليكم بما صبرتم ([الرعد : 24] ) سلامٌ على آل ياسين ([الصافات : 130] كل ذلك من الناس بالقول، ومن الله تعالى بالفعل، وهو إعطاء ما تقدم ذكره مما يكون في الجنة من السلامة، وقوله تعالى: ) وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ( أي: نطلب منكم السلامة، فيكون قوله: ) سلاماً ( نصْباً بإضمار فعل، وقيل معناه: قالوا: سلاماً، أس سداداً من القول فعلى هذا يكون «صفة لمصدر محذوف». وهكذا استمر الراغب الأصفهاني في شرح سلم إلى ضعف ما أوردناه. وهكذا أبدع الأصفهاني رحمه الله.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:47 PM
القانون في الطب لابن سينا



إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
ـ القانون في الطب من أشهر كتب الطب الإسلامية وأهم كتب الشيخ الرئيس الحسن بن سينا وأكبرها حجماً فهو يقع في 2500 صفحة، وقد طبع مؤخراً في طبعة محققة تقع في ثلاثة مجلدات كبيرة من القطع فلوسكاب خلاف المجلد الرابع الخاص بالفهارس العامة للكتاب من وضع المحقق أدوار القش.
ـ ويعتبر الكتاب كما قال المحقق أهم الكتب العلمية، ويرغم أنه وضع منذ ما يقارب عشرة قرون من الزمن وقبل اكتشاف العديد من النظريات العملية والتجريبية والمختبرات الحديثة فهو لا يزال المرجع الهام والقاعدة الأساسية في الاستشفاء وتركيب الأدوية فبعض أساليب التطبيب كما هي واردة في القانون منذ ما يقارب الألف عام ما زالت قابة للتطبيق. والكتاب كما قال كتاب جليل في الطب النظري والعملي وفي أحكام الأدوية.
شروح كتاب القانون وتلخيصه:
ـ حظي كتاب القانون في الطب لابن سينا بالعديد من الشروح منها:
ـ شرح تشريع القانون لابن النفيس.
ـ شرح القانون للإمام فخر الدين الرازي.
ـ شرح القنون لقطب الدين إبراهيم المصري.
ـ شرح الكليات لابن سينا لقطب الدين الشيرازي.
ـ شرح القانون لداوود الأنطاكي.
كما لخصه كل من:
ـ ابن النفيس في موجز القانون.
ـ محمود الكغميني في مقتطف من القانون تحت عنوان قانونجة ترجمة كتاب القانون:
حظي الكتاب بالعديد من الترجمات الأجنبية منها:
ـ ترجمة جيرار دو كريمون إلى اللاتينية لأول مرة بين عامي 1150 ـ 1187م وأعيدت ترجمة الكتاب بعدها 87 مرة إلى اللاتينية والعبرية.
ـ ترجمه كوننج عام 1905م.
ـ ترجمة مختصرة للكتاب الأول إلى الانجليزية على يد غرونر وطبع عام 1930م.
ـ ترجمه إلى الألمانية للفصل الذي يعالج موضوع أمراض العين على يد هرشرغ وليبير عام 1902م.
ـ كما اختُزل الكتاب ونظُم شعراً فأدى ذلك إلى ظهور الأرجوزة في الطب في 1314 بيتاً، وترجمت الأرجوزة عدة مرات إلى اللاتينينة خلال الفترة من القرن الثالث عشر إلى السابع عشر.
سبب تأليف المؤلف للكتاب:
ـ قال ابن سينا في مقدمة الكتاب عن سبب تأليف الكتاب:
ـ فقد التمس مني بعض خلّص إخواني، ومن يلزمني إسعافه بما يسمح به وسعي أن أصنف في الطب كتاباً مشتملاً على قوانينه الكلية والجزئية اشتمالاً يجمع إلى الشرح الختصار وإلى إيفاء الأكثر حقه من البيان الإيجاز فأسعفته بذلك.
ـ توصيف كلي الكتاب، ومنهجية بنائه:
قال المؤلف في توصيف الكتاب ومنهجية بنائه: رأيت أن أتكلم أولاً في الأمور العامة الكلية في كلا قسمي الطب، أعني القسم النظري والقسم العملي ثم بعد ذلك أتكلم في كليات أحكام قوى الأدوية المفردة، ثم في جزئياتها، ثم بعد ذلك في الأمراض الوافعة بعضو عضو، فأبتدئ أولاً بتشريح ذلك العضو ومنفعته، وإما تشريح الأعضاء المفردة البسيطة فيكون قد سبق مني ذكره في الكتاب الأول الكلي وكذلك منافعها. ثم إذا فرغت من تشريح ذلك العضو ابتدأت في أكثر المواضع بالدلالة علة كيفية حفظ صحته، ثم دللت بالقول المطلق على كليات أمراضه وأسبابها وطرق الاستدلالات عليها وطرق معالجتها بالقول الكلي أيضاً فإذا فرغت من هذه الأمور الكلية أقبلت على الأمراض الجزئية. ودللت أولاً في أكثرها أيضاً على الحكم الكلي في حده وأسبابه ودلائله، ثم تخلصت إلى الأحكام الجزئية ثم أعطيت القانون الكلي في المعالجة، ثم نزلت إلى المعالجات الجزئية بدواء بسيط أو مركب، وما كان سلف ذكره من الأدوية المفردة في الجداول والأصباغ التي أرى استعمالها فيه، كما تقف أيها المتعلم عليه إذا وصلت إليه، لم أكرر إلا قليلاً منه، وما كان من الأدوية المركبة أن من الأحرى به أن يكون في الاقرا باذين (مجموع الأدوية المركبة) الذي أرى أن أعمله أخرت ذكر منافعه وكيفية خلطه إليه، ورأيت أن أفرغ من هذا الكتاب إلى كتاب أيضاً في الأمور الجزئية، مختص بذكر الأمراض التي إذا وقعت لم تختص بعضو بعينه ونورد هنالك أيضاً الكلام في الزينة وأن أسلك في هذا الكتاب أيضاً مسلكي في الكتاب الجزئي الذي قبله، فإذا تهيأ بتوفيق الله تعالى الفراغ من هذا الكتاب، جمعت بعده كتاب الاقرا باذين، وهذا كتاب لا يسع من يدعى هذه الصناعة ويكتسب بها إلا أن يكون جله معلوماً محفوظاً عنده، فإنه مشتمل على أقل ما بد منه للطبيب، وأما الزيادة عليه فأمر غير مضبوط وأن أخر الله تعالى في الأجل وساعد القدر انتصبت لذلك انتصاباً ثانياً.
وأما الآن فإني أجمع هذا الكتاب وأقسمه إلى كتب خمسة على هذا المثال:
ـ الكتاب الأول: في الأمور الكلية في علم الطب.
ـ الكتاب الثاني: في الأدوية المفردة.
ـ الكتاب الثالث: في الأمراض الجزئية الواقعة بأعضاء الإنسان عضواً عضواً من الفرق إلى القدم ظاهرها وباطنها.
ـ الكتاب الرابع: في الأمراض الجزئية التي إذا وقعت لم تختص بعضو وفي الزينة.
ـ الكتاب الخامس: في تركيب الأدوية وهو الاقرا باذين.
نماذج من محتوى الكتاب:
قال ابن سينا في الفصل الأول من الكتاب الأول: إن الطب علم يتعرف منه أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة ليحفظ الصحة حاصلة (بالطب الوقائي) ويستردها زائلة (بالطب العلاجي). ولقائل أن يقول: إن الطب ينقسم إلى عملي ونظري، وأنتم قد جعلتم كله نظرياً، إذ قلتم أنه علم، وحينئذٍ نجيبه ونقول: إنه يقال: إن من الصناعات ما هو نظري وعملي، ويكون المراد في كل قسمة بلفظ النظري والعملي شيئاً آخر ولا نحتاج الآن إلى بيان اختلاف المراد في ذلك إلا في الطب، فإذا قيل أن من الطب ما هو نظري، ومنه ما هو عملي، فلا يجب أن يظن أن مرادهم فيه هو أن أحد قسمي الطب هو تعليم العلم، والقسم الآخر هو المباشرة للعمل كما يذهب إليه وهم كثير من الباحثين عن هذا الموضع، بل يحق عليك أن تعلم أن المراد من ذلك شيء آخر: وهو أنه ليس واحداً من قسمي الطب علماً، لكن أحدهما علم أصول الطب والآخر علم كيفية مباشرته، ثم يخص الأول منها باسم العلم أو باسم النظر ويخص الآخر باسم العمل فنعني بالنظر منه، ما يكون التعليم فيه مقيد الاعتقاد فقط، من غير أن يتعرض لبيان كيفية عمل مثل ما يقال في الطب في أصناف الحميات ثلاثة، وأن الأمزجة تسعة ونعني بالعمل منه، لا العمل بالفعل، ولا مزاولة الحركات البدنية بل القسم من علم الطب الذي يفيد التعليم فيه رأياً. ذلك الرأي متعلق ببيان كيفية عمل مثل ما يقال في الطب أن الأورام الحارة يجب أن يقرب إليها في الابتداء ما يردع ويبرد ويكشف، ثم بعد ذلك، تمزج الرادعات بالمرخيات، ثم بعد الانتهاء إلى الانحطاط يقتصر على المرخيات المحللة، إلا في أورام تكون عن مواد تدفعها الأعضاء الرئيسية، فهذا التعليم يفيد رأياً: هو بيان كيفية عمل، فإذا علمت هذين القسمين فقد حصل لم علم علمي وعلم عملي وإن لم تعمل قط.

وقال في المقالة السابعة (في أوجاع المفاصل والنقرس وعرق النسا) من الكتاب الخامس:
ـ ضماد لوجع المفاصل والنقرس:
أخلاطه: يؤخذ بزر الشوكران قسط غاريقون قسط، حلبة قسط، بورق أوقية، شمع رطل راتبنج مطبوخ رطل، أشق رطل، زيت عتيق باطل، مخ عظام الأيل أربع أواق، أصول السوسن الأورتقي أربع أواق.
ـ تدق الأدوية اليابسة، وتنخل بمنخل وتذاب الأدوية الذائبة وتترك حتى تبرد وتلقى الأدوية اليابسة، وتخلط وترفع وتستعمل.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:47 PM
حياة الحيوان الكبرى


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
ـ نعيش اليوم مع العمل الإبداعي الموسوعي الإسلامي حياة الحيوان الكبرى لكمال الدين محمد بن موسى الدميري المتوفى سنة 808 هجرية والذي نشأ في القاهرة فتكسب بالخياطة، ثم أقبل على العلم وبرع في التفسير والحديث والفقه، وأصول الفقه، والعربية والأدب وتصدى للإقراء والإفتاء.
ـ والكتاب كما قلنا عمل موسوعي ضخم عن حياة الحيوان مطبوع من مجلدين في 821 صفحة من القطع a 4 وهو مرتب على حروف الهجاء من يقرأه يشعر أنه أمام عالم في علم الحيوان وإذا علمنا أن المؤلف كان خياطاً لعلمنا مدى أنت شار العلم بين طبقات المجتمع الإسلامي في هذا الزمان.
ـ سبب تأليف الكتاب:
ذكر الدميري رحمه الله أن السبب في تآليفه للكتاب هو واقفعة حدثت في أحد المجالس رأى المؤلف أن من واجبه التأليف العلمي في موضوع النقاش فكان هذا الكتاب قال الدميري رحمه الله:
ـ فهذا كتاب لم يسألني أحد تصنيفه، ولا كلفت القريحة تأليفه، وإنما دعاني إلى ذلك أنه وقع في بعض الدروس، التي لا مخبأ فيها لعطر عروس، ذكر مالك الحزين والذيج المنحوس فحصل في ذلك ما يشبه حرب البسوس، ومزج الصحيح بالسقيم، ولم يغرق بين نسر وظليم «ذكرالنعام»، وتحككت العقرب بالأفعي، واستنت الفصال حتى القرعى، وصيروا الأروى مع النعام ترعى، وقضوا باجتماع الحوت والضب قطعاً، واتخذ الكل أخلاق الضبع طبعاً، ولبس جلد النمر أهل الإمامة وتقلدها الجميع طوق الحمامة... ثم قال: واستخرت الله تعالى وهو الكريم المنان، في وضع كتاب في هذا الشأن وسميته حياة الحيوان جعله الله موجباً للفوز في دار الجنان ونفع به على ممر الأزمان أنه الرحمن الرحيم ورتبته على حروف المعجم، ليسهل به من الأسماء ما استعجم.
ـ نماذج من محتوى الكتاب:
عن الأرضة (النمل الأبيض) قال: الأرضة بفتح الهمزة والراء والضاد المعجمة، دويبة صغيرة كنصف العدسة تأكل الخشب وهي التي يقال لها السرفة بالسين والراء المهملة والفاء وهي دابة الأرض التي ذكرها الله تعالى في كتابه، ولما كان فعلها في الأرض أضيفت إليها قال القزويني في الأشكال إذا أتى على الأرضة سنة نبت لها جناحان طويلان تطير بهما وهي دابة الأرض التي دلت الجن على موت سليمان عليه السلام، والنمل هدوها وهو أصغر منها فليأتيها من خلفها فيحملها ويمشي بها إلى حجره وإذا أتاها مستقبلاً لا يغلبها لأنها تقاومه انتهى.
ومن شأنها أنها تبني لنفسها بيتاً حسناً من عيدان تجمعها مثل غزل العنكبوت منخرطاً من أسفله لإلى أعلاه وفي إحدى جهاته باب مربع وبيتها ناووس ومنها تعلم الأوائل بناء النواويس على موتاهم.
وفي الصحيحين وغيرهما أن قريشاً لما بلغهم إكرام النجاشي لجعفر وأصحابه كبر ذلك عليهم وغضبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكتبوا كتاباً على بني هاشم الايناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم وكان الذي كتب الصحيفة بغيض بن عامر فشلت يده، وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة وحصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من مبعثه صلى الله عليه وسلم وانحاز إليهم بنو عبد المطلب وقطعت عنهم قريش الميرة والمادة فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم حتى بلغوا الجهد وأقاموا على ذلك ثلاث سنين، ثم اطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على أمر الصحيفة، وأن الأرضة قد أكلت ما فيها من ظلم وجور وبقي ما كان فيها من ذكر الله تعالى، فأخبرهم أبو طالب بذلك فارتقوا إلى الصحيفة فوجدوها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجوهم من الشعب.
ـ وروى ابن سعد وابن ماجه في سننه من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى جذع فاتخذ له المنبر فحن ذلك الجذع إليه حنين العشار حتى مسحه رسول اله صلى الله عليه وسلم بيده فسكن، فلما هدم المسجد وغير أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فكان عنده في داره حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتاً.
ـ وقال في حرف الدال: وأما دابة الأرض التي ذكرها الله تعالى في سورة سبأ فهي الأرضة وقيل سوسة الخشب.
ـ وعن البازي قال: أفصح لغاته بازي مخففة الياء والثانية باز والثالثة بازي بتشديد الياء حكاهما ابن سيده وهو مذكر لا اختلاف فيه ويقال في التثنية بازيان وفي الجمع بزاه ويقال للبزاة والشواهين وغيرهما مما يصد صقور ولقطة مشتق من البزوان وهو الوثب وكنيته أبو الأشعث وأبو البهلول وأبو لاحق، وهو من أشد الحيوانات تكبرا وأضيقها خلقاً.
ـ وهو خمسة أصناف البازي والزرق والباشق والبيدق والصقر والبازي أحرها مزاجاً لأنه قليل الصبر على العطش ومأواه مساقط الشجر العادية الملتفة والظل والظليل وهو خفيف الجناح سريع الطيران وإناثه أجرأ على عظام الطير من ذكوره وهذا الصنف تصيبه الأمراض وانحطاط اللحم والهزال وأحسن أنواعه ما قل ريشه واحمرت عيناه مع حدة فيهما.
ـ ودونه الأزرق الأحمر العينين والأصفر دونهما.
ـ ومن صفاته المحمودة أن يكون طويل العنق عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين شديد الانخراط إلى ذنبه وأن يكون فخذاه طويلتين مسرولتين بريش وزراعاه غليظتين قصيرتين.
وفرخ البازي يسمى غطريفاً.
ـ وأما الباشق بفتح الشين وكسرها فأعجمي معرب وكنيته أبو الآخذ وهو أيضاً حار المزاج يغلب عليه القلق والزعارة يأنسوقتاً ويستوحش وقتاً، وهو قوي النفس فإذا أنس منه الصغير بلغ صاحبه من صاحبه من صيده المراد وهو خفيف المحمل ظريف الشمائل يليق بالملوك أن تخدمه لأنه يصيد أفخر ما يصيده البازي وهو الدراج والحمام والورشان وهو كثير الشبق وإذا قوى عليه صيده لا يتركه إلا أن يلتزم أحدهما، وأحمد صفاته أن يكون صغيراً في المنظر ثقيلاً في الميزان طويل الساقين قصير الفخذين.
ـ وأما البيدق فلا يصيد إلا العصافير وهو قليل قريب في الطبع من العقصي.
ـ وأما العقصي فهو أصغر الجوارح نفساً وأضعفها حيلة وأشدها ذعراً وأيبسها مزاجاً يصيد العصفور في بعض الأحايين وربما هرب منه وهو يشبه الباشق في الشكل إلا أنه أصغر منه.
ـ الحكم: قال الدميري: يحرم أكله بجميع أنواعه لنهيه صلى الله عليه وسلم عن آكل كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطيور.
وقال: يكره للمحرم استصحاب البازي وكل صائد من كلب وغيره لأنه ينفر الصيد وربما انفلت فقتل صيداً.
وقال: ويصح بيع البازي وإجارته بلا خلاف لأنه طاهر منتفع به.
ـ وعن البقر الوحشي قال: هذا النوع أربعة أصناف المها، والأيل، واليحمور، والثيتل وكلها تشرب الماء في الصيف إذا وجدته وإذا عدمته صبرت عنه.
وعن المها قال: المها بالفتح جمع مهاه، وهي البقرة الوحشية والجمع مهوات، وقيل: المها نوع من البقر الوحشي، إذا حملت الأنثى من المها هربت من البقر، وهي أشبه شيء بالمعز الأهلية، وقرونها صلاب جداً، وبها ضرب المثل في سمن المرأة وجمالها.
وقال: وإذا بخر بقرنه أو جلده في بيت نفرت منه الحيات، ورماد قرنه يذر على السن المتآكلة يسكن وجعها، وشعره إذا بخر به البيت هرب منه الفأر والخنافيس. وإذا أحرق قرناه حتى يصيرا رماداً وديفاً بخل وطلي به موضع البرمي مستقبل الشمس فإنه يزول بإذن الله تعالى.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:48 PM
كتاب العشر مقالات في العين لحنين بن إسحاق



إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
حديثنا اليوم عن كتاب العشر مقالات في العين لحنين بن إسحاق، وهو كما جاء في صفحة الغلاف لطبعة 1928 ميلادية: أقدم كتاب في طب العيون ألف على الطريقة العلمية، والكتاب موسوعة علمية كبيرة مطبوع باللغتين العربية والانجليزية في مجلد واحد مكون من 222 صفحة باللغة العربية من القطع a 4، 227 صفحة باللغة الانجليزية بنط 15 تقريباً.
ويتكون الكتاب من عشر مقالات: المقالة الأولى في طبيعة العين وتركيبها، والثانية في طبيعة الدماغ ومنافعه، والثالثة في أمر البصر، والرابعة فيها جملة ما يضطر إلى معرفته من أراد شيئاً من علاج الطب، والخامسة في علل الأمراض الحادثة في العين، والسادسة في علامات الأمراض التي تحدث في العين، والسابعة في جميع قوى الأدوية المفردة عامة، والثامنة في أدوية العين وأجناسها وفنون استعمالها، والتاسعة في علاج أمراض العين، والعاشرة فيما ذكر الأدوية المركبة المذكورة في المقالة التاسعة على ما ألفها القدماء للعلل الحادثة في العين.
المؤلف:
جاء في عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة ترجمة كاملة للمؤلف ننقل هنا بعضها:
حنين بن إسحاق هو أبو زيد حنين بن إسحاق العبادي «بفتح العين وتخفيف الباء» والعباد بالفتح قبائل شتى من بطون العرب، اجتعموا على النصرانية بالحيرة.
وكان حنين بن إسحاق فصيحاً لسناً بارعاً شاعراً، وأقام مدة في البصرة وكان شيخه في العربية الخليل بن أحمد ثم بعد ذلك انتقل إلى بغداد واشتغل بصناعة الطب.
قال يوسف بن إبراهيم: أول ما حصل لحنين بن إسحاق من الاجتهاد والعناية في صناعة الطب هو أن مجلس يوحنا بن ماسوية كان من أعم مجلس يكون في التصدي لتعليم صناعة الطب، وكان يجتمع فيه أصناف أهل الأدب. قال يوسف: وذلك أني كنت أعهد حنين بن إسحاق الترجمان يقرأ على يوحنا بن ماسوية كتاب فرق الطب الموسوم باللسان الرومي والسرياني بهراسيس.
وتتلمذ حنين على يوحنا بن ماسوية واشتغل عليه بصناعة الطب، ونقل حنين لابن ماسوية كتباً كثيرة وخصوصاً من كتب جالينوس وكان المأمون يعطي حنين من الذهب زنة ما ينقله من الكتب إلى العربية.
مؤلفات حنين بن إسحاق في طب العيون:
ـ جاء في الفهرست لابن النديم وتاريخ الحكماء لابن القفطي وطبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة أن من كتب حنين في طب العيون:
1 ـ كتاب العشر مقالات في العين ـ الذي نحن بصدد الحديث عنه.
2 ـ كتاب المسائل في العين: وقد جاء في الفهرست أن حنيناً هو الذي ألفه وكذلك قال ابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء.
3 ـ كتاب تركيب العين: ويرجح أن يطابق هذا الكتاب المقالة الأولى من كتاب العشر مقالات في العين.
4 ـ كتاب الألوان وقد يطابق المقالة الثالثة الجزء الأخير منها.
5 ـ كتاب تقاسيم علل العين يطابق المقالة الخامسة أو السادسة.
6 ـ كتاب اختبار أدوية العين ويطابق المقالة الثامنة على الأرجح.
7 ـ كتاب علاج أمراض العين بالحديد: وهو المقالة الحادية عشرة التي أضافها ابن أبي أصيبعة لكتاب العشر مقالات في العين.
ملخص المقالة الأولى من الكتاب:
ـ في طبيعة العين وتركيبها: جاء في المقالة الأولى من كتاب العشر مقالات في العين لحنين بن إسحاق:
العين مركبة من أجزاء كثيرة محتلفة وليس بجميع أجزائها يكون البصر بل الرطوبة الشبيهة بالجليد وأما سائر الرطوبات التي في العين والطبقات وجميع ما سوى ذلك فإنه إنما خلق كل واحد منها لمنفعة فيه للرطوبة الجليدية التي ذكرت.
الرطوبة الجليدية: إنها بيضاء صافية نيرة مستديرة بمستحكمة الاستدارة بل فيها عرض وهي في وسط العين كنقطة توهمناها في وسط كرة، أما بياضها ونورها وصفاؤها فلتقبل الاستحالة من الألوان سريعاً وأما استدارتها فلئلا يسرع إليها قبول الآلام.
ـ وهذه الرطوبة أعني الجليدية بين رطوبتين واحدة من خلفها شبيهة بالزجاج الذائب المسماة بالزجاجية وأخرى من قدامها شبيهة ببياض البيض وتسمى البيضة.
ـ وخلف الرطوبة الزجاجية ثلاث طبقات الطبقة الأولى تحوي الرطوبة الزجاجية وهي شبيهة بالشبكية «أي حجاب شبكي» والطبقة الثانية التي خلف الأولى وهي شبيهة بالمشيمة وتسمى بالطيقة المشيمية والطبقة الثالثة خلف الثانية تلي العظم وهي صلبة قاسية وتسمى بالغشاء الصلب.
ـ وقدام الرطوبة الشبيهة ببياض البيض ثلاث طبقات: الطبقة الأولى تحوي الرطوبة الشبيهة ببياض البيض وهي شبيهة بالعنبة وفي لونها سواد مع لون السماء يقال لها العنبة، وعلى هذه الطبقة طبقة ثانية شبيهة بالذيل في لونها وهيئتها لإنها مركبة من أجزاء إذا قشرت بعضها عن بعض وجدت كالصفائح ولذا سميت بالقرنية.
وتحيط بهذه الطبقة من خارج طبقة أخرى لا تغشيها يقال لها «الملتحمة» من أنها غشاء يلتحم حول الطبقة القرنية ولا يغشيها لأنه لو غشاه كله لمنع البصر من أن ينفذ وهي على هذا المثال.
ـ وبدأ حنين في بيان وظائف التراكيب السابقة فقال: ونبتدئ بعون الله بالإخبار عن منفعة الرطوبة التي خلف الجليدية وهي الزجاجية وعن الثلاث الطبقات التي ذكرنا خلفها فنقول إن كل عضو من أعضاء البدن لا بد له من غذاء لأنه لا بد له من أن ينقص منه شيء بتحلل الحرارة الطبيعية من داخل وحرارة الهواء من خارج فهو لذلك مضطر لا محالة إلى ما يخلف ما يتحلل منه ولا يخلف ما يتحلل منه إلا ما كان شبيهاً بما يتحلل وذلك شبيه بطبيعة العضو، وكذلك يكون الغذاء أعنى أن يقبل العضو زيادة شبيهة بطبيعته .. فلا أن الرطوبة الجليدية احتاجت يمكن أن يكون غذاؤها من الدم بلا متوسط فاحتاجت إلى متوسط من طبيعتها إلى طبيعة الدم وذلك هي الرطوبة الزجاجية لأنها أقرب إلى البياض والصفاء من الدم فلذلك صارت الرطوبة الجليدية مماسة للرطوبة الزجاجية ليس بينهما حاجز وهي مغرقة فيها إلى نصفها.
ـ الطبقة الشبيهة بالشبكية: وأما الطبقة التي تحوي هذه الرطوبة الزجاجية فإنها مركبة من شيئين: من عصبة مجوفة يجري فيها الروح الذي به يكون البصر ومن عروق وأوردة، وقد ينبغي أن نوقف القول في هذا الموضع ونبتدىء بالكلام من أوله..
ـ ثم قال: وأما الطبقة العنبية فاحتيج إليها لثلاث خصال أما واحدة فلتغذي القرنية وذلك لأنه لم يمكن أن يكون في القرنية من الأوردة والعروق ما يكتفي به لتغتذي منها لرقتها وصلابتها وكثافتها. وأما الثانية فلتحجز بين الجليدية وبين القرنية لئلا يضر بها لصلابتها، وأما الثالثة فلتجمع النور بلونها فصارت العنبية كثيرة الأوردة لتغذو القرنية وصارت لينة لئلا تضر بالجليدية بملاقاتها لها ولذلك صار لها من داخل فهي ملساء لئلا تضر بها القرنية وفي لونها سواد مع لون السماء لتجمع النور الذي به يكون البصر لئلا يتبدد من النور الخارج وفي وسطها ثقب لينفذ فيه النور إلى الهواء خارج ويلقى المحسوس.
وهذه النظرية خاطئة وقد صححها ابن النفيس وابن الهيثم ـ وهذا الخطأ يرجع إلى ترجمة حنين دون اشتغاله بعملية التشريح.
وقال حنين: وفي جوف العنبة الرطوبة التي تشبه بياض البيض وروح مضيء ينير لهما منفعة عامية أن يفرقا بين الرطوبة الجليدية والطبقة القرنية لذلا يضر بها.
ـ وللرطوبة البيضية منافع خاصة إنها تندي وتغذي الرطوبة الجليدية لئلا يجففها الهواء وأن تندي وتغذي الطبقة العنبية لئلا تجف وتصلب فتضر بالجليدية إذا لاقتها.
وعن عضل العين قال حنين:
اعلم أن العين احتاجت إلى عضل يحركها لتحاذي ما ترى وذلك أن فيها تسع عضلات ثلاث منها في أصل العصبة التي يجري فيها النور إلى العين لتشدها وتثبتها وبعضهم قالوا اثنتان وبعضهم قالوا واحدة فواحدة في اللحاظ تحركها إلى ناحية الصدغ، وواحدة في الماق تحرك العين ناحية الأنف وواحدة من فوق تحركها إلى فوق وأخرى من أسفل تحركها إلى أسفل واثنتان فيهما عوج من فوق ومن أسفل بديران العين وحركة هذا العضل من العصبة الصلبة التي ذكرناها آنفاً أنها تجيء إلى العين.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:48 PM
ذيل عيون الأنباء في طبقات الأطباء لأحمد عيسى بك


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
حديثنا اليوم عن العمل الإبداعي القيم معجم الأطباء أو ذيل عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة من إعداد وتأليف العلامة المسلم الدكتور أحمد عيسى بك رحمه الله.
المؤلف:
الدكتور أحمد عيسى ولد سنة 1886 ميلادية وتوفي سنة 1946 منها وهو طبيب مصري مؤرخ وأديب ولد في رشيد بمحافظة البحيرة بمصر وتعلم بها، ثم بالمدرسة الخديوية، فمدرسة الطب بالقاهرة، تخصص في أمراض النساء، واشتغل بالطب الباطني، وعمل في بعض المستشفيات، وتعلم بعض اللغات السامية واليونانية واللاتينية وكان من أعضاء المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية والمجمع العلمي العربي بدمشق، والأكاديمية الدولية لتاريخ العلوم بباريس سمة 1936م.
ـ صنف وترجم كتباً كثيرة تصل إلى عشرين كتاباً منها:
ـ التهذيب في أصول التعريب.
ـ معجم أسماء النبات باللاتينية والفرنسية والانجليزية والعربية.
ـ الغناء للأطفال عند العرب.
ـ تاريخ البيمارستانات في العهد الإسلامي.
ـ ألعاب الصبيان عند العرب.
ـ تاريخ النبات عند العرب.
ـ ذيل عيون الأنباء في طبقات الأطباء.
ـ والعمل الإبداعي الذي نحن بصدد الحديث عنه «ذيل عيون الأنباء في طبقات الأطباء» كتاب موسوعي أكمل به المؤلف كتاب عيون الأنباء حيث ترجم للأطباء من وقت وفاة ابن أبي أصيبعة سنة 650هـ إلى وقت إعداد الكتاب والذي ظهر في طبعته الأولى سنة 1942
ميلادية أي قبل وفاة المؤلف بأربع سنوات سنة 1946 ميلادية.
سبب التأليف والإعداد:
قال الدكتور أحمد عيسى بك رحمه الله عن سبب إعداده لذيل عيون الأنباء بعد أن ذكر كتب طبقات الأطباء: وهذه الكتب تترجم للأطباء إلى النصف الأول من القرن السابع الهجري أي إلى قبل وفاة ابن أبي أصيبعة بقليل، وأوسعها تفسيراً وأجمعها للأطباء كتاب عيون الأنباء ولم يصنف بعده إلى وقتنا هذا كتاب يشمل تراجم الأطباء كافة، بل أن هذه التراجم صارت بعد الكتاب الأخير «عيون الأنباء» مبعثرة ومشتتة في سائر الكتب على اختلاف أوضاعها وصار لزاماً على من يريد معرفة طبيب أن يتفقده في شتى الكتب حتى يعثر عليه، وفي ذلك من الصعوبة ما فيه لعدم توافر مراجع التاريخ والأدب كلها واحد من الباحثين.
ـ فعقدت العزم على تذليل هذه الصعوبة ورجعت إلى كتب التاريخ والطبقات والوفيات والتراجم وإلى الكتب الخاصة بكل عصر وذلك من القرن السابع الهجري إلى اليوم، وقال: وقصدت في تأليفه إلى خدمة الأمة والعلم.
وصف المؤلف للكتاب:
قال المؤلف في وصفه لذيل عيون الأنباء في طبقات الأطباء: فاجتمع لدي من التراجم ما يزيد على تسع مئة ترجمة فنقلتها كما وردت في مصادرها الأصلية ونبهت على الأصل المنقول عنه, وإني وإن كنت التزمت تدوين الأطباء من عهد وفاة ابن أبي أصيبعة فإني قد نقلت عليه من تراجم الأطباء الذين تقدموه... وفاته أن بترجم لهم أو الذين ذكرهم بالاسم فقط ولم يترجم لهم فكان كتابي هذا ذيلاً لكتاب طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة.
كيفية البحث عن الطبيب في الكتاب:
قال المؤلف عن كيفية البحث عن الطبيب في ذيل عيون الأنباء في طبقات الأطباء:
قال: أسماء الأطباء في هذا المعجم مرتبة على حرف الهجاء باعتبار الأسماء بقطع النظر عن الكنى والألقاب إلا إذا كانت هذه الأسماء الأصلية أو اشتهر بها الأطباء أو أي اسم آخر عرفوا به «ثم ضرب المؤلف مثلاً على ذلك».
النسخة التي بين أيدينا من الكتاب:
طبعت سنة 1942م وأعيد طبعها سنة 1982م وتقع في 528 صفحة من القطع a 4 بدأها المؤلف بكيفية البحث عن الطبيب , فالمقدمة والمصادر التي استمدت منها مواد الكتاب مرتبة بحسب حروف الهجاء في أسماء الكتب وأسماء الأطباء الذين ترجموا فيها، وقد بلغت مصادر الكتاب 78 مصدراً استخلص منها المؤلف السيرة الذاتية لأفراد موسوعته ومعجمه.
ـ وبدأ المؤلف معجمه بإبراهيم بن أبي الفضل بن صواب الحجري وقال: إنه من أهل شاطبة يكنى أبا إسحاق روى عن أبي عمر ابن عبد البر وأبي الحسن ابن سيدة وكان من أهل المعرفة بالعربية واللغة والأدب وتجول في البلاد معلماً بها وعنه أخذ أبو إسحاق بن خفاجه وله فيه مدح ثم تعلم الطب وقعد للعلاج بطنجة واستقرأ أخي عمره بمدينة فاس توفي نحو ست وخمس مئة «جذوة الاقتباس لابن القاضي».
وعن الدكتور إبراهيم صبري بك قال: ولد بالقاهرة وتعلم بها وتخرج من مدرسة الطب حوالي سنة 1861م قم أرسل في بعثة علمية لإتمام دراسته إلى النمسا إلى سنة 1863م وفي سنة 1864م أرسل إلى فرنسا لإكمال دراسته أيضاً إلى سنة 1870م ثم عاد إلى القاهرة وعين طبيباً ومديراً لمستشفى الإسماعيلية إلى سنة 1873م ثم نقل طبيباً لمستشفى بور سعيد ومكث فيه سنة وفي أوائل سنة 1874م إلى أواخر سنة 1875م عين طبيباً للسانتات «أي في الصحة البحرية والمحاجر» وفي سبتمر 1875م إلى مارس 1878م عين حكيم استبالية بسفرية الأستانة «في حرب الروس والترك» ثم استمر طبيباً بالجهادية «أي الجيش» إلى 9 فبراير سنة 1881م ومن 10 فبراير سنة 1881م إلى 29 مارس سنة 1882م عين وكيلاً لتفتيش صحة القاهرة ومن مارس سنة 1882م إلى فبراير سنة 1883م أعيد إلى الجهادية ومن فبراير 1883م عين حكيمباشي الجندرمة والبوليس إلى سبتمر 1884م ثم عين مدرساً للفسيولوجيا بمدرسة الطب بقصر العيني إلى سنة 1898م ثم أحيل إلى المعاش وقد منح رتبة بكباشي في 6 أغسطس سنة 1886م وأنعم عليه بالنشان المجيدي من الدرجة الرابعة في مايو سنة 1875م وأنعم عليه برتبة القائمقام في مايو 1883م وأنعم عليه بالرتبة الثانية في يوليو 1886م وبعد إحالته إلى المعاش سكن مدينة حلوان وعاش بها إلى أن توفي إلى رجمة الله حوالي سنة 1915م وكان رحمه الله رضي الأخلاق كريم الطباع محباً لتلاميذه شفوقاً عليهم حلو الحديث عالماً مفيداً لطلابه.
ـ وهكذا أكمل الدكتور أحمد عيسى بك رحمه الله كتابه ذيل عيون الأنباء في طبقات الأطباء وبذلك أكمل ما بدأه ابن أبي أصيبعة إلى أن مات رحمه الله رحمةً واسعة.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:49 PM
تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب للأنطاكي


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
حديثنا اليوم عن العمل الإبداعي الإسلامي تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب لداوود الأنطاكي والشهير بتذكرة داوود، مؤلفه الشيخ داوود الأنطاكي المولود في أنطاكية في القرن العاشر الهجري والملقب بالحكيم الماهر الفريد.
ـ وصف الكتاب:
ـ النسخة التي بين أيدينا من الكتاب تقع في 648 صفحة من القطع فلوسكاب مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، تتضمن مقدمة وأربعة أبواب، عدد المؤلف في المقدمة العلوم المذكورة في الكتاب وحال الطب منها، ومكانته وما ينبغي له ولمتعاطيه وما يتعلق بذلك من الفوائد «كما قال الدكتور عبد الحليم منتصر رحمه الله في تاريخ العلم ودور علماء العرب في تقدمه» وقال أيضاً:
ـ تكلم المؤلف في الباب الأول عن كليات هذا العلم ومداخله، كما أفرد الباب الثاني لقوانين الأفراد والتركيب وأعمال السحق والغلي والقلي والجمع وأوصاف القطع الملين والمفتح.
ـ وتكلم في الباب الثالث عن المفردات والمركبات وما يتعلق بها من اسم وماهية ومرتبة ونفع وضر، وتكلم في الباب الرابع عن الأمراض وما يخصها من العلاج.
ـ وقد رتب داوود مواد كتابه على حروف المعجم وقد اختط لنفسه خطة في ذكر مفرداته فقال: إنها تتكون من عشرة قوانين منها ذكر الأسماء بالألسن المختلفة، ثم الماهية من لون ورائحة وطعم وتلزج وخشونة وملامسة وطول وقطر، ثم ذكر حسنه ورديئه ليؤخذ أو يتجنب ثم المنافع والمضار وما يصلحه ومقدار المأخوذ منه، وأخيراً ذكر ما يقوم مقامة إذا فقد، ثم أضاف أمرين لهما خطرهما وأهميتهما، هما الزمان الذي يقطع فيه الدواء والبيئة التي ينمو بها النبات.
ـ والباب الثالث من الكتاب أهم أبوابه وهو متضمن المفردات والأقربازينات مرتبة على حروف المعجم، فأورد عدة مئات من أسماء النبات والحيوان والمعادن والعقاقير المتخذة منها أو من عناصر وأملاح كيماوية.
ـ وخص الجزء الثاني من كتاب بتفصيل أحوال الأمراض واستقصاء أسبابها وعلاماتها وضروب معالجتها الخاصة بها، وعرض نحو عشرين قاعدة جعلها دستور بحثه في هذا الجزء من الكتاب، ورتب الأمراض على حسب حروف المعجم كذلك. أما الجزء الثالث فهو تذييل لبعض تلاميذ صاحب التذكرة.
ـ وضمن داوود كتابه عدداً من الوصفات العامة والخاصة كما ذكر أنواعاً من السقوف والترياق والسعوط والمراهم والمعاجين والدهانات والأكحال والأشربة.
ـ كما أورد كذلك من الوصفات التي لا تتفق مع الذوق العام أو الطب الحديث وقال الدكتور عبد الحليم منتصر رحمه الله ولعله شايع العامة في ذكر بعضها ومع ذلك فتذكرة داوود إنما هي عمل موسوعي ضخم.
مؤلف الكتاب:
ـ مؤلف الكتاب تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب هو الشيخ داوود الأنطاكي المولود في أنطاكية في القرن العاشر الهجري، أبقراط زمانه، عني بقراءة كتب الأقدمين من أمثال أبقراط، وديسقو ريدوس، وجالينوس وابن سينا، والرازي.
اختص بدراسة الطب العلاجي وتحضير الأدوية والوصفات.
ـ للمؤلف رأي في طلب العلم يقول فيه: «عار على من وهب النطق والتمييز أن يطلب رتبة دون الرتبة القصوى» ويقول: «كفى بالعلم شرفاً أن كلا يدعيه، وبالجهل ضعة أن الكل يتبرأ منه، والإنسان إنسان بالقوة إذا لم يعلم، فإذا علم كان إنساناً بالفعل».
ـ للمؤلف كتاب النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان وتعديل الأمزجة مطبوع بهامش التذكرة.
نماذج من محتوى الكتاب:
قال المؤلف في الجزء الأول من الكتاب، في الباب الأول في كليات العلم والمدخل إليه: اعلم أن لكل «موضوعاً» وهو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، «ومبادئ» هي تصوراته وتصديقاته «ومسائل» هي مطالبه الحالة مما قبلها محل النتيجة من المقدمتين، «وغاية» هي المنفعة «وحداً» وهي تعريفه إجمالاً.
ـ «فموضوع» هذا العلم بدن الإنسان في العرف الشائع المخصوص والجسم في الإطلاق لأنه باحث عن أحواله الصحية والمرضية «ومباديه» تقسيم الأجسام والأسباب الكلية والجزئية «ومسائله» العلاج «وأحكامه وغايته» جلب الصحة أو حفظها حالاً والثواب في دار الآخرة مالا «وحده» علم بأحوال بدن الإنسان يحفظ به، حال الصحة.
وقال في الباب الثالث:
«أس»: باليونانية اموسير واللاتينية مؤنس والفارسية مرزباخ والسريانية هوسن والبربرية احماص، والعبرية إغمام والعربية ريحان وبمصر مرسين وبالشام البستاني قف وانظر والبري باليونانية مرسي أغرباء يعني ريحان الأرض والمستنبت منه أرفع من الرمان وربما ساوى المحلب والبري ولا يفوت نصف ذراع، وورقه دقيق وكلاهما من الورق حلو الخشب عفص الثمر زهره وثمره إلى سواد غير أن ثمر البستاني كالعنب في الحجم يسمى تكماماً وهو بارد في الثانية وكذا الورق في الأصح وقيل حار في الأولى لم يختص اجتناؤه بزمن ولم يغش محلل أولاً قابض ثانياً مفرح ينفع من الصداع والنزلات مطلقاً والصمم قطوراً وبحبس الإسهال والدم كيف استعمل كيف ويفتت الحصى شرباً ونزف الأرحام ولو جلوساً في طبيخه وكذا بذور المقعدة ويضعف البواسير مطلقاً ويجبر الكسر بالشراب ويفجر نحو الداحس بالشمع ولحرق النار بالزيت ويجلو الآثار والحكة مع الطين الأرمني بالخل وبالشراب يشد الاسترخاء ويزيل الورم والعرق المتغير وهواء الوباء والهوام ولو بخوراً ومع العفص والعدس والورد والاقانيا يصلح الناقهين ضماراً لا يعدله شيء مجرب ورماده أعظم من التوتيا في الظفرة والسلاق والدمعة مسحوقه بالسندروس والخنافس ونبات وردان يسقط البواسير بخوراً إذا لوزم وينفع من الأملج أسبوعياً ثم يطبخ بالسيرج حتى يذهب الماء، ينبت الشعر مجرب ورب ثمرة قبل الشراب يمنع السكر ويقوي الأحشاء وكله يمنع السموم مطلقاً خصوصاً الرانيلا ويصدع المحرورين ويورث الزكام ويصلحه البفسج والاستياك بعوده يهيج الجذام وشربته إلى ثلاث أوراق وعصارته إلى ثلاث أوراق وبدله في الحبس الافاقيا وفي حل الأورام الحضض وفي إذهاب الاحزاز وأمثاله الخطني وآس مكة يقاربه لكنه أضعف وهو نبت بالكف يوجد على ساق الأشجار.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:53 PM
كتاب النبات للأصمعي



إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
حديثنا اليوم عن كتاب النبات للأصمعي رحمه الله المتوفى سنة 216 هجرية والذي حققه ونشره الأستاذ عبد الله يوسف الغنيم وظهرت الطبعة الأولى المحققة سنة 1972 ميلادية والذي قال في مقدمته للطبعة المحققة: في القرن الثاني للهجرة بدأ علماء العربية في جمع مفردات نعتهم وتسجيلها، فصنفوا مصنفات أشبه بالمعاجم المتخصصة نحو كتب «الإبل والخيل والنخل والأنواء» وغيرها من الكتب التي تختص بموضوع بعينه يذكر فيها ما يتعلق به من ألفاظ اللغة. وكتاب النبات لأبي سعيد الأصمعي (128 ـ 216) هجرية من تلك الكتب التي ألفت في تلك الفترة.
الأهمية العلمية لدراسة النبات:
قال المحقق: لدراسة كتب النبات، ومعرفة التوزيع الجغرافي لأنواعه وفصائله فوائد أخرى لا تقل خطراً عن الفائدة اللغوية، التي طلبها علماء العربية فهي تعين دراسة الجغرافيا التاريخية على معرفة نوع المناخ السائد وأنواع النشاط البشري الممكن وجوده في تلك الظروف.
ـ وكثيراً ما يعين النبات على تحديد كثير من المواضيع المتشابهة الأسماء.
ـ وقد تنبه القدماء إلى أهمية النبات في تحديد الإقليم أيضاً، قال ابن الفقيه «وقد قيل فرق ما بين الحجاز ونجد أنه ليس بالحجاز غضاً، فما أنبت الغضا فهو نجد، وما أنبت الطلح والسمر والأسل فهو حجاز (مختصر كتاب البلدان لابن الفقيه).
نماذج من الكتاب:
قال أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي:
يقال: رأيت أرض بني فلان غب المطر واعدة حسنة، إذا رجي خيرها، وتمام نبتها في أول ما يظهر النبت.
ـ ويقال: أو شمت الرض: إذا رأيت فيها شيئاً من النبات.
ـ ويقال: أبشرت الأرض: إذا أحسن طلوع نبتها.
ـ وبذرت الأرض تبذر بذراً إذا ظهر نباتها متفرقاً.
ـ ويقال: ودست الأرض ودساً: ودست الأرض توديساً حسناً في أول ما يظهر نباتها.
ـ ويقال: أرض بني فلان «واصية» إذا اتصل بعض نباتها ببعض.
ـ ويقال للأرض إذا طال نباتها وارتفع: قد جأرت الأرض ومنه يقال: غيث جؤر.
ـ ويقال للأرض إذا حسن نباتها وامتلأت: قد اكتهلت واعتمت، والنبت حينئذ مكتهل ومعتم ويقال: نبت عميم وعمم فإذا طال وتم قيل: قد استأسد.
ـ فإذا خرج زهرة قيل: قد جن جنوناً وزهره وزهرته ونواره ونوره وزهره سواء، ومن ذلك نبت منور ونبت مزه وأزهت الأرض.
ـ وبرعم الزهر، أكمامه والجمع البراعيم وأكمامه غلفة ويقال عند ذلك: قد أخذ النبت زخاريه وزخرفه.
ـ فإذا تم يبسه قيل: قد هاجت الأرض تهيج هياجاً وهيجاً.
ـ فإذا تكسر اليبيس فهو الخطام وهو الهشيم.
ـ وإذا كثر الكلأ وكثف قيل: أصارت الأرض وأرض بني فلان صيور إذا كثر الكلأ فيها. وما كان من النبت له حب فاسم ذلك الحب الحبة.
ـ واللمعة من الأرض، الكثيرة الكلأ.
ـ والسلب، التي قد سقط ثمرها وهي جمع سلوب.
ـ والعراجين: نبت بيض صغار واحدها عرجون.
ـ والجنبة: ما كان من العشب بين الشجر والنبت.
ـ والحمض: ما كان مالحاً والخلة ما لم تكن فيه ملوحة فإذا رعت الإبل الخلة فهي مختلة ومخلة أيضاً.
ـ فإذا رعت الإبل الحمضى فهي حامضه وأصحابها محموضون.
ـ ومن شجر الحجاز الغرقد والسدر فما كان برياً فهو ضال وما كان ينبت في الأنهار فهو عبري.
ـ والعوسج شجرة المصع الواحدة مصعة.
ـ ويقال: خضبت الأرض خضوباً إذا ظهر نبتها عن مطر.
ـ واحنط الطلح: إذا أدرك ثمره.
ـ والخلفة: النبات يعقب ورقاً أخضر بعد ورق.
ـ وما كان من ورق ليس بعريض إنما هو خوصة فهو الهدب وهو ورق الأرطي والأثل والغضا والرمث والطرفاء والأثأب.
ـ والحفأ: البردي.
ـ ومن الشجر المخاطة، وهي التي تسميها الفرس السبستان لها ثمرة حلوة لزجة تؤكل.
ـ ومن الشجر: العجوم والتين والأراك وثمرة البربير. والعشرق والشبرق والشرى شجر الحنظل وثمره الحدج.
ـ والمرخ والعفار شجر كثير النار يتخذ منه الزناد ومثل من الأمثال: في كل شجر.
نار واستمجد المرخ والعفار
ـ والطرفاء واحدتها طرفة، والحلفاء واحدتها حلفة.
ـ والخروع والينبوت وهما بعمان والغاف شجر بعمان.
ـ ومن نبات جبال السراة الشث والعرعر والطباق والضبر وهو جوز الجبل والمظ وهو رمان البر ينور ولا يعقد والنحل يأكل المظ ويجوز العسل عليه.
ـ والرتم والصاب شجر بالغور إذا قطع منه شيء خرج منه لبن فإذا أصاب العين حلبها.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:54 PM
المختار من الأغذية ـ لابن النفيس


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
نعيش اليوم مع المختار من الأغذية لابن النفيس رحمه الله ذلك العمل الإبداعي الإسلامي الذي يتمثل فيه نظرية العلاج بالغذاء لا الدواء بشكل يثير الإعجاب ويتجاوز المرحلة العلمية التي عاش فيها.
ـ وأصل المختار من الأغذية نسخة وحيدة في العالم هي المخطوطة المحفوظة بكتبة الدولة ببرلين تحت رقم 6400 Pm 353 وعليها اعتمد الدكتور يوسف زيدان في إصدار الطبعة المحققة التي بين أيدينا من المختار من الأغذية.
ومخطوطة المختار كما قال المحقق تقع في عشر صفحات مقاس 20 × 14 سنتيمتراً كل صفحة بها خمسة وعشرون سطراً ويحتوي السطر المتوسط على عشر كلمات.
وصف المحقق للمختار:
قال المحقق: يبدو المختار من الأغذية كما لو كان دستوراً غذائياً وضعه ابن النفيس لطلابه أو لأحد معاصريه فهو يقتصر على وصف الأغذية الواجبة التناول في سائر الحالات التي تعرض للجسم.
وينقسم المختار للأقسام التالية:
أغذية: أصحاب الأمراض الحادة، وأصحاب حمى الرَّبْع، وأصحاب حمى الورد، وأصحاب السعال والمسلولين والربو وضيق النفس، وأصحاب الإسهال، وأصحاب القولنج وأصحاب السوداء وأغذية المجذومين والمبروصين، والمصروعين والمفلوجين وأصحاب الرعشة والسكتة والكزاز وأغذية النفساء والناقهين من الأمراض وأصحاب المعدة الضعيفة والكبد الضعيفة واليرقان وأصحاب الجنب والمطحولين وزائدي الجماع والأغذية المجففة للمني قاطعة الاحتلام وأغذية تسمن الأبدان وتسمنها وأغذيتها تهزل الأبدان وتنحفها وأغذية تدر اللبن في ثدي النساء وأغذية تدر الطمث وأغذية تدر البول وأخرى مساكة للبول والطمث وأغذية أصحاب الديدان الكبار والصغار وأغذية قريبة من الاعتدال موافقة في أكثر الأحوال لجميع الناس من الأصحاء وبعض المرضى.
العلاج بالأغذية عند ابن النفيس:
قال المحقق: اهتم ابن النفيس بالأغذية اهتماماً كبيراً واعتبرها العامل الأول في تحقيق الجزء العملي من الطب ذلك الجزء الذي ينقسم عنده إلى فرعين علم حفظ الصحة، وعلم العلاج.
ويبدأ ابن النفيس كلامه في حفظ الصحة بالحديث عن «تدبير المأكول» فيقول: كل صحة أردنا حفظها على حالها أوردنا عليها الشبيه في الكيفية فإن أردنا نقلها إلى أفضل منها أوردنا الضد، ولنقتصر من الغذاء على الخبز النقي من الشوائب واللحم الحولي والحلو الملائم ومن الفاكهة التين والعنب والبلح والرطب في البلاد المعتاد فيها أكله. أما الأغذية الدوائية كلها فلا يلتفت إليها إلا لتعديل مزاج أو مأكول: الموجز في الطب ـ ابن النفيس.
ـ وكان المنهج العلاجي عند ابن النفيس ـ كما قال المحقق ـ يعتمد على الغذاء جُلَّ اعتماده، ولهذا نراه في مؤلفاته العديدة ينصح بالبدء بالأغذية ـ فيقول في الموجز في الطب: وحيث أمكن التدبير بالأغذية فلا تعدل إلى الأدوية.. وإنا لا نؤثر على الدواء المفرد، ومركباً، إن وجدنا المفرد كافياً.
ـ وهنا يترك ابن النفيس للمناعة الطبيعية للجسم أن تعمل ويتحاشى الدواء قدر الإمكان ويتدرج في استعماله.
وابن النفيس يؤكد دائماً على البدء بالدواء المفرد الذي هو أقرب إلى طبيعة الغذاء ويتحاشى استعمال الأدوية المركبة لتأثيراتها الجانبية.
نماذج من محتوى المختار:
ـ أغذية أصحاب السعال والمسلولين وأصحاب الربو وضيق التنفس:
قال ابن النفيس: هذه الأغذية تنقسم إلى قسمين أغذية باردة للسعال الحار وأغذية حارة للسعال البارد.
ـ الأغذية الباردة: حسو الشعير وحسو النشا وحسو الباقلي الأخضر، وحسو الماش والقطف البقلة اليمانية والرجلة «البربير» الخبازي الملوكيا «الملوخية» الخشن والرمان الحلو، السمك الصغير الطري والعنب المستوي والتين الأخضر النضيج وأكارع الخراف، أكفان الخشخاش الأبيض وشراب الجلاب وشراب البنفسج وشراب النيلوفر وماء القرع الصغار بالسكر وماء الدلاع «البطيخ الأخضر» لب الخيار ولب القثاء ولب البطيخ ودهن حب القرع.
ـ الأغذية الحارة: حسو الحواري «لب القمح» حسو نخالة الحنطة والأرز الأبيض والبيض النيمرشت، وكارع الكباش والضأن واللحم الفتي، وحسو الحلبة مع التين أو التمر وحسو الحمص والفراريج والبصل المشوي والعنب الحلو النضيج والكرنب والتين اليابس والجوز واللوز والصنوبر والموز وقصب السكر وحب الصنوبر مع الزبيب والتمر الفانيد والعُنَّاب الصحيح الشراب الحلو والعسل المدير والفالوذج الحلو والمتخذة بالجلجلان الحلو والمتخذة باللوز والفستق وحب الصنوبر والخبيص واللوزينج، ودهن اللوز والشيرج، والزبيب الحلو، ولبن الأتن ولبن النوق ولبن الماعز وشحم الطير والزبد واللفت، والفجل مطبوخاً على سبيل الدواء.
ـ وأغذية أصحاب المعد الضعيفة والقيء والوحم العارض للنساء وأكلهن الطين وأشباه ذلك:
السفرجل والتفاح والكمثرى والبسر وزيتون الماء والكبر المخلل والزيتون اللفت والمخلل الزيت العفص والشَّاهبلوط لا سيما بالتين الحلو الحديث الرطب، وحب الآس والفستق والشراب الصرب والخل.
ـ أغذية لأصحاب الكبد الضعيفة:
كل غذاء سريع الانهضام كخبز الخنشار المختمر خاصة والخبز الذي يكون من حنطة رخوة خفيفة بيضاء ولحوم الطير كالفراريج والدراج والطيهوج واليمام والزرازير البيض، والحجل ولحوم الجدي والبيض النيمرشيت وحسو الفتات وكشك الشعير والسويق المدبَّر والخبز المعسول والسكر والزبيب إذا أكل بنواه ـ فإنه يسمن الكبد المهزولة بخاصية فيه ـ والفستق يقوي الكبد المائلة إلى البرر ويفتح سُدَدَها ويجلو ما فيها من الغلط، والمشمش حاصته إخراج ما في العروق من الفضول وأكباد البط للإسهال الذي من ضعف الكبد واللوز يفتح سُدَد الكبد والمشمش بلب الفستق غذاء جيد للكبد الباردة ومفتح لسددها والتفاح الحامض يبرد الكبد تبريداً قوياً والسفرجل يقوي المعدة والكبد، ماء الحصرم ـ مفرداً مقو للكبد الخشن:
مطفىء مبجر الهندباء والكوشوثا والرازيانح «الشمر» والانسيون كلها مفتحة سداد الكبد المائلة للبرد.
وعن الأغذية التي تسمن الأبدان وتخصبها قال:
خبز السميد إذا عجن باللبن أو بالزيت وقلل ملحه وخميره، خبر الحواري المحكم الصنعة والهريس باللحم السمين وبالشحوم وبالدجاج المسمنة والأرز والحنطة المسلوقة والعصافير الأطرية الزلابية والحمص بالحلم وبغيره الباقلى واللحم باللبن الفجج بفصوص البيض واللحم بالجوز والدجاج المسمنة ولحم الخروف الراضع ودماغ الثور ولحوم العجول المحاح «حمع مح» والقلوب أجنحة الأوز السمك الرطب الطري وجميع الألبان لا سيما اللبن الغليظ مثل لبن البقر والنعاج والجبن الطري ونبيذ العسل والمربى بالبرية ونبيذ التين والشراب الحلو الأحمر الخليط وشراب البر والبطيخ والتمر الحلو والشلجم «نوع من أنواع اللفت أو البنجر» والجوز وجميع اللبوب ـ كاللوز والفستق والبندق والنارجيل «جوز الهند» والفانيد واللوز بالسكر والعنب الحلو الحديث والتين الأخضر.
وعن أغذية تهزل الأجسام وتنحفها «التخسيس» قال: الإدمان على خبز الشعير والذرة والبقول وكل غذاء حامض كالخل والزيتون والصبر وكل حريف كالقوم والبصل والكرات والجرجير وما أشبه ذلك.
وماومة الصوم والأكل مرة في اليوم ومصابرة الجوع والعطش وشرب الشراب الرقيق العتيق والإقبال على آكل الحوت المملوح العتيق وإطالة المكث في الجمام والتعرق الكثير فيه «أي في الحمام» وفي الشمس.
وهكذا سبق ابن النفيس أطباء عصرنا في فهم أهمية الغذاء والتغذية في الصحة والمرض.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:55 PM
عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
ـ العمل الإبداعي الإسلامي الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم هو موسوعة طبقات الأطباء المسماة بعيون الأنباء لابن أبي أصيبعة رحمه الله.
المؤلف:
ـ المؤلف هو موفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم بن خليفة الشعري الخزرجي المعروف بابن أبي أصيبعة، من أطباء العرب المعروفين وأدبائهم المرموقين , ولد في دمشق في عام 600 هجرية في بيت علم وأدب فقد كان والده من أمهر الكحالين «أطباء العيون» في دمشق.
ـ أتقن العلوم اللسانية على علماء زمانه ثم انصرف إلى تلقي علوم الطب عن والده، سافر إلى القاهرة والتحق بالمارستان الناصري «المستشفى الناصري» فاشتهر بذكائه وحسن مداواة العيون ثم التحق بخدمة الدولة، ووصلت شهرته إلى أسماع عز الدين في صرخد إحدى مدن جبال حوران فأرسل إليه يطلبه فرحل إليه وأعجبه مناخ صرخد فمكس فيها حتى مات عام 688 هجرية.
ـ والعمل الإبداعي موسوعة علمية تحوي ترجمة كبار الأطباء من زمن الإغريق والروملن والهنود إلى عام 650 هجرية وتحوي الموسوعة على ترجمة لما يزيد على 400 طبيب.
ـ وقد استلفت هذا العمل القيم نظر المستشرق الألماني مولر فقام بطبعه نقلاً عن نسختين خطيتين عثر عليهما في عام 1884م، وفي عام 1899 قامت المطابع المصرية بطبع الكتاب نقلاً عن طبعة.
سبب التأليف والإعداد:
ـ قال المؤلف في مقدمته الموسوعة: إذا كانت صناعة الطب من الشرف بهذا المكان وعموم الحاجة إليه داعية في كل وقت وزمان أن يكونالاعتناء بها أشد والرغبة في تحصيل قوانينها الشكلية والجزئية أكد وأجد وأنه لما كان قد ورد كثير من المشتغلين بها والراغبين في مباحث أصولها وتطلبها، منذ أول ظهورها وإلى وقتنا هذا، وكان فيهم جماعة من أكابر أهل هذه الصناعة، وأولي النظر فيها، والبراعة ممن قد تواترت الأخبار بفضلهم، ونقلت الآثار بعلو قدرهم ونبلهم وشهدت بذلك مصنفاتهم، ودلت على مؤلفاتهم، ولم أجد لأحدٍ من أربابها ولا من أنعم الاعتناء بها كتاباً جامعاً في معرفة طبقات الأطباء وفي ذكر أحوالهم على الولاء، رأيت أن أذكر في هذا الكتاب نكتاً وعيوناً في مراتب المتميزين من الأطباء القدماء والمحدثين، ومعرفة طبقاتهم على توالي أزمنتهم وأوقاتهم، وأن أودعه أيضاً نبذاً من أقوالهم وحكاياتهم ونوادرهم ومحاوراتهم وذكر شيء من أسمائهم وكتبهم، ليستدل بذلك هلى ما خصهم الله تعالى من العلم وحباهم من جودة القريحة والفهم.
وصف المؤلف للكتاب:
قال ابن أبي أصيبعة: وقد أودعت الكتاب أيضاً ذكر جماعة من الحكماء والفلاسفة ممن لهم وعناية بصناعة الطب، وجملاً من أحوالهم ونوادرهم وأسماء كتبهم , وجعلت ذكر كل واحد منهم في الوضع الأليق به على حسب طبقاتهم ومراتبهم.
ـ فإني جعلته منقسماً إلى خمسة عشر باباً, وسميته كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء وخدمت به خزانة المولى الصاحب.
وهذا عدد الأبواب «كما قال المؤلف»:
ـ الباب الأول: في كيفية وجود صناعة الطب وأول حدوقها.
ـ الباب الثاني: في طبقات الأطباء الذين ظهرت لهم أجزاء في صناعة الطب وكانوا المبتدئين بها.
ـ الباب الثالث: في طبقات الأطباء اليونانيين الذين هم من نسل اسقليبيوس.
ـ الباب الرابع: في طبقات الأطباء اليونانيين الذي أذاع أبقراط فيهم صناعة الطب.
ـ الباب الخامس: في طبقات الأطباء الذين كانوا زمان جالينوس وقريباً منه.
ـ الباب السادس: في طبقات الأطباء الاسكندرانيين ومن كان في زمنهم من الأطباء النصارى وغيرهم.
ـ الباب السابع: في طبقات الأطباء الذين كانوا في أول ظهور الإسلام من أطباء العرب.
ـ الباب الثامن: في طبقات الأطباء السريانيين الذين كانوا في ابتداء ظهور دولة بني العباس.
ـ الباب التاسع: في طبقات الأطباء النقلة الذين نقلوا كتب الطب وغيرها من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وذكر الذين نقلوا عنهم.
ـ الباب العاشر: في طبقات الأطباء العراقيين وأطباء الجزيرة وديار بكر.
ـ الباب الحادي عشر: في طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد العجم.
ـ الباب الثاني عشر: في طبقات الأطباء الذين كانوا من الهند.
ـ الباب الثالث عشر: في طبقات الأطباء الذين ظهروا في بلاد المغرب وأقاموا بها.
ـ الباب الرابع عشر: في طبقات الأطباء المشهورين من أطباء ديار مصر.
ـ الباب الخامس عشر: في طبقات الأطباء المشهورين من أطباء الشام.

النسخة التي بين أيدينا من الكتاب:
ـ النسخة التي اعتمدنا عليها في إعداد هذا المقال نسخة جديدة الطباعة شرحها وحققها الدكتور نزار رضا وهي تقع في 792 صفحة من القطع الكبير «الفلوسكوب» محققة تحقيقاً جيداً ومطبوعة ببنط واضح وطباعة جديدة.
ـ القيمة العلمية للكتاب:
يعتبر كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء موسوعة علمية فريدة سجل فيها ابن أبي أصيبعة الأطباء منذ اليونان حتى وفاته يرحمه الله، والكتاب من المراجع العلمية الهامة التي يعتمد عليها المؤلفون والعلماء وكتبهم العلمية الطبية وغيرها والفنون التي كانوا يتقونها غير مهنة الطب والحكام الذين شجعوا المهنة والمدارس والمستشفيات التي تعلموا فيها ومارسوا مهنة الطب فيها وتلاميذهم.
1 ـ إستدراك واجب:
ـ لقد اتهم ابن أبي أصيبعة رحمه الله بتعمد ترك ذكر ابن النفيس رحمه الله رغم عملها في عصر واحد ومستشفى واحد، وقد ذهب مؤرخون تناولوا ابن النفيس في بحوثهم إلى أن عدم ذكر ابن أبي أصيبعة لابن النفيس في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء إلى وجود خلاف بينهما، وكان هذا الخلاف سبباً في هجرة ابن أبي أصيبعة من القاهرة وذهابه إلى صرخد وذهب بعض من كتبوا عن ابن النفيس ومنهم المستشرق ما يرهوف إلى سوء التفاهم أو الدسائس التي افترضوا وجودها بين ابن أبي أصيبعة وابن النفيس رحمهما الله، قد تكون سبباً في عدم ذكر ابن النفيس في كتاب عيون الأنباءفي طبقات الأطباء.
وقد ذهب محققاً كتاب المهذب في الكحل المجرب لابن النفيس إلى اتهام ابن أبي أصيبعة باتهامات لا تليق بعلماء المسلمين حيث جاء في مقدمة التحقيق: «ثم تألقا ابن النفيس ولم يسهم ابن أبي أصيبعة سموه فوغر صدره على ابن النفيس ولعل هذا سبب إهمال ابن أبي أصيبعة ذكر ابن النفيس في كتابه عيون الأنباء، وكذلك شأن الحسد بين الأقران إذا تألق بعضهم وتخلف بعضهم».
ولقد ثبت علمياً وجود مخطوطة في دار الكتب الظاهرية بدمشق هي نفس كتاب عيون الأنباء ووجد بالمخطوطة ذكر ابن النفيس كما قال محمد بسام ملص في مجلة الخافجي العدد الثالث سبتمر 1994م صفحة (22) والذي قال: وإلى القارىء الكريم النص الذي كتبه ابن أبي أصيبعة عن ابن النفيس كما جاء في كتاب بول غليونجي «الذي كتب عن النسخة المكتشفة حديثاً».
قال ابن أبي أصيبعة: «علاء الدين بن الحزم القرشي المتطيب .. كان شيخاً فاضلاً كالبحر الخضم والطود الأشم للعلوم ولم يكن منفرداً بفن من الفنون ولو لم يكن له غير شرح غواض القانون تلغي به دليلاً على غزارة فضله ونذارة مثله...». وهكذا يبرأ علماؤنا من الحقد والحسد ويثبت التاريخ أنهم كانوا يخشون الله ويتقونه حق تقاته فجاءت أعمالهم مبدعة بفضل الله ثم بفضل عِلمهم وإخلاصهم.
أنموذج من الكتاب:
أبو جعفر بن هارون الترجالي:
من أعيان أهل إشبيلية، وكان محققاً للعلوم الحكمية متقنناً لها معتنياً بكتب أرسطو طاليس وغيره من الحكماء المتقدمين فاضلاً في صناعة الطب متميزاً فيها، خبيراً بأصولها وفروعها، حسن المعالجة محمود الطريقة. وخدم لأبي يعقوب والد المنصور، وكان من طلبة الفقيه أبي بكر بن العربي لازمه مدة واشتغل عليه بعلم الحديث، وكان أبو جعفر بن هارون يروي الحديث وهو شيخ أبي الوليد ابن رشد في التعاليم والطب، وأصله من ترجالة من ثغور الأندلس وهي التي أصابها المنصور خالية وهرب أهلها وعمرها المسلمون وكان أبو جعفر هارون أيضاً عالماً بصناعة الكحل وله آثار فاضلة في المداواة.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:55 PM
حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار للغساني


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
الكتاب الذي بين أيدينا المسمى بحديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار، كتاب جامع في تصنيف النبات على أساس المعاينة والمشاهدة كلما أمكن ذلك ألفه المؤلف المغربي المسلم أبو القاسم محمد بن إبراهيم الغساني الشهير بالوزير في شهر المحرم عام 994 هجرية وحققه الأستاذ محمد العربي الخطابي.
قال المقري عنه: كتاب عجيب في بابه لم يؤلف مثله، يذكر سائر الأعشاب والعقاقير بما سميت به في الكتب ثم يذكر اسمها بلسان عامة الوقت ثم يذكر خواصها على وجه عجيب.
الوصف العام للكتاب:
ـ رتب الغساني كتابه على الحروف الأبجدية باصطلاح المغاربة مبتدئاً بحرف الألف ومنهياً بحرف الشين، يذكر الاسم العلمي للمادة الطبية المفردة ثم يشرح ماهيتها ويصف شكلها وأجزاءها وما قد يكون لها من زهر وثمر.
وكثيراً ما يذكر أسماءها المتعددة والبيئة التي تنبت فيها، إن كانت من الأعشاب، وهو يذكر اسمها الشائع على لسان العامة في المغرب بالعربية، أو باللسان الأمازيغي، وبعد أن يوضح ماهية المادة النباتية أو الحيوانية أو المعدنية ينتقل إلى بيان طبيعتها وأخيراً يذكر خواصها ومنافعها الطبية أو مضارها أن اقتضى الحال من غير دخول في التفاضيل المتعلقة بالمقادير وطريقة التحضير إلا نادراً، ثم يختم بذكر بدلها إذا تعذر وجودها.
وكما قال المحقق أيضاً: فقد تناول الغساني في كتابه هذا بالشرح نحو 380 مادة مفردة معظمها من جنس النبات ـ وعدد المفردات الحيوانية والمعدنية سبع.
المميزات العلمية للكتاب:
انفرد كتاب حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار بميزة فريدة حيث اصطنع المؤلف منهجاً خاصاً لتنصيف النبات ـ تصنيفاً علمياً ـ وهو ما يسمى اليوم بالنظام التصنيفي فهو يعمد إلى تعيين جنس العشبة ونوعها.
وقد اقتدى الغساني ببعض من سبقه من علماء النبات المسلمين الذين اهتدوا إلى ابتكار أسماء علمية لبعض الفصائل والأجناس أهملها المتتأخرون من واضعي المصطلحات العلمية، من ذلك مثلاً أن هؤلاء قد اقتصروا أحياناً على تعريب المصطلحات العلمية دون إيجاد مقابل عربي له أو الرجوع إلى المعرب القديم ونذكر على سبيل المثال فصيلة ـ Eu Phorbiaceae ـ قد عربوها الفصيلة: الغربيونية، وسماها الغساني وبعض من سبق جنس التيوع أو اليتوع وهو كل نبات له لبن يسيل إذا قطع.
وقد استغل الغساني الشكل الظاهري في التنصنيف مثل الكفوف، والسيوف، والهدبات، والأحباق، والبقل، واللبلاب.
آراء بعض الغربيين في المؤلف:
قال المحقق لاحظ بعض الدارسين الغربيين أصالة الغساني في معالجته لأفراد المملكة النباتية ومن هؤلاء الطبيب والمستشرق الفرنسي هنري رونو الذي خصه ببحث قال فيه:
«يعد الغساني ذهناً متميزاً إذا قيس بعصره وبينته، والحكم على أثاره لا يتأتى دون مقارنتها بالعديد من مصنفات المادة الطبية لمؤلفين عرب آخرين، نعم، إنه إن لم يصل إلى حد يجعله يتبين بوضوح تام ما للزهرة من أهمية راجحة، ولا سيما أعضاء الإخصاب التي تكمن في أحشائها، حتى يتمكن من وضع قاعدة صحيحة لنظام التصنيف النباتي فهو يطلق اسم الخيوط على المدقات (المياسم) والأسدية ويخلط بينهما إلا أنه قد استخلص بوضوح فكرة التسلسل في خصائص النبات من جهة ـ كما أدرك من جهة أخرى مفهوم القرابة القائمة بين أنواع النبات بحيث يضمها تحت تسمية واحدة بواسطة تلك الجموع الطريقة التي صنعها.
أما المستشرق الإيطالي ألدو ميلي فإنه نقل النص السابق عن رونو وصدره بقوله:
«امتاز أبو القاسم الغساني الوزير بتصنيفه للنبات، فجاء كتابه فريداً من نوعه بين المصنفات العربية، وهو قد انتفع غاية الانتفاع بعمل سلفه العشاب المالقي حينما ألف كتابه حديقة الأزهار وأتمه عام 1586 ميلادية، إلا أنه في إمكاننا أن نتسائل عما إذا كان هذا المؤلف العربي قد تأثر بأندريا سيسالبينو الذي ألف كتابه النبات De Piantis عام 1583م على أن هذا احتمال ضعيف.
ونحن نقول:
هذا القول دليل على أن الغساني قد توصل إلى نفس ما توصل إليه سيسالبينو أهم مؤسسي علم تصنيف النبات الحديث.
وقد عقب المحفف محمد العربي الخطابي على القول السابق بقوله:
أولاً: إن الغساني كما يظهر من قراءة كتابه، لم يرجع إلى ابن البيطار وحده بل إنه لم يعول عليه إلا قليلاً... ثم قال: أما الغساني فإنه عول كثيراً على مرجع بالغ القيمة في علم النبات ـ كما سنبين فيما بعد ـ فضلاً عن معرفته بكثير من الأعشاب التي وصفها بعد أن وقف عليها بنفسه في المغرب، إذا كانت العشبة من غرائب نبات الأقطار البعيدة فإنه يكتفي بنقل أقوال غيره على ما قد يكون فيها من تعارض ولذلك يكثر عنده ورود مثل هذه العبارة قيل... اختلف الأطباء في ماهية كذا، فمنهم من قال كذا، ومنهم من قال كذا، وهو يرجح القول الذي يراه سديداً.
ثانياً: أن ألدو ميلي قد تكلف التسؤل عن حقيقة تأثر الغساني بسيسالبينو الإيطالي إلا أنه سرعان ما استبعد هذا الاحتمال وما كان له أن يفعل غير ذلك فالغساني قد انتهى من تأليف كتابه في العشرين من محرم عام 994 هجرية الموافق لعام 1585 ميلادية أي بعد سنتين من صدور كتاب De Piantis في إيطاليا.
وتأليف كتاب في أهمية حديقة الأزهار عمل لا يتم بين عشية وضحاها فهو لا بد من أن يكون ثمرة حهد سنين من العمل والبحث والتنفيح والتهذيب هذا من ناحية الشكل، إما من ناحية الموضوع فإن المقارنة بين التأليفين من حيث المنهج والأسلوب والمادة هي وحدها التي يمكن أن تثبت أو تنفي تأثير هذا المؤلف في ذاك.
وأول ما يظهر لنا من ذلك هو أن الغساني لم يدرس الأعشاب على أنها مستقلة عن علم الطب أما سيسالبينو فإنه يدرس الأعشاب في حد ذاتها، لا كفرع من فروع الطب والصيدلة.
ثم إن النباتي الإيطالي قد نهج طريقة التحليل الظاهري لأعضاء النبات أما الغساني فإنه قد تبين الخصائص التشكيلية للأعشاب وعين على أساس ذلك طائفة من الأجناس.
وامتاز الغساني بالوضوح في الوصف والاقتصاد في التعبير وسلك مسلكاً جعله يهتم يالزهور والثمار والبذور والجذور والأوراق ويلاحظ وجود نباتات طفيلية، ولا يخوض فيما لم يشاهده ولم يعرفه، ثم إنه اهتم بالبيئة الطبيعية التي تعيش فيها بعض النباتات.
ثالثاً: إن الغساني لم يكن هو السابق إلى محاولة تصنيف النبات من بين العلماء العرب فهو إنما عني باقتفاء منهج سار عليه غيره وأستاذه في ذلك ابن عبدون وذكر الغساني اسمه إحدى عشرة مرة في كتابه حديقة الأزهار.
انموذج من محتوى الكتاب:
ذكر الغساني في الكتاب 385 جنساً نباتياً نذكر منها الأترج خيث قال فيه:
أترج:
شرح الماهية: من جنس الشجر، ومن نوع الشجر الشائك، وهو مشهور معروف يسمى عند العامة الترنج (بضم التاء والراء) وبالبربرية بفتحها وبالعربية الفصحى أترج، ومنك وقرئ.
وثمره له أنواع: دقيق، وجليل، ومدحرج، وطويل.
طبيعته: حار في الأولى رطب في الثانية، وقيل بارد.
منافعه وخواصه: بالنظر إلى ثمر الشجرة وةورقها وكثرة جوهرها واختلاف أجزائها، فخاصية قشر ثمره تقوية القلب، والأمعاء والمعدة ويسكن الغشى والخفقان، ويذهب برائحة الفم، وإذا جعل في الثياب منع التسوس فيها وإذا حرق وعولج به البرص طلاء نفعه، وخاصية لحمه تطفيه الصفراء والتهاب المعدة، وخاصية بذره النفع من السموم وخصوصاً من سم العقرب إذا شرب منه مثقالان بماء فاتر وضمد به موضع النهشة.
وخاصية ورق شجره: بفتح السدود ويوسع الأنفاس وينفع من الخفقان ويضر بالكبد، إصلاحه بالعسل.
ومن نوع الأترج: النارنج: وهو من جنس الشجر وأنواعه كثيرة: سكري ومائي وورقه يشبه ورق الأترج إلا أن ورق الأترج أعظم، وورق النارنج أشد ملامسة وأعسر فركاً، وفي طرف كل ورقة منه من ناحية الغصن وريقة صغيرة منفصلة عن الكبيرة ويسمى عندنا بفاس النرنج ـ بغير ألف ـ وله زهر عطر الرائحة تقطر منه المياه كمياه الورد يسمى بماء زهر وثمره مدحرج الشكل كثمر الحنظلة ولونه قانئ قليل اللحم كثير الشحم شديد الحموضة فما كان منه كثير الماء قيل فيه مائي وما كان قليله قيل فيه سكري ثم يشرح بعد ذلك نوع الزنبوغ والليمون والليم.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:56 PM
كتاب النَّخل لأبي حَاتم السِّجستَاني


إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا
نعيش اليوم مع عمل إبداعي مميز من أعمال المسلمين إلا وهو كتاب النخل لأبي حاتم السجستاني ذلك الكتاب الذي مزج العلم بالأدب والدين والطب وفيه جسد المؤلف مكانة النخلة في الحياة الاقتصادية للعرب القدامى وذلك لأن النخلة من مصادر الغذاء ثم ما يفيدونه من النخلة من خوصها وسعفها وجريدها وليفها وجذوعها وجمارها.
من مؤلفات أبي حاتم:
ـ ولأبي حاتم السجستاني من المصنفات والمؤلفات ما يزيد على أربعين مصنفاً منها كتاب الطير، وكتاب النبات، وكتاب القيسي والنبال والسهام، وكتاب السيوف والرماح، وكتاب الدروع والتروس، وكتاب الوحوش، وكتاب الحشرات، وكتاب الزرع، وكتاب اللبأ واللبن الحليب، وكتاب النحل والعسل، وكتاب الإبل، وكتاب العشب، وكتاب الخصب والقحط، وكتاب الجراد، وكتاب السيوف والرماح، وكتاب المعمرين، وكتاب النخل،.. وقد توفي رحمه الله سنة 250 هجرية.
النخلة في السنة النبوية المطهرة:
ـ ذكر أبو حاتم بعض ما ورد عن النخلة في السنة النبوية المطهرة في صفحات متفرقة من الكتاب نذكر منها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن كشجرة لا يتحات ورقها» (أي لا يسقط). قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها نخلة، وعنده رجال من العرب، فذكروا الشجر فما أصابوا حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « هي النخلة». فقلت لأبي لقد وقع في نفسي أنها النخلة فقال: يا بني ما منعك أن تتكلم بها؟. فقلت: الحياء، وكنت من أصغر القوم سناً، فقال: لأن تكون حيياً أحب إليّ من كذا وكذا. (الحديث في تيسير الوصول، وأخرجه الشيخان مع اختلاف يسير).
ـ وفي هذا الحديث اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته أحدث الأساليب في التعليم والتعلم وهو أسلوب حل المشكلات أو أسلوب العصف الذهني وفي الحديث شبه المصطفى صلى الله عليه وسلم المؤمن بالنخلة. كما يحوي الحديث آداباً للمتعلم.
ـ وقال أبو حاتم: فضل الله ـ جل وعز ـ النخلة بأن خلقها من طين آدم كما فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب على غيره حين قال له في حديثٍ طويل..: «وأنت يا جعفر أشبهت خَلَقي وخُلُقي، وخُلقت من طينتي التي خُلِقْتُ منها». (أخرجه الشيخان البخاري ومسلم).
ـ وفي الحديث: خير المال سِكَّة مأبورة أي سكة نخل مأبورة أي مُصلحه ومؤبرة بمعنى ملقحة.
ـ وعن أجود أنواع التمر ورد في الحديث ما أورده السجستاني في كتاب النخل: خير تُمْرانكم البَرْني يُذهب بالداء ولا داء فيه. رواه الطبراني والحاكم وأبو نعيم وصححه الألباني.
بعض الآيات القرآنية في صفات النخلة:
جاء في الكتاب أن أنس بن مالك قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقناع عليه بُسْر فقال: ) مثل كلمة طيبة كشجرةٍ طيبة ( قال: هي النخلة. ) ومثل كلمة خبيثة كشجرةٍ خبيثة ( وهي الحنظلة، فأخبرت بذلك أبا العالية الرياحي فقال: هكذا كنا نسمع.
ـ قال أبو حاتم: القناع: الطبق.
ـ روح قال: حدثنا موسى بن عبيدة قال: سمعت محمد بن كعب القرظي في قوله: «كلمة طيبة» قال: هي لا إله إلا الله، كشجرة طيبة لا يزال صاحبها يجتني منها خيراً: صياماً أو صدقة أو حجة أو عمرة.
ـ ومثل كلمة خبيثة هي الشرك بالله ـ جل وعز ـ لا تقبلها السماء والأرض، ليس لها قرار في السماء والأرض.
ـ وعن شعيب بن الحبحاب قال: دخلت على أنس بن مالك أنا وأبو العالية فجيء برطب على طبق فقال: كل يا أبا العالية فإن هذه من الشجرة التي ذكرها الله ـ عز وجل ـ في كتابه وقرأ: ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت.
قال أبو حاتم: هذا تفضيل رب العالمين للنخلة جعلها مرة نخلوقة من طينة آدم تفضيلاً لها، كما فضل النبي صلى الله عليه وسلم جعفر حين قال: أنه مخلوق من طينتي ومرة قابل بها قول لا إله إلا الله وهي أفضل كلمة في السماوات والأرضين وأجمل الله ـ تبارك وتعالى ـ الفاكهة ثم أفردها والرمان «أي في قوله تعالى: ) فيهما فاكهة ورمان ( ».
قال أبو حاتم: وقال قوم لا علم لهم بكلام العرب: ليس النخلة ولا الرمان من الفاكهة حين سمعوا قول الله ـ جل وعز ـ فيهما فاكهة ورمان، فغلطوا وإنما ذكرهما الله ـ تبارك وتعالى ـ في الجملة ثم أفردهما تفضيلاً كما قال: ) قل من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ( تفضيلاً لهما على سائر الملائكة، وكما قال تعالى ذكره ) وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ( فأجمل النبيين قم قال: ) ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم ( فأفردهم لهم على سائر الأنبياء.
وصف جميل للشكل الظاهري للنخلة:
ـ عن الشعبي أن قيصر ملك الروم كتب إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: أما بعد فإن رسلي عد أخبرتني أن قبلكم شجرة تخرج مثل آذان الفيلة، ثم تنشق عن مثل الدر الأبيض ثم تخضر كالزمرد الأخضر، ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر، ثم تنضح فتكون كأطيب فالودج أكل، ثم تينع وتيبس فتكون عصمة للمقيم وزاداً للمسافر فإن تكن رسلي صدقتني فإنها من شجر الجنة.
ـ فكتب إليه عمر: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعدج: فإن رسلك قد صدقتك وإنها الشجرة التي أنبتها الله ـ جل وعز ـ على مريم حين نَفِسَت لعيسى، فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلهاً من دون الله.
بعض المصطلحات اللغوية في الكتاب:
ـ قال أبو زيد الأنصاري: القشرة التي على النواة والفُوفه والجمع الفُوف وقال بعض أهل العلم: فوفه كلّ شيء قشره.
وقال أبو زيد: والذي في بطن النواة طولاً الفتيل قال: والنُّقْرة التي في ظهر النواة النّقير وقد قال الله ـ جل وعز ـ ) ولا يملكون من قطمير ( فضربه مثلاً.
ـ وقال تعالى: ) ولا يظلمون فتيلاً ( وقال ـ جل وعز ـ: ) فإذا لا يؤتون الناس نقيراً ( والله أعلم بتفسير القرآن فإن كان التفسير على هذا، فهذه أمثال ضربها الله ـ تبارك وتعالى ـ وخص بها نوى التمر دون سائر النوى.
ـ قال أبو زيد: النقيرة: النقرة التي في ظهر النواة ومنها تنبت النخلة ـ من حبة صغيرة مدورة تكون في ذلك الموضع فإذا بزغت منها ونجمت فهي نجمة وناجمة، ثم هي شوكة، ثم تصير الشوكة خوصه، وهي الخفاضة في لغة طيء، والجمع الخفاض، ثم تغير أياماً ثم تطلع من الخوصة خوصة أخرى فإذا صارت ثلاث خوصات فهي الفرش، ثم يتتابع الخوص حتى يكبر ثم يعرضص فيدعى السفيف وذلك قبل أن يُعسِّ فإذا كثر خوصة قيل، قد عسب وهو عسيب، ثم هي نسيغة، أي نسغ أصلها في الأرض، ثم هي شعيب لأنها قد تشعبت أفناناً.
ـ قال الطائي: فإذا تشعبت دعوناها شيشاءة وأشاء. قال بعضهم: الأشاءة الفسيلة وقال بعضهم: الأشاء الرديء من الفسيل ومن النخل.
قالوا: هي فسيلة حتى ترتفع فإذا ارتفعت فهي فتية والجميع الأفتاء حتى تفوت الأيدي فإذا فاتت الأيدي أن تنال رؤوسها فهي النخل الجبار، ليس بالطويل ولا القصير.
ـ ويقال: للنخلة الطويلة الشماء والباسقة والجمع الشم والبواسق والباسقات وفي قوله تعالى: ) والنخل باسقات (.
ـ ويقال: للطوالالعُم والواحدة العميمة وقالوا: إذا تجردت النخلة وسلست أي وقع كربها وطالت فهي قرواح والجمع القراويح والصوادي: الطوال: والواحدة صادية قال الأصمعي: ومنتهى عمر النخلة إذا نقدِ جذعها ومالت قمتها ودنت من الموت وإذا دق رأس النخلة وعنقها فهي صعلة فإذا صغر رأسها وقل سعفها فهي عشه وقال شيخ من العرب سئل رجل منا: ما فعل نخل آل فلان قال: عشش من أعاليه وصنبر من أسافله.
ويقال للنخلة اللينة:
بقي أن نقول: أن الكتاب يقع في 162 صفحة من القطع a 4 بفهارسه بعد أن حققه الدكتور إبراهيم السامرائي والكتاب موسوعة علمية أدبية قيمة في النخل.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:58 PM
استأنس (( نمساً )) وودع هجوم الفئران!!



إعداد: د. نظمي خليل أبو العطا
لولا نشاط النمس والعرسة لارتفع معدل تكاثر الجرذان في العالم فهذان الحيوانان يأكلان الفئران ويتغذيان عليها ويخلصان العالم من ( شرورها ) خارج معامل العلماء.
وإذا كان النمس Herpestinae sp (Mongooes) يستأنس كما فعل معه المصريون فإن العرسة كائن مهاجم لا يعرف سوى الكر على حظائر الدجاج فكيف رصدت المخطوطات العربية هذين الحيوانين.
الدميري والنمس:
قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى: النمس دويبة عريضة، كأنها قطعة قديد تكون بأرض مصر يتخذها الناطور إذا اشتد خوفه من الثعابين لأن هذه الدويبة تقتل الثعبان وتأكله. قاله الجوهري: وقاله قوم.
وهو حيوان قصير اليدين والرجلين وفي ذنبه طول يصيد الفأر والحيات ويأكلها.
وقال المفضل بن سلمة: هو الظربان.
وقال الجاحظ: يزعمون أن بمصر دويبة يقال لها: النمس تنقبض وتنطوي إلى أن تصير كالفأر فإذا انطوى عليها الثعبان زفرت وانتفخت فينقطع الثعبان.
وقال ابن قتيبة: النمس ابن عرس وتسميته نمساً يحتمل أن يكون مأخوذاً من قولهم نمس بالكلام أي: أخفاه، ونمس الصائد إذا اختفى في الدريئة ولأنه يتماوت، وتسكن أطرافه حتى تعضه الحية فيأكلها، كان أشبه بالصائد في اختفائه في الدريئة.
النمس في العلم الحديث:
النمس من المملكة الحيوانية، شعبة الحبليات , من شعيبة الفقاريات , من طائفة الثدييات , من رتبة اللواحم الأرضية، العائلة الرباحية، ومن جنس النمس Herpestinae sp، ومن أنواع النمس الهندي الصغير، والنمس الهندي الرمادي والنمس الهندي والنمس المصري.
الشكل الظاهري للنمس:
قال عنه الدكتور حسين فرج زين الدين في أطلس ثدييات العالم:
تتميز النموس بأجسام مستطيلة رشيقة قوية بالنسبة لأجسام أترابها من العائلة، وعن النمس المصري قال: يبلغ وزنه تسعة كيلوجرامات وباطن القدم عار من الشعر، والأصابع متصلة حتى النصف بأغشية قصيرة والذنب طويل ينتهي بخصلة من الشعر طويلة تشبه الفرشاة. ومنطقة العينين عارية من الشعر تبدو فيها العيون الصغيرة النارية أكثر بروزاً مما هي في الواقع.
ولا شك أن النمس يستحق اسم النوع الذي أطلق عليه، لأنه يتلصص ويتجسس فيزور حظائر الدواجن مراراً، حتى يعرف كيف يخرج من المأزق إذا ما عمد إلى الإغارة والفتك مستعيناً بما فيه من مكر وخداع.
والنمس جبان شديد الخوف والحذر والغالب: أنه يعتمد على حاسة الشم في صيده، فإذا وقع له بيض شربه، كما يشرب دماء الثدييات والطيور، وتضع الأنثى من صغيرين لأربعة من الصغار التي ترضعها الأم فترة طويلة ويعني بها الأبوان.
تدجين النمس:
والنمس يألف حياة الأسر ويستأنس بسرعة ويصبح في البيت كالقط أو الكلب فينام مع صاحبه في نفس الحجرة، وقد يخرج للبحث عن غذائه بنفسه حتى إذا ما شبع عاد.
تعد النموس عنصراً مهماً في إبادة الفئران التي تنقل الطاعون إلى مختلف جهات العالم، والتي تخرب المحاصيل، والمواد الغذائية المخزنة والممتلكات كما أنه يفترس الثعابين مما يؤدي إلى الاتزان البيئي ونظافة البيئة.
ثانياً: العرسة:
عندما تذكر العرسة تذكر خناقة الكتاكيت ( الصيصان ) والدجاج، ورشاقة الجسم، ودقته، والحذر الشديد والهلع الذي يصيب الدجاج عندما يراها.
قال عنها القزويني في عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: ابن عرس: حيوان دقيق طويل يقال له بالفارسية راسو وهو عدو الفأرة يدخل جحرها ويخرجها ويحب الحلي والجواهر ويسرقها ويعادي التمساح والحية.
وقال عنها الدميري:
قال عنها الدميري في حياة الحيوان الكبرى وقال عبد اللطيف البغدادي:
وأظنه الحيوان المسمى بالدلق وإنما يختلف لونه ووبره، بحسب البلاد. وفي طبعه أنه يسرق ما وجد من فضة أو ذهب كما يفعل الفأر وربما عادى الفأر فقتله ولكن خوف الفأر من السنور أشد من خوفه منه.
قال: وهو كثير الوجود في منازل أهل مصر.
وقال الجاحظ: ابن عرس نوع من الفأر ووصفه في أبيات شعر بكونه أغبش أبلق.

العرسة في العلم الحديث:
العرسة من المملكة الحيوانية، شعبة الحبليات , من شعيبة الفقاريات , من طائفة الثدييات من رتبة اللواحم الأرضية , العائلة العرسية جنس العرسة: ومن أنواعه عرسة المنازل وابن عرس والعرسة المصرية وعرسة الماء.
وعن مميزات ابن عرس يقول الدكتور حسين فرج زين الدين في كتابه: أطلس ثدييات العالم:
يتميز ابن عرس بأجسام رشيقة نحيفة ويبلغ طوله 20 سنتيمتر، للذنب منها 4 سم والجسم مستطيل ممشوق لدرجة كبيرة. ولا يكاد يختلف سمكه من الرأس إلى مؤخر الجسم، والأطراف بادية القصر نحيفة، وبين الأصابع شعر، وهي مزودة بمخالب رقيقة مدببة حادة، والذنب قصير بسبياً ينحف تدريجياً من القاعدة حتى الطرف، والأنف كليل في وسطه شق مستطيل والأذن عريضة مستديرة، والعين صغيرة ولكنها قوية، والفراء متوسط الطول أملس يكسو البدن كله وتوجد أمام العين وفوقها شوارب، ولون الشعر بني محمر قليلاً ولون حافة الشفة العليا والأجزاء السفلى أبيض.
ابن عرس والبيئة:
يوجد ابن عرس في المناطق المنبسطة والجبلية وفي العراء وفي الغابات والأماكن المنعزلة والآهلة بالنس، إذ لا يعوزه المكان قط، لأنه يعرف كيف يرتب نفسه وفق مستلزمات البيئة، ويجد في كل منها مخبأً صغيراً منيعاً يعتصم به من الأعداء فقد يكون وكره في تجويف شجرة، أو بين الصخور أو الجدران النخرة، أو تحت جرف، أو في جحور الفئران، أما في الشتاء فيلجأ إلى صوامع الغلال والمخازن والحظائر وأسطح المنازل وغيرها في القرى والمدن.
ويخرج عادة في الليل للبحث عن غذائه وقد يخرج بالنهار أيضاً.
وبالرغم من أن هذه الحيوانات هي أصغر أنواع اللواحم، فهي بالغة الجرأة مقدامة غير هيابة وليس لها فترة تزاوج محددة وتحمل الأنثى لمدة خمسة أسابيع وتضع من 5 ـ 7 صغار.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:58 PM
لولا العنكبوت لمات البشر جوعاً


إعداد: د. نظمي خليل أبو العطا
أوهن البيوت بيته وشبكته التي ينسجها في الهواء لا تحميه من الاغتيال: ومع ذلك صارت مثلاً على التوغل وربما التوحش عندما يقال لقد انتشر انتشاراً عنكبوتياً كما أن سمه وظفه في الطب الشرعي.
وإذا كان القرآن الكريم قد ذكر بيت العنكبوت فإن كتب التراث العربي لم تغفل هذا الكائن العجيب في اللغة:
قال ابن منظر في موسوعته اللغوية لسان العرب: العنكبوت دويبة تنسج في الهواء وعلى رأس البئر نسجاً رقيقاً مهلهلاً، وهي مؤنثة وربما ذكرت في الشعر.
قال: والتأنيث في العنكبوت، وعناكب، وعناكيب. وتصغيرها: عنكيب وعنيكيب وهي بلغة اليمن عنكباه ويقال لها أيضاً: عنكباه وعنبكوه.
وقال ابن الأعرابي: العنكب الذكر منها، والعنكبة الأنثى.
وقيل: العنكب جنس العنكبوت وهو يذكر ويؤنث.
وقال المبرد: العنكبوت أنثى ويذكر.
ويقال لبيت العنكبوت: العُكدبة.
وقال الدميري في حياة الحيوان الكبرى:
العنبكوت: دويبة تنسج في الهواء وكنيته أبو خيثمة، وأبو قشعم، والأنثى أم قشعم وهي قصار الأرجل كبار العيون، للواحد ثمانية أرجل وست عيون.
فإذا أراد صيد الذباب لطى بالأرض وسكن أطرافه وجمع نفسه ثم وثب على الذباب فلا يخطئه.
وقال: قال أفلاطون: أحرص الأشياء الذباب , وأقنع الأشياء العنكبوت فجعل الله رزق اقنع الأشياء في أحرص الأشياء فسبحان اللطيف الخبير.
وقال ابن قتيبة في عيون الأخبار: تنسج من العناكب الأنثى والذكر هو الخدرنق. وولد العنكبوت ينسج ساعة يولد.
وقال الجاحظ في كتاب الحيوان: ولد العنكبوت أعجب من الفروج الذي يخرج على الدنيا كاسباً كاسياً لأن ولد العنكبوت يقوي على النسيج ساعة يولد من غير تلقين ولا تعليم ويبيض وأول ما يولد دوداً صغيراً ثم يتغير ويصير عنكبوتاً وتكتمل صورته عند ثلاثة أيام.
أصناف العنكبوت:
وعن أصناف العنكبوت قال القزويني في عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: والعنكبوت أصناف كثيرة لكل صنف فعل عجيب منها الطويلة الأرجل فإنها لما عرفت ضعف قوائمها وأنها تعجز عن الصيد أعدت للصيد مصائد وحبالاً من الخيوط فعمدت إلى فرجة بين حائطين متقاربين وتلقي لعابها الذي هو خيطها ليلصق به ثم يعدو إلى الجانب الآخر ويحكم الخيط في الطرف الآخر وهكذا ثانياً وثالثاً وهذا هو السدى، ثم يحكم لحمته حتى يتم النسيج، كل ذلك في تناسب هندسي حتى يصبح النسيج ثم يقعد في زاوية مترصداً وقوع الصيد فيها فإذا وقع فيها شيء من الذباب أو البق بادر إلى أخذه.
ويواصل القزويني وصف العنكبوت فيقول:
ومنها صنف آخر قصار الأرجل يسمى الفهد فإنه يصيب الذباب على شبه صيد الفهد وذلك أنه يكمن في زاوية فإذا طارت ذبابة بقربه وثب إليها، وربما مد خيطاً من السقف وعلّق نفسه فيه منكساً فإذا طار ذباب بالقرب منه رمى بنفسه إليه وأخذه.
ومنها صنف آخر يقال له الليث له ست عيون فإذا رأى الذبابة لطى بالأرض، ثم وثب ولم يخطىء وثبته وهو آفة الذباب.
ومنها صنف يقال له الرتيلا إذا مشى على الإنسان يموت الإنسان من لعابه ويسمى عقرب الثعبان لأنه يقتل الثعبان.
ومنها صنف دقيق الصنعة يهيىء نسجه ويصعد بيته فإذا وقعت في مصيدته ذبابة يمشي إليها ويمتص رطوبتها والذباب يطن من الألم إلى أن يموت ويحملها إلى خزانته للذخيرة وأكثر ما يقع في مصيدته في غيبوبة الشمس.
ويقول القزويني: وزعم بعضهم: أن العناكب الإناث هي العوامل والذكور لا تعمل شيئاً، ومنهم من قال: أن السدي من الإناث واللحمة من الذكور لأن اللحمة أقوى من السدي وهما كالشريكين في العمل أو هما كالأستاذ مع تلميذه.
العنكبوت في الأمثال:
ونترك القزويني بعجائبه التي تضارع حقائق العلم الحديث، وتصنيفاته التي تدل على العلم الدقيق ونعود إلى الدميري لنرى ما قاله عن العنكبوت في الأمثال حيث قال:
قالوا: أغزل من عنكبوت.
وقالوا: أوهن من بيت العنكبوت.
قال تعالى: )مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون. إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم. وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ([العنكبوت: 41 ـ 43].
والعالمون كل من عقل من الله عز وجل وعمل بطاعته وانتهى عن معصيته فهم يعقلون صحة هذه الأمثال وحسنها وفائدتها وكان جهلة قريش يقولون: إن رب محمد يضرب الأمثال بالذباب والعنكبوت ويضحكون من ذلك وما علموا أن الأمثال تبرز المعاني الخفية في الصور الجلية ( انظر موضوعنا بيت المسلم وبيت العنكبوت ).
العنكبوت في العلم الحديث:
العنكبون في العلم الحديث من رتبة العناكب، طائفة العنكبوتيات أو العنكبيات، من شعبة مفصلية الأرجل أو المفصليات , من اللافقاريات , من المملكة الحيوانية من الكائنات الحية.
وتشمل رتبة العناكب حيوانات منتشرة في جميع أنحاء العالم يعيش بعضها في الماء العذب أو مياه البحار ولكن يعيش معظمها على الأرض، وهي تتنفس الهواء الجوي وتتغذى على عصارة الحيوانات الصغيرة , ومنها أنواع تعيش متجولة لا تنسج أنسجة كثيرة ومنها أنواع ساكنة تقوم بنسج خيوطها التي تستعملها كمصائد وشرانق تضع فيها البيض.
ويقول منذر عبد الرحمن في مقالة العنكبوت كائن كل العصور في مجلة الخفجي: لو لم تكن هناك عناكب لجاع البشر حتى الموت , فكمية الحشرات الضارة بالزراعة التي تدمرها العناكب في اليوم الواحد تفوق في وزنها وزن سكان العالم حيث يوجد 50 مليوناً من العناكب في كل هكتار خشب في بريطانيا 250 مليوناً في الغابات المدارية فإذا علمنا أن وجبة كل عنكبوت في اليوم الواحد تتراوح ما بين 10 و15 حشرة فسندرك على الفور أهمية العناكب.
ويوجد العنكبوت الذئبي الذي يمشط حقول القطن وفول الصويا مجاناً دون استعمال للمبيدات الحشرية وتوجد عناكب تنظف بساتين التفاح وتحد من انتشار المن وغيرها.
وقال: إن غزل العناكب مليء بالهواء، ولذلك فهو عازل حراري ممتاز وخفيف الوزن جداً ومتنوع في السمك , وهو أكثر مرونة من خيوط الفولاذ وإذا فتلنا 143 خيطاً من خيوط العنكبوت مع بعضها البعض فسنحصل على خيط سمكه ميلمتر واحد وإذا أخذنا منه خيطاً فإنه يلتف حول الأرض مع أن وزنه كيلوجرامان.
وتستخدم العناكب حالياً في الطب الشرعي في تحديد سبب الوفاة ببعض السموم لقلة الكمية التي يمكن الحصول عليها من السم المستخدم في الجريمة ويمكن استثارة العنكبوت بتقديم قطرة متجمدة من دم المسموم للتغذي عليها فينعكس نوع السم على شكل خيط العنكبوت وقد استخدم الكمبيوتر في تحليل نوع السم من تحديد اتجاهات نوع السم المستخدم.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:59 PM
الضبع (( ينظف )) البيئة ومع ذلك ويكرهه الناس!!


إعداد: د. نظمي خليل أبو العطا
هذا الحيوان ظلمة الإنسان على مر العصور والأزمان، فقد ذكرت معظم المخطوطات والكتب أن للضبع شخصية مكروهة وله أثر سيىء في النفوس , ولكن إذا علمنا أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئاً عبثاً في الكون , وأن كل شيء خلقه بقدرٍ معلوم ولغاية مقدرة بميزان الحكمة لأدركنا أهمية الضبع لا سيما في تنظيف البيئة.
قال عنه الدميري ( 472 ـ 808هـ ) في كتابه ( حياة الحيوان الكبرى )، الضبع معروفة، ولا تقل ضبعة لأن الذكر ضبعان والجمع ضباعين مثل سرحان وسراحين، والأنثى ضبعانة والجمع ضبعات وضباع وهذا الجمع للذكر والأنثى , ومن أسماء الضبع : جيل, وجعار, وحفصة ومن كناها : أم خنور , وأم طريق , وأم عامر , وأم القبور , وأم نوفل, والذكر أبو عامر , وأبو كلدة , وأبو الهنبر.
والضبع توصف بالعرج، وليست بعرجاء وإنما يتخيل ذلك للناظر، وسبب هذا التخيل لدونة في مفاصلها وزيادة رطوبة في الجانب الأيمن عن الأيسر منها.
وعن صفات الضبع قال:
وهي مولعة ينبش القبور لكثرة شهوتها للحوم بني آدم , ومتى رأت إنساناً نائماً حفرت تحت رأسه وأخذت بحلقه فتقتله وتشرب دمه. وهي فاسقة، لا يمر بها حيوان من نوعها إلا علاها وتضرب العرب بها المثل في الفساد، فإنها إذا وقعت في الغنم عاثت , ولم تكتف بما يكتفي به الذئب، فإذا اجتمع الذئب والضبع في الغنم سلمت لأن كل واحد منهما يمنع صاحبه والعرب تقول في دعائهم: اللهم ضبعاً وذئباً , أي: أجمعهما في الغنم لتسلم ومنه قول الشاعر:
تفرقت غنمي يوماً فقلت لها: يا رب سلط عليها الذئب والضبعا.
وقيل للأصمعي: هذا دعاء لها أم عليها؟ فقال: دعاء لها.
قصة مجير أم عامر:
روى البيهقي في آخر شعب الإيمان، عن أبي عبيدة أنه سأل يونس ابن حبيب عن المثل المشهور ( كمجير أم عامر )، وأم عامر ( هي الضبع ) فقال:
كان من حديثه أن قوماً خرجوا إلى الصيد في يوم حاراً فبينما هم كذلك إذ عرضت لهم ( أم عامر ) وهي الضبع فطردوها فاتبعتهم حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صيدنا. وطريدتنا. قال: كلا والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت قائم سيفي بيدي ( لأنها استجارت به ). قال: فرجعوا وتركوه , فقام إلى لقحة فحلبها وقرب إليها ذلك، وقرب إليها ماء فأقبلت مرة تلغ من هذا ومرة تلغ من هذا حتى عاشت واستراحت فبينما الأعرابي نائم في جوف بيته، إذ وثبت عليه , فبقرت بطنه , وشربت دمه , وأكلت حشوته, وتركته فجاء ابن عم له فوجده على تلك الصورة فالتفت إلى موضع الضبع فلم يرها فقال: صاحبتي والله: وأخذ سيفه وكنانته واتبعها فلم يزل حتى أدركها فقتلها وأنشأ يقول:
ومن يصنع المعروف في غير أهله يـلاقي مـا لا قى مجير أم عامر
أدام لـها حين استجـارت بقربه قـراها مـن البان اللقاح الغزائر
وأشبعهــا حتى إذا ما تملأت فرته بـــأنياب لهــا وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من غداً يصنع المعروف مع غير شاكر
الضبع في المنام:
ورؤية الضبع في المنام تدل على كشف الأسرار والدخول فيما لا يعني، والضبع تدل على الخديعة , ومن ركبها في المنام نال سلطاناً والله أعلم.
الضبع في العلم الحديث:
الضبع من المملكة الحيوانية، من شعبة الحبليات شعيبة ( تحت شعبة ) الفقاريات، من طائفة الثدييات , رتبة اللواحم الأرضية , من العائلة الضبعية , والعشيرة الضبعية.
ويتميز الضبع بجسم ممتلىء ورأس كبير وعنق غليظ وخطم قوي , والأطراف الأمامية مقوسة قليلاً وأطول من الأطراف الخلفية , والظهر محدب والأقدام ذات أربعة أصابع , والأذن مستعرضة فوق القاعدة ومدببة الطرف يكسوها شعر خفيف , والعيون منحرفة الوضع وذات بريق مخيف.
والضبع حيوان كريه ذو أثر سيىء في النفوس وهو في الحقيقة مظلوم في ذلك ولكن يرجع ذلك إلى العنق الغليظ الثابت والذنب المكسو بخصل من شعر قوي خشن. والفراء المكون من شعر طويل خشن أيضاً ولون الشعر الداكن وكل هذه الصفات الظاهرية تطبعه بطابع يبعث البغض له، ويثير الريبة فيه والاشمئزاز منه.
والضباع حيوانات ليلية ذات أصوات مزعجة تشيع الضحك البشع، وهي أكولة نهمة وتنبعث منها رائحة كريهة , ومشيتها عرجاء تقريباً ليس فيها ما يعجب.
ولهذه الحيوانات غدد لعابية كبيرة، وعلى اللسان نتوءات قرنية والمريء متسع كما أن لها غدداً على منطقة الشرج.
والأنياب في الضباع غليظة قوية وكذلك الأضراس الأمامية، لتصلح لطحن العظام. وفي تكوين أسنان الضباع ما يمكنها من أكل بقايا الغذاء التي تتخلف عن حيوانات أخرى كالعظام وغيرها , وكذلك لها من قوة عضلات الفكين ما يجعلها أقوى فكاك الحيوانات طراً.
الضبع والليل:
وأحب الأماكن إلى الضباع الأراضي الزراعية المكشوفة القريبة من المناطق الصخرية , وهي حيوانات ليلية لا تخرج من جحورها إلا بعد المغرب ولا تبارحها نهاراً إلا مرغمة وتحت ستار الظلام , تخرج أفراداً وجماعات صغيرة يسمع عويلها وهي تتجول طلباً للصيد أو سعياً وراء الجيف وأصوات الضباع المخططة ليست بشعة بالقدر الذي يصوره الناس ولو أنها كريهة لا يسيغها السمع , ولكن عويل الضباع الرقط بشع مخيف حقيقة، إذ هو عبارة عن ضحك مبحوح يبعث على الرعب.
الضبع والاتزان البيئي:
الضبع من اللواحم الأرضية الأكولة والنهمة المهمة في عملية الاتزان البيئي , فقد وهبه الله سبحانه وتعالى من الصلاحيات ما يجعله من الكانسات للجيف، ومنظفات البيئة من العظام والجلود الجافة وهي البقايا التي لا تقدر عليها اللواحم والسباع الأخرى , ورقبته القصيرة وسيقانه الطويلة وظهره المحدب وسعيه طوال الليل ولمسافات طويلة وعدم خوفه من السباع الأخرى والكلاب تجعله ينظف أكبر مساحة ممكنة من تلك البقايا التي يسبب بقاؤها في البيئة احتباساً لمكوناتها.
ورغم هذا الدور المهم يظلمه الناس دائماً ويقارنون بينه والسبع في المقولة الشعبية ( سبع ـ أي: رابح ) ـ لا ضبع ( أي خسران )!!.

القلب الحزين
19-12-2013, 06:59 PM
(( الحمار )) ليس غبياً!!


إعداد: د. نظمي خليل أبو العطا
على عكس الصورة الشائعة عنه يثبت العلم والواقع: أن الحمار حيوان ذكي يتعلم ويفهم ويتحمل الإنسان الذي يظلمه دائماً.
الموروث العربي ذكر الحمار في مخطوطاته وصنف الحمر بأشكالها وألوانها وهذه قراءة في مخطوطات مكابح أمر الحمير.
قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى عن الحمار:
الحمار جمعه حمير وأحمرة وربما قالوا: للأتان حمارة، وتصغيره حُمَيّر ومنه توبة بن الحمير وكنية الحمار أبو صابر وأبو زياد.
قال الشاعر:
زياد لست أدري من أبوه ولكن الحمار أبو زياد
وقال: يقال للحمارة أم نافع، وأم تولب، وأم جحش، وأم وهب، ومنه نوع يصلح لحمل الأثقال ونوع لين الأعطاف سريع العدو يسبق براذين الخيل.
ويوصف بالهداية إلى سلوك الطرقات التي مشى فيها ولو مرة واحدة كما يوصف بحدة السمع.
وللناس في مدح الحمار ودمه أقوال متباينة بحسب الأغراض فمن ذلك كما قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى: أن خالد بن عيسى الرقاشي كان يختار ركوب الحمير على ركوب البراذين ( خيل من غير نتاج العرب )، فأما خالد فلقيه بعض الأشراف بالبصرة على حمار فقال: ما هذا يا ابن صفوان؟! فقال: عير على نسل الكدار , يحمل الرحلة , ويبلغني العقبة ويقل داؤه ويخف دواؤه ويمنعني من أن أكون جباراً في الأرض وأن أكون من المفسدين.
وأما الفضل فإنه سئل عن ركوب الحمير فقال:
ـ إنه من أقل الدواب مؤنة وأكثرها معونة وأخفضها مهوى وأقربها مرتقى.
ـ فسمعه أعرابي فعارضه بقوله: الحمار شنار، والعير عار منبكر الصوت لا ترفأ به الدماء ولا تمهر به النساء وصوته أنكر الأصوات.
قال الزمخشري:
الحمار مثل في الذم الشنيع والشتيمة ومن استيحاشهم لذكر اسمه أنهم يكنون عنه ويرغبون عن التصريح به فيقولون الطويل الأذنين، كما يكنون عن الشيء المستقذر.
وقد عد من مساوىء الآداب أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم ذوي مروءة، ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافاً وإن بلغت الرحلة الجهد.
الحمار يفدي صاحبه:
ويواصل المديري حديثه عن الحمار في حياة الحيوان الكبرى فيقول:
قال مسروق: ( كان رجل بالبادية له حمار وكلب وديك. وكان الديك يوقظهم للصلاة، والكلب يحرسهم، والحمار ينقلون عليه الماء ويحمل لهم خيامهم، فجاء الثعلب فأخذ الديك فحزنوا عليه وكان الرجل صالحاً، فقال: عسى أن يكون خيراً. ثم جاء ذئب فبقر بطن الحمار فقتله، فقال الرجل: عسى أن يكون خيراً، ثم أصيب الكلب بعد ذلك فقال: عسى أن يكون خيراً.
ـ ثم أصبحوا ذات يوم فنظروا فإذا سُبيءَ من كان حولهم وبقوا سالمين، وإنما أخذوا أولئك بما كان عندهم من أصوات الكلاب والحمير والديكة فكانت الخيرة في هلاك ما كان عندهم من ذلك كما قدر الله سبحانه وتعالى فمن عرف خفي لطف الله رضي بقدره.
الحمار ونزهة الأبصار:
قال الدميري: وفي كتاب نزهة الأبصار في أخبار ملوك الأمصار وهو كتاب عظيم المقدار، ولا أعلم له مصنف، أن بعض الملوك مر بغلام هرب، وهو يسوق حماراً غير منبعث وقد عنف عليه في السوق، فقال: يا غلام! أرفق به، فقال الغلام: أيها الملك في الرفق به مضرة عليه، قال: وكيف؟! قال: يطول طريقه ويشتد جوعه، وبالعنف به إحسان إليه قال: وكيف ذلك؟ قال: يخف حمله، ويطول أكله فأعجب الملك بكلامه وقال: قد أمرت لك بألف درهم. فقال: رزق مقدور، وواهب مشكور، قال: قال الملك: وقد أمر بإثبات اسمك في حشمي قال: كفيت مؤنة ورقت مؤنة. فقال له الملك: عظني فإني أراك حكيماً، قال: أيها الملك إذا استوت بك السلامة فجدد ذكر العطب , وإذا هنأتك العافية فحدث نفسك بالبلاء، وإذا اطمأن بك الأمن فاستشعر الخوف، وإذا بلغت نهاية العمل فاذكر الموت , وإذا أحببت نفسك فلا تجعلن لها في الإساءة نصيباً فأعجب الملك بكلامه وقال: لولا أنك حديث السن لاستوزرتك فقال: لن يعدم الفضل من رزق العقل. قال: فهل تصلح لذلك. قال: فإنما يكون المدح والذم بعد التجربة، ولا يعرف إنسان نفسه حتى يبلوها فاستوزره فوجده ذا رأي صائب وفهم ثاقب ومشورة تقع موقع التوفيق.
الحمار في العلم الحديث:
الحمار في العلم الحديث من العائلة الخيلية، رتبة: فردية الحافر، من شعيبة: الثدييات من شعبة: الجليات التابعة للمملكة الحيوانية من الكائنات الحية.
ـ ومن الحمير الحمر الأهلية والتي تحدثنا عنها سابقاً، والحمر الوحشية والمخططة.
والحمار الوحشي سريع العدو، يركض بسهولة على الصخور وفوق الرمال في سرعة الصخور وفوق الرمال في سرعة الحصان، والأحمر الوحشية حيوانات تعيش في قطعان يبلغ عددها في بعض الأحيان ألف رأس.
ـ والحمير بوجه عام تشرب الماء على فترات منتظمة ولكنها تتحمل العطش لمدة طويلة، وتلد الإناث صغيراً واحداً ونادراً ما تلد توأم.
ـ وللحمار الوحشي ثلاثة أصناف هي: الحمار الأهلي، وعير النوبة، وعير الصومال.
ـ والأحمر البرية Equus africanusهي في الأصل الأسلاف الأولى للحمير الأليفة، ودرجة التشابه بين الجنسين متطابقة إلى حد بعيد.
ـ والحمار الوحشي الآسيوي Equus hemionusينتشر في شمال شبه الجزيرة العربية وقد انقرض تماماً في الخمسينيات من هذا القرن كما قال جوناثان كينغدور في كتابه ثدييات الجزيرة العربية.
وعير النوبة كان يستوطن جنوب النوبة واريتريا والغالب أنه انقرض تماماً. وكان يتميز بوجود صليبين على الفخذين كما قال الدكتور حسين فرج زين الدين في كتابه: أطلس ثدييات العالم.
ـ أما عير الصومال: فيستوطن المناطق الساحلية من الصومال حتى خليج هدن ولونه رمادي محمر جميل وجسمه بادي القوة ورأسه كبير وأطرافه رشيقة.
ـ أما الحمار الأهلي: فهو من سلالة الحمار النوبي الوحشي الذي يوجد في البراري وتوجد أحسن الحمير في الإحساء واليمن.
أشهر الحمير في التاريخ:
من أشهر الحمير في التاريخ حمار عزير الذي أماته الله سبحانه وتعالى، والحمار الذي أهداه المقوقس ملك مصر للنبي محمد يعفور الذي أهداه للمصطفى صلى الله عليه وسلم خروة بن عمر الجذامي والذي مات في الطريق أثناء حجة الوداع.

القلب الحزين
19-12-2013, 07:11 PM
الحمدلله أتممت الموضوع المتفرع من الموسوعه


إبداعات إسلامية

وعدد المقالات 54 مقالة تبدأ من صفحة156
وتبد المقالات من رد رقم1553حتى تصل إلى 1602
صفحه رقم 161
وبعض المقالات والمعجزات طويلة جداً ونُسق لتقسيم المعجزه من موضوعين إلى ثلاثة مواضيع لان مساحة الرد لا تكفي


وإن شاء الله غداً سوف أبد بالموضوع الجديد ...

هذا الموضوع طويل شوي دعواتكم

مقالات إسلامية متنوعة
أنتظروني ... وإن شاء الله يعينني على تكملة الموسوعه

كل احتــــــــــــــرامي للجميع دون أستثناء

القلب الحزين
20-12-2013, 05:15 PM
المستقبل للإسلام حقيقة علمية



بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى
أستاذ علوم النبات في الجامعات المصرية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1261238345091127104148_adha_8_1.jpg
صورة لمصلين في وضع السجود في يصلون حول المسجد الأقصى

الإسلام دين الله الذي ارتضاه لعباده من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة. قال تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{67}) (آل عمران/67).
وعلى لسان سيدنا يوسف قال تعالى: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ{101}) (يوسف/101)، وتكرر ذلك على لسان نوح وهود وصالح وأيوب وجميع الأنبياء، والإسلام هو الاستسلام لله سبحانه وتعالى والانقياد إليه، وعن الإسلام قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة/3).
فقد ختم الله سبحانه وتعالى الإسلام الذي ارتضاه لعباده دينا ولم يفارق المصطفى صلى الله عليه وسلم الدنيا حتى بلغ الدين وتركنا على المحجة البيضاء الواضحة ليلها كنهارها، وترك فينا القرآن الكريم كتاب الله المعجز ومثله من السنة النبوية المطهرة, وقيض الله سبحانه وتعالى للقرآن والسنة من يحملهما وينشرهما ويذب عنهما، فجمع الصحابة رضوان الله عليهم القرآن الكريم كما علمه لهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، ووحدوا بتوفيق من الله طبعته في نسخة واحدة كاملة ولا يوجد في الدنيا غيرها، حتى من ادعوا أن هناك قرآنا غيره لم يستطيعوا اثبات ذلك , وجمع التابعون السنة النبوية المطهرة ووفق الله علماء الحديث أن يمحصوا كل حديث، وكل راوٍ , وكل كلمة, حتى جمعت السنة النبوية المطهرة وذب الله عنها وخلصها من الوضع والوضاعين , وغدا علم السنة النبوية المطهرة وعلم الحديث النبوي من أدق العلوم في العالم بشهادة العديد من المستشرقين والعلماء المسلمين وغير المسلمين، وبعث الله لهذا الدين من يجدده ويعيده كما كان على رأس كل مائة عام، إلى أن جاء عصر التسجيل الحاسوبي والتصويري، والدين محفوظ بفضل الله ومن يدعي غير ذلك فهو يطعن في هذا الدين الذي ارتضاه الله لعباده دينا ووعد بحفظ كتابه.
و الآن نعود للموضوع أن المستقبل للإسلام وليس للغلو في الدين أو التفريط فيه، المستقبل لهذا الدين للعديد من الأسباب منها:
أنه دين التوحيد الخالص لله، شعاره لا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله , فالله سبحانه وتعالى الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فلا شريك لله في عبادته وصفاته وأسمائه وحكمه وشرعه، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا عبد مهما كان صالحا تقيا نقيا، الكل عباد لله، والله وحده عالم الغيب والشهادة , وهو مقدر الأقدار، ومدبر الكون، رب كل شيء ومليكه، سبحانه الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى، الناس جميعا مشركون إلا من قال لا إله إلا الله , أي لا معبود بحق إلا الله، فمن عبد غير الله، واستغاث بغير الله، وطلب من غير الله تفريج الكروب وقضاء الحاجات فقد أشرك بالله , والله سبحانه وتعالى أغنى الشركاء عن الشرك، قال تعالى: (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{17}) (المائدة/17)، فمن ادعى بعد ذلك أن هناك من يملك مع الله شيئا فقد أشرك وحاد عن التوحيد الخالص، وهذا دين الفطرة، ودين العقل، ودين العلم، ودين المنطق، ودين يجعل الخالق خالقا والعبد عبدا، ولكل أمام الله حدود , ولذلك كان التوحيد هو دين الفطرة والمستقبل له.
العبادات في الإسلام توقيفية: فلا عبادة إلا بنص صريح، والأصل في كل العبادات الحرمة والرفض ما لم يأت نص يحل ذلك، فالعبادات المقبولة في الإسلام ثابتة ومعروفة ومنصوص عليها بآيات قطعية الثبوت قطعية الدلالة وبأحاديث نبوية صحيحة ، وكل من أحدث عبادة فهي مردودة عليه ولا تقبل، فعن أم المؤمنين أم عبدالله عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم .
وهذا يحفظ هذا الدين من الإضافات الدينية في العبادات ويجعله دائما غضا طريا كما تركه المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويحفظ للدين تشريعه الإلهي بعيدا عن تشريعات الأهواء، ولذلك فهذا الدين سيظل بهذا الضابط هو الدين المقبول من كل العقلاء والعلميين، وبنظرة للعبادات التي اخترعها البشر نجدها عبادات منفرة، مصبوغة بالصبغة البشرية الممقوتة المحدودة الأفق ولذلك نراهم كل مدة يغيرون ويبدلون ويضيفون ويلغون كأن الدين لعبة في أيديهم. والأصل في الأمور الحياتية في الإسلام الحل ما لم يأت نص يحرم، وهذا دليل سعة هذا الدين وإبعاد الحلال والحرام بعيدا عن أهواء العباد، لذلك سيظل هذا الدين هو دين الفطرة: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{157}) (الأعراف/157).
الإسلام دين العقل، فقد دعا القرآن الإنسان إلى الإيمان بالله والحياة الآخرة التي فيها نتائج المسئولية، والحساب والجزاء ، وسلك في دعوته إلى الإيمان بالله طريقين ليصل بهما الإنسان إلى معرفة حقائق الوجود: أحدهما: العقل الذي خلقه الله تعالى في الإنسان , وجعله قوة نامية وبه يدرك حقائق العالم المحسوس، أما الطريق الثاني فقد جعله الله تعالى لإدراك حقائق عالم الغيب وما وراء عالم الشهادة مما لا يستطيع العقل وحده إدراكه لأنها من طبيعة مختلفة عن طبيعته , وذلك لئلا يدع الإنسان جاهلا غافلا عما وراء الكون، (أنظر المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، يوسف حامد العالم، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ص227). أي أن الإسلام جعل للعقل نصيبا في إدراك وحدانية الله، وقدرته وعظمته وساق الله تعالى الإشارات الكونية في القرآن الكريم وجعلها كما قال تعال (لآيات لقوم يعقلون) (ولعلكم تشكرون) (أفلا تذكرون) وقال تعالى (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ{5} خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ{6} يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ{7}) (الطارق 5-7).
وقال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ{12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ{13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{14}) (المؤمنون/12- 14). وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ{27}) (السجدة/27).
وهكذا جعل الإسلام للعقل مكانا متميزا في الإيمان وإثبات وجود الله، ولذلك فالمستقبل لهذا الدين حيث الرشد للعقل العلمي البشري، وتوارى العقل الخرافي، لذلك فالمستقبل لهذا الدين، دين العقل.
وقد جعل الإسلام للعلم والعلماء مكانة عالية، وخاصة علماء العلوم الكونية كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ{27} وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ{28}) (فاطر/28 - 28).
فقد جعل الله تعالى علماء الماء والنبات والجيولوجيا والإنسان والحيوان هم أشد الناس خشية لله، ولا يتصف بصفة العالم إلا من خشى الله بعلمه , فلم يهمل القرآن علماء العلوم الكونية وجعلهم هم العلماء وبذلك نبذ الإسلام الجهل، والجهالة، ورفع من شأن العلم والعلماء، وقد وردت كلمة العلم ومشتقاتها أكثر من 240 مرة في القرآن الكريم، والعصر القادم عصر العلم ونبذ الخرافة لذلك فالمستقبل لهذا الدين فهذه ركائز النهضة في الأيام القادمة التوحيد الخالص والدين الصحيح، والعقل السليم ، والعلم النافع ، علاوة على حرية التفكير المنضبطة، وحقوق الإنسان المقننة , والمساواة بين البشر, وتأسيس الحياة الدنيا على الإيمان والعمل الصالح , وهنا سيخفي العلم والدين البدع والمبتدعين، المشركين والمغالين، والمفرطين خاصة الذين يتخذون من العباد مشرعين، ومعصومين. كما قال تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ{31}) (التوبة/31)، فلا مكان لرجال الدين المشرعين والتابعين الجاهلين , ولا مكان للمتخذين العباد زلفى إلى الله , وهنا تنقشع البدع، والدجل، والجاهلية والجهل ويظل الدين المحفوظ بفضل الله دين التوحيد الخالص وتعمير الكون بنواميس الله في الخلق , وهذا هو الإسلام الذي ارتضاه الله لنا دينا، وما عاداه لا قبول له عند الله، وإن رضي الله ترك هؤلاء في الدنيا يتخذون ما يرونه دينا إعمالا بحرية العقيدة والتعايش السلمي بين العباد، أما يوم الفصل فهو اليوم الذي يفصل الله فيه بين عباده (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{25}) (السجدة/25).
إنه يوم الفصل الأكبر بين العباد مؤمنهم وكافرهم ومتبعهم ومبتدعهم، فعلى العبد أن يبحث عن الدين الخالص القيم ليكون كما قال الله تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{132}) (البقرة/132).
فالمستقبل بإذن الله لهذا الدين، دين جميع الأنبياء والمرسلين، دين التوحيد الخالص الذي أكمله الله تعالى ببعثته خير المرسلين صلى الله عليه وسلم.
أ.د. نظمي خليل أبو العطا موسى
www.nazme.net

القلب الحزين
20-12-2013, 05:17 PM
بنيدكت: المسيحية الحالية ليست على أصولها الأولى



بقلم هشام طلبة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12592452251_882102_1_23.jpg
صورة لبنيدكت السادس عشر بابا الفاتيكان
باحث وكاتب إسلامي
الذي يجهله الكثيرون عن محاضرة بابا روما في شهر سبتمبر من عام 2006م في جامعة "راتسبون" الألمانية والتي أساء فيها إلى الإسلام - أنه قد أساء فيها إلى المسيحية كذلك إساءةً بالغةً, إذ حين قال: إن الإسلام يتناقض مع العقل ذكر أن الفلسفة اليونانية حين خالطت العقيدة المسيحية عصمتها من التناقض!!!. وهذا ما أكده في اجتماعه مع مجلس وزراء الفاتيكان في مطلع العام 2007م, حيث طالب أن يفعل المسلمون في الإسلام ما فعله الأوربيون في المسيحية في عصر النهضة!! أي أنه يريدنا أن نغير في الإسلام كما غيرت أوروبا المسيحية!
هذا يفسر لنا ما جاء بعد ذلك بشهور على لسان الكاردينال جان لويس توران - المسئول المختص بشئون الإسلام في الفاتيكان خلال مقابلة مع صحيفة " لاكروا " الكاثوليكية الفرنسية اليومية ( كما ذكرت وكالة رويترز) - أنه " من الصعب إجراء حوار ديني حقيقي مع المسلمين؛ لأنهم يعتبرون أن القرآن الكلام النصي لله ولا يقبلون مناقشته بعمق....لا يقبل المسلمون أن يناقش أحد القرآن بعمق؛ لأنهم يقولون إنه كتب بإملاءٍ من الله... مع هذا التفسير الجامد يكون من الصعب مناقشة فحوى الدين" !!.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1259236143blair_1.jpg
يقول بلير (إن القرآن الكريم - وقد أبهرت بعدم تناقضه مع العلم الحديث وبمنطقيته ومحاربته للخرافات - قد حاول إعادة المسيحية واليهودية إلى أصولهما)
إذاً بنيديكت يقول إن المسيحية الحالية ليست على أصولها الأولى. هذا ما أكده ( توني بلير ) رئيس وزراء بريطانيا السابق في مقال مهم له في مجلة " فورين أفريز " "Foreign affairs (http://www.foreignaffairs.com/) " بعنوان: ( معركة فى سبيل قيم عالمية ) A battle for global values (http://www.foreignaffairs.com/articles/62271/tony-blair/a-battle-for-global-values) ذكر فيها أن القرآن الكريم - وقد أبهره بعدم تناقضه مع العلم الحديث وبمنطقيته ومحاربته للخرافات - قد حاول إعادة المسيحية واليهودية إلى أصولهما ( أي أنهما حاليًّا ليستا على أصولهما ) هكذا تبين لنا أن بابا روما قد هاجم المسيحية وأساء لها دون أن يدري.
واستمرارًا لذلك أصدر "بنيدكت " أخيرًا كتابًا بعنوان " يسوع الناصري "Nazareth Jesus of " وقد طالب "بنيدكت " المسيحيين فى كتابه هذا أن يقرأوا كتابهم المقدس بحسٍّ نقديٍّ وبحبٍ. كما طالبهم أن يروه على أنه مستوحًى من الله وليس منزلًا من الله!! كلام بابا روما هذا قد ذكَّر (ليزا ميلر ) الكاتبة في مجلة ( نيوزويك ) الأمريكية (صاحبة خبر هذا الكتاب, عدد 5 / 6 / 2007م ) بإعلان "توماس جيفرسون " " أنه يمكن تمييز أقوال يسوع الحقيقية بسهولة مثل جواهر في كومة نفايات ".
كما ذكرنا بإعلان الكنيسة الكاثوليكية الإنجليزية في أكتوبر 2005م أن الكتاب المقدس يجب ألا يؤخذ بحرفيته؛ لأن به العديد من الأخطاء. (http://www.timesonline.co.uk/tol/news/world/europe/article574768.ece) "The Catholic Church no more swears by truth of the bible. (http://www.timesonline.co.uk/tol/news/world/europe/article574768.ece) " والحق إن هناك من علماء اللاهوت المسيحيين من كانوا أكثر شجاعةً من بنيدكت في وصفهم لهذا التغيير. فهناك " بارت إرمان " اللاهوتي الأمريكي الكبير المحاضر فى أكبر جامعات أمريكا قد كتب أخيرًا عما أسماه " العقائد المسيحية المفقودة " (http://books.google.com/books?id=URdACxKubDIC&dq=lost+Christianities+book&printsec=frontcover&source=bn&hl=ar&ei=uGsOS-r4Ks-C_QanwOmuBQ&sa=X&oi=book_result&ct=result&resnum=4&ved=0CBsQ6AEwAw#v=onepage&q=lost%20Christianities%20book&f=false) "lost Christianities (http://books.google.com/books?id=URdACxKubDIC&dq=lost+Christianities+book&printsec=frontcover&source=bn&hl=ar&ei=uGsOS-r4Ks-C_QanwOmuBQ&sa=X&oi=book_result&ct=result&resnum=4&ved=0CBsQ6AEwAw#v=onepage&q=lost%20Christianities%20book&f=false) " حيث ذكر أن الكنيسة المسيحية الأولى كانت فوضى من العقائد. ( Chaos of beliefs ) « فبعض الجماعات المسيحية القديمة آمنت بإله واحد (الموحدون ) ومنهم من آمن بإلهين (أتباع ماركيون ) ومنهم من عبد ثلاثة ( المثلثون الذين غلبوا على أمرهم )، بل إن منهم من آمن بعدد أكبر من الآلهة وصل إلى اثنا عشر بل إلى ثلاثين إلهًا ».
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1259236873lost_christianities_1.jpg
غلاف كتاب العقائد المسيحية المفقودة

The early Christian church was a chaos of contending beliefs. some groups claimed that there was not one God but two or twelve or thirty.
عنوان الكتاب سالف الذكر شابه مقالًا في مجلة " ناشيونال جيوجرافيك " (http://www.nationalgeographic.com/lostgospel/_pdf/GospelofJudas.pdf) ذائعة الصيت حين عرضت إنجيل يهوذا ألا وهو " العقائد المسيحية المنسية " forgotten Christianities كما أن منهم من آمن بأن الخلاص يكون بالمعرفة لا بالصلب والفداء ( الغنوص )، ومنهم من آمن أن المسيح الحقيقي لم يصلب قط مثل الكربوكراتيين وأصحاب رسالة شيث الأكبر الثانية ( عام 200م ) وإنجيل يهوذا المكتشف حديثًا والذي قال بأن الذي صلب هو يهوذا فداءً للمسيح عيسى. وقد كان أتباع هذه العقائد أكثر في العدد من العقيدة الحالية. فحين توفي " ماركيون " صاحب عقيدة الإلهين في نحو 160م. كان نصف الكنيسة يؤمن بالكثير من تعاليمه(1). كذلك اجتذبت العقائد " الغنوصية " - القائلون بأن الخلاص لا يكون بالإيمان بالصلب والفداء وإنما بالمعرفة الروحية - الكثيرين من مسيحيي القرن الأول والثاني(2).
هذه الفرقة كانت تؤمن بثالوث يختلف عن الثالوث الحالي إذ آمنوا بالآب والإبن والأم ( الروح القدس المفعم بالنعمة الأنوثية )(3). كان أتباع " آريوس " الموحدون هم الأغلبية في كل المشرق لما قبل مجمع " نيقية " عام 325 الذي أقر التثليث(4).تعرض أصحاب تلك العقائد للاضطهاد لتعارضها مع العقائد الرسمية التي أقرها المجمع سالف الذكر، ومنعوا من التجمع وتعرضوا للعديد من العقوبات.
Christians who disagreed with the official doctrines , got no support , were hit with penalties , and were eventually ordered to stop meeting. (National geographic , may 2006 , The Judas Gospel p. 92 )
• كانت نصوص تلك الفرق الأقدم أكثر تداولًا بين النصارى من الأناجيل الأربعة الحالية المقررة(5).كل هذه الفوضى في الكتب والعقائد المسيحية في القرون الأولى جعل العلماء المتخصصون يصفون ذلك بأن المسيحية كانت تحاول أن تجد طريقها وأسلوبها Christianity trying to find its styleت (6).
موثوقية القرآن :
موثوقية القرآن دائمًا ما شكلت مشكلةً لعلماء أهل الكتاب وأثارت غيرتهم مما دفع بابا روما وغيره إلى دعوة المسلمين للتغيير في كتابهم كما فعلوا هم بكتبهم. ولا يريدون أن يعترفوا أن القرآن في موقف يختلف تماماً عن كتبهم. فإنه الكتاب الحق والذكر الحكيم؛ حبل الله المتين والصراط المستقيم؛ الروح والنور والبرهان والفرقان؛ البصائر والهدى والرحمة والشفاء والبشرى والموعظة للمتقين؛ الصحف المطهرة والكتب القيمة. ما ذنبنا أن كان كتابنا محكمًا غير ذي عوج لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ أن كان قولًا ثقيلًا مركبًا, وفي ذات الوقت مفصَّلًا وميُسَّراً للذكر، قد حُفظ بحفظ الله على العكس من سائر الكتب التي استُحْفِظ عليها الربانيون والأحبار؟
ما ذنبنا أن كان هو الوحي وما عداه – على صدقه – كتب وصايا؟ قد ذُكر في زبر الأولين بصفته مصدقًا وموافقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه ولو كان من عند غير الله ككتبهم لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا؟
• فالقرآن لم يتشكل مثل " الكتاب المقدس " عبر فترة طويلة جدًّا من الزمان فُقد خلالها العديد من الكتب التي يستحيل حصرها ( كتاب " تاريخ الكتاب المقدس " سالف الذكر ذكر أن هناك 23 سفرًا مفقودًا في العهد القديم وحده الذي يحوي 39 سفرًا معتمدًا ) [ ولا نعلم أين تختبئ لعلها قابعة في صحاري مجهولة أو على أرفف مكتبة مجهولة؛ كما ذكر عدد مجلة النيوزويك سالف الذكر ص 47 ].
ما ذكرناه نقرأه في عدد مجلة ناشيونال جيوجرافيك المذكور آنفًا: We can not know how many books were lost as the bible took shape , but we do know that some were hidden away. (http://www.med-living.com/Images%2008/The%20Judas%20Gospel.pdf)
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/7/gallery.2.1.jpg
صورة لأحد علماء الآثار وهو يقوم بفحص مخطوطة إنجيل يهوذا المصدرhttp://www7.nationalgeographic.com

• القرآن الكريم اتخذ منزلته الرفيعة عند المسلمين منذ تلقوه من فم النبي صلى الله عليه وسلم الذي يُعد المسئول الوحيد عنه على العكس من أسفار العهد الجديد التي اتخذت منزلتها بشكل تدريجي لأن المسيحيين الأوائل لم يعرفوا سوى التوراة، كما أنها وأسفار العهد القديم يُختلف في مؤلفيها حتى اليوم.
كما تلقى المسلمون القرآن الكريم كذلك عبر ما خطه الصحابة ومخطوطات العهد الأول للإسلام للقرآن التي لا تختلف عن ما بين أيدينا الآن. مثل مخطوطة جامع صنعاء (http://www.hamdoun.net/Default.aspx?value=showCatItem-3-20) واسطنبول وغيرها. بينما تختلف النصوص الحالية للكتاب المقدس مع المخطوطة السينائية ذائعة الصيت في 9000 موضع كما أنها تغفل 1491 جملة، (http://quran-m.com/firas/arabic/?page=show_det&id=2012&select_page=23) حسب ما ذكر " جون بورجون " عميد كلية " وست منستر".
• القرآن لم يكن في حاجة لعلم " نقد النصوص " يفحص فيه علماؤه الاختلافات في النصوص الأقدم والمخطوطات للوصول لنص أقرب ما يكون للنص الأصلي " المفقود " – حسب اصطلاح مقدمة الكتاب المقدس طبعة دار المشرق – [ ولتقرير ما إذا كانت النصوص قانونيةً أو غير قانونية بعد إزالة الأخطاء غير المتعمدة والبحث عن المقاطع التي يمكن أن يكون الكاتب قد سها عنها بأن تخطى سطرًا أو انتقل من استخدام معين للكلمة إلى استخدام متأخر لنفس الكلمة... والعدد الرهيب من القراءات المختلفة في مخطوطات العهد الجديد ستجعل نقاد العهد الجديد يواجهون عملًا شاقًّا على مدى سنين عديدة آتية...بعض التقديرات ترى أن اختلافات نصوص العهد الجديد أكثر مما في كل العهد الجديد من كلمات!!] ( تاريخ الكتاب المقدس، ميلر وهوبر، ص 220-221 ).
بل إن " ندوة يسوع Jesus Seminar " (http://quran-m.com/firas/arabic/?page=show_det&id=1668&select_page=23) ( مائتا عالم لاهوت أمريكي معاصر ) ترى أن 82% من أقوال المسيح في الأناجيل المعتمدة لم يقلها بالفعل.
" Eighty –two percent of the words ascribed to Jesus in the Gospels were not actually spoken by him." ( The Five Gospels , Robert Funk & The Jesus Seminar (http://www.westarinstitute.org/Polebridge/5gospels.html) , p. 5 , Harper Collins )
• القرآن ليس له " نصوص حائرة " تارة تُضم للقانون ( تعتمد ) وتارة تُخرج. أو كما سماها صاحب [ تاريخ الكتاب المقدس ] " الأسفار التي كادت تكون أسفارًا مقدسةً "!!.
• القرآن ليس له قائمة نصوص معتمدة ( قانون ) تتغير من وقت لآخر. العهد الجديد مثلًا له أكثر من خمسة قوائم متتابعة: "القانون الميوراتوري"، "قانون أوريجون"، "قانون يوسابيوس"، "قانون أثاناسيوس" وأخيراً قانون مجمع عقد عام 393م بمدينة عنابة بالجزائر الحالية. ( Bart Ehrman , Lost Christianities , oxford press )
• القرآن لم تكن به أوجه القصور هذه المتفشية في كتب أهل الكتاب بل إنه مهيمن على هذه الكتب. فصحح الأخطاء وأظهر المخفي وفصَّل المجمل وأوضح المبهم. ومن ثم لو أراد بنيدكت وغيره التعديل في كتابه وتصحيحه فعليه أن يرجع إلى القرآن الكريم.
{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ..} [المائدة: 48 ]
هكذا يتبين لنا أن القرآن الكريم كتاب أصيل على العكس من كتب أهل الكتاب التي تختلف نصوصها الحالية مع أصولها. ومن ثم تسقط دعوى بنيدكت والكاردينال " توران " المطالبة بالتغيير في النص القرآني.
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت: 41 , 42 ].
يمكن التواصل مع المؤلف : [email protected]

القلب الحزين
20-12-2013, 05:19 PM
التزوير الورع




http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1201950195westar.jpg صورة لشعار معهد ويستار
بقلم أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
"التزوير الورع" عبارة ارتبطت ارتباطا وثيقا، في جميع اللغات، بالتاريخ الكنسي منذ القرون الأولى للمسيحية، ولا تزال.. وعلى الرغم من عدم إمكانية الدفاع عن كمّ وتنوّع أساليب الغش والخداع والتزوير والتحريف في النصوص الدينية، فقد اكتفى النقاد والمؤرخون التابعون للمؤسسة الكنسية بإضافة عبارة "الورع" لكلمة التزوير بأنواع، للتخفيف من وقعها على ذهن الأتباع – بمعنى أن هذا التزوير كان يتم للترويج للعقيدة الجديدة، عملا بمقولة بولس الرسول القائل أنه " كان يكذب لزيادة مجد الله " (إلى أهل رومية 3 : 7).
والتزوير الورع تقنية مألوفة استخدمها كتبة المسيحيين الأوائل للتعريف بشيء ما. فقد كان كل هدفهم تللإقناع،خص، وكل شخص، بأية وسيلة وبأي ثمن.. ومن أشهر أساليبهم للإقناع، كتابة نص ما وقول أنه أصلى، بمعنى منزّل أو متوارث.. فعلى سبيل المثال لا الحصر، من الثابت يقيناً أن نصوص الأناجيل الأربعة لم تكتبها الأسماء التي هي معروفة بها.
وقد تم إثبات ذلك علمياً منذ أكثر من ثلاثمائة عام. وحتى يومنا هذا ما من شخص يمكنه قول مَن كتب حقاً ذلك الجزء من هذه النصوص. وهو ما أثبته أيضاً معهد ويستار وأبحاثه المعروفة ب "ندوة عيسى (http://www.westarinstitute.org/)"، التي تضم أكثر من مائتين عالم مسيحي متخصص، أثبتوا أن 86% من الأقوال المنسوبة ليسوع لم يقلها، و 84 % من الأعمال المنسوبة إليه لم يقم بها..
وهذه الأناجيل الأربعة تعد نموذج متكامل الأركان لعبارة "التزوير الورع "، وهى أساس عملية الخديعة الكبرى، المعروفة باسم: "المسيحية الحالية".. ففي القرنين الأول والثاني كان القساوسة-الكتبة، الذين سيتم اعتبارهم فيما بعد "آباء الكنيسة"، غارقون في امتصاص أهم مكونات الديانات القائمة ودمجها في الديانة الجديدة التي ستعرف بالمسيحية، وتحديداً باسم "كاثوليكية روما" لتسهيل عملية استقطاب أتباع جدد.. لذلك يعد الكتاب المقدس ثمرة جهود وصياغات مئات الكتبة. وما أن تمت ترجمة تلك النصوص إلى اللاتينية، حتى بدأت عملية طمس معالم النصوص الابتدائية، وتاهت مع عملية "الترجمة الورعة ".
وهو ما يفسر لماذا كانت الكنيسة تحرّم على الأتباع قراءة الكتاب المقدس وتتعقبهم حتى الموت – فهي أكثر الناس دراية بما تحتوى عليه هذه النصوص من أخطاء ومتناقضات ولا معقول أو أكاذيب تتناثر بطول صفحاته و عرضها.. ولولا اكتشاف المطبعة كوسيلة نشر، وسحبت الزمام من بين أيديها، لاستمر الحال على ما كان عليه متحريم..
وإذا عدنا إلى الوراء، في القرون الأولى، عند بداية صياغة وتجميع الأناجيل الأربعة، نجد أن معظم الشعوب كانت من الأميين، ولم يكن العلم منتشراً بينها، بل كانت المؤسسة الكنسية الصاعدة، التي تجاهد للاستحواذ على السلطة، تحارب العلم بضراوة.. لذلك كان بوسع قساوستها قول أي شيء وفرضه قهراً على أنه حقيقة مطلقة.. وأساليب الترويع معروفة وثابتة تاريخياً.
وتعد الترجمة من أشهر مجالات التلاعب والتزوير. فلو بدأنا بسفر التكوين، في العهد القديم، لوجدنا أن اليهود الذين يتحدث عنهم ليسوا موحدون بإله واحد وإنما مشركون يؤمنون بتعدد الإلهة.. ويمكن لأي قارئ أن يستعين بأي قاموس عبري ليتأكد بنفسه من ذلك. فكلمة إل (el) تعنى إله، وجمعها آلهة، تعنى "إلوهيم" (elohim). ولو بدأنا بأول جملة في أول إصحاح من سفر التكوين لوجدناها تقول: "في البدء خلق الله السماوات والأرض". ولو رجعنا للنص العبري لوجدنا ما نطقه بالعربية : "بريشيت بارا إلوهيم" (Bereshith bara elohim) وتعنى : "في البدء الآلهة خلقت السماوات والأرض" !! وفى نفس الإصحاح ترد عبارة "إلوهيم"، أي الآلهة، ثلاثين مرة.. أي أنها ليست من الأخطاء اللغوية أو المطبعية !
ونطالع في الإصحاح 3 عدد 22 من نفس سفر التكوين، أن النص العربي لطبعة 1966 يقول: "وقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منّا.."، فهل يمكن للإله الواحد أن يقول عبارة " كواحد منّا " إلا لو كان هو بين عدد من الآلهة الأخرى ؟!
وترد كلمة "إلوهيم" ( آلهة ) 2570 مرة في النص العبري وفى كل مرة تترجم بالمفرد. ومن الواضح أن النص العبري يفرق بين إله واحد وآلهة متعددة، وبين إله واحد اسمه "يهوا". ففي سفر التكوين (2 :4 ) نطالع: " يوم عمل الرب الإله الأرض والسماوات "، وهى تحريف واضح للجملة الأصلية التي تقول: "يهوا والآلهة عملوا الأرض و السماوات"..
فهل نخرج من ذلك بأن القساوسة الكرام لا يعرفون حتى الآن الفرق بين المفرد والجمع لكلمة إله، أم هو تواطؤ ضمني، لإيهام القارئ بأن ذلك الكتاب " المقدس " لا يعرف تعدد الآلهة ولا يتبعها، وإنما يعبد الإله الواحد كما يقولون ؟!

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1251637667180px-josephusbust.jpg
صورة لتمثال المؤرخ اليهودي فلافيوم وإن كان ما تقدم مجرد مثال على "التزوير الورع" في مجال الترجمة، ففيما يلي أشهر مثال على "التحريف الورع" بدس نصٍ في غير مكانه، وهو من الشهرة في عالم التزوير الورع الكنسي حتى بات له اسما يدل عليه تحديداً في كافة المراجع، وهو : " Testimonium Flavium (http://www.earlychristianwritings.com/testimonium.html) " أي " شهادة فلافيوم " نسبة إلى فلافيوس جوزيف Josephus (http://en.wikipedia.org/wiki/Josephus)، المؤرخ اليهودي الشهير. وهى شهادة أثارت جدل المؤرخين لمدة قرون، انتهوا بعدها إلى أنها تمثل واحدة من أكبر وأشهر عمليات التزوير في السجل الكنسي.
وقد أثيرت مسألة أصالة هذه الفقرة تحديدا منذ القرن السادس عشر لسبب بسيط هو : المعروف عن فلافيوس جوزيف أنه من مواليد سنة 30 م وتوفى في نهاية القرن. ومعنى ذلك إن والده كان معاصرا لكافة الأحداث المتعلقة بيسوع، وأنه أي فلافيوس نفسه، كان معاصرا للفترة الأخيرة من حياة يسوع ولكل ما واكبها أو نجم عنها من أحداث.. بل لقد كان فلافيوس متزوجا من أخت هيرود، أي أنه كانت له صله بالحاكم وبالبلاط.. كما كان من كبار مؤرخي عصره، وهو إنسان شديد التعصب ليهوديته. وقد أنشأ أطفاله على عقيدته هذه، و يفخر بأنه من سلالة حاخامات يهود شديدي التعصب..
ومن أهم مؤلفاته "حرب اليهود ضد الرومان" من سبعة مجلدات، و"الآثار اليهودية" أو "تاريخ اليهود" من عشرين مجلدا، إضافة إلى كتاب "ضد أبيون" من جزئين، وسيرته الذاتية. ومن غير المعقول ألا يذكر يسوعفي كل هذه المجلدات سوى في فقرة، من بضعة أسطر، في كتابه عن آثار اليهود، الذي وصل فيه بتاريخ اليهود حتى حربهم مع الرومان سنة 66 م.، وتقول الفقرة :
" وفي نـفس العصر أتى يسوع، إنه رجـل عـاقـل، إذا ما كان يجب أن نطلق عليه رجـلاً. لأنه كان صانع مُعجزات وسيد الرجال الذين يتلقـون عنه الحقيقة بسعادة. وقــد جــذب إليه العـديد من اليهود والهلليـنين. أنه كان المسيح. وعندما حكم عليه بيــلاطس بالصلب بناء على وشاية من مواطنينا الأوائل، لم يكف الذين كانوا يحبونه عن الإعجاب به لأنه ظهر لهم بعد ثـلاثة أيــام، لقد قام، إذ كان الأنبياء الـقدامى قـد أعلـنوا ذلك وآلاف الأشياء الأخـرى بشأنه. والجماعة التي يطـلق عليها المسيحيين لم تخـتف بعـد" !
وأول ما نخرج به من هذا النص الذي صاغه ودسه أحد الآباء، أن اليهود هم الذين وشوا بيسوع وتسببوا في صلبه كما يقولون.. فكيف تقوم الكنيسة بتبرئتهم بعد2000 عام من اتهامهم بقتله ؟!
ولو كانت هذه الفقرة الوحيدة حقيقية، بقلم فلافيوس جوزيف، لكانت حاسمة في وضع يسوع بذلك الإطار الزمني. إلا أن المؤرخ، يوضح في مقدمة ذلك الكتاب التاريخي، مؤكدا على سيادة الدين اليهودي على كل الديانات السائدة آنذاك. لذلك لا يعقل أن يعترف بأسس العقيدة المسيحية ولا يمكنه تأكيد أن يسوع هو المسيح، لأنه قول يخالف عقيدته كيهودي مؤمن بأن المسيح لم يأت بعد – وفقا للعقيدة اليهودية.
وتزايد الخلاف حول ذلك الاستشهاد وتواصل حتى القرن الثامن عشر عندما فرض الفيلسوف فولتير (http://en.wikipedia.org/wiki/Voltaire) ومجموعة كتّاب الموسوعة، حقيقة أن الفقرة عبارة عن تزييف فاضح، وأنها مقحمة على النص، ومقحمة في فقرة تتناول حدثين مختلفين، ولو تم حذفها لاستقام النص وكأنها لم تكن !. وحاول بعض الكنسيين الدفاع عن هذا التزوير بأنه عبارة عن "تحريف طفيف" ، ثم باءت كل محاولات الدفاع بالفشل بعد التأكد من أن هذه الفقرة مقحمة فكفّوا حتى عن الدفاع عنها !.
ويستشهد النقاد المعاصرون بهذه الواقعة والآلاف غيرها ليؤكدوا أن حياة يسوع، في الواقع المعاش، لا علاقة لها بالنصوص الوحيدة التي نسجتها الكنيسة، بعد أن محت كل ما عداها، لفرض ما قامت بصياغته. أو بقول آخر: أنه لا يمكن كتابة حياة يسوع، بصورة منطقية، من الوثائق التي لم تترك الكنيسة سواها..
ولا أدل على التغيير والتبديل أو الاستخفاف بالعقول، من أن يسوع، عليه السلام، يقول في الأناجيل 28 مرة عبارة أنه "ابن الإنسان".. ورغمها، تصر المؤسسة الكنسية على تجاهله لتجعل منه "ابن الله".. ثم جعلته إلاها ثلاثي الأقانيم، ثم أطلقت عليه عبارة : "ربنا يسوع المسيح" - وهو ما يعبدونه حالياً !!.
ترى هل من الممكن أن يعود الأتباع إلى النصوص للتأكد من كل ما تقدم، والكثير غيره، بدلا من الاكتفاء بما يقال لهم في الكنائس، ليروا بأعينهم ما تجاهد الكنيسة لتفرضه على العالم أجمع بعمليات تنصير ممجوجة مأجورة.. ؟!
28 / 8 / 2009
تستقبل الدكتورة زينب عبد العزيز رسائلكم وتعليقاتكم على المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]

القلب الحزين
20-12-2013, 05:20 PM
وصية لقمان..



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/125059903665656.jpgأ.د. ناصر احمد سنه
كاتب واكاديمي من مصر.
أيها الباحثون: عن سبيل "إيماني، قيمي، علمي، عملي، صحيح، صالح، مُصلح" للإنسان والحياة والكون. سبيل يربط بين العقيدة، والأخلاق (في مرجعيتها الإلهية)، بالعمل والتطبيق والتنفيذ فلا " فصام، ولا إنفصال، ولا نفاق".
أيها الباحثون:عن نسق لعالم الأفكار، وعالم الأشياء.. جناحي الطيران في عالم التحضر والنماء الرفاه.
أيها الباحثون: عما "يجدد حياتكم"، ويثري خصائصكم ومهاراتكم وقدراتكم الخلقية والنفسية والشخصية وإلإجتماعية.
أيها البحثون: عن كل ما من شأنه تطوير مساركم العلمي والتعليمي والمهني والوظيفي، فيكلله بالنجاح.
أيها الباحثون: عما يخلصكم من أفكاركم، وتصرفاتكم، وعاداتكم، و"صورتكم الذهنية" السلبية،
أيها الباحثون: عن الرؤية الإيجابية للنفس البشرية، وعن صلاح البيئة المجتمعية، وعن التوازن في قيم الحياة.. الفردية والمجتمعية والإنسانية.
أيها الباحثون: عما يعينكم علي تخطي عوائق التغيير النفسي والإجتماعي، ويزيل عنكم "بواعث قلقكم علي ذواتكم ومستقبلكم"، ويلهمكم بدء "حياة مُبهجة واعدة".
أيها الباحثون: عن "فن التغيير ومهاراته وإدارته"، وعن قصص حقيقية لشخصيات تغيرت، فأثرت في المجتمع، و"كسبت" الكثير من الأصدقاء، وحققت الكثير من النجاحات.
أيها الباحثون: عن الأسس الحقة للتعارف والتواصل مع الذات، و(الآخر).. في نطاق الأسرة والمجتمع والوطن والإنسانية.
أيها الباحثون: عن أسس تربية وتنشئة الأبناء وإعدادهم، وترسيخ مقومات صلاحهم، وعن تهيئة الجو الأسري/ القيمي/ المجتمعي الصالح لهم.
أيها الباحثون: عن مهنة تنمية الموارد البشرية Human Resoueses، ومهن خدمة الإعلام والإعلان والعملاء، والتطوير المؤسسي.
أيها الباحثون: الأسلوب العلمي والعملي لتطوير المجتمع وتنميته، وترقية الثقافة والذوق الإنساني الرفيع.
أيها الباحثون: عن استثمار اقتصادي حقيقي..لا ربوي، ولا إحتكاري، ولا إستغلالي، ولا "أخطبوطي عبر شركات متعددة الجنسيات".
أيها الإستراتيجيون والتربوين والمعلمون والخبراء والمحاضرون والمديرون والإستشاريون والإقتصاديون الباحثون: عن البرنامج الشامل المتوازن المتكامل للتنمية البشرية الحقيقية عليكم جميعاً بوصية لقمان في القرآن الكريم.
يقول الحق تبارك وتعالي: "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ، وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُنْ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ، يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ"(لقمان:12-19).
لاشتمالها على قصة "لقمان الحكيم".. سُميت السورة الكريمة بهذا الأسم. وهي من السور المكية، التي تعالج موضوع العقيدة، وتعنى بالتركيز على الأصول الثلاثة لعقيدة الإِيمان وهي "الوحدانية، والنبوة، والبعث والنشور". ولقد أشارت "السورة" إلي فضيلة الحكمة، وتفضل الله بها، وكيفية التأمل والنظر لمعرفة الله تعالى وصفاته، وذم الشرك، والأمر بمكارم الأخلاق، والنهي عن القبائح والمنكرات. كما تضمنت وصايا ثمينة أنطقه الله بها، وكانت من الحكمة والرشاد بمكان!. وهذه خطوط عريضة عامة لعلها توضح الهدف المراد:
ـ (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ).. لقد أعطينا لقمان الحكمة وهي الإصابة في القول، والسَّداد في الرأي، والنطق بما يوافق الحق، قال مجاهد: الحكمة: الفقه والعقل. قال القرطبي: والصحيح الذي عليه الجمهور أن "لقمان" كان حكيماً ولم يكن نبياً. كما إن الجكمة هي التوفيق والصدق في القول والعمل. فـ "الحكيم" يضع الأمور في مواضعها الصحيحة، فهو صاحب "فاعلية" نحو نفسه ومجتمعه ووطنه وإنسانيته، ويسعي لتهذيب نفسه، وتربيتها التربية الإيمانية الحقة، ويمضي في سبيل "كمالها"، و"كمال" كل ما يتربط به من حوله.. فيَسعد، ويُسِعد.
لا مجتمع بلا قيم, أو اتجاهات تجريدية/ عمومية، واجبة وملزمة ومـُحددة لتوجه وسلوكيات أفراده نحو مختلف الموضوعات/ المواقف. فهي إحدى المؤشرات الدالة على (نوعية حياة) المجتمعات، ومستوي تحضرها، ونسق تفكيرها, وبوصلة تعديل سلوكها، واختياراتها المستقبلية. و"ماهية الإنسان/ المجتمعات" رهن بنسق تلك القيم المتبناة، والتي يحددها الدين، وما يرشد إليه من أخلاق وقيم ومعاملات وعبادات. كما تحمله وصايا الآباء والمعلمون والتربوين والمصلحون الخ. لذا فللقيم دور نفسي وتربوي وتعليمي واجتماعي وإنساني كبير في صلاح وإصلاح وتماسك ورفعة ورقي المجتمعات.
ـ (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ، وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ).. وقلنا له: اشكر الله على إِنعامه وإِفضاله عليك حيث خصَّك بالحكمة وجعلها على لسانك. كما أن من يشكر ربه فثواب شكره راجع لنفسه، وفائدته إنما تعود عليه، لأن الله تعالى لا ينفعه شكر من شكر، ولا يضره كفر من كفر ولهذا قال بعده (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) أي ومن جحد نعمة الله فإِنما أساء إلى نفسه، لأن الله مستغنٍ عن العباد، محمودٌ على كل حال، مستحقٌ للحمد لذاته وصفاته. إنه "سُلم قيمي" أعلاه شكر الله تعالي، ثم شكر الوالدين، وطاعتهما، وإلتزام بالعقيدة والمبدأ/ المسئولية الفردية بعيدا عن العواطف/ التقليد/ التبعية العمياء/ المحاكاة. إن أكبر عامل في زيادة الإنتاج: زرع الثقة في المرؤوسين.. والثناء علي إنجازاتهم وإثابتهم عليها.. أشكر لك، أفصح عن أشكرك. قال صلي الله عليه وسلم:(مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ)[1].
ـ (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ).. البيان الذي علَّمه الله الإنسان، ميزة بالغة الأهمية عندما توظف أصلح توظيف. فاللغة عاملٌ حيادي. والبشرية بالبيان، والحوار، والسؤال، والجواب، والتعليق، والاستيضاح.. تربية وتهذياً وتعليماً وإعلاماً ترقى إلى الواحد الديَّان، أو تهوي إلى أسفل سافليين: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ )[2]. ثم ذكر تعالى بعض نصائح لقمان لابنه: (إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ) [3]، وقال المعصوم صلي الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)[4].
ـ ينبغي مطابفة الوعظ/ القول/ التعليم / التدريب للعمل:(مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَيُجَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ)[5] فالتطبيق بلا إخلاص غير مقبول، والإخلاص من دون تطبيق لا يكون، والمؤمن يأخذ بالأسباب، ويتوكَّل على ربِّ الأرباب.
ـ (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).. بدأ بالتحذير له من الشرك الذي هو نهاية القبح والشناعة والظلم العظيم. واذكر لقومك موعظة لقمان الحكيم لولده، حين قال له واعظاً ناصحاً مرشداً: يا بني كن عاقلاً ولا تشرك بالله أحداً، بشراً أو صنماً أو ولداًأي إِن الشرك قبيح، وظلم صارخ لأنه وضعٌ للشيء في غير موضعه، فمن سوَّى بين الخالق والمخلوق، وبين الإِله والصنم فهو -بلا شك- أحمق الناس، وأبعدهم عن منطق العقل والحكمة. ِفنهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى، فأرقى عمل أن تطيع الله عزَّ وجل، وأرقى علم أن توَحِّد، فليس عجباً أن يكثِّف الله عزَّ وجل فحوى دعوة الأنبياء كلِّهم بالتوحيد:"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِي"(الأنبياء:25).
ويقول المعصوم صلي الله عليه وسلم: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ: يَعْبُدُونَ شَمْسًا، وَلا قَمَرًا، وَلا وَثَنًا، وَلَكِنْ أَعْمَالا لِغَيْرِ اللَّهِ، وَشَهْوَةً خَفِيَّةً)[6]،.. (الشرك أخفى في قلب ابن آدم من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة، وأدناه أن تبغض على عدلٍ ، وأن تحبَّ على جورٍ)([7].
ـ المصاحبة بالمعروف وفي المعروف وللمعروف.. مبدأ ومقياس أساس يزن علاقات وتفاعلات الأسر والأقران والأوطان والبشرية جمعاء، ويحل تلك المعضلة المتعلقة بشأنهم جميعاً. وفي حياة المؤمن عقائد وقضايا ومبادئ ليست خاضعةً للمساومة. كما أنه استنادا إلى إيمانهم بأن البشرية المتحدة في أصل واحد ..المختلفة أجناسا وألوانا ولغاتا، المتفرقة شعوبا وقبائل، الغاية من جعلكم هكذا ليست التنازع والتناحر، بل التعارف والتآلف:" يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات: 13). فالتنوع يدعو إلى التعاون والتكامل وفق معيار: التقوى والعمل الصالح، وهما أعمال كسبية (وليست وراثية / عنصرية) يتسابق ويتصالح عليهما البشر .. خدمة لمجتمعاتهم وإنسانيتهم.
ـ (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).. القدوة، والقيادة، والتواصل، و" الإنابة لله تعالي".. سبيل واضح مستقيم، لم ينقطع من لدن أبو البشر "آدم" عليه السلام، وحتي رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم ومن سار علي هديه واتبع سبيله. فالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة وأمهات المؤمنين والصالحين والصالحات، والمصلحين والمصلحات، وسائر القدوات وإظهار التأسي والفخر بهم، وإحترامهم وتقديرهم يملأ "الحاجة للقدوة"، ويسد "قابليات شديدة للاستهواء بنماذج سلبية"، ويحقق جدارة الانتماء، يقول الله عز وجل:" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" (الأحزاب:21). إنه لا بدّ من مرجعية وطريق صحيحة: (دينك، دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا)[8].
ـ (يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُنْ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ).. "محاسبة النفس" علي الصغير والكبير، و"مراقبة" الحسيب السميع البصير سبحانه وتعالي "كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"[9]. الشيء الذي ينبغي أن يُخاف منه هو أكل حقوق الآخرين، والطغيان عليهم. إن الخصائص التي خصَّ الله الإنسان بها خصائص حياديَّة يمكن أن تستخدم في الحق، ويمكن أن تستخدم في الباطل. فحينما يعلم المرء أن الله أعطاه هذه الحواس والقدرات والمهارات وسيحاسبه عليها فسيوظَّفها التوظيف الأمثل للحق وبالحق، ولتعمير الأكوان لا تدميرها. ثم "تقويم الآداء" وتفعيل المسئولية/ الحقوق والواجبات الذاتية الفردية، والتي تتبلور جميعها وتتكامل لتشكل المسئولية المجتمعية. ثم لا ينفع الإنسان/ القادة/ المجتمعات/ البشرية غير الصدق. فكل شيء لا يخفي علي الله تعالي.
ـ (يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ).. بعد أن انتهى من التوحيد انتقل للأعمال وبدأ بأهمها إقامة الصلاة. فهي الوسيلة الأساسية لصيروة استكمال "الصلة، والتواصل، والتعرف" علي الخالق سبحانه وتعالي، ثم تربية للنفس والمجتمع، ومن ثم إلزامهما بالصراط المستقيم، وآداء الحقوق والمواثيق جميعها. كما تجتمع في الصلاة كل العبادات من طهارة وزكاة (الزكاة مال، والوقت مال) وقيام وتفكر ودعاء، والمداومة على الصلاة من أكبر أسباب الرزق. وصلواتنا وعباداتنا (تغلب عليها العمل والصفة الجماعية، و"روح الفريق")، وأعمارنا موقوتة بأوقاتها، في ذلك حسن "إدارة للأوقات". لذا كانت التربية الخلقية والقيمية جوهر الإسلام وغايته: فعن مَالِك أَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الْأَخْلَاقِ"، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ"[10].
ـ (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).. أمر بكل خير وفضيلة، ونهي عن كل شر ورذيلة.. أمر بالمعروف، ونهي عن منكر..يسبقهما معرفة بالمعروف والمنكر و"فقههما"، ثم رقابة وحسبة وإحتساب، ورفق بالمدعوين، و"نقد بناء"، ووقوف علي "ثغور" الصلاح والإصلاح، بلا خمول أو كسل أو سلبية أو تهاون أو تهويل، فكيف ـ إذن ـ يستشري الفساد والإفساد..الفردي والأسري والمجتمعي والوطني والإقتصادي والإنساني؟.
ـ (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)..الفضائل ثمار من الله سبحانه على قدر علو الهمة، والعزم والإرادة، والرأي والمشورة. ماأجملها وأقومها من قيم / مهارات/ أدب نفسي/ سبل لتنمية بشرية إيمانية حقيقية.
يقول الشاعر: إن كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الراي أن تترددا.
ويقول آخر: إن كنت ذا رأي فكن ذا مشورة فإن فساد الرأي أن تستبدا.
ـ (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).. ثم الأدب مع الناس، فلا تمل وجهك عنهم تكبراً عليهم، قال القرطبي: أي لا تمل خدك للناس كبراً عليهم وإِعجاباً، وتحقيراً لهم، وهو قول ابن عباس. ولا تمش متبختراً متكبراً. وتوسَّط في مشيتك واعتدل فيها بين الإِسراع والبطء، واخفض من صوتك فلا ترفعه عالياً فإِنه قبيح لا يجمل بالعاقل تواضع وعدم خيلاء، ثقة وحسن هندام، تبسم وإعتدال، وطموح لمواجهة التحديات، وتحمل المسؤوليات، وحسن إدارة للأوقات وللنفقات، وبراعة إنصات، وبلاغة خطاب، بلا خجل ولا انطواء، ولا عصبية أو حدة طباع، ولا رد علي السيئة بالسيئة.. أليست أنموذجاً رائعاً يُحتذي لما يسمي (مهارات واللسان والعين والأذن، و"لغة" الجسد Body ******** الخ). ومحاربة لسلوكيات وتصرفات وعادات سلبية (تخلية وتحلية).
- إنها "البيئة الإيمانية" التي تؤثر تأثيرا إيجابياً في التربية/ التعليم / التدريب..عقيدة وعبادة وسلوكا، فـ"كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجّسانه"[11]. إن "المشاركة الفعالة" في تقوية الإيمان من خلال المصاحبه والاصطحاب لأداء الصلاة والفرائض الدينية، وتنمية "الوازع الديني والخلقي"، والتزام الصحبة الصالحة، ومد جسور التواصل مع أهل الخبرة والصلاح في المحيط الأسري وخارجه، وتكثيف جرعات الثقافة الإسلامية.. وتبقي أسس وفن الحياة قوامها: إشعار بأهمية حسن الخلق، وبالأمان، والحب، والعدل، والاستقلالية، والحزم.. أمان في المنزل، أمان علي المستقبل، أمان من مخاوف تفكك الأسر. ويبقي أنه كلما زاد التعبير عن مشاعر الحب والمودة والاحترام زادت فرص التفاهم، والعدل، والنجاح والتوفيق.
- قد يتم فقدان كل شيئ في ثانيةٍ واحدة، فالبطولة ليس أن يعيش الأفراد/ الشعوب في الدنيا مرفوعي المَقَام، ولا كثيري المال؛ بل البطولة أن نلقى الله عزَّ وجل وهو راضٍ عنا. أن نعرفه في الدنيا كي نسعد بهذه المعرفة في الآخرة. ياله من أنموذج رائع "للتنمية البشرية" الحقيقية.. تنمية تُعمر الكوان وتُدخل الجنان.
يمكن التواصل مع الكاتب/ أ.د. ناصر أحمد سنه ..على الإيميل التالي:
[email protected]
المراجع:
[1] من سنن الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه.
[2] سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] النسائي عن عائشة رضي الله عنها.
[4] مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[5] من سنن ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[6] سنن ابن ماجة عن شداد بن أوس رضي الله عنه.
[7] تخريج أحاديث الإحياء.
[8] كنز العمال عن ابن عمر رضي الله عنه.
[9] رواه الشيخان من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[10] مسند الأمام احمد، برقم:8595.
[11] في الصحيحين.

القلب الحزين
20-12-2013, 05:27 PM
الـشــذوذ والـضـــلال مجلبة للعقوبة الإلهية




http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1249512852pic_aids_patient.jpg مصاب بالإيدز على فراش الموت

الدكتور عبد الحميـد القضـاة
اختصاصي تشخيص الأمراض الجرثومية والأمصال (بريطانيا)
خـبـيـر الأمـراض المـنـقـولــة جنسـيــاً والإيــــــــدز
الإتحاد العالمـي للجمعـيـات الطبيـة الإسلامـيـة
مدير المختبرات التخصصية / اربـد — الأردن
الشذوذ والضلال مجلبة للعقوبة الإلهية
رغم زخم الأحداث التي تشغل العالم، فلا تكاد تخلو المجلات اليومية والدورية، من إشارة قريبة أو بعيدة لهذا المرض (الإيدز) أو غيره من الأمراض المنقولة جنسياً، فمن إحصائية عنها في بلد، إلى تفصيل عنها في آخر إلى نفي أو إثبات لوجودها، إلى التقليل أو التضخيم من خطورتها، إلى ضحية جديدة لها، إلى محاضرة أو ندوة أو مؤتمر عنها، ولعل أهم ما نشر عنها من منظمة الصحة العالمية مفاده أن مرض الإيدز هو واحد من الأمراض المنقولة جنسياً، إذ تبين لهم أن معظم المصابين به هم من الزناة والشاذين جنسياً، ومن مدمني المخدرات بالحقن الوريدية.
وبنظرة عاجلة إلى هذا، يتبين أن مصدر هذا البلاء هو الزنا و الشذوذ، إذ أن إدمان المخدرات هو شذوذ، يتبعه شذوذ من نوع آخر، وأن الدم الذي نقل هذا المرض إلى الذين أصيبوا به، وكذلك الدم الذي دخل في صناعة بعض العلاجات جاء أصلاً من شاذين كما أن السائل المنوي الملوث الذي يوضع في رحم الأنثى في التلقيح الصناعي جاء كذلك من شاذين.
وإذا كانت هذه صفات المصاب والناقل (الشذوذ)، فما هي مميزات العقوبة التي يصاب بها، وهل من سبيل إلى تجنبها؟ وما هي صفات المخلوقات التي تسببها؟ وأين أسلحة الطب والتقدم العلمي عنها؟ بل وأين الأديان ونظريات المصلحين الاجتماعيين والتربويين منها ؟ وأين وسائل الدفاع الطبيعية ضدها ؟ وما هو العلاج ؟!
قبل الإجابة على هذه التساؤلات نذكر ببدهيتين تُفضي كل منهما للأخرى، وينساهما كثير من الناس.
أولاهـمـا:
أن قضية الحياة والموت هي أهم قضية تشغل بال الإنسان في هذا الوجود، تشغله قبل لباسه وطعامه وشرابه، ومتعه وتناسله، وقبل أي شيء آخر، لأنها تتعلق بوجوده أو عدمه، فعندما يثوب إلى رشده، ويتصور العدم والفناء، تراه يستغل كل ما يملك وما لا يملك – إن استطاع – للتشبث بالحياة ولو للحظة، فيستكثر من الخير لنفسه، للمحافظة على جسمه سليماً، ليدوم طويلاً، أما إن بقي سادراً في غيه، هائماً وراء شهواته، فلا يخطر بباله عدم أو فناء، ولا تشغله سلامة جسم، لا بل يسخّر كل طاقاته وقواه، لإشباع غرائزه، فلا يفيق إلاّ على طرقات الموت تدق بابه، وقد تخلى عنه الجميع حتى أجهزة جسمه التي أتلفها وهو يلهث وراء شهواته.
وثانيهمـا:
أن عمر البشرية على ظهر هذه الأرض طويل، وطويل جداً إذ تعاقب عليها أقوام وأقوام، تعهدتهم العناية الربانية من وقت لآخر، بأنبياء ورسل تحمل لهم هدى السماء، لتردهم إلى الطريق المستقيم لما فيه خيرهم وسعادتهم، وفي كل مرة تثور ثائرة الظالمين في الأرض، وتنشب المعركة بين الحق والباطل، معركة غير متكافئة بين الرسل وبين أصحاب الامتيازات والجاه، حفاظاً ودفاعاً عن امتيازاتهم ومراكزهم، ويستعمل هؤلاء هيمنتهم بذكاء، فيحولوا المعركة لتصبح بين الشعوب – وهم جزء منها – وبين الأنبياء والرسل، موهمين الشعوب، أن خطر الدعوة الجديدة سيقع عليهم، وماذا يملك الرسول من وسائل الإعلام غير صدق دعوته، يعرضها بمنطق ولين!! (... فقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكر أو يخشى) طه 44.
ولكن أنّى للظالم أن يُصغي لمنطق!! وينتصر الظالمون بمعايير البشر، فتتدخل العناية الربانية لنصرة المظلوم، يتدخل الخالق بالوقت والكيفية، والسلاح والأسلوب الذي يراه، فيعاقبهم بعقوبات صارمة لا تُبقي ولا تذر، "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" هود 102.
عقوبات تأتي على آخرهم، لينظف الأرض من رجسهم، ويستخلف بها عباده الصالحين، مؤكداً أنها (العقوبة) للظالمين والمتكبرين، للضالين والفاسدين، للشاذين والمغايرين للفطرة والاستقامة "فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد". (هود 82)، ولا يظنّن المنقطعون عن هدى السماء في واقع حياتهم، أو المنتسبون له شكلاً، أنهم في منجى من العقوبة، بل ستنالهم كما تنال الظالمين سواء بسواء، ما لم يؤدوا حق هذا الدين عليهم، بتبليغه للناس، ما لم يعيشوه واقعاً في نفوسهم وبيوتهم وشوارعهم وأنديتهم ومؤسساتهم، وفي واقعهم كله "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب" الأنفال 25.
نعم عاقبهم الله في الدنيا بأسلحة لم تكن تخطر على بال تلك الأقوام، "... وما يعلم جنود ربك إلاّ هو..." ( المدثر 32)، أما عقابهم في الآخرة، فأمره موكول إليه وحده، ومن صور هذه العقوبات الدنيوية ما يلي[1]:
· ضنك العيش:
الذي عاقب الله به آل فرعون، وكل من يعرض عن ذكر الله، قال تعالى: " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى، ونحشره يوم القيامة أعمى" طه 124.
· الطوفان:
الذي عاقب به قوم نوح قال تعالى: " مما خطيئاتهم أُغرقوا، فأُدخلوا نارا، فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا"نوح 25 .
· الريح العقيم:
التي عاقب بها قوم عاد، قال تعالى: " وأما عاد فأهلكوا بريح صرر عاتية" الحاقة 6.
· الخـسـف:
الذي عاقب به قارون، قال تعالى: " فخسفنا به وبداره الأرض" القصص 81.
· الصيحة (الصاعقة):
التي عاقب بها ثمود قوم صالح عليه السلام، لمّا خالفوا أمر الله ورسوله قال تعالى: " وأخذت الذين ظلموا الصيحة، فأصبحوا في ديارهم جاثمين" هود 94.
· التـيــه:
الذي عاقب به قوم موسى عليه السلام، عندما خالفوه وأعرضوا عن الجهاد، ودخول الأرض المقدسة، فحرم عليهم دخولها أربعين سنة، فوقعوا في التيه والضياع في صحراء سيناء، يسيرون ليل نهار للخروج منها ولا يهتدون، قال تعالى: "قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة، يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين" المائدة 26.
· المسخ:
الذي عاقب به بني إسرائيل عندما عصوا أمر الله وخالفوا عهده الذي أخذه عليهم، من تعظيم يوم السبت، فمسخهم إلى صورة القردة والخنازير، قال تعالى: " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" البقرة 65.
· الجراد والقمل والضفادع:
التي سلطها الله على آل فرعون، قال تعالى : " فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين" الأعراف 133.
· التدمير:
الذي يعاقب به كل من يعرض عن ذكر الله، ويرتكب الفواحش والمنكرات "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً" الإسراء 16.
· الغرق:
الذي أهلك الله به فرعون وقومه عندما عصوا موسى عليه السلام، فهاجر بنو إسرائيل، ولحق بهم فرعون وجنوده، قال تعالى: " فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين " الأعراف 136.
· تسليط الأعداء:
الذي عاقب به بني إسرائيل، بأن سلط عليهم فرعون، يذيقهم سوء العذاب، يقتل كل ذكر يولد لهم، ويبقي على البنات، ويأمر باستعمالهم في أرذل الأعمال وأشقها، قال تعالى: "وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب، يُذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم" البقرة 49.
· حجارة من سجيل:
التي عاقب بها قوم لوط، بعد أن دمر قراهم لأنهم أول من ابتدع (الشذوذ) اللواط على ظهر البسيطة، كما عاقب بها أبرهة الحبشي عندما جاء لهدم الكعبة، قال تعالى: "ترميهم بحجارة من سجيل" الفيل 4.
ولكي ندرك بشاعة جريمة اللواط (الشذوذ)، وهي سبب العقوبة التي حاقت بقوم لوط، يحسن بنا أن نعرض لقصتهم سريعاً، لكي نطلع على مصارع الذين غضب الله عليهم، ليكون في ذلك عبرة لقوم يعقلون، وتتلخص قصتهم في أنهم أدمنوا ممارسة اللواط، فأرسل الله لهم نبيه لوطاً عليه السلام "ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنت تبصرون"(النمل 54)، فأجابه قومه إجابة منكرة، إجابة كل مجتمع يسمي التدين رجعية وتعصباً، والطهارة جريمة يستحق فاعلها النفي بسببها، "فما كان جواب قومه إلاّ أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون"(النمل 56)، واستشرى الشذوذ وصار يمارس علانية في أنديتهم، كما هي الحال في العالم الغربي اليوم، وطفح الكيل فلا حوار لوط معهم يجدي، ولا إقناعه لهم بالتزوج من النساء يفيد، وقالوا له في صَلَف: "ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين"( العنكبوت 29).
فرتبت السماء الأمر، وأرسل الله وفداً من ملائكته، برئاسة سيدنا جبريل، عليه السلام، في مهمة مزدوجة حيث توجهوا أولاً إلى أبي الأنبياء إبراهيم، يحاورهم في شأن قوم لوط، واحتمال رجوعهم عن غيهم، ولكن الملائكة بينت له أن الله قد حسم القضية "يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود" (هود76 )، ثم خرجوا من عنده قاصدين قوم لوط، بهيئة شباب مشرقة وجوههم، وسيمة خلقتهم، والتقوا بنبي الله لوط على مشارف سدوم، وهو يجهل حالهم، فلما عرف أنهم ضيوفه وضع يده على قلبه، وكتم أنفاسهم وتمتم قائلاً "هذا يوم عصيب" (هود77 )، وظل طوال الطريق يعرض عليهم أن ينصرفوا عنه، قائلاً والله ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء، وتستمر الملائكة في صحبته، لتنفيذ أمر الله.
ودخلوا بيته، وما أن أخذوا مجالسهم، حتى أسرعت زوجته الكافرة، لأخبار القوم بهذا الصيد الثمين قائلة لهم: إن في يبت لوط رجال ما رأيت مثل وجوههم قط، فهرعوا كالمجانين، وعسكروا حول الدار، وحاول لوط إقناعهم واستثارة أحاسيس الشفقة واستجاشة مشاعر الرجولة عندهم دون فائدة، "قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد" (هود78 )، لكنهم أجابوه بكل صفاقة، "لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد" (هود79 )، وتأزم الموقف، وانتاب الحزن الشديد قلب نبي الله لوط، ويكشف الضيوف عن حقيقتهم ويطلبون إليه مغادرة المكان، "....فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلاّ امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم، إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب"(هود 81)، وبقيت حشودهم على الباب فخرج عليهم جبريل وضرب وجوههم بطرف جناحه فطمس على أعينهم فرجعوا إلى بيوتهم يتخبطون الطريق، وجاء الصبح، الصبح الموعد، فاقتلع قراهم، ورفعها إلى علياء السماء وجعل عاليها سافلها، ثم تتبعت الطير من لم يكن منهم في هذه القرى، تمطرهم بحجارة مصنوعة من طين مشوي، مختوم على كل منها اسم صاحبها، يحمل الطير منها ثلاثة أحجار، حجرا في منقاره واثنين في رجليه ترمي بها قوم لوط، فبينما يكون الواحد منهم بين الناس، إذ تسقط هذه الحجارة فتهلكه حتى أنهتهم عن آخرهم " فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وامطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد" هود 82
وهكذا طوى الله سبحانه صفحة من صفحات المفسدين في الأرض، وترك لنا بعض آثارهم (منطقة البحث الميت)، لعلها تكون عبرة وعظة لقوم يعقلون، "ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون"العنكبوت 35.
تحذو حذو قوم لوط!!
وبعد: ألست ترى معي أن المجتمعات الغربية تحذو حذو قوم لوط حذو النعل بالنعل! فما المانع أن يصيبها ما أصابهم؟؟ لا تعجل فسيصيبها، أليس الصبح بقريب؟ وربما بأسلحة لا يعلمها إلاّ الذي سيسلطها عليهم، وما الكوارث والأوبئة الجديدة وما يختزنه المعسكران، من أسلحة الفتك والدمار، إلاّ إرهاصات تنذر بذلك، فهل من مدكر؟؟
الإصابة بالأوبئة الجديدة:
التي عاقب ويعاقب بها كل مجتمع يشذ عن الطريق المستقيم، قال صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الوجع أو السقم[2] رجز عذبت به أمم قبلكم ثم بقي بعد بالأرض فيذهب المرة ويأتي الأخرى..."(رواه البخاري)، وقال: "كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس، وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهن، ما ظهرت الفاحشة في قوم قط، يُعمل بها فيهم علانية، إلاّ ظهر فيهم الطاعون (الوباء)، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم."(رواه الحاكم)، وقال "إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار، إذا ظهر التلاعن، وشربوا الخمر، ولبسوا الحرير، واتخذوا القينات، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء" رواه البيهقي.
وبعد: أليس اكتفاء الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، هو الشذوذ بعينه؟ وهو الذي أثمر لنا أمراضاً لم تكن في أسلافنا، فهل الإيدز وما شابهه من الأمراض المنقولة جنسياً أمراض قديمة أم جديدة ؟.
لقد اجتمعت لهذا المرض ( الإيدز ) والفيروس المسبب له ( كمثال للأمراض االمنقولة جنسياً)، خصائص وصفات غريبة جعلت منه أمراً غير عادي، حار به الخاصة، وأرعب العامة، حار به الخاصة، لما عرفوه من طرق انتقاله، وكيفية عمله، وسرعة تكاثره، والتغير السريع الذي يطرأ عليه، وآثاره المدمرة على الفرد والمجتمع، واختياره العجيب لأهم أجهزة الجسم (جهاز المناعة)، ثم الغموض الذي يكتنف بعض أعراضه وأطواره، والوهن المريع الذي يؤول إليه المريض، حتى تصبح أضعف الجراثيم مؤهلة للقضاء عليه. وأما رعب العامة الذي بلغ درجة الهستيريا، فسببه جهلهم المطبق بالمرض الجديد، وسرعة فتكه، والنهاية المفجعة للمصابين به، وكلفة المعالجة الباهضة وعدم جدوى العلاج للآن، ثم اختياره لأعز شهواتهم طريقاً لإصابتهم بالمرض، ومن هذه الخصائص والصفات ما يلي:
أولاً:
عدم قدرة الإنسان على صناعة طُعمٍ واقٍ من الإيدز والسفلس والسيلان حتى هذا الوقت، رغم الجهود الجبارة والأموال الطائلة التي أنفقت على هذه الأبحاث .
ثانياً:
الإيدز يتحدى الطب إذ لا علاج له للآن، رغم الأبحاث الكثيرة الجارية لهذا الغرض.
ثالثاً:
الآثار الاقتصادية المدمرة للإيدز والأمراض الجنسية الأخرى، وهذه عقوبة كبيرة، حيث تنفق الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها سنويا مبلغ ثلاثة عشر مليار دولار، أما الفاتورة العالمية السنوية فهي مئات المليارات.
رابعاً: القتل البطيء.
فالعقوبة التي تحيق بالإنسان وتقتله فوراً، هي أقل إيلاماً لنفسه من تلك التي تذيقه العذاب الطويل قبل أن تقتله، والأمراض المنقولة جنسيا بشكل عام، والإيدز بشكل خاص، من هذا النوع، فهي بآلامها النفسية وعذابها الجسماني، تقتل صاحبها ألف مرة قبل أن تؤدي إلى موته، لذا فهي توصف أحياناً، بأنها معذِّبة أكثر منها قاتلة. فالشاذ الذي مارس الجنس، أو تناول المخدرات ولو مرة واحدة، يبقى في قلق دائم، يصغي لكل ما يقال عن المرض وتستلفت نظره كل ظاهرة في جسمه، ويهزه كل عارض يحس فيه، فيقتله الوسواس، وفي أعماقه سؤال حائر، هل أصبت بالمرض أم لا؟!... "يحسبون كل صيحة عليهم"(المنافقون4) وسواء ظهرت عليه أم لم تظهر أعراض الإصابة بالمرض، أو تكرر ظهورها واختفاؤها، يبقى الشاذ في حالة ترقب وانتظار، فإذا تأخر ظهورها أو اختفت، يظن أنه قد شفي وسلم، ثم يفاجأ بظهورها، وقد تستمر أعراض المرض بالظهور والاختفاء، في بعض الأمراض المنقولة جنسياً ردحاً من الزمن، فيبقى المريض معلقاً في الفراغ، فلا هو طريح الفراش، ولا هو بالسليم المعافى.
وهكذا فالشذوذ والضلال مجلبة للعقوبة الدنيوية التي يمكن للمراقب أن يراها ويرصدها، أما العذاب الآخر فهو الأدهى والأمر" كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون" ( القلم 33 ).
وفي الطرف المقابل تماما فالإيمان والالتزام بشرع الخــــالق يقـــودان صاحبهما إلى السلامة الجسمية والنفسية في الدنيا، ثم إلى النعيم الخالد، حيث الجائزة الكبرى والمتعة التي لا تنقطع، في جنة عرضها السماوات والأرض،
" وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى"النازعات40،
ولله الأمر أولا ًوآخراً
(1) قصص الأنبياء، عبد الوهاب النجار.
(2) السقم: الطاعون.

القلب الحزين
20-12-2013, 05:28 PM
{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ}


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1246375942800px-rammummy.jpg
صورة لمومياء رمسيس الثاني الذي يعتقد انه فرعون موسى

بقلم: ياسين بن علي.
قال الله سبحانه وتعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ}. (الزخرف: 54- 56)
إن الأمة إذا لم تحاسب الحاكم إن أساء، ولم تأخذ على يديه إن ظلم، ولم تقف في وجه انحرافه وفساده، فإنّ ذلك سيجعله يتمادى في ظلمه وبغيه وطغيانه، ويمدّ في عمر نظامه الفاسد. وكلما صفقت الأمة للحاكم رغم ظلمه، أو هتفت باسمه رغم فساده، فإنه يزداد عنجهية ويتمادى في ظلمه وبغيه وعدوانه.
لذلك، فإن من علامات الحيوية في الأمة أن تحاسب الحاكم بقوة إذا أفسد أو ظلم، وأن تقف في وجهه إن طغى وبغى، فإن لم تفعل، فقد تودّع منها.
عن أبي بكر الصديق قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابه".(1) وفي رواية قال: "إنّ النّاس إذا رَأَوُا الْمُنْكَرَ لاَ يُغَيِّرُونَهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بعقابه".(2) وفي رواية أخرى: "إن أمّتي إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم الله منه بعقابه".(3)
وعن عدي بن عميرة أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الخاصّة والعامّة".(4) وفي رواية عن العرس بن عميرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى تعمل الخاصة بعمل تقدر العامة أن تغيره ولا تغيره فذاك حين يأذن الله في هلاك العامة والخاصة".(5)
لقد ضرب الله سبحانه لنا مثلاً عن فرعون الذي كان طاغية عصره، فبغى وظلم، وادعى لنفسه الألوهية {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} (النازعات: 15 -24)، وأعطى لنفسه سلطة التدخل في فكر الناس وعقولهم، وجعل نفسه مركز الكون، فلا فعل بدون إذنه، ولا قول بدون إذنه، بل ولا تفكير بدون إذنه؛ لذلك صاح قائلاً عندما آمن السحرة برب العالمين: { آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ }.
لقد طغى فرعون في الأرض وتجبّر، إلا أنّ قومه كانوا يصفقون له، رهبة ورغبة، فيوافقونه في أعماله، ويظهرون له الولاء، ويطيعونه رغم إفساده في الأرض؛ فكانت مظاهر الخنوع هذه مدعاة له لأن يستخف بهؤلاء القوم الذين أطاعوه في المنكر، فلا يقيم لهم وزناً، ولا يعبأ بوجودهم، فازداد طغياناً وتجبراً.
إن سكوت قوم فرعون عن ظلمه وطغيانه وكفره، جعلهم من الفاسقين؛ لأنهم أطاعوه في ظلم وكفر. {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}.
ولم يقف الأمر عند حدّ تفسيقهم، بل عمّهم العقاب، فأغرقهم الله أجمعين: فرعون الطاغية، وزبانيته، وكذلك قومه الذين سكتوا عن طغيانه وكفره. {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ. فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ}.
إنّ ما حدث لفرعون وقومه عبرة لكل ظالم وطاغية في كل زمان ومكان، وهو أيضاً عبرة لكل شيطان أخرس، ولكل ساكت عن الظلم.
لذلك، فإن على الأمة أن تتحرك لقلع جذور الظلم والطغيان، ويحرم عليها السكوت عن الكفر البواح، لأنّ السكوت لا يغير من واقعها المرير، بل يزيد الظالم جرأة على دين الله وعلى طغيانه وبغيه.
إنّ الأمة الإسلامية أمة قوية بإيمانها، فإذا جمعت أمرها ووحدت كلمتها، قدرت على إحداث التغيير. عن عبيد الله بن جرير عن أبيه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعزّ وأكثر ممن يعمله لم يغيروه إلا عمهم الله بعقاب». وفي رواية: «ما من قوم يعمل بين أظهرهم بالمعاصي هم أعزّ منهم وأمنع لم يغيروا إلا أصابهم الله منه بعقاب». (6) وورد في رواية بلفظ: « عن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيروا عليه، فلا يغيروا، إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا».(7)
فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنّ تحقق الاستطاعة في بعض أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يكون بالجمع. قال الحافظ المناوي في شرح هذا الحديث: "لأن من لم يعمل إذا كانوا أكثر ممن يعمل كانوا قادرين على تغيير المنكر غالباً، فتركهم له رضاً بالمحرمات وعمومها، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح".(8)
ولا نجانب الصواب إذا قلنا، إنّ في هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي توجب على العامة التغيير، ما يدلّ على أنّ من المنكرات، كمنكرات الحكام، ما يلزمه الثورة العامة والعصيان من الأمة حتى تغيره؛ لأنّها قوية بربها، وقوية بجمعها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه أبو داود في السنن (3835)، الترمذي في السنن (2188)، أحمد في مسند أبي بكر (33 و34)، البيهقي في الكبرى (18540)، ابن حبان في صحيحه (305) وغيرهم.
(2) أخرجه أحمد في مسند أبي بكر (1 و16 و54)، الترمذي في السنن (3130)، ابن ماجه في السنن (4036) وغيرهم.
(3) أخرجه بهذا اللفظ البزار في مسنده، ما روى قيس بن حازم عن أبي بكر (51 و52)، وما روى محمد بن أبي بكر عن أبيه (109).
(4) أخرجه أحمد في مسند الشاميين (17457)، وابن أبي شيبة في المسند (587)، ونعيم بن حماد في الفتن (1733)، وابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (65). وقال ابن حجر في فتح الباري (ج14 ص492): "أخرجه أحمد بسند حسن وهو عند أبي داود من حديث العرس بن عميرة وهو أخو عدي، وله شواهد من حديث حذيفة وجرير وغيرهما عند أحمد وغيره‏".‏
(5) أخرجه الطبراني في الكبير (13788) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج7 ص529): رجاله ثقات.
(6) حديث حسن أخرجه أحمد في المسند (18895 و18918)، ابن ماجه في سننه (4040)، ابن حبان في صحيحه في كتاب البر والإحسان (301)، والبيهقي في الكبرى (18541).
(7) أخرجه أبو داود في السنن (3837)، ابن حبان في صحيحه في كتاب البر والإحسان (303)، والطبراني في الكبير (2330).
(8) فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج5 ص493

القلب الحزين
20-12-2013, 05:29 PM
السبق الإسلامي في اكتشاف أمريكا ووضع خرائطها الدقيقة



إعداد: د. عبد الرحيم الشريف
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1226441118200px-santa-maria.jpg
صورة لسفينة مشابهة لسفينة كولومبس
دكتوراه في التفسير / جامعة الزرقاء الأردنية
رغبةً في نشر الدين النصراني، ووجود الدولة العثمانية التي وضعت العراقيل أمام تجارة أوروبا مع الشرق الأقصى في أواخر القرن الخامس عشر، فضلاً عن الضرائب الجمركية المتصاعدة التي كان يفرضها مماليك مصر، بدأ الناس في أوروبا يتساءلون عن إمكانية الوصول إلى الهند مباشرة للتخلص من سيطرة العثمانيين المتزايدة على تجارتهم.
ومن هنا بدأت حركة الكشف الجغرافي الأوروبي للبرتغال وإسبانيا، وإن اختلفت كل منهما عن الأخرى في التوجه، فبينما اتجهت كشوف البرتغال إلى غرب إفريقيا شرقًا حتى منطقة جزر الهند الشرقية من خلال طريق رأس الرجاء الصالح، نجد إسبانيا اتجهت كشوفها غربًا لتصل إلى نفس الهدف.
وهنا بدأت الرحلة الشهيرة لكولومبوس الذي اكتشف أمريكا، والمعلوم أن كولومبوس مات عام (1506م=912هـ) وهو يعتقد أنه وصل إلى آسيا، وأن الجزر التي اكتشفها إنما هي تلك التي توجد بالقرب من الهند، ومن هنا ترجع تسميتها إلى جزر الهند الغربية، وكذلك تسمية سكانها الأصليين بالهنود، ولم تلبث الأذهان أن أخذت تشك في أن هذه الأرض التي وصل إليها كولومبس هي آسيا ولاسيما بعد تلك الرسالة التي نشرها "أميركو فسبوتشي".

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1226440947200px-flag_of_christopher_columbus.svg.png
صورة لشعار سفينة كولومبس

الإسهام غير المباشر للعرب المسلمين في اكتشاف أمريكا:
في مجال (الجغرافيا الوصفية) قدم الجغرافيون العرب والمسلمون نظريات حول شكل الأرض تؤكد كرويتها للجغرافي الأندلسي المسلم "أبو عبد الله البكري" وللتدليل على هذه الفكرة قدم عالم آخر اسمه أبو الفدا (ولد 1273م/672هـ) بعض الأدلة المنطقية عليها مثل تغير وقت شروق الكواكب وغروبها كلما تحرك الشخص من الشرق إلى الغرب، وتزايد ارتفاع النجم القطبي والكواكب الشمالية كلما تقدم الشخص نحو الشمال، وفكرة كروية الأرض هي التي انطلق منها كولومبس في رحلته الاستكشافية نحو الغرب والتي وصل من خلالها إلى العالم الجديد.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1226441027225px-colomb.jpeg
صورة لكريستوفر كلومبس

ويضاف إلى ذلك إسهام المسلمين في فكرة خطوط الطول ودوائر العرض، ووصول المسلمين إلى درجة عالية من الإتقان في القياس، ففي القرن العاشر الميلادي ذكر "المقدسي" أن الأرض كروية، وأن خط الاستواء يقسمها نصفين، وأن محيطها مقسم إلى 360ْ درجة طولية 180ْ درجة عرضية، كما أن البيروني كان أستاذًا في نفس الموضوع، وقد وضع أرقامًا دقيقة لدوائر عرض عدد كبير من الأماكن، وكانت الطريقة التي استخدمها في حسابها مبنية على رصد النجوم التي تدور حول القطب.
وقد كانت صناعة الأجهزة من ضمن الإنجازات العلمية الهامة للمسلمين، ومن أشهر هذه الأجهزة جهاز الإسطرلاب، والساعة المائية والمزولة التي كان خط العرض يوضح عليها بدقة، وكذلك البوصلة التي استخدمها العرب في أوقات مبكرة كما أشار الإدريسي، وكل هذه الأدوات استعان بها كولومبس في رحلته نحو أمريكا.
وأيًا ما كان الأمر فإننا نعتقد أن كولومبس ما كان له أن يصل إلى اكتشاف أمريكا بدون الاستفادة من هذه الخلفية المعرفية الجغرافية التي قدمها علماء المسلمين بالإضافة إلى أن ثلث بحارته كانوا من العرب.
سبق العرب والمسلمين في الوصول إلى أمريكا:
أصدر الدكتور يوسف ميروا في دراسة حديثة بالإنجليزية تفيد أن كثيرًا من المؤرِّخين يؤكدون أن المسلمين وصلوا إلى شواطئ أمريكا قبل كولومبس بـ 500 عام، ويستدلون ابتداءً بما ذكره الجغرافي والمؤرخ المسلم المسعودي في كتابه “مروج الذهب ومعدن الجوهر” من أن بحارًا مسلمًا يدعى ابن سيد القرطبي أبحر من الشاطئ الغربي للأندلس في عام 889م وسار في اتجاه مستقيم حتى وصل إلى شاطئ كبير رجع منه محملاً بكنوز كثيرة، أيضًا رسم المسعودي في خرائطه مناطق في المحيط الأطلسي (غرب القارة الإفريقية والأوروبية) سماها الأرض المجهولة. وأما كولومبس نفسه فقد ذكر في رسائله ومذكراته إشارات تصلح للاستدلال؛ إذ أورد أنه رأى جزيرة حمراء (في رحلاته لأمريكا) يحكمها رجل عربي ينادى بأبي عبد الله، كما اكتشف أن أهالي
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12264412756252.jpg (http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1226440905800px-colombusmap.jpg)
صورة للخريطة التي أستخدمها كريستوفر كولومبس أضغط على الصورة لتكبيرها

جزيرة سان سلفادور يتكلّمون ببعض الكلمات ذات الأصول العربية مع بعض التحريف في النطق، وذكر أنه رأى في الهندوراس قبيلة سوداء مسلمة يطلق عليهم لقب إمامي. وفي مذكراته الشخصية ذكر كولومبس أنه شاهد مسجدًا في كوبا فوق رأس جبل، كما أن الأسلحة التي يستخدمها سكان هاييتي هي نفسها التي كانت تستعمل في إفريقيا.
وكتب المؤرِّخ الأمريكي وينر أستاذ التاريخ بجامعة هارفرد يقول: إن كولومبس فهم أنه كان يوجد مسلمون في العالم الجديد، وانحدروا من غرب إفريقيا، وانتشروا من الكاريبي إلى مناطق مختلفة في شمال وجنوب أمريكا، وأضاف وينر أن مجموعات من هؤلاء التجار تزاوجوا مع هنود الأمريكتين. ويضيف الدكتور يوسف أن العديد من المصادر الإسلامية تحدَّثت عن رحلات بحرية تمّت في المحيط الأطلسي مثل كتاب الإدريسي “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” و”مسالك الأبصار في ممالك الأمصار”.. وفي كتابه “قصة أمريكا” أورد المؤرخ باري نيل الكثير من الأدلة (بلغت 565 تسجيلاً) تشير لتواجد المسلمين في أجزاء من أمريكا، ومن بين هذه الأدلة خرائط وآثار وأسماء عربية مثل مكة (اسم لقبيلة هندية)، ومنى وأحمد ومحمد والمرابطين، إضافة إلى
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1226441235200px-piri_reis_world_map_01.jpg (http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1226485620435px-piri_reis_world_map_01.jpg)
صورة للخريطة التي رسمها بيري رئيس الجغرافي التركي المسلم تظهر على اليسار خريطة لشواطئ القارة الأمريكية الشمالية والجنوبية أما على اليسار فتظهر خاطرة لشواطئ القارة الأفريقية أضغط على الصورة لتكبيرها. كثير من العادات والتقاليد التي تؤكّد وجود اتصال بين هنود أمريكا والمسلمين العرب. أيضًا ذكر (إفن سيرتيما) في كتابه “جاءوا قبل كولومبس” عددًا من الأدلة على وصول أفارقة إلى أمريكا. ولم يفت الباحث أن يستشهد بما كتبه المستشرق الإنجليزي دي لاسي بما أورد في كتابه “الفكر العربي ومكانه في تاريخ الغرب” حيث ذكر الرحلات التي قام بها المسلمون في عام 1312م.
أمير البحر العثماني أمير البحر العثماني بيري رئيس وجهوده في وضع خرائط أمريكا:
في عام 1929م اكتشف مدير المتاحف الوطنية السيد خليل أدهم خارطة لم تكن معروفة حتى ذلك الوقت للعالم وذلك خلال عملية تصنيف الملفات في أبنية قصر طوب قابي Top Kapi قصر السلاطين العثمانيين الواقع في أجمل أحياء استانبول.
ما يهمنا هنا ما رسمه بيري رئيس (Piri Reis) (http://en.wikipedia.org/wiki/Piri_Reis) من خريطة للعالم عام 1513م بما فيها القارة الأمريكية المكتشفة في وقته، ولكن للأسف الشديد لم يبق من تلك الخريطة سوى الجزء الذي يحوي المحيط الأطلسي وطرفيه الشرقي والغربي. لكن هذا الجزء المتبقى من الخريطة أثار ضجة بين العلماء، فقد ذكر بيري معلومات لم يذكرها أحد ممن زار تلك المناطق الجديدة في ذلك الوقت.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12264858036565.jpg
هذه الخريطة تبين مدى دقة عمل المسلمين، قارن حواف قارة أمريكا بصورتها المعروفة حالية، مع الخريطة التي رسمها المسلمون

ومما جاء في تلك الخريطة:
- هذه السواحل تسمى سواحل الآنتيل (آنتيليا)، وقد اكتشفت في سنة 896 هـ
- الناس هناك يأكلون لحم الببغاوات ويضعون ريشها على رؤوسهم.
- الأسبان يعاملهم سكان الجزر معاملة كريمة ويبادلونهم الكرات الزجاجية بالذهب.
- لغتهم غير معروفة ونتحدث معهم بالإشارات.
ونحن ندعو العلماء المسلمين المختصين باللغة التركية العثمانية المزيد من الاهتمام بها.
للتواصل: د. عبدالرحيم الشريف
[email protected]
المراجع:
ـــــــــــــــــــــــــــ
1. إسلام أون لاين.
2. منتدى التاريخ.
3. مجلة الفسطاط التاريخية.
4. مقال لمحمد النعيمي.

القلب الحزين
20-12-2013, 05:34 PM
محاكم التفتيش ـ وإبادة ا لمسلمين في الأندلس



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/8/3k.jpg.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/5k.jpg.jpg.jpg
من أساليب التعذيب التي تعرض لها المسلمون في الأندلسي التمشيط بأمشاط الحديد

إعداد فراس نور الحق
مدير موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
قال الله تعالى: (وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ {1} وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ {2} وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ {3} قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ {4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ {5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ {6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ {7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {9} إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)[سورة البروج].
وقال الله تعالى : ( كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ {7} كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ {8} اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {9} لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [سورة التوبة].
وعَنْ أبي عبد اللَّه خباب بن الأرت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: شكونا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو متوسد بردة له في طل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: <قد كان مِنْ قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمِنْشار فيوضع عَلَى رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عَنْ دينه! واللَّه ليتمن اللَّه هذا الأمر حتى يسير الراكب مِنْ صنعاء إِلَى حضرموت لا يخاف إلا اللَّه والذئب عَلَى غنمه ولكنكم تستعجلون!> رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
سقطت غرناطة –آخر قلاع المسلمين في إسبانيا- سنة (897 هـ=1492م)، وكان ذلك نذيرًا بسقوط صرح الأمة الأندلسية الديني والاجتماعي، وتبدد تراثها الفكري والأدبي، وكانت مأساة المسلمين هناك من أفظع مآسي التاريخ؛ حيث شهدت تلك الفترة أعمالاً بربرية وحشية ارتكبتها محاكم التحقيق (التفتيش)؛ لتطهير أسبانيا من آثار الإسلام والمسلمين، وإبادة تراثهم الذي ازدهر في هذه البلاد زهاء ثمانية قرون من الزمان.
وهاجر كثير من مسلمي الأندلس إلى الشمال الإفريقي بعد سقوط مملكتهم؛ فراراً بدينهم وحريتهم من اضطهاد النصارى الأسبان لهم، وعادت أسبانيا إلى دينها القديم، أما من بقي من المسلمين فقد أجبر على التنصر أو الرحيل، وأفضت هذه الروح النصرانية المتعصبة إلى مطاردة وظلم وترويع المسلمين العزل، انتهى بتنفيذ حكم الإعدام ضد أمة ودين على أرض أسبانيا.
ونشط ديوان التحقيق أو الديوان المقدس الذي يدعمه العرش والكنيسة في ارتكاب الفظائع ضد الموريسكيين (المسلمين المتنصرين)، وصدرت عشرات القرارات التي تحول بين هؤلاء المسلمين ودينهم ولغتهم وعاداتهم وثقافتهم، فقد أحرق الكردينال "خمينيث" عشرات الآلاف من كتب الدين والشريعة الإسلامية، وصدر أمر ملكي يوم (22 ربيع أول 917 هـ/20 يونيو 1511) يلزم جميع السكان الذي تنصروا حديثًا أن يسلموا سائر الكتب العربية التي لديهم، ثم تتابعت المراسيم والأوامر الملكية التي منعت التخاطب باللغة العربية وانتهت بفرض التنصير الإجباري على المسلمين، فحمل التعلق بالأرض وخوف الفقر كثيرًا من المسلمين على قبول التنصر ملاذًا للنجاة، ورأى آخرون أن الموت خير ألف مرة من أن يصبح الوطن العزيز مهدًا للكفر، وفر آخرون بدينهم، وكتبت نهايات متعددة لمأساة واحدة هي رحيل الإسلام عن الأندلس.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207994052pic2.jpg
صورة للوحة زيتية قديمة تظهر إحراق المصاحف والكتب الإسلامية من قبل أعضاء محاكم التفتيش في أسبانيا

محاكم التفتيش
توفي فرناندو الخامس ملك إسبانيا في (17 ذي الحجة 921 هـ=23 يناير 1516م) وأوصى حفيده شارل الخامس بحماية الكاثوليكية والكنيسة واختيار المحققين ذوي الضمائر الذين يخشون الله لكي يعملوا في عدل وحزم لخدمة الله، وتوطيد الدين الكاثوليكي، كما يجب أن يسحقوا طائفة محمد!
وقد لبث "فرناندو" زهاء عشرين عامًا بعد سقوط الأندلس ينزل العذاب والاضطهاد بمن بقي من المسلمين في أسبانيا، وكانت أداته في ذلك محاكم التحقيق التي أنشئت بمرسوم بابوي صدر في (رمضان 888 هـ= أكتوبر 1483م) وعين القس "توماس دي تركيمادا" محققًا عامًا لها ووضع دستورًا لهذه المحاكم الجديدة وعددًا من اللوائح والقرارات.
وقد مورست في هذه المحاكم معظم أنواع التعذيب المعروفة في العصور الوسطى، وأزهقت آلاف الأرواح تحت وطأة التعذيب، وقلما أصدرت هذه المحاكم حكمًا بالبراءة، بل كان الموت والتعذيب الوحشي هو نصيب وقسمة ضحاياها، حتى إن بعض ضحاياها كان ينفذ فيه حكم الحرق في احتفال يشهده الملك والأحبار، وكانت احتفالات الحرق جماعية، تبلغ في بعض الأحيان عشرات الأفراد، وكان فرناندو الخامس من عشاق هذه الحفلات، وكان يمتدح الأحبار المحققين كلما نظمت حفلة منها.
وبث هذا الديوان منذ قيامه جوًا من الرهبة والخوف في قلوب الناس، فعمد بعض هؤلاء الموريسكيين إلى الفرار، أما الباقي فأبت الكنيسة الكاثوليكية أن تؤمن بإخلاصهم لدينهم الذي أجبروا على اعتناقه؛ لأنها لم تقتنع بتنصير المسلمين الظاهري، بل كانت ترمي إلى إبادتهم.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207994160inquisition_-_burning_woman.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/120799474220041114-inquisition.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/120799484541-18.jpg
صورة لبعض اللوحات الزيتية لبعض حفلات إحراق المسلمين في الأندلس من قبل محاكم التفتيش

شارل الخامس والتنصير الإجباري
تنفس الموريسكيون(المسلمون المنصرون قسراً) الصعداء بعد موت فرناندو وهبت عليهم رياح جديدة من الأمل، ورجوا أن يكون عهد "شارل الخامس" خيرًا من سابقه، وأبدى الملك الجديد –في البداية- شيئًا من اللين والتسامح نحو المسلمين والموريسكيين، وجنحت محاكم التحقيق إلى نوع من الاعتدال في مطاردتهم، وكفت عن التعرض لهم بسبب توسط النبلاء والسادة الذين يعمل المسلمون في ضياعهم، ولكن هذه السياسة المعتدلة لم تدم سوى بضعة أعوام، وعادت العناصر الرجعية المتعصبة في البلاط وفي الكنيسة، فغلبت كلمتها، وصدر مرسوم في (16 جمادى الأولى 931 هـ=12 مارس 1524م) يحتم تنصير كل مسلم بقي على دينه، وإخراج كل من أبى النصرانية من إسبانيا، وأن يعاقب كل مسلم أبى التنصر أو الخروج في المهلة الممنوحة بالرق مدى الحياة، وأن تحول جميع المساجد الباقية إلى كنائس.



يتبـــــــــــــــع

القلب الحزين
20-12-2013, 05:36 PM
يتبــع الموضوع السابق


محاكم التفتيش ـ وإبادة ا لمسلمين في الأندلس


ولما رأى الموريسكيون هذا التطرف من الدولة الإسبانية، استغاثوا بالإمبراطور شارل الخامس، وبعثوا وفداً منهم إلى مدريد ليشرح له مظالمهم، فندب شارل محكمة كبرى من النواب والأحبار والقادة وقضاة التحقيق، برئاسة المحقق العام لتنظر في شكوى المسلمين، ولتقرر ما إذا كان التنصير الذي وقع على المسلمين بالإكراه، يعتبر صحيحًا ملزمًا، بمعنى أنه يحتم عقاب المخالف بالموت.
وقد أصدرت المحكمة قرارها بعد مناقشات طويلة، بأن التنصير الذي وقع على المسلمين صحيح لا تشوبه شائبة؛ لأن هؤلاء الموريسكيين سارعوا بقبوله اتقاء لما هو شر منه، فكانوا بذلك أحراراً في قبوله.
وعلى أثر ذلك صدر أمر ملكي بأن يرغم سائر المسلمين الذين تنصروا كرهًا على البقاء في أسبانيا، باعتبارهم نصارى، وأن ينصر كل أولادهم، فإذا ارتدوا عن النصرانية، قضى عليهم بالموت أو المصادرة، وقضى الأمر في الوقت نفسه، بأن تحول جميع المساجد الباقية في الحالة إلى كنائس.
وكان قدر هؤلاء المسلمين أن يعيشوا في تلك الأيام الرهيبة التي ساد فيها إرهاب محاكم التحقيق، وكانت لوائح الممنوعات ترد تباعًا، وحوت أوامر غريبة منها: حظر الختان، وحظر الوقوف تجاه القبلة، وحظر الاستحمام والاغتسال، وحظر ارتداء الملابس العربية.
ولما وجدت محكمة تفتيش غرناطة بعض المخالفات لهذه اللوائح، عمدت إلى إثبات تهديدها بالفعل، وأحرقت اثنين من المخالفين في (شوال 936هـ/مايو 1529م) في احتفال ديني.

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207994656351px-pedro_berruguete_-_saint_dominic_presiding_o
صورة للوحة زيتية قديمة تظهر إحراق مسلمين في أثناء حفل ديني

كان لقرارات هذا الإمبراطور أسوأ وقع لدى المسلمين، وما لبثت أن نشبت الثورة في معظم الأنحاء التي يقطنونها في سرقسطة وبلنسية وغيرهما، واعتزم المسلمون على الموت في سبيل الدين والحرية، إلا أن الأسبان كانوا يملكون السلاح والعتاد فاستطاعوا أن يخمدوا هذه الثورات المحلية باستثناء بلنسية التي كانت تضم حشدًا كبيرًا من المسلمين يبلغ زهاء (27) ألف أسرة، فإنها استعصت عليهم، لوقوعها على البحر واتصالها بمسلمي المغرب.
وقد أبدى مسلمو بلنسية مقاومة عنيفة لقرارات التنصير، ولجأت جموع كبيرة منهم إلى ضاحية (بني وزير)، فجردت الحكومة عليهم قوة كبيرة مزودة بالمدافع، وأرغمت المسلمين في النهاية على التسليم والخضوع، وأرسل إليهم الإمبراطور إعلان الأمان على أن يتنصروا، وعدلت عقوبة الرق إلى الغرامة، وافتدى الأندلسيون من الإمبراطور حق ارتداء ملابسهم القومية بمبلغ طائل.
وكانت سياسة التهدئة من شارل الخامس محاولة لتهدئة الأوضاع في جنوب الأندلس حتى يتفرغ للاضطرابات التي اندلعت في ألمانيا وهولندا بعد ظهور مارتن لوثر وأطروحاته الدينية لإصلاح الكنيسة وانتشار البروتستانتية؛ لذلك كان بحاجة إلى توجيه كل اهتمامه واهتمام محاكم التحقيق إلى "الهراطقة" في شمال أوروبا، كما أن قيام محاكم التحقيق بما يفترض أن تقوم به كان يعني إحراق جميع الأندلسيين؛ لأن الكنيسة تدرك أن تنصرهم شكلي لا قيمة له، يضاف إلى ذلك أن معظم المزارعين الأندلسيين كانوا يعملون لحساب النبلاء أو الكنيسة، وكان من مصلحة هؤلاء الإبقاء على هؤلاء المزارعين وعدم إبادتهم.
وكان الإمبراطور شارل الخامس حينما أصدر قراره بتنصير المسلمين، وعد بتحقيق المساواة بينهم وبين النصارى في الحقوق والواجبات، ولكن هذه المساواة لم تتحقق قط، وشعر هؤلاء أنهم ما زالوا موضع الريب والاضطهاد، ففرضت عليم ضرائب كثيرة لا يخضع لها النصارى، وكانت وطأة الحياة تثقل عليهم شيئًا فشيئًا، حتى أصبحوا أشبه بالرقيق والعبيد، ولما شعرت السلطات بميل الموريسكيين إلى الهجرة، صدر قرار في سنة (948 هـ=1514م)، يحرم عليهم تغيير مساكنهم، كما حرم عليهم النزوح إلى بلنسية التي كانت دائمًا طريقهم المفضل إلى الهجرة، ثم صدر قرار بتحريم الهجرة من هذه الثغور إلا بترخيص ملكي، نظير رسوم فادحة. وكان ديوان التحقيق يسهر على حركة الهجرة ويعمل على قمعها بشدة.
ولم تمنع هذه الشدة من ظهور اعتدال من الإمبراطور في بعض الأوقات، ففي سنة (950 هـ=1543م) أصدر عفوًا عن بعض المسلمين المتنصرين؛ تحقيقًا لرغبة مطران طليطلة، وأن يسمح لهم بتزويج أبنائهم وبناتهم من النصارى الخلص، ولا تصادر المهور التي دفعوها للخزينة بسبب الذنوب التي ارتكبوها.
وهكذا لبثت السياسة الأسبانية أيام الإمبراطور شارل الخامس (922 هـ=1516م) حتى (963هـ=1555م) إزاء الموريسكيين تتردد بين الشدة والقسوة، وبين بعض مظاهر اللين والعفو، إلا أن هؤلاء المسلمين تعرضوا للإرهاق والمطاردة والقتل ووجدت فيهم محاكم التحقيق الكنسية مجالاً مفضلاً لتعصبها وإرهابها.
الألخميادو
وكانت الأمة الأندلسية خلال هذا الاستشهاد المحزن، الذي فرض عليها تحاول بكل وسيلة أن تستبقي دينها وتراثها، فكان الموريسيكيون بالرغم من دخولهم في النصرانية يتعلقون سراً بالإسلام، وكثير منهم يؤدون شعائر الإسلام خفية، وكانوا يحافظون على لغتهم العربية، إلا أن السياسة الإسبانية فطنت إلى أهمية اللغة في تدعيم الروح الإسلامية؛ لذلك أصدر الإمبراطور شارل الخامس سنة ( 932 هـ=1526م) أول قانون يحرم التخاطب بالعربية على الموريسكيين، ولكنه لم يطبق بشدة؛ لأن هؤلاء الموريسكيين دفعوا له (100) ألف دوقة حتى يسمح لهم بالتحدث بالعربية، ثم أصدر الإمبراطور فيليب الثاني سنة (964 هـ/1566م) قانونًا جديدًا يحرم التخاطب بالعربية، وطبق بمنتهى الشدة والصرامة، وفرضت القشتالية كلغة للتخاطب والتعامل، ومع ذلك وجد الموريسكيون في القشتالية متنفسًا لتفكيرهم وأدبهم، فكانوا يكتبونها سراً بأحرف عربية، وأسفر ذلك بمضي الزمن عن خلق لغة جديدة هي "ألخميادو" وهي تحريف إسباني لكلمة "الأعجمية"، ولبثت هذه اللغة قرنين من الزمان سراً مطموراً، وبذلك استطاعوا أن يحتفظوا بعقيدتهم الإسلامية، وألف بها بعض الفقهاء والعلماء كتبًا عما يجب أن يعتقد المسلم ويفعله حتى يحتفظ بإسلامه، وشرحوا آيات القرآن باللغة الألخميادية وكذلك سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أشهر كتاب هذه اللغة الفقيه المسمى "فتى أبيرالو" وهو مؤلف لكتب التفسير، وتلخيص السنة، ومن الشعراء محمد ربدان الذي نظم كثيرًا من القصائد والأغنيات الدينية؛ وبذلك تحصن الموريسيكيون بمبدأ "التقية" فصمدوا في وجه مساعي المنصرين الذين لم تنجح جهودهم التبشيرية والتعليمية والإرهابية في الوصول إلى تنصير كامل لهؤلاء الموريسيكيين، فجاء قرار الطرد بعد هذه الإخفاقات.
ولم تفلح مساعي الموريسيكيين في الحصول على دعم خارجي فعال من الدولة العثمانية أو المماليك في مصر، رغم حملات الإغارة والقرصنة التي قام بها العثمانيون والجزائريون والأندلسيون على السفن والشواطئ الأسبانية، ودعم الثوار الموريسيكيين.
واستمرت محاكم التحقيق في محاربة هؤلاء المسلمين طوال القرن السادس عشر الميلادي، وهو ما يدل على أن آثار الإسلام الراسخة في النفوس بقيت بالرغم من المحن الرهيبة وتعاقب السنين، ولعل من المفيد أن نذكر أن رجلاً أسبانيًا يدعى "بدية" توجه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج سنة (1222هـ=1807م) أي بعد 329 سنة من قيام محاكم التفتيش.
وبعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس، أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوماً سنة 1808 م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية.
ولنستمع إلى هذه القصة التي يرويها لنا أحد ضباط الجيش الفرنسي الذي دخل إلى إسبانيا بعد الثورة الفرنسية ( كتب (الكولونيل ليموتسكي) أحد ضباط الحملة الفرنسية في إسبانيا قال: " كنت سنة 1809 ملحقاً بالجيش الفرنسي الذي يقاتل في إسبانيا وكانت فرقتي بين فرق الجيش الذي احتل (مدريد) العاصمة وكان الإمبراطور نابيلون أصدر مرسوماً سنة 1808 بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الإسبانية غير أن هذا الأمر أهمل العمل به للحالة والإضطرابات السياسية التي سادت وقتئذ.
وصمم الرهبان الجزوبت أصحاب الديوان الملغى على قتل وتعذيب كل فرنسي يقع في أيديهم انتقاماً من القرار الصادر وإلقاءً للرعب في قلوب الفرنسيين حتى يضطروا إلى إخلاء البلاد فيخلوا لهم الجو.
وبينما أسير في إحدى الليالي أجتاز شارعاً يقل المرور فيه من شوارع مدريد إذ باثنين مسلحين قد هجما عليّ يبغيان قتلي فدافعت عن حياتي دفاعاً شديداً ولم ينجني من القتل إلا قدوم سرية من جيشنا مكلفة بالتطواف في المدينة وهي كوكبة من الفرسان تحمل المصابيح وتبيت الليل ساهرة على حفظ النظام فما أن شاهدها القاتلان حتى لاذا بالهرب. وتبين من ملابسهما أنهما من جنود ديوان التفتيش فأسرعت إلى (المارشال سولت) الحاكم العسكري لمدريد وقصصت عليه النبأ وقال لا شك بأن من يقتل من جنودنا كل ليلة إنما هو من صنع أولئك الأشرار لا بد من معاقبتهم وتنفيذ قرار الإمبراطور بحل ديوانهم والآن خذ معك ألف جندي وأربع مدافع وهاجم دير الديوان واقبض على هؤلاء الرهبان الأبالسة .. "
حدث إطلاق نار من اليسوعيين حتى دخلوا عنوة ثم يتابع قائلاً " أصدرتُ الأمر لجنودي بالقبض على أولئك القساوسة جميعاً وعلى جنودهم الحراس توطئة لتقديمهم إلى مجلس عسكري ثم أخذنا نبحث بين قاعات وكراس هزازة وسجاجيد فارسية وصور ومكاتب كبيرة وقد صنعت أرض هذه الغرفة من الخشب المصقول المدهون بالشمع وكان شذى العطر يعبق أرجاء الغرف فتبدو الساحة كلها أشبه بأبهاء القصور الفخمة التي لا يسكنها إلا ملوك قصروا حياتهم على الترف واللهو، وعلمنا بعد أنَّ تلك الروائح المعطرة تنبعث من شمع يوقد أمام صور الرهبان ويظهر أن هذا الشمع قد خلط به ماء الورد " .
" وكادت جهودنا تذهب سدى ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها. فلم نجد شيئاً يدل على وجود ديوان للتفتيش. فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهماً باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن "دي ليل" استمهلني قائلاً: ( أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنته حتى الآن؟!!).
قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئاً مريباً. فماذا تريد يا لفتنانت؟!.. قال: (إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها).
عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة – وكنا نرقب الماء – فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط "دي ليل" من شدة فرحه، وقال ها هو الباب، انظروا، فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير.




يتبـــــــــــــــع

القلب الحزين
20-12-2013, 05:37 PM
يتبــع الموضوع السابق

محاكم التفتيش ـ وإبادة ا لمسلمين في الأندلس


أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة.
وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضئ أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفاً، وقال لي: يابني: لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة.
قلت له، يا هذا إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك!؟!.
وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.
وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء. ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.
رأيت فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتـقزز طوال حياتي.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/1k.jpg.jpg
قد كان مِنْ قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمِنْشار فيوضع عَلَى رأسه فيجعل نصفين

رأينا غرفاً صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممداً بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي.
وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.
كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم ، وهم في الرمق الأخير من الحياة.
كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعاً عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.
أخرجنا السجناء إلى النور تدريجياً حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحاً، وهم يقبّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهداً يبكي الصخور.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207993828t978459a.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207994368hang_2.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207993938spanish_inquisition_small.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207993997supliciodepolea1.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207994103spanish.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207994708121750.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207994421befragung.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/9/2k1.jpg.jpg
صور للوحات زيتية قديمة تظهر عمليات التعذيب البشعة التي تعرض لها المسلمون من قبل محاكم التفتيش في الأندلس


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/3/k5454.jpg.jpg
تابوت السيدة الجميلة التي يلقى فيها الشباب المسلمون ثم يطبق عليهم ليلاقوا حتفهم مباشرة متأثرين بالسكاكين في داخله

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207994538fox_rack_x480-g4_2.jpg
صورة للوحة قديمة تبين عملية تعذيب أعضاء ديوان التفتيش لضحاياهم حتى الموت

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207992474waterboard_inquisition_2.jpg
صورة للوحة قديمة تبين أحد عمليات التعذيب التي كان يتعرض لها المسلمون وذلك بإجبارهم على شرب كميات كبيرة من الماء حتى تنفجر معدتهم ليموتوا


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207993513torture-05.jpg
صورة للوحة قديمة تبين أحد عملية تعذيب لأحد النساء المسلمات في الأندلس

ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيا، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين، ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه رأس الذي يريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، في كل دقيقة نقطة، وقد جُنّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت.




يتبـــــــــــــــع

القلب الحزين
20-12-2013, 05:38 PM
يتبــع الموضوع السابق

محاكم التفتيش ـ وإبادة ا لمسلمين في الأندلس




http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12079947906a00c225289060604a00d41424d5b83c7f-500pi.jpg
صورة لكرسي حديدي له مسامير حادة لتعذيب الضحية حتى الموت

وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة.
كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره. فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إرباً إرباً.
كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.
وعثرنا على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم.
وصل الخبر إلى مدريد فهب الألوف ليروا وسائل التعذيب فأمسكوا برئيس اليسوعيين ووضعوه في آلة تكسير العظام فدقت عظامه دقاً وسحقها سحقاً وأمسكوا كاتم سره وزفوه إلى السيدة الجميلة وأطبقوا عليه الأبواب فمزقته السكاكين شر ممزق ثم أخرجوا الجثتين وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك. ولم تمض نصف ساعة حتى قضى الشعب على حياة ثلاثة عشر راهباً ثم أخذ ينهب ما بالدير (1).
نرجو إرسال آرائكم وانطباعاتكم عن هذا الموضوع على الإيميل التالي:
[email protected]
المصادر والمراجع:
المرجع الرئيسي موقع الموسوعة الحرة http://ar.wikipedia.org
(1).التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام للشيخ محمد الغزالي
مصادر الدراسة
• محمد عبد الله عنان –نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين- مكتبة الخانجي – القاهرة الطبعة الرابعة 1408هـ=1987م.
• عادل سعيد بشتاوي – الأندلسيون المواركة – القاهرة – الطبعة الأولى 1403هـ=1983م.
• ليونارد باتريك هارفي – تاريخ الموريسكيين السياسي والاجتماعي والثقافي. (دراسة في كتاب الحضارة العربية في الأندلس التي أشرفت على إعدادها الدكتور سلمى الخضراء الجيمي). مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – الطبعة الأولى 1419-1998.
• نبيل عبد الحي رضوان – جهود العثمانيين لإنقاذ الأندلس واسترداده – مكتبة الطالب الجامعي – مكة المكرمة – الطبعة الأولى 1408هـ=1988.

القلب الحزين
20-12-2013, 05:40 PM
أدب الطبيب في ظل الإسلام


بقلم الدكتور محمد نزار الدقر
يحتاج الطبيب، من وجهة نظر الشارع الإسلامي إلى مجموعة من الصفات، كي يكون مؤهلاً لتأدية واجبه الطبي على الوجه الأكمل ومع أن القيام بهذه المهنة واجب كفائي إلا أن علماءنا اعتبروها نمن أشرف المهن لارتباطها بحفظ النفس وحسن أداء الإنسان لمهمة استخلافه في هذه الأرض. بيد أنهم جعلوا ذلك رهين شرطين اثنين:
أولهما أن تمارس المهنة بكل اتقان وإخلاص، وثانيهما أن يراعي الطبيب بسلوكه وتصرفاته الخلق الإسلامي القويم. وقد جمع الدكتور شوكت الشطي صفات الطبيب الحاذق التي تتطلبها الشريعة الإسلامية عن مؤلفات الطب الإسلامية في عشرة صفات:
1ـ على الطبيب أن يلم بأسباب المرض والظروف التي أحاطت به بما في ذلك النظر في نوع المرض ومن أي شيء حدث والعلة التي كانت سبب حدوثه.
2ـ الاهتمام بالمريض وبقوته والاختلاف الذي طرأ على بدنه وعاداته.
3ـ أن لا يكون قصد الطبيب إزالة العلة فقط، بل إزالتها على وجه يؤمن معه عدم حدوث على أصعب منها. فمتى كانت إزالتها لا يؤمن معه حدوث ذلك أبقاها على حالها وتلطيفها هو الواجب.
4ـ أن يعالج بالأسهل فالأسهل فلا ينتقل من العلاج بالغذاء على الدواء إلا عند تعذره ولا ينتقل إلى الدواء المركب إلا عند تعذر الدواء البسيط.
5ـ النظر في قوة الدواء ودرجته والموازنة بينها وبين قوة المرض.
6ـ أن ينظر في العلة هل هي مما يمكن علاجها أم لا؟ فإن لم يكن علاجها ممكناً حفظ صناعته وحرمته ولا يحمله الطمع في علاج لا يفيد شيئاً.
7ـ أن يكون له خبرة باعتدال القلوب والأرواح وأدويتها وذلك أصل عظيم في علاج الأبدان فإن انفعال البدن وطييعته وتأثير ذلك في النفس والقلب أمر مشهور.
8ـ التلطف بالمريض والرفق به.
9ـ أن يستعمل علاجات منها التخييل إن لحذاق الأطباء في التخييل أموراً لا يصل إليها الدواء.
10ـ على الطبيب أن يجعل علاجه وتدبيره دائراً على ستة أركان: حفظ الصحة الموجودة، ورد الصحة المفقودة، وإزالة العلة أو تقليلها، واحتمال أدنى المصلحتين لإزالة أعظمهما، وتقريب أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما. فعلى هذه الأصول الستة مدار العلاج وكل طبيب لا تكون هذه أمنيته فليس بطبيب. ويقصد بالتخييل الإيحاء وهذا نما يذكرنا بأهمية التعامل مع المريض وطمأنته وهو أمر ضروري لدعم أجهزة الوقاية والمناعة في البدن.
ويلخص التاج السبكي رحمه الله آداب الطبيب فيقول: من حقه بذل النصح والرفق بالمريض، وإذا رأى علامات الموت لم يكره أن ينبه على الوصية بلطف من القول، وله النظر إلى العورة عند الحاجة، وبقدر الحاجة. وأكثر ما يؤتى الطبيب من عدم فهمه حقيقة المرض واستعجاله في ذكر ما يصفه، وعدم فهمه مزاج المريض، وجلوسه لطب الناس دون استكمال الأهلية، ويجب أن يعتقد أن طبعه لا يرد قضاء ولا قدراً. وأنه يفعل امتثالاً لأمر الشرع وأن الله تعالى أنزل الداء والدواء .
وقد أكد أبو بكر الرازي في حديثه عن أخلاق الطبيب هذه النقطة فقال: وليتكل الطبيب في علاجه على الله تعالى ويتوقع البرء منه، ولا يحتسب قوته وعمله، ويعتمد في كل أموره عليه.
فإن عمل بضد ذلك ونظر إلى نفسه وقوته في الصناعة وحذقه حرمه الله من البرء
واتقان الطبيب صنعته يدخل ضمن عموم الدعوة النبوية الكريمة: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)[1] ومما نفهمه من قول النبي e: (إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله )[2] ففي الحديث تشجيع للبحث لاكتشاف الأدوية الفعالة وحث للطبيب على زيادة معارفه الطبية واتقان فنه. ولأن الإصابة منها تؤدي إلى الشفاء كما نفهم ذلك من قول النبي e: (فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله )[3].
وقد علمنا رسول الله eأنه ينبغي الاستعانة في كل علم وصناعة بأحدق من فيها، فالأحدق إلى الإصابة أقرب. فقد ذكر الإمام مالك في موطئه عن زيد بن أسلم أن رجلاً من أصحاب النبي eجرح فحقن الدم. فدعا له رجلين من أنمار فقال رسول الله e: أيكما أطب؟ فقال أحدهما أو الطب خير يا رسول الله؟ فقال: (إن الذي أنزل الداء هو الذي أنزل الدواء )[4] روى الحديث أيضاً عبد الملك بن حبيب [5] عن أصحاب مالك الذين لقيهم في المدينة وزاد أحدهما قال: (أنا أطب الرجلين. فأمره رسول الله eبمداوته فبط بطنه واستخرج منه النصل ثم خاطه).
والنجدة لتفريج كربة المريض وتلبية الواجب لإسعافه ليلاً ونهاراً من واجبات الطبيب المسلم لقول النبي e: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة )رواه مسلم.
وعلى الطبيب أن يبدأ المعاينة والعمل الجراحي أو الوصفة بقوله: (باسم الله أو باسم الله الرحمن الرحيم) لقول النبي e:(كل عمل ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع)[6].
ومن واجب الطبيب بذل النصح للمريض. وأن يقصد بعمله نفع الخلق والإحسان إليهم.
ومن النصيحة للمريض أن يجتهد في وصف الدواء الأنسب وأن يحفظ ماله، فلا يصف له دواء غير نافع في مرضه، أو يطلب له تحليلاً أو فحوصات لمجرد أن ينتفع هو أو ينفع مختبراً فيتعاون معه ليقبض عمولة مثلاً. فكل هذه الأمور هي خيانة للمريض ونقض للأمانة التي في عنق الطبيب من النصح له. يقول النبي e: (إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا )[7]ومن هذا حفظ عرض مريضه فلا يكشف من عورته إلا ما تستدعيه الحاجة والمعانية الطبية.
ومن النصيحة للمريض أن لا يقدم على معالجته في كل حال يتغير منها خلقه، فلا يعالج وهو منزعج، ولا هو على عجلة من أمره ولا وهو غضبان. وقد قاسوا ذلك من أمر الطبيب على ما صح عنه e(عن نهيه للقاضي أن يقضي وهو غضبان)[8] .فهذه حالات تخرج المرء عن أن يحكم بسداد النظر. ويستثنى من ذلك من لو كانت حالته تستدعي السرعة في العلاج.
ومن النصيحة للمريض أن يمضي معه، أو مع أهله، وقتاً كافياً، ليس فقط ما تستدعيه المعاينة الطبية، بل ليستوعب الوضع الاجتماعي والروحي للمريض، والذي هو جسد وعقل ونفس.
فعلى الطبيب أن يلمسه برفق وأن يصوغ كلماته بأسلوب إنساني تغلفه الرحمة وأن يحسن الإصغاء إليه وأن يسكن من روعه ويبعث في نفسه السكينة والطمأنينة، اللذان يشدان من عزيمة المريض ويرفعا روحه المعنوية ويقويا وسائل المناعة في جسمه مما يجعلهما عاملاً في الشفاء.
وعلى الطبيب أن لا يتوانى عن إرسال مريضه إلى مختص، أو عمل لجنة استشارية له إذا كانت حالته تستدعي ذلك قياماً منه بالأمانة والنصيحة المطلوبين منه شرعاً. وعليه أن يبتعد عن غيبة الناس وخاصة زملاءه من الأطباء أو تجريفهم.
ويجب على الطبيب أن يكتم سر مريضه لقول النبي e: (المستشار مؤتمن)[9] إلا أن يخل هذا الكتمان بمصلحة المريض بالذات أو بمصلحة الجماعة. يقول أبو بكر الرازي: واعلم يا بني أنه ينبغي للطبيب أن يكون رفيقاً بالناس حافظاً لغيبهم، كتوماً لأسرارهم، فإنه ربما يكون ببعض الناس من المرض ما يكتمه عن أخص الناس به، وإنما يكتمونه خصوصياتهم ويفشون إلى الطبيب ضرورة، وإذا عالج من نسائه أو جواريه أحداً فيجب أن يحفظ طرفه ولا يجاوز موضع العلة .
وعلى الطبيب أن يعلم الحرام والحلال فيما يختص بمهنته فلا يصف دواء محرماً إلا إذا انحصر الشفاء فيه لقول النبي e:(ولا تداووا بحرام )ولقوله سبحانه (وقد بين لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه)[10] ومن ذلك أن يمتنع عن الإجهاض المحرم أو أن ينهي حياة مريضه الميؤوس من شفائه بأي وسيلة كانت لقوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً بل عليه أن يعمد إلى تخفيف آلامه وتهدئة نفسه حتى تأتي أجله. وعلمه بالحلال والحرام، واتقانه لفنه يجعله يخشى الله في فتاويه لمرضاه كأن لا يفتي لمريض بالأفطار في رمضان وهو يعلم أن مريضه لا يتأثر بالصيام وقد يستفيد منه.
ومن أدب الطبيب الدعاء لمريضه وفي هذا موساة له بالكلمة الطيبة كقوله معافى أو عافاك الله أو بدعاء مأثور. فقد ورد عن أنس رضي الله عنه أن النبي eدخل على أعرابي يعوده وهو محموم، فقال e: (كفارة وطهور)[11] ففي الدعاء للمريض تذكير له بخالق الداء والدواء حتى نبقى نفسه هادئة مطمئنة بالالتجاء إلى الله والتوكل عليه.
ويختلف الأطباء في تعاملهم مع مريض ميؤوس من شفائه كمصاب بسرطان مثلاً، فهناك من يفتح له الأمل ويرجيه الشفاء وقد يكذب عليه، وهناك من يواجه مريضه بالحقيقة سافرة، وهناك من يداري ويواري، فما هو رأي الشرع الإسلامي؟
الدكتور النسيمي يرى أن على الطبيب أن يكون لبقاً في تعريف المريض بمرضه ومحاولة تطمينه ورفه معنوياته، وككتم الإنذار بالخطر عنه، وإعلامه إلى ذويه المقربين، معتمداً على ما يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي eقوله: (إذا دخلتم على مريض فنفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئاً وهو يطيب نفس المريض)[12].
أما الدكتور زهير السباعي فيقول: الإسلام هنا لا يضع حدوداً ضيقة ولا يقف مواقف صلبة، إنما يطالب الطبيب بالحكمة وأن يلبس لكل حال لبوسها: فهناك المريض الذي تنهار مقاومته لو عرف حقيقة مرضه، وهناك المؤمن القوي الذي يستطيع أن يجابه مرضاه بنفس راضية، وهناك من يحتاج إلى أن يعرف أبعاد مشكلته حتى يلتزم بالحمية والعلاج.
إلا أن القاعدة الأساسية التي يرسمها الإسلام هي الصدق. ولكن أي صدق نتحدث عنه؟ وهل يعرف الطبيب متى ينتهي أجل مريضه؟... إنما الصدق في شرح المشكلة المرضية وليس في تقدير الأجل. فهناك صدق فج جاف لا يبالي بمشاعر المريض، وهناك صدق لحمته الحكمة والرحمة. ولعل من الحكمة أن يعتمد الطبيب في مصارحته لمريضه على العموميات لا أن يخوض في التفاصيل، وإذا كانت هناك مضاعفات حقيقة فعليه أن يشرحها لذوي المريض حتى لا يتهم يوماً بالإهمال .
أما قيس بن محمد آل الشيخ مبارك فيرى أن المريض إذا كان قاصراً أو صغيراً فيجب عدم إخباره، لأن القاصر لا يملك أمر نفسه وعلى الطبيب أن يخبر وليه الذي أذن له في علاجه، كما أن الصغير مظنة للسخط أنما البالغ العاقل فلا شك في أن الواجب الشرعي يقتضي إخباره بكل ما يتعلق بصحته من معلومات، ومصدر الوجوب العقد الذي جرى بينهما., ثم يقول: وأما ما يخشاه الطبيب من أن تزداد حالة مريضه سوءاً إذا علم بحقيقة الأمر فلا يكون مانعاً له أن يخبر المريض لسببين: الأول أن الطبيب قد ألزم نفسه في عقد الإجارة بذلك فلا يجوز له نقض العهد. والثاني أن عقيدة القضاء والقدر تعصم المسلم من الوقع في الاضطراب والانزعاج، والمسلم مأمور بالصبر والتسليم لأمر الله .
إلا أن قيس بن محمد يعود في نهاية بحثه فيقول: إلا أنه يمكن للطبيب وقد لاحظ عدم إمكانية إخبار مريضه، فيجوز أن يخبر بذلك أهله وأقاربه ليتولوا هم إخباره، إلا أن عليه أن يختار التعابير المناسبة. وكما يقول الإمام السبكي وإذا رأى علامات الموت لم يكره أن ينبه على الوصية بلطف من القول .
ومن أدب الطبيب أن يكون حسن المظهر. إذ يجب أن يكون لباسه جميلاً ونظيفاً ومتناسقاً مع الوظيفة التي أناطها الله به. ومن هذا أيضاً أن يحافظ على صحته، فإنه إذا عدم الصحة كان محلاً لعدم الثقة والنفرة من المرضى.
تطبيب الجنس للجنس الآخر
عن الربيع بنت معوذ قالت: (كنا مع النبي eنسقي ونداوي الجرحى ونرد القتلى إلى المدينة )[13]. قال ابن حجر: وفي الحديث دليل على جواز معالجة الأجنبية الرجل عند الضرورة وقال في باب هل يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل: أما حكم المسألة فتجوز مداواة الأجانب عند الضرورة وتقدر بقدرها قيما يتعلق بالنظر والجس باليد وغير ذلك... والحديث يدل على مداواة النساء للرجال، فيؤخذ حكم مداواة الرجل المرأة منه بالقياس .
ولقد (كان رسول الله eفي كل غزوة يسهم بين نسائه فأيها خرج السهم عليها خرجت معه. وكانت الصحابية المتطوعة للتمريض، يخبرها رسول الله eبين أن تكون في رفقة نساء قومها أو أن تكون في رفقة أم المؤمنين التي كانت قرعتها في الخروج معه عليه السلام ولقد اشتهرت رفيدة الأنصارية)[14]بمداواة الجرحى في العهد النبوي، ولقد جعل لها رسول الله eخيمة ضمن مسجده الشريف، كانت كمستشفى ميداني لمعالجة الجرحى في غزوة الخندق.
ويوضح الدكتور النسيمي هذه النقطة بقوله: الأصل عدم جواز معاينة ومداواة الرجل المرأة غير المحرم أو العكس لوجود النظر والجس فيهما. ويستثنى من ذلك حالات الضرورة كعدم توفر طبيبة تثق المريضة في مهارتها، أو لعدم توفر طبيبة في ذلك الاختصاص، أو لحاجة المسلمين إلى الرجال من أجل الجهاد.
أدب عيادة المريض
وهي من الآداب الإسلامية التي يخاطب بها عموم المسلمين، ويخص بها الطبيب لاتصال المباشر بالمرضى. والطبيب علاوة على كونه يؤدي مهمته، فغن التزامه بهذه الآداب هي من تمام حق المسلم على أخيه وبذلك يكون أداؤه لمهتمه أكمل وأتم.
وعيادة المريض هدي نبوي كريم وأدب ديني للأمر بها والأجر والفضل عليها:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله eبعيادة المريض)[15]وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله eقال: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض وإتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس)[16]
وعن أبي هريرة أيضاً أن رسول الله eقال: (إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين. قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده )[17].
وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي eقال: (إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع. قيل يا رسول الله وما خرفة الجنة قال: جناها)[18].
وقد سن للزائر أن يدعو للمريض بالشفاء. وفي الدعاء له قول خير وتطييب لنفسه وتنبيه له للالتجاء إلى الله تعالى مزيل البأس ومالك الشفاء فيكتسب المريض مزيداً من الطمأنينة عن عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله eإذا أتى المريض يدعو له قال:(أذهب البأس رب الناس، أشف أنمت الشافي لا شفاء إلا شفاءك، شفاء لا يغادر سقماً )[19].وعن ابن عباس أن النبي eدخل على أعرابي يعوده قال:(لا بأس طهور إن شاء الله)[20] .
وقت لفت نبي الرحمة eالانتباه إلى ناحية هامة عند زيارة المريض، سواء كان الزائر طبيباً أم قريباً أم صديقاً وهي ألا يتكلموا في حضرة المريض بما يثير مخاوفه أو يأسه بل عليهم أن يفعلوا ما يطيب نفسه عليه السرور والبهجة عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي eقال:(إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)[21].
كما اهتم ديننا الحنيف بإدخال الطمأنينة على المريض وزيادة أمله في الشفاء فلقد علق ابن القيم على قول النبي e لكل داء دواء فقال: في هذا الحديث تقوية لنفس المريض والطبيب وحث على طلب الدواء. فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيد تعلق قلبه بروح الرجاء وبرد من حرارة اليأس .
ومن هنا نفهم كيف حول الإسلام عيادة المريض من زيارة عابرة ليجعل منها علاجاً روحياً يرفع من معنويات المريض ويقوي أمله في الشفاء، فضلاً عن تحقيق الرعاية والمؤانسة له، وشد أزر أهله وذويه.
مراجع البحث
1ـ أبو بكر محمد بن زكريا الرازي: أخلاق الطبيب تحقيق عبد اللطيف محمد العبد ـ القاهرة: 1977.
2ـ ابن قيم الجوزية: الطب النبوي .
3ـ عبد الملك بن جبيب الأندلسي: الطب النبوي تحقيق محمد على البار، دمشق: 1993.
4ـ ابن حجر السقلاني: فتح والباري في شرح صحيح البخاري.
5ـ الدكتور أحمد شوكت الشطي: الوجيز في الإسلام والطب ـ دمشق: 1960.
6ـ الدكتور محمود ناظم النسيمي: الطب النبوي و العلم الحديث ج3، بيروت: 1992.
7ـ د. زهير أحمد السباعي ود. محمد علي البار: الطبيب أدبه وفقهه دمشق: 1993.
8ـ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك: التداوي والمسؤولية الطبية في الشريعة الإسلامية دمشق 1991.
9ـ د. عبد الستار أبو غدة: فقه الطبيب وأدبه عن أعمال المؤتمر العالمي الأول للطب الإسلامي ـ الكويت: 1981.
[1] رواه البيهقي.[2] رواه ابن ماجه وأحمد والطبراني ورجاله ثقات مجمع الزوائد .[3] رواه مسلم. [4] الحديث مرسل، لكن مرسله زيد بن أسلم من كبار التابعين، ومرسلاته صحيحة عند المحدثين. [5] في كتابه الطب النبوي . [6] رواه السيوطي عن أبي هريرة واسانده حسن.[7] رواه البخاري.[8] رواه البخاري ومسلم.

[9] رواه الترمذي.[10] وقد فصلنا ذلك في بحثنا عنة التداوي بالمحرمات.[11] رواه البخاري.[12] رواه الترمذي وابن ماجه وفي سنده إبراهيم التميمي وهو منكر الحديث الأرناؤوط .[13] رواه البخاري [14] عن أسد الغابة والأجر في معرفة الصحابة. [15] رواه البخاري ومسلم.[16] رواه البخاري ومسلم. [17] رواه مسلم.

[18] رواه البخاري. [19] رواه مسلم. [20] رواه مسلم. [21] رواه مسلم.

القلب الحزين
22-12-2013, 07:40 PM
الكوارث البيئية الست المحيطة بأمريكا



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1200778001yellssokeplo.jpg
صورة لما يعتقد أنه البركان العظيم الذي ربما تشهده الولايات الأمريكية قريبا والذي سوف يصل دماره لمسافة 1000كم . بقلم هشام طلبة
بكالوريوس علوم قسم جيولوجيا ـ باحث وكاتب إسلامي
من سنن الله أن يدفع الأقوياء بعضهم على بعض ليعيش الضعيف. { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } [ البقرة:251].
وقد وجدنا بالبحث والتمحيص أن أمريكا ينتظرها كارثة بيئية من ست نستعرضها تباعًا. ولا نقول ذلك على سبيل الأماني بل هي حقائق علمية، ولا نقولها ليتواكل الناس بل كي لا يحسبوا الذين كفروا معجزين في الأرض.
أولًا : - كارثة الأعاصير
من المعروف أن جزر الكاريبي وشرق وجنوب الولايات المتحدة من أكثر المناطق في العالم عرضة لخطر الأعاصير، خاصة أن اتجاه الأعاصير في أمريكا الشمالية يكون من الغرب والجنوب إلى الشرق، وقد تكبدت الولايات المتحدة في ست سنوات فقط ( 1989م : 1995م ) خسائر تقدر بأربعين بليون دولار ! كما تكبدت عام 1926م أكثر من 72 بليون دولار في إعصار ضرب ولايتي "آلاباما " و " فلوريدا "، أما مدينة نيويورك فينتظرها في هذا المعرض خطر جسيم. فقد كان يظن أنها تضرب بإعصار كل 150عامًا فتبين أنها تضرب به كل 75 عامًا. شاهدنا ذلك في فيلم وثائقي بعنوان (Ends of the Earth ) ( نهايات العالم ). عرضته قناة الجزيرة صباح يوم 29/6/2005م تحت اسم ( أخطار تهدد العالم ). ذكر هذا الفيلم على لسان عالم الجيولوجيا الأمريكي د/ نيك كوش أنه اكتشف جزيرة سياحية قبالة مدينة نيويورك كان اسمها " هوج "Hog غرقت تمامًا في إعصار ضربها هي والمدينة عام 1893م. وكانت المدينة قد ضربت بإعصار سابق عام1821م. ثم بآخر لاحق عام 1938م كبدها حوالي 17 بليون دولار. إذن نيويورك تحديداً وكما ذكرنا تضرب بإعصار رهيب ( يرفع مستوى ماء البحر 20قدمًا فيغرق المدينة ) كل 75 عامًا تقريبًا، ولما كان آخر إعصار كبير قد ضربها عام 1938 فالمنتظر أن تضرب بآخر خلال هذا العقد.
ولا يبدى الخبراء شكًّا في وقوع ذلك مستقبلًا بل يقولون : إنها مسألة وقت ! خاصة في وجود ضيق مسافات ناطحات السحاب الحالية التي تزيد من سرعة الرياح التي ستصل إلى 180 ميلًا في الساعة!!.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1200778134180px-hurricane_katrina_damage_gulfport_mississipp
صورة للدمار الذي أحدثه إعصار كاترينا في بعض الولايات في أمريكا
من المعروف كذلك أن الولايات الجنوبية ثم الشرقية من الولايات المتحدة – مع دول الكاريبي – هي من أكثر الأماكن عرضة للأعاصير – بجانب دول آسيا المدارية كالصين والفلبين وفيتنام وبنجلادش التي قتل فيها 100000 في إعصار ضربها عام 1991م، وقد ازدادت في السنوات الأخيرة نتيجة ارتفاع حرارة الأرض بما يسمى " الاحتباس الحراري ".
فولاية فلوريدا مثلًا تعرضت منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى 110 إعصارًا، تأتي بعدها تكساس 59 إعصارًا، ثم ولاية نورث كارولينا من 15 إلى 22 إعصارًا.
من أكثر الأعاصير فى الكلفة الاقتصادية في تاريخ أمريكا الحديث، إعصار ضرب ولايتي فلوريدا وآلاباما عام 1926م فدمر ما قيمته تزيد على 72 مليار دولار. ثم إعصار " أندرو " الذي ضرب فلوريدا ولويزيانا عام 1992م 33مليار دولار. أما إعصار كاترينا الشهير فقد فاقت خسائره المائتي مليار دولار استدانتها الإدارة الأمريكية من بنوك الصين و اليابان.
ثانيًا و ثالثاً: مخاطر المدّين البحريّين" التسونامي " الشرقى و الغربى :
يذكر موقع المجلة العلمية الشهيرة NATIONAL GEOGRAPHIC (http://www.nationalgeographic.com/) على شبكة المعلومات ( الإنترنت ) أن التسوناميات تضرب الولايات المتحدة أكثر مما تضرب آسيا TSUNAMIS MORE LIKELY TO HIT US THAN ASIA.
وذكر كاتب المقال ( STEFAN LOVGREN ) إن ذلك لأن الولايات المتحدة تقع في شرق المحيط الهادي الذي يذخر بالعديد من نطق الاندساس التي تسبب أغلب التسوناميات !! خاصة نطاق اندساسCASCADE، والعجيب أن مجلة العلوم الأمريكيةSCIENTFIC AMERICAN في عددها الصادر يونيو – يوليو 2004 ( أي قبل طوفان سومطرة بشهور ) قد ذكرت سببًا آخر يجعل نفس الساحل الغربي للولايات المتحدة عرضة للتسوناميات أكثر من غيره ألا وهو وقوع أكبر الجزر البركانية في غربه ( جزر هاواي ) ذات التاريخ الحافل بالانهيارات الصخرية الرهيبة، والتي تسبب تسوناميات ذات أمواج تتعدى الثلاثمائة مترًا، وقد رصد كاتب المقال العالم " بيتر سرفللي " مقدمة خطيرة لانهيارٍ كهذا ألا وهي ما أسماه الزلزال الصامت إذ رصد إزاحة لكتلة صخرية يزيد حجمها على 2000كم3 من السفح الجنوبي لجبل " كيلوئيا " ما أحدث إزاحة بمقدار 10سم على طول صدع جوفي، استغرقت هذه الإزاحة 36 ساعة ( وذلك شهر 11 عام 2000م ).. وهذا ما اعتبره "سرفللي " إنذارًا بكارثة ألا وهي انهيار بقية جسم البركان بسرعة في البحر ما يحدث تسوناميات هائلة تغرق الساحل الغربي للولايات المتحدة !!. فالساحل الغربى لأمريكا الشمالية ليس الوحيد المعرض للطوفانات الهائلة ( سواء من جزر هاواي أو نطاق إندساس CASCADE، بل الساحل الشرقي لها أيضًا. فنرى في فيلم علمي للـBBC ( أذاعته قناتا العربية و MBC ) وهو بعنوان "موجة الدمار " وقد بث في الأيام الأخيرة من عام 2004م ) كيف ينذر عالم الجيولوجيا البريطاني " سايمون داي " ومعه بعض قرنائه الأمريكيين، ينذر بوقوع طوفان مروع للساحل الشرقي لأمريكا الشمالية، نتيجة انهيار مؤكد ( وليس محتمل ) للجزء الغربي من بركان " كومبري بييخا "الواقع في جزيرة " بالما " ( من جزر الكناري قرب الساحل الغربي لأفريقيا). وذلك في أقرب انفجار بركاني له، إذ تتمدد المياه التي تملأ شقوقه نتيجة ارتفاع الحرارة فتساعد على انزلاق صخور تزن ½ تريليون طنا !! فتصدر أمواجًا تسونامية ترتفع إلى 650 مترًا!! وتسير بسرعة 720كم / ساعة ! فتصل إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة في غضون ثمان ساعات مدمرة ذلك الساحل بأكمله وبعمق 20كم2!! أي أن الأمريكان يكون لديهم ثمان ساعات فقط لإخلاء حوالي سبع ولايات من سكانها ولا أقول صد الموجة بالطبع لأنه مستحيل.. فما بالك بالخراب المادي كذلك ؟
وإن كان في بعض الأحيان.. كما قال د/ روبرت ييتس ( من جامعة " أوريجون " ) : قد لا يكون أمامنا 15 دقيقة !!.
رابعاً : كارثة البركان الخارق MEGA VOLCANO
وهو نوع نادر من البراكين الهائلة النادرة على سطح الأرض ( بضعة براكين ) لكنها ذات قوة تدميرية هائلة إذ تصل فوهته إلى عشرات الكيلومترات !!
فنجد في شمال الولايات المتحدة متنزهًا معروفًا " YELLOW STONE PARK (http://en.wikipedia.org/wiki/Yellowstone_Park) " وبه عدد من عيون الماء الحارة تصل مساحته إلى 30*70كم2 وقد وجد عالم الجيولوجيا الأمريكي "بوب كريستيان " - قدرًا - شواهد على وجود بركان أسفل المتنزه بعد رصده لثلاث طبقات من الترسيبات البركانية تدل على MEGA VOLCANO وقد قدر الفارق الزمني بين كل طبقة والأخرى 600000 سنة وقد تأخر الثوران الأخير إذ مر على آخر انفجار نفس الزمن. أكد ذلك العالم " بوب سميث " الذي لاحظ ارتفاع أرض بحيرة المتنزه على مدى عشرات السنوات ما يعني أن عمود الصهارة ( MAGMA) الذي يرتفع من طبقة MANTLE تحت قشرة الأرض قد انتفخ بعد مسافة معينة. ذلك لصهره جزءًا من القشرة التي يخترقها فأنتجت " غرفة صهارة " (MAGMA CHAMBER) التي تسبب انهيار لسطح القشرة المنتفخ فوقها فتصبح فوهة رهيبة، قد قدر سميث حجم غرفة صهارتها 40*20*10كم – أي ما يوازي < 1/3 المتنزه !! نجد ذلك في فيلم بثته قناة العربية في أوائل عام 2005م نقلًا عن الـ BBC وهو بعنوان " أخطار تهدد العالم ".
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1200778818clip_3.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1200778860fs2005-3024_fig_04.jpgخريطة لمنتزه يوليوستون

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1200779070caldera.jpg
الشكل يوضح فوهة البركان الذي يصل إلى 20كم والذي يقع تحت المنتزه مباشرة المصدر موقع:http://www.solcomhouse.com/yellowstone.htm

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1200779368yellowstone-volcano.gif
الصورة توضح الولايات التي سوف يصل إليها الدمار بفعل البركان والذي سوف يدفن الرماد المنبعث منه مساحات شاسعة من الولايات المتحدة الأمريكية تصل قطر دائرة التدمير حوالي 1000كم وخاصة القسم الشمالي منها والذي سوف تصل آثاره إلى العالم كله
بركان كهذا ستقذف حممه إلى 50كم في السماء ولن يقترب منه أحد حتى مسافة 1000كم. تأثيره سيكون مدمرًا " تمامًا " لأمريكا الشمالية وسيتعداها إلى أنحاء الأرض لكن بدرجة أقل.
خامساً : تهديد النيازك الكبيرة ( الكويكبات ).
يزور الأرض يوميًّا ( أي يدخل الغلاف الجوى ) أكثر من مائة مليون قطعة من الأنقاض البينكوكبية لا يزيد وزنها الإجمالي عن بضعة أطنان. أغلب هذه الجسيمات يتبخر لصغر حجمه، وهي الشهب. أما لو زاد قطر النيزك عن مترين إلى ثلاثة أمتار فإنها تنفجر، آخر ما حدث من ذلك في يناير عام2000م في " يوكن " بكندا، فانفجر بقوة تعادل 4-5 كيلو طن ديناميت... أما الأجسام الأكبر من ذلك 50-100مترًا فيصطدم مثلها بالأرض بمعدل مرة كل مئة سنة، آخرها كان عام 1908م حين ضربت تانكوسكا بسيبريا بنيزك ضخم قطرة 60مترًا لكن على ارتفاع 6كم من سطح الأرض فأحدث انفجارًا يعادل 10ميجا طن من الديناميت مما أدى إلى تدمير مساحة تعادل نيويورك !.
وقد ذكرت مجلة العلوم الأمريكية في عدد يناير 2004م أن احتمال وقوع حادث مشابه للأرض في هذا القرن يقدر بـ10% !
أما لو وصل قطر النيزك إلى 100متر فإنه يخترق الغلاف الجوي ويصل إلى الأرض فينفجر بقوة 100ميجا طن من الديناميت، ولو اصطدم بالبحر فإنه يولد موجات خرافية من التسونامي ( احتمال وقوع هذا في قرننا هذا 2%.
لكن في السنوات القليلة الماضية زاد ذلك التهديد وصار هناك ما يسمى بالكويكبات المقتربة من الأرض EARTH APPROACHING ASTEROIDS وذكر العلماء أسماءها وسرعاتها إلا أنه حدث أخيرًا أن تغيرت سرعات تلك الصخور – على غير ما عهد البشر – فبدأت تخرج عن المراقبة. وقد أنشأت الولايات المتحدة لذلك : إدارة الحرس الوطني. بل وشرعت في إنشاء سفينة فضائية للتعامل مع النيزك المهدد للأرض، ويشهد تاريخ اصطدام تلك الصخور الكبيرة أنها تكثر في شمال سيبريا وجنوب " سكاندنيفيا" وشمال استراليا وأمريكا الشمالية !! ( الشاهد على ذلك حفرة أريزونا ).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1200779619san_andreas.jpg
صورة لصدع أندرياس الذي يمتد أكثر من 1300كم
وقد ذكرت مجلة العلوم الأمريكية ( عدد يناير 2004م ) أن الولايات المتحدة تعد العدة لإطلاق سفينة فضاء لتغيير مسار أحد هذه الكويكبات. كما ذكرت وكالات الأنباء العالمية في أوائل عام 2005م أن وكالة " ناسا " الفضائية الأمريكية قد أطلقت سفينة فضائية " ديب إمباكت " للاصطدام بالمذنب " تمبل1 " الذي أسموه صخرة يوم القيامة ! وذلك لإبعاد خطره وما نظن الأمريكان سيهتمون بخطر يهدد أحدًا غيرهم. وقد قيل كذلك أن أمريكا ما شرعت في برنامج "حرب النجوم" إلا لمحاولة صد خطر النيازك !
سادساً : خطر صدع " سان أندرياس " (http://en.wikipedia.org/wiki/San_Andreas_Fault)
وهو صدع يمتد بطول 1300كم بمحاذاة الشاطئ الغربي للولايات المتحدة ( تحديدًا ولاية كاليفورنيا بل وبدءًا بالمكسيك ) ثم يمتد في قاع المحيط الهادي شمالًا. وهو قطعًا أخوف ما يخافه أولو الألباب من الأمريكان من قديم الزمان إذ يتهدد أهم الولايات الأمريكية (كاليفورنيا) التي يعتبرونها القاطرة الاقتصادية للبلاد علاوة على الثقل السكاني. فقد يتحرك ذلك الصدع في اليابسة كما تحرك من قبل في الأعوام 1906م،1940م، 1992م وما بعدها مسببًا إزاحات صخرية تصل إلى سبعة أمتار وقد يحدث الزلزال في المحيط فيولد " تسوناميى " يغرق الساحل كما فعل عام 1964م وقتل مائة من سكان الولاية.وكما حدث كذلك عام 1700م في الثامن والعشرين من شهر يناير، وصلت الأمواج إلى الشواطئ اليابانية بعد 10-20 ساعة من قتل العديد من الهنود الحمر ( قبل وصول الأوربيين ) في شمال غرب كاليفورنيا وولايات " أوريجون " و " واشنطن " الحالييتين في الغرب الأمريكي. وقد عرف ذلك من دراسة حلقات الأشجار القديمة المدمرة في غابات "سياتل". ذكرت هذه المعلومات فيلم من إنتاج الـBBC بعنوان : THE NEXT MEGAQUAK أي " الزلزال المهول القادم " وقد بثته قناة الجزيرة مساء 20/6/2005م مترجمًا تحت عنوان ( الزلزال الأكبر ). ومن أهم ما ذكر في هذا الفيلم أن الأمريكان في هذه الولايات الغربية يستعدون لها بتدريب الناس تدريبات عملية لتقليل مخاطرها. خاصة أنهم يتوقعون أن الزلزال القادم ستصل شدته إلى تسعة درجات بمقياس ريختر. وسيكون من أشد زلازل تاريخ الأرض ! حتى أنهم لم يتموا بناء مفاعل نووي قد أنجز الجانب الأكبر منه. وقد ازداد قلق الخبراء في أمريكا بعد زلزال سومطرة إذ يقع الساحل الغربي الأمريكي بأكمله ضمن سلسلة الصدوع الأرضية التي تشكل مع صدع سومطرة وغيره ما يسمونه " حلقة النار " FIRE RING". والخوف أن تحدث موجة ارتدادية عندهم نتيجة تلك الكارثة.
الخلاصة:
هكذا استعرضنا عدة كوارث بيئية وقد أحاطت الولايات المتحدة الأمريكية إحاطة السوار بالمعصم
إذًا { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ }
(وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) الرعد.
صدق الله العظيم
ونحن في انتظار رسائلكم وتعليقاتكم
يمكن التواصل مع المؤلف:
جمهورية مصر العربية ـ مصر ـ القاهرة
الهاتف: 0020127793747 من داخل مصر : 0127793747
الإيميل : [email protected]
([email protected])
المصارد ([email protected])
http://www.solcomhouse.com/yellowstone.htm ([email protected])
http://en.wikipedia.org/wiki/Yellowstone_Park ([email protected])
http://en.wikipedia.org/wiki/San_Andreas_Fault ([email protected]) ([email protected])

القلب الحزين
22-12-2013, 07:41 PM
المرأة بين إشراقات الإسلام وافتراءات المنصرين


http://quran-m.com/firas/ar_photo/1273764997545454.jpg (http://www.quran-m.com/words/A1357.zip)
بقلم سامي عامري
يقع هذا الكتاب في أكثر من 800 صفحة في نسخته المطبوعة, وهو من الناحية الشكلية رد على كتاب للقمص (مرقس عزيز) المنتمي إلى الكنيسة الأرثودكسية المصرية (المسماة خطأ بالكنيسة القبطية)؛ حيث افترى هذا القمّص على الإسلام في عرض موقفه من المرأة, وادّعى في المقابل تكريم الكتاب المقدس والنصرانيّة لها ... وهو من ناحية المضمون: موسوعة إسلامية عصريّة للرد على الشبهات التي يثيرها الشرق والغرب النصرانيين حول مقام المرأة في الإسلام ..
يناقش الكتاب موقف الإسلام من المرأة من خلال نصوص القرآن الكريم وصحيح السنّة النبويّة, ويبحث في مقام المرأة في النصرانيّة من خلال تشريح الكتاب المقدس بلغاته الأصلية وأشهر ترجماته القديمة والحديثة, وأقوال آباء الكنيسة, وأبحاث كبار النقاد الأكاديميين في الغرب .. كل ذلك مع توثيق كل نقل وإحكام كل قول.
كما يحاكم الكتاب علميّة القمّص (مرقس عزيز) ومدى أهليّته -كأحد رؤوس الكنيسة المصريّة الأرثودكسيّة- للخوض في الدراسات الإسلاميّة والدراسات النصرانيّة على السواء, ويتّخذه كنموذج لكشف غياب الأمانة العلميّة في الكتابات الكنسيّة حول الإسلام.
يمكن تحميل الكتاب على شكل ملف PDF مضغوط (http://www.quran-m.com/words/A1357.zip)
اضغط هنا (http://www.quran-m.com/words/A1357.zip)

القلب الحزين
22-12-2013, 07:41 PM
الجينات وحرية الاختيار



http://quran-m.com/firas/ar_photo/1271773010180px-dna_overview2.jpg
شكل يوضح تركيب الجينات

دكتور دسوقي عبد الحليم
أستاذ التكنولوجيا الحيوية بمدينة مبارك العلمية
يسود اعتقاد كبير بين العلماء والمفكرين والفلاسفة بأننا يجب أن نتقبل الشخصية كما هي، فشخصية الإنسان ليست سوى ما هي عليه وسيبقى هكذا إلى أن يموت، فالإنسان يحتفظ بصفاته الأساسية منذ الطفولة مثل العصبية والمخاطرة والمرونة والرقة والقسوة والكفر والإيمان وشرب الخمر والمخدرات وغير ذلك من السلوكيات التي قد نستحسن نحن بعضها ونستهجن البعض الآخر. وقد ربط الكثير من العلماء بين هذه الأفعال والأنماط السلوكية والتصرفات وبين الجينات المرصوصة على الجينوم (Genome) الخاص بالإنسان، بحيث يشعر الفرد منا بأن ما يكرهه من أفعال تصدر عن نفسه وذاته ما هو إلا قدر محتوم ليس منه فكاك ولا مهرب، فشارب الخمر سيظل شارباً للخمر أبد الدهر والعاق لوالديه سيظل هكذا ولن يتغير، والسبب أن ذلك مكتوب على الجينوم الوراثي. الحقيقة إن هذا الفرض العلمي يتعارض مع ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة تعارضاً تاماً، حيث يقول الله تبارك وتعالى عن النفس البشرية (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)) الشمس 7-10، والمعنى هنا كما يقول المفسرون: أي عرفها طريق الفجور والتقوى، وما تميز به بين رشدها وضلالها، قال ابن عباس: بين لها الخير والشر، والطاعة والمعصية، وعرَّفَها ما تأتي وما تتقى (تفسير ابن كثير)، ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله تعالى: (وَهَدَيْنَاهُ النجدين) البلد10، وقوله تبارك تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) الإنسان.
3. إذن وبناءاً على هذه الآيات الكريمات فإن للإنسان في أي وقت من عمره القدرة على الاختيار بين الخير والشر، بين ما ينفع وما يضر، وعليه فالقول بأن ما هو مكتوب على الجينات قدراً محتوماً لا مفر منه إنما هو مجرد فرضية خاطئة ليست لها بالعلم صلة، وتأكيدا لذلك وجب علينا أن نستجلي الحقيقة بدون تعصب وبتجرد علمي وبدون تحيز، ونرى ماذا قالت الأبحاث العلمية الحديثة التي درست العلاقة بين الجينات الوراثية والسلوك والتصرفات الإنسانية عامةً. فمع بزوغ نجم ثورة الهندسة الوراثية والبيولوجيا الجزيئية الحديثة وظهور الجينوم البشري وفك رموز وشفرات جينومات عدد كبير من الكائنات الحية الأخرى، طرح العلماء سؤالاً في غاية الأهمية، هل للجينات علاقة بالسلوك والتصرفات وردود الأفعال البشرية!؟. والسلوك هنا يعني ردود أفعال الإنسان الداخلية أو الخارجية التي تصدر عنه ردا علي منبهات أو مثيرات داخلية أو خارجية. ومن خلال دراسات عديدة أجريت خلال هذا العقد منذ عام 2000 وحتى الآن، تأكد العلماء أن الجينات تدخل بشكل مباشر في تشكيل الحالة النفسية والسلوكية في العديد من الكائنات الحية مثل الإنسان وفئران التجارب وحشرة ذبابة الفاكهة (الدروسوفلا) وغيرها من الكائنات المعملية. وكان السؤال الثاني الذي طرحه العلماء حول هذا الموضوع، كم هو العدد اللازم من الجينات لإعطاء السلوك الكامل أو الشخصية الكاملة للكائن الحي؟. ونظراً لسهولة العمل المعملي والتجريبي على فئران التجارب وصعوبة إن لم يكن استحالة إجراء مثل هذه التجارب على الإنسان، فقد اختيرت الفئران لتكون كلمة السر وحجر الزاوية في الإجابة على هذا التساؤل. وبتحليل الجينوم الكلي لهذه الفئران وجد العلماء أنها تحتوي على 24 ألف جين، كل جين من هذه الجينات له وظيفة محددة، فمنها ما يشغل أجهزة الجسم المختلفة مثل القلب والرئتين والكبد والمعدة وغيرها مما لا حصر له من العمليات البيوكيمائية، وهذه ليس للكائن الحي القدرة على تشغيلها أو إيقافها فهي تعمل رغماً عنه وبدون إرادة منه وسميت بالجينات التكوينية (Constitutive genes)، وجينات أخرى تعمل فقط عند الحاجة وحسب الطلب وتتأثر تأثراً تاماً بالبيئة المحيطة وسميت بالجينات الاختيارية (Facultative genes).
وعندما بحث العلماء عن الجينات التي تشكل السلوك بين هذا الكم الكبير من الجينات، وجدوا أنها من النوع الثاني أي الجينات الاختيارية التي تعمل فقط عند وجود محفز أو مؤثر بيئي خارجي، وكانت المفاجأة أنه وبناءاً على المعادلات الرياضية التي وضعوها للحساب أن وجدوا أن عدد الجينات اللازم لإتمام العمليات والأنماط السلوكية في الفئران يحتاج بالتمام والكمال إلى 80 ألف جين أي ما يقارب أربعة أضعاف القدرة الاستيعابية لجينوم فأر التجارب. وعليه أوصوا بأنه: رغم أن للجينات تأثير مباشر على السلوك إلا انه ليس هناك علاقة خطية بين عدد الجينات الموجودة على الجينوم والسلوك والتصرفات. وأخضع الباحثون هذه المعضلة العلمية للدراسة، وتوصلوا أخيرا إلى أنه ليس هناك حاجة فعلية لعدد كبير من الجينات
- كما افترضت النظريات الرياضية الأولى -، حيث وجد أن الجين الواحد لا يعطي سلوكاً واحداً فقط بل أيضاً يشارك في إعطاء أنماط سلوكيه متنوعة ومختلفة وأطلقوا على هذه الجينات اسم "الجينات متعددة الوظائف" (multifunctional genes)، وبناءاً على ذلك أصبح من السهل القول: أن عدد قليل جداً من الجينات يمكن أن يعطي تنوع سلوكي هائل ومتعدد. وفي دراسة ظهرت نتائجها عام 2006 أجريت على عدد كبير من الناس ولعقود طويلة لتحديد الدور الذي تلعبه الجينات في تشكيل الشخصية الإنسانية، وجد العلماء أنه مع التقدم في السن من 20 إلى 40 فإن الشخصية تميل إلى أن تصبح أكثر وعيا من الناحية العقلية وأكثر استقرارا من الناحية العاطفية، أما بعد سن أل 40 ، فإنها تميل إلى أن تصبح أقل تقبلاً للتجارب والأفكار الجديدة.
كل هذه الصفات قام العلماء بربطها بالجينات والمدهش ما أشارت إليه الدراسة بأن تأثير الجينات على الشخصية يتراجع مع التقدم في السن وأن البيئة تلعب دورا أكبر من الجينات في تشكيل الشخصية في هذه السن، في إشارة للخبرات المتراكمة للشخص، وصدق الله العظيم حين قال عن هذه المرحلة العمرية الحاسمة في عمر أي إنسان (--- حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الأحقاف 15.
وفي دراسة أخرى حديثة يقول الباحث "كارول دويك" أستاذ علم النفس بجامعة ستانفورد الأمريكية: قد تؤثر خبرة بسيطة جداً على الشخصية بحيث يكون لها آثار متلاحقة كنا نظن أنها مستقرة وثابتة بما في ذلك الانبساط، والانفتاح على تجربة جديدة والصمود، وجميعها يعتقد أنها وراثية. وتلا ذلك العديد والعديد من الأبحاث العلمية التي تشير إلى أنه بعيدا عن كون التصرفات والسلوكيات البشرية مجرد مشفرات وراثية في الجينات، فإن الكثير من الأنماط الشخصية تتميز بالمرونة والدينامكية والتغيير المستمر على مدى الحياة وذلك من خلال الخبرات المتراكمة للشخص نفسه. ويقول الدكتورة "دويك" في عدد ديسمبر عام 2008 من دورية (Current Directions in Psychological Science) أنه وجد أن سمات مثل كيفية التعامل، وكيف تتصور نفسك والآخرين، وكيف تتصرف في المواقف اليومية والتي هي بطبعها وراثية ومرتبطة بالجينات إلا أنها قابلة للتغير.
ووجد في دراسته أن أسرة ولدت لهم طفلة خجولة وراثياً وتخاف من المشاركة مع الأطفال الأخريين، ولكن بإتباع والديها برنامجا علمياً صارماً لإشراكها ودمجها في المجتمع لوحظ أنها تخلصت من هذا الخجل تماما عند سن 12 سنة. كما أثبتت التجارب أيضاً أن المعلومات الاجتماعية لها القدرة على تعديل التعبير الجيني داخل المخ بحيث تعدل الطريقة التي يتصرف بها الحيوان، وخلص العلماء إلى أن DNA أو الجينوم أو قل الجينات المتراصة عليه ليست قدراً غير قابل للتغيير ولكن على العكس من ذلك فالجينات تتأثر بخبرات الحياة بشكل كبير ومذهل. ويقول "دويك" في مقالته: ومن المفارقات، فإن الاعتقاد بان الشخصية لا يمكن أن تتغير هو اعتقاد خاطئ، فإذا كنت تعتقد أن ذكائك ثابت فهذا أيضاً أثبت العلماء خطئه فقد وجد أن الذكاء يتأثر سلباً وإيجابا بمدى التحديات التي تواجهك وقدرتك على التعاطي معها، وأوصى "دويك" بأنك إذا غيرت اعتقادك عن نفسك للأفضل فإن جيناتك ستساعدك على ذلك والعكس صحيح.
وفي السنوات الخمس الماضية أصبح هناك اعترافا متزايدا بأن الخبرات المتراكمة قد تبطل عمل بعض الجينات وتنشط البعض الأخر. وخلاصة القول إن القول بأن شخصية الإنسان وتكوينه وسلوكه وتصرفاته قدراً محتوماً، أثبت علم البيولوجيا الجزيئية (Molecular Biology) الحديثة خطأه، وأن مجرد خبرات حياتية بسيطة أو معلومات اجتماعية أو كلمة تسمعها أو موعظة أو نصيحة تتلقها قد تغير تعبيرك الجيني بأكمله فيظهر لك تصرفات وردود أفعال مغايرة تماما لما تعتقد انه ثابت عندك لا يمكن المساس به، وسبحان الخالق الذي أعطاك نوعين من الجينات نوع تكويني يضمن لك حياتك ويحفظ بقائك لا دخل لك في تشغيله ولا يمكنك إيقافه إلا بقتل نفسك، ونوع آخر اختياري لك مطلق الحرية في تشغيله أو إيقافه، ويفتح ويقفل تبعاً للمؤثرات البيئية المحيطة.
ولنا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأكبر على التغير الجذري في الشخصية الإنسانية من النقيض إلى النقيض، من الشر المحض إلى الخير المحض، من الكفر إلى الإيمان، فها هو عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، بمجرد سماعه لآيات كريمات من سورة طه تحول من عدو للإسلام إلى أكبر مدافع عنه، تحول من القسوة والشدة إلى الرقة والرأفة، ومن الظلم والجور إلى العدل والإحسان.
وسيدنا خالد ابن الوليد وسيدنا عمرو ابن العاص رضي الله عنهم أجمعين تحولوا من رافعي السيف للقضاء على الإسلام إلى رافعي راية الإسلام لكل العالم، والأمثلة على ذلك الكثير والكثير في كل الأماكن والعصور، والقول الفصل إن الجينات ليست قدراً أبداً، وإذا كانت قدراَ لم يكن الله تبارك وتعالى ليحاسبنا على أعمالنا فيجزينا على الخير جنة ويعاقبنا على الشر بالنار، فالإنسان بين الخير والشر مخير فيما يفعل محاسب على ما يختار.
ترسل تعليقاتكم على المقال على الايميل التالي:
[email protected]
المراجع:
1- القرآن العظيم 2- تفسير ابن كثير 3- Ethan Watters (2006): DNA Is Not Destiny: The new science of epigenetic rewrites the rules of disease, heredity, and identity. Discover magazine (http://discovermagazine.com/2006/nov/cover) 4- Pierre L. Roubertoux and Michèle Carlier (2007): From DNA to mind The decline of causality as a general rule for living matter. EMBO reports VOL 8: pages 7-11. 5- Carol S. Dweck (2008): Can Personality Be Changed? The Role of Beliefs in Personality and Change. Current Directions in Psychological Science, December 2007, p 391-394.

القلب الحزين
22-12-2013, 07:42 PM
دروس في شرح كتاب بينات الرسول ومعجزاته



http://quran-m.com/firas/ar_photo/12688618371111.jpgلفضيلة الشيخ العلامة :عبد المجيد بن عزيز الزنداني
مؤسس الهيئة العالمية للإعجاز ـ رئيس جامعة الإيمان في اليمن
نقدم لكم دروس صوتية لفضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني لقيت في جامعة الإيمان نتمنى لجميع الاخوة الاستفادة.






المقدمة
http://www.4shared.com/file/207711584/6e12448f/1-_online.html (http://www.4shared.com/file/207711584/6e12448f/1-_online.html)
البشارات :- ( وإنه لفي زبر الأولين....).
http://www.4shared.com/file/207813070/b37324ec/_-_______2-.html (http://www.4shared.com/file/207813070/b37324ec/_-_______2-.html)
وصف النبي (صلى الله عليه وسلم ) .
http://www.4shared.com/file/207813434/d77b8d2d/_________3-.html (http://www.4shared.com/file/207813434/d77b8d2d/_________3-.html)
البشارات
http://www.4shared.com/file/207711587/f71b1535/4-_online.html (http://www.4shared.com/file/207711587/f71b1535/4-_online.html)
البشارات
http://www.4shared.com/file/207711589/10a33832/5-_2.html (http://www.4shared.com/file/207711589/10a33832/5-_2.html)
الإعجاز العلمي
http://www.4shared.com/file/207717456/111b6e05/6-_.html (http://www.4shared.com/file/207717456/111b6e05/6-_.html)
الحاجز بين البحرين ..
http://www.4shared.com/file/207722536/36fd2956/7-___.html (http://www.4shared.com/file/207722536/36fd2956/7-___.html)
الناصية ..
http://www.4shared.com/file/207729917/add70527/8-_.html (http://www.4shared.com/file/207729917/add70527/8-_.html)
(الجبال أوتادا ....)
http://www.4shared.com/file/207729951/20d86516/9-____.html (http://www.4shared.com/file/207729951/20d86516/9-____.html)
(فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حباً ً .....)
http://www.4shared.com/file/207731616/295873d3/10-_________.html (http://www.4shared.com/file/207731616/295873d3/10-_________.html)
(وترى الأرض هامدةً ...)
http://www.4shared.com/file/207746576/52b38ea5/11-______.html (http://www.4shared.com/file/207746576/52b38ea5/11-______.html)
آية اللبن (من بين فرث ودم ..........)
http://www.4shared.com/file/207746920/cfbd26b1/12-________.html (http://www.4shared.com/file/207746920/cfbd26b1/12-________.html)
وجه الإعجاز ..............
http://www.4shared.com/file/207750195/4a3b2c21/13-__.html (http://www.4shared.com/file/207750195/4a3b2c21/13-__.html)
جهاز المناعة ..
http://www.4shared.com/file/207764538/1aefd4d/14-__.html (http://www.4shared.com/file/207764538/1aefd4d/14-__.html)
(الميتة والدم ولحم الخنزير......)
http://www.4shared.com/file/207765243/64cec3e2/15-_____.html (http://www.4shared.com/file/207765243/64cec3e2/15-_____.html)
(الميتة والدم ... )
http://www.4shared.com/file/207768199/c1993235/16-_____.html (http://www.4shared.com/file/207768199/c1993235/16-_____.html)
الماء الراكد - السواك - الوضوء - التيمم
http://www.4shared.com/file/207775674/ebee84ee/17-__-__-__-_.html (http://www.4shared.com/file/207775674/ebee84ee/17-__-__-__-_.html)
المعجزة العلمية في السنة .... (الأجنة) .1
http://www.4shared.com/file/207780043/efa459df/18-________1.html (http://www.4shared.com/file/207780043/efa459df/18-________1.html)
المعجزة العلمية في السنة .... (الأجنة) .2
http://www.4shared.com/file/207784117/1b1e94e3/19-________2.html (http://www.4shared.com/file/207784117/1b1e94e3/19-________2.html)
(وعنده مفاتح الغيب .....)
http://www.4shared.com/file/207791882/bfd93928/20-_____.html (http://www.4shared.com/file/207791882/bfd93928/20-_____.html)
الحبة السوداء ....... والعسل .....
http://www.4shared.com/file/207813697/b719e073/21-____.html (http://www.4shared.com/file/207813697/b719e073/21-____.html)
التحدي بالقرآن ......1
http://www.4shared.com/file/207848015/8aa27f94/22-__1.html (http://www.4shared.com/file/207848015/8aa27f94/22-__1.html)
الإعجاز العلمي في القرآن ...1
http://www.4shared.com/file/207852191/16099266/24-____1.html (http://www.4shared.com/file/207852191/16099266/24-____1.html)
الإعجاز العلمي في القرآن ...2
http://www.4shared.com/file/207856551/32d7e2e1/25-_____2.html (http://www.4shared.com/file/207856551/32d7e2e1/25-_____2.html)
غيب المستقبل1
http://www.4shared.com/file/207869543/da01d80a/26-__1.html (http://www.4shared.com/file/207869543/da01d80a/26-__1.html)
غيب المستقبل2
http://www.4shared.com/file/207871253/3e81fe91/27-__2.html (http://www.4shared.com/file/207871253/3e81fe91/27-__2.html)
غيب المستقبل3
http://www.4shared.com/file/207874930/ca59177e/28-__3.html (http://www.4shared.com/file/207874930/ca59177e/28-__3.html)
غيب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
http://www.4shared.com/file/207876592/7dabaf37/29-________.html (http://www.4shared.com/file/207876592/7dabaf37/29-________.html)
علامات الساعة ..
http://www.4shared.com/file/207882180/80855700/30-____.html (http://www.4shared.com/file/207882180/80855700/30-____.html)
دقة توثيق أخبار المعجزات (في القرآن)
http://www.4shared.com/file/210382192/145ac9be/31-________.html (http://www.4shared.com/file/210382192/145ac9be/31-________.html)
حفظ القرآن
http://www.4shared.com/file/210382191/8d539804/32-__.html (http://www.4shared.com/file/210382191/8d539804/32-__.html)
لشريعة العظيمة التي احتوى عليها القرآن
http://www.4shared.com/file/210382194/fd396c8b/33-______.html (http://www.4shared.com/file/210382194/fd396c8b/33-______.html)
المعجزة الخارقة
http://www.4shared.com/file/210383433/27c5b42c/34-__.html (http://www.4shared.com/file/210383433/27c5b42c/34-__.html)
دقة التوثيق ..
http://www.4shared.com/file/210383907/35db0a5/35-___.html (http://www.4shared.com/file/210383907/35db0a5/35-___.html)
الصحابة حملة الدين الثقات
http://www.4shared.com/file/210384440/6c5a4be8/36-____.html
من دلائل النبوة في العهد المدني
http://www.4shared.com/file/210389146/7198f4eb/38-_______.html (http://www.4shared.com/file/210389146/7198f4eb/38-_______.html)
دقة توثيق السنة
http://www.4shared.com/file/210392695/b2116328/39-___.html (http://www.4shared.com/file/210392695/b2116328/39-___.html)
تكثير الطعام .............
http://www.4shared.com/file/210393918/b799b5c5/40-___.html (http://www.4shared.com/file/210393918/b799b5c5/40-___.html)
تكثير الماء القليل .............
http://www.4shared.com/file/210399861/ef7b11f5/41-____.html (http://www.4shared.com/file/210399861/ef7b11f5/41-____.html)
شفاء علي رضي الله عنه في غزوة خيبر
http://www.4shared.com/file/210402668/5b2d5193/42-________.html (http://www.4shared.com/file/210402668/5b2d5193/42-________.html)
(سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم .....)
http://www.4shared.com/file/210411450/528ad852/43-_________.html (http://www.4shared.com/file/210411450/528ad852/43-_________.html)
توثيق الخوارق .......
http://www.4shared.com/file/210417277/df3e0c1d/44-___.html (http://www.4shared.com/file/210417277/df3e0c1d/44-___.html)
تسبيح الطعام ............
http://www.4shared.com/file/210425277/3297be46/45-___.html (http://www.4shared.com/file/210425277/3297be46/45-___.html)
حادثة الإسراء والمعراج ........
http://www.4shared.com/file/210429976/313de89/46-____.html (http://www.4shared.com/file/210429976/313de89/46-____.html)
الوعد الحق ........
http://www.4shared.com/file/210434236/a4200501/47-___.html (http://www.4shared.com/file/210434236/a4200501/47-___.html)
البعث والنشور............
http://www.4shared.com/file/210450975/55321ca9/48-__.html (http://www.4shared.com/file/210450975/55321ca9/48-__.html)
الحساب والجزاء ..
http://www.4shared.com/file/210453457/936723ba/49-__.html (http://www.4shared.com/file/210453457/936723ba/49-__.html)
الميزان .........
http://www.4shared.com/file/210460186/2107ab4/50-__.html (http://www.4shared.com/file/210460186/2107ab4/50-__.html)
الموت.........
http://www.4shared.com/file/210467989/16b0e24/51-_.html
الحساب ... واقتصاص المظالم بين الخلق
http://www.4shared.com/file/210468703/7b9a506e/52-______.html (http://www.4shared.com/file/210468703/7b9a506e/52-______.html)
الجنة دار النعيم1
http://www.4shared.com/file/210474588/50a34188/53-___1.html (http://www.4shared.com/file/210474588/50a34188/53-___1.html)
الجنة دار النعيم2
http://www.4shared.com/file/210559151/d82e77a5/54-___2.html (http://www.4shared.com/file/210474588/50a34188/53-___1.html)
الجنة دار النعيم3
http://www.4shared.com/file/210571767/a199866e/55-___3.html (http://www.4shared.com/file/210571767/a199866e/55-___3.html)
نعيم أهل الجنة ......1
http://www.4shared.com/file/210576920/ccd8c37a/56-____1.html (http://www.4shared.com/file/210576920/ccd8c37a/56-____1.html)
النار.........
http://www.4shared.com/file/210474809/e7a56845/57-_.html (http://www.4shared.com/file/210474809/e7a56845/57-_.html)
نعيم أهل الجنة ......2
http://www.4shared.com/file/210478992/eaa1df0b/58-____2.html (http://www.4shared.com/file/210478992/eaa1df0b/58-____2.html)
نعيم أهل الجنة ......3
http://www.4shared.com/file/210504043/14731a52/59-____3.html (http://www.4shared.com/file/210504043/14731a52/59-____3.html)
الوعد بالجنة ......
http://www.4shared.com/file/210507959/f0d9566c/60-___.html (http://www.4shared.com/file/210507959/f0d9566c/60-___.html)
النار..........
http://www.4shared.com/file/210526838/123a9f4e/61-_.html (http://www.4shared.com/file/210526838/123a9f4e/61-_.html)
أهل النار .....
http://www.4shared.com/file/210537744/da4d4c4a/62-___.html (http://www.4shared.com/file/210537744/da4d4c4a/62-___.html)
عذاب أهل النار ....
http://www.4shared.com/file/210544760/4f83992f/63-____.html (http://www.4shared.com/file/210544760/4f83992f/63-____.html)
أعمال أهل النار .....
http://www.4shared.com/file/210549970/ae6c5db9/64-____.html (http://www.4shared.com/file/210549970/ae6c5db9/64-____.html)
ندم أهل النار ..... الخاتمة .
http://www.4shared.com/file/210551362/ac3a895d/65-______.html‎ (http://www.4shared.com/file/210551362/ac3a895d/65-______.html%E2%80%8E)

القلب الحزين
22-12-2013, 07:43 PM
مقدمة إسلام العلوم والمعارف


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12671259651193302125.jpg
صورة للدكتور حسني حمدان

بقلم الأستاذ حسني حمدان حمامة
أستاذ علوم الأرض في جامعة المنصورة ـ مصر
شرف كبير أن يسعى علماء المسلمين على اختلاف تخصصاتهم في إسلام العلوم والمعارف. إن إسلامية أو "أسلمة" المعارف والعلوم تجعل لغة العلم عبادة لله. والبون شاسع, بين أن تتحدث عن المراحل التي يمر بها نزول المطر من السماء، من جمع السحب بنظام دقيق وبتأليف مخصوص وتراكب طبقات السحاب, وفسيحات خلال السحب المتراكمة, وقطرات ماء نامية من جبال فيها من برد ينشأ عنها برق, والفرق كبير بين تناول تلك المراحل مجردة بذاتها دون ربطها بمسببها وخالقها. وتأمل الجلال والبهاء والسمو بين قرآه العقل والتدبر في قدرة الله, وحضور الخشية من الله وأنت تذكر تلك المراحل في ضوء قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ }النور43.
تربطك الآية دائما بالله، ففي قوله" أَلَمْ تَرَ" تنبيه للحواس وإيقاظ للعقل بأنه سبحانه وتعالى هو الذي يجمع السحاب بلطف, وهو الذي يؤلفه بينه لتحقيق غاية, وهو الذي يركبه فوق بعضه, ويراقبه في زمن التراكب, وبحكمته جعل خللا في ذلك السحاب المركوم، ولم يجعله سدا لييسر لقطرات الماء سبيلا للحركة صعودا وهبوطا , وسبحانه كما نصب جبال الأرض أقام جبال السحاب, ثم أخرج سنا البرق , وفى النهاية يأتي مردود ذلك على الخلائق. إن استلهام الآية السابقة يبرز لنا أهمية المصطلح العلمي القرآني. فلا يمكن أن نتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن المتعلق بنزول الماء من السماء في الآية السابقة دون تعريف مصطلحات السحب أولا, وإزجاء السحاب ثانيا, و وقبل ذلك مطاح الإزجاء على إطلاقه, وثالثا تأليف السحب, ورابعا تراكم السحب, وخامسا الخلل بين السحب, وسادسا جبال السحب, وسابعا البرد, وثامنا البرق والسنا, وأخيرا تحديد معنى الإصابة والصرف.
بالله عليكم أليس هذا حديث خالق؟ أليست تلك كلمات قادر حكيم, نزلت على قلب رجل أمين هو محمد صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين الذي لم ينطق عن الهوى, وصدق الحق إذ يقول: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ }الرعد43 وفى البداية أوضح لماذا أفضل استعمال مصطلح إسلام العلوم والمعارف عن "أسلمة" العلوم؟ لأن أولا المعرفة أشمل من العلم, وثانيا عدم حصر إعجاز القرآن العلمي في العلوم التجريبية, بل نجعله يصهر في بوتقته كل المعارف الإنسانية والكونية, ثالثا حتى يكون حديثنا للناس كافة نخاطب به كل مستويات العقول، سواء العوام منهم أو المتخصصين.
ولا غرو في ذلك فالإسلام قد اكتمل, والنعمة قد تمت بنزول القرآن الكريم وحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم. واللبنة الأولى في إسلام المعرفة والعلوم تكمن أولا في بيان مفردات المعرفة والعلوم في القرآن الكريم. ولأكون واضحا, فإن قصدى هي قضية المصطلح. وسأعطى أمثلة في شتى فروع العلم والمعرفة مع التركيز على علوم الكون والفلك والجيولوجيا. وسأبدأ بقضية محورية تتعلق بنشأة ذلك الكون, أمن عدم هو أم من شيء محسوس؟ وإذا كان من بداية محسوسة ما الذي سبق البداية.
إنها حقا قضية فلسفية شائكة تتعلق بالوجود الكونى. قضية لن يصل فيها العلم مهما تقدم إلى حقيقة مطلقة. وهنا تأتى حتمية فهم المصطلح بوضوح وبلا غموض. هنا يبرز إلى عالم العلوم والمعرفة مصطلح فتق الرتق. وبقدر فهمنا لحقيقة المصطلح اللغوي المتعلق بالرتق والفتق سنفهم بداية الكون. من يفهم حقيقة المصطلح سينطلق بقوة وثبات لتصور بداية نشأة السماوات والأرض. وعلى الناحية الأخرى تمثل قضية مآل الكون لغزا سيعجز العلماء عن توصيف ذلك المآل. وهنا أيضا تبرز قضية المصطلح العلمي القرآن من فهم حقيقة الطي للسماء والقبض للأرض. ما معنى طي السماء؟.
وأسأل سؤالين أرجو الإجابة عليهما بصدق، هل نزلت آيتا فتق الرتق وطي السماء لمجرد الحفظ؟ وهل كانت قضية تلك قضية هامة تشغل عقول الذين نزل عليهم القرآن وهم أحياء, أم أنها قضية تتعلق بنبأ القرآن الذي يأتي نبأه حين؟ بالتأكيد نزلت الآيتان لتكون منارتين يهتدي يهما في فهم وتصور بداية ونهاية الكون. وأيضا من المصطلحات الكونية الهامة تكوير الشمس, وجمع الشمس والقمر, وكشط السماء, وفروج السماء, وأبواب السماء ومعارج السماء...الخ.
هنا يبرز مصطلح التكوير والكشط والانفراج والانشقاق. فى مسالة السماء أيضا يبرز مصطلح البناء واتساع السماء, والسقف المحفوظ والسقف المرفوع والسقف المحفوظ. تعالوا بنا ونحن نناقش قضايا الإعجاز العلمي في القرآن والسنة نهتم بوضوح بالمصطلح. ونفهمه في ضوء فهم اللغة العربية التي هي لغة القرآن, وفى ضوء المنظومة القرآنية التى تناولت ذلك المصطلح في كل آيات القرآن, وفى ضوء فهم علماء الأمة من المفسرين والمحدثين وألوا الألباب الذين يخشون الله, وفى ضوء ضوابط ومعايير وضعتها من قبل هيئات لها القدر الوافر من المصداقية, وأخيرا في ضوء ميزان العلم الصحيح البعيد عن الهوى والشطط. و نضيف على سبيل المثال، فلكى نفهم حقيقة رجع السماء يجب أن نحدد بدقة مصطلح الرجع بصفة عامة, ورجع السماء بصفة خاصة. وقبل ذلك نحدد مصطلح السماء بدقة.
هل السماء هنا تعنى الأغلفة التي تعلو الأرض مباشرة, أم السماء على إطلاقها؟ فإذا حدد ت السماء بالتي تعلونا مباشرة, فيلزم أن نحصر صور الرجع في الفضاء فوق أرضنا, وإذا ما حددت السماء كجنس يلزم أن نتحدث عن الرجع الكوني. وبالتالي يظهر المصطلح قضية هامة تتعلق بالرجع الكوني (ISM). أرجو أن يأخذ القارئ, خاصة العالم المتخصص, مصطلحات القرآن العلمية بقوة. خذ مثلا مصطلح مصابيح التي ذكرت في القرآن عند الحديث عن زينة السماء.
هل هذا المصطلح يعنى الكواكب أم النجوم أم ماذا؟ ما هو المصباح؟ إن التحديد الدقيق سيقودنا حتما إلى وجود مصابيح في السماء. وسنعجب إذا بحثنا عن مصابيح السماء كترجمة حرفية (Lamps of the sky) فلن نعثر على مبتغانا, ولكن لو ترجمت كمشمعات للسماء سنجد أن المصابيح مفردة كونية علمية خطيرة في أهميتها, تستخدم في رسم خريطة الكون.
عجبت مرة ثانية حينما وجدت مصطلح مصابيح السماء (Candles of the sky) التي ذكرت في القرآن تستخدم فى علم الفلك. سأعطيك مثالا آخر لدقة المصطلح القرآني وسموه على أي مصطلح علمي ينحته العلماء: ما هو الطارق؟
من القرآن هو النجم الثاقب. وهنا تبرز أهمية تحديد مصطلحات ثلاثة هي السماء, والطارق, والنجم الثاقب.
ما معنى الطارق والطرق ؟
وما معنى الثاقب و الثقب؟
وهل مصطلح النابض(Pulsar ) هو المكافئ لمصطلح النابض الذي دخل في مصطلحات علم الفلك في عام 1967. لا أشك إطلاقا في أن الأدق بل الدقيق على إطلاقه هو الطارق. وهنا أود أن أذكر بأن آيات سورة الطارق لم تنزل من السماء لكي يلف المسلمون منديلا حول رؤوسهم ليحفظوها ويكرروها وفقط دون أن يسألوا ما الطارق ؟ وكيف نسمع طرقاته؟ إن مفهوم ركوب الأطباق الذي ذكر في القرآن يلزم تحديد مصطلح "طبق عن طبق".
لو أردنا أن نتناول قضية اجتياز الفضاء فلابد أن نفهم أولا ضيق الصدر وحرج الصدر عند التصعد في السماء. وأيضا يجب أن نحدد بدقة مفهوم أقطار الشيء لنفهم أقطار السماوات والأرض, بمعنى ماذا تعنى كلمة قطر وأقطار في لغة العرب. أيضا حينما نريد أن نحدد الأخطار التي تجابه الإنسان في ارتقائه في الفضاء يلزم تحديد مصطلح شواظ.
باختصار شديد لا يمكننا الحديث عن مبادئ علم التأريخ الكوني وعلم الفلك بمعزل عن فهم مصطلحات ذكرت في هذا الشأن من مثل فتق الرتق, ودخان السماء, وبناء السماء, وقو البناء أو الأيد , ورفع السماء, وعمد السماء, واتساع السماء, وحبك السماء, ورجع السماء, وزينة السماء, وأيام خلق السماء والأرض, والسماوات السبع, والأرضيين السبع, والسماوات الشداد الطباق, والسماوات العلى, والسماء الدنيا, وحرس السماء وشهب السماء, وحجارة السماء, ومعارج السماء, وطباقية السماء, وأبواب السماء وضحى السماء, وليل السماء, وفطر السماء, وكشط السماء, وانشقاق السماء, وطي السماء, والنجم والكوكب والقمر...وغيرها من المصطلحات. حينما يصف الحق سبحانه وتعالى نفسه بأنه فالق الحب والنوى {إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ }الأنعام95, أليس من البديهي أن نحدد مصطلح فلق الشيء, ومصطلح النوى.
وقس على ذلك حينما يخبرنا الله بعلمه المحيط فى قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }سبأ3, يكون من المحتم تحديد مصطلح الذرة, وهل الذرة في القرآن هي نفسها الذرة كما يعرفها العلم؟ كانت المصطلحات التي ذكرناها هنا قبس من فيض عطاء القرآن نقدمها للعلماء حتى يضبطوا مصطلحات العلوم في ضوء لغة القرآن. ولدى أمل كبير في الباحثين المسلمين الذين يخشون الله أن يعتزوا بالمصطلح العلمي القرآني, وأن يستعملوه في محاضراتهم وكتبهم ومؤلفاتهم وأبحاثهم ومؤتمراتهم, لأن القرآن عز وشرف لأمة محمد صلى الله عليه وسلم , وصدق الحق حيث يقول في وصف القرآن:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ }الزخرف44 من أجل ذلك تحقيق ذلك الهدف النبيل وهو إسلام أو "أسلمة" علوم الفضاء والكون, تناولت في هذا البحث أربعة أبواب. وفى الباب الأول تناولت ألفاظ السماء والسماوات ومعانيها في القرآن الكريم, وقمت بالتركيز على المعاني ذات الصلة بعلم الفلك وعلم الكون (الكسمولوجيا).
أما في الباب الثاني,فقد تناولت فيه الإعجاز العلمي في آيات القسم في القرآن والآيات ذات الصلة.
إن أروع ما في الأقسام الكونية في القرآن الإيجاز في الوصف والشمولية في المعنى واحتواء حقائق العلم ونظريات علوم الفلك والكون. وتناولت في الباب الثالث الحديث عن زينة السماء وبيان روعة القرآن في وصف زينة السماء بمصابيح وكواكب. واتضح لي كيف تدخل مسميات الظواهر الكونية القرآنية في العوم الفلكية بنفس معاني كلمات القرآن. ولا غرو في ذلك, فالله هو الذي خلق وهو الذي أعطى الأسماء لما خلق. وفى الباب الرابع تناولت تاريخ الكون في رحلة من فتق رتق السماوات والأرض إلى طي السماء كطي السجل للكتب وقبض الأرض. وقد بينت في هذا الباب مبادئ علم التأريخ للكون وعلوها فوق النظريات الفلكية والكونية. وتم التركيز على حقيقة المصطلح الكوني القرآني الثابت في مواجهة النص العلمي المتغير. وأكدت على أن حقائق خلق الكون المطلقة لا توجد إلا في القرآن.
المؤلف 30/12/2009
يستقبل الدكتور حسني حمدان تعليقاتكم على الايميل التالي:
[email protected]

القلب الحزين
22-12-2013, 07:45 PM
مقارنة بالصور بين المرأة الغربية والمسلمة



إعداد : منتديات شبهات وبيان
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12661595204228367115_2e94bec23c_o.jpg
صورة المرأة المسلمة والمرأة الغربية !
هكذا يظهر الإعلام صورة المرأة المسلمة والمرأة الغربية !

ولذا أصبح لدى أكثر الغربيين وغيرهم ممن يجهل وضع وحياة المرأة المسلمة انطباعٌ خاطئ بأن المرأة المسلمة تقبع دائما تحت الحجاب وتعاني اضطهادا وكبتا.
وفي المقابل أكثر المسلمين لا يدركون حقيقة حياة المرأة الغربية فكل ما يرونه هو الأفلام ووسائل الإعلام الخادعة التي تظهر حياة المرأة الغربية بأبهى صورة، ما أدى إلى انطباع زائف بأن المرأة الغربية تعيش حياة سعيدة بهيجة تمرح مع قرينها على شواطئ البحار وعلى القوارب وفي الحدائق وأماكن الترفيه وعلى المروج الخضراء.
وفي هذا الموضوع سنكشف الحقائق ليس اعتمادا على مجرد وجهات نظر وانطباعات شخصية بل على معلومات وإحصائيات شاملة وموثقة أشد التوثيق ومن مصادر غربية معتبرة، وذلك اتباعا لضوابط هذا المنتدى - منتدى شبهات وبيان !
حقيقة حياة المرأة الغربية
إن الشخص البصير حين يشاهد امرأة غربية مع عشيقها فوق قارب سريع مبتسمة وشعرها يتطاير في الهواء أو أخرى وقد وضع شريكها يده على يدها على شاطئ البحر يتسامران، يعلم ما سبق ذلك من سلسلة من الحسرات والآلام وما سيتلو تلك الابتسامة من حزن شديد وعبرات !
إنه يعلم كيف سيحول هذا الذئب بسمتها إلى دمع غزير وقلب كسير ! ويعلم كم سبق هذا الذئب من ذئاب توالت في خداعها، كلما قضى أحدهم حاجته منها رماها محطمة النفس والمشاعر في يأس بالغ واكتئاب.
في تقرير للمراكز الأمريكية الحكومية للسيطرة على الأمراض:
متوسط عدد النساء اللاتي يقيم معها الرجل الأمريكي علاقات جنسية هو سبع نساء، بل إن 29 % من الرجال قد أقاموا علاقات جنسية مع أكثر من 15 امرأة في حياتهم:
المصدر: http://www.cdc.gov/nchs/data/ad/ad384.pdf (http://www.cdc.gov/nchs/data/ad/ad384.pdf)
ونشر في بي بي سي دراسة أجريت على 14 دولة أظهرت أن:
42% من البريطانيين اعترفوا بإقامة علاقة مع أكثر من شخص في نفس الوقت بينما نصف الأمريكيين يقيمون علاقات غير شرعية (مع غيرأزواجهم). وكانت النسبة في إيطاليا 38 ٪ وفي فرنسا 36 ٪ المصدر : بي بي سي ( BBCل ): http://news.bbc.co.uk/2/hi/uk_news/177333.stm
العلاقة بين الرجل والمرأة تعني شيئا مختلفا لكليهما فالمرأة حين تحب رجلا ً فإنها تتعلق به وحده وتحبه بعقلها وقلبها وبكل جزء من جسدها وحين يقطع حبيبها أواصر الحب ويفارقها إلى غيرها، ينكسر قلبها وتتحطم مشاعرها، أما الرجل فيميل بشكل عام إلى التعدد، وقد يقيم العلاقات مع النساء لمجرد نزوات عابرة فينهي علاقته حالما يقضي وطره وفي البيئة الغربية الإباحية حيث حرية العلاقات الجنسية فإنها المرأة التي تتضرر نفسيا وعاطفيا وعليها أن تدفع ثمنا باهظا جدا من أجل ما يسمى بالتحرر.
علاقات عابرة دون أي أمان مادي او عاطفي:
على خلاف الزواج الإسلامي فللرجال في الغرب الحرية في استغلال النساء بدون زواج ولا ضمانات ولا حقوق ولا أمن مادي أو عاطفي. فمعظم الرجال يعاملون النساء كالبغايا وإن كانت البغي أحسن حالاً إذ تحصل على مقابل أما هؤلاء النساء فدون مقابل.
وإذا حبلت إحداهن من هذا الزنا فهو عبؤها وحدها وعليها أن تختار إما أن تتحمل مسؤولية تربية هذا الإبن غير الشرعي أو قتله وهو ما يسمى بالإجهاض:
في أمريكا 10.4 مليون أسرة تعيلها الأم فقط (دون وجود أب) دائرة الإحصاءات الأمريكية:
http://www.census.gov/Press-Release/www/releases/archives/families_households/009842.html (http://www.census.gov/Press-Release/www/releases/archives/families_households/009842.html)
وفي أمريكا وحدها يقتل بالإجهاض أكثر من مليون طفل سنويا !! المصدر: المراكز الأمريكية الحكومية للسيطرة على الأمراض:http://www.cdc.gov/mmwr/preview/mmwrhtml/ss5511a1.htm (http://www.cdc.gov/mmwr/preview/mmwrhtml/ss5511a1.htm)
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1266159420abortion_22_weeks01.jpg
هذا الطفل الميت هو واحد من مليون طفل يتم أجهاضه في أمريكا سنويا

حقا، يمتلئ القلب حزنا وتفيض العيون دمعا حين نرى كيف يقتل هؤلاء الأطفال الضعفاء وبطلب من أمهاتهم! انظروا كيف تمكن ذئاب البشر من خداع هؤلاء النساء وتدنيسهن وتوريطهن بأطفال الزنا ثم التخلي عنهن حتى انسلخن من كل خلق ورأفة ورحمة! فقتلوا أطفالهن بطرق في غاية الوحشية، بل إن الوحوش والحيوانات لتدافع عن صغارها حتى الموت !
واحد من 42 مليون جنين قتلوا بالإجهاض في أمريكا منذ عام 1973 إلى 2002
الأمراض الجنسية
ولا تقتصر معاناة النساء على ألم الخيانة والفراق بل قد تتعرض للأمراض الجنسية المهلكة بسبب انتشار الفواحش. ففي أمريكا:
أكثر من 65 مليون شخص مصابون بأمراض جنسية لا يمكن شفاؤها. المصدر: CNN والمراكز الأمريكية الحكومية للسيطرة على الأمراض: http://www.cnn.com/2000/HEALTH/12/05/health.stds.reut/
http://www.cdc.gov/nchstp/od/news/RevBrochure1pdfintro.htm (http://www.cdc.gov/nchstp/od/news/RevBrochure1pdfintro.htm)
الاغتصاب
في أمريكا يتم اغتصاب 683 ألف امرأة سنويا أي بمعدل 78 امرأة في الساعة مع العلم أن 16 % فقط من حالات الاغتصاب يتم التبليغ عنها !! . المصدر: وزارة العدل الأمريكية: http://www.ojp.usdoj.gov/ovc/publica...gy/general.htm
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1266159460rape1_400_021_1.jpg
رسم يظهر شخص يحاول اغتصاب فتاة أمام الناس بدون أي يكترث لهذا اي أحد من الواقفين وهذه العملية تتكرر 75 مرة في كل ساعة في أمريكيا

العنف الأسري
1320 امرأة تقتل سنويا أي حوالي أربع نساء يقتلن يوميا بواسطة أزواجهن أو أصدقائهن في أمريكا. المصدر تقرير لوزارة العدل الأمريكية:http://www.ncjrs.gov/pdffiles1/nij/199701_sectionI.pdf (http://www.ncjrs.gov/pdffiles1/nij/199701_sectionI.pdf)
40 -50 % ممن يقتل من النساء في أمريكا يكون القاتل هو شريكها الحميم (زوج او صديق) (intimate partner)
المصدر : وزارة العدل الأمريكية: http://www.ojp.usdoj.gov/nij/topics/.../measuring.htm (http://www.ojp.usdoj.gov/nij/topics/.../measuring.htm)
واحدة من 3 ملايين امرأة في أمريكا يتعرضن لاعتداء جسدي كل عام
سنويا حوالي 3 ملايين امرأة في أمريكا يتعرضن لاعتداء جسدي من زوج او صديق. المصدر: الموقع الرسمي الحكومي لولاية نيوجرسي الأمريكية:http://www.nj.gov/dca/dow/publications/dvfactsheet06.pdf
22.1 % من النساء في أمريكا تعرضن لاعتداء جسدي من زوج او صديق (حالي أو سابق). المصدر: وزارة العدل الأمريكية: http://www.ncjrs.gov/txtfiles1/nij/181867.txt (http://www.ncjrs.gov/txtfiles1/nij/181867.txt)
عمل المرأة الغربية
الإسلام قد كرم المرأة وأغناها عن العمل إلا إذا رغبت في ذلك حيث أن مسئولية العمل وكسب المال والإنفاق تقع شرعا على عاتق الرجال بينما المرأة لا تتحمل مسئولية الإنفاق على أي أحد حتى على نفسها إذ يتولى ذلك الرجال سواء كانوا آباء أو أزواجا أو إخوانا فهم مسئولون عن المرأة مسئولية دائمة. وعلى خلاف المجتمع الإسلامي فإن المرأة بشكل عام في الغرب يجب أن تعمل لكسب قوتها حيث أن قوانينهم لا تلزم الرجال بالإنفاق على النساء.
أكد تقرير لوزارة العمل الأمريكية أن: معظم النساء في الغرب يعملن في الوظائف ذات الأجور المنخفضة والمكانة المتدنية. وحتى مع الضغوط التي تبذلها الحكومة في تحسين وظائف النساء فإن 97 % من المناصب القيادية العليا في أكبر الشركات يشغلها رجال. المصدر: وزارة العمل الأمريكية (تقريرالسقف الزجاجي - Glass Ceiling):
http://www.dol.gov/oasam/programs/history/reich/reports/ceiling.pdf
وفي تقرير آخر لوزارة العمل الأمريكية :
89 % من الخدم وعمال التنظيف هم النساء المصدر: وزارة العمل الأمريكية: http://www.dol.gov/wb/factsheets/20lead2007.htm
وبدلا من مكان العمل الآمن في المنزل عملت المراة الغربية واختلطت بالرجال وتعرضت للإضطهاد والابتزاز والتحرش الجنسي بمعدلات هائلة. أكدت دراسة قامت بها وزارة الدفاع الأمريكية أن:
78 % من النساء في القوّات المسلّحة تعرضن للتحرش الجنسي من قبل الموظّفين العسكريّين. المصدر: الوزارة الأمريكية (Veterans Affairs) :
http://www.rehab.research.va.gov/jour/08/45/3/pdf/Street.pdf (http://www.rehab.research.va.gov/jour/08/45/3/pdf/Street.pdf)
مزيد من الخداع والاستغلال
وكل ما ذكر أعلاه كان للمحظوظات نسبيا من النساء الغربيات، فكثير من غيرهن قد اضطرتهن الحاجة للقمة العيش للوقوع ضحايا للاستغلال الذكوري إذ كان صعبا عليهن منافسة الرجال في مجالات أعمالهم، وبالتالي لجأن إلى عرض أجسادهن وأنوثتهن ليدنسها كل فاجر.


انتشرت في امريكا (وأوروبا) مطاعم تقدم الطعام على أجساد النساء العاريات (نيويورك تايمز عدد 18 -4- 2007 وعدد 24 -8- 2008 وأعداد أخرى)
نساء عاريات يغسلن السيارات. المصدر: رويترز : http://www.reuters.com/article/oddly...D8075020070517 (http://www.reuters.com/article/oddly...D8075020070517)بي بي سي: http://news.bbc.co.uk/2/hi/uk_news/england/leicestershire/4889570.stm
حوالي خمسين ألف امرأة وطفلة يتم تهريبهن إلى الولايات المتحدة سنوياً لاسترقاقهن وإجبارهن على ممارسة البغاء. المصدر: نيويورك تايمز: http://query.nytimes.com/gst/fullpag...57C0A9669C8B63

وتفنن الغرب في جر النساء إلى أعمال مخزية ومهينة نافسوا فيها صور العبودية القديمة.


لقد أصبح استغلال أجساد النساء في شتى صور الإباحية صناعة عظيمة في الغرب حيث تجلب : 12 مليار دولار سنويا في امريكا وحدها:

المصدر: رويترز: http://www.reuters.com/article/latestCrisis/idUSN1265950
نهاية حياة المرأة الغربية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1266159442hospice-_-mentally-ill-jump.jpg
حوالي نصف عدد النساء الأمريكيات ممن تجاوزن 75 سنة يعشن وحدهن.
وتظل المرأة الغربية في غالب الأمر تتجرع صنوف الأسى في ربيع عمرها وحين تكبر تجد نفسها وحدها بعد أن تخلى عنها الرجال وتخلى عنها أبناؤها لتمضي ما بقي من عمرها وحيدة أو مع كلبٍ أو في دار عجزة إن كان لديها ما يكفي من مال، بينما المرأة المسلمة تظل محاطة بالحب والرعاية من أبنائها وأحفادها.
حوالي نصف عدد النساء الأمريكيات ممن تجاوزن 75 سنة يعشن وحدهن. المصدر: دائرة الإحصاءات الأمريكية:
http://www.census.gov/Press-Release
/www/releases/archives/facts_for_features_special_editions/001626.html (http://www.quran-m.com/www/releases/archives/facts_for_features_special_editions/001626.html)
حقيقة حجاب المرأة المسلمة
الغربيون وغيرهم ممن يجهل وضع وحياة المرأة المسلمة حين يرون امرأة محجبة في صورة أو في الشارع يأخذون إنطباعا أن هذه المرأة مكبوتة دوماً تحت الحجاب لأنهم لايرون حياتها الخاصة ولايرون المرأة داخل بيتها ولا في أماكن عملها ودراستها ولا في أماكن الترفيه الخاصة بالنساء ولا في أماكن الاجتماعات وصالات الاحتفالات.
ولو علم هؤلاء الغربيون حقيقة وضعها لأدركوا أن المرأة في كل وقتها سوى دقائق معدودة لاترتدي الحجاب بل ترتدي ما تشاء من ملابس ولو اطلع هؤلاء على النساء في صالات الاحتفالات ورأوا ما ترتديه النساء من أثمن الحلي وأجمل الفساتين التي لا ترتديها أغنى نسائهم ورأوا ما تستمتع به من المآدب الفاخرة والأنس والفرح والترفيه لأدركوا عظم ما هم فيه من أوهام حول حياة المرأة المسلمة،،،
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12661590533999057868_4dc326c953.jpg
الحجاب ليس تقييدا لحرية المرأة فالحجاب لا يجب إلا في حالة واحدة فقط وهي وجود الرجال الأجانب وما سوى ذلك فلا يجب.
ماذا قدم الحجاب للمرأة المسلمة:
إن ارتداء النساء المسلمات للحجاب وعدم مخالطتهن للرجال يحفظ المجتمع من مخاطر عظيمة وله من المنافع ما يصعب حصرها ومنها :
- سلامة المرأة إلى حد كبير مما تعانيه المرأة الغربية من الاغتصاب والتحرش الجنسي.
- سلامة المرأة من العنف الأسري والطلاق والتفكك الأسري الناتج عن شكوك الرجال في وجود علاقات لزوجاتهم مع زملائهن في العمل المختلط.
- ونظرا لكون الرجال في المجتمع المسلم لا يتعرضون لفتنة تبرج النساء وفتنة الاختلاط في العمل وغيره، فقد سلمت زوجاتهم إلى حد بعيد من الخيانات الزوجية وما يعقبها من أمراض جنسية وخلافات وانفصال.
المصدر: موقع شبهات وبيان
http://www.shobohat.com/vb/showthread.php?t=3281

القلب الحزين
22-12-2013, 07:46 PM
سلسلة برنامج براهين الإيمان للشيخ عبد المجيد الزنداني


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1263817299snapshot20090913091245.jpg
صورة للشيخ عبد المجيد الزنداني أثناء إلقاء محاضرة له على أحد الفضائيات

نضع بين أيدي الإخوة القراء تسجيلات صوتية لحلقات براهين الإيمان التي بثت على عدة قنوات فضائية (أقرأ، الشارقة الخ) والتي لقيت نجاحاً كبيراً حيث تمت إعادتها عدة مرات يمكن تحميل أو مشاهدة هذه الأفلام على موقع فور شير بالضغط على اللينكات التي في الاسفل.
الحلقة الاولى ..حقائق الايمان وثماره
http://www.4shared.com/file/199165639/6cf7ab49/1-___.html (http://www.4shared.com/file/199165639/6cf7ab49/1-___.html)
الحلقة التانية ....-ادوات العلم - كيف نكسب اليقين
http://www.4shared.com/file/199168518/d9ea9fd9/2-__-___.html
الحلقة الثالثة...القواعد العقلية للايمان
http://www.4shared.com/file/199147695/4f679403/3-__.html (http://www.4shared.com/file/199147695/4f679403/3-__.html)
الحلقة الرابعة..ايات الله فى الكون
http://www.4shared.com/file/199142438/ff632468/___-4.html (http://www.4shared.com/file/199142438/ff632468/___-4.html)
الحلقة الخامسة ... وفي الأرض آيات للموقنين
http://www.4shared.com/file/199149334/249bf9c7/5-___.html (http://www.4shared.com/file/199149334/249bf9c7/5-___.html)
الحلقة السادسة .. -أثار رحمة الله
http://www.4shared.com/file/199151009/8b9569bf/6-__.html (http://www.4shared.com/file/199151009/8b9569bf/6-__.html)
الحلقة السابعة....فلينظر الإنسان مما خلق
http://www.4shared.com/file/199155182/5a3ec75f/7-___.html (http://www.4shared.com/file/199155182/5a3ec75f/7-___.html%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D9%82%D8%A9%20 %D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%85%D9%86%D8%A9%20..... %D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%91%D8%B9%D8%A7%D8%A1)
الحلقة الثامنة .....الدّعاء
http://www.4shared.com/file/199157791/74a8139d/8-_online.html (http://www.4shared.com/file/199157791/74a8139d/8-_online.html)
الحلقة التاسعة ....المعجزة الكبرىالباقية (القرآن)
http://www.4shared.com/file/199157888/1f33dd45/9-____.html (http://www.4shared.com/file/199157888/1f33dd45/9-____.html)
الحلقة العاشرة ... الاعجاز العلمى للقرأن والسنة
http://www.4shared.com/file/199161836/79b40c85/10-___.html (http://www.4shared.com/file/199161836/79b40c85/10-___.html)
الحلقة 11....موقف قادة العلوم الحديث من الإعجاز
http://www.4shared.com/file/199170644/57b998b1/11-_____.html (http://www.4shared.com/file/199170644/57b998b1/11-_____.html)
الحلقة 12....القرآن وعلم البحار
http://www.4shared.com/file/199172009/e3e09531/12-__.html (http://www.4shared.com/file/199170644/57b998b1/11-_____.html)
الحلقة 13....القواعد العقلية للإيمان
http://www.4shared.com/file/199177452/3992e012/13-__.html (http://www.4shared.com/file/199177452/3992e012/13-__.html)
الحلقة 14....كيف تكونت الأرض
http://www.4shared.com/file/199178944/9951f763/14-__.html (http://www.4shared.com/file/199178944/9951f763/14-__.html)
الحلقة 15...مزيد من صور الإعجاز في القرآن والسنّة
http://www.4shared.com/file/199184769/17ceec3f/15-______.html (http://www.4shared.com/file/199184769/17ceec3f/15-______.html)
الحلقة 16 خوارق العادات (انشقاق القمر)
http://www.4shared.com/file/199190489/3909c10f/16-_____.html (http://www.4shared.com/file/199190489/3909c10f/16-_____.html)
الحلقة 17 خوارق العادات (غزوة بدر)
http://www.4shared.com/file/199190823/2a2939ff/17-_____.html (http://www.4shared.com/file/199190823/2a2939ff/17-_____.html)
الحلقة 18 خوارق العادات (معركة الأحزاب)
http://www.4shared.com/file/199191974/7044554b/18-_____.html (http://www.4shared.com/file/199191974/7044554b/18-_____.html)
الحلقة 19 خوارق العادات (الأخبار بالغيب)
http://www.4shared.com/file/199195485/7617d16/19-_____.html (http://www.4shared.com/file/199195485/7617d16/19-_____.html)
الحلقة 20 خوارق العادات (الأخبار بالغيب غزوة موته)
http://www.4shared.com/file/199197175/2c3b6bb9/20-_______.html (http://www.4shared.com/file/199197175/2c3b6bb9/20-_______.html)
الحلقة 21 البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم
http://www.4shared.com/file/199201541/a99d1bbc/21-______.html (http://www.4shared.com/file/199201541/a99d1bbc/21-______.html)
الحلقة 22 اسم الرسول في الكتب السماوية
http://www.4shared.com/file/199201543/47937a90/22-____.html (http://www.4shared.com/file/199201543/47937a90/22-____.html)
الحلقة 23 أثار الله في الكون
http://www.4shared.com/file/199207090/4894c850/23-___.html (http://www.4shared.com/file/199207090/4894c850/23-___.html)
الحلقة 24 صفات الله سبحانه وتعالى
http://www.4shared.com/file/199212809/e4274387/24-___.html (http://www.4shared.com/file/199212809/e4274387/24-___.html)
الحلقة 25 أسماء الله سبحانه وتعالى
http://www.4shared.com/file/199212840/f9973e27/25-___.html (http://www.4shared.com/file/199212809/e4274387/24-___.html)
الحلقة 26 الحكمة من خلق الإنسان
http://www.4shared.com/file/199213062/93000b54/26-___.html (http://www.4shared.com/file/199213062/93000b54/26-___.html)
الحلقة 27 أدلة الإيمان باليوم الآخر
http://www.4shared.com/file/199216483/4a534ea2/27-___.html (http://www.4shared.com/file/199213062/93000b54/26-___.html)
الحلقة 28 تفاصيل في اليوم الآخر
http://www.4shared.com/file/199168901/b037ef58/28-___.html (http://www.4shared.com/file/199168901/b037ef58/28-___.html)

القلب الحزين
22-12-2013, 07:46 PM
التهرب من أداء الزكاة



محمد الشرافي
مستشار التمويل والاستثمار الإسلامي
خبير في الاستشارات الشرعية المالية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12620898472076931085_76df81cbe3.jpg
مع قرب انتهاء السنة المالية في 31/12/ 2009 م ، والبدء بإعداد الميزانيات العمومية لأغلب الشركات والمؤسسات التجارية، كان لزاماً علينا التذكير بموضوعة الزكاة، ذلك أن كثيراً من رجال الأعمال والتجار يحرصون على احتساب ما يخص أموالهم من الزكاة المفروضة، وهذا أمر حسن، ولكنهم يعمدون إلى احتسابها بطرقهم الخاصة، هذه الطرق التي قد تخالف ما نص عليه فقهاء الأمة من أحكام زكوية، ثم أنهم قد يعمدون إلى توزيعها بطرقهم الخاصة أيضاً، وهو توزيع قد يخرج مخرج المحاباة والهوى. وقد رأينا من لا يعمد إلى احتساب الزكاة مطلقاً، ويكتفي بما يخرجه للفقراء خلال السنة، ظناً منه أنه يُخرج أكثر بكثير مما يجب عليه من زكاة مفروضة، وتكون المفاجأة مدوية عندما تُحتسب زكاته وفق المعايير الزكوية المعتبرة شرعاً وإذا به يُخرج أقل بكثير مما يجب عليه!!
ورأينا في المقابل من يحرص على إخراج زكاته، فيخرج أكثر مما يجب عليه، ويُحمّل نفسه أكثر مما تطيق في دفع الزكاة المفروضة، مع أنه لا يجب عليه إلا ما أوجبه الله تعالى من غير عنت ولا مشقة!! ورأينا من يحرص على دفع الزكاة إلى إخوته وأخواته وأقربائه، على هيئة هبات وعطايا وهدايا، يزين لنفسه أنهم من الفقراء وما هم منهم، بل أكثرهم أغنياء، تجب الزكاة في أموالهم!! وقد أذهلني ذات يوم غني ثري، يلتزم الصلوات في المسجد في الصف الأول، حين أخبرني أنه يحتسب زكاته في رمضان، ثمّ يدفعها إلى بناته، وبنات إخوته، وبنات أخواته، وبنات أبنائه يوم عيد الفطر على أنها ( عيديات )، وليس فيهن امرأة فقيرة قط! وعندما أخبرته أن هذا لا يصح في شرعنا، أعرض ولم يسمع!! وقد رأينا من يدفع زكاته إلى موظفيه على أنها مكافآت من الشركة، ويحرص على عدم إخبارهم بأنها من أموال الزكاة حرصاً منه على ماء وجوههم! وهو يظلمهم في الرواتب والأجور الإضافية وامتيازات العمل الأخرى!! وقد تجد من لا يُخرج زكاته، لأنه يدفع إلى الدولة الضرائب المستحقة عليه، ظناً منه أن الضرائب تسد مسد الزكاة، وتقوم مقامها!!
والأدهى والأمر أن يتعمد بعض الناس عدم إخراج زكاة أموالهم بخلاً وشحاً، ثمّ ييمم وجهه شطر البيت الحرام في كل عام لأداء حج التطوع أو العمرة!! إن الله تعالى قد توعد الذين لا يخرجون زكاة أموالهم بحقها كما يحب ربنا تبارك وتعالى ويرضى بأشد العذاب، فقد روى مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدِّى حقها إلا جُعلت له يوم القيامة صفائح، ثم أُحْمِىَ عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار. وما من صاحب بقر ولا غنم لا يؤدى حقها إلا أُتِىَ بها يوم القيامة تطؤه بأظلافها (والظلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل والخف للبعير )، وتنطحه بقرونها، كلما مضى عليه أخراها رُدَّت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ".
ولم تقف السنة عند حد الوعيد بالعذاب الأخروي لمن يمنع الزكاة، بل هددت بالعقوبة الدنيوية كل من يبخل بحق الله وحق الفقير في ماله، فعن عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت: قال: رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "ما خالطت الصدقة - أو قال: الزكاة - مالاً إلا أفسدته" ، فإن عدم إخراج الزكاة بحقها غير منقوصة تكون سبباً في هلاك المال وإتلافه ومحق بركته. فيا أهل الغنى والفضل، يا من أنعم الله تعالى عليكم بالمال الوفير، والخير الكثير... تذكروا أنكم تجمعون المال بالسهر والتعب والمعاناة، فإذا دنت ساعة الرحيل عن الدنيا تركتم أموالكم وراء ظهوركم، بل هي قد تخلت عنكم، وصارت إلى غيركم، ممن لم يتعب في تحصيلها، ولم يسهر على جمعها، ويا ليت الأمر يقف عند ذلك، لهان الخطب... ولكنكم يوم القيامة تسألون عنها قرشاً قرشاً، من أين اكتسبتها؟ وفيما أنفقتها؟
فلا أقل من أن تحرصوا على احتساب زكاتها كاملة غير منقوصة، كما يحب ربنا تبارك وتعالى ويرضى!!
ترسل التعليقات على المقالة على الايميل التالي:
[email protected]

القلب الحزين
22-12-2013, 07:47 PM
الحدائق في الإسلام


بقلم د. راغب السرجاني
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1257684695758_image002_%28custom%29.jpg
صورة للداعية راغب السرجاني

لا تقتصر حكمة خلق النبات والأشجار على الفوائد الحيوية المعروفة من كونها غذاء للإنسان والحيوان، أو رئة تتنفس بها البيئة... بل قد أشار الله عز وجل في كتابه الكريم إلى وظيفة أخرى تؤديها الأشجار والحدائق في حياة الإنسان ووجدانه، فقال تعالى: [أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ] {النمل:60}
إن تلك الصبغة الجمالية التي تميُّز الطبيعة على اختلاف مكوّناتها ليست إلا تطبيقًا لقاعدة عامة أقرها الله تعالى في كل ملمح من ملامح الكون، كما أحب لعباده أن يتخلقوا بها.. تلك هي قاعدة (الجمال)! وذلك كما روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله جميل يحب الجمال"..
ولعل من اللافت للنظر كثرة الحديث عن الشجر والثمار والجنات في القرآن الكريم.. حيث ورد لفظ شجر بمشتقَّاته في القرآن نحو 26 مرة، كما وردت لفظة ثمر بمشتقَّاته 22 مرة، ونبت بمشتقاته 26 مرات، وذكرت الحدائق 3 مرات.. أما الجنة مفردة ومجموعة فقد وردت 138 مرة!!
حتى عندما يعرض القرآن الكريم للأشجار والثمار من حيث هي طعام للإنسان والأنعام.. يأتي ذلك العرض في سياق لافت لجمال المنظر!.. قال تعالى: "فلينظر الإنسان إلى طعامه.. أنا صببنا الماء صبًا، ثم شققنا الأرض شقًا، فأنبتنا فيها حبًا، وعنبًا وقضبًا، وزيتونًا ونخلاً، وحدائق غلبًا، وفاكهة وأبًّا، متاعًا لكم ولأنعامكم ..) سورة عبس 24: 32.. وانظر إلى التعبير القرآني الجميل: "متاعًا لكم ولأنعامكم"..
وإلى جانب إظهار الحكمة الجمالية من وراء خلق الحدائق بأشجارها وثمارها على هذا النحو البديع... فقد كان لتصوير القرآن الكريم والسنَّة المطهرة للجنة، بما تحتويه من متع حسية ومعنوية، إلى جانب محاولة التغلب على الظروف الصحراوية القاسية... كان لتلك العوامل مجتمعة أثر قوي في دفع المسلمين لمحاكاة هذا التصوير المثالي في تصميم وتنسيق الحدائق الإسلامية؛ فالحدائق بصفة عامة تعكس العلاقة بين الإنسان والطبيعة، أما في العالم الإسلامي فتضاف رؤية أخرى لمفهوم الحدائق من حيث كونها صورة تعبر عن الشوق الإسلامي العميق للفردوس أو الجنة.. وقد تميزت العمارة الإسلامية بما يمكن أن نطلق عليه: "النظرية الفردوسية".. في محاولة لإيجاد حدائق وجنات أرضية داخل بيئات تتسم بظروف مناخية قاسية، بغرض تحسين وتجميل هذه البيئة.
ومع نمو الفنون والعمارة الإسلامية وتطورها أصبح الاتجاه في تصميم الحدائق يحاول التأنُّق ويبرع فيه لإضفاء تلك البهجة التي وصف بها القرآن حدائق الأرض كما مرَّ منذ قليل.
والمتأمل للعديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن الجنات الأرضية أو الأخروية يندهش من دقة الوصف القرآني الذي استلهم من خلاله المسلمون العناصر الأساسية والجمالية عند تنسيق حدائقهم أو عند اختيار مواقعها..
فمن الآيات الكريمة التي استوحى منها المسلمون الموضع النموذجي لاختيار الحدائق والجنات الأرضية قوله سبحانه وتعالى: "ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير" (البقرة 265)، فقد التفت المسلمون هنا إلى إشارة دقيقة حيث أوضحت الآية الكريمة أن الموقع الأمثل للحدائق والبساتين إنما يكون بالأماكن المرتفعة من الأرض (الربوة)؛ فهذا يجنِّب الأشجار التقاء جذورها بالمياه الجوفية التي تحد من نموها.. كما أنه يساعد على جودة الصرف والتخلص من المياه الزائدة..
ولقد أعطت العديد من الآيات القرآنية وصفًا جميلاً للجنة وما بها من متعٍ أعدها الله لعباده الصالحين، كان منها تلك الحدائق والأشجار.. حيث يقول سبحانه: "إن للمتقين مفازًا: حدائق وأعنابًا.." ويفسر ابن عباس الحدائق بأنها ما أحيط بالجنة من الأشجار والنخل.. وجاء في تفسير السعدي: البساتين الجامعة لأصناف الأشجار الزاهية... والثمار التي تتفجر خلالها الأنهار.
وفي موضع آخر يقول تعالى: "وأصحاب اليمين.. ما أصحاب اليمين؟! في سدرٍ مخضود، وطلحٍ منضود، وظلٍ ممدود، وماء مسكوب..." فلم تقتصر الآيات على ذكر هذين النوعين من الأشجار في الجنة (السدر والطلح) بل تعدت ذلك إلى بيان جوانب جمالية في هذه الأشجار:
فأنت تقرأ وصف السدر بـ (المخضود).. وفي ذلك يقول الطبري: "السدر المخضود: الذي قد خُضِدَ من شوكه؛ فلا أشواك فيه".. وروى الحاكم في المستدرك عن سليم بن عامر قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم؛ قال: أقبل أعرابي يومًا فقال: يا رسول الله، ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما هي؟!". قال: السِّدر؛ فإن له شوكًا موذيًا!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أليس الله يقول: "فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ"؟!.. خَضَد الله شوكه، فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمرًا تَفَتَّق الثمرةُ منها عن اثنين وسبعين لونًا من طعام، ما فيها لون يشبه الآخر".
أما الطلح المنضود فهو شجر الموز متراكم الثمر، قال السُّدّي: "..مَنْضُودٍ": مصفوف، وقال ابن عباس: يشبه طلح الدنيا، ولكن له ثمرًا أحلى من العسل.
كذلك، فإن الـ (ظل الممدود) صفة جمالية في هذا الشجر، جاء في البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا.. وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}، و: {ودَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً}" فليس من شك أن هذه الجوانب من مد الظل ، وتذليل الثمار كلها جوانب جمالية ، تمزج المنفعة المادية للشجر بالمنفعة المعنوية ..
ومما عرضته السُنَّة المطهَّرة أيضًا من وصف روعة شجر الجنة ما رواه الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما في الجنة شجرة إلا وساقها من الذهب".. مما حدا ببعض المسلمين أن يبالغوا في محاكاة هذا الأمر، فكسا بعضهم جذوع النخيل والأشجار بالذهب كما فعل "خمارويه بن أحمد" الذي حكم مصر بين عامي (270 – 282 هـ)!
الحدائق في الحضارة الإسلامية:
وفي القرن الثاني الهجري (السابع الميلادي) امتدت رقعة الدولة الإسلامية لتشمل - في العهد الأموي - بلاد حوض البحر الأبيض المتوسط في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا (الأندلس، وجنوب فرنسا).. وما إن تم للمسلمين الاستقرار في هذه المناطق حتى بدءوا يخططون المدن ويقيمون فيها القصور الفخمة.. وغدت الحدائق وتنسيق الأفنية الداخلية في المساكن والمباني العامة - من ذلك الحين - عنصرًا أساسيًا في مباني المدينة الإسلامية..
وكانت الخصوصية هي أهم ما يميز الحديقة في العصر الإسلامي؛ ولذلك أحيطت الحدائق بالأسوار العالية أو أشجار النخيل لحجب المناظر الداخلية.. وقد غلب على تخطيطها التقسيمات الهندسية، كما اهتم المسلمون في حدائقهم باستخدام المياه بصور متنوعة ومتميزة.
نماذج للحدائق في الحضارة الإسلامية:
لم تخل حاضرة من حواضر الإسلام في المشرق ولا المغرب من الحدائق الرائعة التي تميز بها الحس المعماري الإسلامي.. منها ما كان في الأندلس وتركيا والشام وفارس ومصر وسمرقند والمغرب وتونس واليمن وعُمان والهند وغيرها...
فعلى سبيل المثال لوحظ في الأندلس أن العمارة الإسلامية هناك كانت تدمج العناصر الطبيعية (من الماء والنبات) في كل مبانيها، خاصة القصور، وتميزت الحديقة الأندلسية باستخدام النباتات دائمة الخضرة، والنباتات والأشجار ذات الروائح الزكية وباستخدام الزهور الجميلة كالبنفسج والياسمين.
وتعتبر حدائق قصر الحمراء في غرناطة من أجمل الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها للدلالة على جمال الحدائق الإسلامية وتكاملها، وانسجامها الطبيعي مع الأفنية الداخلية.. وكانت هذه الحدائق متكررة بشكل متنوع في الأفنية المختلفة للقصر.. كما كانت مليئة بالنباتات ذات الروائح العطرة كالريحان..
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1257684771p10206381_%28custom%29.jpg
صورة لحدائق قصر الحمراء

وفي غرناطة كذلك نجد (جنـة العريف) التي أقيمت على سفح ربوة، وصممها المسلمون على هيئة مدرجات لا يتعدى عرض أوسعها ثلاثة عشر مترًا، ولا يزيد عددها على ستة مستويات، ويلعب الماء دورًا أساسيًا فيها، إذ ينهمر من أعلى الحديقة من عيون تصب في قنوات تمر عبر الأشجار.. (لعلنا نلاحظ هنا هذا الاستخدام الجمالي للماء "المسكوب" الذي مرَّ بنا منذ قليل أنه من مكونات الحسن في جنة الآخرة التي لم تفارق خيال المعماري المسلم وهو يشيد القصور والحدائق على الأرض!)
وفي الأندلس أيضًا أنشأ عبدالرحمن الداخل – رحمه الله - "الرصافة"، و التي تعد من كبرى الحدائق في الإسلام.. وكان قد أنشأها على غرار الرصافة التي كانت بالشام، وأسسها جده هشام بن عبد الملك - رحمه الله - وقد أتى لها بالنباتات العجيبة من كل بلاد العالم.. والتي ما إن تنجح زراعتها حتى تنتشر في كل بلاد الأندلس..!!
ولم يقتصر وجود الحدائق في الأندلس على أفنية المساكن أو القصور فقط، بل امتدت إلى أفنية العديد من المساجد؛ فمن الملامح التي تميز بها مسجد قرطبة أن صحنه كان مغروسًا بالعديد من الأشجار (كأشجار البرتقال) وقد تكرر ذلك فيما بعد في جامع "مالقة" المزروع بأشجار النارنج البديعة، وجامع "ألمرية" المغروس بأشجار الليمون والنارنج، وجامع القصبة الكبير بأشبيلية، وغيرها...
فإذا يممنا شطر المشرق الإسلامي الأوسط؛ لنصل إلى تركيا.. فسنجد أنه بمجرد دخول الإسلام إليها أخذت الحدائق التركية في الانتشار في ربوع البلاد بصورة ملحوظة، ولوحظ على الحدائق الأناضولية أنها لم تكن للترفيه والتجميل فقط، وإنما كانت للإقامة أيضًا!!.. وقد تميزت الحديقة في تركيا بأنها كانت تُخطَّط أولاً ثم يُبنى عليها بعد ذلك؛ ولذلك فقد كانت قصور اسطنبول تسمى بـ (الحدائق) على الرغم من وجود القصور داخلها!.. وكانت هذه الحدائق تُستعمل للتسلية أو الحفلات الرسمية، كما كانت تُطل غالبًا على ساحل البحر كما في إسطنبول..
وقد أُدخلت المسطحات الخضراء على التكوين المعماري للمساجد في العصر العثماني بهدف وقايتها من أخطار الحرائق (مثل مسجد السليمانية بإسطنبول)؛ فقد جرى التعارف على أن النار تشتعل في المنازل التي كانت تُبنى بالخشب، ثم تمتد منها إلى المساجد المجاورة، مما حدا بالمعمار"سنان" أن يحيط الجامع وملحقاته بسور خارجي، بينه وبين التكوين الداخلي للمسجد مساحات كبيرة خالية غرست بها أشجار باسقة، وأنواع من زهور مختلفة تعزل المسجد عن المنازل المجاورة، وتُحقق في الوقت ذاته قيمة جمالية رائعة.
وقد كثر في العهد العثماني أن تُزرع الأشجار في صحن المساجد الكبرى، ومن أمثلة تلك المساجد صحن المسجد النبوي الشريف، مسجد "با يزيد" بتركيا..
ويعتبر قصر (توب كابي) من أشهر القصور المعروفة بإسطنبول، وقد بدأ بناؤه في عهد السلطان " محمد الفاتح"، وكان مقرًا للسلاطين العثمانيين ما بين القرن العاشر والثالث عشر الهجريين (من السادس عشر إلى التاسع عشر ميلاديًّا)، وكان القصر بحدائقه يغطي مساحة 69 ألف متر مربع بمحيط 5 كيلومترات.. وقد خُطِّطت الحدائق فيه على شكل ممرات مكشوفة تحيط بالقصر من الشمال والغرب والشرق، وكان فيها حدائق للفاكهة والخضروات، ومساحة واسعة تُركت للصيد..
يقول الأستاذ سيد قطب في الظلال: " ..إن منظر الحدائق يبعث في القلب البهجة والنشاط والحيوية، وتأمل هذه البهجة والجمال الناضر الحي الذي يبعثها كفيل بإحياء القلوب... وإن تلوين زهرة واحدة وتنسيقها ليعجز عنه أعظم رجال الفنون من البشر، كما أن تموُّج الألوان وتداخل الخطوط وتنظيم الوريقات في الزهرة الواحدة ليبدو معجزة تتقاصر دونها عبقرية الفن في القديم والحديث.. فضلاً عن معجزة الحياة النامية في الشجر، وهي السر الأكبر الذي يعجز عن فهمه البشر..."
وأخيرًا.. فلا تزيدنا تلك الرحلة الممتعة مع الحدائق في الحضارة الإسلامية إلا يقينًا بعظمة تلك الحضارة، وعظمة ما تركته – إلى اليوم – من معالم للرقي الإنساني والبيئي.. الأمر الذي يدل دلالة أكيدة على ذلك الانسجام الكامل بين دين الإسلام وفطرة الإنسان التي تسكن بطبيعتها إلى اللون الأخضر وتناسق الأشجار والثمار..
ونسأل الله – في الختام – أن يُعيد للأمة الإسلامية بهاء حضارتها، وللإنسانية جمعاء صفاء فطرتها.
المصدر:
موقع قصة الإسلام
http://www.islamstory.com (http://www.islamstory.com/)

القلب الحزين
22-12-2013, 07:47 PM
تقرير إخباري كندي ... الإسلام قادم



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1256121404119808968152004477dsfsdf.jpg
صورة للمسجد الحرام في أحد ليالي رمضان

بقلم ياسر قطيشات ـ صحفي
أصدرت إحدى المؤسسات البحثية في كندا فلما وثائقيا خطيراً تحذر فيه من الانتشار المتنامي للإسلام في العالم، خاصة في أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، والفلم الوثائقي، الذي أنتجته المؤسسة البحثية في 25 ابريل 2009 وانتشر بصورة مذهلة على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت" ومدته ثمانية دقائق وتم ترجمته لعدة لغات أجنبية، يتناول واقع النمو السكاني الطبيعي في أوروبا والولايات المتحدة وكندا ومقارنته بالنمو السكاني الهائل للمسلمين في الغرب، خاصة بعد الهجرات الكثيفة للعرب والمسلمين صوب الغرب منذ منتصف القرن الماضي. ويبدأ التقرير المصوّر عرضه بمقدمة يشير فيها إلى الاختلاف الكبير والخطير اليوم لتوزيع الديموغرافيا العالمية الحالية، حيث تثبت البحوث العالمية الحديثة أن أي ثقافة بحاجة إلى (2.11%) كحد ادني لمعدل الإنجاب في كل عائلة لتتمكن تلك الثقافة من الاستمرار في الوجود لمدة (25) عاما على الأقل، وأي حضارة لا تمتلك هذا الحد الأدنى سيكون مصيرها التراجع والاندثار المجتمعي. ويرى التقرير بان الثقافة التي تمتلك معدل مواليد يبلغ (1.9%) لن تتمكن من الانتشار نهائيا، وإذا تدنى ذلك المعدل إلى (1.3%) فإنها ستحتاج إلى مدة تبلغ من 80-100 عام لعكس اتجاه النمو السلبي لتلاشي الاندثار، حيث انه لا يوجد أي نظام اقتصادي يستطيع أن يمكّن تلك الثقافة "متدنية الإنجاب" من البقاء والاستمرار.
بكلمات أخرى يضرب التقرير مثالا حياً على ذلك : "فلو ولد مليون طفل فقط في عام 2006م فسيصعب تزويد القوة العاملة في المجتمع بمليون فرد عامل بحلول عام 2026م.. وهذا سيؤدي بالتالي إلى انكماش عدد سكان تلك الثقافة وتدريجيا انكماش اقتصادها واندثارها في نهاية الأمر" !!.
ويقدم الفلم الوثائقي أرقاما لمعدلات المواليد في معظم الدول الأوروبية في عام 2007م : ففي فرنسا (1.8%)، انجلترا (1.6%)، اليونان (1.3%)، ألمانيا (1.3%)، ايطاليا (1.2%)، اسبانيا (1.1%)... أما في القارة الأوروبية برمتها والمكونة من (31) دولة فكانت معدلات المواليد (1.38%) لا غير.
لذلك يؤكد علماء الديموغرافيا استحالة عكس النمو المتراجع لتلك المجتمعات الأوروبية على المدى المنظور، ويرى التقرير أن أوروبا اليوم بمعدلات الخصوبة أعلاه تحتاج إلى سنوات قليلة فقط لتتوقف عن الوجود بشكلها الحالي اليوم !!.
وبالرغم من ذلك فان عدد سكان أوروبا اليوم –حسب التقرير- ليس متناقصاً بل متزايدا والسبب ليس ارتفاع معدلات النمو الطبيعي في أوروبا وإنما هو ارتفاع معدلات الهجرة إليها، وبالأحرى الهجرة الإسلامية !! حيث شكل المسلمون ما نسبته (90%) من مجموع المهاجرين إلى أوروبا منذ عام 1990م.
ففي فرنسا مثلا معدلات المواليد فيها (1.8%) يقابلها معدلات مواليد في العالم الإسلامي يبلغ (8.1%) في بعض الأحيان. وفي جنوب فرنسا المعروف تقليديا بأنه من أكثر المناطق المكتظة بالكنائس في العالم فانه يحوي اليوم عددا أكثر من المساجد الإسلامية مقارنة بعدد الكنائس فيها.. وفي فرنسا أيضا فان نسبة السكان المسلمين تحت سن العشرين في المدن الكبيرة مثل باريس ونيس ومرسيليا تبلغ (30%) من سكان تلك المدن، علما بان تلك النسبة يتوقع أن ترتفع إلى (45%) بحلول عام 2027م حسب التقرير، ما يعني أن خمس سكان فرنسا سيكونون من المسلمين خلال (39) سنة فقط، وسوف تتحول فرنسا إلى جمهورية إسلامية !! هذا ما يتوقعه التقرير. وفي بريطانيا ارتفع عدد المسلمين فيها خلال الثلاثين سنة الماضية من (82) ألف مسلم إلى (2.5) مليون مسلم بزيادة مقدرها ثلاثين ضعفا وفيها أكثر من ألف مسجد اليوم، علما أن أغلب تلك المساجد كانت كنائس في السابق !! وهذا أمر غير مفهوم أبدا فكيف تحولت الكنائس إلى مساجد كما يزعم التقرير !!
أما في هولندا فان (50%) من المواليد الجدد هم من المسلمين وهذا يعني بأن نصف سكانها سيكونون من المسلمين خلال (15) سنة قادمة. وفي روسيا اليوم هناك أكثر من (23) مليون مسلم يشكلون خمس إجمالي سكانها، ويتوقع التقرير ان يبلغ المسلمون ما نسبته (40%) من تعداد الجيش الروسي خلال سنوات قصيرة، وفي بلجيكا اليوم فان(25%) من السكان و (50%) من المواليد الجدد من المسلمين.
ويذكر التقرير ان حكومة الاتحاد الأوروبي أفادت بان ثلث المواليد في أوروبا سيكونون من المسلمين بحلول عام 2025م أي خلال (15) عام تقريبا. علماً أن الحكومة الألمانية أول من تحدث عن هذا الخطر علنا، حيث أفادت رسميا أن الهبوط الحاد في معدلات النمو السكاني في ألمانيا لا يمكن إيقافه الآن لوصوله إلى مرحلة اللاعودة وان ألمانيا ستصبح دولة مسلمة بحلول عام 2050م !!
ويدعم التقرير أدلته بتصريح سابق للرئيس الليبي معمر القذافي قال فيه : "هناك اليوم دلالات وإشارات واضحة بان الله سيمنح المسلمين النصر في أوروبا بدون الحاجة إلى سيوف أو مدافع ولا غزوات... المسلمون في أوروبا والبالغ عددهم فوق الخمسين مليون اليوم سيحولون القارة الأوروبية إلى قارة مسلمة خلال عقود فقط..".
ويبين التقرير أن في أوروبا اليوم أكثر من (52) مليون مسلم، وأن الحكومة الألمانية حذرت من أن هذا الرقم مرشح للتضاعف خلال السنوات العشرين القادمة ليصل إلى (104) مليون مسلم.
أما في كندا، فان معدلات المواليد اليوم تبلغ (1.6%) وهذا أقل من الحد الأدنى المطلوب للحفاظ على ثقافة ونسل المجتمع الكندي، في حين أن الإسلام اليوم هو أسرع الأديان نمواً في كندا. وما بين عامي 2001م الى 2006م زاد عدد سكان كندا مليون و600 ألف نسمة كان منهم مليون و200 ألف نسمة من المهاجرين.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية كانت معدلات المواليد هناك (1.6%) وبدعم من المهاجرين من الأصول اللاتينية فقد ارتفعت تلك النسبة إلى (2.11%) وبذلك حصلت الولايات المتحدة وبصعوبة بالغة على الحد الأدنى لمعدلات المواليد المطلوبة للحفاظ على الثقافة المجتمعية لمدة (25) عاما فقط. وبينما كان عدد المسلمين في الولايات المتحدة عام 1970م (100) ألف مسلم فقط ارتفع عدد المسلمين اليوم إلى أكثر من (9) مليون مسلم. ويختم التقرير عرضه الخطير بالتحريض -بطريقة خبيثة وغير مباشرة- ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا والولايات المتحدة بقوله (قبل ثلاث سنوات عُقد اجتماع في شيكاغو الأمريكية ضم (24) منظمة إسلامية وقد شرحت محاضر الاجتماع الخطط الموضوعة لاجتياح الولايات المتحدة الأمريكية من خلال العمل السياسي والإعلامي والتعليمي وغير ذلك من النشاطات... وأكد المؤتمرون على ضرورة التحضير والتهيؤ لحقيقة بلوغ عدد المسلمين في الولايات المتحدة إلى (50) مليون مسلم خلال الثلاثين سنة القادمة !!).
ويضيف جملة أكثر خطورة وتحريضا ضد المسلمين بقوله : (أفاد تقرير صدر مؤخرا أن عدد المسلمين اليوم فاق عدد أعضاء الكنيسة الكاثوليكية، وبحسب بعض الدراسات المتعلقة بمعدلات نمو الإسلام الحالية في العالم فان الإسلام سيكون الدين المهيمن على العالم في غضون خمس إلى سبع سنوات قادمة...لذلك فهذه دعوة للانضمام إلى جهودنا للتبشير برسالة المسيح الإلهية في عالمنا المتغير اليوم.. هذه دعوة للاستيقاظ والعمل).
يمكن مشاهدة التقرير الإخباري على موقع اليويتويب باللغة الفرنسية
http://www.youtube.com/watch?v=h2k6klp-UlM
أو
http://vids.myspace.com/index.cfm?fuseaction=vids.individual&videoid=17685881

نقلا عن موقع خبرني الإخباري
http://www.khaberni.com/home.asp?mode=more&NewsID=22804&CatID=1 (http://www.khaberni.com/home.asp?mode=more&NewsID=22804&CatID=1)

القلب الحزين
22-12-2013, 07:48 PM
يا بُنيتي: كوني كأمك خديجة.. أنموذج خير النساء، وأكملهن، رضي الله عنها.


بقلم أ.د./ ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي من مصر.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12527597152295922178_483e471a1f.jpg
يا بُنيتي: لعلكِ عاتبة عليّ إذ خصصت أخيك وأقرانه برسالة:"يا بني: هذا نبيُك يأمرك بإتقان لسانهم". ولعل "الغيرة" قد دبت في نفسك ـ كما الحال في بعض شأنك ـ "لماذ لم يخصني وأترابي برسالة مماثلة؟". لا عليكِ..خففي من حدتك تلك, فها قد جاء دورك، وحان أوان رسالتك ـ فاسمعي ولبي، فأمرُك، وأترابك، أعظم شأناً، ومهمتكن أعمق أثراً، وما يحيط بكن من تحديات، وما يترصدكن من سهام أكثر خطراً. لكن "الوقاية" منها جميعا ..كتاب الله تعالي، وسُنة نبيه محمد صلي الله عليه وسلم، وعمل السلف الصالح من هذه الأمة.
يابنيتي: إن "حصوننا الأسرية مُهددة" من الخارج والداخل في آن معاً. وبعيداً عن التفكير التآمري هناك من يريد لهذه "المواثيق الغليظة" أن تنفصم عراها، ولهذه الحصون العتيدة المتبقية من حصوننا أن تـتهدد، بل أن تتهدم، وفي هدمها هدم للمجتمع كله. فالتهديد ومحاولات الهدم مصدرها إما خارجي: كالترويج لأنماط من المعاشرة تصطدم مع ديننا الحنيف، وحملات مسعورة للإثارة والتحلل والإباحية وتجارة الجنس في عولمة ثقافية تجتاح الخصوصيات والحواجز الأخلاقية، و"صناعة للفقر وتكريسه" ينعكس في تدني معدلات التنمية، والتغييرات الاجتماعية العميقة، والبطالة، وتأخير سن الزواج، وإباحة الإجهاض، والترويج لما يسمى "الاستقلال الاقتصادي للمرأة" الخ••أو أسباب أخرى داخلية: مثل تدني الوعي بالمسؤوليات والواجبات الأسرية، وانقلاب نسق القيم المجتمعية، وتفشي أنماط التعليم والإعلام غير المنضبط بقيم المجتمع، وإهمال الزوجان للأسرة بحثاً عن المال، والتباين الحاد لأسلوبهما في تربية الأبناء، وخلافتهما المستمرة، والغيرة الشديدة، والعنف والعناد، ولهث الأسرة وراء الاستهلاك الترفي، والفراغ، والإحباط، والفساد، وانتشار المخدرات••الخ. ومع توالي الأيام تقف هذه الأسباب ـ فرادى أو مجتمعةـ فتؤدي إلى تزايد معدلات الطلاق والخُلع.(ولتستزيدي راجعي مقال لكاتب السطور: حصوننا الأسرية مهددة، ما سبل حمايتها وتقويتها؟، مجلة الوعي الإسلامي: 466، جمادى الآخرة 1425هـ ـ يوليو/ أغسطس 2004م ص:76ـ80، الكويت).
أي بُنية: إنني أربأ بك ـ أيتها العاقلةـ أن تكوني سهما في كنانة أعداء الملة يرمون به الإسلام، وأنت لا تشعرين. وأربأ بكن أن يتخطفكن طوفان الباطل وبهرجته وصرعاته، وحملاته وهجماته البربرية الشرسة. فأنت، وأترابك، تتحدين هؤلاء الأعداء كل يوم بتمسككن والتزامكن بشرائع وشعائر دينكم، وإحتضانكن كتاب ربكم، وإهتدائكن بسنة نبيكم، وسيرة سلفكم الصالح.
يا بُنيتي: لقد كانت أمك "خديجة"، رضوان الله عليها، غُرّة ناصعة في جبين التاريخ عامة، والعلاقات الأسرية خاصة. فهي شريفة قريش، ومن أعرق بيوتها نسباً، وحسباً، وشرفاً، وكانت ذات مال، وتجارة رابحة، ونجابة بادية. نشأت على التخلق بالأخلاق الحميدة.. عقلاً وحزماً وفطنةً وحصافة وعفة وطهارة. فلُقِّبت في الجاهلية بـ(الطاهرة)، وكانت مضرب المثل في طهارتها، وحكمتها وحصافتها. كما لقب نبـُيك صلى الله عليه وسلم، في ذات البيئة، بـ"الصادق الأمين". ولقد اختارتها العنايةُ الربّانيّة لتكون زوجةً بارَّةً مخلصة لنبيك، فتزاوج الصدق والأمانة ثم النبوة والرسالة، بالطهر والعفة والفطنة والعقل والحزم.. فكان مزيجاً من القيم غير مسبوق.. لم ولن يكون. فأغترفي بنيتي واشربي من ذلك المَعين الذي لا ينضب، وتسربلي بسرابيل تلك القيم، وتأسي بتلكم الأسوة:"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"(الأحزاب:21).
يا بُنيتي: لقد كانت أمك "خديجة"، رضي الله عنها، أول سيدة تزوجها نبيك، صلي الله عليه وسلم، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي يومئذ بنت أربعين سنة (سن الأشد والحكمة)، فعاشت معه إلى أن توفاها الله في الخامسة والستين من العمر. ومن بين فترات زواجه كانت تلك أطولها. وهي وإن كانت أسن منه صلى الله عليه وسلم، إلا أنها كانت أقرب الزوجات إليه، فلم يتزوج غيرها طيلة حياتها. وكانت أم ولده الذكور والإناث إلا إبراهيم عليه السلام، فكان له منها: القاسم وبه كان يُكنّى، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. وقبل زواجها لم تكن تعرفه ـ صلي الله عليه وسلم ـ عن قرب ليقال أنها ألفته، فبعثة تجارة الشام وحكاية ميسرة عنه هي التي عرفتها به، ويبقي حسن الإختيار، وسداد اتخاذ القرار(انظري: صفة الصفوة، ج1، ص74،و أسد الغابة، ج1، ص1337 بتصرف). إن معايير الزواج ـ بُنيتي ـ كفارق السن والحسب والمال والجاه والألفة، ليست مطلقة. إن المعيار الأساس هو الدين، والتربية الرشيدة، والتعقل والتبصر والحكمة، والتأهيل الواعي لتحمل المسئولية في ضوء معرفة الغاية من الحياة، وفي مضمار "توحيد القصد": "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"(الذاريات:56). وتبقي "العنوسة" مشكلة إجتماعية خطيرة لها أسبابها ولها أيضا حلولها، وأُحيلك ـ علي سبيل المثال ـ لمقال لكاتب هذه السطور: "تيسير المهور.. يقضي علي ظاهرتي العنوسة والطلاق المبكر" (مجلة الوعي الإسلامي: 500، ربيع الآخر 1428هـ ـ أبريل 2007م، ص:68-71، الكويت).
يا بُنيتي: الفتاة ـ بصفة عامة ـ أسرع نموا من الفتي من النواحي الجسدية والنفسية والعاطفية بحيث نستطيع أن نضع فتاة السابعة عشرة ـ من حيث النضج الجسدي ـ في مستوي شاب تجاوز العشرين، فينبغي ألا يتأخر إعدادها وتميزها وتربيتها، فيجئ الشباب النضج وهي لما تُعد بعد لمهمتها. وإعدادها لتلك المهام ـ في البيت/ المدرسة/ الجامعة/ المجتمع/الأعلام ـ ليس بالأمر السهل أو الهين. فالجهد التربوي المبذول فيه قد يكون اكبر مما يُبذل مع الفتي (والذي لا يتسع المقام للحديث عنه، ويحتاج لمقام آخر)، وكذلك ثمرة الجهد اكبر واضخم.. زوجة وأما مسلمة واعية فاهمة وأنموذجا لاستقامة الفطرة الإنسانية.
بُنيتي: يُقصد "بالتربية النسوية": نشر المعارف والواجبات والمسئوليات والسلوكيات الخاصة ـ من منظور إسلامي ـ بإعداد الفتاة وتوعيتهما وتدريبها وتأهيلها كي تنجح في المشاركة الفعالة في تكوين أسرة هانئة ومستقرة. وإذا ما ذكرت كلمة "تربية" فذلك يعني أن ثمة عاملا خارجيا يقوم بها، وهذا هو دور الأسرة الكبير والهام، ثم الأدوار التالية للمدرسة/ الجامعة/ المجتمع/الأعلام. لقد ألزم الله تعالى الأب (أو من يتولى الأمر) بإعداد ابنته لتمارس دورها الحياتي، وجعله من أعظم الناس أجراً إن أعطاها حقوقها، ومن أشنعهم وزراً إن ضيعها، وكيفما يكون الأهل واستقرار وتماسك الأسرة ـ قدوة واقتداء وتقليداً ومحاكاة، وتأثيرا إيجابياً أو سلبياًـ تكون الفتاة، وزوجة المستقبل. وقد يبدأ دور الأسرة مع فتاتها منذ نعومة أظفارها بتعليمها الدين (القرآن والسنة) وحقائقه ومعانيه ومقاصده، ومعاملاته وفضائله، وقد تُكلف بداية ببعض الأمور الخفيفة، لتكتسب التعود (تربية بالعادة):
وينشأ ناشئ الفتيان فينا علي ما كان عوده أبوه.
ثم بمرور الأيام والسنين، يلزمها بما يصحح عقيدتها وعبادتها من أصول العقائد والفقه، ومعرفة ما أبيح لها وما يحـُظر عليها، وتعلم من العبادات والآداب والأخلاق، مالا تستغني عن معرفته، ولتكون علي وفاق معرفي تام بطبيعتها المتميزة، ووظيفتها، ودرايتها بمراحل البلوغ والحيض وأحكام الطهارة لأداء العبادات، وأعدادها نفسياً وعلميا لمراحل الحمل والولادة والنفاس والرضاع وغيرها. وينبغي إلحاق الفتيات بالتعليم، مع الوعي ـ النفسي والعقلي ـ بوظيفتهن الرئيسية، فتلتحق الفتيات بمراحل للتعليم المتوسط والثانوي، حيث مناهج تعني عناية فائقة بالتربية النسوية، فمعلمات هذه المراحل مؤهلات لتربيتهن وإعدادهن، فيعلمونهن: إذا كانت تريد أن تكون جميلة فجمال المسلمة الحقيقي يكمن في سمتها وخلقها وحياؤها وطهرها، وكيفية تحول مشاعر الجنس الفطرية إلي تهيؤ عملي لحياة زوجية مرتقبة، بدلا من تحولها تبذلا وسعيا وراء الإثارة والفتنة، فيعززن بذلك مفاهيم الأمومة لديهن. ويتعلمن التدبير المنزلي ـ علما وعملا ـ ربة بيت نشيطة ماهرة مدبرة متقنة لأعمالها الأسرية، وحسن إدارة نفسها وبيتها وبنيها، حسنة التصرف في إدارة اقتصاديات الأسرة، ميزانيتها المالية، وأساليب التوفيق بين مطالب البيت وقدرة الزوج المادية، دون إسراف أو تبذير أو تقتير، كذلك تعلم الطرق المثلي لتربية الأطفال، وتأديبهم. والتأكيد علي أن الرجل لن يحترم امرأة غير متسلحة بالعلم وغير ناضجة، عقلا وفكرا، فتراها مضطرة إلي الاعتماد عليه، وعلي جهوده في صغيرة وكبيرة طيلة حياتها معه، وقد يتجاهل الزوج أخطاء عروسه خلال عامها الأول، ولكن لن يستمر إغضائه عن تلك الأخطاء لمدة طويلة.
بُنيتي: استرسالا مع هذا الموضوع الهام والحيوي.. يحرص جميع طالبات وطلاب التعليم العالي علي دراسة مقررات الإرشاد والتربية الأسرية كمنهج جامعي مشتملاً على الحقوق الشرعية والواجبات الأسرية، مع عقد مراكز النشاط الثقافي والاجتماعي الجامعي لدورات تدريبية متخصصة في هذا الشأن، وجلسات حوارية للجنسين لمناقشة القضايا الأسرية، كما يتعلمن كيفية أن يكن داعيات مسلمات في صفوف الفتيات ويساهمن في إعدادهن. كما تساهم أقسام الاجتماع والتربية وعلم النفسي والمعلمين وغيرها بتوجيه نتائج أطروحتهم وأبحاثهم العلمية تواصلا مع المجتمع ليستفيد منها، ولا تبقي حبيسة أرفف المكتبات. كما ينبغي ـ في البلدان التي لا تقوم بذلك ـ أن يدرج مقرر التربية الأسرية في جميع مراحل التعليم العام للجنسين، وبخاصة مهارات التواصل والحوار والتفاهم الأسري، والوعي بقيم ومفاهيم وتشريعات الأسرة الواقعية والتطبيقية وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية الغراء. وينبغي تعميم مشاريع وجمعيات ومراكز وطنية متخصصة للتوعية الأسرية الشاملة، يشارك فيها جميع القطاعات المعنية كل حسب اختصاصه، ونشر الوعي بوجود مؤسسات التوجيه والإرشاد الأسري ودورها الفعّال في تأسيس فهم عميق لفقه الأسرة، وثقافة الاتصال والحوار، وحل المشكلات الأسرية، فالمؤسسات الاجتماعية والجمعيات النسائية تقع عليها مسئولية تثقيف المرأة بكيفية إدارة أسرتها وتنمية مهاراتها الذاتية والأسرية والاجتماعية، وحسن التعامل مع مشكلاتها الزوجية، فقد تكون المرأة مثقفة ومتعلمة، إلا أنها غير ملمة أبسط الأمور المتعلقة بالسعادة الأسرية.
يا بُنيتي: ليس هناك من شك في أن الإشكالية ليس في تعليم الفتيات، فلا الإسلام أمر بتجهيل الفتاة، ولا شريعته تركتها جاهلة لا تتعلم بما تستقيم به أمور نصف المجتمع، وتعهدها برعاية النصف الثاني، فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ"(سنن ابن ماجة: كتاب المقدمة، برقم:220)، وهاهو شوقي يقول: الأم مدرسة إذا أعدتها أعددت شعبا طيب الأعراق
لكن تكمن المشكلة في نقص/ ضعف "التربية النسوية"، أسرياً وتعليمياً وثقافياً وإعلاميا، فلقد فاجأها الزواج فوجدت نفسها بلا عُـدة، ولا تدريب، ولا استعداد، ولا علم، ولا شعورا بالمسئولية، ولا تأكيد علي أهمية السكن والسكينة والتواصل والمودة الأسرية، التي جعلها الله تعالي آية في الزواج:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(الروم:21).
يا بُنيتي: لقد قـُُدَّر لأمك "خديجة" رضي الله عنها ـ قبل تشرفها بالزواج من رسول الله، صلي الله عليه وسلم ـ أن تتزوج مرتين. بيد أنها لم تطلَّق مرتين، بل مات عنها زوجاها. ولعلك تعلمين أن نسب الطلاق ـ الآن ـ في مجتمعاتنا الإسلامية في إزدياد، وقد بلغت في بعض البلدان نحو 35% من الزيجات. وتلك مشكلة كبيرة وبخاصة أن أسبابها غير منسجمة مع ما أحله الشرع الحنيف عند "استحالة العشرة بين الزوجين" من فصم عري "الميثاق الغليظ".. ميثاق الزواج، وعقد النكاح. هذا فضلا عن أن الأرامل والأيتام (هم بالملايين جراء الحروب والإعتداءات)، بحاجة ماسة لمساندة إجتماعية، يقول تعالي: "فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ"(الضحي:9)، ويقول تعالي:"وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا"(النساء:2)، ويقول النبي صلي الله عليه وسلم:" أنا وكافل اليتميم في الجنة هكذا، وقال باصبعيه السبابة والوسطي" (رواه البخاري، حديث رقم:5546).
يا بُنيتي: لماذا يفتعل البعض مسببات للمضايقات والاستفزاز، و"العناد الأسري"؟، أليس ذلك عنوانا علي خلل كبير في منظومة كيانهم الأسري القائم؟. فكل منهما يعاند بفعل ما يضايق الآخر، فاللون الأصفر يكرهه، وأطعمة ما لا يستسيغها.. فتختار كل ملابسها صفراء، وكل أطعمتها هي تلك التي لا يستسيغها زوجها. بينما نجد أسلوبا ما يستفزها وتجاهلا ما يغيظها فيحرص ـ صاحبناـ كل مرة علي استعمال هذا الأسلوب وذلك التجاهل. ولكي يتم التعبير عن "ضرر" تلك المضايقات يعمد كل منهما ـ بغضب ودون رفق أو تروـ إلي محاولة الإصلاح فور الوقوع، وتحت تأثير" الأدرينالين.. هرمون الغضب والثورة" فيدخلان في دوامة مفرغة، تؤدي في نهايتها إلي الفشل في تحقيق السعادة الزوجية؟.(جريدة الأهرام المصرية في عدديها الصادرين يومي: 7/9/ 1990م، ص11، ويوم 4/11/1997م، ص7). فحذار حذار ـ بُنيتي ـ والبعد البعد عن تلك المشاغبات والمضايقات وتلافيها، وتلاقي مع زوجك علي قواسم مشتركة والنظر باتجاه واحد، مع الرفق واللين في معالجة تلك الأمور.
يا بُنيتي: لقد "اصطفي" الله تعالي السيدة "خديجة" رضي الله عنه لهذ المنزلة وتلك المكانة لما لها من صفاء الروح، والاستعداد لتقبل الحق، وتشرب أنوار الإيمان، وبدايات نزول القرآن (وما أصعب البدايات، وأثقلها). فكانت أول من آمنت وأسلمت من الناس، وشهدت أن الذي جاء به رسول الله صلي الله عليه وسلم الحق من ربه، فخفف الله بذلك عن رسوله صلى الله عليه وسلم. وكأن الله اختصها بشخصها لتكون سنداً وعوناً في حمل هذه الدعوة في مهدها الأول، ومن ثم إبلاغ رسالة رب العالمين للناس كافة. لقد آنسته وواسته وآزرته بنفسها ومالها في وقت كان صلى الله عليه وسلم في حاجة ماسة لتلك المواساة والمؤازرة والنصرة. فحين نزل "جبريل" عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء رجع يرتجف حتى دخل عليها فقال: "زملوني، زملوني.."، فزملوه حتى ذهب عنه الروع. وقال لخديجة: "أي خديجة، ما لي لقد خشيت على نفسي"، وأخبرها الخبر، فردت عليه فقالت: "كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ"(رواه البخاري، برقم: 4572)، ثم انطلقت ـ برباطة جأش قل نظيرها في مثل هذه الأحوال ـ تمشي به إلى ورقة بن نوفل – وكان عالمًا بالأديان، فسمع من الرسول- واستبان الأمر، وهدأت النفوس واطمئنت لأمر النبوة العظيم (الحديث في صحيح البخاري، ج4، ص1894، وأنظري: عيون الأثر، ج1، ص165، وسيرة ابن هشام، ج2، ص74، وتاريخ الإسلام، ج1، ص31، وسيرة ابن اسحاق، ج1، ص113، وتاريخ الطبري، ج1، ص533، وأسد الغابة، ج1، ص1339). فعليك ـ بُنيتي ـ أن تهتمي لشأن زوجك واسرتك، متحلية بالحكمة ورجاحة العقل. ودوماً ـ كوني ـ معوانا في الخير، مغلاقاُ للشر، رابطة الجأش مع ابتلاءات الدهر، مشيرة بالرأي السديد.
يا بُنيتي: لقد أسست أمك "خديجة" تفسيرها لهذا الأمر الجلل "أمر النبوة" علي حقائق وليس أوهام. فترينها استنتجته، بعقليتها الفذة وحكمتها، بناء علي مقدمات: "إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقّ". فمن وفقه الله لتخلق بمثل هذه الأخلاق فلن يخزيه أبدًا. ثم تبقي تلك الشهادة الرائعة من زوجة لزوجها.. تقريراً بشكر العشير، وليس "كفرانه"، وإنَّ كُفر العشير لمن نساء بمكان. فعليك ربط الأسباب بمسبباتها، والأخذ بالأسباب في كل شأنك ثم التوكل علي الله تعالي، وترك الشكاية، و"شكر العشير"..كما هدتنا سنة المعصوم صلي الله عليه وسلم لذلك.
يا بُنيتي: تكرار ذكر هفوات، واجترار مواقف سلبية قديمة وربطها بأخرى حديثة يجدد المشاكل والأحزان ولا يحلها، بل تتراكم فتنفجر ـ يوماً ـ بركاناً من الغضب والشقاق فالفراق. فلنحاول عدم إحياء المشاكل والأحزان القديمة.. تقوي وعفوا وصفحا، مع الاهتمام بعظائم الأمور.. عدلا ومعروفاً..، ولنتجاهل بعض الأخطاء والسفاسف، ثم لنلق بهما بعيدا في سلة النسيان.
يا بُنيتي: لقد عاشت أمك "خديجة" رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حلو الحياة ومرها، (إذ أن أكثر الناس بلاءً الأنبياء) فكانت حصنه الداخلي، وركنه الشديد، ومثابة وزيره الصادق الأمين، والرفيق الأنيس والنصير. نافحت ودافعت وتحدت وآزرت وساندت وشاركت وتفانت وواست الرسول في دعوته بكل ما لديها، وفي ظروف قلما يوجد فيها نصيرا أو مؤازرا أو معينا. فلم يكن، صلي الله عليه وسلم، يسمع شيئاً من استهزاء وسباب وتكذيب إلا فرج الله عنه بها، إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس. فسرعان ما ينسى الألم والحزن، إذا تمسح بيدها الحانية على قلبه . وكانت – رضي الله عنها – امرأة حاذقة صَنَاعٌ في إدخال السرور على زوجها والتخفيف عنه، لقد آمنت حين كفر الناس، وصدقت حين كذّب الناس، وآوت حين طرد الناس، وواست بالنفس والمال حين نفر الناس (راجعي: البداية والنهاية، ج3، ص23،و سيرة ابن هشام، ج2، ص77، وأسد الغابة، ج1، ص1339).
يابُنيتي: كيان الأسرة (من الأسر والشد والربط) "رباط مقدس" والتحام وتوافق وانسجام بين شخصيتين، وتجربة حياة غنية وثرية وسعيدة.. وإدراك معانيها "فهم"، وإدراك مراميها "فقه"، ومن الفهم معرفة أن العواطف تفتر، ولكن من "الفقه" معرفة أن أساليب إحيائها عديدة ومتنوعة. ومن "الفهم" معرفة أن المعوقات والمشكلات الحياتية متعددة، ولكنها لا تستعصي علي الحل بالتعاون والتكاتف والتعاطف، ومن "الفهم" معرفة أن المواقف ووجهات النظر تتباين، ولكن رأب الصدع فيها وحسن النوايا هين ووارد، فالجانب الممتلئ من الكأس لاشك أكبر من الفارغ، والسنوات الحلوة كثيرة تفوق تلك المرة، وبجهد ميسور يتم ارتقاء أسباب البناء، وإذا ما كانت هنالك من معاول هدم فلن تنال من الحصون الأسرية المنيعة العصية علي الانهيار بإذن الله تعالي:"فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا" (الكهف: 97).
يابُنيتي: لقد كنت في البيت مشغولة في استذكار دروسك ومنها "أصول التربية الإسلامية ونظرياتها وسبلها(راجعي: محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، دار الشروق، 1408هـ) ومقارنتها بفلسفات وأساليب تربوية غربية. وعهدتك تتحملين مسئولياتك. لا تعيرين بالاً للواتي سيتضاحكن من تعلم شئون الأسرة، وكيفية تحسين مسئولياتك المنزلية، ومهاراتك الأسرية. ولا لإعلام يُروج: "المتعلمة/ أو ذات الوجاهة لا تقوم بذلك، إنما عليها تحطيم "التقاليد البالية"، لتعظيم:" تحرر المرأة، مساواتها بالرجل"، وما "التربية النسوية" وغيرها إلا "تمييز" ضدها من المجتمع "الذكوري"، و"ردة عن تحررها"، فالفتاة "العصرية" المثقفة ذات التجربة والأفق الأوسع، و"النيو لوك" لن تكون بحال كصورة "التقليدية الساذجة المحدودة الأفق"، فهي "متحررة" من ذلك، فبضغطة زر.. تنوفر "الخادمات الأجنبيات"، ويتم "توصيل الطلبات".
بنيتي: ليس من شك في أن الجـَمال والزينة، وأدواتهما، هما للمرأة حاجة فطرية غريزية، تـنشأ عليها، وتنال الكثير من عنايتها منذ أن يشب عودها، وعلي مدار مراحل عمرها. بيد أنه في الآونة الأخيرة، وقد تغيرت المعايير، وتحولت الصور، وتبدلت الأسلحة.. قل أو اضمحل ذلك التأثير، فتمرد الرجل علي سلاح الجمال لدي المرأة، أو عافه، فلم يعد يركن إليه طويلاً، ومن ثم وجدنا تنامي "صيحات النيولوك"، وهي تتعاقب علينا، وتطلع علينا كل يوم، لتبدل ما كان بالأمس يُعد من "معايير الجمال والزينة"، محاولات ومحاولات لتعيد الرجل إلي ذلك "الأسر الجميل"، والذي ما عاد يحتويه، فهرب منه، ربما إلي " قبح" قد يراه "جميلا"، مُـرددا: ما الجمال إلي أمر نسبي!. إن المرأة تربح وتربح عندما تضيف إلي مزيتها الفريدة ـ أي جمالها وزينتهاـ مزية أخرى تزيدها جمالا وزينة، وتضيف إلي جوار أدوات زينتها.. أدوات إقناعها، وملامح ثقافتها، وهي تمتلكها كامتلاك الرجل لها، ولكنها قد لا تستعملها، من حيث يجب أن تستعملها، مكتفية بسلاحها الأول، فيفوتها في بعض الأحيان اجتماع السلاحين معا. إنهما ليسا سلاحين فقط لكن "الرافعي" يجعلهما ثلاثة، فهو يزيدها سلاحا ثالثا، يزيد من قيمتها، فيقول:"خير النساء من كانت علي جمال وجهها، لها أخلاق كجمال وجهها، وكان عقلها جمالا ثالثا، فأجتمع لها الثلاثة )راجع:" من وحي القلم، مكتبة الأسرة 1995، ص 163ـ187). إذا ما كانت أدوات الزينة قد صنعت لتستميل العين والوجدان، فإن أدوات الإقناع..أدوات تواصل تستميل العقل أولا، وقد تجتمع المشاعر والعاطفة معه في بعض الأحايين.
يا بُنيتي: قد توجد أوقات طارئة قد لا يتم فيها العناية بالنفس والمظهر علي نحو كاف ولائق، كأوقات العودة من يوم عمل شاق، أو عند العناية بالسيارة أو الحديقة أو صيانة المنزل، أو استحداث منزل آخر، أو عند تحضير الطعام في المطبخ..الخ، لكن أن يصبح عدم الاهتمام بالمظهر الجميل والبسيط والمتنوع، وعدم التزين قاعدة مستمرة ومتواترة، وبخاصة مع تواجد هذا السيل العرم من التبرج/ العري الذي يصدمك أينما ذهبت. كما إن عدم إبداء الإعجاب والتقدير المتبادل بالذائقة الجمالية وحسن الهندام ـ مظهراً ومخبرا ـ مؤشر خطير لاضمحلال الحب ودمار العش الأسري. لقد كان ابن عباس ـ رضي الله عنهما، واقتداءً برسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يتزين لامرأته كما يحب أن تتزين له.
بُنيتي: لم يزعزع إيمان أمك "خديجة"، ولم تتزحزح ثقتُها بزوجها يوم تسببت الدعوة الإسلامية – بزعم البعض – في تطليق بناتها. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ زَوّجَت رُقَيّةَ وأُمّ كُلْثُومٍ من دار أَبِي لَهَبٍ. فَلَمّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللّهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ، قَالُوا: إنّكُمْ قَدْ فرّغْتُمْ مُحَمّدًا مِنْ هَمّهِ فَرُدّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ فَاشْغَلُوهُ بِهِنّ. فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ (زوج "زينب") فَقَالُوا لَهُ فَارِقْ صَاحِبَتَك وَنَحْنُ نُزَوّجُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْتَ قَالَ: لا وَاَللّهِ، إنّي لا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي، وَمَا أُحِبّ أَنّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ خَيْرًا ... ثُمّ مَشَوْا دار أبي لهب، فأجابهم، وطُلقت رقية وأم كلثوم" (ابن هشام 1/652 . بتصرف). لم يصدر عن أمك "خديجة" ولا من بناتها لفظة تشائم أو تبرم، أن ابتلاهم الله بفض هاتين الزيجتين، ولم تقل خديجة كما تقول بعض النساء: لقد جلبت لنا دعوتك خراب البيوت، وطلاق البنات! ما ذنبهن ألا يفرحن ويُحْمَلن إلا أزواجهن؟!. لقد صبرت، ورأت أن حكمة الله اقتضت، أن يبدلنهن بزوج أكرم وأخلق وأغنى وأجمل مما كُنَّ يطمحن إليه.
صغيرتي: احرصي ألا يتحول بيتك إلي شبه "فندق" يلتقي فيه النزلاء ـ زوجا وزوجة وأولادا ـ كأنهم في ورشة عمل "وظيفية"، لا في حياة زوجية، تحوطهم مسئولية ورعاية أسرية.. فيظهر القلق والاضطراب والتفكك والحيرة والضياع والجنوح، ثم تسجل محاكمنا عشرات الآلاف من صكوك الطلاق المبكر والمتأخر، لتصل معدلاته ما بين (34- 46٪)، ويُحجم المقبلون علي الزواج ـ تعللا بعدم وجود شريك مناسب، كفء"يغامرون" بالارتباط به في ظل غلاءٍ للمهور، فترتفع نسبة العزوبة والعنوسة (15 ـ20٪).
بُنيتي: لما كُتبت وثيقة الحصار الظالمة، وسيق المسلمين إلى الشِعِب، وقاطعتهم قريش وجوّعتهم، كانت خديجة مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – راضية محتسبة، على الرغم من تقدمها بالسن، كانت ذات همة عالية. لم يصدر منها كلمة عتاب لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - ولم تتبرم له، بل ثبتت معه في المحنة، وعزمت أن تبقى إلى جواره حتى تنقشع الظلمة، ورضيت أن تترك منزلها الفاخر وفراشها الوثير وتخرج حبيسة "الحصار" مع رسول الله بين جبلين، تُعاني الحَر والقَر، تفترش الحصباء وتلتحف السماء، وتكابد الجوع والفقر، وهي الغنية الحسيبة. كابدت الظمأ والخشونة، وهي السيدة الشريفة. وطالت بها أيام الحصار وهي واثقة راسخة رسوخ الشم الروسي، سامقة سمو الجوزاء العوالي. كل ذلك على مدار سنوات الحصار الثلاث من شهر المحرم للعام السابع للبعثة وحتى المحرم للعام العاشر للبعثة. فلكِ فيها كل الأسوة والقدوة، ولك في فضائلها رضي الله عنها خير مُحفز للإقتداء بها.
عزيزتي: الأسرة شركة وتعاون، وعدم التشارك في الحاجيات/ الأغراض المادية علي الأغلب قد سبقه عدم التشارك في الجوانب العاطفية وفتورها/ أو توقفها. إذ الحب دافع كبير لكل عطاء، وإذا كان عدم التشارك في الحاجيات مقبولا إبان فترات الطفولة، فهو ليس بمقبول بأي حال في الحياة الأسرية، فالزوج لا ينسي مطلقا أزمة مرت به وكان في مقدور زوجته أن تنقذه منها من مالها؟. وليضع كل واحد منكم نفسه موضع الآخر: إن هذه الأمور ـ معنوية ومادية ـ تؤذي مشاعري فلا ينبغي أيضاً أن تؤذى مشاعره، يقول المولي عز وجل: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت: 34).
بُنيتي: ولما انقشعت ظلمة الحصار، وتبدد كابوس السجن، خرجت – رضي الله عنها – وقد أعياها المرض، وبراها الجوع، وهدَّمت بنيانها سنوات الضنك، فخرجت من سجن الناس إلى رحاب الله الرحيب، بعدما بشرّها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ببيت في الجنة من لؤلؤ – وبيوت الجنة قصور - تنعم في قصرها بغاية الهدوء والنعيم، وقد نزل الأمين جبريل – خصيصًا – ذات يوم حاملاً رسالة عاجلة وسلامًا مُخَصَصًا من الله رب العالمين إلى السيدة الجليلة "خديجة". فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ؛ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا – وَمِنِّي - وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لا صَخَبَ فِيهِ ولا نَصَبَ (البخاري: 3536). وهكذا أرسل الله لها التحية والبشارة، محمولتان من أمين السماء "جبريل"، مدفوعتان إلى أمين الأرض "محمد"، ليقوم بدوره بتبليغ التحية الكريمة والبشارة السعيدة، من كريم عن كريم عن كريم إلى سيدة نساء العالمين "خديجة"، فما أكرمها وأكرم منزلتها.
بُنيتي: لقد تاقت روح السيدة "خديجة" رضي الله عنها إلى بارئها، وذلك قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات وثلاثة أشهر ونصف، ولها من العمر خمس وستون سنة، ودفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون، وأدخلها القبر بيده (أسد الغابة، ج1 ، ص11). وتشاء الأقدار أن يتزامن وفاتها والعام الذي توفي فيه "أبو طالب" عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان ـ بجانب السيدة خديجة رضي الله عنهاـ يدفع عنه ويحميه أيضاً، فحزن الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك العام حزنا شديدا حتى سُمي بعام الحزن. لقد توفيت أمك "خديجة" رضي الله عنها ولم تر في الدنيا لقاء ما قدمته، فلم تفرح بغنيمة، ولم تر دولة المسلمين الزاهرة. بيد أن الأجر العظيم الذي لا ينقطع فضله قد أخره الله لها، فليس بمقدور ملوك الأرض جميعًا أن يوفوا لها أجر صنيعها، إنما الجدير بذلك ربها الذي خلقها وهو ملك والملوك. فجزاك الله ـ يا أماه ـ عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
بُنيتي: كوني نصيراً لدعوتك ورسالتك وأمتك، وأهلك وزوجك وأولادك كما كانت أمك "خديجة" رضوان الله عليها.. النموذج السامي للقيم الإيمانية والأخلاقية والإجتماعية والإنسانية تجاه زوجها صلى الله عليه وسلم. فنعم المؤمنة الحامدة الشاكرة كانت، ونعم الصابرة المجاهدة المحتسبة كانت، ونعم الوفية الصادقة المخلصة كانت. فكوني زوجة مثالية كما كانت. كوني كما جسّدت خلق المرأة المثالية في علاقتها مع زوجها من المودة والسكن، والحبّ والوفاء والمواساة، والبذل والعـطاء، وتحمّل المحن والشدائد دون تأفف أو تضجر.. فليتك ثم ليتك ونساء المسلمين يقفون أثرها، ويحذون حذوها، ويخطون خطاها. إن تلكم الزوجة الصالحة التي تدفع زوجها إلى مدارج الإيمان، وتطبيق رسالة الله تعالي، فتخفف عنه أعباء الحياة، وتُشاركه آلامه وأحزانه.. لا تقدَّر بثمن، وقد روي عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" (صحيح مسلم، ج2، ص1090)، وروي أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا امرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك"(مسند الطيالسي, ج1، ص306)، وتلك كانت أهم صفات السيدة خديجة رضي الله عنها.
يا بُنيتي: بعد وفاة أمك "خديجة"..تروي أمك "عائشة" رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر ذكر "خديجة"، فقالت له: "لقد أخلفك الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين". تقول "عائشة": فتمعر وجهه صلى الله عليه وسلم تمعرا ما كنت أراه منه إلا عند نزول الوحي وإذا رأى المخيلة حتى يعلم أرحمة أو عذاب"(صحيح ابن حبان، ج 15 ص 468). وتقول أيضاً:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر "خديجة" لم يكن يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها، فذكرها ذات يوم واحتملتني الغيرة إلى أن قلت:"قد عوضك الله من كبيرة السن، قالت: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضبا سقط في جلدي، فقلت في نفسي: اللهم إنك إن أذهبت عني غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أذكرها بسوء ما بقيت. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد لقيت قال "كيف قلت؟! والله لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقت مني الولد إذ حرمتيه مني، فغدا بها علي وراح شهرا" (لمعجم الكبير ج 23 ، 13).
بُنيتي: يروى البخاري ومسلم وغيرهما عن أمك "عائشة" رضي الله عنها، قالت: "استأذنت هالة بنت خويلد، أخت خديجة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف استئذان خديجة"(أي صفته لشبه صوتها بصوت أختها فتذكر خديجة بذلك، فارتاع لذلك (تغير واهتز سرورا)، فقال:"اللهم هالة" (أي اجعلها يا الله هالة، أو: هي هالة). لقد كان وفاء نبيك لها بلا حدود، وأكرم به من وفاء، الجزاء من جنس العمل. يحن إليها كثيرا، ويذكرها طويلاً، ويسترجع فضائلها دوماً، ويكرم صويحباتها كرماً. فكان إذا ذبح أو طبخ أهدى إليهن، إكرامًا لـ"خديجة"، وهي في قبرها!. وإذا ذكرَها ذاكرُها في حضرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا به – صلى الله عليه وسلم – يرق لها، ويذكرها، ويستغفر لها، ويذكر فضائلها حتى تاتيه عادية أو صارفة تقطع الحديث عن فضل خديجة!. وأحيانا يحصل العكس، فإذا غارت أمك "عائشة" ونالت من أمك "خديجة" كما تنال المرأة من ضرتها فقالت: "عجوزٌ! قد أبدلك الله بخير منها". فيزيد رسول الله في ذكرها ويكثر من الحديث عن فضلها أكثر وأكثر.



يتبــــــــــــــع

القلب الحزين
22-12-2013, 07:50 PM
يتبـــع الموضوع السابق


يا بُنيتي: كوني كأمك خديجة.. أنموذج خير النساء، وأكملهن، رضي الله عنها.


بُنيتي: هل تعلمين بعد يوم بدر، جاءت كل عشيرة تفتدي أسراها من المسلمين، وكان أبو الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ - زوج "زينب" بنت بنيك محمد صلي الله عليه وسلم– بين الأسارى، وكان الإسلام قد فرق بينه وبين بنت رسولك. وأرادت زينب – الوفية بنت الوفية – أن تنقذ زوجها من الأسر، علها تَرد له يدًا من أياديه البيضاء، أو يشرح الله صدره للإسلام. وبينا الناسُ يتوافدون على النبي – صلى الله عليه وسلم – كل ٌيدفع الفداء لقاء قبض أسيره؛ إذ بعثت زينب بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في فداء "أبي العاص" بمالٍ وبعثت فيه بقلادة لأمها وأمنا "خديجة"، كانت أَدخلتها بها على أبي العاص. وجيء بالمال والقلادة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لإطلاق أبي العاص، فلما وقعت عينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على قلادة خديجة، رَقّ لَهَا رِقّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ – يستسمح أصحابه- :"إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا " فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. ففعلوا" (أنظري: ابن هشام 1/652.. بتصرف). لقد أثارت قلادة خديجة في نفس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذكريات، فكأنما هب إليه من إطار هذه القلادة أريجًا تنفسته خديجة، فحرك القلب الرحيم الحنون الوفي، بعدما كاد أن يقر بعد رحيل الحبيبة الكريمة، تلك المرأة التي حار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في فضلها. رق لها، ولما لا ؟ فقلادة لامست يومًا نَفسَ خديجة التي أعطته كل شيء.. نفسها وجهدها ومالها وبيتها، وتركت له كل شيىء، ولم تمتن عليه بشيء. ورق لها، رقة شديدة، فأوشك أن يرسل عَبرة حارة من عينيه الكريمتين، بيد أن العَبرة لم تسيل على الخد إنما سالت إلى القلب، فأحس الناظرون بحرارتها في رقته الشديدة هذه. وأشفقوا عليه. وشرع يستنزل فيهم الكرم، ويستسمح أصحابه – وهو الكريم الأكرم – أن يطلقوا لزينب أسيرها. ثم إنه في أدب جم وخلق سَجْح، يُخيرهم في ذلك ويكل إليهم القرار، ولو شاء أمرهم، فقال: "إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا". بأبي ـ أنت ـ وأمي ونفسي يارسول الله.
بُنيتي: في فتح مكة (رمضان 8هـ)، لما أراد أن يبيت، لم يذهب إلى بيت من بيوت أصحابه، أو يصادر أرقى بيوت مكة، ولكنه ضرب خيمته إلى جوار قبر "خديجة"، وكأنما لما فتح مكة؛ فتحت هي الأخرى قلبه، فنكئت فيه ذكريات "خديجة"، وكأنما جاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليها على قدم وساق، قد اختلطت في قلبه عَبرة الفراق وفرحة الفتح، ولسان حال المقام يقول: صدقت يا خديجة:"لا يخزيك الله أبدًا".
يا بُنيتي: التربية النسوية..مسئولية: إن إدارة بيت المستقبل ورعاية شؤونه فن يحتاج إلي تدريب طويل ومستمر وجاد، فلا يتم بين ليلة وضحاها، فهي ليست فقط تنظيف البيت وإعداده وترتيبه، ولا مجرد طبخات تطبخها الفتاة وتجيدها، وإنما هي قبل كل شيء مسئولية تربي عليها، فتختلف بتربيتها هذه عن تلك التي تفتقدها، وإن كانت تجيد فنون التنظيف والترتيب والطبخ. ومنهج التربية الإسلامية يعد الفتاة المسلمة للتحمل مسئوليتها، ويحفزها علي متابعة إدارة البيت وتحمل أعبائه ومشكلات أبنائه، ووضع كل أمر في نصابه، وتهيئة اكبر قدر من تنظيمه وسير أموره، ومنع اكبر قدر من اضطرابه واختلاله، ومشاركة في السراء والضراء، كل ذلك وغيره يتجاوز مجرد إتقان الأعمال المنزلية، فالأخيرة وحدها لا تكوّن ربة بيت، إن لم يكن معها هذا الشعور بالمسئولية: فعَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:"َأَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(رواه البخاري:6605، وفي مسند احمد، برقمي:5635 ، 5753). ولتعلم أن السعادة الزوجية تحل عندما يعلم الطرفان بمدي المسئولية الكبيرة الملقاة علي عاتقيهما، فيعملان بالتعاون لا التخاصم، بالتكامل لا التنافر، من أجل تكوين أسرة، وتنشئة أطفال لمستقبل جديد. و" تربي علي طاعة زوجها فيما لا يغضب الله تعالي، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا"(رواه الترمذي/ كتاب الرضاع، برقم:1079). "وأن تلازم بيتها، ولا تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، وان تكون في حشمة حجابها، وأن تحفظ زوجها في غيبته وحضرته، في نفسها وماله وعياله، وتطلب مسرته في جميع أمورها، وتحفظه في نفسها وماله، همها صلاح شأنها، وتدبير بيتها، مقبلة علي مهماتها، وأن تقصر لسانها عن مراجعة الزوج أهله، وتستطيع تقوم الولد في غيبة والده، وان لا تكثر من الكلام مع أجنبي من وراء حجاب، وتخبر أنه إذا مات زوجها لا يجوز لها أن تحد عليه اكثر من أربعة اشهر وعشر، وتجتنب الطيب والزينة فيهن والتعرض للزواج"(بتصرف من جمال الدين القاسمي الدمشقي: جوا مع الآداب، إعداد خليل إبراهيم علي، 1984م، ص 36).
يا بُنيتي: تربية الفتاة وتدريبها علي حفظ أسرار بيتها وأسرتها وعدم البوح بها، وان تكون قدوة حسنة، وأن تجيد لغة التفاهم، وبذل الجهد لفهم شريك حياتها، ومحاولة إسعاده، وعليها تنظيم وقتها وتوزيع أولويتها، بحيث توفر قسطا كبيرا من الراحة لنفسها، وتخلق جوا من الألفة والمودة مع زوجها للحوار بهدوء، وليعبر كل منهما عن مشاعره. كما إن التسامح والتجاوز عن الأخطاء يريح النفس ويخلصها من شحنات الغضب والكراهية، فلا تثور لأتفه الأسباب، ولا تخلق المشكلات، ولا تكثر الشكوى، "فالمرأة بطبيعتها سريعة التأثر والتأثير، وسرعان ما تعبر عما بداخلها من ضغوط ومشاعر سواء سلبية أو إيجابية"، وعليها تعلم تفادي مشاعر الرغبة في السيطرة على الزوج، مع الاعتدال في الغيرة، والتميز بين حالات التوتر والإرهاق لدي الزوج، وبين الغضب منها، والتمييز بين مواطن الجدة منك ومواقف اللين والمرح وعدم الخلط بينهما.
يا بُنيتي: وتربي ـ علما وعملا ـ علي كيفية التعامل مع المشكلات الزوجية، والاختلافات الأسرية، وتقويم تدخل الأهل والأقارب، أو حصرها في المنزل، وكيفية تفاديها وعدم تكرارها مستقبلا، وصولا لأسباب السعادة الزوجية. الإلمام بقواعد الصحة العامة والأسرية، وحسن إدارة صحة أبنائها، والتدرب علي الإسعافات الأولية، وكيفية العناية بالجروح والحروق والكسور، وإعطاء بعض الأدوية. كما تتعلم كيفية ضبط الانفعالات والغضب والارتباك إذا ما حدث طارئ من مرض وأو حادث لها او لطفلها أو لزوجها. ومن المفضل للمقدمين على الزواج اجتياز دورات تدريبية في مهارات التواصل والقيم الأسرية، لتحسين فرص نجاح أسرتهم وسعادتها.
يا بُنيتي: تربيتها علي حسن اختيار شريك حياتها، وإبداء رأيها، وتحمل مسئولياتها بناء علي ذلك، وعلي وليها أن يزوجها من الأكفاء الأخيار ذوي الدين والمرؤة الذين يتوسم فيهم أسعدها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"(رواه الترمذي، برقم1004)، وفي رواية عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنِ ابْنِ وَثِيمَةَ النَّصْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"( في سنن ابن ماجة/ كتاب النكاح برقم:1957).
يا بُنيتي: في نهاية طريق تربيتها الأسرية النسوية، وبداية مشوار الحياة الزوجية.. تقف تلكم النصائح الغالية،والقواعد التربوية التي دشنتها "أمامة بنت الحارث" لأبنتها "أم إياس" لتضع النقاط فوق الحروف:"أي بنية: إن الوصية لو تركت لفضل أدب تركت لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل، ولو أن امرأة استغنت عن الزواج لغني أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت اغني الناس عنه،ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال.أي بنية: انك فارقت الجو الذي منه خرجت وخلفت العش الذي فيه درجت، غلي وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فاحفظي له خصالا عشرا يكن لك ذخرا..أما الأولي والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة، وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواقع عينيه وانفه، فلا تقع عينه علي قبيح، ولا يشم منك ألا أطيب ريح/ وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة، وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والإرعاء علي حشمه وعياله، ملاك الأمر في المال حسن التقدير ، وفي العيال حسن التدبير، وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمرا ، ولا تفشين له سرا، فأنك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره، لم تأمني غدره، ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتما والكآبة بين يديه عن كان فرحا".
يا بُنيتي: إن الفتاة المتعلمة المهذبة التي نالت قسطها من تربيتها، هي فخر لأهلها، وعون لزوجها، وكمال لأبنائها، فأهلها بها يفتخرون وأولادها بها يسعدون، ومن ذا الذي لا يسر فؤاده بابنته التي بالمعرفة تربت علي تدبير أمورها، وبالحكمة تـسير طريقها، فيجد فيها زوج المستقبل مديرا ناجحا، وأنيسا عاقلا، وسميرا كاملا. إن السعادة الزوجية لا تأتي مصادفة أو تمنيا، فالحياة الزوجية لا تخلو من الاختلافات والمشكلات والأزمات، لكن السعداء من عرفوا وتدربوا وأعدوا علي أن يكونوا يتجاوزوها ليصبحوا سعداء، لذا فالتربية النسوية، والإحساس بالمسئولية هي أساس استقرار الحياة الزوجية.
يا بُنيتي: ينظر الإسلام للزواج باعتباره ليس ارتباطاً بين فردين فحسب، وإنما يعتبره علاقة متينة وشراكه وثيقة لا تنفصم عراها تجمع بين عائلتين لبناء أسرة متماسكة تربطها روابط الرحم، ومن ثم فقد أكد أن قوامها الوداد والتراحم والتعايش:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(1الروم:21). وصدق الله تعالي، فليس كل البيوت تُبني علي المودة، فأين الرحمة والتذمم؟. لا تتوقعي ـ عزيزتي ـ أن ينظر أهل زوجك نفس نظرتك للحياة وتصرفاتك اليومية، وكيفية حل مشكلاتها لذا يجب فهم الأختلافات والفروق الفردية والعائلية والمجتمعية ومحاول التقريب منها. ويبقي نجاح تعاملك ـ بُنيتي ـ وتقديرك لأهل زوجك، وتوثيق صله زوجك بهم وليس عكس ذلك، من أسس استقرار واستمرار حياتك الأسرية وسعادتها. كما هو أيضا سبب رئيس يقف وراء التفكك الأسري والشقاق والطلاق. ضعي نفسك ـ صغيرتي ـ موضع حماتك وعامليها كما تحبين ان تعاملك زوجة ابنك أو زوج ابنتك.
أي بُنية: إذا كانت معيشتك بعيدا عن أهل زوجك، فمطلوب منك اشعارهم بأنك مازلت مرتبطة بهم، ولم تنفصلي عنهم، وانك بحاجة لنصحهم ومساندتهم الدائمة, وأنك تعملينهم بنفس القدر من الاحترام والتقدير والمودة كما تعاملين أهلك تماماً. ومقياس النجاح ان يشعر زوجك أن تعاملين أهله كما تعاملين أهلك دون تفضيل اوانتقاص.
يا بُنيتي: إذا علمت أن تصرفاتك ومواقفك قد تثير استياء اهل زوجك فحاولي ان تعيدي النظر فيها تلائما وتوافقا قدر المستطاع ووفق الأمور الأيجابية وليس السلبي "ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
يا بُنيتي: ينبغي أن تحلي خلافاتكما الزوجية معا دون اللجوء ـ قدر الأمكان ـ إلي أي من الأهل، فمهما حدث من زوجك فلا تحاولي الشكوى منه لأمك أم أمه، فالأولي ستتعاطف معك علي الدوام مما قد يزيد الأمر تعقيدا، والثانية مهما تعاطفت معك فلن تنسي أنها أمه، وقد تشعر أن أنتقادك له، إنما هو انتقاد ضمني لها. مع الحرص علي تبادل الزيارات وابداء المودة، وتقديم بعض الهدايا الرمزية التي توثق عري الحب بينك وبين أهل زوجك. كذلك الحرص علي مشاركتهم المناسبات السعيدة والمؤلمة علي حد سواء وتقديم الدعم الشخصي والأحتماعي فيها. كما لا تتوقعي أن يؤدوا لك ماتريدن ويتخذوا مواقف من وجهة نظرك انت وباسلوبك انت فقط عبري عن شكرك وامتنانك لكل من حاول معونتك في امر ما وقدم ما استطاع تقديمه وبأسلوبه هو. فالسمة الناجحة لتعاملك مع اهل زوجك حسن الظن والتغاضي عن الصغائر والتماس العذر لهم حتي يشعرون انك جزء منهم لا دخيلة عليهم. ولا تفارقي البسمة علي وجهك وترحابك باهل زوجك عند مقابلتهم فهي أهم من كل ما تقدمينيه لهم من ضيافة وماكل ومشرب.
يا بُنيتي: من الأهمية الكبيرة عدم عقد مقارنات كثيرة فتقارني بينك وبين شقيقة زوجك، او بين اهلك واسرتك وبين أهل واسرة زوجك مهما كانت الفوارق ولكي لا ينعكس ذلك علي تصرفاتك نحو زوجك واهله. إذا حدث خلاف بين زوجك واهله فلا تستثمري هذا الخلاف بزيادة الشقة ووذكرهم بسوء، التصريح بما قد تحمليه من مواقف سابقة من مشاعر سلبية نحوهم، فقد ينتهي الصدع بينهم بما يبقي ما احدثته من صدوع نحوهم باقيا في نفسه. وتذكرى دوما أن زوجك غير مسئول عن توجهات أهله فلا ينبغي الربط بينه وبينهما في كل شيئ ولا تولميه أو تؤاخذه بهذا فيدب الشقاق بينكما، فلا تزر وازرة وز اخري
أي بُنية: عليكِ القناعة بمبدأ الخصوصية بين الزوجين، وعدم السماح للغير (خاصة الأقربين) بالتدخل في الحياة الزوجية وتناول الأمور الخاصة بكما. فأغلب هذه التدخلات لا تأتي بخير، فأهل الزوجة غالباً ما يتدخلون لصالح ابنتهم وكذلك فأهل الزوج يتدخلون لمناصرة ابنهم، الأمر الذي يعمل على إيجاد المشاكل وتأزمها بين الزوجين وكثيراً من الخلافات الزوجية إنما تنجم بسبب تدخلات الأقارب في الشئون الزوجية، فحياة الزوجين هي ملك لهما فقط لا ينبغي أن تُعكر صفوها التدخلات الخارجية مهما كانت درجة القرابة.
يا بُنيتي: مثلما أن هناك عوامل وأسباباً يمكن أن تساهم في تعكير صفو هذه العلاقة، وربما تؤدي إلى هدمها، فكذلك ثمة عوامل وأسباب يمكن أن تقوي هذه العلاقة وتزيد من متانتها وتساعد على غرس وتنمية السعادة الزوجية والمحافظة عليها بين الزوجين، ولعلنا نحاول أن نصل معاً إلى أهم تلك الأسباب متمثلة في النقاط التالية.
يا بُنيتي: الالتزام بأوامر الله عز وجل والإكثار من ذكره والبعد عن معاصيه، به تنشرح النفوس وتطمئن القلوب. وحينما يقال: إن التدين ينبغي أن يكون راشداً فليس من أجل استتباب الحياة الزوجية فقط، بل الحياة كلها، بمعنى أن يكون التدين شاملاً عاما، يشمل كافة مناحي الحياة اليومية، فالعبادات والقربات من الدين، وحسن التعامل مع الآخرين من الدين(فالدين المعاملة)، وصلة الرحم، والابتسامة، وأداء الواجبات والحقوق للناس، فكلها من أمور الدين. كما لابد أن يكون التدين متوازناً فليس من الفقه التوسع في النوافل مع إهمال حقوق الزوج أو رغباته أو العكس، ولذلك لا يشرع للمرأة صيام النفل إلا بإذن زوجها. والشيطان قرين الغافلين عن الله وشرعه، وهو من أهم العوامل المفضية لغرس الكراهية وبث البغضاء بين الزوجين وله في ذلك طرق ووسائل شتى وحيل وحبائل عديدة. بل إن أدنى أعوان إبليس إليه منزلة هو ذلك الذي يعمد إلى التفريق بين الأزواج ويفلح في إيقاع الطلاق بينهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول ما صنعت شيئاً. قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول:"نعم".
يا بُنيتي: الإنسان بطبعه يحب التجديد في كل أمر من أمور دنياه، والروتين أحد أسباب الملل وجلب الكآبة، لذلك ينبغي على الأسرة أن تضفي على حياتها نوعاً من التغيير وألا تعكف على نمط واحد، كأن تجتهد الزوجة في تغيير زينتها بما يناسبها، أو تتعلم نوعاً جديداً من الأطعمة والمشهيات فتضيفه إلى مائدتهما، وعليها كذلك من وقت لآخر أن تغير من صورة بيتها بنقل الأثاث وتحويره من مكان إلى آخر. والزوج مطالب كذلك بأن يكسر الروتين بوسائل كثيرة منها على سبيل المثال الخروج مع أهله للترويح عن النفس من خلال الرحلات المشروعة من دون إفراط ولا تفريط.
يا بُنيتي: عليكِ بغض الطرف عن بعض الهفوات، فالبشر يمليون للخطأ والزلل، ولذلك فمن الحق والعدل أن يغض الزوج والزوجة طرفهما عن الأخطاء الصغيرة والهفوات العابرة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه مسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر".
يا بُنيتي: الملاطفة من أسباب دوام المحبة فعلى كل من الزوج والزوجة أن يحرص كل واحد على ملاطفة الآخر وملاعبته والمزاح معه. فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه برغم جديته وشدته يقول: ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي فإن كان في القوم كان رجلاً. وروت السيدة "عائشة" رضي الله عنها: أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة وهي جارية، قالت لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال لأصحابه تقدموا، ثم قال: "تعالي أسابقك! فسابقته فسبقته، فلما كان بعد وحملت اللحم وبدنت ونسيت، خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: تقدموا فتقدموا ثم قال: "تعالي أسابقك! ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحال، فقال: "لتفعلن" فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وقال: "هذه بتلك.
يابُنيتي: عليكِ باحتواء المشاكل الطارئة وسرعة معالجتها ومعالجتها أولاً بأول وعدم الهروب منها، فإن تراكمها وتطورها يقود إلى نتائج غير محمودة العواقب، ويجب ألا يسيطر اليأس على أحد الزوجين أو كليهما باستحالة الحل، فلكل مشكلة حل ولكل خلاف علاج، وليحرص الزوجان على المحافظة على أسرار حياتهما الزوجية وذلك من خلال الثنائية في طرق المشاكل والاتفاق على الحل وألا يوسعا دوائر الخلاف بإدخال أطراف أخرى لئلا تتسرب الأسرار وتتطور المشكلة، وإن كان لابد من مشاركة طرف آخر فليكن الوسطاء من أهل العقل والتجربة والحكمة والصلاح وممن يحفظون أسرار البيوت.
يا بُنيتي: إن تبادل الهدايا تغرس المحبة في النفوس:"تهادوا تحابوا". فالهدية هي تعبير عن المودة وهي كسر لجمود ورتابة العلاقات الإنسانية فإن كانت مثل هذه الهدايا تفعل فعلها وسط الأصدقاء والمعارف. فإن تأثيرها وسط الأزواج أكثر فاعلية وأعظم أثراً. ولا يشترط أن تكون الهدايا من تلك المقتنيات الثمينة الفاخرة، لأن الغرض من الهدية هو إظهار مشاعر الود والألفة في المقام الأول، وذلك يتحقق بأي مستوى من القيمة المادية للهدية، ولكن عن كانت الهدية من النوع الثمين فإن ذلك من أسباب مضاعفة السعادة وزيادة المودة.
بُنيتي: تعقلي في الطلبات بحيث لا تكلفين زوجك بما لا يطيق، فترهقين ميزانيته أو وقته أو صحته وتضيفين عليه أعباء جديدةلم يكن قادراً على توفيرها. وكذلك الزوج مطالب هو أيضاً ألا يحمل زوجته ما لا تطيق من أعباء وتكاليف، سواء كان ذلك في التعامل أو المسؤوليات أو غيره. قال تعالى في محكم تنزيله: "..لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا.."(البقرة:133)
أي بُنية: ينبغي على الزوجة أن تحترم زوجها، وأن تعترف له بالقوامة، وعدم منازعته في الاختصاصات التي يجب أن انفرد به. مع إنزاله منزلته، من كونه رب الأسرة وحاميها والمسؤول الأول عنها، وإذا أرادت الزوجة أن تشاركه الرأي في بعض اختصاصاته فيجب أن يتم ذلك بتلطف ولباقة واختيار الوقت والزمان المناسبين لمناقشة مثل هذه القضايا وطرح الأفكار، على ألا تصر الزوجة على رأيها أو موقفها إن وجدت منه تمنعاً، بل عليها أن تؤجل الأمر حتى تسنح الفرصة ويتهيأ المناخ لمناسب لمعاودة الطرح. فمن الأهمية بمكان التشاور وتبادل الرأي من خلال عقد جلسات عائلية دورية يتشاور فيها الزوجان عما يجب عمله في الأمور المهمة في حياتهما المشتركة، ويتم من خلال ذلك تقويم تجاربهما الماضية والتخطيط للمستقبل. وذلك عبر رؤية مشتركة. فإن القرارات إذا أُخذت باتفاق لاشك أنها أفضل من نظيراتها الفردية.
يا بُنيتي: يجب ضبط النفس عند وقوع الخلافات الزوجية والأسرية، والبعد عن استخدم العبارات الجارحة أو انتهاج السلوك المؤذي بين الزوجين. كأن يعير الزوج زوجته بنقص فيها، أو أن تخدش الزوجة زوجها بنقائصه، خاصة إن كانت تلك النقائص مما لا يؤثر في الدين والخلق أو يجرح الاستقامة والسلوك، وفي ذلك يجب أن يكون النقد أو التوجيه بأسلوب رقيق تلميحاً لا تصريحاً ثم المصارحة بأسلوب المشفق الودود.
وليس هناك أي مبرر مثلاً لكي يعيب الزوج على الزوجة عدم إتقانها لفن الطبخ، بل عليه بدل ذلك أن يحضر لها الكتب المتخصصة في هذا الشأن. ومن الممكن أن يوجهها بعبارات لائقة كأن يقول لها لو فعلت ذلك لكان خيراً ولو امتنعت عن ذلك لكان أفضل. فرسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يصحح الأخطاء تلميحاً لا تصريحاً فكان يقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا"، وكذلك ما عاب طعاماً قط، فالانتقاد الحاد والهجوم الصارخ قد يقود إلى التعنت والعناد، ويؤدي إلى العزة بالإثم.
يا بُنيتي: كثيرا ما تهتم الكتابات التي تُعني بالسعادة الأسرية، بمجموعة من السلوكيات الإيجابية، والنصائح الثنائية لطرفي الرابطة الأسرية، كي تستقر الأسرة، وتستمر أسباب سعادتها ومودتها:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم:21)، لكن ـ وبمفهوم المخالفة الذي يتعرف الأخطاء والسلبيات مخافة الوقوع فيها ـ قليلا ما يأتي التحذير من تلك الأمور التي تؤشر على قرب انهيار تلك الرابطة المقدسة، وتدق ناقوس الخطر بشأن معاول الهدم التي تنخر بقوة في ذلك الحصن لتهدمه، وفي تلك السفينة لتغرقها، وذلك بالانفصال المعنوي داخل الأسرة أو الكلي بالطلاق ـ(والذي ارتفعت نسبته في مجتمعاتنا..سواء فيما بات يعرف بـ"الطلاق المبكر" خلال العام الأول من الزواج، أو في زيجات قد مضي عليها عقود من الزمان، فحذار من معاول تهدم حصن الأسرة، وتأذن له بالانهيار وابتعدي عنها.. وقايةً، أو ليكن التصارح بشأنها ـ إن حدثت ـ لتدارك آثارها..علاجا، ومن ثم بذل الجهود لبناء السعادة الأسرية.. رسوخا واستقراراً.
يا بُنيتي: إن الشعور بعدم الرغبة في العودة إلي المنزل، ومداومة البحث عن أسباب أو أعمال إضافية، أو أصدقاء للانشغال بهم عن العودة لعش الزوجية من علامات الإنذار المبكر..إذ المرء يهرب مما يسبب له ألما ومعاناة، واستمرار ذلك يولد مزيدا من الشقاق والنزاع الأسري، مما يأذن بهدمها. إن تفريع الأوقات للأسرة، واللهفة للتواصل واللقاء الحميمي، وتحمل المسئوليات العائلية والتربوية نحو الأبناء، مؤشر صحة وسعادة وتماسك واستقرار الأسرة.
يا بُنيتي: يشكو بكثرة كده وجهده وعمله لتوفير الحاجيات والنفقات المتعاظمة والمتزايدة، في حين لا يري حرصا أو ترشيدا في الإنفاق، أو الاستهلاك الترفي غير الضروري، بل يُدفع بسياط "الحرص والرغبة في زيادة الدخل أكثر مما هو عليه الآن". وإن كانت الزوجة تعمل ينشأ الجدل حول مساهمتها في الأنفاق على الأسرة؟، إذ ان وقت عملها من حق البيت والأسرة. إن إساءة التعامل مع الجانب الاقتصادي من أهم وأخطر معاول الهدم الأسري، والطعن في مبدأ" القوامة" وتمييعه، نذير شؤم عائلي، فلتكن الثقة متبادلة، وبذل المزيد من الطاقة ـ معاـ علي حسن إدارة دفة البيت في ظل تحولات اقتصادية متسارعة، مع تقدير جهود الزوجة "العاملة" داخل وخارج المنزل، ثم لا تحمّـلوا أنفسكم فوق طاقتها:"لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا" (الطلاق:7).
يا بُنيتي: حذارِ من فقد الاهتمام بأخباره/ أخبارها، وعدم العناية بأقربائه / أقربائها، وجفاف ينبوع التعاون والتواصل وبث المشاعر عن الهموم والصعوبات والمشكلات اليومية التي مرت بكما، وغيرها من أمور التواصل اللفظي والفكري والوجداني والاجتماعي. إن الفتور و"الصمم" الأسري مدعاة لانهيار المنزل إذ يحوله إلى فندق، يعيش فيه الجميع في وحيدة وعزلة كحاضرين غائبين.. فإذا ما تحدثوا فعن "أحوال الطقس، وعناوين الجرائد"، والقاعدة الأساسية: "الصمت من ذهب"، "وليخدم كل واحد نفسه بنفسه Help yourself".
يا بُنيتي: إن استمرار إحراج/ نقد/ معارضة/ تكذيب أحد الطرفين أمام الأبناء والأهل والغرباء، والتظاهر بمعرفة ما سيقوله مسبقاً سلوكيات سلبية قد تكون تنفيساً عن مواقف سلبية أخري بدرت من أحد الطرفين، لكنه كفيل برد فعل من الزوجة استمرارا في السلبية أو من الزوج بفصم عري هذا الزواج الذي لا يحظي فيه بالاحترام اللائق من زوجته. إن الاعتذار عند الخطأ ـ والذي قد يكون تافهاًـ دليل علي الأخلاق السامية، وبيان عن مدي الحرص علي عش الزوجية من أن تتقاذفها الأنواء والهواء، أما الإصرار علي هذه السلوكيات السلبية فمن دواعي الشقاق والدمار الأسري.
يا بُنيتي: "للطاهرة خديجة" رضي الله عنها كان الفضل، والمكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لم ثمّن نبيك عالياً لمن عاشت معه "حلو الحياة ومرها". بل ويعلنها على الملأ وبعد وفاتها وفاء لها وردا لأعتبارها:"إني قد رزقت حبها". فلم يفعل مثلما يحابي ويجامل ازواج زوجتهم الثانية بذم الأولى، فما بالنا وإن كانت الأولى في عداد الموتى؟!. ولنترك الحديث للسيدة عائشة رضي الله عنها إذ تقول: ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة، وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني قد رزقت حبها"(صحيح مسلم، ج 4، ص 1888). إنه صلى الله لم يكد ينساها طيلة حياته وبعد وفاتها؛ إذ كان يكثر ذكرها ويتصدق عليها، وتروي أيضا السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: "ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول:"إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد"(صحيح البخاري، ج 3، ص 1389). وأيضا تروي عائشة في ذلك فتقول: جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية، فقال: بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت قلت: يا رسول الله، تُقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟! فقال: "إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان"،(المستدرك على الصحيحين، ج1، ص 62).
يا بُنيتي: الغيرة المحمودة تؤثر على العلاقة الأسرية مع عدم المبالغة في الغيرة بل تكون باعتدال وروية، وهي بذلك تكون مؤشراً على محبة كل من الطرفين للآخر وعدم تفريطه فيه أو السماح بالنيل منه بشكل غير مشروع، فيجب على الزوج أن يعتدل في هذا الشأن، ولا يبلغ إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تتبع عورات النساء: "إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل، وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة" لأن ذلك من سوء الظن الذي نهانا الله تعالى عنه، فإن بعض الظن إثم. وقد قال علي رضي الله عنه: "لا تكثر الغيرة على أهلك فتُرمى بالسوء من أجلك".وأما الغيرة التي تكون في محلها فهي مطلوبة شرعاً ولابد منها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "إن الله يغار، والمؤمن يغار…" وكان الحسن يقول:" أتدعون نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق؟" قبح الله من لا يغار.
فالمطلوب إذاً هو الاعتدال بحيث يغار الزوج في المواطن التي تجب فيها الغيرة، ويُمسك فيما عدا ذلك من غير ضعف ولا تنطع.
يا بُنيتي: يبدو أنها شكوى عامة.. مستمرة ومتكررة ومتطورة، تلك المتمثلة في إبداء علامات التحسر علي العبارات والمواقف والهدايا المعبرة عن الحب قبل الزواج، ويغيب عن كثيرين أن الحب قد يأخذ صورا أخري من التعبير بعد الزواج، ومع ذلك فعدم إبداء الإعجاب وتكرار تذكر أيام وسنوات الحب السعيدة، وعدم التقدير لمدي الجهود المبذولة من أجل الأسرة، وتجنب التحدث عن عواطفكما نحو بعضكما البعض يزيد من الفتور والبكاء علي "أطلال الحب" المنقضي، لا تجديده أو حتى ترميمه. من المعلوم أن لكلٍ من الزوجين أوجه كمال وجمال وإلا لما تزوجا، يقول المصطفي صلى الله عليه وسلم:"لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر") رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .( لذا لقد كان التقدير والمدح قبل الزواج انسجاماً وتأليفاً، أما بعد الزواج فهو ضرورة حياتية ونفسية ووجدانية، فالنفس الإنسانية فطرت علي حب المدح وكراهية الذم.
يا بُنيتي: إن رسول صلى الله عليه وسلم يعلن في أكثر من مناسبة، وتقديراً لسيدة هذا شأنها، وتلك مواقفها، وذلك جهدها، بأنها خير نساء الجنة، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة"(صحيح البخاري، ج 3، ص1388)، وفي رواية: عن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض خطوطا أربعة، قال:"أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون" (صحيح ابن حبان، ج15، ص 470) .بل جاء أيضا أنها رضي الله عنها من أفضل نساء العالمين، فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون" (صحيح ابن حبان، ج 15، ص 464. ليس هذا فحسب، بل يقرؤها المولى عز وجل السلام من فوق سبع سماوات، ويبشرها ببيت من قصب في الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.صحيح البخاري، ج3، ص1389).
يا بُنيتي: ما أروع هذه الزيجة!! وما أروع هذين الزوجين، وتلكم الأسرة!! وكأن الله خلقها لتأتم بها الدنيا كلها، ويأتم بهم كل زوجة وزوج وأسرة تريد إصلاحا وفلاحا، وهذه هي الزيجة الربانية.. كما أرادها الله وكما طبقها رسوله صلي الله عليه وسلم.
يابنيتي: لعل تكثيف برامج الإرشاد النفسي في الوسائل المسموعة والمرئية والمقروءة، وإنشاء قنوات فضائية متخصصة في قضايا الأسرة النفسية والاجتماعية والمادية، إهتداءً بنماذج الواردة في القرآن والسنة، وسيرة السلف الصالح، وتخصيص ملحق أسبوعي في الصحف المحلية، موجّه للشباب والشابات حديثي الزواج، أو المقبلين عليه، يناقش هذه الأمور، باتت من الأمور المُلحة. كذلك تسهيل إجراءات تأسيس مؤسسات خيرية تُعني بأمور الأسرة، ومشاركتها في تنفيذ البرامج والدوريات التدريبية ذات العلاقة بالأسرة وتقديم البرامج التدريبية والإرشاد الأسري. وتوجيه خطباء المساجد والدعاة بالتوعية بأحكام وقيم الأسرة والزواج في خطب الجمعة والمحاضرات، وتنظيم المخيمات الدعوية المتخصصة لرفع الوعي لدى الجنسين في مجال القضايا الأسرية.
غاليتي: اعرفي عظمة هذا الدين الذي تنتسبين إليه، وأعرفي قدر أسلافك، وكيف جاهدوا في خدمة الإسلام، وفي تربية القادة الأبطال، والرجال العظام. فما أحوج الأمة الإسلامية ـ الآن ـ إلى أمثال "خديجة"!. يـُنفقن، ويبذلن، ويصبرن، ويربين، ويبَلِغْنَ دعوة الله تعالي، ويسكبن الإيمان والثقة والفرح في قلوب إزواجهن سكبًا. فإلى هذا المعين، معين أمهات المؤمنين، فارتشفي واترابك. وإياك، ومَثالب الأخلاق.. الكَذِب المُبرِّح، والخُلْفَ المُصَرّح، والغيبة والنميمة، وإضاعة الوقت والمال، على التفاهات، والانشغال بوسائل الإعلام.
بُنيتي: جميل أن أخبرك عن الأخلاق الفاضلة، ورائع أن اكتب لك عن المثل وعظيم السجايا والخصال، أن تقرأي عن الحلم والأناة، أو نتحدث عن الجود والسخاء ونصف الصدق والسماحة، فنعجب من كرم الكريم، وشهامة الشهم. عظيم كل هذا وغيره، لكن إذا اتصف شخص واحد بكل هذا، فكم ستحمل النفوس والقلوب له من الإجلال والاحترام والمحبة؟. أم القاسم! رضي الله عنها.. مَعلمةَ العفة لبنات المسلمين، ومَعلمةَ الوفاء لزوجات المسلمين، ومَعلَمة الصبر لداعيات المسلمين، بل إنها مُعلمة الحكمة لحكماء المسلمين. فعيشي، بُنيتي وأترابك في ظلال سيرتها.."الأنموذج لخير النساء وأكملهن".. اللهم بلّغ أمنا "خديجة" رضي الله عنها، منا السلام، وسلام عليها، وعلي امهات المؤمنين، في الأولين والآخرين.
يمكن التواصل مع الكاتب أ.د./ ناصر أحمد سنه على الإيميل التالي:
[email protected]

القلب الحزين
22-12-2013, 07:57 PM
الصخرة التي خرجت منها ناقة صالح



الدكتور منصور أبوشريعة العبادي
جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

http://d1g.com/video/show/5334586
فيديو يبين الاعجاز لناقة صالح


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12515499461.jpg
صورة بالأقمار الصناعي للصخرة التي يعتقد انه خرجت منها ناقصة نبي الله صالح

لقد ذكرنا في مقالة سابقة بعنوان "وثمود الذين جابوا الصخر بالواد" أن الوصف القرآني لمساكن قوم ثمود أو ما سمي بمدائن صالح جاء مطابقا لما أظهرته الصور المأخوذة من الجوجل إيرث لهذه المساكن. فمدائن صالح كما وصفها القرآن الكريم تقع في واد واسع يمتد من الشمال إلى الجنوب و يبلغ أقصى عرض له ما يقرب من خمسة عشر كيلومتر ثم يضيق وهو يتجه إلى الجنوب إلى أن يصل إلى أقل من كيلومتر عن مدينة العلا التي تقع إلى الجنوب من المدائن على بعد عشرين كيلومتر. ويحيط بهذا الواد سلاسل جبلية شاهقة فالسلسلة الغربية الشمالية من الواد يصل إرتفاعها إلى ألف وخمسمائة متر عن سطح البحر بينما يصل ارتفاع السلسلة الجنوبية الشرقية إلى ألف متر أما ارتفاع أرض الواد المنبسطة فيبلغ ثمانمائة متر عن سطح البحر. وفي هذه المقالة سنقوم بالاستعانة بصور الجوجل إيرث والمواصفات المذكورة في تفاسير القرآن الكريم للصخرة التي خرجت منها الناقة بتحديد مكان هذه الصخرة.
فقد جاء في تفاسير القرآن الكريم من أن الناقة التي أرسلها الله سبحانه وتعالى كآية إلى قوم ثمود قد خرجت من صخرة عظيمة تقع منفلردة في ناحية الحجر. وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوماً في ناديهم فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم فقالوا له: إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة - وأشاروا إلى صخرة هناك - ناقة من صفتها كيت وكيت وذكروا أوصافاً سموها ونعتوها وتعنتوا فيها، وأن تكون عشراء، طويلة من صفتها كذا وكذا فقال لهم النبي صالح عليه السلام: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به؟ قالوا: نعم. فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك. ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء على الوجه المطلوب الذي طلبوا أو على الصفة التي نعتوا فلما عاينوها كذلك رأوا أمراً عظيماً ومنظراً هائلاً وقدرة باهرة ودليلاً قاطعاً وبرهاناً ساطعاً فآمن كثير منهم واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم.
وقد يسأل سائل عن المصدر الذي استقى منه المفسرون هذه الروايات عن مواصفات الصخرة وكذلك الناقة والطريقة التي عقرت بها وحتى أسماء الأشخاص الذين تآمروا على قتلها. والجواب على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قص على أصحابه كثيرا من تفصيلات قصة صالح عليه السلام مع قومه عند مروره بالحجر في طريقه إلى تبوك وقد حفظها من حفظها ونسيها من نسيها. فقد روى أبو الزبير عن جابر قال : لما نزلنا الحجر فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك ، قال : « أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَسْأَلُوا عَن هَذِهِ الآياتِ [ هؤلاء ] قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا نَبِيَّهُم أَن يَبْعَثَ اللَّهُ لَهُم آيَةً ، فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُم نَاقَةً فَكَانَتْ تَرِدُ مِن ذَلَكِ الفَجَ فَتَشْرَبُ مَاءَهُم يَوْمَ وُرُودِهَا وَيَحْلِبُونَ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْهَا يَوْمَ غِبِّهَا وَيَصْدِرُونَ عَن ذَلِكَ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَنَبِئّهُمْ أَنَّ الْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُم} » الآية.
وروى البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم ألا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها فقالوا: قد عجنا واستقينا فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي تردها الناقة.
ويتبين لنا من هذه الأحاديث أنه إذا كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد حدد الفج الذي كانت تدخل منه الناقة والبئر التي كانت تشرب منه فلا يستعبد أن يكون قد حدد الصخرة التي خرجت منها وكذلك بقية التفاصيل المتعلقة بها وقام الصحابة بتداولها كروايات دون نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما مواصفات الصخرة فسنستخلصها من كتب التفسير ثم نقوم بمقارنتها بمواصفات الصخور الموجودة في الوادي اعتمادا على صور الجوجل إيرث. فقد جاء في تفسير ابن كثير ما نصه "وفي الصحيح عن ابن عمر أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر أرض ثمود، فاستقوا وكانوا هم الذين سألوا صالحاً أن يأتيهم بآية واقترحوا عليه بأن تخرج لهم من صخرة صماء عينوها بأنفسهم وهي صخرة منفردة في ناحية الحجر يقال لها الكاتبة فطلبوا منه أن تخرج لهم منها ناقة عشراء تمخض فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق لئن أجابهم الله إلى سؤالهم وأجابهم إلى طلبتهم ليؤمنن به وليتبعنه فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم قام صالح عليه السلام إلى صلاته ودعا الله عز وجل فتحركت تلك الصخرة ثم انصدعت عن ناقة جوفاء وبراء يتحرك جنينها بين جنبيها كما سألوا". وإذا ما دققنا النظر في صورة الجوجل إيرث التالية نلاحظ وجود صخرة عظيمة مغطاة بالسواد تقع منفردة في أعلى يمين الواد.
وهذه الصخرة من الضخامة بحيث أنها أقرب لئن تكون جبلا صخريا وهي ذات شكل عجيب مما يؤكد على الرواية التي تقول أن ثمود كانت تعبد آصنامها عندها. ويبلغ أقصى طول للصخرة ألف وخمسمائة متر أما أقصى عرض لها فيبلغ 700 متر ويبلغ أقصى ارتفاع لها مائة متر عن الأرض المحيطة بها. وسنسوق الآن الأدلة التي تثبت أن هذه الصخرة هي التي أخرج الله منها الناقة التي أرسلها آية كدليل على صدق سيدنا صالح عليه السلام.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12515499712.jpg
فأول هذه الأدلة أن الرواية تقول أن اسم هذه الصخرة هي الكاتبة وكما هو معروف فإن الكتابة هي من أعمال اليد وإذا ما تفحصنا شكل الصخرة في الصورة التالية نجد أنها على شكل كف اليد حيث يخرج من الصخرة ما يشبه أصابع اليد. وفي الزمن الحاضر فإن الناس يسمون هذه الصخرة بجبل الحوار حيث أن حوار الناقة قد عاد إليها بعد أن قتلت أمه وغاب فيها بعد أن رغى ثلاث رغيات وهي عدد الأيام التي أمهل بها صالح عليه السلام قومه قبل أن يحل بهم العذاب. أما الدليل الثاني فنستخلصه من قول الرواية أن الصخرة قد تحركت ثم انصدعت عن الناقة وهذا ما تبينه الصورة حيث يظهر أن الصخرة قد أصابها خسف عند أطرافها ويصل مقدار الخسف عند أحد الأطراف ما يقرب من ثمانين مترا. إن خروج ناقة عظيمة الحجم كما ذكرت الروايات من قلب الصخرة لا بد وأن يحدث تشوها في شكل الصخرة مما أدى إلى انهيار جوانبها ليتركها الله عز وجل دليلا على ولادة الناقة من الصخرة.
والعجيب أنه لا يوجد بين صخور الواد إلا هذه الصخرة وصخرة آخرى على مقربة منها قد أصابها الخسف مما يدل على أن حدثا ما قد أصاب هذه الصخرة وهو خروج الناقة منها. أما الدليل الثالث فهو وجود فوهة بركانية ذات لون أسود على قمة الصخرة وهي على شكل ناقة في حالة الجلوس. ويبلغ طول فوهة البركان ما يقرب من خمسين مترا وعرضها ما يقرب من عشرين مترا. إن وجود فوهة بركانية على مثل هذه الصخرة يثير كثيرا من التساؤلات عسى أن يجيب عليها الأخوة المختصون في علوم الجيولوجيا. فالصخرة رغم كبر حجمها إلا أنها من غير السهل أن تتحمل ثورة بركانية دون أن تتفتت من قوة الانفجار. أما التساؤل الثاني فهو أن حدود فوهة البركان واضحة تمام الوضوح ولها شكل هندسي عجيب وهو على غير أشكال الفوهات المعهودة كالدائرية والبيضاوية.
وأما التساؤل الثالث فهو غياب الحمم البركانية من حول الفوهة مما يعني أن البركان قد ثار لفترة زمنية فصيرة وبقوة رهيبة دفعت بحممه بعيدا عن المنطقة المحيطة به. وسأعرض هنا الطريقة التي عوقب بها قوم صالح بعد أن كذبوا صالح وقاموا بقتل الناقة فقد تساعد على الإجابة على هذه التساؤلات. فقد ورد في القرآن الكريم أن القوم قد عذبوا بالرجفة والصيحة وذلك في قوله تعالى "وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)" هود وقوله تعالى "فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)" الأعراف.
وجاء في تفسير ابن كثير ما نصه في تفسير هذه الآيات "وأصبح ثمود يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام النظرة ووجوههم مصفرة كما وعدهم صالح عليه السلام, وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة ووجوههم محمرة, وأصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت ووجوههم مسودة, فلما أصبحوا من يوم الأحد وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه عياذاً بالله من ذلك لا يدرون ماذا يفعل بهم ولا كيف يأتيهم العذاب, وأشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من أسفل منهم, ففاضت الأرواح وزهقت النفوس في ساعة واحدة". وكما هو معروف فإن ثورات البراكين يسبقها غالبا زلازل وهذا ما حدث في منطقة الحجر فقد بدأت الأرض بالتزلزل بشدة ثم ثارت البراكين من ثلاث مواقع وهي قمم جبلين يقعان غرب مدائن صالح ومن الصخرة التي خرجت منها الناقة كما هو واضح من صورة الجوجل إيرث. وكما ذكرنا سابقا فإن غياب الحمم البركانية حول فوهات البراكين الثلاث يؤكد على أنها ثارت لفترة زمنية قصيرة جدا ولكن بشدة عالية جدا أحدثت صوت انفجار هائل قطع قلوب القوم فماتوا لتوهم. إن هذا النوع من البراكين يسمى بالبركان الراشق (spatter volcanoe) حيث أن معظم ما يخرج منه من مواد تتكون من غازات مختلفة كبخار الماء وثاني أكسيد الكربون وعادة ما يتكون حواف بارزة حول حافة البركان كما هو ظاهر في الصور.
ويتبين من الصورة الأخيرة كيف أن الفوهة البركانية التي تقع على الجبل الذي يبعد كيلومتر ونصف إلى الغرب من الصخرة لها نفس مواصفات الفوهة البركانية الموجودة على الصخرة مما يؤكد أنهما حدثتا في نفس الوقت ويؤكد كذلك على قوة ضغط الغازات المحبوسة بحيث أنها تفجرت في ثلاث مواقع متقاربة لا تتجاوز عدة كيلومترات. أما ما يثير العجب فهو وجود البركان على هذه الصخرة التي خرجت منها الناقة رغم وجود بركان كبير في الجبل المجاور كان بإمكانه أن يحول دون ظهور يركان الصخرة ولكن الله أراد أن يري الناس عجائب قدرته فانبجس البركان من نفس المكان الذي خرجت منه الناقة حيث أن خروج الناقة من قلب الصخرة سبب ضعفا في قشرتها مما أدى إلى خروج جزء من الغازات المحبوسة منها محدثة صوتا مدويا لا يمكن لبشر أن يتحمله وصدق الله العظيم القائل "إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)" القمر.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12515500093.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12515500324.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12515499712.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12515500886.jpg
للتواصل مع الكاتب:
[email protected]
المراجع
1- .القرآن الكريم
2- تفاسير ابن كثير والطبري والقرطبي
3- جوجل إيرث
لمزيد من المقالات للكاتب وإبداء الأراء حولها يمكن الرجوع للمدونة التالية :
http://mansourabbadi.maktoobblog.com/ (http://mansourabbadi.maktoobblog.com/)

القلب الحزين
22-12-2013, 08:03 PM
تكريم المستهزئين وقرابين اليونسكو




http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1247890101qumny3.jpg
سيد القمني الكاتب العلماني الذي هاجم الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم
بقلم هشام طلبة
كاتب إسلامي مصري
الدوافع الحقيقية للمستهزئين والـمُكرِّمين
فضيلة التكريم فضيلة عظيمة؛ ففيها تقدير للمبدعين الذين بذلوا الجهد وأعملوا عقولهم وحواسهم, واستفادوا مما حباهم الله من مواهب, فأفادوا مجتمعاتهم, وأناروا الطريق لمن بعدهم وللبشرية كلها.
ولكن عبر التاريخ البشري - خاصة الحديث - لم يكن الكثير من هذا التكريم خالصًا لوجه الله.
وقد استغلت القوى الكبرى منذ زمن الجوائز العالمية استغلالًا سياسيًّا. فلا يخفى على أحد أن منح الروائي نجيب محفوظ جائزة نوبل في الآداب كان عن رواية ( أولاد حارتنا ) المسيئة للذات الإلهية والأنبياء .
ثم منحها بعد ذلك - عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر - للكاتب الهندي ( نايبول ) المعادي للإسلام. وقد ساء ذلك المسلمين حتى إن أحد كبار الكتاب العلمانيين ( محمد سلماوي ) لم تمنعه علمانيته من اعتبارذلك المكافئ الثقافي لما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب. واستمرارًا لهذا الاتجاه أقدمت ملكة إنجلترا في أواخر عهد رئيس الوزراء توني بلير وبترشيح منه - وهو الذي أبى أن يكون آخر ما يفعله في منصبه عملًا آخر غير العداء للإسلام - على تكريم الكاتب البريطاني من أصل هندي ( سلمان رشدي ) صاحب الآيات الشيطانية المعروفة المسيئة للنبي صلي الله عليه وسلم. وإني لأتساءل ماذا كانت ستخسر الملكة لو لم تكرم ذلك المستهزئ؟ ما الذي ذكَّرهم به؟ هل المقصود إثارة شباب المسلمين ليقوموا بأعمال متهورة يغض الطرف عن بعضها لتصبح دعايةً سيئةً للإسلام؟ ولتصبح مبررًا للحرب على الإسلام المسماة بالحرب على الإرهاب, وللحد من انتشار الإسلام المقلق للغرب؟ والكل يعلم أن سلمان هذا ليس الوحيد في هذا المجال. فكل من يهاجم الإسلام - خاصةً ممن هم من أبناء جلدتنا وعنده شبهة موهبة - يكرم في الغرب. فهناك الكاتبة البنجلاديشية ( تسليمة نسرين ) والمرتدة الصومالية ( إيان هرسي ) وأخرى باكستانية شاذة جنسيًّا أقل من أن أذكر اسمها.
إذًا القائمة طويلة ومرشحة للزيادة خاصةً من الطابور الخامس الإعلامي المنافق ( لشركائنا في الوطن من الأقباط ) المشتاق والمتطلع إلى إرضاء السيد الغربي.
· هذا عن الغرب وله أجندته وله دوافعه التي لا تخفى على أحد, أما ما لا يقبل فهو أن تكرم وزارة الثقافة المصرية فيمن كرمت "سيد القمني" صاحب كتاب ( الحزب الهاشمي ) الذي تبنى فيه طرح الكاتب الجزائري المحتفى به في الغرب "محمد أركون" من "تفكيك" التراث ونزع حالة القداسة عن القرآن الكريم - رغم أنفهم - وذلك بالطعن في نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, وادعاء أن الإسلام ما هو إلا إطار وخطة ( تكتيك مدروس ) لإنشاء دولة تجمع عرب الجزيرة تكون مكة نواتها وبنو عبد المطلب حكامها بعد إعداد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لذلك!!, وأن الكعبة ما هي إلا إحدى الكعبات التي كانت تقام حينئذٍ تقديسًا للأحجار الغريبة التي يغلب عليها اللون الأسود(1)!! وأن محمدًا ( صلى الله عليه وسلم ) قد سقى أبا خديجة خمرًا حتى لا يعترض على الزيجة!. المتابع لمواقع أقباط المهجر الطائفيين يعلم أنه كاتبهم المفضل وأنهم كثيرًا ما يستخدمون جملة: "د.سيد القمني يفضح الإسلام "! خاصةً حين يتبجح ببذاءاته في قناة الجزيرة الفضائية.
· سيد القمني القائل: "العقيدة الإسلامية مليئة بالأساطير"! [ وليست عقيدة من يعمل لحسابهم من أهل الكتاب]!.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/124788994098999999999.jpg
غلاف كتاب الحزب الهاشمي لسيد القمني الذي هاجم فيه الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم

· سيد القمني القائل: إن [ الإسلام ظلم المرأة بعدم مساواتها بالرجل, ثم هاجم الصحابة وقال: إن فتوحاتهم لم تكن إلا من أجل المال, وإن القرآن الكريم يجامل اليهود حين يحتاج المسلمون إليهم, ثم ينكل بهم حين يقوى المسلمون] (2)!!.
· العجيب أن يتزامن مع هذا التكريم استضافة مكتبة الإسكندرية للكاتب السوري "حيدر حيدر" صاحب رواية: "وليمة لأعشاب البحر" التي سخر فيها من الله تعالى فيصفه بالفنان الفاشل وأن له رجال مخابرات (تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا ) ثم يصف القرآن الكريم بالخراء [ يريدون أن يحكموننا بقوانين آلهة البدو وتعليم القرآن ... خراء ]. هذه الرواية كانت قد نشرتها وزارة ثقافة فاروق حسني من قبل, وقامت على إثرها مظاهرات طلبة الأزهر الشهيرة وأثارتها جريدة الشعب التي أُغلقت على إثرها. وفي اليوم التالي لاستضافته هذه 16 / 7 / 2009م استضافت جريدة المصري اليوم هذا الروائي في حوار استغرق صفحة كاملة وصفته فيها بأنه واجه سيف الرقيب بشجاعة!! وردّ بأنه يهدم ثوابت الأمة مما يراه منحرفًا ليبني غيره بعد ذلك!.
· لم يكن تكريم القمني إذًا هو التكريم الأول للمستهزئين بدين الله وبثوابت الأمة, بل سبق ذلك بعامين تكريم الشاعر حلمي سالم في أعقاب كتابته قصيدة يستهزئ فيها بالذات الإلهية, مدعيًا أنه تعالى قروي يحلب بقرة ويكتب سورة البقرة.
الدوافع الحقيقية للاستهزاء:
المتابع لمتغيرات المنطقة يدرك أن الغرب الذي كرم أولًا من هاجم الإسلام ممن ينتسبون إليه يقدمون له خدمة جليلة في محاولة إيقاف انتشار الإسلام في الغرب خاصةً بعد كل ضربة توجه لأهله. فبعد أحداث سبتمبر تضاعف عدد من يدخلون الإسلام في أمريكا فصار عشرين ألفًا سنويًّا – حسب ما ذكره موقع محطة إن بي سي الشهيرة – كما أن خمس سكان موسكو حاليًّا مسلمون. بل إن مجلة نيوزويك الأمريكية ذكرت في عددها الصادر بتاريخ 21 / 7 / 2009م في مقال بعنوان:"الغزو الإسلامي للغرب وهم .. لماذا ؟" أن الكاتب الكندي " مارك ستاين " يرى أن المسلمين سيصبحون 40% من سكان أوروبا عام 2025م . ثم ذكر التقرير ذاته أن هناك دراسة لمجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي يرى أن سكان أوربا من المسلمين ( 5 % عام 2004م سيصبحون عام 2025م 8 %؛ أي ثمانية وثلاثين مليونًا ) بينما المسيحيين في مصر مثلًا يرى الباحثون المحققون من الأقباط كالدكتور كمال فريد أنهم سينقرضون خلال مائة عام؛ لضعف النسل والهجرة والتحول للإسلام ( راجع موقعي الأقباط والأقباط المتحدون ). هذا عدا مشاريع الهيمنة التي يقف الإسلام أمامها كجهة ممانعة كبرى؛ لذلك وضعت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها الأشهر: " الإسلام المدني الديمقراطي " الذي يدعو إلى تدعيم التصوف البدعي والمفكرين الحداثيين بتقديمهم في وسائل الإعلام وطبع كتبهم ومحاولة أن تدرس تلك الكتب في المدارس , وأخيرًا يطالب التقرير بدعم الإعلاميين الذين يهدمون الرموز الإسلامية! ألا يفسر ذلك هذا التكريم الحاصل للمستهزئين؟.
ألا يفسره أيضًا مركز التضليل الإعلامي الذي أنشأه سيئ الذكر رامسفلد؛ وزير الدفاع الأمريكي الأسبق من تجنيد إعلاميين عرب لتضليل الرأي العام عندنا؟!.
ألا يفسر ذلك دفاع القمني المستمر عن احتلال أمريكا للعراق في قناة الجزيرة ووصفه لبول بريمر أول حاكم أمريكي للعراق بأنه أفضل من عمرو بن العاص في مصر؟ ألا يفسره احتضان رجل الأعمال القبطي وثيق الصلة بالمخابرات الأمريكية له؟.
· استهزاء الغرب بمقدساتنا سواء بشكل مباشر؛ كالرسوم الدانماركية وتصريحات بنيدكت السيئة أو بشكل غير مباشر؛ كتكريم المستهزئين عندهم أو الضغط لتكريم أذنابهم عندنا المقصود منه أن نألف إهانة المقدس فلا يصبح مقدسًا وعندئذٍ يجعلوننا نقدس ثقافتهم؛ كقبول الشذوذ والجنس خارج الزواج وثقافة الاستسلام, وغير ذلك فتسهل الهيمنة. وهذا ما ذكره الكاتب والعالم الأمريكي المنصف " جيمس بيتراس " في كتابه "سطوة إسرائيل في أمريكا".
· دوافع التكريم:
أما دوافع التكريم فلا يخفى على أحد أن الكثير من القرابين قد قدمها وزير الثقافة على مذبح القبول لمنصب رئيس اليونسكو. فمن إدراج كتب عبرية في مكتبة الإسكندرية إلى التراجع عن تصريحات أغضبت اليهود, بل والاعتذار عنها إلى اشتراطه دعوة إسرائيل إلى مهرجان السويس. فكان مناسبًا تكريم مَنْ يطعن في الدين لإثبات حداثيته.
كما أنه من دوافع تكريم القمني وزملائه مجاملة من آزروا الوزير ممن عرفوا بمجموعة باريس. ثم إن أغلبهم من المجلس الأعلى للثقافة المانح للجائزة أصلًا؛ أي إنهم كما قال المفكر رفيق حبيب الحكم والخصم!! مما جعل حبيب يصف ذلك بالفضيحة.

وأخيرًا نبشر أعداء الله ممن يسيئون إلى مقدسات الأمة ويستهزئون بها أن تجاوزاتهم هذه لن تنال من الإسلام, بل إن ذلك سيؤدي إلى تمسك المسلمين بدينهم أكثر, وسيهتم بالدين من لم يهتم به منهم. كما أن هذه الأفعال ستؤدي إلى لفت الأنظار إلى الإسلام من غير المسلمين. خاصةً في البلاد التي يُساء فيها إلى الإسلام.
وإذا أراد اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلةٍ طُوِيَتْ أتاحَ لها لِسانَ حَسُودِ
لَوْلاَ اشتِعَالُ النَّارِ فيما جـاورَتْ مَا كان يُعرَف طِيبُ عَـرْفِ العـُودِ
فأحداث سبتمبر في أمريكا أدت إلى تضاعف أعداد الأمريكيين الداخلين في الإسلام كما أسلفنا, كما أن إساءة بنديكت الألماني في محاضرته الشهيرة أدت إلى إسلام أربعة آلاف من بني جلدته في هذا العام. ومن ينس أن إساءة الرسوم الدانماركية أدت إلى انتشار الإسلام في أوربا خاصةً في الدانمارك صاحبة الإساءة؛ ولذلك نتوقع أن يؤدي ما حدث لشهيدة الحجاب [رغم أنف المنكر لهذه الصفة](الدكتورة مروة الشربيني ) في ألمانيا إلى تمسك المسلمات بحجابهن بل وسترتدي السافرة منهن لباس العفة هذا بإذن الله, كما سيؤدي استشهادها إلى انتشار الإسلام خاصة في ألمانيا. بعد أن أسلمت إحدى الألمانيات على يديها في حياتها .
فاللهم كما كفيت نبيك صلى الله عليه وسلم المستهزئين اكفنا الجدد منهم يا رب العالمين.
{ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) } [الأعراف].

مع تحيات
هشام محمد طلبة
ونحن في انتظار رسائلكم وتعليقاتكم
الإيميل : [email protected]
(1) الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية , سيد محمود القمني ، الناشر:مدبولي الصغير ( ص 30- 44) بتصرف .
(2) هذه الفقرة مستخلصة من كتب القمني:" عفاريت التراث" (ص 362:364) ، و " أهل الدين والديمقراطية " ( ص 318 ), نقلًا عن مقال الأستاذ ممدوح إسماعيل "جائزة لشيطنة سيد القمني جسر لليونسكو " - جريدة اليوم السابع بتاريخ 15 / 7 / 2009م.ش

القلب الحزين
24-12-2013, 06:52 PM
الحرب الناعمة على الإسلام



إعداد سامي بن خالد الحمود
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1227907218_sh20_ou01_.jpg
غلاف كتاب الإسلام المدني الذي صدر مؤخرا عن وزارة الخارجية الأمريكية

الحمد لله وحده، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته، وصلى الله وسلم على خاتم رسله وأشرف خلقه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
بعد سبع حملات صليبية فاشلة في مائتي سنة، يؤسَر قائد الحملة الصليبية السابعة ملك فرنسا لويس التاسع في مصر على يد المماليك، ثم يطلق سراحه من سجن المنصورة بفدية مالية كبيرة، فيقسم الأيمان المغلظة ألا يعود لحرب المسلمين، ثم يطلب من الصليبيين في وصيته قبل وفاته، أن يغيروا خططهم في غزو المسلمين، ويتحولوا من القتال العسكري إلى الغزو الفكري فكانت بداية الحركة الاستشراقية.
ولا يزال التاريخ يعيد نفسه، والسيناريو يتكرر، عندما أعلن بوش الحرب الصليبية على بلاد المسلمين ولقي هزيمة نكراء في العراق وأفغانستان، فارتفعت الأصوات بانتخاب أوباما والتحول من الحرب الغاشمة إلى الحرب الناعمة.. فما حقيقة هذه الحرب، وما موقفنا منها؟
الموضوع في 4 نقاط:
1. استراتيجية الحرب الجديدة:
هناك دراسات كثيرة، من أهمها دراسات مؤسسة راند.. ولماذا هذه المؤسسة بالذات؟
راند مؤسسة فكرية بحثية تابعة للقوات الجوية الأمريكية، وهي أهم مؤسسة فكرية مؤثرة على صناعة القرار في الإدارة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط.
ومن أبرز ما أصدرته مؤسسة راند (http://www.rand.org/pubs/monograph_reports/MR1716/MR1716.pdf) تقريران خطيران:
سأذكر لكم موجزاً للتقريرين، وتأملوا ما يجري الآن حولنا في هذه الفترة.
التقرير الأول: نشر في عام 2004م بعنوان (الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات). (http://www.rand.org/pubs/monograph_reports/MR1716/MR1716.pdf)
يهدف التقرير إلى تغيير الإسلام من خلال فهم طبيعة المنطقة؛ وتقسيم المسلمين إلى أربع فئات: مسلمين أصوليين أو متشددين، ومسلمين تقليديين، ومسلمين عصرانيين أو حداثيين، ومسلمين علمانيين.
أما فئة الأصوليين فتضم السلفيين السنة، و(الوهّابيين) كما يزعمون، وأتباع تنظيم القاعدة، وهؤلاء يعادون الديمقراطية والغرب، ويتمسكون بالجهاد وبالتفسير الدقيق للقرآن، ويريدون أن يعيدوا الخلافة الإسلامية، وهم متمكنون في الحجّة واستخدام العلم والوسائل الحديثة. ويوصي التقرير بمحاربتهم والقضاء عليهم، وتشويه فهمهم للإسلام، وإظهار عدم قدرتهم على الإدارة والسياسة ومواكبة الحياة، وتشجيع الصحفيين لنشر قضايا الفساد والخيانة ضدهم.
أما التقليديون وهم زوار الأضرحة وأرباب التصوف، فلهم رؤى معتدلة في العموم، وبعضهم قريب من الأصوليين، وهؤلاء يجب تأييدهم ضد الأصوليين، وإشعال الاختلاف والفتنة بين الطائفتين.
وأما الحداثيون أو العصرانيون الذين يريدون مسخ الإسلام ليتعايش مع العصر. ومعهم العلمانيون الذين يرون فصل الدين الحياة، فهم الأقرب إلى الغرب في المبادئ والسياسات، لكنهم في موقف ضعيف، فيجب مساندتهم، ونشر أعمالهم في الإعلام والمناهج، وتوفير الدعم الشعبي لهم، وتطوير منظماتهم المدنية.
ويتحدث التقرير عن قضايا أخرى من منظور تغريبي مشوه، مثل الديموقراطية وحقوق الإنسان، وتعدد الزوجات، والقوانين الجنائية في الإسلام كقطع الأيدي ورجم الزناة، والأقليات والأديان الأخرى، ولباس المرأة، وضرب الزوجات، واختتم التقرير بالتشكيك في جمع القرآن ونقله.
التقرير الثاني: نشر في عام 2007م بعنوان (بناء شبكات مسلمة معتدلة) ويقع في 217 صفحة، واستغرق إعداده ثلاث سنوات من البحث، ويدعو إلى أمركة مفهوم الاعتدال، وتفكيك وتفرقة الصف الإسلامي، ومما ذكر في التقرير:
- دعم المعتدلين وفق الرؤية الأميركية لمواجهة الإسلاميين.
- التحذير من دور المسجد في المعارضة السياسية، وعدم تمكن التيار العلماني من استخدام هذا المنبر.
- مقارنة بين الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي والمرحلة الحالية، وأن الخصم في هذه المرحلة هو الإسلام.
- تحديد ملامح الاعتدال بالمفهوم الأميركي، ويضع التقرير 11سؤالاً سخيفاً لتحديد المعتدل، تدور حول: القبول بالديمقراطية، والقبول بالمصادر غير المذهبية في تشريع القوانين، أي رفض الشريعة، واحترام حقوق النساء والأقليات الدينية، ونبذ الإرهاب والعنف.ويدعو لاستخراج النصوص الشرعية من التراث الإسلامي لدعم هذا الفكر.
- استخدام الدعاة الجدد (أو الدعاة من الشباب كما أسماهم التقرير) والبرامج التليفزيونية والشخصيات ذات القبول الإعلامي والجماهيري لدعم هذا التيار.
-الدعم المالي للأفراد والمؤسسات المتعاونين مع الاستراتيجية
- خطورة انتشار الإسلام والتيار السلفي في أوربا.
- الاستفادة من التجربة الإندونيسية في إشاعة الليبرالية خلافاً لباكستان وماليزيا الأصولية.
- في الشرق الأوسط يشكو التقرير من عدم وجود حركة ليبرالية علمانية واسعة القبول، وأنه يجب دعم العلمانيين التحرريين من المسلمين ويقدم أمثلة بالاسم للشخصيات التي يمكن التعامل معها.
- تشجيع ظهور المعتدلين في الإعلام، وفي الاجتماعات مع الشخصيات العليا في الدول، والقرب من صناع القرار.
- ضرب التيار الإسلامي بصراع فكري يقوم به فريق من داخل المجتمع المسلم من العلمانيين والحداثيين، والتيار التقليدي, ومحاولة ضم الدعاة الجدد والكتاب والإعلاميين وجمعيات المرأة لهذا الفريق ضد الإسلام السلفي الجهادي.
والخلاصة: أن ما تدعو إليه التقارير، هو معركة فكرية ضد الإسلام تنفذ بيد أناس من أبنائه، لهدم الإسلام باسم الإسلام، وتعطيل الشرعية باسم ضوابط الشريعة.
وصدق الله تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)، (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ).
إنهم يعملون ويخططون، ويكيدون ويمكرون، (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
ورغم الخطر نقول:تضمنت التقارير اعترافاً بالفشل وتناقضاً وتخبطاً، يدل على أن أمريكا فَشَلت ولا زالت تفشَل بحمد الله في حربها على الإسلام، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
2. أوباما والقوة الناعمة:
منذ انتخاب هذا الرجل وعقلاء الأمة يتخوفون من تحول الوجه الأمريكي من القوة الغاشمة إلى القوة الناعمة وفق ما تقتضيه المرحلة القادمة .
إن جرائم بوش وإن كانت فظيعة، لكنها بوضوحها أيقظت الأمة، وفضحت أمريكا الظالمة، وأسقطت أقنعتها الكاذبة.
ثم جاء أوباما ليغسل وجه أمريكا الذي لوثته دماء المسلمين، فخطب الأمة من قاهرة المعز، بخطاب ذكي كتب وألقي ببراعة، لم يستعمل فيه عبارات بوش كالحرب على الإرهاب، بل أشاد في خطابه بحضارة الإسلام واستشهد بعدد من الآيات القرآنية. وبالفعل كسب ود وتصفيق الآلاف من السذج، كالضعيف المظلوم الذي يفرح بأدنى تعاطف وتقدير من الظالم القوي.
نحن لا نريد أن نكون عدائيين ولا متشائمين، لكن لا نريد أن نكون مغفلين.. نحن لسنا بأسرى لنظرية المؤامرة، لكننا لسنا بضحايا لنظرية البلاهة.. والتاريخ يعيد نفسه.
نقل المؤرخ الجبرتي أن نابليون بونبرت الذي احتل مصر وخرب الأزهر الشريف واتخذ من أروقته اسطبلاً لخيوله، عندما دخل مصر جمع العلماء والمشايخ وألقى فيهم خطابًا تاريخيًا استفتحه بالبسملة, استشهد فيه بالآيات القرآنية قائلاً: (بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، لا ولد له ولا شريك له في ملكه.. أيها المشايخ والأئمة، قولوا لأمّتكم إن الفرنساوية هم أيضًا (مسلمين)، وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائمًا يحث النصارى على محاربة الإسلام).
وعلق عليه الجبرتي بقوله: "تمويهات على العقول بفاسد التخيلات التي تنادي على بطلانها بديهة العقل فضلا عن النظر"، ثم تهكم الجبرتي بقوله "إن الفرنساوية هم أيضا مسلمين" فقال: قوله مسلمين صوابه الرفع، ونكتة العدول إلى النصب إشارة إلى أن إسلامهم نصب.
وأبى الشعب المصري الأبي أن يسكت عن هذا المحتل، وجاهده بكل ما يملك من قوة حتى طرده وجيشه.
إن من السذاجة أن تقرأ السياسة الأمريكية من خلال شخصية أوباما، فهو مرشح حزب لن يخرج عن مصالحه، بل هو رئيس دولة لن يخرج عن إطارها السياسي المؤسسي الذي له أهدافه ومراكزه ومخططوه.
أمريكا تحاول بناء بعض ما أفسده بوش والمحافظون، الذين لم يجنوا سوى حذاءٍ عراقيٍ طائر أخطأ بوش فأصاب العلم الأمريكي، مع تدهور في السياسة، وانهيار في الاقتصاد.
أوباما جاء ليكمل ما بدأه بوش، في صفحة جديدة ضمن كتاب المشروع الأمريكي.
لا اختلاف في الاستراتيجية، وإنما الذي اختلف هو التكتيك والخُطّة، فالقطار يسير إلى نقطة واحدة على سكة واحدة، لكن السائق الأول ثور أهوج، والثاني ثعلب ناعم.كما قيل:
برز الثعلب يوما....في ثياب الواعظينا
فمشى في الأرض يهدي ...ويسب الماكرينا
مخطىء من ظن يوما.....أن للثعلب دينا
ما الجديد في خطاب أوباما ؟
واقعيًا لا جديد، حتى الكلام المثقف حول الإسلام المتسامح. كان يقوله بوش، بل كان يحضر حفل إفطار الصائمين في رمضان، في الوقت الذي تعيث جيوشه فساداً في أرض الإسلام.
لا فائدة في استفتاح الكافر خطابه بالسّلام ليدغدغ المشاعر، فالسلام ليس مجرد تحية تُلقى، بل هو حياةٌ وأمن للبشر .
يقول: إن أمريكا لن تكون في حرب مع الإسلام، وصدق، فأمريكا لا تحارب الإسلام الأمريكي بل تحارب الإسلام الحقيقي.. لأنها تريد إسلاماً جديداً على الطريقة الأمريكية.
ثم يتحدث عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وجيوش بلاده خلّفت حتى الآن، أكثر من مليونٍ ونصف شهيدٍ عراقيّ، وأكثر من مليوني امرأةٍ أرملة، وأكثر من سبعة ملايين طفلٍ يتيم، ومئات الآلاف من الأسرى، مع تدمير الحياة ونهب الأموال، وتنصيب الموالين للاحتلال على رقاب الشعب العراقيّ.
يتحدث عن دعم الاقتصاد (لا أدري اقتصادنا أو اقتصادهم)، وحقوق المرأة وتعليمها، مع أن اقتصادنا وتعليمنا بخير ما كفّت أميركا شرّها وأذاها عنا.
يتحدث عن فلسطين، وهو الذي تعهد بدعم الاحتلال اليهودي.. ووقف متخشعاً أمام حائط المبكى اليهودي، وانحاز مع اليهود في محرقة غزة وأباح استخدام الأسلحة المحرمة ضد المدنيين، ثم يتباكى على محرقة اليهود، ويهول في خطابه من صواريخُ حماس البدائية، في حين لم يتحرك له قلب ولا إنسانية في حق شهداء محرقة غزة ونسائهم وأطفالهم الذين قتلوا بأسلحة يهودية وأمريكية.
وأما قضية القدس، فإذا كان (النتن ياهو) يتبجح هذا الأسبوع بيهودية إسرائيل والقدس، فقد سبقه أوباما عندما صرح في خطاب له أمام منظمة إيباك اليهود أن القدس ستبقى عاصمة إسرائيل ولن تنقسم.
ثم لا جديد في دعوته لدولة فلسطينية لا تصل إلى 20% من أرض فلسطين، ولا تعرف مواصفاتها ولا سيادتها.. وإنما مثله كمثل زعيم عصابة سرق من أحد المساكين بيته وماله وحماره، فأخذَ المسكينُ يصرخُ ويبكي، وشكى حاله إلى زعيم العصابة، فوعده زعيمُ العصابة أن يُعيد له الحمار يومًا ما ، بشرط أنْ ينسى الدارَ والمالَ، فخرج المسكينُ يهتف: يحيا العدل، يحيا العدل.
والخوف كل الخوف أن تكون أماني الدولة الموهومة ذريعة لمطالبة العرب بتقديم تنازلات أكبر، في الوقت التي ترفع فيه إسرائيل سقف مطالبها في لعبة قذرة مكشوفة.
إن اليهود محتلون ولا حق لهم في فلسطين.. وإن المقاومة ليست عنفاً ولا إرهاباً، بل هي شرف للشعوب.
لقد كنت أقول فيما مضى: العبرة بالأفعال كما ذكر أوباما في خطابه، وأنا الآن أستغفر الله وأقول: بل حتى الأقوال التي ذكرها أبو حسين ليست كلها مقبولة.
يا أبا حسين.. المسلمون حقاً لا يرضون ببقاء جيوشك في بلادهم، ولا يعترفون بحق إسرائيل، ولا يتبرؤون من المقاومةَ الشريفة، ولا يقبلون بفهمك للإسلام، ولا بتعريفاتك للإرهاب والاعتدال.
يا أبا حسين.. لا تظن أن المجاملة أو التصفيق الحاد في جامعة القاهرة يعبر عن رأي الأمة وشرفائها.
ونقول بكل عزة، يا أبا حسين: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ونحن أكثر شعوب الأرض حبًّا للسلام، أعني السلام العادل، ونعادي من عادانا، ونسالم من سالمنا، وليس بيننا وبين شعوب أمريكا أو أوروبا عداء متى ما أوفوا بالعهد، بل مشكلتنا مع دولكم وحكوماتكم الظالمة، كما قال ربنا تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
فلهذا نقول: قديمة يا أبا حسين، قالها غيرك من رؤساء أمريكا.
يا أبا حسين.. والله العظيم إن وصولك إلى المكتب البيضاوي وكرسي أكبر دولة في العالم، لهو أمر حقير أمام الإسلام العظيم الذي خسرته، ولو عدت إلى دين أجدادك المسلمين البسطاء في كينيا لكان خيراً لك.
يا أبا حسين.. خذها رسالة ليست منا ولا من سادتنا، بل من سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم الذي استشهدت بإسرائه وصلاته بالأنبياء زوراً وتجاهلاً لدينك المحرف، إن محمداً صلى الله عليه وسلم يقول لك: (أسْلِمْ تَسْلَمْ، أسلمْ يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين).
لقد تعجبت كثيراً من أوباما حينما بدأ بالفعل بعد القول مباشرة في نفس المكان، فما إن أنهى خطبته العصماء حتى عقد جلسة تطبيعية على طاولة واحدة، مع سبعة من الصحفيين المسلمين المختارين سلفاً، ليتفاجأ السبعة أن ثامنهم صحفي إسرائيلي.. سبحان الله بعدد أهل الكهف (سبعة وثامنهم ..) صحفي يهودي من إسرائيل، في عمل غير بريء وغير مقبول، هل إسرائيل من الدول العربية أو الإسلامية التي يخاطبها أوباما؟ اعترض الصحفي المصري فهمي هويدي وانسحب من الحوار بعزة وكرامة، فيما بقي الآخرون وللأسف ومنهم رئيس تحرير صحيفة الوطن، وليس هذا بغريب على هذه الصحيفة وتوجهها، يكفي أن سمو النائب الثاني الأمير نايف حفظه الله قال قبل يومين: "إن توجه (الوطن) سيئ وينشرون أخبارًا غير صحيحة ولا أعرف لماذا، وأرجو أن تغير الجريدة هذا التوجه، أما أن تستكتب أصحاب الأهواء الذين يكتبون ضد العقيدة فهو أمر لا يليق بالجريدة ولا بأي مواطن ولا حتى بكاتب أو محرر". اهـ
3. ما الواجب على الأمة؟:
كيف تقف الأمة أمام هذا التيار الناعم، والغزو التغريبي الغاشم؟ هذه نداءات عاجلة:
النداء الأول: إلى قادة الأمة وحكامها.. يا قادة الأمة: إن كان بقي فيكم بقية من دين، وحرارة من يقين، فاتقوا الله في الثغر الذي ائتمنكم الله عليه، واتقوا الله يوم أن تعرضون عليه، والدنيا متاع قليل، وظل زائل، وكم من ملك رسمت له في الأرض علامات، فلما علا مات.
إن المسؤولية أمام الله عظيمة جداً .
ذكر ابن كثير في البداية والنهاية في أحداث سنة أربع وثمانين، قال: وفيها توفي عبد الله بن عبد العزيز العمري، وكان عابداً زاهداً، وعظ الرشيد يوماً فأطنب وأطيب‏، قال له وهو واقف على الصفا‏:‏ أتنظركم حولها من الناس؟ -يعني‏:‏ الكعبة-‏‏ فقال هارون‏:‏ كثير‏.‏ فقال الشيخ‏:‏ كل منهم يسأل يوم القيامة عن خاصة نفسه، وأنت تسأل عنهم كلِهم‏.‏ فبكى الرشيد بكاءً كثيراً، وجعلوا يأتونه بمنديل بعد منديل ينشف به دموعه‏‏.‏
إن التاريخ لا يرحم، وإن الشعوب المسلمة اليوم أكثر وعياً، ولا يجمعها إلا الدين، وما أزمة غزة وأزمة رسوم الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم عنا ببعيد.
إن الشعوب في الغالب لا تريدها علمانية ولا تغريبية، ولا شرقية ولا غربية، بل تريدها إسلامية، ووالله الذي لا إله غيره لو اجتمعت كلمة الحكام والشعوب على الدين واعتصموا بحبل الله المتين، لقويت شوكتهم، وعزت دولتهم، ومكن الله لهم في الأرض. (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).
النداء الثاني: إلى علماء الأمة الإسلامية.. ففي الأزمات يكثر السؤال والقيل والقال, وتتلفت الأمة إلى العلماء, لتسمع الكلمة الفصل, والكلمة هناك غالية قد تكلف الروح، لكنها ضرورة خصوصا إذا شوش التوحيد, ونطق الروبيضة في أمر العامة.
إن العالم قائد، فإن لم يقد انقاد, فإن انقاد أقبلت الفتنة والفساد.. العالم حارس فإذا نام الحارس دخل السراق.. العالم راعي, فإذا غفل الراعي هجم الذئب.. العالم ربان, فإذا حاد وماد غرقت السفينة.
ووالله ما انتهكت الشريعة، وهدم الدين، وغربت المجتمعات، إلا لما سكت العلماء الناصحون، وضعفت كلمتهم، وتأول بعضهم، وفسد دعيّهم، وآثر السلامة بدعوى الحكمة والفتنة (ألا في الفتنة سقطوا).
واجب العلماء تربية النّاس على التوحيد الخالص، وعقيدةِ الولاء والبراء، وصدقِ الديانة، وإدراكِ حقيقة الصّراع، واستبانةِ سبيل المُجرمين والتحذير منهم، والصدعِ بالحق بحكمة، والحذرِ من الفتنة بمُسايرة الواقع وأهواء الناس.
قال الشاطبي رحمه الله: (المقصد الشرعي من وضع الشريعة هو إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدا لله اختيارا كما هو عبد لله اضطرارا) اهـ.
وإن تعجب من شيخ يفتي في أمر عام، أو يرمي بنصف كلام، لينفخ فيه أهل التغريب ويركبونه على ما يشتهون؛ فالعجب ممن اعتادوا الفتاوى الشاذة الموطئة لتغريب المجتمع وتحرير المرأة المسلمة، حتى أصبحوا مطية للمنافقين والمفسدين، وكانوا كمن يبيع العنب للخمارين. فيا هؤلاء:
قُلْ لمن دبّجوا الفتاوى: رويداً --- رُبّ فتوى تضجّ منها السماءُ
النداء الثالث: إلى دعاة الإسلام.. يا حملة الرسالة، يا سفراء محمد صلى الله عليه وسلم .. هل سألتم أنفسكم: إلى ماذا تدعون؟ وعلى أي منهج؟.
هل نحتاج إلى مزايدة على منهج الكتاب والسنة وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور: (تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض). أخرجه مالك مرسلا والحاكم مسندا وصححه وصححه الألباني وغيره. وفي الباب عشرات الأحاديث.
نحن لا نشك في وسطية الأمة، (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً).. لكن السؤال: أين الوسطية؟ ومن الذي يحددها ويرسم منهجها؟
إذا كنا نعاني من تيار غالٍ متزمت، ينتهج التكفير والتفجير مركباً، ونعاني بدرجة أقل من تيار متشدد في مواطن السعة، غير مواكب للواقع، يجعل من الحبة قبة، ومن الظني قطعياً، ومن المسألة الخلافية (أعني الخلاف السائغ) أصلاً في الولاء والبراء، وربما حصل من بعض أتباعه جلافة وسوء خلق، ويا ويل من خالف رأي الشيخ فلان وكأنه معصوم .. فنحن نعاني كذلك في الطرف الآخر من تيار جافي متفلت، تمييع للواجبات، وتهرب من الالتزامات، وتسويغ للمحرمات، بدعوى الخلاف، وبدعوى فقه الأولويات، وبدعوى التيسير المعاصر، وهو منهج حادث مضطرب الأصول (إن كان له أصول وقواعد)، أحيل في نقده إلى رسالة ماجستير قيمة بعنوان منهج التيسير المعاصر.
عجباً لداعية يقدم للناس ديناً مرقعاً بالرخص مشوهاً بالحيل، تحت ستار الخلاف أو فتوى شاذة أو زلة للعالم الفلاني، كما يفعله بعض الدعاة الجدد هداهم الله.. ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً بيننا هل سيرضى بهذا؟.
نحن نحسن الظن في هؤلاء الإخوة ونحفظ أعراضهم، لكننا من مقتضى المحبة والنصيحة نقول: يا دعاة الإسلام.. قليلاً من الورع.. قليلاً من التواضع واحترام التخصص، والرجوع للعلماء، أعني كل العلماء.. قليلاً من العزة بديننا ومبادئنا.. أو كلما سلك الغرب طريقاً اتبعناه.. أو كلما رفضوا شيئاً من ديننا تنكرناه.. أوكلما رأى الداعية تزمتاً أو تشدداً عند فئة قابله بانفلات وانفراط إلى الطرف الآخر.
إن تربية الشباب والأمة على دين خفيف متفلت بدعوى التيسير لا تبني جيلاً، ولا تؤسس بنياناً.
إن البناء الهزيل لا يقوم، وإن قام فلا يدوم.. وكم من داعية هتفت باسمه الألوف لأنه حرك فيهم ما تهواه النفس، وأحل لهم ما كان حراماً بالأمس، فلما وقع أدنى عارض انقلب عليه محبوه، وأبغضوه وشانؤوه، ذلك أن المنهج هزيل، وبني على التسهيل خلافاً للدليل، (فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
نسأل الله أن يوفق دعاة الإسلام في كل مكان وأن يرشدهم ويسددهم.
النداء الرابع: إلى الشعوب، إلى كل مسلم ومسلمة.
الوعيَ الوعي لما يحاك ضدنا، أن نعي ونوعّي غيرنا، عاملين لديننا، متعاونين في أعمالنا ومؤسساتنا الدعوية، مبتعدين عن التفرق قدر الإمكان، مدركين ما يسع الخلاف فيه وما لا يسع. محتكمين إلى الكتاب والسنة، على منهج رباني، لا أمريكي ولا تغريبي، وإذا اختلفنا فالمرجع العلماء الثقات، وهم موجودون، ولا نقول إنهم معصومون، ولا نتابعهم في زلة أو شذوذ، مع سلامة الصدر واللسان، واحترام المنزلة.
4. هل نحن متفائلون؟:
لا، بل نحن بإذن الله تعالى واثقون أن المستقبل لهذا الدين، أما النصوص الشرعية فكثيرة جداً، وأما الشواهد الواقعية فقد نقلت لكم من خلال تقارير الغرب تخوفهم من انتشار الإسلام، وأضيف شاهداً مهماً، وهو فيلم وثائقي لإحدى المنظمات الكندية المعادية للإسلام اسمه (ذي وورد إز شانجينق) العالم يتغير، وهو موجود في مواقع الفيديو على النت، ذكروا فيه معدلات الإنجاب وهجرة المسلمين إلى أوربا، وانتشار الإسلام في فرنسا، وأن عدد المساجد في بعض الأماكن فاق الكنائس كما في جنوب فرنسا، وأنه بحلول عام 2027م سيكون المسلمون خمس فرنسا، وبعد 39 سنة ستكون فرنسا مسلمة، ثم انتقل الفيلم بالأرقام إلى بريطانيا وهولندا وروسيا وبلجيكا وألمانيا التي حذرت حكومتها من تدني معدلات النمو السكاني وأن ألمانيا ستكون مسلمة بحلول عام 2050م، وذكر التقرير أن المسلمين في أوربا وهم 52 مليون مسلم قادرون على تحويلها كلها إلى قارة مسلمة. ثم عاد التقرير إلى مصدره كندا، حيث الإسلام الأسرع نمواً، ثم أمريكا التي بلغ المسلمون فيها التسعة مليون، ويختم الفيلم بالدعوة إلى الاستيقاظ للتبشير برسالة المسيح، والحذر من المد الإسلامي.
وأقول: هذه التقارير والأرقام يجب أن لا تخدرنا أو تدفعنا للتواكل، بل يجب كذلك أن تزرع فينا الأمل، وتدفعنا إلى الدعوة والعمل.. ثم يجب أن لا نغفل عن الجانب الأهم وهو الكيف والمنهج قبل الكم والعدد، لقد عرف الغرب أنه لا يمكن القضاء على الإسلام بالقطع والاجتثاث، بل بالمسخ والتغريب، ليصبح ديناً باهتاً، مطية لكل راكب، لا يهش ولا ينش، باسم السماحة والاعتدال.
أهله كثير لكنهم غثاء كغثاء السيل، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم .
والمسؤولية علينا جميعاً في تقديم الصورة الجميلة للإسلام في سماحته ورحمته وحسن أخلاقه كما يريدها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا كما يريدها الغرب ولا أمريكا.
وإذا كنا قد تحدثنا في هذا الموضوع عن رأس الأفعى الناعمة التي تحارب الإسلام، فإني أرجو الله أن نتحدث في مناسبات أخرى عن ذيول هذه الأفعى في بلاد المسلمين، من المنافقين والتغريبيين.. (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).. والعاقبة للمتقين.
26/6/1430 هـ
نقلا عن موقع صيد الفوائد (http://www.saaid.net/gesah/sami/52.htm)
مؤسسة راند للدراسات
http://www.rand.org/pubs/monograph_reports/MR1716/

القلب الحزين
24-12-2013, 06:54 PM
هام: مرض الايدز( السيدا ) أعراضه مع صور مصابين (يُرجى عدم دخول الأطفال والحوامل)



وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً "{ الإسراء32


اعراض الايدز


متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الأيدز) اعتلال خطير ينتج عن عجز مقدرة أجهزة المناعة في الجسم على الدفاع عن نفسه من كثير من الأمراض. فعندما يغزو فيروس نقص المناعة البشري Human immunode Ficiency Virus (HIV) وهو الفيروس المسبب للايدز الخلايا المناعية الرئيسية والمسماة خلايات اللمفية T-Lymphocytes ويتكاثر فانه يسبب تدميراً لجهاز المناعة بالجسم مما يؤدي إلى حالة ساحقة من العدوى أو السرطان أو هما معاً وهكذا يكون الجسم لقمة سائغة وفريسة سهلة للعلل والأمراض، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى الموت. ورغم أن الباحثين كانوا يتبادلون حالات هذا المرض منذ عام 1959م إلا ان أول اكتشاف للايدز كان في أمريكا عام 1981م ثم تتابع تشخيص حالات هذا المرض في جميع أنحاء العالم.

ما هو سبب متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الايدز)؟
- يسبب مرض الأيدز فيروسات في مجموعة الفيروسات التي تدعى الفيروسات الخلفية أو الارتدادية أو الارتجاعية (Retroviruses) وقد تم أول اكتشاف لهذا الفيروس بوساطة الباحثين الفرنسيين عام 1983م والباحثين الامريكيين في عام 1984م وفي عام 1985م أصبح الفيروس يدعى فيروس العوز المناعي البشري (Hiv) كما اكتشف العلماء فيروساً آخر اطلق عليه Human immunode Piciency virus-2(Hiv-2) يهاجم هذا الفيروس كريات دم بيضاء معينة وتشمل هذه الكرات الخلايا التائيه المساعدة والبلاعم التي تؤدي دوراً مهماً في وظيفة جهاز المناعة. وفي داخل هذه الخلايا يتكاثر هذا الفيروس مما يؤدي إلى تحطيم الوظيفة الطبيعية في جهاز المناعة، لهذا السبب فإن الشخص المصاب بفيروس (Hiv) يصبح عرضة للاصابة بأمراض جرثومية معينة قد لا يصاب بها الشخص العادي أو قد لا تكون محرضة بطبيعتها، وتسمى هذه الحالات بالحالات الانتهازية (Opportanistic).

ما هي اعراض مرض الايدز؟
- قد يكمن فيروس الأيدز في جسم الشخص لعشر سنوات أو أكثر بدون أن يحدث أي مرض. كما ان نصف الاشخاص المصابين بالايدز يظهر لديهم اعراض مصاحبة لامراض اخرى تكون في العادة أقل خطورة من الأيدز. لكن بوجود العدوى بالايدز فإن هذه الاعراض تطول وتصبح أكثر حدة وهذه الاعراض تشمل تضخم الغدد اللمفاوية وتعباً شديداً وحمى وفقدان الشهية وفقدان الوزن والاسهال والعرق الليلي، والتهاب اللثة، وقرح الفم، والعلل الجلدية، وتضخم الكبد أو الطحال أو كليهما، فاذا صارت هذه الأعراض مزمنة، فإن الشخص الذي يعانيها يعتبر مصاباً بما يسمى مركب الحالات المتعلقة بالايدز AIDS Related complex (ARC) وفي حالات اخرى تكون اول علامة للاصابة بفيروس الأيدز هي ظهور واحد أو اكثر مما تسمى الحالات الانتهازية من العدوى (Opporlunistic infection) أو السرطان (Cancer) التي تصاحب الأيدز. ومن اكثر الحالات شيوعاً هي الحالة التي يكون فيها اللسان مغطى بنتوءات بيضاء، وهو ما يسمى "القلاع الفمي" Oral thrush أو الاصابة بفطر الكانديدا Candidiasis وهذه الكانديدا تدل على تدهور جهاز المناعة، والاصابة بالطفيليات المعوية تعد مشكلة اخرى، وتشمل الأمراض الشائعة الاخرى المتعلقة بمرض الايدز: الالتهاب الرئوي الناتج عن الاصابة بطفيل يسمى المتكيس الرئوي الكارنيني Pneumocystis carinii وهذا الطفيل يصيب حوالي 60% من مرضى الأيدز والالتهاب الرئوي الناتج يسمى حينئذ Pneamocystis carinii pnumonia، كما يوجد سرطان جلدي (يكون نادر الحدوث في غير المصابين بالايدز) يسمى Kaposi sar coma ومن الكائنات المرضية أو الامراض الاخرى فيروس البشتين - بار Epstein-Barr virus (EBV) وفيروس الحلا أو الهربس البسيط Herpes Simplex virus وفيروس السيتوميجالو Cytomegalo Virus (CMV) وأيضاً بعض الأمراض الناتجة عن بكتيريا مرضية مثل السالمونيلاوالتكسوبلازما والدرن (السل)، ycobacterium Aviumintrace llulare ، وقد يصاب بعض الناس بفيروس الأيدز ولا تظهر لديهم الأمراض الانتهازية ولكن قد تظهر عليهم الأعراض خلال سنتين إلى عشر سنوات أو أكثر أو بعد الاصابة بالفيروس. اما الأطفال الذين يولدون وهم مصابون بالايدز فقد تظهر عليهم الاعراض في فترة تقل عن المدة السابقة الذكر في البالغين.

كيف ينتقل فيروس الايدز؟
- لقد استطاع الباحثون تحديد ثلاث وسائل لانتقال فيروس الأيدز ووتشمل:
1- الاتصال الجنسي.
2- التعرض للدم الملوث.
3- انتقال الفيروس من الأم الحامل إلى الجنين، ويعتبر الاتصال الجنسي غير المشروع السبب الرئيسي لانتقال الفيروس. ويكون احتمال الانتقال أكبر في اللواط (الشذوذ الجنسي) ولكن اتضح ان الزنا (البغاء) يؤدي أيضاً دوراً كبيراً في انتقال الفيروس، قال الله تعالى {ولا تقربوا الزنى انه كان فاحشة وساء سبيلا}، وعن آثار انتشار الزنى واللواط في المجتمعات يقول صلى الله عليه وسلم: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها الا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا"، رواه ابن ماجة. كما ان فيروس الأيدز يصيب الاشخاص المتعاطين للمخدرات والذين يستخدمون الحقن والأبر بالمشاركة مع بعضهم البعض، كما أن الأشخاص المتلقين للدم والأشخاص المصابين بالناعورية (الهيموفيليا) قد يصابون بالفيروس نتيجة حصولهم على دم ملوث بفيروس الأيدز. كما أن السيدات الحوامل قد ينقلن فيروس الأيدز للأجنة على الرغم من عدم ظهور اعراض الأيدز لديهن، وبدراسة حالات الأيدز اتضح أن فيروس الأيدز لا ينتقل عبر الممارسات الاجتماعية غير الجنسية مثل الانتقال عبر الهواء أو الغذاء أو الماء أو الحشرات أو الملامسة، ولم تظهر أي حالة أيدز نتيجة المشاركة في استعمال ادوات المطبخ أو المشاركة في غرف الدراسة أو الحمامات.
تشير بعض الأبحاث التي أجريت في معهد باستير أن هذا الفيروس الخبيث قد يكون أكثر صعوبة وشراسة مما قيل للناس من قبل فلطالما دأبت السلطات الصحية على الادعاء بأن فيروس الأيدز لا يستطيع البقاء خارج جسم عائله، ولكن باحثي معهد باستير أظهروا بجلاء ووضوح أن فيروس الأيدز يستطيع البقاء خارج الجسم، بل يستطيع الحياة لمدة تصل إلى 11يوماً في مياه المجاري غير المعالجة، وبالتالي يتضح أن فيروس الأيدز ليس بالهشاشة التي كان يظنها الكثيرون سابقاً. ومع وجود وجهات نظر متباينة فإننا نعتقد أن هذا الفيروس الخطير قد يستطيع العيش لأيام عديدة خارج الجسم، في وسط جاف بحالة غير نشطة، ثم ينشط بعدها ويصير معدياً بالغ الشراسة داخل الجسم.

كيف يتم تشخيص الأيدز والعلاج؟
- في عام 1985م أصبح من السهل الكشف عن وجود دلائل فيروس الأيدز في الدم واسع الانتشار ومتوفراً للجميع وبهذه الفحوص أمكن التحقق من وجود الاجسام المضادة لفيروس الأيدز، والأجسام المضادة بروتينات تنتجها خلايا دم بيضاء معينة عند دخول الفيروسات أو البكتيريا أو الأجسام الغريبة إلى جسم الإنسان، ويدل وجود الأجسام المضادة لفيروس الأيدز في الدم على وجود العدوى بالفيروس، وباستخدام هذا الفحص للكشف عن فيروس الأيدز أمكن التعرف على وجود فيروس الأيدز في الدم في عمليات نقل الدم. أما الكشف عن فيروس الأيدز (Hiv-2) فقد تم الترخيص له في عام 1990م في الولايات المتحدة الامريكية، ومهما يكن فإن فيروس الأيدز يتميز بكونه قابلاً للتأقلم وقادراً على تغيير تكوينه بدرجة عالية. وطبقاً لما يقوله علماء اوكسفورد بانجلترا فإن هذا قد يكون هو مفتاح بقائه واستمراره. وهم يقولون أن فيروس الأيدز من خلال تحوراته الخبيثة أو تغييراته الماكرة التي يجريها في تركيبته الجينية يستطيع أن يراوغ الآليات الدفاعية للجسم الهادفة إلى التخلص من الخلايا المصابة بالعدوى وأن يشتت شملها. ونتيجة لذلك فإنه يتمكن من البقاء والاستمرار رغم الهجمات الشرسة التي يقوم بها جهاز المناعة.

ولا يمكن الاعتماد على فحص الدم فقط لمعرفة وتشخيص الأيدز، وقبل الحكم النهائي على الشخص بأنه مصاب بالأيدز فإن لدى الطبيب اختبارات أخرى مثل حالة المريض وتاريخه الاجتماعي ومظهره الخارجي.

وعلى الرغم أن هناك محاولات عديدة لعلاج مرض الأيدز، الا انه لا يوجد حتى الآن علاج ناجح لهذا المرض، وطبقاً لما تقوله هيئة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بالولايات المتحدة الامريكية فقد تم تشخيص مرض الأيدز لدى أكثر من ثلاثة أرباع مليون أمريكي منذ عام 1981م وحوالي 70% من هذا العدد قضوا نحبهم. ويعتبر الأيدز الآن سبباً رئيسياً للموت المبكر بين الامريكيين. لقد درس كثير من الباحثين العديد من الأدوية التي تستطيع ايقاف نمو فيروس الأيدز في مزارع المختبرات ويعتبر دواء زيدوفودين Zudovudine (Retrovir) والذي يسمى عادة (AZT) ودواء زالسيتابين (HiviD) ويفضل تسسميته (ddc)، وستافودين (Zerit) ويسمى (d4T) والديانوسين vidrx ويسمى (ddI) ولاميغودين Epivir ويسمى (C3) وجميعها من نظائر ال Nucleoside وعقار AZT كان هو أول عقار تمت الموافقة رسمياً على استخدامه ضد فيروس الأيدز Hiv وكان هو العقار الأول الذي استخدم لعلاج العدوى بفيروس الأيدز وقد أظهر أيضاً فاعلية كبيرة في منع انتقال الفيروس من الأم إلى الجنين أثناء الحمل والولادة. أما مشابهات النيوكليوسيد الاخرى، فقد كان ينظر اليها في الأصل على أنها بدائل لعقار AZT ولكن وجد بعد ذلك أ
نها تعمل جيداً مع AZT في كثير من الحالات. وهذه العقاقير يبدو أنها تطيل بقاء المريض وتؤخر تطور حالة العدوى بفيروس Hiv من المرحلة الخالية من الاعراض إلى مرض الأيدز بكامل شدته وقسوته (على الأقل في بعض الاشخاص). ويمكن استخدام كل منها على حدة أو مع بعضها البعض فمثلاً يستخدم عقار AZT مع واحد أو أكثر من العقاقير الاخرى.

ولكن هذه العقاقير لها أعراض جانبية سامة مثل الاسهال وفقر الدم مما يجعل من الضروري نقل دم للمريض، بالاضافة إلى أن دواء AZT غالي الثمن وصعب التصنيع ولذلك فإن هناك أدوية كثيرة يجري حالياً تطويرها أكثر فاعلية وأقل خطورة.

وقد أظهرت أبحاث اخرى أن ذات الرئة المتكيسة الرئوية الكاريبية يمكن علاجها باستخدام مضادات حيوية وباستثناء دواء البنتاميدين. ويستخدم الدواء الحيوي الانترفرون (وهي مادة كيميائية تنتجها خلايا الإنسان وحيوانات ثديية اخرى استجابة لاصابتها الفيروسية أو استجابة لكيميائيات محددة وتوجد ثلاثة أنواع من الانترفونات تمنع انتشار الاصابات الفيروسية، كما تمنع نمو الخلايا الخبيثة) في علاج الأيدز، واضافة إلى ما سبق فإن العلماء يحاولون التعرف على بعض الأدوية الاخرى التي تساهم في اعادة جهاز المناعة إلى وضعه الطبيعي.

هل هناك أدوية عشبية أو مكملات غذائية تفيد في الحد من الأيدز أو تساعد في اعطاء مريض الأيدز عمراً أطول؟
- يوجد أعشاب هامة ذات تأثير على فيروس الأيدز ومكملات غذائية صحية ومشتقات حيوانية تلعب دوراً في فيروس الأيدز وهي:
- عشبة القديس يوحنا: والمعروفة باسم St. John.s wort وهي عبارة عن نبات شجري معمر يحتوي على مادة الهيبرسين Hypericin وPseudoh ypericin وهما من المواد المضادة للفيروسات وهما من المواد النشطة ضد فيروس الأيدز وذلك على حيوانات التجارب. وقد تم استخدام خليط من مادة الهيبرسين وعديد من المستخلصات الاخرى كعلاج لعدوى فيروس سيتوميجا لوفيروس وهي واحدة من العديد من الاصابات الانتهازية التي يمكنها أن تقتل مرضى الأيدز. وقد وجد أن مادة Pseadoh ypericin تقلل من انتشار فيروس الأيدز في أنابيب الاختبار وعلى حيوانات التجارب، بينما القليل من الدراسات على مرضى الأيدز قد توقعت بعض الفائدة من مادة الهيبرسين.

- الصبر Alor
لقد تحدثنا عن نبات الصبر وعن مركباته وتأثيراته ولكن من أهم تلك المركبات أسيمانان Acemannan التي تنبه جهاز المناعة بقوة وربما تكون ذات فائدة في علاج الأيدز. وقد لوحظ في الدراسات التي تمت في انابيب الاختبار أن مادة السيمانان فعالة ضد فيروس الأيدز وربما تقلل الاحتياج إلى أدوية الأيدز المعروفة مثل عقار AZT وتقلل الأعراض الجانبية القوية لهذا العقار والجرعات التي يجب تناولها من مركب الاسيمانان 250ملجرام 4مرات في اليوم والجرعات الكبيرة تصل إلى 1000ملجم لكل كيلو جرام من وزن الجسم يومياً لم تسبب تأثيرات سامة على الكلاب والفئران. حسب تقرير الهيئة الأمريكية لابحاث الأيدز تقول: "إن المحاولات المرشدة لم تعكس أي تأثيرات سامة على الإنسان!!

- الثوم Garlic
لقد تحدثنا كثيراً عن الثوم ولكن كشفت الدراسات الطبية أن الثوم له تأثير كبير ضد العديد من الاصابات الانتهازية المصاحبة لمرض الأيدز مثل الهربس والالتهاب الرئوي، كما وجد الباحثون أن مركب أجيون الموجود في الثوم يمنع أو يقلل انتشار فيروس الأيدز في الجسم. ويقال ان تناول ما بين 3 - 6 فصوص من الثوم الطازج يومياً يساعد في منع العدوى الانتهازية، كما اوصى خبير الأعشاب د. دارمانندا ومدير مشروع تعزيز المناعة في بورتلاند، أو ريجون ومؤلف كتاب: (Garlic as the Central Herbs for AIDS)


- الردبكية الأرجوانية Echinacea
يوجد عدة أنواع من هذا الجنس والنوع الأرجواني هو الافضل الذي يحتوي على حمض الكافئين وحمض الشيكوريك ومادة الاكنيسين Echinaciein هذه المركبات جميعاً لها خصائص مضادة للفيروسات مشابهة للانترفيرون interferon)) وهو المركب الخاص الذي يكونه الجسم لمقاومة الفيروسات والذي سبق الحديث عنه آنفاً. وتشير بعض الدلائل إلى احتمال كبير لاستخدام حمض الشيكوريك كعلاج للايدز وينصح الخبراء بعدم تناول نبات الردبكية يومياً حيث يقولون إن جهاز المناعة يتعود على العشب وبالتالي تقل مقدرة العشب على تنبيه جهاز المناعة ومن الأفضل أن تؤخذ عشبة الردبيكية مرة واحدة يومياً ولمدة اسبوع فقط ثم يتوقف عن تناولها عدة أيام ثم يعاود الاستعمال وهكذا.


- البصل Onion
يعتبر البصل واحداً من أفضل المصادر لمركب الكوريستين (Quercetin) المضادة للاكسدة وهذه المادة أو المركب تتركز في قشرة البصل، ويشبه البصل الثوم في خواصه المضادة للفيروسات. ويمكن استعمال البصل يومياً مطبوخاً بقشرته ونزعها قبل الطعام حيث أنها غنية بمادة الكوريستين.


- الكمثرى Pear
تعتبر ثمرة الكمثرى من الثمار الغنية بأحماض الكافئين والكوروجينك، وحمض الكافئين يحفز كثيراً جهاز المناعة. كما وجد الباحثون أن حمض الكلوروجنيك له نشاط مضاد لفيروس الأيدز ويجب تناول الكمثرى يومياً.


- حزاز ايزلاند Iceland MOSS
حزاز ايزلاند والمعروف علمياَ باسم Cetrara islandica وقد وجد العلماء بجامعة الينوي أن المركبات المستخلصة من حزاز ايزلاند تثبط أحد الأنزيمات الضرورية لتكاثر فيروس الأيدز. وحيث أن أدوية مرض الأيدز المعروفة والتي تحدثنا عنها مسبقا (AZT) وغيرها والتي أقرتها إدارة الغذاء والدواء الامريكية (FDA) تؤدي نفس العمل ولكن أتضح انها سامة ولا تثبط نشاط الفيروس بالكامل. ولكن مكونات حزاز ايرلاند من ناحية اخرى وجد أنها غير سامة في الدراسات المخبرية بالنسبة للخلايا، وعليه يجب على مرضى الأيدز الإكثار منه في غذائهم اليومي سواء مع السلطة أو على هيئة شوربة.


- الأخدرية Evening Pnimrose
نبات الأخدرية عشب ثنائي الحول وجد أن زيت البذور غني جداً بحمض الجاما لينولينيك حيث قامت أبحاث في تنزانيا بدراسات على هذا الحامض فوجدوا أن العمر المتوقع للأشخاص الذين كانوا موجبين لفيروس الأيدز كان أكثر من الضعف عند اضافة حامض جاما لينولينيك والزيوت المفيدة المعروفة باسم الأحماض الدهنية اوميجا - 3 الى طعامهم وعليه يمكن طحن بذور نبات الأخدرية وإضافتها الى الطعام للمصابين بمرض الأيدز.

- الزوفا Hyssop
الجزء المستخدم من نبات الزوفا الرؤوس المزهرة والزيت الطيار وتحتوي الرؤوس المزهرة والزيت على تربينات بما في ذلك الماروبين وثنائي التربين وراتنج الماروبين. وقد وجد ان الماروبين والمسمى 10 - MAR من خلال التجارب المجراة عليه أنه يثبط التسبب في أذى الخلايا السليمة، وقد توقع الباحثون الذين توصلوا الى هذا الاكتشاف ان نبات الزوفا ربما يكون مفيداً في علاج الأيدز. ويمكن لمريض الأيدز استخدام نبات الزوفا على هيئة مغلي وذلك بأخذ ملء ملعقة أكل من عشبة الزوفا واضافته الى ملء كوب ماء مغلي وتركها لتنقع لمدة 10 دقائق ثم تصفى وتشرب بمعدل ثلاث مرات في اليوم مع الأكل.


- الاستراجالس Astragalus
ويوجد من هذا الجنس عدة أنواع وهذا النبات الآسيوي يعتبر في مقام نبات الردبكية الأمريكي. لقد جرب على عشرة من المرضى بإصابات فيروسية خطيرة انخفض مستوى الخلايا الطبيعية القاتلة في أجسامهم وهي نوع من خلايا الدم البيضاء المتخصصة التي تهاجم مستخلص نبات الاستراجالس بالحقن لمدة 4 أشهر بالمقارنة مع المرضى الذين لم يتناولوا مستخلص الأستراجالس، فإن مستوى الخلايا الطبيعية القاتلة قد ازداد بشكل واضح، كما زادت بقية مكونات جهاز المناعة وتحسنت الأعراض المرضية.

- زهرة سوزان ذات العيون السوداء Black-eyd Susan
يوجد عدة أنواع من هذا الجنس. لقد ذكرت بعض الأبحاث أن مستخلص جذور زهرة سوزان يعتبر من المنبهات القوية التي تحفز جهاز المناعة اكثر من مستخلص الردبكية الأرجوانية الأمريكية ويمكن لمرضى الأيدز استخدام مقدار خمس ملاعق صغيرة من مسحوق جذر النبات لكل كوب ماء مغلي بمعدل ثلاث مرات على هيئة مغلي يومياً.


- الأرقطيون Burdock
الأرقطيون نبات ثنائي الحول ذو ساق يصل ارتفاعها الى 1,5 متر وله ورقة معكوفة وفي نهاية الأفرع أزهار محمرة ويعرف أيضاً باسم البلسكاء وعلمياً باسم Arctium Lappa ويعتبر الأرقطيون اكثر الأعشاب المزيلة للسموم اهمية في طب الأعشاب الغربي والصيني على حد سواء. الجزء المستخدم من النبات جميع اجزائه بما في ذلك الجذور يحتوي النبات على جلوكوزيدات مرة «أرقيتوبيكرين» وفلافونيدات وحمض العفص وزيت طيار ومتعددات الأسيتيلين. وحسب المنشور في النشرة Lawrence Review of Natral Products وهي نشرة محترمة فإن الأرقطيون سواء كان في شكل عصير او مستخلص له نشاط ضد فيروس الأيدز في انابيب الاختبار ويمكن لمريض الايدز استخدامه مع الأكل.

- البلسان Eldenberry
والبلسان شجرة يصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار لها أوراق بيضوية وازهار كثة قشرية اللون وثمار على هيئة عنبات زرقاء إلى سوداء اللون الجزء المستخدم من النبات جميع الأجزاء الهوائية فقط. يعرف النبات علمياً باسم Sambucsrigra ويحتوي على فلافونيدات وأهمها مركب الروتين وحموض الفينوليك وثربينات ثلاثية وسيترولات وزيت طيار ومواد هلامية وحموض العفص وفيتامين أ، جـ وانثوسيانينات. لهذا النبات سمعة قديمة ضد الفيروسات، وقد تمت دراسته لاختبار النشاط ضد فيروس الايدز ووجد أنه له نشاط لكن الدراسات لم تنته بعد ويمكن لمرضى الأيدز استخدام هذا النبات إما طازجاً مع السلطة او على هيئة مربى أو جيلي حيث يوجد على هذه الأشكال.

- عقد النباتات البقولية:
إذا لاحظنا جذور النباتات البقولية لوجدنا أن عليها عقداً صغيرة هي في الأساس بكتيريا متعايشة مع النبات تزوده ببعض المواد التي تحتاجها. وقد يسمى حديد الدم. لقد بينت الدراسات أن هذه المادة تزيد من نشاط ادوية علاج الأيدز مثل AZT ضد الفيروس وعليه يمكن لمرضى الأيدز تناول كميات من هذه العقد ولكن إذا وجد أن المريض يعاني من زيادة في الحديد فيجب علي المريض عدم استخدام هذه العقد البقولية.

- الفجل الأسود + الهندباء + الخرشوف :
هذه النباتات مجتمعة تحتوي على مواد تحمي الكبد وتساعد على إصلاح أنسجته بالإضافة إلى تنقيتها للدم وحيث ان الكبد هو العضو المختص بالتخلص من السموم ويجب أن يعمل بشكل سليم لذا فإن استخدام مزيج من هذه المواد التي توجد في مستحضر جاهز يمكن الحصول عليه من محلات الأغذية التكميلية يقوم بتنظيم وظائف الكبد وهو يلزم مرضى الأيدز.

- مخلب القط cats claw
ومخلب القط شجرة معمرة متسلقة تشبه العنب حيث يصل ارتفاعها في بعض الاحيان إلى 100 قدم اوراقه بيضاوية وبسيطة وهي كبيرة حيث يتراوح طولها ما بين 7 إلى 18 سم وعرضها ما بين 4 إلى 13 سم. الجزء المستخدم من النبات الجذور فقط يعرف مخلب القط علمياً باسم urcaria tomentaosa تحتوي الجذور على قلويدات وثربينات ثلاثية واحماض عضوية وجلوكوزيدات وسيترولات يعمل جذر مخلب القط على تنشيط جهاز المناعة وقد تبين أنه يفيد مرضى الأيدز والسرطانات المتعلقة بالإيدز مثل سرطان كابوسي ويوجد تركيبة من هذا النبات تحت مسمى cats claw Defence complex وهو من انتاج Source Nataras وهذا المستحضر خليط من مخلب القط كمادة اساسية مع اعشاب اخرى من مضادات الأكسدة مثل بيتا كاروتين وإن اسيتيل سستين وفيتامين جـ ومعدن الزنك. ويجب عدم استخدام مخلب القط اثناء الحمل.


- الجنسنج السيبيري Siberian Ginseng
نبات معمر قوي يصل ارتفاعه الى 3 أمتار يحمل على كل ساق 3 - 7 وريقات مسننة. الجزء المستخدم من النبات جذوره ويعرف الجنسنج السبيري علمياً باسم Eleuthenccoccus Senticosusتحتوي الجذور على إلوتيروزيدات وبروبايندات الفنيل وليغنانات وكومارينات وسكريات ومتعددات السكريد وصابونينات ثلاثية التريين وغليكانات. يعتبر الجنسنج السيبيري من المقويات الجيدة على الجسم وبالأخص على الغدد الكظرية مما يساعد على احتمال العدوى والبرودة والحرارة والكروب البدنية الأخرى والأشعاع ولتحسين المرونة العقلية والإرهاق واهم من ذلك كله انه ينبه جهاز المناعة ويساعد في علاج علل الشعب الرئوية ويزيد الطاقة. يجب عدم استخدام هذا النبات للذين يعانون من انخفاض في جلوكوز الدم او ارتفاعاً في ضغط القلب او علل القلب.

هذه بعض الصور لمصابين بالايدز

اللهم نسالك الصحة والعافية

الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثير من الناس وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
اصبر عن الحرام - يمتعك الله بالحلال
لا تقع في الحرام فتدفع الثمن حياتك وعمرك وسنين من الألم والعذاب والشقاء وفي الآخرة توضع في تنور النار
تركت كثير من الصور التي رأيت أنها قوية جدا وأكثرها حول منطقة العانة فرأيت استبعادها
معلومات مهمه عن الإيدز
احصائيات الدول العربيه القديمه للمصابين بالإيدز (الحمدلله الذي عافانا ممن ابتلاهم به وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلا)
مصابي الإيدز في الدول العربيه 512,000 يعيشون في السودان
يليه الصومال 43,000
فالمغرب 14,000
فاليمن 11,227
فجيبوتي 8,283
فليبيا 7,000
فمصر 3,584
1,951 فلبنان
فعُمان 1,447
.فسعوديه 1200مصاب
وتحوي بقية الدول العربية ما يقل عن ألف مصاب، وهي البحرين والعراق والأردن والكويت وفلسطين وقطر وسوريا وتونس والإمارات، .
ما هي أعراض المرض ومتى تظهر؟
وممكن قول ان ظهور الأعراض الواضحه والمقززه ويعرف منها انه مصاب بالإيدز على المريض من 5 - 12سنه
وقليل ما يكون ظهوره بعد 3سنوات او فوق 12سنه
اكرر : اقل مده لظهور الاعراض على مريض الايدز بعد 3 سنوات على الاقل
وهنا بالتفصيل
يمر المريض بفترة حضانة وهي المدة الفاصلة بين حدوث العدوى وبين ظهور الأعراض المؤكدة للمرض، وهي مدة غير معروفة على وجه الدقة، إذ يبدو أنها تترواح بين 6 شهور وعدة سنوات وتكون في المتوسط سنة عند الأطفال و 5 سنوات في البالغين
بعد 3-4 أسابيع من دخول الفيروس للجسم يعاني 50-70% من المصابين من توعك وخمول وألم في الحلق واعتلال العقد الليمفاوية وآلام عضلية وتعب وصداع ويظهر طفح بقعي على الجذع
تستمر هذه الأعراض لمدة اسبوعين أو 3 أسابيع ثم تختفي ويدخل المريض في طور الكمون
يستمر طور الكمون من شهور إلى عدة سنوات يتكاثر خلالها الفيروس ويصيب أكبر كمية ممكنة من خلايا الجهاز المناعي
في المرحلة التالية تظهر أعراض على شكل تضخم منتشر ومستديم في العقد الليمفاوية وتدوم 3 أشهر على الأقل مع عدم وجود سبب لهذا الاعتلال
تتطور الحالة لتشمل المظاهر التالية:
نقص الوزن
فتور وتعب
فقد الشهية
إسهال
حمى
عرق ليلي
صداع
حكة
انقطاع الطمث
تضخم الطحال
مرحلة الإيدز:
تمثل أسوأ مراحل العدوى وتظهر العلامات السابقة ولكن بصورة أشد وضوحا مع وجود أمراض انتهازية وأورام خبيثة نتيجة للعوز المناعي(
تظهر الأعراض على 25% من المرضى بعد مرور 5 سنوات على الإصابة، وعلى 50% من المرضى بعد 10 سنوات وبعض المرضى لا تظهر عليهم الأعراض أبدا
بعض العوامل تساعد على سرعة ظهور الأعراض مثل:
تكرار التعرض للعدوى
الحمل
الإصابة بأمراض تضعف المناعة
هل يمكن معرفة مريض الإيدز بمظهره الخارجي؟
لا يمكن معرفة مريض الإيدز بمظهره الخارجي. التحاليل المخبرية (اختبارات الإيدز) وبعض الإعراض المتلازمة فقط تؤكد العدوى. أما عدى ذلك فالمريض يبدو في كامل صحته.
معاناه من نوع اخر (معاناه نفسيه حاده ) والله المستعان
يذكر العاملون في مجال مكافحة الإيدز ورعاية المصابين أن الأشخاص الذين أصيبوا بهذا المرض يرفضون الظهور أمام المجتمع كضحايا لهذا المرض القاتل، فهم يمتنعون عن التقاط أي صور لهم، وقرروا رفض لقاء وسائل إعلامية بعد أن أقدمت محطة إذاعية كبيرة على بث حديث مسجل معهم لمرات عديدة دون أن تغيّر ملامح أصواتهم خلال عملية "المونتاج"، على عكس ما وعدتهم به قبل التسجيل، على حد قول العاملين.
وتكشف نشرة أصدرها مؤخرا مكتب منظمة الصحة العالمية الإقليمي لشرق المتوسط، بالقاهرة عن حالات ألم نفسي يتجرعها المرضى والمقربون إليهم نتيجة رفض المجتمع لهم من خلال أربع قصص واقعية من المنطقة العربية.
أول هذه القصص هي لأخت أحد ضحايا المرض وعمرها 23 عاما، تقول فيها: "كان الخبر كارثة مدمرة، فالأمر لم يقتصر على اكتشاف إصابة أخي بالمرض المميت، ولكن أسرتنا حلّت عليها أيضا وصمة العار"، وقد آثرت هذه الفتاة الصمت ولم تخبر أباها أو أمها أو زوجها بالأمر خشية أن تفقد أحد والديها نتيجة الصدمة، أو تنهار حياتها نتيجة رد الفعل المتوقع للمجتمع الذي سينالها هي أيضا، وليس أخاها فحسب.
والقصة الثانية لشاب عمره 26 سنة ذهب إلى المختبر ليتأكد من شكوكه حول إصابته بالإيدز، وجاءت النتيجة بما لا يشتهي، فصعقه الخبر، وظن أن خطأً ما قد حدث، إلى أن تذكر متى نال منه الفيروس فأخبر أخيه الذي ثار في وجهه واتهمه بالأنانية، وطلب منه أن لا يخبر أحدا حتى لا يجلب "العار" لنفسه وأسرته.
أما القصة الثالثة فتروي قصة امرأة عمرها 42 عاما توفي زوجها متأثرا بالمرض المهلك بعد أن نقله إليها دون أن يدري فاتهمها أبواه بأنها كانت السبب في إصابته بالعدوى، وأنها غير وفية له، وطردوها من منزلها وسلبوها أبناءها، وتقبلها أبواها غير أن مرض أبيها فرض عليها العمل لتتجنب أن يهلكها الجوع قبل الإيدز الذي يعمل دون كلل أو ملل للقضاء عليها. ومع تحملها لهذا الوضع المؤلم، فإنها واجهت الرفض من كل الذين يعرفونها، فاضطرت في نهاية الأمر إلى العمل في مكان بعيد لا يعرفها فيه أحد، وقضت أيامها الأخيرة في عناء متعدد المصادر والألوان.
والقصة الرابعة تحكي عن طفل فقد حقه في أن يواصل دراسته من أجل السعي إلى مستقبل أفضل بعد أن طُرد من مدرسته عقب أن ذاع خبر إصابة أبيه بالمرض المدمر، وهو لا يدري إلى الآن ما هو ذنبه الذي ارتكبه. وقد اضُطرت جدته التي تبلغ من العمر 65 سنة إلى كفالته.
الحمدلله الذي عافانا ممن ابتلاهم به وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلا
اتمنى ان تنشروها للجميع ولا تنسوني بالدعاء
http://saaid.net/mktarat/abahiah/x/1.jpg
http://saaid.net/mktarat/abahiah/x/3.jpg
http://saaid.net/mktarat/abahiah/x/5.jpg
http://saaid.net/mktarat/abahiah/x/14.jpg
http://saaid.net/mktarat/abahiah/x/17.jpg
http://saaid.net/mktarat/abahiah/x/19.jpg
http://saaid.net/mktarat/abahiah/x/4.jpg

القلب الحزين
24-12-2013, 06:55 PM
ابني الحبيب.. هذا حقك



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1205397180clip.jpgيظن الكثير من الآباء أن من حقهم التدخل في اختيار النظام التعليمي والتخصص الدراسي لأبنائهم – لدرجة أنني أعرف أناساً أخذوا استمارات رغبات القبول في الجامعة وكتبوا رغبات أبنائهم بحسب ما يشاؤون هم، بعيداً عن ميول ورغبات أبنائهم – كما يظن البعض من الآباء أن من حقهم فرض زوجة معينة على ابنه، وإلا غضب عليه هو وأعمامه وأرحامه، وهذا خطأ اجتماعي وشرعي، فالولد ليس امتداداً لحياة أبيه، بل الولد إنسان له قدراته الخاصة وميوله الشخصية ومشاعره الإنسانية.
إن من حق الوالد التربية والنصح والإرشاد والرعاية ولكن ليس من حقه إجبار ابنه على دراسة الطب مثلاً بينما الابن ميوله رياضية أو فيزيائية أو كيميائية، وكم من أبناء فقدوا قدراتهم الخاصة، وتعسوا في حياتهم لأنهم لم يستطيعوا إقناع والديهم بأنهم لا يحبون هذا التخصص. ونفس المسألة في الزواج، فعلى الشاب أن يختار في حدود المقبولات من والديه بغض النظر عن الألفة والمحبة والقبول، وإذا كان هذا المنحنى مقبولاً في الماضي لانغلاق الفرجان والبلدان والأوطان فإنه في ظل عالمية المعرفة الإنسانية والتعارف العالمي للشعوب لم يعد مقبولاً، ولقد سبق الإسلام النظام العالمي الجديد، والمعرفة غير المحدوده، والتعارف الواسع بين بني البشر، فقال تعالى: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " [الحجرات: 13]، فالتعارف بين الشعوب سنة من سنن الله في الخلق، لذلك من الخطأ أن تحاول بعض المجتمعات أن تحرم الزواج من غير أبناء الوطن، فالمعيار الذي وضعه الله تعالى في آية التعارف العالمي واللقاء العالمي معيار شخصي فردي مكتسب لا يرتبط بالجنس أو اللون أو البلد، إنه معيار أخلاقي مطلق: " إن أكرمكم عند الله أتقاكم "، والمعيار النبوي في ذلك وهديه: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه " وإذا اختل هذا المعيار: " تكن فتة في الأرض وفساد كبير ".. فهل رأيتم عالمية وإنسانية أعم من ذلك ؟! " تكن فتنة في الأرض وفساد كبير "، فتنة رفض صاحب الخلق وصاحبة الخُلق والعدول إلى معايير مادية بحتة ترتبط بالأصول الوراثية والمعايير الاجتماعية والمقاييس غير الشرعية.
كما أن البعض منا يعتبر الزواج على أسس الحب جريمة لا تغتفر، والبعض عندما يؤلف كتابًا عن الحب في الإسلام.. يتكلم عن حب الله تعالى، وحب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وحب الوالدين، وحب الوطن، وحب الدين، ولا يتطرق مطلقًا إلى الحب القلبي بين المرأة والرجل، وهذا مناف للفطرة الإنسانية التي فطر الله تعالى الإنسان عليها، إذ علينا أن نقدّر هذا الحب وأن نجعله في مساره الشرعي والخلقي والاجتماعي الصحيح، فالإسلام بنى الحياة الزوجية على الحب، والأدلة الصحيحة في ذلك كثيرة، منها ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله عندنا يتيمة قد خطبها رجلان: موسر ومعسر، وهي تهوى (تحب) المعسر ونحن نهوى الموسر فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " لم يُر للمتحابين مثل التزويج " حديث صحيح أخرجه ابن ماجة والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي وأورده ابن القيم رحمه الله في روضة المتحابين ونزهة المشتاقين. وقد اعتبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الحب رزقًا فقال عن السيدة خديجة رضي الله عنها: " إني رُزقت حبها " أخرحه مسلم.
فعندما يريد ابنك الزواج من بنت مؤمنة فقيرة وليست من بلدك، فترفضها لأسباب عصبية، فقد خالفت الهدى القرآني، فالله تعالى يقول: " ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم " البقرة (221)، ويقول سبحانه: " ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم " البقرة (221).. هذه معايير القرآن في اختيار الزوج والزوجة.. معيار الإيمان المطلق كما قلنا سابقًا.
ولقد أعجبني الدكتور طارق السويدان الذي زوّج ابنته من شاب أمريكي مسلم أسمر البشرة وعندما لام عليه الناس سمعته بنفسي يقول: هذا شاب مسلم يتقن العربية، ملتزم بشرع الله، خلقه ممتاز، وابنتي قبلت الزواج منه، فما المانع من ذلك ؟!
هذا هو المعيار العملي لمدى تطبيق الإنسان لما ينادي به، على الرغم من الرفض الاجتماعي لذلك، فعلى الآباء أن يجعلوا معيارهم في الاختيار لأبنائهم المعيار الخُلقي الديني، معيار الحب بين الطرفين، وعلينا أن نعلم أن العالمية في التعارف حطمت كل الحدود والسدود الوطنية والقطرية وتخطتها إلى المعايير الإنسانية العالمية، وقد كان الإسلام سباقًا إلى وضع معايير عالمية للزواج " إن أكرمكم عند الله أتقاكم "، فعلى كل منا أن يقول لابنه أو ابنته: هذا حقكما بشرط ألا تخرجا عن شرع الله في الإسلام وحسن الخلق.
أ‌. د. الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى
دكتوراه في علوم النبات - كاتب إسلامي
www.nazme.net (http://www.nazme.net/)
يمكن مراسلة المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]

القلب الحزين
24-12-2013, 06:56 PM
المسيحية والعلمانية والإسلام



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/123991419111.jpgد محمد عبد الخالق شريبة
[email protected]
لو صنف عاقل بأمور الدين، أو خبير بشئون المسلمين - الأخطار التي تهدد ديننا الحنيف، لوضع العلمانية في مقدمة ذاك التصنيف ..
والعلمانية هي دعوة إلى اللادينية أو الدنيوية، وهى تهدف في المقام الأول إلى فصل الدين عن جميع مناحي الحياة، وللأسف الشديد فإن للعلمانية الآن أنصاراً يروجون لأفكارها، ويدعون لاعتناقها مدعين أنها الحل الأصلح لكل المشاكل، والمخرج الأوحد من كل المآزق ؛ وهم يسخرون في سبيل ذلك كل الإمكانيات من إعلام مسموع ومقروء وغير ذلك، غير مبالين بدين، ولا معتبرين لعقائد المسلمين .
ويدعى دعاة العلمانية أن الدين ليس إلا علاقة سرية ورباط خاص بين المرء وخالقه، وأن هذه العلاقة لا تتعدى إلى حدود المجتمع، أو نظم المعيشة، أو أساليب الحكم، أو غير ذلك من مختلف وجوه الحياة.
ولقد ظهرت العلمانية في أوروبا في القرن السادس عشر كوسيلة للتخلص من حكم رجال الكنيسة وتسلطهم على المجتمع .
فقد اتهم رجال الكنيسة كل من يقترف جريمة العلم بالهرطقة، وكل من يرتكب رذيلة البحث التجريبي بالكفر والإلحاد والخروج عن الدين.
وتم إنشاء محاكم التفتيش في أوائل القرن الثالث عشر، واستمرت إلى القرون التالية، وكان هدف هذه المحاكم محاربة الهرطقة في أنحاء العالم المسيحي، وكان الناس يساقون سوقاً إلى محاكم التفتيش عن طريق الشبهة فقط أو عن طريق وشاية من أحد الجيران، وكان الواحد منهم يضرب حتى يعترف بذنبه فإذا لم يعترف نقل إلى مرحلة أعلى من التعذيب الجسدي، فإذا أصر على رأيه ورفض التراجع عن أفكاره كان يرمى في المحرقة!!
ويلخص لنا الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) تلك الملابسات التي أدت إلى فصل الدين عن الحياة في أوروبا ويصف مقدماتها ونتائجها فيقول:
((.. ولكن من أعظم أخطاء رجال الدين في أوروبا، ومن أكبر جناياتهم على أنفسهم وعلى الذين كانوا يمثلونه، أنهم دسوا في كتبهم الدينية المقدسة. معلومات بشرية، ومسلمات عصرية، عن التاريخ والجغرافيا والعلوم الطبيعية، ربما كانت أقصى ما وصلوا إليه من العلم في ذلك العصر، وكانت حقائق راهنة لا يشك فيها رجال الدين ذلك العصر، ولكنها ليست أقصى ما وصل إليه العلم الإنساني … وإذا كان ذلك في عصر من العصور غاية ما وصل إليه عمر البشر فإنه لا يؤمن عليه التحول والتعارض. فإن العلم الإنساني متدرج مترق، فمن بنى عليه دينه فقد بنى قصراً على كثيب مهيل من الرمل. ولعلهم فعلوا ذلك بنية حسنة ولكنه كان أكبر جناية على أنفسهم وعلى الدين فإن ذلك كان سبباً للكفاح المشئوم بين الدين والعقل والعلم، الذي انهزم فيه الدين. ذلك الدين المختلط بعلم البشر، الذي فيه الحق والباطل، والخالص والزائف..هزيمة منكرة، وسقط رجال الدين سقوطاً لم ينهضوا بعده. وشر من ذلك وأشأم: أن أوروبا أصبحت لا دينية… ولم يكتف رجال الدين بما أدخلوه في كتبهم المقدسة. بل درسوا كل ما تناقلته الألسنة، واشتهر بين الناس، وذكره بعض شراح التوراة والإنجيل ومفسريهما من معلومات جغرافية وتاريخية وطبيعية. وصبغوها صبغة دينية، وعدوها من تعاليم الدين وأصوله التي يجب الاعتقاد بها، ونبذ كل ما يعارضها وألفوا في ذلك كتباً وتآليف وسموا هذه الجغرافيا التي ما أنزل الله بها من سلطان: الجغرافيا المسيحية … وكان ذلك في عصر انفجر فيه بركان العقلية في أوروبا، وحطم علماء الطبيعة والعلوم سلاسل التقليد الديني. فزيفوا هذه النظريات الجغرافية التي اشتملت عليها هذه الكتب وانتقدوها في صرامة وصراحة، واعتذروا عن عدم اعتقادها والإيمان بها بالغيب ؛ وأعلنوا اكتشافاتهم واختباراتهم. فقامت قيامة الكنيسة، وقام رجالها المتصرفون في زمام الأمور في أوروبا وكفروهم، واستحلوا دماءهم وأموالهم في سبيل الدين المسيحي وأنشأوا محاكم التفتيش … ويقدر أن من عاقبت هذه المحاكم يبلغ عددهم ثلاثمائة ألف، أحرق منهم اثنان وثلاثون ألفاً أحياء ! كان منهم العالم الطبيعي المعروف (برونو )، وكذلك عوقب العالم الطبيعي الشهير (جالليو) لأنه كان يعتقد بدوران الأرض حول الشمس ! … هنالك ثار المجددون المتنورون، وعيل صبرهم ، وأصبحوا حرباً لرجال الدين وممثلي الكنيسة، والمحافظين على القديم، ومقتوا كل ما يتصل بهم، ويعزى إليهم، من عقيدة، وثقافة، وعلم، وأخلاق، وآداب، وعادوا الدين المسيحي أولاً، والدين المطلق ثانياً، واستحالت الحرب بين زعماء العلم والعقلية وزعماء الدين المسيحي حرباً بين العلم والدين مطلقاً! وقرر الثائرون أن العلم والدين ضرتان لا تتصالحان، وأن العقل والنظام الديني ضدان لا يجتمعان ؛ فمن استقبل أحدهما استدبر الآخر ومن آمن بالأول كفر بالثاني. وإذا ذكروا الدين ذكروا تلك الدماء الزكية التي أريقت في سبيل العلم والتحقيق، وتلك النفوس البريئة التي ذهبت ضحية لقسوة القساوسة ووساوسهم، وتمثل لأعينهم وجوه كالحة عابسة وجباه مقطبة، وعيون ترمي بالشرر، وصدور ضيقة حرجة، وعقول سخيفة بليدة ؛ فاشمأزت قلوبهم ؛ وآلوا على أنفسهم كراهة هؤلاء، وكل ما يمثلونه، وتواصوا به، وجعلوه كلمة باقية في أعقابهم ! … ولم يكن عند هؤلاء الثائرين من الصبر والمثابرة على الدراسة والتفكير، ومن الوداعة والهدوء، ما يميزون به بين الدين، ورجاله المحتكرين لزعامته، ويفرقون به بين ما يرجع إلى الدين من عهدة ومسئولية. وما يرجع إلى رجال الكنيسة من جمود واستبداد وسوء تمثيل، فلا ينبذوا الدين نبذ النواة .. ولكن الحفيظة وشنآن رجال الدين، والاستعجال .. لم يسمح بالنظر في أمر الدين والتريث في شأنه..كغالب الثوار، في أكثر العصور والأمصار!!! )).
كانت تلك هي الظروف والملابسات التي ظهرت فيها العلمانية ، والتي تم فيها فصل الدين عن جميع مناحي الحياة..
أضف إلى ذلك العداوة المستمرة بين المذهب البروتستانتي والمذهب الكاثوليكي، والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من معتنقي الطائفتين، والتي كانت أحد الأسباب التي دفعت العلمانية إلى الظهور لوقف المذابح المستمرة بين الطائفتين إذا كانت إحدى الطائفتين على رأس الحكم في الكنيسة .
ولكن على الجانب الآخر فإن الإسلام بريء تماماً مما اتهمت به المسيحية من تحدى العلم واتهام العلماء بالهرطقة.
فالإسلام لم يحارب العلم يوماً، ولم يقف أبداً في طريق العلماء، بل إن القرآن يأمرنا دائماً بالتأمل والتفكر وإعمال العقل، والنظر والتدبر في ملكوت السماء والأرض :
( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) العنكبوت 20
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). البقرة:164
(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). الرعد:3
(وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) الجاثية: 5
بل إن الله يخبرنا أن الإنسان كلما زاد علمه زادت خشيته (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء). فاطر:28
إذن فالعلمانية قد ظهرت في الأساس للقضاء على مشكلة تسلط الكنيسة واضطهادها للعلم، وانفراد رجال الدين المسيحي بالحكم ..وهذا الدافع لا يمكن أن يحمل على الدين الإسلامي بحال من الأحوال..
فليس في الإسلام سلطة مطلقة لرجال الدين دون غيرهم، بل إن كل مسلم ينبغي أن يكون رجل دين ودولة معاً، وفى ذلك يقول السيد جمال الدين الأفغاني رحمه الله:
((ليس في الإسلام ما يسمى بالسلطة الدينية بوجه من الوجوه، ولكن الإسلام دين وشرع قد وضع حدوداً ورسم حقوقاً، والحاكم مكلف بإقامة الحدود وتنفيذ حكم القاضي بالحق ،أي أن له سلطة تنفيذية فقط، وهو ليس بالمعصوم وليس بمهبط الوحي ولا من حقه الاستئثار بتفسير الكتاب والسنة ولا يجوز لصحيح النظر أن يخلط بين الحاكم عند المسلمين بما يسمى بالإفرنجثيوقراطيا أي السلطان الإلهي، فإن ذلك عندهم هو الذي ينفرد بتلقي الشريعة من الله وله حق الأثرة بالتشريع وله في الرقاب حق الطاعة)).
- كما أن الهدف الذي أرسل المسيح عليه السلام من أجله كان تهذيب النفوس، والسمو بالأخلاق، وإصلاح ما أفسدته الخراف الضالة من بيت بني إسرائيل ؛ فالمسيحية لم تكن مشتملة على أساليب للحكم، أو نظام للمجتمع، وإنما كانت وسيلة لإصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق.
أما الإسلام فإنه كما يعني بالجانب الروحي والخلقي؛ فإنه يضع أيضاً نظاما للمجتمع، ويقنن أساليب للحكم، ويحدد وسائل للتعايش بين مواطنيه وبين مواطني الأديان الأخرى، ويكفل لجميع رعاياه الأمن والحماية وحرية العقيدة ؛ فالإسلام كيان اجتماعي متكامل أنزله الله لكي يتمم به الشرائع ويصلح به كل زمان ومكان..
أضف إلى ذلك أن الجهل الذي كانت تعيشه البشرية في أيام المسيحية الأولى، وضيق الأفق الذي كانت تعانيه - لم يؤهل المسيحية لأن تكون أكثر من رسالة لتهذيب النفوس وإصلاح الأخلاق ؛ فلما جاء الإسلام بعد ستة قرون من الزمان كان العقل البشري قد تطور، والمستوى الفكري قد تقدم، وأصبحت البشرية مؤهلة لتلقى الشريعة الكاملة المتممة لجميع الشرائع.
ولذلك أيضاً فإن بعض ما اشتملت عليه المسيحية من تعاليم لم يكن صالحاً للتطبيق إلا في زمن المسيح عليه السلام والأجيال التي بعده ؛ فالمسيحية تجعل الزواج مثلاً رباطاً أبدياً لا يمكن حله، وتقول أن ما جمعه الله لا يمكن أن يفرقه بشر ؛ ولقد أدى تعنت رجال الدين المسيحي في هذا الأمر إلى انهيار خطير في بناء الأسرة ؛ وذلك لأنه إذا استحالت العشرة بين الزوجين مع استحالة الانفصال بينهما فإن ذلك يؤدي إلى إنشاء علاقات محرمة خارج نطاق الأسرة.
وذلك بعكس الإسلام الذي أباح الطلاق ولم يجعل الزواج رباطاً أبدياً بين الزوجين إذا استحالت العشرة بين الزوجين ؛ وبذلك فإن الإسلام كما شرع الزواج فقد شرع الطلاق أيضاً، وما جمعه الله فالله أيضاً يفرقه.
وهكذا ندرك أن السبب الذي دفع العلمانية للظهور في المجتمع الأوروبي ليس له ما يبرره على الإطلاق في البلاد الإسلامية ..
لكن الذي حدث أن نفراً من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا - قد حكموا على الإسلام بما حكم به على المسيحية ؛ فاعتنقوا العلمانية وأصبحت اللادينية هي دينهم!!.
وهؤلاء النفر إما من المثقفين الذين تلقوا تعليماً غربياً علمانياً ولم يتلقوا بجانبه تعليماً إسلامياً وكانوا بمعزل عن الإسلام وتعاليمه ومنهجه، وإما من هؤلاء الذين بهرتهم أضواء الغرب وحضارته مع إيمانهم العليل بالله وعلمهم الضئيل بدينه، وإما من هؤلاء الذين يبيعون أي شئ بأي ثمن حتى لو كان دينهم وتراث أمتهم ..
ثم هم يطلبون منا بعد ذلك أن تكون علاقتنا بربنا علاقة سرية ؛ فلا نسمح لتشريعاته بدخول المحاكم، ولا لتاريخ دينه وسيرة رسوله بدخول المدارس، ولا لتعاليمه بأن تسود المجتمع!!.
فهل ينتظر منا هؤلاء أن نسمع لهم ونقبل فكرهم ؟!
وهل يأملون في أن نترك ديننا الحق ونؤمن بما يعتنقوه؟!
لقد أنعم الله علينا بالإسلام، وأرشدنا به إلى سبل السلام ؛ فكيف بنا بعد ذلك نعصى أمره، ونهمل شرعه، ونجحد حكمه؟!!
والله قد أنزل إلينا كتاباً كي نبصر في نوره، ونسير في إشراقه ؛ فهل نحيا بشرعه ونحكم بحكمه، أم نحكم عليه بالهجران وعلى أنفسنا بالخسران ؟!
كيف والله تعالى يقول:
(لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ؟!!)؟!!الأنبياء: 10

القلب الحزين
24-12-2013, 06:56 PM
آيات الرحمن في معركة الفرقان




http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1234334911584670112.jpg
لوحة لأحد جنود القسام
د. عبد الرحمن يوسف الجمل
النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني
ليس صدفة أن تسمى الحرب التي خاضها أبناء الشعب الفلسطيني في غزة الإباء والصمود بمعركة الفرقان، إنما كانت التسمية بقدر الله تعالى، وذلك أن هذه المعركة امتداد لمعركة بدر التي سماها ربنا سبحانه وتعالى بيوم الفرقان يوم التقى الجمعان.
معركة بدر تجلت فيها معية الله تعالى وتأييده للفئة المؤمنة القليلة، بل ظهر فيها تدبير الله تعالى وإدارته للمعركة بإمداده المؤمنين بالملائكة تقاتل معهم، وتغشية المؤمنين بالنعاس أمنة منه، وإنزاله الماء من السماء ليطهر المؤمنين به ويذهب عنهم رجز الشيطان ويربط على قلوبهم ويثبت به الأقدام، وإيحاء الله للملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب، ومشاركة الملائكة في قتل المشركين، فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان، وتسديد رمية النبي صلى الله عليه وسلم {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي} وقد أرى الله نبيه المشركين في منامه قليلاً، وأرى الله الكافرين في أعين المؤمنين قليلاً، وأرى الله المؤمنين في أعين الكافرين قليلاً، فلما التقى الفئتان رأى الكافرون المؤمنين مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء، كل ذلك كرامات أيد الله بها المؤمنين يوم الفرقان.
وقد ظهرت في معركة غزة "معركة الفرقان" معية الله تعالى وتأييده للمجاهدين، بل للناس أجمعين، وقد أكرم الله تعالى المجاهدين بكرامات تثبيتاً لهم وربطاً على قلوبهم، ولا عجب في ذلك ولا غرابة، فقد نص العلماء على أن نزول الملائكة في بدر للقتال مع المؤمنين ليست خاصة بأهل بدر بل هو عام في كل فئة مؤمنة إن أخلصت في قتالها وصدقت في جهادها لرفع كلمة الله تعالى وإقامة شرعه، وقد تحدث المجاهدون في أرض المعركة عن قصص حصلت معهم ثبت الله بها أفئدتهم وربط بها على قلوبهم.
وأولى هذه الكرامات صمود وثبات المجاهدين في الميدان والطائرات من فوقهم ترميهم بحممها، والدبابات تقذفهم بنيرانها وهم في أماكنهم غير وجلين ولا خائفين، وكأني بأهل غزة وقد جاءهم يهود من فوقهم ومن أسفل منهم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وظن بعض الناس بالله الظنونا وقد ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزلاً شديداً، وقد انقطعت عنهم أسباب الأرض وبقي سبب السماء فاستغاثوا ومن ورائهم أبناء الأمة ربهم القوي العزيز بقلوب صادقة مخلصة منيبة فاستجاب لهم ربهم وأمدهم بمدد من عنده، والمؤمن الصادق لا يستغرب ذلك ولا ينكر الكرامات وذلك أن معارك المسلمين التي خاضوها في تاريخهم الطويل فيها من القصص ما يؤيد ويصدق ما سمعناه في معركة الفرقان.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12343344863195828367_c3f0e82963.jpg
ومن هذه الكرامات ما حدثنا به من رأى بعينه من المجاهدين في قرية المغراقة، فقد قصف أحد المنازل بقذيفة اشتعلت فيه ناراً عظيمة توشك أن تمتد إلى البيوت المجاورة فتلتهمها النار، فوقف أحد المجاهدين يناجي ربه ويدعوه باكياً: يا من جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم أطفئ النار بقدرتك، فلم يمض سوى ثلاث دقائق إذا بالنار تنطفئ، فأجهش المجاهدون بالبكاء؛ لأنهم شعروا بتأييد الله تعالى واستجابته دعاءهم، وقد أخبر أحد المجاهدين في ميدان المواجهة في المغراقة والطائرات من فوقهم وهم لا يستطيعون الحركة، وإذا بغمامة من فوقهم تظللهم وتغطيهم عن الطائرات فتحركوا من مكانهم دون أن يصيبهم أذى، وحدث ثالث أنهم كانوا يكمنون في بيت والقذائف تتساقط من حولهم وهدير الدبابات وأزيز الرصاص يملأ المكان، وقد اعترى أحد أفراد المجموعة ما يعتري البشر من الخوف والرهبة، فخشينا أن نؤتى من قبله، وفي لحظات وإذا بمن شعر بالخوف تملأ السكينة قلبه، وطفق يقودنا للتصدي للدبابات المتوغلة حتى مكننا الله من تفجير بعضها، فسبحان من أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً، وأخبرني أحد القادة الميدانيين أن المجاهدين قد رأوا دبابتين انفجرتا واشتعلت النيران فيهما، قال: ولما ذهبنا بعد اندحار يهود إلى المكان وجدنا العبوتين التين في مكان انفجار الدبابتين لم تنفجرا، وقد أخبرنا عن أحد المجاهدين في رباطه عند عبوة أرضية قال: والقذائف تتساقط من حولي وقد أصبحت في مواجهة الدبابات فقلت في نفسي: أنسحب إلى مكان أكثر أمناً، وإذا بي أسمع صوتاً يقول لي: اثبت في مكانك، فمكثت في مكاني والسكينة تملأ فلبي، وقد أكرمني الله تعالى بتفجير الدبابة، وقال أحد المجاهدين: كنت إذا صوبت القذيفة تجاه الهدف الذي أريده شعرت بمن يسدد تصويبي إلى اليمين أو الشمال قليلاً.

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12343342556876786.jpg
صورة لدبابة إسرائيلية مدمرة بنيران المقاومة
وقد شممت راحة عطر جميلة منبعثة من كرتونة وضعت عليها قبل عشرين يوماً بقايا جسد الشهيد المجاهد عبد الله الصانع الذي لم يبق من جسده سوى قطع لحم صغيرة وما زالت الرائحة إلى الآن لم أراد أن يعطر أنفه برائحة الشهداء الطيبة، وشمت الرائحة نفسها منبعثة من الحرام الذي وضع على الشهيد المجاهد موسى حسن أبو نار الذي قتل غدراً فسال دمه الطاهر على هذا الحرام وقد غسل الحرام والدم الذي عليه عدة مرات ولكن الرائحة باقية، رائحة شممتها وشمها غيري لنزداد يقيناً وثقة أنا على خطى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ولو كره الكافرون ولو كره المنافقون.
بل إن شهادات يهود التي بثتها القناة العاشرة وغيرها والتي تحدث الجنود فيها عن أشباح كانوا يخرجون لهم من باطن الأرض، وأنهم كانوا يقاتلون أشباحاً، وشهادة ذلك الجندي الذي أصيب بالعمى، وكان سبب ذلك أن رجلاً يلبس ملابس بيضاء رمى حفنة تراب في عينيه.
بل إن الرعب الذي قذفه الله في قلوب يهود جعلهم رغم ما يملكون من أسلحة وعتاد يتفوقون بها على المجاهدين يخافون من التقدم داخل التجمعات السكنية، وصبوا جام حقدهم على المواطنين من النساء والأطفال والشيوخ العزل الذين لا يحملون سلاحاً فقصفوا البيوت وجرفوا الأرض المزروعة.
فلكم الله يا أهل غزة، لكم الله أيها المجاهدون الصادقون الصابرون الثابتون، فقد صنعتم ملحمة العزة في غزة، وسطرتم صفحة مشرقة مضيئة، فقهرتم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأذكيتم روح الجهاد في الأمة رغم التضحيات وقصف البيوت، ورغم الشهداء والجرحى، فأنتم بعتم أنفسكم وأموالكم بأن لكم الجنة والله اشترى فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم.
فلك الحمد يا ربنا كله ولك الشكر كله وأليك يرجع الأمر كله علانيته وسره، لك الحمد بالإسلام ولك الحمد بالإيمان ولك الحمد بالقرآن ولك الحمد بالرباط والجهاد يسرت أمرنا وقهرت عدونا ونصرت مجاهدينا وأيدت أهلنا لك الحمد يا ربنا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

القلب الحزين
24-12-2013, 06:57 PM
أوجه التشابه بين المسجد الأقصى والكعبة المشرفة



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1233345862jerusalem_%284%29.jpg صورة للمسجد الأقصى ليلا

أ.د/ يحيى وزيرى
مدير عام المجلس الاسلامي العالمي للدعوة والاغاثة
(هذه الدراسة جزء من بحث مطول فاز بجائزة وزارة اللأوقاف الكويتية لعام 2007م)
ان الهدف من هذه الدراسة هو استخدام الأدلة المادية المتمثلة فى المعمار والآثار، والتى لايمكن التشكيك في مصداقيتها، لاثبات الهوية الاسلامية للمسجد الأقصى عن طريق القيام بعمل دراسة تحليلية لأسلوب توجيه أسوار الحرم القدسى، والتى تمثل الأبعاد المحددة للمسجد الأقصى المبارك، حتى يمكن اكتشاف الى أى الجهات يتجه المسقط الأفقى للمسجد الأقصى، مع عمل مقارنة لتوجيه الهيكل المزعوم اعتمادا على بعض النصوص الواردة فى التوراة، التى أوضحت الى أى الجهات الجغرافية يتجه هذا البناء المزعوم.
كما سيتم توضيح أوجه التشابه بين شكل ونسب المسجد الأقصى ثانى مسجد وضع فى الأرض وبين الكعبة المشرفة أول بيت وضع للناس.
أولا: مفهوم وحدود المسجد الأقصى:
يقع مسجد الأقصى المبارك فى مدينة القدس أهم مدن فلسطين وعاصمتها المقدسة منذ القدم، وتعتبر من أهم عواصم ومدن العالم الإسلامي، والقدس القديمة هي تلك الموجودة داخل السور الذي أقامه وجدده سليمان القانوني، وتحيط بها الأودية والمرتفعات من جميع الجهات.
وتقع المدينة المقدسة على خط عرض 31.52 درجة شمالا وعلى خط طول 35.13 درجة شرقي جرينتش، وأقيمت على أربعة جبال هي: جبل موريا (ومعناه المختار) القائم عليه المسجد الأقصى (الحرم القدسي الشريف) في جنوب شرق المدينة، وجبل صهيون ويعرف بجبل النبي داود وهو يشكل الجزء الجنوبي الغربي من جبال بيت المقدس الأربعة، وجبل أكرا حيث توجد كنيسة القيامة، وجبل بزيتا ويقع بالقرب من باب الساهرة.
أما المسجد الأقصى وساحاته الخارجية المحاطة بالسور الحجري في الطرف الجنوبي فيقع شرق مدينة القدس القديمة، وهو مشيد على جبل "موريا" ويشغل تقريبا مساحة 150 دونما (الدونما تساوى 1000م2)، ويحيط به سور حجري طول الجهة الغربية منه 490 مترا والشرقية 474 مترا والشمالية 321 مترا والجنوبية 283 مترا، شكل (1).
لقد وجدنا أنه من اللازم أولا أن نقوم بتوضيح ماهو مفهوم وحدود المسجد الأقصى من الناحية الشرعية، لأنه يحدث خلط ولبس كبير بخصوص هذا الشأن، حيث يعتقد الكثيرون أن المسجد الأقصى هو فقط الجامع المبني جنوبي قبة الصخرة ، وهو الذي تقام فيه الصلوات الخمس الآن.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12333442871.jpg

شكل (1-أ): منظر عام للمسجد الأقصى المبارك.

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12333446332.jpg
شكل (1- ب): مقاسات أسوار المسجد الأقصى التى تحدد الحرم الشريف (من عمل المؤلف).
فحقيقة الحال أن المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد وهو ما دار عليه السور وفيه الأبواب والساحات الواسعة، والجامع وقبة الصخرة والمصلى المرواني والأروقة والقباب والمصاطب وأسبلة الماء وغيرها من المعالم، وعلى أسواره المآذن، والمسجد كله غير مسقف سوى بناء قبة الصخرة والمصلى الجامع الذي يُعرف عند العامة بالمسجد الأقصى وما تبقى فهو في منزلة ساحة المسجد، وهذا ما اتفق عليه العلماء والمؤرخون، وعليه تكون مضاعفة ثواب الصلاة في أي جزء مما دار عليه السور.
فالمسجد الأقصى المبارك الوارد ذكره في كتاب الله الكريم في الآية الأولى من سورة الاسراء، هو البقعة المباركة الذي يطلق عليها الآن الحرم القدسي المحاطة بالسور العظيم ومابنى فوقها، وحكم السور حكم المسجد المحاط به وهو منه، لما اتفق عليه الفقهاء من أن جدار المسجد من المسجد، ذلك هو المسجد الأقصى الشرعي.
وعلى ذلك فان المسجد الأقصى (الشرعي) والحرم الشريف هما مسميان لمكان واحد، وتم إطلاق مسمى الحرم الشريف في العصور المتأخرة.
ثانيا: التوجيه الجغرافى للمسجد الأقصى الشرعى (الحرم القدسى):
1- علاقة توجيه الحرم القدسى بمكة المكرمة (القبلة):
يعتبر التوجيه الجغرافى orintation هو أحد أهم الخصائص التى تحدد هوية أى مبنى، وبخاصة اذا كان هذا المبنى يؤدى وظيفة دينية، وكما هو معروف فان أهم محدد تصميمى للمسجد هو أن يتجه حائط القبلة فيه الى مكة المكرمة، تصديقا لقول الله سبحانه وتعالى: "وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره" (البقرة: من الآية 144)، أى شطر المسجد الحرام بمكة المكرمة.
وقد ورد فى الحديث النبوى مايوضح أن المسجد الأقصى هو ثانى مسجد وضع فى الأرض بعد المسجد الحرام، وذلك لما ورد في الصحيحين عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله أي مسجد وضع فى الأرض أول قال: المسجد الحرام، قال: قلت ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما ؟ قال: أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصل فان الفضل فيه".
ان الحديث النبوى السابق يقرر بوضوح أن المسجد الأقصى قد وضع فى الأرض بعد المسجد الحرام، وهذا يعنى أن قبلة المسجد الأقصى لابد وأن تكون موجهة الى مكة المكرمة حيث الكعبة المشرفة والمسجد الحرام، منذ قديم الزمان قبل بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ولاثبات صحة هذه الفرضية قام المؤلف بالاستعانة ببرنامج "جوجل ايرث" Google earth الذى يستخدم الأقمار الصناعية، وتم أخذ صورة جوية مع اسقاط خطوط الطول والعرض عليها توضح التوجيه الحالى للمسجد الأقصى (الحرم الشريف)، حتى يتم معرفة الجهة التى يتوجه اليها السور الجنوبى للحرم الشريف، والذى يمثل أيضا حائط قبلة المسجد القبلى (المغطى)، شكل (2).
فاذا عرفنا أن اتجاه القبلة (مكة المكرمة) فى القدس مقاسا من اتجاه الشمال- الجنوب الحقيقى ينحرف 23.79 درجة الى الشرق، فان الصورة الجوية أوضحت أن المحور الرئيسى للمسجد الأقصى القبلى (وكذلك الحرم القدسى ككل)، ينحرف حوالى 11.81 درجة عن اتجاه القبلة الحقيقى، شكل (3).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12333446793.jpg
شكل (2): صورة جوية للمسجد الأقصى الشرعى (الحرم القدسى الشريف)، موضحا عليها خطوط الطول والعرض واتجاه الشمال الحقيقى (من دراسة المؤلف).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12333447424.jpg
شكل (3): المحور الرئيسى للحرم القدسى يتجه تقريبا الى مكة المكرمة. (من عمل المؤلف).
فاذا كان محيط الكرة الأرضية يساوى 360 درجة تماما، فهذا يعنى أن نسبة انحراف قبلة المسجد الأقصى عن جهة مكة المكرمة هى تقريبا 3%، وهى نسبة ضئيلة يمكن اهمالها مما يعنى أن المحور الأساسى لمنطقة الحرم الشريف يتجه الى مكة المكرمة قبلة المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها.
فاذا عرفنا أن أساس أسوار الحرم القدسى الشريف الحالى، موجودة منذ حكم "هيرود الكبير" للقدس والذى مات عام 4 ق.م، وهو ماكشفت عنه الحفريات التى قام بها "تشارلز وارين" عام 1867م والتى وصلت الى عمق 24 مترا تحت سطح الأرض ، شكل (4)، تحت رعاية هيئة تمويل التنقيب عن آثار فلسطين والتى تأسست عام 1865م، فان هذا يعنى أن المحور الأساسى للحرم القدسى الشريف الحالى يتجه للقبلة قبل فتح المسلمين لبيت المقدس بحوالى 650 عاما، وهو مايعطى دلالة واضحة على أن منطقة الحرم القدسى الشريف موجهة للقبلة منذ القدم، كما ورد فى الحديث النبوى الذى أخبر بأن المسجد الأقصى هو ثانى مسجد وضع فى الأرض، وهو مايعنى توجه قبلته للمسجد الحرام أول مسجد وضع للناس فى الأرض، وهو القبلة التى يتجه اليها المسلمون فى صلاتهم.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12333447815.jpg
شكل (4): قطاع رأسى فى احد أنفاق تشارلز وارين، وأماكن هذه الأنفاق بسور الحرم القدسى، والتى توضح جانب من أساسات المسجد الأصلية والتى ترجع الى عهد "هيرود الكبير".
2- دراسة توجيه الهيكل المزعوم:
بالرجوع للنصوص التوراتية التى تصف بيت الرب والمعروف بالهيكل عند اليهود، فوجدنا أحد النصوص التى توضح توجيه الهيكل وتحديدا فى سفر الملوك الأول الاصحاح السادس (الفقرة 9) كمايلى: "وكان باب الغرفة الوسطى فى جانب البيت (الهيكل) الأيمن وكانوا يصعدون بدرج معطف الى الوسطى ومن الوسطى الى الثالثة".
فالنص التواراتى يقرر أن باب الغرفة الوسطى كانت فى جانب البيت الأيمن، أى فى جهة الشرق، وهذا يعنى أن المحور الأساسى للهيكل يأخذ اتجاه الشرق- الغرب، وهو ماتؤكده كل الرسومات التى قام برسمها الأثريون والمهندسون اليهود لهيكل سليمان حسب الوصف التوراتى، شكل (5).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12333448376.jpg
شكل (5): كل الرسومات التى أعدها الاسرائيليون لهيكل سليمان حسب وصف التوراة، يتجه فيها المحور الرئيسى للهيكل المزعوم جهة الغرب دون سبب واضح أو مفهوم.
وهنا يبرز سؤال هام.. الى أى شيئ أو موقع مقدس يقع الى الغرب من مدينة القدس كان يتجه هيكل سليمان؟، الاجابة الواضحة على ذلك أنه لايوجد شيئ محدد أو موقع مقدس عند اليهود فى هذه الجهة، ومن جانب آخر فان توجيه الهيكل بهذا الشكل يتعارض أيضا مع اتجاه الاستطالة الرئيسى للشكل الهندسى الحرم القدسى (المسجد الأقصى).
ان اتجاه المحور الرئيسى للحرم القدسى الشريف والذى يشير الى مكة المكرمة، يؤكد على أن هذا الموقع كان مسجدا وقبلته مكة المكرمة منذ القدم قبل الفتح الاسلامى، لأن المسلمين عندما فتحوا بيت المقدس كانت أسوار الحرم القدسى موجودة ومبنية على القواعد التى أرساها هيرود الكبير قبل ميلاد المسيح، وهذه القواعد والأسس كانت تجديدا لما كان موجودا بالفعل، وقد أثبتت حفريات "وارن" بالركن الجنوبى الشرقى من سور المسجد الأقصى والتى وصلت الى 24 مترا تحت سطح الأرض، وجود أساسات هذا السور من الحرم القدسى من عهد هيرود، أى قبل الفتح الاسلامى بمئات السنين كما أوضحنا من قبل.
ان التوجيه الجغرافى للحرم القدسى يؤكد الهوية الاسلامية للمسجد الأقصى، ويكذب الادعاءات الاسرائيلية التى تزعم بوجود هيكل ينسب الى سيدنا سليمان يتجه محوره الأساسى لجهة الغرب ومدخله من جهة الشرق، وذلك لأن الحقيقة كما جاءت فى السنة النبوية أن سليمان قد جدد بناء المسجد الأقصى والذى كانت قبلته تتجه بالفعل الى مكة المكرمة.
ثالثا: دراسة الشكل والنسب الهندسية للحرم القدسى:
1- دراسة الشكل الهندسى للحرم القدسى:
سبق وان أوضحنا أن مقاسات أسوار الحرم القدسى الذى يمثل حدود المسجد الأقصى الشرعى عند المسلمين، ارجع الى شكل (1- ب)، هى كما يلى:
• الجانب الشرقى 474 مترا.
• الجانب الشمالى 321 مترا.
• الجانب الغربى 490 مترا.
• الجانب القبلى 283 مترا.
ومن دراسة الأبعاد السابقة يتبين لنا أنه لايوجد ضلع من الأضلاع المحددة للحرم القدسى يساوى ضلعا آخر، كما أنه لايوجد ضلع يوازى ضلعا آخر أيضا، وهذه المواصفات اذا وجدت فى شكل هندسى فانه يطلق عليه مسمى "الشكل المنحرف" أو "الشكل المختلف الأضلاع"، وهو من الأشكال الهندسية نادرة الاستعمال فى تصميم المساقط الأفقية للمبانى أو تحديد أسوار المواقع.
2- دراسة النسب الهندسية للحرم القدسى:
قام الباحث بدراسة النسبة الهندسية للحرم القدسى بناء على الأبعاد المشار اليها عاليه، وتم التوصل للنتائج التالية:
* النسبة المتوسطة مابين طول الحرم القدسى الى عرضه هى 1: 1.59، شكل (6-أ).
* النسبة الحقيقية ما بين الضلع القبلى الى الضلع الشرقى للحرم القدسى هى 1: 1.67، شكل (6- ب).
وهذا يعنى أن النسبة الهندسية للحرم القدسى تتوافق تقريبا مع "النسبة الذهبية" والتى تساوى 1: 1.618 ، وسميت بذلك لأنها أكثر نسبة مريحة للعين من الناحية الجمالية والبصرية أيضا، لذلك يقال بأن المستطيل الذهبى هو أكثر الأشكال بهجة للناظر.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12333448607.jpg

شكل (6): النسب الهندسية للحرم القدسى تتوافق تقريبا مع "النسبة الذهبية" (دراسة المؤلف).
رابعا: أوجه التطابق الهندسى بين الحرم القدسى والكعبة المشرفة:
ربط القرآن الكريم فى الآية الأولى من سورة الاسراء بين المسجد الحرام (الكعبة المشرفة) والمسجد الأقصى الشرعى (الحرم القدسى)، كما أن السنة النبوية قد ربطت بينهما أيضا حيث أكدت على أن المسجد الحرام هو أول مسجد وضع فى الأرض وأن المسجد الأقصى هو ثانى مسجد وضع فى الأرض، وأن الفترة بينهما هى أربعين سنة، من أجل ذلك كان البحث عن وجود أى تشابه من ناحية الخصائص الهندسية بين المسجدين.
وبما أننا قد قمنا بدراسة الشكل والنسب الهندسية للمسجد الأقصى الشرعى (الحرم القدسى)، فبنفس الأسلوب قمنا بدراسة الخصائص الهندسية للكعبة المشرفة، كما رفع قواعدها سيدنا ابراهيم وابنه اسماعيل كما ورد فى القرآن الكريم.
فقد أورد عالم الآثار الانجليزى "كريزول" فى كتابه الشهير "الآثار الاسلامية الأولى"، مقاسات الكعبة الأصلية حسب رواية ابن هشام وحسب رواية الأزرقى،، شكل (7)، ان أطوال أضلاع الكعبة الأصلية هى على التوالى كما يلى:
• الضلع الشمالى الشرقى 32 ذراعا.
• الضلع الشمالى الغربى 22 ذراعا.
• الضلع الجنوبى الغربى 31 ذراعا.
• الضلع الجنوبى الشرقى 20 ذراعا.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12333448978.jpg
شكل (7): مسقط أفقى للكعبة المشرفة كما رفع قواعدها سيدنا ابراهيم. (من رسم المؤلف).


وهو مايعنى أنه لايوجد ضلع من أضلاع الكعبة الأصلية يساوى أى من أضلاعها الأخرى، كما أنه لايوجد ضلع يوازى أى ضلع آخر، وهذه هى سمات الأشكال ذات الأربعة أضلاع التى يطلق عليها من ناحية توصيف الشكل الهندسى بالأشكال "المنحرفة" أو "مختلفة الأضلاع"، وهذا يعنى أن التوصيف الهندسى لشكل المسقط الأفقى للكعبة المشرفة يتطابق تماما، مع نفس التوصيف للشكل الهندسى للحرم القدسى الشريف، وهذا هو أول وجه من أوجه التطابق الهندسى بينهما.
وجدير بالذكر هنا ان نشير الى أن مقاسات الكعبة الأصلية كما وردت فى كتاب الأزرقى "أخبار مكة"، كما رفع قواعدها سيدنا ابراهيم، تختلف عن مقاسات الكعبة الحالية، والتى تنقص عدة أذرع من جهة حجر اسماعيل منذ أن جددت قريش بنائها.
وبناء على التحليل الهندسى للمقاسات الأصلية لمبنى الكعبة المشرفة، كما بناها سيدنا ابراهيم عليه السلام فقد تم التوصل لما يلى:
* النسبة المتوسطة ما بين عرض مبنى الكعبة الى طولها هى 1: 1.50.
* النسبة الحقيقية بين حائط الكعبة بين الركنين الأسود واليمانى الى حائط الكعبة مابين الركنين الأسود والعراقى هى 1: 1.60 وهى تتطابق مع النسبة الذهبية، شكل (8).
ان النتائج السابقة توضح مدى التشابه بل والتطابق الهندسى بين الحرم القدسى والكعبة المشرفة، كما رفع قواعدها سيدنا ابراهيم وولده اسماعيل، انظر جدول رقم (1).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12333451509.jpg
شكل (8): النسب الهندسية الحقيقية لمقاسات الكعبة تتطابق مع النسبة الذهبية. (من عمل المؤلف)
جدول رقم (1): التشابه والتطابق الهندسى بين المسجد الأقصى الشرعى (الحرم القدسى) والكعبة المشرفة بمقاساتها الأصلية (من دراسة المؤلف).
أوجه التشابه والتطابق الهندسى.المسجد الأقصى الشرعى (الحرم القدسى)
الكعبة المشرفة (المقاسات الأصلية)
الشكل الهندسىمختلف الأضلاع. (من الأشكال النادرة الاستعمال)
مختلف الأضلاع. (من الأشكال النادرة الاستعمال)

النسبة الهندسية المتوسطة.1: 1.591: 1.50النسبة الهندسية الحقيقية1: 1.67 (تقريبا النسبة الذهبية)
1: 1.60 (تقريبا النسبة الذهبية)

ان نتائج الجدول السابق توضح أن الشكل الهندسى لكل من المسجد الأقصى الشرعى والكعبة المشرفة، هو الشكل المختلف الأضلاع وهو من الأشكال النادرة الاستعمال فى مجال التصميم المعمارى للمبانى، لأن هذا الشكل لايوجد فيه ضلع يساوى أو يوازى أى من الأضلاع الأخرى لنفس الشكل، كما أن النسب الهندسية لكل من المسجدين تقريبا متطابقة وتتساوى مع "النسبة الذهبية"، والتى تعتبر من أجمل النسب الهندسية على الاطلاق.
فهل يمكن اعتبار هذا التطابق الهندسى من ناحية الشكل أو النسب الهندسية مصادفة؟،.. أم أن هذا التطابق الهندسى يوضح مدى الارتباط المادى مابين المسجد الأقصى المبارك والكعبة المشرفة، والذى ربط بينهما القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهو مايؤكد على الهوية الاسلامية للمسجد الأقصى المبارك بما لايدع مجالا للشك وبخاصة أن قبلته تتجه لمكة المكرمة، حتى من قبل الفتح الاسلامى لبيت المقدس بعدة قرون كما أوضحنا من قبل.
يمكن إرسال الملاحظات والاقتراحات إلى المؤلف:
[email protected]

القلب الحزين
24-12-2013, 06:58 PM
أواخر هود... والوصية الإلهية لنجاة الأمة الإسلامية



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1227907218_sh20_ou01_.jpg
غلاف كتاب الإسلام المدني الذي صدر مؤخرا عن وزارة الخارجية الأمريكية الشيخ هشام طلبة
دعاية إسلامي مصري
قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)}.
من إعجاز القرآن أن تكون لكل سورة محورها وموضوعها ؛ من ذلك يرى المتأمل سورة هود وقد ركزت على عرض صور من هلاك الأمم السابقة وأسباب ذلك الهلاك.
ثم نجد أن الله تعالى في أواخر السورة ؛ وكأنه عز وجل يستجيب لتساؤل قارئي ما تقدم من السورة:
كيف تنجو الأمة الإسلامية مما أصاب غيرها من الأمم؟
وللإجابة على هذا التساؤل ولتجنيب أمتنا ما حاق بغيرها، أوصانا الله وصية في أواخر سورة هود مكونة من خمسة بنود:
1 - {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)}
يدعونا الله أولًا إلى إصلاح المنهاج لأنه أساس كل إصلاح، وذلك وفقًا للمنهاج الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أي لتكن طريقة حياتكم وفقًا للطريقة النبوية الإسلامية كما قال تعالى في موضع آخر من القرآن الكريم: {وَألَّو اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)} [ الجن ]، وهي قريبة أيضًا من قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [ يوسف ]، وكذلك قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)} [ الشورى ]؛ أي أن أول بنود النجاة: الاستقامة على الطريقة المحمدية والسبيل الإلهي " شرع الله " وكذلك الدعوة إليه ؛ فالدعوة للإسلام من أبلغ الأسلحة في أيدي المسلمين خاصةً في وقتنا هذا الذي نفتقد فيه القوة العلمية والاقتصادية والعسكرية ثم السياسية تبعًا لذلك، فحين تدعو من له أيًّا من هذه القوة صارت لك، ويدرك المتابع مدى انتشار الإسلام عالميًّا هذه الأيام بقوته الذاتية، وكلما حورب زاد انتشارًا:
وَإِذا أَرادَ اللَهُ نَشرَ فَضيلَةٍ طُوِيَت أَتاحَ لَها لِسانَ حَسودِ
فكما ذكرت محطة NBC الأمريكية أن عشرين ألفًا من الأمريكان يدخلون في دين الإسلام سنويًّا في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكانوا قبل هذه الأحداث عشرة آلاف، فما بالنا لو أنفق على هذا الأمر معشار ما ينفق على سلاح قد صدأ في ظل حكومات الخيار الاستراتيجي للسلام ؟.
وهذه الاستقامة تعني الاعتدال وعدم التجاوز والطغيان ؛ والطغيان يكون إما للداخل بالغلو، وإما إلى الخارج بالتفريط والتقصير، وهو ما عبر عنه بعد ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
وقد رأينا كيف أضر بهذه الأمة الغلو في الدين والانكفاء على الذات والاكتفاء بتفاصيل شديدة الهامشية وقضايا ليست ذات بال في نفس الوقت الذي تتعرض فيه الأمة لمخاطر الاستئصال وإن انتقدتهم اتهمت بالانتقاص من السُّنة.
وهل الاهتمام بأمر المسلمين ليس سنة من السنن؟ وصار منهم مَنْ ينكر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ويراه بدعة – وقد أسلم به خلق كثير -، ثم يتمنون من على منابرهم أن ينتصر أشد الناس عداوة للذين آمنوا على فريق من المسلمين وإن ضلُّوا ؛ فخدموا بذلك مصالح الأعداء من حيث لا يدرون.
كما أن هناك طائفة أخرى حادت عن الاستقامة لكن إلى الخارج، وذلك إما شعورًا بالدونية تجاه تقدم الغرب وإما عمالةً له، وهذا الفريق أخطر كأن الله تعالى يقول لأصحابه: [ لا تطغوا باتباعكم هديًا غير هدي النبي، ولا تخالفوا أحكامه فتقبلوا بعضها وترفضوا البعض ] وقد سبق هذه الفقرة قوله تعالى عن كتاب موسى: {فَاخْتُلِفَ فِيه} [ هود: 110 ] أي أن من أشد الطغيان العمل ببعض الكتاب ورفض البعض وكأن هؤلاء الطغاة يريدون أن يغيروا بعض أحكام شرع الله.
وهل ننسى وكيلة برلمان الدولة العربية المحورية التي طالبت بمساواة المرأة بالرجل في الشهادة ومطالبة سيدة أخرى بانتساب الرجل لأمه في نفس الزمن الذي نجح نظراء لهم في استصدار قانون للطفل يمنع من هم دون الثامنة عشر من الزواج ويعطي الحق للطفل في استدعاء الشرطة إن ضربه أبوه و يسمح للأم بتسجيل ولدها دون عقد زواج وقد شاركت جهات غربية كنسية في صياغته. يتم هذا في نفس الوقت الذي سعت فيه إدارة بوش لما سمته " حرب الأفكار " و " القوة الناعمة " و " التغيير في الإسلام "Change Within Islam أي تغيير الإسلام نفسه لا تغيير تخلف المسلمين. وفي إطار ذلك استخدمت د. أمينة ودود لإمامة المسلمين في صلاة الجمعة ورفع امرأة أخرى للأذان، وقد قامت بذلك مرتين خلال بضع سنين وفي خلال ذلك تم قبول أول قاضية وأول مأذونة مسلمة!.
في إطار ذلك سعت أمريكا بثقلها لتحقيق بنود تقرير استراتيجي لوزارة خارجيتها بعنوان " الإسلام المدني الديمقراطي – الموارد، الاستراتيجيات، الشركاء" ( (http://www.rand.org/pubs/monograph_reports/MR1716/MR1716.pdf) Civil Democratic Islam: Partners, Resources, and Strategies ). (http://www.rand.org/pubs/monograph_reports/MR1716/MR1716.pdf)(أي أنهم يرون الإسلام همجيًّا يريدون تمدينه ودمقرطته، ولن يتم ذلك إلا بدعم فئات – سموهم الشركاء – ألا وهم:
1 – التصوف؛ لتحجيم حركية الأمة ودعم الخرافات فيها.
2 – دعم الإعلاميين الذين يهدمون الرموز الإسلامية.
3 – دعم المفكريين الحداثيين ومساعدتهم في نشر أفكارهم في الصحف ووسائل الإعلام بل ومقررات المدارس – حسب نص التقرير – لعل ذلك يفسر كيف أن صحيفة يومية قاهرية جديدة وفي رمضان الفائت كانت تستكتب يوميًّا من دُعي مفكر إسلامي يهدم ثوابت الإسلام، كما تكتب يوميًّا عن الطرق الصوفية المتطرفة وتروج لهم.
** العجيب أن الغرب أدرك أهمية هذا العنصر الخطير لصحوة الأمة الإسلامية (إصلاح منهاج الحياة) فادعت أوربا لنفسها المثل الأوربية وتدعي أمريكا أن لها: " القيم الأمريكية ". وحين ضربت لندن في تفجيرات 7 يوليو الشهيرة قالت ملكة بريطانيا: أننا نسعى لتغيير طريقتهم في الحياة. وقد ذكرتني بقول فرعون عن هارون وموسى: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [ طه: 63 ] ؛ أي طريقتكم في الحياة.
وما نحسب الاستقامة على الطريقة المحمدية المعني بها هذا البند تخرج عن:
1 – تصويب عقائد الناس وتنقية ما يعلق بها من شوائب خاصة كتلك التي نراها في العديد من الطرق الصوفية.
2 – الإخلاص في العمل الشرعي و جعله وفقا لما في الكتاب والسنة.
نجد ذلك في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [ الكهف ].
أي أن الآية ( كما قال المفسرون ) تؤكد ثلاثة أمور:
1 – توحيد الإله، 2 – إثبات البعث، 3 – الأعمال الصالحة.
2 – {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)}
وهو مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)} [ آل عمران: 118 ]، وقد قصد بها هنا أهل الكتاب والمعنى ينصب على البند الذي نحن بصدده لأن الإشراك بالله ظلم عظيم فلا يجب أن نركن إلى هؤلاء الظالمين من دون المسلمين، وقد فعلها حكام دويلات الأندلس حين استقووا على إخوانهم بحكام من الفرنجة فماذا كانت النتيجة ؟ ضاعت الأندلس ولم يكونوا من المنتصرين، كما قال تعالى في نفس الآية: {ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}.
لكن هناك فريق آخر من الظالمين تكلمت عنه السورة قبل فقرتنا هذه فعرفت الظالمين: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)} [ هود ].. أليس من حكامنا اليوم من يصد عن سبيل الله ويريد اعوجاج الأمور في الأمة ونشر الفساد كإبائهم حجب مواقع الإنترنت الإباحية ونظيراتها من الفضائيات ؟.
يؤيد ما ذهبنا إليه قوله تعالى في نفس السورة: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)} [ هود ]، أي أن من أهم أسباب هلاك قوم عاد طاعتهم للجبابرة من أصحاب النفوذ والسلطان. والذين نراهم اليوم يسارعون في إرضاء الغرب خشية أن تصيبهم دائرة من فرض ديمقراطية أو عزل وإسقاط أو ترحيل كما فعل بغيرهم، فيقدمون الخدمات قبل أن تطلب منهم وإن أدى ذلك إلى إهانة شعوبهم والعمل ضد مصالحهم الاستراتيجية، لدرجة تحميل بلد مسلم صغير معتدى عليه وزر الاعتداء بعد تهاتف بين إمام الكفر وأربعتهم.
الذين قبلوا أن يحملوا حقيبة تخويف سائر أصحاب السلطان وقولهم: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [ آل عمران: 173 ]، فانسحب أنت من هذه البلاد وفكك أنت سلاحك الاستراتيجي وتنازل أنت للغرب واقبل قسمة بلدك وإلا.... ثم يثبطون همة رعيتهم وجنودهم ويرفضون الاستعداد لاحتمال الحروب وهي لا بد واقعة، وقد أمرنا الله بإعداد ما استطعنا لا ما يكافئ عدونا.
والتفريط في ذلك من أشد أبواب هلاك الأمة؛ لأن الله بذلك يعذبنا عذابًا شديدًا ويستبدل قومًا غيرنا، وما وضعوا قوم الجهاد إلا وذلوا.
ونحن إن فعلنا غنمنا ستة مغانم [ ذكرت في سورة التوبة ]:
1 – يعذب الله أعداءنا بأيدينا.
2 – يخزي الله أعداءنا.
3 – ينصرنا الله عليهم.
4 – يشف الله صدور المؤمنين مما فعلوا بإخواننا.
5 – يذهب الله غيظ قلوبنا بزوال أسباب الانكسار أساسًا.
6 – يدخل العديد من أعدائنا في دين الله ؛ إذ يتوب الله عليهم من الكفر لانبهارهم بانتصارنا.
ومنهم من يُضغط عليه خارجيًّا بحجة انتقاص حقوق رعيته فيتنازل عن ثوابت ثقافة بلاده بدلًا من بذل الحقوق لأصحابها، ويعطي الوعود ببناء الكنائس ويعفو عن من يتهم بالردة ولعله يمهد بالسماح بالارتداد. ثم يأمر ببناء جامعات مختلطة على النمط الغربي بالقرب من آخر حصوننا الأيدلوجية وأهمها على الإطلاق. بعد ذلك نسعى إليهم بالزيارات والمؤتمرات التي ندفع تكاليفها الباهظة في أوقات الشح المالي، ثم لا نذكر شيئًا في هذا المؤتمر الذي دفعنا تكاليفه شيئًا من المظالم التي نتعرض لها بل ندعو صاحبها للحضور ونهش له.
· ومن عدم الركون إلى الذين ظلموا من الكافرين، عدم السكوت على إساءاتهم لثوابتنا وما فعلوا ذلك إلا لنألفه مع الوقت فلا تصبح لثوابتنا مكانتها عندنا، في ذلك الوقت يعطينا أعداؤنا قيمًا أخرى من ثقافتهم، ولنستمع إلى ذلك من "جايمس بتراس" أستاذ الاجتماع الأمريكي في كتابه القيم "سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة ": (( الحط من قدر المقدس هو مقدمة لمحاولات تهدف إلى فرض مجموعة جديدة من المعتقدات التي تؤدي أكثر من غيرها إلى الخضوع والاستغلال )) (1).
وردُّ المسلمين هنا واجب لأنه تعالى يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)} [ الشورى ]، لا كما قال دعيٌّ حين يسب النبي صلى الله عليه وسلم: ( لأجل النبي لا تدافعوا عن النبي ) !!كيف وقد قال عليه الصلاة والسلام لحسان بن ثابت: (( اهجهم وروح القدس معك )) ؟.
يتبين من البندين السابقين أن الإصلاح السياسي ومعه التشريعي غاية في الأهمية لنهضة الأمة الإسلامية وهو ما نهضت به أوربا منذ قرون.
3 – {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)}.
أي أن ذهاب ذنوبنا وسيئاتنا من أهم أسباب النصر؛ لأنَّا لا نهزم إلا بذنوبنا ومن أهم أدوات ذهاب السيئات الصلوات.
وقد عبر عنها بالحسنات هنا - كما عبر عنها في سورة البقرة بالإيمان – والمتأمل لسورة هود يرى أن أغلب أنبيائها طالبوا قومهم بالاستغفار ثم التوبة، وحتى في مقدمة السورة قبل القصص: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)} وهذه سمة لا توجد في أية سورة أخرى ؛ أي أن الإقلاع عن الذنوب والتوبة إلى الله تنجي الأمم من الهلاك.
إذًا في أوقات الأمة العصيبة نقلع عن السيئات ونكثر من العبادات خاصةً الصلوات، وليس مجرد أداؤها بل إقامتها بما يليق بجلالها وعظم شأنها.
4 – {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)}.
الصبر: هو المداومة على الأمر ؛ أي أن هذه البنود الثلاثة الماضية يجب أن نستمر عليها زمنًا ونواظب عليها ونحسن أداءها.
5 – {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)}.
بقية الأمة: هم نخبة الأمة، هم صالحي وعلماء الأمة ومثقفوها.
هؤلاء جميعًا يمثلون القاطرة التي تجر قطار ازدهار ونجاة هذه الأمة، لو تعطلت هلكت الأمة، لو لم تقم بدورها وتكن إيجابية وتأمر بالمعروف وتنه عن المنكر وتأخذ على يد الظالم هلكت الأمة.
لو سكتت على التطبيق الانتقائي للقوانين هلكت الأمة، كما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم: (( إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ )).
لو سكتت على الاحتكار ومظالم الناس وإهانة المقدسات ونسيت أن من أعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر.. هلكت الأمة.
فتلك الأمم التي هلكت لم تعدم بقية أو نخبة، لكنها كانت نخبًا صامتة، أو من تكلم منها كان أقلية ( نجوا وحدهم )، وحتى تنجو الأمة يجب أن تتحرك بقية الأمة في مجملها وفي أغلبها.
بعد استعراض بنود النجاة الخمسة في هذه الوصية الإلهية، لنا أن نتساءل:
هل في ظل ظرف الأمة الحالي الذي يعلمه القاصي والداني نطبق بندًا واحدًا منها ؟
الإجابة: هي أن العكس تمامًا هو الواقع، وكأن القرآن الكريم يكشف عورات الأمة.
هل استقامت الأمة على المنهاج النبوي بلا تفريط أو إفراط ؟
ألم تركن الأمة إلى الذين ظلموا من كفرة الخارج ومنافقي الداخل ؟
هل أقلعت الأمة عن المعاصي أم انتشرت الموبقات خاصةً بين الشباب عن طريق ثلاثي ؛ الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر ولاقطات الفضائيات، والتقبل التدريجي للاختلاط بل والتواصل بين الجنسين ؟ وصار منا من يفتي بأن ذلك وأكثر من اللمم ؟
هل أمرت نخبتنا وكبار علمائنا ومفكرينا بالمعروف ونهت عن المنكر أم اشترت السلامة ولم تكتف بالتقاعس بل صارت تزايد على الحكام في نفاق الغرب بعد أن سوقت للحكام ما يشتهوه؟ فمن تحليلٍ لفوائد البنوك إلى وصم من خاطر بنفسه للقمة العيش ( والمتسبب فيه الحكام ) بالمنتحر والطماع إلى السماح بوجود القاضية والمأذونة - وكان رافضًا لذلك قبل المنصب – تمهيدًا للسماح بوجود المفتية وشيخة الأزهر – كما تتمنى أمريكا -، بل وصل به الجنوح إلى التسويق لقوانين في الغرب تمنع بناتنا من ارتداء الحجاب عندهم وسمح بالحوار مع مَنْ تطاولوا على الإسلام، وقال لأهل الكتاب: لسنا مختلفون في الأصول، ولستم المعنيين بقوله تعالى: { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [ المائدة: 72 ] !!.
ومنهم من قال أمام برلمانات الغرب: إن قضية الرسوم الدانماركية المسيئة تعرضت للتضخيم وقال: أنا علماني وشيعي بولائي ثم يدعو لعودة اليهود إلى بلاده خلال لقاءٍ بحاخام يهودي
· قد يقول قائل: ألسنا على أي حال أفضل من الغرب ؟ ألسنا موحِّدين ؟
والحق أن ذلك على عظم قدره ليس كافيًا لأن أمة وأدت القرآن أحق أن توأد.
تأمل معي كيف كان القرآن معجزًا في وصف الأمة في حال الانحطاط وكأنما ينبؤنا بما نحن فيه الآن.
مبشرات نهضة الأمة:
بالرغم من حال الانحطاط الحالي للأمة نرى العديد من المبشرات لو أخذنا بالأسباب سالفة الذكر لنجت الأمة.
من ذلك انتشار الإسلام بين الكاثوليك والمسيحيين عامة، خاصةً في أوربا لدرجة أن:
* ثلث سكان " بروكسل " حاليًا مسلمون ويتوقع أن يصبحوا أغلبية خلال عشرين عامًا..
* ربع سكان موسكو حاليًا مسلمون ويتوقع أن يصبح المسلمون أغلبية في روسيا عام 2050م..
* خلال ثلاثين عامًا سيصبح أغلب سكان هولندا وفرنسا مسلمين..
* 4000 ألماني يسلمون سنويًا...
* انتشار الإسلام بين الهنود الحمر في المكسيك..
* أحرق كاهن ألماني نفسه عام 2005م احتجاجًا على انتشار الإسلام في أوربا وعدم تحرك الكنيسة تجاه ذلك.
وقد صاحب ذلك قلة خصوبة رهيبة للكاثوليك خاصةً في أسبانيا وإيطاليا.
ومن ذلك مقال لعالم بريطاني كبير في كبرى جامعات أمريكا والعالم ( هارفارد ) ألا وهو " نيل فيرجسون " وهو من المحافظين المبغضين للإسلام، في مجلة فورن بوليسي الأمريكية، ذكر فيه أن العالم في القرن الحادي والعشرين سيكون متعدد الأقطاب وحدد أربع قوى لذلك:
1 – أمريكا القوة الحالية وذكر سبب انحطاط لها وهو كونها أكبر مدين والاستثمار فيها أجنبي - كتب المقال قبل انهيار البورصات و قد تبين صدق كلامه.
2 – أوربا الموحدة وذكر لها سبب انحطاط ألا وهو التناقص الديموجرافي ( السكاني ) في نفس الوقت الذي تزداد فيه مواليد المسلمين هناك علاوةً على تحول العديد منهم إلى الإسلام.
3 – الصين، القوة الاقتصادية الجبارة، ثم ذكر لها سبب انحطاط وهو أنها دولة غير ديموقراطية وتعاني تفاوت اجتماعي كبير.
4 - الإسلام، والعجيب أنه لم يذكر هنا أية بذور انحطاط.
·وهكذا كان القرآن الكريم معجزًا في وصف حال المسلمين في فترات الانحطاط وتشخيصه للداء، وكان معجزًا كذلك في وصف الدواء الناجع لهذا الداء، وكأن القرآن مع كل زمن نرى فيه ما لم نره من قبل، و نقرأ فيه مواضع كأنما نراها لأول مرة وقد قرأناها العديد من المرات قبل ذلك. فكأنه يعيش معنا فلا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه إذ كلما بلغ منه جيل مبلغًا امتد الأفق بعيدًا وراء كل مطمح.
يمكن إرسال التعليقات على المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]
الهوامش:
(1) سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة ص299

القلب الحزين
24-12-2013, 06:59 PM
...................




مرض جنون البقر والتعاليم الإسلامية الطبية

(Transmissible Spongiform Encephalopathy)




بقلم الدكتور محمد جميل الحبال
ملخص البحث:
إن كل عمل مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء وفقا لما جاء في الكتاب والسنة سينتج عنه ضرر ومرض وسوء عاقبة في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى في محكم كتابه: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم) النور: 63. صدق الله العظيم.

وما فتنة الشذوذ الجنسي والزنا والمجاهرة بهما في بعض دول العالم خاصة الغربية منها وما تمخضت عنه من متلازمة نقص المناعة المكتسبة (مرض الايدز) عنا ببعيد. هذا الوباء القاتل الذي يحطم فيروسه الجهاز المناعي للإنسان ويردي صاحبه صريعا, والذي لم يتوصل الطب لعلاج أو لقاح له لحد الآن. ومن الجديد في الطب البيطري والبشري ظهور مرض جنون البقر وأنماطه البشرية التي تنتقل إلى الإنسان نتيجة انحرافه أيضاً وذلك بتغذية المواشي بالبروتين الحيواني المصنع من فضلات وأشلاء الحيوانات الميتة (لحومها وعظامها ودماءها), بدلا من تغذيتها وتربيتها كما خلقها الله وحسب فطرتها على النبات وفي المراعي على الأعشاب وجعل تكوينها التشريحي والعضوي ليكون غذاءها نباتي المنشأ وليس حيوانيا لأنها من المجترات. لقد ذكر الباري عز وجل هذا القانون الإلهي في قوله تعالى: (ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) طه: 50. فقد ورد في تفسير هذه الآية (ومن الخلق الحيوان فقد هداه الله إلى مطعمه ومشربه ومنكحه)[1].
فعندما انحرفت بعض الدول التي تدعي أنها متحضرة عن هذه السنة الإلهية طمعا وراء الربح المادي كعادتها وخالفت الفطرة التي فطر الله عليها هذه الأنعام في أسلوب ونوع غذاءها نتج عن ذلك هذه الأمراض القاتلة (الاعتلال الدماغي الأسفنجي الانتقالي)(Transmissible Spongiform Encephalopathy)التي تصيبها وينتقل منها إلى الإنسان في حالة تناوله للحومها ومنتجاتها والتي لم تكن معروفة سابقاً. وقد نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم وحذر المسلمين في توجيهاته من أكل لحوم هذه الحيوانات وشرب ألبانها وحتى من ركوبها في سبق علمي مذهل لم يتوصل إليه الطب والعلم الحديثين في احتمال انتقال هذه الأمراض عن طريق الملامسة أو الاحتكاك بها فضلا عن طريق تناول لحومها أو شرب حليبها ومشتقاته والتي تسمى فقهيا بالجلالة, وهي الحيوانات التي تتغذى على النجاسة والفضلات الحيوانية.
المقدمة:
إن هذا الموضوع له أهميه قصوى لخطورته ولكونه مرض انتقالي مكتشف حديثا خاصة عند الأشخاص الذين يأكلون لحوم الأبقار ومنتجاتها, وكذلك بقية المواشي كالأغنام والماعز, والذي ثبت أصابتها بهذا المرض القاتل (الدماغ الأسفنجي) الناتج عن بروتين برايون المتحول (Modified Prion Protein) والذي ثبت انتقاله إلى الإنسان عند تناوله لحوم هذه المواشي المصابة أو الحاملة للمرض المذكور أو منتجاتها كالحليب والناتجة عن تغذيتها على أشلاء ودماء وعظام الحيوانات الميتة بعد تحويلها إلى علف حيواني بروتيني بدلا من تغذية هذه المواشي على الأعشاب أو البروتين نباتي المنشأ والتي خلقها الله لتتغذى وتنمو على النبات وليس على اللحوم لأنها من المجترات (أكلة النبات) وليست من المفترسات أو الضواري (آكلة اللحوم),فقد خلق الله عز وجل هذه الحيوانات المجترة لترعى الأعشاب ونباتات المراعي، وذلك ليلائم التركيب التشريحي لجهازها الهضمي (حيوانات ذات كرش ومعدة مركبة من أربعة حجرات ) . فقد وجد أن هذا البروتين (برايون) والموجود طبيعياً في خلايا الإنسان والحيوان تتغير طبيعته في الحيوانات الميتة وأشلاءها ويصبح مخرباً لبروتين برايون الطبيعي الموجود في خلاياها خاصة الجهاز العصبي بعد تغذية هذه المواشي بها, علماً أن هذا النوع من البروتين المتحول مقاوم للحرارة وجميع وسائل التعقيم المعروفة وحتى أشعة كاما ولا يستجيب لإنزيمات الجسم ولا يستطيع أن يدخل بديلاً للخلايا والأنسجة التالفة في مخ الحيوان فيضل مكانها فارغاً مما يؤثر على الأداء العصبي والحسي للحيوان أو الإنسان المصاب به فيأتي بحركات عصبية ويصبح غير قادر على التوازن. فيصيب المواشي بهذه الأمراض التي تدعى في الغنم والماعز بمرض قعاص الغنم (Scrapie)وفي البقر جنون البقر (Mad Cow Disease)وعلمياً (Bovine Spongiform Encephalopathy).وعند تناول الإنسان لحوم هذه المواشي المصابة أو منتجاتها فإنه يصاب أيضاً بهذا المرض الذي يدعى بالنمط البشري لجنون البقر ومن أهمها مرض كرتزفلد و جاكوب (Creutzfeldt Jacob Disease), هذا المرض القاتل الذي لا علاج له في الوقت الحاضر. ومن يدري فقد تكون هناك أمراض أخرى تنتقل بهذا الأسلوب ولم تكتشف بعد وقد تكتشف في المستقبل أو أن قد يظهر هذا المرض (جنون البقر) بين الأفراد بأشكال مختلفة أو غير معروفة, كما سنفصله لاحقا بعون الله تعالى.
المرض في التعاليم الإسلامية:
1. القران الكريم: في قوله تعالى: (وأنزل من السماء ماءا فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى, كلوا وأرعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى) طه: 53,54. وقد جاءت هنا كلمة أرعوا بصيغة الأمر, وعبارة (لآيات لأولي النهى) أي أصحاب العقول, وفي ذلك إشارة قرآنية واضحة بصيغة الأمر أن غذاء الأنعام هو نباتي وليس حيواني. وقوله تعالى: (وفاكهة وأبا, متاعا لكم ولأنعامكم) عبس: 31,32. وتفسير أبا (ما تأكله البهائم من الأعشاب وقيل التبن)[2] . وقوله تعالى: (هو الذي انزل من السماء ماءً لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون) النحل: 10. وتسيمون أي ترعون بهائمكم من هذا الشجر. وغيرها من الآيات الكريمات التي لها نفس المعنى.
وقوله عز وجل: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه ألا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فأنه رجس) الأنعام: 145.
والرجسفي اللغة والتفسير (هو الشئ النجس والقذر والحرام)[3] . وهو أيضاً (الخبيث النجس والمضر حرمه الله لطفا بكم ونزاهة لكم عن مقاربة الخبائث)[4] . والرجس سيؤدي إلى الضرر والمرض حتما. فهذه الأنعام عندما تغذى بأشلاء وفضلات الحيوانات الميتة المحرم أكلها أصلاً (وقد يكون الخنزير جزء منها والمعروف بحرمته جملة) فأن حرمة أكلها مع مشتقاتها ومنتجاتها ستنتقل إليها, وينطبق عليها أيضا حكم الجلالة.
2. الجلالة في الحديث الشريف: وردت أحاديث نبوية كثيرة في النهي عن أكل لحوم الجلالة وشرب ألبانها وحتى في ركوبها, وفي معنى الجلالة: هي الحيوانات التي تتغذى بالنجس, وهل هناك نجاسة اكبر من أشلاء ولحوم وعظام ودماء وفضلات الحيوانات الميتة, والتي قد يكون منها الخنزير كما ذكرنا أعلاه. ومن هذه الأحاديث النبوية الشريفة: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها)[5] . وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة, أن يؤكل لحمها ويشرب لبنها ولا يحمل عليها ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة)[6] . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها)[7] .
3. الجلالة في أقوال الفقهاء: (وقد أطلق بعض الشافعية كراهة أكل الجلالة إذا تغير لحمها بأكل النجاسة, وفي وجه إذا أكثرت من ذلك ورجح أكثرهم أنها كراهة تنزيه ....وذهب جماعة من الشافعية وهو قول الحنابلة إلى النهي للتحريم, وبه جزم أبن دقيق العيد عن الفقهاء, وهو الذي صححه أبو اسحق المروزي والقفال وأمام الحرمين والبغوي والغزالي وألحقوا بلبنها ولحمها بيضها، والمعتبر في جواز أكل الجلالة زوال رائحة النجاسة بعد أن تعلف بالشيء الطاهر على الصحيح، وجاء عن السلف فيه توقيت فعند أبن أبي شيبة عن أبن عمر أنه كان يحبس الدجاجة الجلالة ثلاثاً، وأخرج البيهقي بسند فيه نظر عن عبد الله بن عمرو مرفوعا أنها لا تؤكل حتى تعلف أربعين يوماً)[8] .
4. مرض القعاص (الدماغ الأسفنجي) في الحديث الشريف: أخرج البخاري قي صحيحه (رقم الحديث 3176) الحديث الاعجازي التالي:قوله صلى الله عليه وسلم (أعدد ستا بين يدي الساعة: موتى, ثم فتح بيت المقدس, ثم موتان يكون في الناس كقعاص الغنم, ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا, ثم فتنة لا تبقي بيتا من العرب ألا دخلته, ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فغدرون فيأتونكم تحت ثمانين راية, تحت كل راية اثنا عشر ألفاً), ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم موتان هو الموت الكثير الوقوع, وقعاص الغنم كما ورد في معجم لسان العرب (القعاص داء يأخذ الغنم فيسيل من أنوفها شئ لا يلبثها أن تموت, والقعص لغة هو القتل والموت المعجل)[9] .
المرض في التعاليم الطبية:
1. قعاص الغنم (Scrapie): مرض مميت يصيب الجهاز العصبي المركزي للأغنام والماعز يتسبب بتلف الخلايا الدماغية يعرفه الأطباء البيطريون باسم مرض سكرابي (Scrapie) وهو مرض معروف منذ مئات السنين ولكن المسبب اكتشف مؤخرا وهو (بروتين برايون المتحول), أو الدماغ الأسفنجي الانتقالي. وقد تناقلت http://www.quran-m.com/images/cow/3.jpgوكالات الأنباء تقرير وزارة الزراعة الفرنسية عن (تسجيل إصابة عنزة فرنسية بمرض جنون البقر مؤخرا مما عمق المخاوف من أن يكون المرض قد تفشى على نحو مستتر في المواشي الأوربية التي يتم علفها بالبروتين الحيواني. وأصيبت العنزة بالمرض على الأرجح قبل تطبيق الحظر الأوربي عام 2001 على الأغذية المشكوك بتلوثها. وثم اعتقاد يشير إلى أن الغنم والماعز قادرين على نقل المرض فيما بينهما مما يعني باستمرار انتشاره رغم حظر استخدام العلف الحيواني المنشأ. وتشير مخاوف أخرى إلى وجود مرض دماغي يشبه جنون البقر يدعى سكرابي قد يكون السبب في أخفاء عوارض جنون البقر عند الماعز والأغنام لذا تجري حاليا حملة فحوصات عشوائية للحيوانات التي يعتقد أنها مصابة بمرض سكرابي للتأكد من خلوها من مرض جنون البقر) [10].
2. مرض جنون البقر(Bovine Spongiform Encephalopathy): مرض قاتل يشبه في أعراضه مرض الدماغ الأسفنجي الذي يصيب الغنم (القعاص) وقد ينتقل إلى الإنسان الذي يستهلك لحوم البقر المصاب, وقد أثار انتقال حالات جنون البقر إلى الإنسان في بداية التسعينات ضجة إعلامية وصحية كبيرتين اضطرت على أثرها البلاد التي ظهر فيها المرض إلى قتل عشرات الألوف من الأبقار خشية ان تكون مصابة أو حاملة لهذا الوباء حيث بلغت نسبة الإصابة في هذه الأبقار في ذروة الوباء بمعدل ألف بقرة مصابة أسبوعياً! ومنع منذ ذلك الوقت أطعام الماشية مخلفات البروتين الحيواني المتأتية من أشلاء الماشية التي خلقها الله جلت قدرته لأكل العشب وليس للمواد البروتينية المستخلصة من بقايا الماشية كاللحوم والعظام وغيرهما. http://www.quran-m.com/images/cow/4.jpg
ويعتقد العلماء أن مصدر العدوى للأبقار هو أطعامها أشلاء الحيوانات الميتة والتي منها الأغنام المصابة بمرض القعاص (Scrapie)[11].
وقد أصدرت دول السوق الأوربية المشتركة وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان مؤخرا (وحسنا فعلوا, ولكن بعد فوات الأوان) تعليمات تمنع بموجبها استعمال البروتين الحيواني كعلف للمواشي, وذلك بعد ظهور حالات جنون البقر في بريطانيا خاصة وثبوت انتقاله إلى الإنسان بعد تناوله لهذه اللحوم المصابة. ولكن من يضمن تطبيق ذلك؟ ومن يعلم ان هذه الأبقار التي سبق وان تغذت على البروتين الحيواني أنها لا تزال حاملة للمرض ولم تقتل أولم تظهر أعراضه عليها بعد لكون فترة الحضانة لهذا المرض طويلة الأمد نسبيا. كذلك من يدري بأحتمال وجود أمراض أخرى تنتقل بهذه الطريقة ولم يكتشفها الطب بعد؟ لقوله عز وجل (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) الإسراء: 85.
3. مرض الدماغ الأسفنجي في الإنسان (الأنماط البشرية لمرض جنون البقر)[12]: لقد تم اكتشاف ولحد الآن الأمراض التالية التي يسببها بروتين برايون المتحول في الإنسان, والتي تتميز بطول مدة الحضانة نسبيا ما بين (5-30) سنة وأنها جميعا مميتة وليس لها علاج لحد الآن, ولا يمكن تشخيصها مختبريا قبل ظهور الأعراض لعدم وجود مؤشرات مناعية أو عوامل غير طبيعية في مصل الدم للشخص الحامل للمرض وحتى بعد ظهور الأعراض, والدليل الوحيد على اشتراك هذه الأمراض بالمسبب المذكور أعلاه هو عزل هذا البروتين المخرب خاصة من خلايا الجهاز العصبي المركزي بأخذ عينات من هذا النسيج بعد ظهور أعراض المرض التي هي في معظمها عصبية المنشأ أو بعد موت المريض المصاب وكذلك في دراسة التغيرات النسيجية المرضية لخلايا الدماغ وظهور ظاهرة التجاويف الدماغية فيها (الأسفنجية) (Biopsy and Autopsy Spongiform Changes in) التي تنتقل إلى مرحلة النشوانية (Amyloidosis). ومن هذه الأمراض ما يلي:
‌أ. مرض كرتزفلد جاكوب ( Creutzfeldt Jacob Disease) حيث يتجمع هذا النوع من البروتين بصورة غير طبيعية في الخلايا الدماغية ويتلفها مسببا تجاويف أسفنجية فيها (Spongiform Encephalopathy) تظهر على شhttp://www.quran-m.com/images/cow/8.jpgكل أعراض عصبية كالخرف والحركات اللا إرادية والصرع مؤدية إلى الموت المحقق. وقد شخص منه لحد الآن في بريطانيا وحدها أكثر من 148 حالة وتكون الإصابة بهذا المرض بعدة طرق, فهو أما وراثي (Familial) أو انتقالي من الماشية إلى الإنسان (Infectious) وذلك بأكل لحوم الماشية المصابة, خاصة أدمغتها ونخاعها الشوكي, أو انتقالي طبي (Iatrogenic) عن طريق زرع الأعضاء المريضة كالكلية وقرنية العين من الأشخاص الحاملين للمرض أو تلوث الأدوات الجراحية, خاصة عمليات الجملة العصبية وعن طريق نقل الدم. ثم هناك حالات فردية (Sporadic) لم يتوصل الطب لحد الان لتفسير كيفية حدوثها ونسبة حدوثها بمعدل حالة واحدة لكل مليون شخص من الكان في بريطانيا.
‌ب. متلازمة جيرمان-ستراوسلر-شنكر(German-Straussler-Schinker Syndrome) وذلك نسبة للاطباء الذين اكتشفو هذا المرض والذي يشبه في أعراضه مرض كرتزفيلد جاكوب أعلاه ولكنه يحدث في الفئات العمرية الشبابية بصورة أكثر.
‌ج. مرض الأرق الوراثي القاتل (Fatal Familial Insomnia)
http://www.quran-m.com/images/cow/1.jpg‌د. مرض كورو (Kuru):والذي اكتشف في أواسط القرن المنصرم في غينيا الجديدة في أفريقيا الاستوائية وبشكل وبائي في القبائل التي لديها طقوس وعادات بأكل لحوم البشر بعد موتهم(Mortuary Cannibalism) خاصة من قبل أقربائهم, فيصابون بأعراض تشبه كثيرا مرض كرتزفيلد جاكوب وقد تم عزل هذا النوع من البروتين في أنسجتهم وقد تلاشى هذا المرض في الوقت الحاضر لتوقف ممارسة هذه الطقوس في قبائل الفوريا (Forea), والكورو بلغتهم تعني الرجفة.
‌ه. أمراض جنون البقر المختلفة بين الأفراد حسب التركيبة الجينية: ذكر ماغي فوكس في تقريره عن مجلة (العلم – Science) في العدد الصادر في أكتوبر 2004, (أن الأنماط البشرية لمرض اعتلال الدماغ الأسفنجي (جنون البقر) قد تبدو مختلفة من شخص إلى آخر اعتمادا على تركيبته الجينية ليزيد بذلك احتمال انتشار المرض دون اكتشافه. وتظهر تجارب أجريت على الفئران أن الحيوانات التي لديها نسخ من الموروثة البشرية أصيبت بالمرض في شكل مختلف حين تم تعريضها لبروتين برايون المتحول الذي يسبب المرض. وقال الباحثون أن هذا يساهم في توضيح سبب إبداء بعض الناس مقاومة للمرض المميت الذي يدمر الدماغ والذي لا شفاء منه, لكنه يثير في الوقت نفسه احتمال أن تكون بعض الحالات قد شخصت خطأ. ويضيف العلماء أن الأعراض قد تختلف وأن عينات من أنسجة دماغ الضحايا قد تبدو مختلفة تحت المجهر). وأجرى خبير جنون البقر جون كولينغ وزملاءه في وحدة برايون في مجلس البحث الطبي وجامعة لندن فحوصات على فئران معدلة وراثيا لتحمل المورثة البشرية المرتبطة بالإصابة بمرض جنون البقر وخلص الفريق إلى أن الفئران ذات النمط الجيني البشري المعروفة باسم (في.في) أصيبت بالمرض عندما أعطيت بروتين برايون الخاص بجنون البقر ولكن المرض الذي اصيبت به يختلف كثيرا عن جنون البقر أو نظيره البشري, ولكنهم قالوا أن مسؤلي الصحة الذين يراقبون مرض جنون البشر ونظيره البشري يجب ان يكونوا على حذر من احتمال وجود سلالة غير معروفة من هذا المرض, مما يؤكد احتمال انتشار هذا المرض خفية بين الأفراد. وهناك احتمال ان يكون مرض الصفيحة المتصلبة المنتشر (Multiple Sclerosis) هو أحد هذه الأنماط البشرية المختلفة لمرض برايون بروتين خاصة بعد اكتشاف التشابه المرضي في الجهاز العصبي بينه وبين مرض قعاص الغنم (Scrapie)[13].
والذي يهمنا في هذا المقام وبالدرجة الأولى هو موضوع الأطفال وتغذيتهم خاصة في الأشهر الأولى من أعمارهم, فعند عزوف الأم عن الرضاعة الطبيعية أو عدم توفرها لأي سبب كان, فأن الطفل الذي سيطعم من هذه الخلائط المصنعة من حليب البقر والمستوردة غالبا من الدول التي قد تستعمل البروتين الحيواني لتغذية أبقارها فأن هناك احتمالا كبيرا بتلوث هذه الخلائط بهذه الأمراض الخطيرة, فيكون هذا الحليب المصنع المستورد واسطة لنقل هذه الامراض إلى أطفالنا والذي قد تظهر عليهم أعراضه بعد سنوات عديدة قد تصل الى 30 عاما, لأن فترة الحضانة لمرض جنون البقر وأنماطه البشرية قد تصل الى هذه المدة كما ذكرنا.
(وقد ظهر مرض جنون البقر للمرة الأولى في الماشية البريطانية في الثمانينات وبعد طمأنة الناس اضطر المسؤلون البريطانيون للاعتراف بأن بعض الأشخاص أصيبوا بالنظير البشري لجنون البقر بعد تناول الحليب ومشتقاته)[14] , فضلا عن أكل لحومها, مما يؤكد ما ذهبنا إليه أعلاه في انتقاله إلى الأطفال أو الأفراد الذين يشربون حليب الأبقار وخلائطه المصنعة منه (Cow’s milk, and its formulas) في حالة كونها تحمل هذا الداء الوبيل!
التوصيات:
من أجل ذلك ولغيره من الأسباب يجب توعية الناس بالأمور الآتية:
1. عدم استيراد وتناول لحوم الأبقار والمواشي ومنتجاتها من الدول التي ظهر فيها مرض جنون البقر وأنماطه البشرية.
2. تشجيع الأمهات وتوعيتهم جميعا على ضرورة الرضاعة ألامومية بالدرجة الأولى ثم باللجوء للرضاعة البشرية من غيرهن (حليب المرضعات) بالدرجة الثانية في حال عدم توفر الرضاعة الامومية لأي سبب كان. وعدم استعمال الحليب البقري أو خلائط الرضع المصنعة منه الا في الحالات الاستثنائية التي يقررها الطبيب وبأشرافه وتوصيته مدة ونوعا وكمية, وحتى في هذه الحالات يجب التأكد من مصدر هذا الحليب المستورد, فيجب أن لا يكون من البلدان التي يشتبه أنها تغذي أبقارها على البروتين الحيواني, وسجلت فيها حالات مرض جنون البقر.
3. عدم استعمال العلف البروتيني الحيواني كغذاء للمواشي, والاقتصار حصرا على العلف النباتي والأعشاب كما ورد أعلاه في التعليمات الإسلامية.
والحمد لله رب العالمين.
د. محمد جميل الحبال
طبيب استشاري في الأمراض الباطنية – باحث في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
الموصل – العراق
Email: [email protected]
الهوامش:
ــــــــــــــــــــ
[1]تفسير الجلالين ص 416- مكتبة الملاح – دمشق (1978)
[2] تفسير الجلالين, صفحة 875 – مكتبة الملاح – دمشق (1978)
[3] أبو بكر الجزائري – أيسر التفاسير لكلام العلي القدير - 2133 (الطبعة الرابعة), جدة (1992)
[4] عبد الرحمن بن ناصر السعدي – تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان – صفحة 277 – مركز فجر - القاهرة (2000)
[5][1]رواه أبو داؤد والحاكم وهو حديث صحيح صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم(6875)
[6] رواه الحاكم في المستدرك, رقم الحديث (2269), وقال: هذا حديث صحيح الإسناد
[7] رواه الترمذي في سننه, رقم الحديث (1824)
[ 8 أبن حجر العسقلاني, فتح الباري لشرح صحيح البخاري – 9564,565 – دار الريان للتراث (الطبعة الأولى), القاهرة (1987)
[9][1]معجم لسان العرب لأبن منظور, صفحة 153- دار صادر (الطبعة الاولى) بيروت (2000)
[10][1]International Herald Tribune, Page3, Jan 29-30 2005: Goat Had Mad Cow Disease
[ 11]Veterinary Services – Scrapie Program (Safeguarding Animal Health) Website
Kumar and Clark – Clinical Medicine – Prion Protein Disease, P63, 5th Edition. [ [12]Churchill Livingstone
[ 13] Kumar & Clark-Clinical Medicine, Multiple Sclerosis, P 1189, 5th Ed (2002) Churchill Livingstone
[14 ]مجلة ساينس (العلم), نوفمبر 2004, ماغي فوكس. (اختلاف جنون البقر بين الاف


مواقع تتحدث عن جنون البقر ومرض عقاص الغنم
http://www.ttb.org.tr/data/haber/ekim04/d_dana.php

http://www.defra.gov.uk/corporate/vla/science/science-tse-arc-intro.htm

http://www.physweekly.com/archive/96/07_15_96/ (http://www.physweekly.com/archive/96/07_15_96/)

http://www.physweekly.com/archive/96/07_15_96/ (http://www.physweekly.com/archive/96/07_15_96/)

http://www.physweekly.com/archive/96/07_15_96/ (http://www.physweekly.com/archive/96/07_15_96/)

http://www.wellesley.edu/Chemistry/Chem101/aspirin/prions.html

http://www.sanidadanimal.info/priones/priones2.htm

القلب الحزين
26-12-2013, 10:04 PM
روائع سورة الكهف
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12208855942214938717_107b12eab9_oyy.jpgطالما شكك الملحدون بقصة أصحاب الكهف، فهل تأتي لغة الرقم لتثبت أن كلمات هذه القصة هي وحي من عند الله، ولا يمكن لبشر أن يأتي بمثلها؟
قصة أصحاب الكهف قصة غريبة، فقد هرب الفتية من ظلم الملك الجائر ولجأوا إلى كهف ودعوا الله أن يهيء لهم من أمرهم رشداً. وشاء الله أن يكرمهم ويجعلهم معجزة لمن خلفهم، وأنزل سورة كاملة تحمل اسم (الكهف) تكريماً لهؤلاء الفتية.
ولكن المشككين كعادتهم يحاولون انتقاد النص القرآني ويقولون: إن القرآن من تأليف البشر، لأنه لا يمكن لأناس أن يناموا 309 سنوات ثم يستيقظوا، إنها مجرد أسطورة – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
إنني على يقين بأن معجزات القرآن لا تنفصل عن بعضها. فالإعجاز العددي تابع للإعجاز البياني، وكلاهما يقوم على الحروف والكلمات. وقد تقودنا معاني الآيات إلى اكتشاف معجزة عددية! وهذا ما نجده في قصة أصحاب الكهف، فجميعنا يعلم بأن أصحاب الكهف قد لبثوا في كهفهم 309 سنوات. وهذا بنص القرآن الكريم, يقول تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) [الكهف: 25].
فالقصة تبدأ بقوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً......) [الكهف: 9-13]. وتنتهي عند قوله تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً* قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا) [الكهف:25-26].
والسؤال الذي طرحته: هل هنالك علاقة بين عدد السنوات التي لبثها أصحاب الكهف، وبين عدد كلمات النص القرآني؟ وبما أننا نستدلّ على الزمن بالكلمة فلا بد أن نبدأ وننتهي بكلمة تدل على زمن. وبما أننا نريد أن نعرف مدة ما (لبثوا) إذن فالسرّ يكمن في هذه الكلمة.
لقد بحثت طويلاً بهدف اكتشاف سر هذه القصة، ووجدتُ أن بعض الباحثين قد حاولوا الربط بين عدد كلمات القصة وبين العدد 309 ولكنني اتبعت منهجاً جديداً شديد الوضوح وغير قابل للنقض أو التشكيك. فقد قمت بعدّ الكلمات كلمة كلمة مع اعتبار واو العطف كلمة مستقلة لأنها تُكتب منفصلة عما قبلها وبعدها (انظر موسوعة الإعجاز الرقمي)، وكانت المفاجأة!
فلو تأملنا النص القرآني الكريم منذ بداية القصة وحتى نهايتها، فإننا نجد أن الإشارة القرآنية الزمنية تبدأ بكلمة (لبثوا) في الآية 13 وتنتهي بالكلمة ذاتها، أي كلمة (لبثوا) في الآية 26.
والعجيب جداً أننا إذا قمنا بعدّ الكلمات (مع عد واو العطف كلمة)، اعتباراً من كلمة (لبثوا) الأولى وحتى كلمة (لبثوا) الأخيرة، فسوف نجد بالتمام والكمال 309 كلمات بعدد السنوات التي لبثها أصحاب الكهف!!! وهذا هو النص القرآني يثبت صدق هذه الحقيقة، لنبدأ العدّ من كلمة (لبثوا):
لَبِثُوا*أَمَداً*نَحْنُ*نَقُصُّ*عَلَيْكَ*نَبَأَهُم *بِالْحَقِّ*إِنَّهُمْ*فِتْيَةٌ*آمَنُوا*10
بِرَبِّهِمْ*وَ*زِدْنَاهُمْ*هُدًى*و*رَبَطْنَا*عَلَى *قُلُوبِهِمْ*إِذْ*قَامُوا*20
فَقَالُوا*رَبُّنَا*رَبُّ*السَّمَاوَاتِ*وَ*الْأَرْض ِ*لَن*نَّدْعُوَ*مِن*دُونِهِ*30
إِلَهاً*لَقَدْ*قُلْنَا*إِذاً*شَطَطاً*هَؤُلَاء*قَوْ مُنَا*اتَّخَذُوا*مِن*دُونِهِ*40
آلِهَةً*لَّوْلَا*يَأْتُونَ*عَلَيْهِم*بِسُلْطَانٍ*ب َيِّنٍ*فَمَنْ*أَظْلَمُ*مِمَّنِ*افْتَرَى*50
عَلَى*اللَّهِ*كَذِباً*وَ*إِذِ*اعْتَزَلْتُمُوهُمْ*و َ*مَا*يَعْبُدُونَ*إِلَّا*60
اللَّهَ*فَأْوُوا*إِلَى*الْكَهْفِ*يَنشُرْ*لَكُمْ*رَ بُّكُم*مِّن*رَّحمته*و*70
يُهَيِّئْ*لَكُم*مِّنْ*أَمْرِكُم*مِّرْفَقاً*وَ*تَرَ ى*الشَّمْسَ*إِذَا*طَلَعَت*80
تَّزَاوَرُ*عَن*كَهْفِهِمْ*ذَاتَ*الْيَمِينِ*وَ*إِذَ ا*غَرَبَت*تَّقْرِضُهُمْ*ذَاتَ*90
الشِّمَالِ*وَ*هُمْ*فِي*فَجْوَةٍ*مِّنْهُ*ذَلِكَ*مِن ْ*آيَاتِ*اللَّهِ*100
مَن*يَهْدِ*اللَّهُ*فَهُوَ*الْمُهْتَدِ*وَ*مَن*يُضْل ِلْ*فَلَن*تَجِدَ*110
لَهُ*وَلِيّاً*مُّرْشِداً*وَ*تَحْسَبُهُمْ*أَيْقَاظا ً*وَ*هُمْ*رُقُودٌ*وَ*120
نُقَلِّبُهُمْ*ذَاتَ*الْيَمِينِ*وَ*ذَاتَ*الشِّمَالِ *وَ*كَلْبُهُم*بَاسِطٌ*ذِرَاعَيْهِ*130
بِالْوَصِيدِ*لَوِ*اطَّلَعْتَ*عَلَيْهِمْ*لَوَلَّيْت َ*مِنْهُمْ*فِرَاراً*وَ*لَمُلِئْتَ*مِنْهُمْ*140
رُعْباً*وَ*كَذَلِكَ*بَعَثْنَاهُمْ*لِيَتَسَاءلُوا*ب َيْنَهُمْ*قَالَ*قَائِلٌ*مِّنْهُمْ*كَمْ*150
لَبِثْتُمْ*قَالُوا*لَبِثْنَا*يَوْماً*أَوْ*بَعْضَ*ي َوْمٍ*قَالُوا*رَبُّكُمْ*أَعْلَمُ*160
بِمَا*لَبِثْتُمْ*فَابْعَثُوا*أَحَدَكُم*بِوَرِقِكُم ْ*هَذِهِ*إِلَى*الْمَدِينَةِ*فَلْيَنظُرْ*أَيُّهَا*1 70
أَزْكَى*طَعَاماً*فَلْيَأْتِكُم*بِرِزْقٍ*مِّنْهُ*وَ *لْيَتَلَطَّفْ*وَ*لا*يُشْعِرَنَّ*180
بِكُمْ*أَحَداً*إِنَّهُمْ*إِن*يَظْهَرُوا*عَلَيْكُمْ *يَرْجُمُوكُمْ*أَوْ*يُعِيدُوكُمْ*فِي*190
مِلَّتِهِمْ*وَ*لَن*تُفْلِحُوا*إِذاً*أَبَداً*وَ*كَذ َلِكَ*أَعْثَرْنَا*عَلَيْهِمْ*200
لِيَعْلَمُوا*أَنَّ*وَعْدَ*اللَّهِ*حَقٌّ*وَ*أَنَّ*ا لسَّاعَةَ*لَا*رَيْبَ*210
فِيهَا*إِذْ*يَتَنَازَعُونَ*بَيْنَهُمْ*أَمْرَهُمْ*ف َقَالُوا*ابْنُوا*عَلَيْهِم*بُنْيَاناً*رَّبُّهُمْ*2 20
أَعْلَمُ*بِهِمْ*قَالَ*الَّذِينَ*غَلَبُوا*عَلَى*أَم ْرِهِمْ*لَنَتَّخِذَنَّ*عَلَيْهِم*مَّسْجِداً*230
سَيَقُولُونَ*ثَلاثَةٌ*رَّابِعُهُمْ*كَلْبُهُمْ*وَ*ي َقُولُونَ*خَمْسَةٌ*سَادِسُهُمْ*كَلْبُهُمْ*رَجْماً* 240
بِالْغَيْبِ*وَ*يَقُولُونَ*سَبْعَةٌ*وَ*ثَامِنُهُمْ* كَلْبُهُمْ*قُل*رَّبِّي*أَعْلَمُ*250
بِعِدَّتِهِم*مَّا*يَعْلَمُهُمْ*إِلَّا*قَلِيلٌ*فَلَ ا*تُمَارِ*فِيهِمْ*إِلَّا*مِرَاء*260
ظَاهِراً*وَ*لَا*تَسْتَفْتِ*فِيهِم*مِّنْهُمْ*أَحَدا ً*وَ*لَا*تَقُولَنَّ*270
لِشَيْءٍ*إِنِّي*فَاعِلٌ*ذَلِكَ*غَداً*إِلَّا*أَن*يَ شَاءَ*اللَّهُ*وَ*280
اذْكُر*رَّبَّكَ*إِذَا*نَسِيتَ*وَ*قُلْ*عَسَى*أَن*يَ هْدِيَنِ*رَبِّي*290
لِأَقْرَبَ*مِنْ*هَذَا*رَشَداً*وَ*لَبِثُوا*فِي*كَهْ فِهِمْ*ثَلاثَ*مِئَةٍ*300
سِنِينَ*وَ*ازْدَادُوا*تِسْعاً*قُلِ*اللَّهُ*أَعْلَم ُ*بِمَا*لَبِثُوا*309
تأملوا معي كيف جاء عدد الكلمات من (لبثوا) الأولى وحتى (لبثوا) الأخيرة مساوياً 309 كلمات!! إنها مفاجأة بالفعل، بل معجزة لأنه لا يمكن أن تكون مصادفة! إذن البعد الزمني للكلمات القرآنية بدأ بكلمة (لبثوا) وانتهى بكلمة (لبثوا)، وجاء عدد الكلمات من الكلمة الأولى وحتى الأخيرة مساوياً للزمن الذي لبثه أصحاب الكهف. والذي يؤكد صدق هذه المعجزة وأنها ليست مصادفة هو أن عبارة (ثلاث مئة) في هذه القصة جاء رقمها 300 ، وهذا يدلّ على التوافق والتطابق بين المعنى اللغوي والبياني للكلمة وبين الأرقام التي تعبر عن هذه الكلمة.
وهنا لا بدّ من وِقفة بسيطة
هل يُعقل أن المصادفة جعلت كلمات النص القرآني وتحديداً من كلمة (لبثوا) الأولى وحتى كلمة (لبثوا) الأخيرة 309 كلمات بالضبط بعدد السنوات التي لبثها أصحاب الكهف؟ وإذا كانت هذه مصادفة، فهل المصادفة أيضاً جعلت ترتيب الرقم (ثلاث مئة) هو بالضبط 300 بين كلمات النص الكريم؟ هل هي المصادفة أم تقدير العزيز العليم؟!
ماذا نستفيد من هذه المعجزة الرقمية؟
قد يقول قائل: وماذا يعني ذلك؟ ونقول إنه يعني الكثير:
1- إن التطابق بين كلمات النص وبين عدد السنوات 309 يدل على أن هذا النص هو كلام الله تعالى، ولا يمكن لبشر أن يقوم بهذا الترتيب المحكم مهما حاول، وبخاصة أن النبي الأعظم عاش في عصر لم يكن علم الإحصاء والأرقام متطوراً بل كان علماً بسيطاً.
2- إن هذا التطابق المذهل بين عدد كلمات النص وبين العدد 309 يدل على سلامة النص القرآني، فلو حدث تحريف لاختل عدد الكلمات واختفت المعجزة، إذاً هذا التطابق العددي دليل على أن القرآن لم يحرّف كما يدعي الملحدون.
3- بالنسبة لي كمؤمن فإن مثل هذا التطابق العددي يزيدني إيماناً وخشوعاً أمام عظمة كتاب الله تعالى، وهذا هو حال المؤمن عندما يرى معجزة فإنه يزداد إيماناً وتسليماً لله عز وجل: (وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب: 22].
4- في هذه المعجزة ردّ على أولئك المشككين بصدق هذه القصة والذين يقولون إنها أسطورة، مثل هذه المعجزة ترد عليهم قولهم وتقدم البرهان المادي الملموس على صدق كتاب الله تبارك وتعالى.
سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ
ـــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com

القلب الحزين
26-12-2013, 10:05 PM
فوائد دراسة الإعجاز والتفسير العلمي للقرآن الكريم



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12193951172478268754_dbe61f3ccf.jpgبقلم الدكتور كارم السيد غنيم
الأستاذ في كلية العلوم جامعة الأزهر
أمين عام جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
الدكتور أحمد أبو الوفا عبد الآخر
أستاذ في جامعة الأزهر
بداية، نذكر بالفرق بني التفسير العلمي والإعجاز العلمي قبل أن ندخل إلى بيان عن الفوائد والأهداف التي تتحقق منهما.
أما التفسير العلمي: فهو انتفاع المفسر بما ظهر في عصره من معلومات كونية في تفسير الآيات القرآنية.
وأما الإعجاز العلمي: فهو الحقيقة الكونية التي يؤول إليها معنى الآية القرآنية ويشاهد الناس مصداقها في الكون.
مما سبق نرى أنه لا فارق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي سوى في التعبير الذي يصاغ به تعريف كل منهما. فمن يقبل أحدهما فعليه إذن أن يقبل الثاني. وإن كان في التفسير العلمي تستخدم المعلومات الكونية، فإن في الإعجاز العلمي تجري مطابقة الحقيقة الكونية على الإشارة العلمية التي تشير إليها الآية القرآنية.
فوائد دراسة الإعجاز والتفسير العلمي للقرآن الكريم
1) دراسة ظاهرة الإعجاز العلمي كحقيقة علمية وواقع ثقافي:
دون النظر إلى الفوائد الكثيرة التي تتحقق من دراسة الإعجاز العلمي وقبوله، فإن الداعي إلى المطالبة بذلك هو حتمية التعامل مع الإعجاز العلمي كظاهرة قرآنية وحقيقة عقلية ومن صفات القرآن، فكيف يتغافل المسلمون عن ذلك كله، وكيف لا ينظر العلماء إلى الإعجاز العلمي على أنه داخل في علوم القرآن، خاصة وأنهم مطالبون بالاهتمام بكل ما يخص القرآن الكريم، معجزة الإسلام الخالدة.؟!
وإذا كان بعض كبار علماء الغرب أمثال: بوكاي، ومور، وجارودي، وتاجاسن، حريصون على التعرف على الإعجاز العلمي وعلى دراسته من منطلق عقلاني، فهل يكون علماء الأمة الإسلامية أقل حرصاً ؟ وهل من المعقول أن ينكر بعضهم ذلك الوجود الثقافي والفكري للإعجاز العلمي وأن يتغافلوا عن حقيقته العقلية ؟
2) تجديد بينة رسالة الإسلام وأسلوب الدعوة:
إذا كان المعاصرون لرسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد أدركوا وجه الإعجاز البياني للقرآن وشاهدوا بأعينهم كثيراً من المعجزات الحسية عنه صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه وتعالى شاء أن يُرى العصور التي تسود فيها الثقافات العلمية والكونية وجهاً آخر من وجوه الإعجاز القرآني وهو "وجه الإعجاز العلمي" الذي يناسب فكر البشر في هذه العصور، وبذلك تتجدد بينة رسالة الإسلام، وتقوم عليهم حجة القرآن بما أدركوه فيه من الإعجاز المناسب لعقولهم، وأصبح كل الناس – على اختلاف لغاتهم وأجناسهم وأوطانهم – مدعوون للنظر في هذه البراهين، ومطالبون بالاقتناع بها، وبالتالي هم مطالبون بالإيمان بمعجزة القرآن. وبهذا تصبح تلك البراهين إلى جانب الأدلة المستمدة من عقيدة التوحيد في التشريعات والأخلاقيات والسلوكيات الإسلامية ألسنة الدعوة ومصابيح للهداية إلى دين الإسلام. أضف إلى ذلك ما يحدثه وجه الإعجاز العلمي من الثقة وزيادة اليقين لدى المسلمين الذي فتنوا في دينهم بالعلوم الكونية، التي هي عماد تقدم الحضارة المادية المعاصرة.
3) التوسع في فهم القرآن الكريم:
لا شك أن استخدام المعلومات والمعارف العلمية في تفسير آيات القرآن الكريم سيجعل معاني الآيات، خاصة آيات القرآن الكونية أكثر وضوحاً، وربما أكثر صواباً من تلك التفاسير التي أكثرت من الاعتماد على الفهم المجازي وعلى صرف الآيات إلى أحداث يوم القيامة.
وسيظل تفسير آيات القرآن الكريم كما هو، حسب النمط التقليدي، غير أنه سيضاف إليه التفسير العلمي – أي تفسير الآيات على ضوء المعلومات العلمية – وبهذا تتسع دائرة فهم القرآن الكريم كما تدرك الحكمة من بعض التعاليم والتشريعات الواردة بالقرآن الكريم، مما يضيف إلى القبول التعبدي لها قبولاً عقلياً، ولاشك أن القبولين معاً أدعى للالتزام عن قبول واحد.
والأمثلة على ما ذكرنا كثيرة، ويسهل الإلمام بها بمطالعة التفاسير التي أضافت في هوامشها تفسيراً علمياً لبعض الآيات، ومن أشهرها ( تفسير المنتخب ) الصادر عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بجمهورية مصر العربية.
وسنكتفي بذكر ثلاثة أمثلة فيما يلي:
·يقول الله سبحانه وتعالى: ( إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير. ) [ سورة البقرة ]
وفيه أضاف التفسير العلمي ما يلي: ( سبق القرآن الكريم الطب الحديث بتحريم الميتة لأن ما يموت بشيخوخة أو مرض يكون موته بسبب مواد ضارة تلحق الأذى بمن يأكل لحوم هذه الحيوانات )
·يقول الله سبحانه وتعالى: ( هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً ) [ سورة يونس ]
وفيه يقول المفسّرون: ( الله الذي جعل الشمس تشع الضوء والقمر يرسل النور ) وأضاف التفسير العلمي: ( ما يصدر عن الشمس فهو ضياء وما يصدر عن القمر فهو نور هكذا جاء التعبير القرآني الدقيق. ذلك لأن الضوء نور ذاتي، ينبعث من جسم مشع له بفعل الحرارة النارية المتوقدة من الجرم السماوي كالشمس، أما النور فهو غير ذاتي، لأنه صدر عن جسم بارد معتم وقع عليه ضوء الشمس فانعكس منه على الأرض دون أن يحمل شيئاً من حرارة الضوء وذلك الجرم السماوي هو القمر )
·يقول الله سبحانه وتعالى: ( قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون ) [ سورة يوسف ]
قال المفسرون: ( تزرعون سبع سنين دائبين على العمل في الزراعة فما تحصدونه احفظوه في سنبله إلا ما تأكلونه )
وأضاف التفسير العلمي: ( ثبت علمياً أن ترك الحب في سنبله عند تخزينه وقاية له من التلف بالعوامل الجوية والآفات )
وبعد فهذا هو نمط التفسير العلمي وهذا منهجه، فهل هناك ما يدعو إلى الاعتراض عليه أو التشكيك فيه اللهم إلا سوء الفهم أو سوء القصد.
4) الدوافع الإيمانية نحو البحث عن الحقائق الكونية:
إن تدبر آيات القرآن الكونية وإنعام النظر في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم سوف ينشط المسلمين بدافع إيماني، ويرغبهم في الإقبال على البحث في الحقائق الكونية، ودراسة سنن الفطرة، وتسخير الاكتشافات فيما ينفع ولا يضر. وبهذا يصبح الإعجاز العلمي للقرآن الكريم من أهم العوامل الإيمانية التي تولد الرغبة لدى المسلمين في الإقدام على الدخول في مجالات البحوث والدراسات والاكتشافات الكونية.
المنهج الإيماني للدراسات الكونية
إنه يربط الدراسات الكونية بآيات القرآن الكريم وما بها من إشارات وحقائق علمية، يمكن وضع "المنهج الإيماني للدراسات الكونية" وبذلك يعيش المسلم على الدوام في محراب الإيمان بالله، ومحراب العلم والتجريب. فيزداد بالمعارف والاكتشافات يقيناً بالله سبحانه وتعالى وتعظيماً وطاعة له، فهو سبحانه القائل: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء )[ سورة فاطر ]
ولبيان المقصود من المنهج الإيماني للدراسات الكونية نقدم ما يلي:
1) آيات القرآن الكريم:
قال الله سبحانه وتعالى: ( الذي جعل لكم الأرض مهداً وجعل لكم فيها سبلاً لعلكم تهتدون) [ سورة الزخرف ]،
وقال سبحانه وتعالى: ( الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلاً) [ سورة طه ]
وقال سبحانه وتعالى: ( والله جعل لكم الأرض بساطاً لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً ) [ سورة نوح ]
. أي أن القرآن الكريم يعبر في جملة من الآيات عن مظاهر تضاريس القشرة الأرضية، وذلك في إشارات علمية عامة، وشاملة ومطلقة ودقيقة وصادقة، عرضنا منها تلك الآيات.
2) آراء أصحاب الفضيلة المفسرين:
عن الآية الأولى يقول المفسرون: ( الله الذي ربط الأرض وجعلها لكم كالفراش تستقرون عليها وتقومون وتنامون وجعل لكم فيها طرقاً تسلكونها في أسفاركم ) وعن الآية الثالثة يقول المفسرون: ( مهدنا الأرض لتستقروا عليها )، وعن الآية الخامسة يقول المفسرون: ( والله جعل لكم الأرض نسيجه ممتدة ممهدة لكم، تنقلبون عليها كما ينقلب الرجل على بساطه. وشبه الله الأرض كالبساط في امتداده واستقرار الناس عليها )
· قشرة الأرض هي الجزء الرقيق منها والذي مهده الخالق الأعظم سبحانه وتعالى ليكون صالحاً للحياة، وهي الجزء الخارجي البارد نسبياً، والذي يختلف عن الجزء الداخلي للأرض. والاصطلاح في معناه العام يرادف الغلاف الصخري " الذي هو في الواقع عبارة عن طبقة رقيقة مفككة تعرف ( بالتربة ) وكتلة من الصخور الصلبة، أو ما يعرف بالجبال ترصع هذه القشرة هنا وهناك وتنغرس في القشرة الصخرية أسفل التربة.
ويبرز وجه القشرة الأرضية من خلال الغلاف المائي في هيئة قارات، ويغطي معظم سطح القارات ( أي اليابس ) غشاء هش رقيق يسمى التربة ويختلف في سمكه من مكان إلى آخر، ولم تكن قشرة الأرض في بادئ تكوين الأرض في الماضي السحيق بهذا التمهيد الذي أشارت إليه الآيات القرآنية – فضلاً من الله على الإنسان وغيره من المخلوقات التي تعيش على الأرض- وإنما كان مسطحاً وعراً متضرّساً في ضراوة وقسوة. ولكن الخالق سبحانه وتعالى سخر عوامل التعرية لقشط القشرة الأرضية، وتسويتها وقد وصلت إلى ما وصلت إلهي من وجود طبقة رقيقة وناعمة عن طريق ما يعرف بالتجوية ( weathering ). وهذه العوامل التي سخرها الخالق الأعظم سبحانه وتعالى للتخفيف من وعورة سطح القشرة وتمهيده وبسطه تظل تعمل حتى تصل إلى ما يسمى. ( النقطة الحرجة ) لقانون التوازن الذي وضعه الله سبحانه وتعالى وعندما تصل عوامل التعرية إلى هذا الحد تتوقف.
وهناك عوامل تسمى ( حركات القشرة ) تنشط لتعيد التوازن وذلك بخفض المناطق التي ارتفعت وثقل وزنها بملايين الأطنان من المواد الأرضية التي نقلتها عوامل النقل والترسيب المختلفة. عندئذ يصدر الأمر الإلهي لعوامل التعرية بالبدأ في إجراء دورة أخرى لإعادة تشكيل سطح الأرض " جيومورفولجيا". وهكذا تتحرك العوامل المختلفة في الوقت المناسب بإذن خالقها سبحانه وتعالى لتظل الأرض مهداً وفراشاً وبساطاً، كما أشارت الآيات القرآنية.
· ومن أهم أشكال الفراش القشري للأرض:
السهول: وهي كل أرض مستوية نسبياً، تخترقها الأنهار فيما يسمى السهول الفيضية. وقد شهدت السهول الفيضية استقرار الإنسان منذ فجر التاريخ على ضفاف الأنهار والسهول قليلة الارتفاع، بحيث لا تزيد عن 1550 قدماً فوق سطح البحر.
الهضاب: جمع هضبة وهي الأرض العالية نسبياً المستديرة المنبسطة أو شبه المنبسطة، وقد تجري فيها الأنهار وهي صالحة للحياة عليها
الوديان: الجزيء المنخفض من الأرض تحف به المرتفعات من الجانبين، وهي أرض منبسطة تصلح للحياة عليها.
وبذلك نكون قد تعرفنا جغرافيا على قشرة الأرض، وهي الجزء الرقيق منها الذي مهده الله سبحانه وتعالى ليكون صالحاً للحياة، وجعله مهداً وبساطاً وفراشاً للإنسان. ونكون قد قدمنا لدراسته بالمنظور الإيماني، وربطنا الدراسة بآيات القرآن الكونية. وهذا هو ما يعرف "بالمنهج الإيماني للدراسات الكونية " ويمكن اتباعه في شتى العلوم، وفي الدراسات الكونية المختلفة.
البحث والتطبيق
تحمل الآيات الكونية القرآنية إشارات وحقائق علمية، وقد أمكن مطابقة كشوف كونية على ما جاء بعضها. لهذا فقد أصبح من المفيد التوجه بالنظر فيها وبالبحث والدراسة واستكشاف ما بها من حقائق علمية، وهذا هو ما نقصده من قولنا " الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في مجال التطبيق " فكما أن المسلمين مطالبون أيضاً بدراسة الأمور الشرعية الواردة بالقرآن الكريم والعلم بها، فهم مطالبون أيضاً بدراسة الأمور الشرعية الواردة بالقرآن الكريم والعلم بها، فهم مطالبون أيضاً بالبحث عما في القرآن من إشارات علمية ودراستها – ضمن مطالبتهم بتدبره والتعمق في فهم آياته – كما قال سبحانه وتعالى: ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب ) [ سورة ص ] ونحن ندعو علماء الأمة الإسلامية، بل بكل علماء العالم المتخصصين في العلوم الكونية، إلى الاهتمام بذلك الأمر.
وبهذا التحرك العلمي لا يقف المفسرون للقرآن تفسيراً علمياً عند مرحلة استخدام المعارف الكونية التي سبق الكشف عنها، بل إنهم يبادرون – علماء اللغة العربية والمفسرون وعلماء الكونيات – إلى تدبر آيات القرآن الكونية واستخراج ما بها من معارف علمية، سواء بالدراسات النظرية، أم بالبحوث التجريبية وبذلك تتحقق أمور ثلاثة:
( الأول ) أن يصبح القرآن الكريم مصدراً لمعرفة علوم الفطرة ( العلوم الكونية )
( الثاني ) أن لا يظل فهم آيات القرآن الكونية على الدوام تابعاً للمعارف الكونية التي يتم التوصل إليها من خارج القرآن.
( الثالث ) أن يصبح الإعجاز العلمي أكثر إشراقاً وأكثر واقعية، ويخرج عن المرحلة النظرية والمعنوية إلى المرحلة العملية والحسية.
وعندما أقول ذلك لا أقصد كافة المعارف الكونية، ولكن أقصد ما يكفي لأن يكون شاهداً برهاناً على واقعية الإعجاز العلمي. وسيظل علماء المسلمين – مع غيرهم من العلماء – متجهين إلى الكون المحسوس لاستخراج سنن الفطرة والحقائق الكونية والمعطيات العلمية، غير أن القرآن الكريم سوف يصبح – بفضل إعجازه العلمي – مصدر إلهام للعلماء في التوصل إلى معطيات وحقائق كونية، وعن ذلك يقول عالم الكيمياء الشهير المرحوم الأستاذ: الدكتور / محمد أحمد الغمراوي – رائد الدراسات المنهجية للإعجاز العلمي: ( إن على علماء الفطرة من المسلمين أن يهتدوا في بحوثهم الكونية بما أنزل الله في كتابه من آيات كونية. لكن النظر في الآيات الكونية ابتغاء الاهتداء إلى ما أودع الله فيها من أسرار الفطرة أو الطبيعة كما يسمونها – يحتاج من الاحتياط في البحث عن أسرار الفطرة في الكون المنظور. وأهل القرآن من علماء الفطرة ينبغي أن يسترشدوا في بحوثهم بما يتعلق بها مما أنزل الله في كتابه العزيز، فهو نور بأيديهم لا بأيدي غير المؤمنين به، ومن التضييع إغفاله وإهمال فرص الاهتداء به.
ولبيان معنى الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في مجال التطبيق، نقدم الأمثلة التالية:
المثال الأول: وموضوعه إنكار صوت الحمير:
يقول سبحانه وتعالى: ( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) [ سورة لقمان ]
هذه الآية الكريمة هي مفتاح الدراسة التي توجه عناية العلماء والباحثين إليها.
أقوال المفسرين: ( إن أوحش الأصوات صوت الحمير )، وقال قتادة: أقبح الأصوات صوت الحمير، أوله زفير وآخره شهيق،
وقال مجاهد: إن أقبح الأصوات لصوت الحمير.
وروى النسائي عند تفسير الآية عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطاناً)
المطلوب هو:
1- إجراء دراسات صوتية ( لصوت الحمير) عند النهيق، على ضوء المعارف الحديثة في علم الصوتيات، وباستخدام أجهزة القياس وغيرها من الأجهزة التي يحتاجها البحث، وذلك بغرض التعرف على جوانب القبح في صوت الحمير من وجهة نظر العلم التجريبي. وذلك بالمقابلة مع أصوات بعض الحيوانات التي تفوق صوت الحمير في القوة والرعب كزئير الأسد مثلاً.
2- إجراء الدراسات الفسيولوجية على الإنسان للتعرف على التغيرات الجسدية التي تحصل له.
3- إجراء دراسات استقصائية عن إنكار صوت الحمير من منطلق الأحاديث النبوية التي تدعو الإنسان إلى الاستعاذة من الشيطان عند نهيق الحمار، وهي أحاديث كثيرة وصحيحة. ويحتاج الأمر إلى إجراء دراسات فسيولوجية على الحمار في حالة النهيق، وقد يكشف ذلك عن حدوث تغيرات في صوت الحمير عند النهيق
·والبحث في ظاهرة نهيق الحمار وإنكار صوتها ليس من قبيل الترف العلمي وتبديد الجهود البحثية، وليس لمجرد الرغبة والحماس لتأكيد الإعجاز العلمي للقرآن والسنة وهو التعرف على سنن الفطرة من خلال دراسة الظواهر الكونية، بصرف النظر عن حجم الظاهرة الكونية والشيء المتعلق بها. وشاهدنا على ذلك سقوط الثمار من على الأشجار التي لفتت نظر العالم الشهير نيوتن أثناء مشاهدته لسقوط تفاحة من أعلى الشجرة، ونظره إلى ذلك كظاهرة حركية فأخذ الموضوع على محمل الجد، وأخضعه للدراسات التي كشفت في النهاية عن أسرار وسنن كونية وقوانين عن الجاذبية قادت إلى فوائد عظيمة
وقد تؤدي دراسة صوت نهيق الحمر، على ضوء الآية الكريمة والأحاديث النبوية، إلى إحراز معلومات ومعارف تفيد في الطب، وفي علم الصوتيات، وفي أمور ( ميتافيزيقية )، هي غيبية ولكنها تعايشنا وتحيط بها، ألا وهي ( الشياطين ).
المثال الثاني: وموضوعه: الأسباب الصحيّة لتحريم زواج الأخوات من الرضاعة:
يقول سبحانه وتعالى: ( حرّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) [ سورة النساء ]
تنفرد شريعة الإسلام بتحريم الزواج بالأخت من الرضاعة. ومع التسليم والقبول والاقتناع بالأحكام الشرعية الواردة بالقرآن والسنة النبوية، حيث أنها جاءت لخير البشرية من لدن الله سبحانه وتعالى الخالق العليم الخبير، فقد يكون من المفيد محاولة التعرف على بعض جوانب الحكمة فيها. والموضوع الذي نحن بصدده – هو تحريم الزواج بين الإخوة – لا يخلو من حكم طبية يجب البحث عنها ونشرها والإعلان عنها، حتى يكون غير المسلمين على علم بها فيفعلوا كما يفعل المسلمون، فمادام هناك تحريم فلابد أن يحدث الضرر من ارتكاب الفعل، وهذا ما يجب التحذير منه. ومع أن البحوث الطبية الأولية أثبتت صحة ذلك، إلا أن الأمر يحتاج مزيد من البحث والدراسة للتوصل إلى المعارف الطبية المؤكدة، والمهمة تقع في المقام الأول على عاتق علماء الطب بالأمة الإسلامية. * والمطلوب هو:
إجراء الدراسات والبحوث على أعلى المستويات العلمية والتي توفر لها الإمكانات المعملية المتقدمة على أن تتصف بالاستقصاء والإحصاء ويشار كفيها أكثر من مركز للبحوث الطبية على المستوى العالمي على أن يكون الدور الأكبر لمراكز البحوث بالوطن الإسلامي. ولعل ذلك العلم يكون بداية إلى الاهتمام بالتعرف على الحكمة والعلة الأمور والنواهي الشرعية المتعلقة بالأمور الطبية حتى يحكن التوصل إلى اكتشافات ومعطيات علمية تفيد كافة البشر.
المثال الثالث: وموضوعه: توليد الطاقة من المادة الخضراء بالشجر والمعروفة باسم اليخضور ( الكلوروفيل ):
يقول الله سبحانه وتعالى: ( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون ) [ سورة يس ]
يقول المفسرون: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر – بعد جفافه ويبسه – ناراً وهناك قول آخر: هو الذي أخرج لكم من الشجر الأخضر الرطب ناراً محرقة بإيقادكم لهذا الشجر، فهو قادر على إخراج الضد من الضد. وفي قول آخر: وعندما ينظر المتخصصون في العلوم الكونية في الآية الكريمة ويتدبرونها من منظر الفطرة والسنن الكونية، فإنهم يقفون عند كلمة ( الأخضر ) لمحاولة فهمها علمياً، لا فهم يعتبرونها مجرد كلمة وصفية، أو – كما فهم المفسرون – أنها جاءت بالآية لبيان طبيعة الشجر قبل الاحتراق والكشف عن قدرة الله سبحانه وتعالى في تحويل الشجر الأخضر الرطب إلى وقود، إنهم يفهمون كلمة ( الأخضر ) فهماً علمياً يجعل الآية القرآنية ذات مدلول عميق، فهم يرون فيها إشارة علمية إلى تلك المادة الخضراء ( اليخضور ) التي هي أهم مكونات النبات وبواسطتها يتم تكوين كافة المواد الموجودة بالنباتات – وعلى رأسها المواد السكرية والدهنية البروتينية، وكذلك بناء الكيان الخشبي بالأشجار.
وهي التي تتسبب في تحويل الطاقة الخارجية الواردة من الفضاء الجوي عن طريق الشمس إلى طاقة كامنة داخل المواد النباتية، وفي الأخشاب حيث يتحول إلى طاقة حرارية تخرج في صورة النار عند الاحتراق. وكما قلنا، فإن الكلوروفيل ( اليخضور ) يقوم باقتناص الطاقة الخارجة وتحويلها إلى طاقة كامنة في سائر النباتات ولذلك فإنه يسمى ( صائد أو قانص الطاقة Energy hunter). فانظر أخي القارئ الفطن كيف أن حكمة ورود لفظة الأخضر في الآية القرآنية جاءت بإشارة علمية واضحة إلى المادة الخضراء ( اليخضور ) وفي النص القرآني: ( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً ) [ سورة يس ] إشارة أخرى إلى دور هذه المادة في توليد النار، وبمعنى آخر في تكوين الطاقة التي تنتج منها النار وحرارتها.
والمطلوب هو:
قيام أهل الاختصاص بالانتقال من مرحلة الدراسات التي تتعلق بدور ( اليخضور ) في النبات، إلى مرحلة التطبيق، وذلك بالبحث في استخدام هذه المادة في توليد الطاقة خارج النبات. وهذا من باب الاستطراد العلمي، انطلاقاً من التوسع في مفهوم النص القرآني
( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون ) [ سورة يس ]
المثال الرابع: وموضوعه "هندسة الري بالوابل والطل":
يقول سبحانه وتعالى: ( كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل ) [ سورة البقرة ]
يقول أهل اللغة: ( الوابل ) المطر الكثيف – ( الطل ) المطر القليل.
وبالآية الكريمة إشارة تتعلق بهندسة المياه والري. ويمكن للعلماء المتخصصين أن ينطلقوا في بحوثهم من هذه الآية الكريمة، وأن يدرسوا بأساليب الري بالوابل والطل، ويبحثوا في تعميم وتنفيذ شبكة ري تعتمد فكرتها على الري بهذه المصادر الطبيعية.
المثال الخامس: وموضوعه مصدر الحديد الموجود بالأرض:
يقول سبحانه وتعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) [ سورة الحديد ]
مفتاح الإشارة العلمية القرآنية هو كلمة أنزلنا وهي تفيد أن الحديد لم يكن موجوداً بالأرض ولكنه نزل إليها – في بداية تكوينها – من أعلى.
وتجري الدراسات لمعرفة مصدر الحديد الذي يوجد بالأرض وبخاصة في باطنها حيث يوجد بكميات ضخمة، وتشير الدراسات الأولية أن الحديد لم يكن بالأرض بهذه الكميات الضخمة، لأنها ليست من الكواكب التي تكوّن الحديد.
كما أنه لم يأتها من الشمس القريبة إليها لنفس التعليل السابق، وتتجه الأبحاث نحو الاحتمال بأن الحديد ربما سقط على شكل نيازك حديدية ضخمة جاءت من النجوم التي تقوم بتكوين الحديد، ( كالنجوم المستعرة ) التي يوجد بها الحديد بكميات ضخمة، وبهذا تكون الدراسات عن مصادر الحديد بالأرض تتجه لتتطابق مع اللفظ ( أنزلنا ) الذي جاء بالآية.
وفي مجال بحوث الإعجاز العلمي التطبيقية، فإن الأمر يتطلب من العلماء المتخصصين بالعلوم الإسلامية المشاركة في تلك الأبحاث للتوصل إلى حقائق علمية تطابق الإشارة القرآنية، وفي ذلك بيان وتوثيق للإعجاز العلمي في القرآن الكريم يأخذ الأسلوب التجريبي طريقاً له.
وبعد، فهذه أمثلة قليلة تبين كيف يمكن الاستفادة من الإشارات العلمية لآيات القرآن وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم كمصادر إلهام وانطلاق إلى رحاب البحث والاكتشاف للأمور الكونية وسنن الفطرة.
وليس من الضروري أن تكون الدراسات في أمور كونية مجهولة لم يسبق اكتشافها بل يمكن أن تكون في أمور كونية لم يستكمل بحثها ، كما هو في المثال الخامس، وهو البحث عن مصدر الحديد الموجود بالأرض وبهذا المفهوم يتحرك التطبيق العلمي، انطلاقاً من الإشارات الكونية بالقرآن الكريم في اتجاهين:
1) اتجاه نحو المجهول من الأمور الكونية
2) واتجاه نحو المعلوم من الأمور الكونية التي في حاجة إلى الاستقصار البحثي والمزيد من الدراسات لمزيد من الإيضاح العلمي. ونقول لعلماء الأمة الإسلامية الذين يقومون بدراساتهم وأبحاثهم انطلاقاً من الإشارات العلمية بالقرآن والسنة النبوية: إن لكم أجران عند الله سبحانه وتعالى، أجر على جهودكم العلمية في خدمة البشر بما تتوصلون إليه من معارف واكتشافات فيها النفع والخير لبني الإنسان، وأجر على خدمتكم وعنايتكم بالقرآن الكريم بالتأكيد على إعجاز القرآن الكريم وصدقه.
الأهداف
يؤدي الإعجاز العلمي للقرآن والسنة إلى تحقيق أهداف سامية والفوائد والأهداف هما جناحا المصلحة التي يدركها المسلمون من الإعجاز العلمي وباختصار نذكر الأهداف فيما يلي:
1- المحافظة على استمرارية معجزة القرآن الكريم بما يضمن دوام الحجة على كل الناس في كل العصور، وذلك من خلال الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
2- أن تزداد آيات القرآن الكريم الكونية وضوحاً على مر الزمان، وأن يكمل منها ما هو مجهول، وذلك من خلال الكشوف الكونية والمعارف العلمية.
3- أن يظل القرآن الكريم في قلب الثقافة الإنسانية ومهيمناً على منهاج الحياة بما يعطيه من المعطيات العلمية المتجددة.
4- إضافة دراسات جديدة إلى علوم القرآن تختص بالإعجاز العلمي فيه.
5- استكشاف بعض جوانب الحكمة في الأوامر والنواهي التي وردت بالقرآن الكريم والسنة النبوية.
6- تحقيق دفعة حضارية من خلال منهج البحث العلمي في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، وإقامة حضارية إسلامية خالية من السلبيات التي تتعارض مع فطرة الإنسان ومصلحته الحقيقية.
7- تصحيح الأخطاء التي صاحبته نظرة الإنسان المادية إلى ذاته، والاهتمام بدراسة أمراض الحضارة المادية المترتبة على مخالفة الفطرة والخروج عن طاعة الله.
يمكن إرسال التعليقات حول المقالة إلى فضيلة الدكتور كارم السيد غنيم
[email protected]

القلب الحزين
26-12-2013, 10:05 PM
الحل في الحفيظ العليم والقوي الأمين




http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217496402dfg.jpgعندما طلب سيدنا يوسف عليه السلام من الملك ان يجعله على خزائن الأرض قدم سيدنا يوسف مؤهلاته الصالحة للوظيفة " قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ " (يوسف 55)، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسير ذلك ( أي حفيظ للذي اتولاه فلا يضيع منه شئ في غير محله، وضابط للداخل والخارج، عليم بكيفية التدبير والاعطاء والمنع والصرف في جميع أنواع التصرفات وليس ذلك حرصا من يوسف على الولاية وإنما رغبة منه في النفع العام، وقد عرف من نفسه من الكفاية والأمانة والحفظ ما لم يكونوا يعرفونه، فلذلك طلب من الملك أن يجعله على خزائن الأرض وولاها إياه ) انتهى، فهذه الوظيفة تحتاج الى الحفيظ الذي يحفظ الغذاء من التبديد، ومن التسيب والمحسوبية، والوقوع في يد المحتكرين وهو قادر على القيام بهذه الوظيفة في أمانة عالية ويشرف عليها بنفسه لأخلاقه وإخلاصه، وهو عليم بكيفية حفظ المحاصيل في سنابلها، وكيفية وضعها في الحصن او المكمور، وعليم بما يفسدها ويصلحها، وعليم بأعراض الإصابة بالكائنات الحية الدقيقة والسوس وغير ذلك من المفسدات، وهذه الوظيفة تحتاج إلى الأخلاق والعلم، فصاحب الخلق من دون علم لا يصلح، وصاحب العلم بلا خلق لا يصلح، وفوق كل ذلك فقد كان على علاقة طيبة مع الملك ووضع خبرته تحت تصرف الملك وقال له الملك "إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ "(يوسف 54).
أي متمكن أمين على الأسرار، أي انه محل ثقة (من أهل الثقة) وفي الوقت نفسه من أهل الخبرة، وأهل الثقة من دون خبرة وعلم يفسد أكثر مما يصلح، وأهل الخبرة من دون الأمانة والثقة أيضا لا يصلح. إذاً علينا البحث عن أهل الخبرة الثقة، وأهل الثقة الخبير، وهذا الصنف من الناس متوافر ولكن البعض منهم يعزف عن تقديم نفسه وهذا خطأ، فقد قدم سيدنا يوسف نفسه للملك، وكسب ثقته وبين له خبرته.
وعندما رشحت ابنة الرجل الصالح في مدين سيدنا موسى عليه السلام عرضت على والدها مؤهلاته الصالحة للعمل في الرعي والحراسة والسقي، والصالحة للعيش معها ومع اختها وأبيها في أمان فقالت: " قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " (القصص26).
فالأمين غير القوي لا يستطيع القيام بمهام هذه الوظيفة المحتاجة إلى القوي، والقوي غير الأمين لا يصلح للعيش وسط هذه الأسرة المؤمنة الملتزمة بدينها، وهذا معيار آخر يؤكد أهمية أهل الخبرة والمؤهلات وأهل الأخلاق والثقة. وقد اختارت السيدة خديجة رضي الله عنها الزواج من المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمانته وصدقه ومقدرته على الحفاظ عليها، وعلى أموالها وتجارتها، فهو أهل ثقة لديها، وهو أهل خبرة سبق أن اختبرته عندما ذهب للتجارة في بضاعتها، وهو أمين صاحب حسب ونسب.
فعلينا إن أردنا إصلاحا لشئون حياتنا أن نختار أهل الخبرة صاحب الخلق وأهل الثقة صاحب الخبرة، وهذا ما تفتقده معظم الدول العربية التي ساد فيها أهل الثقة غير الأمناء من أنصاف المتعلمين وتوارى فيها أهل الخبرة، وهذا يبين خطورة الوثوق على أسرارنا مع الخبراء الأجانب أصحاب الخبرة، أصحاب المصلحة، منعدمي الأخلاق والدين .
وإذا أردنا إصلاح التعليم فعلينا أن نولي أهل الثقة من أهل الخبرة في مجال التعليم واذا أردنا إصلاح الاقتصاد فعلينا ان نولي أهل الخبرة في الاقتصاد والمشهود لهم بالاخلاق الحميدة، وقد بين ذو القرنين هذا الأمر فقال: (قال ما مكني فيه ربي خير) قال الشيخ عبدالرحمن بن السعدي رحمه الله في تفسير ذلك: فلم يكن ذو القرنين ذا طمع ولا رغبة في الدنيا ولا تاركا لإصلاح أحوال الرعية، بل قصده الإصلاح، فلذلك أجاب طلبهم (في بناء السد) لما فيه من المصلحة وشكر ربه على تمكينه واقتداره، فقال لهم (ما مكني فيه ربي خير) أي مما تبذلون لي وتعطونني، وإنما أطلب منكم أن تعينوني بقوة منكم بأيديكم (اجعل بينكم وبينهم ردما) أي مانعا من عبورهم عليكم ) انتهى.
هم طلبوا منه سدا، وهو بخبرته جعل لهم ردما، والردم أقوى وأقدر من السد على مجابهة الهزات الأرضية وعوامل التعرية وغيرها، وجعل الردم من الحديد والطين المحروق، ثم بعد ذلك غطاه بطبقة من النحاس ليحول دون تآكل الحديد بالعوامل الجوية، فهذا رجل عليم خبير أمين قال الله تعالى عنه : " إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً{84} فَأَتْبَعَ سَبَباً{85} " (الكهف) فهو متبع للأسباب الإلهية في الخلق ومتبع للعلم النافع الذي علمه الله تعالى له.
وهذا الصنف العليم الخبير التقي لا يقبل الرشوة ولا العمولات المسماة هذه الأيام بالهدايا فإذا أردنا إصلاحا لأحوالنا فعلينا بالتمكين العلمي الأخلاقي لأبنائنا، وبناء جسور الثقة والمحبة بين العلماء وأهل الخبرة والمتنفذين وأهل السياسة لنكون كما قال الملك لسيدنا يوسف "إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ "(يوسف 54)، وهذه دعوة قرآنية لمد جسور الثقة والإخلاص بين الخبراء والسياسيين حتى تستقر الأمور وتقل الفتن ويتفرغ كل لعمله واتقانه في ثقة وأمانة. إذاً الحل الأمثل لمشاكلنا : التربوية، والعلمية والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية وغيرها تكمن في اختيار الحفيظ العليم والقوي الأمين والمتبع لنواميس الله في الخلق (فأتبع سببا)، إذا فعلنا ذلك وطبقناه في حياتنا فسيقل الاهمال في الأعمال، والهدر في الأموال، والتخبط في المشاريع، والفساد في التنفيذ، والتسيب في العمل، واستغلال المال العام للمصالح الشخصية، وأتقن كل منا عمله، ولم يتكلم إلا فيما يفهم، ولم يعلم إلا ما يتقن، لحظتها سنحقق المعجزة التربوية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية التي حققها عمر بن عبد العزيز وجده الفاروق (رضي الله عنهما) عندما اختار البنت الأمينة ليزوجها لعاصم ابنه جد عمر بن عبد العزيز حيث اختار له الزوجة الصالحة الأمينة التي أبت أن تغش اللبن وعندما قالت لها امها إن عمر لا يرى قالت البنت ولكن رب عمر يرى. هذا درس لشبابنا ومتنفذينا علينا دراسته .
الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى
http://www.nazme.net (http://www.nazme.net/)

القلب الحزين
26-12-2013, 10:16 PM
الإسلام وممارسة الرياضة


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1213363674233497477_5d70a11f81_m.jpg
رياضة ركوب الخيل من الرياضات التي دعا إليها الإسلام

دكتور / حسان شمسي باشا
استشاري أمراض القلب –
مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة – جدة
مقدمة
تجمع المصادر الطبية الحديثة الآن على أن إجراء تمارين رياضية، كالمشي السريع، أو الجري، أو ركوب الدراجة، أو السباحة لمدة 20-30 دقيقة يومياً أو ثلاث إلى أربع مرات في الأسبوع على الأقل يفيد في الوقاية من الذبحة الصدرية وجلطة القلب.
فقد نشرت المجلة الطبية البريطانية حديثاً مقالاً رئيساً ذكرت فيه كاتبة المقال أن ممارسة الرياضة البدنية تفيد القلب من خمسة وجوه.
الأول : تخفض الكوليسترول الضار والمسؤول عن تصلب الشرايين وتضيقها، وترفع من مستوى الكوليسترول المفيد والذي يكنس ما ترسب في الشرايين من دهون.
وتبين للباحثين أن أفضل دواء لرفع هذا النوع المفيد من الكوليسترول هو الرياضة البدنية، وكلما ارتفع مستواه في الدم قل احتمال الإصابة بتضيق الشرايين والذبحة الصدرية.
الثاني : تنقص الوزن، وتحافظ على لياقة الجسم.
الثالث : تساعد الرياضة البدنية في خفض ضغط الدم الشرياني عند المصابين بارتفاع الضغط. فممارسة الرياضة بانتظام تخفض ضغط الدم بضع مليمترات. فإذا ما تظافر إنقاص الوزن مع الرياضة البدنية المنتظمة، فقد يلغي ذلك حاجة المريض المصاب بارتفاع ضغط خفيف للدواء. ( ولكن ينبغي أن يتم ذلك تحت إشراف الطبيب )
الرابع : الرياضة البدنية تساعد في الإقلاع عن التدخين.
فهي تمد البدن بالقوة والنشاط، وتقلل من اعتياد الإنسان على التدخين.
وحين تشتهي سيجارة، انطلق خارج البيت، وتنسم الهواء العليل ولو لدقائق معدودات.
الخامس : تقلل من تخثر الدم ( تجلط الدم ) مما يقلل من احتمال حدوث جلطات في الشرايين.
وقد حث الرسول عليه الصلاة والسلام على الرياضة البدنية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسابق أصحابه، ويسابق عائشة – رضي الله عنها – وكان يعلم أصحابه الرماية، ويحثهم على ركوب الخيل.
وقد ورد عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه :
" علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل ".
وعن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" كل شيء ليس من ذكر الله لهو ولعب، إلا أن يكون أربعة : ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرضين، وتعليم الرجل السباحة".
ومن أنواع الرياضة قيام الليل، فهو عبادة لله ورياضة للجسد.
فعن سلمان – رضي الله عنه – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين من قبلكم، وهو مطـردة للداء عن الجسد ).
والرياضة أنواع مختلفة، وقد عرف فوائدها الأقدمون وحث عليها من كتب في الطب النبوي. يقول ابن القيم : " أما ركوب الخيل، ورمي النشاب، والصرع، والمسابقة على الأقدام فرياضة للبدن كله، وهي قالعة لأمراض مزمنة ".
وليس من الضروري إجراء ذلك النشاط البدني يومياً. فقد وجد الباحثون أن ممارسة نوع من أنواع الرياضة كالمشي السريع أو الجري أو السباحة.. أو غيرها خمس مرات في الأسبوع تكفي لتحقيق الغرض المطلوب، شريطة الاستمرار في ذلك النشاط.
وهناك قاعدة ذهبية، وهى: ألا يتجاوز الشخص أبداً قوة احتماله الطبيعية، بحيث تكون زيادة الجهد تدريجية وأكيدة في الوقت نفسه منعاً لحدوث أوجاع وآلام عضلية تفسد متعة الرياضة. والأمر الأسوأ هو أن الإفراط في التدريب والرياضة ضار بالصحة، شأنه شأن كل الأمور الأخرى.
ولهذا فإن الاعتدال هو الضمان، وخاصة بالنسبة للذين تجاوزوا الأربعين، أو الذين ينقصهم الإعداد أو التدريب اللازم.
وهذا لا يعني أن يمتنع الأشخاص الأكبرسناً عن النشاط البدني، بل العكس هو الصحيح. فهذا النشاط مفيد لكل الأعمار، بل ربما تزداد فائدته مع تقدم السن. فالمشي يؤخر فقدان العظام للمعادن، ويقلل من التعرض للكسور التي يكثر حدوثها عند المسنين.
إعداد الدكتور حسان شمسي باشا
استشاري أمراض القلب ـ مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة – جدة
http://www.drchamsipasha.com (http://www.drchamsipasha.com/)

القلب الحزين
26-12-2013, 10:20 PM
هل نصدّق الرسام الدنماركي المأفون أم فلاسفة الغرب ومفكريه


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207596037faisalalqasem9.jpgد. فيصل القاسم
إعلامي سوري ومقدم برامج على قناة الجزيرة القطرية
ليس هناك أدنى شك بأن من حق، لا بل من واجب المسلمين، من طنجة إلى جاكرتا، أن يهبوا هبة رجل واحد دفاعاً عن مقدساتهم التي أساء إليها رسام دنماركي مغمور ومأفون، وأعادت نشرها بعض الصحف الأوروبية الأخرى. وأعتقد أن الدفاع حتى الآن لم يكن بالشكل المطلوب، وكان لابد أن تدخل الحكومات الإسلامية على الخط لترفع العصا الغليظة في وجه الدول التي تحتضن المسيئين من رسامين وكتاب وسواهم، وأن لا تكتفي فقط برد الفعل الشعبي أبداً. لكن لماذا، في الوقت ذاته، نتوقف عند رسام كاريكاتير ساقط من الدرجة العاشرة، ونجعله ممثلاً للموقف الغربي من المسلمين، وننسى عظماء الغرب من مفكرين وفلاسفة ومؤرخين وأدباء وشعراء وقادة، وما قالوه في الإسلام ورسوله الأعظم وكتابه الخالد؟
أيهما نصدّق رساماً كرتونياً ينضح جهلاً وسخفاً وحقارة ودناءة وقذارة، أم المفكر والأديب الإيرلندي ذائع الصيت جورج برنارد شو؟ يقول شو: "لقد اطّلعت على تاريخ هذا الرجل العظيم محمد(صلى الله عليه وسلم )، فوجدته أعجوبةً خارقةً، لا بل منقذاً للبشرية، وفي رأيي، لو تولى العالم الأوروبي رجل مثل محمد(صلى الله عليه وسلم ) لشفاه من علله كافة... لقد نظرت دائما الى ديانة محمد (صلى الله عليه وسلم ) بأعلى درجات السمو بسبب حيويتها الجميلة. إنها الديانة الوحيدة في نظري التي تملك قدرة الاندماج... بما يجعلها جاذبة لكل عصر، وإذا كان لديانة معينة أن تنتشر في انجلترا، بل في أوروبا، في خلال مئات السنوات المقبلة، فهي الاسلام...
إني أعتقد أن الديانة المحمدية هي الديانة الوحيدة التي تجمع كل الشروط اللازمة وتكون موافقة لكل مرافق الحياة.... ما أحوج العالم اليوم إلى رجل كمحمد(صلى الله عليه وسلم ) ليحل مشاكل العالم ". أما المفكر والفيلسوف والمؤرخ الاسكوتلندي الكبير توماس كارلايل فقد أغدق الكثير الكثير من الإطراء والمديح على الرسول الأعظم إذ قال: " إنما محمد(صلى الله عليه وسلم ) شهاب قد أضاء العالم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". وحتى كارل ماركس أبو الشيوعية قال حرفياً: "جدير بكل ذي عقل أن يعترف بنبوءة محمد(صلى الله عليه وسلم )، وأنه رسول من السماء إلى الأرض....
هذا النبي افتتح برسالته عصراً للعلم والنور والمعرفة، وحري أن تــُدون أقواله وأفعاله بطريقة علمية خاصة. وبما أن هذه التعاليم التي قام بها هي وحي فقد كان عليه أن يمحو ما كان متراكماً من الرسالات السابقة من التبديل والتحوير". بدوره يقول الأديب الروسي الشهير ليو تولستوي: "أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد(صلى الله عليه وسلم ) الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه، وليكون هو أيضا آخر الأنبياء". أما الشاعر الألماني الأكبر غوته فيقول: "بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي العربي محمد(صلى الله عليه وسلم )... وإننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد(صلى الله عليه وسلم )، وسوف لا يتقدم عليه أحد".
وينسحب الإعجاب ذاته على الشاعر الفرنسي الكبير لامارتين الذي يعترف بأن "أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود....ليس هناك رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد(صلى الله عليه وسلم )، وأي إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ، لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق".

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207596070georgebernardshaw-nobel.jpgصورة للكاتب الإيرلندي جورج برنارد شو أما عالم اللاهوت السويسري د.هانز كونج فقد قال حرفياً: "محمد(صلى الله عليه وسلم ) نبي حقيقي بكل ما في الكلمة من معنى، ولا يمكننا بعد إنكار أن محمداً هو المرشد القائد إلى طريق النجاة". وكما يعترف مفكرو الغرب وأدباؤه وفلاسفته وقادته بعظمة خاتم الأنبياء،.فإنهم في الآن ذاته يبصمون بالعشرة على عظمة الكتاب الذي أنزل على نبي الإسلام(صلى الله عليه وسلم ). ويقول القائد الفرنسي الشهير نابليون بعد أن قرأ القرآن الكريم: "إن أمة ً يوجد فيها مثلٌ هذا الكتاب العظيم لا يمكن القضاءُ عليها أو على لغتها".
وبدوره يؤكد العالم الأمريكي مايكل هارت بأنه "لا يوجد في تاريخ الرسالات كتاب بقي بحروفه كاملاً دون تحوير سوى القرآن الذي نقله محمد(صلى الله عليه وسلم )". وينشد الشاعر الألماني الشهير غوته قائلاً:"كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي... القرآن كتاب الكتب، وإني أعتقد هذا كما يعتقده كل مسلم".
ولما بلغ غوته السبعين من عمره، أعلن على الملأ أنه يعتزم أن يحتفل في خشوع بتلك الليلة المقدسة التي أنزل فيها القرآن الكريم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وبنفس الروحية يهتف أرنست رينان منشداً:" عندما تستمع إلى آياته تأخذك رجفة الإعجاب والحب، وبعد أن تتوغل في دراسة روح التشريع فيه لا يسعك إلا أن تعظــّم هذا الكتاب العلوي وتقدّسه". ويؤكد تولوستوي في مكان آخر بأن "شريعة القرآن سوف تسود العالم لتوافقها وانسجامها مع العقل والحكمة.. لقد فهمت... لقد أدركت... ما تحتاج إليه البشرية هو شريعة سماوية تحق الحق وتزهق الباطل". ولو كان رسامو الدنمارك الجهلة نظروا بالقرب منهم لقرأوا ما قاله الاستاذ الدكتور العالم النرويجي ايرنبيرغ في جامعة أوسلو الذي كتب يقول:" لا شك في أن القرآن من الله، ولا شك في ثبوت رسالة محمد(صلى الله عليه وسلم )".
وينسحب الاحترام الغربي للدين الحنيف على أتباع ذلك الدين. فليس صحيحاً أبداً أن نظرة الغرب للمسلمين كانت دائماً دونية، بل على العكس تماماً، فقد كان المسلمون مضرباً للأمثال في شجاعتهم وبأسهم. يقول القائد الكبير بسمارك:" اعطوني فقط ستة آلاف مسلم لأحرر من خلالهم العالم َ من الظلم". أما المفكر والفيلسوف الفرنسي الكبير غوستاف لوبون فقد تغنى بإنسانية المسلمين العظيمة من خلال قوله الشهير:"لم يشهد التاريخ ُ فاتحاً أرحم َ من العرب". ويتمنى أحد المستشرقين لو "أن المسلمين احتلوا أوروبا لكانت تجاوزت عقدة القرون الوسطى التي لم تشهدها إسبانيا بفضل الإسلام".
من يصدّق العالم بعد كل هذه الأقوال المأثورة لعظماء الغرب وفلاسفته ومفكريه وأدبائه وقادته في نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم )، وكتاب الله عز وجل وأتباعه، هل يصدّق ذلك الرسام الدنماركي المأفون وبعض مؤيديه من أبناء وبنات جلدتنا المارقين والمارقات، والساقطين والساقطات، أم يصدّق جورج بيرنارد شو، وكارل ماركس، وغوته، ونابليون، وتوماس كارلايل، وغوستاف لوبون، ولامارتين، وسواهم من خيرة ما أنجبه الغرب من أصحاب عقول راجحة، وآراء سديدة، وفكر نيّر؟.
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]

القلب الحزين
26-12-2013, 10:21 PM
حاجة المسلمين إلى تعلم فقه التمكين


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1206102382430961285_05f58348d6_m.jpg
أحد مساجد مدينة استانبول في تركيا

يخلص الباحث المخلص العلمي في حال المسلمين من بداية ضعف الدولة العلية العثمانية وسقوط الخلافة الإسلامية العثمانية، يخلص الباحث إلى أن العاملين في حقل الدعوة الإسلامية لم يتعلموا فقه التمكين فأصبحوا كالمصابين بقهر التكرار، يكررون أخطاءهم في جهل عجيب وبلاهة أعجب، ويجدهم ما بين جاهل متهور أو تاجر منتفع، أو محب أحمق، وتراجع العالمون , وسيطر المتهورون والمتاجرون , واستغلوا الحمقى والمغفلين فكانت المآسي هي النتيجة الحتمية لهذه البيئة غير السوية، وكانت الصدامات الخاسرة، والمعارك الفاشلة، ومازالت هذه الاسطوانة المشروخة تعيد نفسها مع كل جيل جديد، حيث العجلة، وعدم الصبر على التعليم والتعلم والعمل الصالح مع الانشغال بصغائر الأمور، والاختلاف المَرَضي والشقاق على المختلف فيه بين العلماء والفقهاء , والاستعجال والعشوائية في الأعمال الميدانية والصدام الحتمي بين قوى الواقع السياسية والتربوية والدينية والاقتصادية والعسكرية، وقد استغل أعداؤنا هذه البيئة المرضية (بفتح الميم والراء)، في استعمارنا وزرع الفتة بيننا، وبدأ بتقسيم ديارنا بسايكس- بيكو الاستعمارية، ثم بسايكس- بيكو السياسية الجغرافية حيث قسمت ديارنا سياسيًا إلى دويلات على رأس كل منها حاكم مستقل، وبعد أن استقرت الحدود الجغرافية والتمايزات السياسية والإقليمية، بدأت سايكس- بيكو الطائفية لتفتيت البلد الواحد على أساس طائفي كما هو الحال في العراق، ثم جاءت سايكس- بيكو الطائفية المسلحة بتسليح تلك الطوائف وتناحرها وتنازعها كما هو الحال في العراق ولبنان والصومال والسودان وأفغانستان فاستعر القتل ومهدت الديار للعملاء ليسيطروا على المقاطعات الطائفية والدعوة إلى التفتيت والانقسام الطائفي والمذهبي والعرقي.
وحتى لا نستمر في الشقاق والنزاع والفشل علينا أن نعمل على العودة إلى الوحدة النفسية والوحدة الجغرافية، والوحدة السياسية، والقبول بالتنوع والاختلاف المذهبي والديني والطائفي والعيش في تعايش إسلامي بلا فتن طائفية ومذهبية وعرقية , ولن نتمكن من ذلك إلا بتعلم فقه التمكين الذي فطن إليه العديد من الباحثين والعلماء وفي مقدمتهم الرسالة العلمية المقدمة إلى جامعة الأزهر الشريف للباحث محمد يوسف بعنوان " التمكين للأمة الإسلامية في ضوء القرآن الكريم " (http://www.saaid.net/book/8/1884.zip)وما كتبه الدكتور علي جريشة في كتابه " دعوة الله بين التكوين والتمكين " ورسالة الدكتوراة القيمة للدكتور علي محمد الصلابي حفظه الله بعنوان " فقه التمكين في القرآن الكريم : أنواعه، شروطه وأسبابه ومراحله وأهدافه " التي اعتمدنا على الله ثم عليها في إعداد هذه السلسلة من تعلم فقه التمكين في القرآن الكريم , لنقدمها ونقربها للعاملين في حقل الدعوة الإسلامية، وخاصة شباب الصحوة الإسلامية , ليتعلموا فقه التمكين والتربية والتعليم بعيدًا عن الصدامات السياسية والطائفية والمذهبية والدينية، حتى نتمكن من بناء جيل واع متعلم مخلص خال من قهر التكرار والانتحار، جيل يعلم أن تعمير الكون بنواميس الله في الخلق وفق منهاج الله هو السبيل الأمثل للتمكين في هذه الحياة، جيل يقدر العلم بشقيه الكوني والشرعي، ويقدر الإبداع ويبتعد عن الابتداع , جيل يقدر قيمة إتقان العمل، جيل يعمل بإخلاص ويزرع ولا يتسرع أن يحصد، فالإسلام بناء عظيم وضع كل نبي ورسول فيه لبنة إلى أن جاءت اللبنة الخاتمة فاكتمل البناء وحسن وتجمل على مدار ألاف السنين، فسلَّم كل جيل مسلم الراية للجيل التالي بعد أن سلمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واضحة جلية ليلها كنهارها، ومنّ الله علينا بتمام هذه النعمة، فقال تعالى : " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا " [المائدة: 3].
فالدين هو النعمة الإلهية الكبرى، وتمام الدين هو تمام النعمة، ورضا الله لنا هذا الدين هو تمام المنة، المهم الإخلاص والعمل لله وحده، والصواب وهو العمل الصحيح على فهم صحيح للدين ولقوانين الله في الخلق.
والتمكين كما قال الدكتور الصلابي هو السعي الجاد من أجل رجوع الأمة لما كانت عليه من السلطة والنفوذ والمكانة في دنيا الناس وهو كما عرفه الدكتور على عبد الحليم في فقه المسئولية ( هو الهدف الأكبر لكل مفردات العمل من أجل الإسلام، فالدعوة بكل مراحلها وأهدافها ووسائلها والحركة، وكل ما يتصل بها من جهود وأعمال، والتنظيم وما يستهدفه في الدعوة والحركة، والتربية بكل أبعادها وأنواعها وأهدافها ووسائلها بحيث لا يختلف على ذلك الهدف الأكبر أحد من العاملين من أجل الإسلام، مهما اختلفت برامجهم بشرط أن تكون هذه البرامج والخطط نابعة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وليس فيها شيء ما يغضب الله، لا يستطيعون أن يختلفوا في أن التمكين لدين الله في الأرض هو الهدف الأكبر في كل عمل إسلامي. انتهى.
فالعاملون في حقل الدعوة والتمكين يجب أن يعملوا من أجل الإسلام، وإذا اتحدنا في هذا الهدف اختفت كل الأهداف الأخرى أو تراجعت كثيرًا أمام هذا الهدف، فما نراه من تصارع وشقاق ونزاع بين العاملين في ميدان الدعوة يعود للعديد من الأسباب من أهمها العمل للجماعة فقط، ولمصلحة الجماعة فقط، والعمل للنفس من خلال الجماعة، ومن ينكر ذلك عليه أن يفسر لنا أسباب الشقاق والتنازع بين العاملين في حقل الدعوة، فما دام الهدف واحدًا ( العمل من أجل الإسلام )، فكل سبيل صحيح مستقيم يحقق هذا الهدف مقبول من الجميع فالهدف واحد ( العمل من أجل الإسلام ) والوسائل والآليات مختلفة، والاختلاف في الآليات والوسائل المنضبطة بقواعد القرآن والسنة لا تدعونا إلى التنازع والشقاق، فكل السبل الشرعية والصحيحة والشريفة موصلة إلى التمكين ومقبولة من الجميع مع اختلاف المسميات، المهم أن تنبع هذه الوسائل والآليات من فهم صحيح من قبل العلماء للكتاب والسنة، فالتنوع في الأساليب هدفه تحقيق الهدف الواردة في التعريف السابق : الدعوة، والحركة، والتنظيم، والتربية.
إذا تعلمنا ذلك، وفقهنا ذلك، واختفت الأنانيات، والتعصبات، والعمل للجماعات فقط فقد بدأنا الخطوة الأولى والأساسية في تعلم فقه التمكين، وهذا ما سنفصله في مقالات قادمة بإذن الله تعالى.

أ.د. نظمي خليل أبو العطا موسى
[email protected]
www.nazme.net (http://www.nazme.net/)

القلب الحزين
26-12-2013, 10:22 PM
عيد الحب .... لمن



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/120289583998592575_f1e978a722_m.jpgبقلم خالد بن عبد الرحمن الشايع
النفوس بطبعها محبة لمناسبات الفرح والسرور الخاصة والعامة، ومن ذلك العيد، ورعاية لهذا الميل النفسي فقد جاءت شريعة الإسلام بمشروعية عيدي الفطر والأضحى؛ عيدين مشروعين في العام، وشرع الله فيهما من التوسعة وإظهار السرور ما تحتاجه النفوس، كما شرع للناس عيدا أسبوعيا وذلك يوم الجمعة، وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة المحمدية.
واذا التفتنا إلى ما عند الأمم الأخرى من الأعياد؛ فسنجد ان عندهم من الأعياد الشيء الكثير، فلكل مناسبة قومية عيد، ولكل فصل من فصول العام عيد، وللأم عيد وللعمال عيد وللزراعات عيد وهكذا، حتى يوشك الا يوجد شهر الا وفيه عيد خاص، وكل ذلك من ابتداعاتهم ووضعهم، قال الله تعالى{ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} ولهذا فإن مواعيدها تغيرت على مر السنين بحسب الأهواء السياسية والاجتماعية، ويقترن بها من الطقوس والعادات وأنواع اللهو ما يطول سرده، كما تذكر ذلك عنهم بالتفصيل الكتب المتخصصة.
ومن غرائب الأعياد في العالم اليوم أعياد الوثنيين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى والتي تنسب إلى آلهتهم وأحبارهم ورهبانهم، كعيد القديس (برثلوميو)، وعيد القديس (ميكائيل) وعيد القديس (اندراوس) وعيد القديس (فالنتاين) وهكذا، ويصاحب أعيادهم هذه مظاهر عديدة كتزيين البيوت، وإيقاد الشموع، والذهاب للكنيسة، وصناعة الحلوى الخاصة، والأغاني المخصصة للعيد بترانيم محددة، وصناعة الأكاليل المضاءة، وغير ذلك.
ثم صار من عادات الأمم الأخرى من غير المسلمين أن يقيموا عيداً سنوياً لكل شخص يتوافق مع يوم مولده، بحيث يدعى الأصدقاء ويصنع الطعام الخاص وتضاء شموع بعدد سني الشخص المحتفل به، إلى آخر ما هنالك، وقد قلدهم بعض المسلمين في هذا الابتداع!!.
وبعد ما تقدمت الإشارة إليه من تلك الأعياد لدى الأمم، فمن نافلة القول أن يتأكد المسلم أن أكمل الهدي وأفضل الشرع هو ما جاء به خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله سبحانه{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} كما أن جميع ما لدى الأمم الأخرى من تلك الأعياد بدعة وضلالة، فوق ما عندهم من الكفر بالله، قال الله تعالى{ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
ولأهمية هذه المسألة وضرورة العناية بها ـ أعني ما تسرب إلى المسلمين من أعياد الكفار ومناسباتهم التي ينسبونها لدينهم ـ فقد كانت عناية الشرع بهذا الأمر بليغة ومؤكدة، فإن الله وصف عباده المؤمنين بمجانبة الكفار في أعيادهم وذلك قوله سبحانه{والذين لا يشهدون الزور} فالمراد بالزور ـ الذي لا يشهده عباد الله المؤمنون ـ في هذه الآية هو: أعياد الكفار. ثم إن الله شرع لعباده المؤمنين من الأعياد ما يستغنون به عن تقليد غيرهم، فقد روى أبو داود والنسائي وغيرهما بسند صحيح عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: (قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما: يوم الفطر والأضحى).
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ : واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم".
ولنا أن نتوقف في الأسطر التالية مع عيد أخذه بعض المسلمين عن الكفار وقلدوهم فيه:ألا وهو ما يسمى "عيد الحب" ، هكذا يسميه بعض المسلمين والكفار، وأما اسمه الأصلي فهو يوم أو عيد القديس "فالنتاين" (VALENTINE,S DAY) وقد حدده النصارى في اليوم الرابع عشر من شهر فبراير من العام الإفرنجي، لعقيدة محددة عندهم ليس هذا محل سردها.
وما كان لنا أن نقف أو نلتفت لهذا العيد فهو من جملة عشرات الأعياد عندهم، ولكن لوجود من تأثر به من المسلمين والمسلمات؛ فقد وجب أن يعرف إخواننا وأخواتنا ممن يحاول المشاركة فيه بقيامهم ببعض الطقوس الخاصة به، وهم لا يدرون أن هذا العيد وهو ما يسمى (عيد الحب) عيد ديني لها ارتباط وثيق بعقيدة النصارى، وهم ـ اعني النصارى ـ متخبطون في نسبته هل هو من ارثهم، أو من ارث الرومان الذين كان لهم من الآلهة ما يشتهون، فجعلوا للحب إلهاً على طريقتهم في الاعتداد بآلهة أخرى، كما لهم من الآلهة المزعومة للنور وللظلماء وللنبات وللأمطار وللبحار وللأنهار وهكذا.
ومن المظاهر والأمور التي يتعاطاها الكفار في الاحتفال بالعيد المذكور ـ عيد الحب ـ تأثرهم في لباسهم وما يتهادونه في ذلك اليوم من بطاقات، وبطاقات زهور، وورود باللون الأحمر الذي يرمز عندهم إلى مسلك منحرف محدد له صلته بالفحش، وهكذا الشأن في الحلوى والكعك وما يوضع عليها من مواد غذائية كل ذلك باللون الأحمر، ومن المظاهر الاحتفالية لديهم الكتابة على البطاقات بعبارات الغرام والهيام بين الشباب والفتيات، وكذا شراء تمثال أو دمية حمراء تمثل حيوان (الدب) وقد رسم عليه ما يمثل القلب، وكلمات الحب، ثم يباع بأسعار باهظة ليقدم كهدية ترمز للحب!!.
ومما زاد في انتشار هذه المظاهر وفشوها في عدد من بلاد الإسلام ما تقوم به كثير من وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، وخاصة الفضائيات، من الدعاية لهذا المسلك بأساليب متعددة، حتى انطلى الأمر على البسطاء من الناس، ممن لا يملكون من الوعي الثقافي ما يحصنهم ضد هذه المسالك العوجاء،وخاصة الطلاب والطالبات في التعليم العام والعالي.
وفي ضوء ما تقدم فإننا نقف مع إخواننا وأخواتنا أهل الإسلام ممن يشارك في شيء من مظاهر الاحتفال الآنفة الذكر وقفة معاتبة، فنقول:
* إنكم اليوم يا من تحتفلون بهذا اليوم ـ عيد الحب وما شابهه ـ لحاجة في نفوسكم، ولكن الذي أظنه بكم بما عندكم من فطرة توحيدكم لله تعالى، إنكم لو علمتم الخلفية الدينية لهذا الاحتفال وما فيه من رموز الابتداع أو الشرك بالله، والتظاهر بأن معه إلهاً آخر ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ لأدركتم فداحة خطئكم وشناعة توجهكم وتأثركم.
* ومما قرره أهل العلم: انه لا يجوز للمسلم أن يقبل أي إهداء أو طعام صنع لمناسبة عيد من أعياد الكفار، ولهذا فإن من المتعين على الآباء والأمهات أن يلاحظوا هذا الأمر على أولادهم، وخاصة إذا رأوا من بناتهم تخصيص اللباس الأحمر في ذلك اليوم البلايز والجاكيت والجوارب والأحذية، وهكذا لو طلبوا منهم شراء الورود والبطاقات الخاصة بذلك اليوم، فيبينوا لهم حقيقة الأمر بأسلوب شرعي تربوي مقنع.
* كما أننا نعتب عتبا كبيرا على من يتاجر من المسلمين برموز الاحتفالات بأعياد الكفار باستيرادها أو تصنيعها، كالذين يتاجرون بالزهور وتوفيرها في ذلك اليوم على صفة مخصوصة، أو أصحاب محلات الألعاب وتغليف الهدايا، فإن متجارتهم تلك ببيعهم ما يساعد على الاحتفال بأعياد الكفار ويتخذ ذريعة إليها، لا ريب انه من التعاون على الإثم والعدوان والمشاركة في نشر عقائد الكفار، وبحمد الله فإن لهم سعة وفسحة في غير ما يتخذ للاحتفال بأعياد الكفار لو أرادوا ذلك.
* ومما ينبغي أن ينبه إليه هنا أيضا ما يتوجب على حملة الفكر وأهل الإعلام من المسلمين من قيامهم برسالتهم في حماية حياض الإسلام الفكرية من أن يعبث بها نظراؤهم ممن يكيد للإسلام وأهله.
ولنختم حديثنا هذا بفتوى شرعية للعلامة الجليل والفقيه الكبير الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ حيث سئل عن الاحتفال بما يسمى (عيد الحب) والمشاركة فيه، فأجاب رحمه الله:
الاحتفال بعيد الحب لا يجوز لوجوه:
الأول: انه عيد بدعي لا أساس له في الشريعة.
الثاني: انه يدعو إلى العشق والغرام.
الثالث: انه يدعو إلى اشتغال القلب بمثل هذه الأمور التافهة المخالفة لهدي السلف الصالح رضي الله عنهم.
فلا يحل أن يُحْدَث في هذا اليوم شيء من شعائر العيد، سواء كان في المآكل أو المشارب أو الملابس أو التهادي أو غير ذلك.
وعلى المسلم أن يكون عزيزا بدينه، وان لا يكون إمعة يتبع كل ناعق.
أسأل الله تعالى أن يعيذ المسلمين من كل الفتن ما ظهر منها وما بطن، وان يتولانا بتوليه وتوفيقه.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال (لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر أو ذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قالوا : اليهود و النصارى ؟ قال : فمن ؟ ) (صحيح الجامع للسيوطي، قال عنه الألباني: صحيح).
نقلاً عن موقع طريق الإسلام بتصرف. (http://www.islamway.com/)

القلب الحزين
26-12-2013, 10:23 PM
العدوى ومشروعية الوقاية



بحث للدكتور محمود ناظم النسيمي
جاء الإسلام الحنيف ومعظم العرب يعتقدون أن الأمراض المعدية إنما تعدي بطبعها وبخاصة ذاتية فيها مستقلة عن إرادة الله تعالى . واعتقادهم في ذلك كان كاعتقادهم في كل العلاقات بين المسببات وأسبابها، بأن السبب هو علة وجود المسبب دون دخل لإرادة الله تعالى ومشيئته .
ولم تكن المعارف في ذلك الزمان واضحة حول الأمراض التي تعدي والتي لا تعدي. فقد يصدق حكمهم على مرض بالسراية إذا بنوه على كثرة المشاهدة كحكمهم على الجرب بأنه مرض معدي. وقد يحسب بعضهم أن الأمراض كلها تسري. وقد يتهم مرض غير سار بالسراية كما هو ظنهم بالبرص .
ولا عجب في اضطراب حكمهم وتفريقهم للأمراض السارية، لأن الطب في زمانهم كان بدائياً، وكان القول في منشأ معظم الأمراض قائماً على الظنون والأوهام.
بدأ اكتشاف الجراثيم في أوئل القرن التاسع عشر الميلادي (الثالث عشر الهجري) . ثم في خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر والرابع الأول من القرن العشرين استكملت المعلومات حول الأمراض السارية وجراثيمها الممرضة وطرق تشخيصها واستخدام التحاليل المخبرية لوضع التشخيص وتفريق الأمراض الملتبسة بعضها مع بعض.
جاء الإسلام والمعارف الطبية في الجزيرة العربية ضئيلة بل وفي العالم أجمع . جاء وليس من مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوضح دقائق الطب والعلوم المختلفة، فتبين مثلاً أنواع الأمراض وطرق تشخيصها وآلية حدوثها والأنواع المعدية منها. وإنما ذلك متروك لجهد البشر وتطور العلوم الكونية . ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بتعليم الله تعالى له، وبيّن حقائق العلوم كلها لما أدرك الناس ما يحدثهم به، لأن مستوى العلوم الدنيوية لما يبلغ بعد درجات عليا، ولأن إفهام تلك الحقائق يتطلب عشرات السنين، بل إن التخصص في فرع من فورع العلوم الدينية أو الدنيوية يستهلك عمر الباحث، ولا يزال ينال فهما جديداً وتطوراً واكتشافاً، ولو أن الله تبارك وتعالى جعل العلوم والصناعات تثبت عند حدٍ لا تتعداه، لما ترك الإنسان لذة البحث العلمي لبلوغ أفكار ومجالات ومبتكرات جديدة أفيد وأعلى .
ولذلك كله قضت الحكمة الربانية أن تكون العلوم الكونية متروكة لجهد البشر تنمو وتتطور، كلما بلغ الإنسان فيها مرحلة جديدة أقر بأنه " وفوق كل ذي علم عليم " وأخذ يتطلع إلى مرحلة أعلى ولسان حاله يقول : " وقل ربي زدني علماً " معترفاً بأن العلم المطلق والحقيقة المطلقة إنما هما لله تبارك وتعالى وصدق الله العظيم : " ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء " .
وبما أن تعاليم الإسلام جاءت لدين وللدولة ومن مهمات الدولة الأخذ بوسائل الطب الوقائي، فليس من المستغرب أن نرى في تلك التعاليم أنظمة صحية توافق كل زمان وكل قوم بدائيين كانوا أم حضاريين. فجاءت تعاليم الرسول الكريم صلوات الله عليه تثبت وجود العدوى والسراية في بعض الأمراض وتوجب الحجر في الأمراض الوبائية وسيأتي تفصيل ذلك .
ولكن بعض الأحاديث النبوية أتت بلفظ (لا عدوى ) فذهب العلماء الأولون إلى التوفيق بين الشطرين السابقين من الأحاديث وكانت لهم ـ جزاهم الله خيارً ـ آراء مختلفة ، وذهب معظمهم إلى أن نفي العدوى إنما هو نفي لمعتقد العرب فيها لا لوجودها كما سيأتي تفصيل ذلك .
وكان السبب الرئيسي لاختلاف فهمهم وتأويلهم عدم وضوح الناحية الطبية في ذلك في عصرهم فهم معذورون ولسعيهم مشكورون .وقد توسع في ذكر آرائهم وأوج الجمع بين أحاديث هذا البحث الحافظ ابن حجر المتوفي سنة 852هـ كتابه الواسع (فتح الباري بشرح البخاري)، وبما أن بعض تلك المفاهيم والأوجه مفرقة في بطون الكتب، وأن علماء عصرنا قد ينقل أحدهم هذا القول أو ذاك خلال حديثه أو خطبته أو جوابه لسؤال يعرض عليه، فقد رأيت من واجبي أن أدرس مجموعة الأحاديث الواردة في موضوع العدوى وفي الأمراض السارية وما قاله الشراح في ذلك وأن أقابل ذلك بالحقائق الطبية الثابتة اليوم، ليكن فهمي للحديث الواحد منها منسجماً مع مجموعها ولأختار من أقوال العلماء وشراح الأحاديث الأبرار ما ينسجم مع حقائق الطب الحديث. ثم أقدم نتيجة بحثي إلى القراء الكرام مستعيناً بالله تعالى العليم الخبير.
أ‌. لمحة طبية :
سأورد من المعلومات الطبية ما يوضح معنى العدوى والسراية وما يساعد على فهم الأحاديث الشريفة المتعلقة بمقالي هذا .
إن أسباب الأمراض مختلفة جداً كالسقوط والجروح أو التخمة أو الإنسمام أو سوء التغذية أو القرحة الهضمية أو تشمع الكبد وغير ذلك . ومن هذه الأسباب تلك العوامل الحية التي تسمى بالجراثيم وتسمى الأمراض التي تحدث عنها بالإنتانات . إن العناصر الأساسية في حصول الإنتانات هي :
1. الجراثيم المرضية .
2. البدن المستعد
وكثيراً ما تكون هذه الإنتانات الجرثومية سارية أومعدية أي تنتقل من مريض إلى سليم مباشرة أو بوسيلة ما وتسمى عندئذ بالأمراض المعدية أو الأمراض السارية .
ثم إن الأمراض المعدية إما أن تظهر بشكل محدود منفرد وفي أحوال عارضة، وهي الأمراض المعدية الأفرادية كالسل والتيفوئيد … الخ .. وإما أن تظهر بشكل دائم مستمر في مجموعة صغيرة من البلاد المتاخمة وهي الأمراض المستوطنة. مثال ذلك الطاعون والكوليرا وهما مرضان وبائيان ولكنهما قد يصبحان من الأمراض المستوطنة كما هو الحال في الهند. وإما أن تعم بلواها جمعاً غفيراً من الأنفس والبلاد في أوقات طارئة ومناسبات مختلفة وتسمى عندئذ بالأمراض الجائحة أو الوبائية كالهيضة الأسيوية (الكوليرا) والطاعون .
وإن كانت الجائحة واسعة الانتشار جداً سميت بالجائحة الطامة أو الوباء العام.
فالعدوى أو السراية هي اتصال جرثوم مرضي بإنسان صحيح وحدوث أثره المرضي[1]. وبما أن في الأحاديث النبوية التي سأوردها في هذا المقال وفي كلام الشراح ذكراً للأمراض التالية : الطاعون ـ الجذام ـ الجرب ـ البرص، رأيت من المفيد أن أقدم أيضاً تعريفاً بكل مرض منها بالمقدار الذي يساعد على فهم ما ورد فيه في كتب السنة المطهرة متجنباً الإسهاب الذي هو من اختصاص المواضيع الصحية والطبية الصرف.
الطاعون :
مرض مشترك بين الإنسان والجرذ يتصف بالتهاب العقد اللنفاوية وباندفاعات وبأعراض رئوية أحياناً، عاملة عصية يه رسن.
ينتشر الطاعون من القاضمان الوحشية إلى الفأر الأهلي (أو بالعكس) ومنه إلى الإنسان وبين المريض والصحيح من البشر أيضاً، وأكثر الإصابات تنتقل من الفأر والجرذان بواسطة البراغيث . وعند إصابة الجرذ بالطاعون تتركه براغيثه السليمة، فإن لم تجد حيواناتها المعتادة أو صادفت إنساناً علقت به ولقحته بدائها، فتبدأ الجائحة البشرية عندئذ وتستمر ما وجدت تلك الحشرات الملوثة فرصة للوصول إلى الإنسان السليم.
وسأبين في مقال خاص (توافق الأحاديث النبوية والطب الحديث في مرض الطاعون ) .
الجذام :
هو مرض إنتاني مزمن وسار (معدي ) عامله الجرثومي عصية هانستن.
يتصف سريرياً بآفات جلدية واضطرابات عصبية وقد يصيب العظام والأحشاء . وقد عرف منذ العصور القديمة وجاء ذكره في التوراة . ويلاحظ أن انتشاره كان كبيراً في العصور السابقة، بينما أصبحت إصاباته في العصر الحاضر قليلة، يقع معظمها في البلاد الحارة والمعتدلة الحارة .
سراية الجذام ضعيفة، وعدواه أخف من عدوى السل، ولابد من التماس الصميم والمديد لينتقل المرض. ولذلك تكون أكثر حوادث الجذام أسرية، أي تظهر بين أفراد الأسرة التي تعيش معاً في مكان واحد. ثم إن مدة دور الحضانة غير معلومة ولكنها على كل حال طويلة ويعتبر الحد الوسط فيها بين (6ـ 8)سنين .
إن الغشاء المخاطي لطرق التنفس هو المدخل الغالب لرذاذ القطران الأنفية البلعومية الصادرة عن المريض والحالمة للعامل الممرض . وقد يكون الانتقال من الأورام المتقرحة إلى الجلد المجروح ، تلوث الأورام الأرض فيطأها قدم مجروحة فتمس مفرزات التقرح الجرح من الجراثيم. وتبدأ أعراض الجذام خفية كما هو في السل.
وللجذام شكل ورمي وشكل نظير الدرني. ففي الشكل الورمي يصبح منظر الجبهة والخدين والأنف والذقن كتلة مرتشحة عميقة الأخاديد عليها عقيدات تعطي الوجه منظر وجه الأسد فيقال لذلك السحنة الأسدية[2].
كتب بعضهم في إحدى رسائله نقلاً عن إحدى المجلات : إن الطب اكتشف أن جرثومة الجذام تشبه الأسد، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد " . ثم تواجهت معه سنة 1950 في دمشق أيام دراستي في كلية الطب وقلت له هلاّ سألت الأطباء عن شكل جراثيم الجذام قبل أن تنقل في رسالتك ما هو خطأ.. فقال لي ليقل من بعدي أخطأ فلان …
إن تشبيه الفرار من المجذوم بالفرار من الأسد، إنما هو بجامع الخوف من كل، ولا يشترط في هذا التشبيه التماثل والتشابه بين جرثوم الجذام والأسد ولا بين المجذوم والأسد، وإن كان الواقع يثبت أن سحنة بعض المجذومين تشبه سحنة الأسد.
الجرب:
داء جلدي حاكّ ومعدٍ، يتظاهر بآفة جلدية خاصة وواسمة هي الثلم. وهو يعرف في بلادنا باسم حكاك لسبب الحكة الشديدة التي ترافقه . سبب طفيلي يسمى هامة الجرب.
أما الجرب الحيواني فهو يصيب القطط والكلاب والخيل والإبل وغيرها من الحيوانات، وقد ينتقل إلى الإنسان مسبباً عنده حكة حطاطية شبيهة بالأكال الحاد، إلا أنه لا يحدث إتلافاً مطلقاً. إن إصابة الإنسان بالجرب الحيواني تشفى من نفسها وبسهولة بواسطة الصابون العادي.
البرص:
ويعرف في الطب بالبهق أيضاً، وهو ظهور بقع صريحة الحدود في قلب منطقة مفرطة الصباغ، وإصابته مكتسبة تصيب الجنسين في مختلف الأعمار.
إن أسباب وآلية حدوثهلا تزال غامضة وإذا كان الواجب يقضي بالتحري عن الإفرنجي في كل حادثة بهق، إلا إنه يجب عدم اعتبار كل حادثات البهق من منشأ إفرنجي . أ هـ .
أقول : نقل شراح الحديث رأي الأطباء الأقدمين بأن البرص يعدي وأنه يورث نقيض رأي الطب الحديث. ولا يزال البدو يتخوفون منه ولا يتزوجون من أسرة فيها مصاب بالبرص. وقد أدهشني ما قاله والد شابة مصابة بالبرص في عيادتي أمامها بأنهما يرغبان لها الموت، لأنه إذا شاعت إصابتها بالبرص امتنع الناس من زواج أخواتها وبنات عمها أيضاً، فوضحت لهم خطأ الناس في ذلك وأرشدتهم إلى اختصاصي بأمراض الجلد.
ب ـ مشروعية الوقاية من الأمراض السارية :
كما اعتنى الإسلام بتصحيح الإنسان بخالقه العظيم وتصحيح عبادته له إلى شرعة يرضاها، وكما اعتنى بتحرير عقله وتفكيره من الأوهام والخرافات والتقليد الأعمى والإمّعية الهوجاء، ومن أثر جهالة الشهوات وطغيان العواطف على المحاكمة والحكم العقلاني . وكما أعنتى أيضاً بمكارم الأخلاق وبوضع أسس التعامل بين الناس والرقي الحضاري القويم، طالما اختلف علماؤهم وعباقرتهم في رسم الطريق السويّ وتحقيق التلاؤم وعدم التضاد بين مبادئ وقوانين شعب الحياة المختلفة، كما أعتنى الإسلام بذلك كله، لأنه شرعة الله تعالى، اعتنى أيضاً بصحة الإنسان، فوضع له كثيراً من التعاليم والمناهج الصحية لحفظ جسمه وأجهزته ووقايتها من الأمراض السارية وغير السارية .
فجاءت تعاليم محمد صلوات الله عليه أعلى من المستوى الصحي الذي كان يحيا به العرب وغيرهم في صدر الإسلام، دافعة أتباعه إلى دراسة الطب والعلوم النافعة المختلفة مما توصلت إليه الأمم السابقة، لأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها، وكانت تلك التعاليم حافزة للأتباع على بذلك الجهد في البحث لتنظيم وتطوير فن الصحة وطرق الوقاية بما يتلاءم مع تطور العلوم والمعارف.
وما يهمنا في موضوعنا هذا هي التعاليم الخاصة بالوقاية من الأمراض السارية وهاكم نماذج منها:
1. إن من حكمة التمسك بالتعاليم الإسلامية المتعلقة بالنظافة والطهارة هي البعد عن مواطن الجراثيم والأخذ بأسباب الوقاية من الأمراض السارية .
كما أن من حكمتها الأخذ بوسائل صحة البدن ونظافة المظهر . وتلك التعاليم معروفة لدى جميع المسلمين، فإن لفظ الطهارة هو العنوان الجامع لأبوابها التي ملئت بها كتب الفقه .
ويكفي في بيان منزلتها قول الله تبارك وتعالى : " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطهور شطر الإيمان " [3] .
2. وفي الشرع الإسلامي تعاليم كثيرة تثبت مشروعية الأخذ بأسباب الوقاية من المخاطر والأضرار ووصول الحشرات ناقلات الأمراض، وهاكم مثال عنها: أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إطفاء المصابيح الزيتية قبل النوم (السراج ) وفي ذلك وقاية من فساد هواء التنفس على النائم، ووقاية أيضاً من حدوث حريق أثناء الليل إن جرّت الفأرة فتيل المصباح الزيتي، وأرشد صلى الله عليه وسلم إلى تغليق الأبواب قبيل النوم وقاية من سارق أو سبع كاسر وحيوان ضار. وأرشد صلى الله عليه وسلم إلى ربط سقاء الماء وإلى تغطية وعاء الطعام والشراب لئلا يصل إليه الغبار أو الهوام السامة أو الحشرات الناقلات للجراثيم كالذباب، أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : " أطفئوا المصابيح إذا رقدتم وغلقوا الأبواب وأوكوا الأسقية وخمِّروا الطعام والشراب ولو بعود تعرضه عليه " [4]فترى في هذا الحديث الشريف إرشاد الرسول الأعظم إلى الأخذ بالأسباب الوقائية يتعلق بصحة البيئة .
3. وردت أحاديث نبوية معناها المتبادر الأول إثبات وجود العدوى وشرعية الوقاية من الأمراض المعدية .
1. الحديث الأول : عن عبد الله بن عامر أن عمر رضي الله تعالى عنه خرج إلى الشام، فلما كان بسرغ، بلغه أن الوباء قد وقع بالشام، فأخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه" .
2. الحديث الثاني : عن إبراهيم بن سعد قال : سمعت أسامة بن زيد يحدث سعداً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا منها " فقال : أنت سمعته يحدث سعداً ولا ينكره ؟ قال نعم [5]
يثبت هذان الحديثان وما يشبههما وجود العدوى، ويدلان على مشروعية الوقاية من انتشار الأمراض السارية والوبائية، وبهذين الحديثين وأمثالهما يتلاءم مع حقائق الطب وفن الصحة ومع المستوى العلمي الطبي والإمكانيات العملية في زمانه صلى الله عليه وسلم . ثم بعد أن عرفت جراثيم الأمراض السارية ومدة حضانة المرض ووسائل تشخيصه، وبعد أن عرفت اللقاحات الواقية من بعض الأمراض ومدى تمنيعها ومدة فائدتها وبعد أن عرفت طرق التأكد من أن الصحيح في الظاهر غير حامل لجراثيم الوباء حددت مدة الحجر بالنسبة لكل مرض وبائي وبالنسبة للمصابين به أو المخالطين لهم وبالنسبة للمدينة أو القرية الموبوءة وبالنسبة للقطر الموبوء.
3. الحديث الثالث :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يوردنّ ممر ض على مُصحّ " [6]فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك صاحب الإبل أو الماشية المريضة بمرض سار كالجرب أن يأتي بها إلى جانب إبل ماشية سليمة . ولولا أن العدوى تحدث بمشيئة الله كحدوث كل المسببات عند أسبابها، لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لمجرد رفع الشك والوسواس كما قال بذلك بعضهم. وقد أشار السلف رحمهم الله تعالى إلى هذا الفهم من إثبات العدوى بهذا الحديث الشريف، فقد روى البخاري عن الزهري قال : حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا عدوى " قال أبو سلمة بن عبد الرحمن سمعت أبا هريرة عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا توردوا الممرض على المصح " .
فكان أبو سلمة التابعي يشير إلى أن نفي العدوى ليس عاماً، فإن أبا هريرة رضي الله عنه الذي يروي ذلك، يروى ما يثبتها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
4. الحديث الرابع :قال صلى الله عليه وسلم : " .. وفرَّ من المجذوم كما تفرُّ من الأسد " فالابتعاد عن المجذوم سبب لاتقاء رذاذ القطرات الأنفية البلعومية الصادرة عن المريض أثناء الكلام والسعال والعطاس، والحاملة غالباً لجراثيم الجذام . وسيأتي تمام الحديث.
5. الحديث الخامس : " كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّا قد بايعناك فارجع "[7].
وبمشروعية الوقاية من الأمراض السارية وتجنب مكان الأوبئة، وإن ذلك لا يتنافى مع الإيمان بالقدر بلغنا فهم عمدة الصحابة رضوان الله عليهم .
فهم ذلك سيدنا عمر بن الخطاب ومشيخة قريش من مهاجرة الفتح، وعلى رأسهم عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهم[8]. وبذلك ايضاً كان فهم سيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله عنه حين قال : " إن هذا الطاعون قد وقع فمن أراد أن يتنزه عنه فليفعل، واحذروا اثنين : أن يقول قائل خرج خارج فسلم، وجلس جالس فأصيب، فلو كنت خرجت لسلمت كما سلم فلان، أو لو كنت جلست أصبت كما أصيب فلان[9]. انتبه لقوله رضي الله عنه فمن أراد أن يتنزه عنه حيث المعنى فمن أراد أن يتوفى منه.
شروط العدوى :
بما أن إيضاح معنى " لا عدوى " سيتطرق إلى عقيدة هامة من عقائد المسلم، وهي أن مشيئة الله تعالى ركن أصيل وشرط أساسي وعلة العلل في نجاح أي سبب وأي شرط في بلوغ النتيجة المسببة، وذلك ما يعبر عنه الاختصاصيون في علم التوحيد بأن المسببات تأتي عند الأسباب لا بها، فرأيت أن أقدم بحثاً موجزاً عن شروط العدوى في الطب، ثم أوضح صلة تلك العقيدة مع هذه الشروط قبل الشروع بإيضاح معنى " لا عدوى " .
بينت سابقاً أن العدوى هي اتصال العامل المرضي ( من جراثيم أو طفيليات ) بإنسان صحيح وإحداثه أثره المرضي.
يثير التعرف السابق للعدوى الأسئلة التالية : ما هي تلك العوامل الممرضة وأين كانت؟ ثم كيف خرجت من مكمنها؟ وبأي واسطة وصلت إلى الإنسان الصحيح؟ ومن أي منفذ دخلت جسمه؟ وهل كلما وصلت إليه أو دخلت جسمه أحدثت فيه المرض الساري؟ تلك أسئلة تجيب عليها شروط العدوى وهي:
1. العوامل الممرضة :وهي أنواع مختلفة، منها الجراثيم بالخاصة كعصيات الطاعون وضمات الكوليرا وعصيات الجذام، ومنها طفيليات حيوانية كهامة الجرب، أو نباتية كطفيليات الفطور الجلدية، ومنها عوامل غير مرئية أو حمات راشحة كحمة الأنفلونزا.
2. أما مكمن العوامل الممرضة،الذي يحفظها ويساعد على نموها وتكاثرها، والذي يعتبر مصدر العدوى في الأمراض السارية في البشر، فهو الإنسان نفسه غالباً كما في الجذام، أو بعض الحيوانات التي تحيط به كالجرذ والقاضمات الوحشية فإنها مكن الطاعون .
3. تخرج تلك العوامل من مكامنها بواسطة المفرزات أو المفرغات.



يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
28-12-2013, 03:36 PM
يتبــــــع الموضوع السابق

العدوى ومشروعية الوقاية


وتختلف طرق خروجها باختلاف أنواع الأمراض السارية واختلاف توضعاتها.

وتلك السبل هي الطريق الرئوي كما في السل، والطريق المعوي كما في الكوليرا والتيفوئيد، والطريق البولي كما في البلهارزيا، وأحياناً تكون الآفات ظاهرة على سطح البدن فيسهل انتشار العدوى كما في الآفات الفطرية الجلدية والجرب.
4. أما وسائل انتقال العامل الممرض من مكمنه إلى مثواه الجديد فتقسم إلى ثلاثة أقسام :
1. مباشرة من إنسان مريض أو حامل للجرثوم، وإن لم يكن مريضاً، إلى آخر مستعد للعدوى كما في الأنفلونزا.
2. وغير مباشرة وذلك بواسطة الماء أو الغذاء أو الحوائج الملوثة كما في الكوليرا.
3. بواسطة الحشرات وهذه الواسطة يمكن حشرها في عداد الوسائل غير المباشرة . فالبراغيث تنقل جرثوم الطاعون، والقمل تنقل جرثوم التيفوس.
4. أما مداخل العوامل الممرضة إلى بدن السليم فهي كل طرف منه كالجلد والأغشية المخاطية وطرق التنفس والهضم والطرق التناسلية والدم والمشيمة .
5. الشرط السادس لحدوث العدوى هو استعداد الإنسان لقبول ذلك العامل الممرض، أما إذا كان الإنسان ذا مناعة فإنه لا يتأثر من فعل الجرثوم المرضي، العامل بنفسه أو بذيفانه، ولو تحققت الشروط الخمسة السابقة .
وإذا تمت حلقات العدوى ولم تكن مناعة الجسم كافية لإيقاف الجرثوم وشل عمله أو إهلاكه، وتمكن الجرثوم من النمو والتكاثر، فإن المرض الساري يحدث ويأخذ الجسم بوسائله الدفاعية بمقاومة ذلك الجرثوم فتحصل بينهما معركة تقصر مدتها نسبياً في الأمراض الإنتانية الحادة وتطول في المزمنة . كما يختلف أمدها بحسب سرعة تغلب إحدى الجهتين، فإذا كانت النتيجة النهائية للبدن الحي كان الشفاء، وإن كانت للجراثيم كان الموت.
فالمرض المعدي إذاً هو حادثة كفاح بين عاملين مختلفين : العامل المرضي من جهة ومقاومة جسم الحي من جهة أخرى . وكل منهما يتكاثر بالشروط أو الأحوال التي يقع هذا الكفاح فيها.
الوقاية من العدوى :
إذا تمكنا من توجيه وسائل المكافحة الفعالة، التي توصي بها كتب الصحة والطب، ضد حلقات العدوى، وخاصة إذا وجهت لأضعفها، فإن الظفر والوقاية أكيدة بعون الله تعالى .
أما الوسائل المكافحة فهي كثيرة ومتنوعة ويمكن حصرها في أقسام ثلاثة:
1. توقي السراية بالسعي في إبادة الجراثيم، وتنزيه المصاب عنها بالمعالجة المناسبة وصيانة الآخرين بالفصل بينهم وبين المرضى، ومكافحة وسائل الانتقال في كل ذلك.
2. العمل على زيادة المقاومة في الإنسان المعرض للعدوى بدعمه بشيء من أنواع المناعة كاللقاحات والمصول وما إلى ذلك .
3. إضعاف الآثار المرضية التي لم يمكن توقيها والعمل على تلطيف شدة الإصابة.
إن تفصيل سبل الوقاية من الأمراض السارية هو اختصاص مباحث الصحة الوقائية، ارجع إذا شئت إلى الجزء الثالث من كتاب فن الصحة والطب الوقائي للأستاذ الدكتور أحمد حمدي الخياط .
مشيئة الله تعالى شرط في حدوث العدوى:
تعتبر الشروط الستة لحدوث العدوى أسباب تتكامل مع بعضها لإحداث المرض الساري. وبما أن بعض تلك الشروط تابعة لبدن الإنسان المعدىّ من جديد، وبعضها تابع للمكمن، فإن الأسباب الظاهرة لحدوث المرض المعدي هي :
1. العامل الممرض .
2. مكمنه الإنساني أو الحيواني .
3. واسطة انتقال العامل الممرض إلى السليم إن وجدت.
4. استعداد البدن للإصابة
وبعد فهل هناك شرط رئيسي غير الشروط الستة لحدوث العدوى، يحكم عليها ولا تفعل بدونه، وهل هناك سبب للأسباب الظاهرة الأربعة لحدوث المرض المعدي. وبتعبير صريح هل يشترط أن تكون المشيئة الربانية مسيطرة على كل شرط من تلك الشروط والأسباب، فلا يستطيع أن يأخذ مكانه السببيّ إلا برضاها.
من أجل إيضاح ذلك عقدت عنوان هذه الفقرات :
إن العلوم الطبية، كإحدى مجموعات العلوم الكونية، تبحث في الشروط المادية لحدوث العدوى، ومع ذلك فإنها لا تنكر الظروف المعنوية الحسنة التي تزيد في مقاومة الجسم وتمنع حدوث بعض العراقيل، كما أنها تقر بأن درجة استعداد المريض للعدوى مجهولة في الغالب، لا يمكن التنبؤ عنه بالوسائل العلمية في كثير من الأمراض السارية، فيما عدا حوادث التمنيع باللقاح أو المصول.
أما بحث الإذن الإلهي أو المشيئة الربانية، فإن بحث في أمر غيبي لا نعلمه ولا ندركه، إنه بحث فيما وراء الطبيعة، ليس من اختصاص العلوم الكونية، لأن هذه تبحث فيما هو خاضع للحواس والتجارب وتطبيق الوسائل العلمية المكتشفة. وإننا نجهل مشيئة الله تعالى في أمر ما، فلا نعلمها إلا بعد حصوله.
ولكن النصوص الشرعية، ويؤيدها العقل، تدل على أن المشيئة الربانية هي ركن أصيل في نجاح أي سبب للوصول إلى مسببه، وفي حديث العدوى لدى وجود أسبابها. وقد جرت سنّة الله تعالى في خلقه أن تؤدي الأسباب إلى مسبباتها عادة بإذن الله تعالى، عند اكتمال شروط حدوث المسبب.

إن مشيئة الله تعالى في اعتقاد المسلمين وكذلك حكمته وقدرته وعدله وكل صفاته حاكمة معاً[10]في حدوث العدوى أو عدم حدوثها كحكمها على كل العلاقات بين الأسباب ومسبباتها، فقد تزيد مشيئة الله تعالى مناعة إنسان ومقاومة جسمه بكلمة كن فلا يصاب بالمرض على الرغم من تحقق الشروط الخمسة الأولى للعدوى. وقد تحدّ مشيئة الله تعالى مناعة إنسان وتثبط مقاومته وتزيد من فوّعتها الجراثيم فيصاب، بل قد يصاب بكلمة كن. ولا يعني هذا أن تهمل وسائل الوقاية والمكافحة، لأن كما ذكرت جرت سنة الله تعالى في خلقه أن تؤدي الأسباب إلى مسبباتها عادة بإذن الله تعالى عند اكتمال شروط حدوث المسبب، وأن يكون الشذوذ عن ذلك نادراً لحكمة يريدها جل وعلا.
وذلك لتنبيه العقل لئلا يقف مع حواسه واختباراته المادية الصرفة غافلاً عن وجود خالق عظيم، ولئلا يقف عند حد علمي دون تطلع إلى الأعلى .
وفي حدوث خوارق العادات حكم أخرى من تأييد رسول بالمعجزات أو تكريم وليّ له تعالى أو إعانة مؤمن أو زيادة تمكينه بالإيمان أو إهانة معاند أو استدراج فاسق أو كافر.
ومثال سلب السبب خاصيته سلب النار خاصية الإحراق وقد أعدت لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قال تعالى : " يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم " فلم تؤد النار في تلك الحادثة إلى مرض الحروق بل كانت برداً وسلاماً.
إن المسلم الحق يسلّم بوجود العدوى في الأمراض السارية، وبأن عواملها تحدث في السليم مرضاً إذا كانت فوّعتها مناسبة لإحداث المرض، وكانت المناعة في السليم مفقودة والمقاومة ضعيفة، إنه كما يسلم بذلك أخذاً بحقائق العلم، ويسلّم بمشروعية الوقاية ولزومها طاعة لأمر الشرع ولمقتضيات العقل السليم، فإنه يؤمن بأن ما يجري في الكون لا يجري استقلالاً عن تدبير خالقه وقدرته، لأن ذلك الخالق العظيم الذي نؤمن به يملك ويحكم الحكم الكامل المطلق، له الخلق وله الأمر، وهو على كل شيء قدير " لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون " .
إن من عقيدة المسلم بالله تعالى أنه مبدع الكائنات وأن استمرار وجودها وقيامها إنما هو بالله سبحانه، وأنّ خواص الأشياء وارتباط المسببات بالأسباب إنما يرجع إليه، فهو القيّوم الصمد الذي لا يزال يمد المخلوقات بتدبيره وربوبيته . وصدق الله العظيم : " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا" " ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم".
أما الذي يدعي أنه يؤمن بإله خالق قدير عليم خبير، ثم ينفي عنه تعالى التصرف في مخلوقاته، ويدعي أنها تفعل بذاتها وخواصها دون أية علاقة، بإذن تعالى ومشيئته وحكمتة وتقديره، فإنه يرتكب بتلك الدعوى جهالة كبرى حيث يصف ذلك الخالق العظيم بأنه يملك ولكن لا يحكم كبعض ملوك الأرض. تعالى الله الواحد القدُّوس الصمد على ذلك علواً كبيراً .
إن تلك الغباوة في الحكم الطائش البعيدة عن المنطق العقلي هي أخت الغباوة المكتفية بالإيمان بإله خالق دون الإيمان برسله أي دون الإيمان بشرع الله الذي يبين فيه الصواب والحق فيما اختلفت الناس وعلماؤهم فيه، والذي يبن الأوجه الصحيحة لعبادة الخالق وواجبات البشر تجاه خالقهم وتجاه بعضهم .
فهذا الاعتقاد باطل أيضاً، لأنه يعني الإيمان بإله يملك ولا يحكم، وهو يدل على غباوة وسفاهة في تفكير صاحبه. وإذا لم يكن ذلك الاعتقاد غباوة فهو طريق من طرق النفاق، حيث يريد القائل به ستر كفره بالله تعالى وما هو بمستطيع تجاه المؤمنين أصحاب البصائر.

وليست دعوى الاعتقاد هذه بجديدة العهد فقد أشار إليها القرآن الكريم حيث قال تعالى : " إن الذين يكفرون بالله ورسوله، ويريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله ويقولون: نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً. أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً "[11].
إن اعتقاد المسلمين المؤمنين بأن تأثير السبب إنما يجري بإذن الله تعالى ومشيئة، ولا يدل على جحود للخواص الكيماوية والفيزيائية، في أنواع المادة، ولا يدل على أن حوادث الكائنات فوضى لا رباط بينها ولا نظام. فالمؤمن الواعي يعتقد بوجود تلك الخواص وبالقوانين الكونية، ولكنه يستدل بغايات تلك الخواص على وجود خالق مريد لتلك الغايات، ويستدل بإرتباط المسببات بأسباب وبشروط حدوثها على أن ذلك الخالق عليم خبير، ويستدل بانسجام قوانين العالم وارتباط هذا الكون كوحدة(مثلاً قانون الجاذبية العالمية لنيوتن ) على وحدانية خالقه. وصدق الله العظيم : " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور" .
إن المسلم الحق يتأدب مع الحكمة الإلهية التي وزعت خصائص الأشياء وربطت بين المسببات وأسبابها، ويأخذ بتعاليم الوقاية والتداوي وقد قامت الأدلة على مشروعيتها، وهو في كل حال يعتمد على القدرة الربانية معتقداً أن المشيئة الإلهية حاكمة على كل معلولية، وأن المسببات تأتي عند الأسباب بإذن الله تعالى، وبذلك جرت سنته في خلقه ولن تجد لسنة الله تعالى تبديلاً . وإن خوارق العادات ممكنة نادرة، يأذن بها الله تعالى لحكمة يريدها.

معنى " لا عدوى " :
بينت في البحث الأول الأحاديث التي تثبت وجود العدوى ومشروعية الوقاية من الأمراض السارية، ونبّهت في مقدمة ذلك المقال أن هناك أحاديث يفيد ظاهرها نفي العدوى، وأحاديث تفيد النفي والإثبات معاً دالة على أن النفي ليس على عمومه، بل له معنى فهمه خواص الصحابة ممن سمع ذلك الحديث الشريف، أو حضر مناسبة وروده. وأشرت إلى أن أئمة العلماء السابقين رحمهم الله تعالى وضعوا جهدهم في فهم الشريعة الإسلامية وأحاديث سيد الأنام.

كما أشرت إلى أن الفهم الكامل للأحاديث المتعلقة بالطب يتوقف على معرفة الحقائق الطبية الثابتة، وإلى أن الطب في زمانهم كان قاصراً، وخاصة فيما يتعلق بالأمراض الإنتانية المعدية، حيث لم تكن عواملها الجرثومية مكتشفة بعد وبالتالي لم تكن الأمراض مفرّقة بالتشخيص بعضها عن بعض، وكثيراً ما كانت تحشر أمراض عديدة تحت اسم مظهر مرضيّ واحد، ذلك المظهر الذي يعرف في الطب الحديث باسم تناذر مرضيّ، فاقتضى ذلك مني أن أختار من أقوال علماء المسلمين المتقدمين ما يأتلف مع كل زمان وما يوافق الحقائق الطبية الثابتة في زماننا، وذلك في سبيل الجمع والتوفيق بين الأحاديث التي تثبت العدوى والأحاديث التي جاء فيها نفي العدوى. أقول أوجه الجمع والفهم لمجموعها ولا أقول بترجيح بعضها على البعض الآخر، لأنه يمكن الجمع والتوفيق كما سأبين . ومن المقرر الثابت في علم مصطلح الحديث أن (طريق الترجيح لا يصار إليه إلاّ مع تعذر الجمع )[12]
أ‌. أما الأحاديث التي ينفي ظاهرها العدوى ففي ما يلي نماذج منها:
1. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى ولا هامة ولا صفر " [13]
2. وقال صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى ولا هامة ولا صفر ولا نوء "[14]
3. وقال صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى ولا صفر وغول " [15]
4. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فأدخله معه في القصعة ثم قال : كل بسم الله ثقة بالله وتوكلاً عليه" [16]
5. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا عدوى ولا صفر ولا هامة فقال أعرابي : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظباء فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها ؟ فقال : فمن أعدى الأول؟ " [17]
ب . وأما الأحاديث التي في نصها نفي العدوى وفيها ما يدل على إثباتها فمنها الحديثان التاليان:
1. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفرّ ن المجذوم كما تفرُّ من الأسد" [18]
2. وقال صلى الله عليه وسلم : "لا عدوى وإذا رأيت المجذوم ففرَّ منه كما تفرّ من الأسد "[19].
جـ . وأما أوجه الجمع والتوفيق بين الأحاديث السالفة فقد ذكرها الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري عند شرحه لحديث لا عدوى في باب الجذام. واخترت منها ثلاثة مسالك لقوة الحجة فيها ولتلاؤمها مع ما توصل إليه العلم الحديث من معلومات طبية قطعية، ولإمكان العمل بالأوجه الثلاثة معاً. وسأضيف وجهاً أو مسلكاً رابعاً في الجمع ذهب إليه بعض العلماء وهو ينسجم مع شطر من أحاديث الباب وله فائدة عملية في التطبيق أيضاً.
1. المسلك الأول : (وهو الخامس في تفح الباري ) : إن المراد بنفي العدوى أن شيئاً لا يعدي بطبعه، نفياً لما كانت الجاهلية تعتقده بأن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله تعالى . فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم ذلك، وأكل مع المجذوم [20]ليبين لهم أن الله هو الذي يمرض ويشفي ونهاهم عن الدنو منه ليبين أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تقضي إلى مسبباتها . ففي نهيه صلى الله عليه وسلم إثبات الأسباب، وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل، بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا يؤثر شيئاً، وإن شاء أبقاها فأثرت ويحتمل أيضاً أن يكون أكله صلى الله عليه وسلم مع المجذوم أنه كان به أمر يسير لا يعدي مثله في العادة، إذ ليس الجذمى كلهم سواء ولا تحصل العدوى من جميعهم.

ومن الاحتمال الأول جرى أكثر الشافعية. قال البيهقي بعد أن أورد قول الشافعية ما نصه: الجذام والبرص بزعم أهل العلم بالطب والتجارب أنه يعدي الزوج كثيراً [21]
وقال : أما ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا عدوى " فهو على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من هذه العيوب سبباً لحدوث ذلك، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد"، وقال : " لا يوردنَّ ممرض على مصح "، وقال في الطاعون :" من سمع به بأرض فلا يقدم عليه "، وكل ذلك بتقدير الله تعالى . وتبعه على ذلك ابن الصلاح في الجمع بين الحديثين من بعده وطائفة ممن قبله أ هـ .
ذلكم ما قدمه الحافظ ابن حجر. وهاكم ما قاله ابن الصلاح في مقدمته في بحث (معرفة مختلف الحديث) : اعلم أن ما يذكر في هذا الباب ينقسم إلى قسمين : أحدهما أن يمكن الجمع بين الحديثين، ولا يتعذر إبداء وجه ينفي تنافيها فيتعين حينئذ المصير إلى ذلك والقول بهما معاً ومثاله حديث " لا عدوى ولا طيره " مع حديث :" لا يورد ممرض على مصح " وحديث " فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" . وجه الجمع بينهما أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها، ولكن الله تبارك وتعالى جعل مخالطة المرض بها للصحيح سبباً لأعدائه مرضه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب، ففي الحديث الأول نفي صلى الله عليه وسلم ما كان يعتقد ه الجاهلي من أن ذلك يعدي بطبعه، ولهذا قال : " فمن أعدى الأولى ؟ "وفي الثاني أعلم بان الله سبحانه جعل ذلك سبباً لذلك وحذر من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجوده بفعل الله سبحانه وتعالى أ هـ.
إن هذا المسلك في الجمع هو المعتمد لدى المحققين ومعظم العلماء المتقدمين، وهو الذي يصلح للجمع والتوفيق بين كافة الأحاديث الواردة في العدوى والأمراض السارية على مستوى العلوم الكونية الطبية في زمانهم وزماننا، ولذا أوردته كمسلك أول في الترتيب. كما أنه يتعين في فهم الحديث الذي أجاب فيه النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي بقوله :" فمن أعدى الأول ؟ " .
وإذا كان هذا المسلك الأول يتلكم على المرض المعدي بأنه لا يسري إلى آخر إلاّ بمشيئة الله تعالى ولو اجتمعت شروط العدوى، مع التسليم بأن سنة الله في خلقه جرت أن تقع العدوى عادة لدى تكامل شروطها، فإن المسلك الثاني يبين أن الأمراض ليست كلها معدية فهناك أمراض معدية وأمراض غير معدية، كما تقرر كتب الطب والصحة.

يتبــــــــــع

القلب الحزين
28-12-2013, 03:39 PM
يتبــــــع الموضوع السابق

العدوى ومشروعية الوقاية




2. المسلك الثاني : (وهو الثالث في فتح الباري ) :قال القاضي أبو بكر الباقلاني : إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى.
قال : فيكون معنى قوله : " لا عدوى" أي إلاّ من الجذام والبرص والجرب مثلاً.. وقد حكى ذلك ابن بطال أيضاً .
فنفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " لا عدوى " عام، وأما قوله : " وفرَّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد " وكذلك باقي الأحاديث التي تثبت وجود العدوى في أمراض معينة، كالأوبئة عامة والطاعون منها بشكل خاص والجرب، فإنها تخصص ذلك العام.

هذا والمعتمد عند الأصوليين أن " العام قطعي ولكنه يصير بالتخصيص حجة ظنية إذا كان قد خصص بقول وبذلك يكون عرضة لأن ينسخ بخبر الواحد وبالقياس . وحجتهم في ذلك أن دليل التخصيص قابل للتعليل، والتعليل من شأنه توسيع محل الحكم فصار العام بذلك محلاً لاحتمال أن يكون المراد به أقل مما يبقى بعد ما دل المخصص على عدم إرادته "[22].
فبتعليل تخصيص الجذام من لا عدوى بأنه مرض سار فيمكننا والله أعلم تخصيص كل الأمراض السارية التي يحددها الطب من قوله صلى الله عليه وسلم " لا عدوى " العام الذي يشمل كل الأمراض، وذلك قياساً على الجذام والجرب والطاعون والأوبئة الوارد فيها ما يثبت أنها أمراض معدية سارية.
ولو أن الجراثيم والأمراض السارية معروفة قديماً، لقال القاضي أبو بكر الباقلاني رحمه الله تعالى : فيكون معنى قوله : " لا عدوى " أي إلاّ من الأمراض السارية، ولما قال : إلاّ من الجذام والبرص والجرب مثلاً. لاحظ قوله مثلاً، فإنه في غاية الدقة العلمية حيث يشير إلى أن الأمراض المعدية لم يرد حصر لها في السنة المطهرة .
إن هذا المسلك وإن اختلف مع الأول من حيث معنى النفي إلاّ أنه يمكن العمل بهما معاً، لأن المسلك الثاني يدفع التوهم عن الناس ويبين خطأ الاعتقاد بعدوى كل الأمراض، الذي يؤول إلى الوسوسة وتجنب كافة المرضى، ولذلك نفى العدوى عن غير الأمراض السارية. أما الأمراض السارية فالعدوى بها سبب من الأسباب له شروطه لينتج المسبب عادة . ولكن الشرط الأول الخفيّ عنا والذي لا ندركه إلا بعد حدوث المسبب هو إذن الله تعالى ومشيئته، لأن الخالق العظيم كما يملك فإنه يحكم.
فإذا أيقنا بكل ما سبق فهل معنى وجود العدوى في الأمراض السارية أن يتجنب الناس كلهم المرضى بمرض سار تجنباً مطلقاً يؤدي إلى إهمالهم وتناسي الواجبات الإنسانية تجاههم؟ لا فإن صحيح البنية وصحيح التفكير الخالي من الوسوسة، وكذلك أصحاب اليقين بالله تعالى، هؤلاء يأخذون بأسباب الوقاية الصحية العامة والخاصة بمرض من يحتاج إلى تطبيب وتمريض ورعاية، ويقدمون الخدمات الإنسانية كل في حدود اختصاصه. وهذا ما يشير إليه المسلك الثالث التالي.
3. المسلك الثالث (وهو الثاني في فتح الباري ) :هو حمل الخطاب، بالنفي والإثبات على حالتين مختلفتين، فحيث جاء لا عدوى كان المخاطب بذلك من قوى يقينه وصح توكله بحيث يستطيع أن يدفع عن نفسه اعتقاد العدوى كما يستطيع أن يدفع التطير الذي يقع في نفس كل أحد، لكن قوى اليقين لا يتأثر به، وهذا مثل ما تدفع قوة الطبيعة[23]العلة فتبطلها. وعلى هذا يحمل حديث جابر في أكل المجذوم من القصعة وسائر ما ورد من جنسه.
وحديث جابر " فرَّ من المجذوم" كان المخاطب بذلك من ضعف يقينه ولم يتمكن من تمام التوكل، فلا يكون له قوة على دفع اعتقاد العدوى، فأريد بذلك سد باب اعتقاد العدوى عنه بأن لا يباشر ما يكون سبباً لإثباتها.
وقريب من هذا كراهيته صلى الله عليه وسلم الكيّ مع إذن فيه، وقد فعل هو صلى الله عليه وسلم مع إذنه فيه، وقد فعل هو صلى الله عليه وسلم كلاً من الأمرين ليأسّى به كل من الطائفتين أ هـ .
أقول والله أعلم : إن هذا المسلك الذي ذكره الحافظ بن حجر يجب ألا يستقل تماماً عن المسلك الأول السابق، بل يؤخذ المسلك الأول كإيضاح لعقيدة المسلم في العدوى كسبب، ويؤخذ المسلك الثالث كخطة للعمل تجاه المصابين بالأمراض السارية، على أن توضح تلك الخطة بالحقائق الطبية الثابتة.
فحريّ بالطبيب والممرض أن يقوى يقينهما بالله تعالى واعتمادها عليه لتبتعد عنهما الوساوس والأوهام حينما يخالطان المرضى ويزاولان المهنة مع أخذهما بالوسائل الوقائية التي خلقها الله تعالى وجعلها بحكمته وسائل، وبذلك يتأدبان مع الحكمة الإلهية ويعتمدون على القدرة الربانية.
إن الكثير من المرضى بمرض سار أناس بان عجزهم ووضح ضعفهم، يحتاجون في معظم الحالات إلى الخدمة والرعاية فضلاً عن التطبيب والتمريض.
فقوة اليقين بالله وصحة التوكل عليه مطمئنة للنفس رافعة للروح المعنوية مشجعة عل القيام بالمعونة والواجب، ولو كان في أدائهما مصاعب ومخاطر .
أما ضعيف البنية والمقاومة أو ضعيف الاتكال على الله تعالى أو ضعيف النفس صاحب الأوهام سريع الوسواس، فليس بملزم على الاحتكاك بالمرضى، بل عليه في هذه الأحوال أن يبتعد عن أسباب العدوى حفاظاً على سلامة توحيده وعقيدته بالله تعالى، وحفاظاً على صحته الجسمية والنفسية.
وإذا كان المسلك الثالث يبحث في خطة العمل عند التسليم تجاه المريض بمرض سار، فإن المسلك الرابع يبحث في واجب هذا المريض ليحدّ من انتشار مرضه المعدي إلى الآخرين .
4. المسلك الرابع :سمعته من فضيلة أحد العلماء الأعلام وهو أن النفي في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى " هو نفي بمعنى النهي على غرار قوله " لا ضرر ولا ضرار " [24]فإن الضرر بين الناس أمر واقع، فليس المقصود نفي وجوده وإنما المراد النهي عن إيقاعه أ هـ .
إن إيراد النهي بصيغة النفي يدل على المبالغة في النهي، فقولك : لا ضرر أبلغ في النهي من قولك : لا تضرّ وقولك : لا مزاح والأمر جد أبلغ في النهي من قولك : لا تمزح والأمر جد. وكذلك قول المعلم للتلميذ: لا لهو في الصف أبلغ من قوله لا تله.
فمعنى لا عدوى في هذا المسلك نهي عن مباشرة الأسباب التي تؤدي إلى سراية المرض إلى الآخرين . فعلى المصاب بالجرب مثلاً ألا يلمس الآخرين وألاّ ينام في فراش غيره، كما عليه أن يكافح مرضه. ومن كانت إبله مصابة بالجرب فعليه ألاّ يضعها إلى جانب إبل سليمة. ومن كان مصاباً بآفة سليّة مفتوحة على القصبات فعلية ألاّ يخالط الناس وأن يضع أمام فمه ما يصدّ به رذاذ سعاله عنهم إلخ.
إن النهي في مثل تلك الحالات مصرح به في أحاديث أخر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يورد ممرض على مصح" . وقال في الوباء : " وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه" إن النهي عن الخروج واضح الحكمة بالنسبة لمرضى الوباء، لئلا ينشروا عدواهم إلى أماكن خالية من الوباء .أما حكمة النهي بالنسبة للأصحاء ظاهراً فلأن منهم من يكون حاملات للجرثوم، وهو غير مصاب لمناعته، أو يكون حاملاً للحشرات المحملات بجراثيم الوباء في ثيابه وحوائجه . وكثيراً ما يضطرب في الطب الحديث إلى حجر وعزل فئة أو حيّ أو بلدة أو قطر، وإلى حظر الناس من مغادرة المكان المحجور والدخول إليه، منعاً لانتشار الوباء إلى الأصحاء أو إلى أماكن سليمة. بل قد تضطر الدولة إلى إغلاق حدودها خوفاً من انتشار الوباء إليها كما فعلت بلغارية تجاه جائحة الكوليرا عام 1970، ولا يستثني من ذلك الحجر إلاّ من تسمح له الشروط الصحية التي تختلف بحسب نوع الوباء. وقد يكتفي بحجر السليم حجراً موقتاً بمدة حضانة الوباء ثم يسمح له بالانتقال إذا ثبتت سلامته مع تعقيم ثيابه وحوائجه حسبما يقتضي ذلك الوباء.
إن هذا المسلك الرابع في فهم " لا عدوى " يمكن تطبيقه في قوله صلى الله عليه وسلم " ولا طيره " المعطوف على " لا عدوى " فإن نفي الطيرة وهي التشاؤم لا يمكن أن يكون نفياً لوجودها بالجملة والكلية فإن كثيراً من الناس يتشاءموا .

وإبقاء معنى النفي في " ولا طيرة " يحتاج إلى تأويل هو : لا ارتباط بين وقوع ما تتوقعون من شر بما تتشاءمون منه. وما لا يحتاج إلي تأويل مقدم على ما يحتاج[25].
لقد ورد لبعض العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى " القول بأنه نهي عن الاعتداء ز قال في فتح الباري في آخر إيراده حديث باب لا هامة (الثاني ): وقيل معنى قوله (لا عدوى ) النهي عن الاعتداء، ولعل بعض من أجلب عليه إبلاً جرباء أراد تضمينه فاحتج عليه في إسقاط الضمان بأنه إنما أصابها ما قدر عليها وما لم تكن تنجو منه أ هـ .
أحببت أن أشير إلى هذا القول لتأكيد أن النفي في لغة العرب قد يراد منه النهي .
الخلاصة :
مما سبق يتبين أن الإسلام توسع في أسس الطب الوقائي بأحكامه التي تتعلق بالنظافة والطهارة في البدن والملبس والمأكل والمشرب والمكان، وبتحريمه ما يؤول إلى ضرر الإنسان كفرد أو عضو في المجتمع .
كما أن الإسلام أكد وجوب الابتعاد عن المصابين بالأمراض السارية (المعدية) . ووضع أسس العزل والحجر الصحي، وبيّن أن العدوى ليست في كل الأمراض، لأن منها ما هو سار ومنها ما ليس كذلك، وأن الأمراض السارية لا تعدي بطبعها مستقلة عن الإرادة الربانية . فإن الخالق الذي يؤمن به المسلم هو إله له الخلق وله الأمر، له الملك وله الحكم، لا كملوك الأرض التي قد تملك ولا تحكم . ولكنه تعالى شاء، وهو المتصف بأنه حكيم عليم خبير، ان تكون لكل مادة خواص وأن تكون علائق المخلوقات محكمة بقوانين ومقادير، وأن يجري كل ذلك بمشيئته تعالى، وأن تكون خوارق العادات نادرة تجري بإذنه تعالى لحكمة يريدها.
هذا وقد بيّن الإسلام أن المصاب هو أو بهائمه بمرض سار عليه أن يتجنب ما يسبب العدوى لغيره باتباع الطرق المعروفة في زمانه في حصر المرض ومنع انتشاره.
أما من يعرف سبل الوقاية من الأمراض، فلا بأس عليهم في الاقتراب من المرضى بالأمراض السارية وذلك لغاية صحية كتقديم العون والتمريض والمعاينة والمداواة، بل رفع الإسلام معنوية المؤمنين لأداء واجبهم في هذا المضمار على أكمل وجه، وبيّن أن فعل ذلك يجب أن يكون مقروناً بقوة التوكل على الله وسلامة النفس من الوساوس والأوهام، وإلاّ فليدع الإنسان المتوهم الموسوس تلك المهمات لمن هو أقوى يقيناً وأكثر اطمئناناً .
وختاماً : أرجو من المؤمنين المثقفين أن يثبتوا الوعي الصحي بين صفوف الأمة، وأن يبيّنوا لهم سبل الوقاية من الأمراض السارية عملاً بالإيجابية الإسلامية التي عبر عنها أسوة المسلمين رسول الإنسانية محمد صلوات الله عليه وسلامه بقوله :
" لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"[26].
وإني قصدت في بحثي المطول جلاء المعاني في أحاديث العدوى والأمراض السارية، وإثبات مشروعية الوقاية، ليكون المؤمن المثقف على بينة من دينه وعلى حجة ساطعة حينما يتعرض لنقاش من غافل أو جاهل بالدين أو ملحد مغالط .
إيضاح:
لقد جاء في الأحاديث النبوية التي تنفي العدوى نفي لستة أمور يراد منه تصحيح العقيدة في الله تعالى وتخليصها من شوائب المعتقدات الجاهلية، كما يراد منه تصحيح الفكر وتحرير العقل وإبطال الخرافات التي كانت تسود المجتمع الجاهلي . إن هذه الأمور الستة المنفية هي : العدوى والطيرة والهامة والصفر والنوء والغول. وقد فصلت المراد من نفي العدوى، وأوضحت معنى نفي الطيرة، وهاكم معاني نفي الأمور الأربعة الباقية لخصلتها من فتح الباري إتماماً للفائدة :
هامة: هو نفي لحقيقة خرافة اعتقدها عرب الجاهلية، ونهي عن ذلك الاعتقاد في أن القتيل إذا لم يؤخذ بثأره تدور حول قبره هامة، زعم بعضهم أنها دودة تخرج من رأسه وزعم آخرون أن عظام الميت أو روحه تصير هامة، فتطير فذلك ما يسمونه بالطائر الصدى . ونقل القزاز زعماً آخر لبعض العرب فقال : الهامة طائر من طير الليل كأنه يعني البومة، لأنهم تيشاءمون منها، فإذا سقطت على دار أحدهم رآها ناعية له نفسه أو بعض أهله، وهذا تفسير أنس بن مالك .
لا صفر : اختلف في معنى الصفر أيضاً، لاختلاف معتقدات القبائل العربية في جاهليتهم، فقيل المراد به شهر صفر، وذلك أن العرب كانت تحرم صفر وتستحل المحرَّم وهو النسيء، وبهذا قال مالك وأبو عبيدة، وقيل هو حيَّة تكون في البطن تصيب الماشية والناس وهي أعدى من الجرب عند العرب.
وقيل دود يكون في الجوف . وقيل كانوا يعتقدون أن في البطن دابة(دودة) تهيج عند الجوع وربما عضت الضلع أو الكبد فقتلت صاحبها، ورجح الإمام البخاري أن الصفر داء في البطن حيث عنون الحديث الخامس الذي ذكرته في نفي العدوى بقوله : باب لا صفر وهو داء يأخذ البطن. أقول والله أعلم : إن المراد بنفي الصفر( على اختلاف معتقدات العرب في الجاهلية ) هو نفي لخرافات ولتوهمات في تشخيص مرض، ونهي عن اعتقاد ذلك وعن تبديل مكان الأشهر الحُرم، وعن اعتقاد استقلال تأثير الأسباب بطبائعها عن مشيئة الله تعالى .
لا نوء هو تكذيب لمعتقد عرب الجاهلية حيث كانوا يقولون : (مُطرنا بنوء كذا ) فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك، لأن المطر إنما يقع بإذن الله تعالى،لا بفعل الكواكب، وإن كانت العادة جرت بوقوع المطر في مناسبات زمانية وشروط جدية معينة، لكن بإرادة الله تعالى وتقديره، لا صنع للكواكب في ذلك .
لا غول : هي نفي لزعم عرب الجاهلية أن الغيلان في الفلوات، وهي جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتغول لهم تغولاً، أي تتلون تلوناً، فتضلهم عن الطريق لتهلكهم وقد كثر في كلامهم غالته الغول أي أهلكته أو أضلته فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك وهذا قول الجمهور .
والحمد لله رب العالمين .



[1]فقرات اللمحة الطبية السابقة مقتبسة عن كتاب فن الصحة للأستاذ الدكتور أحمد حمدي الخياط .

[2]إن فقرات الطاعون والجذام مقتبسة من كتاب فن الصحة للدكتور أحمد حمدي الخياط ومحاضرات الأمراض الإنتانية للدكتور بشير العظمة . أما فقرات الجرب والجرب الحيواني والبرص فمقتبسة من كتاب أمراض الجلد للدكتور حنين سياج.

[3]صدر حديث خرجه مسلم في أبواب الوضوء وغيرها كما خرجه النسائي وخرجه الترمذي بلفظ (الوضوء شطر الإيمان) وخرجه ابن ماجة بلفظ " إسباغ الوضوء شطر الإيمان" والصحيح الذي عليه الأكثرون أن المراد بالطهور ها هنا التطهير بالماء من الأحداث . ثم إن كل شيء تحته نوعان فأحدهما نصف له سواء كان عدد النوعين على السواء أو أحدهما أزيد من الآخر أ هـ . عن كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم لأبي الفرج عبد الرحمن الحنبلي البغدادي من علماء القرن الثامن الهجري.

[4]رواه البخاري : في كتاب الأشربة باب تغطية الإناء، ومعنى خمِّروا الطعام والشراب : غطوها.

[5]الحديثان في صحيح البخاري ـ كتاب الطب ـ وسعد الذي يحدثه أسامة هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه والد إبراهيم المذكور.

[6]رواه مسلم في السلام والبخاري في الطب وأبو داود وأحمد في مسنده .

[7]أخرجه مسلم من حديث عمرو بن الشريد الثقفي عن أبيه أ هـ فتح الباري .

[8]انظر الحديث الطويل عن خروج سيدنا عمر إلى الشام في البخاري كتاب الطب باب ما يذكر في الطاعون .

[9]أخرجه الهيثم بن كليب والطحاوي والبيهقي بسند حسن عن أبي موسى الأشعري أهـ فتح الباري.

[10]لأنها صفات لذات واحدة .

[11]سورة النساء ـ 149ـ 150 ـ انظر معنى هذه الآية في كتب التفسير .

[12]هذه القاعدة مشهورة لدى المحدثين ومدونة في كتب مصطلح الحديث. انظر شرح حديث لا عدوى في باب الجذام من كتاب الطب في فتح البار بشرح البخاري، وانظر بحث معرفة مختلف الحديث في كتب مصطلح الحديث كمقدمة ابن الصلاح، ولقد لاحظت أن هذه القاعدة غفل عنها بعضهم في عصرنا فتراه في رسائله يحكم على حديث بالشذوذ لمخالفة رواية الثقة من هو أوثق منه مع إمكانية الجمع بين حديثيهما بوجه صحيح . أو تراه يسلك في قسم من رسالته مسلك الترجيح بين حديثين متضادين في المعنى بحسب الظاهر مع إمكانية الجمع بينهما بوجه صحيح ثم تراه في قسم آخر يطبق تلك القاعدة .

[13]رواه البخاري في كتاب الطب عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[14]رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه

[15]رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه

[16]رواه الترمذي في كتابه الأطعمة، وأخرجه أبو داود وقال الترمذي عنه : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يونس بن محمد وقد روى شعبة هذا الحديث عن حبيب بن الشهيد عن أبي بريدة أن ابن عمر أخذ بيد مجذوم وحديث شعبة أثبت عندي وأصح أهـ . وهكذا فإن الترمذي رجح وقفه على ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.

[17]رواه البخاري في باب لا صفر وهو داء يأخذ البطن.

[18]رواه البخاري في باب الجذام عن أبي هريرة رضي الله عنه

[19]أخرجه ابن خزيمة في كتاب التوكل من حديث عائشة رضي الله عنها كشاهد لحديث أبي هريرة السابق أ هـ فتح الباري عند شرح أحاديث باب الجذام وسأذكر في نهاية البحث إن شاء الله تعالى أيضاحاً لمعنى ما ورد في الأحاديث السابقة من نفي الهامة والصفر والنوء والغول .

[20]سبق أن بينت أن الترمذي رجح وقفه على ابن عمر وقال عن رواية رفعه إنها ضعيفة غريبة .

[21]بينت عند كلامي عن البرص أنه لم تثبت عدواه في الطب الحديث، ولا تزال آلية حدوثه مجهولة، هذا وإن عبارة البيهقي تدل على أنه لفهم الأحاديث الطبية يرجع إلى علوم الطب والأطباء ذوي الخبرة والتجارب.

[22]أصول الفقه للمرحوم الشيخ محمد الخضري ـ بحث حجية العام المخصص.

[23]قوة طبيعة الجسم هي مقاومة الجسم ومناعته في العرف الطبي الحديث.

[24]هو الحديث الثاني والثلاثون من الأربعين النووية قال عنه الإمام النووي حديث حسن رواه ابن ماجة والدار قطني وغيرهما مسنداً عن أبي سعيد الخدري وله طرق يقوي بعضها بعضاً وقال ابن رجب الحنبلي في كتابه جامع العلوم والحكم لم يخرجه ابن ماجه، وإنما أخرجه الدار قطني والحاكم والبيهقي .

[25]أترك بحث التشاؤم وأثره على النفس وخطة العمل للتخلص منه، أتركه إلى المؤمنين المختصين بعلم النفس والمطلعين على تعاليم الإسلام ودراسة أعلامه السابقين

[26]رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنهما

القلب الحزين
28-12-2013, 03:41 PM
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1192616805nasss.jpgعلمنا فيما سبق أن الدين عند الله الإسلام، وتيقنا أن الإسلام دين الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن الإسلام دين الله الذي ارتضاه لعباده المؤمنين قد كمل، وأن الشريعة الإسلامية هي خاتم الشرائع السماوية , وهي شريعة عامة للإنسان في كل زمان ومكان من يوم أن بعث النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولا حلال بعد كمال الدين إلا ما أحل الله في شريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولا حرام على المؤمنين إلا ما حرمه الله في الشريعة الخاتمة فبعد أن قال الله تعالى ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمه ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين* فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) آل عمران آية(82، 81).
- قال على بن أبى طالب وابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بعث الله محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه , وقال طاووس والحسن البصري وقتاده: أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا وهذا لإيضاد ما قاله على وابن عباس ولا ينفيه بل يستلزمه ويقتضيه (عن تفسير بن كثير ) .
- وحيث أن دين الأنبياء واحد , ودين الله واحد قال تعالى عقب ذلك ( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها واليه يرجعون * قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) آل عمران (84، 83).
قال سبحانه بعد أن أعلمنا أن دين الله واحد وهو الإسلام , وبعدما أمرنا أن نقر بالإيمان بجميع الرسل وما انزل عليهم وأن لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون قال سبحانه بعد هذه الوحدة الإيمانية والوحدة العقائدية والوحدة بين جميع المسلمين قال: ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) آل عمران (85).
- قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية:
( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) أي من سلك طريقا سوى ما شرعه الله فلن يقبل منه ( وهو في الآخرة من الخاسرين ) كما قال صلى الله عليه وسلم ( ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) (انتهى) .
- وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الإسلام أن تشهد إلا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله , وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا) .
- وقد قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في جامع العلوم والحكم في شرح الحديث الخامس عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد )رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )
قال ابن رجب: المراد بأمره هنا دينه وشرعه وقوله ( ليس عليه أمرنا ) إشارة إلى أن أعمال العاملين كلها ينبغي أن تكون تحت أحكام الشريعة ( الإسلامية )، فتكون أحكام الشريعة حاكمة عليها بأمرها ونهيها، فمن كان عمله جاريا تحت أحكام الشريعة موافقا لها فهو مقبول، ومن كان خارجا عن ذلك فهو مردود .
- والأعمال قسمان: عبادات ومعاملات. فأما العبادات فما كان منها خارجا عن حكم الله ورسوله بالكلية فهو مردود على عامله، وعامله يدخل تحت قوله تعالى – أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله فمن تقرب إلى الله ( سبحانه وتعالى ) بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله فعمله باطل مردود عليه.....
- وأما المعاملات: كالعقود والفسوخ ونحوها فما كان منها مغير الأوضاع الشرعية كجعل حد الزنا عقوبة مالية أو أشبه ذلك فإنه مردود من أصله لا ينتقل به الملك (انتهى).
- السعدي وتفسير الآية:
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن (هذه الأصول التي هي أصول الإيمان التي أمر الله بها هذه الأمة، قد اتفقت عليها الكتب والرسل. وأنها هي الغرض الموجه لكل أحد، وأنها هي الدين والإسلام الحقيقي .
- وأن من ابتغى غيرها، فعمله مردود، وليس له دين يعول عليه فمن زهد عنه ورغب عنه، فأين يذهب ؟ إلى عبادة الأشجار والأحجار والنبران ( والأبقار)، أو إلى اتخاذ الأحبار والرهبان والصلبان، أو إلى التعطيل لرب العباد، أو إلى الأديان الباطلة التي هي من وحى الشياطين – وهؤلاء كلهم في الآخرة من الخاسرين (انتهى).
- الاستنتاج العام:
بينت الآية الكريمة أن من يبتعد عن شرع الله سواء أكان من المسلمين أومن غيرهم فعمله مردود عليه وأن من يتبع غير دين الإسلام فهو في الآخرة من الخاسرين وأن جميع الناس في الآخرة من الخاسرين إلا من اتبع دين الإسلام، دين الأنبياء والرسل من آدم عليه الصلاة والسلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأن شريعة الإسلام جبت ما قبلها من الشرائع وأن من الإسلام إتباع دين رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والرسل وعلى المسلمين أن يعلنوا ذلك بكل شجاعة وثقه وعلى أسس علميه مدروسة، وأننا في عصر الفضائيات والانترنيت الاتصالات وجب علينا دعوه الناس إلى الدين الخالص الإسلام الدين القيم الذي يحاول أعداء الله أن يشوهوه مستغلين ما أحدثوه في ديار المسلمين من تخلف وفرقه ومصائب ليقولوا للناس هذا هو الإسلام ولكن الإسلام هو دين الفطرة التي تجذب الفطر السوية وإذا أحسنا الدعوة إلى الله فتح الله بنا تلك القلوب التي أشقتها المدنية المادية البعيدة عن منهج الله القويم.
إعداد الأستاذ الدكتور نظمى خليل أبو العطا موسى
www.nazme.net (http://www.nazme.net/)
الهوامش
1- آيات كافيات , نظمي خليل أبو العطا .

القلب الحزين
28-12-2013, 03:43 PM
همسة في أذن شاب


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1189074550730468711.jpgالدكتور حسان شمسي باشا
استشاري أمراض القلب في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة
أوصى رسول الإنسانية صلوات ربي وسلامه عليه بالشباب فقال " أوصيكم بالشباب خيراً. فإنهم أرق أفئدة.. لقد بعثني الله بالحنيفية السمحة.. فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ ". رواه البخاري.
والشباب هم عماد الحاضر وأمل المستقبل
تذكر يا أخي – كما يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله – " أن دعاة الشر لا يتعبون ولا يبذلون جهداً، ولكن التعب وبذل الجهد على دعاة الخير فداعي الشر عنده كل ما تميل إليه النفس من العورات المكشوفه، والهوى المحرَم. أما داعي الخير فما عنده إلا المنع !!
ترى البنت المكشوفة فتميل إلى اجتلاء محاسنها، فيقول لك: غضّ بصرك عنها، ولا تنظر إليها..
ويجد التاجر الربح السهل من الربا، يناله بلا كد ولا تعب، فيقول له: دعه وانصرف عنه، ولا تمد يدك إليه..
ويبصر الموظف رفيقه يأخذ من الرشوة في دقيقة واحدة ما يعادل مرتبه عن ستة أشهر، فيقول له: لا تأخذها، ولا تستمتع بها.
يقول لهم داعي الخير: اتركوا هذه اللذات الحاضرة المؤكدة لتنالوا اللذات الآتية المغيّبة.
إن من عجائب حكمة الله أن جعل مع الفضيلة ثوابها: الصحة والنشاط. وجعل مع الرذيلة عقابها: الانحطاط والمرض. ولربّ رجل ما جاوز الثلاثين يبدو مما جار على نفسه من الرذيلة والموبقات كابن ستين، وابن ستين يبدو من العفاف كشاب في الثلاثين".
* إذا أذنبت ذنبا فتب إلى الله. وكلما عدت إلى ذلك الذنب جدد التوبة بشروطها، ولا تستهن بها و قم إلى الصلاة، وتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مسلم يذنب ذنبا ثم يتوضأ فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله تعالى لذلك الذنب إلا غفر له " رواه أحمد.
* عد إلى ربك يا أخي، رب العصاة، لا رب التائبين فقط، ولا تيأس فحتى لو أتيت الله تعالى بملء الأرض خطايا لا تشرك به شيئاً لأتاك بملء الأرض مغفرة، فاستعن بالله ، والجأ إليه، ليساعدك على تبيان الحق، ويرزقك اتباعه.
رأى عيسى عليه السلام عاصياً فأخذ بيده إلى بيت المقدس. فلما وصلا إلى بيت المقدس، قال العاصي: يا عيسى اتركني، أخشى أن أدنَس بيت المقدس. فأوحى الله إلى عيسى: أخبر ذلك العاصي أنني قد تبت عليه. وعزتي وجلالي لكلمته تلك أفضل عندي من عبادة سبعين سنة.
أي أن اعترافه بأنه كان مذنباً، وخشيته أن يدنس بتلك المعاصي بيتا من بيوت الله كان سببا في توبة الله عليه.
* تذكر أنك مهما بعدت عن الدين فليس لك في النهاية إلا الله..
انظر إلى المستشفيات كم فيها من شباب يتألم.. فلا تغتر بصحتك..
وانظر إلى القبور كم فيها من صفوة الشباب من مات في حوادث السيارات، أو من داهمته المنية وهو غير مستعد لذلك اللقاء..
* لا تتصور أنك إذا كنت تعبد الله، فلا بد أن تنجح في الإمتحان بدون عمل ولا مذاكرة!!
ولا بد أن تتقاضى مرتبا عاليا ورزقا وفيراً وأنت جالس في بيتك!!
وأن ترزق بمتع الحياة وأنت لا تكد ولا تعمل!!
ألست تعبد الله وحق على الله تعالى أن يعطيك؟
إن كنت تظن هذا فأنت واهم.. أو أنك فهمت خطأ أن هذه هي النتيجة الحتمية للطاعة!!.
تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب" رواه أحمد.
* لا تظنن يا أخي أن التقدم العلمي بدون إيمان ينفع، ولا تظنن أن المال من دون ورع ينفع .. بل هو وبال على صاحبه .. فكم من شباب شغلتهم الدنيا عن الآخرة .. وكم من أناس شغلهم الدينار عن المصحف ..
* إياك أن ترى لنفسك ميزة على الآخرين بتقواك أو عبادتك، فإن أكثر الناس خشية لله ليس من يزدري العصاة ويحتقر المذنبين، بل هو من يشفق على الخاطئين ويرشدهم إلى طريق الهداية والتوحيد. والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم " .
*حذار أن تغتر بأعمالك الصالحة.. واحذر من المنّ على الله بالأعمال فإن ذلك ماحق لأعمالك..
** أحسن معاملة الآخرين فالناس لا تنسى إساءة المسيء ولو غفرها الله لك، وقابل إساءته بإحسان. وخصّ أهلك بخير ما عندك فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول " خيركم خيركم لأهله".
* انزع سهم النظرة العابثة من قلبك إذا انغرس فيه، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركه مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه".
* حذار من المجلة الفاتنة، والصور الهابطة. ومناظر الفيديو كليب الساقطة.. والأغاني الماجنة..
يقول أحد المنصَرين: كأس وغانية يفعلان بالأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع.. فأغرقوها في حب المادة والشهوات..
* إذا ألححت بالسؤال على إنسان سخط منك واشتاط غيظاً، وإن أنت أكثرت في السؤال على الله تعالى كان إليك أقرب في الإجابة. فاكثر من الدعاء لله فلن يخيبك الله أبدا. " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " البقرة 186
* لا تضيع وقتك فيما لا فائدة منه. وليتذكر من يضيع وقته في جلسات ( البلوت ) و ( الكونكان) والأفلام والأغاني والجلسات الطويلة على الإنترنت في المحادثات العابثة ( chat ) لأنها ستكون حسرة على صاحبها.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " ما اجتمع قوم فتفرقوا عن غير ذكر الله إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار، وكان ذلك المجلس عليهم حسرة ".
* إذا كنت شاباً تبحث عن عروس المستقبل فتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا..
ومن تزوجها لحسبها لم يزده إلا دناءة..
ومن تزوج من امرأة لم يرد بها إلا أن يغضَ بصره ، ويحصن فرجه، أو يصل رحمه، بارك الله له فيها وبارك لها فيه" . رواه الطبراني في الأوسط.
والرسول صلى الله عليه وسلم يوصي الشباب في اختيار الزوجة الصالحة فيقول:
" لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن..
ولا تزوجوهن لأموالهن.. فعسى أموالهن أن تطغيهن..
ولكن تزوجوهن على الدين ". رواه ابن ماجة.
* حذار أن يضحك عليك الشيطان ويحول عملك إلى رياء وسمعة، لأن ذلك يجعل عملك للدنيا. ألم تعلم أن رجلا قد تصدق ودخل النار؟ ورجلا جاهد فقتل.. ودخل النار؟..
الأول تصدق ليقال أنه قد تصدق، وقد قيل.
والثاني جاهد ليقال أنه شجاع، وقد قيل!!
* تذكر شعور " ربعي بن عامر " وهو يدوس زخارف " الفرس " صائحاً فخوراً بإحساسه بقيمة الإسلام، مع فقره ورثة ثيابه :
"إنما ابتعنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.
ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام..
ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ".
* إذا همت نفسك بشيء لم يسمح به الشرع فتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل الجنة ديّوث. فقيل: ومن الديوث يا رسول الله؟ فقال: الذي لا يغار على عرضه "
ويظن البعض حين يسمع هذا الحديث أن " العرض " المقصود هو " الأخت " أو " الأم "، ولكن عرض المسلم أوسع من ذلك بكثير، إنه عرض كل مسلمة في مشارق الأرض ومغاربها!!.
فانتهاك عرض أي مسلمة هو انتهاك لعرضك أنت..!!
* لا تعبث بحرمات الآخرين ولا بأوقاتهم فبعض الشباب يعبث بأرقام الهاتف، يقتل وقته الضائع في العبث بأعراض الناس، بل ربما يتلذذ بسماع شتائم الآخرين تنهال عليه من الطرف الثاني من الهاتف.
* ومن الشباب من يقضي وقته في العبث بالسيارات، في التفحيط والمراوغات.. يظن أنه ينال إعجاب المعجبين أو تصفيق المشاهير!!
والله ما هذه برجولة الشباب، ولا بعمل من يخاف ربه.!!
* لا تقض الساعات الطوال على الإنترنت في المحادثات غير المفيدة ( chat ) أو في الألعاب الإلكترونية. حاول أن تستفيد من الإنترنت في معلومة جيدة، أو فكرة سديدة، أو عبرة مفيدة، تنصح أخا أو توصي زميلاً، تقرأ بحثاً أو تضيف شيئاً، تطور برنامجاً أو تثري علما. فإن كنت كذلك فأنت ممن يستحق من الله جزاء وخيراً كثيرا بإذن الله.
* صاحب الأخيار.. وابتعد عن مجالس الأشرار.. ولا تنس مصاحبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلبك.. لتكون مع محمد عليه الصلاة والسلام في حياتك وآخرتك.
ختاما ...احذر – أخي الشاب – من الإفراط والتفريط .. فأحب الأعمال إلى الله تعالى ما كانت موافقة لشرعه .. وأحب الأعمال إليه تعالى أدومها وإن قل ..
* لا تنس أمك.. هل قبلت يدها اليوم؟ هل أسندت رأسك على صدرها؟ هل أسمعتها كلمة حب وحنان.
جرب هذا.. وتذوق طعم السعادة التي تملأ قلبك.
جرب هذا.. وتذوق حلاوة رضا الله.. والرسول علبه الصلاة والسلام يقول "رضا الله من رضا الوالدين "رواه ...
* عندما يلتزم بعض الشباب بالإسلام ، فأول ما يفعل هو تنفير والدته ووالده من نفسه، فيجعلهم يقولون : " لقد كان يوما منحوسا يوم تديَن هذا الولد " .. فإن كان الأمر كذلك فإن الخلل فيك .. والتقصير من عندك .. لأن الله تعالى يقول : " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا " لقمان 15 .
فأنت تعيش مع أسرة ربما يقف بعضها مع التزامك بالإسلام ، وقد يقف بعضها ناقما عليك ، وعلى تفكيرك ، وقد تكون البقية الباقية معجبة بك .. تحب أن تكون مثلك ، ولكن الطريق أمامها غير واضح .. فماذا تصنع ؟
* عليك أن تثبت للجميع أن استقامتك على شرع الله تعالى أضفى عليك هدوءا وسكينة .. وبهاء ووقارا .. فإن كنت معتادا على النفور وعدم الطاعة .. فأنت الآن شخص مختلف تماما .. أصبحت مطيعا هادئا .. إذا نادى والدك .. فأنت أول من يستجيب .. وإذا طلبت والدتك طلبا فأنت أول من يلبي .. وإن انتابت الأسرة مشكلة فأنت أول من يقف معها ..
أنت بهذا تدعوهم عمليا إلى حلاوة الإيمان .. وتعصم نفسك من النار .. يقول الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " التحريم 6 .
* من كان في أسرتك مناقضا لك فعامله بالحسنى .. لا تخاصمه ولا ترفع صوتك عليه .. ادعه إلى سبيل الله تعالى بالحكمة واللين ، والموعظة الحسنة من غير شجار ولا خصام ..
ومن كان من أسرتك فخورا بك .. يتمنى أن يحتذي حذوك ، فإن كان أكبر منك فأطع أوامره ما دامت في طاعة الله تعالى .. وأظهر له الاحترام والتقدير .. وإن كان أصغر منك .. فعليك أن ترعاه برعايتك .. تسأله دائما عن أحواله ، لا تبخل عليه بمالك .. تعرف على أصدقائه ولا تغلظ عليهم بالحديث .. قم بضيافتهم بنفسك عندما يحضرون لزيارته .. وتكون له قدوة يتأسى بها .. ضع نصب عينيك قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من لم يرحم صغيرا ، ويعرف شرف كبيرنا " .
إذا فعلت ذلك .. فأنت تسير في النهج الذي خطه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. عندما نزل عليه الوحي ، توجه إلى السيدة خديجة شاكيا لها حاله .. فواسته وآمنت به .. ثم دعا بعد ذلك ابن عمه علي بن أبي طالب ، الذي كان يعيش معه في بيت واحد .. فوسع الدائرة أكثر .. فشملت الفئة المسلمة أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – والذي أسلم على يديه عدد من المبشرين بالجنة.
* إذا كانت لك أخوات بنات .. فأنت المرشد والموجه لهن .. عاملهن بالحسنى .. وأحسن إليهن في كل شيء .. فإن كن غير ملتزمات بالإسلام .. دعوتهن بالرفق واللين إلى الصلاة والحجاب .. وجلست معهن تقص عليهن سير أمهات المؤمنين .. وغيرهن من صحابيات رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإن نجحت مع إحداهن ، تكون قد أصلحت أسرة كاملة .. فهذه الأخت إنما هي أم المستقبل .. ومربية الأجيال ..
* وقد تجد بعض الشباب ممن لديه القليل من العلم الشرعي، يمسك ختم التكفير في يده .. ومفتاح الجنة في يده الأخرى .. يجري بين الناس يدعوهم إلى الدين على غير هدى ولا بصيرة ، ولا تقديرا للظروف والأحوال ، فإن لم يستجيبوا له أخرجهم من الدين ، وحكم عليهم بالكفر ، ثم يلوح بمفتاح الجنة مقسما بالله جهد أيمانه أنهم لن يدخلوها أبدا ، ثم يتركهم ويذهب إلى غيرهم ، حتى ترى الناس ، وقد لطخ وجوههم بخاتم التكفير، ثم ينام ويستريح، وقد ظن أنه أدى دوره تجاه ربه ودينه ، أويهجرهم تاركا ديارهم ،إلى مالا تحمد عقباه .
ولما كان لكل فعل رد فعل، فإن بعض الناس يفتح عليه مدافع الحقد باللعنات، ويجلسون أمام التلفاز .. حيث الرقص والفجور واللهو والعصيان، ثم ينامون ملء جفونهم، وكأنهم قد ضمنوا مقعدهم من الجنة .. وأن رحمة الله تعالى أوسع من عصيانهم ..
* وبعض الشباب يقرأ حديثا واحدا ، أو تفسير آية واحدة .. يفهمها في جو بعيد عن فقهها ، ثم يسارع إلى تبليغ فهمه الخاطئ لكل إنسان يراه ، فيقابل بعدم الرضا حتى من المتدينين .. فيزداد تمسكا بفهمه وتشبثا بموقفه ، وتبدأ الفرقة والشطط بين الشباب المسلم ..
وينسى هؤلاء أو يتناسون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بشروا ولا تنفروا .. يسروا ولا تعسروا " رواه مسلم .. وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الآخر الذي يقول فيه : " إياكم والغلو في الدين ، فإنه أهلك من كان قبلكم " رواه البخاري .
وجاء في الأثر : " إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" رواه ابن حبان .. وهذا الحديث يصور لنا متسرعا ركب دابة بطيئة .. فظل يضرب فيها بشدة ، فماتت الدابة ، ولم يصل بعد إلى ما يريد !!! .
* من أكبر الأخطاء أن يفهم البعض حقيقة الزهد في الدنيا على أنه الفقر والحرمان وترك الطيبات . فحقيقة الزهد في الدنيا هو تجريد القلوب عن حبها .. ويقينه أن الدنيا دار عبور لا دار قرار .. فالمسكنة التي يحبها الله تعالى من عبده – كما يقول ابن القيم – ليست مسكنة فقر المال .. بل مسكنة القلب .. وهي انكساره وذله، وخشوعه وتواضعه لله تعالى ..
وهذه المسكنة لا تتنافى مع الغنى .. ولا يشترط لها الفقر . يقول الإمام أحمد في تعريفه للزهد المشار إليه في قوله تعالى : " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " [1] : الزهد .. هو عدم فرحه بإقبال الدنيا .. وعدم حزنه على إدبارها ..
سئل الإمام أحمد عن الرجل يكون معه ألف دينار ، هل يكون زاهدا ؟ فقال : نعم .. شريطة ألا يفرح إذا زادت .. ولا يحزن إذا نقصت !! فليس الزاهد من لا مال عنده ، وإنما الزاهد من لم تكن الدنيا همه ، وإن أوتي مثلما أوتي قارون ..
* حذار أن يتغلغل حب الدنيا في قلبك .. فتتحول النيات من عمل لرفع الإسلام، إلى طلب جاه أو منصب أو مال .. فالمطلوب من المسلم أن تكون الدنيا في يده وليست في قلبه ..
* من أخطر الأمراض التي تجتاح حياة بعض الشباب المسلم هو الكيل بمكيالين .. فعندما يفتي الناس يشدد عليهم في المسألة .. أما عندما يفتي نفسه فيأخذ بأقصى درجات الرخص .. وصنف آخر يفتح باب الرخص على مصراعيه ، وثالث أغلق باب الرخص تماما وتشدد في كل شيء ..وحاول إلزام الآخرين بالتشدد ..
* بعض الشباب المسلم يظن أن التدين معناه البعد عن الدنيا واعتزالها .. فترى أحدهم قد أهمل نفسه ومنظره وهيئته أمام الناس .. مما جعل البعض يخاف من التدين .. فالمسلم ينبغي أن يكون شامة بين الناس ، قدوة للآخرين .. فملبسه نظيف ، ورائحته طيبة ، ووجهه دائما مستبشر بالخير.
فمن للدنيا يعمرها ويستفيد منها ؟ هل نترك الدنيا للكافرين حتى يسيطروا علينا ؟ هل نتركهم يستغلون نواميس الكون المسخرة لنا حتى يهاجموننا من السماء والأرض بالليزر ، والأواكس ؟!
إننا بحاجة إلى أن يكون أحدنا مبدعا ، كل في مجال تخصصه .. فذا كنت طالبا ، فنحن بحاجة إلى المسلم المتفوق .. وإن كنت طبيبا ، فنحن بحاجة إلى الطبيب الحاذق المسلم .. ونحتاج كذلك إلى المعلم المسلم ، والتاجر الصدوق المسلم .. والمحاسب المسلم والمهندس المسلم ..
* احذر أخي الشاب من الاستكانة والذل .. فالإسلام قوة في غيربطش .. وعزة في غير كبر .. ورفق من غير ضعف .. فقد رأى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – رجلا مطأطئا رأسه فقال له : ارفع رأسك .. فإن الإسلام ليس بمرض . ورأى رجلا متماوتا فقال له : لا تمت علينا ديننا أماتك الله .
* عامل الناس بلطف فهذا مشهد من المشاهد النبوية يعلمنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نعامل من أخطأ .. أو من لم يعرف الأدب ..
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قام أعرابي فبال في المسجد .. فقام إليه الناس ليقعوا به .. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعوه ، وأريقوا على بوله سجلا من ماء ، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " رواه الجماعة إلا مسلم.
انظر إلى الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم .. كيف أنه لم يعنف ذلك الأعرابي ، بل علَم الصحابة أن مبدأ التيسير هو نهج البعثة المحمدية ..
وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقاطعه في الخطبة ، فلم ينهره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشنع عليه .. واستمر عليه الصلاة والسلام في حديثه حتى انتهى . فقال : "أين أراه السائل عن الساعة ؟ " فسأل فأخبره رواه البخاري . فالمسألة في غاية البساطة .. كان يمكن لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : " قاطعتنا قاطعك الله " أو ينهره بكلمات قاسية ، ولكن الأخلاق المحمدية ما كانت لترضى ذلك .. فهل لنا أن نتعلم كيف نعامل الناس بلطف وأدب ؟!!
وأخيرا ... أليس شرفا أن نسمو بأفكارنا بعيدا عن الترهات والقيل والقال ؟
أليس طهرا أن ننظف قلوبنا من كل وسوسة ؟
أليس نقاء أن نحافظ على أرواحنا الطاهرة من كل دنس ؟
أليست عفة أن نعف إيماننا عن أهواء النفوس وانحرافات شياطين الجن والإنس ؟؟
إننا بحاجة إلى تغيير شامل في كل نواحي الحياة .. نحن بحاجة إلى غسيل القلوب ، التي علا عليها الران والصدأ .. فالقلوب تصدأ كما يصدأ الحديد .. نحتاج إلى قلب يخاف مقام ربه .. وينهى النفس عن الهوى .. فتكون جنة الرحمن هي المأوى ...
ولا تنس في النهاية أن تبسط كفيك إلى السماء قائلاً " اللهم إني أسألك رحمة من عندك، تهدي بها قلبي، وتلمّ بها شعثي، وتبيض بها وجهي، وتزكَي بها عملي، وتلهمني بها رشدي، وتعصمني بها من كل سوء.
الهوامش:

[1] الحديد 23
يمكن التواصل مع الدكتور حسان شمسي باشا على الإيميل التالي:
[email protected]

القلب الحزين
28-12-2013, 03:44 PM
الإخلاص في الدعاء


بقلم الباحث عبد الدائم الكحيل
بحثت طويلاً في كتاب الله تعالى عن سرّ استجابة الله لدعاء أنبيائه. وبدأتُ أتساءل: لماذا ندعو الله تعالى أحياناً ولا يُستجاب لنا؟ ولماذا لا نحسّ بوجود الله عز وجل قريباً منا؟ لماذا نضع ثقتنا بمن حولنا من البشر وننسى خالق البشر جل وعلا؟
لقد بدأتُ ألاحظ شيئاً في القرآن عندما بحثتُ في "الإخلاص" فقد ارتبط الإخلاص بالعبادة أحياناً وبالدعاء أحياناً أخرى. ولكن في كلتا الحالتين كان الإخلاص مرتبطاً بالله عز وجل. فهذه آية يحدثنا بها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ)[الزمر: 11].
ومعنى (مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) أي مخلصاً له العبادة، فكان سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم خالصاً لله، وركوعه لا يبتغي به إلا وجه الله، وكل كلمة ينطق بها لا يريد من ورائها إلا رضوان الله تعالى، وهذا هو الإخلاص الذي أمره الله به، ولكن أين نحن من هذا الإخلاص؟!
الإخلاص مفتاح الإجابة
إن الإخلاص في العبادة لا بدّ أن يؤدي إلى الإخلاص في الدعاء، وهذا ما أمرنا الله به في قوله: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [غافر: 14]. فنحن عندما ندعو الله يجب أن يكون دعاؤنا فقط له هو، وعندما ندعو ملحداً للإيمان يجب أن يكون عملنا ذا هدف واحد ألا وهو رضاء الله تعالى.
في هذه الحالة أخي المؤمن أضمن لك الإجابة في الدعاء بإذن الله تعالى. وهذا هو سيدنا يونس عليه السلام عندما ابتلعه الحوت ونزل به في ظلمات البحر: ماذا فعل؟ لقد دعا الله بإخلاص فقال: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[الأنبياء: 87]. ولكن هل استجاب الله دعاءه أم تخلى عنه في هذا الظرف الصعب؟
لقد استجاب الله له على الفور فقال: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء: 88]. لقد كانت الاستجابة سريعة، حتى إن الله تعالى استخدم حرف الفاء في كلمة(فَاسْتَجَبْنَا) ونحن نعلم من العربية أن هذا الحرف يشير إلى سرعة تعاقب الأحداث بعكس واو العطف التي تحمل شيئاً من التباطؤ في توالي الأحداث.
ما هو سرّ استجابة الله لأنبيائه؟
ولكن هذه الاستجابة السريعة لسيدنا يونس لها سرّ! وعندما بحثت عن هذا السر وجدته في الآيات التي تلي هذه الآية في حديث الله عن أنبيائه واستجابته لهم الدعاء، لماذا يا ربّ؟ ماذا كانوا يفعلون حتى نجّيتهم وهم في أصعب مراحل حياتهم؟
والجواب: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90]. إذن السر يكمن في المسارعة في الخيرات، والدعاء رغبة بما عند الله من نعيم وجنات، ورهبة من عذابه وعقابه، والخشوع لله وحده.
إعجاز نفسيّ
ولكن الذي لفت انتباهي أثناء البحث آية تتحدث عن أناس يدعون الله بإخلاص، وتصف لنا هذه الآية المشاعر الدقيقة التي يمر بها هؤلاء في أصعب ظروف حياتهم وهم في وسط البحر بين الأمواج العاتية.
يقول تعالى: (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ)[لقمان: 32]. في هذا الموقف والسفينة تشرف على الغرق يكون الإنسان في حالة من الإخلاص التام لله عز وجل.
هذا ما تصفه لنا الآية، فماذا يقول العلم في ذلك؟ لقد غرقت العديد من السفن على مر الزمن، وربما يكون آخرها عبّارة غرقت في البحر الأحمر وتوفي أكثر من ألف إنسان، ونجا أقل من نصف هذا العدد. لقد قام بعض العلماء بدراسة للمشاعر التي مرّ بها هؤلاء الناجون من الموت المحتم.
لقد أكّد الجميع وبلا أي استثناء أن اللحظة التي أشرفوا فيها على الغرق كانت أهم لحظة في حياتهم، وكان التوجه فيها إلى الله تعالى في قمة الإخلاص، حتى إنهم يؤكدون بأنهم رأوا عشرات الغرقى قد ماتوا أمامهم وكانت آخر كلمة نطقوا بها هي "يا ربّ"!!!
إذن الشيء الثابت علمياً حتى بالنسبة لأولئك الذين لا يؤمنون بالإسلام، أن أي واحد عندما يشرف على الغرق يدعو الله بإخلاص، وهذا باعتراف جميع الناجين من الغرق على مر العصور، وهذه حقيقة علمية يؤكدها علماء النفس.
سؤال لكل ملحد!
وعند هذه النقطة أود أن أوجه سؤالاً إلى أولئك الذين يستهزئون بأعظم مخلوق أرسله الله ليكون رحمة للعالمين: إذا كان الرسول الأعظم عليه صلوات الله وسلامه كما تصوّرونه متخلّفاً وإرهابياً وجاهلاً، إذا كان كذلك، فكيف استطاع وهو لم يركب البحر مرة في حياته أن يصوّر لنا الحالة الدقيقة التي يعيشها من أشرف على الغرق؟
وتأمل معي هذه الآية التي تلخص لنا الأحاسيس التي يمر بها من يركب السفينة منذ أول لحظة وحتى اللحظة التي تسبق الغرق: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[يونس: 22].
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/8/drown.jpg
وهنا أقول لك يا أخي المؤمن إذا أردت أن يستجيب الله دعاءك فأخلص هذا الدعاء، وإذا أردته أن يتقبل عبادتك فأخلص هذه العبادة لله، هكذا أمر الله نبيّه بقوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) [الزمر: 2].
وسوف أختم هذه الخاطرة بحادثة على زمن انبي الكريم صلى الله عليه وسلم عندما جاءه أعرابي بسيط وقال له: يا رسول الله أوصني ولا تكثر لأحفظ؟ فقال له الحبيب صلى الله عليه وسلم: (أخلص دينك لله يكفك العمل القليل)، أي أخلص عبادتك لله فمهما كان عملك قليلاً تجده عند الله كثيراً.
فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين
الباحث عبد الدائم الكحيل
للمراسلة والتعرف والأسئلة
[email protected]

القلب الحزين
28-12-2013, 03:44 PM
معالم التفكير في أبحاث الإعجاز العلمي


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1181780750clip_10.jpgأ.د/ يحيى وزيرى
عضو الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
* مقدمة:
نظرا لأن عملية البحث في مجال الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، تعتبر حديثة نسبياً مقارنة بدراسات الإعجاز القرآني من الناحية البيانية أو البلاغية، فان هذه الورقة البحثية تعد من أوائل المحاولات لاستكشاف معالم طريق البحث في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
إن هذه المحاولة البحثية تستند إلى ما ورد في العديد من الآيات القرآنية لتوضيح هذه المعالم، إلى جانب الخبرة البحثية التي توفرت لمقدم هذه الورقة في مجال دراسات وأبحاث الإعجاز العلمي، من أجل إرساء قواعد علم قرآني جديد يدخل تحت مظلة "علوم القرآن"، ونقصد به "الإعجاز العلمي".
أولا: مكانة العلم في القرآن الكريم:
1- أول ما نزل من القرآن الكريم هو قوله تعالى:
” اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم“
* ( اقرأ):هي أول كلمة نزلت من القرآن الكريم، لأنها هي مفتاح العلم والمعرفة.
* (خلق الإنسان من علق):وهذه تعتبر أول إشارة اعجازية نزلت في القرآن الكريم.
* (القلم):هو أداة ووسيلة التعلم الأساسية، وهو رمز لكل الوسائل التعليمية القديمة والمستحدثة.
2- القرآن الكريم يعلى من شأن العلم والعلماء:
* يقول تعالى: ” يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات“، (علو منزلة المؤمنين والذين أوتوا العلم).
* كما يقول تعالى: ” إنما يخشى الله من عباده العلماء“، (العلماء هم أكثر الناس خوفا من الله سبحانه وتعالى).
* كما يقول تعالى: ”شهد الله أنه لا اله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط“، (العلماء هم شهود الله في الأرض).
* ويقول تعالى: ” اتقوا الله ويعلمكم الله“، ( الربط مابين تقوى الله والتعلم).
3- الدلالات العلمية لأسماء بعض سور القرآن الكريم:
بالرغم من أن القرآن الكريم هو كتاب هداية للمتقين، مصداقا لقوله تعالى: ( ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه، هدى للمتقين)، فإننا ربما نندهش لو تأملنا أسماء سور القرآن الكريم، فمن القراءة الأولية لأسماء العديد من سور القرآن الكريم، يمكن أن يتضح لنا ما يلي:
أ- أسماء السور المرتبطة بالعلوم الكونية:
* وجود مجموعة من أسماء السور تشير إلى عالم الحيوان مثل سور: البقرة، الأنعام، العاديات (الخيول)، الفيل.
ثم تأتى العديد من الآيات القرآنية لتثير اهتمام المسلمين بعالم الحيوان، كقوله تعالى: ”أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت“.
* مجموعة أخرى من أسماء السور تشير إلى عالم الحشرات مثل سور: النحل والنمل والعنكبوت.
ثم تأتى العديد من الآيات القرآنية لتثير اهتمام المسلمين بعالم الحشرات، كقوله تعالى: ”وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون“.
* مجموعة من أسماء السور تشير إلى مواقع المدن وبعض المفردات المعمارية، مثل سور: الحجر وسبأ والأحقاف والبلد والكهف والحجرات والمائدة (الأثاث الداخلي).
ثم تأتى العديد من الآيات القرآنية لتثير تفكير المسلمين في شتى جوانب العمران والبنيان، كقوله تعالى:” وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه، ذلك من آيات الله“.
* مجموعة أخرى من أسماء السور تشير إلى عالم النجوم والكواكب والأبراج، مثل سور: المعارج والبروج والطارق (نجم الطارق) والشمس والنجم والقمر.
ثم تأتى العديد من الآيات القرآنية لتثير اهتمام المسلمين بهذه الكواكب والنجوم، كقوله تعالى:”ويسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج“، (ربط العبادات بالظواهر الفلكية).
* مجموعة أخرى من أسماء السور تشير إلى المواقيت والزمن، مثل سور: الفجر والليل والضحى والعصر والفلق والجمعة.
* سورتان تشيران إلى معالم الأرض ومعادنها، وهما سورتي: الطور (الجبل) والحديد.
وتثير بعض الآيات الكريمة انتباه المسلمين إلى المعادن كما في قوله تعالى: ”وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس“.
* اسم سورة واحدة تشير إلى أصل خلق الإنسان وهى سورة العلق.
* اسم سورة واحدة تشير إلى الزروع والثمار وهى سورة التين.
* اسم سورة واحدة تشير إلى الظواهر الجوية والمناخية، وهى سورة الرعد.
ب- أسماء السور المرتبطة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية:
* سورتان تشيران إلى الأعراق والأجناس البشرية، وهما سورتي قريش (رمز للجنس العربي) والروم (رمز للأعاجم).
* مجموعة سور تشير إلى أسماء الأنبياء والصالحين وقصصهم مع أقوامهم، وهو ما يمكن أن يدخل تحت مسمى علم السير والتراجم الشخصية، مثل سور: آل عمران ويونس وهود ويوسف وإبراهيم ومريم والأنبياء ولقمان ومحمد ونوح والقصص.
* اسم سورة واحدة "الشعراء".
* اسم سورة واحدة "القلم" أداة التعلم الأساسية.
ثانيا: موضوعات أبحاث الإعجاز العلمي:
من المعروف أن لكل علم مجالات وموضوعات معينة يهتم بها ويبحث فيها، فما هي موضوعات ومجالات أبحاث الإعجاز العلمي؟، وهل يوجد في القرآن الكريم ما يمكن أن نستنبط منه ذلك؟.
إن البحث والتدبر في بعض الآيات القرآنية قد أعاننا على تحديد موضوعات ومجالات أبحاث الإعجاز العلمي، وهو ما يوضح أحد جوانب عظمة القرآن الكريم الذي ينير دائما الطريق ويوضح معالمه لمن أراد أن يهتدي للحق الواضح المبين.
* يقول الله سبحانه وتعالى: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } (فصلت: 53).
* يقول الله سبحانه وتعالى: { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } (الذاريات: 20-22).
* يقول الله سبحانه وتعالى:{ وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ}(الأنعام: 75).
من الآيات السابقة يمكن أن نستنبط بدقة متناهية موضوعات أبحاث الإعجاز العلمي، وهى:
1- الآفاق: ويقصد بها تحديدا الآيات الموجودة في الأرض والآيات الموجودة في السماوات، أي الكون الكبير.
2- الأنفس:ويقصد بها الإنسان (الكون الصغير)، سواء أكان ذلك يتعلق بالجسم البشرى أم كل ما يتعلق بالإنسان من العلوم الإنسانية والاجتماعية.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1181780675clip_8.jpg
ثالثا: مراحل اكتشاف الإشارة الاعجازية:
من جوانب عظمة القرآن الكريم أيضا أنه قد حدد بدقة المراحل التي يجب أن يسلكها الباحث في مجال الإعجاز العلمي، حتى يصل إلى اكتشاف ومعرفة الإشارة العلمية أو وجه الإعجاز في آيات القرآن الكريم أو أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ونستطيع أن نقول أن مراحل الطريق موضحة في آخر ثلاث آيات من سورة النمل،(الآيات من 91- 93)، ونفصلها فيما يلي:
1- { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ(91). (العبادة وإسلام الوجه لله)
2- وَأَنْ أَتْلُوَ ٱلْقُرْآنَ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ (92).(تلاوة القرآن (الآيات المسطورة).
3- وَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }(93).(رؤية ومعرفة الآيات المنظورة في الآفاق والأنفس).
إذن فالآيات الكريمة السابقة تحدد لنا بدقة متناهية ثلاث مراحل، يقطعها الباحث من أجل اكتشاف الإشارة الاعجازية في القرآن الكريم (أو السنة النبوية)، وهذه المراحل هي:
أ‌- العبادة وإسلام الوجه لله.
ب‌- تلاوة القرآن الكريم بتدبر وفهم.
ج- مرحلة رؤية ومعرفة الآيات في الآفاق والأنفس.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1181780545clip_9.jpg
رابعا: من عوائق الرؤية والمعرفة (الصرف عن الآيات):
ومن عظمة القرآن الكريم أيضا أنه يبين لمن أراد أن يرى ويعرف آيات الله في الآفاق والأنفس، أنه من الممكن أن تتواجد أشياء إن فعلها لحالت بينه وبين رؤية الآيات وبالتالي معرفتها واكتشافها، وهو ما يتضح في قوله تعالى:
{ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } (الأعراف: 146).
وقيل أن ”الصرف“ هنا يقصد به: عدم فهم القرآن (الآيات المسطورة)، أو عدم التفكر فيخـلق السموات والأرض (الآيات المنظورة).
إن الآية الكريمة توضح أن "التكبر في الأرض بغير الحق" هو المانع الأساسي من رؤية الآيات، كما أن "التكذيب بالآيات" يؤدى إلى نفس النتيجة، وبالطبع فان "الغفلة عن الآيات" لا تجعل الإنسان ينتفع برؤيتها وبالاعتبار بها.
وهذا يعنى أن القرآن الكريم كما وضح مراحل طريق الوصول لرؤية الآيات ومعرفتها، فقد حذر أيضا من بعض الأفعال والسلوكيات (التكبر-التكذيب-الغفلة) التي تؤدى إلى حجب الرؤية وبالتالي المعرفة.
خامسا: سمات الباحث في مجال الإعجاز العلمي:
بصفة عامة فان الباحث العلمي يجب أن تتوفر فيه بعض الصفات، كالأمانة العلمية والمثابرة على البحث، وعدم استباق النتائج، إتباع منهج علمي واضح..وغيرها.
ونظرا إلى خصوصية وعلو منزلة البحث في مجال الإعجاز العلمي لارتباطه بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فلقد أوضح القرآن الكريم في بعض من آياته سمتين أساسيتين يجب توفرهما في الباحث في مجال الإعجاز العلمي، يمكن أن نستنبطهما من قوله تعالى: “إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار“ (آل عمران:190، 191).
فيلاحظ أن الآيات الكريمة قد بدأت بمجال أو موضوعات البحث والتفكر، وهى هنا "خلق السماوات والأرض" أو "الآفاق"، ثم وصفت المهتمين والمتفكرين بتدبر هذه الآيات الكونية بأنهم "أولو الألباب"، وأخيراً حددت صفتين أساسيتين يتميز بهما "أولو الألباب"، ويجب أن يتوافرا أيضا في الباحث في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وهما: الذكر (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم)، والفكر (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض).
أما بالنسبة للذكر فهو لا يقتصر على الأقوال فقط بل يدخل فيه أيضاً تلاوة القرآن لأنه أفضل الذكر، كما يدخل فيه الأفعال أي ذكر الله باللسان وبكل الجوارح الأخرى، وهذا بلا شك يحتاج إلى علم شرعي أو على الأقل خلفية شرعية صحيحة، لأنه لا فائدة من العمل بلا نية أو علم.
وأما بالنسبة للفكر والتفكر في الآيات الكونية فيحتاج إلى خلفية علمية، حتى يمكن فهم ما يرى على الوجه السليم والصحيح، واكتشاف ما فيه من جوانب عظمة الخلق والخالق.
وهذا يعنى أن الباحث تحديدا في مجال الإعجاز العلمي يمكن تشبيهه بالطائر، الذي له جناحان، الجناح الأول هو الذكر (خلفية بالعلوم الشرعية)، والجناح الثاني الفكر (خلفية بالعلوم الكونية) كل بحسب تخصصه.
ويضاف إلى كل ما سبق أن الباحث في مجال الإعجاز العلمي يجب أن يلتزم بالعديد من الضوابط، التي وضعها العديد من العلماء والخبراء في هذا المجال، وهى متاحة ومتوفرة في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة لمن أراد أن يطلع عليها، في صورة أبحاث وكتب منشورة أو على الموقع الإلكتروني الخاص بالهيئة[1].
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]
(1) موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة كما يلي:
* www. Nooran.org

القلب الحزين
28-12-2013, 03:46 PM
أهمية المسجد في الإسلام



ينظرُ الإسلام إلى المسجد نظرة خاصة وهامة، من حيث اعتبارها ميداناً واسعاً، ومكاناً رحباً، يُعْبَدُ اللَّهُ تعالى في أرجائه ، ويطاع في سائر نواحيه وأجزائه, ولذا منحه فضائل فريدة، وميَّزَه بخصائص عديدة، باعتباره منطلق الدعوة إلى الخالق جل وعز ومركز الإشعاع الأول، الذي انطلقت من جنابته أحكام التشريع وانبعثت من ردهاته أشعة الإيمان ولقد عَظَّم الإسلامُ المسجد وأعلى مكانتَه، ورسَّخَ في النفوس قدسيتَه، فأضافه اللَّهُ تعالى إليه إضافةَ تشريفٍ وتكريم فقال تعالى: ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)سورة التوبة.
فالمسجد يحتل مرتبةً مميزة ومعظمة في أفئدة المسلمين، تزكو به نفوسُهم، وتطمئن قلوبُهم، وتتآلف أرواحهم وتصفو أذهانُهم، يجتمعون فيه بقلوبٍ عامرةٍ بالإيمان، خاشعة متذللةٍ للخالق الديان فرسالة المسجد شاملة ومتنوعة، وضافية ومتعددة، تنتظم مجالاتٍ مختلفة لنشر القيم الإسلامية، وغرس الآداب والأخلاق الحميدة، وإبراز سمو الإنسان وكرامته، والحفاظ على وجوده وحياته وتقويم سلوكه، وإشعاره بالأمن والطمأنينة من خلال الأدوار المتعددة، والمجالات المختلفة التي يضطلع بها المسجدُ لتحقيق الأمن الاجتماعي، وتوفير الطمأنينة النفسية والروحية، التي تخفف عن الناس أعباءَ الحياةِ وآلامها، وتكبحُ فيهم جموح الغرائز وشهواتها، وترسّخ أواصر المحبة، وروابط الألفة بين الأفراد، وبسط الأمن الوارف في ربوع المجتمع، ونشر الاستقرار والاطمئنان في أرجائه، وتوطيد قواعده، وتثبيت دعائمه.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas1.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas10.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas11.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas13.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas14.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas15.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas16.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas18.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas17.jpg

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas2.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas20.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas213.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas22.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas3.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas4.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas5.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas6.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas7.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas8.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/masjed/mas9.jpg
مصدر المادة العلمية:
نقلاً عن كتاب الإرهاب في ميزان الشريعة بقلم الدكتور عادل عبد الجبار
مصدر الصور موقع الموسوعة الحرة http://wikipedia.org (http://wikipedia.org/)

القلب الحزين
28-12-2013, 03:46 PM
قراقوش وتشويه تاريخ عظماء الأمة


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1174986258300px-mohammed-ali-basha-mosque.jpg لم يترك المرجفون أعداء النجاح والإصلاح قاطنو غرف التآمر المظلمة في ديارنا الإسلامية والعربية . . لم يتركوا عظيماً إلا حاولوا تشويه صورته وطمس تاريخه المشرف والعظيم بالأكاذيب والمؤلفات والمسلسلات الهابطة المليئة بالمغالطات والأكاذيب التاريخية التي لا تصمد أمام النقد والتحقيق العلمي طويلاً .
ومن أمثلة ذلك الشيخ عليش العالم الأزهري الواعي والجليل الذي تصدى للمتآمرين على الأزهر الشريف ومركزه العلمي المشرف والمميز ، فألفوا حلقات ضاحكة عليه في مسلسل يومي رمضاني تتصدره أغنية هزلية ، وكنا بجهلنا نستمع إليها يومياً ولا نعلم المغزى منها .
وكذلك السلطان عبد الحميد الثاني الرجل العظيم الذي أبى أن يبيع فلسطين للصهاينة ، وبذل جهوده لإنقاذ الخلافة الإسلامية ، وأخر سقوطها لمدة ثلاثين عاماً في ظروف عالمية قاسية ، فوصفوه بالسلطان الدموي الأحمر الدكتاتوري القاتل .
والعالم المجاهد الفقيه المجدد ابن تيمية الذي ملأ الدنيا علماً وفقهاً ووعياً في وقت ساد فيه الظلام والانتحار الاجتماعي البلاد الإسلامية بالهروب إلى مراكز الدروشة والتصوف المنحرف عن منهاج الزهد الإسلامي الأصيل ، فاتهموه بالتجسيد والفساد العقائدي .
والفاتح العظيم أرطبون العرب عمرو بن العاص الذي حاول كاتب الحانات والراقصات تشويه صورته بجهل استناداً إلى بعض كتب الأدب الحاقدة والمشبوهة .
وهارون الرشيد الحاكم العادل الذي أرسل إليه ملك إنجلترا ببناته ليتعلمن الأخلاق الفاضلة من بناته المسلمات العفيفات الطاهرات ، ويكتب إليه ملك إنجلترا رسالة يذيليها بقوله "خادمكم المطيع" .
وصلاح الدين الأيوبي البطل المغوار الذي غسل العار عن المسلمين ، وحرر القدس من الصليبيين ، مازال هناك من يطعن في سيرة هذا البطل ويحقد عليه .
وقراقوش وزير صلاح الدين العظيم الذي بنى قلعة الجبل ( قلعة صلاح الدين ) في القاهرة أعظم أثر إسلامي في القاهرة ، وبنى سور القاهرة العظيم ، وسور مجرى العيون لإمداد القلعة بالمياه من النيل . . هذا الوزير العظيم "قراقوش" الذي مهد القاهرة والشام لقتال الصليبيين ، ألّف الحاقدون عليه كتاب ( الفاشوش في أحكام قراقوش ) ودسوا فيه حقدهم على هذا المجاهد العظيم ، وأصبح في التاريخ والأدب شخصيتان : شخصية قراقوش المجاهد العظيم والقائد العسكري المميز والوزير والمربي المخلص ، وقراقوش المضحك الظالم المتسلط المشهور ( بحكم قراقوش ) تعبيراً عن الظلم والقهر .
قراقوش المجاهد هو الأمير بهاء الدين قراقوش العالم الفقيه الذي كرس نفسه للخدمة الإدارية والعسكرية ، وكان والي صلاح الدين على عكا ، وكان من أروع القادة وأشجعهم ، وقد كتب إلى صلاح الدين يخبره أنه لم يبق عنده من الأقوات ما يكفيه فلما وصل الكتاب إلى صلاح الدين أخفاه لئلا يعلم الفرنجة بالأمر فيهاجموا المدينة ويحاصروها ، ثم جهز صلاح الدين ثلاثة مراكب من بيروت بزي الإفرنج بعدما حلقوا مثلهم وشدوا الزنانير واصطحبوا شيئاً من الخنازير ، فلما مروا على مراكب الإفرنج اعتقدوهم منهم ولم يعترضوا سبيلهم ( كما قال ابن كثير في البداية والنهاية ) ، وعندما وقع قراقوش في الأسر افتداه صلاح الدين بعشرة آلاف دينار وفرح بفك أسره فرحاً عظيماً . وقراقوش كلمة تركية معناها : النسر الأسود ( قوش : نسر ، قرا : أسود ) .
ومازال هذا الحقد مستمراً على عظماء الأمة ، ومازالت المؤامرة عليهم مستمرة ، وطالت هذه المؤامرة التاريخ الإسلامي كله من عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الآن ، وطالت أهل بيته الأطهار وصحبه الكرام ، فهذه الحضارة الإسلامية العلمية الزاهرة والقلاع الحصينة والمدارس المتميزة والبيمارستانات ( المستشفيات ) المتخصصة والأوقاف المتعددة والمؤلفات النادرة والاكتشافات العلمية المؤثرة التي غيرت مجرى الحياة في أوروبا ، والفتوحات التي امتدت إلى الصين والهند والبلقان والمجر وإسبانيا وإفريقيا وأوروبا ، والتضحيات العظيمة ، كل هذه الحضارات العلمية الزاهرة في أدبيات هؤلاء المرجفين والحاقدين ظلم وظلام دامس وعهر وقهر وانهزام وفتن وقتل ودمار!
ملك إنجلترا يرسل إلى هارون الرشيد ببناته لتتعلم الأخلاق الحميدة ويخاطبه بقوله "خادمك المطيع" ، وهؤلاء يسمون فنادق الدعارة وقاعات الرقص والخمر باسم الخليفة العادل الطاهر هارون الرشيد!
وقد امتلأت كتب الأدب المغرض بالروايات والحكايات الكاذبة عن المجاهدين في سبيل رفعة هذه الأمة ، ولكن هيهات أن يطفئ هؤلاء نور الشمس في وضح النهار ، وهيهات أن تظل أكاذيبهم بعد أن انتشر العلم ووضح الأمر وسخر الله لهؤلاء من يظهر تاريخهم المشرف للأمة . . وفي مكتبي عشرات الرسائل العلمية المحكمة والموثقة والمنشورة عن أمجاد وعظماء الأمة ، فلقد سخر الله لهؤلاء من يحبهم وينشر كتبهم ويذبّ الكذب عن سيرهم . . قال تعالى : { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ } [الرعد : 17].
وأنا أسأل هؤلاء : من أحق بالبغض والمقاومة . . أعداء الله والأمة من غير المسلمين الذين يكيدون للأمة ويخططون للقضاء عليها وتحويلها عن دينها ونهب ثرواتها البشرية والطبيعية ، أم أهل القبلة الملتزمون بشرع الله ، الذين تحزنهم جراح الأمة ويدافعون عنها؟! . . هذا يذكرنا بالفتن التي كان يقتل فيها المسلم ويترك غير المسلم ويكلف من يبلغه مأمنه من المسلمين! . .
ألم تعلموا أن كل المسلم على المسلم حرام : عرضه وماله ودمه؟! ألم تعلموا أن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر؟! ألم تعلموا أننا سنقف في يوم أمام الله ويسألنا عما فعلناه ببعضنا البعض؟! أم أنكم تعتبرون هؤلاء المجاهدين خطراً على الأمة وخونة يجب الوقوف ضدهم وتشويه صورتهم أمام الجماهير؟! . . هل أنكروا معلوماً من الدين بالضرورة؟! هل استباحوا الحرمات ونشروا المنكرات؟! هل وقفوا يوماً مع أعداء الأمة وتعاونوا معهم ضد الأمة؟!
لو أجبتم عن هذه الأسئلة بعدل وموضوعية لعلمتم مدى الخطر الذي يقع فيه من يحقد على عظماء الأمة والمجاهدين ، ومدى الخطر الذي يقع فيه من يخطط لتشويه صورة هؤلاء العظام الذين حموا الأمة في أحلك الأوقات وأشدها خطراً على التوحيد وأهل التوحيد . . قال تعالى : { وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } [البقرة : 281] .
د . نظمي خليل أبو العطا
أخبار الخليج منتدى الجمعة العدد ( 9835 ) 16 محرم 1426 هـ - 25 فبراير 2005م

القلب الحزين
28-12-2013, 03:47 PM
هذا هو محمَّد

"صلى الله عليه وسلّم"



بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل
لقد أصبح الاستهزاء بالله وآياته ورسوله أمراً عادياً في هذا الزمن، ومعظم هذه الاستهزاءات تأتي من الخارج، حيث يدعي الملحدون أن الإسلام هو دين التخلف والإرهاب والجهل. ولذلك فقد دأب أعداء الإسلام على السخرية من تعاليمه بحجّة أنها أصبحت بالية ولا تناسب هذا العصر!
وإن الذي يتأمل مواقع الإنترنت يجدها تزخر بالتعليقات والصور التي تعبّر عن حقد هؤلاء على الإسلام، وتراهم ينشرونها تحت اسم "حرية التعبير عن الرأي"، ومن هؤلاء أحد الرسامين في الدانمرك رسم صوراً [1] يسخر فيها من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وسبحان الله! هل أصبحت حرية التعبير عندهم في أن يستهزئوا بأعظم خلق الله عليه الصلاة والسلام؟ ولكن وعلى ما يبدو أن هؤلاء لم يجدوا شيئاً علمياً ينقدون به الإسلام فلجأوا لمثل هذه الصور اليائسة. لقد فشلوا في إخراج أي خطأ علمي أو لغوي من القرآن الكريم أو أحاديث الرسول الأعظم يقنعون به أتباعهم، إلا هذه الرسوم التي تعبر عن إفلاس هؤلاء.
ونحن من حقنا التعبير عن رأينا في مثل هذه الأشياء، ولكن نحن لا نستهزئ من أنبيائهم موسى وعيسى عليهم السلام، فهم بريئون منهم ومن أفعالهم، لأننا لا نفرّق بين هؤلاء الأنبياء الكرام، فهم جميعاً رسل من عند الله تعالى.
ولكن قبل ذلك لنستمع عن قول الله تعالى في حق هؤلاء وأمثالهم: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 57-58].إن هذه الرسوم هي إيذاء لله واستهزاء برسوله، وإيذاء شديد لكل مؤمن ومؤمنة، ولذلك نبشر أمثال هؤلاء بعذاب أليم يوم القيامة إن لم ينتهوا عن مثل هذا الفعل.
إن أسلوبنا في التعبير سيكون أشد وأبقى من أسلوبهم الذي هو مجرد رسوم لا تعبر إلا عن أوهام لا وجود لها إلا في خيال مؤلفها. سوف نخاطب هؤلاء بلغة العلم التي فشلوا في استخدامها لخطابنا! وسوف نخبر هؤلاء بحقيقة هذا النبي الرحيم عليه الصلاة والسلام.
ولن أتحدث عن الأخلاق العالية والصفات الرائعة التي كان يحملها خاتم النبيين، لأن هؤلاء لا يتمتعون بهذه الأخلاق ولا يعترفون بها، ولكن سنوجّه لهم خطاباً علمياً ومادياً لحقائق جاء بها هذا النبي الكريم، وهي موجودة في القرآن وتتلى منذ أربعة عشر قرناً ولا تزال.
وأقول لهؤلاء الذين يفتخرون بالعلم والعدل، فهم دول متطورة تقنياً، وهم دول ديمقراطية تؤمن بالعدل والحقوق، نقول: إن القرآن الذي تستهزئون به هو أول كتاب يدعو للعلم والعدل، وهما المقياسان لنجاح واستمرار أي حضارة.
إن أول كلمة نزلت على هذا النبي الكريم هي (اقرأ) [2]، وهذا دليل على أن الإسلام دين العلم. وإن آخر كلمة نزلت من القرآن هي (لا يُظلمون) [3] وهذا دليل على أن الإسلام دين العدل. إذن ما تفاخرون به اليوم قد سبقكم إليه نبينا صلى الله عليه وسلم قبل قرون طويلة.
إنكم تقولون بأنكم أول من دعا إلى البحث في تاريخ الكون والمخلوقات وتفتخرون بذلك، ولكن نرجو منكم أن تقرأوا قول الله تعالى في القرآن الكريم عن دعوة صريحة ومباشرة للنظر في بداية الخلق: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[ العنكبوت: 20]. وهذا دليل على اهتمام القرآن بالنظر والتأمل والبحث والدراسة.
إن نبيّنا عليه الصلاة والسلام قد وضع أساساً علمياً لعلم الفلك والظواهر الكونية عندما ظن الناس بأن الشمس قد انخسفت لموت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته)[رواه البخاري ومسلم]. وقد صدر هذا الكلام من نبيّ الرحمة عليه صلوات الله وسلامه في الزمن الذي كنتم تعتقدون فيه بأن الكسوف هو إشارة لولادة رجل عظيم أو موته أو سقوط حاكم أو خسارة معركة [4].
في زمن كانت أوربا تعجّ بالكهّان والمنجمين والمشعوذين، والذين كانوا موضع تصديق من معظم الناس آنذاك، في ذلك الزمن أنكر وحرّم نبينا عليه الصلاة والسلام هذه الأعمال فقال: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) [رواه أحمد].
في الزمن الذي كنتم تظنون بأن الأرض ثابتة لا تتحرك، وضع القرآن حقيقة علمية يؤكد فيها أن كل شيء في الكون يسير بمدار محدد، وهذه الحقيقة لم تكتشفوها إلا مؤخراً. يقول تعالى عن الأرض والشمس والقمر: (وكل في فلك يسبحون) [يس: 40].
في زمن كانت أوربا تعتقد بوجود إله للريح وإله للمطر وإله للبرق [5] وضع القرآن أساساً علمياً لكل هذه الظواهر التي لم تكتشفوها إلا قبل سنوات معدودة. فإذا أردتم أن تقرأوا حقائق عن الرياح فاقرأوا قوله تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)[الحجر: 22]. ألم تكتشفوا بأجهزتكم وآلاتكم حديثاً دور الرياح في تلقيح الغيوم ونزول المطر؟
وإذا أردتم أن تعرفوا الآلية الهندسية لحدوث البرق والتي ظلت مجهولة بالنسبة لكم حتى قبل سنوات قليلة، فاقرأوا حديث نبينا عليه الصلاة والسلام: (ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين؟) [رواه مسلم]. ألم تلتقط كاميراتكم الرقمية صوراً للبرق وشاهدتم شعاع البرق كيف يمرّ ويرجع، تماماً كما جاء في الحديث الشريف؟ [7].
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول رجل في التاريخ دعا إلى البحث الطبي من خلال أحاديث كثيرة أرسى من خلالها أهم الأسس للطب الحديث. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاءً) [رواه البخاري]. هذا الحديث العظيم يؤكد وجود الشفاء لمختلف أنواع المرض، وهذا يعني أن الإنسان إذا بحث عن العلاج سيجده. أليس علماؤكم اليوم يطبقون هذا الحديث في أبحاثهم عن علاج لأمراض كثيرة كان يُظن في الماضي أنه لا علاج لها؟؟
إن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلّم هو أول من تحدث عن النسيج الكوني cosmic web في قوله تعالى:(والسماء ذات الحُبُك) [الذاريات: 7]. والحُبُك جاءت من النسيج المحبوك بإتقان، ألم تروا من خلال حواسبكم الفائقة صورة هذا النسيج المحبوك للكون؟[7].
تفتخرون اليوم بأنكم أنتم من اكتشف بداية نشوء الكون وتؤكدون أن هذا الكون كان كتلة واحدة ثم تباعدت أجزاؤها بانفجار عظيم. ونسيتم بأن هذا النبي الرحيم عليه الصلاة والسلام قد سبقكم للحديث عن هذه الحقيقة الكونية منذ أربعة عشر قرناً، عندما لم يكن على وجه الأرض رجل واحد يتخيل شيئاً عن الانفجار الكبير. يقول تعالى: (أولم يرَ الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما) [الأنبياء: 30].
ولو شئنا لعددنا لكم مئات بل آلاف الحقائق العلمية المكتشفة حديثاً، وجميعها موجود في القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام. فهل لكم أن تقرأوا شيئاً منها قبل أن تتصوروا من هو هذا النبي الذي وصفه الله بأنه رحمة للعالمين؟
لذلك نرجو من كل من لديه صَمَمٌ في أذنيه ألا ينتقد الأصوات الجميلة! ونرجو من كل من لديه عمىً في بصره ألا يهاجم الصور الرائعة! وكذلك نرجو من كل من لديه زَكَم في أنفه ألا يعترض على الرائحة العطرة!!!
فصورة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ستبقى مشرقة بهية ورائعة مهما حاول المشككون تشويهها، وسيبقى كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أجمل وأعذب كلام مهما حاول الملحدون أن يفعلوا، وكذلك سيبقى نور القرآن ونور الله مضيئاً برّاقاً مهما حاول المبطِلون إطفاءه بأفواههم. يقول تعالى:﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 32-33].
اللهم أنت أقوى من هؤلاء جميعاً، وأنت القادر على الردّ عليهم وعلى إيقافهم ومحاسبتهم هم ومن يقف وراءهم، فأنت القائل في كتابك العظيم:(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) [الأحزاب: 57].ونقول كما قال الله تعالى:
قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ....
بقلم الباحث عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com (http://www.kaheel7.com/)
الهوامش
[1]وذلك ما نشرته صحيفة Jyllands-Postenالدانمركية في 30 سبتمبر 2005.
[2]أول ما نزل من القرآن قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) [العلق: 1].
[3]آخر ما نزل من القرآن هو: (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يُظلمون) [البقرة: 281].
[4] الكسوف عبر التاريخ والثقافات:
http://www.earthview.com/ages/history.htm
[5]يمكن مراجعة المقالات الواردة حول علاقة البرق بأساطير الإغريق على الرابط:
http://www.crystalinks.com/greekmythology.html
[6]انظر بحث بعنوان "البرق بين العلم الحديث والكلام النبوي الشريف" للمؤلف.
[7]انظر بحث بعنوان النسيج الكوني للمؤلف.

القلب الحزين
28-12-2013, 03:50 PM
فضائل الشام وأهله في آخر الزمان


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1173308353omayyad_mosque1.jpg
صورة للمسجد الأموي في العاصمة دمشق
كتب شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه مناقب الشام وأهله عن فضائل الشام ننقله لكم بالحرف للفائدة:
ثبت للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنة وآثار العلماء(1) وهي أحد ما اعتمدته في تحضيضي على غزو التتار، وأمري لهم[2] بلزوم دمشق، ونهيي لهم عن الفرار إلى مصر، واستدعائي للعسكر المصري إلى الشام، وتثبيت العسكر الشامي فيه، وقد جرت في ذلك فصول متعددة.[3]
وهذه المناقب أمور: احدها البركة فيه، ثبت ذلك بخمس آيات من كتاب الله تعالى:
1- قوله تعالى في قصة موسى: (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يُهلِك عدوَّكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون. ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذّكّرون. فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطّيّروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله، ولكن أكثرهم لا يعلمون. وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين. فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم آيات مفصّلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين. ولما وقع عليهم الرجزُ قالوا يا موسى ادعُ لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفتَ عنا الرجز لنؤمننّ لك ولنرسلنّ معك بني إسرائيل. فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون. فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليمّ بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين. وأورثنا القومَ الذين كانوا يُستضعفونَ مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمّت كلمةُ ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ..) [الأعراف: 129-137] ومعلوم أن بني إسرائيل إنما أورثوا مشارق أرض الشام ومغاربها بعد أن أغرق فرعون في اليم.
2- وقوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) [الإسراء: 1] وصوله إلى أرض الشام.
3- وقوله تعالى في قصة إبراهيم: (وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين. ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) [الأنبياء: 70-71] ومعلوم أن إبراهيم إنما نجاه الله ولوطاً إلى أرض الشام من أرض الجزيرة والعراق.
4- وقوله تعالى: (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين) [الأنبياء: 81] وإنما كانت تجري إلى أرض الشام التي فيها مملكة سليمان.
5- وقوله تعالى في قصة سبأ: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرة وقدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالَ وأياماً آمنين) [سبأ: 18] وهو ما كان بين اليمن وبين قرى الشام من العمارة القديمة كما ذكره العلماء.
فهذه خمسة نصوص حيث ذكر الله أرض الشام، في هجرة إبراهيم إليها، ومسرى الرسول إليها، وانتقال بين إسرائيل إليها، ومملكة سليمان بها، ومسير سبأ إليها، وصفها بأنها الأرض التي باركنا فيها.
وأيضاً ففيها الطور الذي كلم الله عليه موسى والذي أقسم الله به في سورة الطور، وفي: (والتين والزيتون. وطور سينين) [التين: 1-2]، وفيها المسجد الأقصى، وفيها مبعث أنبياء بني إسرائيل، وإليها هجرة إبراهيم، وإليها معراج ومسرى نبينا [صلى الله عليه وسلم]، ومنها معراجه، وبها مُلكه، وعمود دينه وكتابه، والطائفة المنصورة من أمته، وإليها المحشر والمعاد.
كما أن من مكة المبدأ، فمكة أم القرى من تحتها دحيت الأرض.
والشام إليها يحشر الناس كما في قوله: (لأول الحشر) [الحشر: 3] نبّه على الحشر الثاني، فمكة مبدأ وإيلياء[4] معاد في الخلق، وكذلك بدأ الأمر. فإنه أسرى بالرسول [صلى الله عليه وسلم] من مكة إلى إيلياء، ومبعثه ومخرج دينه من مكة، وكمال دينه وظهوره وتمامه حتى يملكه المهدي بالشام. فمكة هي الأول، والشام هي الآخر في الخلق والأمر، في الكلمات الكونية والدينية.
ومن ذلك أن بها الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة التي ثبت فيها الحديث في الصحاح من حديث معاوية وغيره: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة".[5]
وفيهما[6] عن معاذ بين جبل قال: "وهم بالشام". وفي تاريخ البخاري مرفوعاً قال: "وهم بدمشق". وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة".[7]
وقال أحمد بن حنبل: أهل المغرب هم أهل الشام. وهو كما قال لوجهين:
أحدهما: أن في سائر الحديث بيان أنهم أهل الشام
الثاني: أن لغة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل مدينته في (أهل الغرب) هم أهل الشام، ومن يغرب عنهم، كما أن لغتهم في (أهل المشرق) هم أهل نجد والعراق، فإن المغرب والمشرق من الأمور النسبية، فكل بلد له غرب قد يكون شرقاً لغيره، وله شرق قد يكون غرباً لغيره، فالاعتبار في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، لما كان غرباً وشرقاً له حيث تكلم بهذا الحديث وهي: المدينة.
ومن علم حساب الأرض بطولها وعرضها علم أن: حرّان، والرقة، وسميساط على سمت مكة، وأن الفرات وما على جانبيها من البيرة على سمت المدينة بينهما في الطول درجتين لتبين فما كان غربي الفرات فهو غربي المدينة، وما كان ثَمّ شرقيها فهو شرقي المدينة.
فأخبر (صلى الله عليه وسلم) أن أهل الغرب لا يزالون ظاهرين، وأما أهل الشرق فقد يظهرون تارة، ويُغلَبون أخرى، وهكذا هو الواقع، فإن الجيش الشامي ما زال منصوراً.
وكان أهل المدينة يسمون الأوزاعي: إمام أهل الغرب،ويسمون الثوري شرقياً، ومن أهل الشرق.
ومن ذلك أنها خيرة الله الأرض، وأن أهلها خيرة الله وخيرة أهل الأرض، واستدل أبو داود في سننه على ذلك بحديث كثير (مثل):
حديث عبد الله بن حوالة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ستجندون أجناداً؛ جنداً بالشام، وجنداً باليمن، وجنداً بالعراق". فقال الحوالي: يا رسول الله، اخترْ لي. قال: "عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها حزبه من عباده، فمن أبي فليلحق بيمنه، وليَسْقِ من غُدْره، فإن الله تكفّل لي بالشام وأهله".[8]
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1173308426800px-damascus_by_night1.jpg
صورة لمدينة دمشق ليلاً

وكان الحوالي (راوي الحديث) يقول: من تكفّل الله به فلا ضيعة عليه. ففي هذا الحديث مناقب المهاجرة.
وحديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قل: "سيكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم، وتقذرهم نفس الرحمن، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير[9]، تبيت معهم حيثما كانوا، وتقيل معهم حيثما قالوا."
فقد أخبر أن خيار أهل الأرض من ألزمهم مهاجر إبراهيم، بخلاف من يأتي إليه ثم يذهب عنه، ومهاجر إبراهيم هي الشام.
وفي هذا الحديث بشرى لأصحابنا الذين هاجروا من حرّان[10] وغيرها إلى مهاجر إبراهيم، واتبعوا ملة إبراهيم، ودين نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وبيان أن هذه الهجرة التي لهم بعد هجرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، لأن الهجرة إلى حيث يكون الرسول وآثاره، وقد جعل مهاجر إبراهيم تعدل مهاجر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، فإن الهجرة إلى مهاجره انقطعت بفتح مكة[11].
ومن ذلك أن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها على الشام، كما في الصحيح[12] من حديث عبد الله بن عمر.
ومن ذلك أن عمود الكتاب والإسلام بالشام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيتُ كأن عمود الكتاب أخِذ من تحت رأسي، فأتبعتُه بصري فذُهِب به إلى الشام"[13].
ومن ذلك أنها عقرر دار المؤمنين، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "وعقر دار المؤمنين بالشام"[14].
ولهذا استدللتُ لقوم من قضاة القضاة[15] وغيرهم في فتن قام فيها علينا قوم من أهل الفجور والبدع الموصوفين بخصال المنافقين، لما خوّفونا منهم، فأخبرتُهم بهذا الحديث: "وأن منافقينا لا يغلبوا مؤمنين"[16].
وقد ظهر مصداق هذه النصوص النبوية على أكمل الوجوه في جهادنا للتتار، وأظهر الله للمسلمين صدق ما وعدناهم به، وبركة ما أمرناهم به، وكان ذلك فتحاً عظيماً ما رأى المسلمون مثله، مثل صرح مملكة التتار –التي أذلت أهل الإسلام، فإنهم لم يهزَموا أو يُغلَبوا كما غُلِبوا على باب دمشق في الغزوة الكبرى التي أنعم الله علينا فيها من النعم بما لا نحصيه خصوصاً وعموماً.
والحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً، كما يحب ربنا ويرضاه، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تخريجات أحاديث الكتاب منقولة من تحقيق المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله لكتاب »فضائل الشام ودمشق للربعي ومعه مناقب الشام وأهله لشيخ الإسلام ابن تيمية«. المكتب الإسلامي 1405 ط2.
[2] أي للمسلمين الشاميين.
[3] انظر »معركة شقحب أو مرج الصفر« للدكتور لطفي الصباغ في الفسطاط.
[4] كان بيت المقدس يدعى »إيلياء« أيضاً نسبة إلى أحد أباطرة الروم. [الفسطاط].
[5] انظر صحيح الجامع الصغير (7164 إلى 7173).
[6] يعني في الصحيحين، أخرجاه عن معاذ موقوفاً عليه، وقد جاء مرفوعاً عن أبي أمامة وغيره بأسانيد فيها ضعف كما بينته في »تخريج فضائل الشام« لأبي الحسن الربعي، ويشهد لها الحديث الآتي في صحيح مسلم علىما شرحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
[7] صحيح مسلم (6/54) وفي المختصر (1097).
[8] حديث صحيح، أخرجه أحمد والطحاوي في »مشكل الآثار« وأبو الحسن الربعي في »فضائل الشام ودمشق« من طرق خمسة عن عبد الله بن حوالة مرفوعاً بعضها صحيح الإسناد.
[9] إلى هنا ينتهي حديث ابن عمر، وهو حديث حسن، أخرجه أبو داود في أول »الجهاد« 2482 من طريق شهر بن حوشب عنه، وشهر فيه ضعف من قبل حفظه، لكن له طريق أخرى، أخرجه الحاكم (1/510) من طريق أبي هريرة عنه وقال: »صحيح على شرط الشيخين« ووافقه الذهبي: وهو من أوهامهما فإن فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، ولم يخرج له مسلم، ثم هو ضعيف من قبل حفظه وإن أخرج له البخاري، وقد أشار الحافظ المنذري في »الترغيب« (3/62) إلى الغمز من تصحيح الحاكم المذكور، فإنه قال عقبه: »كذا قال« لكن الحديث قوي بمجموع الطريقين إن شاء الله تعالى.
وأما بقية الحديث »تبيت معهم..« فهو تتمة حديث آخر من رواية أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: »يحشر الناس على ثلاثة طرائق راغبين راهبين، واثنان على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، فتقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا«. رواه البخاري (4/235) ومسل (8/157).
ثم رأيت الإمام أحمد قد أخرج الحديث في مسنده (2/48) من طريق أبي جناب يحيى ابن أبي حية عن شهر بن حوشب: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لتكونن هجرة بعد هجرة.. الحديث، وزاد: »تقيل معهم حيث يقيلون، وتبيت حيث يبيتون، وما سقط منهم فلها«. لكن يحيى ابن أبي حية ضعيف لكثرة تدليسه، وقد عنعنه، بيد أنه أخرجه ابن عساكر (1/151/152) من طريق أخرى عن ابن عمر مرفوعاً، وفيه الزيادة، ورجاله ثقات.
[10] أشار رحمه الله لهجرة عائلته من حران عندما هاجمها التتار يوم أن كان عمره ست سنوات. وحران مدينة عظيمة مشهورة من جزيرة أقور، وهي قصبة ديار مضر، قبل الرها على طريق الموصل والشام والروم..
[11] أشار بذلك لحديث: »لا هجرة بعد الفتح« عند البخاري وغيره.
[12] المراد به عند الاطلاق أحد الصحيحين: »صحيح البخاري« و »صحيح مسلم«. وهذا الحديث وإن كان صحيحاً فلم يرد في أحدهما، ثم هو ليس من حديث عبد الله بن عمر في شيء من كتب السنة –فيما علمت- وإنما هو من حديث زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نؤلف القرآن من الرقاع. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: »طوبى للشام« فقلنا: لأي ذلك يا رسول الله؟ قال: »لأن ملائكة الرحمة باسطة أجنحتها عليها«.
أخرجه أحمد (5/184 و185) وابن أبي شيبة في »المصنف« (7/152/1) والترمذي وحسنة، وأبو الحسن الربعي برقم واحد من فضائل الشام،والحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
[13] صحيح. أخرجه أبو نعيم في »حلية الأولياء« والحاكم وأبو الحسن الربعي رقم (3) بإسناد صحيح، وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي؛ وله طريق آخر، أخرجه أبو العباس ابن الأصم في »حديثه« (ج2 رقم 59 –نسختنا) وعنه تمام في »القواعد« (ق99/1) وأبو ا لحسن الربعي (رقم 10) ورجاله ثقات. وله شواهد من حديث عمرو بن العاص، وأبي الدرداء وابن حوالة، وإسناد بعضها صحيح كما بينتها في تخريج أحاديث الربعي.
[14] صحيح: أخرجه أحمد (4/104) وابن سعد في »الطبقات« (7/724-428) والبغوي في »مختصر المعجم« (9/130/1)، وأبو إسحاق الحربي في »غريب الحديث« (5/174/1) من طريقين عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل الكندي مرفوعاً، وإسناده صحيح. وله شاهد من حديث العرباض بن سارية، أخرجه ابن عساكر في تاريخه (1/70) ورجاله ثقات غير فضالة بن شريك، قال ابن أبي حاتم (3/2/78): »سألت أبي عنه فلم يعرفه«. وشاهد أخر عنده (1/105) عن النواس بن سمعان.
[15] لقب قاضي القضاة مما يكره استعماله، قياساً على ملك الملوك، كما ذكر ذلك العلامة الإمام ابن القيم في »زاد المعاد«، وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال للسلطان ملك الملوك، أخرج ذلك البخاري من حديث أبي هريرة. وإيراد شيخ الإسلام ذلك في مسودته على الحكاية لما كان مصطلحاً عليه بينهم، ولا يعني ذلك اقراره له.
[16] ولكنه موقوف، كذلك رواه الإمام أحمد (3/499) عن خريم بن فاتك الأسدي قال: »أهل الشام سوط الله في الأرض، ينتقم بهم ممن يشاء كيف يشاء، وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم، ولن يموتوا هماً أو غيظاً أو حزناً« وإسناده صحيح موقوف. وقد رواه الطبراني مرفوعاً، وإسناده ضعيف، كما بينته في »الأحاديث الضعيفة والموضوعة« رقم (13).

القلب الحزين
28-12-2013, 03:51 PM
رمتني بدائها وانسلّت



بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على خاتم الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد. و الحمد لله ليرضى و الحمد لله إذا رضي و الحمد لله بعد الرضى، أمّا بعد...
لا تزالُ حملاتُ المتعصِّبين من غيرِ المسلمين متوالِيةً على الإسلامِ وأهله، ولقد وَجّهوا سهامَهم في الآونةِ الأخيرةِ إلى منهجِ الإسلام في التربية والتعليم، زاعمين بأنّ الإسلامَ بسياستِه التربويّة التعليميّة يصوغ جِيلاً يبغِض الآخرَ ويحقِد عليه ويضطهِده ويعتدِي عليه، مستغلِّين في ذلك بمكرٍ ودهاء تصرّفاتِ بعضِ المسلمين التي لا تُعَدّ شيئًا أمامَ الأصلِ العامّ والقاعدة الكلّيّة. وسبحانَ الحكيم العليم؛ كلّما ازدادت هذه الحملاتُ شراسةً ازداد بروز محاسِن الإسلام واتّضح جماله وكماله وبان عدله ورحمته.
وَإِذا أَرادَ اللّـهُ نَشـرَ فَضيـلَـةٍ طُوِيَت أَتاحَ لَها لِسـانَ حَســودِ
لَولا اِشتِعالُ النارِ فيمـا جـاوَرَت ما كانَ يُعرَفُ طيبُ عَرفِ العودِ
ومع أنّه يكفِي العقلاءَ في ردِّ هذه الفريةِ ما تواتر من شهاداتِ المنصِفين من غير المسلمين وما تقرّر من شهادةِ التاريخ على حُسن تعامُل المسلمين مع غيرهم في السّلم والحرب، وفي حال انتصارهم وحال هزيمتهم، إلاّ أنه ينبغي تجليةُ براءةِ الإسلام من الحقدِ الديني من خلالِ نصوصه الشرعية وأقوال أئمته وعلمائه المعتبَرين.
لقد اعترى مصطلحَ التعصُّب والتسامُح الدينيّ خلطٌ كبير وتدليسٌ وتلبيس؛ عن قصدٍ لدى المتعصّبين الحاقدين، وعن غير قصدٍ لدى الجاهلين المقلّدين. والغرضُ من هذا الخلط والتلبيس والتدليس هو سَلخ المسلمين عن دينهم باسمِ التسامُح وقَبول الآخر.
ألا فليُعلَم أنه ليس مِنَ الحِقد الدينيّ أن لا يتنازلَ الشخصُ عن قناعاته الدينيّة، كما أنه ليس من التسامُح الديني أن يفرِض قناعاتِه على غيره بقوّةِ الحديد والنار. فهنا أمران اثنان:
الأمر الأوّل: قناعاتُ الإنسان التي يؤمِن بها.
والأمر الثاني: تعامُل الإنسان مع من يخالفه في قناعاته التي يعتقدها.
وقاعدةُ الإسلام في هذين الأمرين أن يتمسّكَ المسلمُ بدينه ويعتزَّ به ويعتقدَ أنّه الدين الحقّ وأنّ غيره من الأديان باطل، وأن يرحمَ الغيرَ ويحسِنَ إليهم ويعدِل معهم ويعملَ على نجاتهم لوجه الله تعالى. فلا اضطهادَ للغير باسم التمسّك بالحقّ، ولا تنازلَ عن الحقّ باسم قَبول الغير.
قال الله تعالى: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونٌَ﴾ [العنكبوت:46].
فانظروا كيف جمعت هذه الآية الكريمة بين أمرِ المسلمين بالتمسّكِ بالحقّ وهو توحيدُ الله تعالى والإسلامُ له وبالدعوةِ إلى ذلك وبين حُسن معاملة أهل الكتاب. ومِن بلاغةِ هذه الآية وجمالها أنه لم يأمر تعالى بالجدال بالتي هي أحسن فلم يقل: وجادلوا أهل الكتاب بالتي هي أحسن، وإنما نهى عن كلّ جدالٍ إلا الجدال بالتي هي أحسن، وهذا أبلغ في الأمر بمراعاة الأدب في النقاش والحوار والمناظرة، مما يدلّ على براءة الإسلام من التعصّب والحقد الدينيّ، وأنه ليس عنده إلا مقارعةُ الحجّة بالحجّة. و بما أنّ هذه الحملات التعصبيّة قد تؤثّر على كثير من الناس سواء ً كانوا مسلمين أو غير مسلمين، و بما انّها قد تشكك بعض المسلمين الغير مطّلعين على دينهم بالإسلام من جهة و تشوه صورة الإسلام الحنيف في العالم من جهة أخرى، لذلك يجب أن تلقى هذه الحملات الصليبيّة الرّد الشافي والمقنع والذي يبيّن حقائق الأمور ويعكس جوهر كل دين. لهذا قمت بجمع بعض النصوص من الديانة اليهوديّة والديانة النصرانيّة والإسلام والتي سأعرضها على حضرتكم لتكونوا أنتم الحكم.
I) اقتل النّساء والأطفال والبهائم
الإنجيل(حزقيال 9: 5) اعبروا في المدينة وراءه (أي يهوذا) واضربوا. لا تشفق أعينكم ولا تعفوا: الشّيخ والشّابّ والعذراء والطّفل والنّساء: اقتلوا للهلاك... نجّسوا البيت واملأوا الدّور قتلى ...
II) *التلمود: " و بيوت غير اليهود حظائر بهائم نجسة بأنهم جميعاً كلاب و خنازير".
III) الإسلام: أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام ، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان ، فذكر الحديث ، ثم قال : إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله عز وجل ، فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له ، وستجد قوما فحصوا عن أوساط رءوسهم من الشعر، فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف ، وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبيا ، ولا كبيرا هرما ، ولا تقطعن شجرا مثمرا ، ولا تخربن عامرا ، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ، ولا تحرقن نخلا ، ولا تغرقنه ، ولا تغلل ولا تجبن
2. الزواج
I)الإنجيل: (تثنية 5: 25) إذا سكن أخوة معًا ومات واحدًا منهم وليس له ابن فلا تصير أمرة الميت إلى خارج لرجل أجنبي. أخو زوجها يدخل عليها ويتّخذها لنفسه زوجة.( الزواج بالقــوّة)
· الإسلام: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال أن تسكت" رواه الجماعة (استئذان المرأة في الزواج).
3. التمييز و التفرقة العنصريّة
الإنجيل:
* (2ملو 5: 15) ليس إله في كلّ الأرض إلا في إسرائيل.
* (تثنية 7: 6) إيّاك يا إسرائيل قد اختارك الرب إلهُك لتكون له شعبًا خاصًّا من جميع الشّعوب الذين على وجه الأرض.
* (اشعيا 43: 4) إذ صرت عزيزًا في عيني مكرّمًا وأنا قد أحببتك: أعطي أناسًا عوضك وشعوبًا عوض نفسك (الكتاب المقدّس مصدر التقرقة العنصريّة)
التلمود:
* جاء في التلمود: " ولولا اليهود لارتفعت البركة من الأرض واحتجبت الشمس و انقطع المطر"
* جاء في التلمود: " اليهود بشر لهم إنسنياتهم أمّا الشعوب الأخرى فهي عبارة عن حيوانات"
* جاء في التلمود: " اليهودي من جوهر الله كما أن الولد من جوهر أبيه"
* جاء في التلمود: " إن اليهودي أحب إلى الله من الملائكة فالذي يصفع يهودي كمن يصفع العناية الإلهيّة سواء بسواء"
الإسلام:
القرآن الكريم: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) سورة العنكبوت – آية 46
* (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) سورة البقرة –آية 139
4. القتل
الإنجيل: * (يشوع 16: 10) فسكن الكنعانيون في وسط أفرايم إلى هذا اليوم وكانوا عبيدًا تحت الجزية[1].
(2صمو 4: 12) وأمر داود الغلمان فقتلوهما وقطّعوا أيديهما وأرجلهما وعلّقوهما ( قتل و خطف و استعباد)
* (2صمو 8: 1) وضرب داود المؤابيين وقاسهم بالحبل. أضجعهم على الأرض. فقاس بحبلين للقتل وبحبل للاستحياء. وصار الآراميون عبيدًا لداود
التلمود :
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/10/14-Talmud_hebreo_abierto_JPEG.jpg
ورد في التلمود على لسان الرب : (ومن يسفك دم غير يهودي فإنّما يقدّم قرباناًَ للرب)

جاء في التلمود: "ومن يسفك دم غير يهودي فإنّما يقدّم قرباناًَ للرب"
الإسلام:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" ( متفقٌ عليه )
القرآن الكريم:
*( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) سورة البقرة – آية 190
* (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) سورة البقرة – آية 68
5. مكانة المرأة
الإنجيل:
* (زكر 5: 8) وكانت امرأة جالسة في وسط الإيفة. فقال الملاك: هذه هي الشّرّ ( المرأة هي الشّر)
* (1كورنث 11: 7) الرّجل لا ينبغي أن يُغطّي رأسه لكونه صورة الله ومجده. وأمّا المرأة فهي مجد الرّجل. لأنّ الرّجل لم يُخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرّجل (المرأة ليست مجد لله عندهم)
· التلمود:" يحل إغتصاب الطفلة غير اليهوديّة متى بلغت من العمر ثلاث سنوات... وهب الله (و حاشا لله) اليهود حق السيطرة و التصرف بدماء جميع الشعوب و ما ملكت."
الإسلام:
قال رسول الله: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن وإذنها صمتها " رواه مسلم (حق المرأة في اختيار الزوج الصالح لها).
* قال رسول الله صاى الله عليه و سلّم ( أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ... فله أجـران ) رواه البخاري
( حق المرأة في العلم)
*وقال الرسول الله صلى الله عليه و سلّم( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصـالـحة ) رواه مسلم
* وقال رسول الله ( استوصوا بالنساء خيراً ...... ) رواه البخاري ومسلم .
*القرآن الكريم:
- فقال تعالى ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْانثَيَيْنِ ) سورة النساء آية 11| (حق المرأة في الميراث)
- فقال تعالى :( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَـامَ ان اللَّهَ كَـان عَـلَيْـكُمْ رَقِيبًا ).سورة النساء-آية 1 | (خلق المرأة و الرجل من أصل واحد)
- فقال عز وجل :( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ انثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانوا يَعْمَلُونَ ) سورة النحل- آية97 | (المساواة بين الرجل و المرأة في التكليف)
- قال تعالى ( وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءَاثِمٌ قَلْبُهُ ) سورة البقرة- آية 283 | (حق المرأة في المشاركة السياسيّة).
6. مكانة الله
التلمود:
* جاء في تلمود أولاد الشياطين: "إن الله إذا حلف يميناً غير قانونية احتاج إلى من يحله من يمينه،وقد سمع أحد الإسرائيليين الله تعالى يقول:من يحلني من اليمين التي أقسم بها؟ ولما عَلمَ باقي الحاخامات أنه لم يحله منها اعتبره حماراً (أي الإسرائيلي) لأنه لم يحل الله من اليمين، ولذلك نصبوا مَلكاً بين السماء والأرض اسمه(مى)، لتحل الله من أيمانه ونذوره عند اللزوم".
(تقدس الله عن ذلك سبحانه جل جلاله ..)
* وجاء كذلك افتراءً وبهتاناً من اليهود الكاذبين الشياطين في تلمودهم اللعين: "يتندم الله على تركه اليهود في حالة التعاسة حتى أنه ( وحاشا لله) يلطم ويبكى كل يوم ، فتسقط من عينيه دمعتان في البحر ، فيسمع دويهما من بدء العالم إلي أقصاه ، وتضرب المياه وترتجف الأرض في أغلب الأحيان ، فتحصل الزلازل
(تقدس الله عن ذلك سبحانه جل جلاله ..)
*جاء في التلمود:"وقد اعترف الله بخطئه في تصريحه بتخريب الهيكل فصار يبكى ويمضى ثلاثة أجزاء الليل يزأر كالأسد قائلاً : تباً لي [اللهم تباً لهم عليهم اللعنة!] لإني صرحت بخراب بيتي و إحراق الهيكل ونهب أولادي…"!!!!.
(تقدس الله عن ذلك سبحانه جل جلاله ..)
*جاء في التلمود: "إن النهار اثنتا عشرة ساعة.. في الثلاث الأولى يجلس الله ويطالع الشريعة، وفي الثلاث الثانية يحكم، وفي الثلاث الثالثة يطعم العالم، وفي الثلاث الأخيرة يجلس ويلعب مع الحوت ملك الأسماك.
(تقدس الله عن ذلك سبحانه جل جلاله ..)
إن لله وإنا إليه راجعون، وأستغفر الله، تعاليت يا ربى عن ذلك علوًا كبيراً فأنت الله الكبير المتعال .. وانظر للتناقض ، والمجنون العقلي ، والشذوذ والسفالة اليهودية
الإنجيل:
(إلههم يجوع)
* "بعدما صام أربعين نهاراً واربعين ليلة جاع أخيراً " متى 2:4)
* " وفي الصبح إذ كان راجعاً إلى المدينة جاع " متى 18:21
" في الغد لما خرجوا من بيت عنيا جاع " مرقس 12:11
(إلههم يعطش)
* " بعد هذا رأى يسوع ان كل شئ قد كمل فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان " يوحنا 28:19 " فجاءت امرأة من السامرة لتستقي ماء فقال لها يسوع أعطيني لأشرب " يوحنا 7:4
( إلههم ينام)
* " وإذا اضطراب عظيم حدث في البحر حتى عظت الأمواج السفينة وكان هو نائماً " يوحنا 24:8
*وفيما هم سائرون نام " لوقا 38:4
* كان هو في المؤخر على وسادة نائماً فأيقظوه وقالوا له يا معلم أما يهمك اننا نهلك " مرقس 38:4
( إلههم ضعيف)
*وظهر له ملاك من السماء يقويه " لوقا 43:2
( إلههم مغفّل و سهل الإنقياد)
" وأمّا فصل الكتاب الذي كان يقرأه فكان هذا مثل شاة سيق إلى الذبح ومثل خروفٍِ أمام الذي يجزه هكذا لم يفتح فاه" أعمال الرسل 32:88
الإسلام:
القرآن الكريم:
*(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) سورة المعارج| آية 44
* (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) سورة نوح| آية 10
* (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) سورة البقرة| آية 207
* (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) سورة البقرة| آية 205
* (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) سورة آل عمران| آية 2
*( إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) سورة آل عمران| آية 5
*( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة آل عمران| آية 6
*( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) سورة البقرة | آية 284
* (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة آل عمران| آية 62
*( بسم الله الرحمن الرحيم(1) الحمد لله ربّ العلمين(2) الرحمن الرحيم (3) ملك يوم الدين(4) ) سورة الفاتحة | آية 1 ك 4
و أخيراً
الحديث في هذا الموضوع في الحقيقة ذو تشعّباتٍ وفروع متعدّدة، والأدلة والشواهد من النصوص الشرعية والتطبيقات لها عبر التاريخ الإسلامي على براءةِ الإسلام من الحقد الديني كثيرة وكثيرة جدًّا، وكذا اعترافاتُ المنصفين من غير المسلمين الذين أمعنوا النظرَ في تاريخ الإسلام والمسلمين وتجرّدوا للحقّ وأدلَوا بشهاداتهم الصادقة للتاريخ، لا يرجون حفاوةً من المسلمين ولا مالاً، ولا يخافون منهم اضطهادًا ولا إذلالاً.
وفي مقابل ذلك لو استعرضَ المنصفُ المتجرّد اضطهادَ غير المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم لأتباع الأديان الأخرى تحت أيّ مبرّر من المبرّرات لرأى العجبَ العجاب من الوقائع التي اسودّت بها صفحاتُ التاريخ والتي ما يزال المسلمون يصطلون بنارها، وما فلسطين والعراق ولبنان عنا ببعيد.
حقًّا لا يصدق على هؤلاء المتعصّبين الحاقدين إلا المثل العربي المشهور: رمتني بدائها وانسلت .
ويا عجبًا من زمنٍ ينقلِب فيه الضعيفُ الأعزل المعتدَى عليه مجرِمًا يشكّل خطرًا على الإنسانية، بينما المعتدِي المتفنِّن في أساليبِ القتلِ والدّمار يعتبرُ حاميًا للحرية والإنسانية!! وعزاؤنا أنّ الله سبحانه يعلم المفسد من المصلح.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه الشاب علاء الصبّاغ
طالب في الثالث الثانوي
صيدا ـ لبنان
للمراسلة: [email protected]
الهاتف : 009613408924
المراجع:
محتوى التعاليم الدينيّة اليهوديّة
http://www.palestine-info.com/arabic/shoonalkaian/alyahodyah/part5.htm
مقتطفات من التلمود
http://www.khayma.com/internetclinic/yhoodtlmod.htm
إسلام أون لاين؟ دعوة و دعاة
http://www.islamonline.net/arabic/daawa/2004/05/article11.shtml
كتاب: الإنجيل يتكلّم (عبد الرحمن محمد سعيد دمشقية)
مكانة المرأة
http://www.yasaloonak.net/woman/woman1.asp

القلب الحزين
28-12-2013, 03:52 PM
رسالة ابن تيمية إلى سرجون حاكم قبرص / كيف كنا ؟


إعداد الدكتور عبد الرحيم الشريف
دكتوراه علوم تفسير ـ جامعة دمشق
قال ابن تيمية في رسالته إلى سرجون حاكم قبرص:
"من أحمد بن تيمية، إلى سرجون عظيم أهل ملته، ومن تحوط به عنايته من رؤساء الدين، وعظماء القسيسين، والرهبان، والأمراء، والكتاب، وأتباعهم. سلام على من اتبع الهدى.
أما بعد فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، إله إبراهيم وآل عمران. ونسأله أن يصلي على عباده المصطفين وأنبيائه المرسلين. ونخص بصلاته وسلامه أولي العزم الذين هم سادة الخلق، وقادة الأمم. الذين خصوا بأخذ الميثاق، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد. كما سماهم الله تعالى في كتابه".
وملخص رسالته ما يلي:
أ- دعوته إلى الإسلام:
بعد أن بين له حقيقة دين الإسلام، وحقيقة دين النصارى وتفرق النصارى فيه، وأن الإسلام الحق هو ما بعث به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.. مدح سرجوان لما عنده من الديانة والفضل فقال:
ب- مدحه لسرجون النصراني لمحبته للعلم تلطفاً به:
"وإنما نبه الداعي لعظيم ملته وأهله، لما بلغني ما عنده من الديانة والفضل، ومحبة العلم وطلب المذاكرة، ورأيت الشيخ أبا العباس المقدسي شاكراً من الملك: من رفقه، ولطفه، وإقباله عليه، وشاكراً من القسيسين ونحوهم.
ونحن قوم نحب الخير لكل أحد، ونحب أن يجمع الله لكم خير الدنيا والآخرة؛ فإن أعظم ما عبد الله به نصيحة خلقه، وبذلك بعث الله الأنبياء والمرسلين، ولا نصيحة أعظم من النصيحة فيما بين العبد وبين ربه؛ فإنه لا بد للعبد من لقاء الله، ولا بد أن الله يحاسب عبده، كما قال تعالى: {فلنسألن الذين أرسل إليهم، ولنسألن المرسلين}.
وأما الدنيا فأمرها حقير، وكبيرها صغير. وغاية أمرها يعود إلى الرياسة والمال. وغاية ذي الرياسة أن يكون كفرعون الذي أغرقه الله في اليم انتقاماً منه.
وغاية ذي المال أن يكون كقارون الذي خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، لما آذى نبي الله موسى.
وهذه وصايا المسيح ومن قبله ومن بعده المرسلين، كلها تأمر بعبادة الله، والتجرد للدار الآخرة. والإعراض عن زهرة الحياة الدنيا.
ولما كان أمر الدنيا خسيسا رأيت أن أعظم ما يهدي لعظيم قومه المفاتحة في العلم والدين: بالمذاكرة فيما يقرب إلى الله".
ثم ذكره شيخ الإسلام بموقفه من قازان ملك التتار فقال:
"ولما قدم مقدم المغول قازان وأتباعه إلى دمشق، وكان قد انتسب إلى الإسلام؛ لكن لم يرض الله ورسوله والمؤمنون بما فعلوه؛ حيث لم يلتزموا دين الله، وقد اجتمعت به وبأمرائه، وجرى لي معهم فصول يطول شرحها؛ لا بد أن تكون قد بلغت الملك؛ فأذله الله وجنوده لنا، حتى بقينا نضربهم بأيدينا، ونصرخ فيهم بأصواتنا. وكان معهم صاحب سيس مثل أصغر غلام يكون به، حتى كان بعض المؤذنين الذين معنا يصرخ عليه، ويشتمه، وهو لا يجترئ أن يجاوبه، حتى إن وزراء غازان ذكروا ما ينم عليه من فساد النية له، وكنت حاضراً لما جاءت رسلكم إلى ناحية الساحل، وأخبرني التتار بالأمر الذي أراد صاحب سيس (مدينة في جنوب تركيا بالقرب من أضنة استولى عليها النصارى في الحروب الصليبية التي بدأت عام 491هـ) أن يدخل بينكم وبينه فيه، حيث مناكم بالغرور، وكان التتار من أعظم الناس شتيمة لصاحب سيس، وإهانة له؛ ومع هذا فإنا كنا نعامل أهل ملتكم بالإحسان إليهم، والذب عنهم" أ.هـ.
وصاحب سيس هذا هو رئيس النصارى في مدينة سيس جنوب تركيا وكانت أجزاء من ساحل الشام وتركيا خاضعة لهم بعد الحملات الصليبية المتكررة.
ج- تذكير شيخ الإسلام لسرجون أنه استنقذ أسرى النصارى واليهود من التتار ولم يرض بأن يستنقذ أسرى المسلمين وحدهم:
ثم شرع شيخ الإسلام يبين لسرجون حاكم قبرص كيف أن شيخ الإسلام عمل على تخليص أسرى النصارى من يد قازان التتري ولم يرض أن يفك أسرى المسلمين فقط فقال:
"وقد عرف النصارى كلهم أني لما خاطبت التتار في إطلاق الأسرى، وأطلقهم غازان، وقطلوشاه، وخاطبت مولاي فيهم فسمح بإطلاق المسلمين. قال لي: لكن معنا نصارى أخذناهم من القدس، فهؤلاء لا يطلقون. فقلت له: بل جميع من معك من اليهود والنصارى، الذي هم أهل ذمتنا؛ فإنا نفكهم، ولا ندع أسيراً، لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة. وأطلقنا من النصارى من شاء الله فهذا عملنا وإحساننا، والجزاء على الله".
د- إحسان المسلمين لأهل الذمة من النصارى:
ثم بين له الشيخ رحمه الله أن المسلمين ما زالوا يحسنون إلى أهل الذمة من النصارى الذين بأيديهم فقال:
"وكذلك السبي الذي بأيدينا من النصارى يعلم كل أحد إحساننا ورحمتنا بهم؛ كما أوصانا خاتم المرسلين حيث قال في آخر حياته: [الصلاة، وما ملكت أيمانكم] قال الله تعالى في كتابه: {ويطعمون الطعام على حبه: مسكيناً، ويتيماً، وأسيراً}".
هـ- لا نخاف التتار وسننتصر عليهم:
ثم بين له أنهم لا يخافون من التتار وأنه سينتصرون عليهم في النهاية، وذلك حتى لا يطمع النصارى في ممالاة التتار على أهل السنة والجماعة من المسلمين فقال له:
"ومع خضوع التتار لهذه الملة، وانتسابهم إلى هذه الملة؛ فلم نخادعهم، ولم ننافقهم؛ بل بينا لهم ما هم عليه من الفساد والخروج عن الإسلام الموجب لجهادهم، وأن جنود الله المؤيدة، وعساكره المنصورة المستقرة بالديار الشامية والمصرية: ما زالت منصورة على من ناوأها مظفرة على من عاداها. وفي هذه المدة لما شاع عند العامة أن التتار مسلمون. أمسك العسكر عن قتالهم، فقتل منهم بضعة عشر ألفا، ولم يقتل من المسلمين مائتان. فلما انصرف العسكر إلى مصر، وبلغه ما عليه هذه الطائفة الملعونة من الفساد، وعدم الدين: خرجت جنود الله وللأرض منها وئيد، قد ملأت السهل والجبل؛ في كثرة، وقوة، وعدة، وإيمان، وصدق. قد بهرت العقول والألباب. محفوفة بملائكة الله التي ما زال يمد بالأمة الحنيفية، المخلصة لبارئها: فانهزم العدو بين أيديها، ولم يقف لمقابلتها. ثم أقبل العدو ثانياً، فأرسل عليه من العذاب ما أهلك النفوس والخيل، وانصرف خاسئاً وهو حسير، وصدق الله وعده، ونصره عبده، وهو الآن في البلاء الشديد والتعيس العظيم، والبلاء الذي أحاط به. والإسلام في عز متزايد، وخير مترادف؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: [إن الله يبعث لهذه الأمة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها].
وهذا الدين في إقبال وتجديد. وأنا ناصح للملك وأصحابه - والله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة والإنجيل والفرقان".
و- ترغيب وترهيب سرجون:
وبعد ذلك قام شيخ الإسلام رحمه الله باستخدام أسلوب الترغيب والتهديد والوعيد، وكذلك الوعظ والتذكير فقال لسرجون:
"فيا أيها الملك كيف تستحل سفك الدماء وسبي الحريم وأخذ الأموال بغير حجة من الله ورسله.
ثم أما يعلم الملك أن بديارنا من النصارى أهل الذمة والأمان ما لا يحصي عددهم إلا الله، ومعاملتنا فيهم معروفة، فكيف يعاملون أسرى المسلمين بهذه المعاملات التي لا يرضى بها ذو مروءة، ولا ذو دين؟! لست أقول عن الملك وأهل بيته ولا إخوته؛ فإن أبا العباس شاكر للملك ولأهل بيته كثيراً، معترفاً بما فعلوه معه من الخير، وإنما أقول عن عموم الرعية. أليس الأسرى في رعية الملك؟!
أليست عهود المسيح وسائر الأنبياء توصي بالبر والإحسان فأين ذلك؟!
ثم إن كثيراً منهم إنما أخذوا غدراً، والغدر حرام في جميع الملل والشرائع والسياسات، فكيف تستحلون أن تستولوا على من أخذ غدراً؟!
أفتأمنون مع هذا أن يقابلكم المسلمون ببعض هذا، وتكونون مغدورين؟! والله ناصرهم ومعينهم؛ لا سيما في هذه الأوقات، والأمة قد امتدت للجهاد، واستعدت للجلاد. ورغب الصالحون وأولياء الرحمن في طاعته، وقد تولى الثغور الساحلية أمراء ذوو بأس شديد، وقد ظهر بعض أثرهم، وهم في ازدياد.
ثم عند المسلمين من الرجال الفداوية (الفداوي بمعنى الفدائي)، الذين يغتالون الملوك في فرشها، وعلى أفراسها، من قد بلغ الملك خبرهم؛ قديماً، وحديثاً. وفيهم الصالحون الذين لا يرد الله دعواتهم، ولا يخيب طلباتهم، الذين يغضب الرب لغضبهم، ويرضى لرضاهم.
وهؤلاء التتار مع كثرتهم وانتسابهم للمسلمين لما غضب المسلمون عليهم أحاط بهم من البلاء ما يعظم عن الوصف. فكيف يحسن أيها الملك بقوم يجاورون المسلمين من أكثر الجهات أن يعاملوهم هذه المعاملة التي لا يرضاها عاقل؛ لا مسلم، ولا معاهد؟!".
ثم بعد ذلك هدد شيخ الإسلام سرجون بأن الكَرَّة القادمة هي لأمة الإسلام وأنه يوشك أن يأخذ المسلمون ما بأيدي النصارى:
"ثم هذه البلاد ما زالت بأيديهم على الساحل؛ بل وقبرص أيضاً ما أخذت منهم إلا من أقل من ثلاثمائة سنة، وقد وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يزالون ظاهرين إلى يوم القيامة.
فما يؤمن الملك أن هؤلاء الأسرى المظلومين ببلدته ينتقم لهم رب العباد والبلاد، كما ينتقم لغيرهم؟!
وما يؤمنه أن تأخذ المسلمين حمية إسلامهم فينالوا منها ما نالوا من غيرها؟! ونحن إذا رأينا من الملك وأصحابه ما يصلح عاملناهم بالحسنى، وإلا فمن بغي عليه لينصرنه الله.
وأنت تعلم أن ذلك من أيسر الأمور على المسلمين. وأنا ما غرضي الساعة إلا مخاطبتكم بالتي هي أحسن، والمعاونة على النظر في العلم، وإتباع الحق، وفعل ما يجب. فإن كان عند الملك من يثق بعقله ودينه فليبحث معه عن أصول العلم وحقائق الأديان، ولا يرضى أن يكون مع هؤلاء النصارى المقلدين، الذين لا يسمعون ولا يعقلون؛ إن هم إلا كالأنعام؛ بل هم أضل سبيلاً".
ز- الشيخ يذكر هدفه من الرسالة:
ثم يذكر الشيخ رحمه الله بعد ذلك الداعي له إلى كتابه هذا الكتاب إلى ملك قبرص فيقول:
"والكتاب لا يحتمل البسط أكثر من هذا؛ لكن أنا ما أريد للملك إلا ما ينفعه في الدنيا والآخرة، وهما شيئان.
(أحدهما) له خاصة، وهو معرفته بالعلم والدين، وانكشاف الحق، وزوال الشبهة، وعبادة الله، كما أمر، فهو خير له من ملك الدنيا بحذافيرها.
وهو الذي بعث به المسيح، وعلمه الحواريين.
(الثاني) له وللمسلمين، وهو مساعدته للأسرى الذين في بلاده، وإحسانه إليهم، وأمر رعيته بالإحسان إليهم، والمعاونة لنا على خلاصهم؛ فإن في الإساءة إليهم دركا على الملك في دينه ودين الله تعالى، ودركا من جهة المسلمين، وفي المعاونة على خلاصهم حسنة له في دينه، ودين الله تعالى وعند المسلمين؛ وكان المسيح أعظم الناس توصية بذلك.
ومن العجب كل العجب أن يأسر النصارى قوماً غدراً أو غير غدر ولم يقاتلوهم، والمسيح يقول: (من لطمك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، ومن أخذ رداءك فأعطه قميصك)؟!
وكلما كثرت الأسرى عندكم كان أعظم لغضب الله وغضب عباده المسلمين؛ فكيف يمكن السكوت على أسرى المسلمين في قبرص.
لا سيما وعامة هؤلاء الأسرى قوم فقراء، وضعفاء، ليس لهم من يسعى فيهم. وهذا أبو العباس مع أنه من عباد المسلمين، وله عبادة، وفقر، وفيه مشيخة، ومع هذا فما كاد يحصل له فداؤه إلا بالشدة. ودين الإسلام يأمرنا أن نعين الفقير، والضعيف. فالملك أحق أن يساعد على ذلك من وجوه كثيرة؛ لا سيما والمسيح يوصي بذلك في الإنجيل، ويأمر بالرحمة العامة، والخير الشامل، كالشمس والمطر.
والملك وأصحابه إذا عاونونا على تخليص الأسرى والإحسان إليهم كان الحظ الأوفر لهم في ذلك في الدنيا والآخرة.
أما في الآخرة فإن الله يثيب على ذلك ويأجر عليه، وهذا مما لا ريب فيه عند العلماء المسيحيين الذين لا يتبعون الهوى؛ بل كل من اتقى الله وأنصف علم أنهم أسروا بغير حق، لا سيما من أخذ غدراً، والله تعالى لم يأمر المسيح ولا أحداً من الحواريين. ولا من اتبع المسيح على دينه؛ لا بأسر أهل ملة إبراهيم، ولا بقتلهم، وكيف وعامة النصارى يقرون بأن محمداً رسول الأميين؟! فكيف يجوز أن يقاتل أهل دين اتبعوا رسولهم".
ثم يعود الشيخ بعد ذلك إلى أسلوب الوعد والاستمالة والوعيد.. فيقول:
"وما زال في النصارى من الملوك والقسيسين والرهبان والعامة من له مزية على غيره في المعرفة والدين؛ فيعرف بعض الحق، وينقاد لكثير منه، ويعرف من قدر الإسلام وأهله ما يجهله غيره، فيعاملهم معاملة تكون نافعة له في الدنيا والآخرة. ثم في فكاك الأسير وثواب العتق من كلام الأنبياء والصديقين ما هو معروف لمن طلبه، فمهما عمل الملك معهم وجد ثمرته ".
ثم ختم بقوله:
"والذي أختم به الكتاب الوصية بالشيخ أبي العباس، وبغيره من الأسرى، والمساعدة لهم، والرفق بما عندهم من أهل القرآن، والامتناع من تغيير دين واحد منهم، وسوف يرى الملك عاقبة ذلك كله.
ونحن نجزي الملك على ذلك بأضعاف ما في نفسه. والله يعلم أني قاصد للملك الخير؛ لأن الله تعالى أمرنا بذلك، وشرع لنا أن نريد الخير لكل أحد، ونعطف على خلق الله، وندعوهم إلى الله، وإلى دينه، وندفع عنهم شياطين الإنس والجن.
والله المسئول أن يعين الملك على مصلحته التي هي عند الله المصلحة، وأن يخير له من الأقوال ما هو خير له عند الله، ويختم له بخاتمة خير. والحمد لله رب العالمين. وصلواته على أنبيائه المرسلين. ولا سيما محمد خاتم النبيين والمرسلين، والسلام عليهم أجمعين".
للتواصل: د. عبد الرحيم الشريف
[email protected]
______________
المرجع: فتاوى ابن تيمية ج28 ص601-630. نقلاً عن كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية والعمل الجماعي للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق.

القلب الحزين
28-12-2013, 03:55 PM
تأملات في ابتسامة سليمان عليه السلام


سامي الهسنياني
كاتب وباحث من كوردستان-العراق
[email protected]
هل شعرت يوماً بالراحة والاطمئنان وأنت تدخل على شخص غاضب منك وتراه يبتسم في وجهك؟ وهل شعرت بالسعادة وأنت تبتسم في وجه إخوانك وأصدقائك؟ وهل شعرت بأن الشفاء يسري في جسدك وأنت ترى الطبيب يبتسم في وجهك وهو يشخص لك العلاج؟ وهل علمت بأن الابتسامة لها فعل السحر في العقول؟ وهل شعرت بانجذاب نحو شخص يبتسم في وجهك كلما رآك؟ وهل علمت أخي القارئ الكريم بأن الابتسامة أصبحت علم يدرس وفن يمارس لتحسين العلاقات الاجتماعية وتنمية الجوانب الاقتصادية والدبلوماسية، وهل تعلم أن تم الاعتراف به كعلم في بداية القرن العشرين وسمي بعلم نفس الضحك.
لا شيء يعادل الابتسامة المشرقة، فهي سر من أسرار الجاذبية وطريق مختصر للتجاذب بين القلوب، فالابتسامة رمزا للصحة السليمة.
ذكر لنا القرآن الكريم قصة سليمان عليه السلام مع النملة وكيف أنه تبسّم لقولها، قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾سورة النمل. وقال رسول الله عليه السلام يحث المسلمين بطلاقة الوجه والتبسم في وجه بعضهم البعض، فقد قال: (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، وقال أيضاً (تبسمك في وجه أخيك صدقة)،وقال أيضاً : (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق).
وقد كان عليه الصلاة والسلام أكثر الناس تبسماً لأصحابه، يقول عبد الله بن الحارث بن حزم: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول المثل الصيني: إن الذي لا يحسن الابتسامة لا ينبغي له أن يفتح متجراً.
والابتسامة الصادقة النابعة من شغاف القلب هي التي تفعل فعل السحر وتجذب كالمغناطيس، وهي التي تزيد الوجه رونقا وبهاء؛ لا الابتسامة المصطنعة التي تخفي وراءها الكيد والمكر. وأن الطريقة المثلى للابتسامة هي أن تبتسم وأنت تنظر للشخص الذي تحدثه، فهذا سيعطيه شعوراً سريعاً بالأمن والاطمئنان، ودلالة على التواضع والمحبة.
والابتسامة اليوم أصبح ظاهرة حضارية لتعديل مزاج الإنسان وإزالة التوتر وضغوطات الحياة اليومية، وتفتح لها دورات خاصة لتعليم الآخرين الابتسامة في وجه المقابل.
يقول أحد العلماء: إن كل إنسان منا لديه مواد كيميائية خاصة تفرزها أجهزة جسمه عندما يتعرض للخوف أو الحزن أو الكآبة أو القلق. هذه المواد تكون في أدنى مستوى لها عندما تنظر لشخص قدم إليك وهو يبتسم في وجهك!!! لماذا؟ لأن هذه الابتسامة قد أزالت من ذهنك أي خوف أو قلق حول هذا الشخص. وبالنتيجة نستخلص أن الابتسامة هي أسلوب مهم للنجاح في الحياة. يقول العلم أنه عندما يبتسم الإنسان يتحرك من (5- 13) عضلة في الوجه، وعندما يكون في حالة تجهم وعبوس يعمل (47) عضلة...
والآن إلى أهم هذه التأملات:
مختصر القصة سليمان عليه السلام وجنوده يتفقدون الرعية، يمرون على وادٍ به نمل كثير فكانت القصة كما رواها القرآن الكريم. ومن الآية نستنتج ما يلي:
1- تبسم سليمان عليه السلام لكلام النملة هو بمثابة تبسم الكبير للضعيف الذي يخافه وهو لا ينوي أذاه.
2- تبسم سليمان عليه السلام لكلام النملة هو بمثابة تبسم الحاكم العادل للفقير الضعيف الذي يرجوا النجاة والخلاص دون أن يلحقه الأذى من الحاكم، وهو يرى تصرفات الضعيف الدالة على ذلك.
3- الابتسامة دلالة على أن سليمان عليه السلام لم يقصر في حق رعيته، وأنه مرتاح الضمير ومستقر نفسياً وأنه ايجابي التعامل مع الأحداث.
4- تبسمه لكلام النملة قد يكون من إعجابه بهذا المخلوق الصغير والضعيف، كيف انه يدافع عن مملكته منادياً فيهم الدخول في مساكنهم.
5- تبسمه لكلام النملة أعطى للنملة القوة في الكلام، وهو ما نلاحظه من الآية.
6- تبسمه لكلام النملة أدى إلى إنقاذ مملكة النمل من الدمار.
7- تبسمه دلالة على أن مطالب الضعفاء والمظلومين مجابة، وأن مطالبهم في أكثر الأحيان مقبولة.
8- تبسمه دلالة على أن للمظلوم حق أن يدافع عن نفسه أمام أي شخص كان وأن حقه راد إليه لا لظلم القوي على الفقير الضعيف، أي أن العدالة سارية آخذة مجراها.
9- على الحاكم أن يبتسم في وجه الرعية كبيرها وصغيرها، قويها وضعيفها، فقيرها وغنيها، حاضرها وغائبها، لا أن يبتسم للحاشية ويكشّر ويتهجّم أمام الرعية التي لا حول لها.
10- الابتسامة دلالة على أن الرعية في مأمن (الإنسان والحيوان ) كل مصان حقه. http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/7/57320700.jpg
11- دلالة على الشخصية السوية والمتزنة والشفافة والتي تتأثر بأي كلام صادر حتى ولو من ضعيف مهمش.
12- كلام النملة ذكّره بأن هناك في مملكته من لا يحسّ بهم إلا أن يلتقي بهم بموعد أو بغير موعد، فكان درس عظيم للحاكم العادل.
13- تبسمه شرح صدره بأن يدعوا الله تعالى ويشكر نعمه الجزيلة.
14- دلالة على أن المملكة في مأمن، لا خيانات ولا انقلابات.
15- دلالة على توفر العدالة الاجتماعية للجميع حتى الحيوان الصغير الذي له الحق بعيش رغيد في ظل حكم عادل.
16- وجود فسحة في حياة الحاكم وحياة الداعية فيه من اللهو المباح يتضمن الكلام الذي في نوع من الدعابة واللطائف، لتفريغ ضغوطات المسؤولية والحياة.
17- دلالة على وجوب اتخاذ الحاكم ندماء وظرّاف للترويح عنه بإلقاء النكت والطرائف البعيدة عن المجون، لتجديد حياة الحاكم اليومية، وإخراجه من دائرة الملل والروتين.
والآن إلى أهم التأملات التنموية للابتسامة:
معنى الابتسامة :
تعبر الابتسامة عن معان شتى منها :
الفرح والسرور – الانشراح – الاستقرار الداخلي – الثقة بالنفس – الشخصية السوية والمتوازنة – المحبة والود – القبول والموافقة – التواضع - وقد تعبر أيضاً عن : الخجل – الحرج – الحياء – اليأس- الفشل بعد المثابرة.
الفرق بين الابتسامة والضحك :
1- الابتسامة حالة دائمة (وهي نوع من الضحك اللطيف)، بينما الضحك حالة مؤقتة.
2- الابتسامة رد فعل للسرور، بنما الضحك قد يكون رد فعل للألم أيضا ً.
3- الابتسامة تأتي عن قناعة ورضا داخلي، بينما الضحك قد يأتي نتيجة لحالة مفاجئة طارئة.
4- يبقى مفعول الابتسامة طويلاً، بينما الضحك لا يلبث أن يتلاشى.http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/200466242-001.jpg
5- الابتسامة دليل التواضع، بينما الضحك إن صاحبه القهقهة دليل الكبر.
6- الابتسامة أصعب من الضحك لأنها تشمل التعامل مع فئات متنوعة من البشر على اختلاف طبائعهم ومشاربهم، بينما الضحك يشمل فئات منسجمة مع بعضها ومتقاربة.
7- في الابتسامة يراعي الآداب ( حركة بسيطة تظهر فيها نواجذ الأسنان)، بينما الضحك قد يتجاوز إلى ظهور لسان المزمار في الحلق.
المبتسم والسعادة والعمر:
والمبتسم شخص يشعر بالسعادة من أعماق داخله لذا تظهر ابتسامته شفافة صادقة تبعد عنه كما تقول دراسة حديثة بأن شعور المرء بالسعادة يجنبه الإصابة بنوبات القلب وأمراضه وبالسكتة الدماغية والإصابة بداء السكري بل وبالبدانة أيضاً وأمراض العقل باختلاف أنواعها وأنها تطيل عمر الإنسان بمقدار 12 سنة بعد مشيئة الله.
ويقول الأطباء إن السبب وراء ذلك بسيط للغاية فإن السعداء من الناس يفرزون كميات قليلة من هرمونين رئيسين للتوتر المضر بالصحة تسارع بشيخوخة كل عضو في جسم الإنسان.
فوائد الابتسامة الصحية:
- تحفظ للإنسان صحته النفسية والبدنية.
- تساعد على تخفيف ضغط الدم.
- تنشط الدورة الدموية.
- تزيد من مناعة الجسم ضد الأمراض والضغوطات النفسية والحياتية.
- يساعد المخ على الاحتفاظ بكمية كافية من الأوكسجين.
- لها آثار ايجابية على وظيفة القلب والبدن والمخ.
- يتمتع المبتسم بنبض سليم متزن.
- تسرِب الهدوء والطمأنينة إلى داخل النفس.
- تزيد الوجه جمالا وبهاء.
- الابتسامة نوع من العلاج الوقائي لأمراض العصر.
- صمام أمان من القلق والكبت.
- يخفف من حموضة المعدة.
- زيادة إفرازات الغدد الصم مثل غدة البنكرياس والغدد الكظرية والدرقية والنخامية
- يساعد على إزالة التوتر العصبي.
- علاج لحالات كثيرة من الصداع.
- يريح الأعصاب إلى الراحة والارتخاء.
- يقهر الأرق والكآبة.
- تكرار الابتسامة يريح الإنسان ويجعله أكثر استقراراً، بل إنهم وجدوا أن هذه الابتسامة تقلل من حالة الاكتئاب التي يمر بها الإنسان.
- يقول الأطباء ويفيد الابتسامة والضحك الخفيف في تحسين القدرة الجنسية، فضلاً عن دوره في إرخاء العضلات وإبطاء إيقاع النبض القلبي وخفض التوتر الشرياني، وأخيراً بدأ العلماء في استخدامه كأساس لإستراتيجية علاجية حقيقية، تقوم على استخدام تقنيات الاسترخاء واليوجا من خلال تعلم منكسات تنفسية وتمارين خاصة.
الابتسامة والتجاعيد:
أثبت بحث علمي في مصر أن تجهم الوجه ( التكشير والتقطيب) يؤثر بشكل فعال في ظهور التجاعيد على الوجه ولاسيما حول العينين. وأثبتت التجارب أن الابتسامة سلاح فعال ضد التجاعيد أو على أقل تقدير تؤثر الابتسامة في تأخير ظهور التجاعيد بسبب ارتخاء عضلات الوجه أثناء الابتسامة, ولذلك فإن العلماء يقدمون نصيحة ذهبية للناس ولاسيما النساء, ومن المهم للمرأة أن تكون دائمة الابتسامة حتى تحقق راحة النفس والاستقرار.
الابتسامة ونشاط العقل:
1- تزيد الابتسامة من نشاط الذهن .
2- تقوي القدرة على تثبيت الذكريات بتقوية الذاكرة.
3- توسيع ساحة الانتباه والتعمق الفكري.
4- يزيد قدرة الفرد على التخيل والإبداع ودقة التفكير.
5- تزيد من صفاء الذهن وعدم تشتته.
6- ينمي من القدرات الابداعية.
فوائد الابتسامة الدعوية:
1- طريق مختصر لكسب القلوب.
2- صدقة تكسبها بكل سهولة.
3- تطوير للمهارات الدعوية.
4- دليل على التربية الإسلامية السوية.
5- يجعل الآخرين أكثر تقبلاً لفكرتك ومنهجك.
6- مفتاح لهداية الكثيرين من الناس.
7- باب يوصلك إلى نفوس المخالفين لك.
8- تبسمك في وجه الآخرين صدقة جارية إلى يوم القيامة.
9- سنّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فوائد الابتسامة من الناحية الاجتماعية :
- سبب من أسباب السعادة والنجاح. يقول لنا اليوم علماء البرمجة اللغوية العصبية بأن أحد أساليب النجاح الأقل كلفة هو الابتسامة.
- كما تبين البحوث أن صاحبات الابتسامة الحلوة يستمتعن بتربية الأطفال ,وهن اجتماعيات ومرحات ويشعرن من حولهن بالدفء الإنساني , ويعتقد أن السبب في ذلك أن الإنسان يكون رد فعله ايجابيا عندما نبتسم له.
- تختزل الكثير من المفردات العاطفية التي يمكن أن نقولها للآخرين.
- يبقى ذكرها زمنا ً.
- رمز المودة والمحبة.
- رمز الود والدفء.
- يرشح أن يكون المبتسم سفيراً لحل النزاعات، وأن يكلف بالمهام الدبلوماسية.
- يساعد في امتصاص غضب الآخرين.
- يساعد على التكلم بكل هدوء ووضوح.
- يساعد على أن تفتح قلبك له.
- موضع اعتماد الآخرين.
- يساعد على التحدث للآخرين بلباقة.
- دلالة على شخصية سوية ومتوازنة.
- عبارة عن تحية صامتة.
- تزيل والأحقاد والتوترات والمشاحنات.
- ترسم في الذاكرة صورة إيجابية للمبتسم.
- أكثر الأشخاص جاذبية وثقة بالنفس.
- له قدرة على إقناع الآخرين.
- يساعد في حل المشكلات بكل سهولة.
- يبعث البهجة والسرور بين الناس.
- يساعد على كسب أصدقاء جدد.
- يرفع من الروح المعنوية.
فوائد الابتسامة من الناحية الاقتصادية:
- يقول مدير إحدى شركات الحديد والصلب : ( لقد أكسبتني ابتسامتي مليون دولار سنويا).
- (قصة) طلب عمال أحد المحلات التجارية الكبيرة في باريس رفع أجورهم، فرفض صاحب المحل، فما كان من عماله إلا أن اتفقوا على أن لا يبتسموا للزبائن كرد فعل على صاحب المحل، فأدى ذلك إلى انخفاض دخل المحل في الأسبوع الأول حوالي (60%) عن متوسط دخله في الأسابيع السابقة.
- فحسب تقرير نشرته مجموعة مينتيل للأبحاث التسويقية، فقد شهدت مبيعات منتجات الأسنان من مواد تبييض وخيوط بسبب الابتسامة ارتفاعاً ملحوظاً من (17) مليون جنيه إسترليني في عام (2001) إلى( 37) مليون جنيها في العام (2002).
- هل يمكن تصديق أن عمليات تجميل الأسنان باتت أغلى من عمليات تجميل أخرى؟. وما تتداوله الأوساط البريطانية حاليا أن مهنة تجميل الأسنان أصبحت من أكثر المهن التي تدر أرباحا على ممارسيها. فالعديد منهم كسبوا الملايين من ورائها، وكل ذلك بسبب الابتسامة وجاذبيتها، حيث أن لظهور الأسنان فيها دور بارز.
الابتسامة ودورات التنمية:
المبادرة الجديدة التي أطلقوا عليها "مبادرة الابتسامة" أعدتها وزارة التنمية الإدارية المصرية بالاشتراك مع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وحسب تصريحات الدكتور صفوت النحاس رئيس الجهاز فإنها تعد الأولى من نوعها، وتهدف إلى الارتقاء بمستوى أداء الخدمات الحكومية من خلال تدريب (24) ألف موظف على الابتسام في وجه الجمهور. وقد يكلف الدورة الأولى وهي لحوالي (750) موظفاً حوالي (480) ألف جنيه مصري.
استفدت من المصادر التالية:
1- علي غانم الطويل: الشخصية المغناطيسية.
2- جريدة الرياض السعودية العدد 13584 أيلول 2005.
3- موقع مجلة بوابة الكويت.
4- جريدة الثورة المصرية 26-6-2006.
5- جريدة الشرق الأوسط العدد 9673 مايو 2005.
6- موقع المهندس عبدالدائم الكحيل.
7- موقع إسلام أون لاين- نماء.
كتب في : 31/ 8/ 2006

القلب الحزين
28-12-2013, 03:56 PM
مؤتـة اللقاء الأول وآداب الحرب الإسلامية



أ. د. مسلم شلتوت
أستاذ بحوث الشمس والفضاء
المعهد القومي للبحوث الفكية والجيوفيزيقية بحلوان
بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الحارث بن عمير الأزردي بكتاب إلى أمير بصرى عامل هرقل على بصرى بالشام ، لكنه لم يصل إليه لأن شرحبيل بن عمرو الغساني وهو من أمراء هرقل على الشام رآه حين نزل مؤتة فقتله، ولم يقتل لرسول الله رسول غيره. ولما بلغ مقتل الحارث لرسول الله اشتد عليه الأمر. وفي جمادى الأولى سنة ثمان للهجرة بعث رسول الله زيد بن حارثة الكلبي في ثلاثة آلاف مقاتل وقال: " إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحه على الناس، فإن قتل فليرتضي المسلمون منهم رجلا فليجعلوه عليهم ". وودع رسول الله الجيش حتى بلغوا ثنية الوداع فقال : " اغزوا باسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم ، وستجدون رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم ، ولا تقتلن امرأة ولا صغيرا ضرعا، ولا كبيرا فانيا ، ولا تقربن نخلا ولا تقطعن شجرا ، ولا تهدمن بيتاً " .
بيّنت لنا وصية رسول الله لقائد الجيش زيد بن حارثة الكلبي سماحة الإسلام، وسمو مبادئه، وحرصه على صيانة المجتمع الإنساني من الذلة والهوان ، فقد أوصالهم بعدم التعرض للرهبان والعجزة والمرضى والنساء والأطفال والمنازل والمزارع، وتلك التعاليم التي تميزت بها حروب المسلمين في القرن الأول الهجري تتيح لنا أن نقارن بين هذه الحالة وبين ما رأيناه عبر ألف وأربعمائة عام ونراه في حروب العصر الحديث من وحشية في إزهاق أرواح الأبرياء وتدمير دور العبادة والمساكن والمدارس والمستشفيات كما يحدث الآن في أفغانستان وفلسطين.. فلقد كان الصليبيون والصهاينة غاية في السفالة والانحطاط على مر التاريخ وآداب الحرب غير واردة عندهم في حروبهم مع المسلمين وغير المسلمين وحتى مع أنفسهم.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/6/545469033.jpg
مشهد لبعض الجنود المسلمين (صورة من فلم الرسالة)
وصل جيش المسلمين إلى معان من أرض الشام، وكان الروم قد سمعوا بمسيرهم فحشدوا قواتهم في مآب ، وكانت تتراوح ما بين المائة ألف والمائتي ألف من الروم البيزنطي ومن القبائل الموالية لهم. فلما بلغ ذلك لجيش المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم، فقام عبد الله بن رواحه وقال: " يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون : الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنين ، إما ظهور (نصر) وإما شهادة وليست (أي الشهادة) بشر المنزلتين ". فقال المسلمون : صدق والله ابن رواحه. فمضى المسلمون حتى بلغوا قرية مؤتة، فالتقى الجيشان واقتتلوا قتالا شديدا، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله حتى قتل برماح العدو، ثم أخذ الراية جعفر ابن أبي طالب فقاتل بها حتى إذا ألحمه القتال نزل عن فرسه ثم قاتل حتى قتل، فأخذ الراية عبد الله بن رواحه ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي الله عنهم أجمعين. وارتضى المسلمون منهم رجلا هو خالد بن الوليد سيف الله المسلول فنصبوه عليهم قائداً. وقام خالد بن الوليد بمناورة بارعة نجح بها في الارتداد بجيش المسلمين بلا تدخل من الروم بعد معركة استمرت سبعة أيام استشهد فيها من المسلمين اثنا عشر رجلا، أما الروم فكانت خسائرهم أضعاف خسائر المسلمين مما أثر في إرادتهم القتالية حتى أنهم لم يقوموا بمطاردة المسلمين بعد مناورة خالد بن الوليد. كانت غزوة مؤتة هي المواجهة الأولى للمسلمين مع جيش الروم، وهو جيش منظم له مدرسته العسكرية الخاصة به، وله تاريخ حربي طويل. لم يكن دخول المسلمين المعركة في مؤتة في مواجهة عدو متفوق عملاً انتحارياً ولا تهورا، ولا إلقاء بالنفس إلى التهلكة، وإنما كان دخولهم لدفع ضريبة الشرف والعزة والكرامة ، ولرفع صوت الإسلام أمام هؤلاء الذين تمادوا في غيهم وضلالهم واستهانتهم بالإسلام. لقد أدرك الروم البيزنطي الإرادة القتالية العالية للمجاهدين المسلمين (الروح الاستشهادية) وهذا هو ما أرعد فرائصهم رغم تفوقهم الشديد في العدد والعدة، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " كنت فيهم في تلك الغزوة (مؤتة) فالتمسنا جعفر بن أبي طال، فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية". وذلك أبلغ دليل على انفراد الإسلام بأن المجاهد في سبيل الله يظل يقاتل في المعركة حتى الرمق الأخير، لأنه يستهدف الفوز بإحدى الحسنين النصر أو الشهادة .. من الغبي الذي قال أننا فقدنا جميع أسلحتنا كمسلمين في القرن الحادي والعشرين .. لا .. لم نفقد أهم سلاح بداخلنا وهو حب الاستشهاد في سبيل الله.. وستظل هذه الروح بداخلنا .. ما بقي القرآن في صدورنا .. إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
تعليق لمدير الموقع:
هناك لفتة إعجازية رائعة وهي أخبار النبي للصحابة بتسلسل مقتل الصحابة في معركة مؤتة عندما قال " إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحه على الناس، فإن قتل فليرتضي المسلمون منهم رجلا فليجعلوه عليهم " وحدث تماماً ما قاله النبي صلى الله عليه حيث استشهدوا بالترتيب تماماً كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الغيب ..... إنه رب العالمين.
التواصل مع المؤلف: [email protected]
الهاتف : 0020105156443

القلب الحزين
28-12-2013, 03:58 PM
سـلاحنا الحقيقي


ماهيته - وهل يكفى وحده لمجابهة عدونا ؟
بقلم أحمـد حسين خليل
كلية الدراسات الإسلامية - جامعة الأزهر
كل إنسان مهما علا فكره وقوى عقله, أو انحطت فطرته وضعفت فطنته يجد من نفسه أنه مغلوب لقوه أسمى من قوته ما أنس منه الغلبة عليه ممن حوله, و تشعر كل نفس أنها مسوقه لتلك القوه فتطلبها من حسها تارة ومن عقلها تارة أخرى, وقد ذهب كل في طلبها, فمنهم من تأولها في بعض الحيوانات ومنهم من تمثلت له في بعض الكواكب ومنهم من وجدها في النار كالمجوس, ومنهم من صورها في أحجار عبدها .
أما ذوى البصائر من أصحاب العقول الراجحة فقد توصلوا إلى معرفة واهب الوجود الحقيقي, وعرفوا أن هناك إلها واحد هو المنفرد بكل كمال , وهو واهب الحياة, واهب القوه, ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير.
والإنسان مكون أساسا من ماده وروح ولا بد منهما معاً لتكوين إنسان فلا يكفى أحدهما دون الآخر, أشار إلى ذلك القرآن الكريم ؛ قال تعالى إشارةً إلى المكوِّن المادي :- ( إِذْ قَاْلَ رَبُّكَ لِلْمَلَاْئِكَةِ إِنِّىْ خَاْلِقٌ بَشَرَاً مِّنْ طِيْنٍ) (1), وإلى الركن الثاني ( فَإِذَاْ سَوُّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيْهِ مِنْ رُوْحِيْ فَقَعُوْا لَهُ سَاْجِدِيْنَ )(2), وكل من المكونين له تأثير فالعنصر المادي له تأثير مادي يُعرف بالبطش والقوه والمعنوي له تأثير يُعرف بقوة العزيمة والإرادة .
ولكن القوه المعنوية أعم من المادية وأشمل, فالمادية لا تتوفر إلا لدى فئة من الشباب بخلاف المعنوية فقد يملكها الشاب والشيخ والمرأة والصغير وغيرهم, كما أن الشخص لا يبلغ المراد بالاعتماد على القوه المادية فقط, ولكنه يبلغه بالقوة المعنوية بالتوكل على الله عز وجل.
تلك القوه هي التي قال عنها النبي – صلى الله عليه وسلم – (المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)(3).
تلك القوه هي التي جعلت أخت عمر بن الخطاب تصمد أمام جبروته وغلظته فتعجب من ذلك وعلم أن وراء ذلك أمراً عظيماً فكانت سبباً قوياً لإسلامه.
إذن فالقوه المادية تفتقر إلى المعنوية وليس العكس, وكلاهما يُستمد من الله تعالى, كما أن غذاء القوة المادية – غذاء الجسد - مادي, أما غذاء الروح فهو يكمن في الذل والافتقار والتوكل على الله عز وجل.
ويتجلى الفرق بين القوتين؛ ويتضح وضوح الشمس في رمضان حيث انقطاع الغذاء عن المكوِّن المادي للإنسان, وازدياده تزايداً كبيراً للمكوِّن المعنوي فنجد أن ذلك لا يعد عائقاً للمؤمن بل هو منتهى القوة.
ولعلنا ندرك أن تلك هي الحكمة من الصيام وهى قطع الغذاء عن الجسد, وفى الوقت نفسه زيادته للروح حتى تسمو الروح لخالقها فتكون أفضل من الملائكة.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/6/545.jpg
سلاحنا الحقيقي بعد الأخذ بالأسباب هو دعاء الله والتوكل عليه وأتباع منهجه

و إذا رجعنا بالتاريخ سوياً حيث العهد الأول للإسلام؛ حيث الصحابة الأوائل ممن أدركوا هذا المعنى فتسلحوا بالسلاح الحقيقي حتى ملكو القوه الحقيقية, نجد أنهم فطنو أسباب النصر والتمسوها من مظانها فدانت لهم الدنيا, وغزواتهم خير شاهد على ذلك.
ففي غزوة بدر :- بماذا تسلح جيش المسلمين ؟ , وبماذا تسلح جيش المشركين ؟ ولمن كان النصر ؟
كانت الغزوة في رمضان حيث انقطاع الغذاء المادي عن المسلمين, في الوقت الذي كان فيه المشركين مفطرين حيث وجود الغذاء المادي لهم.
قوام الجيش الإسلامي كان ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ولم يكن معهم إلا فرس(4)أو فرسان وسبعون بعيراً, في الوقت الذي بلغ فيه قوام الجيش المكي نحو ألف وثلاثمائة مقاتل وكان معهم مئة فرس وستمائة درع وجمال كثيرة لا يعرف عددها.
إذن فقد ملكو من المقومات المادية أضعاف ما ملك المسلمون , ولكن ! – رغم ذلك كله – كانت الغلبة للمؤمنين لأنهم ملكو السلاح الحقيقي , السلاح الذي لا يخيب قاصده, بينما كان ذلك السلاح بعيد المنال عن جيش المشركين.
فبمجرد بدء المعركة أول شيء فعله الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن لجأ إلى واهب القوه الحقيقى طالباً العون منه وحده موقنا أن النصر لا يكون إلا من عنده (وَمَاْ اَلْنَّصْرُ إِلَّاْ مِنْ عِنْدِ اَللَّهِ )(5)فناجاه بالدعاء رافعاً أكف الضراعة بدعاء قد استكمل مقومات القبول, وكلمات اخترقت عنان السماء, لا أدل منها على ضعف قائلها أمام ربه ؛ فقال :- " اللهم إن هذه قريش قد أقبلت بخُيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك , اللهم فنصرك الذي وعدتنى اللهم أحنهم الغداة "(6)وظل يناشد ربه حتى إن حمى الوطيس واستدارت رَحْىُ الحرب قال : "اللهم إن تُهْلك هذه العصابة لا تُعبد, اللهم إن شئت لا تُعبد بعد اليوم أبدا " , وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه فرده عليه الصديق وقال – وهذا هو الشاهد - "حسبك يا رسول الله ألححت على ربـك " .
إذن: تمسك المؤمنون بمبدئهم وطلبوا العون من ربهم فكانت الإجابة في الحال أوحى الله إلى رسوله ( أَنِّىْ مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ اَلْمَلْائِكَةِ مُرْدِفِيْنَ )(7)أي ردف لكم, أو يردف بعضهم إرسالاً فلا يأتون دفعة واحده.
وأوحى إلى الملائكة (إِذْ يُوْحِىْ رَبُّكَ إِلَىْ اَلمْلََاْئِكَةِ أَنِّىْ مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ اَلَّذِيْنَ آمَنُواْ سَأُلْقِىْ فِىْ قُلُوْبِ اَلَّذِيْنَ كَفَرُوْا اَلْرُّعْبَ فَاْضْرِبُوْا فَوْقَ اَلْأَعْنَاْقِ وَاْضْرِبُوْا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَاْنٍ)(8), وبدأت الملائكة تقاتل مع المسلمين بأمر من الله تعالى لأنهم-أي المسلمين- فطنوا طريق النصر فكانت النتيجة: (إِذْ تَسْتَغِيْثُوْنَ رَبَّكُمْ فَاْسْتَجَاْبَ لَكُمْ).
إذن فالنصر من عند الله ,أما البشر فمهما بلغ من قوه بدون عون الله فهي قوة واهية فانية, فها هو الرسول –صلى الله عليه وسلم – يخرج من عريشه فيأخذ حفنة من الحصباء ويستقبل بها قريشا ويقول : " شاهت وجوههم " ويرمى بها وجوههم فما من أحد منهم إلا و أصابت عينيه ومنخريه وفمه, فهل الرسول – صلى الله عليه وسلم – بقوته المحدودة مهما بلغت – كبشر – يستطيع أن يصيب أكثر من ألف وثلاثمائة برمية واحده ؟ أم هو تأييد الله ؟ (وَمَاْ رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِّنَّ اَللهَ رَمَىْ )(9).
يقول القرطبي في معنى قوله تعالى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اَللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّهُُ):- " أذلة معناها قليلون وذلك أنهم كانوا ثلاثمائة وثلاث عشر أو ثلاث مائه وأربعة عشر بينما عدد الكفار ما بين التسعمائة إلى الألف , "وأذله" جمع ذليل, و اسم الذل في هذا الموضع مستعار ولم يكونوا فى أنفسهم إلا أعزه ولكن نسبتهم إلى عددهم وإلى جميع الكفار في أقطار الأرض تقتضى ذلتهم وأنهم يغلبون "(10).
قال تعالى : ( وَاْذْكُرُوْا إِذْ أَنتُمْ قَلِيْلُُُُ مُّسْتَضْعَفُوْنَ في اَلأَرْضِ تَخَاْفُوْنَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ اَلْنَّاْسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ اَلْطَّيِّبَاْتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْنَ) (11).
وفى أُحُد :- لم تكن الظروف أفضل من يوم بدر؛ فقد كان جيش المسلمين آنذاك سبعمائة مقاتل, في الوقت الذي كان فيه قوام جيش المشركين ثلاثة آلاف مقاتل, وكان سلاح النقليات في جيشهم- أي المشركين- ثلاثة آلاف بعير, ومن سلاح الفرسان مائتا فرس جنبوها طول الطريق(12), وكان من سلاح الوقاية سبعمائة درع, ورغم كل هذه الأسلحة والعتاد – إذا ما قورنت بجيش المسلمين – إلا أن الله تعالى كتب النصر للمسلمين لأنهم تسلحوا بالسلاح الحقيقي, ولم تلحقهم الهزيمةُ بعد ذلك – إن صح القول – إلا بعد أن فرطوا في التمسك به, وسعوا وراء أمر دنيوي , فالحقيقة التي يجب الإذعان بها أن النصر لا يتأتى إلا من طريق واحد( وَمَاْ اَلْنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اَللهِ ) ولذلك لما حزن المسلمون من هزيمتهم في أحد وقالوا : كيف نهزم ومعنا سيد الخلق؛ رد عليهم القرآن بقوله (أَوَلَمَّاْ أَصَاْبَتْكُم مُصِيْبَةٌ قَدْ أصَبْتُم مِّثْلَيْهَاْ قُلْتُمْ أنَّىْ هَذَاْ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اَلَّلهَ عَلَىْ كُلِّ شَيْىٍء قَدِيْرٌ) (13).
وفى غزوة الأحزاب بعد أن تآمرت قريش مع اليهود وغيرهم من أعداء الإسلام وكونوا جيوشا عظيمة بغية القضاء على المسلمين مستخدمين نفس السلاح, فكونوا جيوشاً عظيمة تملك من العدد والعتاد ما لا يملكه المسلمون, ولكنهم أخطأو أسباب النصر فبعد أن ضاق الأمر بالمسلمين اهتدوا إلى خندق يحول بينهم وبين المشركين, وجاء المشركون وحاصرو المدينةَ, و هنا سأل المسلمون الرسول – صلى الله عليه وسلم - ماذا نفعل ؟ فأرشدهم قائلا: إذا حاصركم المشركون فقولو : " اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا ", ويصف القرآن الكريم موقف المسلمين فيقول : (وَلمَاَّ رَأَىْ اَلْمُؤْمِنُوْنَ اَلْأَحْزَاْبَ قَاْلُواْ هَذَاْ مَاْ وَعَدَنَاْ اَلَّلهُ وَرَسُوْلُهُ وَصَدَقَ اَلَّلهُ وَرَسُوْلُهُ وَمَاْ زَاْدَهُمْ إِلَّاْ إِيْمَاْنَاً وَتَسْلِيْمَا)(14),أما المنافقون فقد تزعزعت عقائدهم لرؤية هذا الجيش (وَإِذْ يَقُوْلُ اَلْمُنَاْفِقُوْنَ وَالََّذِيْنَ فِىْ قُلُوْبِهِم مَرَضُُ مَّاْ وَعَدَنَاْ اَلَّلهُ وَرَسُوْلُهُ إِلَّا غُرُوْرَاْ)(15)
وكانت جيوش الأحزاب آنذاك تزيد على عشرين ألف مقاتل, في الوقت الذي كان فيه قوام جيش المسلمين ثلاثة آلاف مقاتل - (لعل الفرق بين الجيشين واضح)
بل و يشتد الأمر على المسلمين ويزداد سوءا عندما نقضت يهود قريظة العهد مع الرسول – صلى الله عليه وسلم – فلم يكن يحول بينهم وبين بنى قريظة شيء يمنعهم من ضربهم من الخلف, بينما كان أمامهم جيش عرمرم لم يكونوا يستطيعون الانصراف عنه, وكانت ذراريهم ونساؤهم بمقربة من هؤلاء الغادرين في غير منعة وحفظ, وصاروا كما وصفهم القرآن: (وَإِذْ زَاْغَتِ اَلْأَبْصَاْرُ وَبَلَغَتِ اَلْقُلُوْبُ اَلْحَنَاْجِرَ وَتَظُنُّوْنَ بِالَّلــهِ اَلْظُنُوْنَاْ . هُنَاْلِكَ اَبْتُلِىَ اَلْمُؤْمِنُوْنَ وَزُلْزِلُوْا زِلْزَاْلَاً شَدِيْدَاً (16).
ولكن التمسك بحبل الله المتين واللجوء إليه بالمناجاة, والثبات على الحق والصمود لأجله لا بد لهم من نتيجة إيجابية مهما قل العدد وقلت العدة, ترجم ذلك القرآن الكريم في آيات تشير كل كلمة منها إلى معنى واحد, و تقر مبدأً واحد ألا وهو (وَمَاْ اَلْنَّصْرُ إِلَّاْ مِنْ عِندِ اَللهِ إِنََّ اَللهَ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ).
فقال تعالى : (يَاْ أَيُّهَاْ اَلَّذِيْنَ آمَنُوْا اُذْكُرُوْا نِعْمَتَ اَللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاْءَتْكُمْ جُنُوُدٌ فَأَرْسَلْنَاْ عَلَيْهِمْ رِيْحَاً وَجُنُوْدَاً لَمْ تَرَوْهَاْ وَكَاْنَ اَلََّلهُ عَزِيْزَاً حَكِيْمَاً )(17).
أرسلنا عليهم ريحاً .............. جنودا لم تروها, تلك هي إجابة دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – والمسلمون معه " اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا ", و أيضا هي إجابة دعائه –صلى الله عليه وسلم - "اللهم منزل الكتاب , سريع الحساب , اهزم الأحزاب , اللهم اهزمهم وزلزلهم " (18).
وصدق الله العظيم إذ يقول( وَرَدَّ اَلَّلهُ اَلَّذِيْنَ كَفَرُوْا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَاْلُوْا خَيْرَاْ وَكَفَىْ اَلَّلهُ اَلْمُؤْمِنِيْنَ اَلْقِتَاْلَ وَكَاْنَ اَلَّلهُ قَوِيَّاً عَزِيْزَاْ (19).
يقول القرطبى فى معنى قوله تعالى " إِن يَنصُرْكُمُ اَللَّهُ فَلَاْ غَاْلِبَ لَكُمْ .... " أي عليه توكلوا فإنه يعينكم ويمنعكم من عدوكم فلا تغلبوا, " وَإِن يَخْذُلْكُمْ .." أي يترككم من معونته فمن ذا الذي ينصركم من بعده, أي لا ينصركم أحد من بعده أي من بعد خذلانه إياكم لأنه قال : "وَإِن يَخْذُلْكُمْ " والخذلان ترك العون , والمخذول المتروك الذي لا يعبأ به .... (20) , على عكس هذا كله إذا ألقينا الضوء على غزوة حُنَيْن , تلك الغزوه التى اعتمد المسلمون فيها على قوتهم المادية, فقد كان قوام جيشهم حينئذ اثنا عشر ألف مقاتل, ومعهم من السلاح والعدة الكثير, والغزوة في شوا , وكانوا في عزة ومنعة وحفظ, حينئذ وقفت جيوش المسلمين, ونظروا إلى سيوفهم تسطع بريقاً من ضوء الشمس وقالو :" لن نهزم اليوم من قله ".
اغتروا بقوتهم (المحدودة ) ونسوا - ولو للحظات – أن الله تعالى وحده هو واهب النصر والقوه , فماذا كانت النتيجة ؟
كانت على عكس بدر والأحزاب , على الرغم من الفرق الواضح بينهما وبين حنين من ناحية التعبئة المادية, لكن – وكما قلنا سابقاً – ليست تلك هي مفاتيح النصر , زلزل الله الأرض من تحتهم وألقى في قلوبهم الرعب فتشتتوا وفروا إلا قليل منهم(21).
ويصف القرآن الكريم موقف المسلمين فيقول تعالى (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اَلََّلهُ فِِىْ مَوَاْطِنَ كَثِيْرَةً وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئَاً وَضَاْقَتْ عَلَيْكُمُ اَلْأَرْضُ بِمَاْ رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُدْبِرِيْنَ . ثُمَّ أَنزَلَ اَلَّلهُ سَكِيْنَتَهُ عَلَىْ رَسُوْلِهِ وَعَلَىْ اَلْمُؤْمِنِيْنَ وَأَنزَلَ جُنُوْدَاً لَمْ تَرَوْهَاْ وَعَذَّبَ اَلَّذِيْنَ كَفَرُوْا وَذَلِكَ جَزَاْءُ اَلْكَاْفِرِيْنَ)(22).
قال ابن جريج عن مجاهد في تفسير هذه الآية : " هذه أول آية نزلت من براءة يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله, وأن ذلك من عنده تعالى وبتأييده وتقديره لا بعددهم ولا بعددهم ونبههم على أن النصر من عنده سواء قل الجمع أو كثر فإن يوم حنين أعجبتهم كثرتهم ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئاً فولوا مدبرين إلا القليل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنزل نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه كما سنبينه إن شاء الله تعالى مفصلاً ليعلمهم أن النصر من عنده تعالى وحده وبإمداده وإن قل الجمع فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين "(23).
غاية ما نخلص إليه أن منتهى القوه أن نلجأ إلى لله عز وجل, ومنتهى العزة أن ننكسر لله عز وجل, و منتهى الغلبة أن نخضع لله عز وجل.
وحروب المسلمين بعد ذلك وانتصاراتهم المتعاقبة على أعدائهم أمثال الفرس والروم حتى دانت لهم الأرض لم تأت إلا نتيجة إقرارهم لهذا المبدأ.
ولا يعنى هذا أن نتواكل فنقف ثباتاً منتظرين العون من الله تعالى, أو منتظرين النصر دون أن نقدم أسبابه , فالله تعالى لم يأمرنا بذلك, بل علينا أن نلتمس أسباب النصر ببذل الجهد والمشقة, ونستنفذ كل ما أوتينا من قوه ثم نطلب النصر من الله عز وجل .
فلا يخفى علينا ما عاناه النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يوم بدر , وأُحُد , وما عانوه جميعا يوم الخندق, فقد كانوا يحفرون بجد وعزيمة رغم الجوع والتعب , حتى وصل بهم الأمر إلى أن يربطون الحجارة على بطونهم , والرسول معهم يربط الحجر والحجرين(24)
وما عانوه حين قاوموا الكفار بالنبال وغيرها خشية أن يخترقوا الخندق , وما عاناه الرسول –صلى الله عليه وسلم- في ذلك كله من إعداد للجيوش, وغير ذلك مما يطول شرحه, بعد كل هذا رفعوا أكف الضراعة طالبين العون والنصر من الله عز وجل .
إذن فالتوكل بمفهومه الصحيح يعنى تحقيق المعادلة الصعبة بمعنى بذل الجهد واستنفاذ القوى بغية النصر , وفى نفس الوقت طلب العون والافتقار له سبحانه.
والقرآن الكريم يصف ذلك , قال تعالى إشارة إلى الشق الأول (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّاْ اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاْطِ الْخَيْلِ.... )(25),وقال إشارة إلى الشق الثاني(وَمَاْ اَلْنَّصْرُ إِلَّاْ مِنْ عِندِ اَللهِ ), ثم عمم ذلك قائلا :- (وَجَاْهِدُوْا فِيْ اَللهِ حَقَّ جِهَاْدِهِ)(26).
ولذلك لما بلغ المسلمون في بدر منتهى القوه -قوة الإيمان- أخبرهم الله تعالى بقوله (يَـاْ أَيُّهَاْ اَلْنَّبِىُّ حَسْبُكَ اَللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مَنِ اَلْمُؤْمِنِيْنَ . يَاْ أَيُّهَاْ اَلْنَّبِىُّ حَرِّضِ اَلْمُؤْمِنِيْنَ عَلَىْ اَلْقِتَاْلِ إِن يَّكُن مِّنكُمْ عِشْرُوْنَ صَاْبِرُوْنَ يَغْلِبُوْا مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَّكُن مِّنكُمْ مِاْئَةُُُ يَغْلِبُوْا أَلْفَاً مِّنَ اَلَّذِيْنَ كَفَرُوْا بِأَنَّهُمْ قَوْمُُ لَاْ يَفْقَهُوْنَ)(27).
وبعد ذلك , بعد أن اضمحل الإيمان تدريجيا , فى نفس الوقت الذى تزايد فيه عددهم يخبرهم قائلا : (اَلآنَ خَفَّفَ اَلَّلهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيْكُمْ ضَعْفَاً فَإِن يَّكُن مِّنكُم مِّاْئَةُُُُ صَـاْبِرَةُُ يَّغْلِبُوْا مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَّكُن مِّنكُمْ أَلْفُُ يَّغْلِبُوْا أَلْفَيْنِ)(28),ثم يردف قائلا : (بِإِذْنِ اَللهِ وَاَللَّهُ مَعَ اَلْصَاْبِرِيْنَ )(29)
إذن فالضعف الحقيقي؛ ليس ضعف العدد والعدة, وليس ضعف الجمع, إنما الضعف الحقيقي هو ضعف القلوب, ضعف العقائد والعزائم, الضعف الحقيقي يكمن في التفريط في منهج الحق سبحانه.
فلننظر إلى يأجوج ومأجوج بقوتهم و جمعهم بماذا أهلكهم الله ؟
وها هم أصحاب الفيل بجيوشهم وجموعهم بماذا أهلكهم الله ؟
, وما نحن فيه الآن – رغم عددنا وثرواتنا – هو منتهى الضعف , وهو ليس إلا نتيجة تفريطنا في منهجنا ودستورنا, وسعينا وراء أسباب أشبه بالسراب , بل هي السراب (وَمَاْ أَصَاْبَكُم مِّن مُّصِيْبَةٍ فَبِمَاْ كَسَبَتْ أَيْدِيْكُمْ (30), ونسينا أن المذلة فى ترك الإيمان فأخطأنا طريق العزه كما وصفه القرآن (مَن كَاْنَ يُرِيْدُ اَلْعِـزَّةَ فَلِلَّهِ اَلْعِزَّةُ جَمِيْعَاْ )(31).
فلندعوا الله أن نستعيد هيبتنا وعزتنا وتراثنا وأمجادنا التي خلفها لنا الأولون, ولن نكون كذلك إلا إذا صرنا كما قال القرآن: (مُحَمَّـدٌ رَّسُوْلُ اَللهِ وَالَّذِيْنَ مَعَهُ أَشِــدَّاءُ عَلَىْ الْكُفاْرِ رُحَمَـاْءُ بَيْنَهُمْ تَرَاْهُمْ رُكَّعَاً سُجَّــدَاً يَّبْتَغُوْنَ فَضْلًا مِّنَ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيْمَاْهُمْ في وُجُوْهِهِم مِّنْ أَثَرِ اَلْسُّجُوْدِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ في الْتوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ في الْإِنجِيْلِ ..)(32).
أحمـد حسين خليل
كلية الدراسات الإسلامية
جامعة الأزهر
بريد اليكتروني :- [email protected]
الهوامش:
(1) سورة ص آيه 71 (2) ص 72 (3) أخرجه مسلم في صحيحه , وأحمد في مسنده , وابن ماجة في سننه – عن أبى هريرة (4)كما رواه أبو يعلى وأحمد فى مسندهما .(5) آل عمران126 (6) الرحيق المختوم (7) الأنفال 9 (8) الأنفال 12 (9) الأنفال 17 (10) الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي جـ4 ص 166 ,177 (11) الأنفال26 (12)زاد المعاد 2/92وهو المعروف , وفى فتح البارى: مائة فرس 7/346 (13)آل عمران 165 (14) الأحزاب 22 (15) الأحزاب12 (16) الأحزاب 10,11 (17) صحيح البخاري كتاب الجهاد 1/411 , المغازى 2/590 (18) الأحزاب 9 (19) الأحزاب 25 (20) الجامع لأحكام القرآن – القرطبى جـ4 ص 213 فى تفسير الآيه 160 من سورة آل عمران (21) الرحيق المختوم ص 317(22) التوبه 25 , 26 (23) تفسير ابن كثير جـ 4 ص 159 وما بعدها .(24) ابن هشام جـ 3 ص 336 (25) الأنفال 60 (26) الحج 78 (27) الأنفال 64 ,65 (28) الأنفال 66 (29) المرجع السابق (30)الشورى 30 (31) فاطر 10 (32) الفتح 29
أهم المصادر والمراجع

(1) القرآن الكريم : جل من أنزله
(2) الحديث الشريف : صحيح البخارى – صحيح مسلم – سنن أبى داوود – سنن ابن ماجه – مسند الإمام أحمد – سنن الترمذي – مسند أبى يعلى .
(3) الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي .
(4) تفسير ابن كثير.
(5) سيرة ابن هشام.
(6) زاد المعاد .
(7) الرحيق المختوم .

القلب الحزين
28-12-2013, 03:58 PM
الدروس المستفادة من قصة قارون


سامي الهسنياني
[email protected] (http://us.f382.mail.yahoo.com/ym/[email protected])
من أكثر القصص عرضا في القرآن الكريم وتكرارا قصة نبي الله موسى (عليه السلام) منذ ولادته حتى بعد هلاك فرعون وما جرى بينهم وبين موسى وقومه. ومن تلك القصص الداعية للتأمل والتوقف قصة قارون مع قومه، ومع موسى (عليه السلام)، قارون الذي يمثل القوة الاقتصادية الطاغية في وقته، وحتما فهو يملك أيضا النفوذ السياسي والقوة السياسية في القصر الفرعوني، وهو بذلك يمتلك مصادر القوة والوجاهة والكلمة المسموعة. وموسى (عليه السلام ) وأتباعه الذين يمثلون الجانب الإيماني الداعي إلى الله تعالى بالكلمة والموعظة الحسنة والتذكير بالآخرة، مع عدم نسيان نصيب الدنيا والأخذ منها بقدر الحاجة ، لكن كان الرفض الشديد من الجانب الأول وبكل قوة مفتخرا بماله وجاهه، فكان ما كان.
قال تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ. فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ. فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ . وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾(القصص:76- 82).

قال تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾
قارون من قوم موسى (عليه السلام)أي من ضمن الجماعة المرسل إليهم موسى عليه السلام.
1- قارون ليس من أهل موسى لأن أهله إلا المؤمنون بدعوته ورسالته،لأن الأهل لا يعتمد على درجة القرابة.
2- قد يكون من الذين أمنوا بدعوة موسى (عليه السلام) في أول الأمر، ثم ما إن فتح الله عليه من الأموال والكنوز نسي ما كان يدعى إليه؛ لاشتغاله بثروته، فتمرد على الحق والخير.
قال تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ.﴾
1- فتح الله تعالى عليه أبواب الثراء الفاحش من : ذهب وفضة ومعادن مختلفة.... .
2- امتلاكه العلم والمعرفة في طرق جمع المال.
3- امتلاكه طرق تمويل واستثمار المال وطرق حفظه وحمايته.
4- عمل جماعات من الخدم والحشم في حماية ماله وحفظ مفاتحه.
3- ظلم وبغي قارون تجاوز الحد، إذ ظلم نفسه وظلم قومه وتطاول عليهم .
4- ملك أسباب الوصول إلى الثراء الاقتصادي، حتى كان القطب الأعظم، مقابل القطب السياسي فرعون،والاثنان يمثلان احتكار السوق والتجارة، واحتكار أفكار وعقول الجماهير الساذجة التي رضيت بالواقع.
قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾
1- وجود دعاة في القوم يذكرون قارون بالله تعالى، معينين لموسى وأخيه عليهما السلام.
2- قولهم (لا تفرح) يعني لا تفرح فرح البطرين الناسين حقوق الله تعالى ، الفرح المؤدي إلى ظلم العباد واستبدادهم- الفرح الذي لا يأتي إلا بتعذيب واضطهاد الفقراء والضعفاء.
3- قومه هنا المؤمنون بدعوة موسى الحرصين لهداية قارون، العارفين ما سيؤول إليه أمره إن لم يؤمن ، وهم يمثلون الجماعة المؤمنة التي ترفع صوتها لتغيير الواقع وإصلاح ما فسد منه.
4- وقد يكون من بين القوم من غير المؤمنين أيضا، الذين أدى بهم ظلم وطغيان قارون إلى حالة من الضعف المادي والفقر والجوع والمرض؛ نتيجة احتكار قارون طرق المعيشة، وعند مشاهدتهم ما يقوله المؤمنون لقارون، تحرك فيهم الجرأة والشجاعة لأن يقفوا في صف المؤمنين.
قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾
1- تربى على يد موسى وأخيه دعاة من الطراز الأول ورثوا الدعوة وقاموا بواجبهم الدعوي بالأسلوب الجميل والعبارة الموجزة، وحوارهم مع قارون خير دليل.
2- تذكير قارون بأن عمله هذا هو عمل المفسدين ، إن لم يؤمن ويصرف الأموال في عمارة الأرض، ومساعدة المحتاجين.
3- تذكير قارون بأن يوازن في الإنفاق، بأن يحسن إلى الناس كما أحسن الله تعالى عليه.
4- قارون كان يظن أن عمله هذا هو عمل المصلحين في نظره ، ولكن في نظر المصلحين هو عمل المفسدين، فعمله إن استمر فإنه سيؤدي إلى فساد في الأرض، ويصيب الإنسان والحيوان والنبات والجماد.
قال تعالى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾
1- التباهي بالعلم (على علم عندي)، علم لم يتعلمه من أحد لا يعترف بذلك، وهذه الكنوز والأموال هي نتيجة جدي واجتهادي وذكائي، لا دخل لأحد في ذلك.
2- حبه لأمواله سد عليه منافذ التفكير السليم، والتصرف الصحيح.
3- دخوله في دائرة كفران النعمة وكفر الإنكار والجحود.
4- حبه للتفاخر والتباهي والعظمة أمام الجماهير الحاضرة.
5- في قوله دلالة على أنه لا يعتمد على أحد في علمه، وأنه لا يريد أن يظهر ذلك.
6- حبه للظهور والتملك منعه من أن يعترف بوجود إله واحد أحد لا شريك له.
7- بما أنه يعتقد أن هذه الأموال نتيجة علمه، إذاً لا دخل لأحد فيه فلي الحق في التصرف كيف أشاء، حسب قوله.
8- على علم عندي، يعني لي الحق في اتخاذ الناس عبيدا، وكل ما عندهم فمن فضلي.
قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً.﴾
1- أدعى قارون العلم، لكنه نسي علوم التاريخ والسير وسقوط الظلم والطواغيت، وما جرى لأسلافه السابقين وما حل بهم نتيجة كفرهم وعنادهم.
2- وجود من هو أقوى منه، وأكثر جمعا وأموالا وعلما، جاء عليه العذاب والهلاك لكفرهم.
3- العلم والمال لا يمنعان وقوع العذاب والهلاك، وقد يأتي العذاب نتيجة التصرف الغير السليم للعلم والمال.
4- حب قارون للمال سد عليه منافذ التفكير السليم والاتعاظ لما مضى من هلاك الأقوام التي سبقته، نتيجة كفرهم وطغيانهم.

قال تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ.﴾
1- ليقوم قارون إخفاء عجزه أمام الجماهير وأمام الدعاة، قام بخطة لإلهاء الجماهير وهو الخروج بزينته بماله وذهبه وحليه ليسحر أعين وقلوب الحاضرين من الذين يبهرهم المال ويسلبهم عقولهم .
2- عرض القوة المادية والاقتصادية، في ظنه أنها تقهر المقابل وتغريه، وتثبطه عما يدعوا إليه.
3- إلهاء السواد الأعظم من الجماهير عما يدعوا إليه موسى (عليه السلام) وأتباعه.
4- بعمله هذا قد يريد ميل قلوب بعض المؤيدين لموسى (عليه السلام) لجانبه.
قال تعالى: ﴿قَالََ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.﴾
1- صنف في كل زمان ومكان، وهم أكثر الناس يتمنون أن يكون عندهم ما عند الغني من المال والكنوز.
2- هذا الصنف يمتاز بضعف الإيمان وتأرجحه وعدم ثباته في الشدائد.
3- قد ينطبق عليه صفة التحامل، إذ أكدوا بحظيّة قارون.
4- شعورهم بالدونية والازدراء من أنفسهم نتيجة لفقرهم، أو لضعفهم أمام قارون.
5- قد يكون هذا اختبار من الله تعالى ليمتحن به المؤمنين، ويمحصهم بمال قارون وزينته.
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ.﴾
1- صنف آخر وعى الحق والحقيقة، علم حقيقة الدنيا والآخرة، وهم عارفين بالنفوس المريضة العالقة بحب الدنيا.
2- صنف يعلم أن الآخرة خير وأبقى من كنوز الدنيا وليس كنوز قارون فقط.
3- دعاة قوم موسى – بعد أن وعظوا قارون – قاموا بواجبهم الدعوي والإيماني بتذكير هؤلاء الذين سيطر على عقولهم وقلوبهم عرض قارون لزينته، تذكيرهم بأهمية الإيمان والعمل الصالح للنجاة في الدنيا والآخرة.
4- صنف علموا أن القناعة خير علاج لمواجهة زينة قارون وماله.
5- لعل هذا التذكير يقلل من عدد الساقطين، لذا عمد الدعاة إلى بيان أهمية العمل الصالح في الدنيا والآخرة، وتحريك الجانب الإيماني الذي كشف عن ضعفه في قلوب بعض المؤمنين بهذا العرض .
قال تعالى: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ. ﴾
1- يسير هذا الكون وفق سنن إلهية كونية إلى يوم القيامة.
2- خسف قارون وثروته هو جزاء عمله السيئ وظلمه وطغيانه وبغيه، وكفره بموسى (عليه السلام) ودعوته.
3- أنصار الطغاة في الرخاء كثيرون، لأنهم أصحاب مصالح مشتركة، لكن إن يتعلق الأمر بأمر مصيري فلا أحد يعرف أحد ، ألا ترون معي أن قارون رغم قوته وثروته لم يتقدم أحد لنصرته ولو بكلمة واحدة عند وقوع العذاب.
قال تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ.﴾
1- بيان أهمية التذكير الإيماني إذ أوقد فيهم تذكير إخوانهم السابق لهم جذوة الإيمان الخامد في قلوبهم في لحظة من لحظات الغفلة والنسيان، بسبب عرض قارون بزينته، حيث أنابوا إلى الله تعالى بعد ما رأوا مصير قارون أمام أعينهم وما صار إليه . أيقنوا أن الله تعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء، وأن لا علاقة الحظ في ذلك فقط هو توريث المال باتخاذ الأسباب المؤدية إلى ذلك، لأن الله تعالى هو الواهب المعطي المانع، يعطي من يشاء ويمنع عن من يشاء للاختبار والابتلاء.
2- نجاة المؤمنين وهلاك الظالمين، هذا شأنهم إلى يوم القيامة.
الدروس والعبر
1- الدعوة بين الأغنياء وأصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي، وعدم تركهم وإهمالهم.
2- صاحب الثروة والجاه إن لم يكن مؤمنا بالله تعالى فهو حتما سيظلم ويطغى على عباد الله .
3- يمثل قارون اليوم مؤسسات وشركات الاحتكار ومنظمات التجارة والاقتصاد التي تبتز أموال الفقراء والضعفاء من عباد الله بحجج واهية، أو مساعدتهم بشروط قاسية.
4- سيطرة فئة قليلة من الأثرياء على خيرات الملايين من الناس ومنعهم من العيش بأمان وطمأنينة، وما نلاحظه في أفريقيا وآسيا من جوع وفقر ومرض، وما سببه إلا الدول الغنية والحكومات الفاسدة والشركات الاحتكارية.
5- بصورة مباشر أو بغير مباشر الثروة تؤدي إلى السياسة، والمشاركة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي، وقد تخفى على الكثير من الناس هذا الأمر.
6- حماية المال العام وثروة الدولة باسم الأمن العام، أو الأمن القومي، أو باسم مصلحة الشعب، حيلة قديمة.
7- خداع السذج من الناس بتوظيف بعض العمال العملاء لحماية الممتلكات الخاصة باسم ممتلكات الشعب.
8- إلهاء الأنظمة الفاسدة جماهيرها بمناسبات: ( فنية- حفلات، مهرجانات ، بطولات، مسابقات) عند شعورها بالخطر، أو لغرض تمرير بعض القرارات، أو لإخفاء ما يجري خلف الكواليس.
9- وجود دوما من يدافع عن الظالم الباغي الذي يربط بينهم مصالح مادية مشتركة.
10- عند الشدة والعسرة لا أحد ينتصر لأحد، لأن عقد المصالح إلى زوال، وقد يحيك بعضهم للبعض الدسائس في السر.
11- وجود فئة أو جماعة مؤمنة تفكر وتنظر بعين الرضا إلى الأمور في كل زمان ومكان، وهي تضع مصلحتها جانبا لأجل مصلحة الجماهير.
12- تربية الدعاة على أسلوب الحوار والتفكير الهادئ.
13- التأكيد على التربية الإيمانية والروحية إلى جانب التربية الدعوية.
14- الفرح الذي ينشط القلب والتفكير والمزاج، الفرح بالحسنات والأعمال الصالحة فرح مطلوب، أما الفرح الذي ينسي الآخرة ويؤدي إلى البطر والغرور فهو فرح مذموم.
15- جمع المال وسيلة وليس غاية.
16- صاحب المال عند بعده عن الله تعالى، يعتقد أنه بحنكته وذكائه وشطارته جمع هذا المال ولا دخل لله في ذلك.
17- العلم المؤدي إلى المعرفة تصنع القوة الاقتصادية والسياسية وتساهم في صنع الحضارات.
18- الترف عامل من أقوى العوامل وأشدها تأثيرا في سقوط الأفراد والأمم والجماعات والدول، إلى هاوية الهلاك، وخاصة إن كان هذا الترف يبدأ من رأس السلطة السياسية والاقتصادية، فإن ساعة الهلاك تكون وشيكة.
19- أصحاب الإيمان الضعيف يتمنون أن يكون لهم مثل ما عند الأغنياء من أموال وكنوز( سيارات، عقارات، قصور، أرصدة،.....، ) لحسبهم أن ذلك مردّه إلى الحظ والنصيب.
20- عمر الظلم قصير مهما طال وتجبر.
21- نهاية قارون درس لكل دولة أو فرد أو حكم أو حزب أو مؤسسة، دكتاتوري، طاغي، متجبر ، على رقاب العباد إلى يوم القيامة.
22- هلك الله تعالى مال قارون معه لكي لا يفتن الذين من بعده ويتنافسوا على الدنيا، فيصبح في المجتمع قارونات عدة فينسوا الآخرة، ويكون دعوتهم أشد لتعلقهم بالدنيا.
23- اليوم عندما يسهّل الله تعالى زوال قارون وخاصة عن طريق القوة يبقي على ماله أحيانا ًليرى كيف يتعامل الآخرون مع هذا المال من سلب وغصب واقتتال من اجله، والذي ينجوا لا ينجوا من الفتنة وذلك لمنافسة بعضهم البعض على الاستحواذ أكثر.
24- وجود الجماعة المؤمنة، العالمة، المفكرة، التي تستطيع أن تحلل المواقف وتفسرها.
25- وجود الجماعة الحريصة لهداية الحيارى من الناس، في خضم الصراع النفسي والاجتماعي والاقتصادي، التي تشهده المجتمعات.
26- نشر الفكر الوسطي المعتدل بعيدا عن العنف والتطرف، بالوسائل الممكنة والمتاحة.
27- العلم إن لم يرافقه التقوى يؤدي إلى الكفر والإلحاد.
28- ضرورة وجود جماعة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في المجتمع.
29- ضرورة وجود جماعة، أو مجموعة منظمة ، أو مؤسسة خاصة تقول للغني ، من أين لك هذا؟ وخاصة إن كان هذا الغني في موقع من مواقع السلطة، ولم يعرف عنه الغنى من قبل، ومحاسبته أمام القانون.
30- استغلال الفرص للقيام بواجب الدعوة والتذكير، وخاصة المناسبات.
31- الله تعالى يعطي زينة الدنيا للمؤمن وللكافر عند اتخاذه الأسباب.
32- عند الأزمات على الجماعة أن تركز على التربية الداخلية، والحفاظ على الموجود لتقليل عدد المتساقطين.
33- الدعوة إلى العمل الدنيوي إلى جانب العمل الأخروي، مع مراعاة أن لا يطغى جانب على جانب.
34- تقوية الاقتصاد الداخلي والاكتفاء الذاتي،لمواجهة حالات التضخم أو العجز المالي، أو بسبب طوارئ السوق العالمية.
35- التربية بالأحداث خير معين للجماعة لتمحيص الصف الداخلي، وكشف المعادن من الدعاة.
36- الجماعة الناجحة هي التي تفسح المجال مرة أخرى لعودة المتساقطين للانضمام لصفوفها، بعد اختبارهم وتزكيتهم.
37- الصمود أمام الفتن يتطلب إيمان راسخ في قلب ثابت.
38- السقوط في طريق الدعوة والإيمان سنة ماضية إلى يوم القيامة؛ لذا يجب معرفة الأسباب المؤدية إلى ذلك علاجها.
39- ضرورة بقاء جذوة الإيمان متقدة في قلوب الدعاة ، ليتمكنوا من القيام بواجبهم الدعوي، وهذا يتطلب خلوات فردية أو جماعية لمراجعة الذات، أو النظر في سير الصالحين وكيف تعاملوا مع الدنيا .
40- الولوج في عالم التجارة والمال واجب مطلوب لتحقيق الكفاية المادية للفرد وللجماعة،ولأجل ذلك لابد من استثمار العقول النقية والتقية في ذلك.
41- تربية الدعاة أولا، والمؤمنين ثانيا على الرضا بما قسمه الله تعالى من زينة الدنيا من أموال وثروات في الفقر والغنى، إذ أكثر ما نخشاه هو فتح زينة الدنيا المؤدي إلى النكوس والقعود، ثم السقوط في النهاية إذا كانت البداية فاسدة.
42- تربية الدعاة على فقه التوازن الدنيوي والأخروي، لأن أكثر الساقطين في طريق الدعوة سببه المال أو إحدى طرق جمعه وامتلاكه.
43- يمكن أن يتكرر صور العذاب والهلاك في الوقت الحاضر ، بصور شتى .إن هلك قارون موسى فإن هناك قارونات كثر على مر التاريخ. وما أكثر اليوم من يقول : ( إنما أوتيته على علم عندي) .
44- عدم ذكر أسماء الدعاة دلالة على الإخلاص والصدق مع الله تعالى .
45- نجاة المؤمنين وهلاك الظالمين مستمر إلى يوم القيامة

القلب الحزين
28-12-2013, 03:59 PM
نداء عاجل إلى علماء الأمة الإسلامية ومفكريها


بقلم الدكتور حسين رضوان اللبيدي
يا علماء الأمة ومفكريها أمتكم تتعرض لحملات تشكيك وتلفيق تهدف الىما يأتي :
1- اضعاف العقيدة في قلوب شباب الأمة من خلال حملات التشكيك في كتاب الله الحق ودينه العالمي الخالد ونبيه الرحمة المهداة خاتم الإنبياء ، حتي تضعف الهوية في قلوب الشباب جهاز الأمة المناعي وخط دفاعها الأول .
2- اتهام الإسلام بأنه مدرسة الإرهاب تمهيدا لشن حرب عالمية عليه بهدف تركيعه ونهب ثرواته واستعباده ، منتهزين فرسة تخلف الأمة وتفككها ، وبعدها عن هوية الحق حصن الأمان في حمي المهيمن القهار .
3- أتهام الإسلام بالتخلف والرجعية لقيادة حملة احتقار عالمي عليه لينفر الناس والدارسين منه .
يا علماء الأمة هذه الطعون تؤجج الحرب ضدكم وتجعل لها مبرر عالمي ، وتقود موجة احتقار لكم وعداء تبيح دمكم وعرضكم وارضكم ، وأنتم ساكتون ، او في القشور تعملون او بالعواطف السطحية تنفعلون .
نحن بحاجة الي مؤتمر فكري عالمي قوي مستمر تشترك فيه كل الأمة بكل امكانياتها يتمخض عنه : برنامج إعلامي عالمي بكل الوسائل القوية المستمرة يهدف الي :
توحيد الأمة علي العامل المشترك كتاب الله وسنة النبي العالمي الخاتم ، وتنبيهها عن خطر الإختلاف والتفرق ، وأنه مدخل من مداخل الشياطين للقضاء عليها ، وأن نبين للأمة ولكل العقول العالمية ( لماذا القرآن الكريم هو كتاب الله الوحيد الخالد الباقي المحفوظ بلا منافس ؟) ( ولماذا الإسلام طوق النجاة للحضارة العالمية بلا بديل ؟ )، وكيف أن الإسلام قاد العالم قرابة الألف عام بالحق والعدل والحرية وعلم الكون التوحيد الحق . ونشر في ربوع العالم العلم والأمن والأمان ، وكيف احتضن اهل الكتاب وحمي اعراضهم ومعابدهم قرابة الألف عام .
ولو عرف عقلاء العالم ومفكريه من قادة الحضارة ، لو عرفوا معجزة القرآن وحضارة الإسلام فأنهم – وهم قادة العالم – سيحترمون الأمة ويدافعون عنها ويدعمونها ، وسيشكل ذلك دعما عالميا لأمن الأمة وعمقا استراتجيا لها .
وسيعود ابناء الأمة المنتشرين في كل العالم الي هوية الحق فيبشرون بدينهم ويتواصلون مع امتهم ويدافعون عنها بالحجة العقلية ، ويشكلون خط دفاع فكري لأمتهم في كل الأرض .
وعلي كل الأمة الآن ان تتوحد وتنبذ الخلافات المدمرة لها، وتحتسب ما فات لله فلا وقت لتصفية الحسابات فالأمة كلها في مركب واحد ان غرق غرقنا جميعا وان جري بأعين الله نجونا جميعا، علينا جميعا ان نتوب الي الله وننسي ما حدث بيننا من الفتن لوجه الله ونعود ملتفين حول العامل المشترق كتاب الله وسنة المصطفى.
يا علماء الأمة حسابكم عسير ان لم تفعلوها ، فبكم تتوحد الأمة وبكم تتواصل وبكم تعلم عظمة دينها وتعود الي هويتها .
اعلنوا الولاء والبراء وبرئوا زمتكم فأنتم أول من يحاسب ، ان لم تفعلوها فأنتم طلاب دنيا وشهرة وسيحاسبكم الله .
( والبرنامج العالمي جاهز للتفعيل )
حددوا مكان المؤتمر( بعد جلسة تحضيرية فكرية ) في مهبط الوحي او في مدينة رسول الله او في القاهرة او في السودان ، او انقلوه من بلد الي بلد .ألا هل بلغت اللهم أشهد ولا حول ولا قوة إلا بالله

د / حسين رضوان سليمان اللبيدى
( مدير مستشفى ) وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة سابقا
وعضو جمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بالقاهرة وجنوب الوادي
مصر – سوهاج -- برديس بجوار مجلس بلدي برديس ( العنوان البريدي )
0127580446 /مصر
من خارج مصر: 0020127580446
Email : [email protected]

القلب الحزين
28-12-2013, 04:03 PM
العقل والوحي وقضية الإيمان بالغيب



بقلم الدكتور حسين اللبيدي
عضو الهيئة العالمية في الإعجاز العلمي في القرآن
والطبيب والباحث في المخ البشري
المقصود بالغيب هنا الله سبحانه وتعالى وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإيمان هنا يعنى اليقين في كل ذلك .
والمقصود بالعقل هنا العقل المكلف الباحث عن الحكمة والهدف والغاية ( القلب أو اللب )
وإذا كان العقل يوقن بالمغناطيسية والكهرباء وهو لم يراها، ويوقن بالجاذبية والإلكترون وهو لم يراه، ولكن بمشاهدة الآثار تعرف على ما ورائها من مؤثرات، فعندما يرى ذلك العقل ساعة او جهاز معقد أو حتى عود ثقاب او دبوس يوقن العقل ان هناك عالم خبير حكيم عليم صنع ذلك وأن لم يراه . وعندما يشاهد مبنى ضخم وفخم يوقن بأن هناك مهندس قدير قد قام ببنائه ، فكيف إذا راي كون يحيط به شديد الضخامة منظم وبديع كالكواكب والنجوم والمجرات، أو غاية فى الصغر والدقة والتقدير كالذرات والموجات والجزيئات تحكمه قوانين غاية فى العلم والحكمة والدقة ، حتما سيوقن العقل أن فوق كل ذلك خالق له صفات الكمال، قيوم لا يغفل ولا تأخذه سنة ولا نوم ، فالعلم فى الخلق يدل على ان الخالق عليم والحكمة فيه تدل على ان الخالق حكيم وإستمرار الخلق فى نظام مضبوط بلا خلل يدل على ان الخالق قيوم.
وعندما يشاهد العقل آيات الحكمة وميزان العدل والتوازن فى صنعة الله يوقن بأن هذا الكون لم يخلق عبثا بل خلق لهدف غايته الكمال
ولِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأَرْضِ واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأَرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ (190) الَذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وقُعُوداً وعَلَى جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السماوات والأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ( آل عمران )
أن العقل المكلف الحر عقل فريد يشكل آية من آيات الخلاق العظيم ، إنه عقل كوني وعقل ميتافيزيقي ( باحث عن الحكمة ) .
عقل كوني لأنه مزود ببرنامج متطابق مع برنامج كون يحيط به ، ويتم استكمال أداته ( المخ) وظيفيا في فترة حدية بعد ولادة الطفل ، وفقا لظواهر وإيقاعات الكون من حوله بحيث تصبح مناطق الإدراك العليا فيه امتدادا عضويا للكون من حوله .
وعقلا ميتافيزيقيا ( باحث عن الحكمة ) لأنه مجهز بقناة راقية لا تكتفي بمشاهدة ظواهر ومظاهر الكون من حوله بل تتفكر فيما فوقها من حكمة .
ولأن برنامج ذلك العقل يمكن أن يحدث له تشويش بفعل الشياطين، فإن الوحي نزل ليصاحبه في رحلة التكليف حتى يعصمه من الانحراف والشوشرة . ولأن العقل كوني والكون معقول فإن الوحي الحق المحفوظ تضمن دلائل عقلية لكون معقول يقود بها العقل المكلف في رحلة على سلم عالم الأسباب حتى إذا وصل إلي منتهاه أطل إلى عالم الغيب وكأنه يراه .
إن الوحي برنامج مساعد ومكمل يعصم القلب ( العقل ) سريع التقلب ، يعصمه من الزيغ والتشويش ويعدل برنامجه كلما تعرض للشوشرة.
والوحي الصادق مضمنا بالدليل على صدقه، ففي روحه القاهر وإعجازه الشامل وشفائه الناجح وصدقه الواضح دليل على ذلك ، إذا تعشق به القلب ( العقل ) استقام وعصم وإذا تركه زاغ وقصم ، فهو رجوم الشياطين وهو المصباح المنير.
ولقد تفرد القرآن الكريم بقيادة العقل المكلف على سلم الأسباب في عالم الشهود حتى إذا وصل إلى منتهاه أطل إلى عالم الغيب وكأنه يراه فيوقن، فهو يأخذ بالعقل في رحلة في ظواهر ومظاهر الكون من حوله منشطا قناة العقل الباحثة عن الحكمة ( الميتافيزقية ) حتى لا يكتفي العقل بمشاهدتها وتسخيرها بل يتعرف على ما فوقها من هدف وحكمة وغاية ، فيوقن أن ذلك الكون المنظم البديع المتقن والمسخر للمخلوق المكلف لابد أن يكون من فوقه خلاق له صفات الكمال ، وأن تلك الآيات لا يمكن أن تكون قد خلقت باطلا أو لهوا بل لابد أن تكون لهدف وغاية فيوقن العقل بالرسل تحمل رسالات الهدى للمكلفين ويوقن بيوم الحساب ، ويقدم القرآن للعقل المتقدم الحديث إشارات علمية تصف الكون من الذرة إلى المجرة وصفا يتطابق مع ما وصل إليه العلماء بأدق وسائل التقنية المكتشفة بعد نزول القرآن بأكثر من ألف عام ، فيوقن العقل بأن القرآن كلام الخالق المحفوظ .
كيف نوقن بان القرآن الكريم كلام الله الوحيد الخالد الباقي المحفوظ ليدين به المكلفين ؟
وكيف نوقن بأن الإسلام هو دين كمال البشرية العالمي الخالد بلا منافس أو بديل ( طوق النجاة للعالمين ) ؟
عندما يتدبر العقل القرآن ويقارن بينه وبين النصوص الأخرى المتاحة حاليا يجد العقل البينة فيما يأتي :
1- أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يحس المستمع إليه أنه يأتي من السماء ( روح النص ) .
2- أنه الكتاب الوحيد الخالي تماما من التناقض والاختلاف والتحريف والمحفوظ كما انزل (لأنه كلام الله )
3- أنه معجز في معانيه ومبانيه .
4- أنه الوحيد الذي ينزه الله عم لا يليق بكماله ، وينزه الرسل مما لا يليق بحملة رسالات الله .
5- أنه الوحيد الذي أشار إلى حقائق علمية تصف الكون من الذرة إلى المجرة ومن النطفة إلى الخلق الآخر وصفا علميا يتطابق مع الحقائق العلمية المكتشفة بعد نزوله بأكثر من ألف عام .
6- أنه برنامج مكمل للعقل المكلف يعدل إعوجاجه ويشفى أمراضه ويذكره بأن يأخذه في رحلة عقلية على سلم الأسباب في عالم الشهود حتى إذا وصل إلى منتهاه أطل إلى عالم الغيب وكأنه يراه فيؤمن ( وهو في ذلك بلا منافس أو بديل ) .
7- أن في القرآن وعلوم الإسلام دستورا عالميا يحقق العدل والتواذن بين الإنسان ونفسه والإنسان وأخيه الإنسان والإنسان والكون من حوله ( بلا منافس أو بديل ) .
8- القرآن خالي تماما من الكلمات الفاحشة التي لا تليق بكلام الله ، وكل ما جاء فيه دعوة إلى التوحيد الخالص والعلم والطهارة والعدل والصدق التي تأخذ المكلفين من دنيا القردة والخنازير إلى عنان السماء مع الملائكة المقربين .
9- القرآن يهيمن على ما سبقه من رسالات ويحتوى على نص صريح بأنه الخاتم .
والدراسات الصادقة المحايدة لمدارس مقارنة الكتب المقدسة أكدت ذلك محليا وعالميا ، وكذلك المناظرات العالمية الجادة بينت ذلك بحياد بعيدا عن التعصب والعصبية .
وهاهي المبادئ الإلحادية التي تنكر الخالق الرقيب الحي القيوم وتنكر يوم الحساب تحول العالم إلى غابة من الوحوش الظالمة المجرمة وتنشر الفوضى والقتل والفواحش ، وتغرق العالم بطوفان الربا الظالم المدمر وطاعون الإيدز ، وتسمم البيئة وتنشر الإرهاب والكآبة التى تقود إلى الانتحار ، مما يهدد البشرية كلها بالفوضى بل بالهلاك ، ولا نجاة للبشرية إلا فى الإسلام دين كمال البشرية العالمي الخالد الرحمة المهداة الذي يقود العقل لليقين بالرحمن الرقيب وبالوحي الهادي وبيوم الحساب ، فتستقيم النفس وتطمئن وتوقن بأن فوقها قوة لا يعجزها شيء تلجأ إليها في الشدائد ورقيب قيوم لا يغيب عنه شيء حكم عدل ، وأن من ورائها يوم للحساب بفوز فيه الصالحين ويعذب المارقين الفجار المتكبرين في الأرض ، ونفس بهذا اليقين لا تكتأب أبدا ولا تظلم ولا تنشر الشر والفساد بل نفس مطمئنة تعيس للحب والعدل والحرية .
وفى الإسلام دستور عالمي يحقق العدل والتوازن في قيادة البشرية ويعصمها من الخراب قد لخه الحق فى :
( أن الله يأمر بالعدل والإحسان وإتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي )
والتاريخ يشهد بأن الإسلام عندما حكم العالم قرابة الألف عام نشر العلم والعدل والحق والحرية ، وحتى الآن إذا حزب البشرية أمر يهددها فأن الحل فى الإسلام شائت أم أبت أقرت أم أنكرت .
فيا أمة التوحيد أن ما بك من مهانة وزل بسبب إنسلاخك عن النبع الصافي واحة المان في حمى العزيز المهيمن القهار ، فهل تقارنين بين حالك الآن وحالك عندما كنت بهوية الإسلام عندما تحركت خيول النصر تحمل رايات التوحيد لتشرق الأرض بنور ربها .
فهل تعودي إلى دين كمال البشرية العالمي الخالد في حمى من يقول للشيء كن فيكون ؟
الحبيب الشقيق لا تنسى الأمل في الرجوع إلى هوية الحق هوية الإسلام والوحدة فيه ، وأن تجعل ذلك مشروع حياتك قبل مماتك ، وأن تسعى من أجل ذلك بالنصح والعلم والفكر والرحمة والمودة بالحكمة والموعظة الحسنة كما بين الهدى ونور الحق بلا كلل أو فتور أو ملل سخر كل إمكانياتك وإتصالاتك للتواصى بهذا الأمل الغالي الذي من أجله خلقت ، ولا تنسى أن من يلوز بحمى الله فلا غالب له ومن يتوكل عليه فهو حسبه .
( صور من هذا العمل ما تستطيع وارسله إلى من تحب أن تصل إليه دعوة الحق ليكون ذلك فى ميزان حسناتك ، وأنة كان هذا الجهد بسيط لكن بفضل الله سيكون له ثقله وبركته ، بارك الله فيكم وجعل سعيكم مشكورا وزنبكم مغفورا ومتعكم بالصحة والعافية فى الدنيا والآخرة إنه نعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوة غلا بالله والحمد لله رب العالمين )
وأنتظر المزيد فى سلسلة: القرآن لماذا ؟ ولماذا الإسلام ؟ وسلسلة حوار الحضارات ، ونور الحقيقة (الفقير إلى الله ( بن رضوان اللبيدي ).
د/ حسين رضوان اللبيدى
( مدير مستشفى ) بمصر وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة سابقا
وعضو جمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بالقاهرة وجنوب الوادي
للتوصل مع: [email protected] 0020127580446
السيرة الذاتية للدكتور حسين اللبيدي (http://www.quran-m.com/firas/arabic/index.php?page=pro_alem&id=25&select_page=allem)

القلب الحزين
28-12-2013, 04:04 PM
الإسلام يتحدى


كتاب الإسلام يتحدى
بقلم الكاتب الهندي وحيد الدين خان
الكتاب عبارة عن ملف ورد مضغوط
يمكن تحميله بالضغط هنا
(http://www.quran-m.com/words/tahadaa.zip) (http://www.quran-m.com/words/tahadaa1.zip)http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/icon/WinZip_Icon.jpg (http://www.quran-m.com/words/tahadaa10.rar)

القلب الحزين
28-12-2013, 04:04 PM
أضواء على الهندسة الوراثية



بقلم الدكتور حسين اللبيدي
مدير مستشفى وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة
وعضو جمعية الإعجاز العلمي بالقاهرة وجنوب الوادي
قال الله تعالى(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)(سورة الحج:73).
الهندسة الوراثية :هي التقنية التي تتعامل مع الجينات أو الوحدات الوراثية المتواجدة على الكروموزومات فصلاً ووصلاً وإدخالاً لأجزاء منها من كائن إلى آخر بغرض إحداث حالة تمكن العلماء من معرفة وظيفة (الجين) أو بهدف الحصول على طبعات كثيرة من نواتجه أو بهدف استكمال ما نقص منه في خلية مستهدفة.
ولشرح ذلك نقول: بعد أن عرف العلماء طبيعة ووظيفة الصبغيات أو الكروموزومات وهي أجسام صغيرة جداً لا ترى بالعين وتوجد داخل كل خلية، وهي مكونة من أشرطة مسجل عليها صفات الكائن المادية، وهذه الأشرطة تسمى الجينات.
وتقدم العلم فاكتشف أن هذه المورثات أو حاملات الصفات ما هي إلا سلم مزدوج من مادة تسمى D.N.A الحمض النووي المعروف الآن بحامل الشفرة الوراثية وبعدها درس العلماء خصائصه وتعرفوا عليها ، فماذا وجدوا ؟ لقد وجدوا ما يأتي
1- أن D.N.Aهو حامل الشفرة الوراثية .
2- أن الصفات التي يحملها تترجم منه إلى بروتينات تتجسد على هيئة الصفة المطلوب تنفيذها.
3- أن كل خيط يمكن أن يكون قالباً يتكون عليه خيط جديد يتزاوج معه مستخدماً وحداته البنائية من السيتوبلازم .
4- أنه يمكن قطع ووصل هذا اللولب المزدوج بوسائل تقنية متعددة وفي أماكن مختلفة . كما يمكن بسهولة فصل زوجي اللولب.
5- أنه يمكن قص ولصق قطعة منه من مكان لآخر.
6- أن تغييراً أو تدميراً يشوه هذا النظام يؤدي إلى: إما نتيجة قاتلة للكائن أو حالة مرضية مترتبة على تعطل صفة من صفاته والتي تختلف من حيث أهميته
7- إن تركيب D.N.A ومكوناته هي [ سكر ، وأدنين ، وفوسفات ] وهذه التركيبة مشتركة في جميع الكائنات من الفيروس إلى الفيل .
وهذه الملحوظات فتحت الطريق أمام العلماء لمزيد من التجارب من خلال إدخال وإخراج أجزاء من هذه الشفرة الوراثية ومن خلال قطع ووصل أجزائها بل ومحاولة إدخال أجزاء من D.N.A لكائن معين إلى أجزاء من D.N.A لكائن آخر .
ومن خلال ذلك انفتحت الأبواب أمام علوم ما يسمى بالهندسة الوراثية، فقد تمكن العلماء من إدخال جينات (مورثات) من حيوان إلى بكتريا، بل ومن إنسان إلى بكتريا أو حيوان، وكانت المفاجأة المذهلة أن البكتريا المطعمة بالجين الغريب أخذت في الانقسام لتنتج طبعات كثيرة من هذا الجين أُمكن من خلالها دراسته دراسة مستفيضة، بل وأُمكن من خلال إدخال جينات - قطع حاملة لبعض الصفات - معينة من الإنسان إلى الحيوان أن نحصل على نواتج ذلك (الجين) بكميات كبيرة من خلال ألبان هذا الحيوان.
وأُمكن من خلال هذه الهندسة الحصول على الأنسولين البشري وعامل التجلط البشري بل وعوامل إذابة الجلطة، وعامل النمو البشري بكميات كبيرة ما كان للإنسان أن يصل إليها أبداً من مصادرها.
وسنضرب لذلك الأمثلة التالية:
جاء في مجلة العلوم الأمريكية مجلد 13 عدد 4 أبريل 1997 (ترجمة الكويت) جاء ما يأتي:
في عام 1981 أوضح ( W.J كوردن )وزملاؤه في جامعة يال : أن الجنين المخصب لفأريستطيع أن يدمج مادة جينية غريبة (D.N.A) في صبغياته (مورثاته) وبعدها جاء علماء من جامعة (أوهايو) الذين برهنوا أن الجين (وهو قطعة من D.N.Aتحمل رموزاً لبروتين معين المأخوذ من الأرنب يمكن أن يؤدي وظيفته في الفأر بعد حقنه في جنين فأر وحيد الخلية ) وكان من المدهش أن لاحظ العلماء أن D.N.Aالغريب والمحقون من خلايا الأرنب إلى خلايا الفأر سرعان ما يتكامل مع صفات الفأر ، ويحتمل أن تكون الخلية ميزته على أنه قطعة مكسورة من D.N.Aالخاص بها والذي يحتاج إلى ترميم .
وفي 1987 ظهر اكتشاف هام آخر يتعلق بالحيوانات المحورة جينياً، فقد قام مجموعة من العلماء بابتكار وسائل لتنشيط الجينات الغريبة في الغدة الثديية للفأر كان من نتيجتها تكوين جزيئات بروتينية غريبة وإفرازها في حليب الفأر المحور جينياً.
وتمخضت هذه الأبحاث الفذة على إمكان إنتاج البروتين البشري (منشط البلازمينوجين ) من خلال إدخال الجين البشري حامل هذه الصفة في الخلايا المنتجة للبن في حيوان مختار، لتكون النتيجة أن يخرج هذا البروتين بكميات كبيرة في لبن الحيوان لاستخدامه كوسيلة للعلاج في حالة نقص هذا البروتين في المرضى من البشر.http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/6/dna.jpg
وقد طبقت هذه التقنيات في إنتاج بروتينات علاجية هامة مثل البروتينات المانعة للنزيف والمانعة للتجلط، ومن قبل أُمكن تخليق الأنسولين البشري من خلال إدخال جين بشري حاملاً لصفته داخل بكتريا معينة.
وواكب هذه الاكتشافات المبهرة حملة إعلامية عارمة لعب فيها الخيال العلمي دوراً مؤثراً على عقول عامة المثقفين وضعت علامات استفهام أمام الفكر الديني المستنير، فقد تناقلت أجهزة الإعلام أخبار عن إمكان أن يتقدم الآباء أو الأمهات بطلبات إلى العلماء للحصول على أطفال لها موصفات معينة في الشكل واللون والذكاء والقدرة الجسمانية أو العقلية، بل وذهب الخيال العلمي إلى إمكان إدخال جين (صفة) التمثيل الضوئي من النبات الأخضر إلى الأجنة البشرية للحصول على الإنسان الأخضر الذي يمكن أن يستخدم أشعة الشمس وثاني أكسيد الكربون من الجو للحصول على غذائه وطاقته، وبذلك لا يصبح هناك أي مشاكل اقتصادية لها علاقة بالغذاء.
وإذا كان ذلك كذلك فإن أسئلة هامة لا بد وأن تثار كالآتي:
1- هل يعتبر ذلك تدخلاً في شأن من شئون الله ؟ .
2- هل يعتبر ذلك تعديلاً لخلق الله إلى الأفضل ؟ .
3- هل يعتبر ذلك دليلاً على صدق النظرية المادية البحتة ؟ هل وهل وهل.
قبل أن نرد على هذه الأسئلة لا بد وأن نبين للعقل المفكر أن هذه الأسئلة زائفة أصلاً وباطلة عقلاً لأنها لا تعتمد على حقائق بل تعتمد على خيال وأوهام وضلالات كيف ؟
سأستعير الإجابة من كلام علماء الهندسة الوراثية والذين يعملون في هذا المجال كما يأتي:
يقول (إيرفين شار جاف) أحد مؤسسي علم البيولوجيا الجزيئية: إن اللعب في الجينات يعرضنا للخطر.
ويقول ( وليام بيتز ) عالم الهندسة الوراثية وصاحب مؤلف الهندسة الوراثية للجميع: " إن وظيفة معظم ما نحمله من D.N.Aلا يزال سراً والحقيقة أن معظمه يبدو بلا فائدة ، وأن 90% من بعض أطوال الجينات لا يحمل معلومات ، ويقول أيضاً : أن علماء البيولوجية لا يعلمون إلا القليل جداً من معضلة أسرار الجينات ، وأن العلماء إذا أدخلوا جيناً (صفة) في خلية مستهدفة فسيواجه هذا الجين المدخل أحد مصيرين :
• إما أن يلتحم ب (D.N.A) الموجود فعلاً في الخلية أو يظل منعزلاً عنه كمقطع مستقل ، والعلماء لا يستطيعون أن يحددوا ماذا سيحدث بل كل ما يعملوه هو أن يقوموا بإلقاء الشفرة الوراثية المأخوذة من كائن في الخلية المستهدفة ، ثم ينتظرون فقد تستطيع الخلية دمجها في المكان المناسب وقد لا تستطيع ولا علم للعلماء بالنتيجة مسبقة ولا دخل لهم في إتمامها الدقيق .
وقد تؤدي بعض تقنيات الهندسة الوراثية المصاحبة للجينات المدخلة إلى الخلية المستهدفة إلى إكساب الخلية صفات سرطانية كما يحدث أحياناً نتيجة استخدام الفيروسات أو مكوناتها لدمج جين معين في خلية حيوانية مستهدفة.
وفي كتاب مستقبلنا الوراثي للجمعية الطبية البريطانية يقول علماء الهندسة الوراثية
إن التحوير الوراثي يستخدم لعلاج الأمراض الوراثية الخطيرة، أما احتمال أن يستطيع الوالدان في يوم ما طلب أطفال بخصائص معينة فإن هذا ليس أمراً ممقوتاً فحسب وإنما هو أيضاً لا يحتمل قط التوصل إليه.
ونجد في هذا المرجع العالمي أيضاً: والفوائد المباشرة للعلاج الجيني الناجح للخلايا الجسدية قد تكون أمراً واضحاً، أما التأثيرات المستقبلية وعلى المدى الطويل فهي مما قد يصعب التكهن به، فمن الممكن مثلاً أن يحدث خطأ في إيلاج الجينات يؤدي إلى تحول الخلية إلى خلية سرطانية مع عدم ظهور السرطان إلا بعد سنين تالية لذلك.
وخلاصة كل ذلك أن حقل الهندسة الوراثية لا يتعدى تسخير البكتريا أو الحيوانات لإنتاج بروتينات تستخدم لعلاج بعض المرضى الذين يعانون من نقص وراثي في هذه المركبات، بمعنى أن هذه البكتريا أو الحيوانات المستخدمة لإنتاج المطلوب تعويضاً لما فقد من الإنسان ما هي إلا كائنات تسخر لعمل ذلك حتى أن أحد كبار علماء الهندسة الوراثية أطلق على هذه الكائنات المسخرة تعبير (حمير مسخرة للعمل).
وكذلك عمل العلماء لمحاولة إدخال بعض الجينات المفقودة أو المعطوبة يدخل من باب تسخير هذه الجينات لصالح العودة بها إلى حالتها المفطورة عليها وهو من باب العلاج والتداوي.
وصدق الحق الذي قال:
(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ)(سورة :20).
وطاعة للرسول في حث الناس على التداوي:
[ تداووا عباد الله … ].
ولكن هل يمكن للإنسان أن يلعب في الجينات ويغير فيها بالزيادة أو النقصان أو التبديل ؟
الإجابة: نعم يمكنه ذلك.
فيكون السؤال التالي:
وماذا ستكون النتيجة ؟
الإجابة: هناك وسائل إيضاح شاهدها العلماء في واقع الحياة حيث لاحظوا أن هناك كائنات تحدث لها طفرات أو تغيرات تؤدي إلى حذف أو قطع أو إضافة جينات (صفات ) تخرجها من فطرتها المفطورة عليها إلى حالة مخالفة، ولقد لاحظ العلماء أن أغلب هذه التغيرات إما قاتلة مدمرة للكائن أو ممرضة له بدرجة لا حل لها.
والإجماع على أن التغير في الخلق المفطور عليه الكائن مخرب أو مدمر أو ممرض حتى ولو بعد حين.
أما عملية التهجين في السلالات الحيوانية والنباتية مثلاً فلا تدخل ضمن قضية التغير والتبديل، لأن التهجين لا تغيير فيه بل تبقى الصفات في مكانها وعلى هيئتا ولكن يتم مزاوجة صفات من كائن بصفات من كائن من نوعه كما يتم تزاوج مورث يحمل صفة الطول (مثلاً ) مع مورث لا يحملها ليكون الناتج حاملاً لصفة الطول وقس على ذلك.
أما التدخل لتغيير خلق إلى هيئة أخرى كإنتاج إنسان أخضر أو طفل عبقري فهذا من المستحيل عقلاً ونقلاُ:
عقلاً: لأن العلماء لا يعلمون من أسرار الجينات إلا القليل، ولأن القضية ليس جين معين بل علاقات جينية متشابكة ومتداخلة في شبكة لا يحيط بها إلا الخالق الباري المصور، ولأن الملاحظة العملية أكدت خطورة التغيير على الكائن الحي.
ونقلاً:لأن الحق يقول (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ).
ولكن لو حدث أن تم ذلك التبديل فإن النتيجة لا خير فيها بل إن البشرية لن تجني من ورائها إلا الخراب والتدمير وهو من أمر الشيطان لأوليائه، الذي قال الحق عنه: (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ) النساء آية 119
وهاهم العلماء النابهين يعقدون المؤتمرات ويحزرون من اللعب بالجينات تغيراً وتبديلاً بدرجة تخرجها عن فطرتها خوفاً من أن تتكاثر وتنطلق في البيئة وتخرج منها أجيال مدمرة أو تخل بالتوازن البيولوجي الذي خلقه الله بمقدار وعلماً وحكمة ( وكل شيً عنده بمقدار ) بل وهاهم العلماء الراسخون في العلم يحزرون من إمكان أن تتحول الخلية المسالمة إلى أخرى سرطانية قاتلة نتيجة اللعب بجيناتها تبديلاً وتغييراً.
يمكن المراسلة:
[email protected]
مصدر الصور : http://en.wikipedia.org/wiki/Main_Page

القلب الحزين
28-12-2013, 04:06 PM
إسلامية العلم والمعرفة

منهج حضاري لمستقبل البشرية
أ.د/ منصور محمد حسب النبي(1)
إن إسلامية العلم والمعرفة قضية منهجية تقوم على اكتشاف العلاقة بين القرآن والكون، أي بين الوحي والوجود للربط بين عالمي الغيب والشهادة، لنثبت أ في عصر العلم ـ استيعاب القرآن الكريم للكون وقوانينه وحركته، وللإنسان ومعارفه وحياته في إجمالية ثقافية حضارية رائعة لازمة لتقدم البشرية في المستقبل في إطار المبادىء الأربعة التالية:
1ـ القرآن الكريم يحث على العلم النافع وإسلامية المعرفة.
2ـ المنهج القرآني لبحث وتحصيل العلم والمعرفة.
3ـ الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة لإثبات صدق النبوة وعالمية الرسالة.
4ـ الإشارات القرآنية للقضايا الكونية المطروحة للبحث العلمي في المستقبل.
أولاً: إسلامية العلم والمعرفة:
نزل القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً في أول آياته يحث على القراءة لتحصيل العلم والمعرفة بشرط الإيمان بالله، حتى لا يطغى الإنسان كما في قوله تعالى: )اقرأ باسم ربك الذي خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم كلا إن الإنسان ليطغى. إن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى ([سورة العلق: 1 ـ 8].
وبهذا يشترط القرآن الكريم إسلامية العلم والمعرفة لصالح البشرية، لأن العلم بلا دين يؤدي إلى الإلحاد والغطرسة، كما في الحضارة الحديثة المعاصرة، وإلى الهلاك كما في الحرب العالمية الأولى والثانية، وقد يؤدي إلى الرخاء المادي مع الفراغ الروحي، والخوف من المخزون الضخم لأسلحة الدمار الشامل، وهذه الحضارة المزيفة اتخذت من العلم المادي إلهاً، ومن التكنولوجيا سلطاناً للسيطرة والتحكم واستعمار الآخرين والمساهمة في تخلفهم...
لهذا ينادي الإسلام بربط القرآن بالكون، أي: ربط الوحي بالوجود، والدين بالعلم، والغيب بالشهادة، كأساس لإسلامية العلم والمعرفة، ولا تعارض بين الدين والعلم في الإسلام، فلقد وردت كلمة ( العلم ) أكثر من ثمان مئة مرة بالقرآن الكريم، علاوة على مئات المرات لكلمات ( العقل ) و (الفكر ) و( المعرفة ) وبهذا فعلمية القرآن ساطعة سطوع الشمس، وعندما تمسك المسلمون بدينهم قدموا للبشرية إسهاماً علمياً ملحوظاً في الطبيعة والرياضيات والفلك في العصور الوسطى باعتراف المنصفين من علماء الغرب، مثل برينولت الذي يقول في كتابه ( بناء الإنسانية makung of humanity).
لا توجد ناحية من نواحي الازدهار الأوروبي في مطلع عصر النهضة إلا ويمكن إرجاع أصلها إلى المنهج العلمي التجريبي الذي نقله روجر بيكون من العرب أثناء وجودهم في إسبانيا ( 800 ـ 1200م ).
وللأسف يتجاهل الغرب هذه الحقيقة بل ويتهم دين الإسلام بأنه سبب التخلف الحالي للمسلمين، ناسياً أن هذا التخلف ناتج من خضوع المسلمين لاستعمار التتار والمغول والصليبيين قديماً، واستعمار الغرب والصهيونية حديثاً، وسيطرة هذا النفوذ الأجنبي على عقول المسلمين، فأصبحوا للأسف تابعين لغيرهم، وأهملوا دينهم، وقلدوا الغرب وانبهروا بحضارته الحديثة دون أن يشاركوا في صنعها أو توجيهها، ونسوا قول الله تعالى: )ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ([سورة المائدة: 49].
وقوله تعالى: )أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم ([سورة الجاثية: 23].
وكان الواجب على المسلمين أن يتسلحوا بثقافتهم الإسلامية لإحيائها وتأصيلها وتجديدها وتعميمها لإعطاء منهج جديد لإسلامية العلم والمعرفة في مواجهة الإلحاد المادي المعاصر، والنظام العالمي الجائر، وخاصة بعد أن سقط القناع ذو الوجهين عن هذا النظام وعن كل شعاراته، وأتضح الزيف في تطبيقه للديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلاوة على اعتراف بعض علماء القرن العشرين البارزين أمثال: أينشتين، وكريسي، وموريسون، وغيرهم بوجود الله وقدرته، وظهرت كتب كثيرة حول الدين والعلم في الغرب، ولهذا فقد حان الوقت لإظهار الوجه الحضاري للإسلام والمسلمين باتباع إسلامية المعرفة وبيان الإعجاز العلمي للقرآن والسنة.
ولقد واجه أجدادنا المسلمون في بدء ظهور الإسلام حضارتي الروم والفرس دون انصهارهم في إحداهما مدافعين عن ذاتيتهم، فالإسلام له أيدلوجية خاصة أساسها القرآن والسنة، وشعارها العلم والإيمان، كما سنوضح فيما يلي:
1ـ العلم بلا دين ـ أو الدين بلا علم ـ مرفوض في الإسلام،ولا بد من الجمع بينهما، كما في قوله تعالى:
)ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون ([سورة الأعراف: 52].
)وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ([سورة الحج: 54].
)بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ([سورة العنكبوت: 49].
)شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ([سورة آل عمران: 18].
2ـ دعا الإسلام إلى طلب العلم النافع والمعرفة كما في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ".
والعلم هنا هو العلم النافع المرتبط بالإيمان؛ حتى لا يتحول العلماء إلى جبابرة كما في قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ".
3ـ الإسلام يرفع من شأن العلماء، كما في قوله تعالى:
)قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ([سورة الزمر: 9].
)يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ([سورة المجادلة: 11].
وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " العلماء ورثة الأنبياء ".
5ـ العلم في الإسلام يشمل علوم الدين والدنيا، ولقد أشار القرآن الكريم للعلوم الكونية في أكثر من سبع مئة آية.
والعلماء هنا دعاة لإسلامية المعرفة، وليس الجبابرة الذين يتيهون صلفاً وغروراً، ويقولون كما قال قارون:
)إنما أوتيته على علم عندي ([سورة القصص: 78].
ثانياً: المنهج القرآني لبحث وتحصيل العلم والمعرفة:
1ـ العلم في القرآن الكريم هو الحق اليقيني الثابت بالبرهان القاطع، كما في قوله تعالى في تعميم شامل لكل المعارف:
)قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ([سورة البقرة: 111].
)قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن ([سورة الأنعام: 148].
)إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ([سورة يونس: 36].
2ـ القرآن يؤكد ضرورة المشاهدة الصحيحة باستخدام البصر والسمع والعقلمعاً كأساس للمنهج العلمي التجريبي، كما في قوله تعالى:
)ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ([سورة الإسراء: 36].
ويحث على النظر والتدبر في الكون بهدف العلم والإيمان، كما في قوله تعالى: )قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ([سورة يونس: 101].
والتأكيد على المنهج الاستقرائي في النظرة العلمية للبحث عن كيفية تركيب الأشياء، كما في قوله تعالى:
)أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت ([سورة الغاشية: 17 ـ 20].
3ـ القرآن الكريم ينهى عن التقليد الأعمى في تحصيل العلم والمعرفة كسلوك حضاري عام، كما في قوله تعالى:
)وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا: حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون ([سورة المائدة: 104].
4ـ يدعو القرآن الكريم دائماً إلى استخدام العقل كأحد أركان العبادة، كما في قوله تعالى:
)إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ([سورة البقرة: 164].
5ـ العلم لا يقف عند حد معين بهدف استمرار التقدم العلمي، كما في قوله تعالى: )وقل رب زدني علماً ([سورة طه: 114].
ولهذا يجب الاستمرار في البحث حتى يأتي اليقين، كما في قوله تعالى:
)لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون ([سورة الأنعام: 67].
ومسيرة العلم لن تتوقف؛ لأن كلمات الله في الكون لا نهائية، كما في قوله تعالى: )قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ([سورة الكهف: 109].
كما أن العلم البشري محدود، بينما العلم الإلهي مطلق ولا نهائي، فالبشرية رغم العصر الحالي للعلم والتكنولوجي ما زالت على الشاطىء، بينما محيط الكون مملوء بالعلم والمعرفة، كما في قوله تعالى:
)وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ([سورة الإسراء: 85].
)نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ([سورة يوسف: 76].
6ـ العلم والمعرفة منحة إلهية للإنسان، كما في قوله تعالى:
)علم الإنسان ما لم يعلم ([سورة العلق: 5].
)ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ([سورة البقرة: 255].
)الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ([سورة الرحمن: 1 ـ 4].
7ـ إسلامية المعرفة تتميز بما يلي:
( أ ) الربانية والتوحيد في المنهج والهدف:
كما في قوله تعالى:
)إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ([سورة آل عمران: 190 ـ 191].
وقوله تعالى:
)لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ([سورة فصلت: 37].
)قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ([سورة الإخلاص: 1 ـ 4].
( ب ) الإنسانية:
أي: المعرفة لصالح الإنسان وخيره وسعادته في الدنيا والآخرة، كما في قوله تعالى:
)وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ([سورة الجاثية: 13].
)وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار. وآتاكم من كل ما سألتموه ([سورة إبراهيم: 32 ـ 34].
ويجب على الإنسان أن يكون سيداً لما سخر له وليس عبداً إلا الله.
( ج ) الشمول والإحاطة:
القرآن الكريم موسوعة تشمل جميع أساسيات المعارف في عالمي الغيب والشهادة تاركاً التفاصيل لاجتهاد البشر، كما في قوله تعالى:
)وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ([سورة الأنعام: 38].
( د ) الوسطية والتوازن:
وتعني التوازن بين الروح والمادة، وبين الفرد والجماعة، وبين الوحي والوجود، وبين الدين والدنيا، وبين الشرعي والمدني في العلوم الإنسانية، أي: المعرفة التي توازن بين كل من الطرفين في منهج مستقيم لا يميل لأحدهما على حساب الآخر، كما في قوله تعالى:
)اهدنا الصراط المستقيم ([سورة الفاتحة: 6].
وهذا التوازن ضروري، لأن الإخلال به يؤدي إما إلى إلحاد مادي كما في الحضارة الحديثة، أو إلى رهبانية كما في المسيحية، بينما الإسلام يرفض النقيضين.
8ـ التوجيه الإسلامي للعلوم يعتمد على ما يلي:
( أ ) الماء أصل الحياة:كما في قوله تعالى:
)وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ([سورة الأنبياء: 30].
( ب ) الوحدنية صفة الخالق،والزوجية صفة المخلوق: كما في قوله تعالى: )ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ([سورة الذاريات: 49].
( ج ) الكون لا يعرف السكون:فالحركة والطواف قوانين شاملة سارية لأجل مسمى، كما في قوله تعالى:
)كل يجري لأجل مسمى ([سورة الرعد: 2].
)كل في فلك يسبحون ([سورة الأنبياء: 33].
( د ) اللانهائية لله وحده،أما الكون فيخضع للمقدار في عالمي الغيب والشهادة، كما في قوله تعالى:
)وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ([سورة الرعد: 8 ـ 9].
( هـ ) الوجود وقوانينه دليل على وحدانية الله، كما في قوله تعالى:
)ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ([سورة الملك: 3].
( و ) الوحدانية ـ وليس التعدد ـ شرط الانتظام والتماثل في السماوات والأرض، كما في قوله تعالى:
)لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ([سورة الأنبياء: 22].
(ق)ثبوت الفطرة وقوانين الكون، كما في قوله تعالى:
)فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ([سورة الروم: 30].
)فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد بسنة الله تحويلاً ([سورة فاطر: 43].
)الشمس والقمر بحسبان ([سورة الرحمن: 5].


يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
28-12-2013, 04:07 PM
يتبــــع الموضوع السابق
إسلامية العلم والمعرفة


ثالثاً: بيان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية:
يهدف الإعجاز العلمي للقرآن والسنة إلى إثبات صدق الوحي في القرآن الكريم، وصدق نبوة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لغير المؤمنين به، كما في قوله تعالى:
)سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ([سورة فصلت: 53].
وهذا وعد إلهي بدأ يتحقق في زماننا، وسيظل متجدداً حتى قيام الساعة نظراً لعالمية الرسالة لكل مكان وزمان. والقرآن الكريم هو الرسالة الإلهية الخاتمة؛ ولهذا فهو الكتاب السماوي الوحيد الذي لم يحور، وتعهد الله بحفظه، كما في قوله تعالى:
)إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ([سورة الحجر: 9].
)ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ([سورة البقرة: 2].
ولهذا فالقرآن الكريم يتفق مع حقائق العلم بعكس الكتب السماوية السابقة التي حورها أهل الكتاب، فتعارضت مع العلم، ( كما يقول الدكتور موريس بوكاي ).
وفيما يلي نورد الأمثلة التالية لبيان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية والذي تظهر دلائله كلما تقدم العلم:
1ـ قدم العالم الفرنسي برنارد باليسي عام 1580 أول تصور علمي صحيح لدورة الماء في الطبيعة رغم الخرافات التي كانت سائدة حول هذا الموضوع؛ مؤكداً أهمية الشمس في تبخير مياه البحار والمحيطات، كما في قوله تعالى:
)وجعلنا سراجاً وهاجاً. وأنزلنا من المصعرات ماء ثجاجاً ([سورة النبأ: 13 ـ 14].
ودور الرياح في نزول الأمطار، كما في قوله تعالى:
)وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء ([سورة الحجر: 22].
ودور الأمطار في تكوين المياه الجوفية، تماماً كما في قول الله تعالى:
)ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ([سورة الزمر: 21].
2ـ أعلن كوبر نيكس عام 1543م، وأيده كل من جاليليو ونيوتن أن الأرض ليست ساكنة ولكنها تدور حول نفسها بسرعة تم قياسها حديثاً بمقدار 1000 ميل / ساعة، عند خط الاستواء، كما أشار القرآن الكريم في قول الله تعالى: )يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ([سورة الزمر: 5].
وتدور الأرض حول الشمس بسرعة 67000 ميل / سعة، كما ثبت ذلك علمياً في القرن العشرين، ولقد أشار القرآن الكريم إلى حركة الأرض في قوله تعالى:
)وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ([سورة النمل: 88].
3ـ ثبت علمياً ( 1917م ) أن الشمس ومعها كواكبها تدور حول مركز مجرة سكة التبانة بسرعة 497000 ميل / ساعة، أي: أن الشمس لها فلك خاص بها علاوة على فلك الأرض ( الليل والنهار ) حول الشمس وفلك القمر حول الأرض، كما في قوله تعالى:
)وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ([سورة الأنبياء: 33].
كما ثبت حديثاً أن الشمس تجري في الفضاء الكوني بسرعة 43000 ميل / ساعة نحو مجم فيجا، لمستقر لها، كما في قوله تعالى:
)والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ([سورة يس: 38].
4ـ بدأ الفلكي الألماني بازل ( 1838م ) بأول قياس لبعد النجوم، وتبين علمياً الآن أن مواقع النجوم متباعدة ومذهلة، لأنها تبعد عنا مسافة تتراوح بين 4 وعدة بلايين من السنين الضوئية، كما في قوله تعالى:
)فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم )[سورة الواقعة: 75 ـ 76].
5ـ أعلن اللورد هاتون ( 1800 م ) أن الحاضر مفتاح للماضي ( في علم الجيولوجيا ) لأن البحث في الصخور عن الحفريات سيؤدي إلى التعرف على توزيع العصور الجيولوجية وبداية الخلق، كما في قوله تعالى:
)قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ([سورة العنكبوت: 20].
8ـ تم حديثاً إثبات أن البرق ينشأ من التفريغ الكهربي بين السحاب الركامي ( المرتفع كالجبال ) نتيجة الكهربية المتولدة بواسطة البرد كما في قوله تعالى: )وينزل من السماء من جبال فيها من برد، فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ([سورة النور: 43].
9ـ تنبأ القرآن باحتمال تواجدنا في السماء كما في قوله تعالى:
)وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير([سورة العنكبوت: 22].
10ـ تم حديثاً التعرف على تركيب الغلاف الجوي وانعدام الأكسجين، على ارتفاع 30 كم ـ تقريباً ـ من سطح الأرض، كما في قوله تعالى:
)يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء ([سورة الأنعام: 125].
11ـ كما تحقق لرواد الفضاء بعد عام 1960م رؤية ظلام الفضاء الكوني بسواد حالك، لإنعدام التشتت الضوئي عند هذا الارتفاع فصاعداً، كما في قوله تعالى: )ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ([سورة الحجر: 14 ـ 15].
13ـ كما أشار القرآن الكريم إلى كل وسائل المواصلات في المستقبل كما في قوله تعالى: )والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ([سورة النحل: 8].
16ـ لقد توصلت أنا حديثاً إلى إثبات قرآني لأهم حقيقة كونية لنسبية اينشتين التي تنص على أن سرعة الضوء في الفراغ وقدرها 299792.5 كم / ثانية هي الثابت المطلق الوحيد في الكون، وتمثل الحد الأقصى للسرعة الكونية كما في المعادلة القرآنية التالية، والتفسير الجديد لقوله تعالى: )يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ([سورة السجدة: 5].
وقوله تعالى مؤكداً هذه الحقيقة ومشيراً إلى نسبة الزمن:
)وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ([سورة الحج: 47].
17ـ بدأ ظهور التلوث البيئي على مستوى الكرة الأرضية كما في قوله تعالى: )ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ([سورة الروم: 41].
18ـ ويشير القرآن الكريم إلى تطور الجنين في رحم الأم مؤكداً ما وصل إليه العلم الحديث، كما في قوله تعالى: )ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ([سورة المؤمنون: 14].
19ـ ويشير القرآن الكريم إلى دورة الحياة والموت بواسطة التمثيل الضوئي للشجر الأخضر في الدنيا لإثبات البعث في الآخرة، كما في قوله تعالى: )قال من يحيي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون ([سورة يس: 78 ـ 80].
كما يعطينا الله سبحانه مثالاً يصف الناس يوم القيامة في عالم الغيب بالفراش المبثوث الذي يتطور أمام أعيننا في عالم الشهادة من دودة إلى شرنقة إلى فراشة في قوله تعالى: )يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ([سورة القارعة: 4].
فالدودة تمثل الدنيا بحركتها، والشرنقة تمثل القبور بسكونها، والفراشة تمثل البعث بانطلاقها من قبرها.
20ـ يشير القرآن الكريم إلى ظاهرة تمدد ( توسع ) الكون التي تم قياسها حديثاً بالإزاحة الحمراء للمجرات، كما في قوله تعالى: )والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ([سورة الذاريات: 47].
رابعاً: الإشارات القرآنية للقضايا الكونية المستقبلية:
1ـ بداية الكون بانفجار عظيم ونهايته بانسحاق عظيم:
يشير القرآن الكريم إلى الانفجار العظيم وتوسع الكون لحظة بداية الزمن والخلق، كما في قوله تعالى: )أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما ([سورة الأنبياء: 30].
ويشير إلى توقف هذا التمدد مستقبلاً ثم الانكماش الكوني، وحدوث الانسحاق العظيم عند نهاية الزمن يوم القيامة، كما في قوله تعالى: )يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين ([سورة الأنبياء: 104].
وقوله تعالى: )كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً (سورة الفجر: 21].
2ـ عمر الكون:
يفصل القرآن الكريم مراحل الخلق بوصف الأيام الستة ( بخلاف ما نعده من أيام ) كمراحل زمنية متساوية عددها ستة لخلق السماوات والأرض وما بينهما مع إعطاء العمر الجيولوجي للأرض بما يعادل يومين، أي: ما يعادل ثلث الأيام الستة كما في الآيات ( 9 ـ 12 ) من سورة فصلت، وبهذا يكون عمر الكون حسب تفسيري لهذه الآيات:
= العمر الجيولوجي المقاس حالياً للأرض منذ تصلبت وحتى الآن × 3
= 4.6 مليار سنة × 3 = 13.8 مليار سنة.
ولقد أعلنت وكالة الفضاء مؤخراً رقماً يقارب هذا الرقم لتحديد عمر الكون.
4ـ المبدأ الإنساني:
أعلن ستيفن هوكنج المبدأ الإنساني الذي ينص على أن الإنسان هو الهدف والغاية النهائية لنشأة الكون وتطوره بالدليل العلمي الذي يؤكد تسخير الكون كله ( بالقصد الإلهي وليس بالصدفة ) لقدوم الإنسان وتهيئة الظروف الطبيعية اللازمة لحياته بقدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ كما في قوله تعالى:
)وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ([سورة الجاثية: 13].
5ـ توحيد قوى الطبيعة:
يلهث العلماء حالياً وراء توحيد القوى الفيزيائية الكونية المتعددة في نظرية التوحيد الكبرى (Grand unified theory gut)وهذا يتمشى مع وحدانية الخالق وقوله تعالى: )أن القوة لله جميعاً ([سورة البقرة: 165].
6ـ الهندسة الوراثية:
أشار القرآن الكريم إلى تطبيقات الهندسة الوراثية وحذر من استغلالها طبقاً لوساوس الشيطان لتغيير خلق الله كما في قوله تعالى: ) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا([سورة النساء: 119].
11ـ شيخوخة الشمس وتحولها إلى عملاق أحمر قبل الوفاة:
يتحدث العالم الآن عن شيخوخة الشمس ووفاتها في المستقبل عند تحولها إلى عملاق أحمر بتكور ـ أي: بانتفاخ ـ سطحها تدريجياً فتبلع كواكبها التي تتحول على الترتيب إلى غازات وأبخرة وعندئذٍ يصبح لون السماء أحمر وردياً ودرجة الحرارة فوق رؤوسنا حوالي 3000 درجة مئوية، وتبتلع الشمس القمر الذي سيختفي بدوره ويتبخر في هذه الحالة في غلاف العملاق الذي سيقترب من الأرض فتشتعل البحار لتحلل مائها بالحرارة إلى أيدروجين يشتعل وأكسجين يساعد على الاشتعال.
وكل هذه التوقعات العلمية واردة نصاً بالقرآن الكريم كما في قوله تعالى:
)إذا الشمس كورت ([سورة التكوير: 1].
)فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ([سورة الرحمن: 37].
أي: تصبح السماء وردية اللون، أي: حمراء كالزيت المغلي إشارة للعملاق الأحمر، كما يتضح أيضاً في الآية التالية:
)فإذا برق البصر، وخسف القمر. وجمع الشمس والقمر. يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر. كلا لا وزر. إلى ربك يومئذٍ المستقر ([سورة القيامة: 7 ـ 12].
)وإذا البحار سجرت ([سورة التكوير: 6].
)وإذا البحار فجرت ([سورة الإنفطار: 3].
وبهذا فإن إسلامية العلم والمعرفة بديل حضاري عالمي وتجديد للفكر الإسلامي لتصحيح آثار الفكر الغربي، ومشروع هام لازم لكل البشرية كمنهج ثقافي حضاري يجمع بين العلم والدين، ويفتح الباب على مصراعيه للفروض والاحتمالات والخيال العلمي الحر الطليق من كل قيد، بل يسمح باستخدام الشك كطريق لليقين الذي سيبدو في عصر العلم واضحاً كالشمس، يؤكد لنا صدق القرآن وصدق نبوة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم ) وعالمية رسالة الإسلام كما في قوله تعالى: )إن الدين عند الله الإسلام ([سورة آل عمران: 19].
وقوله سبحانه مخاطباً رسول الله للناس جميعاً، أي النبي محمداً (صلى الله عليه وسلم ) لتأكيد هذه الحقيقة: )قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ([سورة الأعراف: 158].
وقوله سبحانه مشيراً إلى خلود القرآن لكل العالمين، وتجدد إعجازه لكل زمان، )إن هو إلا ذكر للعالمين. ولتعلمن نبأه حتى حين ([سورة ص: 87 ـ 88].
تم نشر البحث بالتعاون مع جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في القاهرة
المراجع:
1ـ قضايا العصر في ضوء الإسلام. أ. أنور الجندي، الكتاب رقم 38 سلسلة البحوث الإسلامية (ص: 122) ـ 1971م.
2ـ العلم يدعو إلى الإيمان. مترجم. د.كريس موريسون 1980م مكتبة النهضة المصرية.
3ـ 1983 (p.davis good and the bew physics penguim books) الإسلام في عصر العلم أ.د. الغمراوي ـ المختار الإسلامي القاهرة 1970 ـ الله ياجلى في عصر العلم ( مترجم ) نخبة من العلماء الأمريكيين ـ مؤسسة الحلبي القاهرة 1960م.
4ـ (the new story of science: robert m.augros. new york. 1984) مترجم بعنوان: العلم في منظوره الجديد. عالم المعرفة، العدد 134 ـ الكويت.
5ـ الكون والإعجاز العلمي في القرآن أ.د. منصور حسب النبي ـ دار الفكر العربي 1996 ـ القاهرة.
6ـ إسلامية المعرفة: المعد العالمي للفكر الإسلامي بالقاهرة / العدد 15 يوليو 1994م.
(international institute of islamic though publications. Verginia & cairo).
إسلامية المعرفة أ.د. محمد عمارة. دار الشرق الأوسط للنشر 1991م.
7ـ سلسلة المعارف الكونية بين العلم والقرآن. أ.د. منصور حسب النبي، دار الفكر العربي، القاهرة 1996م.
8ـ (the biblo. The quran and science maurice bucaille. North american trust publication 1979).
مترجم بعنوان ( القرآن والتوراة... والإنجيل والعلم ) د. موريس بوكاي، دار المعارف، القاهرة 1980م.
9ـ ارتياد الفضاء بين العلم والقرآن. ـ أ.د. منصور حسب النبي، دار الفكر العربي، القاهرة 1996م.
10ـ الإشارات القرآنية للسرعة العظمى والنسبية. أ.د. منصور حسب النبي ـ دار الآفاق العلمية ـ القاهرة 1995م.
11ـ إعجاز القرآن في آفاق الزمان والمكان أ.د. منصور حسب النبي ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة 1996م.
12ـ (the glorious quran and modern science prof. Mansour hassab el-naby/ general egyptian book organization, cairo 1990).
مترجم بعنوان ( القرآن الكريم والعلم الحديث ) أ.د. منصور حسب النبي ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة 1991م.
13ـ (new horizons in astronomy. Brandt, san francisco 1972).
مترجم بعنوان ( آفاق جديدة في علم الفلك ). جون براندت وستيفان ماران ـ مكتبة الوعي العربي (ص 421) ـ القاهرة 1972م.
14ـ (end cosrmic catastrophe and the fate of the universe frank close – science & schuster, englabd 1988).
مترجم بعنوان ( النهاية ) عالم المعرفة، العدد 191 ـ الكويت 1994م.
أ.د / منصور محمد حسب النبي

[2] – أستاذ بكلية البنات جامعة عين شمس، ورئيس مجلس إدارة الجمعية (سابقاً).

القلب الحزين
28-12-2013, 04:09 PM
إعجاز القرآن على مر الزمان



بقلم أ.د. كارم السيد غنيم(1)
شغلت قضية الإعجاز القرآني مساحة كبيرة من الفكر الإسلامي والإنساني على مر العصور، ولا تزال تشغله حتى عصرنا الحاضر، ولقد تدارسها كثير من العلماء والفلاسفة وأصحاب الكلام، وكان لكل منهم رأي ووجهة نظر، وتصدى لدراستها أيضاً علماء المسلمين، على اختلاف مذاهبهم ونحلهم، وأفردوا لها عشرات البحوث والرسائل والكتب والمصنفات، وتعمقوا في دراسة القرآن دراسة موضوعية شاملة، لعلهم يصلون إلى تحديد كنه الإعجاز ووجوهه[2] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?addnews=1#_ftn2)... ولكن لماذا تكلم المسلمون في إعجاز القرآن، ولماذا اتجه علماؤهم إلى دراسة هذا الموضوع، حتى تخصص نفر منهم في هذا الحقل الخصيب من الدراسات والبحوث؟.
يجيب الدكتور أحمد العمري عن هذا السؤال بقوله: حين دخل الناس في دين أفواجاً، وكان من بين الداخلين أناس من الفرس والروم وغيرهم ممن كانوا في الأمصار المفتوحة، أدى ذلك إلى امتزاج ثقافة الأمة العربية بغيرها من الأمم... حينئذ أخذ الإسلام يتعرض لحركة طعن وتشكيك من الشعوبيين ( المتشيعين لشعوبهم وجنسياتهم ) وأصحاب الديانات القديمة، وكان طبيعياً أن يتجه هم الطاعنين إلى ذلك الكتاب الذي أحدث تلك النهضة العربية، وأدال من دولهم وأديانهم، وأحبوا أن ينقضوا معجزة هذا الدين.... ومن ثم راح الملحدون يلتوون بمعانيه، ويحكمون عليه بالتناقض واللحن وفساد النّظم.. وشحن الجو الإسلامي بما أثارووه من شكوك، وخاصة بغداد ـ عاصمة الدولة الإسلامية وملتقى التيارات الثقافية الوافدة على الفكر العربي آنذاك... فأخذ المسلمون يبحثون ويدرسون، واختلفت آراؤهم وتضاربت، كل منهم يرى للإعجاز القرآني وجهاً أو وجوهاً.. وقد حفزهم إلى ذلك حافزان:
أولهما: الدفاع عن القرآن العظيم.
وثانيهما: معرفة كنه هذا الإعجاز القرآني وسماته وخصائصه وأبرز وجوهه[3] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?addnews=1#_ftn3).
وإننا لنؤكد دوماً أن للإعجاز القرآني في كل عصر وجه ينكشف للناس، ودليل جديد على صدق معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم... والآن نتعرف على آراء أبرز العلماء المسلمين، قداماهم ومحدثيهم، فيما يتعلق بالإعجاز القرآني كما يلي:
* الخطابي (319 ـ 318هـ):
ناقش الخطابي آراء السابقين في هذه القضية، وفنّد بعضها وأكد الأخرى، مثل تأكيده لمعجزة القرآن المتمثلة في امتناعه على الناس الإتيان بمثله، ومثل الإعجاز في ذات القرآن. ولكنه دحض فكرة الإعجاز بالصرفة ( وهي التي قال بها كبير المعتزلة أبو إسحاق النظام، وهي: أن الله صرف همة الناس عن معارضة القرآن، على الرغم من مقدرتهم على معارضته، ولكن العائق هو صرف الله لهم عن ذلك )، وكذلك فقد أكد الخطابي الإعجاز القرآني بالإخبار عن المغيبات السابقة واللاحقة، ولم يشك في ذلك ـ كما أنه عوّل على بلاغة القرآن تعويلاً كبيراً، وجعل ذلك من أهم وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، ولكنه جاء بوجه جديد ومنهم جداً من وجوه الإعجاز، وهو الذي يتصل بالوجدان والقلب والتأثير في النفوس.
* الرماني ( 296 ـ 386هـ):
عرض الرماني وجهة نظره في وجوه الإعجاز التي يختص بها القرآن الكريم، وحصرها في البلاغة القرآنية، من إيجاز وتشبيه واستعارة وتلازم، وفواصل وتجانس وتصريف وتضمين ومبالغة وحسن بيان، وكذلك تكلم في تحدي القرآن لكافة الناس أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله، والأخبار الصادقة عن الأمور المستقبلة.
* الباقلاني (ت403هـ):
هو صاحب المؤلف الشهير ( إعجاز القرآن )، وقد حدد الإعجاز القرآني في ثلاثة وجوه: الإخبار عن المغيبات، وأمية الرسول صلى الله عليه وسلم، والنظم. ولقد أرجع الباقلاني جمال النظم القرآني إلى عشرة وجوه متكاملة تتسم بالدقة والعمق معاً، وتدل على ترابط الجزئيات وتكاملها.
* القاضي عبد الجبار (ت415هـ):
أوضح عبد الجبار ـ القاضي ـ رأيه في الإعجاز في الفصل السادس عشر من كتابه ( المغني )، وأنه ينحصر في جزالة اللفظ وحسن المعنى إلى درجة لم تبلغها بلاغة البلغاء أو فصاحة الفصحاء.
* الجرجاني ( ت 471هـ):
كان من العلماء الذين تناولوا إبراز وجوه الإعجاز في القرآن تناولاً دقيقاً، وهذا واضح في كتابه ( دلائل الإعجاز )، وكتابه ( الرسالة الشافية )، ولكنه ركّز في بحثه للموضوع على خاصية ( النظم )، وجعلها الوجه المشرق الوحيد للإعجاز القرآني.
* القاضي عياض ( 496 ـ 544هـ):
حين ألف القاضي عياض كتابه الشهير ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم )، عقد فيه فصلاً عن إعجاز القرآن، وحصر أوجهه في أربعة:
حسن التأليف والفصاحة والبلاغة الخارقة، النظم العجيب، الإخبار بالمغيبات السابقة، الإنباء بالأخبار القادمة.
وفي موضع آخر من كتابه أضاف أوجهاً أخرى لإعجاز القرآن منها تحديه للبلغاء وأهل الفصاحة أن يأتوا ولو بثلاث آيات من مثله، تأثيره النفسي في قارئيه وسامعيه ومتدبريه، وبقائه على مر الزمان دون أن يخلق على كثرة الرد.
* أبو حامد الغزالي ( 450 ـ 505هـ):
يعد الإمام أبو حامد الغزالي من أقدر رواد هذا الاتجاه، وقد بث أفكاره وعرض آراءه في كتابه ( الإحياء ) و (الجواهر )، فهو يقول في ( إحياء علوم الدين ) بعد أن بين انشعاب العلوم الدينية: العلوم الدنيوية كلها متشعبة في القرآن.
ويقول أيضاً: كل ما أشكل فهمه على النظّار، واختلف فيه الخلائق من النظريات والمقولات، في القرآن إليه رموز ودلالات عليه، يختص أهل الفهم بإدراكها.
ويستشهد الإمام لاشتمال القرآن على جميع العلوم بقول ابن مسعود: ( من أراد علم الأولين والآخرين فليتدبر القرآن ).
ويذكر الغزالي في كتابه ( جواهر القرآن ): أن علوم الطب والنجوم وهيئة العالم، وهيئة بدن الحيوان، وتشريح أعضائه، وعلم السحر، وعلم الطلسمات، وغير ذلك، يشير إليه القرآن بقول الله سبحانه: )وإذا مرضت فهو يشفين ([الشعراء: 80]. ويشير إلى علم الطب المتضمن لأسباب المرض ووسائل الشفاء، وقوله سبحانه: )الشمس والقمر بحسبان ([الرحمن: 5].ونحوه مما يشير إلى علم الهيئة ( أي: الفلك )، وتركيب السماوات والأرض ( الكوزمولوجيا والجيولوجيا ).
وهو ـ رحمه الله ـ ير: أن جميع العلوم المعروفة والتي سيسفر عنها الزمان مع تعاقب العصور، موجودة في القرآن، لا بالتصريح، وإنما ( بالقوة )، أو كما يقول: إن جميع العلوم التي عرفها البشر، والتي هم في الطريق إلى معرفتها ليست في أوائلها خارجة عن القرآن، فإن جميعها مغترفة من بحر واحد من بحار معرفة الله تعالى، وهو بحر الأفعال.
* السكاكي ( ت 626هـ):
بحث السكاكي الموضوع في كتابه ( مفتاح العلوم )، ومال إلى القول بالنظم، وجعل الإعجاز لا يدرك إلا بالذوق، وطول خدمة البلاغة، وممارسة الكلام البليغ.
* الفخر الرازي (543 ـ 606هـ):
الفخر الرازي هو صاحب ( التفسير الكبير ) المسمى أيضاً ( مفاتيح الغيب )، وهو يرى وجود جميع العلوم في القرآن بالقوة، كوجود الشجرة في النواة ( البذرة)، وقد عرض في تفسيره الكبير مباحث كثيرة ـ حسب ثقافة عصره وما بلغته العلوم في زمانه ـ في شترى نواحي العلوم الطبيعية والمعارف الكونية، وللرازي أيضاً كتاب في هذا المجال هو ( نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز ).
* ابن أبي الأصبح المصري ( ت 654هـ ):
أكد ابن أبي الأصبع الإعجاز البياني للقرآن الكريم، وقد تبعه في هذا الرأي العلوي اليمني ( 629 ـ 729هـ ) صاحب كتاب ( الطراز )، ولم يخرج كل من شمس الدين الأصفهاني ( ت 749 هـ )، والزركشي ( 745 ـ 794هـ ) عما قال أسلافهم من العلماء...
* أبو الفضل المرسي ( ت 655 هـ ):
يقول أبو الفضل المرسي في تفسيره: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين، بحيث لم يحط به علماً إلا المتكلم به، ثم قال: أما الطب فمداره على حفظ نظام الصحة، واستحكام القوة، وذلك إنما يكون باعتدال المزاج بتفاعيل الكيفيات المتضادة، وقد جمع ذلك في آية واحدة هي قول الله تعالى: )وكان بين ذلك قواماً ([الفرقان: 67].ثم قرر مثل ذلك في علوم الهيئة ( الفلك ) والهندسة والجبر والمقابلة...
* جلال الدين السيوطي ( ت 911هـ ):
الإمام جلال الدين السيوطي يرى هو الآخر ما يراه كل من الغزالي والرازي، ويستدل لذلك بقول الله تعالى: ).... ما فرطنا في الكتاب من شيء .... ([الأنعام: 38]...ويستدل بأحاديث نبوية، منها:
ما أخرجه أبو الشيخ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لو أغفل شيئاً لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة ).
ومن الآثار الدالة على ذلك: ما أورده ابن مسعود، إذ قال: ( أنزل في القرآن كل علم، وبُيّن لنا فيه كل شيء، ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن ).
ويقول السيوطي في كتابه المشهور: ( الإتقان في علوم القرآن ): اشتمل الكتاب العزيز على كل شيء.
أما أنواع العلوم، فليس منها باب ولا مسألة هي أصلن إلا وفي القرآن ما يدل عليها، وفيه عجائب المخلوقات، وملكوت السماوات والأرض، وما في الأفق الأعلى، وما تحت الثرى.. إلى غير ذلك مما يحتاج شرحه إلى مجلدات.
* الألوسي ( 1217 ـ 1270هـ ):
عرض العلامة الألوسي في تفسيره ( روح المعاني ) لآراء من سبقه من الأعلام، وارتضى رأياً موجزة: أن القرآن معجز بجملته وأبعاضه، حتى أقصر سورة منه، معجز بالنظر إلى نظمه وبلاغته، وإخباره بالغيب، وموافقته لقضية العقل، ودقيق المعنى، وقد تستتر كلها في آية، وقد يستتر البعض، كالإخبار عن الغيب.
* عبد الرحمن الكواكبي ( القرن الرابع عشر الهجري ):
المصلح الاجتماعي السوري المعروف، وهو في مقدمة المحدثين الذين نادوا باستعمال معطيات العلم الحديث في شرح آيات القرآن التي تتحدث عن الكون والطبيعة والأنفس وما شابه ذلك.
يقول الكواكبي في كتابه المعروف ( طبائع الاستبداد ): إن القرآن الكريم شمس العلوم، وكنز الحكم، وهو يرى أن العلماء إنما امتنعوا عن التفسير العلمي تخوفاً من مخالفة رأي السلف القاصرين في العلم، فيكفرون فيقتلون.
وهو يعرض أيضاً في كتابه هذا ما يؤيد أهمية اتجاه التفسير العلمي للقرآن الكريم.
يقول الكواكبي: إن مسألة إعجاز القرآن لم يستطع أن يوقّها حقها العلماء غير المجتهدين، الذي اقتصروا على ما قاله السلف من أن إعجازه في فصاحته وبلاغته، أو إخباره عن أن الروم بعد غلبهم سيغلبون... ولو أطلق للعلماء عنان التدقيق وحرية الرأي والتأليف، كما أطلق لأهل التأويل والخرافات، لرأوا في ألوف من آيات القرآن ألوف الآيات من الإعجاز، ولرأوا فيه كل يوم آية تتجدد مع الزمان والحدثان تبرهن على إعجازه بصدق قوله تعالى: )ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ([الأنعام: 59].
ومثال ذلك: أن العلم كشف في هذه القرون الأخيرة حقائق وطبائع كثيرة ورد التصريح أو التلميح بأكثرها في القرآن، وما بقيت مستورة إلا لتكون عند ظهورها معجزة للقرآن شاهدة بأنه كلام رب العالمين، لا يعلم الغيب سواه....
* مصطفى صادق الرافعي ( القرن الرابع عشر الهجري ):
الأديب المعروف، الذي وضع كتابه المشهور ( إعجاز القرآن ) وذهب فيه إلى أن القرآن بآثاره النامية، معجزة أصلية في تاريخ العلم كله على بسيط هذه الأرض، من لدن ظهور الإسلام إلى ما شاء الله، كما أنه يقول: استخرج بعض علمائنا من القرآن ما يشير إلى مستحدثات الاختراع، وما يحقق بعض غوامض العلوم الطبيعية، وبسطوا كل ذلك بسطاً.
يشرح الرافعي في كتابه ( إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ) مسائل عديدة في الإعجاز القرآني، ويخلص إلى أن لقرآن معجزة بالمعنى الذي يُفهم من لفظ ( الإعجاز ) على إطلاقه حين ينفي الإمكان بالعجز عن غير الممكن، فهو أمر لا تبلغ منه الفطرة الإنسانية مبلغاً، وليس إلى ذلك مأتى ولا وجهة، وإنما هو اثر كغيره من الآثار الإلهية ليشاركها في إعجاز الصفة، وهيئة الوضع، وينفرد عنها بأن له مادة من الألفاظ كأنها مفرغة إفراغاً من ذوب تلك المواد كلها، وما نظنه إلا الصورة الروحية للعالم كله.. فالقرآن معجزة في تاريخه دون سائر الكتب ومعجز في أثره النفسي، ومعجز كذلك في حقائقه.
* الإمام أبو العزائم ( القرن الرابع عشر الهجري ):
تبدو النزعة العلمية، أو ما يمكن أن نسميه ( الإعجاز العلمي ) واضحة في وقفات الإمام المجدد محمد ماضي أبو العزائم عند الآيات الكونية، ولقد نالت آيات خلق الإنسان، وآيات الفلك والكونيات وآيات علوم الأرض والنباتات والحيوانات والمعادن، وعلاقة الأجرام السماوية بالكائنات الأرضية، منه إشارات عظيمة في ( أسرار القرآن ).
* طنطاوي جوهري ( القرن الرابع عشر الهجري ):
كان أستاذاً بدار العلوم بمصر، اشتهر في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري بتفسيره ( الجواهر في تفسير القرآن الكريم )، وكذلك بكتاب ( القرآن والعلوم العصرية ).
ولقد مهد لتفسير الجواهر بعدة مؤلفات ساعدت على توضيح هدفه في إبراز الجوانب العلمية للآيات الكونية في القرآن الكريم، ومن هذه المؤلفات: ( جواهر العلوم )، ( التاج المرصع )، و(جمال العالم).
وقد كانت هذه المؤلفات وغيرها من كتابات العلامة طنطاوي جوهري، إرهاصات لوضع تفسير كامل للقرآن الكريم يحتوي من آيات العلوم على ما يزيد على خمسين وسبع مئة آية، على حين لا تزيد آيات علم الفقه الصريحة على مئة وخمسين آية.
وكان يرنو من وراء هذا إلى حث الشباب المسلم إلى دراسة العلوم الكونية، وفي نفس الوقت فهم الآيات القرآنية فهماً قرياً حتى يعدّوا العدة لاسترجاع، واستعادة توطين الحضارة في أرض السلام مرة أخرى بعد أن هاجرت منها.
* محمد عبده ( القرن الرابع عشر الهجري ):
الإمام المصلح الشيخ محمد عبده، له كتاب ( رسالة التوحيد )، وهو من المهتمين بإبراز أوجه الإعجاز في القرآن، ويرى أن القرآن معجز من عند الله، لأنه صدر عن نبي أمي، ولأنه يخبر عن الغيب، ولتقاصر القوى البشرية دون مكانته... لقد كانت للشيخ آراء تصحيحية غير قليلة، وكان من المهتمين بإبراز الإشارات العلمية الواردة بالقرآن، لكنه لم يكن متضلعاً بالعلوم الكونية، ولم يمارس البحوث التجريبية، ولم يدرس الجوانب الطبيعية أو الطبية، إنما كان ينقل من أهل التخصصات ليشرح ما يراه مناسباً لبعض الآيات. ويأخذ بعض العلماء على الشيخ محمد عبده إغراقه في التفسيرات العلمية التي أوقعته في عدد من الأخطاء، مثل ما وقع فيه عندما افترض أن ( نظرية التطور ) لداروين في أصل الإنسان يمكن أن يوجد لها تفسيراً قرآنياً، وعندما اعتبر الحجارة التي ألقتها الطير الأبابيل نوع من الميكروبات.... ويرى هؤلاء العلماء أن هذا وذاك وما شابهه يخالف الحقيقة القرآنية[4] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?addnews=1#_ftn4).
* عبد الحليم محمود ( القرن الرابع عشر الهجري ):
الإمام القدوة الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، الذي جمع بين علوم الشريعة والحقيقة معاً، غزير الإنتاج المطبوع والمسموع، قال ـ رضي الله عنه ـ في كتاب له عنوانه ( موقف الإسلام من الفن والعلم والفلسفة ): قد يتساءل إنسان عن نوعية العلم الذي يدعو إليه الإسلام... إن العلم الذي يدعو إليه الإسلام هم العلم بالطبيعة والأحياء والكيمياء والطب، وغير ذلك من العلوم المادية، وهو بالضرورة أيضاً علم الدين، من تفسير وحديث وفقه... إن الآية الكريمة: )إنما يخشى الله من عباده العلماء (إنما وردت في معرض الحديث عن الكونيات المادية... إن هؤلاء الذين يتصلون مثلاً بعلم التشريح من قريب أو يتخصصون فيه، يرون من الإحكام المحكم، ومن الدقة الدقيقة في مختلف الأجهزة الجسمية، وفي مفردات هذه الأجهزة، ما يضطرهم اضطراراً إلى السجود لرب هذا التنسيق والترتيب والإبداع.. وليس علم التشريح وحده الذي يبهر العالم المتبحر فيه، وإنما يبهر علم الفلك العالم الفلكي، وعالم الإحياء وهو يتأمل عوالمه، ويفاجأ كل يوم بجديد وغريب وبديع فيها... إن هؤلاء جميعاً وغيرهم يجدون أنفسهم لا محالة أمام صنع الله الذي أتقن كل شيء صنعاً، فيقولون مع القرآن الكريم: )تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور. الذي خلق سبع سماوات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، فارجع البصر هل ترى من فطور. ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير ([الملك: 1 ـ 4] [5] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?addnews=1#_ftn5).
* محمد فريد وجدي ( القرن الرابع عشر الهجري ):
الكاتب الإسلامي المعروف، ونلاحظ اهتمامه ـ رحمه الله ـ بهذا المجال من خلال ما علق به على كتاب ( الإسلام والطب الحديث ) لصاحبه الدكتور عبد العزيز إسماعيل عند ظهوره.
يقول العلامةمحمد فريد وجدي: وهذا الكتاب يفتح للمتدبرين في آيات القرآن مجالاً فسيحاً لفهم آياته المشيرة إلى الكائنات الأرضية بما يسيغه العلم الحديث ويستهوي عقول الذين يقدسونه. فما أجدر أن ينشر بين طلبة الجامعات ليكون باعثاً لهم على تلاوة القرآن والاستهداء بنوره، وما أخلقه أيضاً أن يذاع بين طلاب العلم الديني ليجيب إليهم ويثبت لهم أنه أصبح أداة لإظهار مكنونات الكتاب وإذاعة آياته وإثبات إعجازه.
* محمد الطاهر بن عاشور ( القرن الرابع عشر الهجري ):
مفسر تونسي من جيل المعاصرين، وتفسيره للقرآن تفسير جيد، وقد ضمّن مقدمته آراءه في اتجاه ما يسمى: ( التفسير العلمي )، أي: استعمال معطيات العلم الحديث في شرح مفاهيم الآيات القرآنية المشيرة إلى الطبيعة والخلق والكون.
ولقد عرض الدكتور سعاد يلدرم[6] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?addnews=1#_ftn6) بالتفصيل لآراء ابن عاشور، وفيما يلي نقتبس منه مقتطفات نبين بها خلاصة هذه الآراء فيما يلي:
قال ابن عاشور ـ رحمه الله ـ في تفسير ( التحرير والتنوير )[7] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?addnews=1#_ftn7)( في المقدمة العاشرة ) عند البحث في إعجاز القرآن ما نصه: وآمال النوع الثاني من إعجازه العلمي، فهو ينقسم إلى قسمين: قسم يكفي لإدراكه فهمه وسمعه، وقسم يحتاج إدراك وجه إعجازه إلى العلم بقواعد العلوم. وكلا القسمين دليل على أنه من عند الله، لأنه جاء به ( أمي ) في موضع لم يعالج أهله دقائق العلوم، والجائي به ثاوٍ بينهم لم يفارقهم، ولقد أشار القرآن إلى هذه الجهة من الإعجاز بقوله تعالى: )قال: فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين. فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ([القصص: 49 ـ 50].ثم إنه ما كان قصاراه إلى مشاركة أهل العلم في علومهم الحاضرة، حتى ارتقى إلى ما لم يألفوه، ويتجاوز ما درسوه وألفوه.
قال ابن عرفة عند قوله تعالى: )يولج الليل في النهار ([آل عمران: 27].كان يعضهم يقول: إن القرآن يشتمل على ألفاظ يفهمها العوام، وألفاظ يفهمها الخواص، وعلى ما يفهمه الفريقان، ومنه هذه الآية، فإن الإيلاج يشمل الأيام التي لم يدركها إلا الخواص، والفصول التي يدركها سائر العوام.
أقول: وكذلك قوله تعالى: )أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي، أفلا يؤمنون ([الأنبياء: 30].فمن طرق إعجازه العلمية أنه دعا إلى النظر والاستدلال.
قال في الشفاء: ( ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم تعهدها العرب، ولا يحيط بها أحد من علماء الأمم، ولا يشتمل عليها كتاب من كتبهم، فجمع فيه من بيان علم الشرائع والتنبيه على طرق الحجة العقلية، والرد على فرق الأمم ببراهين قوية وأدلة كقوله: )لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ([الأنبياء: 22].وقوله: )أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ([يس: 81].
ولقد فتح الأعين إلى فضائل العلوم، بأنه شبه العلم بالنور وبالحياة كقوله: )لينذر من كان حياً ([يس: 70]. وقوله: )وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ([الزمر: 43].وقوله: )يخرجهم من الظلمات إلى النور ([البقرة: 257].وقوله: )... قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ... ([الزمر: 9].


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
28-12-2013, 04:11 PM
يتبــع الموضوع السابق

إعجاز القرآن على مر الزمان


وهذا النوع من الإعجاز هو الذي خالف به القرآن أساليب الشعر وأعراضه مخالفة واضحة.
ثم يستدل ابن عاشور بحديث: ( ما من الأنبياء نبي إلا أوتي ـ أو أعطي ـ من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة )[ البخاري: فضائل القرآن، ومسلم: كتاب الإيمان]، فالمناسبة بين كونه أوتي وحياً وبين كونه يرجو أن يكون أكثرهم تابعاً لا تنجلي إلا إذا كانت المعجزة صالحة لجميع الأزمان، حتى يكون الذين يهتدون لدينه لأجل معجزته، أمما كثيرين، على اختلاف قرائحهم، فيكون هو أكثر الأنبياء تابعاً لا محالة، وقد تحقق ذلك، لأن المعنى بالتابع: التابع له في حقائق الدين لا اتباع الادعاء والانتساب بالقول (...). وهذه الجهة من الإعجاز إنما تثبت للقرآن بمجموعه، إذ ليست كل آية من آياته، ولا كل سورة من سورة، بمشتملة على هذا النوع من الإعجاز، ولذلك فهو إعجاز حاصل من القرآن، وغير حاصل به التحدي.
وقال ابن عاشور ( في المقدمة الرابعة لتفسيره ): وفي الطريقة الثالثة: تجلب مسائل علمية من علوم لها مناسبة بمقصد الآية، إما على أن بعضها يومىء إليه معنى الآية، ولو بتلويح ما، كما يفسر أحدهم قول الله تعالى: ).... ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً... ([البقرة: 269]. وأن بعض مسائل العلوم قد تكون أشد تعلقاً بتفسير آي القرآن كقول الله: )والسماء بنيناها بأيد... ([الذاريات: 47].وكذا قوله تعالى: ) أفلم ينظرون إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج ([سورة ق: 6].فإن القصد منه الاعتبار بالحالة المشاهدة، فلو زاد المفسر ففصل تلك الحالة، وبين أسرارها وعللها بما هو مبين في علم الهيئة ( الفلك )، كان قد زاد المقصد خدمة، إما على وجه التوفيق بين المعنى القرآني، وبين المسائل الصحيحة من العلم، حيث يمكن الجمع، وإما على وجه الاسترواح من الآية، كما يؤخذ من قوله تعالى: )ويوم نسير الجبال ([الكف: 47]. أن فناء العالم يكون بالزلازل. ومن قوله تعالى: )إذا الشمس كورت... ([التكوير: 1]. أن قانون الجاذبية يختل عند فناء العالم.
* بديع الزمان سعيد النورسي ( القرن الرابع عشر الهجري ):
مجاهد إسلامي تركي مشهور، كتب تفسيراً باللغة العربية لسورة البقرة أسماه: ( إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز )، كما كتب تفسيراً لبعض سور وأجزاء القرآن الكريم بعنوان: ( كليات رسائل النور ) التي ترجمت فيما بعد إلى اللغة العربية، وقد توفي ـ رحمه الله ـ عام ( 1960م ) عن عمر يناهز السابعة والثمانين، وهو عمر ملىء بالعلم والجهاد والدعوة إلى الله، وفي نفس بحث الدكتور سعاد يلدرم وردت تفصيلات كثيرة عن آراء النورسي في هذا الاتجاه التفسيري للقرآن الكريم، وبنفس الأسلوب في التناول هنا سوف نعرض مقتطفات موجزة من هذه التفصيلات، تبين موجزاً لهذه الآراء:
من آيات القرآن قسم يزداد وضوحاً بمرور الزمان، ولا تنقضي عجائبه، له محكمات ونصوص لا تتغير وأحكامها في كل الأزمان، ولكن له أيضاً معاني ثانوية تشير إلى بعض الحقائق العلمية التي تنكشف شيئاً فشيئاً، حسب تقدم المستوى العلمي البشري.
أما الحقائق الظاهرية التي بينها السلف الصالح فمسلمة محفوظة، لا تعتريها شبه، لأنها نصوص ومحكمات وأسس وقواعد يجب الإيمان بها، والكتاب موصوف بأنه )قرآن عربي مربين (.وهذا يقتضي كونه واضحاً في معانيه الأساسية، والخطاب الإلهي يدور حول هذه المعاني، ويقويها ويظهرها، ومن ينكر هذه المعاني المنصوصة، فكأنما يكذّب الله تعالى، ويتهم فهم الرسول صلى الله عليه وسلم، إذن لا شك في أن المعاني المنصوصة مأخوذة من منبع الرسالة... إلخ ( المكتوبات 400 ـ 401 ).
ويتساءل النورسي بعد أن تعرض لبعض المعاني الإشارية من قبيل الإعجاز العلمي، فيقول: فإن قلت: كيف نستطيع أن نعلم أن القرآن أراد هذه المعاني وأشار إليها؟.
فالجواب: ما دام القرآن خطة أولية، وما دام هو يدرس ويخاطب كل طبقات البشر المصطفّة جيلاً بعد جيل، إلى يوم القيامة، فلا بد له من مراعاة تلك الأفهام المختلفة، ودرج المعاني المتعددة وإرادتها، ووضع القرائن للإرشاد بأنه أرادها، وكل هذه الوجوه والمعاني تعد من معاني القرآن بشهادات اتفاق أهل الاجتهاد، وأهل التفسير، وأهل أصول الدين، وأهل أصول الفقه، بشرط كونه صحيحاً من ناحية العلوم العربية، وحقاً من جهة الأصول الدينية، ومقبولاً من الناحية البلاغية، والقرآن وضع أمارة لكل وجه من هذه الوجوه: إما لفظية وإما معنوية.
والأمارة المعنوية: إما أن تفهم من سياق الكلام وسباقه، وإما أمارة مستنبطة من آية أخرى تشير إليها ( يعني: إلى هذا المعنى )، وكتب التفاسير التي تعد بالآلاف التي الفها المحققون تشهد بجامعية القرآن هذه وخارقيته. ( سوزلر، أي: الكلمات 414 ـ 415 ).
يتساءل الإنسان: إن الواقع الذي نشاهده ضد ما أشار إليه القرآن في بعض الأحيان، مثلاً نرى الشمس تشرق، وتغرب، والأرض منبسطة ساكنة، ماذا نقول في ذلك؟ نجيب عن هذا السؤال بأن القرآن كتاب هداية وإرشاد، والإرشاد باعتبار المعظم عوام، والعوام على رؤية الحقيقة عريانة، ولا يستأنسون بها إلا بلباس خيالهم المألوف، فلهذه النكتة صوّر القرآن تلك الحقائق بمتشابهات وتشبيهات واستعارات، وحافظ على الجمهور الذين لم يتحملوا عن الوقوع في ورطة التكذيب بما لم يحيطوا بعلمه، فأجمل في المسائل التي يعتقد الجمهور بالحس الظاهر مخالفتها للواقع، لكن مع ذلك أومأ إلى الحقيقة بنصب أمارات، فإذا تفطنت لهذه النكتة فاعلم: أن الديانة والشريعة الإسلامية المؤسسة على البرهان العقلي، ملخصة من علوم وفنون تضمنت العقد الحيوية في جميع العلوم الأساسية، من فن تهذيب الروح، وعلم رياضة القلب، وعلم تربية الوجدان، وفن تدريب الجسد، وعلم تدبير المنزل، وفن السياسة المدنية، وعلم الحقوق والمعاملات، وفن الآداب الاجتماعية، وكذا... وكذا...إلخ، مع أن الشريعة فسرت وأوضحت في مواضع اللزوم ومظان الاحتياج وفيما لم يلزم في حينه أو تستعد له الأذهان، أو لم يساعد الزمان، أجملت بفذلكة ووضعت أساساً، وأحالت إلى الاستنباط منه ( إشارات الإعجاز 175 ). يراعي القرآن ويتلطف مع الحس الظاهري، الذي يشاهد أن الأرض ساكنة ومنبسطة، ولا يقول بصراحة: إن الأرض كروية تدور حول نفسها، وحول الشمس بسرعة، ما أراد القرآن أن يلبس على الناس ويشوش على أفكارهم، فيبعدهم عن هداية القرآن، ولو قال القرآن هذا وأمثاله من الحقائق العلمية لانفض الناس من حولها، ولأنكروا ذلك، لم يكن من ذلك شك، إلا أن القرآن لم يهمل الإشارة إلى العصر، وإلى المستوى، الذي أدرك الناس فيه حقيقة شكل الأرض أو حركتها.
وبناء على هذه الحقيقة، فلا بد للمفسرين المتأخرين أن يوفقوا بين الحقائق الكونية المتكشفة وبين النص القرآني المشير إلى هذه الاكتشافات، وليست هذه المسائل من قبيل العقائد والعبادات والأحكام والمعاملات، ولهذه يجوز أن تفهم وتؤمن الأجيال المتقدمة بالمعنى الإجمالي وكفى، وهذا لا يسبب أي نقيصة للقرآن، ولا للمتقدمين من الأمة الذين لم يكن في استطاعتهم أن يعرفوا هذه المسائل بالتفصيل، بل يكون دليل آخر بالإعجاز القرآني.. لأن القرآن يعلن بصراحة أنه يحتوي بعض الحقائق التي لم تظهر حقيقتها في وقت النزول: )... بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ([يونس: 39].والجزء الأخير من الآية صريح في أن القرآن يحتوي بعض الحقائق التي ستتضح بمرور الزمان، وكذا قوله تعالى: )سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ([فصلت: 53].
وهذه ألآية صريحة في أن الله يظهر بعض الآيات، أي: بعض الحقائق القرآنية بعد زمن النزول.
لنقرأ ما كتبه المفسر ابن كثير ( المتوفى سنة 774هـ )، الذي هو أبعد المفسرين عن التفسير الموصوف بالعلمي.
قال ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية الكريمة: ( أي: سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقاً منزلاً من عند الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم بدلائل خارجية في الآفاق من الفتوحات[8]، وظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان... ويحتمل أن يكون المراد من ذلك هو ما الإنسان مركب منه وفيه وعليه من المواد ( الأخلاط )، والهيئات العجيبة، كما هو مبسوط في علم التشريع الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى.
وقال ابن زيد: ( آفاق السماوات ): نجومها، وشمسها، وقمرها، اللاتي يجرين، وآيات في أنفسهم، أيضاً ( تفسير الطبري: 25/5 ).
ويصرح ابن كثير بأن هذه الآية تشير إلى بعض الحقائق التي يدرسها علم الأحياء وعلم التشريح.
وابن زيد، من السلف، يفسر ( الآيات ) بعلوم الكون، بينما كان ابن جرير الطبري لا يلتزم هذا التفسير، ظنّاً بأن السماوات والشمس والقمر كانت مشهودة ومعلومة عندهم.
* عبد الرزاق نوفل ( القرن الرابع عشر الهجري ):
عرض المفكر الإسلامي المرحوم الأستاذ عبد الرزاق نوفل فكره في العديد من الكتب التي ألفها، وقد ظهر ـ رحمه الله ـ في فترة كانت بحاجة إلى إشاعة هذا الفكر، تلك هي فترة سيطرت الشيوعية ـ أو على الأقل العلمانية ـ على أنحاء متفرقة من العالم.
وفي كتاب ( القرآن والعلم الحديث )[9]يقول: أثبت التقدم الفكري في العصر الحديث أن القرآن كتاب علمي جمع أصول كل العلوم والحكمة... وكل مستحدث في العلم نجد أن القرآن قد وجه إليه النظر أو أشار إليه.
* محمد متولي الشعراوي ( القرن الخامس عشر الهجري ):
الإمام العلامة قوي البيان ذائع الصيت الذي يلجأ في كثير من الأحيان ـ خصوصاً عند مروره بالآيات ذات الإشارات والمفاهيم العلمية ـ إلى الاستعانة بمعطيات العلوم الحديثة في الكشف عن جوانب من معنى الآية لم تكن ظاهرة للناس من قبل، ونفهم من ذلك: أنه لا يعارض ( التفسير العلمي )، وإنما يعارض المغالاة والاندفاع والخوض بالقول في النظريات والفروض والظنون، وجر آيات القرآن إلى هذا الميدان، في محاولة لإثبات القرآن بالعلم، رغم أن القرآن ليس في حاجة إلى العلم ليثبت صدقه.
يقول فضيلته: إن هذا أخطر ما نواجهه، ذلك أن بعض العلماء في اندفاعهم في التفسير وفي محاولاتهم ربط القرآن بالتقدم العلمي يندفعون في محاولة ربط كلام الله بنظريات علمية مكتشفة يثبت بعد ذلك أنها غير صحيحة، وهم في اندفاعهم هذا يتخذون خطوات متسرعة، ويحاولون إثبات القرآن الكريم بالعلم، والقرآن ليس في حاجة إلى العلم ليثبت، فالقرآن ليس كتاب علم، ولكنه كتاب عبادة ومنهج، ولكن الله سبحانه وتعالى علم أنه بعد عدة قرون من نزول هذا الكتاب الكريم سيأتي عدد من الناس ويقول: انتهى عصر الإيمان وبدأ عصر العلم، والعلم الذي يتحدثون عنه قد بينه القرآن الكريم كحقائق كونية منذ أربعة عشر قرناً.... [10].
ويقول الشيخ الشعراوي[11] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?addnews=1#_ftn11): إن القرآن ىية الإعجاز، وله عطاءات في هذا المضمار، وهناك عطاءات في قول الله تعالى: )سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم... (،ويتمثل الأول في الافاق الواسعة والأرجاء الرحبة، وتسمى الآيات الكونية، ولقد أوضح سبحانه وتعالى من آيات الكون للمؤمنين، هداية لهم وإرشاداً، فبرع كثير منهم، وكانوا قادة أوائل في العلوم، وعلى رأسهم جابر بن حيان الذي كان أول من وضع أساس علم الكيمياء، وابن سينا الذي وضع أساس علم الطب لعلاج أدواء البشر، والفلك لنعرف مجريات النجوم وأفلاكها، وما يعتورها من تغيرات ومناخات، وكذلك علم الرياضيات. ولم نهمل آيات الكون جسم الإنسان، فاكتشف ابن النفيس الدورة الدموية ووصفها وصفاً علمياً دقيقاً. ولم يقف الحال عند ذلك، بل نبغ الزهراوي في إجراء الجراحات الكثيرة حتى سمى ( أبا الجراحة )، ولم يقتصر عطاء الله سبحانه وتعالى على المؤمنين، بل إن هناك ثوابت وحقائق، مثل كروية الأرض التي صورها العلماء من القمر، فلن تصبح الأرض مربعة أو مثلثة... تلك حقائق ثابتة، ومثلها قوانين في الفيزياء، وحقائق في الفلك وفي التشريع...
* كامل البوهي ( القرن الخامس عشر الهجري ):
كان ـ رحمه الله ـ مديراً لإذاعة القرآن الكريم بمصر، ومديراً لتحرير جريدة ( الرأي العام )، وحينما سئل عن رأيه في التفسير العلمي قال[12]: إن كل تفسير إنما هو اجتهاد يصيب ويخطىء، ومن حق المتخصص أن يجتهد، فأولئك الذين فسروا القرآن بلاغياً متخصصون في البلاغة، وقد تتغير النظرية الأدبية من جيل إلى جيل، وقد يخطىء أحد المفسرين على الطريقة البلاغة، والقرآن الكريم صحيح مئة في المئة، أما تفاسيره فمنها الصحيح ومنها غير الصحيح... ولا يجب منع التفسير العلمي بوجه عام، فذلك خطر على الفكر لا يرضاه الإسلام الذي أطلق للإنسان العنان ليستخدم كل مواهبه دون عراقيل من كهنوت ديني أو سلطة ـ من يدعون الوصاية على أمور الدين، ما دام المجتهد كفئاً للاجتهاد وحسن النية ... ونعتقد أن ذلك يؤهله لتلقي نفحات من الله تفتح له الطريق والوعي والتوفيق...
* محمود ناظم نسيمي ( القرن الخامس عشر الهجري ):
مفكر سوري مسلم، له كتابات في مجال الربط المنسجم بين العلم والدين، وفي تقديمه لكتاب ( مع الطب في القرآن الكريم ) الذي نال به درجة الدكتوراة كل من الدكتور عبد الحميد دياب والدكتور أحمد أحمد قرقور[13]، يقول الدكتور محمود ناظم نسيمي:... وتعلم فنون الطب والصناعة والزراعة والعلوم الدنيوية المختلفة ليس من مهام الرسالة السماوية، فإذا تكلم القرآن عن شيء من ذلك فإنما يريد أن يوجه الإنسان إلى الإيمان بوجود خالق مبدع لكل الكائنات، وإلى ما فيها من خواص طبيعية وقوانين علمية وترتيبات سببية، ويريد منه أن يحيا معها ضمن عقيدة سليمة وتفكير قويم، وأن يستخدمها في سلوك صحيح وأخلاق سامية، ويريد أن ينبه الإنسان بصورة خاصة إلى أن الاشتغال بالعلوم والمهن والصناعات وأنواع الزراعة المفيدة ضمن الإطار العقائدي السليم والخلقي النبيل، إنما هو منسجم مع روح الإسلام، فلا يجوز أن يهمله المجتمع المسلم أو يغفل عنه بحجة أن أفضل العلوم هي العلوم الدينية، لأن كل علم أو حرفة أو صناعة أو زراعة نافعة للمجتمع الإسلامي هو من فروض الكفاية، كما هو الحال في تعلم الفقه وسائر العلوم الدينية.
* عبد المجيد الزنداني ( القرن الخامس عشر الهجري ):
أول أمين عام لهيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، وهذه هي أول هيئة ( من حيث تاريخ التأسيس ) في العالم تقوى على إبراز جوانب الإعجاز العلمي في آيات القرآن. ولفضيلته كتب عديدة في مجال الإشارات العلمية للقرآن الكريم، والتوحيد، والكثير من البحوث المنشورة في مؤتمرات هيئة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بمكة المكرمة[14].
كما أنه صاحب العديد من الأفكار والمشروعات البحثية في هذا المجال العظيم.
* مصطفى محمود ( القرن الخامس عشر الهجري ):
المفكر الإسلامي المعروف، وهو أحد المنادين بالتفسير العصري ( وهو في نظره أكثر شمولاً من مجرد التفسير العلمي )، وله في هذا المجال كتاب مشهور بعنوان: ( القرآن ... محاولة لفهم عصري ).
يقول الدكتور مصطفى محمود[15]: إن القرآن كلام الله ( الذي ) لا نهاية لمعانيه، وهو كتاب جامع.. ولهذا فإنه احتمل أكثر من منهج في التفسير، فهناك التفسير البياني.. والتفسير العلمي الذي يركز على الآيات الكونية في الفلك والطب والأجنة، وعلى معطيات الموضوعية العلمية، وهناك التفسير الإشاري، وهناك.... إلخ، ولكل منهج من هذه المناهج مكانه، وكلها مكملة لبعضها البعض، والاجتهاد فيها لا ينتهي، ونظراً لكثرة المعلومات المتاحة في العصر العلمي الذي نعيشه، أخذ التفسير العلمي مكان الصدارة، إذ وجدنا آيات القرآن تتوافق مع كل ما يجدُّ من معارف علمية ثابتة... وهو يرد على المعترضين بحجة العلم وعدم ثباته.
* ولا يزال الرصيد زاخراً:
لقد كثرت التآليف والتصانيف في مسائل إعجاز القرآن، خصوصاً الجوانب العلمية والطبيعية والكونية والطبيه فيه، وإننا بالأمثلة التي نوردها فيما يلي لا نريد حصراً، وإنما نوردها على سبيل الإشارة والتعريف ببعض الأسماء التي تسهم في هذا الحقل الخصيب.
ومنهم: محمد توفيق صدقي ( دروس سنن الكائنات )، حنفي أحمد ( التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن )، ( معجزة القرآن في وصف الكائنات )، محمد أحمد العدوي (آيات الله في الآفاق )، محمد بن أحمد الإسكندراني ( كشف الأسرار النورانية القرآنية فيما يتعلق بالأجرام السماوية والأرضية والحيوانات والنباتات والجواهر المعدنية )، ( تبيان الأسرار الربانية في النباتات والمعادن والخواص الحيوانية )، ( البراهين البينات في بيان حقائق الحيوانات ). عبد الله باشا فكري ( مقارنة بعض مباحث الهيئة بالوارد في النصوص الشرعية )، ( القرآن ينبوع العلوم والعرفان ). عمر ابن أحمد الملباري ( إعجاز القرآن في مسألة اللؤلؤ والمرجان ). الشيخ محمد بخيت المطيعي ( تنبيه العقول الإنسانية لما في آيات القرآن من العلوم الكونية والعمرانية ). الغازي أحمد مختار باشا ( سرائر القرآن ). السيد كيراميت ( الاتفاق الأساسي التام بين الكتاب الكريم وبين التعاليم الأوروبية في الطبيعة والفلك والعلوم الكونية ). محمد عفيفي الشيخ ( القرآن الكريم وعلوم الغلاف الجوي ). الدكتور عبد العزيز باشا إسماعيل ( الإسلام والطب الحديث ). الدكتور محمد صدقي ( علم الفلك والقرآن ). الدكتور محمد أحمد الغمراوي ( الإسلام في عصر العلم )، ( سنن الله الكونية ). الدكتور عبد الله شحاتة ( تفسير الآيات الكونية ). الدكتور محمد جمال الدين الفندي ( الله والكون ). الدكتور محمد يوسف حسن ( قصة السماوات والأرض ). الدكتور عبد الغني الراجحي ( الأرض والشمس في منظور الفكر الإسلامي ). الدكتور موريس بوكاي ( دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة )، ( ما أصل الإنسان؟ ). علي عبد العظيم ( في ملكوت السماوات والأرض ). الدكتور عبد الله عبد الرزاق سعود ( السواك... والعناية بالأسنان )، ( العسل... من الإعجاز الطبي في القرآن ). العلامة وحيد الدين خان ( الإسلام يتحدى ). صلاح الدين خشبة في رسالته ( العلم والإيمان ). نعيم الحمصي ( فكرة إعجاز القرآن ). محمد محمد إبراهيم في رسالته ( إعجاز القرآن في علم طبقات الأرض ). الأستاذ عبد الرزاق نوفل ( الله والعلم الحديث )، ( الإسلام والعلم الحديث )، ( القرآن والعلم الحديث )، ( معجزة الأرقام والترقيم في القرآن ). مصطفى الدباغ ( وجوه من الإعجاز القرآني ). محمد عبد القادر الفقي ( القرآن الكريم وتلوث البية ). الدكتور توفيق علوان ( معجزة القرآن في الوقاية من مرض دوالي الساقين ). الدكتور محمد علي البني ( نحل العسل بين القرآن والطب ). عبد المنعم السيد عشري ( تفسير الايات الكونية في القرآن ). محمد عثمان الخشت ( وليس الذكر كالأنثى من منظور الإسلام والعلوم الحديثة ). الدكتور منصور حسب النبي ( الكون والإعجاز العلمي للقرآن )، ( القرآن الكريم والعلم الحديث )، ( الإشارات القرآنية للسرعة القصوى والنسبية )، ( موسوعة المعارف الكونية في ضوء القرآن ـ للفتيان ). الدكتور عبد العليم عبد الرحمن خضر ( الظواهر الجغرافية بين العلم والقرآن )، ( المدخل الإيماني للدراسات الكونية في القرآن )، ( هندسة النظام الكوني في القرآن )، ( الماء والحياة بين القرآن والعلم ). الدكتور كارم السيد غنيم ( رحلة مع الجراد )، ( عجائب العنكبوت ) ( الإشارات الكونية في القرآن الكريم: بين الدراسة والتطبيق )، ( ماشية الحليب في ضوء القرآن وسنة الحبيب ). توفيق محمد عز الدين (دليل الأنفس بين القرآن والعلوم الحديثة ). الدكتور محمد السعيد إمام ( حديث الإسلام عن الأشجار ). الدكتور الطاهر توفيق ( القرآن والإعجاز في خلق الإنسان ). عبد الحميد محمود طهماز (المعجزة والإعجاز في سورة النمل ). الدكتور عبد المجيد الزنداني ( توحيد الخالق ). الدكتور محمد البار ( خلق الإنسان بين الطب والقرآن)، ( الخمر بين الطب والفقه )، ( تحريم الخنزير )، ( دورة الأرحام )، رؤوف أبو سعدة ( العلم الأعجمي في القرآن مفسراً بالقرآن ). الدكتور عبد الحميد محمد عبد العزيز ( الإنسان بين الحقائق القرآنية والمعارف الطبية )، ( عبادات إسلامية من منظور طبي )، لواء مهندس أحمد عبد الوهاب ( العلوم الذرية المدنية في التراث الإسلامي)، ( خاصية النظام بين الكون والقرآن )...
هذا بالإضافة إلى كوكبة من الذين ألهمهم الله من العلوم ما استخدموه في جوانب شتى من هذا المجال الخصب، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
د/ عبد الحليم منتصر، د/ عبد الحليم كامل، د/ عفيفي محمود عفيفي، د/ علي علي المرسي، د/ أحمد شوقي إبراهيم، د/ عبد الحافظ حلمي، د/ محمد كمال عبد العزيز، د/ محمد عبد العال، د/ عبد الفتاح طيرة، د/ محمد فوزي جاد الله، د/ محمد أحمد ضرغام، د/ إبراهيم شحاتة قوشتي، د/ أحمد حسنين القفل، د/ عبد المحسن صالح، د/ عبد الكريم دهينة، د/ سالم نجم، د/ زين العابدين متولي، د/ كمال عبد الحميد عثمان، د/ محمد وسيم نصار، د/ حسين رضوان الليبدي، د/ السيد سلامة السقا، د/ زغلول راغب النجار، د/ إبراهيم سليمان عيسى، أ.د/ طه غبراهيم خليفة، أ.د/ محمد شوقي الفنجري، د/ أحمد شوقي الفنجري، أ.د/ خمساوي أحمد الخمساوي، د/ محمد أحمد الشهاوي، د/ ممدوح عبد الغفور، المهندس مصطفى بدران، محمد إسماعيل إبراهيم، المهندس محمد السيد أرناؤوط... وسوف يستمر عطاء القرآن على مر الزمان، وسوف يستمر علماء العلوم المدنية والتخصصات الكونية والبحوث التقنية، في الكشف عن مختلف جوانب الإعجاز في كتاب الله المجيد، معجزة الإسلام الخالدة، القرآن الكريم مصدقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة ). وتنفيذاً للوعد الإلهي: )سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ... (.وعلى الله قصد السبيل.
[1]– الأستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر، وسكرتير عام الجمعية، ومقرر اللجنة الثقافية، وعضو اتحاد الكتاب بجمهورية مصر العربية.

[2]– العمر ي د. أحمد جمال: مفهوم الإعجاز القرآني حتى القرن السادس الهجري، دار المعارف بمصر، ط1، سنة 1984م..

[3]– العمري د. أحمد جمال : المرجع السابق.

[4]– محمود د. منيع عبد الحليم : التفسير العلمي للقرآن بين المؤيدين والمعارضين، تحقيق بمجلة المسلمون 1 1402هـ / 1981م.

[5]– مجلة الأزهر: عدد رجب 1397هـ / 1977م.

[6]– يلدرم د. سعاد: مستندات التوفيق بين النصوص القرآنية وبين النتائج العلمية الصحيحة، المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، إسلام آباد ـ باكستان سنة 1408هـ / 1987م.

[7]– ابن عاشور محمد الطاهر : تفسير التحرير والتنوير، تونس سنة 1984م.

[8]– فسر ابن كثير الآفاق في الآية الكريمة بأنها الفتوحات الإسلامية في البلاد والأقطار والأمم، ولم يمكنه العلم الدنيوي المتوفر في عصره من فهم الآفاق الكونية، ولذلك لم يفسرها بآفاق الكون.

[9]– نوفل عبد الرزاق : القرآن والعلم الحديث، مؤسسة دار الشعب بالقاهرة سنة 1982م.

[10]– الشعراوي الشيخ محمد متولي : معجزة القرآن، مؤسسة أخبار اليوم بمصر. ط1 بدون تاريخ.

[11]– جريدة الجمهورية بمصر، عدد الجمعة 15/4/1994م.

[12]– البوهي د. كامل : التحقيق الصحافي السابق بجريدة المسلمون .

[13]– دياب وقرقوز د. عبد الحميد، د. أحمد : مع الطب في القرآن الكريم، مؤسسة علوم القرآن بدمشق، ط1، سنة 1984م.

[14]– الزنداني الشيخ عبد المجيد : المعجزة العلمية في القرآن والسنة، المؤتمر الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، إسلام آباد، سنة 1407هـ / 1987م.

[15]– محمود د. مصطفى : التفسير العلمي للقرآن بين المؤيدين والمعارضين. تحقيق بمجلة المسلمون 1 1402هـ / 1981م.

القلب الحزين
28-12-2013, 04:13 PM
الرؤية الإسلامية لعلاقة الإنسان بالموارد وحقيقة النظرية السكانية لـ


http://quran-m.com/firas/ar_photo/1272200915220px-foods.jpg بقلم/ صبحي رمضان فرج
مدرس مساعد-كلية الآداب-جامعة المنوفية
لقد تكفل الله سبحانه بأمر الرزق، فقال تعالى "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (هود:6) وجعل الأرض مباركة قابلة للخير والبذر والغرس وما يحتاج أهلها إليه من الأرزاق، يقول تعالى:"وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ" (الأعراف:10).
والموارد الاقتصادية في جملتها كافية لإشباع حاجة الإنسان، يقول تعالى: "وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار" (إبراهيم:34)، وقوله: "وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ" (الحجر:21)، وقوله في الأرض التي حل بها الإنسان: "وبارك فيها وقدر فيها أقواتها" (فصلت:10)؛ وعلى ذلك فإن ندرة الموارد-أو كما يطلقون عليه"شح الطبيعة"-لا يرجع إلى نقص فيها على مستوى البشر ككل، وإنما إلى أسلوب استغلال الإنسان لها، سواء بتعطيلها وإهدارها أو لسوء استغلالها وعدم الاستفادة الكاملة منها، أو الصراع من أجل الاستيلاء عليها والاستئثار بها.
وقول الله تعالى:"ُقلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ {9} وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ)[سورة فصلت] يخبرنا أن الله سبحانه وتعالى خلق الأرض في يومين (من أيام الله) وأنه سبحانه وتعالى قدر فيها أرزاق أهلها وما يصلح لمعايشهم في تتمة أربعة أيام سواء للسائلين وهذا معناه أن المصادر الغذائية لعباد الله على الأرض مقدرة ولن تنفد، فقد تكفل الله عز وجل برزق من لا يقدر على حمل الرزق وتخزينه من الحيوانات، وذلك بقوله:"وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"(العنكبوت:60)، فكيف بمن يستطيع ذلك من بني البشر الذين كلفهم بحمل الأمانة، وقد تكفل لهم بالمتاع إلى يوم القيامة بقوله:"وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين"(البقرة:36)، والمتاع هو كل ما ينتفع به من موارد الطبيعة، إلا أنه يجب على الإنسان أن يتحقق من ذلك ويسعى في الأرض يسخر قوانين الله الكونية للحصول عليها.
وهذه الرؤية الإسلامية تختلف تمام الاختلاف مع ما ذهب إليه القس والاقتصادي الإنجليزي توماس‌ مالثوس Thomas Maltoseن(1766– 1834م) في نظريته التي نشرها في كتاب له بعنوان "بحث في مبدأ السكان"، حيث اعتبر أن البشر يميلون إلى التكاثر، بسرعة تفوق ازدياد وسائل العيش، فعددهم يتضاعف كل خمسة وعشرين عاماً، حسب متوالية هندسية، بينما في المقابل، يزداد الإنتاج-وعلى فرض العناية بالأرض عناية فائقة- بحسب متوالية حسابية؛ فعلى سبيل المثال، لو فرضنا أن عدد السكان الحاليين على الأرض ألف مليوناً، فهم سيتزايدون على الشكل التالي: 1-2-4-8-16-32...الخ، بينما يتزايد القوت بهذا الشكل: 1-2-3-4-5-6... الخ، وعلى ذلك فبعد 150 سنة سيكون عدد السكان بالنسبة إلى المواد الغذائية كنسبة 32/6، وهى نسبة تلوّح بإمكانية حدوث مجاعة، نتيجة عدم قدرة نسبة الإنتاج على تغطية حاجات السكان . وهكذا خلص مالثوس إلى أن مشاكل الجوع والبطالة والفقر وسوء أحوال الصحة العامة وانتشار الرذيلة وفساد الأخلاق، إنما هى مشاكل حتمية لا دخل للإنسان فيها.
فهى ترجع إلى مفعول هذا القانون الأبدي الذي يعمل في كل زمان ومكان وفي كل الظروف التي يمكن أن يعيش فيها الإنسان.
ولهذا كان مالثوس يرى أن أهم مساعدة يمكن أن تقدم للفقراء، هى تبصيرهم بقانون السكان، وتجدر الإشارة هنا إلى أن مالثوس كان من أشد المعارضين لقانون"إغاثة الفقراء" الذي كان يقضي بتوزيع بعض المعونات على المعوزين، لأنه رأى أن إغاثة الفقراء من شأنها تشجيع الفقراء على الزواج وزيادة نسلهم .
ويذهب مالثوس إلى أبعد من ذلك فيقول ‌:«إن العدد الفائض‌ من‌ جميع‌ الأطفال‌ الذين‌ ولدوا، علی ما يلزم‌ لحفظ‌ عدد السكّان‌ في‌ مستوي‌ مطلوب‌، ينبغي‌ ضرورةً أن‌ يفني‌ إلا إذا فُسح‌ لهم‌ المجال‌ بموت‌ الأفراد الكبار في‌ السنّ... وعليه‌... فانّه‌ يجب‌ علينا، بدلاً من‌ السعي‌ الأحمق‌ غير المثمر للوقوف‌ بوجه‌ عمليّات‌ الطبيعة‌ في‌ إحداث‌ هذا الموت‌ والفناء، وبدلاً من‌ أن‌ نوصي‌ الفقراء برعاية‌ النظافة‌ والطهارة‌، أن‌ نحثّهم‌ علی عادات معاكسة، لذلك‌ علينا أن‌ نجعل‌ الشوارع‌ في‌ مدننا أضيق‌ و أقلّ عرضاً، و أن‌ نضع‌ عدداً أكبر من‌ السكّان‌ في‌ البيوت‌، و ندع‌ الطاعون‌ يعود من‌ جديد... بل‌ إن علينا- فوق‌ هذا كلّه‌- أن‌ نقف‌ في‌ وجه‌ نشاط‌ هؤلاء الأفراد الخيّرين‌ الذين‌ يرتكبون‌ خطأً فاحشاً ويَتخيّلون‌ أنهم‌ يقدّمون‌ خدمة‌ إلی البشريّة‌ بإيجاد خطط‌ لاستئصال‌ بعض‌ الأمراض‌».
وهكذا فإن المجتمع البشري في نظر مالثوس ليس إلا صراعا، الحياة فيه تكتسب لمن هو أصلح، وليست الثروة والملكية إلا مكافأة للبارعين في هذا الصراع، والمالثوسية بهذا المعنى كانت تطبق آنذاك مكتشفات تشارلز دارون على الحياة الاجتماعية .
وتجدر الإشارة هنا، إلى أن تشارلز دارون-صاحب نظرية النشوء والارتقاء- كان شديد الإعجاب ومن المتحمسين لنظرية مالثوس، لأنه رأى فيها تأكيدا لنظرية النشوء والارتقاء في مجال المجتمع البشري.
ولقد لقيت أفكار (مالثوس) تجاوباً وصدىً في أوربا لعوامل، منها: الثورة الصناعية وما صاحبها من هجرة السكان إلى المدن، ومن غلاء الأسعار، وصراع على لقمة العيش، وخروج المرأة للعمل لكسب عيشها-بعد أن تخلى الرجل عن هذه المهمة- وهذا الأمر دفعها لترك وظيفتها الفطرية في إنجاب الأولاد؛ لعدم تفرغها، بالإضافة إلى الفلسفات المادية والمناهج الإلحادية التي لا تؤمن إلا بما في الحوزة من المال، وتنكر وجود إله تكفل برزق كل مخلوق .
تشالز داروين وظلت نظرية مالثوس للسكان معتمدة لفترة طويلة بين الاقتصاديين في العالم، وأدت إلى حدوث كوارث إنسانية، حيث اتخذت مبررًا للإبادة الجماعية لكثير من الشعوب، وأجبر أبناء بعض العرقيات المضطهدة كالسود والهنود في أمريكا على إجراء التعقيم القسري، وإن اتخذ صورة تعقيم اختياري في ظاهر الأمر، ومثل تجربة التنمية السوفيتية في روسيا التي أستحلت بدورها إبادة أعداد كبيرة من البشر (يقال 12 أو 15 مليونًا) بحجة اعتصار التراكم المطلوب للتنمية والتقدم الصناعي.
ويقول (آلان تشيس) في كتابه (تركة مالتوس) إن 63678 ألف شخص قد جرى تعقيمهم قسراً فيما بين عامي 1907 و1964م في أمريكا في الولايات الثلاثين والمستعمرة الوحيدة التي سنت مثل هذه القوانين.
وبإمعان النظر في الإطار الخلفي الذي انبثقت منه هذه الرؤية اللا إنسانية لمالثوس حول زيادة السكان يظهر بشكل واضح أن هناك مرتكزان قد أقام مالثوس هذه الرؤية عليهما:
الأول: ويتمثل في النظرة الخاطئة إلى التكاثر البشري إلى أنه عملية بيولوجية محضة، مستقلة تماما عن الظروف والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للإنسان، وقد أثبتت البحوث والدراسات الاقتصادية والاجتماعية بعد مالثوس خطأ هذه النظرة، على أساس أن النمو السكاني هو دالة في الأجل الطويل في درجة التطور الاقتصادي والاجتماعي للمحيط الذي يعيش فيه الإنسان.
والثاني: ويتمثل في إيمان مالثوس الخاطئ بما يسمى "قانون تناقص الغلة" والذي ينص على أن الزيادة التي تحدث في الإنتاج لا تتناسب مع الزيادة المستخدمة من عنصري العمل أو رأس المال، وإنما تصل إلى حد "التشبع" وبعدها لا تؤدي الزيادة في العنصرين إلى زيادة الناتج بنفس النسبة، وإنما بنسبة متناقصة، بل وبعد حد معين تكون الزيادة بالسالب.
وليس يخفى أن الإيمان بهذا القانون يعني بشكل مباشر، إهمال عنصر التقدم الفني ومدى إمكانية زيادة الإنتاج عن طريق التقدم العلمي والتكنولوجي، وإهمال هذا العنصر يهدم من الناحية النظرية والتاريخية الأساس الذي قامت عليه نظرية مالثوس في السكان.
فمنذ الثورة الصناعية تضاعف حجم الإنتاج الصناعي في دول أوروبا وأمريكا الشمالية بمقدار يتراوح بين ثلاثين وأربعين مرة خلال الفترة ما بين 1850-1950م، بينما تضاعف عدد السكان خلال نفس الفترة قد تضاعف مرة واحدة فقط (بلغ عدد السكان عام 1850م (1171) مليون نسمة ارتفع إلى (2400) مليون نسمة عام 1950م)، وهو ما يشير إلى أن المتتالية الحسابية التي أسس عليها مالثوس رؤيته في نمو السكان لم يكن لها أساس استقرائي.
كما أغفل مالثوس دور الهجرات كمتنفس كبير لتزايد الحجم السكاني، فقد امتصت الهجرات السكانية إلى العالم الجديد-والتي كانت أراضيه لا تزال بكرا- معظم الزيادة السكانية بالقارة الأوروبية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وخلال هذه الفترة تضاعف سكان أوربا عدة مرات، ومع ذلك لم تصب أوربا أو الولايات المتحدة بالمسغبة والمجاعات التي كان ينذر بها (مالثوس).
بل على العكس من ذلك زاد الإنتاج زيادة كبيرة، حتى بلغ الفائض من الطعام في أوربا والولايات المتحدة جبالاً من القمح والجبن واللحم، وأنهاراً من اللبن والزبد، حتى أقدمت حكومات هذه الدول على حرق الفائض أو رميه في البحر؛ حفاظاً على السعر في السوق العالمي!!!.
وفي وقتنا الحالي لا تزيد مساحة الأراضي التي تزرع أو القابلة لزراعة عن 10% من مساحة اليابسة، وهناك أقل من 20% تشغله المراعي الدائمة والمروج، أي أن 30% هى التي هى نسبة المعمور، في مقابل 70% أراضي سالبة لا يسكنها سوى أعداد قليلة متناثرة، وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية حاليا 1400 مليون هكتار في العالم (الكيلو متر المربع يساوي مائة هكتار) .
ويرى "كولن كلارك" أنه بالاعتماد على المناخ وحده يمكن القول بأن الأراضي التي يمكن لها أن تنتج محصولا واحدا على الأقل في العام أو تشغلها المراعي الدائمة يمكن زيادتها إلى 10.700 مليون هكتار مما يعني إمكانية إنتاج غذاء يكفي لسكان عددهم 37.000 مليون نسمة وفق مستويات الغذاء الأمريكية (عدد السكان حاليا 16% فقط من الرقم المذكور).
وفي مؤتمر السكان الذي عقد عام 1965م قدر "مالين" Malin أن الأراضي الصالحة للزراعة في العالم تصل 2670 مليون هكتار يمكن للإنسان وفق مستوى التكنولوجيا الحالي أن يصل إليها، وأنه يمكنه رفع هذه المساحة بتكلفة مرتفعة إلى 5490 مليون هكتار، أما إذا أدخلت وسائل زراعية مستحدثة فإنه يمكن رفع هذه المساحة إلى 9320 مليون هكتار، وأنه إذا استخدمت الطاقة الشمسية في الزراعة فإنه بالإمكان توفير الغذاء لسكان عددهم 143 ألف مليون نسمة اعتمادا على الأراضي الزراعية الحالية ويمكن رفع هذا الرقم إلى 933 ألف مليون نسمة إذا أدخلت الأراضي القابلة للزراعة في الحساب وحولت إلى الإنتاج .
وهذه الأرقام الفلكية لأعداد السكان الذين يمكن إعالتهم يمكن لها أن تتضاعف إذا ما استخدمت الطاقة الشمسية في عملية إنتاج الغذاء وأضيف إليها إنتاج الغذاء من المحيطات، ولكن هل يمكن أن نأخذ بآراء المتشآمين من أتباع "مالثوس"؟ أم أن آراء المتفائلين أكثر صدقاً؟.
إذن فلا يخفى ما في تبني وتطبيق هذه السياسة المالثوسية من أبعاد ودوافع سياسية، فتارة تحمل المشكلة السكانية وحدها وزر كل المشاكل الأخرى، إذ من السهل على من يريد لأمر ما أن يتخذ من مشكلة السكان كبش فداء Scapegoat أو ولد الضرب Whipping-boy كما يقولون، أو كما نقول المشجب الذي تعلق عليه سائر مشاكلنا، وإن كانت طرف أساسي فيها.
وعلى ذلك فإن النظر إلى مشكلات الموارد على أنها نتيجة لتزايد السكان ومتطلبات البقاء فحسب، يعني الإفراط في تبسيط الحالة أو تشخيصها بشكل غير صحيح، حيث تتخذ في بعض الأحوال وضعاً أسوأ مما يتوقع من ازدياد السكان وحده؛ وفي أحوال أخرى يكون تزايد السكان متوازنا مع بيئته، فالنمو السكاني الذي يعمل مرتبطاً مع عوامل أخرى هو الذي يجلب معه التدهور البيئي للموارد الطبيعية، وأهم هذه العوامل:الانهيار واسع الانتشار للنظم التقليدية في إدارة الموارد، والاستغلال التجاري، حيث أن للطلب التجاري تأثيرا بعيدا في الأعراف الثقافية المتوارثة، كما حدث في موقف السكان الأصليين من الحياة البرية، إبان فترة استعمار القارة الأمريكية، بالإضافة إلى عدم المساواة في الحصول على الأراضي والموارد الطبيعية الأخرى وتجزّؤ الأملاك.
يمكن التواصل مع المؤلف
البريد إليكتروني:
[email protected]
قائمة المراجع:
(1)عبد الهادي علي النجار، الإسلام والاقتصاد– دراسة في المنظور الإسلامي لأبرز القضايا الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، سلسلة عالم المعرفة، العدد 63، 1403 هـ، 1983م، ص ص21-22.
(2)رمزي زكي، المشكلة السكانية وخرافة المالثوسية الجديدة، سلسلة عالم المعرفة، العدد 84، ربيع أول سنة 1405هـ، ديسمبر 1984م، ص ص30-32.
(3) آية الله محمد حسين الحسيني الطهراني، ‌الرسالة النکاحية، القسم التاسع، الرد علی فلسفة مالثوس، متاح على : http//www.maarefislam.org
(4) Clarke,J.I., Population Geography and The Developing Countries , Pergamon ,Oxford , 1971, PP.31-34
. (5) جمال حمدان، شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان، ج4، دار الهلال، القاهرة، 1995، ص230.
(6) منظمة الصحة العالمية، صحتنا مي سلامة كوكبنا، تقرير اللجنة التابعة لمنظمة الصحة العالمية حول الصحة والبيئة، المكتب الإقليمي لشرق المتوسط، 1999، ص49 . السيرة الذاتية أولاً-

القلب الحزين
01-01-2014, 08:51 PM
المنهج العلمي المعاصر في ضوء القرآن الكريم


أ.د/ أحمد فؤاد باشا(1)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فإن البحث العلمي واحد من أوجه النشاط المعقدة التي يمارسها العلماء باستقصاء منهجي في سبيل زيادة مجموع المعرفة العلمية وتقنياتها، لكن أغلب المشتغلين بالبحث العلمي في مجال العلوم الطبيعية يعتقدون أن أي دراسات منهجية في كيفية إجراء البحث العلمي لا يمكن أن تأتي بفائدة تعادل التدريب الذاتي للباحث، والاسترشاد بخبرات المتمرسين في ميدان اهتمامه، عند معادلة المراحل الفعلية في البحث. أما المنظرون ـ من ناحية أخرى ـ فيرون أن علمية البحث العلمي إذا ما تركت تماماً للتجارب الشخصية والممارسات العفوية المضيعة للوقت والجهد، فإنها لن تؤتي أبداً كامل أكلها، ولهذا يسعى هؤلاء المنظرون ـ من العلماء والفلاسفة والمناطقة ـ إلى تحليل الطرق التي تمت بها الكشوف العلمية، واستنباط بعض التعميمات من آراء العلماء الناجحين لتكون بمثابة قواعد عامة للإرشاد والتوجيه، أو مناهج في البحث العلمي.
وبطبيعة الحال، تتطلب فروع العلم المختلفة مناهج مختلفة، ومع ذلك فهناك بعض المبادىء الأساسية والأساليب الذهنية التي تشترك فيها أغلب أنواع البحث العلمي. ويطلق على العلم المعنى بطرائق ومناهج البحث في العلوم، للوصول إلى الحقيقة العلمية أو للبرهنة عليها، اسم ( علم مناهج البحث ) ( الميثودولوجيا methodology)، وهو يندرج عادة ضمن موضوعات (فلسفة العلم) التي اتسع نطاق اهتمامها في العصر الحاضر ليشمل دراسة وتحليل كل ما يتعلق بالعلوم ولغتها وتطورها وتقنياتها من مختلف النواحي المعرفية والمنهجية والقيمية والأنطولوجية والاجتماعية والتاريخية وغيرها، وذلك بهدف التعرف على مكانة العلم في حياتنا ودوره في تكوين نظرة الإنسان الشاملة إلى قضايا الوجود والحياة.
والطريقة المتبعة في تكوين علم المناهج منذ نشأته إبان العصور الحديثة تتم عادة بالتنسيق بين خبرة العالم المتخصص في علم من العلوم، وبراعة الفيلسوف أو المنطقي الذي يبحث في تطور العقل الإنساني والتعرف على ملكاته المتعددة، وينحو نحو التعميم واستخلاص الخصائص العامة للمناهج المتبعة في فروع العلم المختلفة، ثم يحاول أن يصوغ نتائجه النهائية على هيئة مذهب في العقل الإنساني من حيث طبيعة اتجاهاته في البحث عن الحقيقة. لكن الصورة المثالية لتحقيق ذلك التنسيق على أكمل وجه بين العلماء والفلاسفة والمناطقة ظلت دائماً المنال، وظهر في هذه الأثناء كثير من الخلط بين المفاهيم والرؤى التي جعلت معالم علم مناهج البحث غير واضحة تماماً في أذهان المثقفين، ناهيك عن مواطن الغموض والقصور التي يزخر بها هذا العلم، حتى بالنسبة لمن يمارسونه بحثاً وتدريساً وتأليفاً.
ويكفي دليلاً على بعض أوجه اللبس والغموض في علم مناهج البحث بصورته الواقعية أن نشير إلى عدد من التساؤلات التي يثيرها في الذهن استخدام ألفاظ من قبيل (المنهج) و(المنهجية) و(الأسلوب العلمي) في جانب كبير من الأدبيات الحديثة التي تعالج قضايا الفكر الإسلامي. هل المقصود هو حصر معاني هذه الألفاظ ومدلولاتها في إطار العمليات المنطقية الاستدلالية من قياس واستقراء واستنباط... الخ؟ أم المقصود مجموعة الوسائل والخطوات الإجرائية التي يمارسها الباحث بالفعل، ويطوعها من مرحلة إلى أخرى خلال بحثه؟ وهذه الوسائل تختلف بطبيعة الحال من علم إلى آخر؟ أم يكون المقصود ( بالمنهج العلمي ) تلك الطريقة الخاصة التي يسعى إليها كل باحث ويستخدمها في طرح وتناول المشكلات الموضوعية قيد البحث؟.
وأمام هذه التساؤلات الثلاثة تبقى علاقة الذات بالموضوع هي الأخرى موضعاً للاستفسار: هل يشترط أن يسقط الباحث أيديولوجيته على موضوع بحثه، ويراعي الاتجاه النظري الذي ينتمي إليه داخل هذا الميدان أو ذاك من ميادين المعرفة، وأن يكون واعياً بالتزامه بمنظور فلسفي يختاره ويؤثره على غيره، ومتسقاً في بحثه مع مذهبه أو وجهة نظره، فلا مكان للحيدة الفلسفية إزاء ما يطرح من قضايا أو مواقف؟ أم أن الباحث وفق منهج علمي يجب أن يكون خالي الذهن من أي مذهب مسبق يمكن أن يؤثر على سير أبحاثه؟.
ثم ما هذا اللبس والغموض والاضطراب الذي يتخلل أحاديث المفكرين الإسلاميين، وينتشر في ثنايا مؤلفاتهم عندما يخلطون بين ( المناهج ) بصيغة الجمع، و(المنهج) بصيغة المفرد، وهل ما لدينا هو منهج إسلامي واحد أم مناهج متعددة؟.
وأين هو النموذج الإسلامي للمنهج العلمي الذي يمكن القياس عليه والرجوع إليه في كل علم من العلوم، أو يمكن أن نعلمه لطلاب المدارس والجامعات العربية والإسلامية في مقابل ما يدرسونه من نماذج وضعية منقوصة تدعي القدرة على تفسير حركة العلم والمعرفة، وتزعم أنها لا تقطع الطريق على الابتكار لنظريات جديدة، رغم أنها في حقيقتها تفرض رؤية معينة للأشياء، وتحدد منطقاً هلامياً للكشف العلمي ونطاقاً محدداً للخبرة الإنسانية، ومن أمثلة هذه النماذج ما يعرف باسم ( النموذج الكوهني ) (kuhnian pattern) ومنطق الكشف العلمي لكارل بوبر، اللذين يروج لهما كثيراً كما تطرق الحديث إلى نظرية العلم ومنهجه؟.
وهل صحيح ما يوهمنا به علماء المناهج من أن قضية المنهج العلمي قد بتّ فيها ولم تعد تحتاج إلى نظر جديد، وأنه ما علينا ـ إذا أردنا أن نجني ثمار البحث العلمي كما يجنيها غيرنا ـ إلا أن نعرف ذلك المنهج الذي ألفوا ترديده منسوباً إلى بيكون وميل وديكارت، حتى أوشكنا على تصوره لائحة أو قائمة بالتعليمات والإرشادات التي لا ينبغي الانحراف عن تطبيقها، وكأنها طائفة من الوصفات المجربة الناجحة، يتعين على أي باحث الالتزام بها في المجالات التي يريد دراستها ويسعى إلى إدراك شيء عن حقيقتها؟.
وأخيراً، ما السبب في هذا الخلل الواضح الذي أصاب ميزان الإنتاج الفكري في هذا الموضوع، حيث تميل الأقلام كثيراً إلى تناول مناهج البحث من الزاوية الفسلفية أو المنطقية على حساب جوانب أخرى على نفس الدرجة من الأهمية مثل سيكولوجية البحث العلمي، وخبرة العلماء الذاتية في ممارسته عملياً، ناهيك عن غياب معالجة كل هذه الجوانب معالجة تحليلية مقارنة ومن منظور إسلامي رشدي؟.
كل هذه التساؤلات التي أودناها تشير إلى مدى الفارق الكبير بين الصورتين: المثالية والواقعية لمناهج البحث في العلوم المختلفة بصورة عامة، وفي العلوم الطبيعية والرياضية بصورة خاصة. وإن نظرة فاحصة إلى كتابات المتخصصين في العلوم وفلسفتها على حد سواء يمكن أن تدلنا على حقيقية هامة مؤداها أن مناهج البحث العلمي ليست أبداً قواعد ثابتة، بل هي تتغير تبعاً لمقتضيات العلم وأدواته، وتكون قابلة للتعديل المستمر حتى تستطيع أن تفي بمطالب العلم المتجددة، وإلا فإنها تكون عبئاً على حركة العلم وتقدمه.
كما أن العلوم المعاصرة ـ من ناحية أخرى ـ قد بلغت درجة من التشابك والتداخل فيما بينها، بحيث يصعب معها الفصل التام بين أصول المنهج الثابتة، وفروعه القائمة على جدلية العلاقة المتغيرة بين الملاحظة التجريبية وتفسيرها العلمي أو المنطقي. وتظل تفاصيل المناهج الفرعية في تطورها وتغيرها مرهونة بالظروف التقنية في معامل البحث والاختبار، ومعتمدة على طبيعة الموضوعات محل الدراسة التي تختلف من علم إلى علم، بل وتختلف في داخل العلم الواحد.
وكل أنواع المناهج الفرعية تعتبر في حقيقتها خطوات لمسائل جزئية في منهج واحد عام هو المنهج العلمي الذي يدفع مسيرة التحصيل المعرفي والتقدم العلمي والتقني، على أن يكون المعيار في قياس سلامة أي منهج هو قيمته الحقيقية التي يكتسبها من نجاح العلم في بلوغ نتائجه وتحقيق غايته، بالاستناد إلى مسلمات ثابتة، تنطلق منها بنية المنهج الأساسية، وتأخذ في اعتبارها عملية التصحيح المستمرة لتلك العلاة المتتامية والمتبادلة بين الذات الباحثة وموضوعات البحث المختلفة المنبثة في جنبات الكون الفسيح[2].
تلك كانت بعض الأسباب التي دعتنا إلى القيام في هذه الدراسة بمحاولة أولية تهدف إلى وضع تصور لنسق[3] إسلامي ينتظم مختلف مناهج البحث العلمي، نستوحي خصائصه العامة منباشرة من خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، ونستمد عناصره الرئيسية من واقع مشكلات البحث العلمي وتاريخه، وتشكل وحداته البنائية على أساس الثوابت والمتغيرات المعروفة في الأطر الفكرية والعملية للعلوم الطبيعية والتقنية، وتيح من خلاله مجالاً أرحب لإعداد الباحث العلمي الجديد، واستفادة أكبر من السبل التي يسلكها الباحثون أنفسهم.
إسلامية المنهج العلمي:
إن الأخذ بالمنهج الإسلامي في مجالات البحث العلمي يجب ـ في اعتقادنا ـ أن يقبل على أنه حقيقة منطقية وضرورة حضارية، أما القول بأن إسلامية المنهج العلمي حقيقة منطقية فيكفي شاهداً على صحته أن علوم الكون والحياة إسلامية بطبيعتها، لأن موضوعات البحث فيها هي كل ما خلق الله في كتابه المنظور. كما أن قراءة التراث الإسلامي تدلنا على أن المسلك الذي اتبعه علماء الأصول وعلماء الحديث في الوصول إلى الصحيح من الوقائع والأخبار والأقوال قد انسحب على أسلوب التفكير والتجريب في البحث العلمي، فنرى على سبيل المثال أن الحسن بن الهيثم قد استخدم الاستقراء وقياس الشبه في شرحه لتفسير عملية الإبصار وإدراك المرئيات حيث يقول: ( لا يتم الإدراك إلا بتشبيه صورة المبصر بصورة قد أدركها المبصر من قبل، ثم إدراك التشابه بين الصورتين، ولا يدرك التشابه بين الصورتين إلا بقياس ) كما نجد ابن الهيثم يستعمل لفظ الاعتبار ( وهو قرآني ) ليدل على الاستقراء التجريبي أو الاستنباط العقلي.
وهذا أبو بكر الرازي يصف منهجه في تعامله مع المجهول مستخدماً الأصول الثلاثة ( الإجماع ) والاستقراء، والقياس، فيقول: ( إنا لما رأينا لهذه الجواهر أفاعيل عجيبة لا تبلغ عقولنا معرفة سببها الكامل، لم نر أن نطرح كل شيء لا تدركه ولا تبلغه عقولنا، لأن في ذلك سقوط جل المنافع عنا، بل نضيف إلى ذلك ما أدركناه بالتجارب وشهد لنا الناس به، ولا نحل شيئاً من ذلك محل الثقة إلا بعد الامتحان والتجربة له... ما اجتمع عليه الأطباء وشهد عليه القياس وعضدته التجربة فليكن أمامك[4].
وأما قولنا بأن إسلامية المنهج العلمي ضرورة حضارية فذلك لأن إسلامية المنهج، أو أسلمته، من شأنها أن تخلع عليه من خصائص الإسلام ما يجعله عالمياً وصالحاً للتطبيق في كل زمان.
فالتصور الإسلامي يوحي بأن الحركة الدائبة والتحول المستمر هو الناموس الثابت المطرد لهذا الوجود الحادث الفاني، وهو بصفة خاصة قانون الحياة وقاعدتها... ومن ثم يوجه النظر إلى هذه الحركة الدائبة، وهذا التحول المستمر في الكون والحياة، وما يطرأ عليهما دائماً من تقلبات وأطوار، ولكنه ينسب كل شيء إلى مشيئة الله وقدره، فيخرج بذلك من كل المتناقضات التي تعانيها الفلسفات الوضعية والتي لم تجد لها حلاً شاملاً[5].
ونعتقد أن إدراك المسلمين الأوائل لهذه الحقيقة بكل أبعادها الإيمانية كان السبب الأول لتقدمهم ورقيهم، بعد أن وجدوا في مبادىء الإسلام كل مقومات الازدهار العلمي والحضاري، وهدتهم تعاليم الدين الحنيف إلى أصول المنهج العلمي السليم[6].
وعندما انتقلت العلوم الإسلامية إلى أوربا، فطن علماؤها إلى سر تقدم المسلمين، وسعوا إلى اتباع منهجهم بعد أن وجدوه سمة العلوم في الحضارة الإسلامية، وقال (روجير بيكون ) في ذلك: إنه باتباع المنهج التجريبي الذي كان له الفضل في تقدم ( العرب )، فإنه يصبح بالإمكان اختراع آلات جديدة تيسر التفوف عليهم... ففي الإمكان إيجاد آلات تمخر عباب البحر دون مجداف يحركها، وصنع عربات تتحرك بدون دواب الجر، وإيجاد آلات طائرة يستطيع المرء أن يجلس فيها ويدير شيئاً تخفق به أجنحة صناعية في الهواء مثل أجنحة الطير[7].
لكن النهضة الأوروبية لم تأخذ من العلوم الإسلامية سوى الجانب المادي من منهجها التجريبي وتتنياتها، وتركت جانباً الإيمان الذي يوجهها نحو الله تعالى، ويسخرها لخدمة البشر؟. ولذا فإن العلم في الحضارة المادية الحديثة والمعاصرة، بتخليه عن الإيمان والسمو الروحي، قد اعتبر قيمة حقيقة مطلقة في حد ذاته، وبالغ الناس في تقديسه وتمجيده على أساس أنه هو القوة القادرة على تحقيق الجنة الموعودة للإنسان على الأرض. فأنصار هذه النزعة العلمية المتطرفة (scientism) يردون كل شيء إلى العلم، ولا يسلمون إلا بالمنهج العلمي والحقيقة العلمية.
كذلك أصبح التطور الكمي للعلم والتقنية غاية في حد ذاته، ونشأت ( النزعة التقنية المتطرفة Technocracy) التي يرمي من أنصارها من التقنيين والخبراء الفنيين إلى فرض سيطرتهم باعتبارهم الأحق في هذا العصر بإدارة المجتمع واتخذا القرارات الكبرى بشأنه. وأمام هذا التطرف العلمي، وفي مقابله ظهرت حركات عقلية جديدة تدعو إلى ( اللاعلمية Antiscience) وتحارب الانغماس الأعمى في ماديات الحضارة الصناعية، وترفع صيحات التحذير من أن اطراد التقدم العلمي والتقني بدون النظر إلى صلته بمعنى الحياة الإنسانية سوف ينتهي بالإنسان إلى القضاء على حضارته، بل إن بعض هذه الحركات المناهضة لتقديس العلم والتقنية أخذت تدعو إلى الهروب من الحضارة المعاصرة بكل ما فيها من مظاهر مادية خادعة، ورفعت شعارات العودة إلى الفطرة[8].
من هنا كانت إسلامية المنهج العلمي، أو أسلمته، ضرورة حضارية ملحة لضمان مواصلة التقدم العلمي والتقني مع الحفاظ على إنسانية الإنسان.
ذلك لأن الإيمان الخالص والسمو الروحي يأتيان في مقدمة الخصائص التي يتميز بها المنهج العلمي الإسلامي، وإليهما تعزى كل القوى الدافعة لملكات الباحث العلمي على طريق الإبداع والابتكار. فالإيمان الخالص هو الذي يجعل العقل أقدر على كشف الحقيقة العلمية، وأكثر تهيؤاً لاستقبالها وقبولها. وهل الكشف العلمي إلا حل لمشكلة يظفر به الباحث بعد عناء تحليل منهجي شاق ودقيق، أو يناله في فكرة طارئة، أو في رؤية تتراءى له، أو يخطر له في حلم أو إلهام.
وإذا كان ما حدث في الغرب من انزواء لعلوم الدين في أركان الكنيسة يتعلق بالصراع بين الكنيسة والعلماء، فإنه من الخطأ أن يسود الاعتقاد بأن الانفصال بين العلم والدين شرط من شروط قيام الحضارة، أو أن العلم بفروعه المختلفة لا يمكن غلا أن يكون ( علمانياً ). لقد أدى هذا الاعتقاد الخاطىء في بلاد المسلمين إلى حالة من الركود العلمي شُلّت في ظلها كل مقومات الإبداع والابتكار في مختلف مجالات النشاط الإنساني[9].
ولم يعد أمامنا الآن سوى الأخذ بالمنهج العلمي الإسلامي الذي سبق لأسلافنا أن صنعوا به حضارة تزهو على كل الحضارات. فهو الأقدر على إذكاء روح الصحوة الإسلامية الحضارية، وعندئذٍ سيكون له أجل الأثر في تصحيح وجهة العلوم لدى عقلاء الغرب ومفكريه إذا ما درسوا الإسلام في حقائقه، واستفادوا من منهجه في إصلاح شؤون حضارتهم.
الثوابت والمتغيرات في المنهج العلمي:
سبق أن ذكرنا أن تصورنا العام لبيئة المنهج العلمي الإسلامي سوف نستلهمه مباشرة من خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، وذلك انطلاقاً من الإيمان التام بأن الثوابت والمتغيرات الإسلامية يجب أن تكون هي الإطار الذي يحكم كل مناهج النظر في قضايا الوجود والفكر، والمعيار الذي يحدد ضوابط التطبيق الإنساني لتلك المناهج بما يحقق إرادة الله سبحانه وتعالى في إعمار الحياة على الأرض. فالإسلام يتميز عن كل ما عداه من الشرائع السماوية ـ أو الفلسفات والمذاهب الوضعية ـ بخاصية التوازن بين الثبات والتطور والجمع بينهما في تناسق مبدع، واضعاً كلاً منهما في موضعه الصحيح... الثبات فيما يجب أن يخلد ويبقى من أهداف وغايات وأصول وكليات، والمرونة فيما ينبغي أن يتغير ويتطور من وسائل وأساليب وفروع وجزئيات. ذلك لأن الله سبحانه وتعالى قد شرع المنهج الإسلامي للكينونة البشرية كلها، في جميع أزمانها وأطوارها، ليكون أصلاً ثابتاً تتطور هي في حدوده، وترتقي وتنمو وتتقدم دون أن تحتك بجدران هذا الإطار. وما ينطبق على المنهج الإلهي الذي أخبر الله به عباده ينسحب كذلك على الصنعة الإلهية في الكون كله، فحركة الحياة والفكر تستمر وتتسارع داخل إطار ثابت وحول محور ثابت. ومادة الكون في مجموعها ثابتة، وإن اتخذت أشكالاً مختلفة دائمة التغير والتطور. وجوهر الإنسان واحد، وإن تقدمت معارفه وتضاعفت إمكاناته، فهو يمر بأطوار شتى يرتقي فيها وينحط حسب اقترابه أو ابتعاده من جوهر إنسانيته.
إن الثوابت الإسلامية هي التي تضبط الحركة البشرية والتطورات الحيوية فلا ينفلت زمامها كما وقع لأوروبا عندما أفلتت من عروة العقيدة، كما أن الثوابت الإسلامية هي التي تصون الحياة البشرية، وتضمن مزية تناسقها مع النظام الكوني العام، وتحكم قوانين التطور فلا تتركها على إطلاقها[10].
وعندما نعرض الآن لبناء منهج علمي في ضوء هذا التصور الإسلامي، فإنه يتعين علينا قبل كل شيء أن نحدد الثوابت والمتغيرات الفكرية والعملية لهذا المنهج، ويكون من السهل بعد ذلك توصيف المناهج الفرعية للعلوم المختلفة في إطار النسق الإسلامي لبنية المنهج العلمي العام بأصوله وكلياته.
( أ ) ثوابت فكرية إيمانية:
ونعني بها مجموعة المسلمات والقضايا الأساسية التي يتعين على الباحث أن يسلم بصحتها منذ البداية، وأن ينطلق منها في كل عمليات التفكير العلمي قبل شروعه في ممارسة البحث والتنقيب عن سر ظاهرة ما من الظواهر التي يعمد إلى دراستها. ومثل هذه المسلمات تعتبر ـ في رأينا ـ مقدمة ضرورية في بنية النسق الإسلامي لمناهج البحث العلمي، وذلك لفائدتها العظمى في تهيئة الباحث الجيد، وتزويده بمبادىء بسيطة أو مركبة، تساعده على تكوين النظرة الكلية الشاملة، ولا تؤدي أبداً إلى تناقض مهما بلغت مسيرة العلم وإنجازات التقنية ويمكن إجمال هذه الثوابت فيما يلي:
1ـ التوحيد الإسلامي:
التوحيد[11]هو أول الثوابت الإسلامية ومصدر باقي المسلمات الفكرية والإيمانية، طالبنا الحق سبحانه وتعالى به في أول ما نزل من آيات القرآن الكريم، ليكون بمثابة نقطة الانطلاق وحجر الزاوية في بناء أي نسق علمي سليم يوجه رؤية الإنسان الصائبة لحقائق الحياة والفكر والوجود، ويساعده على فهم وقراءة كلمات الله القرآنية في كتابه المسطور، وكلماته الكونية في كتابه المنظور[12].
قال تعالى: )اقرأ باسم ربك الذي خلق ([سورة العلق: 1].
وقال سبحانه: )إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ([سورة يس: 82].
وعقيدة التوحيد الإسلامي هي التي تحفظ كرامة الإنسان وتكريمه بإخضاعه للخالق الواحد جل وعلا، وتحرره من سلطان العقائد الوثنية أو المذاهب الوضعية.
فالله سبحانه وتعالى هو الحق المطلق، وهو مصدر كل الحقائق المعرفية الجزئية التي أمرنا بالبحث عنها واستقرائها في وحدة النظام بين الظواهر الطبيعية والإنسانية، باعتبارها مصدراً للثقة،وليست ظلالاً أو أشباحاً أو مصدر للمعرفة الظنية كما نظرت إليها الثقافة اليونانية.
وفي ظل عقيدة التوحيد الإسلامي تتحقق أسلمة العلوم ومناهجها وتقنياتها بمعناها الصحيح، ويصبح المفهوم الإسلامي للعلم أوسع وأشمل من المفهوم الشائع لدى فلاسفة العلم على اختلاف مذاهبهم. فهناك العلم الظاهر في عالم الشهادة، والعلم الغيبي الذي أخبرنا الله به في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه الأمين عليه الصلاة والسلام.
ويكون العلم الظاهر دنيوياً بعلاقاته مع الأشياء، وتعبدياً في نفس الوقت لصلته بالله الواحد.
ومن كانت عقيدته الدينية هي ( التوحيد ) يجد في نفسه دافعاً أقوى مما يجد سواء نحو أن يبحث دائماً عن الوحدة التي تؤلف بين الكثرة أياً كان الموضوع، فيبحث عن محور الوحدانية في الشخصية الإنسانية برغم اختلاف الجوانب الكثيرة في حياة الفرد الواحد، واختلاف العلوم الباحثة في تلك الجوانب. وكذلك يبحث عن محور الوحدانية في الكون بأجمعه مجتمعاً في وجود واحد.
ومن لطائف العلم التي نشير هنا إليها ما نلاحظه من تشابه بين نواميس القوى الطبيعية الناتجة عن خصائص المادة الجوهرية، على نحو ما يبدو من قوانين الجذب الكهربي والجذب التثاقلي على سبيل المثال. وقد شرع العلماء حديثاً في البحث عن الصيغة العلمية ( الرياضية ) التي توحد بين مختلف أنواع القوى الموجودة في الطبيعة، وأحرزت جهودهم نجاحاً كبيراً على هذا الطريق[13].
ومن الصفات الجديدة للمعرفة العلمية المعاصرة أن الحواجز الظاهرية بين فروع العلم المختلفة أخذت تذوب تدريجياً لكي تحل العلوم المتداخلة والمتكاملة محل العلوم المتعددة والمنفصلة، ويتوقع فلاسفة العلم والمؤرخون له أن العلوم كلها يمكن أن تندرج في بناء نسقي واحد بحيث يكون ترتيبها في ذلك النسق المتكامل ترتيباً قائماً على وضع ما هو خاص من قوانين ومبادىء وفروض تحت ماهر أعم منه. ولقد توقع هيزنبرج هذه النتيجة للعلوم المعاصرة عندما ذكر في محاضرة ألقاها بجامعة لايبزج عام 1941 أن ( الفروع المختلفة للعلم قد بدأت في الانصهار في وحدة كبيرة ) [14]. وحول فكرة ( العلم الموحد ) هذه يقول رودلف كارناب: ( لا وجود لمصادر متعددة للمعرفة، بل هناك علم واحد فقط. فجميع المعارف تجد لها مكاناً في هذا العلم. والمعرفة في حقيقتها ذات نوع واحد فقط، وما المظهر الخارجي للخلافات الأساسية بين العلوم إلا نتيجة مضللة لاستخدامنا لغات فرعية للتعبير عن هذه العلوم ) [15].
والباحث المؤمن هو الذي يفهم شهادة التوحيد في إطاره الشامل الذي يجمع بين وحدة النظام في بناء الذرة وبناء المجموعة الشمسية، وبين وحدة الطاقة بردها إلى أصل واحد وإن تعددت صورها، وبين وحدة الحركة في طواف بردها إلى أصل واحد وإن تعددت صورها، وبين وحدة الحركة في طواف الإلكترونات حول النواة، وطواف الكواكب حول الشمس، وطواف المسلمين حول الكعبة المشرفة.
إن تأكيد كل هذه المعاني في فكر الباحث العلمي ووجدانه يعتبر من أهم مقومات الشخصية العلمية التي يبدع العلماء على أساسها في اطمئنان وهدوء ونقاء.
وهنا يتحقق الانسجام الكامل بين الفكر والعمل، بعيداً عن غيوم المذاهب الفلسفية الرديئة التي تشوه الوجه الناصع لكل حقيقة.


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
01-01-2014, 08:54 PM
يتبــع الموضوع السابق
المنهج العلمي المعاصر في ضوء القرآن الكريم


2ـ النظام الكوني:
إن الإيمان بوحدانية الله سبحانه وتعالى يستلزم بالضرورة العقلية أن يرد الإنسان كل شيء في هذا الكون إلى الخالق الحكيم الذي أوجد هذا العالم بإرادته المباشرة المطلقة، وخلقه على أعلى درجة من الترتيب والنظام والجمال، وأخضعه لقوانين معينة ثابتة لا يحيد عنها، وحفظ تناسقه وتوازنه في ترابط محكم بين عوالم الكائنات، وتنسيق معجز بين آحادها ومجموعاتها، وجعل بناءه آية في الروعة والكمال، ليس فيه اختلاف ولا تنافر، ولا نقص ولا عيب ولا خلل.
قال تعالى: )تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور. الذي خلق سبع سماوات طباقاً ما ترى فيخلق الرحمن من تفاوت فأرجع البصر هل ترى من فطور. ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير ([سورة الملك: 1 ـ 4].
وقد أكد القرآن الكريم هذا المعنى في مواضع مختلفة، ونبه العباد إلى الحكمة السامية وراء التناسق والإبداع في خلق هذا الكون. وذلك في مثل قوله تعالى: )الذي أحسن كل شيء خلقه ([سورة السجدة: 7].
وقوله: )إنا كل شيء خلقناه بقدر ([سورة القمر: 49].
وقد شاءت إرادته تعالى أن تبين لنا من خلال نظام الكون ووحدته استمرارية المواد كأشياء، وتكرر الحوادث والظاهرات كعلاقات سببية لنراقبها وندركها وننتفع بها في حياتنا الواقعية، بعد أن نقف على حقيقة سلوكها ونستدل بها على قدرته ووحدانيته. قال تعالى: )سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ([سورة فصلت: 53].
وقال سبحانه: )ولن تجد لسنة الله تبديلاً ([الفتح: 23].
وفي إطار المفهوم الإيماني لمسلمة النظام الكوني واطراد الظاهرات الطبيعية كعلاقات علية يتمتع الباحث المسلم بالاطمئنان والثقة اللازمين لمواصلة البحث العلمي، إيماناً منه في ضمان بلوغ تعميقات أو قوانين علمية من مجموعة محددة من الوقائع، وهذا لا يتوفر مثلاً لباحث آخر ينطلق في تفكيره من مبدأ ( الحتمية ) الذي يفترض أن صدق أحداث الكون مستقل عن الزمان والمكان. وعندما ينتقل العلم إلى مرحلة جديدة تتميز باللاحتمية أو عدم اليقين، يتعين على هذا الباحث أن يتخلى عن إيمانه بمبدأ الحتمية المطلقة ويبحث عن مبدأ جديد، لكن التصور الإسلامي للنظام الكوني ينقذ العلماء من التخبط في التيه بلا دليل، كالإحالة على الطبيعة أو العقل أو المصادفة أو ما إلى ذلك.
كما أن هذا التصور الإيماني يجعل الطريق مفتوحاً دائماً أمام تجدد المنهج العلمي وتطوره بما يتناسب مع حالة العلم في المرحلة التي يبلغها من تطوره.

وهنا أيضاً تظل العلاقة بين إرادة الله واطراد القانون الطبيعي واضحة جلية، لما تفسحه من مكان لتفسير حدوث الخوارق والمعجزات التي يظهرها الله بين الحين والحين، تذكيراً للإنسان بأن الله سبحانه وتعالى هو مصدر الوجود، وأن كل ما في الكون من قوانين مستمد فمن إرادته ومتوقف عليها[16].

وإذا اختل نظام السنن الكونية الثابتة، فإن هذا في كتاب الإسلام يعني اقتراب قيام الساعة، ويؤذن بانتهاء الحياة على الأرض[17].
3ـ فريضة البحث العلمي:
كثيرة هي النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على طلب العلم والبحث العلمي بأسلوب منهجي سليم، ويصعب في هذا الحيز استقصاء الآيات التي دعت إلى البحث في مخلوقات الله تعالى الكونية والطبيعية، لكن الباحث المسلم يجب أن يكون على دراسة كاملة بكل التعاليم الإسلامية التي تجعل من مهمته فرضاً كفائياً. وعندما يطلب المسلم علماً على النهج الإسلامي يكون فهمه للحياة والكون طريقاً للوصول إلى الله سبحانه وتعالى: )ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ([سورة آل عمران: 191].وتكون وجهته دائماً لعمل الخير انطلاقاً من القاعدة العامة في ضرورة الربط بين النظرية والتطبيق: )يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تعلمون ([سورة الصف: 2 ـ 3].ويكون تصوره لقيمة العلم النافع أعم وأشمل، فهي تتعدى حدود العمر والفضل والمصدر. وكل علم يحتاجه المسلمون فرض كفاية، فإن لم يوجد بينهم من يحسنه فالكل آثمون، وليست الكفاية أن يوجد من يعرفه، بل في وجود المجموعة التي تغطي احتياجات الأمة. والتخصصات العلمية المختلفة ضرورية لكل مجتمع، والإخلال بأحدها يؤدي إلى الإخلال بالواجب الأعظم، وهو عبادة الله حق عبادته، وإعلاء كلمته في الأرض.

وقد أدت الأخطاء البشرية في تناول مناهج المعرفة إلى تدنيس الفطرة الحنيفة المؤمنة بالله، وظهرت العلمانية في العالم الغربي لتضع حداً فاصلاً بين العلم والدين، وكان من نتائج هذا الفصل أن فقدت العلوم أساسها الأخلاقي، وظهرت المذاهب الوضعية لتكون بمثابة دين اجتماعي للمجتمعات التي تعتنقها، ولهذا: فإن البحث العلمي السليم لا يمكن أن يحقق غايته الإيمانية إلا إذا استعاد علاقته الأولى بمبادىء الإسلام، وعندئذٍ سكون التفكير العلمي لدى البشر قد استعاد طبيعته الحقة، بوصفه بحثاً موضوعياً عن الحقيقة أينما وجدت[18].

من ناحية أخرى: عندما يمارس الباحث المؤمن عمله العلمي باعتباره فريضة إسلامية، فإنه يكون على دراية تامة بما تدعو إليه تعاليم الإسلام من محاربة التنجيم والتنبؤ العشوائي والتعصب للعرف والعرق، وبتخذيرها من الاطمئنان إلى كل ما هو شائع أو موروث من آراء ونظريات، وهنا لن يجد الباحث المسلم أي عناء في إدراك أن هذه التعاليم الإسلامية التي تحارب كل معوقات البحث العلمي تعتبر أوسع وأشمل مما يعرف بأوهام الكهف والسوق والمسرح لبيكون، والتي كثيراً ما يباهي بها ويروج لها فلاسفة العلم وشراح المنهج العلمي[19].
4ـ نسبية المعرفة العلمية:
تتميز المعرفة العلمية بأن تحصيلها يتم نتيجة نشاط إنساني مقصود، يهدف الباحث من ورائه إلى دراسة ظواهر معينة يعكف عليها ويتناولها بالملاحظة الدقيقة وبالتحليل، مستخدماً في ذلك منهجاً يتفق وطبيعة موضوع البحث، بغرض التوصل إلى قوانين عامة تفسر اطراد الظواهر المعنية تمهيداً للاستفادة منها.
والمعرفة العلمية بهذا المعنى تمثل الشق المادي لمفهوم العلم الشامل في الإسلام.
ومن هنا فإن الحقائق المعبرة عن السلوك الفعلي لظواهر الكون والحياة تظل مستورة في الشق غر المكتشف من العلم حتى يأذن الله بكشفها تدريجياً على أيدي من يشاء من عباده، وإنها لمجلية حتماً في يوم معلوم مهما تعرضت من خلال البحث عنها لمختلف ضروب التشعيب والتحيز المقصود وغير المقصود وذلك مصداقاً للوعد الإلهي في قوله تعالى: )سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ([سورة فصلت: 53].
ولما كانت طبيعة المعرفة العلمية تتطلب إجراء البحث والدراسات المكثفة على أجزاء محدودة جداً من الكون وظواهره، وبمعزل عن بعضها البعض، دون إلمام بكافة الجوانب المتصلة بموضوع البحث والمؤثرة عليه، فإن إدراك الحقيقة الكاملة المطلقة يظل دائماً هدفاً أسمى يسعى إليه العلماء من خلال عملية الحقيقة الكاملة المطلقة يظل دائماً هدفاً أسمى يسعى إليه العلماء من خلال عملية تصحيح مستمرة لمسيرة العلم، تتم بتكافل جهودهم وتنافسهم في السبق إلى كشوف علمية جديدة وإلقاء الضوء على حقائق جزئية في الواقع الكوني الثابت.
وقد أثبتت حركة التاريخ العلمي أن الكون يزداد مع التطور المعرفي اتساعاً وعمقاً، وأن العلم الذي نحصله ما هو إلا تصورنا عن حقائق الكون، وليس هو الكون ذاته، ومن ثم فهو ليس مستقلاً عن ذاتية الإنسان، وليس نهائياً في أية مرحلة من مراحل تطوره. وما أبلغ تشبيهات العلماء لجوانب من طبيعة العلاقة المتبادلة بين الباحث وموضوع بحثه. فقد كتب كلود برنار يقول: إن ابتعاد المعرفة عن الباحث في اللحظة التي يظن أنه قد قبض على زمامها، هو في الوقت نفسه سر عذابه وسعادته.
وكتب ماكس بلانك يقول: إن الباحث يستمد الرضا والسعادة من النجاح الذي يصاحب البحث عن الحقيقة، لا في امتلاك ناصيتها.

ويقول العالم الفيزيائي ألبرت أينشتين: الفيزياء هي محاولة للقبض على ناصية الحقيقة كما هي في الفكر دون نظر إلى كونها موضوع مراقبة[20].
على أننا ننطلق في مفهومنا لنسبية المعرف العلمية ومستويات موضوعيتها أو حقائقها الجزئية مما تشير إليه بعض معاني الآيات القرآنية الكريمة في مثل قوله تعالى: )وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ([الإسراء: 85].
وقوله: )وقل رب زدني علماً (]طه: 114].
وقوله: )وفوق كل ذي علم عليم ([يوسف: 76].
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الناس يبالغون كثيراً في تصورهم لمعنى الحقيقة العلمية أو الموضوعية العلمية، إلى درجة أنهم يخطئون أحياناً فيما يظنون أنه قوانين فيزيائية معبرة عن السلوك الفعلي للمادة، وهي حقيقة الأمر قوانين لا سيطرة لنا عليها، لأنها أوامر الله المنظمة لحركة الكون فالصيغ والنتائج التي يتوصل إليها العلماء وفق مناهج تقوم على خبرتهم الذاتية، ويعتقدون أنها قوانين فيزيائية موضوعية، لا تكون بالطبع تعبيراً كاملاً عن حقيقة السنن الكونية، وربما لا تمت إليها في بعض الأحيان بأية صلة، حتى وإن كانت تبدو لهم خاضعة للعالم الخارجي ومستمدة من وقائعه ولا علاقة لها بأمور ذاتية.
فعلى سبيل المثال: اعتقد أرسطو أنه قد اكتشف أحد قوانين الطبيعة عندما قال: بأن الأجسام الثقيلة تسقط إلى الأرض أسرع من الأجسام الخفيفة، وكان ذلك بناء على منهج فلسفي يخصه ويستند إلى القياس النظري المجرد، مع أن مثل هذا القانون لا وجود له في عالم الواقع على الإطلاق، ولا يمثل حقيقة ما من حقائق الوجود.
وكل ما في الأمر: أنه استنتاج مضلل من موضوعية زائفة فغي جوهرها، لأنها انخدعت بما يدركه الحس القاصر، واستندت إلى تأملات العقل الخالص، وارتبطت في الاستدلال عليها بمنهج سلبي عقيم.

أما القانون الطبيعي الذي ينطبق على هذا الموقف فقد سعى إليه علماء الحضارة الإسلامية بعد أن دعتهم تعاليم الإسلام إلى المنهج العلمي السليم، ورفضوا قبول البراهين الفلسفية للآراء التي يمكن اختبارها تجريبياً، واهتدوا إلى تحديد الكثير من المفاهيم العلمية المتعلقة بوصف حركة الأجسام وأنواعها حسب حالة العلم في عصرهم[21].
وفي عصر النهضة الأوروبية استطاع جاليليو أن يستخدم ما توفر لديه من أجهزة لقياس الزمن في أن يثبت بالتجربة أن جميع الأجسام الساقطة ذاتياً تتسارع بعجلة ثابتة قيمتها 9.8 متراً لكل ثانية مربعة، وهي من الثوابت الفيزيائية التي لا تنطوي على علاقات علية.
إلا أن هذا بدوره لم يكن قانوناً عاماً وكاملاً، فقياسات جاليليو لم تكن بالغة الدقة بحيث تكشف أن نفس الجسم يتسارع بدرجات مختلفة تحت تأثير الجاذبية في أماكن مختلفة على الأرض.
كما أن هناك أنواعاً كثير للحركة يعتبر السقوط الحر للأجسام جزءاً منها.
والأجسام التي نراها الآن في سفن الفضاء جاليليو يملك الوسيلة لمعرفة ذلك، أو لنقل إن المنهج العلمي الذي اتبعه كان عاجزاً عن تحقيق المعرفة الكاملة. فجاءت الحقيقة العلمية على يديه جزئية ومحدودة بحدود العجز والقصور في العناصر والوسائل التي اعتمد عليها منهجه التجريبي، وهي في جوهرها من متغيرات المنهج العلمي المتجددة والمتطورة مع تقدم العلم وتطور التقنية، كما سنذكر فيما بعد، وهكذا يجد الإنسان دائماً أن ما يصل إليه من علم في أي عصر ليس هو القانون النهائي، ولكنه مرحلة معرفية أرقى من سابقتها وأدنى من لا حقتها في سلم الترقي المعرفي اللانهائي.

ولعل إدراج التصور الإسلامي لنسبية المعرفة العلمية وموضوعيتها وحقيقتها[22]ضمن مسلمات المنهج العلمي الإسلامي الذي يساعد على تصحيح الاستخدام الإنساني الخاطىء للعلم ونظريته من الناحيتين الفلسفية والتقنية، خصوصاً بعد أن بالغ أصحاب النزعة العلمية والتقنية المتطرفة في تقديسه وتأليهه بأكثر مما بالغ أنصار ( الحتمية ) وأصحاب الفلسفات العلمية الحديثة.
( ب ) متغيرات معرفية منهجية:
ونعني بها مجموعة العناصر والخطوات البنائية في نسق المنهج العلمي الإسلامي، والتي تتميز بارتباطها الوثيق بثوابت المنهج ومسلماته من جهة وبإمكانية تغيرها أو تطورها أو تحورها كما وكيفاً وترتيباً، لتفي بمتطلبات اطراد التقدم العلمي والتقني من جهة أخرى. ويمكن إجمال هذه المتغيرات فيما يلي:
1ـ وسائل البحث العلمي:
لقد رفع الإسلام من شأن العلم باعتباره أساساً لفهم العلاقة السليمة بين الله والكون والإنسان.
والقرآن الكريم لا يكاد يدع موطناً في الكون دون أن يطوف بالإنسان خلاله، ويستثير فيه النظرة المتأملة المتقصية، ويلفت أصحاب العقول الراجحة، وذوي القلوب المؤمنة، إلى المنهج الصحيح في التعامل مع الكون واستقراء لغته وإشاراته، باعتباره كتاب معرفة للإنسان المؤمن الموصول بالله وبما تبدعه يد الله، وقراءة الآيات المنبثة في جنبات الكون وظواهره تتم بالاستخدام الأمثل لملكات الإدراك والعلم التي وهبها الله للإنسان لتلمس الحقائق الكونية بالاختبار والرصد والتجريب والقياس والاستدلال، مستعيناً في ذلك بحواسه، والعقل من الحواس، أو ما يعززها ويعمقها من أجهزة وأدوات، تبدأ منها وتعود إليها.
وقد أشار القرآن إلى حواس الإنسان وملكاته المعرفية في أماكن متفرقة، فذكر ( الذوق ) في قواه تعالى: )فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما ([الأعراف: 22].
وأشار على اللمس في قوله تعالى: )ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ([الأنعام: 7].
وأشار إلى حاسة الشم في قوله تعالى: )ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ([يوسف: 94].
وذكر السمع والبصر والفؤاد ( أي: القلب ) في مثل قوله تعالى: )والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ([النحل: 78].
وقوله تعالى: )أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ([الحج: 46].
وقوله: )كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ([الروم: 59].
وقوله: )أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ([محمد: 24].
وقد فطن علماء المسلمين الأوائل إلى حقيقة الدعوة القرآنية إلى القراءة والعلم وإمعان النظر والفكر في ملكوت السماوات والأرض سعياً إلى الهداية واليقين.
فهذا أبو عبد الله القزويني يوصي في كتابه ( عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ): بإعادة النظر في ظواهر الكون، والبحث عن حكمتها وتصاريفها، لتظهر لنا حقائقها وتنفتح لنا عين البصيرة، ونزداد من الله هداية ويقيناً، فليس المراد بالنظر تقليب الحدقة نحو السماء فإن البهائم تشارك الإنسان فيه، ومن لم ير من السماء إلا زرقتها، ومن الأرض إلا غبرتها، فهو مشارك للبهائم في ذلك، وأدنى حالاً منها وأشد غفلة، كما قال تعالى: )ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ([الأعراف: 179].
بهذه الروح الإيمانية الخلاقة أحسن المسلمون الأوائل استخدام وسائل المعرفة والبحث العلمي، واندفعوا في مطلع عصر الرسالة الإسلامية إلى الأخذ بمنهج النظر والبحث العميقين في مختلف مجالات العلوم، وقدموا للحضارة الحديثة رصيداً هائلاً من كتب وأبحاث واكتشافات وتقنيات، لولاها لتأخر سير المدنية عدة قرون.
ومن التقدم العلمي والتقني لم تتغير وسائل البحث العلمي في ذاتها، ولكن تطورت الأجهزة التي تعزز أداءها. فعندما اقتحم العلم عالم الذرة والنواة والخلية الحية، وعندما غزا أعماق الفضاء الخارجي لاكتشاف المزيد من الكواكب والنجوم والمجرات، وانتقل من عالم المقاييس البشرية العادية إلى عالم المتناهيات في الصغر والكبر، لم تعد العين المجردة وبقية الحواس قادرة على مواصلة القراءة والبحث في المخلوقات الدقيقة أو البعيدة، وكان اختراع المقاريب والمجاهر البصرية والالكترونية تعزيزاً لحاسة الإبصار، مثلما كانت سماعة الطبيب تعزيزاً لحاسة السمع، وكانت الترمومترات الحرارية تعميقاً لحاسة اللمس، وكان الحاسب الآلي مساعداً للعقل في إجراء العمليات الحسابية والتخطيطية المعقدة.
ويستمر تطور الأجهزة العلمية مواكباً لتطور العلم ومرتبطاً في نفس الوقت بأصولها الثابتة كما خلقها الله في الإنسان.
وتكمن عظمة المنهج العلمي الإسلامي في أنه تجريبي عقلي في آن واحد، ويعتبر الإنسان بكامله، بحواسه وعقله وإرادته وبصيرته وحدسه، هو الوسيلة الأولى والأخيرة لتحصيل المعرفة العلمية، والأجهزة التي يستخدمها ويطورها لتعزيز قدراته وإمكاناته هي في نفس الوقت من صنع ملكاته، وبهذا يبطل أي اقتصار مصطنع على إحدى وسائل المعرفة، مثلما يفعل العقليون والحسيون ( أو التجريبيون ) وأصحاب النزعة النقدية والنزعة الاجتماعية وغيرهم.


يتبــــــــــــــــع

القلب الحزين
01-01-2014, 08:55 PM
يتبــع الموضوع السابق
المنهج العلمي المعاصر في ضوء القرآن الكريم


2ـ خطوات البحث العلمي:
يجمع فلاسفة العلم وعلماء المناهج على أن الخطوات الرئيسية في المنهج العلمي هي الملاحظة والتجربة والفرض العلمي، لكنهم يختلفون حول أهمية كل منها من حيث الفاعلية والترتيب في النسق البنائي المنهجي العام.
والتأصيل الإسلامي لهذه الخطوات يؤكد سبق علماء الحضارة الإسلامية إلى اتباع المنهج التجريبي بما يتفق وحالة المعرفة العلمية في المرحلة التي وصلتها في عصرهم.
فقد كشفت قراءتنا لعلوم التراث الإسلامي عن ممارسات علماء الحضارة الإسلامية لمستويات مختلفة من الملاحظة والتجربة والحدس العقلي، مع إدراكهم لطبيعة العلاقة بينها، والشروط العلمية اللازمة لممارستها، والضوابط المنهجية المؤدية إلى استقراء النتائج العلمية على أساسها.
أما الفرض العلمي في تراث الحضارة الإسلامية فقد كان أولياً في أغلب الأحيان، ولم يصل إلى مرتبة التعميم أو التجريد في صيغة قانون شامل أو نظرية عامة، ذلك لأن طبيعة علوم التراث الإسلامي يغلب عليها الجانب الوصفي أكثر من التعبير الكمي الذي يميز العلم عادة في مرحلة متقدمة من تطوره، كما في علوم الفيزياء والكيمياء الحديثة والمعاصرة. لكن الاستدلال التحليلي، من ناحية أخرى، يؤكد ثراء الفكر العلمي الإسلامي بأهم مقومات الفرض العلمي، متمثلة في إضفاء مقولات العقل على نتائج الملاحظة والتجربة، واستخدام الخيال العلمي في المماثبة بين الظواهر المختلفة، والكشف عن الوحدة التي تربط بين وقائع متناثرة، وابتكار المفاهيم العلمية المطابقة للواقع والخبرة[23].
وقد ظلت الملاحظة والتجربة والفرض العلمي ـ وسوف تظل ـ أساساً لممارسة البحث العلمي في ذاتها، وقابلة لمواكبة التقدم العلمي والتقني بتطوير أدائها والطرق المستخدمة في إجرائها.
وسوف يظل المنهج الإسلامي ـ بشهادة المنصفين من مؤرخي العلم والحضارة ـ هو الينبوع الأول لحضارة العلم الطبيعي.
3ـ العلوم المستحدثة والمتولدة:
من يتتبع تطور مناهج البحث العلمي عبر العصور، لن يجد صعوبة في الوقوف على نقاط ضعفها، وأوجه العجز فيها.
ذلك أنها جميعها مناهج مؤقتة ومحدودة بحدود النظرة الفلسفية الضيقة لأصحابها ومنظريها.
ولهذا: جاء القياس الصوري عقيماً، والبناء الاستنباطي متداعياً، والنسق البيكوني هزيلاً ومنقوصاً، حتى المنهج الفرضي الاستنباطي المعاصر أصبح هو الآخر معرضاً للتصدع.
كل ذلك بسبب التقدم المستمر للعلم، واستحداث علوم جديدة ومتولدة لا يجدي معها أي من قوائم المناهج التقليدية المطروحة.
أما المنهج العلمي الإسلامي ـ بثوابته ومتغيراته ـ فيترك المجال مفتوحاً لأي علم جديد يحدد الباحثون فيه منهجهم من واقع ممارستهم الفعلية لعملية البحث العلمي بدقائقها وتفاصيلها.
فبعض هذه العلوم على سبيل المثال وهو علم ( السيبرنطيقاً ) يحتاج إلى فريق من علماء ذوي تخصصات مختلفة، لأنه يقوم على علوم كثيرة مثل الرياضيات والمنطق والميكانيكا والفسيولوجيا وغيرها.
وظهرت كذلك علوم ثنائية وثلاثية ومركبة مثل علوم الفيزياء الفلكية والهندسة الطبية والحاسبات الآلية والمعلوماتية والبيئة وغيرها.
4ـ تصنيف مناهج البحث الفرعية:
لقد أصبح واضحاً من واقع البحث العلمي ومشكلاته أن تقسيم مناهج البحث في العلوم لا ينحصر في أنواعها الرئيسية: الاستنباطي، والاستقرائي، والفرض الاستنباطي، والاستردادي، ولكنه يتعداها إلى مناهج خاصة تستخدم مسائل جزئية تختلف من علم إلى علم، بل وتختلف في داخل فروع العلم الواحد. وهذا يتطلب عملية تصنيف مستمرة لأنواع المناهج الفرعية في إطار منهج علمي عام، يشدها إلى ثوابته ومسلماته، ويحتويها بمرونته ومتغيراته.
وأخيراً لا يمكن الزعم بأن ما قدمناه في هذه الدراسة هو كل خصائص المنهج العلمي الإسلامي، أو أن كل خصيصة قد وفيت حقها، فالموضوع واسع وعميق، وحسبي أنني اجتهدت في وضع نقاط لتبادل الرأي والحوار البناء حول صياغة إسلامية لمنهج علمي شامل، يسهم في الإعداد السليم للباحث المسلم، وينقذه من متاهة الخوص في إشكاليات المناهج الفلسفية والعلمية المطروحة.
أ.د. أحمد فؤاد باشا

[1] – أستاذ الفيزياء، ووكيل كلية العلوم جامعة القاهرة، وعضو المجلس الأعلى للثقافة، وعضو المجمع العلمي المصري، وصاحب المؤلفات العديدة في التراث العلمي الإسلامي المنهج العلمي وفلسفة العلوم والإشارات العلمية في القرآن الكريم.
[2] – لمزيد من التفصيل حول نشأة علم مناهج البحث methodologyوتطوره، وأيضاً حول بعض الأفكار التي جاءت في هذه المقدمة، يمكن الرجوع إلى:
ـ د. عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي، وكالة المطبوعات، الكويت 1977م.
ـ بول موي، المنطق وفلسفة العلوم، ترجمة د. فؤاد زكريا، مكتبة دار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت 1981م.
ـ د. صلاح قنصوه، فلسفة العلم، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة 1981م.
ـ و.أ.ب بفردج، فن البحث العلمي، الترجمة العربية، دار اقرأ، بيروت 1983م.
ـ د. ماهر عبد القادر محمد علي، فلسفة العلوم، دار النهضة العربية، بيروت 1984م.
ـ د. جون ب. ديكنسون، العلم والمشتغلون بالبحث العلمي في المجتمع الحديث، الترجمة العربية، عالم المعرفة، الكويت 1987.
ـ روبرت م. اغروس وجورج ستانسيو، العلم في منظوره الجديد، ترجمة د. كمال خلايلي، عالم المعرفة، الكويت 1987م.
ـ د. حسن عبد الحميد عبد الرحمن، المراحل الانتقالية لمنهجية الفكر العربي الإسلامي، حوليات كلية الآداب جامعة الكويت، الرسالة الرابعة والأربعون، الكويت 1987م.
ـ د أحمد فؤاد باشا، فلسفة العلوم بنظرة إسلامية، القاهرة 1984م.
ـ راجع أيضاً دراستنا نحو صياغة إسلامية لنظرية العلم والتقنية مجلة المسلم المعاصر، ع55 1989م.
[3] – النسق: ما جاء من الكلام على نظام واحد، والنسق من كل شيء: ما كان على طريقة نظام واحد، ونسق الإنسان: انتظامها في النبتة وحسن تركيبها انظر: لسان العرب، مادة: نسق .
[4] – د. أحمد فؤاد باشا، فلسفة العلوم الطبيعية في التراث الإسلامي، دراسة تحليلية مقارنة في المنهج العلمي، مجلة المسلم المعاصر. ع 49 1987 .
ـ المستشار عبد الحليم الجندي، القرآن والمنهج العلمي المعاصر، دار المعارف 1984م..
[5] – سيد قطب، مقومات التصور الإسلامي، دار الشروق 1986م.
ـ د. علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، وخاصة الباب الأول من الجزء الأول، دار المعارف، الطبعة الثامنة 1981 .
ـ د. مصطفى حلمي، مناهج البحث في العلوم الإسلامية. مكتبة الزهراء 1984م.
[6] – د. أحمد فؤاد باشا: أساسيات العلوم المعاصرة في التراث الإسلامي: دراسات تأصيلية، دار الهداية، القاهرة 1997م.
د. أحمد فؤاد باشا: التراث العلمي للحضارة الإسلامية ـ القاهرة 1984م.
[7] – عبد المجيد عبد الرحيم: مدخل إلى الفلسفة بنظرة اجتماعية، القاهرة 1976م.
[8] – وحيد الدين خان، واقعنا ومستقبلنا في ضوء الإسلام. ترجمة: د. سمير عبد الحميد إبراهيم، مراجعة: د. عبد الحليم عويس، دار الصحوة بالقاهرة 1984، ص251 ـ 256.
انظر أيضاً: المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، القاهرة 1983 مادة 314: تقنوقراطية ومادة 1040: نزعة علمية.
[9] – راجع: د. يحيى هاشم فرغل: حقيقة العلمانية بين الخرافة والتخريب، الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف 1989م..
[10] – لمزيد من التفاصيل حول خصائص الإسلام راجع:
ـ سيد قطب، خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، دار الشروق 1987م.
ـ د. يوسف القرضاوي، الخصائص العامة للإسلام، مؤسسة الرسالة 1985م.
[11] – ينفرد التصور الإسلامي بتصور التوحيد الكامل الخالص، من بين سائر التصورات الاعتقادية والفلسفية السائدة في جنبات الأرض. راجع. سيد قطب: خصائص التصور الإسلامي ومقوماته ص182 وما بعدها، دار الشروق 1987م.
[12] – راجع مقالنا: قراءة إسلامية في كتاب الكون مجلة الأزهر، عدد رمضان 1409هـ.
[13] – نجح العلماء الثلاثة عبد السلام ـ وينبرج ـ جلاشو نجاحاً جزئياً في التوحيد بين نوعي القوة الجاذبة الكهربية والقوة النووية الضعيفة. وكانت هذه النتيجة الهامة واحدة من الكشوف العلمية المميزة التي أهلت العلماء الثلاثة للحصول على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1979م.
[14] – فينر هايزنبرج، المشاكل الفلسفية للعلوم النووية ـ ترجمة د. أحمد مستجير، القاهرة 1972م.
[15] – راجع مؤلفنا فلسفة العلوم بنظرة إسلامية ص47.
[16] – راجع دراستنا فلسفة العلوم الطبيعية في التراث الإسلامي . مجلة المسلم المعاصر، ع9؛ 1987 . انظر أيضاً: يحيى هاشم حسن، الإسلام والاتجاهات العلمية المعاصرة، دار المعارف 1984.
[17] – مثال ذلك قوله تعالى: (فإذا برق البصر. وخسف القمر، وجمع الشمس والقمر) [القيامة: 7 ـ 9].
[18] – د. إبراهيم عبد الحميد الصياد: المدخل الإسلامي للطب، مجمع البحوث الإسلامية، 1987م.
[19] – راجع: عباس العقاد: التفكير فريضة إسلامية.
[20] – رينيه ديبو: رؤى العقل. ترجمة: فؤاد صروف، ص 182، 216، 217 بيروت 1962م.
[21] – راجع مؤلفنا: التراث العلمي للحضارة الإسلامية ومكانته في تاريخ العلم والحضارة. القاهرة 1984م. ومؤلفنا: أساسيات العلوم المعاصرة في التراث الإسلامي، دراسات تأصيلية، دار الهداية، القاهرة 1997م.
[22] – لم تحظ إشكالية الموضوعية في العلوم الطبيعية باهتمام الباحثين إذا ما قورنت بنظيرتها في العلوم الإنسانية. وربما كان السبب في هذا راجعاً إلى تلك الصورة المثالية الشائعة لموضوعية العلم الصارمة كما روج لها أنصار الفلسفات العلمية. لكن تاريخ العلم يحدثنا بأن القانون الطبيعي الذي يصف حقيقة علمية ما لم يكن في يوم من الأيام ثانوناً عاماً على إطلاقه، ولكنه محدود دائماً بعوامل الزمان والمكان والخبرة الذاتية للإنسان وهذه القضية الهامة سوف نعرض لها بإذن الله في دراسة مستقلة، ونهيب بغيرنا أن يعاون في إبرازها.
[23] – ناقشنا هذه القضايا بشيء من التفصيل في دراستنا فلسفة العلوم الطبيعية في التراث الإسلامي . المسلم المعاصر، ع49 1987 .

القلب الحزين
01-01-2014, 08:59 PM
الإسلام والنظافة مقارنة مع الأديان الاخرى..



قال الله تعالى( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5))(سورة المدثر).
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنها قال : " أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره فقال : أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره ؟ " ورأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة فقال : " أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه "[رواه أبو داود].
لقد دعا الإسلام إلى النظافة وجعلها من شروط صحة الصلاة ولا تقبل صلاة المسلم إذا كان ثوبه نجساً، فالطهارة والنظافة هي الأصل في حياة المسلم قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، وأثنى الله على المتطهرين فقال: {فِيهِ رِجَالٌ يُّحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا}.
أما عند غير المسلمين فالقذارة تعتبر نوعاً من الزهد وقربة إلى الرب، ولعل من أهم الأمثلة قصة القديسة - المزعومة - إيسابيلا ملكة الإمبراطورية الإسبانية فترة سقوط غرناطة- مناصفة مع الملك فرديناند. هذه المجرمة الملطّخة يداها بدماء المسلمين الأندلسيين جمعت بين نجاستين -و العياذ بالله- نجاسة معنوية كمشركة و نجاسة حسية حيث لم تغتسل إلا مرة واحدة في حياتها و جعلت هذه المذمة مفخرة تتباهى بها.
يقول العلامة الفهامة الإمام محمد تقي الدين الهلالي المغربي رحمه الله في ترجمته لكتاب مدنية المسلمين بإسبانيا للعالم الأمريكي الشهير جوزيف ماك كيب في معرض كلامه عن إيزابيلا ملكة قشتالة: الصفحة 105.
إيزابيلا( Isabella (1451-1504 ملكة قشتالة. استولت على الملك سنة 1474م داهية مكارة متعصبة. بذلت جهدها في تجديد المحنة و تعذيب المسلمين و اليهود. و ارتكبت خطايا كثيرة باسم الدين. و أما أحوالها الخاصة فلم تكن مما تغبط عليه: لأنها كانت تفتخر بأنها لم تغتسل في حياتها إلا مرتين يوم ولادتها سنة 1451 و ليلة عرسها سنة 1469. و غسلت حين ماتت سنة 1504 فتمت لها الغسلة الثالثة و الحقيقة أنها لم تغتسل إلا مرة واحدة وهي في ليلة عرسها. لأن غسلها يوم ولادتها و غسلها يوم موتها ليس من عملها.
و لنا أن نتصور حياة زوجها الملك فرديناند معها.




http://quran-m.com/firas/ar_photo/1269814265losreyescatolicos.jpg
صورة للملكة إيزابيلا بجانب زوجها الملك فرديناند

القلب الحزين
01-01-2014, 09:01 PM
وحشية الغرب في تعامله مع الحيوانات ورحمة النبي صلى الله عليه وسلم


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12644275584007732189_3e1e32e958_1.jpg
صورة رجل دانيماركي يقوم بقتل سمكة دلفين بخطاف كبير بوحشية شديدة فقط للتسلية

إعداد فراس نور الحق
مدير موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن
يتحول البحر إلى اللون الأحمر قرب جزيرة فيرو الدنماركية، كل عام، ليس بسبب المناخية الطبيعية، إنما بسبب وحشية الكائن البشري "المتحضر"، حيث يقتل الدنمركيون مئات من دوليفينات الكالدرون الذكية كل عام.
ولا يحدث هذا القتل من اجل الغذاء او الصناعة بل من اجل المتعة في احتفال لكي يثبتوا انهم رجال بالغون، ومعظم الدفلين الذي يتم قلته لا يتم أكله، ويتم رميه في المياه.
الشعارات التي ترفعها دول الغرب الرفق بالحيوان، وهذه الدول تصف أسلامنا بالرجعية، وهم أولى بالرجعية والوحشية.
هذه المخلوقات الودودة لا تموت مباشرة بعد عملية القتل ولكن تضرب مرة ومرتين وثلاث مرات بخطاف سميك معكوف وتصدر أصوات مثل الطفل الوليد عند موتها.
ويذكر أن هذا النوع من الدلافين معرض للانقراض، وهي تقترب من الرجال للعب والتفاعل معهم بصداقة نقية خالصة.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12644278743404563248_e45f4f2be9_1.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12644278043210195046_1.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12644278994007731657_2c8c1745fe_1.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12644279234007731889_9efb2ab912_1.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12644279594008495808_658e53dd6a_1.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12644280214190032923_00c264b816_1.jpg
وإليكم الهدي النبوي في التعامل مع الحيوانات:
مر ابن عمر رضي الله عنهما بفتيان من قريش نصبوا طيرا أو دجاجة يترامونها وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال ابن عمر: لعن الله من فعل هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً, وفي هذا الحديث وغير من الأحاديث حق الحيوان في الحماية.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت ، فدخلت فيها النار ، لا هي أطعمتها و سقتها إذ حبستها و لا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض "قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 34 : رواه البخاري في " صحيحه " ( 2 / 78 طبع أوربا ) و في " الأدب المفرد " ( رقم 379 ) و مسلم ( 7 / 43 ) من حديث نافع عن عبد الله بن عمر مرفوعا . و مسلم و أحمد ( 2 / 507 ) من طرق عن أبي هريرة مرفوعا نحوه . ( خشاش الأرض ) هي الحشرات والهوام .
( وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير لصق ظهره ببطنه فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة, فاركبوها صالحة, وكلوها صالحة ) رواه أبو داوود وابن خزيمه في صحيحة, وقال: قد لحق ظهره ببطنه.
روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع للهرة الإناء فتشرب.
عن ابن عباس رضي الله له أن رجلاً أضجع شاة، وهو يحد شفرته فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أتريد أن تميتها موتتين ؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضيعها " رواه الطبري واللفظ له.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خَرَج، فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خُفّـه ثم أمسكه بفيه ثم رقى، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له)، قالوا: يا رسول الله: وإنّ لنا في البهائم أجرا؟ قال: ( في كل كبد رطبة أجر)...
نستقبل تعليقاتكم على المقالات على الايميل التالي:
[email protected]
المراجع:
http://en.wikipedia.org/wiki/Faroe_Islands (http://en.wikipedia.org/wiki/Faroe_Islands)
http://www.thepetitionsite.com/1/save-the-rissos-dolphin-in-Denmark (http://www.thepetitionsite.com/1/save-the-rissos-dolphin-in-Denmark)
http://www.factjo.com/Manbar/MemberDetails.aspx?id=3294 (http://www.factjo.com/Manbar/MemberDetails.aspx?id=3294)
http://www.scribd.com/doc/22402170/Animal-Cruelty-Shame-on%C2%A0Denmark%C2%A0-Feroe-island (http://www.scribd.com/doc/22402170/Animal-Cruelty-Shame-on%C2%A0Denmark%C2%A0-Feroe-island)

القلب الحزين
01-01-2014, 09:02 PM
الإيمان باليوم الآخــر.. وأدلته الشرعية والعقلية

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/126357017212430530716474.imgcache.jpg
بقلم العلامة الشيخ عبد المجيد الزنداني
رئيس جامعة الإيمان في صنعاء رئيس مجلس شورى حزب
الإصلاح الإسلامي وعضو سابق في مجلس الرئاسة اليمنية
مؤسس الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مكة
لقد جئنا من عالم الغيب، وسننتقل إلى عالم الغيب مرة أخرى. ولكل عالم سننه الخاصة به والانتقال من عالم إلى عالم، يصحبه تحول في السنن التي تحكمنا أثناء ذلك الانتقال. ألا ترى أن السنن التي تحكمنا ونحن أجنة في بطون أمهاتنا تختلف عن السنن التي تنتظرنا خارج الرحم، بل إن السنن التي تحكم سكان الأرض على سطحها تختلف عن السنن التي تحكم رواد الفضاء خارج الأرض، فكيف بالسنن التي تنتظرنا بعد موتنا وخروجنا من الحياة الدنيا ؟! ولا يستطيع أحد أن يخبرنا خبراً يقينياً قاطعاً عن مستقبلنا الذي إليه نسير إلا الذي ينقلنا إليه، وهو الله سبحانه. من أجل ذلك أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام لإخبارنا عن مستقبلنا وطبيعة الحياة والسنن التي ستواجهنا في تلك المرحلة من الحياة بعد الموت. قال تعالـى﴿ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ(15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ(16)﴾(غافر:15-16).
أدلة الإيمان باليوم الآخـــر
1- الإخبار عنه في القرآن والسنة: إن الذي خلق اليوم الآخر وخلق الجنة والنار قد أخبرنا عما أعد لعباده المؤمنين، وتوعد به الكافرين. فقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(6)وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ(7)﴾ (الحج:6-7).
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ(5)وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ(6)﴾ (الذاريات:5-6). وقال تعالى: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ(1)وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(2)أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ(3)بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ(4)﴾(القيامة:1-4).وقال تعالى﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ (التغابن:7).
وإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا عن اليوم الآخر وهو الذي زار الجنة ورأى النار في ليلة الإسراء والمعراج فهو شاهد العيان الصادق الذي لا ينطق عن الهوى فقال صلى الله عليه وسلم: عندما سأله جبريل عن الإيمان: ( أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ) (1).
كما ذكرت السنة النبوية كثيراً من تفاصيل أحداث اليوم الآخر كالبعث والحشر والموقف والحساب والصراط والميزان والجنة والنار. ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً) (2) قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ؟ فَقَالَ: الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ). (3)
ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، في ذكر النفخات التي تسبق قيام الناس من القبور، وفيه (ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ)، قال (لَيْسَ مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). (4)
وإخباره صلى الله عليه وسلم عن الميزان بقوله (مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ).(5)
وقوله صلى الله عليه وسلمفي وصف الصراط (وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَبِهِ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ (6)،قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو ). (7)
وقال صلى الله عليه وسلم عن القنطرة (إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ (8) بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا). (9) وقال صلى الله عليه وسلم(إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ..). (10) وقال صلى الله عليه وسلم (قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ، حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا، وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ:أَيْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ ؟ فَإِذَا امْرَأَةٌ – حسبت أنه قال:تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ. قُلْتُ:مَا شَأْنُ هَذِهِ؟قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا،لاَ هي أَطْعَمَتْهَا وَلاَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ – قال نافع:حسبت أنه قال:مِنْ خشيش أو خَشَاشِ الْأَرْضِ) (11)
2- استحالة العبث، ولن نترك سدى إن الحياة الدنيا بدون الحياة الأخرى تكون عبثاً، وتعالى الله عن العبث، فالحكمة ظاهرة في تضاعيف هذا الكون وبنائه وفي جميع خلايا الإنسان وأجهزته. وكل جزء في كيان الإنسان قد خلق لحكمة، فكيف تكون الحياة بأكملها عبثاً لا حكمة من ورائها؟ فلابد أن هناك حكمة، وإذا كانت لا تظهر في الدنيا فلابد من يوم آخر تظهر فيه، قال تعالى﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36)أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37)ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى(38)فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(39)أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى(40)﴾(القيامة:36-40).
3- العدل الإلهـي إذا رأيت جباراً يعتدي على طفل صغير فإن مشاعرك ستتحرك مستنكرةً لذلك العدوان، ولكل ظلمٍ تراه. ولو أن حماراً يرى نفس المنظر للظالم ما تحركت مشاعر كراهية الظلم لديه، ذلك لأن الذي خلقك قد فطراك على حب العدل (12) ولم يفطر الحمار على ذلك.وكل مخلوق من البشر قد فطر على نفس ما فطرت عليه أنت، ولو جمعنا حب العدل الذي قسم بين الأولين والآخرين وفي نفوس الأنبياء والفضلاء والصالحين لما كان إلا قبساً من عدل الله العظيم لأن حب العدل صفة كمالٍ، والخالق أكمل من مخلوقاته فهو صاحب العدل الكامل سبحانه ومن العدل أن يثاب المحسن ويعاقب المسيئ، فإذا عرفنا أن عدل الإنسان يأبى التسوية بين الظالم والمظلوم والمطيع والعاصي، وعلمنا أن الله هو صاحب العدل المطلق والكمال الأعلى ورأينا موازين العدل لا تتحقق كاملة في الحياة الدنيا جزمت العقول بأن الله سيقيم العدل الكامل في حياة أخرى. كما قال سبحانه ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ (الجاثية:21) وقال تعالى﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35)مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36)﴾(القلم:35-36) قال تعالى﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ﴾ (الأنبياء:47).
4- دليل الحق: لو أنك زرت بلداً متحضراً في حياته المادية، ورأيت جميع الشوارع في جميع المدن معبدةً منارةً بأعمدة الإضاءة فإنك ستستنتج أن قانون هذه الدولة ونظامها يقضي بتعبيد الشوارع وإنارتها. فإذا دخلت شارعاً في مدينة من هذه المدن، ورأيت الحفريات وأعمدة الإضاءة ملقاةً على الأرض ومتناثرة فيه ستجزم بأن هذا الشارع لا بد أن يعبد، ولا بد أن يضاء بالنور وأن تقام فيه أعمدة الإضاءة كبقية الشوارع في تلك البلاد، وجميع تلك المدن وفقاً لقانون تلك البلدة ونظامها ؛ لأن الحكومة التي من شأنها تعبيد الطرق وإضاءتها لا تترك هذا الشارع شاذاً عن نظامها. إذا عرفت ذلك فتأمل في هذا الكون الذي أقام الله بناءه بالحق. لقد خلق الله السموات والأرض بالحق، فانظر إلى خلايا جسمك وأنسجته وأعضاءه وأجهزتة، سترى أن كلاً منها في موضعه الصحيح وشكله الصحيح ويؤدي وظيفته الصحيحة وأنها جميعاً قد خلقت بالحق شكلاً ووظيفة وموضعاً. وإذا تأملت في أجزاء سائر الحيوانات والنباتات وجدت ما تجده في نفسك من وضع كل شئ في موضعه المناسب وبحجمه وشكله الصحيح المناسب لوظائفه. وإذا درست الأرض وتركيبها ستجد أن كل أجزائها من هواء وماءٍ وأرض وصخور وموقع في المجموعة الشمسية قد وضعت في أماكنها الصحيحة المناسبة لحياة ما عليها من كائنات.
وإذا تأملت في الشمس والقمر والنجوم والكواكب وجدتها بأحجام ومدارات وتركيب وسرعات محكمة موزونة متقنةٍ متناسبة مع كل جرم من تلك الأجرام ومتناسقة في بناء كامل قامت عليه السماء، فيدلك ذلك على أن الحق الذي هو وضع الأمور في نصابها هو القانون الإلهي الذي قام عليه بناء الأرض والسماء. والاستثناء هو ما تراه في حياة الناس، فنجد الظالم مكرماً والمظلوم مهاناً في أحيان كثيرة. وقد نجد النبي المرسل مطارداً يؤذيه السفهاء، وتجد العبد المتأله يعبد من دون الله، فلا ترى سنة إقامة الحق الذي شمل الأرض والسماء كاملة التحقق في حياة البشر. فيدلنا ذلك على أن الذي أقام الحق في أجزاء الكون لابد أن يقيمه في حياة الناس ولابد أن تخضع حياة الناس للقانون الذي خضع له الكون. وما دام هذا القانون غير متحقق في الدنيا، فلابد من يوم آخر يقام فيه الحق، كما قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21)وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(22)﴾ (الجاثية:21-22).
5- الأطماع الواسعة وحب الخلود: لو نظرنا إلى خلق الأطراف (اليدين والرجلين) عند الجنين في رحم أمه ما فهمنا الحكمة من خلقها، إذ أنه لا يمكنه استخدامها في ذلك المكان الضيق حيث لا تقوم الحاجة إليها. ولن تظهر الحكمة منها إلا عند خروجه من ذلك المكان إلى مكان أرحب حيث يحتاج لتلك الأطراف في السعي في الأرض. إذاً فخلق تلك الأطراف وإحكامها كان من أجل مرحلة تالية من الحياة. والذي يقصر نظره على طور الرحم سينكر الحكمة من خلق تلك الأطراف عندما يراها لا تؤدي وظيفة. لكن الإحكام في خلق تلك الأطراف مشاهد، وإنكاره باطل، وعدم ظهور الحكمة في الطور الأول لا ينقض الإحكام ولكن يدل على ضرورة وجود طور آخر تظهر فيه الحكمة من ذلك الخلق الزائد عن سعة الرحم وحاجة الجنين في تلك المرحلة. وكذلك الأطماع الواسعة للإنسان في هذه الدنيا وحبه للخلود لا تتسع الحياة الدنيا على الأرض لتلبيتها، فكلما تحقق للإنسان مكسب من مكاسب الحياة سعى إلى مكسب آخر، وان أعطي وادياً من مال طلب آخر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ) (13).
ولو امتلك الإنسان نصف الأرض لطلب النصف الآخر، ولو أعطي الأرض كلها لسلك سبيلاً إلى القمر. ولو عرض عليه أن يعمر ألف عام أو مليون عام أو أكثر من ذلك لطلب المزيد، ولن يرضى إلا بالخلود. وما زلت قدم أبينا آدم عليه السلام من قبل إلا طمعاً بالخلود والملك الذي لا يبلى، كما قال تعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾(طه:120). فهذان دليلان من فطرة الإنسان على أن حاجة فطرته أكبر من هذه الأرض وعمرها. ولما كان الخالق حكيماً لا يعبث، والأرض لا تكفي لتلبية هذه الفطرة، فالعقل يقضي بأن هناك طوراً آخر خلقت من أجله هذه الفطرة الزائدة عن حجم الأرض وعمرها. قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ(34)لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ(35)﴾ (ق:34-35).
6- دليل البدء والإعادة: إن نسمة الهواء (الأوكسجين) التي تتنفسها تتحول في جسمك إلى ثاني أكسيد الكربون الذي تأخذه الأشجار فيعود مرة أخرى نسمة جديدة من الأوكسجين. وإن ماء النهر يجري إلى البحر ثم يتبخر فيكون سحاباً ثم يصب مطراً فيعود أنهاراً تصب في البحار. وإن صخور الأرض التي نعيش عليها تدمس في باطن الأرض فتصهر في باطنها الناري لتخرج حممًا بركانية فتعود صخوراً مرة ثانية على سطح الأرض. وإن الصباح يأتي ثم يعقبه الليل ثم يعود الصباح مرة أخرى. والقمر يبدأ هلالاً ثم يكتمل بدراً ثم يعود هلالاً كالعرجون القديم.وإن النجم يبدأ من سحابة من دخان ثم ينفجر فيعود دخاناً. إن الكون كله بدأ بانفجار عظيم ثم أخذ في التوسع وسيعود كما بدأ أول مرة. فسنة الله في الكون بدء وإعادة، وكما بدأ الله خلق الإنسان فسوف يعيده مرة أخرى، كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ (الروم:11).
وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ (الروم:27). وقال سبحانه: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(19)قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(20)﴾(العنكبوت:19-20) فالذي شأنه أن يعيد الخلق كما بدأه قادر على يعيد خلق الإنسان كما بدأه. وهو سبحانه يرينا كيف يحي المواد الميتة. قال تعالى ﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ﴾(فاطر:9)وقال تعالى﴿ وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾(فصلت:39)وقال سبحانه﴿ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا(66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا(67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا(68)﴾(مريم:66-68) ﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾ (يس:39).
7- دليل الثواب والعقاب: ما جعل الله الدنيا دار جزاء ولكن كادت الدنيا أن تكون دار جزاء، فكم نرى من المجرمين قد أحيط بهم بعد طول أجرام؟! وكم من المظلومين يقتص الله لهم ممن ظلمهم ؟! وكم أخذ الله الأمم الكافرة بعد قوة وتقلب في البلاد ؟! وكم أجاب الله دعاء المؤمنين بالنصر على أعدائهم.فعندما استقام المسلمون على دينهم كان نصر الله يتنزل عليهم، وعندما انحرفوا سلط الله عليهم أعداءهم. وعندما جاءت الدول الاستعمارية محاربة للإسلام ظالمة للمسلمين ؛ ثارت عليها الشعوب المظلومة وطردتها من بلادها. وعندما نشر الاتحاد السوفييتي الكفر والظلم والفساد حطمه الله وهو في أعز قوته. وهكذا من يتأمل في حياة الأفراد والأسر والمجتمعات يجد أن الدنيا تكاد تكون دار جزاء يعاقب فيها المسيء ويكافأُ فيها المحسن.
وإذا تأملت هذا جلياً فإنك ستصل إلى نتيجة تدلك على أن الذي عجل للكافرين والظالمين بعض ما يستحقون من العذاب لابد أن يوفيهم في الدار الآخرة ما يستحقون من العقاب، كما قال سبحانه عن قوم عاد: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ (فصلت:16). وقال تعالى عن المنافقين: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ (التوبة:101). وكما يعجل الله بعض العقاب للكافرين فإنه يعجل للمؤمنين بعض حسناتهم في الدنيا ويوفيهم أجورهم يوم القيامة. قال تعالى عن المؤمنين: ﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ﴾ (النحل:30).
وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَءَاتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ (النحل:122). وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ (النحل:41) فيكون بعض الثواب والعقاب من الله في الدنيا دليلا على الثواب والعقاب الكاملين في الدار الآخرة.
8- ظهور علامات الساعة: لقد أخبرنا رسول الله صلى الله وسلم بأحداثٍ ستقع في الدنيا، تكون علامات على قرب الساعة فشاهدنا الكثير منها (14)، مثل ما جاء في حديث جبريل عندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمارات الساعة فقال: (...أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ...) (15) وقد وقع ذلك بشيوع التسري (اتخاذ الإماء) فتلد لسيدها بنتاً تضم إلى أسرته وتبقى هي في الإماء. وبعد ظهور النفط والمعادن رأينا من كانوا حفاة عراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وما شاهدنا من علامات الساعة يؤكد صدق ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلمعن الساعة والآخرة. وكما رأينا هذه العلامات في الدنيا حقاً فسنرى الجنة والنار حقاً، وسيجد كل فريق ما وُعد به. يقول تعالى: ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ (الأعراف:44). أهمية الإيمان باليوم الآخر أولاً: الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان الستة التي ينبني عليها إيمان المؤمن ولا يصح إيمانه إلا به. ولأهمية هذا الركن قرنه الله بالإيمان به سبحانه. قال تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ… ﴾ (البقرة:177). وقال تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر ﴾(الطلاق:2).
ثانياً: إن من لا يؤمن بالله واليوم الآخر يعيش في هذه الدنيا كالحيوان، لايدري ما الحكمة التي من أجلها خلق، فالحياة الدنيا تفقد معناها بدون الإيمان باليوم الآخر، وتصبح حلقة مبتوتة عن الماضي والمستقبل. ولقد اصطدم أحد الفلاسفة الوجوديين (16) المعاصرين بهذه الحقيقة، فقرر أن الحياة عبث وأن انتظار المزيد منها حماقة، لأن استمرار الحياة ليس إلا مجرد فرصة لتبادل الإساءات مع الآخرين، فمن أراد أن يجنب نفسه أو أحبابه شر نفسه وشر غيره فليبادر بالتخلص من حياته وحياة أحبابه.وتطبيقاً لذلك، فما إن رأى زوجته في سعادة، حتى تقدم إليها ليمنع عنها أي شقاءٍ قادم فذبحها، ثم سلم نفسه للشرطة. ورفعت الشرطة أمره إلى أن وصل إلى رئيس الجمهورية- يوم ذاك - الذي قال: عار على فرنسا أن تعتقل عقلها!! ولكن أودعوه مستشفى المجانين!! ليجعل له بذلك مخرجاً من أن تناله طائلة القضاء. (17)
ثالثاً: من لا يؤمن بالله واليوم الآخر لا يركز همه إلا على هذه الدنيا وما يحقق فيها من مصالح ومنافع شخصية، فهو يبذل كل جهوده ليصارع الناس على ما في أيديهم ليفوز من هذه الدنيا بأعلى نصيب قبل أن يأتيه الموت، فيحرمه من لذائذه. فتجده يسعى في تحقيق أهدافه ولا يبالي أن يكون ذلك بغش أو خداع أو سلب أموال وظلم واستباحة دماء، أو هتك أعراض واحتيال ونفاق، لا يخاف عقاب ربه ولا يخاف إلا أن يقع تحت طائلة القانون وعقاب المسؤولين من البشر، فإذا أمن جانبهم، وأحكم الخطة لمغالطتهم، انطلق كالحيوان المفترس، لا يقف عند حد، فالإنسان بدون إيمان باليوم الآخر وحش مفترس لان همه الدنيا وليس له منها إلا اللذائذ الشخصية والمصالح الدنيوية. ويأتي ذكر الموت ليشعل نار الشهوات والأطماع في نفسه وقلبه فيبالغ في تعجيل شهواته ومطامعه بأي وسيلة إجرامية قبل أن يدركه الموت.
أما المؤمن باليوم الآخر، فيعرف أن حياته الدنيا مقدمة لحياته في الآخرة التي ينتقل إليها بالموت، وأن عليه أن يعمل الصالحات، ويجتنب السيئات حتى يفوز برضا ربه، ويدخل الجنة ذات النعيم المقيم الخالد، وحتى ينجو من النار وهو يؤمن بأن الله لن يضيع عمله الصالح بل سيجزيه به الجنة. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا(30)أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا(31)﴾ (الكهف:30-31).
وذكر المؤمن للموت يزيده صفاءً ونقاءً ويجعله يقدم لآخرته، ويجعله يعبد ربه ويتخلق بأخلاق الإسلام. ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فتراه صادق الحديث وفياً بالعهد، حافظاً للأمانة، يسعى إلى الخير، ويقاوم الشر، لا يغش ولا يخدع، ولا يسرق ولا يقتل ولا يزني، ولا يغتاب. إنه الإنسان السوي المستقيم. أما ما نشاهده اليوم من رذائل قد تفشت بين المسلمين فسبب ذلك ضعف في إيمانهم باليوم الآخر، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.
لقراءة المزيد من ابحاث الشيخ يمكن زيارة موقع جامعة الايمان
http://www.jameataleman.org/
والحمد لله رب العالمين،،
(1) سبق تخريجه وهو حديث جبريل المشهور. (2) يعني: غير مختونين، والأغرل: هو الذي لم يختن وبقيت معه غرلته، وهي الجلدة التي تقطع عند الختان. (3) أخرجه البخاري ك/ الرقاق ب/ كيف الحشر، ومسلم ك/ الجنة وصفة نعيمها وأهله ب/ فناء الدنيا وبيان الحشر، والنسائي ك/ الجنائز ب/ البعث، ومن حديث ابن عباس أخرجه الترمذي ك/ صفة القيامة ب/ ما جاء في شأن الحشر. (4) البخاري ك/ التفسير ب/ يوم ينفخ في الصور، ومسلم ك/الفتن وأشراط الساعة ب/ ما بين النفختين. (5) سنن الترمذي ك/ البر والصلة ب/ ما جاء في حسن الخلق وقال: حسن صحيح، ورواه القضاعي في مسند الشهاب 1/274، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/194. (6) السعدان نبت من أفضل مراعي الإبل له شوك، القاموس المحيط مادة (سعد). (7) البخاري ك/ الرقاق ب/ الصراط جسر جهنم، ومسلم ك/ الإيمان ب/ إثبات رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة، وابن ماجة ك/ الزهد ب/ ذكر البعث، وأحمد في مسنده 2/275، وابن حبان في حصحيه 16/378-379. (8) القنطرة: الجسر. القاموس المحيط مادة (قنط). (9) البخاري ك / المظالم والغصب ب / قصاص المظالم، وابن حبان في صحيحه 16/461، و الحاكم في المستدرك 2/385، والطبراني في المعجم الأوسط 3/146. (10) رواه البخاري ك/ الصلاة ب/ رفع البصر إلى السماء، ومسلم ك/ الصلاة ب/ ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أ/ر الجنة والنار، والنسائي ك/ الكسوف ب/ قدر القراءة في صلاة الكسوف، وأحمد في المسند 1/289. (11) أخرجه البخاري ك/ الأذان ب/ حدثنا ابن أبي مريم، ومسلم ك/ الصلاة ب/ ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، والنسائي ك/ الكسوف ب/ نوع آخر ( من صلاة الكسوف ) وابن ماجة ك/ إقامة الصلاة والسنة فيها ب/ ما جاء في صلاة الكسوف، وأحمد في المسند 2/159، وقد جاء في بعض الروايات أن المرأة المذكورة في الحديث من حمير. (12) وقد يختل ميزان العدل عند الإنسان إذا كان طرفا في نزاع أو غلبه هوى. (13) سبق تخريجه. (14) راجع كتاب: أشراط الساعة، ليوسف بن عبد الله الوابل، رسالة علمية متخصصة. (15) سبق تخريجه. (16) الفيلسوف الفرنسي واسمه ميشيل – عاصر الرئيس الفرنسي جيسكار ديستاه. (17) روى هذه القصة الفيلسوف العربي رشدي فكار على هامش مؤتمر الإعجاز الطبي في القرآن والسنة الذي عقد في القاهرة عام 1985م.

القلب الحزين
01-01-2014, 09:03 PM
كتاب جديد للدكتور محمد عمارة حول التنصير في العالم الاسلامي


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1261522849656.jpg
غلاف لكتاب تقرير علمي الذي طبعه الازهر


في مدينة (كلن إير ) ـ بولاية (كولورادو) ـ بأمريكا الشمالية ـ عقد المنصرون الامريكيون ـ في 15 مايو سنة 1978م أخطر مؤتمرات التنصير .. وأكثرها طموحاً. فبعد أن كانت الاهداف التنصير ـ في صفوف المسلمين هي : التنصير بين المسلمين .. طمحوا ـ في هذا المؤتمر ـ إلى تنصير كل المسلمين.
الكتاب يتناول جانبا من هذا المؤتمر ويعرض تعليق للمؤلف عليه
ملف الكتاب بدون ضغط (http://www.quran-m.com/words/amaraa.pdf)
ملف الكتاب بشكل مضغوط (http://www.quran-m.com/words/amaraa.rar)
الكتاب بصيغة PDF ومضغوط على برنامج Winrar
ملاحظة : لتحميل الملفات ضع مؤشر الماوس على الملف المراد تحميله ثم اضغط على زر الماوس الايمن ثم اضغط على زر save as أو أحفظ باسم

القلب الحزين
01-01-2014, 09:04 PM
فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/6/Pomegranate03_edit.jpg
صورة لثمرة رمان ناضجة

تحيه معطره بأريج الخير والعلم. أخي العزيز أشكرك من كل قلبي أنت وكل القائمين على هذا الموقع الرائع، وجزاك الله عنا خيرًا كثيرًا
أخي عندي سؤال: يقول الله في كتابه العزيز:
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴾(الرحمن: 68)، صدق الله العظيم.
أخي ! هنا أخرج الله ( الرمان ) من الفاكهة، لأنه ذكر الفاكهة، وبعدها ذكر الرمان، وبهذا يكون للرمان وضع خاص وأمر آخر.. أرجو توضيح هذا الأمر بشيء من التفصيل.. ولك كل الشكر والتقدير.
علاء نصر
مشرف دعاية طبية
هذا سؤال ورد من الأخ علاء نصر إلى السيد فراس نور الحق مدير موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وأحاله إلي للإجابة عنه، فأجبت عنه بما يأتي:
الجــــــــواب:
بسم الله، وبه المستعان، وعليه التكلان.. أما بعد:
فهذا السؤال - على بساطته كما يبدو – من الأسئلة المهمة، والجواب عنه يتوقف عليه فهم كثير من آيات التنزيل الحكيم.. وأول ما أبدأ به هو: أن ( الواو ) في لسان العرب لها معنيان: أولهما: العطف. وثانيهما: الجمع.
أما العطف بها فيقتضي أمرين:
أحدهما: أن يكون المعطوف بها مغايرًا للمعطوف عليه في الذات أو الصفات، موافقًا له في الجنس، فمن الأول قول الله عز وجل:﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ﴾(النساء: 163).
ومن الثاني قول الله عز وجل:﴿ عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً ﴾(التحريم: 5).
فالأول من عطف الذات على الذات، والثاني من عطف الصفات على الصفات.. وقد اجتمعا معًا في قول الله عز وجل:
﴿ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾(البقرة: 125).
والثاني: أن يكون المعطوف خاصًّا، والمعطوف عليه عامًّا. وبمعنى آخر: أن يكون المعطوف جزءًا من المعطوف عليه، فيكون العطف من باب عطف الخاص على العام، أو من باب عطف الجزئي على الكلي، أو العكس.
ومن الأول قول الله عز وجل:﴿ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ﴾(البقرة: 98). فعطف ( جبريل وميكال ) على ( الملائكة )، وهما ملكان. وإنما أفردهما بالذكر، تعظيمًا لشأنهما، مع كونهما من جملة الملائكة.
ومن الثاني قول الله عز وجل:﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾(الحجر: 87). فعطف ( القرآن العظيم ) على ( السبع المثاني )، وهو من باب عطف الكلي على الجزئي، أو العام على الخاص.
أما قوله تعالى:﴿ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴾(الرحمن: 68)، فقيل فيه:
1- ( النخل والرمان ) مغايران للفاكهة. أي: من غيرهما. والعطف من باب عطف المتغايرات. وبيان ذلك: أن ( الفاكهة ) ثمرُها مخلصٌ للتفكُّه. أما ( النخل ) فثمرُه فاكهة وطعام. وأن ( الرمان ) ثمرُه فاكهة ودواء، فلم يخلصا للتفكه. ومن هنا تغايرا مع الفاكهة، فجاز عطفهما عليها.
2- ( النخل والرمان ) من الفاكهة. والعطف من باب عطف الجزئي على الكلي. وإنما عطفا على ( الفاكهة )، اختصاصًا لهما، وبيانًا لفضلهما. قال الزمخشري:«كأنهما - لما لهما من المزية - جنسان آخران »، كقوله تعالى:﴿ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ﴾(البقرة: 98).
وهذان الوجهان أجازهما الزمخشري في الكشاف، وتبعه كثير من المفسرين. واختار الرازي في التفسير الكبير القول الأول. وعليه بنى أبو حنيفة قوله:« إذا حلف: لا يأكل فاكهة، فأكل رمانًا أو رطبًا، لم يحنث »، لأن الرمان والرطب مغايران للفاكهة.
وأما ما نقل عن الشافعي من أنه قال:« لو قال رجل: والله، لا آكل الفاكهة، فأكل من هذين يحنث » فهو مبني على أن الرطب والرمان هما فاكهة، لا أنهما من الفاكهة. وعليه يكون عطفهما على الفاكهة هو من عطف الشيء على نفسه، وهو مذهب كثير من المفسرين، وحملوا عليه كثيرًا من الآيات التي أشكل عليهم فهمها، وعقد له كل من الزجاج والسيوطي في كتابيهما ( إعراب القرآن ) فصلاً بعنوان ( ما جاء في التنزيل معطوفًا، وليس المعطوف مغايرًا للمعطوف عليه، وإنما هوَ هو، أو بعضه)، فأصابا في الثاني، وأخطآ في الأول، لأنه ليس في التنزيل الحكيم لفظان مترادفان حتى نقول بعطف أحدهما على الآخر، فما يظنه كثير من المترادفات هو من المتباينات كما قال أحدهم.
ومن ذلك قولهم في قوله تعالى:﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾(الحجر: 87): إن القرآن العظيم هو السبع المثاني، وإن عطف الثاني على الأول هو من عطف الشيء على نفسه. وكذلك قولهم في قوله تعالى:﴿ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ﴾(البقرة: 98): إن جبريل وميكال هما ملائكة، وعطفهما على الملائكة من باب عطف الشيء على نفسه.
ونحن نقول العطف في الآية الأولى هو من عطف الكلي على الجزئي، فالسبع المثاني ليست هي القرآن العظيم، وإنما هي جزء منه. والعطف في الآية الثانية هو من عطف الجزئي على الكلي، لأن جبريل وميكال من الملائكة وليسا هما نفس الملائكة.. وهذا الباب على وضوحه زلت فيه أقدام كثيرة، ونتجت عنه أخطاء قاتلة في تأويل كثير من آيات التنزيل الحكيم، ليس هذا موضع الحديث عنها.. نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزلل.
بقي أن نذكر ما قاله صاحب كتاب ( القرآن وإعجازه العلمي ) في هذه الآية:« يثبت العلم أن أكثر الطعام فائدة للإنسان الفاكهة بأنواعها المختلفة، فقد جمع سبحانه فيها من الغذاء والدواء ما جعلها مكتملة العناصر اللازمة لصحة الأبدان، وقد خص الله العليم الخبير بما خلق بعض أنواع الفاكهة التي ذكرها في هذه الآية بأنها ذات فائدة غذائية أكثر من غيرها، وهذه هي ( النخل والرمان ).
أما ( النخل ) فقد دلت التحاليل الكيميائية على أن التمر يحتوى على نسبة مرتفعة من السكريات ( 76 تقريبا )، ويستفيد الجسم من التمر في إنتاج طاقة عالية وسعر حراري كبير، علاوة على ما يحتوى عليه من عناصر الكلسيوم والحديد والفسفور وكميات من الفيتامينات الواقية من مرض البلاجرا، مما يجعل التمر غذاء كاملاً.
وأما ( الرمان ) فيحتوى لبه وعصيره على نسبة مرتفعة من حمض الليمونيك الذي يساعد بتأثيره على تقليل أثر الحموضة في البول والدم، مما يكون سببًا في تجنب مرض النقرس، وتكوين حصى الكلى، كما أن عصير الرمان به نسبة لا بأس بها من السكريات السهلة الاحتراق والمولدة للطاقة، كما أن به مادة عفصية قابضة تقي الأمعاء مما يصيبها من إسهال، كما أن قشور سيقان أشجار الرمان تستخدم في القضاء على الدودة الشرطية ».

بقلم محمد إسماعيل عتوك
[email protected] ([email protected])

القلب الحزين
01-01-2014, 09:21 PM
ربع سكان العالم مسلمون



نشر موقع الجزيرة نت الخبر التالي نورده للفائدة: (http://www.aljazeera.net/NR/exeres/051AC00D-0F20-4CA6-A167-95899EC24FB3.htm)
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12550369061_939484_1_34.jpg عدد المسلمين في العالم بلغ 1.57 مليار نسمة (الفرنسية-أرشيف)
كشف تقرير أعده منتدى أميركي متخصص في الأديان أن عدد المسلمين في العالم بلغ 1.57 مليار نسمة، أي أن هناك نحو مسلم واحد بين كل أربعة أشخاص في العالم.
ويقدم التقرير -الذي أعده منتدى "بيو" الأميركي للدين والحياة العامة، واستغرق إنجازه ثلاث سنوات- صورة قد تكون غير متوقعة للبعض عن عدد المسلمين في دول العالم، ويشير إلى أن عدد المسلمين في ألمانيا أكثر من عددهم في لبنان، وعددهم في الصين أكثر من سوريا، وعددهم في روسيا يفوق عددهم في الأردن وليبيا معا، وعددهم في إثيوبيا يماثل تقريبا عددهم في أفغانستان.
وتقول الأستاذة المساعدة في قسم العلوم السياسية في جامعة برنسيتون الأميركية أماني جمال إن هذا التقرير يمحو الفكرة السائدة القائلة إن المسلمين هم العرب والعرب هم المسلمون.
ويصف مسؤولو المنتدى التقرير بأنه الأكثر شمولية لعدد معتنقي الإسلام في العالم وتوزيعهم الديموغرافي، مقارنة بعدد المسيحيين في العالم الذي يقدر -حسب المنتدى- بما بين 2.1 و2.2 مليار مسيحي.
ويقول التقرير إنه بينما يتركز الثقل الإسلامي في الشرق الأوسط، فإن العدد الأكبر من المسلمين يعيشون في آسيا حيث يوجد هناك أكثر من 60% من عدد المسلمين في العالم.
ويعيش نحو 20% من المسلمين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا و15% في دول جنوب الصحراء الأفريقية و2.4% في أوروبا و0.3% في الأميركتين.
ويشير التقرير إلى أن نحو 317 مليون مسلم -أي خمس عدد المسلمين في العالم- يعيشون في بلدان لا يشكل المسلمون أغلبية فيها.
ونحو ثلاثة أرباع المسلمين الذين يعيشون كأقليات يتركزون في خمسة بلدان، وهي -حسب التقرير- الهند (161 مليون مسلم) وإثيوبيا (28 مليون مسلم) والصين (22 مليون مسلم) وروسيا (16 مليون مسلم) وتنزانيا (13 مليون مسلم).
ويذهب التقرير إلى أن ثلثي المسلمين يعيشون في عشر دول، ست منها في آسيا (إندونيسيا وباكستان والهند وبنغلاديش وإيران وتركيا)، وثلاث في شمال أفريقيا (مصر والجزائر والمغرب)، ودولة واحدة في دول جنوب الصحراء الأفريقية وهي نيجيريا.
وتضم إندونيسيا أكبر عدد من المسلمين (203 ملايين مسلم أو 13% من عدد المسلمين في العالم)، أما أوروبا فيقطنها 38 مليون مسلم، من بينهم أكثر من أربعة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا وحدها.
ومن بين نحو 4.6 ملايين مسلم يعيشون في الأميركتين، يوجد أكثر من نصف هذا العدد في الولايات المتحدة حيث يشكلون 0.8% من العدد الكلي للسكان في هذا البلد، ونحو 700 ألف مسلم في كندا.
التعليق على الخبر:
عن أبي عبد السلام، عن ثوبان، قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها "، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال: " بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن "، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: " حب الدنيا، وكراهية الموت " .أخرجه أبو داود في سننه (2/10 2) والروياني في مسنده (ج 25/134/2) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عنه ، ورجاله ثقات كلهم غير أبي عبد السلام هذا فهو مجهول ، لكنه لم يتفرد به بل توبع -كما يأتي- فالحديث صحيح .
الحديث الشريف فيه إخبار بالغيب على لسان النبي صلى الله عليه وسلم يحذرنا به من تكالب الأمم الكافرة على المسلمين لتقاسم خيراتها وكان سؤال الصحابة هل نكون قلة وقتها فيجيب النبي صلى الله عليه وسلم بل أنتم كثير، ولكن لا قيمة لكثرتكم ولا منعة، فلا يهابكم عدوكم، وبين السبب أنه حب الدنيا وكراهية الموت في سبيل الله.
في الحديث الشريف فيه إشارة إلى أن المسلمين في آخر الزمان سوف يكونوا كثير بخلاف ما كانوا عليه وينتشر الدين الإسلامي في كل العالم ولكن لا يكون لهم وزن ولا هيبة بسبب ركونهم إلى الدنيا وتركهم الجهاد في سبيله وتتكالب عليهم الأمم كلها لسلب خيراتهم.
فالحديث يشير إلى أن الخلاص مما نحن فيه يكون بنبذ هذا العامل، والأخذ بأسباب النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، حتى يعودوا كما كان أسلافهم " يحبون الموت كما يحب أعداؤهم الحياة " .

القلب الحزين
01-01-2014, 09:22 PM
سلسلة براهين الإيمان - حقائق الإيمان وثماره


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/125189042265989896.jpg
العلامة الشيخ عبد المجيد الزنداني
رئيس جامعة الإيمان في صنعاء رئيس مجلس شورى حزب
الإصلاح الإسلامي وعضو سابق في مجلس الرئاسة اليمنية
مؤسس الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مكة
محاضرة صوتية قيمة للشيخ عبد المجيد الزنداني من سلسلة براهين الإيمان حيث يتحدث عن حقائق الإيمان وثماره
لتحميل الملف اضغط هنا (http://www.quran-m.com/words/1.rm)
حجم الملف 3.9 ميغا

القلب الحزين
01-01-2014, 09:25 PM
كيف تكتب بحثاً فـي الإعجاز العلمي


الدكتور عبدالحفيظ الحداد http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12504229903815839868_5b6b52e8af.jpg
باحث في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن
إن كتابة البحوث في مجال الإعجاز العلمي تحتاج لخبرة وتمرس من قبل الباحث الذي يريد تحقيق ذلك على الوجه الصحيح. وهذه الخبرة وذلك التمرس يعتمدان أساسًا على تحصيل كفاية من العلم في تفسير القرآن الكريم، ووجود قاعدة راسخة من التمكن في العلوم الكونية؛ وبذلك يكون الباحث مؤهّلاً لمعالجة قضية في مجال الإعجاز العلمي، ولكن إذا أراد كتابة بحث مفهوم في هذا الميدان ومقبول عند أهل العلم فإنه لابد أن يستجمع معرفة في مجال المنهجية البحثية وبالتالي الإحاطة بالأصول المنهجية لكتابة البحوث، ويستوي في هذا الطلب القواعد العامة والخاصة.
أولاً: مجمل القواعد والأسس التي يجب التقيد بها لدى تفسير نصوص القرآن الكريم والتي يعبر عنها بمنهج التفسير ما يلي:
1 ـ يلزم معرفة كل ما يتعلق بالنص ضبطًا ومناسبة، وغير ذلك مثل: سبب النزول ووجه القراءة.
2 ـ يلزم معرفة ما إذا كان هناك نص من القرآن الكريم يصلح اعتباره مفسرًا للنص الذي نحن بصدد تفسيره، لأن القرآن يفسر بعضه بعضًا، وهذا التفسير مقدم على غيره من أنواع التفسير.
3 ـ يلزم البحث عما إذا كان هناك حديث شريف يصلح أن يكون مفسرًا لهذه الآية، لأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم من سواه بمراد الله ـ عز وجل ـ لأن القرآن الكريم عليه أنزل.
4 ـ يجب تحري ما ورد عن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ لأنهم أدرى بكتاب الله وأعلم بمعانيه، ولاحتمال أن يكونوا قد سمعوا شيئًا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخصوص هذه الآية.
5 ـ يجب مراعاة العرف اللغوي السائد وقت نزول القرآن الكريم دون غيره مما تعارف الناس عليه فيما بعد من المعاني.
6 ـ مراعاة قواعد الإعراب وما يحتف بذلك مما يوضح لنا حقيقة المراد بالنص الكريم.
7 ـ يجب أخذ قواعد البلاغة وأساليب البيان بعين الاعتبار لأنها تعين على كشف دلالة النص.
8 ـ ومن الواجب أن نلاحظ سباق النص وسياقه ومقتضيات الحال المقترن بموضوع النص.
9 ـ قبل أن نجزم بوجود معنى للنص يجب التأكد من أن هناك عبارة أو إشارة تعين على ذلك الذي نريده لأن التثبت مطلب شرعي وهاهنا طلب آكد ولذلك تراعى قواعد الترجيح المعتبرة.
10 ـ يلزم التأكد من دلالات ألفاظ النص وعباراته، هل فيه ما يدل على معاني إضافية من تقييد لعام، أو تخصيص لمطلق، أو يوجد شيء من المجاز؟ والمقصود بهذه الخطوة معرفة أولويات الاعتبار لوضع النص في الدائرة المناسبة.
11 ـ يلزم أن يبقى المعنى الأولي هو المعتمد، ولذا فالمحكم أولى من الظاهر، والظاهر أولى من الذي يستفاد بالتأويل عند وجود المقتضي للتأويل، ولكن مع مراعاة ضوابط التأويل ـ كما سيمر معنا لاحقًا ـ وهكذا فمنطوق النصوص مقدم على المفهوم، بل المفاهيم بعضها مقدم على بعض.
12 ـ لابد في حال تعلق احتمالين بالنص: أحدهما يختص بحقيقة شرعية، والثاني يتعلق بحقيقة عرفية ـ فإننا نقدم الحقيقة الشرعية، وهكذا نقدم العرفية على اللغوية إلا لمقتضى معتبر.
13 ـ هناك ألفاظ بعضها من حرف وبعضها من أكثر ـ اصطلح على تسميتها بحروف المعاني، وقد اصطلح علماء اللغة على دلالات لها، أي معان تستفاد منها عند ورودها في الكلام، فلابد من مراعاة المعاني التي اصطلح عليها عند أهل اللغة.
14 ـ كما أن هناك قواعد أصولية وهي بالوقت نفسه معتبرة معانيها عند أئمة التفسير، لذلك فلابد من مراعاتها وإعمال مقتضاها في تفسير آيات القرآن ونصوص السنة ومن ذلك: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، (لا عبرة بالظن غير الناشئ عن دليل).
15 ـ الحذر من الخوض في المتشابه من النصوص، وكذلك الخوض في القضايا التي أطلق عليها العلماء اسم السمعيات، وهذا الكف أولى من الخوض، لأنه يترجم أدب المؤمن مع القرآن.
16 ـ يلزم الحذر من الأخبار التي أطلق عليها علماؤنا اسم الإسرائيليات مع اجتناب الاعتماد في تفسير كتاب الله بمقتضى نصوص واهية أو ساقطة الاعتبار عند التحقيق.
17 ـ تحاشي العبارات التي تحمل طابع التسفيه لأقوال العلماء السابقين من سلف الأمة، حتى ولو ظهرت لهم أخطاء؛ بل يتأدب في رد الخطأ مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ربما ظهر وجه يجعل كلامهم الذي قالوه معتبرًا، وكم عاب إنسان غيره وكان العيب عنده لقصور فهمه.
18 ـ يجب أن لا يفارقنا اليقين بصدق وعد الله ـ جل وعلا ـ وإخباره لنا بإظهار صدق آياته في الآفاق، ولكن بأقدار لا تتقدم ولا تتأخر، لذلك علينا أن لا نقدم شيئًا مما نسمعه على كلام الله قطعًا لأن ذلك لا يخلو عن مجازفة بأن نعدل عن المراد من النص.
19 ـ إذا لم يتحقق لنا اطمئنان واستقرار بعد كل الخطوات السابقة بيانها، واضطررنا إلى تأويل النص، فعلينا أن نتقيد بما قرره السلف من علمائنا في هذا الميدان، ومن ذلك التأكد من صحة ما نستنبطه من الدلالات، وأن هذا الاستنباط لا غلو فيه ولا تقصير، وكذا لا زيغ فيه عن حقيقة من حقائق الدين، بل علينا المؤاخاة بين مفردات النص، وكذا بين النص وغيره من النصوص القرآنية الأخرى، لأن القرآن الكريم لا تفاوت بين آياته أبدًا.
20 ـ الحذر من استجرار الآية لمعنى يريد الباحث حشر أدلة عليه متذرعًا باحتمالات ممكنة ولكن مع شيء من التكلف، والذي ينبغي أن ينزه كلام الله ـ عز وجل ـ عن مثله.
21 ـ ومن أراد الاستزادة في هذا الميدان فعليه بكتاب (الإتقان للسيوطي) ج4، ص 200 وما بعدها، وكتاب (التفسير والمفسرون للذهبي) ج1 ص 265ـ284، وغير ذلك من كتب هذا العلم الشريف.
ثانيًا: معالم القاعدة العلمية التي يلزم إبراز الحقيقة العلمية وفق ضوابطها المقررة عند أهل الاختصاص.
المصدر: نقلا عن موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن

القلب الحزين
01-01-2014, 09:26 PM
أريوس والأريوسية ..



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1246374988arius.gif
صورة للوحة زيتية للقس آريوس

بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
يقول الخطاب الذي أرسله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إلى، قيصر ملك الروم:
"بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى وأما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تَسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين، و(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)".
وعادة ما يتوقف القارئ عند كلمة "الأريسيين"، رغم وضوح معناها ولو إستنتاجاً، إذ يُفهم أنهم من يحكم عليهم هرقليوس قيصر الروم، فهي عبارة جديرة بأن نتوقف عندها لما تكشف عنه من حقائق عادة ما يتم التعتيم عليها .. وقبل الدخول في تفاصيلها، لا بد من الإشارة إلى ما كان عليه حال المسيحية آنذاك خاصة في الإمبراطورية الرومانية وامتدادها الإستعماري ..
لا شك ف أن كتابة تاريخ المسيحية كانت تسبب مشكلة كبيرة حتى عهد قريب، فلم يكن هناك سوى ما تقدمه المؤسسة الكنسية في أعمال الرسل التي يرجعون تاريخها إلى ما بين سنة 80 و 90 م، وما تحتوي عليه الأناجيل الأربعة التي قام بتجميعها وتعديلها القديس جيروم في أواخر القرن الرابع، وهي وثائق لا يُعتد بها من الناحية العلمية.. ثم تبيّن تدريجياً وخاصة منذ أيام والتر بوير W. Bauer)) أنه لم تكن هناك أي وحدة في العقائد المسيحية الأولى، وثبُت منذ أيام أدولف فون هارناك (A. v. Harnak) أن العقائد قد خلقت الانقسامات الشديدة وأن الهرطقة والأصولية أصبح لكل منها منهجه.. لذلك يتكون تاريخ المسيحية من سلسلة ممتدة من الانقسامات والمعارك الضارية القائمة على خلافات عقائدية جذرية.
والثابت من ناحية أخرى، أن المسيحية لم تنبثق دفعة واحدة من ذهن يسوع كما يتخيل البعض، وإنما كانت ثمرة تاريخ ممتد من الصراعات والإضافات المتناقضة المتتالية وتم نسجها فعلاً عبر المجامع على مر التاريخ. لذلك يظل السؤال مطروحاً لليوم: من الذي أسس المسيحية حقاً: يسوع، بولس، أو مارسيون؟! فلقد كانت هناك فرقاً متنافرة ومتناحرة كالفريسيين، والصدوقيين، والأسينيين، والثوار، وأتباع يوحنا، والعديد غيرها لذلك لا بد من أخذ كل هذه التيارات في الاعتبار عند الحديث عن الإطار العام الديني والثقافي آنذاك.
كما أوجد فريدرخ أوفربيك (F. Overbeck) أستاذ التاريخ الكنسي في جامعة بال، منعطفاً أساسياً في تاريخ المسيحية حين أوضح أن الفراغ الأساسي للعقيدة المسيحية وغياب أي موضوع متجانس اضطرها، لكي تتمكن من الاستمرار، إلى الاستحواذ على العقائد والفلسفات السائدة آنذاك وتنصيرها وفقاً لكل عصر، من القرون الأولى حتى القرن التاسع عشر، حينما بدأ النقد العلمي والتاريخي... وما يؤكده أوفربيك عن وجه حق هو: " أن رسالة يسوع كانت التبشير بالملكوت فقط، وحينما لم يتحقق هذا الملكوت واختفت فكرة انتظاره بين المسيحيين، فقدت المسيحية كيانها ولم تعد ذات موضوع، وأن مصداقية الأناجيل لم تعد باقية إلا في الأوساط الكنسية الأصولية "..
كان لا بد من هذه المقدمة الشديدة الإيجاز ليفهم القارئ المناخ العام الذي أحاط بحياة القس السكندرى أريوس، الذي أوجد شرخا لا يمكن رأبه في المسيحية، فلا تزال أصداؤه نابضة لليوم..
وُلد أريوس (256-336 م) في ليبيا ودرس اللاهوت على يد العالم ليسينيوس الإنطاقي. وفي عام 314 م أُسندت إليه رئاسة كنيسة بقرب ميناء الإسكندرية. وهو من المشهود لهم بالصلابة أيام الاضطهاد الكبير الذي قاده ديوكلسيان ومن تبعوه، ذلك الاضطهاد الذي بدأ عام 303 م وإنتهى بانتخاب قسطنطين الأول إمبراطوراً للرومان، وتلاه صدور مرسوم التسامح عام 311 .. أي أنه سُمح للمسيحيين بكل فرقهم المتناحرة ممارسة عقائدهم، مثل باقي الفرق الوثنية السائدة آنذاك، والتي كانت تمثل الأغلبية الساحقة بين هذه الشعوب، أو بقول آخر ذلك يوضح أنه حتى القرن الرابع لم يكن تم الإعتراف بالمسيحية كديانة رسمية ولم تكن تمارس إلا سراً بين الأتباع هربا من الإضطهاد..
وكانت أهم المعارك المحتدمة في الإمبراطورية وخاصة في الإسكندرية، تلك المعركة الضارية بين أنصار التثليث وأنصار التوحيد، فلم تكن عقيدة التثليث قد إستتبت بعد. وأنصار التثليث أمرهم وشركهم بالله عز وجل معروف، إذ يساوون بين الآب والإبن والروح القدس قائلين أن ثلاثتهم واحد من نفس الكيان ونفس الجوهر!. أما أنصار التوحيد فهم الذين كانوا يرفضون تأليه يسوع ويرفضون مساواته بالآب أي بالله، على أن "الله" غير مادي ولا يمكن أن يكون جزءاً من العالم المادي. وأهم ما تمسك به أريوس الرافض لتأليه يسوع، هو أن الإبن أقل من الآب لأنه مخلوق ولا يمكن مساواته بالخالق، ولا يمكن للإبن أن يكون بنفس خلود الله وأزليته، وهو ما يهدم العقيدة المسيحية من أساسها.. وفي واقع الأمر، لم يكن ذلك فكر أريوس وحده وإنما كان بمثابة الإطار العام الذي ينتمي إليه منطقياً السواد الأعظم من الأتباع ومن رجال الدين لأنه الأقرب إلى العقل والمنطق..
وفى عام 314 كان أسقف الإسكندرية الجديد، إسكندر السكندري، وأطنازيوس، سكرتيره وابنه بالتبني، يؤمنان بالتثليث ويقودان المعارك الفكرية المتأججة، قائلين "أن الإبن هو تجسد لرب إسرائيل"، أو "الابن اكتسب صفات الأب وسار مساوياً تماماً له في الألوهية ".. وقام الأسقف إسكندر بعقد مجمع من الأباء المحليين عام 318 م، وتم طرد أريوس وحرمانه توطئة لإغتياله، وطرد معه أسقفان آخران وستة رهبان وعدد من القائمين بالخدمة وعدد من العذارى المكرثين للكنيسة والتابعات لفكر أريوس. فهرب أريوس إلى بيت عانيا وحظى بحماية أوسبيوس، خاصة وأنه حتى ذلك الوقت لم يكن تقنين العقائد المسيحية قد بدأ وإنما كانت كل كنيسة أو كل جماعة تتبع إنجيلها ومعتقداتها..
وتم إنعقاد مجمع لرفع الحرمان الذي فُرض على أريوس في الإسكندرية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها مجمع محلى بإلغاء قرار لكنيسة أخرى، لكنها لم تكن آخر مرة، فما أكثر الخلافات والإنقسامات التى كانت دائرة ولا تزال..
وفي خضم هذه المعارك أرسل الإمبراطور قسطنطين مستشاره للشؤون الدينية، أوسيوس القرطبي، إلى إنطاقيا لحسم الموقف، الأمر الذي يكشف عن مدى إتساع هذه المعركة المتعلقة أساساً بتحريف عقيدة التوحيد.. بينما قام أسقف الإسكندرية وسكرتيره بإعداد إقرار بأمر من أوسيوس، مستشار قسطنطين، ليوقع عليه أريوس وأتباعه من رجال اللاهوت، جاء به:
* الاعتراف بأن هناك إله واحد هو يسوع المسيح فقد إنتقلت إليه الألوهية عن طريق الآب؛
* وأن يسوع إبن وحيد مولود وليس مخلوق؛
* وأنه موجود من قديم الزمان؛
* وأنه لا يمكن تغييره أو تبديله ؛
* وأنه ليس مجرد إرادة الله وإنما هو الوجود الفعلي لله!!
وتلي هذه البنود سلسلة من اللعنات والحرمان على كل من لا يقرها.. وكانت هذه الوسيلة لفرض الخضوع وتغيير الرأي، على المخالفين لتيار المؤسسة الكنسية، هي المرة الأولى من نوعها في مسيرتها القمعية التي لا تزال تتبع نفس عمليات القمع والترويع حتى يومنا هذا..
ويقال أن ستون أسقفاً قاموا بالتوقيع على وثيقة أوسيوس، بينما رفض أريوس وثلاثة آخرين وتم حرمانهم وتوقيع اللعنة عليهم. وقرر أسقف الإسكندرية عقد مجمع في أنقرة، إلا أن الإمبراطور قسطنطين قد فاجأ الجميع بنقل مكان المجمع إلى مدينة نيقية على بُعد ثلاثمائة كيلومترا من أنقرة! وبذلك تحول المجمع المحلي الذي كان سيعقد للبت في شأن كنسي داخلي إلى مجمع عام، يضم كافة الكنائس، لذلك يسمى أول مجمع مسكوني أو مجمع نيقية الأول، وانعقد في منتصف عام 325 م..
ترأس الإمبراطور قسطنطين المجمع إذ كان يتابع أحداث فكر أريوس طوال سبع سنوات لأنها كانت تثير القلاقل على مدى إتساع الإمبراطورية وبين عواصمها الرئيسية الثلاث. وقد أدى الصراع بين أنصار التوحيد وأنصار التثليث إلى إستحداث ظاهرة جديدة استمرت بعد ذلك وتفاقمت، ألا وهي: استخدام السياسة في الصراع الديني! وانتهى المجمع بإدانة أريوس وحرمانه لرفضه تأليه يسوع ورفضه فكرة الخلاص التي اختلقتها المؤسسة الكنسية وأضفتها على يسوع. كما أدان أوريجين، رغم أنه يُعد من آباء الكنيسة وأحد آباء تفسير الأناجيل إلا أنه كان يؤمن بالتصعيد المطلق لله!
ولترسيخ وتثبيت فكرة تأليه يسوع وسد الباب على أريوس وأتباعه، اختلق مجمع نيقية عقيدة إيمان جديدة وقام بتعديل العقيدة السابقة والمعروفة باسم "عقيدة الحواريين" مؤكداً على أن يسوع من نفس طبيعة الله ومن نفس جوهره باستخدام عبارة "هوموأوسيوس" وترسيخها؛ وقام بتثبيت عيد الفصح بأول يوم أحد بعد إكتمال قمر الربيع لإبعاده عن عيد الفصح اليهودي؛ وأقر مبدأ اللعنة على كل من يخالف هذه التعليمات الكنسية!!
وعلى عكس ما تقدمه العديد من المراجع الانتقائية، من أن مجمع نيقية وضع حداً لمعركة أريوس، ففي واقع الأمر كان هذا المجمع بداية المعركة الحقيقية التي واجهت الكنيسة ولا تزال رغم الحكم بالإدانة والحرمان واللعنة.. فقد انتشرت الأريوسية لتسيطر على القرن الرابع باستقرارها في دار الإمبراطورية إذ تبناها قسطنطين وتنصر وفقا لعقيدة الأريوسية، ومن بعده الإمبراطور قنسطانس، حيث أصبحت الديانة الرسمية للدولة. ومن الواضح أنها استمرت سائدة حتى عهد هركليوس، في القرن السابع، بدليل أن سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، حين وجه خطابه للقيصر حمّله ذنب الأريسيين لو لم يسلم ويدخلهم معه في الإسلام..
وإن كانت الأريوسية بدأت كمذهب رافض لمساواة المسيح بالله وأدانتها عدة مجامع محلية قبل أن يدينها مجمع نيقية لأغراض سياسية، إلا أنها واصلت إنتشارها بين الأتباع وفي العديد من البلدان الأوروبية بعد ذلك، إذ انتشرت في كل أطراف الإمبراطورية والشعوب الجرمانية، وظلت فترة طويلة في بلاد القوط والفندال والبورجينيون واللومبار.. وكان لها مفكريها من أمثال أوسبيو ، وإينوميوس ، وفليكس الثاني، والأسقف فولفيلا، والباطريارك مقدونيوس، والبطريارك إكسودس، وديموفيلوس.
وذلك الإنتشار الواسع رغم محاولات الحصار والإبادة هو الذي جعل الشعوب التي امتد إليها الإسلام تتقبله ببساطة على أن الأساس في توحيد الله وعدم الشرك به واحد بينهم، فالأريوسية هي التي كانت سائدة في مصر أيام الفتح الإسلامي، والأريوسية هي التي كانت سائدة في الشام حينما امتد إليها الإسلام، وهي التي كانت سائدة في إسبانيا وتقبّل الإسبان المسلمين ليخلصوهم من إضطهاد المؤسسة الفاتيكانية.. إلا أن التعصب الكنسي تصدى لها بضراوة وإقتلع شعوباً بأسرها كالفودوَا والكاتار والبجوميل لمجرد أنهم رافضون لتأليه المسيح..
ولا نجد أفضل من رد هركليوس، إمبراطور الروم، على خطاب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، لننهي به هذا العرض المقتضب عن أريوس والأريوسية، وهو رد يكشف عن الكثير من المسكوت عنه أو المتعتم عليه:
" إلى أحمد رسول الله الذي بشر به عيسى، من قيصر الروم،
إنه جاءني كتابك مع رسولك، وأني أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل، بشرنا بك عيسى بن مريم. وأني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا، ولو أطاعوني لكان خيراً لهم، ولوددتُ أني عندك فأخدمك وأغسل قدميك "..
(أصل هذه الوثيقة الشريفة موجود ضمن المقتنيات الخاصة بالديوان الملكي الأردني الهاشمي).
( 25/6/2009 )
تستقبل الدكتورة زينب عبد العزيز رسائلكم وتعليقاتكم على المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]

القلب الحزين
01-01-2014, 09:28 PM
الطب الوقائي في الإسلام


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1186271941abb.jpgأ.د. مجاهد محمد أبو المجد
أستاذ الباطنية بكلية طب المنصورة
عضو الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية (لجنة الإعجاز)
محاضرة هامة عن الطب الوقائي في الإسلام تناول فيها الدكتور أهمية الوضوء والسواك والغسل وسنن الفطرة وبعض أوجه الإعجاز الطبي في القرآن والسنة المشرفة
حجم الملف 759 كيلوا بايت نوعه ملف بور بوينت شرائح
أضغط هنا للتحميل (http://quran-m.com/words/wekaaa.ppt)
للتواصل مع المؤلف
[email protected]
الفاكس: 0020502222770
رقم الهاتف:0020102334510

القلب الحزين
01-01-2014, 09:30 PM
يا بني: هذا نبيك يأمرك بإتقان لسانهم



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1243183658shutterstock_1329216.jpg
بقلم أ.د./ ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي من مصر
روى الترمذي في سننه، عن "زيد بن ثابت" قال: أمرني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود"، قال لي: "والله ما آمن يهود على كتابي"، فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له، قال: "فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا له قرأت له كتابهم"[1ٍ]. وفي رواية: لما قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة، قال لي: "تعلم كتاب اليهود؛ فإني والله ما آمن اليهود على كتابي"، فتعلمته في أقل من نصف شهر. قال الترمذي: وقد روي من غير هذا الوجه، عن زيد بن ثابت، قال: "أمرني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن أتعلم السريانية" [2]. وفي رواية عنه قال: قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: إنه يأتيني كتب من ناس لا أحب أن يقرأها أحد، فهل تستطيع أن تعلم كتاب العبرانية، أو قال: السريانية؟، فقلت: نعم، فتعلمتها في سبع عشرة ليلة.
وقال ابن الاثير:"كانت ترد على النبي صلى الله عليه وسلم كتب بالسريانية، فأمر زيداً، فتعلمها. وقال الذهبي:" قدم النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ و"زيد" صبي ذكي نجيب، عمره إحدى عشرة سنة، فأسلم، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم: "أن يتعلم خط اليهود، فجوّد الكتابة"، فكان "يكتب بالعربية والعبرانية والسريانية".
ولما استحرّ القتل في حفظة القرآن، إبان حروب الردة، ومعركة اليمامة، فزع الفاروق "عمر بن الخطاب" إلى الخليفة "أبي بكر الصديق" راغباً منه أن يُجمع القرآن قبل أن يدرك الموت أو الشهادة بقية القراء والحفاظ. وخشية أن يُقدم على عملٍ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، استخار الخليفة ربه، وشاور صحبه، ثم دعا "زيداً" وقال: "إنك شاب عاقل لا نتهمك"، وأمره أن يبدأ جمع القرآن. فنهض "زيد" في جمعه، وأبلى فيه بلاءً عظيماً.. فراح يقابل ويعارض ويتحرى حتى جمع القرآن مرتباً منسقاً، يقول: "فكنتُ أتبع القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال"[3].
وفي عظم تلك المسؤولية قال "زيد":"والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون عليَّ مما أمروني به من جمع القرآن". وفي خلافة "عثمان بن عفان" كان الإسلام يستقبل كل يوم أناس جدد، وبدأ يلوح خطر اختلاف الألسنة على القرآن، فقرر "عثمان" والصحابة الكرام وعلى رأسهم "حذيفة بن اليمان" ضرورة توحيد المصحف، فقال عثمان: "مَنْ أكتب الناس؟"، قالوا: كاتب رسول الله:"زيد بن ثابت"، قال: "فأي الناس أعربُ؟"، قالوا:"سعيد بن العاص"، وكان "سعيد" أشبه لهجة برسول الإسلام، فقال عثمان: "فليُملِ سعيد، وليكتب زيدٌ". واستنجدوا بـ"زيـد"، فجمع "زيد" أصحابه وأعوانه وجاءوا بالمصاحف من بيت أم المؤمنين "حفصة بنت عمر" رضي الله عنها، وباشروا مهمتهم الجليلة، وكانوا يجعلون كلمة "زيد" هي الحجة والفيصل. هذا ومن مناقبه ـ رضي الله عنه ـ أنه غلب الناس بخصلتين:"القرآن والفرائض"، كما ذكر "ابن سيرين".
يا بني: لقد أدرك رسولك الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ "شأن اللغات"، وأهميتها في إبلاغ دعوته للعالم، وإرسال كتبه لملوك الأرض وقياصرتها، و"الأمن" من شر الناطقين، بها فأمر "زيداً" بالإضطلاع بتعلمها، فنهض "زيد" بما كُـلـّف به، في إخلاص لله، وحُسن نية، وطاعة لرسوله، وخدمة لدينه، وعلو همة، وعن ذكاء ونجابة، فتعلم بعض اللغات في وقت وجيز. ولقد كان "زيد" يتابع القرآن حفظاً ودراية، ويكتب الوحي لرسوله كتابة، ويتفوق في العلم والحكمة نجابة. وهاهو ـ رسولك يأمرك بإتقان لسانهم.
يا بني: اقتداءً برسولك: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"(الأحزاب:21) سار على هذا الدرب أسلافك، فقام "حكيم آل مروان" الأمير"خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان" بجهود مقدرة، وأنشأ لجنة لترجمة الكتب الكيميائية والطبية والفلكية من اليونانية، والقبطية إلى اللغة العربية. كما عني بهذا الشأن الخليفة العباسي "أبا جعفر المنصور"، وعندما كثرت أعداد العلماء والمترجمين ببغداد أنشأ لهم الخليفة "هارون الرشيد" "بيت الحكمة"، ليمثل أول "مجمع للغة العربية"، وأول "أكاديمية علمية" وفق ـ ما تعرف ـ من مصطلحات معاصرة.
يابني: أذكرك بالعناية الفائقة للخليفة "المأمون" بـ"بيت الحكمة"، وتوسعته لنشاطه، وإرسالة البعوث للروم وفارس والهند لاستحضار شتى المؤلفات والآثار اليونانية والسريانية والفهلوية (لغة فارس) والهندية، ومن ثم نقلها إلى العربية. كما زاد من أعداد مترجميها وعلمائها، وضاعف العطاء لهم.. ذهباً (ولعل ذلك العطاء ما قد يشغل بالك، وبال أقرانك كثيراً؟!). ولقد سعى سعيا حثيثاً لننهل ممن سبق ـ فما من ثقافة تقوم بمعزل عن غيرها من الثقافات ـ هضماً وتطويعاً ونقداً، ومن ثم ملاحقة وإضافة ومشاركة، بل وريادة في مسيرة العلم والحضارة. فقام ـ أمثالك ـ بجهود كبيرة ترجمت وعربت كتب "أبقراط وجالينوس" في الطب اليوناني، إلى كتاب "كليلة ودمنة"، مروراً بعلوم الحساب والفلك والأدب.
يا بني: رسالة دينك الخاتم ـ الإسلام ـ كانت بدايتها ومدارها وديمومتها حول:"إقرأ". كما إن شهودنا الحضاري يتجلي في بسط المعرفة الحقة بشرائع وشعائر الإسلام السمحة والوسطية والواقعية، تزامنا مع بسط الجناح الآخر للشهود الحضاري: العلوم والتقنية. ومساهمتنا في "صناعة المعرفة" ـ التي من فقدها فقد أسباب الحياة فضلاً عن تجديدها ـ يتأتى بالعمل المؤسسي الجاد، وتنمية القدرات وتعلم الحرف والخبرات، وإعادة الاعتبار " لفروض الكفاية".. خدمة لأوطاننا، وزيادة لأعمالنا بعد مماتنا، فبالموت تموت كل الفروق بين الناس في المال والجاه والقوة، وتبقى فروق الأعمال التي يستمر عطاؤها لتضيف حياة جديدة لأصحابها: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو لد صالح يدعو له"[4].
يا بني: ثمة دورات حضارية بين الأمم، فعندما تنازلت أمتنا عن دورها الرسالي الريادي الحضاري اضطلع به آخرون، فخسرنا وخسر العالم. لكن في تسنمهم لتبؤ دورتهم الحضارية، وتحقيق نهضتهم الثقافية والعلمية، سعوا جاهدين لنقل العلوم والمعارف إلى لغاتهم، وتنوعت ـ مظاهر عنايتهم بأمر الترجمة. فنقلوا عنا، وترجموا الكثير عبر مناطق ونقاط "الإحتكاك الحضاري" في الأندلس (حيث دانت ثمانية قرون لحضارة الإسلام)، وصقلية (مكثت تحت الملسمين من 902-1091م)، وخلال نحو قرنين علي مدار الحروب الصليبية الخ.
يا بني: كل من أراد الأرتواء من فيض علوم حضارتنا وثقافتنا قصد مراكز إشعاعها وإشراقها، فـ "سطعت شمس الإسلام على الغرب" واستبان نورها..هداية وهدى. فهاهو ـ في النصف الأول من القرن الثاني عشر الميلادي ـ "روبرت الشستري" (ت1144) يترجم معاني القرآن الكريم لأول مرة إلى اللاتينية، كما قام بترجمة الخوارزمي في الرياضيات، وكتب أخرى في الكيمياء والفلك. كما إن من هؤلاء الذين قصدوا الأندلس في القرن الثاني عشر الميلادي: "أديلارد" الإنجليزي، و"هرمان" من كارنيثيا (شمال البندقية)، وزعيم حركة الترجمة عن العربية "جيرارد الكريموني" (1114- 1187م)، عدا أهل الأندلس من مستعربين ويهود اختصوا بالترجمة عن العربية ونقل علومها ومعارفها. ولعلك تعلم ـ بُني ـ أن نحو 17% من مفردات اللغة الإسبانية والبرتغالية من أصل عربي، فضلاً عن عشرات الآلف من المفردات الإنجليزية.
يا بني: بعد طول سبات.. بدأت تعود إلينا يقظتنا وصحوتنا لنعاود النهوض من جديد. وبدأ احتكاكنا الجديد بمن تولى دفة الحضارة، وبعلومهم ولغاتهم، خاصة الفرنسية والإنجليزية والألمانية. وأضحت هناك رغبة جامحة في نقل علومهم إلينا، ولعلك تعلم أن "كلية الألسن" ـ التي تدرس وأترابك فيهاـ كانت بسبب بعثة الشيخ "رفاعة الطهطاوي"(1801- 1873م) إلى باريس، وريادته ـ وأقرانه ـ لحركة الترجمة والتحديث، في القرن التاسع عشر فكان كتابة الشهير: "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".
يا بني: أُمتك المسلمة بحاجة إلى كفاءات، وقدرات مخلصة، وجهود متجردة لله تعالى، تساهم بجدٍ وإجتهاد في رفعة وإزدهار تلك المهنة الغالية العسيرة، مهنة "من، وإلى"، أو ـ كما يقول عنها الإنجليزـ "المهنة غير المشكورة"، لكن إبغِ المثوبة أولاً وأخيراً من الله تعالى، كما فعل جدك "زيد" رضي الله عنه أول مرة. وعليك بتجديد أهدافك، وترتيب أولوياتك في الحياة، ضمن رسالتنا العامة.. تحقيقاً لكينونة ورسالة أمتنا المسلمة، وتوحدها ووحدتها لتحقيق خلافة الله تعالى في أرضه:" إني جاعل في الأرض خليفة"(البقرة:30). فبذلك نحقق سعادتنا.. بحسن أعمالنا وتجارتنا، فمن أقوال الإمام علي رضي الله عنه:"ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها". نحن بحاجة لجهود تساهم في تقريب معاني كتاب الله تعالى، وتقديم سيرة رسوله العطرة، وشمائله المثلى بلغات متعددة ـ ومنها ما تدرس من لغة ألمانية يتحدث بها ملايين البشر.
يا بني: إن تملّكك من لغتك العربية فضلاً عن لسانك الأجنبي بهما تستطيع به أن تُعبر عن معتقداتك الإسلامية، وأفكارك، ومشاعرك إزاء ما يحدث وما يستجد من أمور عالمية تمس أمتك المسلمة. أراك به تذود عن حياض دينك وشريعتك، وتنافح عنهما، وعن رسولك محمد ـ صى الله عليه وسلم ـ مُعلم الناس الخير وهاديهم إلى سواء السبيل، ضد من يُعاديهم ويسخر منهم، أو من يقلل من شأنهم، ويدعو للعيش بمعزل عن هديهم وصراطهم القويم، وهذا جدك الخليفة الراشد "أبو بكر الصديق" رضي الله عنه يقول:" إذا فاتك خير فأدركه، وإذا أدركك شر فأسبقه".
يا بني: أرجو وأدعو الله تعالي أن أراك بارعاً مجيداً متقناً في ترجمة معاني القرآن الكريم للألمانية (فالألمان كانوا من أوائل الغربيين إقبالاً على ترجمة معاني القرآن الكريم.. دراسة واستشراقاً، بيد أن كثيراً من أعمالهم بحاجة للتنقيح والرد، وإعادة النظر، وتصحيح الصياغة... إلخ)، وتنقل إليهم وإلى لغتهم هدي الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم، وترد الشبهات، وتدحض المزاعم، وتفند الأضاليل، وتصول وتجول كي يستبين الحق، وتصل دعوة الله تعالى للناس كافة بالحكمة والموعظة الحسنة :"قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ"(يوسف: 108). ويصف تعالى شأنه خيرية هذه الأمة:" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"(آل عمران:110).
يا بني: كما ذكرت لك آنفاً، يقول علماؤنا ثمة "فروض عين" لا تسقط عن المكلف بها، وأخرى تجري مجرى "الكفاية" إذا قام بها فرد سقطت عن الآخرين. لكن فروض الكفاية تلك تصبح شأنها شأن فروض العين فيمن اضطلع بها. لذا باتت براعة تعلم لسان قوم آخرين عندك "كفرض عين". فأريدك ـ ياولدي ـ خبيراً في التعامل مع الآخرين الذين لا يتكلمون العربية ـ مسلمين وغير مسلمين ـ فتوضح لهم أمور الدين الصحيحة، وفق مصدريه الخالدين..القرآن والسنة المطهرة، وتبين لهم شريعة الإسلام الحقة، وتعاليمه المثلى، وأخلاقه السمحة، يقول تعالى شانه: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ، فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (إبراهيم:4). كما إن أفاق الترجمة مجالاتها متعددة، فإحياء تراثنا، ونشر روائع آدابنا وفنوننا وعلومنا وصناعاتنا، لن يتم إلا من خلال مترجمين محترفين، ومن يسلك دربهم ـ مثلك ـ من المترجمين الواعدين.
يابني: إحرص على أداء الحقوق لأصحابها، ومنها حقوق عامة للناس كافة، يقول تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم"(الحجرات:13). فالمتحدون في أصل بشري واحد ..المختلفون أجناساً وألواناً ولغاتاً، المتفرقون شعوباً وقبائل.. عليهم ألا يتفرقوا ولا يتخاصموا ولا يذهبوا بدداً، فالغاية من جعلهم هكذا ليست التنازع والتناحر، بل التعارف والتآلف، والتعاون والتكامل وفق معيار: التقوى والعمل الصالح، وتصالح على عرف حسن، ومعرفة رشيدة..أعمال كسبية (ليست وراثية /عنصرية) يتسابق فيها الناس جميعاً مرضاة لربهم، خدمة لمجتمعاتهم وإنسانيتهم[5].
يابني: الأمر يتوقف على قدراتك، واستعدادك، فلو توافرت لديك العزيمة الأكيدة لتعلم لغة ثانية وثالثة ـ كما توافرت لجدك "زيد بن ثابت"، فتستطيع إنجاز ذلك، وبسرعة كبيرة. فعلم الألسنيات Linguistics، وفن الترجمة Translationيتم إتقانهما وحذقهما بالممارسة. فكلما مارستها، ودراست قواعدها وأصولها، ثم طبقت ذلك على النصوص المراد ترجمتها، إزدادت درايتك وخبرتك بهذا الفن والذي خطا الآن خطوات واسعة نحو حوسبته Computational linguistics .
كذلك كلما درست نصوصاً مترجمة فقارنت فيما بينها ولتعرف كيف تمت ترجمتها بين اللغتين، كلما زادت خبراتك فيها، وزاد احترافك لهذا الفن، يقول لك الجاحظ: "ولا بد للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة، في وزن علمه في نفس المعرفة. وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقول منها والمنقولة إليها، حتى يكون منهما على سواء وغاية، ومتى وجدناه أيضاً قد تكلم بلسانين علمنا أنه قد أدخل الضيم عليهما لأن كل واحدة منهما تجذب الأخرى، وتأخذ منها، وتعترض عليها. وكيف يكون تمكن اللسان منهما مجتمعين فيه، كتمكنه إذا انفرد بالواحدة؟. وكلما كان الباب من العلم أعسر وأضيق والعلماء به أقل كان أشد على المترجم, أجدر أن يخطئ فيه، ولن تجد البتة مترجماً يفي بواحد من هؤلاء العلماء؟.
يا بني: الترجمة الجيدة ـ ذلك الفن العسيرـ ولا يمكن أن يكون إلا بصعوبة كي"تفي بنفس الغرض في اللغة الجديدة مثلما فعل النص الأصلي الفريد في لغته التي كُتب بها". ولعلها بذلك تتطلب جهداً أشق من الجهد المبذول ابتداءً في التأليف. فهي تصاغ بتعبير طبيعي وسلس، كما إنها "الروح والجوهر الصادق ـ وليس المعنى الحرفي ـ التي يسعى المترجم لتجسيدها في ترجمته الخاصة". فيجب أن تخرج ترجماتك لترسل في قارئها ذات السمات والمواقف والانعكاسات الذي كانت عليه في ذهن مؤلفها ووجدانه. لذا يطالبك المختصون بالاهتمام بالمعنى، وليس بمفردات لغوية، فبرأيهم لا تبرر الترجمة وجودها إذا لم تقم بوظيفتها الإيصالية/ التواصلية. ذلك أن المعنى الحرفي، والبحث عن عبارات جامدة مرادفة، يقتل الترجمة، ولكن روح المعنى يُحيها. وعليك أن تتذكر: أن "أفضل التراجم ليست تلك التي تسعى دوماً لتأكيد أن هذا العمل ما هو إلا ترجمة، وإنما تلك التي تُنسي القارئ أنها ترجمة، فتجعله يشعر/ يستمتع أنه ينعم النظر في ذهن مؤلفها (شأن استجابة المتلقين الأصليين) مثلما يمعن النظر في ذهن مترجمها.
يا بني: ثمة معضلات في مجال الترجمة مثل: طبيعة كل لغة وخصائصها وقواعدها وجمالياتها، التضارب بين المحتوى والشكل (المعنى والأسلوب)، الإغراب والوضوح، التعريب والترجمة، النقص/ التلخيص، والزيادة/ الإسهاب الخ. فلا تنس أن رواداً سبقوك ـ كمصطفى لطفي المنفلوطي وغيره ـ قد حل هذه المعضلات فيما قدم للعربية من تراجم أدبية رائعة، بل ازداد بعضها حسناً بالترجمة، فتحسبها نتاجاً عربياً قحاً. بيد أنك تستشعر في جنباتها روحها غير العربية. إنهم أوجدوا "خليطاً فعالاً ومتماسكاً ومتكاملاً" من "المعنى والأسلوب". إن تمسكك بمحتوى ما تنقل إلى العربية، دون اعتبار للشكل، عمل مميز وجيد ولكنه يفتقد تألق وسحر النص الأصلي. ومن ناحية أخرى إنك إن قمت بالتضحية بالمعنى بغية الحصول على أسلوب جيد فستعيد إنتاج النص الأصلي بصورة مطبوعة/جامدة تخلو من إيصال ما به من رسائل.
يا بني: لا يخفي عليك أن الترجمة تساهم في إثراء لغتنا العربية، كما تغني علومنا وصناعاتنا، وتنمي فيها جميعاً طاقاتها، وتمدها بمفردات مستجدة، وترفدها بتراكيب جديدة، وبمصطلحات علمية وحضارية حديثة.. نحتاً، وتوليداً، وتعريباً، وترجمةً الخ، فتكثر معاجمنا، وتنمو ثروتنا اللغوية لنواجه حاجات العصر ومتطلباته. كما ستدرك أنها تفيدك وتغني أمتك ووطنك بنتائج علمية وتطبيقية مستحدثة، وأسس وأساليب منهجية تجريبية. فكن عوناً في ذلك، وسر على الدرب، واستعن بالله تعالى، وسد ثغرة في هذا المجال أو ذاك.
يا بني: ثمة جدل كبير يدور بين معسكرين، فانظر أين تضع قدميك؟. فريق اتخذ مما يُلصق بالفصحى من دعاوي "جمود وقعود عن مواكبة التطور وصعوبة فهم قواعدها، وسبل تعلمها من الأجيال الجديدة" وسيلة لتبرير الاقتباس بداعٍ وبدون من اللغات الأجنبية وإدخال الألفاظ الجديدة حسب نطقها بلغتها الأصلية. فاللغة ـ برأيهم ليست "مقدسة"، وأنها ملك للناس يتصرفون بها كيفما يشاءون ويضعون لها قواعدها التي تعتبر غير ثابتة بل تخضع للتطور باستمرار. وعاب هذا الفريق (فريق المحدثين The Moderns) على "الكلاسيكيين" مزجهم اللغة بالدين والقومية وربطها باعتبارات فلسفية، فأوصدوا ـ برأيهم ـ الأبواب أمام تطورها، حيث نادوا "بقدسيتها وثباتها"، لأنها وُجدت هكذا "مثالية" مبرأة من اللحن والشذوذ، فلا يجوز المساس بها باعتبارها "وقفاً كالوحي" وليس إبداعاً بشرياً اجتماعياً.
يا بني: أراك تتسائل بماذا يدافع الفريق الآخر عن نفسه؟. يدافع الفريق الآخر عن نفسه بقوله: ليس ثمة غضاضة من "تطوير اللغة" شريطة الاحتفاظ بسلامتها، ووفق ضوابط قواعدها، وأسس مجامعها اللغوية، كي لا تصبح كلأً مباحاً. فيمكن أن تتوالد فيها ألفاظ وتعبيرات جديدة، تؤدي لإنماء ثروتنا اللفظية، وتمكين لغتنا من القيام بوظيفتها على أكمل وجه، كدخول كلمات مثل "تلفنة "، و"تلفزة " وغيرها من كلمات لم يسبق للعرب أن عرفوها ليضعوا لها الأسماء الخاصة بها. فـهم يرون أن: "توليد الألفاظ سواء أحصل بطريق الوضع أم الاشتقاق أم نقل الدلالة أم الاقتراض من اللغات الأخرى، فهو مما لا تأباه طبيعة اللغة"، بل يلبي حاجات الإنسان المتجددة في حياتهم الفكرية والمادية، وكي لا تقف اللغة ـ كما يدعي البعض ـ عاجزة أو جامدة عن مواكبة الحركة الدائبة في المجتمع الذي يحتضنها. ويزيدون أن العرب قديماً ولدّوا بالاشتقاق كلمة "دوّن " من الديوان، وهو فارسي الأصل، واشتقوا "شباك " من شبّك، ودلوا بها على النافذة تشبك بالحديد أو الخشب. ووضعوا بالنحت والتركيب لفظتي "بسمل " من قولهم "بسم الله الرحمن الرحيم"، و" تلاشى" من لا شيء. وأخذوا بالاقتراض من اللغات الأخرى ألفاظاً كثيرة وعرّبوها بألسنتهم، وحوّلوها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظهم فصارت عربية مثل:"الإبريق" وهي فارسية، و"القنطار" وهي كلمة لاتينية، وغيرهما.
يا بني: الترجمة إثراء لغوي، وتواصل معرفي. واللغة ناموس حي يتحرك، وإذا لم ترفدها بأسباب الحياة فإن عوامل الفناء قد تتغلب عليها. ولتبقي للفصحى لغة حية مستجيبة لحاجات المتكلمين بها، فمرحباً بالتوليد والتجديد وبسط قواعدها، ولا بأس في الاقتراض من اللغات الأخرى كلما دعت ضرورة لذلك. فالاقتراض من اللغات الأجنبية لألفاظ لا وجود لها بمعناها القائم في اللغة العربية إنما يزيد من حيويتها. وهذا ما جعل اللغة الإنجليزية تتبوأ ـ حالياً ـ الصدارة بين لغات العالم، وتكاد تصبح لغة التفاهم المشتركة بين شعوب العالم. وهي إنما وصلت لهذه المكانة جراء قبولها لما هو جديد واقتباسها من لغات العالم ومواكبتها للتطورات التي تحدث في مختلف الميادين. مكانة وصدارة ينبغي أيضاً للعربية ـ بروعتها وجمالها، وعبر جهود أبنائها ومحبيها والمنافحين عنهاـ الوصول إليها.
يا بني: كما جمع "زيد" القرآن، وأعظم بها من مهمة جليلة، لتجده الآن ـ أنت وأقرانك ـ بين دفتي المصحف، إجمعوه ـ في قلوبكم وعقولكم ليكون لكم هادياً ومرشداً ومعيناً لكم طوال حياتكم، وفي مهنتكم تلك. وأخيراً وليس آخراً لا أجد ـ يابني ـ ما أوصيك به، لتضعه نصب عينيك، خيراً من وصية لقمان لابنه: "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُنْ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ، يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ" (لقمان:13- 19).
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]
بقلم الكاتب: أ.د./ ناصر أحمد سنه .. كاتب وأستاذ في جامعة القاهرة.
المنزل: مصر، القليوبية، شبرا الخيمة، 20 ش شرف الدين. ت: 4605542202،
الرقم البريدي: 13411 شبرا الخيمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
[1]- قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
[2]- سنن الترمذي، كتاب الإستئذان والآداب، برقم2639.
[3]- البخاري، كتاب تفسير القرآن، برقم 4311.
[4]- مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
[5]- راجع تفسير الآية ابن كثير، دار إحياء الكتب العربية، د.ت.، ج/4، ص 217- 218،"في ظلال القرآن" الجزء السادس، ط 16 ، دار الشروق 1410هـ ـ 1990م، ص: 3348.

القلب الحزين
01-01-2014, 09:31 PM
محمد (عليه السلام) رائد الحفاظ على البيئة



بقلم: فرانسيسكا دو شاتِلْ
(صحفية هولندية وكاتبة طليعية ومتخصصة في أنثروبولوجيا الثقافة الإسلامية)
ترجمها عن الإنجليزية د. إبراهيم عوض
جاء في الحديث النبوى: "ما من مسلم يغرس غرسا‏ ‏أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهمة إلا كان له به ‏‏صدقة".
الواقع أن القول بأن محمدا رائد من رواد الحفاظ على البيئة سوف يقع في آذان الكثيرين في البداية موقعا غريبا، إذ لا شك أن مصطلح "الحفاظ على البيئة" وما يرتبط به من مفاهيم مثل "البيئة" و"الوعي البيئي" و"ترشيد الاستهلاك" هي ألفاظ من اختراع العصر الحديث، أي مصطلحات صيغت لتواجه الاهتمامات المتزايدة بالوضع الراهن لعالم الطبيعة من حولنا.
ومع ذلك فإن قراءة الأحاديث النبوية عن قرب، أي تلك الروايات المتعلقة بالأحداث الهامة في حياة محمد، لَتُرِينا أنه كان واحدا من أشد المنادين بحماية البيئة. بل إن بمستطاعنا القول إنه كان في نصرته للبيئة سابقا لعصره، أي رائدا في مجال المحافظة على البيئة والتطور الرشيد والإدارة الحكيمة للموارد الطبيعية، وواحدا من الذين يَسْعَوْن لإقامة توازن متناسق بين الإنسان والطبيعة. وبالاستناد إلى ما أوردته لنا الأحاديث من أعماله وأقواله يمكننا القول بأن محمدا كان يتمتع باحترام عميق لعالم النباتات والأزهار وأنه كان على صلة حميمة بعناصر الطبيعة الأربعة: التراب والماء والنار والهواء.
لقد كان محمد من الدعاة الأقوياء للاستخدام الرشيد للأرض والماء واستثمارهما، وكذلك المعاملة الكريمة للحيوانات والنباتات والطيور، والحقوق المتساوية لمن يتعاملون معها من البشر. وفى هذا السياق فإن حداثة رؤيته للبيئة وحداثة المفاهيم التي جاء بها في هذا المجال لمما يَشْدَه العقل شَدْهًا، حتى لتبدو بعض أحاديثه وكأنها مناقشات عصرية حول قضايا البيئة.
المبادئ الثلاثة:
إن فلسفة محمد البيئية هي أولا وقبل كل شيء فلسفة شاملة مترابطة، إذ تقوم على أن هناك صلة أساسية وارتباطا متبادلا بين عناصر الطبيعة، كما أن نقطة انطلاقها هي الإيمان بأنه إذا أساء الإنسان استخدام عنصر من عناصر الطبيعة أو استنزفه استنزافا فإن العالم الطبيعي برُمّته سوف يضارّ أضرارا مباشرة. على أن هذا الاعتقاد لا يُنَصّ عليه في حديث واحد نصا مباشرا، بل يمثل بالأحرى المبدأ الذي تنهض عليه جميع أقوال محمد وأفعاله. إنه فلسفة حياته التي على ضوئها نستطيع أن نبصر ملامح شخصيته.
إن أهم ثلاثة مبادئ في الفلسفة المحمدية المتعلقة بالطبيعة تقوم على تعاليم القرآن ومفاهيم الوحدانية وخلافة البشر والثقة في الإنسان. ويمثل التوحيد حجر الزاوية في دعوة الإسلام، وهذا التوحيد يراعى الحقيقة التي تقول بوجود خالق واحد للكون وأن الإنسان مسئول أمامه عن أعماله: "لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (المائدة/ 120).
ويقر محمد بأن علم الله وقدرته يشملان كل شيء، ومن ثم كانت الإساءة إلى أي مخلوق من مخلوقاته، سواء كان كائنا حيا أو مصدرا من مصادر الطبيعة، ذَنْبًا من الذنوب يجازَى الإنسان عليه. وفى اعتقاده أن جميع مخلوقات الله متساوية أمامه سبحانه، وأن الحيوانات، وكذلك الأرض والغابات وينابيع المياه، ينبغي أن يكون لها حقوق تُحْتَرَم.
أما مفهوما الخلافة البشرية في الأرض والثقة في الإنسان فينبعان من مبدأ الوحدانية. ويوضح القرآن أن الإنسان يتمتع بوضع متميز بين مخلوقات الله على الأرض، إذ اصطفاه ليكون خليفة فيها وينهض بمسؤولية العناية بغيره من مخلوقات هذا الكوكب. وهذا واجب كل فرد فينا ووجه تميُّزه، ومجلى الثقة به. ورغم هذا نرى القرآن مرارا وتكرارا ينهى الإنسان عن الكِبْر منبها إياه إلى أنه ليس أفضل من سائر المخلوقات: "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ" (الأنعام/ 38).
وكان محمد يؤمن بأن الكون بما فيه من مخلوقات: حيواناتٍ كانت هذه المخلوقات أو نباتاتٍ أو مياهًا أو أرضين، لم تُخْلَق لتكون للبشر. صحيح أن لهم الحق في استخدام موارد الطبيعة، إلا أنهم لا يمكنهم أن يتملكوها تملُّكًا. ومن هنا ففي الوقت الذي يسمح الإسلام للإنسان بحيازة الأرض نراه يضع حدودا لذلك: فعلى سبيل المثال يمكنه أن يحوز الأرض فقط طالما كان يستعملها، لكنه ما إن يكفّ عن هذا الاستعمال حتى يصبح واجبا عليه التخلي عن هذه الحيازة.
ويعترف محمد بمسؤولية الإنسان أمام ربه، بيد أنه كان دائما وأبدا يدعو إلى التواضع، ومن ثَمّ نراه يقول: "إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسلة فليغرسها"، فهو هنا يبين أنه، حتى عند انتفاء كل أمل لدى للبشر، على الفرد أن يحافظ على نمو الطبيعة. لقد كان مؤمنا بأن الطبيعة حسنة في ذاتها حتى لو لم يستفد البشر منها.
وبالمثل نراه يحض أتباعه على التشارك في موارد الطبيعة، إذ يخاطبهم قائلا: "المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلإ والنار". كما يعد حرمان العطشان من الماء إثما يعاقَب عليه: "من منع فضل مائه أو فضل ‏ ‏كلئه ‏ ‏منعه الله فضله يوم القيامة".
والواقع أن موقف محمد تجاه الاستعمال الرشيد للأرض والمحافظة على الماء والطريقة التي كان يعامل بها الحيوانات هو دليل آخر على التواضع الذي يصبغ فلسفته حول البيئة.
الاستخدام الرشيد للأرض:
"جُعِلت لي الأرض مسجدا وطهورا". في هذا الحديث يؤكد محمد الطبيعة المقدسة للأرض أو التربة، لا بوصفها ذاتا طاهرة فحسب، بل بوصفها مادة مُطَهِّرة كذلك. ويَظْهَر أيضا هذا الاحترامُ للأرض في شعيرة التيمم التي تجيز للمسلم استعمال التراب في الطهارة الواجبة عند الصلاة في حالة فقدان الماء.
وينظر محمد إلى الأرض على أنها مسخَّرة للإنسان، لكن لا ينبغى له مع ذلك أن يفرط في استخدامها أو يسىء استعمالها، كما أن لها ذات الحقوق التي للأشجار والحيوانات البرية التي تعيش فوقها. ومن أجل المحافظة على الأرض والغابات والحيوانات البرية جعل محمد عددا من المحميات، أي الأماكن التي يحرم فيها استعمال الموارد الطبيعية، وهو ما لا يزال معروفا إلى اليوم، إذ هناك مناطق ممنوعة حول بعض الآبار وعيون الماء غايتها حماية المياه الجوفية من الاستهلاك المفرط والنفاد. ومنها المناطق الخاصة بالحيوانات البرية والغابات حيث يُمْنَع الرعي وقطع الأشجار أو يحرم التعرض لأنواع معينة من الحيوانات.
ولم يشجع محمد فقط الاستعمال الرشيد للأرض، بل لفت أنظار أتباعه أيضا إلى المكاسب التي يجنيها الإنسان من إحياء الأرض البور، إذ جعل زرع شجرة أو غرس بذرة أو سَقْى أرض عطشى من أعمال البر والإحسان: "من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر". وعلى هذا فأيما شخص ساق الماء إلى قطعة أرض قاحلة فهي له.
المحافظة على الماء:
في البيئة الصحراوية الخشنة التي كان يعيش فيها محمد يُعَدّ الماء مرادفا للحياة، فهو نعمة من الله، بل هو أصل الحياة كما يشهد بذلك القرآن: "وجعلنا من الماء كل شيء حي" (الأنبياء/ 30). ويذكِّر القرآن المسلم على الدوام بأنه خليفة الله في الأرض، لكن لا ينبغى له مع ذلك أن يأخذ الأشياء المخلوقة على أنها أمرٌ مسلَّمٌ به: "أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ* لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ" (الواقعة/ 68- 70).
كذلك كان الاقتصاد في الماء والمحافظة على طهارته قضيتين مهمتين عند محمد. ولقد رأينا كيف أدى اهتمامه بالاستخدام الرشيد للماء إلى إقامة المحميات بالقرب من ينابيعه. وحتى عندما يكون الماء متوفرا نراه ينصح بالاقتصاد في استعماله. ومن ذلك نهيه عن غسل أعضاء الوضوء أكثر من ثلاث مرات حتى لو كان المتوضئ على نهرٍ جارٍ. ويضيف البخاري قائلا: "‏وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم". وبالمثل نهى محمد عن تلويث المياه، وذلك بمنع التبول في الماء الراكد.
معاملة الحيوانات:
يقول محمد: "من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأل الله عز وجل عنها يوم القيامة".
وهو حديث يعكس إجلال محمد واحترامه وحبه للحيوانات. ذلك أنه كان يعتقد أنها، بوصفها خلقا من خلق الله، ينبغي أن تحظى بمعاملة كريمة، ففي الأحاديث النبوية عدد ضخم من الروايات والتوجيهات الخلقية والقصص التي ترسم لنا صورة عن علاقته بالحيوانات. وبعض هذه القصص ترينا أنه كان يهتم اهتماما خاصا بالإبل والخيول: فهما في رأيه نعم الرفيق في الأسفار والحروب، كما كان يجد كثيرا من الراحة والحكمة في صحبتهما حسبما يقول لنا الحديث التالي: "الخيل معقودٌ بنواصيها الخير إلى يوم القيامة".
وحتى في ذبح الحيوان نجده يبدى قدرا عظيما من الرقة والمرحمة. وعلى الرغم من أنه لم يكن نباتيا فإن الأحاديث تبين لنا بوضوح أنه كان حساسا للغاية تجاه معاناة الحيوانات حتى لكأنه كان يشاركها ألمها مشاركة وجدانية. ومن هنا نجده يأمر باستعمال سكين حاد في الذبح وأتباع طريقة مسؤولة من شأنها أن تزهق روح الحيوان سريعا بحيث يخف ألم الذبيحة إلى أقصى درجة ممكنة. كما نهى عن ذبح أى حيوان أمام غيره من الحيوانات أو إحداد الشفرة بحضرته، وإلا فكأنه قد ذبحه مرتين حسبما جاء فى حديثه لمن كان يُحِدّ شفرته فى حضور ذبيحته، إذ قال له مستنكرا: "أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها؟". لقد كان يكره ذلك كراهية شديدة.
وختاما:
نقول إنه من المستحيل إيفاء المدى الذي بلغته فلسفة محمد البيئية، وكذلك الأهمية التي تستأهلها، حقهما فى هذه المقالة القصيرة، فرؤيته الشاملة للطبيعة وفهمه لمكان الإنسان داخل العالم الطبيعى هما رؤية وفهم رائدان في مجال الوعي البيئي لدى المسلمين.
وللأسف فإن الانسجام الذي دعا إليه محمد بين الإنسان وبيئته قد تم تجاهله في أيامنا هذه إلى حد بعيد. وفى الوقت الذي نواجه فيه آثار التلوث والإسراف في استخدام موارد الطبيعة والتصحير وشح الماء في بعض الأماكن في العالم مع المعاناة من الفيضانات والعواصف في غيرها من الأماكن ربما يكون من الملائم بالنسبة لنا جميعا: مسلمين ونصارى ويهودًا وهندوسًا وبوذيين وملاحدةً أن نأخذ ورقة من كتاب محمد ونواجه الأزمة البيئية الحاليّة بجِدٍّ وحكمة.
عنوان الموقع الشخصى: http://ibrawa.coconia.net

القلب الحزين
02-01-2014, 06:45 PM
بالصور الواضحة والشهود الثقات كرامة لمجاهد من غزة



إعداد معتز الجعبري
كاتب إسلامي وصحفي
قال الله تعالى في كتابه العزيز(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[سورة يونس:62].
عرض الطبيب الأردني حسام الزاغة خلال مهرجان أقامته نقابة الأطباء الأردنيين لنصرة غزة بعد عودته من هناك قصة حدثت معه في مستشفى الشفاء في غزة حيث عاين مجاهدا مصابا، وأخرج من جيب المجاهد مصحفا وكتيب حصن المسلم للأذكار فتفاجأ الطبيب بوجود شظية كبيرة وقاتلة اخترقت كتيب الأذكار واستقرت في المصحف الشريف ولم تصل لصدر المجاهد فنجا من الموت بحفظ الله.
والصور تظهر الطبيب وهو يعرض المصحف وكتيب الأذكار وصورة مقربة للشظية والثقب الذي أحدثته في كتيب الأدعية وكذلك الموضع الذي استقرت فيه من كتاب الله.
وهذه من الكرامات التي يرزق الله بها المجاهدين الذين تحدوا الموت بصدورهم تثبيا لهم وإظهارا للناس لتأييد الله لهم في جهادهم وتشجيعا للأمة على نصرتهم واليقين بعدالة قضيتهم، والكرامات لا تنقطع في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتقع بإذن الله عندما يقاتل المسلمون اليهود فيقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12346732741.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12346733102.jpg
يمكن إرسال ملاحظاتكم وتعليقاتكم للمؤلف على الإيميل:
[email protected]

القلب الحزين
02-01-2014, 06:46 PM
آيات الرحمن في نصرة المجاهدين في غزة


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1233782189images_news_2008_may_30_qassam8_300_0.jp g
صور لمجاهدين من القسام وهم يصلون في قلب المعركة مع العدو اليهودي
أمير بن محمد المدري
إمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن
قبل ما يقارب عشر سنوات وقع في يدي كتابٌ للدكتور الشيخ المُجاهد عبد الله عزام ،اسمه «آيات الرحمن في جهاد الأفغان»ذكر فيه كرامات عجيبة مباركة للمجاهدين الأفغان في قتالهم ضد الروس.
وها أنا أقف معكم وقفة إجلال مع آيات الرحمن في جهاد الإخوان على أرض غزة المباركة.
لقد وَفَّق الله أبطال غزة فأطلقوا على معركتهم مع عدوهم "معركة الفرقان".
وعندما نتأمَّل نجد أن أبرز شيء نتج من هذه المعركة المباركة هو الفرقان في كل شيء؛ قد تحقَّق الفرقان والتمييز بين الأفراد والشعوب و الدول والحكام والعلماء والكتاب والقنوات ،فلقد تميَّزت المواقف وانقشع الظلام، وارتفعت السحب وتراءت الحقائق للناظرين، وكل هذا سيكون له ما بعده، فلم تَعد الأوراق مختلطة كما كانت من قبل، وهذا الأمر خطوة في غاية الأهمية في سبيل تحقيق نصر الله لعباده المؤمنين.
ونرى أن الله سبحانه قد أنزل آياته على مجاهدي غزة في "معركة الفرقان"، فمن هذه الآيات:
1-الغمام والرياح: لقد نقل مراسلو القنوات الفضائية- وأخص مراسل قناة المجد في ثاني يوم للهجوم البري أنه في الصباح الباكر وعند استعداد الدبابات والجرَّافات الصهيونية وكل المعدات الثقيلة لاقتحام أحد محاور غزة، فإذا بهم يفاجئون بغمامةٍ كثيفةٍ تغطِّي الأرض وتحجب الرؤية تمامًا في ثوانٍ معدودة جعلت جميع الآليات تتراجع وتعود من حيث أتت؛ خوفًا من ضربات المجاهدين، وحكى المراسل أنه ولفيف من الصحفيين رأوا هذا بأعينهم، وأنهم وقفوا مشدوهين لذلك، ولكن لا عجب؛ فهذا لُطف الله وتأييده ،وكذلك ما ذُكر من تفريق الرياح للفسفور الأبيض من غزة باتجاه إسرائيل.
2- ثباتُ المجاهدين:
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1233781191datafiles_cache_tempimgs_2009_1_army_1_2 00_150.jpg
صورة لدبابة إسرائيلية وهي تقصف غزة ثباتُ المجاهدين الرَّاجِلِين أمام حمم الموت المحيطة بهم من البر والبحر والجو؛ هذا الثبات البطولي في "بيت لاهيا" و"جباليا" و"حي الزيتون" و"تل الإسلام" و"حي الشجاعية" و.. و..إني أرى أن قول الله عن أهل بدر ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ [الأنفال: من الآية 12] قد تحقَّق مع مجاهدي غزة؛ فهذا يدخل في دبابة ميركافا ليدمرها، وذاك يأسر 3 من جنود العدو لولا تدخل العدو بطائراته وقصف البيت الذي كان فيه الآسرون والمأسورون.
نعم.. تم الأسر بين رشاش المدافع وهدير الدبابات و.. و..
وثالث ورابع وخامس يقنصون جنودًا، وبكل ثقة وهدوء وثبات يُصوِّرون العملية وكأنهم يجلسون متكئين على أريكة أمام مدفأة فيرون مشهدًا يعجبهم على شاشة التلفاز فيلتقطون له صورة.. الله أكبر! من هؤلاء؟! إنهم أحفاد رجال بدر.
3- حفْظ اللهِ للمجاهدين:
حفْظ اللهِ للمجاهدين وسَتْر أماكن وجودهم وتحركاتهم وعدم معرفة أماكن تخزين أسلحتهم بالرغم من كل هذا القصف، وبالرغم من طائرات الاستطلاع، وبالرغم من وجود 25 ألف منافق عميل يعملون لصالح العدو؛ حيث لم يُعتقل مجاهد واحد، ولم يُدمَّر مخزن واحد للسلاح، ولم تُكتَشف منصة واحدة من منصات إطلاق الصواريخ.. أليس هذا آية من آيات الله؟! ألا ينطبق على هذا قول الله سبحانه: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ [ يس: 9].
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1233780698212122.jpg
صور لمجاهدين من القسام وهم يصلون في شقة في أثناء الحرب مع العدو اليهودي

4-السكينة:
إلقاء السكينة في قلوب الكثيرين من أهل غزة عمومًا؛ فأنت ترى الواحد منهم أمام الفضائيات رابط الجأش، لا ينطق إلا بخير، وقد استُشهد الواحد والاثنان بل والعشرات من أسرته أمام عينه فلا يقول إلا "الحمد لله" "أولادي استشهدوا"، ونرى هذه المرأة التي لم ترزق بالولد إلا بعد ما يزيد عن عشرين عامًا، فيستشهد صغيرها فتسعد كثيرًا وتضحك وتقول «الحمد لله الذي جعلني أم الشهيد».
ثم ألم نُفكِّر كيف عاش أهل غزة 22 يومًا؟! كيف ناموا؟! كيف كان طعامهم؟! كيف كانت حياتهم أمام هذا القصف الوحشي الذي طال كل شيء: بيوتًا، فهل كان أهل غزة ومجاهدوها ينامون؟! نعم.. كانوا ينامون وينطقون بالشهادتين قبل موتهم.
أليست هذه سكينةً من الله؟! أوليست السكينة في هذا الموطن من جند الله؟! ألم يقل ربنا سبحانه عن خير جيل مُبيِّنًا مدده لهم وتوفيقه إياهم: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَللهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾[ الفتح: 4]
5- رائحة المسك: الشهيد عبد الله الصانع أبو حمزة قيادي ميداني في كتائب عز الدين القسام وأحد القادة المرافقين للدكتور محمود الزهار وبقي جثمانه الطيب تحت الثرى ..تحت انقاض المبنى 20 يوما كاملة طيلة فترة العدوان ...ليكتشف أهله والحاضرون بعد يومين من البحث جثته الطاهرة أشلاء تفوح منها رائحة المسك أطيب ما تكون ريحا وقد توافد العشرات من الزوار عند سماع الخبر بل وردت الأنباء عن وجود رائحة المسك تفوح بقوة من قبره وتشم من كل حبة تراب فيه.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12337825652283_alqattan.jpg
صور للشيخ أحمد القطان
6- الرؤى المُبشرة:
ومن الآيات الرؤى التي بلغت حد التواتر ورأى فيها العديد من المؤمنين من داخل غزة وخارجها من السودان والسعودية واليمن وفلسطين قبل الحرب وأثناءه برؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ذاهب للجهاد مع أهل غزة وبأن معهم الصحابة وغيرها في هذا المعنى ،ومن ذلك ما ذكره الشيخ في الكويت احمد القطان عن رؤية رآها ويقسم بالله العلى العظيم انه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يقاتل مع المجاهدين ضد اليهود في غزة..
الآيات والكرامات كثيرة ،وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ،فكان عاقبة الإخوان في معركة الفرقان بفضل الله، وإلا لماذا خرج العدو من غزة لو كان منتصرًا؟! لماذا لم يَعُد لاحتلالها مرةً أخرى ويسيطر عليها كالضفة؟!
نسأل الله سبحانه أن يتم علينا وعلى المسلمين "الصادقين" فرحتنا بتحرير أرض فلسطين كلها وتحرير المسجد الأقصى.. اللهم آمين.

القلب الحزين
02-01-2014, 06:48 PM
الموحدون من النصارى أصولهم.. واقعهم.. معاناتهم


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1227909966arius.gif
لوحة قديمة لآريوس شهيد التوحيد الخالص لله الذي كان يؤمن ان الله هو إله واحد وان المسيح هو عبد الله والذي قتل لأفكاره

كتبه / الشيخ الدكتور سفر الحوالي
في ظل الصراع بين الإسلام والغرب الذي تتضح ملامحه يوماً بعد يوم، وتجتهد قوى مؤثرة في الغرب في إيقاده، يبدو جهل الغرب بالإسلام من أهم أسباب إخفاقه في التعامل مع قضايا الصراع؛ حيث يتعامل وفقاً لصورة نمطية مقتضبة. ولكيلا نقع في الخطأ نفسه، ينبغي للأمة الإسلامية أن تعرف خصمها معرفة مفصلة، بدلاً من النظر إليه باعتباره كتلة واحدة ذات توجه واحد، ومن أهم أسباب المعرفة المطلوبة: ربط اتجاهات الصراع بأصولها العقدية، وقياس مدى تأثير تلك الأصول في توجيه الصراع، لا سيما وقد بدأ الغرب يتمايز، وقد تزيده المرحلة القادمة تمايزاً.
وهذه المقالة تلقي الضوء على طائفة نصرانية تكاد تكون مجهولة لدى المسلمين، مع أهميتها عقدياً وعراقتها تاريخياً؛ فقد كان منها خمسة من رؤساء الولايات المتحدة، فضلاً عن حضورها الثقافي والسياسي في الساحة الأمريكية؛ فهم يمثلون دينياً النقيض للحركة الأصولية المتطرفة، وهم في الجملة محسوبون كجزء من التيار الليبرالي الذي لا يرى صراع الحضارات حتماً، ويرفض المشروع الصليبي المسمى الحرب على الإرهاب
المقصود بالموحّدين من النصارى: -
لا توحيد ـ على الحقيقة ـ إلا ما أرسل الله به رسله وأنزله في كتبه، وهو الإيمان بأن الله ـ تعالى ـ واحد، وعبادته وحده لا شريك له؛ فهذا هو التوحيد المطلق. أما إذا قُيِّد بطائفة أو أحد من الناس فهو بحسب من يضاف إليه. ونحن هنا حين نتحدث عن الموحدين من النصارى فإننا نعني بها الفرقة النصرانية التي تعتقد أن الله واحد، وأن المسيح رسول الله، وترفض التثليث، وتتمثل في كنيسة (جماعة دينية) تؤمن بالوحي والعبادة، وبذلك يتميزون عن عامة الكنائس النصرانية التي تؤمن بعقيدة التثليث المنصوص عليها في قانون الإيمان الذي أقرّه مجمع «نيقية»(1)، كما يتميزون في العصر الحديث عن منكري التثليث على أساس إنكار الخالق ـ تعالى ـ مطلقاً، أو على أساس إنكار الوحي مع الإقرار بالخالق؛ لأن هؤلاء على الحقيقة ليسوا من النصرانية في شيء، وإن كان هذا التمييز غير جلي في تاريخ الفكر الغربي الحديث كما سنرى.
` أصولهم وأسماؤهم:
تعود جذور عقيدة الموحدين النصارى إلى الدين نفسه الذي علَّمه المسيح عليه السلام، وهو الإسلام في العقيدة، واتباع التوراة في الشريعة؛ فهم في الأصل الطائفة التي آمنت من بني إسرائيل كما قال ـ تعالى ـ: {فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ} [الصف: 14] وتمسكوا بالإيمان الذي أعلنه الحواريون كما في قوله ـ تعالى ـ: {نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52] وظل بعضهم على هذا الإيمان إلى البعثة المحمدية، وخلط آخرون ذلك بأنواع من البدع من قبل البعثة وبعدها لا مجال لتقصِّيها الآن.
ومن أسمائهم «الناصريون»: إما نسبة إلى النُّصرة وهو الأقرب؛ كما في الآية، وإما إلى (الناصرة) البلدة التي ينسبون إليها المسيح عليه السلام، فيقولون: (يسوع الناصري)، وفي انتسابهم هذا إعلان لبراءتهم من البدع التي أحدثها بولس وأتباعه.
أما الاسم الذي ظلوا يشتهرون به حتى مطلع العصر الحديث فهو «الآريوسية» ـ أو «الأريانية» ـ نسبة إلى آريوس، أو «السوسنيانية» نسبة إلى «سوسنيان» الذي سنأتي على سيرته.
وقد كان للاضطهاد الذي نالهم من المخالفين أثره في تشويه تاريخهم وطمس كثير من معالمه. فوقع خلط كبير بينهم وبين غيرهم من الفرق المنشقة عن الكنيسة الملكية الرومانية التي تسمي المنشقين جميعاً «هراطقة».
ومن ذلك أنك تجد من لا يفرق بينهم وبين «النسطورية» أو «اليعقوبية» وربما كان سبب ذلك أن الكنيسة الرومانية الملكية الكاثوليكية كانت تنبزهم بأنهم نسطورية أو يعقوبية، وفي الوقت نفسه تنبز النسطورية واليعقوبية بأنهم «موحدون» لتخرجهم من النصرانية وتكفِّرهم عند العامة. وشبهتها في هذا أن النَّسطورية مع اعتقادهم التثليث ينكرون أن يقال عن مريم: والدة الإله، ويقولون: إنما ولدت الناسوت وليس اللاهوت؛ فكفّرتهم الكنيسة الملكية بذلك، واشتبه الأمر على كثير من الباحثين ـ وبعضهم من الموحدين الأوروبيين أنفسهم ـ فظنوا أن النَّسطورية في الشرق يعتقدون أن عيسى ـ عليه السلام ـ مجرد بشر؛ فهم بذلك موحِّدون.
أما اليعقوبية فهم مع اعتقادهم التثليث ينكرون أن يكون للمسيح طبيعتان، ويجعلونها طبيعة واحدة «إلهية» فكفَّرتهم الكنيسة الملكية بإنكار التثليث في نظرها.
ومن هنا أخطأ كثير من الباحثين أيضاً فظنوا ما جعلته الكنيسة توحيداً على سبيل التهمة هو التوحيد الذي عليه الموحدون.

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1227910361miniature_council_of_nicaea_condemned_ar ius_%28centu
لوحة قديمة تمثل محاكمة آريوس السكندري بسبب أفكاره التوحيدية
أما نسبة الموحدين إلى «أريوس الإسكندري» و «بولس الشمشياطي»، فهي أقرب إلى الصواب، من جهة أن المنسوب إليهم في كتب النصارى هو إنكار لاهوت المسيح ـ لا سيما الأول منهما ـ على أن وصف الناصريين يظل أصدق الأوصاف وأبعدها عما أحاط بالأوصاف الأخرى من اضطراب.
` اضطهادهم:
تعرض الموحدون لاضطهاد هائل من الكنائس الرسمية، ولعنتهم المجامع النصرانية المخالفة، ووصمتهم بالكفر والهرطقة، ومزقتهم كل ممزق. ومن هنا ـ مع ما أصاب بعضهم من الابتداع ـ صدق على المتمسكين منهم أنهم «بقايا» كما جاء في الحديث: « إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب »(2) وفي قوله ـ تعالى ـ: { مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ }[ آل عمران: 113] فإن من كانوا على بقية من الحق عند بعثته -صلى الله عليه وسلم- أعم من أن يكونوا من أتباع المسـيح ـ عليه السلام ـ فحسب؛ وذلك أن كثيراً من اليهود خارج فلسطين لم تبلغهم دعوة المسيح عليه السلام، أو لم يتبينوا حقيقة رسالته، وظلوا على الحق الذي في التوراة حتى أشرق نور الإسلام(3)
فلما ظهر نور الإسلام وأضاء ما بين الخافقين دخل أكثر الموحدين فيه وبقيت منهم بقية على حالها وكانت على صنفين:
الأول: من بلغته دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- فلم يؤمن به، وعن هؤلاء يقول العالم المهتدي الحسن بن أيوب من علماء القرن الرابع الهجري: «ولما نظرت في مقالات النصارى وجدت صنفاً منهم يعرفون بالأريوسية يجردون توحيد الله ويعترفون بعبودية المسيح ـ عليه السلام ـ ولا يقولون فيه شيئاً مما يقوله النصارى من ربوبية ولا بُنُوة خاصة ولا غيرهما، وهم متمسكون بإنجيل المسيح، مقرون بما جاء به تلامذته والحاملون عنه. فكانت هذه الطبقة قريبة من الحق، مخالفة لبعضه في جحود نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ودفع ما جاء من الكتاب والسنة» (4)
والآخر: من لم تبلغه الدعوة لبعد الشُّقَّة، أو بلغته على الصورة البالغة التشويه التي نشرتها الكنيسة الحاقدة على الإسلام ولا سيما كنيسة روما.
والثابت تاريخياً أن التوحيد كان عقيدة منتشرة في أوروبا في القرون الميلادية الأولى، لكن اختلفت أحوال الشعوب الموحِّدة، فبعضها مثل «الأيرلنديين» استطاعت الكنيسة البابوية استئصاله قبل الإسلام، وبعضها مثل «الأندلسيين» ظهر الإسلام والحرب لا تزال قائمة بينهم وبين روما.
ومن الظواهر البارزة في التاريخ الديني الأوروبي أن الشعوب البعيدة عن تأثير السيطرة الرومانية كانت أقرب إلى الفطرة، ومن ثَمَّ أكثر قبولاً للتوحيد من غيرها، وربما كان الاضطهاد الذي مارسه الرومان على الشعوب الخاضعة لهم أعظم أسباب قلة الموحدين فيها.
ففي بريطانيا كان الموحدون أول من أدخل النصرانية إلى الجزر البريطانية، وكان لهم فيها تاريخ طويل حتى انتقال مركزهم إلى أمريكا كما سيأتي. وفي إيرلندا كان الناس يدينون بالتوحيد ويعملون بشرائع التوراة، بل يسمون أنفسهم «ناصريين» حتى غزاهم الرومان في القرن الخامس الميلادي، واستأصلوا عقائدهم، وأحرقوا أناجيلهم المعروفة بالأناجيل «السلتية»(5)، التي كانت خالية من عقيدة التثليث. وفي الأندلس ظلت الحروب بين الرومان وبين الموحدين حتى ظهور الإسلام، ويعزو المؤرخون من شرقيين وغربيين سرعة انتشار الإسلام هناك إلى أنهم كانوا في الأصل على التوحيد.
وإجمالاً يمكن القول: إن تاريخ شعوب أوروبا الغربية وشمال أفريقية قبل الإسلام تاريخ للصراع بين الكنيسة الرومانية وبين الآريوسية ويشمل ذلك القوط والفاندال والسلت والبربر وغيرهم(6). يقول سلفستر شولر: (من المعلوم أن جميع البرابرة الذين استقروا على ضفاف الدانوب وعلى ضفاف الإمبراطورية (الرومانية) قد اعتنقوا أمة بعد أمة المسيحية الآريوسية... وهكذا أخذت الآريوسية تجتاح البلاد التي يقيم فيها البرغوند والسويف والفندال واللومبارد، وغدت ديانة هذه الشعوب الوطنية)(7)، هذا عدا انتشار الموحدين في مصر وبلاد الشام والعراق وفارس والحبشة ومليبار.
ثم كان أبرز الأحداث في تاريخ الموحدين هو قيام مملكة لهم في رومانيا في القرن السادس عشر؛ حيث كان الملك «جون سيقموند» المتوفى سنة 1571م موحداً، ولا يزال فيها أكبر تجمّع للموحِّدين في العالم بعد الولايات المتحدة؛ حيث يبلغ عددهم ثمانين ألفاً. وفي بولندا تكاثر الموحِّدون حتى أرغمهم البرلمان سنة 1658م على اعتناق الكاثوليكية(8)، إلا من فرّ منهم إلى هولندا وإنجلترا، وهناك التقوا مع الفارين من الأندلس بعد سقوطها في يد الملكين الكاثوليكيين «فردِنَنْد» و «إيزابيلا». وفي فرنسا ظهر الموحدون سنة 1550م باسم «الهجونوت» إلا أن الكاثوليك شنوا عليهم حرباً ضروساً في أيام الملكة «كاترين» وابنها «هنري» حتى استأصلوهم سنة 1572م إلا من استطاع الفرار إلى هولندا ثم إلى أمريكا(9)
روافد وأشباه:-
فيما بين عقيدة الموحدين ـ هؤلاء ـ وعقيدة الطائفة الملكية(10)، وهي الطائفة النصرانية الكبرى المتحكمة في الإمبراطورية الرومانية، يوجد عقائد كثيرة تأثرت بالمد الإسلامي العظيم؛ إذ كان استعلاء الإسلام ووضوح حجته قد بهر العالم أجمع، فحرصت كل ملة على أن تفسر عقيدتها وإيمانها بما يشبهه أو يقاربه، حتى إن الطائفة الملكية نفسها أصبحت تدعي التوحيد على تفسير خاص لها (11)
وقد بلغ التأثير ذروته في الحركتين المشهورتين في التاريخ الأوروبي، وهما: حركة تحريم الصور والتماثيل، والحركة الإصلاحية. وقد وفّر كلٌّ منهما نوعاً من الغطاء لعقيدة الموحدين التي كانت تظهر وتختفي بمقدار الحرية المتاحة لها.
1 _ حركة تحطيم الصور والتماثيل:
ظهرت هذه الحركة بظهور الإسلام الذي كان حكمه حاسماً جداً في هذا الشأن؛ فعندما عاد المهاجرون إلى الحبشة وذكروا للرسول -صلى الله عليه وسلم- ما رأوا في الكنائس الحبشية ـ وهي يعقوبية المذهب ـ قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً، وصوَّروا فيه تلك الصور؛ أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» (12)
وهكذا طمس المسلمون ـ وحطموا ـ الصور والتّماثيل والصّلبان ليس فقط في الكنائس التي أسلم أهلها أو فتحوها عنوة، بل في كل مظاهر الحياة، وبذلك استيقظت الحركة الكتابية التي كانت تفعل ذلك قبل الإسلام عملاً بما جاء في الوصية الثانية من الوصايا العشر في التوراة (13)
وقد بلغت هذه الحركة أوجَها في عهد الإمبراطور البيزنطي (قسطنطين الخامس) الذي عقد مجمعاً خاصاً لذلك في القسطنطينية سنة 754م. ونلاحظ أن الإمبراطورية الشرقية البيزنطية هي الأكثر تأثراً؛ وذلك لقربها من دار الإسلام.
2 _ الحركة الإصلاحية:
تأخر ظهور الحركة الإصلاحية في الإمبراطورية الغربية، بسبب بعدها الجغرافي عن دار الإسلام، والحُجُب الكثيفة من الافتراء والتشويه التي فرضتها الكنيسة الكاثوليكية على أوروبا الغارقة حينئذ في الجهل والهمجية، ولكن الاتصال بالمسلمين الذي حدث من طرق شتى - منها مراكز الحضارة الإسلامية في جنوب أوروبا، والحروب الصليبية، والتعامل التجاري، وغيرها ـ أدى إلى ظهور الحركة الإصلاحية البروتستانتية، التي كانت فاتحة التاريخ الأوروبي الحديث، والتي أحدثت زلزالاً هائلاً في الكنيسة الغربية، بل في الحياة الأوروبية عامة. إلا أن تأثيرها الإصلاحي لم يمسّ الجوهر (عقيدة التثليث) بل اقتصر أساساً على الحد من طغيان البابوات، وفساد رجال الدين عامة، وتحطيم الصور والتماثيل(14)، وتعديل بعض الشعائر والطقوس. ويتمثل تأثيرها التاريخي الهائل في تأسيس كنائس جديدة منسوبة لزعماء الحركة، مثل «لوثر» «كالفن» «زونجلي» وكانت الاستجابة الواسعة لها تمثيلاً عميقاً لما عانته النفسية الأوروبية من كبت وضجر تحت سيطرة الاضطهاد البابوي، ولكنها ما لبثت أن ارتكبــت كـل الخطايا التـــي ارتكبتهــا كنيســة روما، ولا سيما اضطهاد المخالفين، وربما زادت عليها أحياناً، وهو الأمر الذي أدخل أوروبا في دوّامة من العنف لم يشهد لها التاريخ العالمي مثيلاً. وحدث من الفظائع والمنكرات ـ من الطرفين ـ ما اقشعرت لها أبدان المؤرخين، ووصفوها بأنها وحشية تترفع عنها الوحوش. وقد نالت هذه الوحشيةُ طائفةَ الموحدين التي انتهزت ـ بادئ الأمر ـ فرصة الصراع وانكسار باب السجن الكاثوليكي لتخرج في جملة من خرج من المأسورين، ولكن الاضطهاد الذي حلّ بها من قِبَل البروتستانت كان أفظع مما تصورت، بل كان مثار دهشة المؤرخين الغربيين ولا يزال.

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1227909909180px-john_calvin_-_best_likeness.jpg
لوحة قديمة لكالفن
` الموحدون والحركة الإصلاحية النصرانية:
كان أعداء الموحدين ـ من الكاثوليك والبروتستانت سواء ـ ينبزونهم بلقب «سوسنيانية» نسبة إلى رجل دين إيطالي يدعى «سوسنيان» أو «سوسنيوس» (1539ـ 1604م)(15)، ظهرت آراؤه في عنفوان الثورة البروتستانتية على الكنيسة الكاثوليكية بقيادة زعيميها الشهيرين «مارتن لوثر و كالفن
وكان «كالفن» ينافس «لوثر» في تزعّم الإصلاح، إلا أنه كان أكثر منه اعتماداً على التوراة ـ لا سيما في انتهاج القوة ـ وقد قرر كثير من المؤرخين أنه يهودي الأصل، ولعل هذا سبب خطأ من يظن أنه كان موحِّداً(16)، وقد عاصر من الموحدين غير «سوسنيان» الذي تنتسب إليه الطائفة «ميخائيل سرفت» صاحب الآراء المتناقضة والمحسوب على الموحدين، وإن كان بعض مؤرخي الفكر الغربي يجعلونه المؤسس.
اتخذ كالفن «جنيف» مقراً لدعوته، وحكمها حكماً لاهوتياً شديد الصرامة، ويقول «ديورانت»: (إن «كالفن» كان يرى في مذهب الموحدين بداية النهاية للمسيحية، وخشي هذه الهرطقة أكثر من أي شيء آخر؛ لأنه وجدها متفشية في مدينة جنيف ذاتها، وفوق كل شيء بين اللاجئين البروتستانت الفارين من إيطاليا، وهذه إشارة إلى سوسنيان وأمثاله). وقد بلغت فظاظة كالفن وبشاعة أحكامه حداً جعل أتباعه وأعداءه يشتركون في التعنيف عليه، وكان الموحدون أكثر المتضررين بذلك، ولا تزال مأساة «سرفت» تعد عند مؤرخي الفكر وصمة عار في جبين الإصلاحيين عامة و (كالفن) خاصة؛ فقد حكم (كالفن) على (سرفت) بأن يحرق حياً على نار بطيئة عقوبة له على إنكار التثليث ســنة 1553م. وكان هـذا ـ إضافــة إلى نبـز (لــوثـر) لـ (سرفت) بأنه «مراكشي» ـ دليل على أن الضغينة عليه كانت بسبب تأثره بالإسلام أكثر من كونه كافراً بالتثليث؛ إذ يقول ديورانت(17)، بعد أن نقل فقرات من كلامه: (إن مفهومه عن المسيح قريب جداً من مفهوم محمد) فنظراً لأصله الأسباني وقراءته للقرآن، واطلاعه على العقائد الإسلامية كان يستحق عندهم أن ينزل عليه أشد العقاب، فيكون عبرة لغيره من الخارجين على عقيدة (لوثر) و (كالفن).
كان (سرفت) في أول الأمر مندفعاً جداً في الثورة على النصرانية، فألّف كتابه «خطأ التثليث» سنة 1531م وفيه شبّه الرب الذي يعبده النصارى بالصنم الخرافي الوثني «سربيروس» الذي كان أتباعه يعتقدون أن له ثلاثة رؤوس (18) ولكنه آخر الأمر عاد ليكتب كتاباً عنوانه «إعادة المسيحية». وسواء كان ذلك تراجعاً ظاهرياً أو اضطراباً في المعتقد، فالنتيجة أن ذلك لم ينقذه من العقوبة، وكان إحراقه نذيراً صارخاً لأصحاب مذهب التوحيد بالفرار إلى بلاد غير خاضعة للإصلاحيين، فاتجهوا إلى بولندا وهولندا ورومانيا ـ إقليم ترانسلفانيا ـ حيث كان الملك الموحِّد «جون سيقموند» يوفر حماية للفارين منهم في مملكته.
إن مصادر التوحيد لهذه المملكة مجهولة، والظاهر أنها من بقايا الأريوسيين وأن حياتهم في غابة إقليم «ترانسلفانيا» النائي وَقَتْهم شر التسلط الكاثوليكي، ومن المحتمل جداً وجود علاقة لهم بالمسلمين؛ فقد شهدت روسيا وأوروبا الشرقية مرحلة من التواصل مع المسلمين تميز في عهد الخليفة المقتدر العباسي وبعده (19) على أن العقيدة التوحيدية ظهرت في أوروبا الغربية، ولا سيما في هولندا وبريطانيا، ومنها إلى أمريكا ضمن الخليط الناتج من الأفكار التي شهدها عصر التنوير الأوروبي الذي تُعَدُّ حركة التوحيديين أحد روافده، كما تعد أحد المستفيدين من ثورته.



يتبــــــــــــع

القلب الحزين
02-01-2014, 06:49 PM
يتبــع الموضوع السابق


الموحدون من النصارى أصولهم.. واقعهم.. معاناتهم


عقائد عصر التنوير الأوروبي:
يسمى عصر الثورة العامة على المعتقدات الدينية النصرانية: (عصر التنوير( وهو يشمل المرحلة ما بين اشتداد الحروب الدينية في أوروبا، وبين ظهور الثورتين الأمريكية والفرنسية، أي أن القرن الثامن عشر الميلادي ـ على سبيل التقريب ـ هو عصر التنوير الذي أحدث في الفكر العالمي عامة والغربي خاصة زلزالاً لا تزال توابعه حتى الآن؛ فقد خلَّف آثاراً عظيمة في السياسة والاجتماع والأدب والفن. بيد أن أعظم آثاره تجلى في الصراع العنيف بين الكنيسة والعقل.
ولا ريب أن عصر التنوير يعد امتداداً طبيعياً لعصر النهضة الأوروبية الذي يدين بالفضل للإسلام؛ فقد كان تأثير الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية واضحاً في إيطاليا منطلق النهضة الأوروبية الحديثة، بل هو أكبر أسباب النهضة؛ فقد كان الإمبراطور «فردريك» الثاني في القرن الثالث عشر عاشقاً للثقافة الإسلامية، ولما رأت الكنيسة حرصه على تعلم العربية، وكثرة المسلمين في بلاطه، وتأثره الواضح بهم، أصدرت بحقه حرماناً وسمته «الزنديق الأعظم»، ولكن المؤرخين في الفكر يسمونه «أول المحدثين» تقديراً لريادته في الحضارة والإنسانيات (20)
وفي الأندلس كان التواصل الثقافي مستمراً خاصة مع أوروبا الغربية، لا سيما الجزر البريطانية التي كادت أن تسلم ـ حيث يتحدث التاريخ عن إسلام أحد ملوكها، وكذلك إسلام ملك النرويج، وهما حدثان جديران بالبحث والاهتمام ـ فلما استطاعت الكاثوليكية استرداد البرتغال وأسبانيا من المسلمين، وأقامت محاكم التفتيش، لجأ كثير من أصحاب الفكر الحرِّ إلى أوروبا الغربية، لا سيما هولندا التي ظهرت فيها العقيدة التوحيدية بوضوح إلى جانب العقائد الأخرى المتحررة من ربقة الكنيسة الرومانية.
وفي المرحلة التالية لم يقف الصراع الكبير الذي أحدثته الحركة الإصلاحية عند حد التمرد على البابا، بل انقلب تمرداً علـى كل العقائـد الكنسيّة باســم «العقـل» و «حـرية التفكير» و «الدين المنطقي» و «الدين الطبيعي» ونحو ذلك من الشعارات التي كثرت في ذلك العصر واختلفت، وكان الجامع بينها رفض العقيدة النصرانية.
ومن هنا اختلط الأمر على الباحثين، وصعب التفريق بين منكري الدين كلِّه ـ أي من ينكر وجود الله تعالى ـ وبين من ينكر عقائد الكنائس النصرانية ـ لا سيما التثليث ـ لكنه يؤمن بالوحي والكتب المقدسة، وبين من يقف بين ذلك فينكر الكتب والقدر، ويعترف بنوع من الوحي والتعبد. وفي غمرة هذا الاختلاط نجد تفسيراً للتنازع الشديد في عقيدة بعض الأعلام المشهورين بالعلم والفكر والفلسفة مثل «جون لوك» «إسحاق نيوتن» «شارل ديكنز»، «روسو»، «داروين» فالكنيسة الموحدة تدعي أنهم من أتباعها، وغيرهم لا يسلم لها بذلك، بل يجعلونهم «ربوبيين»(21)، أو «لا أدريين» أو «طبيعيين»...إلخ.
وكان لبريطانيا نصيب الأسد في ظهور هذه العقائد، ويعزى ذلك إلى الحرية المحدودة فيها وإلى طريقة التفكير البريطاني؛ حيث يمثل الإنجليز غالباً ما سماه المفكر العالمي (علي عزت بيجوفتش): «الطريق الثالث خارج الإسلام»، فقد رفضوا العقيدة الكاثوليكية، لكنهم لم يتطرفوا فيذهبوا مذهب الملاحدة العقلانيين في فرنسا، ولم يندفعوا مع اللوثرية اندفاع الألمان، بل سلكوا طريقاً وسطاً ـ تماماً كما فعلت بريطانيا في العصر الحاضر، حيث لم تكن شيوعية مثل روسيا، ولكنها أيضاً ليست في الرأسمالية مثل أمريكا.
هناك ـ في بريطانيا ـ فشت عقيدة التوحيد هذه، وكادت تسيطر على مفكري عصر التنوير الإنجليزي، لولا أن منافساً ظهر أيضاً بقوة وهو دين الربوبيين ـ المؤمنين بالله مع إنكار الوحي ـ وكثيراً ما يقع الخلط بين هاتين العقيدتين، ويدعي أتباعهما أن رموز الأخرى هم من رموزها ـ كما سبق ـ. والواقع أن بريطانيا في ذلك العصر كانت تموج بالشك والتمرد بل التقلب والاضطراب لدى المفكر الواحد. وكان أبرز الأحداث هو إعلان الموحدين لعقيدتهم في التوحيد صراحة في بيان وجهوه إلى طلاب جامعتي «أوكسفورد» و «كامبردج» سنة 1790م 0(22)
على أن أهمية الكنيسة في بريطانيا تتجلى في كونها المصدر الأكبر للحركة في أمريكا، وهنا لا بد من بيان الفرق بين أوروبا وأمريكا في هذا الشأن؛ فأوربا كانت هائجة مضطربة تنتقل من فعل إلى ردة فعل أعنف، وهذا يصدق على كثير من مفكريها مع شيء من الاعتدال يتسم به شمالها. أما أمريكا فجذورها الدينية واضحة؛ بحيث يمكن القول إن ملاحدة أمريكا أقرب إلى الانتماء الديني، وأن متديني أوروبا أقرب إلى الملاحدة.
وحين نصل إلى أمريكا نجد أنفسنا أمام تاريخٍ مستفيض، ووجود متميز للحركة الموحّديّة.
` الموحدون في أمريكا:
تقول المصادر الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية إنها ثاني الدول الغربية تديناً بعد إيرلندا، ويقول المفكر إدوارد سعيد: (إن أمريكا هي أكثر دول العالم انشغالاً بالدين). والواقع أن بين الدين الذي أسست عليه هذه الدولة والدين الذي تدين به اليوم بَوْناً شاسعاً، وهذا يصدق على حركة الموحٍّدين الأولى وواقع الموحدين اليوم.

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1227910036225px-t_jefferson_by_charles_willson_peale_1791_2.
صورة للرئيس الأمريكي توماس جفرسون الرئيس الأمريكي الموحد
فالمؤسسون الأوائل لأمريكا كان منهم جمع غفير من المهاجرين بدينهم المتسمين باسم (الحجاج)، وقد تحملوا مشقة الرحلة الطويلة إلى بلاد نائية فراراً من الحروب الدينية الضروس التي اجتاحت أوروبا لا سيما منذ ظهور الحركة الإصلاحية، وكان من بين المؤسسين مفكرون وساسة يؤمنون بالتسامح، ويمقتون الاضطهاد بنفس المقدار الذي كان عليه مفكرو التنوير في أوروبا أو أكثر، وهكذا أسسوا الدولة الناشئة على مبدأ فصل الدين عن الدولة، لكن بسبب وبشكل يختلفان عما هو الحال عليه في أوروبا؛ ففي فرنسا مثلاً كانت الثورة الفرنسية معادية للدين، وكان فصل الكنيسة عن الدولة إقصاء للمتدينين، وسلباً لمكانة الكنيسة. أما في أمريكا فقد جعلوه صيانة للدين وحفظاً لمكانة الكنائس، وأتاحوا للمتدينين الحرية في الانتماء إلى الكنيسة التي يريدون، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تجاوزه إلى الاتفاق على نفي أن تكون الدولة نصرانية رسمياً(23)؛ وذلك أن المؤسسين الكبار كانوا يؤمنون بأفكار عصر التنوير وفلسفاته التي ذكرنا مع تفاوت بينهم في الالتزام الديني الشخصي بالذهاب إلى الكنائس أو الانتساب إليها. إلا أن كنيسة واحدة فقط كان الانتماء إليها ينسجم مع الأفكار التنويرية وهي الكنيسة الموحِّدة؛ بحيث يمكن القول إنه لو كان للحكومة الناشئة أن تختار ديناً رسمياً للدولة لما كان إلا دين الموحِّدين. وهذا ظاهر من استقراء عقائد الرؤساء الأوائل وعقائد المفكرين الأوائل مثل: بنيامين فرانكلين، ورالف أمرسن.
ففي سنة 1785م تحولت كنيسة الملك في بوسطن إلى كنيسة موحِّدة؛ حيث قرر أعضاؤها حذف الألفاظ الدالة على التثليث في الصلوات، ثم أسست كنيسة موحِّدية في «فيلادلفيا» سنة 1794م، وبعد ذلك حدث تحول آخر مهم، وهو انتقال كنيسة الحجاج التي أسست سنة 1620م إلى كنيسة موحِّدية سنة 1802م.
وتوّجَ هذه الأحداث حدثٌ من أعظم الأحداث في التاريخ الديني النصراني، وهو قيام الرئيس الأمريكي الثالث «توماس جيفرسن» بتأليف إنجيل جديد هذَّب فيه الأناجيل المعروفةَ في نسخةٍ منقّحةٍ محذوف منها كل ما يدل على التثليث، كما حذف ما يدل على المعجزات ـ وهنا يظهر عليه أثر عقلانية عصر التنوير ـ إلا أن «جيفرسن» لم يكن منتمياً إلى كنيسة، ومن ثمَّ يحسبه الباحثون ـ غالباً ـ بين الفلاسفة لا بين المتدينين، ونحن سوف نتسامح في هذا الشرط عند ذكر رؤساء أمريكا من الموحدين عما قليل.
في سنة 1825م أسست المنظمة الموحدية في أمريكا، ثم أسس المجمع الوطني للموحدين في سنة 1865م، ولم تزل الحركة في صعود مستمر ـ لا سيما بين الطبقة المثقفة ـ حتى بلغ الذروة في تولي أحد الموحدين وهو (وليام تافت) رئاسة الولايات المتحدة، وأعقب ذلك تولِّيه رئاسة الكنيسة الموحدية سنة 1917م.
وآخر المشهورين من السياسيين الموحدين هو «ادلاي ستيفنس» المرشح الرياسي الذي كان وزيراً في حكومة جون كندي ـ الرئيس الكاثوليكي الوحيد للولايات المتحدة ـ وقد توفي سنة 1965م ولم ينجح في أن يصبح رئيساً.
إنه باسترجاع مرحلة تأسيس أمريكا يجدر القول بأن المسلمين بسبب تخلفهم الديني والحضاري حينئذ، قد فوَّتوا فرصة عظيمة حيث كانت الدولة الأمريكية الناشئة مهيأة لاعتناق التوحيد الحقيقي، والدخول في دين الإسلام، وإن شئت فقل: إنه كان يمكن أن يكون للمسلمين مكانة كبرى في ذلك المجتمع الجديد، لو أن الأمة والدعوة في ذلك الحين كانت في حال أفضل.
` واقع الحركة الموحدية في أمريكا اليوم:
يمكن إيجاز الواقع في العقود الأخيرة بأنه انتشار للعقيدة وانتكاسة للكنيسة. أما العقيدة ذاتها (أي إنكار التثليث أو إنكار ألوهية المسيح) فقد تنامت حتى يمكن القول إنها عقيدة الأغلبية في أمريكا هذه الأيام، وفقاً لاستبانات كثيرة لا مجال للتفصيل فيها. وأما الكنيسة فقد تقلصت، بل انتكست ـ مع أن تقديراتها تقول إن لها زهاء ألف معبد ينتمي إليها حوالي 160ألف عضو ـ وانحرف كثير من أتباعها انحرافاً خطيراً؛ وذلك أن الغليان الفكري والاجتماعي في أمريكا لدى جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، أدى إلى ظهور موجة من التحلل والتفسخ والانقسامات الدينية الحادة والحركات المتطرفة، وشمل ذلك الكنيسة الموحِّدية التي تحولت تحولاً كبيراً إلى الاتجاه الليبرالي، واتخذت خطوة بعيدة بتوحدها مع «كنيسة الخلاص للجميع» «اليونيفرسالية»، وهي كنيسة تدعي التوحيد أسست سنة 1793م، والواقع أنها لا تؤمن بالتثليث، لكنها تؤمن بعقيدة الخلاص للجميع. ومع تنامي موجة التحرر والانحلال، تحوّلت هذه العقيدة إلى إقرار عام لجميع الأديان والأفكار، وكان الاندماج بين الكنيستين سنة 1961م، ومن ثم بدأت مسيرة الذوبان مع كنائس كثيرة في بوتقة الليبرالية الحديثة التي تشمل تنوعاً مدهشاً من العقائد الشرقية والغربية(24) تعطي برهاناً ساطعاً على حاجة هذه الأمة إلى الدين الصحيح، وتلقي على كاهل المسلمين واجباً عظيماً في إنقاذ هؤلاء الحيارى في مجتمع يظل ـ بغض النظر عن مواقف حكومته ـ من أكثر مجتمعات العالم تقبلاً للإسلام وإقبالاً على التعرف عليه، إنها لمفارقة عجيبة أن تؤسَّس أمريكا لتكون تنويرية توحيدية، وينتهي بها الأمر لتكون إنجيلية صهيونية صليبية، ولكن هذا التحوّل البعيد ينبغي أن يفتح باب الأمل لأمة التوحيد الحقيقي لأن تجتهد في تحويلها إلى أمة مسلمة تعبد الله وحده لا شريك له، وتتخلى عن الغطرسة والاستكبار لتصبح أمة عدل وسلام؛ وذلك لا يكون إلا بالإسلام.
` الرؤساء الأمريكيون الموحدون:
1 _ الرئيس الثاني «جون آدمز» تولى الرئاسة ما بين عامي 1797 ـ 1801م وإليه تنسب معاهدة طرابلس مع الرئيس الأول «جورج واشنطن» التي نفى فيها أن تكون الجمهورية الأمريكية الحديثة ـ حينئذٍ ـ دولة نصرانية، وعليه فهي ليست معادية للإسلام بأي وجه من الوجوه.
2 _ الرئيس الثالث «توماس جفرسُن» تولى الرئاسة ما بين عامي 1801م ـ 1809م وكتب الإنجيل المعدل عام 1804م، وقد كان نائباً للرئيس الثاني «جون آدمز» وهو أكثر المؤسسين أثراً في تكوين الفكر الأمريكي، وكان «جيمس ماديسون» المشهور بأبي الدستور الأمريكي متأثراً بفكره، وقد عينه وزيراً في حكومته، ثم خليفة له في الحكم.
3 _ الرئيس السادس «جون قوينسي آدمز» تولى الرئاسة ما بين عامي 1825م ـ 1829م وهو ابن الرئيس الثاني.
4 - الرئيس الثالث عشر «ميلارد فلمور» تولى الرئاسة ما بين عامي1850م ـ 1853م.
5 - الرئيس السابع والعشرون «وليام تافت» تولى الرئاسة ما بين عامي 1909م ـ 1913م وهو الذي ترأس الكنيسة الموحدية عام 1917م توفي عام 1930م.
` الموحدون في العالم:
خارج الولايات المتحدة ورومانيا توجد أقليات منتمية إلى كنيسة التوحيد في بلاد كثيرة أهمها جمهورية التشيك، وهنغاريا، والهند، والفلبين، وألمانيا، ونيجيريا، وكندا، وإيرلندا، وإسكندنافيا.
على أنه ينبغي أن يُعْلم أن الذين لا يؤمنون بالتثليث ولا يعتقدون ألوهية المسيح ولا يجمعهم الانتماء إلى هذه الكنيسة هم أكثر عدداً، وهم ينتشرون في هذه الدول وغيرها منتسبين إلى كنائس أخرى أو متحررين من أي نسبة. وهم منجم خصب للدعوة إلى الله، وسيظل هؤلاء جميعاً برهاناً ساطعاً على أن الإسلام هو دين الفطرة، وأن وعد الله ـ تعالى ـ بإظهاره حق. {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} سورة يوسف 21
---------------------------------------------------------------------
(1) أشهر المجامع الكنسية وأعظمها خطراً عقده علماء النصرانية بطلب الإمبراطور قسطنطين الذي أراد توحيد الإمبراطورية على عقيدة مشتركة بين الوثنية والنصرانية؛ وذلك سنة 325م أي قبل الهجرة بثلاثمائة سنة تقريباً.
(2) جزء من حديث رواه مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه، رقم 2865. (3) وهؤلاء صنف آخر من الموحدين ليسوا داخلين في موضوعنا.
(4) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، ج3، ص 91.
(5) وتكتب أحياناً «الكلتية» نسبة إلى السلت أو الكلت، وهم مجموعة من الشعوب الأذربية كان لهم حضارة ما بين عامي 1200 ـ 200 قبل الميلاد، ولهم لغة وأساطير تميزهم عن الرومان واليونان.
(6) انظر سلفستر شولر في كتابه الضخم «الكنيسة قبل الإسلام»، ج 12 كله. (7) المصدر السابق ج3 ص 81 ولاحظ تسميتهم جميعاً برابرة!
(8) انظر مادة سوسنيان في دائرة معارف كولومبيا المترجمة باسم الموسوعة العربية الميسرة.
(9) انظر التفصيل في قصة الحضارة، «ول ديورانت» ج 29 ص190 فما بعدها.
(10) والطائفتان الأخريان هما النسطورية واليعقوبية، وكلها تعتقد التثليث، وإن اختلفت في وصف الحلول أو الاتحاد بين الخالق والمخلوق.
(11) انظر مؤلفات سليمان الغزي، ومنها ج 3 ص 75، تحقيق المطران ناوفيطوس إدلبي. (12) رواه مسلم، رقم 528.
(13) في سفر الخروج الفصل العشرون فقرة 3 ـ 5 «لا يكن لك آلهة أخرى أمامي ولا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة».
(14) انظر التفصيل في كتاب الإصلاح الديني في القرن السادس عشر.
(15) وقد درس اللغة العربية كما في قصة الحضارة ج 24ص 238. وانظر عنه وعن مقاومة الكنائس له، أزمة الضمير الأوروبي، بول هازار، تقديم طه حسين ص96-97
(16) مثل مترجمي كتاب «أزمة الضمير الأوروبي» هامش، ص 82. (17) «ديورانت» 24/240 ـ 248، والموسوعة الفلسفية د. عبد الرحمن بدوي، مادة كالفن.
(18) في الأساطير اليونانية ولدت «أخيدنا» وهي نصف امرأة ونصف أفعى «سربيروس» ذا الرؤوس الثلاثة الذي عمل حارساً لهاديس حتى استطاع هرقل أن يأسره، وهرقل هذا في أساطيرهم هو ابن المعبود الأكبر «زيوس» وأشهر أبطال المثيولوجيا اليونانية ثم الرومانية» انظر معجم الأساطير، ماكس شابيرو، ترجمة حنا عبود
(19) أرسل الخليفة «لمقتدر» الرحالة المشهور «ابن فضلان» إلى ملك البلغار الذي أسلم، وراسل الخليفة وطلب أن يبعث إليه من يفقهه في الدين ويعلم قومه شرائع الإسلام، وقد وصل إلى تلك المملكة سنة 310 هـ 922م.
(20) انظر كتاب «الزنديق الأعظم»، تأليف: جاي ديس، ترجمة أحمد نجيب هاشم.
(21) الربوبية: أصح تعريب لمصطلح «دايزم»، والربوبيون: هم الذين يؤمنون بالله رباً خالقاً ولا يؤمنون به إلهاً معبوداً.
(22) للتفصيل طالع كتاب: «تراثنا الموحدي» تأليف: إيرل مورس ويلبر بالإنجليزية
(23) وقد ورد ذلك في وثائق رسمية منها المعاهدة بين حكومة الولايات المتحدة وولاية طرابلس (ليبيا) التي كانت شبه مستقلة، وهي وثيقة مهمة كتبت سنة 1218هـ، لكنني لم أستطع العثور على نصها العربي، والنص الإنجليزي في المادة (12) صريح في أن أمريكا ليست دولة نصرانية، ومن ثم فليس بينها وبين أي دولة محمدية علاقة عداء.
(24) مثل: الثيوصوفية، الأرواحية، عبادة الآلهة القديمة في مصر والشرق، السحر، وكذلك فلسفات حديثة مثل: العصور الجديدة، التطورية الجديدة، الفلسفة الخالدة، هذا غير مئات من النحل المنتسبة للنصرانية اسماً.
http://www.albayan-magazine.com/bayan-204/bayan-19.htm

القلب الحزين
02-01-2014, 06:51 PM
لا تخف إنك أنت الأعلى




http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1219781219dde.jpg
صورة لتمثال رمسيس الثاني فرعون موسى
في موقف عاصف ومهيب يقف الحق وحيدا أمام جحافل الباطل والظغيان، فقد اجتمع الناس لتأييد الباطل، وتجهز السحرة للإجهاز على الحق .. يخيم الصمت على المكان يرتفع صوت يقول: " فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى " { طه64} .
" قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى " { طه 65} .
"قَالَ بَلْ أَلْقُوا "{ طه66} .
"فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ " {الشعراء44}.
" فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى " { طه66} .
" فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى " {طه 67} .
"قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى "{ طه 68} .
وهكذا دعاة الباطل في كل زمان ومكان يحاولون إخافة المؤمنين بأكاذيبهم، وضلالهم وحقدهم، وإعلامهم، وتضامنهم مع الطواغيت.
يلقون بكل أسلحتهم في ساحة المعركة، يخاف المؤمن من سطوتهم وجبروتهم وطغيانهم.
يأتيه المدد الإلهي ليثبت فؤاده ويقويه " لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى "{ طه 68} أنت الأعلى في العقيدة، فأنت تعبد الله وحده لا شريك له رب كل شئ ومليكه، وهم يعبدون المادة والطاغوت والإعلام الكاذب وكل شيطان مريد.
أنت الأعلى في الإيمان لأنك تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى رب كل شئ ومليكه، لا يقع في ملكه إلا ما يشاء وهم لا يؤمنون بذلك.
أنت الأعلى في العلم واليقين لأنك تعلم أن هذه الحياة الدنيا سريعة الزوال، وأن الإنسان يسير إلى الأجل المحتوم، والمرض يحيط بالطغاة من كل مكان، والهموم تقتلهم في كل زمان ومكان، والخوف على الحياة الدنيا والحرص عليها أذلهم وجعلهم كالجرذان، فإن فاتهم المرض وأمد الله لهم في الدنيا فيزداد طغيانهم حتى إذا جاءهم الموت أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، هذه سنة الله تعالى في هذه الحياة الدنيا. ينادي الله تعالى موسى "وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى "{ طه69}.
إن كل ما يقومون به في هذه الحياة الدنيا من دعايات، وكتابات وإدعاءات هي من السحر والباطل، فعلى المؤمنين ألا يرعبهم هذا السحر وهذا الباطل، وعليهم بالعلم النافع، والعمل الصالح، وتعمير الكون بنواميس الله في الخلق، عليهم باتخاذ الأساليب العلمية الحديثة في الإعلام، والإعلان، والبيان، وأن يلقوا بالحقائق العلمية المدروسة على هذا الباطل فيزهقه، وهذا يلقي على عاتق المؤمنين أن يكونوا على مستوى المسئولية، ومستوى الأحداث، وأن يخططوا للنصر على الطغاة والمرجفين بإذن الله.
"فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ "{ الشعراء 45} .
" إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى "{ طه69} .
لا يصمد الباطل الكاذب أمام الحق الصادق القوي.
يخيم الصمت على الجميع، ويأخذهم الذهول ما هذا الذي نرى إنما نرى هو الحق المبين.
" فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً " {طه70 }، وارتفع صوتهم بإتباع الحق والتبرؤ من الباطل " قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى " {طه70} .
يفقد رأس الباطل عقله وعلمه وصوابه ووقاره " قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ " {طه71}.
ويهدد ويتوعد: " فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى " {طه 71}.
يأتي صوت الإيمان من القلب " لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا "{طه72}.
وهكذا الإيمان عندما يدخل القلوب، والقلوب بيد الرحمن يقلبها كيف يشاء، الدنيا كلها أمام المؤمن لا قيمة لها، فانية، زائلة قصيرة، كل ما فيها لا يساوي عند الله سبحانه وتعالى جناح بعوضة.
ينادي الطاغية لماذا تحولتم عن نعمتي عليكم ورعايتي لكم، أنا رفعتكم بدعايتي وكتاباتي وإعلامي إلى الدرجات العليا، وجعلتكم قدوة للشباب والرجال والنساء، إن الدنيا حلوة خضرة فكيف تتركون زينتها ومكانتكم العالية فيها، تتركون الأضواء، والكاميرات، والفضائيات وتنزوون مع هؤلاء المعدمين الضعفاء المحاصرين منا في كل مكان ؟
يأتي صوت المؤمنين " إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى "{طه73}.
الله خير من كل طغاة الدنيا، ونعمه علينا خير من كل شهوات الدنيا، وهو وحده الباقي والكل هالك.
ينفض الموقف وفرعون يتوعد ويهدد.
يأمر الله تعالى نبيه موسى أن يخرج بالمؤمنين لأن الباطل يكيد له.
تعمل الدعاية المضادة، والإعلام الكاذب " فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ{53} إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ{54} وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ{55} " الشعراء .
" فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ " {الشعراء60 } وكان المصير المحتوم " فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ " {الزخرف 55} .
هذا هو المصير المحتوم لكل كفار عنيد ولكل معتد أثيم، ولكل طاغية متكبر ولكل من يقف في طريق الدعوة لرب العالمين.
فلا يفرح المجرمون ولا ييأس المؤمنون فالفرج آت بإذن الله.
أ.د. نظمي خليل أبو العطا موسى
www.nazme.net (http://www.nazme.net/)

القلب الحزين
02-01-2014, 06:51 PM
الالتزام بالمنهج العلمي لدراسة الإشارات العلمية في الأحاديث النبوية



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12185318412093699672_688c41700c_m.jpgإعداد الأستاذ الدكتور كارم السيد غنيم
أستاذ علم الحشرات ـ جامعة الأزهر
أمين عام جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
إذا كانت هناك كتابات أو مؤلفات وضعها أصحابها لإبراز بعض ما تحتويه الأحاديث النبوية من إشارات علمية، أو طبية، أو ما يسمى بالإعجاز العلمي، فإن البعض لم يكن من التحري والتمحيص بحيث يوصف بأنه سار في محاولاته على هدى منهج علمي واضح الضوابط والقواعد، ومن هنا كانت أهمية وضع البحث الحالي، لتحديد الجوانب الرئيسية في هذا المنهج، الذي يجب الالتزام به عند دراسة إشارات الأحاديث، أو بحث دلالاتها العلمية هذا المنهج الذي يتضمن خمس عشر قاعدة أو ضابطاً، إضافة إلى أساس جوهري في الموضوع هو الإخلاص لله تعالى، والتجرد عن الهوى والأغراض الشخصية في هذا العمل مع توفر الموهبة وامتلاك الأدوات الضرورية لولوج هذا الباب الذي يعد بحق من ضرورات تطوير وسائل الدعوة الإسلامية في العصر الحالي، عصر الثورة العلمية والقفزة المعلوماتية، عصر لا يمؤن فيه كثير من البشر إلا بالعلم وحقائقه.
أما ضوابط هذا المنهج او قواعده الخمس عشرة فهي: القواعد اللغوية والضوابط البيانية – توثيق النصوص – التثبت من المعطيات العلمية الحديثة – الوحدة الكلية ودور القرآن في فهم الحديث – خطورة رد أحاديث الآحاد – خطورة رد الأحاديث الصحيحة عموماً – الموقف من الأحاديث الضعيفة – الشرح الموضوعي للسنة – تخصيص العموم – معرفة أسباب الورود – الثابت والمتغير في الأحاديث – الجمع والتوفيق بين النصوص الصحيحة المتعارضة – الترجيح والتفضيل فيما بين النصوص الصحيحة المتعارضة – الناسخ والمنسوخ – الإشارات العلمية سبيل للهداية الإسلامية.
ويمكن إيجازها فيما يلي:
1- القواعد اللغوية والضوابط البيانية: إذا لا يتوقع فهم لمن لا يعرف لغة ما لنص مكتوب بها، ناهيك عما تتميز به اللغة العربية من أساليب متعددة وما طرأ على مفرداتها من تغيّر في الدلالة عبر العصور المتوالية، وعليه فمن الواجب مراعاة أقسام اللفظ، من خاص وعام ومشترك، ومن حقيقة ومجاز وصريح وكناية، وكذلك مراعاة تعدد مدلولات اللفظ وهذه خصيصة من خصائص اللغة العربية.
2- توثيق النصوص: إذ أن النصوص الواردة ليست جميعها في نفس الدرجة من الثبوت والنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثم فيجب قبل أية مسألة في الحديث النبوي أن نستوثق من ثبوته وصحة نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وفقاً للمعايير التي وضعها أهل الاختصاص، سواء كان هذا الحديث مندرجاً في السنة القولية أو السنة الفعلية أم السنة التقريرية، ويشتمل هذا السنة القولية أم السنة الفعلية أم السنة التقريرية ويشتمل هذا الاستيثاق على السند والمتن كما يجب على الباحث أن يكون ملمّاً بالقواعد العامة والأصول اللازمة في علوم الحديث وعلى دراية بمستويات كتب الحديث وأقسام الصحيح ومعرفة شروط رواية الحديث بالمعنى دون اللفظ.
3- التثبت من المعطيات العلمية الحديثة: فالمعارف العلمية في تطوّر دائم وهذه خاصية من خصائص العلم، ولذلك فعلى الباحث أن يكون واعياً لمستويات العلم ولذلك فعلى الباحث أن يكون واعياً لمستويات العلم، من ظنون وتخمينات وفروض ونظريات وحقائق، على أنه من الأحوط أن يقوم الباحث بشرح الأحاديث النبوية باليقيني الثابت من العلوم، لا بالظنون ولا بالنظريات لأن ربط النصوص الشرعية ( قرآناً وسنة ) بالمتغير من العلم، لا الحقائق الثابتة فيه، قد يؤدي إلى إنكار البعض من الناس لهذه النصوص إذا تغيرت الفروض والنظريات أو تعدلت أو رفضت أو هدمت.
ومن الواجب على الباحث – أيضاً – ألّا يجزم بأن ما توصّل إليه في فهم الحديث النبوي هو القول الفصل، بل يترك الباب مفتوحاً لفهم جديد وشرح مزيد مع توالي العصور وتطور العلوم، وذلك لنسبية المعارف العلمية كما أشرنا وإذا وقع تعارض بين نص من الوحي وبين نظرية أو حقيقة علمية فعلى الباحث أن يكون ملماً بكيفية معالجة هذا الأمر.
4- الوحدة الكلية ودور القرآن في فهم الحديث: إذ من الواجب فهم جزئية معينة في الحديث النبوي في إطار العام، وضمن الوحدة الكلية للحديث، أي لا يجوز اجتزاء عبارة أو جملة أو لفظة من السياق أو انتزاعها دون وضعها في جو السياق العام لها أما الاهتداء في فهم الحديث بما ورد بشأن موضوعه في القرآن الكريم، فهو مما لا شك في ضرورته إذ إن القرآن هو الميزان الأساسي لقبول الحديث أو لفهمه فهماً صائباً.
5- خطورة رد أحاديث الآحاد: وهي الأحاديث التي يخطئ البعض حين يظن بأنها هي من رواها راو واحد، بل حديث الآحاد هو الذي لم يصل نقلته مبلغ الحديث المتواتر ومعظم الأحاديث في كتب الصحاح من هذا الصنف، إذ المتواتر فيها قليل، أما إنكار أحاديث الآحاد، أو عدم الاحتجاج بها فليس وليد العصر، بل يمتد إلى عصر الخوارج والرافضة والمعتزلة وذلك لأسباب متعددة تتعلق بالأهواء الشخصية والتوجهات المذهبية إلا أن العمل بأحاديث الآحاد له شروط، سواء في الراوي ( المخبر ) أم في مدلول الحديث ( المخبر عنه ) أم في اللفظ الدال ( الخبر نفسه )
وأما حجية العلم بأحاديث الآحاد فثابتة، وعلى هذا تعددت الدلالات من القرآن ومن السنة ومن الإجماع وهناك أمور ومسائل وموضوعات شتى ثبتت عن طريق أحاديث الآحاد كالشفاعة العظمى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزاته كلها ما عدا القرآن وأحاديث بدء الخلق وصفات عوالم الغيب.
6- خطورة رد الأحاديث الصحيحة عموماً: فهناك أحاديث صحيحة، توقف البعض عندها، ولم تسعفهم قرائحهم بإدارك ما فيها أو بفهم مدلولاتها فردها البعض أو أنكرها أو اعتبرها من الضعيف أو الموضوع، وليس من الصحيح الثابت سنداً ومتناً. ومن أهم الأحاديث التي يمكن ضربها في هذا المجال: حديث خلق العالم الأرضي، حديث الذباب، وحديث الفأرة... وإن كانت هناك أحاديث صحيحة كثيرة يردّها البعض كأحاديث الشفاعة !!
7- الموقف من الأحاديث الضعيفة: فإذا كان بعض العلماء قد أجاز الأخذ بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال والحث على الخير والبر، فإن في الصحيح ما يغني عن الضعيف، إذ أن الأحاديث الضعيفة ما هي إلا ملفقات نسبها البعض زوراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهذا فهم يدخلون في الدين ما ليس منه أما رواية الحديث الضعيف في فضائل الأعمال، فإنها لا تعني إثبات حكم به، ويجب على الباحث أن يبتعد عن الأحاديث الضعيفة التي تشتمل على مبالغات أو تهويلات يمجّها العقل أو الشرع أو اللغة.
8- الشرح الموضوعي للسنة: يجب جمع الأحاديث الصحيحة التي تشير تصريحاً أو تلميحاً إلى الحقيقة الكونية أو الطبية، وكذلك روايات الحديث الواحد وردّ متشابهها إلى محكمها، وحمل مطلقها على مقيدها، وشرح عامها بخاصها، بهدف دراستها وبيان ما تدل عليه من حقائق علمية أو حكم صحية، وإنه لمن الخطورة بمكان عظيم، أن يقتصر الباحث في فهم الظاهرة الكونية أو الحقيقة الطبية على حديث نبوي واحد، أو على رواية واحدة للحديث النبوي، إذ قد لا يتبيّن هذا إلّا في ضوء بقية الأحاديث المتعلقة بالموضوع.
9- تخصيص العموم: وردت أحاديث نبوية عديدة في مناسبات خاصة وظروف معينة، وبالرغم من ذلك سحبها البعض لتعم وتشمل ولا تخص أو تقصر.. والأحاديث المحتوية لإشارات علمية أو حكم صحية أو أمور طبية، قد تكون مفيدة لجميع الأحوال وكافة البيئات، وقد لا تكون هكذا وهذا يتضح من فقه التخصيص الوارد فيها ودراسة ظروفها... كما أن هناك قاعدة أخرى متعلقة بالقاعدة الحالية، هي ( الحصر النسبي) أي الحصر غير المطلق، وهذا شكل من أشكال بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم في التعبير، وذلك لجذب الانتباه، ولكن دون أن يقصر قصراً حقيقياً، ولعل حديثه الشريف: ( الشفاء في ثلاثة في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وأنهى أمتي عن الكي ) لدليل على عدم عصر هذه العلاجات الثلاث، إذ إنه صلى الله عليه وسلم وصف أنواعاً أخرى لعلاج الأمراض والعاهات والأوجاع والآلام في مناسبات أخرى.
10- معرفة أسباب الورود: لما كانت الأحاديث النبوية تعالج الكثير من الأمور الجزئية والمسائل الفرعية والشمائل الموضعية والتفاصيل الخاصة، التي لم يتناولها القرآن، فإن من الواجب على الباحث أن ينتبه للظروف والمناسبات والملابسات التي ورد فيها الحديث النبوي، حتى يمكن فهمه فهماً سليماً واستنباط ما يمكن استنباطه وفي السيرة أمثلة تدل على أن الصحابة تركوا العلم بظاهر بعض الأحاديث، حين تبدّلت تلك الحال عما كانت عليه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
11- الثابت والمتغيّر في الأحاديث: فالثابت هو الهدف والمتغير هو الوسيلة لتحقيق هذا الهدف ويجب عدم الخلط بين الاثنين كما يجب عدم الإهمال أو التركيز على الوسيلة دون الهدف، والأمثلة لذلك عديدة منها أحاديث فضل الرمي بالسهم، فالسهم وسيلة وليس هدف، وسيلة تتغير بتغير العصور وتقدم لا حضارة وتطور التقنيات، أما الهدف فهو الرمي وهو الثابت عبر العصور، وكذلك أحاديث رؤية أول رمضان للصوم فالرؤية المجردة كانت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الأمة كانت لا تكتب ولا تحسب ( وورد بهذا حديث نبوي شريف ) ولكن بعد تقدم العلوم أصبح الحساب الفلكي وسيلة مهمة لتحديد بدايات الشهور..
12- الجمع والتوفيق بين النصوص الصحيحة المتعارضة: لا يمكن أن يكون الاختلاف فيما بين النصوص ذاتياً، لأن مصدرها واحد ولأن مصدرها هو الوحي من الله، ولذلك فالتعارض فيما بين النصوص الثابتة الصحيحة لابد وأن يكون مصدره قصوراً في كفاءة الباحث. ولقد وضع العلماء شروطاً للعمل بقاعدة التوفيق أو الجمع بين هذه النصوص الصحيحة التي يبدو فيما بينها تعارض، منها: ثبوت الحجية لكل من الحديثين المتعارضين عدم إبطال نص شرعي إذا حدث الجمع بينهما، زوال التعارض فيما بينهما عدم الاصطدام بحديث ثالث يخالف هذا الجمع، أن يكون الحديثان واردين في زمن واحد حتى لا يكون أحدهما ناسخاً لما قبله... الخ
13- الترجيح فيما بين النصوص الصحيحة المتعارضة: وهو مذهب المتحدثين والفقهاء الأصوليين الذين أوجبوا العمل بالحديث الراجح دون المرجوح، أما الحديثان المتعارضان اللذان يخضعان لأعمال هذه القاعدة، فيجب استوائها في الحجية، ويجب إعمالها بعد تعذر الجمع بينهما، ويجب ألّا يكون أحدهما ناسخ للآخر، ويجب ألّا يكون أحدهما أو كليهما متواتراً لأن الأحاديث المتواترة قطعية وليست ظنية الدلالة.
14- الناسخ والمنسوخ: النسخ هو التوقف عن الأخذ بنص لأن هناك نص آخر جاء بعده فأبطله أو عدّله فكأن الآخر ( المتأخر ) قد نسخ الأول ( المتقدم ) ويمكن معرفة المتقدم تاريخياً بعدة أشياء كأن يكون المتن يصرح بذلك، او ينطق به لفظ الصحابي، أو يعرف من حكاية الصحابي له، أو من فهم الروايات.. الخ
15- الإشارة العلمية سبيل للهداية الإسلامية: لا يجوز عقد سباق يبن إشارات ومدلولات الأحاديث النبوية وبين الكشوف العلمية الحديثة، لأننا بذلك نزج بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في تفصيلات ليست من أهدافها الرئيسية فالرسول صلى الله عليه وسلم بعث لهداية البشر جميعهم، ولم يبعث ليعلم الناس قوانين الطفو ودوران الأفلاك وانشطار الذرة وغيرها.
كما يجب أن تكون المعرفة بالحقيقة العلمية طريقاً لتحصيل معارف أخرى، بمعنى أن الحقائق العلمية الواردة في الأحاديث الواردة في الأحاديث النبوية لم تأت لمجرد السرد العلمي، وإنما جاءت للاستدلال بها على حقيقة غيبية، كوجود الله أو بيان قدرته في خلقه...
يمكن إرسال التعليقات حول المقالة إلى فضيلة الدكتور كارم السيد غنيم
[email protected]

القلب الحزين
02-01-2014, 06:54 PM
هذا الموضوع طويل شوي


الإسلام في اليابان


التاريخ والانتشار والمؤسسات القائمة هناك
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12235476302441218228_20ffb12d9b.jpg
صورة لأحد المساجد في العاصمة اليابانية طيوكيو

بقلم / د / مهدي السامرائي رئيس المركز الإسلامي في اليابان
[email protected]
المقدمة :
انبثق نور الإسلام من الجزيرة العربية وامتد شرقاً إلى العراق وإيران وأفغانستان وشبه جزيرة القارة الهندية ثم ماليزيا وإندونيسيا وحتى الصين والفلبين.
واستغرق هذا الانتشار زماناً ، وامتد مكاناً ، وتأخر وصول الإسلام إلى اليابان إلى أواخر القرن التاسع عشر.
ويعبر اليابانيون مسلمهم وغير مسلمهم عن أسفهم واستغرابهم من التأخير في الوقت الذي وصل فيه الإسلام الصين والفلبين ، وعلى أية حال وبقدر من الله سبحانه وتعالى حدث الذي حدث.
وإنني بهذه الورقة آثرت أن أعرض الوجود الإسلامي زمنياً Chronology وحددت محطات وأرخت لكل فترة ما تيسر من معلومات عاشرت الأربعين سنة الأخيرة منها ، وتتبعت المراحل التي قبلها بالبحث والتنقيب لفترة زادت على الثلاثين سنة.
ولا أدعي الإحاطة وكل إنسان يرى التاريخ يبدأ من عند نفسه، وحين تتعدد الكتابات والمصادر فإن الصورة قد تصل إلى ما هو أقرب إلى الكمال ، وها أنا أدلي ببضاعتي معتذراً إن كان لحظ النفس فيها شيء، وهو غير مقصود، فتجارة الدنيا تمحق بركتها إن لم يصاحبها الصدق والإخلاص، فكيف بالتجارة مع الله ، وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وإني أسأل الله العفو والمغفرة وأرجو من إخواني الصفح.
مرحلة ما قبل 1900 :
في بداية عصر النهضة اليابانية ويدعى "عصر ميجي ""MEIJI والذي بدأ عام 1868 كانت دولتان وحيدتان في آسيا هما اللتان تتمتعان بالاستقلال وهما العثمانية واليابانية ، وكلاهما تواجهان ضغوطاً من الدول الغربية ، فحرص الجانبان على إقامة علاقات ودية بينهما ، وتم تبادل الزيارات، وكانت أهمها البعثة التي أرسلها المرحوم السلطان عبد الحميد الثاني إلى اليابان على الباخرة "آل طغرل" وعلى ظهرها أكثر من ستمائة ضابط وجندي عثماني (ترك وعرب وألبان وبوسنيون .... الخ) يقودهم الأميرال عثمان باشا، وذلك عام 1890.
وبعد أن أدت البعثة مهمتها في اليابان وقابل رئيسها الإمبراطور، عادت أدراجها، إلا أنها وهي لا تزال على الشواطئ اليابانية وليس بعيداً عن أوساكا هب عليها إعصار شديد، أدى إلى تحطمها واستشهد أكثر من خمسمائة وخمسين شخصاً بما فيهم أخو السلطان ومعهم عثمان باشا.
هزت الحادثة الطرفين، ونقل الناجون على باخرتين يابانيتين إلى إسطنبول، ودفن الشهداء عند الموقع، وعمل متحف بجانبهم، ويحتفل اليابانيون والأتراك إلى يومنا هذا كل خمس سنوات بهذا الحادث في نفس الموقع رغم تبدل الحكومات، وهذا دليل على إخلاص اليابانيين في صداقتهم.
بعد سنة من الحادث تصدى صحفي ياباني شاب (أوشاتارو نودا) لجمع تبرعات من اليابان لعوائل الشهداء وذهب إلى اسطنبول عام 1891، وسلم التبرعات للسلطات العثمانية، وقابل السلطان عبد الحميد ، وأثناء إقامته في إسطنبول لقي أول مسلم إنجليزي وهو "عبد الله غليام" وهو من مدينة ليفربول، وبعد التحادث معه قبل دين الإسلام وتسمى "عبد الحليم"، كما تظهر الوثيقة العثمانية المرفقة.
ويمكن اعتبار "عبد الحليم نودا" أول مسلم ياباني ، تبعه بعد ذلك يامادا الذي وصل إسطنبول عام 1893 يحمل التبرعات لعوائل الشهداء وطلب منه السلطان عبد الحميد تدريس اللغة اليابانية للضباط العثمانيين، واتخذ اسـم خليل أو عبد الخليل، فبذا يمكن اعتباره ثاني مسلم ياباني.
أما الشخص الثالث فهو أحمد أريجا Ahmad Ariga وكان مسيحياً يعمل في التجارة، زار مدينة بومبي عام 1900، ولفت نظره مسجد فيها فدخله وأسلم هناك، وعاد داعية وشارك في أحد ترجمات القرآن الكريم لليابانية ، وفي هذه المرحلة سكن تجار مسلمون من الهند في كل من طوكيو ويوكوهاما وكوبي ، وبهذا يعتبرون أول جالية إسلامية تقيم في اليابان.
العشرتان الأولى من القرن العشرين ( 1900- 1920 )
زار اليابان مبعوث للسلطان عبد الحميد يدعى "محمد علي" في عام 1902 وذكرت الوثائق أنه كان يخطط لإقامة مسجد في يوكوهاما.
كما زار اليابان الضابط برتو باشا، مبعوث السلطان عبد الحميد لمراقبة الحرب اليابانية الروسـية (1904-1905) وأقام سنتين، وقابل الإمبراطور وألف كتاباً من جزأين باللغة التركية.
وبعد الحرب اليابانية الروسية نشرت أنباء عالمية عن اهتمام اليابان بالإسلام والعالم الإسلامي، مما حفز المسلمين في كل مكان على القيام بنشر الإسلام في اليابان ، فقد ذكر العقاد أن ضباطاً مصريين بهرتهم انتصارات اليابان على روسيا فتطوعوا في الجيش الياباني وتزوجوا يابانيات، وخلفوا، منهم من عاد إلى مصر ومنهم من بقي .
كما زار الداعية الهندي سر فراز حسين اليابان في أواخر عام 1905 وأوائل 1906 وألقى محاضرات عن الإسلام في ناغاساكي وطوكيو ، وأقيم أول مسجد في أوساكا للأسرى المسلمين الروس بعد الحرب التي ذكرناها وذلك عام 1905.
كما نشرت الأخبار في العالم الإسلامي أن مؤتمراً يعقد في طوكيو عام 1906 يقارن فيه اليابانيون بين مختلف الأديان لاختيار الدين الصحيح، هكذا وصلت الأخبار المبالغ فيها، فتحمس المسلمون في كل مكان لحضور المؤتمر، وذكر السيد على أحمد الجرجاوي وهو محامي شرعي أزهري أنه ذهب لحضور المؤتمر ، وألف كتاباً عام 1907 أسماه "الرحلة اليابانية" ادعى أنه ومعه داعية صيني يُدعى سليمان الصيني وروسي يدعى مخلص محمود وهندي اسمه حسين عبد المنعم، كونوا جمعية في طوكيو للدعوة الإسلامية، وأسلم على أيديهم اثنا عشر ألف يابانياً.
وبعد سنتين أو ثلاث زار اليابان عبد الرشيد إبراهيم وهو رحالة وداعية مسلم من روسيا واستهجن هذا الإدعاء ، واستهجن كذلك بادعاء الجرجاوي الداعية والمفكر الهندي محمد بركة الله الذي أقام في اليابان خمس سنوات ما بين 1909-1914، وإن كاتب السطور منذ بضع سنوات يجري التحقيق :هل زار الجرجاوي اليابان أم لا، ولم يتمكن من الحصول على أي دليل مادي غير الكتاب الذي ألفه الجرجاوي.
وجاء الداعية عبد الرشيد إبراهيم الذي سبق ذكره إلى اليابان عام 1909 وأقام ستة شهور، قابل فيها رجالات اليابان من الوزراء إلى الفلاحين ، وأسلم على يديه نخبة من المفكرين والصحفيين والضباط الشباب، كما زار الصين وكوريا والهند والحجاز ، وألف كتاباً من ألف صفحة باللغة العثمانية أشرف كاتب هذه السطور على ترجمته ومراجعته وسيصدر قريباً إن شاء الله .
وعبد الرشيد رحالة وداعية وسياسي وأديب وعالم وقال عن كتابه المرحوم عبد الوهاب عزام : إنه أهم من كتاب ابن بطوطة، كما روى ذلك الدكتور محمد رجب البيومي في مقالة له في مجلة الأزهر.
كما زار اليابان محمد بركة الله من بهوبال في الهند ، وهو أول من علم الأردية في جامعة اللغات الأجنبية في طوكيو وأصدر لثلاث سـنوات مجلة "الأخوة الإسلامية " ISLAMIC FRATERNITY مابين 1910-1912.
وأسلم علي يديه عدد من اليابانيين، ولم أحصل إلا على عددين من مجلته، ولا أزال أفتش عنها لأنها تحمل براعم انتشار الإسلام في اليابان ، ومن الضباط الذين ذكرهم العقاد عرفت عن أحمد فضلي الذي أقام في اليابان وتزوج يابانية عام 1908 ولقي عبد الرشيد إبراهيم وتعاون معه، كما تعاون مع بركة الله لستة شهور في إصدار المجلة ثم تركه، وألف فضلي كتاب "سر تقدم اليابان" عام 1911عربية، كما ترجم من اليابانية كتاب "النفس اليابانية" التي توضح الشخصية اليابانية، وزار جامعة واسيدا بصحبة عبد الرشيد ، وترجم له محاضرة عن الإسلام بالجامعة لثلاث ساعات ..
وذكر عبد الرشيد أن في جامعة واسيدا حوالي الألف صيني من بينهم تسع وثلاثون مسلمون ، وهم الذين أصدروا صحيفة إسلامية باللغة الصينية عنوانها" الاستيقاظ الإسلامي" هكذا كتبوا العنوان بالعربية.
كما أصدر حسن هاتانو الذي أسلم على يد بركة الله مجلة شهرية مصورة باللغة الإنجليزية أسماها أيضاً " الأخوة الإسلامية " واسمها بالإنجليزيةIslamic Brotherhood ولم أعثر على أي عدد منها حتى الآن وذلك في عام 1918، كما أنه أصـدر في عام 1911 مجـلة Islam باليابانية والإنجليزية، ولم أعثر حتى الآن على أي عدد منها ، وأدى الحج أول ياباني عام 1909 عمر ياما أوكا ، فقد صاحب عبد الرشيد إبراهيم إلى الديار المقدسة ثم إلى إسطنبول.
ونشرت مجلة العالم الإسلامي بالفرنسية عام 1911 خبراً عن إسلام شخصين يابانيين مقيمين في الصين، وعزمهما على نشر الإسلام في اليابان بعد عودتهما إلى بلدهما.
العشرينات : 1920-1930:
تمام اليابان بالعالم الإسلامي لأغراض متعددة، توسعية، اقتصادية، ثقافية، كما تمت ترجمات لمعاني القرآن الكريم ، وشكلت الجمعيات ، وألفت الكتب الإسلامية الاستشراقية.
وبدأ المهاجرون من المسلمين التتار يفدون اليابان فراراً من الحكم الشيوعي في روسيا، واستقر أكثرهم في طوكيو وناغويا وكوبي ، كما أدى ثاني مسلم ياباني فريضة الحج وهو المرحوم نور أبي تاناكا IPPEI TANAKA الذي أسـلم في الصين ، كما أسلم في الصين المرحوم عمر ميتا مترجم معاني القرآن الكريم ، زار عمر ياما أوكا مصر ، وذهب إلى الأزهر عام 1924 وله صورة تذكارية بالزي الأزهري، يعلو وجهه النور ، وكأنه أحد علماء إندونيسيا وماليزيا .
الثلاثينات 1930 – 1940:
برز اسم "عبد الحي قربان علي" كزعيم ديني للمسـلمين التتار ، وأصدر مجلة باللغة التتارية "جابان مخبري" توزع في داخل اليابان وخارجه، وأنشأ مطبعة بالحروف العربية طبع فيها الكتب الإسلامية باللغة التتارية ، وطبع القرآن الكريم الذي كان قد طبع في مدينة قازان قبل الحكم الشيوعي ، وقوى علاقاته بالسلطات اليابانية مما دفعها لمساعدة المسلمين في بناء أول مسجد في طوكيو عام 1938 ، والذي حضر افتتاحه المرحوم حافظ وهبة سفير المملكة في لندن مندوباً عن المرحوم الملك عبد العزيز آل سعود ، وحضر سيف الإسلام الحسين من اليمن ، ومحمود فوزي قنصل مصر في اليابان ، والذي أصبح فيما بعد وزيراً للخارجية ونائباً لرئيـس الجمهورية.
ولدى كاتب هذه السطور الكلمات التي ألقيت وترجمتها والصور التي أخذت بالمناسبة.
عاد ثانية إلى اليابان عام 1933 الداعية عبد الرشيد إبراهيم وتعاون مع قربان علي في قيادة الجالية الإسلامية حيث أصبح الضباط الشباب الذين أسلموا على يديه في زيارته الأولى أصبحوا هم الذين يتولون سياسة البلد.
كما جاءت شخصية هندية لامعة لليابان وهو "نور الحسن برلاس" الذي تولى كرسي اللغة الأردية في جامعة اللغات الأجنبية منذ عام 1932 إلى عام 1949، وكان له نشاط مع المسلمين وكتب الكثير عن الإسلام في اليابان باللغة الأردية ، ترجمها كاتب هذه السطور للعربية ، وقابلت ابنه في كراتشي عام 1997 وأحفاده في كراتشي وإسلام آباد والرياض.
وزار اليابان كذلك الداعية العالم الهندي "عليم الله صديقي" وألقى محاضرات عن الإسلام في طوكيو ، وهو من أوائل الرحالة والدعاة العالميين الذين أنشئوا مراكز وزاروا أقطار الدنيا، وترك أثراً في كل بلد، وعندي خطابه الذي ألقاه في فندق الأوريون في جينـزا GINZA بقلب طوكيو عام 1936 عن مكانة المرأة في الإسـلام ، وقد أسس في هذه الفترة مسجد كوبي عام 1935 من قبل المسلمين الهنود وساهم المرحوم فيروز بأكبر قسط من المال ، وقابلت ابنه في دلهي عام 1995 وقبلت رأسه احتراما لوالده.
كما بنى المسلمون التتار مسجداً في مدينة ناجويا بنفس الفترة ، واهتمت اليابان بتركستان الشرقية ( التي هي جزء من الصين ) واستدعت زعماء المسلمين هناك والطلبة لليابان ، ومنهم أمين إسلامي الذي أصبح إماماً لمسجد طوكيو من 1938 إلى 1953، وهاجر بعدها للملكة في الطائف ثم جدة ، وعمل في الإذاعة ووزارة الحج وأبناؤه في جدة.
كما برز في هذه الفترة وأسلم المرحوم مصطفى كومورا ، وكان له دور مع مسلمي تركستان الشرقية ويوننان في الصين ، وبعد الحرب شكل جمعيتين إسلاميتين معترف بهما رسمياً ، وبهذا يعتبر أشطر وأول اليابانيين المسلمين في التسجيل الرسمي ، والذي يعتبر أصعب شيء في اليابان ، وأرسل عشرات الطلبة إلى باكستان وماليزيا ثم المملكة، وشارك عمر ميتا في ترجمة معاني القرآن الكريم في مكة المكرمة ، وألف موسوعة ضخمة عن تاريخ الإسلام في اليابان باللغة اليابانية ترجمناها للإنجليزية وهي قيد الإعداد للطبع.
وفي هذه الفترة بدأ سيل من المسلمين اليابانيين الذهاب لأداء فريضة الحج في سنوات متتالية ، حظي أبرزهم المرحوم صالح سوزوكي بمقابلة المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود ، حيث كان يعطي اهتماما كبيراً للحجاج اليابانيين ، كما روى لي السيد العامودي الذي كان يعمل في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة أن السيد جابان أوغلو وهو عديل للسيد قربان علي ، زار المملكة وقابل المرحوم الملك فيصل في الطائف في وسط الثلاثينات ، وحدثه عن مسلمي اليابان ، وطلب من المملكة دعمهم .
وجاء اليابان التاجر اللبناني الأديب عبد الرحمن قليلات قادماً من البرازيل ومعه عائلته، وله إسهامات مع المسلمين في اليابان، كما سكنت اليابان عائلة الدبس وكبيرهم المرحوم عبد الهادي الدبس، وهم تجار كبار من سوريا، وإن ابن عمه السيد فؤاد الدبس متعه الله بكامل الصحة والعافية، الذي يقيم في كوبي ، وله ولآل الدبس أيادي بيضاء في دعم الوجود الإسـلامي في اليابان.


يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
02-01-2014, 06:55 PM
يتبــع الموضوع السابق


الإسلام في اليابان


الأربعينات 1940- 1950:
وصل اليابان عام 1941 الشيخ عبد الله طوغاي مبعوث الأزهر إلى اليابان ، وبقى ستة أشهر فقط حيث عاد إلى مصر بسبب انضمام مصر إلى الحلفاء ضد المحور أثناء الحرب العالمية الثانية، وتعلم العربية عليه الأستاذ عمر هاياشي.
ومع عبد الله طوغاي تواجد في اليابان محمد كامل طبارة تاجر الأسهم اللبناني، وهو الذي فك الرموز والكتابات التي تمتلكها قبائل العَينو ، وهم سكان اليابان الأصليين.
إن هذه الكتابات عجز عن فكها فطاحلة علوم الألسن والأجناس اليابانيون ، وأعلن طبارة ترجمتها في مؤتمر صحفي كبير في طوكيو عقد في حينه ، اطلعنا عليه في الوثائق التي وجدناها.
دخلت اليابان الحرب واحتلت أجزاء من آسيا، واحتك اليابانيون بمسلمي الصين وماليزيا واندونيسيا والفلبين وبورما ، وظهرت أسماء "عمر يوكيبا" متعه الله بوافر الصحة والعافية ، وهو موجود بالندوة هذه ، حيث أسلم في ماليزيا، والمرحوم عبد المنير واطانابا أسلم في إندونيسيا ، والمرحوم صادق إيمازومي ، والمرحوم فاروق ناغاسي وسودا وماتسوباياشي وغيرهم.
- توفي رائد الدعوة الإسلامية في اليابان عبد الرشيد إبراهيم عام 1944 وهو دفين مقبرة المسلمين في "مقبرة تاما" بضواحي طوكيو.
- خسرت اليابان الحرب وعاد ثلاثة ملايين ياباني ومن بينهم الذين أسلموا في آسيا.
رجع نور الحسن برلاس عام 1949 وباع طوابع قديمة ليقطع تذكرة له ولزوجته ليعود إلى باكستان ، وقابلت ابنه عام 1997 كما قلت في كراتشي ، ويبلغ من العمر 82 عاماً وكان قد درس في يوكوهاما.
الخمسينات 1950 – 1960:
- اجتمع المسلمون اليابانيون، عمر ميتا، صادق إيمازومي، عبد المنير واطانابا، عمر يوكييا، عمر ياما أوك، مصطفى كومورا .. الخ ، وشكلوا أول جمعية للمسلمين اليابانيين عام 1953.
- بدأت طلائع جماعة الدعوة والتبليـغ ترد اليابان من باكستان، ما بين 1956 - 1960 فأول بعثة لهم كانت عام 1956 (بقي شبير أحمد الوحيد من بينهم على قيد الحياة وقابلته قبل بضعة شهور في رايوند بلاهور).
لقد زاروا اليابان أربع مرات، رافقتهم في المرة الرابعـة عام 1960.
لقد أحيوا المســلمين القدماء بروح الدعوة )عمر ميتا ومصطفى كومورا) وأدخلوا جدداً في الإسلام ، عبد الكريم سايتو رحمه الله ، خالد كيبا (متعه الله بالصحة)، والدكتور عمر كاواباتا وزكريا ناكاياما وعلي موري وأمين ياماموتو (والأربعة الآخرون رحمهم الله من أكبر الدعاة إلى الله في جزيرة شكوكو رابع جزيرة في اليابان وهم من جماعة خالد كيبا).
كما أسلم على يد صادق إيمازومي كل من رمضان إيسـوزاكي وزبير سوزوكي وصديق ناكاياما ويوسف إيموري (متعهم الله بوافر الصحة )
- وبرز في هذه الفترة رائد عملاق وهو المرحوم عبد الرشيد أرشد وهو مهندس باكستاني من التبليغ وحافظ للقرآن الكريم وداعية من الطراز الأول، زار اليابان في بعثة تدريبية على حساب الحكومة اليابانية عام 1959 والتحق بالبعثة التبليغية الثالثة ، وأسلم على يديه خيرة الناس ومنهم خالد كيبا.
وهو الذي شجع كاتب هذه السطور على المجيء إلى اليابان حيث تعرفت عليه بواسطة المرحوم السيد علي أبو الحسن الندوي، حينما قابلته في زيارة له لباكستان حيث كنت أدرُس الزراعة في لائلبور "فيصل آباد".
وبعد عودة عبد الرشيد من اليابان لقيته في رايوند قرب لاهور في نوفمبر 1959 في اجتماع التبليغ السنوي فكان يشجعني للذهاب إلى اليابان ويقول: اليابان كالبستان الزاهر، مملوء بالفاكهة اليانعة، تدخله وتجمع الثمار بكل سهولة، وإن من بين الذين يسلمون من هم أشبه بالصحابة.
أشرف عبد الرشيد أرشد في أوائل الستينات على مد الخطوط التلفونية بين مكة والمدينة وأخبرته وأنا في اليابان في عام 1961 أن عمر ميتا بدأ يترجم معاني القرآن الكريم، حيث كنت أسكن مع عمر ميتا في غرفة واحدة لمدة سنة تقريباً فاتصل وهو مقيم بمكة المكرمة بالرابطة حين أول تأسيسها فاستدعت عمر ميتا وبعدها مصطفى كومورا ، وترجم ثلاثتهم سوية معاني القرآن الكريم لليابانية، وتوفى عبد الرشيد بحادث سيارة بين المدينة ومكة عام 1964 أو أوائل 1965، وكان معه مصطفى كومورا وعمر ميتا فنجاهما الله ليتما نشر ترجمة معاني القرآن الكريم.
- وممن أسلم في هذه الفترة عملاق ياباني آخر ورائد كبير في مسيرة الدعوة الإسلامية في اليابان ، وهو المرحوم البروفسور عبد الكريم سايتو، أسلم على يد أهل التبليغ وعمل أستاذاً في جامعة تاكشوكو Takushoku وأسلم على يديه عشرات من الشباب اليابانيين.
أرسلناهم سوية في الستينات للأزهر وفي السبعينات للمملكة العربية السعودية، وهم الآن يتولون تعليم اللغة العربية في الجامعات اليابانية والعمل في كبرى الشركات، ومنهم من يتولى إدارة جمعية مسلمي اليابان الآن مثل الأستاذ خالد هيكوجي Higuch رئيس الجمعية والأستاذ أمين توكوماتسو والأستاذ يحيى إيندو.
الستينات 1960 – 1970:
وصل اليابان الطلاب المسلمون الأجانب ، باكستانيون، عرب (ومنهم كاتب هذه السطور)، أتراك، وأعداد كبيرة من إندونيسيا، وشكلنا أول جمعية للطلبة المسلمين في اليابان في أوائل عام 1961 ومن إدارتها د. زحل من إندونيسيا (الآن بروفسور في جامعة جاكرتا الوطنية ووزير سابق ، وجمع لنا مبلغاً محترماً للمساعدة في إعادة بناء مسجد طوكيو المركزي )، مظفر أوزي (تركي) أحمد سوزوكي (ياباني أزهري يمثل الجيل الثاني حيث إن والده مسلم وخاله مسلم) وعبد الرحمن صديقي (باكستاني) وصالح السـامرائي (عربي).
- شكل الطلبة المسلمون مجلس مشترك للدعوة مع جمعية مسلمي اليابان (عمر ميتا، عبد المنير واطنابا، وعبد الكريم سايتو) من الجانب الياباني و (عبد الرحمن صديقي ومظفر أوزي وصالح السامرائي من جانب الطلبة) ومن النشاطات التي قام بها المجلس:
1ـ أصدر كتيبات عن الإسلام من تأليف عمر ميتا ، وترجم ونشر كتاب ما هو الإسلام للمودودي.
2 ـ ساعد الأخ فاروق ناغاسي بإصدار جريدة صوت الإسلام في اليابان.
3 ـ أرسل الشباب اليابانيين للدراسة في الأزهر ، وقبل إرسالهم عمل لهم دورات مكثفة.
4 ـ والى شؤون الدعوة في أنحاء اليابان بعد أن انقطع أهل التبليغ. .
5 ـ اشترى المجلس أول مقبرة للمسلمين في إينـزان بتبرع من المملكة العربية السعودية والكويت ، ومن خالص أموال المرحوم عبد الكريم سايتو (سجلت المقبرة فيما بعد باسم جمعية مسلمي اليابان ، وعلى أساسها حصلت الجمعية على التسجيل الرسمي في محافظة ياماناشي المجاورة لطوكيو).
6 ـ قدم المجلس البروفيسور عبد الكريم سايتو للعالم الإسلامي ، فأول ما زار العراق ثم مصر ثم المملكة العربية السعودية ، وبعدها الكثير من البلدان الإسلامية.
7 ـ فتح المجلس أول مركز إسلامي في طوكو شيما بجزيرة شكوكو عام 1965 ، ولم يستمر إلا لسنة واحدة.
8 ـ فتح أول مركز إسلامي في طوكيو عام 1965 بدعم من أول سفير لدولة الكويت الشقيقة (الأستاذ الصنيع وعلمت أنه ذهب إلى ربه، رحمه الله رحمة واسعة). واستمر المركز لسنة تقريباً ، وأغلق لأن السفير انتقل من اليابان وانقطع الدعم.
- سعادة الأستاذ المنقور سفير المملكة العربية السعودية في طوكيو ومعه الأستاذ محمد بشير كردي متعهما الله بوافر الصحة والعافية ، والأستاذ صلاح الحسيني يرحمه الله (وهو نجل المرحوم حاج أمين الحسيني مفتي فلسطين) في سفارة المملكة بطوكيو كانوا يدعمون نشاطنا، والأستاذ المنقور كان يدفع لنا في كل مناسبة مبلغاً محترماً للقيام بالنشاطات المختلفة.
- الإخوة الإندونيسيون كان لهم مقر ضخم في قلب طوكيو وقرب مسجدها المركزي، وكنا نحيي فيه المناسبات الإسلامية وخصوصاً عيد الفطر المبارك، حيث يعملون حفلة ضخمه فيها لذيذ الطعام يسمونها "الحلال بالحلال" يأتيها المسلمون وكبار المسئولين اليابانيين ، وحتى أعضاء البرلمان فكانت تظاهرة إسلامية كبيرة.
- في الثلث الأخير من هذه الفترة وبعد أن عاد أكثر الطلبة إلى بلدانهم وقل نشاطهم جاء إلى اليابان عملاق آخر وداعية قل نظيره، هو "سيد جميل" المحاسب القانوني الأول في حكومة باكسـتان Chief Accountant ورئيـس جمعية تحفيظ القرآن الكريم بكراجي ، لقد تابع ما بدأ به الآخرون ووسع.
كما نشر بعض الرسائل باللغة اليابانية وشمل نشاطه كوريا أيضاً.
- وجاء إلى اليابان أستاذ مصري قدير هو المرحوم علي حسن السمني حيث علم اللغة العربية في جامعة اللغات الأجنبية والمعاهد اليابانية الأخرى من 1963 - 1978 وتخرج عليه المئات من اليابانيين، وراجعه كبار الأساتذة واستفادوا منه، وأنعم عليه إمبراطور اليابان السابق بوسام رفيع تقديراً لخدماته في حقل الثقافة العربية الإسلامية.
وكان يجلس في السبعينات في مسجد طوكيو بعد عصر كل يوم أحد ومعه المرحوم عبد الكريم سايتو وكاتب هذه السطور لاستقبال من يسأل عن الإسلام من اليابانيين.
- كما لا ننسى إمامي المسجد المركزي في طوكيو مفتاح الدين وعينان صفا تغمدهما الله برحمته وكذلك السيد كلكي إمام مسجد كوبي رحمه الله ، وهم من التتار المهاجرين حيث كانت لهم خدمات جلية للجالية الإسلامية.
- ونود أن نؤكد أنه في هذه المرحلة كان الدعم المادي الرئيسي للنشاطات العامة التي يقوم بها المجلس الإسلامي المشترك كان من الكويت الشقيق، وكان الواسطة في ذلك الأستاذ عبد الله العقيل والمرحوم عبد الرحمن الدوسري، حيث كانا يجمعان لنا التبرعات من أهل الخير وعلى رأسهم المرحوم عبد الرزاق الصالح المطوع القناعي والشيخ عبد الله العلي المطوع وغيرهم، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
في السبعينات 1980 – 1970:
- في عام 1970م زار المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز طيب الله ثراه اليابان والتقى بوفد من المسلمين في اليابان ومعهم وفد من مسلمي كوريا، وتقدم الدكتور عبد الباسط السباعي رئيس جمعية الطلبة المسلمين في اليابان في ذلك الحين بطلب للملك فيصل يرجو ابتعاث الدكتور صالح السامرائي الأستاذ بجامعة الرياض ليساعد في الدعوة الإسلامية في اليابان، فاستجاب رحمه الله لهذا الطلب في عام 1973م ، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
رعى المرحوم الملك فيصل ترجمة معاني القرآن الكريم لليابانية الذي قام بها عمر ميتا ، ورصد الأموال في سفارة المملكة بطوكيو لتصرف كلما نفذت الطبعة ، وذكر عمر ميتا في المقدمة أن السيد أحمد سوزوكي والدكتور صالح السامرائي ساعداه في المراجعة الأخيرة بالرياض صيف 1970 .
- في السنتين الأوليتين استمر سيد جميل يقود العمل الإسلامي في اليابان وكوريا.
- في عام 1973 أرسل الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله كاتب هذه السطور للدعوة الإسلامية في اليابان ومعه ستة آخرون خالد كيبا (ياباني) وأسعد قربان علي (ابن مؤسس مسجد طوكيو المرحوم عبد الحي قربان علي) وعبد الباسط السباعي (مصري) وعلي الزعبي (سوري) وعبد الرحمن صديقي (باكستاني) وموسى محمد عمر (سوداني) وهم ممن درس في جامعات اليابان ، ولهم سابقة بالعمل الإسلامي فيها.
أسس هذا الفريق أول مركز إسلامي متكامل في اليابان بالتعاون مع آخرين يابانيين ومقيمين من أمثال عمر ميتا مترجم معاني القرآن الكريم لليابانية ، وعبد الكريم سايتو ومصطفى كومورا ، وتميم دار محيط ، وعبد المنير واطانابا ، وعمر دراز خان ، وعلى حسن السمني ، ومطلوب علي ، وعينان صفا.
ولا ننسى دور الشيخ حسن بن عبد الله آل الشيخ ـ رحمه الله ـ فقد كان الساعد الأيمن للمرحوم الملك فيصل في هذا الأمر ، ووالى دعم نشاط المركز الإسلامي والدعوة الإسلامية في اليابان، وكذلك جهود المرحوم الشيخ عبد العزيز بن باز، وهذان الرجلان عملاقان في الدعوة الإسلامية ، وقل من يدانيهما في هذا المستوى، فعليهم من الله رحمة ، وأجزل لهما الأجر ، ولكل من يعمل للإسلام.
- جاء تشكيل المركز في فترة هامة مرت بها اليابان وهي أزمة البترول لعام 1973 وما بعدها فبدأ اليابانيون يهتمون بالإسلام، حيث إن أكثر الدول المصدرة للبترول إن لم تكن جميعها هي دول إسلامية.
وكان تأسيس هذا المركز تحقيقا لحلم كل من اهتم بالدعوة الإسلامية في اليابان منذ مائة عام حيث كل من قرأنا لكتاباتهم من الذين زاروا اليابان وعملوا في الدعوة من أمثال عبد الرشيد إبراهيم وبركة الله ونور الحسن برلاس وغيرهم كانوا يتمنون إقامة مركز إسلامي يقوم بالدعوة ويعمل به يابانيون ومن لهم معرفة باللغة اليابانية ، ويصدر كتبا باللغة اليابانية ويقدم الإسلام للشعب الياباني.
1 ـ بدأ يفد إلى المركز الإسلامي الآحاد والعشرات بل المئات من اليابانيين ودخلوا في الإسـلام أفواجاً .
2 ـ قام المركز بإصدار أعداد كبيرة من الكتب والكتيبات عن الإسلام باللغة اليابانية ، وأصدر مجلة السلام باللغة اليابانية.
3 ـ غطى البلاد من أقصى الشمال إلى الجنوب بالنشاط الدعوي ووصل الإسلام لأول مرة جزيرة هوكايدو في أقصى الشمال ، وفتح الفروع في مدن عدة.
4 ـ أرسل الطلبة إلى المملكة العربية السعودية ومصر للدراسات الإسلامية.
5 ـ أسس أول مجلس للتنسيق بين الجمعيات الإسلامية ، وعددها حينذاك اثنا عشر تضم التجمعات الإسلامية اليابانية في عدة مدن والجالية الإندونيسية وجمعية الطلبة المسلمين ، وذلك في عام 1976.
6 ـ كما عملت في عام 1977 أول ندوة عن الشريعة الإسلامية أقامها المركز بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي وجامعة شو أو CHUO وكان محركها الأستاذ خالد كيبا ، وحضرها عم الإمبراطور الحالي وأعضاء المحكمة العليا وثلاثمائة من أئمة القانون في اليابان ، وحضرها المرحوم محمد علي الحركان أمين عام رابطة العالم الإسلامي ، واسـتمرت لثلاثة أيام ، ونشرت وقائعها باللغات العربية واليابانية والإنجليزية، وكان من نتيجة هذه الندوة أن عملت دراسات مستمرة حتى يومنا هذا عن الشريعة الإسلامية في اليابان.
7 ـ كما عقدت ندوات ثقافية حضرها الآلاف في طوكيو والمدن الأخرى برعاية كبريات الصحف اليابانية التي تصدر الملايين لكل صحيفة بالتعاون بين المركز الإسلامي وجامعة الرياض حيث حضرها معالي الدكتور عبد العزيز الفدا وسعادة الدكتور توفيق الشاوي متعهما الله بالصحة والعافية.
8 ـ نظم رحلات إلى الحج أولها عام 1976 واستمرت سنوياً بدعم سخي من سمو الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود نائب وزير الداخلية ، واسـتضافة كريمة من رابطة العالم الإسلامي، كما أشرف على أكبر بعثة حج لثلاثة وأربعين مسلماً ومسلمة يابانيين قاموا بها بخالص أموالهم بقيادة الداعية الياباني الحاج محمد ساوادا، وأرسل المركز معهم الأستاذ نعمة الله ، والأستاذ عبد الرحمن صديقي.
كما شارك في إعداد أكبر تجمع آخر للحج بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين في حج عام 1420. وإن آخر بعثة نظمها المركز لحج 1421 هي بدعم سخي واستضافة كاملة من سمو الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز آل سعود فجزي الله الجميع خير الجزاء ، وأخلف عليهم بالخير.
9 ـ وفي زيارة للمركز قام بها معالي المرحوم حسن آل الشيخ عام 1975 طلب المركز من معاليه إقامة معهد عربي إسلامي في طوكيو ؛ ليكون مرجعية إسلامية في اليابان ، ويعلم اللغة العربية والثقافة الإسلامية للشعب الياباني ، فأحال الأمر إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وتولى معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي حفظه الله المهمة فأنشأ هذا الصرح الشامخ ، ونهل آلاف اليابانيين منه الثقافة الإسلامية واللغة العربية وأسلم العديد.
كما تنازل سمو الأمير سعود الفيصل عن مقر سفارة خادم الحرمين الشريفين في طوكيو وأرضها ليبنى عليه هذا الصرح الذي نحتفل بافتتاحه ، حيث إن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ومتعه بوافر الصحة والعافية دعم البناء الحالي بعشرة ملايين دولار ، وجهزه ومول تسييره بأكثر من مليون دولار.
وإنني هنا أقف موقف المؤرخ وليس المداح، أرصد الحقائق من أجل أن يدعو المسلمون في كل مكان وعلى مر الأجيال للعاملين في حقل الدعوة الإسلامية في اليابان والداعمين لها.
10ـ كنا نعد المسلمين اليابانيين قبل هذه الفترة ما بين ألف إلى ثلاثة آلاف، وبدأنا فيها نعد المسلمين بعشرات الآلاف، وانتشر الوعي الإسلامي لدى الشعب الياباني، فبعد أن كان الدين الإسلامي يدعى كاي كيو KaiKyo أصبح يدعى إسرام Isram، لعدم وجود حرف اللام باللغة اليابانية ، ويستبدلونها بالراء.
- وفي آخر هذه الفترة، رجع الداعية المرحوم سيد جميل ثانية إلى اليابان ، وأدى آخر أعماله الجليلة في المنطقة ، ورافقه فيها عملاق آخر هو الشيخ نعمة الله الذي لا يزال في قمة النشاط الدعوي في اليابان حتى يومنا هذا.
- كان الدعم الرئيسي المادي والأدبي والثقافي للنشاطات الإسلامية في اليابان خلال هذه المرحلة والمراحل التي بعدها يأتي أولاً من المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً ومن رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة ، كما كان الدعم يأتي من دولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت وسلطنة عمان ، وكذلك من جمهورية مصر العربية ممثلة في أزهرها العتيد وليبيا بالدعاة الذين أرسلتهم.
وهنا نذكر الأستاذ حمد الهاجري أول سفير لدولة قطر الشقيقة في اليابان ، حيث قدم لنا أول دعم مادي في أول مرحلة من تأسيس المركز ، والمرحوم الشيخ عبد الله الأنصاري رئيس المحاكم الشرعية في قطر ، وكذلك المرحوم عبد العزيز المبارك رئيس المحاكم الشرعية في الإمارات العربية المتحدة والمرحوم عبد الله المحمود في الشارقة لدعمهم النشاطات الإسلامية في اليابان.




يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
02-01-2014, 06:57 PM
يتبــع الموضوع السابق


الإسلام في اليابان


الثمانينات والتسعينات وحتى يومنا هذا 1980 -2001:
- في أوائل الثمانينات تبرع الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله بأرض من أجل إقامة مقر شامخ للمركز الإسلامي، ورعى الأميران الكريمان نايف بن عبد العزيز وأحمد بن عبد العزيز تشييد البناء ، وبذلك أصبح المركز الإسلامي معلماً إسلامياً يقصده الأساتذة والطلبة والصحافيون والتلفزيون وعامة الناس، منهم من يعلن إسلامه ، ومنهم من يستعلم عن الإسلام ، ولا يزال هذا المقر يؤدي دوره بتطور وتحسن مستمر. .
- وقد زار المركز سمو الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود عام 1985 وسمو الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود عام 1986 وقدما الدعم المادي والأدبي لنشاطاته فجزاهما الله كل الخير.
- إن أكبر تطور في تاريخ الوجود الإسـلامي في اليابان بدأ من أواسط الثمانينات حتى الآن، ألا وهو هجرة أعداد كبيرة من المسلمين إلى اليابان بعد أول هجرة للمسلمين التتار، إن أكثرهم من إندونيسيا وباكستان وبنغلادش والهند وسريلانكا وإيران وأفغانستان ثم من الأفارقة والأتراك ويليهم العرب ، لقد جاء الجميع إلى اليابان طلباً للرزق فتزوجوا اليابانيات بعد إسلامهن ، وحصلوا على الإقامة الدائمة ، ومنهم من حصل على الجنسية وأبناؤهم يابانيون بالولادة ، فأبناء اليابانية هم يابانيون.
لقد بنى هؤلاء المساجد والمصليات ، وأقاموا محلات بيع المواد الغذائية الحلال ، وفتحوا مطاعم الحلال ، وعمروا المساجد بالصلاة ، وأصبحت مقراتهم ومساجدهم محلات لقاء وتربية للمسلمين الجدد من اليابانيين.
- في عام 1986 هدم مسجد طوكيو وسط دموع المسلمين وكان الهدف هو إعادة بنائه في نفس الموقع ، إلا أن صعوبات جمة وعراقيل وضعت أمام ذلك ، وبعد جهود متواصلة من قبل المركز الإسلامي ومن قبل المحبين للإسلام في داخل تركيا الشقيقة وخارجها، أعيد بناء المسجد في وسط عام 2000 صرحاً شامخاً جميلاً وعلى الطراز العثماني ، وأصبح مقصداً لجميع اليابانيين يزورونه ، ويتعرفون على الإسلام بواسطته ، وقد أشرفت رئاسة الشؤون الدينية في تركيا على البناء تقريباً، وقام المسلمون في اليابان وخارجها بجمع ثلث كلفة البناء تقريباً، تولى مركزنا الإسلامي جمع أكثرها.
وتتولى رئاسة الشؤون الدينية مأجورة إدارة المسجد إماماً ومؤذناً وإدامة.
- كما تم بناء ملحق بمسجد كوبي العريق يتخذ مركزاً إسلامياً ثقافياً في جنوب غرب اليابان ، وتولى أكثر الصرف على بنائه عائلة الدبس وممثلهم في كوبي الأستاذ فؤاد الدبس، وهو صرح إسلامي آخر في ذلك الجزء من اليابان يؤدي دوره الإسلامي بكل كفاءة.
- وفي ناغويا تم بناء مسجد جميل، عوض الله به عن المسجد القديم الذي دمرته قنابل الحرب العالمية الثانية، وتولى تأسيسه التاجر الباكستاني المفضال الأستاذ عبد الوهاب قريشي ، وافتتحه معالي الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد رئيس إدارة الحرمين الشريفين ، وأصبح هذا المسجد ملتقى لمسلمي المنطقة، على سعتها، للعبادة والتعلم ، وأقام هذا الأخ مدرسة قريبة منه لتعليم أولاد المسـلمين ، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
- أما الأخوة الباكستانيون والبنغلادشيون والأفارقة فمساجدهم لا تعد ولا تحصى، فمن مسجد إيجي نيواري الذي بناه أهل التبليغ وسلسلة مساجدهم الأخرى إلى مساجد الحلقة الإسلامية من أتباع الجماعة الإسلامية في باكستان ، ومسجد أوتسوكا الذي حظي بتبرع كريم من صاحب السمو الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود ، وافتتحه فضيلة الدكتور عمر بن عبد الله السبيل إمام الحرم المكي الشريف، ومسجد تودا الذي كان مصنعاً، ومسجد إيساساكي ، ومسجد الأخوة الأفارقة وغيرها ، ولدى المركز قائمة بكل مساجد اليابان سيتولى طبع عناوينها وخرائطها إن شاء الله .
كما حظي الأخوة في جمعية مسلمي اليابان بتبرع كريم من سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز مكنهم من شراء مقر جديد لهم .
. - إن هدم مسجد طوكيو في عام 1986حدث، باطنه الرحمة وظاهره العذاب، فرغم الحزن الذي عم المسلمين والحيرة والتفرق بعد أن كان يجمعهم هذا المسجد، هيأ الله سبحانه وتعالى بدائل وشجع المسلمين الذين تزايدت أعدادهم على إقامة المساجد والمصليات، وكان أول بديل هو المعهد العربي الإسلامي بمقره القديم والجديد ، حيث قام بالدور الرئيسي في استيعاب المصلين في الأوقات الخمسة والأعياد ، فجزي الله القائمين عليه خير الجزاء .
كما إن الأخوة الإندونيسيون استوعبوا أعداداً كبيرة من المصلين في مصلى سفارتهم ومصلى مدرستهم، وكذلك الأخوة في سفارتي إيران وماليزيا، إن جماعة الدعوة والتبليغ هم أول من كسر حاجز إقامة مساجد جديدة ، وأعقبهم بقية المسلمين في شراء وتأجير المصليات.
والمركز الإسلامي يتحمل نصف أجرة المصليات في المناطق التي يتواجد فيها الطلبة ويقل فيها التجار المسلمون، وذلك من أقصى شمال اليابان إلى جنوبه.
ومن أحدث المساجد التي أقامها المسلمون مسجد في مدينة أيبينا Ebina في محافظة Kanagawa التي تعتبر يوكوهاما مركزها ولا تبعد كثيراً عن طوكيو.
إن المسجد كلف مليون دولار ، ولم يجمع المسلمون قرشاً خارج محافظتهم.
أما آخر صرح للدعوة الإسلامية فهو المسجد الذي تبرع ببنائه مأجوراً سمو الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله في منطقة هاجي أوجي Hachioji في ضواحي طوكيو ، وهو إضافة في سلسلة قافلة الخير التي تقودها وتدعمها المملكة العربية السعودية ملكاً وحكومةً وشعباً ، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
- ومن الأحداث المهمة في هذه الفترة ندوة "العلاقات بين اليابان والعالم الإسلامي ومائة عام من تاريخ الإسلام في اليابان" التي أقامها المركز الإسلامي في اليابان بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي ومقرها في جدة ، وذلك في شهر مايو عام 2000 بدعم سخي من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز أيده الله ومن رابطة العالم الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية والندوة العالمية للشباب الإسلامي والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في الكويت، حيث حضر الندوة حوالي السبعين ممثلاً للمسلمين من الدول المجاورة وذات الاهتمام وعلى رأسهم معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة ، وحضرها جمع غفير من المثقفين اليابانيين وألقى كبار الأساتذة اليابانيين المسلمين وغير المسلمين أبحاثاً قيمة ، وكذلك كلمات وأبحاث من الوفود بما فيهم مندوب وزير الخارجية الياباني.
كما حضرها وتعاون في إنجاحها مندوبون من مختلف الجمعيات الإسلامية داخل طوكيو وخارجها، واستمرت الندوة لثلاثة أيام ، أبرزت الوجود الإسلامي ، ورحب المسئولون اليابانيون وخصوصاً في الخارجية اليابانية بهذا النشاط، وطالبوا بتكراره لتعميق الصلات بين اليابان والعالم الإسلامي.
- كما شهدت هذه الفترة إقامة مخيمات سنوية نظمها المركز الإسلامي بالتعاون مع الندوة العالمية للشباب الإسلامي ودعم من سمو الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز مادياً وأدبياً ، بحضور مسـتشار سموه فضيلة الشيخ الدكتور سعد بن عبد الله البريك الذي أضفى على هذه المخيمات حياة في مجال العقيدة والعلم والتوجيه.
- كما كان لفضيلة الشيخ سعد البريك دور كبير أثناء انعقاد المخيمات في إحياء مجلس التنسيق بين الجمعيات الإسلامية الذي كان نشيطاً للعشرين سنة الماضية ، وتوقف نشاطه بوفاة منسقه العام البروفيسور عبد الكريم سـايتو رحمه الله.
فقد وقع أثناء هذه المخيمات ثلاثمائة وخمسون مندوباً مسلماً من جميع أنحاء اليابان على إحياء هذا المجلس ، وانتخاب الأستاذ خالد كيبا العالم الياباني المعروف وعضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ومدير الشؤون المالية في المركز الإسلامي منسقاً عاماً لمجلس التنسيق .
لقد والى المركز الإسلامي إيفاد بعثات الحج ، ومنها إشرافه على أكبر بعثة حج لثلاثة وأربعين مسلماً يابانياً ومسلمة ، وقدموا من خالص أموالهم ، وكانوا بقيادة الداعية الياباني الحاج محمد ساوادا، وأرسل المركز معهم للإرشاد الشيخ نعمة الله والأستاذ عبد الرحمن صديقي، كما ساهم المركز بدور كبير في إعداد تجمع ضخم للحج من اليابانيين عام 1420 بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز.
وإن آخر بعثة نظمها المركز للحج عام 1421 وهي بدعم سخي واستضافة كاملة من سمو الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز، فجزي الله الجميع خير الجزاء ، وأخلف عليهم بالخير.
- إن من أكبر هموم المسلمين في اليابان دفن موتاهم خصوصاً بعد أن أصبح وجودهم كثيفاً ، يابانيون وأجانب مقيمون.
إن كلفة الحصول على قبر في المقبرة الحالية إينـزان والتي أصبحت تحت إشراف إخواننا بجمعية مسلمي اليابان تبلغ أكثر من مليون ين (أكثر من عشرة آلاف دولار)، لهذا فقد حرص المسلمون على شراء أرض في إحدى المحافظات المجاورة لطوكيو ، يدفن بها موتى المسلمين مجاناً ، وبدءوا بمحاولة لجمع تبرعات من الجالية ، وهنا جاءهم العون، فقد امتدت يد كريمة لترعى مشروعهم ، وهي يد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ حيث قدم تبرعاً كريماً مقداره سبعمائة ألف دولار لشراء أرض للمقبرة.
إن لجنة المقبرة ورئيسها الأستاذ ميان أفتاب التاجر الباكستاني في يوكوهاما ، وهو من كرام الناس ، ومن جملة التجار المسلمين الذين يبذلون الكثير في المشاريع الإسلامية ، هذه اللجنة طلبت أن تسجل أرض المقبرة باسم المركز الإسلامي ؛ لأنه يكاد يكون الهيئة الدينية الرئيسية الوحيدة المسجلة رسمياً لدى الحكومة اليابانية؛ لأن الهيئة الدينية الرسمية هي التي من حقها أن تطلب إقامة مقبرة، وقد لبى المركز الأمر ، ويسعى سوياً مع اللجنة لاستكمال امتلاك أرض للمقبرة.




يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
02-01-2014, 06:57 PM
يتبــع الموضوع السابق


الإسلام في اليابان


الوجود الإسلامي الحالي:
إن المسـلمين في اليابان يابانيون ومقيمـون يتواجدون من أقصـى جزيـرة في شـمال اليابان (هوكايدو) إلى أقصى جزيرة صغيرة في جزر أوكيناوا جنوباً قرب تايوان، ومن أقصى الشـرق (طوكيو) إلى أقصى الغرب (كانازاوا وشمياني توتوري).
ويمكن أن نصنف المسلمين في اليابان في الفئات التالية:
أولاً : المسلمون اليابانيون
وهم موزعون كالآتي :
1ـ جمعيات خاصة بهم ، ومن الأمثلة على ذلك:
أ‌- جمعية مسلمي اليابان
إن حصيلة الوجود الإسلامي للمسلمين اليابانيين حتى عام 1953 هي جمعية مسـلمي اليابان، وهي أول جمعية إسلامية خالصة أسسها مسلمو ما قبل الحرب العالمية الثانية ، والذين عادوا بعد إسلامهم في إندونيسيا وماليزيا والصين ، وكذلك من بقي حياً من المسلمين الأوائل في اليابان ، ولقد سبقتها قبل الحرب جمعيات إسلامية استشرافية.
لقد أدت هذه الجمعية ولا تزال دوراً كبيراً في الدعوة الإسلامية ، ويقوم عليها الآن خريجو الأزهر ، وجامعات المدينة المنورة ، وأم القرى فهي الجمعية الأم، ويكاد ينحصر نشاطها في طوكيو ورئيسها الحالي الأســتاذ خالد هيكوجي Higuchi أزهري ، ومن أعضائها يحيى إندو (الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ) نور الدين موري (أم القرى في مكة المكرمة ).
ب‌- الجمعية الإسلامية في هوكايدو (عبد الله أراي ) .
ج- جمعية الصداقة الإسلامية في كيوتو (علي كوباياشي(
د- جمعية الدعوة الإسلامية في أوساكا (عبد الرحيم ياما كوجي).
هـ- الجمعية الإسلامية في نارا (محمد ناكامورا)
و- جمعية المرأة المسلمة - أوساكا وكيوتو ( الأخت زيبا كومي ).
ز- جمعية الثقافة العربية في طوكيو (الأخت جميلة تاكاهاشي ) .
2 ـ جماعات مندمجة مع جمعيات تضم الطلبة المسلمين والمسلمين الأجانب المقيمين.
إن هذا الصنف منتشر في جميع أنحاء اليابان وأعدادهم كبيرة ، ومن الأمثلة عليهم الأستاذ خالد كيبا (مع المركز الإسلامي وله جمعية خاصة به في طوكوشيما بجزيرة شكوكو) البروفسور عبد الجبار مائدا (الجمعية الإسلامية في ميازاكي-كيوشو) والأخ محمد سـاتو (مع الجمعية الإسلامية في سنداي) البروفيسور مرتضى كوراساوا (في جامعة ناغويا وهو أحد مدراء المركز الإسلامي) وإلى غير ذلك من الشخصيات والأفراد اليابانيين .
3 ـ أفراد: الواحد منهم يعادل أمة في نشاطه الإسلامي ، وهم الأكثرية الساحقة من المسلمين اليابانيين يديرون أكثر من خمسة عشر صفحة الكترونية باللغة اليابانية، يدعون فيها الناس للإسلام ، ومثال عليهم:
- سليمان هاماناكا في جزيرة شكوكو (له صفحة الكترونية)
- بروفيسور كوسوجي في جامعة كيوتو، له صولات وجولات في التلفزيون الوطني الرئيسي لليابان NHK وفي قاعات المحاضرات والمؤتمرات.
- بروفسور أونامي (جامعة كيوتو- هندسة)، يضع ترجمة معاني القرآن الكريم باليابانية على صفحته الإلكترونية.
- بروفيسور شيرو تاناكا (متقاعد من جامعة اللغات الأجنبية في كيوتو ، وحافظ للقرآن الكريم ).
- بروفيسور هشام كورودا (الجامعة الدولية في نيغاتا ، وصاحب المؤلفات العديدة ، وتلميذ العالم الراحل المشهور جعفر إيزيتسو IZITSU
-الأستاذ أشرف ياسوي (أستاذ اللغة العربية في المعاهد اليابانية).
إن وضع مسلمي اليابان أشبه ما يكون بالعهد المكي ، حينما كان المسلمون الجدد أفراداً متواجدين في مدن وقرى وواحات الجزيرة العربية ، كل يقيم دينه في محل إقامته، منهم من يخفي إيمانه ، ومنهم من يظهره ويؤذى بسببه ، ومنهم من يدعو رغم الإيذاء إلى أن أذن الله بالهجرة إلى المدينة المنورة.
ويبرز هنا سؤال: كم هو عدد المسلمين اليابانيين ؟ ونجيب على ذلك بأنه ليس هناك إحصاء لعدد المسلمين اليابانيين ، ففي اليابان أكثر من مائة جمعية وتجمع إسلامي ، وعشرات إن لم يكن مئات من المساجد والمصليات ، ويدخل يومياً عن طريق هذه الجمعيات والمساجد والمصليات عدد كبير من اليابانيين الإسـلام.
كما يسافر سبعة عشر مليون ياباني سنوياً للسياحة خارج البلاد ، فمنهم من يسلم في البلاد الإسلامية ، ومنهم من يسلم في أوربا وأمريكا، حيث تأتي طلباتهم لمركزنا الإسلامي للكتب عن طريق الانترنيت ، ونستجيب لهم في الحال.
(كتبت لنا مسلمة يابانية من كوالالمبور في البريد الإلكتروني أنه يوجد خمسون ياباني ويابانية يرغبون في التعرف على الإسلام ، وتطلب مدهم بالكتاب الإسلامي باللغة اليابانية(.
نقول أحياناً : إن عدد المسلمين اليابانيين يقارب المائة ألف أو يزيدون ، والأجانب ثلاثمائة ألف أو يزيدون ، وهذه أرقام تقديرية ينظر إليها المراقبون من زوايا مختلفة ، ويعطون أرقاماً متعددة ، ولكنه من المؤكد أن المسلمين اليابانيين يتزايدون، وأن الشعب الياباني من أقرب شعوب الأرض للإسلام، يحترمون هذا الدين ، ويرون فيه تأكيداً لمثلهم وتقاليدهم العريقة
ثانياً: المسلمون المهاجرون
1 ـ إن طلائع المسلمين المهاجرين إلى اليابان هم من شبه القارة الهندية قبل الاستقلال، جاءوا لليابان في أواخر القرن التاسع عشر ، واشتغلوا بالتجارة ، وأقاموا في طوكيو ويوكوهاما وكوبي، وهم الذين بنوا أول مسجد دائم في اليابان وذلك في مدينة كوبي عام 1935، وصمد هذا المسجد شامخاً رغم قنابل الحرب العالمية الثانية التي حطمت كنيسة مجاورة له ، ورغم الزلزال الكبير عام 1995 الذي هدم الكنيسـة المجاورة للمرة الثانية.
1 ـ أما الدفعة الثانية من المهاجرين فهم المسلمون التتار أو أتراك القازان الذين لجئوا لليابان فراراً من الشيوعية ، وجاءوا في أوائل العشرينات من القرن الماضي، وعاشوا مع الهنود في كوبي ، وضم الجميع مســجدها ، وأقاموا مسـجداً في ناغويا (دمرته الحرب العالمية الثانية) وأقاموا مسجد طوكيو عام 1938، قائدهم في العمل المرحوم "عبد الحي قربان علي" ومن بقاياهم حتى الآن الأستاذ تميم دار محيط متعه الله بالصحة والعافية، وهو بين الحضور الآن.
نستطيع أن نقول : إنهم هم أول جالية إسلامية تستقر في اليابان، ولقد هاجر شبابهم إلى تركيا وأوربا وأمريكا والقليل منهم موجود الآن في اليابان.
3 ـ الإندونيسيون والماليزيون هم ثالث جالية ترد اليابان وهم الذين حدث خلاف مذهبي بينهم (وهـم على مذهب الإمام الشــافعي) وبين التتار وهـم (أحناف) مما دفع المرحوم "عبد الحي قربان علي" الإمام التتاري أن يكتب لإمام الحرمين "المعصومي" عن هذا الخلاف فأجابه المعصومي برسالة "هدية السلطان إلى بلاد اليابان" وذلك في الثلاثينات من القرن العشرين ، وقد أعيد طبع هذه الرسالة عدة مرات وهي متداولة الآن.
ولا تزال الجالية الإندونيسية من أكبر الجاليات ، ولهم مدرسة ومسجد في طوكيو، أدى دوراً كبيرا ً حين افتقد المسلمون مسجد طوكيو.
4 ـ أما الهجرة الكبرى فهي التي حدثت منذ الثمانينات والتي سبق ذكرها ، وتمثل مختلف الجنسيات ، والكثير منهم استقر بعد زواجه من اليابانيات ، ويوجد اتجاه جديد وهو زواج اليابانيين بعد إسلامهم من المسلمات ، وأكثرهن من إندونيسيا وماليزيا والفلبين ، ومن العربيات المسلمات ، ومن آخر الزيجات زواج ياباني بعد إسلامه من مسلمة روسية.
ثالثاً: الطلبة المسلمون القادمون من البلدان الإسلامية.
إن أوائل الطلبة المسلمين هم من المسلمين الصينيين الذين درسوا في جامعة واسيدا عام 1909 وعددهم حوالي الأربعين ، وأصدروا مجلة باللغة الصينية "الاستيقاظ الإسلامي"، كما جاء ثلاثة طلاب عثمانيون إلى جامعة واسيدا عام 1911 منهم ابن الرحالة الداعية عبد الرشيد إبراهيم ، وأثناء الحرب العالمية الثانية جاءت أعداد من الطلبة الإندونيسـيين والماليزيين، استشهد منهم عدد في قنبلة هيروشيما ، ومنهم من شفى من أثر القنبلة وبقي على قيد الحياة، وقد اجتمعنا بأحدهم قبل سنتين في إندونيسيا.
كما درس أبناء التتار المهاجرين في الجامعات والمدارس اليابانية ، منهم الدكتور التنباي والأستاذ تميم دار محيط ، وحرمه الدكتورة ثالثة ، ورمضان صفا ، وأسعد قربان علي، متعهم الله جميعاً بالصحة ، وكانوا أسسوا جمعية خاصة بهم في الأربعينات من القرن العشرين.
أما الأعداد الكبيرة من الطلبة المسلمين فقد بدأت بعد الحرب العالمية الثانية ، وفي أواخر الخمسينات وهي تتزايد حتى يومنا هذا .
إن أكثرهم من الإندونيسيين ثم الماليزيين ثم من باكستان وبنغلادش ثم العرب والترك والإيرانيين والأفارقة.
إن هؤلاء مع المسلمين اليابانيين والمسلمين المقيمين شكلوا تجمعات مشتركة ، في كل مدينة يقيمون مصلى مؤجراً (وبدءوا بإقامة مساجد ثابتة مملوكة) يضم مكتبة وثلاجة لبيع اللحم الحلال ، إضافة لمكان الصلاة والاجتماعات، وعلى ذكر المصليات كنت دائماً أتأسف وأقول ، كل الأقوام المسلمة من المقيمين في اليابان أقاموا مصليات ومسـاجد إلا قوم الرسول صلى الله عليه وسلم من العرب، وأخيراً أقام الطلبة العرب وأكثرهم مصريون ، أقاموا مصلى في منطقة إقامتهم في ضواحي طوكيو (شن ميساتو( Shin Misato وأدى خمسـة وعشرون شخصاً منهم ومن الطلبة الآخرين فريضة الحج لعام 1421، إضافة لأعداد كبيرة من الطلبة من الجنسـيات الأخرى حجت هذا العام.
رابعاً : المتدربون من البلدان الإسلامية.
تأتي اليابان أعداد كبيرة من المتدربين من البلدان الإسلامية لفترة من أسابيع إلى سنة ، وهؤلاء لهم احتياجاتهم من التعرف على الأطعمة الحلال ومواقيت الصلاة، كما إن الكثير منهم يتعرضون لأسئلة عن الإسلام، وبذلك تأتينا في المركز الإسلامي أسئلة وطلبات بالبريد الإلكتروني والفاكس ننفذها في الحال.
إن لهؤلاء المتدربين دور كبير في التعريف بالدين الإسلامي، وإن محض وجودهم كمسلمين يعلم اليابانيين شيئاً عن الإسلام، خصوصاً حينما يتحرى هؤلاء المسلمون العيش ضمن تعاليم الإسلام.
خامساً : التجار والسياح المسلمون .
العلاقات التجارية بين العالم الإسلامي واليابان قديمة ومستمرة ، ويؤم اليابان سنوياً عدد من التجار ، وكذلك السياح، ولهؤلاء دور في التعريف بالإسلام.
إن مركزنا الإسلامي متخصص في الكتاب الإسلامي باللغة اليابانية ، ويزود كافة الجمعيات الإسلامية في اليابان والطلاب والمتدربين والتجار والسياح وغيرهم بالمادة الإسلامية المقروءة ، ويزود المتدربين وحديثي القدوم إلى اليابان بالمعلومات اللازمة عن المساجد وأوقات الصلاة والأطعمة الحلال ومراكز تجمع المسلمين.
مداخلة :
وهنا نؤكد مرة أخرى أن الشعب الياباني تتمثل به الأخلاق العالية والصفات الكريمة، بل أقول : إن الياباني إذا تعرف على الإسلام يجده مطابقاً للمثل التي يعتنقها مجتمعه، فينال استحسانه، وإذا أراد الله له الهداية فإنه يعتنق هذا الدين الذي أعجب به ، وإننا نرفق وثيقة تظهر الصــفات الأصيلة للشـعب الياباني التي ورثها عن زعمائه الفرسـان (السامورائي).
يكتب لنا شخص على البريد الإلكتروني أنه درس الإسلام ويريد اعتناقه، هل عليه أن يتعلم الصلاة قبل النطق بالشهادتين أم يقول الشهادتين ثم يتعلم الصلاة؟ وهل الختان لازما ، وإن كان كذلك فهل يجب أن يقوم به طبيب مسلم ؟ وإلا فهو على استعداد لعمله بأي مستشفى مجاورة لمكان تواجده؟ والأخرى تكتب لنا رسالة إنها درست الإسلام استعدادا لتقديم بحث في جامعتها فأعجبها الإسلام وتريد أن تدعو طلبة جامعتها إلى الإسلام بطريقة علمية ، وتقول: إني أعرف أن تحريم الخنـزير أمر له علاقة بالصحة، أليس هناك أشياء في الإسلام أثبتها العلم حتى أستطيع بها أن أدعو طلبة جامعتي للإسلام ؟
أما محمد داود فقد زار القدس وغزة قبل سنتين فأحب الإسلام فرجع إلى كيوتو ، واتصل بالأخت الداعية زيبا وتعلم منها الإسلام فأسلم (أقول عن الأخت زيبا كومي : إنها تعادل مائة رجل إن لم يكن ألفا).
أما عثمان فهو طالب في السنة الثانية من الجامعة في مدينة كيوتو، زار تركيا لأسبوع فأحب الإسلام ورجع وقرأ كتب المركز ، حيث طلبها من الأخت زيبا وأسلم ، وفاطمة ناكاسوني شابة تدرس في "برد فورد" في بريطانيا، كانت مسيحية وصادقت فتاة من أصل باكستاني فأسلمت، وهي تضع النقاب مع إنها في بريطانيا، هكذا كتبت لنا في بريد إلكتروني، وأخرى كتبت من أمريكا تريد معاني القرآن الكريم في اليابانية فأرسلنا لها ما تريد، وحينما سألناها عن الجالية الإسلامية في منطقتها قالت : نحن مائة شخص ، وأنا المسـلمة اليابانية الوحيدة ونريد بناء مسجد، وذكرت لنا أن لها صفحة إلكترونية خاصة بها فإذا هي أستاذة للموسيقى في إحدى الجامعات الأمريكية وتعالج بالموسيقى.
وفكتوريا الروسية كتبت لنا من داخل اليابان تريد بنكاً إسلامياً لإيداع نقودها تحاشياً للربا فأعطيناها عنوان البنك الوطني الباكستاني، وتحدثت معنا بالتلفون من مدينة لا تبعد كثيراً عن طوكيو ، وهي متزوجة من ياباني مسلم، وقلنا لها : بعد سبعين سنة من الحكم الشيوعي نرى مسلمة روسية تحرص أن تضع ما تملك في بنك غير ربوي ، هذه معجزة الإسلام وأرسلنا لها ترجمة معاني القرآن الكريم باليابانية ومنشورات المركز ليقرأها زوجها الياباني فشكرتنا على ذلك.
أما الرسالة التي كتبتها جارة مسجد طوكيو بعد أن دعاها للإسلام الشيخ نعمة الله في صباح ذات يوم قرب مسجد طوكيو وحينها كان تحت الإنشاء، وأعطاها نشرة ما هو الإسـلام وعليها البريد الإلكتروني للمركز هذه الرسالة فحواها كالآتي:
نشأت وأنا طفلة في بيت مجاور لمسجد طوكيو ....
وقد كان منظر قبته الزاهية قبيل غروب الشمس يأخذ بالألباب ....
وعندما هدم المسجد انتابني حزن شديد .....
وها إن المسجد قد بدأت إعادة بنائه فإنني أشعر بغاية الفرح والسرور..
وقد كتبت السيدة رسالتها على الانترنيت بورق أخضر وهو رمز الجنة عند اليابانيين.
ومثل هذا يحدث يومياً لنا في المركز ، وفي المعهد العربي الإسلامي ، وفي مسجد طوكيو المركزي ، ومسجد كوبي ، ومع الجمعيات الإسلامية كلها.
إن وجود التجمعات الإسلامية العديدة في اليابان يهيئ فرصة للمسلمين الجدد أن يلتفوا حولها ويتعلموا الحياة الإسلامية منها.
إن المركز الإسلامي في اليابان منارة شامخة للإسلام يهتدي بها من يريد أن يعرف شيئاً عن الإسلام ، ويهتدي بها المسلمون القادمون لليابان، وموقعنا الإلكتروني سهل الوصول إليه، فأي إنسان يضغط زراً بسيطاً إسلام- اليابان يصل إليه في الحال، وهنا تأتي الأسئلة والطلبات وهنا تأتي الإجابة السريعة، ونحن نحتفظ بكل البريد الإلكتروني الذي وصلنا، وإجماع المرسلين يشكروننا على الاستجابة السريعة.
كتب لنا طالب عربي من سياتل غرب الولايات المتحدة يقول : معنا أعداد من الطلبة اليابانيين يريدون التعرف على الإسلام ، ويرجو أن نرسل له كتباً باللغة اليابانية ، وإن طالبة رجعت إلى اليابان وعنوانها كذا ، ويرجو أن نرسل لها كتباً، فما كان منا إلا أن أسرعنا بإرسال مجموعة من الكتب وترجمة معاني القرآن الكريم له ، وكذلك للطالبة فكان تعليقه على ذلك أنه من بين مليون مسلم يوجد واحد من أمثالكم، ويشكر تجاوبنا السريع معه.
زد على ذلك أن مركزنا يعتبر من أقدم المؤسسات الإسلامية في اليابان ، ومعروف لدى الحكومة ووسائل الإعلام والجامعات والمدارس والجماعات الدينية في اليابان، مما جعله مرجعية دينية في اليابان ، ونحمد الله العلي القدير أن جعلنا في موضع نتمكن به أن ندعو لدينه القويم ، والقيام بفرض الكفاية نيابة عن الأمة الإسلامية، ونشكر كل الذين يقدمون الدعم لنا لتسهيل مهمتنا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لسيدنا علي : "لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من الدنيا وما فيها أو خير لك من حمر النعم "
الجيل الثاني مشاكله ومستقبله :
إن أهم مشكلة تواجه المسلمين في اليابان هي أبناء وبنات الجيل الثاني وأكثرهم من الزواج المشترك أجانب مع يابانيات ، وبالمثل مسلمات أجنبيات مع يابانيين مسلمين ، وكذلك أبناء المسلمين اليابانيين.
التعليم اجباري وأساسي، والآن لا توجد مدرسة إسلامية واحدة في اليابان ، ويوجد الآلاف من الأبناء المسلمين، وما لم نهيئ لهم وسيلة لتعليمهم الإسلام فلا شك أنهم سيذوبون في المجتمع غير الإسلامي ، والذي يحدث أن المسلم الباكستاني أو البنغلادشي يرسل زوجته اليابانية وأولاده إلى بلدانهم للتعلم ، ومع وجود الفروق الاقتصادية والاجتماعية بين اليابان وهذه البلدان فأن مشاكل كثيرة تظهر، وقد تؤدي إلى هدم الحياة الزوجية ، ولابد من حل جذري لهذه المشكلة.
إن المركز الإسلامي بصدد إقامة أول مدرسة إسلامية في اليابان، واشترى لذلك أرضاً مجاورة لمسجد طوكيو المركزي، ويعتزم إقامة مدرسة عليها ليكسر حاجز التردد في إقامة المدارس الإسلامية عند المسلمين في اليابان، كما كسر حاجز التردد في بناء المساجد في هذا البلد.
إننا إذا اعتنينا بأبناء الجيل الثاني فإن هؤلاء هم الذين سيقدمون الإسلام للشعب الياباني بكفاءة أعلى منا، فهم يابانيون ولغتهم يابانية ، وهذان عاملان مهمان.
وإننا نتقدم بالشكر والامتنان لسمو الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود على المساعدة التي قدمتها مؤسسته الخيرية لشراء أرض المدرسة، والشكر والامتنان كذلك للبنك الإسلامي للتنمية على موافقته لدعم ثلث تكاليف بناء المدرسة.
شكر وامتنان
وفي الأخير إننا نتقدم بالشكر والامتنان العميقين للمملكة العربية السعودية لما قدمته وتقدمه لرفع شأن الإسلام والمسـلمين في اليابان ، إن الكثير من العمل الإسلامي في اليابان هو نبتة مباركة زرعتها المملكة العربية السعودية ، كما إننا نشكر دول الخليج الشقيقة لدعم المسلمين في اليابان وكذلك الدول العربية والإسلامية الأخرى .
وإني بهذه المناسبة أتقدم بالشكر للأساتذة الأكاديميين اليابانيين الذي يهتمون بالثقافة الإسلامية، ويحرصون على تقديمها لأبناء قومهم بحياد تام ومن منابعه الأصلية بعيداً عن تأثير الغرب، ومن روادهم الحاليين على سبيل المثال لا الحصر البروفيسور إيتاجاكي Itagaki والبروفسورة كاتاكورا Katakura والبروفيسور كوماتسو والبروفسوران Sugita اللذان يحملان نفس اللقب في جامعة طوكيو والبروفيسورغوتو Gotoوغيرهم كثيرون، فتحية لهم وشكراً.
كما نشكر حكومة اليابان لإعطائها الحرية الكاملة للمسلمين في اليابان ورعايتها لهم ، وحرصها على تعميق التفاهم بين اليابان والعالم الإسلامي، وفي مقدمتهم معالي وزير الخارجية السـيد كونو Kono وكذلك البوليس الياباني بمختلف أشكاله ورتبه هو أول من يحرص على التعاون مع المسلمين أفراداً وجماعات.
ونحيي كذلك الشعب الياباني الصديق الذي ما إن يسمع كلمة "الإسلام" إلا ويتلقى نشراته وكتبه بكل احترام ويعبر عن ارتياحه لهذا الدين.
إن الدراسات التي تقوم بها الحكومة اليابانية على الأجانب تشير إلى أن المسلمين هم من أهدأ الجاليات وأقلها مشاكل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المصدر : المركز الإسلامي الياباني Islamic Center - Japan
موقع التأريخ http://www.altareekh.com (http://www.altareekh.com/)

القلب الحزين
02-01-2014, 06:58 PM
تسبيح الله .. بك أستجير


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1227735665828329193_319aac385b_m.jpgللشاعر السوداني: إبراهيم علي بديوي ( رحمه الله )
قصيدة رائعة أوردتها لما فيها من فوائد وعبر
بك أستجير ومن يجير سواكا *** فأجر ضعيفا يحتمي بحماك
إني ضعيف أستعين على قوى *** ذنبي ومعصيتي ببعض قواكا
أذنبت ياربي وآذتني ذنوب *** مالها من غافر إلا كا
دنياي غرتني وعفوك غرني *** ماحيلتي في هذه أو ذا كا
لو أن قلبي شك لم يك مؤمنا *** بكريم عفوك ما غوى وعصاكا
يا مدرك الأبصار ، والأبصار لا *** تدري له ولكنه إدراكا
أتراك عين والعيون لها مدى *** ما جاوزته ، ولا مدى لمداكا
إن لم تكن عيني تراك فإنني *** في كل شيء أستبين علاكا
يامنبت الأزهار عاطرة الشذا *** هذا الشذا الفواح نفح شذاكا
يامرسل الأطيار تصدح في الربا *** صدحاتها إلهام [. ...]
يامجري الأنهار : ماجريانها *** إلا انفعالة قطرة لنداكا
رباه هأنذا خلصت من الهوى *** واستقبل القلب الخلي هواكا
وتركت أنسي بالحياة ولهوها *** ولقيت كل الأنس في نجواكا
ونسيت حبي واعنزلت أحبتي *** ونسيت نفسي خوف أن أنساكا
ذقت الهوا مراً ولم أذق الهوى *** يارب حلواً قبل أن أهواكا
أنا كنت ياربي أسير غشاوة *** رانت على قلبي فضل سناكا
واليوم ياربي مسحت غشاوتي *** وبدأت بالقلب البصير أراكا
ياغافر الذنب العظيم وقابلا *** للتوب: قلب تائب ناجاكا http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12277360281008816651_22d46ee2d1_m.jpg
أترده وترد صادق توبتي *** حاشاك ترفض تائبا حاشاك
يارب جئتك نادماً أبكي على *** ما قدمته يداي لا أتباكى
أنا لست أخشى من لقاء جهنم *** وعذابها لكنني أخشاكا
أخشى من العرض الرهيب عليك يا *** ربي وأخشى منك إذ ألقاكا
يارب عدت إلى رحابك تائباً *** مستسلما مستمسكاً بعراكا
مالي وما للأغنياء وأنت يا *** رب الغني ولا يحد غناكا
مالي وما للأقوياء وأنت يا *** ربي ورب الناس ماأقواكا
مالي وأبواب الملوك وأنت من *** خلق الملوك وقسم الأملاكا
إني أويت لكل مأوى في الحياة *** فما رأيت أعز من مأواكا
وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة *** فلم تجد منجى سوى منجاكا
وبحثت عن سر السعادة جاهداً *** فوجدت هذا السر في تقواكا
فليرض عني الناس أو فليسخطوا *** أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
أدعوك ياربي لتغفر حوبتي *** وتعينني وتمدني بهداكا
فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي *** ماخاب يوما من دعا ورجاكا
يارب هذا العصر ألحد عندما *** سخرت ياربي له دنياكا
علمته من علمك النوويَّ ما *** علمته فإذا به عاداكا
ما كاد يطلق للعلا صاروخه *** حتى أشاح بوجهه وقلاكا
واغتر حتى ظن أن الكون في*** يمنى بني الانسان لا يمناكأ
و ما درى الانسان أن جميع ما *** وصلت إليه يداه من نعماكا؟
أو ما درى الانسان أنك لو أردت *** لظلت الذرات في مخباكا
لو شئت ياربي هوى صاروخه *** أو لو أردت لما أستطاع حراكا
يأيها الانسان مهلا وائتئذ *** واشكر لربك فضل ماأولاكا
واسجد لمولاك القدير فإنما *** مستحدثات العلم من مولاكا
الله مازك دون سائر خلقه *** وبنعمة العقل البصير حباكا
أفإن هداك بعلمه لعجيبة *** تزور عنه وينثني عطفاكا
إن النواة ولكترنات التي *** تجري يراها الله حين يراكا
ماكنت تقوى أن تفتت ذرة *** منهن لولا الله الذي سواكا
كل العجائب صنعة العقل الذي *** هو صنعة الله الذي سواكا
والعقل ليس بمدرك شيئا اذا *** مالله لم يكتب له الإدراكا
لله في الآفاق آيات لعل *** أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا *** حاولت تفسيراً لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى *** ياشافي الأمراض : من أرداكا؟
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما *** عجزت فنون الطب : من عافاكا؟
قل للصحيح يموت لا من علة *** من بالمنايا ياصحيح دهاكا؟
قل للبصير وكان يحذر حفرة ***فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟
بل سائل الأعمى خطا بين الزَّحام *** بلا اصطدام : من يقود خطاكا؟
قل للجنين يعيش معزولا بلا *** راع ومرعى : مالذي يرعاكا؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء *** لدى الولادة : مالذي أبكاكا؟
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه *** فاسأله : من ذا بالسموم حشاكا؟
وأسأله كيف تعيش ياثعبان أو *** تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟
وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت ***شهداً وقل للشهد من حلاَّكا؟
بل سائل اللبن المصفى كان بين *** دم وفرث مالذي صفاكا؟
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا *** ميت فاسأله: من أحياكا؟
وإذا ترى ابن السودِ أبيضَ ناصعاً *** فاسأله : مِنْ أين البياضُ أتاكا؟
وإذا ترى ابن البيضِ أسودَ فاحماً *** فاسأله: منْ ذا بالسواد طلاكا؟
قل للنبات يجف بعد تعهد *** ورعاية : من بالجفاف رماكا؟
وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو *** وحده فاسأله : من أرباكا؟
وإذا رأيت البدر يسري ناشرا *** أنواره فاسأله : من أسراكا؟
وأسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد *** كلّ شيء مالذي أدناكا؟
قل للمرير من الثمار من الذي *** بالمر من دون الثمار غذاكا؟
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى *** فاسأله : من يانخل شق نواكا؟
وإذا رأيت النار شب لهيبها *** فاسأل لهيب النار: من أوراكا؟
وإذا ترى الجبل الأشم منا طحاً *** قمم السحاب فسله من أرساكا؟
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال *** جرى فسله؟ من الذي أجراكا؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج *** طغى فسله: من الذي أطغاكا؟
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا *** فاسأله : من ياليل حاك دجاكا؟
وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحياً *** فاسأله: من ياصبح صاغ ضحاكا؟
هذي عجائب طالما أخذت بها *** عيناك وانفتحت بها أذناكا!
والله في كل العجائب ماثل *** إن لم تكن لتراه فهو يراكا؟
يا أيها الإنسان مهلا مالذي *** بالله جل جلاله أغراكا؟

القلب الحزين
05-01-2014, 04:09 PM
منهج دراسة الآيات الكونية في القرآن الكريم



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217364342274798914_85f4f76579.jpgإعداد الأستاذ الدكتور كارم السيد غنيم
أستاذ علم الحشرات ـ جامعة الأزهر
أمين عام جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
من المؤكد أن كافة المؤيدين يتفقون على ضرورة وجود المنهج والقواعد والضوابط التي بها يتعاملون مع آيات القرآن الكريم في دراسة الإشارات العلمية وفي التفسير العلمي، غير أنهم متفاوتون في الالتزام بشروط الدراسة ولكنهم جميعاً يحرصون على إجلال القرآن وتعظيمه واحترامه واحترام مقاصده ومعانيه
المنهج والضوابط والقواعد
1) تفسير القرآن بالقرآن:
من المعلوم لدى العلماء أن القرآن يفسر بعضه بعضاً، فما أجمل في موضع فصل في موضع آخر، وبالتالي يجب ألا تتعارض المعالجة العلمية لنص قرآني مع مضمون نص قرآني آخر، وبهذا تكون المطابقة بين الحقيقة الكونية وجملة ما يتصل بها أو بموضوعها من الآيات القرآنية، لا بينها وبين آية واحدة قد يخفى معناها على الناظر ولا يتبين إلا في ضوء آية أو آيات أخرى في نفس موضوعها
2) الرجوع إلى المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
وذلك بالاستعانة بالأحاديث النبوية في تفسير الآيات الكونية، إذا وجدت، والأخذ بصحيح المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه توسيع لمدلولات الآيات القرآنية
3) الاستئناس بالتفسير:
على القائم بمعالجة الآيات القرآنية قبل أن يقدم عليها أن يرجع إلى كتب التفسير متجنباً الدخيل من الإسرائيليات والمدسوسات والخرافات التي قد توجد في بعض التفاسير وعند النظر في إشارة علمية قرآنية يجري تفسير وفهم النص القرآني بالرجوع إلى التفاسير واختيار أقرب الأقوال إلى الحقيقة العلمية موضوع المطابقة مع الإشارة العلمية فمثلاً إذا كان البحث يدور حول المياه الملتهبة بقاع المحيطات والتفسير يتناول النص القرآني:"والبحر المسجور" وهناك ما يفسر "المسجور" بمعنى ( الممتلئ ) وما يفسر الكلمة بمعنى الملتهب أو المحترق، فالأفضل الاعتماد على التفسير الذي يختار المعنى الثاني
4) الإلمام بعلوم القرآن المساعدة:
عند التعامل مع الآيات القرآنية الكونية، سواء في مجال دراسة وجه الإعجاز العلمي، أم في مجال التفسير العلمي فلابد من الإلمام بالمعلومة الكونية المستخدمة في الدراسة، كما يجب الإلمام بالقدر المناسب من قواعد اللغة العربية التي تعينه على فهم النص القرآني فهماً صحيحاً وعميقاً، كما يجب الإلمام بالقدر الضروري من علوم القرآن الذي يحتاجها الباحث في دراسته. وذلك يتحقق على أحسن وجه بأن يعمل العلماء المتخصصون في العلوم الكونية والمتخصصون في علوم القرآن واللغة العربية كفريق عمل متعاون
5) الالتزام شروط التأويل:
ذكرت الحقائق العلمية في مختلف فروع العلم في القرآن الكريم على وجه الحقيقة تارة وعلى وجه المجاز تارة أخرى، ولذلك يجب تفسير اللفظ في النص القرآني على ظاهره ما لم يكن في النص قرينة تدل على المجاز، أو كان المعنى يستعصي فهمه على ظاهر اللفظ ومخالفة هذه القاعدة يؤدي إلى الوقوع في كثير من الأخطاء في الفهم والتفسير
6) التثبت من حقائق المعطيات العلمية:
يجب على القائم بالمعالجة العلمية للآيات الكونية في القرآن الكريم، ألا يأخذ في دراسته إلا بالحقائق العلمية الثابتة، ويبتعد عن النظريات وما دونها، كالفرضيات والاحتمالات والظنون والتخمينات وإذا كانت النظريات قد استقرت ولكنها لم تخضع للتجريب – وكثيراً ما يكون ذلك في علوم الفلك والجيولوجيا – فلا بأس من استخدامها مع التنبه إليها
7) مراعاة معاني الألفاظ وتعدد المدلولات:
ينبغي أن تخضع المعالجة العلمية للآيات القرآنية للمعنى اللغوي السليم للألفاظ، مع التنبيه إلى تعدد المدلولات للفظ الواحد، ولهذا فإذا أخذ أحد الأسلاف من العلماء في تفسيره لكلمات القرآن الكريم بمعنى معين، فلا ضير على من يقوم بدراسة الإعجاز العلمي أن يأخذ بمعنى آخر لنفس اللفظ، مادام أنه وارد بالمعاجم، وذلك بقصد تعميق اللفظ أو للاقتراب من المفهوم العلمي للإشارة الكونية القرآنية كما يراعى أن تكون لغويات الآية محل الدراسة وفقاً لما جاء بالمعاجم بحسب المعاني الأصلية للكلمات، وليس وفقاً لما طرأ على معاني الألفاظ من تغيير عند الناس بمرور الزمن.. وبعبارة أخرى يجب أن يؤخذ معنى اللفظة القرآنية من معانيها الأصلية
8) مراعاة تعدد مواضع الإشارات العلمية:
قد تحوي آية قرآنية واحدة حقائق كونية عديدة، وقد تأتي الحقيقة أو الظاهرة الكونية الواحدة في آيات قرآنية متفرقة، ولهذا يجب عند دراسة الإشارات القرآنية المتعلقة بتلك الظاهرة أو الحقيقة الكونية أن ينتبه الباحث إلى ذلك، وعليه أن يملك أحد مسلكين أو كلاهما ليخرج باستنتاجات شاملة ومتكاملة، وهما:
أ‌- تحليل الآية الجامعة إلى الحقائق ( أو الظواهر ) الكونية الموجودة بها، ثم تناول كل على حدة مع تقصي، وبحث مواضع ذكرها في آيات أخرى من القرآن ومناسبة إيراد كل منها في موضعه، مع الربط بين الكلام في الحقيقة أو (الظاهرة ) الكونية الواحدة وبين السياق العام للآية
ب‌- عرض كافة الآيات الواردة في حقيقة ( أو ظاهرة ) كونية واحدة وتدبرها، لإبراز أوجه الإعجاز الموجودة بها، ويعني هذا أنه من الضروري عدم الاقتصار في فهم الآية الكونية – في الموضوع الواحد – على آية واحدة قد يخفي معناها على الباحث، ولا يتبين إلا في ضوء بقية الآيات الأخرى الواردة بها الحقيقة ( أو الظاهرة ) الكونية ذاتها، وهي آيات متفرقة في سور القرآن
9) التوفيق بين القطعي والظني:
هناك نصوص قرآنية قطعية الدلالة، وهناك حقائق علمية كونية قطعية، كما أن هناك نصوص قرآنية ظنية في دلالتها وكذلك ففي العلم نظريات ظنية في ثبوتها، ولا يمكن أن يقع صدام بين قطعي في كلا الجانبين، فإن وقع في الظاهر فلابد أن يكون هناك خلل في اعتبار قطعية أحدهما
أ‌- وإذا وقع توافق بين دلالة قطعية للنص القرآني وبين نظرية علمية، كان النص القرآني دليلاً على صحة تلك النظرية
ب-وإذا كان النص القرآني ظنياً والحقيقة العلمية قطعية يؤول النص بها
جـ- وإذا كان النص القرآني قطعياً واصطدم في ظاهره بحقيقة علمية، قلنا أن نؤول النص القرآني، ولنا أن نعتبر الحقيقة العلمية ناقصة الاكتشاف، أي عرف بعضها ويتبقى جزء منها غير معروف ومثال ذلك ( القلب )، فقد أمكن التعامل معه بشكل مادي واضح، والقرآن والسنة يتحدثان عنه بشكل معنوي، وهناك يكون الموقف كما قلنا فإما نؤول النص القرآني وتصبح كلمة ( قلب ) بمعنى ( عقل)، وإما أن نعتبر كل ما عرف من القلب حتى الآن يتناول فقط جانبه العضوي، ومازال جانبه المعنوي مجهولاً، بالرغم من الإحاطة العلمية الكاملة به واستقراره.. كحقيقة طبية ذات طبيعة مادية
وبعد.. فهذه جملة من الضوابط والقواعد التي يجب الالتزام بها عند المعالجة العلمية للآيات القرآنية، والبحث في الإعجاز العلمي وقد يفتح الله على متخصص في العلوم الكونية فتنكشف له حقيقة كونية من الإشارة العلمية القرآنية دون أن يتبع الضوابط والقواعد، فعليه حينئذ أن يقبلها ولا يرفضها ثم بعد ذلك يخضعها لمنهج البحث، حتى يتأكد من سلامة الاستنتاج ومطابقة الفهم للضوابط والقواعد.. وقد تأتي خاطرة علمية في ضوء آية قرآنية لقارئ للقرآن، فإذا جاءت فعليه أن لا يكتمها، بل عليه أن ينقلها إلى أهل الذكر من علماء الكونيات وعلماء الدين، فلعل فيما خطر له منها يفيد في مجال الإعجاز العلمي للقرآن الكريم
خصائص الأسلوب القرآني
أسلوب القرآن الكريم – وعباراته الدقيقة – بالغ الأهمية في إدراك مواطن الإعجاز العلمي والتعامل العلمي مع الإشارات الكونية بالقرآن الكريم ولا نتجاوز الحقيقة حين نقول:إن معرفة الإعجاز العلمي تقوم أساساً على الأسلوب القرآني، ونستطيع أن نقرر بأن الإعجاز العلمي يعرف من خلال الإعجاز البلاغي، ولهذا فمن الضروري أن نتعرف على بعض خصائص الأسلوب القرآني التي بها تتحقق معرفة الإعجاز العلمي
الخاصية الأولى: مراعاة العام والخاص:
القرآن الكريم إذ سمعه العامة فهموا منه على قدر استعدادهم – لغة وفكراً وثقافة – ونالوا منه ما يرضي عقولهم ويريح نفوسهم.. الخاصة – مثقفون ومتخصصون - إذا سمعوا نفس الآيات فهموا منه أكثر والمتخصصون في العلوم الكونية يدركون المعطيات العلمية الموجودة بآيات القرآن الكونية، فكلمة ( الأرض ) إذا سمعها العامة فهموا منها انبساط الأرض، والمتخصصون يفهموا منها كروية الأرض
الخاصية الثانية: السياق القرآني:
سياق الآيات والترابط الذي يوجد فيما بينها – أو الارتباط بما قبلها وبما بعدها – يكون مرشداً على مواطن الإعجاز العلمي وكذلك ترتيب مقاطع الآية وتسلسل موضوعها انظر مثلاً إلى قول الله تعالى في سورة المرسلات: ( وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماءً فراتاً ) [الآية] وتأمل الحكمة في ترتيب سقيا الناس الماء بعد الجبال الشوامخ وستصل إلى السر في الترتيب إذا علمت أن السحاب إذا لامس أعالي الجبال الشامخة ذات السطوح الباردة تكاثف بالتجمع وبالتبريد، وبهذا تكون الأنهار التي تمد الناس بالماء العذب أصلها من مياه البحار المالحة التي هي مصدر السحاب وجاءت كلمة ( فراتاً ) للتنبيه إلى نعمة الله سبحانه وتعالى، كما أنه بمفهوم المخالفة، أي ( الماء المالح ) تكمن الإشارة العلمية إلى مصدر السحاب، هو مياه البحار المالحة
وقد يكون السياق – أي الارتباط بين الآيات في الموضوع طويلاً وقد يكون قصيراً، حيث تنتقل الآيات سريعاً من موضوع إلى موضوع وعندما يحدث ذلك بين آيات أحداث الدنيا وآيات أحداث الآخرة، وتتداخل الآيات في بعضها البعض، يلزم اللجوء إلى القرائن التي تفرق بينهما
وأوضح مثال لذلك هو آيات سورة النمل ( 83- 88 )، فإنك تجد فيها ذلك التداخل، مما أوقع بعض المفسرين في سوء الفهم، وذلك بصرف آيات أحداث الدنيا إلى أحداث الآخرة، وحدث ذلك في ( الآية 88 ) وهي قول الله سبحانه وتعالى:(وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب صنع الله الذي أتقن كلّ شيء ) فقالوا بأن سير الجبال يحدث في الآخرة وصرفوا الآية إلى يوم القيامة ولكن بعضهم نظر إلى قوله تعالى في الآية:( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) فاعتبروا ذلك قرينة على أن الآية تكر أمور واقعة في الدنيا لأنها موصوفة بالاتفاق الذي يتناسب مع الخلق والوجود والإبداع وهذه القرينة لا تصلح لأحداث يوم القيامة التي تتصف بالتدمير والتخريب والفناء
الخاصية الثالثة: جمعه بين الإجمال والبيان:
إذا قرأت النص القرآني تراه واضح المعاني، فإذا أمعنت النظر فيه لاحت منه معاني جديدة، ولهذا فإن الآيات القرآنية التي تتناول الكونيات نزلت محملة بفيض من الأسرار التي تنكشف تباعاً بحسب ما يظهر من نتائج، وبحسب ما ينتج عنها من اكتشافات ومثال ذلك قول الله تعالى:( ألم تجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً ) [سورة النبأ] فعند مطابقة المعنى الوارد في التفاسير تراه مقتضباً ولا يخرج عن المعنى اللغوي وعند قراءة العلماء المتخصصون لهاتين الآيتين وتدبرهم في الكلمتين:مهاداً وأوتاداً يستخرجون منهما فيضاً من المعارف الكونية، ويجدون فيهما الكثير من الحقائق العلمية
الخاصية الرابعة: دقة البيان القرآني في التعبير العلمي:
عند قراءة النص القرآني عل الباحثين عن الإشارات العلمية أن ينتبهوا إلى دقة البيان القرآني وإلى اللطائف اللغوية ولو على مستوى الحرف انظر إلى قول الله سبحانه وتعالى:( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء ) [سورة الحجر] فلقد ثبت علمياً أن الرياح تقوم بتلقيح السحاب بما يجعلها تمطر والمفتاح البياني لفهم هذه الحقيقة الكونية هو ( فاء السببية ) وهكذا يكون تلمس الإشارات العلمية في كل جزء من النص القرآني ولو على مستوى الحرف..
وانظر إلى قول الله تعالى( والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي ) [سورة الحجر] فلقد جاءت فيه كلمة ( في ) بدلاً من ( على )، وفي ذلك إشارة علمية إلى أن الجبال لم تطرح على سطح الأرض، طرحاً بل غرست في الأرض، وهذا ما يطابق ما عليه الجبال من تعمق في باطن الأرض وقد يكون جزء الجبل المنغرس في باطن الأرض مساوياً للجزء الظاهر على سطح الأرض أو أطول، وكانت (في ) المفتاح البياني للفهم العلمي لهذه الآية..
الخاصية الخامسة: التشبيه البليغ والنظرة التوافقية:
جاء التشبيه البليغ في آيات القرآن الكونية ليقود العلماء إلى التلمس العلمي لهذه الآيات وإدراك ما بها من إشارات علمية، وذلك من خلال مطابقة المجهول بالمعلوم، كما في قوله تعالى:( والجبال أوتاداً) والأوتاد معلومة صفة وأداءً وعلى العلماء أن يدرسوا الجبال على ضوء ذلك التشبيه، وقد تحقق ذلك وتوصل العلماء إلى معلومات كثيرة في هذا الموضوع
ويلاحظ أن التشبيه القرآني من باب تشبيه الأعلى بالأدنى، وهو ما يعرف ( بقلب التشبيه ) فهو ليس من باب التهويل الذي يكون في لغة الناس، ولكنه من باب الدعوة إلى النظرة التوافقية والتوجيه إلى البحث في أوجه الشبه
دقة اختيار المصادر والاشتقاقات:
لدقة اختيار المصادر بآيات القرآن الكريم فائدة في بحث ودراسة الآيات ذات الإشارات العلمية، انظر مثلاً إلى ( بناء، بنيان ) للفعل ( بنى ) ( وبناء )، فلم يرد بالآية كيفية تعلقها بالسماء، كما في قوله سبحانه وتعالى: (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء ) [سورة غافر ] أما ( بنيان ) فلم يرد إلا متعلقاً بالأرض، كما في قوله سبحانه وتعالى: ( فأتى الله بنيانهم من القواعد ) [ سورة النحل ] واختصاص السماء في كتاب الله بأحد الاسمين ( بناء )، واختصاص الأرض بالاسم الآخر ( بنيان ) – على تعدد المواطن في سور القرآن – أمر له دلالته، وهو إشارة علمية دقيقة إلى أن هناك فرق بين طبيعة بناية السماء وطبيعية البنيان في الأرض.
وبعد:فهذه بعض جوانب البيان القرآني التي تعين على معرفة الإعجاز العلمي والبحث عن الإشارات والحقائق العلمية الواردة بالقرآن الكريم.. ونحن نطالب علماء اللغة بالمزيد من الاهتمام في الكشف عنها ودراستها بالمفهوم العلمي، والاشتراك مع المتخصصين في العلوم الكونية في البحث عما بها من إشارات علمية، ليتولوا جميعاً بيان الإعجاز العلمي والتفسير العلمي للقرآن الكريم


يتبـــــــــــــع

القلب الحزين
05-01-2014, 04:10 PM
يتبــع الموضوع السابق


منهج دراسة الآيات الكونية في القرآن الكريم

شواهد الإعجاز العلمي
لو أن ما جاء بالقرآن الكريم من المعارف الكونية بالقدر اليسير، لقال قائل بأنها جاءت من قبيل الخواطر، ولو أنها في موضوع واحد، لقال إنها من قبيل المصادفة الفكرية، ولو كانت قاصرة على المألوف من المعارف الشائعة في وقت نزول القرآن، لقيل إنها من قبيل ما يعرفه عامة البشر..
ولكن تلك المعارف الكونية جاءت بالوفرة والتنوع والسبق ودقة البيان بحيث تشكل موسوعة تتناول حقائق علمية وإشارات كونية في كافة العلوم على أحدث ما عرفه علماء الكونيات بعد قرون، ومازالوا يكتشفونه، وفي ذلك تأكيد وبرهان على وجود الإعجاز العلمي للقرآن
وفي هذا الفصل سنذكر أمثلة من الكشوف العلمية والحقائق الكونية التي جاءت في إشارات بالقرآن الكريم وسنكتفي بالقدر اليسير ومن أراد المزيد فعليه بالرجوع إلى عشرات الكتب الحافلة بتلك الموضوعات، وقد ذكرنا أسماء بعض هذه الكتب في الفصل الثالث.
في علم طبقات الأرض
1) قول الله سبحانه وتعالى: ( والجبال أوتاداً ) [سورة النبأ] جاءت الآية في معرض من الله على عباده وبيان مظاهر قدرته وحكمته فيما أودعه من المنافع في هذه الجبال
• فالجبال – من حيث الوصف – مطابقة للأوتاد في أمور كثيرة، منها:يوجد جزء ظاهر فوق الأرض وجزء يغوص في باطن الأرض، وهما معاً يأخذان وضعاً مائلاً ويختلف الرسوخ في الأرض بحسب الصلابة والشكل وطبيعة الأرض ولابد من التشكيل بصورة معينة والدق على الأرض بقوة، كل ذلك كان معروفاً عن الأوتاد ولكنه كان مجهولاً عن الجبال واحتاج تفسيره إلى إجراء دراسات لم يقم بها العلماء ليكتشفوا أسرار الجبال إلا في عصور متأخرة
• أما عن وظائف الأوتاد فهي تثبت الخيام، فما هي وظيفة الجبال المجهولة التي تشابه وظيفة الأوتاد المعلومة، والتي لم يكتشفها علماء طبقات الأرض إلا منذ عهد قريب ؟ إن وظيفة الجبال هي التثبيت أيضاً.. إنها تثبت القشرة الأرضية التي تطفوا على باطن الأرض المنصهر، وذلك بجذورها المنغمسة في باطن الأرض، ولولا لطفت القشرة الأرضية وتحركت وانعدم ثباتها، وهذا مصدقاً لقول الله تعالى: ( وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ) [سورة النحل] فالجبال ممسكات للقشرة الأرضية.. وهناك وظيفة أخرى للجبال لم تعرف إلا حديثاً وهي تثبت الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية، تماماً كما تقوم الأوتاد بتثبيت الخيمة، والغلاف الجوي هو بمثابة خيمة عظمى أوجدها الله سبحانه وتعالى لحماية الأرض
هذا ما قاله العلماء عن الإشارات العلمية التي تشير إليها الآيات القرآنية التي تتكون من كلمتين فقط، فهل هناك جدال حول ضرورة بيان إعجاز العلمي للقرآن الكريم ولينظر المتحفظون إلى تلك الحقائق العلمية التي دل عليها القرآن بالتشبيه البليغ
2) قول الله سبحانه وتعالى: ( والجبال أرساها ) [سورة النازعات] آية تشير إلى حقائق كونية حديثة الاكتشاف، والمدخل البلاغي الذي تكمن فيه الإشارة العلمية إلى تلك الحقائق هو كلمة (أرساها): فالرسو يشير إلى حالة من حالات الثبات يكون الجسم فيها طاف ومستقر فوق سطح السائل، وبحيث يكون الجزء الغاطس في السائل بالقدر الذي يتناسب مع حجم الجسم الطافي وثقله، فيما يعرف بقوانين الطفو والذي يحدث للسفن الراسيات على الماء بفعل قوانين الطفو يحدث للجبال التي تستقر عائمة راسية على الطبقة السائلة في باطن الأرض
فانظر كيف حملت كلمة ( أرساها ) تلك الحقائق العلمية التي ذكرها علماء طبقات الأرض بكثير من لتفصيل فيما يعرف ( بعلم وصف الجبال ) Orography"".. ونحن هنا نقول لمن ينكرون الإعجاز العلمي للقرآن الكريم:حكّموا عقولكم ولا تحكموا أهواءكم !!
3) قول الله سبحانه وتعالى: ( والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها ) [سورة النازعات] وفي تفسيره يقول المفسرون:أخرج من الأرض العيون والينابيع، وهذا هو المعنى القريب الذي يفهمه الناس جميعاً في كل الأزمان، وعن التعمق في فهم النص القرآني عرف المتخصصين أشياء أخرى كشفت عنها الأبحاث والدراسات في الأزمنة الحديثة، نذكرها باختصار فيما يلي:
أصبح هناك اعتقاد علمي بأن الماء على الكرة الأرضية في أول الأمر خرج من باطن الأرض نفسها على هيئة بخار الماء الذي قذفت به البراكين في بداية تكوين الأرض وتشكيلها:( والأرض بعد ذلك دحاها ) فالماء جاء من باطن الأرض بهذه الصورة في البداية
أما المياه الجوفية التي يتحصل عليها الناس من الآبار، وعلى شكل ينابيع فهي نتيجة لسقوط الأمطار على الأرض وتسريبها إلى الباطن، ثم خروجها بعد ذلك من الأرض، فتكون المياه في هذه الحالة ليست من ذات الأرض ولكنها من الأمطار التي سقطت عليها
وهنا يظهر الفارق الكبير بين فهم آيات القرآن الكونية بالمعنى اللغوي العام – ببساطته وسطحيته – وبين فهمها بالمعنى العلمي – بعمقه وحقائقه – مما يكشف عن الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.. ونقول لمفكري الإعجاز العلمي:تأملوا وتدبّروا !!
4) قول الله سبحانه وتعالى:( ألم نجعل الأرض مهاداً ) [سورة النبأ] وفيه يقول المفسرون:وجعلنا الأرض مهداً لكم كالفراش، وهذا هو المعنى اللغوي لكلمة (مهدا) أما علماء الكونيات فقد فهموا من الكلمة جملة من المعطيات العلمية التي توصلت إليها الاكتشافات الحديثة، والتي تندرج تحت الكلمة بالمطابقة السليمة بين المعنى اللغوي والدلالة العلمية، ونوجز ذلك فيما يلي:
كان سطح الأرض في الأزمنة السحيقة صلباً وخشناً وله بروز وغير مريح للإقامة وغير سهل للسير عليه، فتولته عناية الله سبحانه وتعالى بما سخره من عوامل التعرية التي قامت بتشكيل قشرة الأرض بدقة بالغة وبالشكل المناسب، وألقت التربة الناعمة على السطح لتصبح بمثابة الفراش ويصبح سطح الأرض مهداً..
وقد ورد بالقرآن نظائر كثيرة لكلمة ( مهاداً ) يفسر بعضها بعضاً وتزيد من الرؤية العلمية، ومنها [فراشاً، بساطاً، مهداً، قراراً، سطحت.. ]، وجاءت هذه الكلمات في آيات قرآنية موزعة على عدة سور منها( الزخرف – طه – النازعات – البقرة – نوح – الرعد – الملك – الغاشية – الحجر – النبأ... الخ )
ولقد كانت التوافقية واضحة بين العلم وبين هذه المفردات القرآنية، مما يقرب إلى الأذهان مفهوم الإعجاز العلمي للقرآن ويؤكده.. ونقول للمنكرين للإعجاز العلمي:اقرؤوا وتدبروا !!
في علوم الفلك والأرصاد والفضاء
1) يقول الله سبحانه وتعالى:( وهو الذي مدّ الأرض..) [سورة الرعد]، وفيه ( مد ) بمعنى ( بسط )، والكلمة بمفردها تشير إلى الحقيقة العلمية عن كروية الأرض، حيث أن الشكل الكروي هو الشكل الهندسي الوحيد الذي لا نهاية لبسطه والذي ليست له حافة هاوية وتظهر بلاغة التعبير باستخدام كلمة ( مد ) لتعبر عن انبساط الأرض فيما يشاهده الناس فيفهمونها، كما أنه تعبر عن ( كروية الأرض ) التي يحققها علماء الكونيات فيقبلونها، وهنا يتحقق الإعجاز البياني الذي يقود إلى الإعجاز العلمي
أما إذا كانت كلمة ( مد ) بمعنى الزيادة، فيصبح بها إشارة علمية أخرى إلى ما يحدث في الأرض من زيادات تتمثل في تكوين الجبال الرسوبية ودلتات الأنهار ورفع القيعان على شكل جزر، إلى آخر تلك الزيادات التي تطرأ على الجزء اليابس من كوكب الأرض
وبهذا تحمل الكلمة القرآنية أكثر من حقيقة علمية، وذلك بحسب المعنى اللغوي وإلى مثل ذلك نلفت نظر الباحثين في آيات القرآن الكونية، والراغبين في التعرف على الإعجاز العلمي وتعدد الإشارات العلمية في الكلمة الواحدة من آيات القرآن الكريم
2) قول الله سبحانه وتعالى:( أولم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها.. ) [سورة الرعد] يحمل عبارة (ننقصها) من أطرافها الكثير من الحقائق العلمية:فإلى جانب حقيقة النقص الموجود عند القطبين تصبح الأرض ناقصة التكوير، فإنه توجد أمور أخرى لإنقاصها حتى يكون ذلك مطابقاً لكلمة ( أطرافها )، ولا يكون النقص قاصراً على (الطرفين) ومن المعلوم أنه في الشكل الكروي يكون سطح الكرة كله بمثابة الأطراف، وعليه فإن سطح الكرة الأرضية هو ( أطرافها )، أما النواقص فهي كثيرة وتتمثل في إزالة أجزاء من مرتفعات سطح الأرض بفعل عوامل التعرية والنحت والعوامل الهوائية والمائية الأخرى، وبفعل النشاط التشويهي، وهبوط بعض الشواطئ أو غمرها بالماء، وما ينطلق من الأرض من الأجسام والمواد إلى الفضاء الخارجي في حالة تجاوزها قوة الجاذبية الأرضية.. إلى غير ذلك من أشكال النقص التي يذكرها العلماء
ولم يقتصر الفهم العلمي لعبارة "ننقصها من أطرافها" على ما حدث لقطبي الكرة الأرضية، وذلك لسببين لغويين:الأول أن الفعل جاء بصيغة المضارع الذي يفيد حدوث النقص في الماضي، كما يفيد حدوثه في الحاضر مع استمراره وثانيهما أن الكلمة ( أطراف ) بالجمع مما يجعل النقص غير قاصر على الطرفين وهكذا يسير البيان اللغوي مع البيان العلمي ويصبح الإعجاز اللغوي هو المعبر إلى الإعجاز العلمي.. ونقول لمنكري الإعجاز العلمي للقرآن الكريم:كونوا موضوعيين ولا تكونوا مشاغبين !!
3) قول الله سبحانه وتعالى: ( وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب صنع الله الّذي أتقن كل شيء إنّه خبير بما تفعلون ) [سورة النمل]، وفيه يرى كثير من المفسرين أن الآية تصف أحوال يوم القيامة أو ما يسمونه ( بين يدي يوم القيامة )، والسبب في ذلك الفهم أن الجبل لا تشاهد متحركة بل هي ثابتة في مواقعها كما أن الآيات في السياق تتحدث عن أحوال الآخرة
ولكن "الزمخشري" أدرك بذوقه البياني عدم التلاؤم بين قوله تعالى( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) وبين ما سيحل بالجبال من نسف وتدمير غير أنه توقف عن القول أن حركة الجبال حاصلة في دنيا البشر، حيث أن ذلك يصطدم بالمشاهد
وقد أصبحت الآية – في العصر الحديث، وعلى ضوء الاكتشافات الكونية – واضحة المعنى، فهي تشير إلى الحقيقة العلمية ( حركة الجبال ) بحركة الأرض التي تحملها، كما تتحرك السحب محمولة بالرياح.. وتصبح الآية كاشفة لدوران الأرض قبل أن يكتشفه العلماء بقرون كثيرة ولعل الزمخشري أقدم على القول بذلك
أما القول بالسياق، وأن الآية جاءت في سياق آيات تتحدث عن يوم القيامة فقد جاءت الآية (86) التي تتحدث عن أمور كونية في الدنيا، وهي قول الله تعالى: ( ألم يروا أنّا جعلنا اللّيل ليسكنوا فيه والنّهار مبصراً إنّ في ذلك لآيـات لـقوم يؤمنون ) [سورة النمل]، جاءت هذه الآية في نفس السياق لآيات يوم القيامة بحيث تتخلل الآيات التي تتحدث عن الآخرة آيات تتحدث عن الدنيا، وهكذا يوجد تداخل أحياناً بين الموضوعين وإلى هذا نلفت النظر ونقول لمنكري الإعجاز العلمي للقرآن الكريم:ألا تكفيكم هذه البراهين ؟
4) قول الله سبحانه وتعالى( والسمآء بنيناها بأييد وإنا لموسعون ) [الذاريات] يشير إلى ما اكتشفه العلماء حديثاً بشان الكون واتساعه المستمر، وتباعد المجرات عن بعضها والنجوم عن بعضها
وقد جاء النص القرآني معبراً بصراحة عن اتساع السماء، وذلك منذ أكثر من 1400 عام في حين أن العلم لم يتوصل إلى ذلك إلا منذ وقت قصير، مستخدماً أحدث الأجهزة وقد اكتشفوا امتداده واتساعه من خلال رصدهم للمجرات والأجرام السماوية التي تبعد عنا بملايين السنين الضوئية، وخاصة ما يسمى منها بأشباه النجوم "الكازار" وهي أبعد الأجرام السماوية التي تم التعرف عليها حتى الآن لشدة بريقها، إذ يتألق ( الكازار ) ببريق يساوي بريق مئات المجرّات
وقد وجد العلماء في رصدهم لحركة هذه الأجرام البعيدة عن طريق أطيافها أنها مزاحة نحو اللون الأحمر من طيف قوس قزح وهو ما يسمّى "ظاهرة الإزاحة الحمراء"، ومعناها أن هذه الأجرام تتحرك مبتعدة عنا.. كما وجدوا أنه كلما زاد بعد المجرة عن الأرض زادت سرعة ابتعادها عنا
وبذلك أثبت العلماء أن الكون يتمدد ويتسع بابتعاد مجراته بعضها عن البعض.. هذا التمدد مستمر حتى تفقد الجاذبية سيطرتها على هذه الأجرام الكونية فتتناثر في الفضاء محدثة نهاية العالم.. وصدق الله العظيم القائل:( وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجّرت وإذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدّمت وأخّرت ) [سورة الانفطار] ونقول لمنكري الإعجاز العلمي للقرآن:دعكم والمراء وكونوا مع الحق !!
5) قول الله سبحانه وتعالى:( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) [سورة الرعد]، يشير إلى أن السماء – وهي الكون وما به من الأجرام – قائمة ومرفوعة على عمد لا تُرى، وهي إشارة في باب الإعجاز العلمي للقرآن، حيث تشير إلى تلك القوى التي تحافظ على بقاء الكون مرفوعاً، ومنها الجاذبية العامة التي تحافظ على البناء السماوي بمكوناته البنائية، والتي قال عنها القرآن:( والقمر إذا تلاها ) [سورة الشمس]، والجاذبية العامة لم يكشفها ويكشف قوانينها العالم "نيوتن" إلا في القرن السابع عشر الميلادي أي بعد نزول القرآن بأكثر من عشرة قرون وبهذا السبق القرآني يكون الإعجاز العلمي
6) قول الله سبحانه وتعالى:(أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما.. ) [سورة الأنبياء] وفيه يقول المفسرون بأن السماوات والأرض كانتا في بدء خلقهما ملتصقتين ثم فصلهما الله سبحانه وتعالى عن بعضهما البعض والآية الكريمة تعد من عجائب الإعجاز العلمي في القرآن لأنها سبقت معطيات علماء الفلك المحدثين من أن الكون كله كان كتلة واحدة في أبسط صور التجمع وذلك قبل أن يصبح على وضعه الحالي، ثم حدث الفتق والانفصال بين أجزاء هذه الكتلة ونشأت الأجرام السماوية – بما فيها الأرض التي نعيش عليها.. وهم حتى الآن لا يدرون بالضبط كيف حدث هذا
وواضح أن السماوات – بالجمع لا بالإفراد هي والأرض تشمل الكون كله في حالته السديمية الأولى قبل أن تتخلف سموات وأرضين، كما أخبر الله سبحانه وتعالى في سورة الطلاق:( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزّل الأمر بينهنّ ) ونقول لمنكري الإعجاز العلمي بالقرآن الكريم:اعقلوا وتدبّروا !!
7) قول الله سبحانه وتعالى:( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) [سورة يس] نقول في بعض معانيه ما يلي:المدخل إلى التعرّف على الإشارة العلمية بالآية القرآنية هو:كلمة "تجري" فهي تدل على حركة حقيقية عظيمة القدر، تختلف عن الحركة الظاهرية التي نراها للشمس والتي هي بسبب دوران الأرض حول الشمس والحقيقة العلمية التي كشفها العلم الحديث هي أن الشمس تتحرك – جرياً – بسرعة قدروها، كما رصدوا الجهة التي تجري الشمس نحوها في الفضاء الكوني الرهيب.. وذلك بالإضافة إلى حركة الجري حول المجرة
وهناك وجه آخر للإعجاز في هذه الآية الكريمة إذا كانت قراءة "لمستقر" بالقراءة الثانية، وهي:"لا مستقر" وقد كشف العلماء أخيراً أن المستقر الذي حددوا موقعه وهو ما يسمى ( فيجا ) – إن صح أن هذا هو المستقر – فهو الآخر في انطلاق في بحر الفضاء الكوني، فتكون الشمس مستمرة في جريانها مع حركة الكون الشاملة، فلا مستقر لها في جريها الذي رصده العلماء، وذلك يتمشى مع قراءة ( لمستقر )، فيكون استقرارها ليس في فضاء الكون الذي حدده العلماء، ولكنه استقرار عند الأجل الذي عنده تكف الشمس عن الجري وهو الأجل الذي حدده الله سبحانه وتعالى
ونلفت النظر إلى أن حركة الشمس وردت في بعض الآيات بفعل ( تجري )، كما وردت في بعض الآيات بفعل ( يسبحون ).. يقول الله سبحانه وتعالى:( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) [سورة يس ].. ولا يخفى أن ( الجري ) غير ( السبح ) فلابد أن يكون للشمس حركتان تختلفان في طبيعتهما، وهذا يستوجب جهود علماء الكونيات للكشف عنه علماً أن ( يسبحون ) جاءت للتعبير عن حركة الشمس في الفلك – وإذا كان الفلك معناه في اللغة هو كل شيء مستدير، تكون كلمة ( يسبحون ) تعبيراً عن دوران الشمس حول نفسها وحول مركز المجرة.
وقد يقرّب ذلك الفهم بيان الفارق بين ( تجري ) و ( يسبحون )، فيكون الفعل ( تجري ) تعبيراً عن الحركة السريعة في أعماق الفضاء الكوني، ويكون الفعل ( يسبحون ) تعبيراً عن الحركة الدائرية للأرض.. ويحتاج الأمر – كما قلنا – إلى دور علماء الكونيات لبيان الفروق بين الحركتين عن طريق دراسات وبحوث علم الفلك.. وبهذا تكون الاستفادة من الإعجاز العلمي في مجال البحوث والاكتشافات التي تنطلق من الإشارات العلمية بالآيات القرآنية، وما قلناه مثال لذلك
ونقول للمتخوفين والمتحفظين على الإعجاز العلمي والتفسير العلمي للقرآن الكريم:اطمئنوا ولا تنزعجوا
8) قول الله سبحانه وتعالى:( ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكّرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ) [سورة الحجر]، يشير إلى صعود الإنسان في الفضاء وإلى بعض ما يشاهده في الفضاء الكوني ومعنى ( سكّرت أبصارنا ) هو سدت ومنعت عن الإبصار وفي هاتين الكلمتين إشارة علمية إلى الظلام الدامس الذي يخيّم على الفضاء الكوني، لتصبح العيون غير قادرة عل الرؤيا، وكأنها ممنوعة من الإبصار
ومعنى ( نحن مسحورون ) :هو على غير طبيعتنا، وفي ذلك إشارة إلى ما يواجهه الإنسان وهو في الفضاء الكوني من أحوال غير مألوفة:كمنظر الأجرام السماوية بأحجامها وألوانها المغايرة لما هو مألوف على الأرض، وكمنظر المذنبات السابحة في السماء بذيولها وألوانها، بالإضافة إلى الشعور بانعدام الوزن، وضيق الصدر، وانعدام سماع الصوت، وتأثير الأشعة الكونية المنتشرة في الفراغ.. إلى غير ذلك من المتغيرات التي يقابلها الصاعدون في السماء، يظنون أنهم قد سُحروا وهذا ما يشعر به ويشاهده روّاد الفضاء الذين يصعدون في السماء
وبهذا تكون الآية الكريمة قد أشارت إجمالاً إلى ما يحدث لأهل الأرض عندما يصعدون في الفضاء الكوني وهو ما لا يمكن إدراكه إلا لمن صعدوا فعلاً، ولذلك فإن وجود هذه الإشارات العلمية وأمثالها بالقرآن الكريم إنما هو من قبيل الإعجاز العلمي لهذا الكتاب الموحى به من عند الله العليم الخبير على رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ونقول للمتخوّفين والمتحفّظين:اقبلوا ولا تترددوا
9) قول الله سبحانه وتعالى:( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنّما يصعّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) [سورة الأنعام]
جاء على سبيل الهداية، وهذا من مقاصد القرآن الأساسية – ولكن هذه الآية حملت إشارة علمية في قوله تعالى: يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنّما يصّعّد في السماء  والحقيقة العلمية التي يشير إليها النص القرآني وهي ( ضيق الصدر ) أصبحت من المعارف المؤكدة علمياً وتجريبياً في طب الفضاء، وأول ملاحظات عنها كانت بعد ما يزيد عن ألف سنة من نزول القرآن، والسؤال المطروح هو:كيف استطاع هذا النبي الأمّيّ ( سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ) وهو الذي عاش كبقية مجتمعه بعيداً عن حياة الجبال الشاهقة، أن يصف ظاهرة تصعد الإنسان في الفضاء وما يصاحبها من ضيق شديد في الصدر ؟ لابد أن يكون الجواب هو أن القرآن الذي جاء به ذلك النبي الأمّيّ صلى الله عليه وسلم وحياً من الخلاق العليم، وأن ما بالقرآن من إشارات علمية هو ولا شك من إعجازه

يتبــــــــــــــــع

القلب الحزين
05-01-2014, 04:11 PM
يتبــع الموضوع السابق


منهج دراسة الآيات الكونية في القرآن الكريم


في علوم الجغرافيا والبحار والرياح
1) قول الله سبحانه وتعالى:( غُلبت الروم في أدنى الأرض ) [ سورة الروم ] نقول في معناه ما يلي:
التفسير:غلبت فارس الروم في أقرب الأراضي من العرب، وهي من أطراف الشام، وتكون ( أدنى ) بمعنى ( أقرب ) وإذا كانت ( أدنى ) بمعنى الواطي والمنخفض ) والتي هي نقيض الأعلى، تكون بها إشارة علمية، حيث إنه قد يثبت من الدراسات التاريخية والجغرافية أن المعركة الحاسمة التي كانت في الشام كانت في أكثر الأماكن انخفاضاً عن سطح البحر، وهي واقعة بالقرب من البحر الميت – والمعروف عنه الانخفاض الشديد عن سطح الأرض
2) قول الله سبحانه وتعالى:( والبحر المسجور ) [سورة الطور/6/] وفيه يصرف المفسرون الآية إلى أحداث يوم القيامة، وقالوا:البحر الملتهب، كما إنهم صرفوها إلى أحداث الدنيا وقالوا:البحر الممتلئ بالماء والصواب هو إن الآية عن أحداث الدنيا، لأن الآيات التي سبقتها كلها عن أشياء في الدنيا قبل الآخرة:فطور سيناء – والقرآن – والبيت المعمور في السماء – وسقف السماء المرفوع، الواردة بالآيات الخمسة السابقة لتلك الآية، كلها موجودة حالياً، فإذا أخذنا بتفسير ( البحر الملتهب ) وذلك لمن جعل ( المسجور ) بمعنى الملتهب، يكون بالآية إشارة علمية إلى حقيقة كونية لم تعرف إلا حديثاً ( وهي المياه الملتهبة في قاع المحيطات ) ولم يبدأ العلماء في دراسة قاع المحيطات إلا منذ عام 1920م بعد اختراع أجهزة الغطس، ولم يتمكنوا من دراسة قاع المحيطات العريقة إلا في أوائل النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، بعد اختراع أجهزة التصوير في أعماق البحار، ولقد وجدوا بقاع كثيرة من المحيطات العميقة عبارة عن براكين متفجرة باللهب وإذا استبعدنا المعارف البشرية لهذه الظاهرة البحرية المتمثلة في البحار الملتهبة تصبح هذه المعلومات من مصدر غير بشري، ولا تكون إلا وحياً من الله سبحانه وتعالى أنزله بعلمه في القرآن الكريم.. وفي هذا دليل على إعجازه العلمي
وهنا نلفت النظر إلى الفارق بين آية "البحر المسجور" بسورة الطور وآية (وإذا البحار سجّرت ) [سورة التكوير]، فالآية الأولى تتحدث عن "بحر مسجور" في الوقت الحالي، وقد جاءت في سياق آيات تتحدث عن أمور موجودة في الدنيا
أما الآية الثانية فتتحدث عن حالة تقع للبحار بين يدي يوم القيامة وليست في الوقت الحالي، وقد جاءت الآية في سياق آيات تتحدث عن أحداث يوم القيامة ولهذا، فلا يجوز أن تفسر إحدى الآيتين الأخرى ويجري بينهما تطابق، فالأولى كما قلنا عن الأحداث التي نعيشها في دنيانا، والثانية من أحداث نهاية العالم ويؤخذ بهذه الضابطة عند البحث عن الإشارات العلمية في الآيات القرآنية، دون التعجل في صرف آيات القرآن الكونية إلى أحداث يوم القيامة في مسألة ما إذا كان المفهوم العلمي لهذه الآيات غير معروف وكانت الموضوعات غير معقولة بسبب الجهل العلمي بها ونقول للمتخوفين والمتحفظين، تأمّلوا أعمال المشتغلين بدراسة الإعجاز العلمي تتعرفوا منهجهم وضوابطهم
3) قول الله سبحانه وتعالى:( أو كظلمات في بحر لجّيّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.. ) [ سورة النور ] جاء في معرض الهداية لبيان حالة الكفار الذين يعيشون في ظلمات الكفر، وكان الحديث يصف بدقة أموراً كونية لا يعرفها إلا من عاش في مناطق المحيطات العميقة.. كما تحمل الآية شارات علمية لحقائق كونية كانت مجهولة للعلماء إلى وقت قريب فالموجات المائية تحت سطح البحر، والموجات التي يعلوا بعضها البعض لم تكن معروفة لأحد ولم تكتشف إلا قريباً، وكان المعروف فقط للناس جميعاً هو الموجات المائية السطحية
أما اجتماع الظواهر الكونية الثلاثة، وهي:الموجات المركّبة تحت سطح البحار، والسحب الكثيفة التي تحجب بشدة ضوء الشمس، والظلمة المتناهية تحت سطح البحر، والتي تحول دون رؤية الإنسان ليده، فإنه لا يتحقق إلا في مناطق المحيطات ذات الأعماق، وهي واقعة فعلاً بهذه الصورة الدقيقة التي وصفها القرآن الكريم.. وحيث أن ذلك كله لم يكن معلوماً لأحد من عامة الناس، أو من العلماء إلى عهد قريب، فإن المعطيات العلمية للقرآن الكريم في هذا الموضوع يكون مصدرها الوحي الإلهي، وهذا يبين ويؤكد الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وأنه من عند الله الخالق العليم.. أليس في ذلك دليل يقنع المنكرين للإعجاز العلمي
4) قول الله سبحانه وتعالى( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ) [سورة الرحمن] يقول فيه المفسرون:أرسل الله سبحانه وتعالى البحر المالح والعذب متجاوران، ويلتقيان ولا يمتزجان بسبب حاجز بينهما من صنع الله سبحانه وتعالى
وقد تم اكتشاف الحواجز بين البحار المالحة عند الالتقاء، وكذلك عند منطقة التقاء البحر المالحة مع مياه الأنهار العذبة، وأصبحت تلك الحواجز حقيقة علمية جرى تحديدها وتصويرها ومعرفة طبيعتها، وتبيّن أنها عبارة عن حاجز مائي يتكون من اختلاط ماء البحرين عند الالتقاء وهو الحافز الذي يقوم بمنع امتزاج ماء البحرين، سواء كان بحراً مالحاً يلتقي مع بحر مالح، أم كان بحراً عذباً يلتقي مع بحر مالح
أليس ذلك من عجائب الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.. وماذا يقول المنكرون للإعجاز العلمي عن هذا الدليل وغيره من الأدلة التي سبق ذكرها ؟! ونقول للمتخوّفين:أليس في منهاج دراسة العلماء للإعجاز العلمي وما يقدمونه من دراسات:ما يطمئنكم ويقنعكم بأنهم يضيفون الجديد في فهم الآيات القرآنية
5) قول الله سبحانه وتعالى( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءً ) [ سورة الحجر ]، فيه إشارة علمية إلى تدخُّل الرياح في تلقيح الزروع، وذلك يكون بنقل حبوب اللقاح إلى الأعضاء المؤنثة في الأزهار ولم يفطن أحد من المفسرين إلى دور الرياح في تلقيح السحب لإنزال المطر كما لم يعرف ذلك على وجه الحقيقة العلمية إلا حديثاً
وقد اكتشف العلماء دور الرياح في تلقيح السحب بأنوية التكاثر من الغبار أو الملح أو قطرات ماء البحار، والجمع بين السحاب وكهربائيته السالبة وكهربائيته الموجبة، فيما يشبه التلقيح، وكل ذلك يترتب عليه سقوط المطر.. ولهذا فتقليح السحب هو الأقرب إلى فهم المقصود في قوله تعالى:( وأرسلنا الرياح لواقح ) وليس تلقيح الزروع كما كان يظن المفسرون القدامى والسياق في النص يؤكده ذلك المعنى، فالتلقيح هنا يتبعه نزول المطر من السماء، أي أن التلقيح هنا للسحب وليس للأزهار والأشجار، كما أن تاء السببية في كلمة ( فأنزلنا ) دليل آخر على ذلك المعنى
وهنا نتساءل:لماذا غفل العلماء والمفسرون عن هذا المعنى مع أنه يحتاج فقط إلى المعرفة اللغوية وإلى حكمة السياق في النص، وهما المفتاح الذي يفهم به المعنى الصحيح للنص القرآني، وبه يسهل إدراك تلك الإشارة والحقيقة العلمية بالآية القرآنية، والتي لم يكتشفها علماء الكونيات إلا في أوائل القرن العشرين الميلادي وكان الأحرى بالمفسرين القدامى أن يفطنوا إلى ذلك، ولكن ترددهم في توسيع المنظور العلمي لفهم وتفسير آيات القرآن الكريم أضاع عليهم فرصاً كثيرة وجعلهم بموقفهم هذا يحجبون عن علماء زمانهم تلك المفاهيم العلمية وهذه الإشارات الكونية.. لذلك نطالب بالانتهاء عن هذا التردد، وندعو المفسرين المعاصرين إلى أن يتنبهوا لهذه السلبيات، وأن يقبلوا على فهم وتفسير الآيات القرآن الكونية، بأسلوب متجدد وبفكر أكثر إطلالاً على المعارف الكونية، ونضع ذلك أمانة في أعناقهم ونحملّهم المسؤولية عن أي تقصير في دراسة الإعجاز العلمي بسبب المواقف السلبية منه.. ونقول لهم غوصوا بفهم عقلاني في أوجه الإعجاز البياني، وقدموا لعلماء الكونيات الجديد من المفاهيم والمعاني للآيات الكونية بالقرآن الكريم، حتى يقوموا بدورهم في الدراسة والبحث والاكتشاف، أو يقوموا بنقل المعارف والحقائق العلمية – التي يكتشفها العلماء من بحوثهم في الكون وسنن الفطرة – إلى مجال التفسير من أجل توضيح الآيات الكونية بالقرآن
في علوم الطب
الشواهد كثيرة في شتى العلوم الطبية:علم الأجنة – علم التشريح – علم الصحة الغذائية – علم الطب الوقائي – علم الطب النفسي.. وسوف نكتفي بذكر القليل من الشواهد ومن يرد المزيد فعليه بالكتب المؤلفة والأبحاث المقدمة من الندوات والمؤتمرات العالمية للإعجاز العلمي وفيما يلي بعض الشواهد على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم
1) يقول الله سبحانه وتعالى:( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلنه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) [ سورة المؤمنون ]
لقد نال خلق الإنسان اهتماماً كبيراً من القرآن الكريم، وجاءت به إشارات علمية في هذا الموضوع على جانب من الأهمية وهي تمثل حقائق عن تكوين الجنين وعن أطواره داخل الرحم، لم تكن معروفة إلى وقت قريب، وكانت كل المعلومات عن تكوين الجنين مغلوطة حتى القرن العشرين ففي القرن السابع عشر الميلادي كان المعتقد أن الإنسان يخلق خلقاً كاملاً في الحيوان المنوي للرجل على صورته الإنسانية، أي أنه لا يمر بأطوار في رحم الأم.. وفي القرن الثامن عشر عندما اكتشف العلماء بويضة المرأة قالوا:إن بويضة المرأة هي التي خلق فيها الإنسان كاملاً..
وأخيراً جاء العلم الحديث ليعطي المعلومات الدقيقة عن تكوين الجنين ومراحل تطويره والتي جاءت مطابقة لما ورد بآيات القرآن الكريم، وليعلن على لسان العلماء سبق القرآن وإعجازه العلمي.. والآية القرآنية السابقة الذكر تشير إلى المراحل البيولوجية لخلق الإنسان منذ أن يكون نطفة إلى أن يصبح إنساناً كاملاً..
وقد حظيت هذه الآية القرآنية – ونظائرها التي تناولت خلق الإنسان – باهتمام كبير من جانب كبار علماء الأجنة العالميين – مسلمين وغير مسلمين – نظراً لما بها من حقائق علمية بارعة جاءت بأدق العبارات والكلمات، وقاموا بمناقشة الطرح القرآني لموضوع الأجنة من خلال أبحاثهم التي حررها على ضوء تلك الآية القرآنية، ولم يسعهم إلا أن يعلنوا إعجابهم وتقديرهم بالإشارات العلمية التي جاءت بها، واعترفوا بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم
وهذا هو واحد من مشاهير علماء الأجنة – الأستاذ الدكتور / كيث مور – الذي يعتبر واحداً من أشهر ثمانية في العالم في ذلك العلم، يلقي عدة محاضرات بعنوان " مطابقة علم الأجنة لما في القرآن والسنة " كما يقوم بتأليف كتاب دراسي في علم الأجنة يستخدم فيه الكلمات القرآنية:نطفة – علقة – مضغة – اعترافاً منه بالدقة العلمية الفائقة لهذه الكلمات
وإلى المعارضين نوجه النداء بالاقتداء بأولئك العلماء الذين حكموا العقل واحتكموا إلى العلم وتجردوا من الهوى والتزموا بالإنصاف..!!
2) يقول الله سبحانه وتعالى:( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ) [سورة الإنسان]
تظهر أهمية هذه الآية وإعجازها العلمي الباهر إذا علمنا أن البشرية لم تكن تعلم شيئاً عن النطفة الأمشاج المكونة من نطفة الرجل وبها الحيوانات المنوية ( أي الحيمنات ) ونطفة المرأة وبها البويضة ( أي البييضة )، إلا عندما تمكن أحد العلماء في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي من تلقيح الحيوان المنوي للبويضة وأثبت أن كلاً من الحيوان المنوي والبويضة يشتركان في تكوين البويضة المنقحة ( اللاقحة، أي الزيجوت ) ومفتاح الفهم العلمي للآية القرآنية هو كلمة ( أمشاج ) وهي إشارة علمية دقيقة إلى اختلاط ماء الرجل ( بمكوناته المتعددة ) بماء الأنثى ( بمكوناتها المختلفة ) واتحاد الحيوان المنوي الموجودة بماء الرجل وماء الأنثى مختلط، وكل هذا الخلط الهائل المكون من مكونات كثيرة يؤلف ( أمشاجها ) بالجمع لا ( مشيجاً ) بالمفرد
3) يقول الله سبحانه وتعالى:( خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب) [ سورة الطارق ]
هكذا بوضوح شديد يذكر القرآن الكريم أن أماكن تكوين الماء الدافق ( النطف جمع نطفة ) هو في منطقة تقع بين الصلب ( أي العمود الفقري ) والترائب ( أي الضلوع وعظام الصدر ) ولأن المشاهد بعد التكوين الكامل للإنسان والمعلوم وهو أعضاء التناسل بشكلها وأماكنها وهي مصدر الماء الدافق، فقد أعطى النص القرآني الفرصة لخصوم الإسلام إلى إثارة الشبهات حول صحة ما جاء به، وقالوا بأن القرآن يخالف الحقائق العلمية
وأخيراً ومنذ عهد قريب شاء الله سبحانه وتعالى للحقيقة العلمية أن تكتشف وللإعجاز القرآني أن ينبلج وتوصل العلماء إلى كشف علمي جاء بياناً وتفسيراً للنص القرآني، وذلك مصدقاً لقوله تعالى بشأن القرآن الكريم ( ولتعلمنّ نبأه بعد حين ) [ سورة صاد ] فقد عرف علماء الأجنة بداية تكوين أعضاء التناسل منذ لحظة التكوين الخلوي وقبل تشكيل الجنين، أي منذ أن كان نسيجاً خلوياً، طبقتين تسميان:الأديم الظاهري ( الاكتودرم ) والأديم الباطني ( الإندودرم ) وبينهما يوجد ( الشريط البدائي ) وطبقة الأديم المتوسط ( ميسودرم ) وفي هذه المرحلة الأولى لتكوين الجنين تعرفوا على المنقطة التي تتكون منها أعضاء التناسل وحصروها في ( الكتلة الخلوية الوسطية ) وهي تقع بين منطقة الظهر ومنطقة تكوين الترائب وهكذا نجد القرآن الكريم قد أرجع الأعضاء التناسلية إل أصولها الأولى، وأشار إلى حقيقة علمية شديدة الخفاء، ولم يردد معلومات مألوفة وشائعة عن مصدر ( الماء الدافق ) في زمان نزوله، وبذلك فهو يعلن عن إعجازه العلمي بما لا يدع مجالاً للشك إلا في عقول المكابرين وقلوب الحاقدين
4) يقول سبحانه وتعالى:( الله يعلم ما تحمل كلّ أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكلُّ شيء عنده بمقدار ) [ سورة الرعد ]
يتعرض القرآن أحياناً لبعض التفاصيل الكونية ولا يقف عند العموميات ليعلم الناس أنه من لدن عليم حكيم وأنه كما قال تعالى: كتاب فصّلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون  [ سورة فصّلت ] والنص القرآني ( وما تغيض الأرحام ) شاهد على ذلك فهو يشير إلى مرحلة جزئية يمر بها الجنين عقب تلقيح البويضة مباشرة التي تنغمس في جدار الرحم وتختفي في هذا الجدار وتغيض وقد يكون في النص إشارة إلى ما يطرأ على بطانة الرحم من أحوال تغيض فيها، أي يقل سمكها
5) يقول الله سبحانه وتعالى:( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون ) [ سورة السجدة ]
من المعلوم أن السمع يذكر مقدماً على البصر في أكثر الآيات القرآنية التي جاء ذكرها فيها وهناك حقيقتان علميتان تفسران سبق السمع للبصر:
أما الحقيقة الأولى:فقد أثبتتها كشوف علم الأجنة، وهي أن جهاز السمع يتطور في الجنين قبل جهاز البصر ويتكامل وينضج حتى يصل إلى حجمه الطبيعي في الشهر الخامس من حياة الجنين، في حين لا يتكامل نضج العينين إلا بعد الولادة والجنين يسمع في بطن أمه – وبالتحديد في الشهر الخامس من حياته الجنينية – في حين لا يستطيع الإبصار إلا بعد ولادته، أي تتطور وتنضج كل المكونات العصبية لحاسة السمع قبل نضج مثيلاتها البصرية بفترة طويلة نسبياً
وأما الحقيقة الثانية:وهي أن مراكز السمع توجد بالمخ في موضع متقدم عن مراكز البصر
6) يقول سبحانه وتعالى( كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ) [ سورة النساء ]
في الآية إشارة علمية إلى أن الأعصاب التي تحس بالحرارة موجودة تحت الجلد مباشرة، بحيث إذا احترق الجلد انتهى الإحساس بالألم تماماً، وهذه حقيقة لم يعرفها العلم إلا حديثاً وبهذه الإشارة العلمية فإن أستاذ التشريح العالم "تاجاسن" شهد بمعجزة القرآن وأعلن إسلامه في المؤتمر الطبي السعودي في سنة 1982م
7) يقول سبحانه وتعالى:( وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال ) [ سورة الكهف ]
تشير الآية إلى حقيقة طبية يعمل بها في حالات الرقاد الطويل عند المرض، وهي حدوث المضاعفات نتيجة لهذا النوم الطويل، ومن أخطرها( قرح الفراش ) حيث يتآكل الجلد والأنسجة العميقة في أماكن الضغط التي يتعرض لها جسم المريض.. والعلاج الأمثل لهذه الحالات هو منع حدوثها والوقاية منها وذلك بتقليب المريض – كما قال القرآن – وتغيير وضعه على الجنين كل فترة
في علوم الزراعة
1) يقول سبحانه وتعالى:( ومثل الذين ينفقون ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أُكلها ضعفين فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌ والله بما تعملون بصير ) [ سورة البقرة ]
في هذه الآية القرآنية التي تهدي إلى أعمال الخير جاءت ( حقيقة علمية ) يشير إليها جزء من الآية هو:" ربوة عالية " وهكذا تأتي الإشارات العلمية بالآيات الكونية خدمة للدعوة والهداية
والحقيقة العلمية الزراعية التي يشير إليها النص القرآني ( بربوة عالية ) هي أن بساتين الفاكهة ( الجنات ) تجود زراعتها بالمناطق المرتفعة التي تعلو عن مستوى الماء الأرضي، حيث يجد المجموع الجذري لأشجارها متسعاً للنمو والتعمق والامتداد في الأرض، وذلك يؤدي إلى تثبيت الأشجار مع الحصول على الماء والغذاء الوفير بواسطة الجذور الكثيرة التي تنزل إلى أعماق أكثر من التي تنزل إليها جذور نباتات المحاصيل الحولية، كالقمح والبقول
كما أن زراعة الأشجار بالأراضي المنخفضة القريبة من سطح الماء يجعل جذورها تتعرض للتلف، وتصاب الأشجار بالمرض. وبهذا البيان القرآني وضحت الحقيقة العلمية، وهي تفضيل زراعة البساتين بالأراضي المرتفعة عن سطح البحر في الأعم الغالب، وهكذا يتبين الإعجاز العلمي للعلماء المتخصصين في المجالات الكونية من خلال آيات القرآن الكريم
2) يقول الله سبحانه وتعالى:( إن الله فالق الحب والنوى ) [ سورة الأنعام ]
ثلاث كلمات هي:" فالق الحب والنوى "، تحمل إشارات علمية كثيرة ( فالفلق ) يوحي بالتفجير والتكسير والتحطيم، وقد أثبت علماء النبات أن الطاقة اللازمة لتكسير قشور البذور المختلفة أثناء الإنبات هي طاقة ضخمة نسبياً وتترتب على الشراهة الشديدة للبذور لامتصاص الماء والزيادة الشديدة في حجم البذور وفي ذكر ( الحب والنوى ) إشارة إلى وجود فروق كثيرة بينهما عند الفلق والإنبات.. وهذا ما كشفه العلماء وتوصلوا إلى الاختلافات الدقيقة في ترتيب ميكانيكية الفلق والإنبات بين الحب والنوى والإشارات العلمية التي يحملها هذا النص القرآني القصير شاهد عيان على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم
في العلوم الهندسية
يقول الله سبحانه وتعالى:( قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) [ سورة النحل ]
هذه الآية القرآنية فيها الوعيد للكافرين، وهي للوعظ، وجاءت الآية كمثل وفي صيغة تشبيه، وهي تحمل إشارة علمية.. وذلك شأن الآيات القرآنية الكونية
والإشارة الهندسية في الآية إلى سقوط المباني من علو إلى أسفل بسبب انهيار القواعد توضح أن أبرز ما في عملية الهدم هو سقوط السقف كتلة واحدة، وهذا الشكل من انهيار المباني لا يتأتى إل في نوع واحد من التصميمات، وهي المباني الخرسانية التي تقوم على القواعد الحاملة للأسقف، وهي المنتشرة في وقتنا الحاضر ولم تكن معروفة في الماضي
وهذه القواعد ( الأساسات والأعمدة ) هي نقطة الضعف في البناء، وإذا أرادوا هدم عمارة – مهما كانت ضخامتها – فإنهم يقومون بتهشيم القواعد ( الأعمدة ) وسحبها متباعدة عن بعضها فينهار المبنى من علو إلى أسفل.. وذلك يطابق ما جاء بالآية القرآنية والمهندسون أكثر الناس إدراكاً للإشارة الهندسية وما بالآية القرآنية الحالية من إعجاز علمي.
يمكن إرسال التعليقات حول المقالة إلى فضيلة الدكتور كارم السيد غنيم
[email protected]

القلب الحزين
05-01-2014, 04:17 PM
الطب ومكانته في التشريع الإسلامي


بقلم الدكتور محمد نزار الدقر
إنه لمن نافلة أن العلوم الكونية ومنها العلوم الطبية لا تدخل بشكل مباشر في مهمات الرسالات السماوية، فإن تطوير هذه العلوم وترقيتها متروك للجهد البشري وأبحاث العلماء. إلا أن الدين الحنيف على العلوم الطبية بالتوجيه الرباني والإشراف النبوي حتى تستخدم لصالح الإنسانية.
وتعود أهمية الطب لحاجة الناس إليه، فهو الذي يحفظ البدن ويدفع عنه غوائل المرض وأنواع السقم. وفي هذا يقول الإمام الشافعي: (صنعتان لا غنى للناس عنهما: العلماء لأديانهم والأطباء لأبدانهم) وليس غريباً أن يعنى الإسلام بأسس الصحة العامة وسبل الوقاية من الأمراض بصورة عامة، ذلك أن المسلم إذا كان قوياً صحيح البنية، كان أقدر على القيام بالواجبات المترتبة عليه، سواء تجاه ربه، أو تجاه نقسه وأسرته ووطنه، وبكلمة أخرى كان أقدر على القيام بالمهمة التي أوكله الله بها من إعمار الأرض وجعله خليفة فيها. قال تعالى: (هو أنشأكم من الأرض وأستعمركم فيها).
ومن هنا كانت أمور الطب الوقائي ووضع أسس الحفاظ على الصحة العامة ووضع التشريعات للممارسة الطبية الصحيحة هي من واجبات الدولة من منظار شريعتنا الغراء. لا بل نزلت النصوص القرآنية المحكمة، والتي جاءت كقواعد صحية عامة، وكانت بمثابة مواد دستورية في هذا الشأن:
قال تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة: 195
وقال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) النساء: 29
وقال جل شأنه: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة 222.
ثم جاءت النصوص النبوية لتوضح هذه القواعد علماً وتطبيقاً ولتجعل من المحافظة على صحة البدن وقوته وحياته أمراً شرعياً: يقول النبيe:(إن لجسدك عليك حقاً) رواه البخاري. ويقول e: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) رواه مسلم.
وتدل النصوص النبوية أن الإسلام جعل للصحة والعافية المقام الأول بعد اليقين بالله: يقول المصطفى e(سلوا الله المعافاة فما أوتي أحد بعد اليقين خيراً من المعافاة)رواه ابن ماجه.
ويقولe: (سلوا الله العفو والعافية فما أوتي أحد بعد يقين خيراً من معافاة)رواه النسائي. وقال e: (ما سئل الله شيئاً أحب من العافية)رواه الترمذي.
وقد روى الترمذي بسند حسن أن رجلاً قال: اللهم إني أسألك الصبر، فقل له النبيe: (سألتالله البلاء فاسأله العافية)وقالe(يا أيهاالناس إن الناس لم يعطوا في الدنيا خيراً من اليقين والمعافاة فسلوها الله عز وجل) رواه أحمد بإسناد حسن.
وقال عليه الصلاة والسلام: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري.
ويجعل علماء العقيدة من (حفظ النفس) المقصد الثاني من مقاصد الشريعة الإسلامية بعد حفظ الدين، وفي هذا يقول الإمام الباجوري في متن جوهرة التوحيد:
وحفظ دين، ثم نفس، مال نسب ومثلها عقل وعرض، قد وجب.
ويؤكد هذا المعنى الإمام الشاطبي في الموافقات: الشريعة وضعت المحافظة على الضرورات تتصل بوجوب المحافظة على صحة البدن، ألا وهي النفس والعرض والعقل.
وإذا كان الإسلام قد أوجب المحافظة على النفس والعقل، أو ليست هذه غاية الطب، يقول العز بن عبد السلام: (الطب كالشرع وضع لجلب مصالح وضع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد الأعصاب والأسقام) ويقول الإمام الشافعي: (لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أنبل من الطب).
والإسلام دين الفطرة، وله السبق نسبة للتشريعات الوضعية في مجال الرعاية الصحية.
وحفظ الصحة أم نلحظه بين فقرات كثيرة من التشريعات الإسلامية والتي نجدها مبثوثة في كتب والفقه والآداب الإسلامية وفي أمور الحلال والحرام، وحتى العبادات المحضة التي نؤديها شك طاعة لله سبحانه وتعالى: نجد حفظ الصحة في أس بنائها، أو ليس في طهارة الثوب والبدن والمكان المطلوبة قبل أداء الصلاة، وفي الوضوء خمس مرات يومياً، والغسل من الجنابة، والأغسال المسنونة نظافة رائعة في وقاية البدن من كثير من الأمراض ونحن لا نؤدي الصلاة (رياضة بدنية) كما يحلو للبعض أن يقول، إننا نصلي تعبداً وخضوعاً وامتثالاً لأمر الخالق العظيم. ولكن هل ينكر أحد أن أداء الصلاة بإتقان ركوعها وسجودها أمر يدرب عضلات الجسم ويمتع تيبس مفاصله، وهي آفات قلما تحصل عند المسلمين كما يؤكد ذلك كبار الأطباء.
والصوم، نؤديه تقرباً إلى الله طاعة وزلفى، ولكن ألم يثبت لعلماء الغرب أن الصوم الإسلامي صيانة (لمعامل البدن) شهر كل سنة، ينقي البدن من فضلاته وسمومه ويصقل الأجهزة ويعيد إليها (جدتها) وعملها الفيزيولوجي السوي.
أليست الدعوة إلى السواك في قول النبي e: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) سبق صحي ليس له مثال، دعا إليه نبي الرحمة يوم كانت نبيلات روما يتمضمضن بالبول، أليس عود الأراك مفخرة لأمتنا بين الأمم يوم لم يكن هناك فرشاة ولا معجون لتنظيف الأسنان، وهو بما فيه من مواد كيماوية طبيعية صالح لأن يجمع خواص كل من المعجون والفرشاة على السواء.
وآداب الطعام والشراب في تشرعنا الإسلامي تلحظ صحة البدن والمحافظة عليه، ولها السبق في ذ لك على كل ما قروه الطب الوقائي الحديث، أليس في قوله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) وقول النبي e: (ما ملأ ابن آدم شراً من بطنه). وقاية للبدن من أمراض البدن التخمة وويلاتها. وقواعد الشرب وآدابه التي وصفها محمدeللشاربين، من النهي عن الشرب واقفاً، والشرب على ثلاث و...، لقد أكد الطب الحديث إعجازها، خاصة وقد أمر بها النبي الأمي e، الذي لم يصل الطب في زمانه إلى كل هذه المعطيات.
وضع الإسلام قواعد صحية رائعة لتنظيم ساعات العمل والنوم ما تزال هي الأمثل بين كل التشريعات الوضعية. قال تعالى: (وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً) وقال النبيe: (بورك لأمتي في بكورها)إذ تؤكد إحصاءات منظمة الصحة العالمية كثرة انتشار الأمراض بين فئة العاملين نهاراً. كما أكدت أن الإنتاج العضلي والفكري للإنسان في ساعات الصباح الباكر تفوق إنتاجه بقية ساعات النهار أو الليل نوعاً وكماً.
لقد أثبت الطب أن النوم على البطن يؤدي إلى تشوهات عضوية وآثار مرضية سيئة على البدن أليس في هذا توافقاً مع نهي النبي eمن النومعلى البطن حين عدها (ضجعة يبغضها الله ورسوله) ثم ما أثبته الطب اليوم أن أفضل ضجعة للنوم هي النوم على الجانب الأيمن التي دعا إليها نبي الرحمةeإن محمداًeلم يدرس التشريح ولم يكن علم التشريح في عهد محمدeليعرف تفصيلات في الجسد عرفت اليوم، ومع ذلك فإن دعوة محمد eتنسجم تماماً مع كل معطيات العلم الحديث.
ولعل أروع ما في تشريعنا الإسلامي، تنظيم غريزة الجنس ووضعها في إطار يفجر طاقاتها لمصلحة الجسد لا لتدميره، لقد دعا النبيeإلى الزواج المبكر حين قال: (يا معشر طاقاتها من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) ودعا إلى اختيار الزوجة الصحيحة السليمة فقال: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ونظم قانوناً لمنع انتشار الأمراض العائلية بالوراثة في كلمتين خالدتين حين قال: (اغتربوا ولا تضووا)[1] ، وفي قول عمر لآل السائبة: (قد أضوأتم فانكحوا في النوابغ).
ونظم أمور المعاشرة الزوجية، بحيث ضمن سلامة الزوجين من الإصابة بعدد من الأمراض الجنسية، ووضع أسس صحة المرأة وعافيتها، فنهى عن المواقعة قبل المداعبة، ونهى عن إتيان الزوجة في المحيض في قوله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) وعن الإتيان في الدبر وذلك في قول النبي e: (ملعون من أتى إمرأة في دبرها)، مما أثبت الطب الحديث مضاره ومفاسده وما يلحق به من أذى لكل من الزوجين.
وهل ينكر عاقل أو منصف من أطباء ما للزنى واللواط من أثر مفجع في انتشار الأمراض الجنسية كالزهري والسيلان، وانظر إلى الإعجاز في قوله تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً).
وهل يجد المسئولون اليوم وسيلة لمكافحة الإيدز (طاعون العصر) أفضل من إدخال التعاليم الدينية في روع الناس وتحذيرهم مغبة الإصابة بهذا الطاعون الجديد؟
لقد وضع الإسلام القاعدة الذهبية في الأطعمة، فأحل الطيب النافع وحرم الخبيث الضار، استمع إلى قوله تعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) فهو دليل واضح على تحكيم قواعد الطب في التشريع ودخوله في نطاق الحلال والحرام في الدين الحنيف. وهنا نقول: أليست الخمر أم الخبائث. لقد سأل رجل النبي eعن الخمريضعها في الدواء فنهاه وقال: (إنها داء وليست بدواء) وهل ينكر طبيب منصف مدى المنفعة التي تجنيها الإنسانية في صحة مجتمعاتها لو استطاع قادتها اليوم أن يتصلوا إلى تشريع يحرم الخمر و صنعه و تداوله .
أليس في تحريم الخمر و المخدررات في تشريعنا رحمة كبرى لمجتمعنا المسلم عندما نقارنه بما تعاينه المجتمعات الغربية من مشاكل صحية خطيرة أمام قضية الإدمان ؟ ألم تؤكد دراسات منظمة الصحة العالمية علاقة التدخين بانتشار السرطانات علاوة على اشتمال أضراره لكل أجهزة البدن و في مقدمتها الجهاز العصبي ؟
نعم . إن الالتزام بتطبيق قول الله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير ) وقاية للبدن من الإصابة بعدد من الأمراض منها داء عضال خبيث ينتقل إلى الإنسان بتناول لحم الخنزير، أما الميتة وما تحمل من لحم متفسخ بتأثير الجراثيم فقد يكون فيها المهلكة لآكلها.
وأكبر خطر على الإنسان وصحته وسلامة أعضائه نجده عند تعرضه لحوادث لا يحتسب لها حساب. وفي التشريع الإسلامي ما يضمن السلامة من الحوادث عندما نطبق تعاليمه. اقرأ إن شئت هذه النصوص الرائعة: يقول النبي e: (ولا تتركوا المار في بيوتكم حين تنامون)متفق عليه وقول النبي e: (غطوا السقاء وأغلقوا الباب وأطفئوا السراج) رواه مسلم. وقوله e: (من بات على ظهر بيت ليس له حجار برئت منه الذمة) رواه أبو داود.
ثم أليس في نظافة ومنع التبول والتبرز فيها تشريع صحي هام لمنع انتشار البلهارسيا والأنكلستوما والزحار وغيرها من الأمراض الطفيلية المهلكة لعضوية بني آدم.
قالe : (اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل)رواه أبو داود.
لقد نطق المصطفى eبأول قانون للحجر الصحي لمنع انتشار الأمراض السارية وللوقاية من العدوى فيها والتي تعتمد أصلاً على عزل المريض عن الصحيح: (لا يورد ممرض على صحيح) رواه مسلم. و(إذا سمعتم بالطاعون فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها) رواه البخاري. والمعجز هنا أن ينطق النبي الأمي eبهذا الكلام قبل أن تكتشف (الجراثيم) و(الطفليات) العوامل الممرضة للأوبئة ـ بأكثر من ألف عام.
وأخيراً فلقد بعث النبي eفي بيئة أمية جاهلة اعتمدت في معالجة مرضاها على رقى وتمائم لكهنتهم وبالغت في استعمال الكي وتعليق الودع والخرز فوضع القواعد الصحيحة للتداوي، ومنع أو نهى عن التعلق بالأوهام من خرز وتمائم مرتبطة بلجان أو بالأصنام، وأمر بالتداوي فقال: (تداووا عباد الله) وأمرهم برقى تربطهم بالله خالق الداء والدواء، ووصف لهم، في بعض الحالات الشائعة، ما ألهمه له الوحي من معالجات وأدوية أثبت الطب اليوم فعاليتها، حيث وصف العسل والحبة السوداء والقسط وماء الكمأة والصبر وغيرها وبرد الحمى بالماء البارد، ووصف الحجامة للشقيقة وتداوى بها لكنه عليه الصلاة والسلام أرسل إلى الأطباء يستدعيهم لمعالجة حالات مرضية متفاقمة عند بعض أصحابه، فقد ثبت في الصحيح من حديث جابر (أن النبي eبعث إلى أبي كعب طبيباً فقطع له عرقاً وكواه عليه) وأمر باختيار أحذق الطبيبين. كما نهى الجهلة والمتطببين عن تعاطي هذه المهنة الشريفة عن غير علم وضمنهم عواقب جهلهم فقال e: (من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن) أليست هذه الأصول صحيحة لممارسة طبية ـ علمية متقدمة؟
في التداوي
لقد دعا الإسلام إلى التداوي وعدم التواكل وأن التداوي لا يتعارض مع التوكل، ومبحث النهي عن التداوي بالمحرمات، وجواز ذلك عند الضرورة، ومدى مسؤولية الطبيب عند معالجته لمرضاه، وضمان المتطبب الذي لم يعهد منه الطب أو تعلمه، وأخيراً في الآداب التي يفرضها الشارع الحكيم على من يزاول المهن الطبية وأدب عيادة المريض .
روى مسلم في صحيحه أن النبي eرخص إذا اشتكى المحرم عينه أن يضمدها بالصبر. قال ابن جرير الطبري: ((وفي الحديث دليل على بطل ما يقوله ذووا الغباوة من أهل التصوف والعباد من أن التوكل لا يصح لأحد عالج نفسه بدواء، وإذ ذاك عندهم طلب العافية من غير من بيده العافية والضرر والنفع، وفي إطلاق النبي eللمحرم علاج عينه بالصبر أول دليل على أن معنى التوكل غير ما قال الذين قولهم وأن ذلك غير مخرج فاعله عن الرضا بقضاء الله، لأن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء إلا الموت. وقد جعل أسباباً تدفع الأدواء، جعل الأكل سبباً لدفع الجوع).
يا عباد الله تداووا
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي eقال: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء) رواه البخاري، وفي رواية (من داء).
وعن أسامة بن شريك عن النبي eقال: (تداووا يا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحداً، الهرم) أخرجه أحمد والأربعة وصححه الترمذي.
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي eقال: (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى) رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله eقال: (ما خلق الله من داء إلا وجعل له شفاء علمه وجهله من جهله إلا السام، والسام الموت) رواه ابن ماجة.
في هذه الأحاديث إثبات للمداواة وحث عليها وتعريف بأنها سبب للشفاء. وأن الأدوية ليست سوى أسباب خلقها الله وسائل للشفاء والأخذ بسنة الله في كونه. وفي قوله e(علمه من علمه وجهله من جهله) حث للأطباء المسلمين على البحث والاستقصاء لاكتشاف أدوية للأمراض التي لم يعرف لها بعد دواء ناجع واستخراج أدوية أفضل من سابقتها. وفي تأكيد النبي eأن لكل داء دواء. تقوية لنفس المريض عندما يستشعر بنفسه وجود دواء لدائه. يقوى به رجاؤه وترتفع معنوياته ويذهب توهمه الذي هو عدو آخر بعد المرض.
وقد علق النبي eالبرء بموافقة الدواء للداء، فللأدوية مقادير معينة تفعل بها يجب ألا تزيد عنها ولا تنقص. وفي هذا حث للأطباء المسلمين على زيادة معرفتهم ومهارتهم في الطب وعلومه ليتسنى لهذه المعرفة أن تصيب الداء بالمقدار المناسب من الدواء.
والتداوي بصورة عامة سنة من سنن الإسلام،يشهد بذلك فعل النبي eوأقواله وإذا حدث التباس فهو من فهم سقيم أو ناقص، فإن الرسول e
هو المبلغ لشرع ربه قولاً وفعلاً: أما أقواله eفما أوردناه أعلاه، ونذكر منها ما وراه أسامة بن شريك قال: كنت عند رسول الله eوجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: نعم يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد. قالوا ما هو؟ قال: الهرم.
كما أن وصفات النبي eالعديدة والتي سنذكرها على صفحات هذا الكتاب لتشير إلى مشروعية التداوي بل وسنيته. ومن ذلك إرسال النبي eبعض الأطباء إلى أصحابه. فقد ورد عن جابر رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله eإلى أبي بن كعب طيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه) رواه مسلم.
وأما فعله eففيهأحاديث كثيرةمنها ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله eاحتجموهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به)وما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه (رمي في أكحله فحسمه النبي eبمشقص، ثم ورمت فحسمه الثانية)والمشقص سهم له نصل طويل.
فهذه الأحاديث تدل على أن التداوي سنة ولقد اتفق العلماء على جوازه بل أن عموم الأمر بالتداوي يدل على أنه أعلى من مرتبة الإباحة فإن اقل مراتب الأمر: الندب.
وقد ذهب الشافعية إلى أن التداوي أفضل من تركه وإل هذا ذهب أربعة من كبار أئمة الحنابلة (ابن الجوزي وابن يعلى وابن عقيل وابن هبيرة) مخالفين إمامهم وعزا النووي مذهب أفضلية التداوي إلى جمهور السلف وعامة الخلف وذهب الحنفية والمالكية إلى أن التداوي مباح، لا بأس بالتداوي وتركه. وذهب ابن حنبل إلى أن ترك أفضل حيث يقول: العلاج رخصة وتركه أعلى منه. والدليل عنده ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي eفقالت: ادعالله أن يشفعني فقال: إن شئت دعوت الله فشفاك وإن شئت صبرت ولك الجنة. قالت: يا رسول الله لا بل أصبر) وما أخرجه البخاري عن النبي eقوله: (سبعون ألفاً من أمتي يدخلون الجنة لا حساب عليهم: الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون).
ويرى الكحال ابن طرخان أن النبي eأمر بالتداوي، وأقل مراتب الأمر الندب والاستحباب ومما يستدل على ذلك أن النبي eكان يديم التطبب في حال صحته ومرضه.
أما حال صحته eفباستعمال التدبير الحافظ لها مثل الرياضة وقلة التناول من الطعام وإكحال عينيه بالإثمد كل ليلة وتأخير صلاة الظهر في زمن الحر بقوله: (أبردوا بها) وأما تداويه عليه الصلاة والسلام فثابت بالأحاديث الكثيرة. مما يثبت ما ذكره من تداوي رسول الله eومداوته تطببه في صحه ومرضه، ولم يكن يداوم رسول الله eإلا على الأفضل.
ويؤكد الدكتور النسيمي ـ ونحن معه ـ أن اختلاف السلف حول أفضلية التداوي إنما هو لواقع الطب في زمانهم من ضعفه وكثرة ظنياته. أما إذا نظرنا إلى ما توصل إليه الطب الحديث، وإلى ما ورد من أحاديث في المداواة، ودعوة الإسلام أصلاً إلى حفظ النفس. فإننا نستطيع أن نقول أن التداوي تعتريه الأحكام الخمسة والله أعلم:
1ـ إنه مباح في المباحات إذا لم يغلب على الظن فائدته. كما في مداواة معظم أنواع السرطانات وخاصة إذا انتشرت ولم تكافح في بدئها.
2ـ إنه مندوب تجاه استعمال الأدوية التي يغلب على الظن فائدتها. سواء في شفاء المرض أو تلطيف أعراضه.
3ـ إنه واجب تجاه استعمال الأدوية قطعية الإفادة بإخبار الأطباء، إذا خاف المريض أو طبيبه أن يقعده المرض عن القيام بواجباته أو إذا خاف على حياته أو تلف عضو من أعضائه.
4ـ إنه مكروه عند استعمال الأدوية المكروهة مع توفر الأدوية المباحة.
5ـ إنه محرم عند استعمال أدوية محرمة دون الاضطرار إليها.
وعلى هذا فإن المريض إذا علم يقيناً، أو بغلبة الظن بحصول الشفاء من المداواة، وقد حكم الأطباء بأن حالته خطرة وأن حاجته للدواء أصبحت أمراً ضرورياً، وأنها كحاجته للطعام والشراب، بحيث لو تركه فقد جعل معرضاً للهلاك فإن إقدامه على المداواة يعتبر واجباً شرعياً يأثم بتركه.
ونص الشافعية على لسان الإمام البغوي: (إذا علم الشفاء في المداواة وجبت) وقال ابن تيمية في مجال التداوي (وقد يكون منه ما هو واجب، وهو ما يعلم أنه يحصل بع بقاء النفس لا بغيره، كما يجب أكل الميتة عند الضرورة ، فإنه واجب عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء).
الرأي بأن التداوي تعتريه الأحكام الخمسة قال به حجة الإسلام الغزالي في (إحياء علوم الدين)، كما أرجحه ابن تيمية رحمه الله حين قال في فتاويه (والتحقق أن منه مات هو محرم، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما هو مباح، ومنه ما هو مستحب، وقد يكون منه ما هو واجب).
وتعليقاً على الأدوية المحرمة يقول البغدادي: (ثم قد تكون العلة مزمنة ودواؤها موهوم، ومن شرب دواء سمياً أو مجهولاً فقد أخطأ لقوله e: (من سم نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جنهم) متفق عليه.
التداوي والتوكل:
إن تناول العلاج لا ينافى التوكل، الذي هو في حقيقته ملاحظة القلب عند تعاطي الأسباب، بأن الفعال المطلق هو الله سبحانه، وأنه هو الشافي وحده، إذ لا تأثير للدواء دون إذن منه سبحانه. وعلى هذا فإن تناول الدواء لا ينافي حقيقة التوكل، كما لا ينافي دفع الجوع بالأكل، بل إن حقيقة التوحيد وكمال اليقين لا تتم إلا بمباشرة الأسباب الني نصبها الله مقتضيات لمسبباتها. وإن تعطيلها يقدح في التوكل نفسه لأن في ذلك إهمالاً للأمر الشرعي بالتداوي.
والتداوي أيضاًَ لا يتنافى مع الإيمان بالقدر. فعن أبي خزامة قال: (قلت يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال: هي من قدر الله[2].
ففي هذا الحديث إبطال قول من أنكر التداوي متعللاً بالقضاء والقدر وبقول الله تعالى: (وإذا مرضت فهو يشفين) ويقال لأمثاله: إن قولك هذا يوجب عليك أن لا تباشر سبباً من الأسباب التي تجلب المنفعة أو تدفع الضرر، وفي هذا خراب الدين والدنيا وفساد العالم. وهذا لا يقوله إلا دافع للحق، معاند له.
وفي هذا المجال يقول البغدادي: (فالتسبب ملازم للتوكل فإن المعالج الحاذق يعمل ما ينبغي ثم يتوكل على الله في نجاحه ونعمائه، وكذلك الفلاح يحرث ويبذر ثم يتوكل على الله في نمائه ونزول الغيث. وقد قال تعالى: (خذوا حذركم) وقال عليه الصلاة والسلام: (اعقلها وتوكل) رواه الإمام أحمد.
أما الإمام الغزالي فيقول: (أما من ترك التداوي أو تكلم في تركها، كما يروى عن أبي بكر رضي الله عنه وبعض السلف، فالجواب بأمور:
الأول: أن يكون المريض تداوى فلم تفده الأدوية ثم أمسك أو أن علته لم يكتشف لها دواء ناجع.
الثاني: أو أن يكون ما قاله لا ينافي التداوي وإنما هو تذكيره بالقدر، أو أن يكون قد لاحظ في الحاضرين من يلقي اعتماده على الدواء فلتا يتعلق قلبه بالله فكان جوابه جواب الحكيم.
الثالث: أن يكون المريض قد كوشف بقرب أجله.
وعلى أحد هذه الوجوه يحمل ما ورد عن أبي بكر لمات قبل له: لو دعونا لك طبيباً فقال: الطبيب قد نظر إلي فقال: إني فعال لما أريد.
الرابع: أن يكون مشغولاً بذكر عاقبته عن حاله، فقد قبل لأبي الدرداء: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي. قيل فما تشتهي؟ قال: مغفرة ربي. قيل: ألا ندعو لك طبيباً؟ فاقل: الطبيب أمرضني فقد تأولها الغزالي بأن تألم قلبه خوفاً من ذنوبه كان أكثر من تألم بدنه بالمرض.
وفي تعليقه على حديث (لكل داء دواء) قال الإمام النووي: (فيه إشارة إلى استحباب الدواء، وفيه رد على من أنكر التداوي من غلاة الصوفية محتجاً بأن كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي، لأن التداوي أيضاً من قدر الله، وكالأمر بالدعاء وقتال الكفار).
مراجع البحث
1ـ الإمام الغزالي: عن كتابه (إحياء علوم الدين).
2ـ الإمام النووي: عن كتابه (المجموع).
3ـ ابن ألأثير الجزري: عن كتابه (جامع الأصول في أحاديث الرسول e).
4ـ د. محمود ناظم النسيمي: عن كتابه (الطب النبوي والعلم الحديث)
5ـ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك وكتابه~: (التداوي والمسؤولية الطبية)
6ـ الإمام ابن تيمية وكتابه (مجموع الفتاوي).
7ـ ابن قيم الجوزية وكتابه (الطب النبوي).
[1])ذكره صاحب مختار الصحاح، وذكره ابن حجر العسقلاني في كتابه (تلخيص الجبير) نقلاً عن غريب الحديث لابن قنيبة (أغربوا لا تضووا).[2] رواه ابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

القلب الحزين
05-01-2014, 04:18 PM
شواهد من التاريخ على الإحسان إلى غير المسلمين



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/120617277711892002031132009064_adf48fda34.jpgد. بدر ناصر البدر

تاريخ الإسلام شاهد على أن المسلمين لم يُكرهوا أحداً في أي فترة من فترات التاريخ على ترك دينه، فالإسلام دين العقل والفطرة، ولا يقبل من أحد أن يَدخله مكرهاً، تحدى الأولين والآخرين بمعجزته الخالدة، ولم يعرف في تاريخ المسلمين الطويل أنهم ضيقوا على اليهود والنصارى أو غيرهم، أو أنهم أجبروا أحداً من أي طائفة من الطوائف اليهودية أو النصرانية على اعتناق الإسلام(1)، يقول توماس آرنولد: "لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام غير المسلمين على قبول الإسلام أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي"(2).
لقد كان عهد الخلفاء الراشدين امتداداً لعهد النبي صلى الله عليه وسلم وشهد صوراً من سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين، من إعانتهم بالمال أو النفس عند الحاجة، ومن كفالة العاجز منهم عن العمل، كبير السن، وغير ذلك، وأسوق هنا بعض الشواهد والأمثلة التي تبين سماحة الصحابة رضي الله عنهم في معاملة غير المسلمين.
1- في خلافة أبي بكر رضي الله عنه كتب خالد بن الوليد رضي الله عنه في عقد الذمة لأهل الحيرة بالعراق - وكانوا من النصارى - : "وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنياً فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله"(3).
إن الذين يسعون إلى تقرير التكافل الاجتماعي وبيان صوره لن يجدوا أعظم من هذه الصورة في الإسلام مع مخالفيه، فهو يتسامى بمن يعيشون في كنفه ويحوطهم برحمته وإحسانه عندما يحتاجون إلى مواساة لأي سبب من الأسباب، بل يجعلهم عيالاً على بيت مال المسلمين ويرضخ لهم منه أياً كانت ديانتهم.
إن التكافل الاجتماعي في الإسلام لا يرضى أن يذل رجل من أهل الذمة، وهو يحيا في كنف الإسلام فيعيش على الصدقة يتكفف الناس، ولكن الإسلام يحميه ويكرمه، ويوجب على الدولة أن تعوله وتعول عياله(4).
2- كان أبو بكر رضي الله عنه يوصي الجيوش الإسلامية بقوله: "وستمرون على قوم في الصوامع رهباناً يزعمون أنهم ترهبوا في الله، فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم"(5).
3- أوصى عمر رضي الله عنه الخليفة من بعده بأهل الذمة أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم(6).
4- مرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال: فما ألجأك إلي ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه، أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم "إنما الصدقات للفقراء والمساكين" والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه(7).
5- إن السماحة في المعاملة يجب أن تكون في ضوء ضوابط الشرع ومقاصده، ومثل ذلك يتطلب أن يكون المسلم على بصيرة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة من الصحابة والتابعين في هذا الشأن، فمن صور السماحة في المعاملة: ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه لما قدم الجابية من أرض الشام استعار ثوباً من نصراني فلبسه حتى خاطوا قميصه وغسلوه وتوضأ من جرة نصرانية(8).
6- ومن السماحة أن يراعى في معاملتهم كل مصلحة وقصد صحيح، فعن عبدالله بن قيس قال: كنت فيمن تلقى عمر بن الخطاب مع أبي عبيدة مقدمه من الشام، فبينما عمر يسير إذ لقيه (المقلسون) وهم قوم يلعبون بلعبة لهم بين أيدي الأمراء إذا قدموا عليهم بالسيوف والريحان، فقال عمر رضي الله عنه: مه، ردوهم وامنعوهم، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين هذه سنة العجم أو كلمة نحوها، وإنك إن تمنعهم منها سروا أن في نفسك نقضاً لعهدهم، فقال: دعوهم، عمر وآل عمر في طاعة أبي عبيدة(9).
وفي ذلك دليل على أن هذا الدين ما جاء إلا بالرحمة، والهداية، وإنقاذ البشر من الضلال إلى الهدى، ومن ظلمات الكفر إلى نور الطاعة، ولا عجب فمن مدرسة النبوة تخرج هذا الصحابي وغيره، ممن لا يؤذون الناس بل يغمرونهم بعطفهم ورحمتهم وسماحتهم وإحسانهم.
7- عن مجاهد قال كنت عند عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وغلامه يسلخ شاة فقال: "يا غلام إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي، فقال رجل من القوم: اليهودي أصلحك الله؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار حتى خشينا أو روينا أنه: سيورثه"(10).
8- وفي خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتب إلى عدي بن أرطأة: "وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه وضعفت قوته وولت عنه المكاسب فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه"(11).
وهذا لون من السماحة في المعاملة والعدل الذي لا يعرف له وجود إلا في الإسلام؛ لأنه قائم على احترام الإنسانية ومعرفة حقوقها(12).
9- وعندما أمر عمر بن عبدالعزيز رحمه الله مناديه ينادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها وقام إليه رجل ذمي من أهل حمص فقال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله قال: وما ذاك؟ قال: العباس بن الوليد بن عبدالملك اغتصبني أرضي، والعباس جالس، فقال له عمر: يا عباس ما تقول؟ قال: نعم، أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد، وكتب لي بها سجلاً، فقال عمر: ما تقول يا ذمي؟ قال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله تعالى، فقال عمر: نعم كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد، قم فاردد عليه ضيعته، فردها عليه(13).
10- وفي عهد الرشيد كانت وصية القاضي أبي يوسف له بأن يرفق بأهل الذمة حيث يخاطبه بقوله: "ينبغي يا أمير المؤمنين - أيدك الله - أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك، وابن عمك محمد صلى الله عليه وسلم ، والتفقد لهم حتى لا يظلموا، ولا يؤذوا، ولا يكلفوا فوق طاقتهم، ولا يؤخذ من أموالهم إلا بحق يجب عليهم"(14).
إن من يقرأ القرآن الكريم يعلم حقيقة السماحة في الإسلام في أعظم قضية جاء بها الإسلام وهي قضية التوحيد، حيث عرض لها القرآن بأسلوب سمح سهل يدركه كل عاقل، ويستدل على حقائق الإيمان بما يحسه الناس ويدركونه بأيسر طريق.
وعبر تاريخ دولة الإسلام كان يعيش في داخلها غير المسلمين في مراحل قوتها وضعفها، فلم يجبروا على ترك معتقداتهم، أو يكرهوا على الدخول في الإسلام، والقاعدة العظمى في الإسلام أن لا إكراه في الدين؛ ولذا فقد عاش الذميون وغيرهم في كنف دولة الإسلام دون أن يتعرض أحد لعقائدهم ودياناتهم(15).
إن الإسلام لم يقم على اضطهاد مخالفيه، أو مصادرة حقوقهم، أو تحويلهم بالكره عن عقائدهم، أو المساس الجائر بأموالهم وأعراضهم ودمائهم، وتاريخ الإسلام في هذا المجال أنصع تاريخ على وجه الأرض(16).
الهوامش:
1- انظر: عقد الذمة في التشريع الإسلامي، محمد المطرودي، ص: (17).
2- الدعوة إلى الإسلام، توماس آرنولد، ص: (99).
3- كتاب الخراج، أبو يوسف، ص: (306).
4- انظر: الموسوعة في سماحة الإسلام، ج1, ص: (446).
5- فتوح الشام، الواقدي، ج1, ص: (8).
6- رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما رقم الحديث: (1392).
7- كتاب الخراج، أبو يوسف، ص: (126).
8- أنظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ج1و ص: (153، 157).
9- كتاب الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، ص: (180).
10- رواه البخاري في الأدب المفرد، باب جار اليهودي، وصححه الألباني، انظر: صحيح الأدب المفرد، الألباني ص: (72) رقم الحديث: (95).
11- كتاب الأموال، أبو عبيد، ص: (57).
12- أنظر: الموسوعة في سماحة الإسلام، محمد الصادق عرجون، ج1, ص: (211).
13- أنظر: البداية والنهاية، ج9, ص: (213).
14- الخراج، أبو يوسف، ص: (125).
15- أنظر: تلبيس مردود في قضايا حية، د. صالح بن حميد، ص: (30).
16- التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، محمد الغزالي، ص: (6).

القلب الحزين
05-01-2014, 04:23 PM
مسيحي عربي ويوسف استس



بقلم الداعية الأمريكي الشيخ يوسف أستس
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1205156410daya_0128_usa2.jpg
صورة للداعية الأمريكي يوسف أسيتس في أحد محاضراته الدعوية في أمريكا

دكتوراه باللاهوت وقس سابق(1)
ترجمة :أ. د.نهى ابوكريشة
أستاذة في كلية الطب جامعة القاهرة
[email protected]
حديثا مسيحي عربي كتب لي وعرض علي نوعا من الدعوة للعودة إلى المسيحية وانا لن أعيد كتابة خطابه المليء با لأخطاء اللغوية الانجليزية ولعباراته ضد الكنائس هنا في الولايات المتحدة ولكني سأعرض ردي على دعوته ( من فضلكم ادعوا من أجله ليعلم الحق)
والسلام على كل من قصد الحق
أشكرك أيها الصديق لدعوتك لي واهتمامك بإيماني و أشكرك لسؤالك لي عن الإسلام و علاقتي مع المسيح عليه السلام و اعتنائك بخلاصي ونجاتي فكل هذا موضع تقدير مني لك كما أنني أحمل نفس المشاعر تجاهك وتجاه فرصتك للنجاة والخلاص الحقيقي . وسأترك لك اتخاذ القرار لتقرر ماهو الخلاص فبعد كل شيء الإسلام يؤكد على حرية الناس في اتخاذ القرار بمحض إرادتهم ومن منطلق فكرهم.
على الرغم أنك كنت مصادرا في أحكامك و إلى حد ما عنيفا في خطابك إلا أنني سامحتك و سوف أدعوا من أجلك.
وعقب ذلك فأحب أن أعلمك أن المسلمين لا بد دائما أن يقولوا الحقيقة. و لا يسمح لنا و لا ينبغي لنا أن نخدع الآخرين باسم الدين.
وهذا يجعلني أسألك لماذا اخترت اسم بريدك الالكتروني لكي يبدو كأنك عالم من علماء المسلمين ( أنت لست بحاجة للرد على هذا السؤال الذي هو واضح جدا و هو على كل ليس من قائمة العشرين سؤال).
كما احب أن أعلمك بحقيقة أن القرآن وتعاليمه و أحاديث النبي عليه السلام وتراثه حفظوا باللغة العربية عبر 14 قرنا ،لا يوجد تراث آخر يشبه هذا و إذا كان لديك أدنى شك فانظر ببساطة لذاكرة 9 مليون شخص يحفظون هذه التعاليم معظمهم ليسوا عربا بالمناسبة.
الآن نأتي لعباراتك الاستفهامية
ليس لي أن أحكم عليك ولا على إيمانك فقط لأنك بدأت حوارك بهذا فأنا أعيد لك ذلك .وآمل أن يشرح الله صدرك وعقلك ويهديك للحق كما يهدي آلافا كل يوم. أدعو لك ولي لنكون مستحقين للهداية الربانية لنال عفوالرب الرحيم وجنته آمين.
قبل أن أتعمق في الرد عليك أحب أن أوضح لك بعض المعاني لكلمات واضحة
الإسلام هو الخضوع لله
طاعة إخلاص سلام لله عز وجل
الإسلام جاء كطريق للبشرية لتظهر إيمانها لله بالخضوع والتسليم لمشيئة الله في الأرض والسماء.
قبل كل شيء الإسلام يرتكز على كلمة الله لأن الإسلام يعتبر الخضوع و التسليم والطاعة الكاملة لله الواحد الأحد. كلمة الله لا تشير أبدا إلى أي شيء إلا لله الخالق البارىء.هو رب واحد لا شريك له هو الخالق لا مخلوق و لا جزء من مخلوق هو القوي العادل لا مثيل له المستحق للعبادة وحده. هو الأول والآخر هو الباقي هو الرحمن الرحيم الغفور الودود هو وحده الذي يهب الحياة لمن يشاء و هو وحده الذي أرسل الرسل عليهم الصلاة و السلام لإرشاد البشر وأرسل محمدا عليه الصلاة والسلام بالرسالة الخاتمة لكل البشروأرسله بالقرآن الكريم الكتاب الوحيد الذي لم يطرأ عليه أي تحريف.
هل تعلم
أن القرآن هو كلام الله. "
هل تعلم ان القرآن يوجد في قلوب كل المسلمين على وجه الأرض وأنه محفوظ 100% ليوم الدين بحفظ الله. .
هل تعلم أن فوق 9 مليون مسلم
يحفظون القرآن كله عن ظهر قلب باللغة العربية لكن وللمفاجأة فإن فوق 5 7 % منهم ليسوا عربا .
هل تعلم أن مليار و نصف مليار مسلم يحفظون على الأقل عدة سور من القرآن.
هل تعلم أن القرآن اليوم هو نفسه كما كان من 1400 سنة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1205156446sheikh_yusuf.jpg
صورة للداعية الأمريكي يوسف أسيتس في زيه الإسلامي
إذا كنت في الحقيقة باحثا عن الحق ستكون سعيدا بقراءة خطابي هذا والعشرين سؤال في نهاية ردي على خطابك. هذه الأسئلة التي تعاملت معها طيلة 13 سنة كنت ساعتها أعتقد أنني على الحق ولم أكن أعلم الإسلام.سيأخذ ذلك منك وقتا وصبرا كما أخذ معي عندما راجعت معتقدي ووضعي في ذلك الكون وعلاقتي بالله عز وجل وحده لا شريك له وبلا واسطة بشرية.
للإ جابة على أسئلتك بلغة واضحة وبسيطة
لا. لا أعلم أي مسلم واحد يتقبل تبديل دينه الرائع الواضح الإسلام لأي دين آخر. ولم أسمع بأي عالم مسلم ترك الإسلام للإلحاد أو دين آخر.
في الحقيقة في زيارتي لجامعة الأزهر منذ عدة سنوات رأيت بنفسي أعدادا كبيرة من علماء وقساوسة يسلمون وقد التقيت بهم وتحدثنا معهم حول ذلك ولماذا أسلموا.
اما اعتقادك الخاطيء حول علاقتي بالمسيح عليه السلام وأنني تخليت عنه فهو قول لا علاقة له بالحقيقة. فلا يوجد شك في عقلي أن المسيح عليه السلام جاء برسالة واضحة عن الخلاص والطهارة وأدى رسالته وبشر بمجيء نبي بعده يبين كل شيء للبشرية.
في الحقيقة أنت لا أنا الذي ادار ظهره للمسيح عليه السلام وتذكر دائما أنه في يوم الدين عليه السلام سيقول لكل الذين عبدوه ويدعونه ربهم أنه ما دعاهم إلا لعبادة الله ربه وربهم.
والآن سأقوم بسؤالك أسئلة قليلة إذا استطعت ان تجيب عليها بدون حرج وبالبراهين فمن فضلك أرسل لي مرة أخرى بالإجابة أما إذا وجدت نفسك لا تستطيع الرد فلا تجهد نفسك ولا ترد وسأفهم أنك قد أحبطت و أسقط في يدك.
1- هل قرأت مرة ما كتابك المقدس باللغة الأصلية التي أنزل بها؟
2- هل قرأت القرآن بلغته الأصلية التي أنزل بها؟
3-هل تعلم أي معلومات تاريخية عن قصة جمع نصوص التوراة؟
أو الكتب الأخرى؟
5- أو الأناجيل؟
6-هل قرأت الانجيل كله باللغة الانجليزية؟
7-هل تحفظ الانجيل أو أي جزء منه باللغة الأصلية التي أنزل بها؟
8-هل أنت على دراية بأوجه الشبه بين النصوص الأصلية للإنجيل والقرآن؟
9- هل أنت على دراية بالاختلافات بين نصوص الانجيل الأصلية والترجمة الانجليزية؟
10- هل تعلم أن المسلمين يعتقدون في الإنجيل المنزل من عند الله ويؤمنون بتعاليمه؟
11- هل تعلم أن المسلمين ينزهون الله عن كل نقص وشبيه بينما المسيحيون لا؟
12- المسلمون لا بد أن يقولوا الحق خاصة إذا تعلق الأمر بالله وأوامره وأنبيائه عليهم السلام؟
13- هل تريد أن تحقق إرادة الله في الأرض؟
14- هل سألت الله مرة ليساعدك لتحقق مشيئته لا مشيئة البشر؟
15- هل تحب الرب أم تحب ما خلقه الرب بدلا من ذلك؟
16-هل أنت على دراية بالوثائق التي كتبها سفراء ورهبان وقساوسة وراهبات وحتى مطارنة عن كيف أصبحوا على علم و فهم أفضل لتعاليم المسيح عليه السلام عندما درسوا القرآن بالعربية؟
17- هل أنت على دراية بأن أعدادا كبيرة من اللادينيين أصبحوا مؤمنين بالله الحق عندما درسوا القرآن؟
18- هل أنت على دراية بأن المدارس الثانوية تعلم أن بولس كان لديه معتقده الخاص الذي لا يماثل الانجيل ويعرف بتعاليم بولس؟
19- هل أنت على دراية بأن ما فوق 9 مليون يحيون الآن على الأرض يحفظون القرآن كاملا عن ظهر قلب ؟
20- هل أنت على علم بآيات الاعجاز العلمي في القرآن الكريم والتي هي مذكورة منذ 1400 سنة؟
سنكون سعداء أن ننشر ردك على موقعنا الالكتروني ونقدم لك فرصا لترى الحقيقة في هذه الحياة ولماذا خلقنا مفترضين بالطبع أنك ستجيب اجابات منطقية مدعمة بالبراهين.
شكرا لك مرة أخرى عسى الله أن يهديك كما هداني وهدى آلافا آخرين آمين.
المخلص
يوسف استس
نقلا عن موقعه
www.islamtomorrow.com (http://www.islamtomorrow.com/)
[email protected] (http://www.islamtomorrow.com/)
لقراءة قصة إسلامه كاملة أضغط هنا (http://quran-m.com/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=348&select_page=14)
(1) تعريف بيوسف إستس
الاسم قبل الإسلام: جوسيف إدوارد إستس.
الاسم بعد الإسلام: الشيخ يوسف إستس.
الجنسية: أمريكي.
المؤهلات العلمية: شهادة ماجستير في الفنون سنة 1974م + شهادة الدكتوراه في علم اللاهوت.
اعتناق الإسلام: سنة 1991م.
تعلَّم اللغة العربية والدراسات الإسلامية من سنة 1991م إلى سنة 1998م.
قام بتدريسه: الشيخ محمد عبد الرحمن.
سبب هدايته: دعوة مسلم للنصرانية.

القلب الحزين
05-01-2014, 04:24 PM
الحمد لله نحن في نعمة


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1202120763clip_4.jpgمقالة رائعة جدا للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله
كتب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله مقالة نشرت سنة 1956 في مجلة الإذاعة تقول:
نظرت البارحة فإذا الغرفة دافئة والنار موقدة، وأنا على أريكة مريحة، أفكر في موضوع أكتب فيه، والمصباح إلى جانبي، والهاتف قريب مني، والأولاد يكتبون، وأمهم تعالج صوفا تحيكه، وقد أكلنا وشربنا، والراديو يهمس بصوت خافت، وكل شيء هادئ، وليس ما أشكو منه أو أطلب زيادة عليه.
فقلت " الحمد لله "، أخرجتها من قرارة قلبي، ثم فكرت فرأيت أن " الحمد " ليس كلمة تقال باللسان ولو رددها اللسان ألف مرة، ولكن الحمد على النعم أن تفيض منها على المحتاج إليها، حمد الغني أن يعطي الفقراء، وحمد القوي أن يساعد الضعفاء، وحمد الصحيح أن يعاون المرضى، وحمد الحاكم أن يعدل في المحكومين، فهل أكون حامدا لله على هذه النعم إذا كنت أنا وأولادي في شبع ودفء وجاري وأولاده في الجوع والبرد ؟، وإذا كان جاري لم يسألني أفلا يجب علي أنا أن أسأل عنه ؟
وسألتني زوجتي: فيمَ تفكر ؟، فقلت لها.
قالت: صحيح، ولكن لا يكفي العباد إلا من خلقهم، ولو أردت أن تكفي جيرانك من الفقراء لأفقرت نفسك قبل أن تغنيهم.
قلت: لو كنت غنيا لما استطعت أن أغنيهم، فكيف وأنا رجل مستور، يرزقني الله رزق الطير، تغدو خماصا ً وتروح بطاناً ؟
لا، لا أريد أن أغني الفقراء، بل أريد أن أقول إن المسائل نسبية، وأنا بالنسبة إلى أرباب الآلاف المؤلفة فقير، ولكني بالنسبة إلى العامل الذي يعيل عشرة وما له إلا أجرته غني من الأغنياء، وهذا العامل غني بالنسبة إلى الأرملة المفردة التي لا مورد لها ولا مال في يدها، ورب الآلاف فقير بالنسبة لصاحب الملايين ؛ فليس في الدنيا فقير ولا غني فقرا مطلقا وغنىً مطلقا، وليس فيها صغير ولا كبير، ومن شك فإني أسأله أصعب سؤال يمكن أن يوجه إلى إنسان، أسأله عن العصفور: هل هو صغير أم كبير ؟، فإن قال صغير، قلت: أقصد نسبته إلى الفيل، وإن قال كبير، قلت: أقصد نسبته إلى النملة..
فالعصفور كبير جدا مع النملة، وصغير جدا مع الفيل، وأنا غني جدا مع الأرملة المفردة الفقيرة التي فقدت المال والعائل، وإن كنت فقيرا جدا مع فلان وفلان من ملوك المال..
تقولون: إن الطنطاوي يتفلسف اليوم.. لا ؛ ما أتفلسف، ولكن أحب أن أقول لكم إن كل واحد منكم وواحدة يستطيع أن يجد من هو أفقر منه فيعطيه، إذا لم يكن عندك – يا سيدتي – إلا خمسة أرغفة وصحن " مجدّرة " ( وهو طعام من البرغل أي القمح المجروش مع العدس )، تستطيعين أن تعطي رغيفا لمن ليس له شيء، والذي بقي عنده بعد عشائه ثلاثة صحون من الفاصوليا والرز وشيء من الفاكهة والحلو يستطيع أن يعطي منها قليلا لصاحبة الأرغفة والمجدّرة..
والذي ليس عنده إلا أربعة ثياب مرقعة يعطي ثوبا لمن ليس له شيء، والذي عنده بذلة لم تخرق ولم ترقع ولكنه مل منها، وعنده ثلاث جدد من دونها، يستطيع أن يعطيها لصاحب الثياب المرقعة، ورب ثوب هو في نظرك عتيق وقديم بال، لو أعطيته لغيرك لرآه ثوب العيد ولاتخذه لباس الزينة، وهو يفرح به مثل فرحك أنت لو أن صاحب الملايين مل سيارته الشفروليه طراز سنة 1953 – بعدما اشترى كاديلاك طراز 1956 – فأعطاك تلك السيارة.
ومهما كان المرء فقيرا فإنه يستطيع أن يعطي شيئا لمن هو أفقر منه، إن أصغر موظف لا يتجاوز راتبه مئة وخمسين قرش، لا يشعر بالحاجة ولا يمسه الفقر إذا تصدق بقرش واحد على من ليس له شيء، وصاحب الراتب الذي يصل إلى أربعة جنيهات لا يضره أن يدفع منها خمس قروش ويقول " هذه لله "، والذي يربح عشرة آلاف من التجار في الشهر يستطيع أن يتصدق بمئتين منها في كل شهر.
ولا تظنوا أن ما تعطونه يذهب بالمجان، لا والله، إنكم تقبضون الثمن أضعافا ؛ تقبضونه في الدنيا قبل الآخرة، ولقد جربت ذلك بنفسي، أنا أعمل وأكسب وأنفق على أهلي منذ أكثر من ثلاثين سنة، وليس لي من أبواب الخير والعبادة إلا أني أبذل في سبيل الله إن كان في يدي مال، ولم أدخر في عمري شيئا، وكانت زوجتي تقول لي دائما: " يا رجل، وفر واتخذ لبناتك داراً على الأقل "، فأقول: خليها على الله، أتدرون ماذا كان ؟ !!
لقد حسب الله لي ما أنفقته في سبيله وادخره لي في بنك الحسنات الذي يعطي أرباحا سنوية قدرها سبعون ألفا في المئة، نعم: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ}، وهناك زيادات تبلغ ضعف الربح: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ}، فأرسل الله صديقا لي سيدا كريما من أعيان دمشق فأقرضني ثمن الدار، وأرسل أصدقاء آخرين من المتفضلين فبنوا الدار حتى كملت وأنا – والله – لا أعرف من أمرها إلا ما يعرفه المارة عليها من الطريق، ثم أعان الله برزق حلال لم أكن محتسبا فوفيت ديونها جميعا، ومن شاء ذكرت له التفاصيل وسميت له الأسماء.
وما وقعت والله في ضيق قط إلا فرجه الله عني، ولا احتجت لشيء إلا جاءني، وكلما زاد عندي شيء وأحببت أن أحفظه وضعته في هذا البنك.
فهل في الدنيا عاقل يعامل بنك المخلوق الذي يعطي 5%ربحاً حراماً وربما أفلس أو احترق، ويترك بنك الخالق الذي يعطي في كل مئة ربح قدره سبعون ألفا ؟، وهو مؤمن عليه عند رب العالمين فلا يفلس ولا يحترق ولا يأكل أموال الناس.
فلا تحسبوا أن الذي تعطونه يذهب هدرا، إن الله يخلفه في الدنيا قبل الآخرة، وأنا لا أحب أن أسوق لكم الأمثلة فإن كل واحد منكم يحفظ مما رأى أو سمع كثيرا منها،
إنما أسوق لكم مثلا واحدا: قصة الشيخ سليم المسوتي رحمه الله، وقد كان شيخ أبي، وكان – على فقره – لا يرد سائلا قط، ولطالما لبس الجبة أو " الفروة " فلقي بردان يرتجف فنزعها فدفعها إليه وعاد إلى البيت بالإزار، وطالما أخذ السفرة من أمام عياله فأعطاها للسائل، وكان يوما في رمضان وقد وضعت المائدة انتظارا للمدفع، فجاء سائل يقسم أنه وعياله بلا طعام، فابتغى الشيخ غفلة من امرأته وفتح له فأعطاه الطعام كله !، فلما رأت ذلك امرأته ولولت عليه وصاحت وأقسمت أنها لا تقعد عنده، وهو ساكت..
فلم تمر نصف ساعة حتى قرع الباب وجاء من يحمل الأطباق فيها ألوان الطعام والحلوى والفاكهة، فسألوا: ما الخبر ؟، وإذا الخبر أن سعيد باشا شموين كان قد دعا بعض الكبار فاعتذروا، فغضب وحلف ألا يأكل أحد من الطعام وأمر بحمله كله إلى دار الشيخ سليم المسوتي، قال: أرأيت يا امرأة ؟
وقصة المرأة التي كان ولدها مسافرا، وكانت قد قعدت يوما تأكل وليس أمامها إلا لقمة إدام وقطعة خبز، فجاء سائل فمنعت عن فمها وأعطته وباتت جائعة، فلما جاء الولد من سفره جعل يحدثها بما رأى، قال: ومن أعجب ما مر بي أنه لحقني أسد في الطريق، وكنت وحدي فهربت منه، فوثب علي وما شعرت إلا وقد صرت في فمه، وإذا برجل عليه ثياب بيض يظهر أمامي فيخلصني منه ويقول " لقمة بلقمة "، ولم أفهم مراده.
فسألته عن وقت هذا الحادث وإذا هو في اليوم الذي تصدقت فيه على الفقير، نزعت اللقمة من فمها بها فنزع الله ولدها من فم الأسد.
والصدقة تدفع البلاء ويشفي الله بها المريض، ويمنع الله بها الأذى وهذه أشياء مجربة، وقد وردت فيها الآثار، والذي يؤمن بأن لهذا الكون إلها هو يتصرف فيه وبيده العطاء والمنع، وهو الذي يشفي وهو يسلم، يعلم أن هذا صحيح، والملحد ما لنا معه كلام.
والنساء أقرب إلى الإيمان وإلى العطف، وإن كانت المرأة –بطبعها- أشد بخلا بالمال من الرجل، وأنا أخاطب السيدات وأرجو ألا يذهب هذا الكلام صرخة في واد مقفر، وأن يكون له أثره، وأنت تنظر كل واحدة من السامعات الفاضلات ما الذي تستطيع أن تستغني عنه من ثيابها القديمة أو ثياب أولادها، ومما ترميه ولا تحتاج إليه من فرش بيتها، ومما يفيض عنها من الطعام والشراب، فتفتش عن أسرة فقيرة يكون هذا لها فرحة الشهر.
ولا تعطي عطاء الكبر والترفع، فإن الابتسامة في وجه الفقير ( مع القرش تعطيه له ) خير من جنيه تدفعه له وأنت شامخ الأنف متكبر مترفع، ولقد رأيت بنتي الصغيرة بنان – من سنين – تحمل صحنين لتعطيهما الحارس في رمضان قلت: تعالي يا بنت، هاتي صينية وملعقة وشوكة وكأس ماء نظيف وقدميها إليه هكذا، إنك لم تخسري شيئا، الطعام هو الطعام، ولكن إذا قدمت له الصحن والرغيف كسرت نفسه وأشعرته أنه كالسائل ( الشحاذ )، أما إذا قدمته في الصينية مع الكأس والملعقة والشوكة والمملحة ينجبر خاطره ويحسّ كأنه ضيف عزيز.
ومن أبواب الصدقة ما لا ينتبه له أكثر الناس مع أنه هين، من ذلك التساهل مع البياع الذي يدور على الأبواب يبيع الخضر أو الفاكهة أو البصل، فتأتي المرأة تناقشه وتساومه على القرش وتظهر " شطارتها " كلها، مع أنها قد تكون من عائلة تملك مئة ألف وهذا المسكين لا تساوي بضاعته التي يدور النهار لييعها، لا تساوي كلها عشرة قروش ولا يربح منها إلا قرشين !
فيا أيها النساء أسألكن بالله، تساهلن مع هؤلاء البياعين وأعطوهم ما يطلبون، وإذا خسرت الواحدة منكن ليرة فلتحسبها صدقة ؛ إنها أفضل من الصدقة التي تعطى للشحاذ.
ومن أبواب الصدقة أن تفكر معلمة المدرسة حينما تكلف البنات شراء ملابس الرياضة مثلا، أو تصر على شراء الدفاتر الغالية والكماليات التي لا ضرورة لها من أدوات المدرسة، أن تفكر أن من التلميذات من لا يحصل أبوها أكثر من ثمن الخبز وأجرة البيت، وأن شراء ملابس الرياضة أو الدفاتر العريضة أو " الأطلس " أو علبة الألوان نراه نحن هينا ولكنه عنده كبير، والمسائل – كما قلت – نسبية، ولو كلفت المعلمة دفع ألف جنيه لنادت بالويل والثبور، مع أن التاجر الكبير يقول: وما ألف جنيه ؟! سهلة ! سهلة عليه وصعبة عليها، كذلك الخمس قروش أو العشر سهلة على المعلمة ولكنها صعبة على كثير من الآباء.
والخلاصة يا سادة: إن من أحب أن يسخر الله له من هو أقوى منه وأغنى فليعن من هو أضعف منه وأفقر، وليضع كل منا نفسه في موضع الآخر، وليحب لأخيه ما يحب لنفسه، إن النعم إنما تحفظ وتدوم وتزداد بالشكر، وإن الشكر لا يكون باللسان وحده، ولو أمسك الإنسان سبحة وقال ألف مرة " الحمد لله " وهو يضن بماله إن كان غنيا، ويبخل بجاهه إن كان وجيها، ويظلم بسلطانه إن كان ذا سلطان لا يكون حامدا لله، وإنما يكون مرائيا أو كذابا.
فاحمدوا الله على نعمه حمدا فعليا، وأحسنوا كما تحبون أن يحسن الله إليكم، واعلموا أن ما أدعوكم إليه اليوم هو من أسباب النصر على العدو ومن جملة الاستعداد له ؛ فهو جهاد بالمال، والجهاد بالمال أخو الجهاد بالنفس.
ورحم الله من سمع المواعظ فعمل بها ولم يجعلها تدخل من أذن لتخرج من الأخرى
اللهم صلي على سيدنا محمد عدد ما في علم الله صلاة دائمة بدوام ملك الله
إلهي أنت ذو فضل ومنّ وإني ذو خطايا فأعفُ عني وظني فيك يا رب جميل فحقق يا إلهي حسن ظني
المصدر: مقالة نشرت سنة 1956 في مجلة الإذاعة تقول كتب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله.
موقع الشيخ علي الطنطاوي: http://www.alitantawi.com/

القلب الحزين
06-01-2014, 03:16 PM
النظافة في الإسلام


بحث للدكتور محمود ناظم النسيمي
من نعم الله تعالى على الإنسان أن خلق له ما يصنع من ثيابه فيستر عورته ويجمِّل مظهره، ويتقي به الحر والبرد، ويخفف عن وطأة الرياح والغبار.
قال تعالى ( بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ {26} ) [سورة الأعراف ].
ولا يكمل جمال الظاهر بغير النظافة، ولا يكمل صفاء الباطن وحسن المعاملة بغير تقوى ولطافة .

إن النظافة تزيد من حسن الثوب ورونقه، ولو كان متخذاً من نسيج رخيص. ولا حسن ولا بهجة لثوب فذر ولو كان من أفخر المنسوجات. فعلى المسلم أن يعتني بنظافة ثوبه وحسن هندامه، كما يعتني بنظافة جسمه وحسن خلقه. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنها قال : " أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره فقال : أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره ؟ " ورأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة فقال : " أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه "[1].

يلبس المسلم الثوب النظيف ويتخذه من نوع يتلاءم مع إمكانياته وسعته، ولا يجوز له أن يتخذ من ثيابه مجالاً للخيلاء والكبر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، فقال : إن الله جميل يحب الجمال، الكبِر بطر الحق وغمط الناس "[2].
وتكلم المناوي في فيض القدير عن إهمال نظافة الثياب من قبل بعض العامة بحجة الزهد والسلوك والاشتغال بنظافة الباطن فقال : وقد تهاون بذلك جمع من الفقراء حتى بلغ ثوب أحدهم إلى حد يذم عقلاً وعرفاً، ويكاد يذم شرعاً.

سوّل الشيطان لأحدهم فأقعده عن التنظيف بنحو نظف قلبك قبل ثوبك لا لنصحه بل لتخذيله عن امتثال أوامر الله ورسوله وإقعاده عن القيام بحق جليسه ومجامع الجماعة المطلوب فيها النظافة، ولو حقق لوجد نظافة الظاهر تعين على نظافة الباطن . ومن ثم ورد أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يتسخ له ثوب قط كما في المواهب وغيرها أ هـ[3].

وليعلم أن النجاسة تؤلف قسماً كبيراً من الأوساخ، وإنها من أسباب عدوى الأمراض السارية، لأنها مفعمة بالجراثيم أو وسط صالح لتكاثرها، فإذا أهمل تطهير ما أصابته من ثوب أو بدن تعرض الجسم للعدوى، وإذا كثر عدد الجراثيم الداخلة إلى الجسم تغلبت على مقاومته ووسائل دفاعه وتكاثرت فيه وأدت إلى أمراضه . ولذا حكم الإسلام بأن طهارة ثياب المصلي كطهارة بدنه شرط في صحة صلاته قال تعالى : " وثيابك فطَّهر "[4].
قال الإمام فخر الدين الرازي : إذا ترك لفظ الثياب والتطهر على ظاهره وحقيقته، فيكون المراد منه أنه عليه الصلاة والسلام أمر بتطهير ثيابه من الأنجاس والأقذار.

قال الشافعي : المقصود منه الإعلام بأن الصلاة لا تجوز إلا في ثياب طاهرة من الأنجاس[5].

ولقد رغب الإسلام من المسلم أن يكون ثوب صلاته مع الجماعة غير ثوب عمله، حرصاً على تمام النظافة وحسن المظهر واللقاء، وسنَّ للمقتدر أن يكون له ثوباً عمل وثوب صلاة ليوم الجمعة يلبس النظيف منهما، عن محمد بن يحيى ابن حبّان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما على أحدكم إن وجد ـ أو ما على أحدكم إن وجدتم ـ أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته " وفي رواية عنه عن ابن سلام : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر " ما على .. إلخ "[6] .

هذا وقد أوصى عليه الصلاة والسلام صحابته وهم في بيئة حارة بالثياب البيض، لأن اللون الأبيض أقل الألوان اكتنازاً للحرارة، ولأن الوسخ والنجاسة يظهران عليها بجلاء، وذلك مدعاة في تنظيفها وتطهيرها وعدم إهمالها . قال عليه الصلاة والسلام : " عليكم بثياب البياض فالبسوها فإنها أطهر وأطيب وكفّنوا موتاكم "[7].
صحة المسكن

نظافة المسكن :
إن النفس لتنشرح للمكان التنظيف وتنقبض لمنظر القذارة وإن قذارة المكان قد تصيب ثياب الإنسان المجاور أو بدنه فتحلق به وساخة أو جراثيم تكون سبباً في عدواه بالأمراض السارية.
وليتذكر المسلم أن طهارة مكان الصلاة شرط في صحة صلاته كما أسلفت لقوله تعالى : (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) وهذا التطهير يشمل التطهير من الأنجاس والأقذار ومن مظاهر الشرك والآثام. وإن بيت المسلم الملتزم لا يخلو من الصلاة فيه أداء لفريضة أو تنقلاً أو تهجداً .

وسنرى أن الإسلام اهتم بنظافة الطريق فكيف بنظافة المسكن . يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم "[8].

وبما أن المساجد هي البيوت المعدة لأداء الصلاة ولاجتماع المسلمين لطلب العلم والتفقه في الدين، فإن الاعتناء بنظافتها آكد قال الرسول عليه الصلاة والسلام : " البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها"[9].
ومن تمام نظافة المسكن ومكان العمل، العناية بنظافة دورات المياه وتغطية علب الأوساخ منعاً لانتشار الروائح المستكرهة، ولئلا يقف عليها ذباب أو بعوضة أو صراصير، فتكون هذه واسطة لنقل الجراثيم إلى الأغذية وغيرها فتلوثها وتكون سبباً في عدوى الأمراض من ديدان وزحار وتيفوئيد وهيضة (كوليرا) وإنتانات معوية أخرى .
وبهذه المناسبة أذكر إخوننا أهل الريف أن يكون تخليهم في أماكن خاصة،لا في الفلاة ليقل انتشار الأمراض السارية والأوبئة وأن تكون دورات المياه بعيدة عن الآبار وعن موارد المياه لئلا تتلوث هذه وإذا لم يكون للمرحاض (سيفون ) فيجب تغطيته لأنّ الجرذان سبب في انتشار الطاعون، لأنها تمرض به وتنقله براغيثها إلى الإنسان، كما تنقل الجرذان جراثيم الأقذار.

ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الإنسان في مكان الاستحمام صوناً له من النجاسة وبعداً عن تردد الوسواس ببقاء النجاسة والإصابة ثانية برشاش الماء المنصبِ، فقال عليه الصلاة والسلام : " لا يبولنَّ أحدكم في مستحمه فإن عامة الوسواس منه "[10] .
ويلزم أن تجمع أقذار المسكن في مكان منزو منه في سطل أو صندوق محكم الإغلاق يحوي كيساً من النايلون .

وينبغي ألا تترك الأقذار في البيت طويلاً، أي أكثر من أربع وعشرين ساعة، لما يخشى من ضررها بعد ذلك. وعلى الفرع المختص في دائرة البلدية تعهد نقلها بالطرق الصحية بما يمكن من السرعة. ويستحسن أن يضاف إلى هذه الأقذار شيء من الكلس المطفأ إن عرف أنها لن تنقل من المسكن بسرعة درءاً لضررها وأذاه[11].
وصايا صحية أخرى :

لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمور تنفذ قبل النوم لوقاية البيت وساكنيه قال عليه الصلاة والسلام : " لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون "[12] فقد يتطاير شرر في النار يؤدي إلى حريق البيت وأذية من فيهن وقد ينتشر من النار غاز أوكسيد الفحم بكمية تؤدي إلى تسمم من في البيت . وتبقى هذه الوصية نافذة بالنسبة للمدافئ المنزلية التي تعمل بالمازوت أوالغاز أو الكهرباء، بسبب المخاطر التي قد يؤدي إلهيا العوارض التي يمكن أن تطرأ على تلك الآلات وسير العمل فيها.

ولئلا يدخل البيت لص أو حيوان مفترس أو حيوان مؤذ أو كلب أو مصاب بدون (الشريطية المكورة المشوكة) فيلح الضرر المباشر أو غير المباشر على ساكني المنزل أو محتوياته، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " خمِّروا الآنية وأوكئوا الأسقية وأجيفوا الأبواب وأطفئوا المصابيح فإن الفويسقة ربما جرَّت الفتيلة فأحرقت أهل البيت "[13].
أي ربما جرت الفأرة فتيل السراج الزيتي المستعمل في الأزمنة السابقة فيحرق الطرف المشتعل من الفتيل البيت .

وفي إقامة المخيمات والنوم في طريق السفر أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام ألا يكون ذلك جوار الطريق مباشرة، لأن الطريق ممر الدواب ومأوى الهوام بالليل،إذ تأتي حيث ترمى الفضلات من غذاء المسافرين . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير وبادروا بها نقيهاً وإذا عرّستم فاجتنبوا الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل "[14].
نظافة الطريق :
إن نظافة الطريق أبهج لنفوس السالكين وأنقى للنسيم وأبعد عن أذى العاثرين ووسيلة هامة للحد من تكاثر الذباب ونقله لجراثيم الأمراض. وما أقبح عادة من يرمي الأقذار إلى الشارع من شرف الطوابق فتنتشر فيه وتسيء إلى منظره وهوائه وإلى الصحة العامة، فمن فعل ذلك فقد أذى مجتمعه ولوث سمعة بلده وفعل مستهجناً ووقع في الإثم .
إن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، وإن لفاعلها ثواباً عند الله تعالى .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بعض وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وإدناها إماطة الإذى عن الطريق، والحياء شبعة من الإيمان "[15]. وقال : " بينما رجل يمشي بطريق وجد غُصن شوك على الطريق فأخَّره، فشكر الله له فغفر له "[16] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " عُرضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن"[17].
فالتسبب في اتساخ الطريق وأذى المارة سيئة تنقص من درجة الإيمان الكامل وخاصة التخلي في طريق المارّة أو ظلهم. قال عليه الصلاة والسلام : " أتقو اللاعنين ، قيل : وما اللاعنان؟ قال : الذذي يتخلىّ في طريق الناس أو ظلهم "[18].
فعلى المواطنين كافة أن يساهموا في نظافة بلدهم، فلا يلقوا الأوساخ من النوافذ والشرف، بل يضعوها في أماكنها من الطريق ليلاً قبل جولة عمال التنظيفات، وهي في أكياس النايلون بعد إحكام ربطها وبعد إضافة شيء من المطهرات إذا أمكن .
ونأمل من رجال التنظيفات جزاهم الله خيراً وضاعف حسناتهم، أن ينشطوا في إماطة الأوساخ والأذى عن الطريق. ومن الواجب نقل الأقذار في صناديق محكمة الإغلاق، حتى لا تتناثر في الطريق أو تفسد الهواء برائحتها المستكرهة، وأن يكون النقل في الأوقات التي تكون الطرق والشوارع فيهاخالية من المارة كما في آخر الليل .
إن الإسلام طهارة ونظافة وعبادة ولطافة، والنظافة جمال وكمال، والطهارة ركن وقائي من الأمراض السارية، فتحلّوا بهما وربوا أولادكم عليها وساهموا في نشرهما في المجتمع وربوع الوطن ترضوا ربكم وتبلغوا المظهر اللائق بكم وتساعدوا في تخفيف وطأة الأمراض وانتشارها بينكم .


[1]رواه أبو داود، وعزاه السيوطي في الجامع الصغير إلى المسند أيضاً ورواه ابن حبان والحاكم . وقال المناوي في فيض القدير : على شرطهما وأقره الذهبي : إسناده جيد .

[2]أخرجه مسلم واللفظ له والترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .

[3]الفيض القدير: في شرح ما يروى أنه عليه السلام قال إن الله جميل يحب الجمال سخي يحب السخاء، نظيف يحب النظافة، وهذا حديث أشار السيوطي إلى ضعفه .

[4]سورة المدثر ـ 4.

[5]التفسير الكبير للرازي

[6]أخرجه أبو داود كما في جامع الأصول . قال الأستاذ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه : إسناده صحيح ورقمه في سنن أبي داود 1078 باب اللبس للجمعة .

الرواية الأولى مرسلة والثانية موصولة . وفي معنى هذا الحديث روى ابن ماجة عن عبد الله بن سلام مرفوعاً : " ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته " وفي الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات . وأخرج عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً : " ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته " .

[7]رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد جيد . ورواية الترمذي : " ألبسوا البياض فإنه أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم " وقال حسن صحيح .

[8]رواه الترمذي وقال حديث غريب وخالد بن إياس يضعف أ هـ فالحديث ضعيف .

[9]أخرجه البخاري ومسلم عن أنس .

[10]رواه الترمذي ورواه أبو داود بزيادة (مستحمه ) هي : ( ثم يغتسل منه ) وفي أخرى (ثم يتوضأ فيه .. الحديث ) وهو حديث حسن كما في جامع الأصول والتعليق عليه للأستاذ عبد القادر الأرناؤوط .

[11]فن الصحة

[12]رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر .

[13]رواه الترمذي في الأطعمة وأبواب الأدب وقال : هذا حديث حسن صحيح .

[14]أخرجه مسلم ورقمه 1926 والترمذي في أبواب الأدب ورقمه 2862 وأبو داود في الجهاد وفي رواية أبي داود عن جابر بعد قوله " حقها " " ولا تعدوا المنازل " .

[15]رواه مسلم عن أبي هريرة ورواية الترمذي : " الإيمان بضع وسبعون باباً أدناها إماطة الأذى عن الطريق وأرقعها قول : لا إله إلا الله " .

[16]جزء من حديث رواه البخاري ومسلم

[17]رواه البخاري ومسلم ومالك والترمذي كما في جامع الأصول .

[18]رواه مسلم

القلب الحزين
06-01-2014, 03:17 PM
المستقبل للإسلام


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/11911301071454580112_7910cb9f31_m.jpgإن الناظر في واقع العالم اليوم، وواقع الإسلام وواقع الصحوة العالمية يبشر بأن الإسلام قادم وأن وعد الله عز وجل قد اقترب وأن ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» [رواه أحمد (4/273) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رجاله ثقات].
وآية اقتراب النصر وعلامة تحقق الوعد أنك ترى شباب الإسلام بل وكهوله ونسائه يرتقون رويداً رويداً ليصلوا إلى «منهاج النبوة» فها هم يقيمون دعوتهم على أصل الأصول في دعوة الأنبياء والمرسلين ألا وهو: «توحيد الله سبحانه، والبراءة من الشرك وتحرير ولائهم لله ورسوله والمؤمنين، ومنابذة أعداء «لا إله إلا الله» والبراءة منهم».
والدعوة إلى التوحيد، ونشر عقيدة «أهل السنة والجماعة» كل ذلك يحتل مساحة شاسعة من خريطة دعوتهم، أليس هذا هو جوهر منهاج النبوة، ولبه وقطب رحاه؟
- وها هم يحيون الدعوة إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يعرض من مشكلات وقضايا.
- وها هم يجددون الدعوة إلى نبذ الفرقة والاختلاف، والاعتصام بحبل الله والائتلاف بالتمسك بالسنة، والبراءة من البدعة.
- وها هم ينفضون الغبار عن تراثهم، ويحيون مفاهيم السلف الصالح رضي الله عنهم، ويجتهدون في أن «يرتقوا» إلى منهج السلف الصالح، وأن «يتساموا» إلى أخلاقهم وعبادتهم وأن يتقدموا إلى تصوراتهم التي تلقوها من مشكاة النبوة دونما كدر ولا دَخن.
وبالرغم من كل ذلك نرى الصحوة الإسلامية القائمة على الأصالة، وعلى الاقتباس من منابع ديننا الحنيف الذي حملت رسالته - والتي يريد أعداء الإسلام تجفيفها – وحفظت أمانة هذا الدين العظيم أمة القرآن الخالدة، فكان أن امتزجت به مشاعرها، وجرت في سبيله دماؤها وأصبح هو حياتها وفكرها، ومبدأها ومعادها، ونبض قلوبها.
وقد تتابعت الحملات العسكرية والفكرية، للقضاء على هذا الدين الخالد وأهله، وخُيِّل إلى أعداء الإسلام أن الأمة مجتمعة قد استجابت لجهودهم وأزمعت أن تودع الإسلام إلى غير رجعة.
وإذا بعلماء الأمة الربانيين من الطائفة الظاهرة المنصورة يتصدون عن وعي واقتدار في كل عصرٍ ومصر لأعداء الإسلام ويبشرون الذين تسرب اليأس إلى قلوبهم بقوله تعالى: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87].
وقوله عز وجل: {سيجعل الله بعد عسر يسرا} [الطلاق: 7] وقوله سبحانه: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد} [الشورى: 28].
وقوله جل وعلا: {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [يوسف: 21].
وإذا بشباب في ريعان الصبا، وفتيات في عمر الورود في مشارق الأرض ومغاربها ينسابون من كل حدبٍ وصوب، ينضمون إلى ركب الإيمان، ينادون بالعودة إلى كتاب الله وإلى دين الله، حاملين أنفسهم وأنفاسهم وأموالهم وأوقاتهم وزهرات شبابهم على أكفهم، باذلين ذلك كله في سبيل إعلاء كلمة الله متحملين العذاب والاضطهاد والتشريد والتنكيل واثقين بوعد الله، موقنين بوعد الله بالنصر والتمكين.
لقد تجاوبت الآفاق بأصداء دعاء جند الإيمان والتوحيد {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا} [آل عمران: 193].
حين ردَّدَها شباب مصر وتركيا والباكستان وجزيرة العرب والشام، والمغرب والسودان، وسائر أنحاء ديار الإسلام، بل في أعماق أوربا وأمريكا، وراحوا ينهلون من كتاب الله سبحانه، وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وقد وجهوا قلوبهم ووجوههم شطر البيت العتيق، وولوا ظهورهم لكل ما هو بعيد عن الشرع والدين.
لقد أذهلت الصحوة الإسلامية العالم أجمع شرقيه وغربيه عربيه وأعجميه، فأخذت التصريحات والحملات والمخططات تتوالى لوأد الصحوة، والقضاء على أنفاسها.
ولكن هيهات أن ينال أعداء الإسلام من هذا الدين الخالد، وهيهات أن يسيطروا على أتباعه، أو يجففوا منابعه كما يزعمون وما أكثر الإرهاصات والبشارات التي تبشر باقتراب موعود الله عز وجل الذي وعد به عباده المؤمنين، قال عز وجل: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} [الصف: 9].
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: ((لا يذهب الليل ولا النهار حتى تعبد اللات والعزى)) قالت قلت يا رسول الله، إن كنت لأظن حين أنزل الله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} أن ذلك تام، قال: ((إنه سيكون من ذلك ما شاء الله)) [رواه مسلم (2907)].
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1191130162clip_2.jpg
صورة للإمام زيد شاكر يصلي بمجموعة من الشباب المسلم في ساحة سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1191130213clip.jpg
صورة لمجموعة من الشباب يصلون أمام البحر

ومما يوضح هذه البشارة:
ما رواه شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما ُزوي لي منها)) [رواه مسلم (2889)].
وعن تميم بن أوس الداري عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام وذلاً يذل به الكفر)) [رواه الإمام أحمد (4/130)].
ويظهر لك شدة خوف أعداء الإسلام من الصحوة الإسلامية المتنامية، من خلال صرخاتهم وأناتهم واستغاثاتهم، ويظهر لك من هلعهم اقتراب نهايتهم, وفريق منهم يتحدث بلسان المنصف بعد دراسة متعمقة ومعرفة عن قرب لحقيقة الإسلام، وطبائع المسلمين وعقائدهم ، فمن أقوال أولاء وأولئك ننقل لكم ما يفهم منه لا محالة أن المستقبل للإسلام.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1191130281180px-david_bg.jpg
صورة لبن غوريون مؤسس الكيان الإسرائيلي

هذا بن جوريون يرتجف ويقول: ((نحن لا نخشى الاشتراكيات، ولا الثوريات، ولا الديمقراطيات في المنطقة، نحن فقط نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلاً، وبدأ يتململ من جديد)) اهـ [نقلاً عن أجنحة المكر الثلاث – للأستاذ عبد الرحمن حبنكة ص131]
- وهذا ((شعيا بومان)) –كاتب يهودي- يصيح في هلع وفَزع: ((إن على أوربا أن تظل خائفة من الإسلام، ذلك الدين الذي ظهر في مكة، لم يضعف من الناحية العددية، بل هو في ازدياد واتساع، ثم إن الإسلام ليس ديناً فحسب، بل إن من أهم أركانه الجهاد، وهذا ما يجب أن تتنبه له أوربا جيدًا)) اهـ
[من أجنحة المكر الثلاث ص131]
((ويقول المستشرق ((شاتلي)): ((إذا أردتم أن تغزو الإسلام، وتخضوا شوكته، وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة لها، والتي كانت السبب الأول والرئيسي لاعتزاز المسلمين وشموخهم، وسبب سيادتهم وغزوهم للعالم، عليكم أن توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم، وكتابهم القرآن، وتحويلهم عن كل ذلك بواسطة نشر ثقافتكم وتاريخكم، ونشر روح الإباحية، وتوفير عوامل الهدم المعنوي، وحتى لو لم نجد إلا المغفلين منهم والسذج البسطاء لكفانا ذلك، لأن الشجرة يجب أن يتسبب لها في القطع أحد أغصانها)) اهـ
[من غزو العالم الإسلامي للمستشرق ((شاتلي)) ص264]
ويقول الدكتور ليندون هاريس [ L. Haris وهو من أعلام التبشير في القارة الأفريقية. مؤلف كتاب (الإسلام في أفريقيا الشرقية) والذي يتناول فيه أحوال الإسلام والمسلمين في هذه المنطقة لغرض اطلاع العاملين في التبشير على حقيقة الموقف للاستعداد لها بما يصلح من أساليب العمل].
((.. إن الإسلام هو الديانة الوحيدة التي تعد على الدوام (تحديًا) أو مناجزة لجهود التبشير والمبشرين)).[الإسلام في أفريقيا الشرقية، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 65 – 66 ].
ويقول غوستاف لوبون [ Dr. G. Lebon ولد عام 1841م، وهو طبيب، ومؤرخ فرنسي، عني بالحضارات الشرقية. من آثاره: (حضارة العرب) (باريس 1884)، (الحضارة المصرية)، و(حضارة العرب في الأندلس)]: ((.. مع ما أصاب حضارة العرب من الدثور، كالحضارات التي ظهرت قبلها: لم يمس الزمن دين النبي [صلى الله عليه وسلم] الذي له من النفوذ ما له في الماضي، والذي لا يزال ذا سلطان كبير على النفوس، مع أن الأديان الأخرى التي هي أقدم منه تخسر كل يوم شيئًا من قوتها.. وتجمع بين مختلف الشعوب التي اتخذت القرآن دستوراً لها وحدة اللغة والصلات التي يسفر عنها مجيء الحجيج إلى مكة من جميع بلاد العالم الإسلامي. وتجب على جميع أتباع محمد [صلى الله عليه وسلم] تلاوة القرآن باللغة العربية بقدر الإمكان، واللغة العربية هي لذلك أكثر لغات العالم انتشارًا على ما يحتمل، وعلى ما بين الشعوب الإسلامية من الفروق العنصرية ترى بينها من التضامن الكبير ما يمكن جمعها به تحت علم واحد في أحد الأيام)) [حضارة العرب ، ص 126].
ويقول آرنولد توينبي [ Arnold Toynbee المؤرخ البريطاني المعاصر، الذي انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات، وكان أبرزها – ولا ريب –

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1191130249toynbee-arnold.jpg
صورة لآرنولد توينبي المؤرخ المشهور
مؤلفه الشهير (دراسة للتاريخ) الذي شرع يعمل فيه منذ عام 1921 وانتهى منه عام 1961، وهو يتكون من اثني عشر جزءًا عرض فيها توينبي لرؤيته الحضارية للتاريخ. ولقد وضع المستر سومر فيل – تحت إشراف توينبي نفسه – مختصرًا في جزأين لهذا العمل الواسع بسط فيه جميع آراء المؤلف مستخدمًا عباراته الأصلية في معظم الأحيان، وحذف الكثير من الأمثلة والآراء دون إخلال بالسياق العام للكتاب، وهذا المختصر هو الذي ترجم إلى العربية في أربعة أجزاء، وهو الذي اعتمدناه هنا].((صحيح أن الوحدة الإسلامية نائمة، ولكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ إذا ثارت البروليتاريا العالمية للعالم المتغرّب ضد السيطرة الغربية، ونادت بزعامة معادية للغرب، فقد يكون لهذا النداء نتائج نفسانية لا حصر لها في إيقاظ الروح النضالية للإسلام، حتى ولو أنها نامت نومة أهل الكهف، إذ يمكن لهذا النداء أن يوقظ أصداء التاريخ البطولي للإسلام. وهناك مناسبتان تاريخيتان كان الإسلام فيهما رمز سموّ المجتمع الشرقي في انتصاره على الدخيل الغربي: ففي عهد الخلفاء الراشدين [رضي الله عنهم]، بعد الرسول [صلى الله عليه وسلم] حرّر الإسلام سوريا ومصر من السيطرة اليونانية التي أثقلت كاهلهما مدة ألف عام تقريبًا. وفي عهد (نور الدين) و(صلاح الدين) و(المماليك) احتفظ الإسلام بقلعته أمام هجمات الصليبيين والمغول. فإذا سبّبه الوضع الدولي الآن حربًا عنصرية، يمكن للإسلام أن يتحرك ليلعب دوره التاريخي مرة أخرى"[ الإسلام والغرب والمستقبل ، ص 739 ].
ويقول جورج سارتون [جورج سارتون ( 1884 – 1956 ) G. Sarton ولد في بلجيكا، وحصل على الدكتوراه في العلوم الطبيعية والرياضية (1911)، فلما نشبت الحرب رحل إلى إنكلترا، ثم تحول عنها إلى الولايات المتحدة، وتجنّس بجنسيتها فعين محاضرًا في تاريخ العلم بجامعة واشنطن (1916)، ثم في جامعة هارفارد (1917-1949). وقد انكب على دراسة اللغة العربية في الجامعة الأمريكية ببيروت (1931-1932) وألقى فيها وفي كلية المقاصد الإسلامية محاضرات ممتعة لتبيان فضل العرب على التفكير الإنساني، زار عددًا من البلدان العربية، وتمرس بالعديد من اللغات، ومنح عدة شهادات دكتوراه كما انتخب عضوًا في عشرة مجامع علمية وفي عديد من الجمعيات العالمية، وأشرف على عدد من المجلات العلمية.من آثاره: خلف أكثر من خمسمائة بحث، وخير تصانيفه وأجمعها: (المدخل إلى تاريخ العلم) في خمسة مجلدات (1927، 1931، 1947).
((.. إن شعوب الشرق الأوسط قد سبق لها أن قادت العالم في حقبتين طويلتين، طوال ألفي سنة على الأقل قبل اليونان، ثم في العصور الوسطى مدى أربعة قرون على الأقل. من أجل ذلك ليس ثمة ما يمنع تلك الشعوب من أن تقود العالم ثانية في المستقبل القريب أو البعيد))
[الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 69]
(( ليس ما يمنع الشعوب العربية اليوم من أن تباري أسلافها وأن تستعيد ثانية مكانتها الأولى في قيادة العالم. ومع أن ذلك ليس سهلاً – ثم هو يصبح أشد صعوبة يومًا بعد يوم – فإنه ممكن)). [الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 70]
ويقول: (( إن التقدم المادي الخالص مدمّر، وهو ليس تقدمًا على الإطلاق، بل تأخر أساسي. أن التقدم الصحيح – ومعناه تحسين صحيح لأحوال الحياة – لا يمكن أن يبنى على وثنية الآلات ولا على العتلات، ولكن يجب أن يقوم على الدين وعلى الفن، وفوق ذلك كله، على العلم، العلم الخالص، على محبة الله، على محبة الحقيقة، وعلى حب الجمال وحب العدل. وهذا يبدو لنا جليًا حينما نلقي نظرة واحدة إلى الوراء. من هم أولئك الذين كانوا رجالاً عظامًا في التاريخ؟ من هم أولئك الذين أحسنوا إلينا؟ ومن هم أولئك الرجال الذين نحن مدينون لهم بمسرات حياتنا ونعمها؟ لقد كانوا رجالاً أمثال أفلاطون وأرسطو وإقليدس وأرخميدس في تاريخ اليونان. أما في أثناء العصور الوسطى فكانوا رجالاً من أمثال الفارابي وابن سينا وابن الهيثم والبيروني والغزالي وابن رشد وموسى بن ميمون وأبي الفداء وابن خلدون.. إن ما نراه واضحًا حينما نلقي نظرة إلى الوراء يجب أن يكون واضحًا أيضًا حينما نمد نظرنا إلى الأمام فيهدي خطانا إلى المستقبل)). [الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 72 – 73]
ويقول أيضًا: ((إن المدنية ليست مرضًا، ولكن من الممكن أن تنقلب عند أهل الجدل شرًا وفسادًا والمدنية ليست شرقية ولا غربية، وليس مكانها في واشنطن أكثر مما هو في بغداد. إنما يمكن أن تكون في كل مكان يكون فيه رجال صالحون ونساء صالحات يفهمونها ويعرفون كيف يستفيدون منها من غير أن يسيئوا استعمالها. والشرق الأوسط كان مهد الثقافة ومنه جاءت أسباب إنقاذ العالم في أثناء العصور الوسطى حينما بدأ الستار الحديدي في أوروبة يشطر العالم شطرين الأرثوذكسي والكاثوليكي. وها نحن اليوم ننظر إلى ماضي الشرق الأوسط بعين من عرفان الجميل ثم نرنو إلى مستقبله بعين من الأمل الحلو)) [الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 74 – 75]
ويقول هنري دي كاستري [الكونت هنري دي كاستري (1850-1927) مقدم في الجيش الفرنسي، قضى في الشمال الأفريقي ردحًا من الزمن. من آثاره: (مصادر غير منشورة عن تاريخ المغرب) (1950)، (الأشراف السعديون) (1921)، (رحلة هولندي إلى المغرب) (1926)، وغيرهما]:
((.. إن للمسلمين في الصين منزلة علية. [ويخمّن] (وازيليف) وهو من الذين اشتغلوا بالإسلام في تلك النواحي أن مصيره القيام مقام مذهب (بوذا) وأن لمسلمي [الصين] اعتقادًا جازمًا بأن الإسلام لابدّ أن يسود حتى تزول به تلك الديانة القديمة البوذية، وهي مسألة من أهم المسائل، إذ الصين آهلة بثلث العالم أو تزيد، فلو صاروا كلهم مسلمين لأوجب ذلك تغييرًا عظيمًا في حالة تلك البلاد بأجمعها فيمتد شرع محمد [صلى الله عليه وسلم] من جبل طارق إلى المحيط الأكبر الهادي ويخشى على الدين المسيحي مرة أخرى ومعلوم أن أمة الصين أمة عاملة وإن هدأت أخلاقها وجميع الأمم تستفيد الآن من عملها فلو جاءها التعصب الإسلامي ذو البأس القوي لخشيت بقية الأمم من السقوط تحت سلطانها )).
وقال (مسيو مونته) [مونته ( 1856 – 1927 ) Montet أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف، من كتبه (محمد والقرآن)، وترجمة للقرآن، و(حاضر الإسلام ومستقبله)] (( لقد صار من المحقق أن الإسلام ظافر لا محالة على غيره من الأديان التي تتنازع البلاد الصينية)).
"ويقول (مسيو مونته): ((إن أكثر انتشار الإسلام في أفريقيا فهو يتقدم فيها تقدمًا سريعًا وينجح نجاحًا كليًا لأن أزر المسلمين فيها مشدود بما لهم من المكنة في الجهة الشمالية.. فلا ينازع الدين الإسلامي دين غيره لذلك يكثر عددهم وينمو الدين على الدوام)).
وغير ذلك من الأقوال والصيحات التي تستشعر قرب الانهزام أمام الإسلام، والتي لا تجد لها تفسيرًا إلا أن المستقبل للإسلام.
وفي المقابل تجد إقبالا ممن وفقوا لمعرفة حقيقة هذا الدين الخالد والشرع المنزل من لدن حكيم خبير، فتجد الآف العطشى يهرولون إلى رحاب الإسلام بعد أن عرفوا وتيقنوا أنه الدين الحق الذي ارتضاه الله عز وجل للعالمين، وأن المستقبل للإسلام :
- فهذا الأستاذ السابق بكلية اللاهوت الإنجيلية ( إبراهيم خليل فلوبوس ) واحد من الملايين الذين انقادوا لما وجدوا عليه آباءهم من غير بني الإسلام .. تنشأ في الكنيسة .. وترقى في مدارس اللاهوت .. وتبوأ مكانة مرموقة في سلم التنصير .. وبأنامل يديه خط عصارة خبرته الطويلة عدة مئات من الصفحات رسالة للماجستير تحت عنوان : ( كيف ندمر الإسلام بالمسلمين)؟! في علم اللاهوت كان ( فلوبوس ) متخصصاً لا يجارى .. وفي منظار ( الناسوت ) كان ابن الكنيسة الإنجيلية .. الأمريكية يتيه خيلاء ..
يقول الأستاذ إبراهيم : "في مؤتمر تبشيري دعيت للكلام، فأطلت الكلام في ترديد كل المطاعن المحفوظة ضد الإسلام، وبعد أن انتهيت من حديثي بدأت أسأل نفسي : لماذا أقول هذا وأنا أعلم أنني كاذب ؟! واستأذنت قبل انتهاء المؤتمر، خرجت وحدي متجهاً إلى بيتي، كنت مهزوزاً من أعماقي، متأزماً للغاية، وفي البيت قضيت الليل كله وحدي في المكتبة أقرأ القرآن، ووقفت طويــلاً عنـد الآية الكريمة :
{ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (الحشر:21).
وفي تلك الليلة اتخذت قرار حياتي فأسلمت، ثم انضم إلي جميع أولادي، وكان أكثرهم حماساً ابني الأكبر (أسامة) وهو دكتور في الفلسفة ويعمل أستاذاً لعلم النفس في جامعة السوربون". وبإسلامهم زادت بيوت الإسلام بيتاً.
- وهذا أستاذ مصري للقانون يعمل بإحدي الجامعات الأمريكية يقول: كنا في حوار قانوني, وكان معنا أحد أساتذة القانون من اليهود, فبدأ يتكلم ثم بدأ يخوض في الإسلام والمسلمين, فأردت أن أسكته فسألته: هل تعلم حجم قانون المواريث في الدستور الأمريكي؟.قال: نعم,أكثر من ثمانية مجلدات.فقلت له:إذا جئتك بقانون للمواريث فيما لا يزيد علي عشرة سطور,فهل تصدق أن الإسلام دين صحيح؟.قال: لا يمكن أن يكون هذا. فأتيت له بأيات المواريث من القرآن الكريم وقدمتها له فجاءني بعد عدة أيام يقول لي: لا يمكن لعقل بشري أن يحصي كل علاقات القربي بهذا الشمول الذي لا ينسي أحدا ثم يوزع عليهم الميراث بهذا العدل الذي لايظلم أحداً. ثم أسلم هذا الرجل.
فكانت آيات المواريث وحدها سبيلاً إلي اقتناع هذا الرجل اليهودي بالإسلام.
وهذا المفكر الانجليزي عبدالله كويليام [ولد سنة 1856، وأسلم سنة 1887، وتلقب باسم: (الشيخ عبد الله كويليام). من آثاره: (العقيدة الإسلامية) (1988)، و(أحسن الأجوبة)].
من أقواله: ((هذا القرآن الذي هو كتاب حكمة فمن أجال طرف اعتباره فيه وأمعن النظر في بدائع أساليبه وما فيها من الإعجاز رآه وقد مر عليه من الزمان ألف وثلاثمائة وعشرون سنة كأنه مقول في هذا العصر إذ هو مع سهولته بليغ ممتنع ومع إيجازه مفيد للمرام بالتمام. وكما أنه كان يرى مطابقًا للكلام في زمن ظهوره لهجة وأسلوبًا كذلك يرى موافقًا لأسلوب الكلام في كل زمن ولهجة، وكلما ترقّت صناعة الكتابة قدرت بلاغته وظهرت للعقول مزاياه. وبالجملة فإن فصاحته وبلاغته قد أعجزت مصاقع البلغاء وحيرت فصحاء الأولين والآخرين. وإذا عطفنا النظر إلى ما فيه من الأحكام وما اشتمل عليه من الحكم الجليلة نجده جامعًا لجميع ما يحتاجه البشر في حياته وكماله وتهذيب أخلاقه.. وكذا نراه ناهيًا عما ثبت بالتجارب العديدة خسرانه وقبحه من الأفعال ومساوئ الأخلاق.. وكم فيه ما عدا ذلك أيضًا ما يتعلق بسياسة المدن وعمارة الملك، وما يضمن للرعية الأمن والدعة من الأحكام الجليلة التي ظهرت منافعها العظيمة بالفعل والتجربة فضلاً عن القول..)) ( العقيدة الإسلامية، ص ، ص 139 – 140).
ويقول: ((إن من ضمن محاسن القرآن العديدة أمرين واضحين جدًا أحدهما علامة الخشوع والوقار التي تشاهد دائمًا على المسلمين عندما يتكلمون عن المولى ويشيرون إليه.. والثاني خلوّه من القصص والخرافات وذكر العيوب والسيئات وإلى آخره، الأمر الذي يؤسف عليه كثيراً لوقوعه بكثرة فيما يسميه المسيحيون (العهد القديم)..)) ( أحسن الأجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبة، ص 23 – 26).
وتقول عائشة برجت هوني [عائشة برجت هوني Ayesha Bridget Honeyنشأت في أسرة إنكليزية مسيحية، وشغفت بالفلسفة، ثم سافرت إلى كندا لإكمال دراستها، وهناك في الجامعة أتيح لها أن تتعرف على الإسلام، وأن تنتهي إليه، وقد عملت مدرسة في مدرسة عليا في نيجيريا]: ((يعيش العالم الغربي اليوم في ظلام، وليس هناك أي بصيص من الأمل في قيام الحضارة الغربية بتوفير سبيل لتخليص الروح والنفس. فكل من يعرف الوضع الحقيقي للمجتمعات الغربية يلمس هذا القلق والحيرة العالمية التي تختفي خلف بريق التقدم والإبداع المادي الزائف. فالناس في الغرب (والشرق) يبحثون عن مخلّص من العقبات التي تحيق بهم. ولكنهم لا يرون منها مخرجًا. فبحثهم عقيم.. والانسجام اللطيف في الإسلام بين مستلزمات الجسد ومتطلبات الروح يمكن أن يمارس تأثيرًا قويًا في أيامنا هذه. وبوسعه أن يبيّن للحضارة الغربية السبيل المؤدي إلى الفلاح والخلاص الحقيقيين وأن يقدم للرجل الغربي التصور الحقيقي للحياة وأن يقنعه بالجهاد في سبيل مرضاة الله..)) [ رجال ونساء أسلموا ، 1 / 63 – 64].
ويقول كوفهي لال جابا : [خالد لطيف جابا K. Lal Gaba رجل سياسي ومؤلف وصحفي، ولد في مدينة لاهور، منحدرًا من أسرة هندوكية عظيمة الثراء، عالية التعليم، لها مكانتها بين الهندوس. وبعد أن أعلن إسلامه انتقل للحياة في بومبي. ومن أشهر مؤلفاته كتاب: (الأصوات العامرة)، وآخر بعنوان: (رسول الصحراء)].
((.. إن الإسلام بوسعه تلبية كافة حاجات الإنسان في العصر الحاضر، فليس هناك أي دين كالإسلام يستطيع أن يقدم أنجح الحلول للمشكلات والقضايا المعاصرة. فمثلاً أشد ما يحتاج إليه العالم اليوم الأخوة والمساواة، وهذه، وجميع الفضائل لا تجتمع إلا في الإسلام لأن الإسلام لا يفاضل بين الناس إلا على أساس العمل والبذل)) [رجال ونساء أسلموا 6 / 102 – 103].
((إن الإسلام هو أفضل دين للبشرية، فبينما نجد أماكن العبادة في الأديان الأخرى خاوية في أغلب الأحيان، نرى أن المساجد تزخر بالمؤمنين وخاصة من الشباب الذين يعبدون الله خمس مرات في اليوم بأعداد كبيرة، وهذا أكبر دليل على أن الإسلام لا يزال بخير تمامًا كما كان دائمًا في الماضي. فالإسلام يتغلغل في حياة المسلم بكل تفاصيلها، بل له الكلمة الفصل في كل نشاط يقوم به المسلم وليس هناك أي دين آخر غير الإسلام لديه الإمكانية لحل كافة مشكلات الناس في العالم الحديث، وهذا هو امتياز الإسلام وحده)) [رجال ونساء أسلموا 6 / 103 – 104].
وأخيرًا أختم بكلمة السياسي والصحفي الهندي كوفهي لال جابا - خالد لطيف جابا: ((ليس هناك أي دين آخر غير الإسلام لديه الإمكانية لحلّ كافة مشكلات الناس في العالم الحديث، وهذا هو امتياز الإسلام وحده..))
وهكذا فإن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والدلالات الكونية، وشهادات المنصفين، وصرخات الحاقدين الخائفين، وأقوال المهتدين، كلها تصرح بحقيقة واحدة وتقودنا إلى نتيجة حتمية وهي أن المستقبل للإسلام لا محالة.
فإلى من يعيش في حيرة ويبحث عن الحق أقول: إن المستقبل للإسلام فهلم إلينا. وإلى أولئك الحاقدين المتخوفين أقول: إن المستقبل للإسلام ولا نجاة إلا في الإسلام وبالإسلام، فالنجاة النجاة.
وإلى أولئك الموقنين أن المستقبل للإسلام أقول: الثبات الثبات فإن وعد الله قادم لا محالة والمستقبل للإسلام.
كتبه
إسلام محمود دربالة
[email protected]

القلب الحزين
06-01-2014, 03:19 PM
أجمع آية للخير والشر



بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/118470461727984nazmee.jpg- نعرض عليكم اليوم الآية القرآنية التي جمعت الخير كله فأمرت به، والشر كله فنهت عنه، حتى قال فيها ابن مسعود رضي الله عنهما: هي أجمع آية في القرآن الكريم للخير والشر, وان لم يكن فيه ( أي في القرآن الكريم ) غير هذه الآية لكفت .
- تلك الآية التي أمر عمر بن عبد العزيز المسلمين أن يختموا بها خطبة الجمعة بدلا من كلمات الشقاق والفرقة التي كان البعض يختم بها خطبة الجمعة، إرضاء لاتجاه معين، أو تعصبا لفئة بعينها.
وكثيرا ما نسمع الخطباء يختمون بها خطبتهم حتى يومنا هذا، وهى الآية التي قال الله سبحانه وتعالى فيها: ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) النحل آية (9. ) .
- والعدل: هو الاعتدال والتوسط في الأمور اعتقادا وعملا.
( حسنين مخلوف – كلمات القرآن ) .
وقال الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن:
- العدل: هو المساواة في المكافأة إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا.
- والإحسان: هو إتقان العمل، أو نفع الخلق ( مخلوف- مرجع سابق ) .
- وهو على وجهين إحدهما: الإنعام على الغير، يقال: أحسن فلان إلى فلان. والثاني: إحسان في فعله، وذلك إذا علم علما حسنا، أو عمل عملا حسنا.
والإحسان فوق العدل وذاك أن يعطى أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له، أو أن يقابل الخير بأكثر منه والشر بأقل منه ( الأصفهاني- مرجع سابق) .
- والفحشاء: الذنوب المفرطة في القبح (مخلوف ) .
: والفحش، والفحشاء، والفاحشة: ما عظم قبحه
من الأفعال والأقوال ( الأصفهاني )
- والمنكر: كل فعل تحكم العقول الصحيحة ( والصريحة ) بقبحه، أو تتوقف في استقباحه واستحسانه العقول، فتحكم بقبحه الشريعة ( الأصفهاني).
- والبغي: هو التطاول والتجبر على الناس
- وهو تجاوز الحق إلى الباطل أو تجاوزه إلى الشّبه كما قال الأصفهاني.
- وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية :
- فالعدل الذي أمر الله به، يشمل العدل في حقه، وفى حق عباده .
- فالعدل في ذلك، أداء الحقوق كاملة موفورة، بأن يؤدى العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية، والمركبة منهما، في حقه وحق عباده، ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدى كل وال، ما عليه، تحت ولايته، سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى ( أي الخلافة )، وولاية القضاء، ونواب الخليفة، ونواب القاضي.
- والعدل هو: ما فرضه الله عليهم في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأمرهم بسلوكه. ومن العدل في المعاملات، أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعوضات، بإيفاء جميع ما عليك، فلا تبخس لهم حقا، ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم .فالعدل واجب، و الإحسان فضيلة مستحبة، وذلك كنفع الناس، بالمال والبدن، والعلم، وغير ذلك من أنواع النفع، حتى يدخل فيها الإحسان إلى الحيوان البهيم المأكول ( والنبات ) وغيره.
- وخص الله إيتاء ذي القربى –وإن كان داخلا في العموم – لتأكد حقهم، وتعين صلتهم وبرهم، والحرص على ذلك. ويدخل في ذلك جميع الأقارب، قريبهم وبعيدهم، لكن كل من كان أقرب، كان أحق بالبر.
- وقوله: (وينهى عن الفحشاء) وهو ( كما قلنا سابقا ) كل ذنب عظيم، استفحشته الشرائع والفطر، كالشرك بالله، والقتل بغير حق، والزنا، والسرقة، والعُجب، والكبر، واحتقار الخلق، وغير ذلك من الفواحش. ويدخل في المنكر كل ذنب ومعصية، تتعلق بحق الله تعالى. وبالبغي، كل عدوان على الخلق، في الدماء، والأموال، والأعراض .
فصارت هذه الآية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات، لم يبق شيء، إلا دخل فيها، فهذه قاعدة ترجع إليها سائر الجزئيات، فكل مسألة مشتملة على عدل أو أحسان، أو إيتاء ذي قربى، فهي مما أمر الله به .وكل مسألة مشتملة على فحشاء أو منكر، أو بغي، فهي مما نهى الله عنه. وبها يعلم حسن ما أمر الله به، وقبح ما نهي عنه، وبها يعتبر ما عند الناس من الأقوال وترد إليها سائر الأحوال ( والأعمال ) .
- فتبارك من جعل من كلامه، الهدى، والشفاء، والنور، والفرقان بين جميع الأشياء .
- ولهذا قال: ( يعظكم ) أي: بما بينه لكم في كتابه يأمركم بما فيه غاية صلاحكم ونهيكم، عما فيه مضرتكم. ( لعلكم تذكرون ): ما يعظكم به، فتفهمونه وتعقلونه وتعملوا بمقتضاه فسعدتم سعادة لا شقاوة معها ( أ.هـ. ) .
- وهكذا أخي المسلم أختي المسلمة:
جمعت تلك الآية الأمر بالخير كله، والنهى عن الشر كله. فماذا لو وضع المسلم هذه الآية نصب عينيه وفقه ما فيها، وعمل بمقتضاها، وعمل المسلمون جميعا بما في هذه الآية الجامعة الكافية، لعشنا في سعادة بالغة وأمن وأمان فلا فُحش ولا منكر ولا بغي، بل عدل وإحسان وصله رحم فتبارك الكريم الرحمن(1) .
إعداد الأستاذ الدكتور نظمى خليل أبو العطا موسى
www.nazme.net (http://www.nazme.net/)
الهوامش
1- آيات كافيات , نظمي خليل أبو العطا .

القلب الحزين
06-01-2014, 03:29 PM
من كرامات الشهداء الأبرار


بقلم الباحث محمد لجين الزينhttp://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1182558708104539_104094_123456.jpg
هم مؤمنون اصطفاهم الله تعالى لأنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه ففازوا و ربحت تجارتهم... فأكرمهم الحي القيوم بالحياة بيننا مع أننا لا نشعر بذلك...؟؟؟
يقول تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ) [البقرة: 154]. هؤلاء الذين وضعوا بعد مرتبة الصديقين وقبل الصالحين في قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69-70].
الذي يتأمل الآية الكريمة ويتدبر عبارة (بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ) سيجد فيها إعجازاً رائعاً، لأن مصيرنا الفناء إلا أجساد الأنبياء كما روي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) في سنن أبي داوود والنسائي.
إن الشهداء تبقى أجسادهم بيننا غضة طرية لأن أرواحهم تتغذى من ثمار الجنة و هذا ما يعلل رائحة المسك ونزفهم للدم ونمو اللحية وتعرقهم مع أن بعض الشهداء قد مضى على استشهادهم سنين وعقود وحتى قرون، وهو يعلل عدم تحلل الخلايا وعدم اقتراب الميكروبات والحشرات والقوارض منها.
فناء الأجساد طبياً:
من المعلوم أن فناء اللحم يكون بين ستة أشهر إلى عام والعظم بين عشرين إلى خمسين عاماً، ويتحلل الجسد حسب طبيعة الجو المحيط (الرطوبة والحرارة والتعرض للشمس ومكان وطبيعة الموت وطبيعة الجسد) (1).
مراحل التحلل: عند موت الإنسان يبدأ التحلل داخلياً بعد أربع دقائق و هو ما يسمى علمياً التحلل الذاتي فيستهلك الأوكسجين و تزداد نسبة ثاني أكسيد الكربون و الفضلات التي تسمم الخلايا ثم تبدأ بعض الأنزيمات بتحليل الخلايا من الداخل بسبب ازدياد نسبة الحموضة فتفكك الشحوم والبروتينات والسكريات لعناصر أبسط و هذا التحلل لا يكون ظاهر للعيان في الأيام الأولى ولكنها تكون كثيفة في الكبد بسبب كثافة الأنزيمات و الدماغ بسبب نسبة السوائل الموجودة به ويتغير لون الدم ويتجمع الدم تحت الجلد و بسبب ازدياد نسبة الحموضة تتجلط السيتوبلازما ثم تبدأ مرحلة البلاء أو الاهتراء حيث تقوم البكتريا اللاهوائية والهوائية والفطور بتحليل الخلايا بعد أن قضت على الدفاعات المتبقية من الكريات البيض و تجعلها تنهار بالكامل و تحولها لغازات و سوائل و مواد أولية و يتغير لون الدم إلى الأخضر القاتم و الغازات الناتجة عن التحلل هي الميثان وثاني أكسيد الكربون وسلفيد الهيدروجين و الأمونيا. و إن لم تخرج من الفتحات الطبيعية قد تتسبب بانفجار الجسد، و هذه الغازات هي التي تعطي رائحة الإنتان لجسد الميت و كل هذا ضمن الأسبوع الثالث ثم تقوم بعض الحشرات التي لها دور هام في الفناء بوضع بيوضها في الفتحات الموجودة و تقوم يرقاتها بالغذاء على الجسد المتحلل ثم تتعاون كل هذه المخلوقات على تحليل اللحم والعظم ويفنى اللحم قبل العظم بسبب طبيعته و هنا تبدأ مرحلة التحلل الجاف حيث ينبت على العظم المتبقي طحالب تساهم في تفتيته و ذلك حسب الرطوبة المتوفرة و في العقد الأول تظهر على العظام شقوق و يتقشر و لكنه يتحول إلى غبار مع مرور الوقت ( أي من التراب و إلى التراب نعود ) (2).
كرامات الشهداء والروايات الموثقة:
أتانا عن طريق التواتر والقصص المروية عن أشخاص ثقات أن بعض الذين استشهدوا في سبيل الله تعالى قد بقيت أجسادهم غضة طرية لمدة سنوات وعقود وحتى قرون بدون أن يتغير لون الجلد و أن رائحة المسك كانت تخرج منهم ودمائهم تنزف من مكان إصابتهم و منهم من طالت لحاهم ومنهم من بقيت أجسادهم في الأرض الفلاة لسنين ولم تأكلها الضباع ولا الكلاب... !!!!
شهداء أحد:
ذكر الدكتور طارق السويدان في سلسلته (قصة النهاية) نقلا مباشرا عن الشيخ محمود الصواف الحادثة العظيمة التي تشرف بها بعض العلماء في إعادة دفن بعض شهداء أحد وكيف أنه بعد مضي 1400 سنة من استشهادهم كانت أجسادهم باقية كما هي لم تتغير ولم تتعفن ولم تتحلل.
يقول الدكتور السويدان: (وقد حدثنا الشيخ محمود الصواف رحمه الله انه دُعي فيمن دُعي من كبار العلماء لإعادة دفن شهداء أحد في مقبرة شهداء أحد التي أصابها سيل فانكشفت الجثث: يقول من الجثث التي دفنت كان حمزة رضي الله عنه، فيقول ضخم الجثة مقطوع الأنف والأذنين بطنه مشقوق وقد وضع يده على بطنه فيقول فلما حركناه ورفعنا يده سال الدم) (3).
الشهيد سمير.. بقي جسده كما هو بعد 15 عاماً من استشهاده
«نسمع كثيرا عن كرامات الشهداء، وغالباً ما كنت أعتقد أنه مبالغ فيها ولا أصدقها برغم إيماني بوجودها، لكن ما حدث قبل أيام جعلني أصدق كل ما أسمعه، فعندما فتحنا القبر وجدنا الشهيد سمير شحادة كما تركناه قبل 15 عاما، وكأنه استشهد قبل ساعة واحدة فقط».. بهذه الكلمات علق ماهر كتوت من البلدة القديمة في نابلس حينما شاهد كالمئات غيره واحدة من تلك الكرامات، فقد كان الجسد سالماً من أي تغيير، فكان على حاله يوم استشهاده!! - يقول عامر شقيق سمير: «توجهنا بعد وفاة والدتي إلى المقبرة لنفتح قبر شقيقي استعدادا لدفن الوالدة فيه كما أوصت في حياتها، وكنا قد استفتينا عددا من العلماء حول جواز دفنها في نفس قبر ابنها، فأشاروا لنا بالجواز بسبب طول المدة، فقد كنا نعتقد إن مدة 15 عاماً كافية لأن لا يبقى من جسده سوى بعض العظيمات، عندما فتحنا القبر كانت المفاجأة الكبرى أننا وجدنا سمير كهيئته يوم استشهاده، وجسده كما هو لم يأكله الدود، حتى ملابسه لم تتلف، وكذا العلم الفلسطيني الذي لُفَّ به لم يتغير لونه، لمسناه فإذا هو مبلول من مياه الأمطار التي تساقطت يوم استشهاده، وكذلك رأسه كان مبتلاً وقد رأينا شعره ممشطاً كما لو أنه قد سرحه قبل لحظات...! و زادت دهشتنا عندما هممنا بتحريكه لنفسح المجال لدفن الوالدة إلى جانبه، فإذا بجسده ما زال دافئاً ودماؤه الحارة ذات اللون الأحمر القاني تسيل من جديد وكأنه أصيب قبل دقائق معدودة». (4)
الغلام النصراني:
قال القرطبي في كتابه: وهكذا حكم من تقدمنا من الأمم ممن قتل شهيداً في سبيل الله أو قتل على الحق كأنبيائهم، وفي الترمذي في قصة أصحاب الأخدود: [أن الغلام الذي قتله الملك دفن]، قال: يذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل. وقصة الأخدود: مخرجه في صحيح مسلم، وكانوا بنجران في الفترة بين عيسى ومحمد (صلى الله عليه وسلم ). (5)
شهداء النكبة المصريين:
يروي الدكتور محمود النجار أنه شارك شخصياً مع أخيه عام 1956م في احتفال تكريمي أقيم لشهداء من الجيش المصري، الذين جاهدوا في سبيل الله ضد الصهاينة عام 1948م. و قد رأى بأم عينه نقل حوالي خمسة و أربعين شهيداً بملابسهم، ما زالت أجسادهم كما هي، رغم مضي ثمانية أعوام على استشهادهم.. !!! (5)
الشهيد الأردني:
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1182559262clip.jpg
صورة لشهيد مسجى في نعشه وهو بتسم

الشهيد العريف حسين محمد عوض المومني من بلدة عبين في محافظة عجلون – الأردن. الذي استشهد على أرض فلسطين عام 1976م في منطقة طوباس، ثم وجدت جثته بعد ما يزيد على عشرة سنوات من استشهاده، كاملة لم تتغير، و قد رفض أهل طوباس نقل جثة الشهيد إلى مسقط رأسه، تيمناً بها و تكريماً لها.
شهداء أفغانستان:
* كان أحد المجاهدين حافظا للقرآن واسمه (سيد شاه) عابدا متهجدا وكان صاحب رؤيا صادقة (رؤاه تأتي كفلق الصبح) وله كرامات كثيرة؟ ثم استشهد؟ أتي قبره بعد سنتين ونصف فكشف فوجد كما هو إلا أن لحيته طالت؟ والأعجب من هذا أنه وجدت فوقه عباءة سوداء حريرية لم ير مثلها أبدا في الأرض و رائحتها أطيب من المسك والعنبر.
* قال حبيب الله: استشهد أخي ياقوت وبعد ثلاثة شهور رأته أمي في المنام فقال: كل جروحي برأت إلا جرح في رأسي؟ فأصرت أمي أن تفتح القبر -وكان قبر أخي بجانب قبر آخر- فظهرت حفرة ظهر من خلالها القبر الآخر؟ فرأينا أفعى فوق الميت فقالت أمي لا تحفروا فقلت: إن أخي شهيد ولا يمكن أن نجد أفعى؟ وعندما وصلنا للجثة فاحت العطور وعبقت في أنوفنا حتى كدنا نتخدر لشدة الرائحة؟ ووجدنا جرحه الذي في رأسه ينزف دما ؟ فوضعت أمي إصبعها في دمه فتعطر إصبعها و بقي بعد مرور ثلاثة أشهر معطرا يعبق شذى طيبا.
* كان (عبد الجليل) طالب علم صالحا فأصابته قذيفة طائرة فاستشهد؟ وبعد صلاة الجنازة عليه عصرا أرسلوه إلى بيت أبيه وبقي حتى الصباح؟ والمجاهدون عنده وهو يفتح عينيه ويبتسم؟ فجاء المجاهدون إلى (أرسلان) وقالوا له أنه لم يمت و لا يجوز دفنه حتى نتأكد من حياته ولا بد من إعادة صلاة الجنازة عليه؟ قال (أرسلان): إنه استشهد بالأمس ولكن هذه كرامات الشهيد.
* حدثني محمد صاحب -وهو مدعي عام خريج الشريعة في كابل- قال: لقد رأيت العرق يفيض من جبين الشهيد عيد محمد بعد ثلاثة أيام من استشهاده، و هو من طلبة العلم في زرمت قرب كرديز، وكلما مسحنا العرق عن جبينه فاحت رائحة المسك وفاض العرق مرة أخرى.
شهداء فلسطين الطاهرين:
* فوجئ جعفر شقيق الشهيدين القساميين محمد و عاصم ريحان من بلدة تل جنوب غرب نابلس لدى فتح قبر الشهيد محمد بعد مرور مائة يوم على استشهاده في يوم 18/2/2002 و أثناء محاولة العائلة و الأهالي تجهيز القبر لبناء ضريحه و ضريح الشهيد القسامي ياسر عصيدة من كتائب القسام فوجئوا برائحة المسك المعطرة تفوح بعبقها من الجثمان لدى فتح القبر، و لمس جعفر دم الشهيد فوجده لا زال ساخناً و كان نائماً نومة العروس المطمئنة و أنه فكّر بإيقاظه، و رأى عرقه على جبينه و مسحه بيده أمام ذهول الناس، و الأكثر عجباً و دليلاً على كرامة الشهداء هو أن لحية الشهيد قد طالت أكثر فكبر الأهالي و حمدوا الله على كرامة الشهيد.
* الشهيد أنور حمران: ذهبت والدته و زوجته و شقيقاته لوداعه وكان في ثلاجة المستشفى وبعد عناقه أصاب دمه ملابس زوجته وأمه وعند خروجهما من المستشفى فاحت رائحة المسك من دمه بشكل قوي جداً.
* الشهيد محمد يوسف الأشقر ابن كتائب الأقصى دمه لم يتوقف عن التدفق من رأسه مكان الإصابة منذ بداية الإصابة و حتى نزوله للقبر.
و قصص أخرى في الكتب التالية: آيات الرحمن في جهاد الأفغان (عبد الله عزام) الميكروبات وكرامات الشهداء (دكتور عبد الحميد القضاة) ملحمة الفلوجة (هيئة العلماء المسلمين).
ما هو موقف العلم من هذا:
العلم وقف عاجزاً عن تحليل هذا الأمر والملحدين شككوا فيها وسموها خرافات وهناك من المسلمين من بني جلدتنا من شكك أيضاً للأسف الشديد.
الدكتور عبد الحميد قضاة اجتهد وعلل ذلك بأن المكروبات هي جنود لله تعالى تنفذ أمره وقد أمرها بأن لا تقرب جسد الشهيد، لكن كيف سنعلل ابتسامتهم ونزيف دمائهم و تعرقهم و نمو لحاهم ورائحة المسك التي تخرج منهم... !!!
فضل الشاهدة في سبيل الله:
يقول الله تعالى في سورة آل عمران: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 169-171].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يَغْفِرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ وَيُزَوَّجُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ) سنن ابن ماجة.
وقد قال شارح العقيدة الطحوية: (وحرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء...، أما الشهداء، فقد شوهد منهم بعد مددٍ من دفنه، كما هو لم يتغير، فيحتمل بقاؤه كذلك في تربته إلى يوم محشره، ويحتمل أنه يبلى مع طول المدة، وكأنه كلما كانت الشهادة أكمل، والشهيد أفضل، كان بقاء جسده أطول).
أفرد البخاري في الجزء الرابع من صحيحه باباً في "فضل الجهاد والسير". ويبدؤه بالآية الكريمة: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 111]. فالشاري هو الله تعالى وكما نعلم فالخير يعم و الشر يخص فلحق الجسد ما لحق الروح من تكريم من عليين...
إن هذا التكريم الإلهي للشهداء هو دليل على صواب الطريق و صحة المسيرة، و هو اصطفاء واختيار من الله تعالى للمخلصين من عباده، فهم مكرمون بالدنيا و الآخرة، و هي إشارات خير و بشرى، تطمئن قلوب ذويهم، و تشحذ همم محبيهم، وهذا يشوقنا لتمني الشهادة في سبيل الله.
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي: [email protected]
الهوامش:
(1)http://www.bbc.co.uk/health/ask_the_doctor/decompostionafterdeath.shtml
(2) http://www.sgm.ac.uk/pubs/micro_today/pdf/110108.pdf (http://www.sgm.ac.uk/pubs/micro_today/pdf/110108.pdf)
(3) http://www.denana.com/articles.php?ID=1149 (http://www.denana.com/articles.php?ID=1149)
(4) http://www.assabeel.info/inside/article.asp?version=512&newsid=4682&section=79 (http://www.assabeel.info/inside/article.asp?version=512&newsid=4682&section=79)
(5) أستاذ الآثار المتخصص بالعظام البشرية في جامعة اليرموك الأردنية.
(6) انظر باب ما جاء أن أرواح الشهداء في الجنة دون أرواح غيرهم – التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة – القرطبي.

القلب الحزين
08-01-2014, 04:17 PM
محمد صلى الله عليه و سلم :الماء و الحياة


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1180577057muhammadnameinhagiasophia_%28custom%29.j pgأ. د. بلخير حموتي

كلية العلوم – جامعة محمد الأول وجدة

عضو الهيئة المغربية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
لا بد من التنبيه أولا أن ما اكتشف من إعجاز عددي في القران الكريم ليزيد المؤمن إيمانا و الموقن يقينا. وإني سأذكر بعضا مما اكتشفه العلماء جزاهم الله خيرا فالعقل مثلا ذكر 49 مرات و كذلك النور 49 مرة؛ و ذكر الملائكة 88 و الشيطان و الشياطين 88؛ و الدنيا 115 و الآخرة 115 ...

كما ذكر لفظ "يوم" 365 و هي تحديدا عدد أيام السنة و ذكر لفظي يومين و أيام 30 مرة على عدد أيام الشهر بينما الشهر ذكر 12 مرة على عدد شهور السنة.

أما محمد عليه أفضل الصلاة و السلام فذكر في القران 4 مرات و أحمد مرة واحدة فيكون ذكره صلى الله عليه و سلم إذا خمس مرات و كذلك الشريعة ذكرت خمس مرات بالصيغ الآتية : شِرْعَة (المائدة 48) و شُرَّعًا (الأعراف163 ) و شَرَعَ (الشورى 13) و شَرَعُوا (الشورى 21) و شريعة (الجاثية 18).

و ينبغي التذكير إن العدد خمسة له مكانته و قيمته في الإسلام كما هو معلوم بالبداهة لدى الكثيرين، فأركان الإسلام خمسة و عدد الصلوات خمس. من عجائب القرآن أن كلمة"أذَّنَ" تكررت مرتين، وكلمة "مؤذِّنٌ" تكررت مرتين، وكلمة "أَذِّنْ" وردت مرة واحدة ويكون المجموع خمس مرات بعدد مرات الأذان، فلا نملك إلا أن نقول: الله أكبر!!

‏فضلت على الأنبياء بخمس‏:‏ بعثت إلى الناس كافة، وذخرت شفاعتي لأمتي، ونصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفي، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى، فقال موسى‏:‏ ماذا فرض ربك على أمتك‏؟‏ قلت‏:‏ فرض عليهم خمسين صلاة‏.

قال لي موسى‏:‏ فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك‏.‏ فراجعت ربي، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال‏:‏ راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك‏.‏ فراجعت ربي فقال‏:‏ هن خمس وهي خمسون، فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام فضل صلاة الجماعة على صلاة الرجل وحده خمس وعشرون درجة، وفضل صلاة التطوع في البيت على فعلها في المسجد كفضل صلاة الجماعة على المنفرد...

و يجدر التنبيه على أن الشريعة في لغة العرب الطريق الموصل إلى الماء و هوالموضع الذى ينحدر إلى الماء منه و كذلك موردُ الماء الّذي يُستقى منه بلا رِشاءٍ(أي حبل) كما جاء في لسان العرب . و أما الشريعة اصطلاحا فهي ما شرعه الله لعباده من الدين ، مثل الصوم والصلاة والحج.. وغير ذلك ، وإنما سمى شريعة لأنه يقصد ويلجأ إليه، كما يلجأ إلى الماء عند العطش، ومنه قوله تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها}الجاثية:18، وقوله تعالى{لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} المائدة:48.

بعد هذا نطرح سؤالا : لماذا إذا محمد صلى الله عليه و سلم و الماء ؟

لقد ذكر الماء في القرآن الكريم 63 مرة و أي مسلم تسأله عن هذا الرقم سيجيب 63 هو عمر و حياة النبي محمد صلى الله عليه و سلم.

فنستنتج إذا الآتي : إذا كان الماء سببا في حياة الجسم فمحمد حياة الفكر – القلب – الروح.

نسبة الماء على الأرض

إن كلمة البر 12 مرة + و كلمة يبسا مرة واحدة = 13 مرة و البحر ذكر 32 مرة و المجموع 45 إذا تكون النسبة المئوية للبر 28.8888 في المائة بينما نسبة البحر 71.1111 في المائة للبحر وقد يقترب الإنسان من هذه النسبة.

محمد صلى الله عليه و سلم يشبه نفسه بالغيث و الغيث هو المطر:

وعن أبى موسى رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ “إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجاذب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من َفقُه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به” أخرجاه في “الصحيحين‏.

ونقل عن ابن القيمفي تفسيره القيم عنقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) الأنفال 24: تضمنت هذه الآية أمورا : أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله و رسوله, فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له, فمن لم يستجب كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين باقي الحيوانات , فالإنسان مضطر إلى نوعين من الحياة : حياة بدنه التي لا يدرك قيمتها إلا من وقع في الضرر و هذه الحياة إذا قلّت نال صاحبها ألم و ضعف بحسب ذلك , وكذلك كانت حياة المريض و الحزين و صاحب الهم دون حياة من لم يعاني ذلك .
و الحياة الثانية حياة قلبية روحية ... و هذه هي التي يميز بها بين الحق والباطل و الغي و الرشاد ...وهذه الحياة تفيد قوة التمييز بين النافع والضار ... كما أن الإنسان لا حياة له حتى ينفخ فيه الملك الذي هو رسول الله من روحه ؛ فيصير حيا بذلك النفخ وكان قبل ذلك من جملة الأموات ؛ فكذلك لا حياة لروحه و قلبه حتى ينفخ فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم) من الروح الذي ألقي إليه و كذلكم القلب و الروح لا حياة فيها حتى يلقي فيها الرسول الروح .

كما للماء فوائد كثيرة و يكفي له شرفا أن الله جل جلاله جعل منه الحياة : "و جعلنا من الماء كل شيء حي، أفلا يؤمنون" بل ذهب الاتحاد الياباني للأمراض بنشر التجربة التالية للعلاج بالماء حيث بلغت نتائج نجاحه حسب إفادة الاتحاد 100% بالنسبة للأمراض القديمة والعصرية. إن شرب كوب كبير من الماء قادر على تهدئة الأعصاب فوراً عند التعرض لصدمة عاطفية أو ضغط مفرط، حيث يؤدي الإجهاد إلى سلب الماء من الجسم، مما يولد الإحساس بجفاف الفم. لذا، يكفي شرب لتر ونصف من الماء يوميا لوقف هذه الحلقة المفرغة.? و أظهرت الدراسات الحديثة أن الماء يلعب دورا مهماً في تخفيف الوزن وحماية الإنسان من الأمراض وخاصة الخبيثة منها.
ذكرت الدكتورة سوزان كلاينر، أخصائية التغذية الأمريكية، أن الماء يساعد على التخلص من السموم، ومقاومة الجوع فضلا عن دوره في المحافظة على مرونة المفاصل ومنع تشكل حصوات الكلى المؤلمة. وأشارت إلى أن الماء قد يساعد أيضاً في الوقاية من أورام سرطانية معينة مثل سرطانات الثدي و القولون و البروستات والكلى، لذلك ينصح بتناول لتر ونصف من الماء يوميا وتجنب الإكثار من المشروبات الغازية لاحتوائها على الأملاح التي تشجع الجسم على تخزين الماء.

كما تبين أن نقص كمية الماء داخل الجسم و الاستهانة بالعطش يؤثران بشكل ملحوظ على مستوى ذكاء الإنسان هذا ما أكدته إحدى الدراسات الطبية التي أجريت في بريطانيا وقد أوصى القائمون على الدراسة بضرورة شرب كميات من الماء والسوائل تتراوح مابين 6الى 8 لترات يومياً حتى يحافظ الجسم عل المعدل
الطبيعي للمياه بداخله ومن ثم الحفاظ على مستوى الذكاء الذي يتطلب وجود نسبة معينه من الأملاح المفيدة والتي توجد فقط في المياه.

إذن الماء هو العنصر الأساسيّ لنظافة الجسم والبيت والأشياء الأخرى، فهو ينظف الأوساخ ظاهرها وباطنها كما ينعش الإنسان ويريحه من التعب، ويفيد الماء أيضا في إزالة الشعور بالإرهاق والقلق ويساهم في تخفيض الأمراض لدى الإنسان ويزيل الطاقة الكامنة التي تتسبب في وهن الجسم، تلك الطاقة الكامنة في الجسم ولا يستطيع الإنسان رؤيتها بالعين المجردة لكننا نحسّ بها في بعض الأحيان عند قيامنا بحركة خلع قميصنا الصّوفي فينبعث صوت، أو عندما نلمس شيئا نحسّ كأنّه لسعة كهربائية تهزّ أجسامنا، كما نحسّ أحيانا بانتفاش الشعر. هكذا يتخلّص الإنسان من كلّ ذلك عندما ينّظف جسمه فيحسّ

http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1180576997water.jpgإن جزيئة الماء المثلجة خماسية كل واحدة محاطة بأربعة على شكل هرم.
أنّ جسمه خفيف نشيط ويحسّ بالرّاحة الكاملة مثلما يساهم طلوع الشّمس بعد يوم ممطر فى بعث البهجة والفرحة في القلوب لأنّ الماء يقضى على تلك التراكمات الموجودة في الجسم والباعثة على القلق والوهن و في الأخير لا بد من كلمة عن "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم" : وروى الطبراني وابن حبانعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم , في طعام الطعم , وشفاء السقم)) و رواة الحديث ثقات كما قال المنذري.
وطعام الطعم : يعني يشبع الإنسان من مائها إذا شربه كما يشبع من الطعام إذا أكله والطعم ـ بضم فسكون ـ : الطعام وشفا سقم : أي يزيل المرض ويبرئ العلة, والسقم ـ بضم فسكون وفتحتين ـ هو المرض.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل ماء زمزم في الأداوي والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم.))

كما في حديث الدعاء بعد الوضوء ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) و دعاءِ النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد).
Prof. B. Hammouti
Lab. Chim. Appliquée & Environnement
Faculté des Sciences
B.P. 717 60000 Oujda Morocco
Mobile: +212 68 63 22 73
Fax: +212 36 500 603
[email protected]
http://www.oujdacity.net/oujda -article-2178-fr.html (http://www.oujdacity.net/oujda-article-2178-fr.html)

القلب الحزين
08-01-2014, 04:18 PM
عظماء دافعوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم


فوزية الخليوي
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
لا تزال الأيدي اليهودية الآثمة ,تحكم سيطرتها على وسائل الأعلام الكبرى ! ولا تألوا جهداً في استغلالها في السخرية من الرسول صلى الله عليه وسلم. وتشويه صورة الإسلام, فابتداءً من كبريات الصحف العالمية : كالتايمز البريطانية التي أصبحت صحيفة صهيونية خالصة بعد أن أشتراها المليونير اليهودي "روبرت مردوخ"وكذلك شقيقتها الصنداي تايمز, بالإضافة إلى المجلة الأسبوعية ويك أند التي تخصصت بالرسومات الكاريكاتيرية التي تتهكم بالعرب في لندن وتظهرهم في أبشع صورة؟؟ وتعتبر النيويورك تايمز من أشهر الصحف الأمريكية وقد اشتراها اليهودي أودلف أوش,وتأتى الواشنطن بوست في المرتبة الثانية من الخضوع للصهيونية! ونيوز ويك التي بلغ حجم توزيعها 4,5 مليون نسخة عام م.1981 وقد بلغ من تفاقم السيطرة الصهيونية على دور النشر الفرنسية, أن المفكر الشهير رجاء جارودى الذي كانت دور النشر الفرنسية تتسابق لنشر كتبه, لم يجد دار نشر واحدة تتبنى كتابه" بين الأسطورة الصهيونية والسياسة الإسرائيلية"الذي كتبه بعد إسلامه!؟؟ (النفوذ اليهودي في الأجهزة الإعلامية لفؤاد الرفاعي)
ونظراً لهذا النفوذ الذي يبعث الأسى والألم في نفس كل مؤمن يبتغى العزة لله ولرسوله !! كان التصدي لهذا الكيد من المقامات العظيمة التي انبرى لها عددٌ من العظماء, وبهذا امتدح الله عز وجل المهاجرين بقوله (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)
ونصر رسول الله عليه الصلاة والسلام باللسان, والسنان, والقول, والفعل نصراً له فى ذات نفسه, حماية لعرضه, وصوناً لحرمته, وإرغاماً لأعدائه ومبغضيه, وإحلالاً لمقام النبوة من أي قدح, وقد أجمع العلماء على وجوب قتل من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصاً في نسبه أو دينه,... فحكم من أتى بذلك أن يقتل بلا استتابة لأنه آذى رسول الله بما يستوجب إهدار دمه إن كان مسلماً ونقض عهده إن كان ذمي ( الدليل الشافي لابن تغرى بردى1_45)
ولقد أخذ السلاطين على عواتقهم نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم, منه أن صلاح الدين الأيوبي نذر أن يقتل أرناط صاحب الكرك, فأسره وكان سببه أنه مرّ به قوم من مصر في حال الهدنة, فغدر بهم فناشدوه الصلح, فقال ما فيه استخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟؟؟ وقتلهم فجمع صلاح الدين الملوك فلما حضر أرناط, قال: أنا أنتصر لمحمد منك!! ثم عرض عليه الإسلام فأبى ؟؟ فحلّ كتفيه بخنجر !!!
أما الملك الكامل ملك مصر, لما وقع الحصار على مدينة دمياط اتفق أن أحد الكفار قد ألهج لسانه بسبّ النبي صلى الله عليه وسلم؟؟ معلناً به على خنادقهم, وكان أمره قد استفحل وقد جعل هذا الأمر ديدنه, فلما وقعت الوقعة وانتصر المسلمون وكان هذا الكافر من ضمن الأسرى فأخبر الملك بشأنه, فصمم الملك الكامل على إرساله إلى المدينة النبوية, وأن يباشر قتله بذاك المحل الشريف,فلما وصل أقيم ونودي على فعلته بين الناس فتهادته السيوف!!
أما هارون الرشيد فقد حكى عنه العالم أبو معاوية الضرير : كنت أقرأ على أمير المؤمنين الحديث, وكنت كلما قلت قال رسول الله! قال: صلى الله على سيدي ومولاي. حتى ذكرت حديث" التقى آدم وموسى! فقال عمه: أين التقيا؟ قال: فغضب هارون !!وقال: من طرح إليك هذا؟ وأمر به فحبس؟!! قال: فدخلت عليه في الحبس, فحلف لي بمغلظات الأيمان, ما سمعت من أحد ولا جرى بينى وبين أحد في هذا كلام!! فرجعت إلى أمير المؤمنين وأخبرته فأمر به فأطلق من الحبس!! وقال لي هارون: توهمت أنه طرح إليه بعض الملحدين هذا الكلام الذي خرج منه, فيدلني عليهم فأستبيحهم؟؟!!
ما ذكره الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - عن أحد خطباء مصر، وكان فصيحاً متكلماً مقتدراً وأراد هذا الخطيب أن يمدح أحد أمراء مصر عندما أكرم طه حسين، فقال في خطبته: جاءه الأعمى فما عبس بوجهه وما تولى !، فما كان من الشيخ محمد شاكر - والد الشيخ أحمد شاكر - إلا أن قام بعد الصلاة، يعلن للناس أن صلاتهم باطلة، وعليهم إعادتها؛ لأن الخطيب كفر بما شتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول أحمد شاكر في كلمة حق: (ولكن الله لم يدعْ لهذا المجرم جرمه في الدنيا، قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى، فأقسمُ بالله لقد رأيته بعيني رأسي - بعد بضع سنين، وبعد أن كان عالياً منتفخاً، مستعزّاً بمَن لاذ بهم من العظماء والكبراء - رأيته مهيناً ذليلاً، خادماً على باب مسجد من مساجد القاهرة، يتلقى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار، حتى لقد خجلت أن يراني، وأنا أعرفه وهو يعرفني، لا شفقة عليه، فما كان موضعاً للشفقة، ولا شماتة فيه؛ فالرجل النبيل يسمو على الشماتة، ولكن لما رأيت من عبرة وعظة).
ومن مناقب الملك فيصل رحمه الله في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرة الشريعة, ودفع كيد الكائدين بردّ شبههم, ودحض مفترياتهم ما حكاه الدكتور تقي الدين الهلالي, فقال: قبل بضع سنين كنت مقيماً في باريس عند أحد الأخوان, وكنت قد سمعت بأن الطبيب المشهور الجراح موريس بوكاى, ألف كتاباً بين فيه أن القرآن العظيم هو الكتاب الوحيد الذي يستطيع المثقف ثقافة علمية عصرية أن يعتقد أنه حق منـزل من الله ليس فيه حرف زائد ولا ناقص!! وأردت أن ازور الدكتور موريس لأعرف سبب نصرته لكتاب الله ولرسوله! فدعوناه فحضر فوراً!!! فقلت له: من فضلك أرجو أن تحدثنا عن سبب تأليفك لكتابك " التوراة والإنجيل والقرآن في نظر العلم العصري" فقال لي: انه كان من أشد أعداء القرآن والرسول محمد! وكان كلما جاء مريض مسلم محتاج إلى علاج جراحي يعالجه, فا أتم علاجه وشفى ! يقول له: ماذا تقول في القرآن؟ هل هو من عند الله أنزله على محمد ؟ أم هو من كلام محمد نسبه إلى الله افتراءً عليه؟ فيجيبنى: هو من عند الله ومحمد صادق! قال: فأقول له: أنا أعتقد انه ليس من الله وأن محمداً ليس صادقاً!!فيسكت؟؟!!!
قال: ومضيت على ذلك زماناً حتى جاءني الملك فيصل بن عبد العزيز ملك المملكة السعودية, فعالجته جراحياً حتى شفي, فألقيت عليه السؤال المتقدم الذكر!! فأجابني: أن القرآن حق وان محمداً رسول الله صادق!! قال: فقلت: أنا لا أعتقد صدقه!! فقال الملك فيصل: هل قرأت القرآن؟ فقلت: نعم مراراً!! فقال: هل قرأته بلغته أم بغير لغته!!أي بالترجمة !! فقلت: أنا ما قرأته بلغته بل بالترجمة فقط! فقال لي: إذاً أنت تقلد المترجم, والمقلد لا علم له إذا لم يطلع على الحقيقة, لكنه أخبر بشيء فصدقه, والمترجم ليس معصوماً من الخطأ والتحريف عمداً!! فعاهدني أن تتعلم اللغة العربية, وتقرأه وأنا أرجو أن يتبدل اعتقادك هذا الخاطئ! قال: فتعجبت من جوابه! فقلت له: سألت كثيراً من قبلك من المسلمين فلم أجد الجواب إلا عندك, ووضعت يدي في يده وعاهدته على أن لا أتكلم في القرآن ولا في محمد إلا إذا تعلمت اللغة العربية , وقرأت القرآن بلغته, وأمعنت النظر فيه حتى تظهر النتيجة بالتصديق أو التكذيب!! فذهبت من يومي ذلك إلى الجامعة الكبرى بباريس(قسم اللغة العربية) واتفقت مع أستاذة بالأجرة أن يأتيني كل يوم إلى بيتي, ويعلمني اللغة العربية ساعة واحدة كل يوم إلا يوم الأحد الذي هو يوم راحتي, ومضيت على ذلك سنتين كاملتين لم تفتني ساعة واحدة, فتلقيت منه سبع مائة وثلاثين درسا, وقرأت القرآن بإمعان, ووجدته هو الكتاب الوحيد الذي يضطر المثقف بالعلوم العصرية أن يؤمن بأنه من الله لا يزيد حرف ولا ينقص, أما التوراة والأناجيل الأربعة, ففيها كذب كثير, لا يستطيع عالم عصري أن يصدقها.؟؟!
فلله درهم من سلاطين, كانوا بحق كما قال ابن المبارك:
الله يدفع بالسلطان معضلة *** عن ديننا رحمة منه ورضوانا
لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل *** وكان أضعفنا نهباً لأقـوانا
المصدر: موقع صيد الفوائد http://www.saaid.net (http://www.saaid.net/)

القلب الحزين
08-01-2014, 04:19 PM
إنزال الغيث من السماء



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1174866908x20-big.jpg
إن الله خلق الخلق وقدر المقادير وأجرى السنن لانتظام سير الكون ، وضبط تعامل المخلوقات مع تلك السنن ولتكيف حياتها وفقاً لها، ولكن الذي قدر تلك السنن يستطيع أن يوجد آثارها عن طريقها أو عن طريق سنن أخرى غيرها أو بأي كيفية يريدها في أي وقت يشاء. قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ (يس:82). ومن ذلك ما نعرفه من إجابة الله لدعاء المسلمين الذين يخرجون لصلاة الاستسقاء عندما يشتد الجفاف في بلادهم فيفرج الله عنهم كربهم ويجيب دعوتهم ويسوق الغيث إليهم في غضون ساعة أو ساعات ، وبعضهم لا يرجع من مكان صلاة الاستسقاء إلا تحت وقع المطر في وقت يئس الناس فيه من سقوط المطر ، لأن السنن المعتادة لنزوله غير متوفرة. لكن خالق السنن سمع استغاثة الداعين ولجوء اللاجئين إليه ورأى مكانهم الذي هم فيه فساق إليهم المطر بسنن أخرى إلى مكانهم المحدد على وجه الأرض، وهو القائل سبحانه: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ (يس:82). والقائل سبحانه ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ (البقرة:186)سل أباك وأمك أو أحد أقربائك وسل شيوخك العارفين برحمة ربك سميع الدعاء، سلهم عن إجابته دعوة المضطرين، وإغاثة الملهوفين، سلهم كم أصيبت أراض بالجفاف، وانعدم المطر، فخرج المسلمون كما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون ربهم مستغيثين فيجيبهم وينشر رحمته عليهم. ذلك هو التطبيق العملي الذي نعرف به أن الخالق سبحانه هو سميع مجيب الدعاء وهو القائل: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة:186).
من غيث الاستسقاء- وإليك بعض الأمثلة:
أ- في منطقة حرف سفيان(14)عام 1973مكان الصينيون يشقون طريق صنعاء -صعده وكانت لهم محطة أشغال في تلك المنطقة وحفروا للناس آباراً ارتوازية، إذ اشتد الجفاف في تلك المنطقة، فقال الشيخ عبدالله عشيش:" تعالوا نخرج لصلاة الاستسقاء"، فلم يستجب الناس وخرج معه شخص واحد اسمه يحيى الأقطل وصليا صلاة الاستسقاء في مزرعة يحيى الأقطل ودعوا الله تعالى فأنزل الله المطر على تلك المزرعة دون غيرها من الأراضي الزراعية. وبعد بضعة أشهر نبت الزرع في تلك المزرعة فكان المسافر إذا مر يرى منطقة فيها زرع وباقي الأراضي ميتة ليس فيها زرع فيسألون فيقال لهم هذا زرع يحيى الأقطل الذي صلى صلاة الاستسقاء !
ب- وفي عهد الحكم الشيوعي بالحبشةاشتد القحط والجفاف وضاق الناس به حتى هلكت كثير من المواشي ومات بعض الناس جوعاً. فاضطرت الحكومة الشيوعية للسماح للمسلمين والنصارى بإظهار شعائر العبادة والدعاء لإنزال المطر. فقام النصارى في كنائسهم بالدعاء والصلاة من أجل إنزال المطر، ولكن لم يستجب الله لهم.ودعا إمام الجامع الكبير بأديس أبابا الذي يعتبر إماماً للمسلمين هناك إلى صلاة الاستسقاء في يوم معين وندب المسلمين للصيام ثلاثة أيام قبل ذلك فخرجوا لصلاة الاستسقاء، ففرح الشيوعيون بذلك ظناً منهم أنهم سيسخرون منهم كما سخرواhttp://www.quran-m.com/firas/photo/834832.jpgمن النصارى قبلهم.ولقد ذكر إمام المسلمين في الحبشة لفضيلة الشيخ الزنداني عن هذه الحادثة:" أصبحنا في مشكلة، فلم يعد همنا نزول المطر بل أصبح همنا الخوف من الفضيحة بين النصارى والشيوعيين! فأخذنا ندعو الله ونلح في الدعاء إلى أن جاء موعد صلاة الاستسقاء فخرجنا وصلينا صلاة الاستسقاء فلم يأت وقت العصر حتى أنزل الله المطر مدراراً بعد سنوات من الجفاف. فكان غيثاً للأرض وغيثاً لقلوب الشباب ، وقال النصارى هذا مطر المسلمين وأقبل كثير من الشباب على الإسلام بعد أن كانوا قد اعرضوا عنه .
جـ- ولقد ذكر للشيخ عبد المجيد الزنداني شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق رحمه الله :اشتد على أهل سيناء الجفاف فأخبروني بذلك فقلت لهم: "صلوا صلاة الاستسقاء". فجمع المحافظ الناس والعلماء. وخرجوا لصلاة الاستسقاء فأنزل الله المطر سيولاً غزيرة فاتصل بي المحافظ قائلاً: "يا شيخ المطرُ زادَ علينا فماذا نفعل ؟" فقلت له أدعو الله أن اجعله حوالينا لا علينا.
د- فاز الطيب أوردغان أحد قيادات حزب الرفاه الإسلامي في تركيافي أواسط التسعينيات برئاسة بلدية اسطنبول في تركيا فقدم خدمات هائلة للناس، وبقي عليه مشكلة الماء حيث كان نصيب الفرد من الماء مرة كل شهر ، فقال: "لقد تعلمنا في معاهد الدعاة والأئمة أنه إذا اشتد الجفاف يخرج الناس لصلاة الاستسقاء". فدعا الناس إلى ذلك فاشتدت سخرية العلمانيين من دعوته واشتد حرج المؤمنين من تلك السخرية. وقال لي الشيخ أمين سراج إمام جامع الفاتح باسطنبول: "لقد خرجنا لصلاة الاستسقاء وهّمنا شماتة العلمانيين ، فكنا نستغيث بالله ألا يفضحنا ونزلت الأمطار في اليوم الثاني لصلاة الاستسقاء ، واستمر نزول المطر حتى امتلأت سدود اسطنبول واكتفى الناس."
هـ- وحدث في عام 1417هـ أن قام فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني بزيارة لمنطقة يهر بيافعمن بلاد اليمن، وكانت المنطقة تعانى من الجفاف وشحة المياه، فقال الناس له أثناء محاضرة للشيخ معهم كانت في الهواء الطلق: "انظر يا شيخ إلى الزرع كاد أن يذبل وإلى البُنّ كاد أن ييبس فاستسق الله لنا" فطلب منهم أن يؤمنوا على دعاءه وأن يُخلصوا الدعاء، فدعوا الله وحينها قال أحد الحاضرين: "إذا نزل المطر فسأصلي وأتوب من اليوم!" وما هي إلا ساعة وثلث الساعة تقريباً حتى نزل المطر منهمراً على تلك المنطقة والوادي بعد أن كان الجو جافاً لا تلوح فيه قزعة سحابٍ فسبحان مجيب الدعاء .
المصدر : كتب الشيخ عبد المجيد الزنداني

القلب الحزين
08-01-2014, 04:19 PM
الحضارة التائهة


http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1173687920180px-ahamid.jpg صورة للسلطان عبد الحميد الثاني
راودتني فكرة هذا المقال منذ عشرين عاماً، فكرت فيها طويلاً، وقرأت عنها كثيراً إلى أن بلورتها وأوجزتها في عنوان هذا المقال.
كنت أعرض فكرتي وأوضحها للناس فيعجبون بها ويؤيدونها ولكنهم لم يحفزونني بالقدر الذي يدفعني للكتابة عنها في مقال مستقل رغم أنني بثثتها في العديد من مقالاتي وبرامجي التي أعدها، إلى أن دعيت إلى لقاء للاستماع إلى المؤرخ الكبير الأستاذ محمد حرب حفظه الله ، مترجم مذكرات السلطات عبد الحميد الثاني رحمه الله، تلك المذكرات التي كانت المحرك الأول لفكرتي والدافع لي لتعرف تاريخ الدولة العلية العثمانية، فقد تعلمت من هذه المذكرات عظمة السلطان العظيم عبد الحميد الثاني رحمه الله، ومن ثم تعرفت تاريخ الدولة العلية العثمانية، وجمعت عنها مئات الكتب، وكتبت عنها عشرات المقالات ولم أترك مناسبة إلا وتكلمت فيها عن الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية، ولهذا السبب دعيت الليلة 14/6/2004م للقاء المؤرخ الحبيب الذي أحببته دون أن أراه، وتعلمت منه دون أن أجلس إليه، راودتني فكرة المقال بقوة وعندما عرضتها على الدكتور محمد حرب حفظه الله قال: هذه فكرة متميزة، وهذا الذي جعلني اكتب هذا المقال وأنا مطمئن تماماً لصحة فكرتي وجدواها .
تبدأ قصة هذا المقال بالدولة النبوية الإسلامية الأولى في المدينة المنورة التي أسسها المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة رضي الله عنهم بوحي من الله، وبالعمل المخلص الجاد من الصحابة، فكانت تلك الدولة هي الجزيء الوراثي العجيب الذي يحمل في خارطته الوراثية كل خصائص الحضارة الإسلامية القوية موثقة بالوحي وجهود المؤمنين على خيطي الجزيء الوراثي الإسلامي ، القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، بدأت تلك الدولة ضعيفة مهاجرة من مكة إلى المدينة، وبلغت ذروتها وكملت وحصلت على الوسام الإلهي المعجز { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً } [المائدة : 3] . وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم ، وبدأ المرتدون يهدمون في الدولة الإسلامية، فقام الصحابة رضوان الله عليهم بحمايتها من أعدائها بقتال الصديق للمرتدين ، وبلغ التطبيق العملي ذروته في عهد الفاروق، وبدأت الخلافات في عهد ذي النورين ، ثم وصلت الدولة الراشدة إلى الفتنة الكبرى في عهد أبي الحسن رضي الله عنهم أجمعين، وبدأ الأعداء يتربصون للقضاء على الدولة الإسلامية والحضارة الإسلامية .
وهنا تلقف الأمويون ( 40 – 132 هـ 661 – 750 م ) الحضارة الإسلامية وأنشئوا الدولة الأموية التي ظلت تقوى إلى بلغت قمتها في عهد عمر بن عبد العزيز ( 718 – 720 م ) ثم بدأ الضعف يدب في الدولة إلى أن انهارت الدولة الأموية في عهد مروان بن محمد بن مروان بن الحكم ( 744 – 750م ) .
وهنا تلقف العباسيون في بغداد ( 750م – 1258م ) الدولة الإسلامية والحضارة الإسلامية ثم قويت الدولة إلى بلغت ذروتها في عهد هارون الرشيد ( 786 – 809م ). والمأمون بن هارون الرشيد ( 813 – 833م ) ثم ضعفت ووصلت إلى عهد المستعصم بالله في بغداد ( 1242 – 1258م )، والمتوكل على الله في مصر ( 1515 – 1516م ).
وهنا تلقف المماليك البحرية ( 1250 – 1279 ) ، والمماليك البرجية ( 1279 – 1381م ) ، والمماليك الشراكسة ( 1382 – 1517م ) ، تلقفوا ، الحضارة الإسلامية ليعيدوها من طور الضعف إلى طور القوة والذروة ثم بدأ الضعف يدب في الدولة رويداً رويداً إلى أن ضعفت كما سبق .
وهنا تلقفت الدولة العلية العثمانية ( 1299 – 1924م ) الحضارة الإسلامية والدولة الإسلامية من حالة الضعف لتصل إلى أوج قوتها في عهد سليمان القانوني ( 1520 – 1566م ) وبدأ الضعف يدب في الدولة العثمانية رويدا رويدا إلى أن ضعفت كما ضعفت الدولة الأموية والدولة العباسية ودولة المماليك.
وهنا تطلعت الحضارة الإسلامية إلى من تعودت منهم إنقاذها بضعف الدولة التي تحميها وتحمل رسالتها ، فنادها المسلمون العرب لكي يقيموا دولة الخلافة الإسلامية العربية ، وجاءت الحضارة الإسلامية كعادتها إلى أبنائها في البلاد العربية ، وخاصة في الجزيرة العربية ومكة والمدينة ، ولكن للأسف ولأول مرة في حياتها لم تجد أبناءها في انتظارها، وجدتهم قد تخلوا عنها وخانوها، لم تجدهم كأبنائها من الخلفاء الراشدين، والأمويين، والعباسيين، والمماليك، والعثمانيين، بل وجدتهم قبليين جهلاء طامعين مخدوعين جرفهم الاستعمار إلى أحضانه، وضحك عليهم لورانس العرب بعقاله وشماغه، وضللهم مكماهون وقسمهم سايكس – بيكو، وألهوهم بسراب حكمهم للدولة الإسلامية ومصالحهم الشخصية.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1173687965200px-thomas_edward_lawrence-lawrence_of_arabia.jp توماس إدوارد لورنس.
جاءت إليهم الحضارة الإسلامية فلم تجدهم في استقبالها ، فتاهت في محطة الوصول العربية وبلد الوصول المفتنة بالفتن والمطامع الجاهلية فتاهت ولم تزل تائهة.
أنها حضارة لن تموت لأن جزيئاتها الوراثية ربانية ، ولكنها تائهة فقط وسيقيض الله لها من أحفادها من بعيدون لها دورتها ، لتصل إلى ذروتها بإذن الله (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة : 32] وهكذا أخوة الإسلام تاهت الحضارة الإسلامية ، فمن منا ينادي عليها ، وينادي على المخلصين من أحفادها ليعيدوها إلى ديارها الإسلامية ، ويعيدوها إلى سابق عهدها وإلى تكملة رسالتها الإنسانية؟ فبغيابها طغت الحضارة المادية اللا أخلاقية التي انتهكت حرمات المسلمين في فلسطين، والبوسنة، والهرسك، والشيشان، والصومال، والسودان، وأفغانستان، والعراق و . . . و . . .
لا تفقدوا الأمل أخوة الإسلام فالمستقبل لهذا الدين، والحقبة التالية من التاريخ هي حقبة المسلمين بإذن الله .
الدكتور : نظمي خليل أبو العطا
مع الصائمين العدد ( 9715 ) الخميس 14 رمضان 1425 هـ - 28 أكتوبر 2004 م

القلب الحزين
08-01-2014, 04:21 PM
الإسلام يبني الحياة الزوجية على الحب



http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1172996370dv1395057.jpgيظن معظم المسلمين أن الحب بين الشاب والشابة حرام ، والحب بين الرجل والمرأة حرام ، وهذا فهم خاطئ لا أساس له في شرع الله ، الإسلام لا يحرم الحب ولا يجرمه ، ولكنه يحرم الاعتداء على الحب بأي صورة من صور الاعتداءات السمعية، والبصرية، واللفظية، واللمسية ، والشمية غير المشروعة. والرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لا يرى للمتحابين مثل التزويج فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال : يا رسول الله في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسر ورجل معدم ، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح ( أي الزواج ) رواه ابن ماجة وهو حديث حسن صحيح .
فإذا كان رسولنا صلى الله عليه وسلم فضّل أن تتزوج المسلمة بمن تحبه ولو كان معسراً، ولا تتزوج من لا تحبه وأن كان موسراً فهل بعد ذلك يقول مسلم أن الحب بين البنت والرجل حرام؟!
ففي الصحيح للبخاري أن بريرة لما عتقت اختارت نفسها، فكان زوجها يمشي خلفها ودموعه تسيل على لحيته فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : لو راجعته فإنه أبو ولدك فقالت : أتأمرني؟
قال : ( لا إنما أنا شافع ) .
قالت : ( فلا حاجة لي فيه ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بُغض بريرة مغيثاً؟ وهذه الواقعة تبين هدي تقرير الرسول صلى الله عليه وسلم للحب أو البغض ، وقد تعجب من حب مغيث وأشفق عليه وشفع له عند بريرة ( حبيبته )، ونعجب من بغض بريرة مغيثاً وأقرها على بغضها له ولم يجبرها على مراجعته ولم يأمرها بذلك ، ولو أمرها لفعلت . وقد عجبت لأقوام لا يعترفون بالمشاعر ولا يعيرونها اهتمامهم ويزوجون بناتهم لمن لا يحببن لأسباب لا علاقة لها بالدين، بل هي أسباب دنيوية وقد تكون جاهلية ، وتظل المرأة تحلم بحبيبها الذي حرمت منه ، وربما كان زوجها أفضل منه ألف مرة ولو تزوجته ربما نفرت منه بعد الزواج ولكنها تظل مشتاقة إليه، ويقوى حبها له، وقالوا أن سبب بقاء حب قيس وليلى أنه لم يتحقق ولذلك لم يهدأ، وربما لو تزوجها لهدأ الحب وخفت .
وعندما قيل لليلى : حبك للمجنون أكثر أم حبه لك؟
- قالت : بل حبي له .
- قيل : وكيف؟
- قالت : لأن حبه لي كان منشوراً وحبي له كان مستوراً ، وهذا يؤكد ما قلناه سابقاً .
وقد أحب المصطفى صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها حباً لم يفارقه حتى بعد موتها، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم ( إني رزقت حبها ) .
- وقد كان قلبه صلى الله عليه وسلم يخفق عند سماع صوت هالة بنت خويلد التي كان صوتها يشبه صوت أختها خديجة رضي الله عنها فكان يقول ( اللهم هالة بنت خويلد ) .
- والبيت هو المكان الذي نعيش فيه مع من نحب من الزوجات والأولاد والأجداد والأرحام ، ولذلك أسس الله سبحانه وتعالى البيوت على موجبات الحب من : المودة ، والرحمة واللباس والسكن ، قال تعالى : { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم : 21].
- - والشاب المسلم، والفتاة المسلمة اللذان يحب كل منهما الآخر لغرض الحب فقط ولقضاء فترات دنيوية مؤقتة مع الطرف الآخر ، بعيداً عن الأهل والخطبة الشرعية والإعلان الشرعي والإشهار قد حادا عن الصراط المستقيم ، والسلوك القويم ، والأخلاق الحميدة ، فتفرقت بهما سبل الشيطان عن سبيل الله وإن ماتا على هذه الحالة فقد ماتا على خطر عظيم وحالة من الجاهلية والسلوك في الحب خطيرة.
- - وعلى المتحابين بغير الطريق الشرعي أن يفكرا في المفاسد الدنيوية والآخروية في هذا الحب العقيم الأثيم الذي لا ثمرة فيه ولا نتيجة صالحة ، فإنه إن لم هناك جنة للمتقين ونار للعاصين لكان في هذا الحب من المفاسد الدنيوية ما يبعد الحبيبين عنه من السمعة السيئة والتاريخ السيء في الناس ، والمعاصي التي ترتكب أثناء فترة هذا الحب العقيم الفاسد ، والمفاسد التي تترتب عليه من ضياع للأخلاق وسمعة المسلمين .
- إن جاءت من تحبينه فاطلبي منه أن يطرق البيوت من أبوابها ، ويذهب إلى والدك أو ولي أمرك ، يخطبك منه ، وعلى أولياء الأمور مراعاة مشاعر الأبناء حتى لا ينفرط العقد ونضطرهم إلى المخالفات الشرعية بالمطالب الدنيوية التافهة والفانية والمتغيرة ، رحبوا بأتيان الحبيب إليكم من الباب الشرعي ، وساعدوهم على الزواج الشرعي حتى لا تضطروهم إلى المخالفات الشرعية وفتح أبواب للقاءات تورثنا العار كما هو الحال في الزواج السري غير الشرعي الذي يترتب عليه مشكلات اجتماعية وأسرية وخلقية لا حصر لها وهناك قضايا هزت الرأي العام بسبب المخالفات الشرعية التي تترتب عليها مفاسد عديدة ، الإسلام دين الفطرة ، ودين الوسطية ، ودين الواقعية وقد جعل الله سبحانه وتعالى الزواج عبادة ، وأمر المسلمين بتزويج من لا زوج له حتى لا يصبح في الحي أعزب واحد فقال تعالى : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [النور : 32].
فالزواج الشرعي هو الطريق الإسلامي لمواجهة الحاجات الفطرية للإنسان وهو الغاية النظيفة لهذه الميول العميقة وعلينا أن نزيل العقبات من طريق الزواج ، لتسير الحياة على فطرتها وبساطتها ، ولنتجنب العديد من المشكلات التي قصمت ظهر المتعرضين لها خاصة في المجتمعات الإسلامية المحافظة على أعراضها وعلى دينها والمتمسكة به وهو أغلى ما عندها .
- والحب الشريف العفيف يؤدي إلى التوافق النفسي ، الاجتماعي ، والحيوي والبدني ، ويزيل العقبات من طريق الحياة ، وهو يحتاج إلى رعاية دائمة ، ويحتاج إلى دراية عليمة وشرعية حتى تستمر شجرته في النمو والازدهار وتثمر الحياة الزوجية السعيدة والاجتماعية المستقرة . وعليكم بقراءة روضة الحبين ونزهة المشتاقين لأبن قيم الجوزية رحمه الله ، وكتاب تحفة العروس لمحمد مهدي الاستانبولي حفظه الله ، وكتاب علم النفس الفسيولوجي للدكتور أحمد عكاشة ، ورسالة المتحابين من الشباب لكاتب هذا المقال.
- د . نظمي خليل أبو العطا
الأسرة والمجتمع - أخبار الخليج - العدد ( 10037 ) الخميس 11 شعبان 1427ه- - 15 سبتمبر 2005م.
للمزيد يمكن زيارة موقع الدكتور على شبكة الإنترنت
http://nazme.net/ar/?p=home

القلب الحزين
08-01-2014, 04:21 PM
المُتَفَاعِلاَتُ الكيماوية للحياء



الدكتور نظمي خليل أبو العطا
أذكر أنني ذهبت أول مرة إلى إحدى المدن الشاطئية العربية الكبرى في ستينات القرن الماضي , وطلب مني قريبي أن أذهب معهم إلى شاطئ البحر فوافقت , ولم أكن ذهبت إلى الشواطئ العامة من قبل , رغم أنني أحب البحر وارتبط به لأنني نشأت بالقرب من شاطئ بحيرة المنزلة الكبرى , وافقت أن أذهب معهم , وفجأة طلبوا مني أن أخلع ملابسي في البيت وأرتدي ملابس البحر ونسير في الشارع لقرب بيتهم من الشاطئ ولكني أمتنعت بشده, إذ كيف أسير في الشارع بهذه الملابس المخصصة لنزول البحر ؟!
نزلت معهم إلى الشارع فرأيت الناس يسيرون في الشارع بملابس البحر دهشت من هذا السلوك الغريب , ذهبت إلى الشاطئ فرأيت العجب العجاب وما لم يكن يخطر لي على بال يومها , النساء قد خلعن ملابسهن وارتدين ملابس البحر الفاضحة وتمددن على رمال الشاطئ والرجال حولهن من كل حدب وصوب , صُعقت من هذه المناظر الفاضحة , وغادرت هذا الشاطئ الذي يعج بالمعاصي فوراً وجلست في البيت إلى أن حضروا فقلت لهم كيف تقبلون هذه الأوضاع والسلوكيات المشينة والمهينه وأنتم من أهل القرى المحافظين وأنتم قبل ذلك وبعده من المسلمين؟! قالوا : لقد كنا في البداية مثلك تماماً , أما الآن فالأمر صار مألوفا جداً لنا . قلت لهم : لقد اقشعر بدني عندما طلبتم مني المشي في الشارع بملابس البحر , وأحسست كأن مرجلا ً يغلي في جلدي , ووقف شعر رأسي , وعندما رأيت هذه المناظر على شاطئ البحر اشتعل جسدي كله غلياناً , واحمر وجهي , وتأثرت تأثراً شديداً , ضحكوا من سلوكي وقالوا : أنت تذكرنا بأول أيامنا في هذه المدينه الشاطئية الكبيرة, أقسمت بعدها أن لا أذهب إلى شاطئ به هذه المعاصي أبداً.
فكرت في الأمر كثيراً , ماالذي جعل جلدي يقشعر وخلايا جسدي تغلي ووجهي يحمر ؟! وما الذي جعلهم يفقدون هذا السلوك البدني والنفسي والاجتماعي العجيب ؟!
قرأت بعد ذلك كتابا عن أن الانسان كائن كيميائي , كل شئ يتم في بدنه عبارة عن تفاعلات كيميائية استرجعت ذلك على ما دَرَسته, في الكيمياء الحيوية, والأيض والاتزان في الانسان , وعلم وظائف الأعضاء , استنتجت أن الحياء عباره عن متفاعلات كيمائية يبطل مفعولها التفاعلي بممارسة ما ينافي الحياء . قرأت في الأمر وتأكدت أن فكرتي صحيحة مئه في المئه فكنت أشرحها لطلابي في الجامعة , والآن هذه حقيقة علمية يعلمها أهل الاختصاص في علم وظائف الأعضاء الأحيائي , وعلم وظائف الأعضاء الإيماني , الذي استنتجه الأستاذ عبدالرحمن علي البنفلاح حفظه الله , وكتب عنه العديد من المقالات , وطلبت منه طباعتها لتوزع على الأطباء وأساتذة علم وظائف الأعضاء (الفسيولوجي) في الجامعات والمدارس للاستفادة بفكرتها وعلمها.
وقد فطن الزمخشري لذلك فقال عن الحياء: الحياء تغير وانكسار يعتري الانسان من تخوف ما يُعاب به ويذم , وقال الراغب الاصفهاني الحياء انقباض النفس عن القبيح وهو من خصائص الانسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي. فكلمتي تغير عند الزمخشري والانقباض عند الاصفهاني تبينان أن هناك تفاعل يؤدي إلى هذا التغير وهذا الانقباض.
واليوم 5/7/2004م شاهدت زوجتي وابن أختها الطفل في الصف الثالث الابتدائي إحدى البنات الرياضيات في التلفزيون وقد لبست ملابس فاضحه , فقال الطفل: أوف , كيف رضيت هذه المرأة بذلك, قالت زوجتي : انهن لايستحين , قلت: لقد تحطمت عندها متفاعلات الحياء التي تتحطم بالنظر وبسلوك عدم الحياء , فلا يشعر الانسان بالحياء فيفعل ما يشاء , مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن مما أدرك الناسُ من النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت " رواه البخاري ومسلم , أي إذا لم يكن لدى المرء حياء يحول بينه وبين الشرور ويجنبه غشيان الزور , فليفعل ما بدا له من خير أو شر , حق أو باطل , طيب أو خبيث معروف أو منكر , يجر إلى الذم والملام والعيب والعار أم لايجر.
فإذا فسدت عند الانسان متفاعلاته الحيائية فإنه يصنع ما يشاء دون خجل أو تمعر وجه أو اكتراث , فتذهب المرأة إلى البحر وتخلع ملابسها أمام الرجال دون حياء.
وترقص البنت عارية أمام الكاميرات , وتلبس المسلمه الفاضح من اللباس أمام الناس ولا تبالي .
وتعرض النساء أجسادهن دون حياء , لأن إحساسهن الفِطري بالحياء قد مات بموت متفاعلات الحياء الكيماوية عندهن وعند من يوافقهن والعياذ بالله.
وتخلع المسلمه زي هويتها الاسلامية ما دامت بعيداً عن بلادها بلا حياء أو خوف من الله .
ويرى الرجل المسلم الخبث في أهله ولايبالي لأنه فقد عناصر الحياء في خلاياه.
فاحذري أختي المسلمه أن تتحطم متفاعلات الحياء الكيمائية عندك .
واحذر أخي المسلم أن تكون ممن يرى الخبث في أهله ولايبالي.
فإن الحياء شعبة من شعب الإيمان ونعمة من الله عظيمة , وهذه المتفاعلات الإيمانيه من أكبر النعم التي أنعم الله بها على البشرية.

القلب الحزين
08-01-2014, 04:22 PM
ماذا تفعل إذا قررت أن تصبح مسلما ؟



(نصيحة للمسلمين الجدد)
بداية نحب أن نهنئك على هذا القرار الشجاع الذي يعد بحق أهم قرار في حياتك فهذه اللحظة التي قررت فيها أن تسلم لله رب العالمين هي لحظة ولادتك الحقيقية ... هي اللحظة التي تحررت فيها من عبادة الذين افتروا على الله الكذب وحرفوا دين المسيح واتبعوا أهواءهم إلى عبادة الإلـه الحق..
وأنت الآن قد أصبحت على دين محمد والمسيح عليهما الصلاة والسلام فاعلم أن أعظم نعمة أنعمها الله عليك هي أن وفقك لدخول الإسلام فاحرص على أن تحسن شكر الله عليها و اعلم أن هذه النعمة لا توازيها نعمة أخرى فمهما كلفتك من أجل الحفاظ عليها فهو يسير وكل مصيبة بعد مصيبة الدين هينة
أول ما يتعين عليك فعله بعد اتخاذ هذا القرار كما تعلم – إن لم تكن قمت بهذا بالفعل- هو النطق بالشهادتين فتقول بلسانك وقلبك : أشهد أن لا إلـه إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله . أنت الآن قد أصبحت مسلما فهنيئا لك الإسلام . ومعني هذه الكلمة أنك تشهد أنه لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى فيجب أن تتخلى عن عبادة كل ما سوى الله والعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى من الأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة وإفراد الله بالعبادة يعني أن يكون توجهك وقصدك في كل عباداتك ودعائك ومناجاتك بل وجميع حياتك إلى الله وحده وتذر ما كنت تدعو من دونه قبل ذلك ومن لوازم (لا إله إلا الله) أن تؤمن أن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام رسول الله وروح منه خلقه الله بمعجزة إلهية من أم وبدون أب وهو بشر مثل سائر الأنبياء والمرسلين قد رفعه الله إلى السماء وسوف ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة مرة أخرى وحينها سوف يعم السلام وتكثر البركة وتُرفع الشحناء والضغينة ولا تبقى ملة غير ملة الإسلام ثم يموت مثل سائر البشر ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه وأما الروح القدس فهو جبريل عليه السلام وهو ملك كريم من أفضل الملائكة أنزله الله بالوحي والتأييد على الأنبياء والمرسلين ومن لوازم التوحيد أيضا أن تؤمن أن الله وحده هو المتصرف في أمور الكون جميعا وأن تجعل كل توكلك عليه وحده وخشيتك منه وحده ورجاءك فيه وحده وتنفي عنه المثل والشبيه والولد فالله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأن تحب ما يحبه الله وتبغض ما يبغضه الله وأما الشطر الثاني من الشهادة فهو إيمانك بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو عبد الله ورسوله و هو بشر مثل سائر البشر - بل هو خير البشر- اصطفاه الله برسالته ووحيه على الناس وأنزل عليه القرآن مفصلا لما كان من قبله من الكتب ومهيمنا عليها وأنزل فيه منهج الحياة للناس جميعا إلى يوم القيامة فبلغ النبي رسالة ربه إلى الناس ونصح لهم حتى أتاه اليقين وتوفاه الله رب العالمين والإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم يشمل تصديقه في كل ما أخبر وطاعته ما استطعت في كل ما أمر وحبه أكثر من نفسك وولدك وتحكيم سنته في شتى جوانب الحياة والرضا بحكمه في صغير الأمور وكبيرها والإيمان بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم يتطلب إيمانك بالكتاب الذي أنزله الله على رسوله وهو القرآن فيجب أن تؤمن أن القرآن كلام الله الذي أوحاه إلى رسوله وأن كل ما فيه حق وأن الله حفظه بقدرته من التحريف والتغيير وقد جعله معجزة للناس قال تعالى : " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا "
بنطقك الشهادة تكون قد طهرت قلبك من أدران الشرك وورواسب التثليث والتجسيم والوثنية ولتجمع الطهارة الحسية إلى الطهارة المعنوية عليك أن تغسل جسدك كله بالماء ووتتوضأ وحينها تكون مستعدا للإقبال على الله بالصلاة وقراءة القرآن .
اعلم أخي الكريم أنك من هذه اللحظة أصبح واجبا عليك ما يجب على المسلمين في جميع أنحاء الأرض من القيام بالفرائض واجتناب المحرمات وأهم الفرائض هو التوحيد لذا فأهم ما ينبغي عليك تعلمه هو العقيدة السليمة وأولى الكتب بالقراءة هو كتاب الله – القرآن- فاحرص على أن تنهل منه ما يروي ظمأك وعلى أن يكون لك ورد ثابت (أي عدد معين من الآيات أو الصفحات) تقرأه يوميا و إن كان في اصطحابك مصحفا خطر عليك من أن تُعرف حقيقة إسلامك بين أهلك فيمكنك القراءة من الكمبيوتر والرجوع إلى تفسير مختصر للقرآن مثل تفسير الجلالين ومن الكتب الجيدة للقراءة كبداية كتاب تعريف عام بدين الإسلام للشيخ على الطنطاوي رحمه الله.
الأمر الثاني الذي ينبغي عليك تعلمه أخي الحبيب هو أركان الإسلام التي بفعلها تكون قد حققت العبودية لله رب العالمين وأنت الآن قد قمت بالفعل بأداء الركن الأول وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أما بقية الأركان فهي إقام الصلاة وأداء الزكاة وصوم رمضان والحج إن استطعت إليه سبيلا. وهؤلاء كلهم يمكنك تعلم أحكامهم من الإنترنت.. ولاحظ أنك أيضا بحاجة لتعلم أحكام الطهارة التي لا تصح الصلاة إلا بها وإن استطعت أن تتعلم أحكام الصلاة والوضوء بصورة عملية من أحد أصدقائك المسلمين بالإضافة للقراءة في الكتاب يكون أفضل واعلم أن الإسلام يمحو كل ما قبله من ذنوب فأنت الآن قد فتحت صفحة بيضاء جميلة فحاول ألا تدنسها بالمعاصي.
والآن بعد أن صححت أهم جانبين في حياتك وهما جانب العقيدة والعبادة أحب أن ألفت نظرك لأمورعشر
أولا :إذا كنت عزمت على الدخول في الإسلام ولكنك تؤجل النطق بالشهادة حتى يتهيأ الجو المناسب أو تنتهي بعض المشاكل أو تتخلص من بعض العادات السيئة المحرمة في الإسلام أو تحين الفرصة المناسبة لذلك فقد أخطأت التقدير فإنك أن تؤمن بالحق حالا وتنتهز فرصة حياتك وتدخل الإسلام وتواجه بعض المشاكل الصغيرة خير لك من أن تبقى على الباطل منتظرا أن تحين الفرصة المناسبة وأن تكون مسلما عاصيا خير لك من أن تكون كافرا وأنت لا تضمن عمرك فالفرصة قد جاءتك والوقت المناسب للدخول الفعلي في الإسلام والنطق بالشهادتين هو الآن بمجرد أن تنتهي من قراءة هذه الجملة.
ثانيا:لا تنتظر أن يخبرك أحد بأنك قد اخترت الدين الصحيح ولكن كما أنك اخترت الإسلام بنفسك فتوقع أن يكون إحساسك بأنك اخترت الدين الحق نابعا من داخلك.. من الطمأنينة التي تجدها في قلبك حين تذكر الله.. من السعادة الداخلية التي ستغمرك حين تركع وتسجد لله رب العالمين .. من الصفاء الذي ستشعر به في روحك ..من الرضا والسرور بأنك قد وجدت المنهج المتكامل الذي يجب أن تسير عليه في حياتك .
ثالثا:من الطبيعي أن يتعرض الإنسان في الفترة الأولى لبعض الاختبارات من الله التي يخرج منها الإنسان المخلص في طلب الحق وقد ازداد إيمانه وازداد يقينه وعلا قدره عند الله و من كان في قلبه مرض فإنه يسقط في الفتنة وهذا نوع من التمحيص والغربلة للمؤمنين " وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ "
رابعا:أغلى ما يملك الإنسان هو دينه ودينك أغلى من لحمك ودمك وسلامة الدين لا يعدلها شيء فعليك أن تكون مستعدا لأي رد فعل يصدر من المقربين إليك فإذا تعرضت لفتنة في دينك فاثبت يا عبد الله وابتغ الأجر من الله وإن اضطررت للاختيار بين دينك وأي شيء من متاع الدنيا مهما كان فلا تؤثر على الدين شيئا فالدنيا تُعوّض والدين لا عوض له والدنيا فانية والدين باق وإن تعرضت لأذى فاصبر واصطبر وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أعطى أحد عطاء خيرا و أوسع من الصبر) فالأذى مهما طال سوف ينتهي يوما ويبقى الدين وعليك بالإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله أن يكشف عنك الأذى خاصة وقت السحر قبيل الفجر فهو قريب يجيب دعاء المضطر إذا دعاه . قال تعالى " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ " وإذا قدر الله لك أمرا فارض بقضاء الله فهو أحكم الحاكمين و أرحم الراحمين وقضاؤه للمؤمن كله خير ورحمة.
خامسا:احرص على إخفاء إسلامك في البداية عن أهلك لمدة حتى تتمكن من فهم الإسلام فهما صحيحا وحتى يثبت الإيمان في قلبك وتكون قد كونت علاقات اجتماعية جديدة مع إخوانك المسلمين ليمكنك بعدها بحول الله وقدرته الصمود أمام أي مشكلة قد تواجهها وحتى يجعل الله لك مخرجا وتذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم ظل يدعو للإسلام في مكة سرا ثلاث سنوات وهذه الفترة أيضا سوف تجعل الأهل يلاحظون التغير الإيجابي الذي أحدثه الإسلام فيك من أخلاق حسنة وطاعة للوالدين وتفوق في الدراسة مما يجعلهم أكثر تقبلا عندما تخبرهم بإسلامك فاحرص على أن تكون مثالا جيدا للمسلم الملتزم واعلم أن الإسلام دين يسر لا عسر والضرورات تبيح المحظورات فيه فإن اضطررت من أجل إخفاء دينك في الفترة الأولى أن تفعل بعض الأشياء الممنوعة فلا حرج عليك ومن الأمور التي تباح لك عند الضرورة هو جمع صلاتين وأداءهما معا في وقت واحد إن لم تستطع أداء كل واحدة على حدة وهم صلاتا الظهر والعصر في وقت أي منهما وصلاتي المغرب والعشاء في وقت أي منهما وإن لم تستطع القيام في الصلاة فيمكنك الصلاة جالسا وإن لم تستطع الركوع والسجود فيمكنك أن توميء برأسك وإن لم تستطع فبرمش عينك فإن لم تستطع فبقلبك وكذلم يباح لك عند الضرورة إن خفت على حياتك النطق بكلمة الكفر بلسانك والتوحيد بقلبك كما فعل عمار بن ياسر حين أكرهه المشركون على سب النبي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، قال: إن عادوا فعد .
سادسا:إذا لم تستطع المحافظة على إسلامك في بلدك أو خفت من الفتنة في الدين فالنجاة النجاة واعلم أن أرض الله واسعة و من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ففكر في جميع البدائل الممكنة واخرج بدينك إلى بلد آخر ومكان جديد تأخذ ثواب الإسلام وثواب الهجرة (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) وتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد تركوا وطنهم مكة وهو أحب البلاد إلى الله وهاجروا بدينهم إلى بلد جديد قال تعالى" وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " فاخرج إلى بلد غير بلدك واحك للناس قصتك وسوف يتعاطفون معك إن شاء الله ويؤونك فإن عامة الناس يتعاطفون مع المسلمين الجدد.
سابعا:حاول أن تكتسب أصدقاء مسلمين تثق فيهم واندمج معهم سواء في مقر عملك أو دراستك أو في المسجد القريب منك فهم إخوانك ولن يتأخروا عن مساعدتك إن احتجت إليهم يوما والمرؤ قليل بنفسه كثير بإخوانه وإن لم تجد فالإنترنت يتيح لك اكتساب أصدقاء مسلمين من جميع أنحاء الأرض من خلال المنتديات والمواقع الإسلامية والمجموعات البريدية فقط عليك بالمحاولة وسوف تجد بإذن الله ما يسرك ومن المفيد أن تكون على اتصال دائم بأحد أصدقائك المقربين لكي يتابع أخبارك ويطمئن عليك أولا بأول لكي يتصرف بسرعة إن أصابك أي مكروه.
ثامنا:اجتهد في الفترة الأولى للإسلام بزيادة إيمانك- فالإيمان يزيد وينقص- وتزكية نفسك وإصلاح عقيدتك خاصة قبل أن تستعلن بإسلامك وذلك بتلاوة القرآن والقراءة في الكتب وسماع الدروس والمحاضرات وكل ذلك متاح على الإنترنت فأنت الآن في فترة قوة ونشاط وحماس متوهج لتعلم دينك الجديد فاغتنم هذه الفترة وانشغل فيها عن الخوض في مناقشات ومناظرات قد لا تنفعك حتى يقوى إيمانك ويشتد ساعدك فإن كثيرا من الناس يجادل بالباطل أو يجادل بدون أي استعداد لتقبل الحق وحاول تطبيق كل ما تتعلم واعلم أن دين الله متين فأوغل فيه برفق وسوف تكتشف عظمة هذا الدين أكثر كلما تعمقت فيه وحاول التركيز على الأصول العامة للشريعة ولا تكتف بالقراءة ولكن إن استطعت أن تلزم شيخا موثوقا أو شخصا ذا خلق ودين وعلم بالشريعة ليكون دليلا و مرشدا لك وتكتسب منه أخلاق الإسلام تكن وفرت على نفسك خطوات واسعة واعلم أن دين الله هو دين الفطرة ولا يتعارض أبدا مع الفطرة الصحيحة وهو منهج كامل للحياة وليس مجرد شعائر وهو يسير تعلمه يسير تطبيقه قال تعالى " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ" والتزم بمنهج أهل السنة واحذر أن تتلقفك إحدى الفرق المنحرفة وهي كثيرة وإن رابك شيء أو خفي عليك شيء من معالم الدين فسارع بالبحث فيه وسؤال أهل العلم الراسخين فيه فالصحابة اعتادوا أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما عرض لهم والله يقول في كتابه : " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" فإن مثل الداخل إلى الإسلام من اليهودية والنصرانية كمثل رجل انتقل من بلده وهي بلد سوء وظلم إلى مدينة جميلة رائعة متكاملة الخدمات فيها كل ما يتمناه الإنسان وأهلها ناس طيبون في الغالب ولكنهم مثل سائر البشر فيهم قلة طالحة .. يجد الإنسان نفسه مبهورا أمام عمارة وبناء هذه المدينة كلما تجول فيها وتعرف عليها أكثر فهو يريد أن يلم بكل جوانبها في ليلة واحدة وهذا غير ممكن وإذا تذكر بلده القديم يحس أن لم يكن فيها مما يراه الآن في هذه المدينة العظيمة إلا الأسماء ففيها أبنية ولكن ليست كهذه الأبنية وفيها مرافق ولكن شتان بينها وبين مدينته الجديدة وأهل بلده القديمة أكثرهم فاسقون وأهل هذه المدينة أكثرهم صالحون يأمن بينهم على نفسه وماله وعرضه ويعيش بينهم في سلام ووئام وإن الإنسان إذا سار وحده في هذه المدينة لاتساعها وتعدد دروبها قد يتوه ولابد له أن يستعين بأهلها الموثوقين الذين يعرفون مداخلها ومخارجها وقد يحاول أهل مدينته القديمة استمالته للرجوع إليهم لما كانوا يجدونه من منفعة من ورائه ولكن هيهات .. أو بعد أن ذاق طعم الحياة ؟ّ!
تاسعا:اعلم أن الإسلام لا يمنعك أن تبر أقاربك إن ظلوا على دينهم وخاصة أبويك فهما أحق الناس بحسن صحابتك ولهما فضل عليك والإسلام لا ينكر لأهل الفضل فضلهم وأخبر أبويك أنك ما زلت ابنهم وأن علاقتك معهم ستكون كما هي أو أفضل من ذي قبل لكن إن أمراك بمعصية فلا تطعهما فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. قال تعالى " وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "
عاشرا:إذا أعلنت إسلامك رسميا وألزمتك سلطات بلدك بحضور جلسة مع القساوسة لمناقشتك في قضية إسلامك فاثبت وتوكل على الله واعلم أن الله الذي هداك للإيمان هو وحده القادر على أن يثبت الإيمان في قلبك فأكثر من الدعاء والتضرع إلى الله وعليك بقراءة الآيات التي تتحدث عن المسيح عليه السلام والنصارى وتلاوتها عليهم في هذه الجلسة وتذكر أنهم سوف يختلقون لك الأكاذيب والافتراءات عن الإسلام وربما يذكرون لك أمثلة ملفقة عن أناس أسلموا ثم ارتدوا-فقد كذبوا كثيرا من قبل- فكن مستعدا لذلك كله وإن خاضوا معك في أمور لا علم لك بها فلا تجبهم وأكثر من ذكر الله وتلاوة آيات القرآن
ويبقى أن نقدم بعض النصائح الخاصة لحالات معينة من الناس لا يخرج عنهم الإنسان في الغالب
إذا كنت رب أسرة فاعلم أن أهلك أمانة في عنقك يجب أن تقوم بشكر نعمة الله أن هداك للإسلام بأن تقدم لهم الإسلام في أحسن صورة . قال الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ " فكما ورث أبناءك منك النصرانية جاهد أن تحبب إليهم الإسلام وترغبهم فيه وابدأ بأحب أبنائك إلى قلبك وأطوعهم لك وليكن الأمر سرا في البداية وكذلك زوجتك فإن أبت إلا البقاء على دينها فاعلم أن الإسلام لا يحتم عليك طلاقها إن كانت يهودية أو نصرانية بل يمكنك أن تبقيها في عصمتك وكذلك أولادك لا حرج أن تنفق عليهم وتبرهم إن ظلوا على دينهم ولا تمنعهم من أداء شعائر دينهم أو الذهاب إلى الكنيسة فلا إكراه في الدين ولكن إذا خفت من أهلك على نفسك أو رأيت أن بقاءك معهم يمثل فتنة لك أوقد يسبب لك ما لا تستطيع تحمله فالنجاة النجاة بدينك قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُواًّ لَّكُمْ فَاحْذَرُوَهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "
وإذا كنت أختي الكريمة ربة أسرة فحاولي كذلك مع أقرب أبنائك إلى قلبك وزوجك تدريجيا وليكن الأمر بطريق غير مباشر كأن تتكلمي معه في البداية حول الطلاسم والأمور المبهمة في النصرانية التي يعجز عن فهمها القساوسة أنفسهم ثم عن محاسن الإسلام وهكذا حتى تخبريه بإسلامك تدريجيا فإن أبى إلا التمسك بدينه فأخبريه أن هذا فراق بينك وبينه لإن الإسلام لا يبيح لك البقاء مع زوج غير مسلم – ولله في هذا حكمة بالغة- وتذكري أنه بمجرد دخولك الإسلام حرم عليك أن تمكنيه من نفسك ولا أن يرى منك إلا ما يراه الغريب وأما أولادك فلا مانع أن تبقي على اتصال بهم بعد أن تتركي بيت زوجك وإن استطعت أن تصطحبي بعضهم ليكون معك في حياتك الجديدة كان أفضل و إن كنت مصرية فاعلمي أن القانون المصري يكفل حضانة الأولاد الذين دون البلوغ للمسلم من الأبوين ويمكنك الاستعانة بإحدى صديقاتك المسلمات لتدبير سكن جديد أو في البحث عن زوج مسلم صالح. وتذكري أن أهلك أو أهل زوجك قد يختلقون الشائعات المغرضة عنك كما حدث مع الكثيرات فلا تأبهي بأقوالهم الحاقدة وتذكري قول الله تعالى: " إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ".
وأما إذا كنت فتاة وتعيشين مع أسرتك فحاولي كتمان هذا الأمر في البداية لفترة حتى يقوى إيمانك ويزداد صلابة أو حتى تجدين زوجا مسلما تكملي معه مسيرتك في الحياة ولا حرج عليك إن اضطررت للتقصير في بعض الفروض الإسلامية كالحجاب إن كان ذلك سيعرضك لمكروه من أهلك أو لفتنة في دينك حتى يجعل الله لك مخرجا .. فإن علم أهلك بإسلامك ومارسوا عليك الضغوط للارتداد فالنجاة النجاة .. ويمكنك الاستعانة بأي من أخواتك المسلمات أو الذهاب إلى أي جمعية خيرية إسلامية وطلب المساعدة منهم وإن لم تجدي إلا دارا للأيتام لكي تعيشي فيه إلى أن يجعل الله لك مخرجا ... وعموما الزواج بزوج مسلم صالح -ولو كان متزوجا- سوف يضع حدا لكثير من المشاكل بإذن الله ولا مانع إذا رأيت مسلما وشعرت منه بالصلاح والخير فلا حرج أن تعرّضي له بأمر الزواج منك أو تطلبي منه أن ببحثك لك عن زوج وعليك بالاستخارة قبل الإقدام على أي أمر ذي بال.
وإذا كنت طفلا صغيرا وشرح الله صدرك للإسلام فأوصيك بالحذر الشديد وكتمان هذا الأمر حتى عن أمك حتى تكبر قليلا وعليك بحفظ القرآن الكريم واجعله أنيسك في خلوتك وإن علم أحد بإسلامك فاصبر على دينك وإن اضطررت أن تفعل ما يريدون منك ظاهرا وقلبك مطمئن بالإيمان فلا حرج عليك وإن قاطعك أهلك فاعلم أن الله قد أبدلك أبا خيرا من أبيك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات فضليات خير من أمك هن أمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وإخوانا خيرا من إخوانك هم جميع المؤمنين فلا تحزن يا صغيري فلست أول طفل يهديه الله للحق ويجاهد من أجله وإن اضطررت للخروج من بيت أبيك فرارا بدينك فاعلم أن الله معك ولن يتخلى عنك فاذهب إلى بيت من بيوت الله (المساجد) واحك قصتك لمن تتوسم فيه الخير والصلاح أو اطلب المساعدة من أحد أصدقائك المسلمين
وأما إذا كنت شابا يافعا فأنت بإذن الله قادر على الاستقلال عن أهلك ويمكنك أن تكد وتعمل لكي تنفق على نفسك ولا تحقر أي عمل يمكنك من الحياة في جو آمن من الفتنة فنبي الله داود كان حدادا ونبي الله محمد رعى الغنم في مكة ولن تعدم مكانا تبيت فيه بإذن الله ولو في المسجد أو أناسا تعيش معهم فأهل الخير كثيرون وتيقن أن الله سوف يجعل بعد عسر يسرا " قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ "
وأخيرا إذا كنت راهبا أو قسيسا أو مطرانا أو شماسا في كنيسة وهداك الله للدين الحق فهنيئا لك دخولك في قوله تعالى : " ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ . وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ . وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ" واحرص أخي الكريم على أن تكون إماما في الخير كما كنت إماما في الشر قبل ذلك واجتهد بعد إسلامك في الدعوة وانهل من علوم القرآن والسنة قدر وسعك فالأمة بحاجة إلى العلماء ومن الجيد أن تغادر البلد الذي كنت فيه إلى بلد آخر تعبد الله فيه وإن أصابك أذى أو مكروه فاصبر كما صبر الذين أسلموا من قبلك قال تعالى :
" لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" ولا تحتاج لتذكير بكتمان إسلامك حتى تصل إلى مكان تأمن فيه على نفسك ودينك.
وفي الختام نتمنى لك التوفيق في حياتك الجديدة ونذكرك بقول الله تعالى : " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ "
كتبه طارق أبو عبد الله
للتواصل مع المؤلف:
[email protected] ([email protected])

القلب الحزين
08-01-2014, 04:23 PM
الحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى والتحدي المعاصر



أ. د. مسلم شلتوت
أستاذ بحوث الشمس والفضاء
المعهد القومي للبحوث الفكية والجيوفيزيقية بحلوان
لقد رفع الإسلام الحنيف من قدر العلم والعلماء، وحث على طلب العلم، ثم أن معجزته كتاب، وهو القرآن الكريم ، ومن آياته (اقرأ باسم ربك). ونحن العرب والمسلمين أهل أصالة وأثالة في العلم ، قدنا الإنسانية مرة نحو المجد والقوة بفضل نفر كريم من العلماء العرب والمسلمين، حملوا المشاعل وأضاءوا دياجير الجهل، في الوقت الذي كانت أوروبا غارفة في ظلماته ، لعلنا من الناحية العلمية أغنى الأمم تراثا ، وقد تعاقبت علينا حضارات تمثلنها ورعيناها ، وقمنا بذلك الواجب العلمي والإنساني نحو البشرية كلها. لقد كانت اللغة العربية في يوماً ما هي اللغة العلمية العالمية، وأنها كانت تحتكر المؤلفات العلمية، لا تكاد تنشر إلا بها ، نعم لقد كانت العربية يوماً هي اللغة الدولية في هذا الميدان. وأن الحضارة الغربية الحديثة لمدينة للحضارة العربية الإسلامية وهي في أزهى عصورها بالإسهامات القوية في تطوير الفكر الغربي عن طريق ما بذله الأوربيين في العصور الوسطى من ترجمة في اللغة العربية للغات الأوروبية المختلفة وما نهلوه من معرفة وعلم في مراكز الإشعاع للحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى كالأندلس وصقلية وخلال الحروب الصليبية، وفتح جنوب شرق أوروبا على يدي العثمانيون. وإنها لأمانة في أعناقنا نحن أحفاد العرب المسلمين أن نحمل المشعل مرة أخرى لنفس الطريق، ونقود الإنسانية كما فعل أسلافنا أول مرة .
ولعل الهجمة الصليبية الغربية على الحضارة العربية الإسلامية الحادثة الآن والمتزامنة مع اعتداءات وحشية بربرية على الشعوب العربية والإسلامية من دول التحالف الغربي والمسماة بحرب مكافحة الإرهاب... وهي في حقيقتها حرب صليبية جديدة، لعلها تكون درس وعظة وعبرة لنا نحن العرب والمسلمين ، ألا نهفوا إلى الإغفاء مرة أخرى، وألا نترك قصب السبق من أيدينا ، وأن نجعل العلم وسيلتنا الأولى والأخيرة لأنه سبب القوة والتقدم ولتسلم ذرا المجد، لنساير الركب ونحتذ به، ولعلنا أن نقوده في مدارج الرقي والرفعة، كما فعل أسلافنا أول مرة.
لقد اتفق علماء تاريخ العلم عند العرب على أن معلمي الإنسانية الثلاث الأوائل هم أرسطو الإغريقي ، والفارابي التركي المسلم ، وابن سينا البخاري المسلم. الفارابي ( 870 ـ 950م) من أشهر الفلاسفة الإسلاميين، وحجة من حجج الفكر الإنساني في الشرق والغرب على السواء. احتفلت المحافل العلمية في العالم بمرور ألف سنة على وفاته في خمسينيات القرن العشرين .
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/8/350px-PatioDeLosLeones.jpg
صورة لقصر الحمراء بغرناطة

ابن سينا ( 980ـ 1036م ) رائد من رواد الفكر الإنساني في فترة تعتبر من أزهى عصور الحضارة العلمية الإسلامية، سطع في سمائها ابن سينا ، وابن الهيثم، والبيروني. ولقد أقبل علماء الغرب على كتب ابن سينا يترجمونها إلى اللغة اللاتينية ، بل لقد ترجمت كتبه إلى كل لغة تقريباً. وتأثرت الفلسفات الأخرى بفلسفته، واعتبره دانتي الإيطالي في مصاف أبقراط وجالينوس في الطب. ويقول جورج سارتون في كتابه (العلم القديم والمدنية الحديثة) عن ابن الهيثم إنه أكبر عالم طبيعة مسلم، ومن أكبر المشتغلين بعلم المناظير (الضوء) في جميع الأزمان. لقد كان أساس الأخلاق عند ابن الهيثم العربي المصري (965ـ 1038م) إيثار الحق لا الميل مع الهوى. إنه خلق العالم الفاضل. ألسنا نرى أنه مثل يحتذى بعد عصره بنحو ألف من الأعوام. وكذلك تميز أبو الريحان البيروني (963 ـ 1048م) الأفغاني المسلم بعقلية نادرة المثال ، حيث يقول المستشرق "سخاو" عن البيروني : إنه أكبر عقلية علمية في التاريخ ، وإنه من أضخم العقول التي ظهرت في العالم ، وإنه أعظم علماء عصره ، ومن أعظم العلماء في كل العصور . ويقول المستشرق الأمريكي " ايريوبوب" في أية قائمة تحوي أسماء أكابر العلماء يجب أن يكون لاسم البيروني مكانة رفيعة .
أما الفيلسوف العربي الأندلسي ابن رشد ( 1126 ـ 1198م) والذي عرفته أوروبا باسم أفيروس (Averroes) فيقول عنه "رام لاندو" في كتاب (مآثر العرب في النهضة الأوربية) : " أن فلاسفة الغرب لا يمكن أن يصلوا إلى مستواهم الذي نراه اليوم ، لو لم يحصلوا على نتائج بحوث ابن رشد في الفلسفة ".
التواصل مع المؤلف: [email protected]
الهاتف : 0020105156443

القلب الحزين
08-01-2014, 04:23 PM
المرأة عبر العصور
بقلم: سمر الزين
تعد المرأة نصف المجتمع وبصلاحها يصلح المجتمع فهي الأم المربية، والزوجة الصالحة التي تكون وراء كل رجل عظيم، لها حقوق وواجبات علينا ألا نغفلها فهل يا ترى نالت المرأة حقوقها عبر العصور المتعاقبة ؟! تعالوا معي في هذه الجولة السريعة لنستعرض نظرة المجتمعات عبر العصور المتعاقبة عن المرأة...
المرأة في الماضي :
قضت الحضارة الرومانية أن تكون المرأة رقيقاً تابعاً للرجل، لها حقوق القاصر، أو لا حقوق لها على الإطلاق.
وقضت شرائع الهند القديمة : « إن الوباء والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار خير من المرأة » . وحقها في الحياة ينتهي بانتهاء أجل زوجها الذي هو سيدها ومالكها، فإذا رأت جثمانه يُحرق ألقت بنفسها في نيرانه، وإلا حاقت عليها اللعنة الأبدية.
والمرأة عند اليونانيين من سقط المتاع، لقد كانت تُباع وتشترى، وكانت تُعد رجساً من عمل الشيطان.
أما في التوراة فالمرأة وصفت في « سفر الجامعة » بالكلمات الآتية : « درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرف الشر أنه جهالة والحماقة أنها جنون ، فوجدت أمَرَّ من الموت المرأة التي هي شباك ، وقلبها شراك ، ويداها قيود ».
وفي الجزيرة العربية لا يخفى علينا : ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [ النحل : 58 – 59 ].
فإن نجت الوليدة العربية من الوأد ، وجدت غالباً في انتظارها حياة ظالمة ، ليس لها فيها نصيب من الميراث وقد تُكره على البِغاء . وقد تبقى بعد وفاة زوجها متاعاً يورث ؟

المرأة في العصور الوسطى :
في رومية اجتمع مجمع كبير وبحث في شؤون المرأة فقرر أنها كائن لا نفس له، وأنها لن ترث الحياة الأخروية لهذه العلة ، وأنها رجس يجب أن لا تأكل اللحم، وأن لاتضحك بل ولا أن تتكلم، وعليها أن تمضي أوقاتها في الصلاة والعبادة والخدمة .
وفي بدايات القانون الانكليزي غير المكتوب كانت ثمة تهمة تتعلق بسلاطة اللسان، وتوجه للمرأة التي يعهد منها الفظاظة وكثرة الصخب، حيث كان القانون يعاقبها بسبب الإزعاج العام .
وفي العصور الوسطى كانت العقوبة تتخذ أحياناً شكل « لجام السليطة »، وهو أداة تشبه القفص مصنوعة من المعدن وتحيط برأس المرأة ولها لجام يدخل في فم المرأة ويحد من حركة لسانها.
وعلى الرغم من فعالية اللجام، إلا أنه اعتبر غير كاف في بعض الحالات . ففي عام 1322م حدث شجار في مدينة دوي تنادى خلاله عمال تجمهروا في السوق للهجوم على تجار حبوب كانوا يخزنون المؤن . وكان هناك امرأتان بين العمال الثمانية عشر الذين عوقبوا. « وقد أُدينت المرأتان لأن صوتيهما كان مرتفعين بشكل خاص، وتم قطع لسانيهما قبل أن تنفيا من المدينة مدى الحياة ».

المرأة في العصور الحديثة :
عقد في فرنسا اجتماع سنة 1586 م ليبحث شأن المرأة، وما إذا كانت تُعدُّ إنساناً أو لاتُعدُّ إنساناً. وبعد النقاش قرر المجتمعون أن المرأة إنسان ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل.
وفي شباط عام 1938 م، صدر قانون يلغي القوانين التي كانت تمنع المرأة الفرنسية من بعض التصرفات المالية، وجاز لها ولأول مرة – في تاريخ المرأة الفرنسية – أن تفتح حساباً جارياً باسمها في المصارف.
وفي إنكلترة بقيت النساء حتى السنة 1850م غير معدودات من المواطنين، وظلت المرأة حتى سنة 1882م وليس لها حقوق شخصية، فلا حق لها بالتملك.
ولم تُسَوِّ جامعة أكسفورد بين الطالبات والطلاب في الحقوق ( في الأندية واتحاد الطلبة ) إلا بقرار صدر في 26 تموز 1964م.

المرأة في الإسلام :
مع ظهور الإسلام وانتشار تعاليمه السامية دخلت حياة المرأة مرحلة جديدة بعيدة كل البعد عما سبقها . في هذه المرحلة أصبحت المرأة مستقلة ومتمتعة بكل حقوقها الفردية والاجتماعية والإنسانية .
وقد اعتبر الإسلام المرأة كالرجل : كائناً ذا روح إنسانية كاملة، وذا إرادة واختيار .
وأكد أن الجنسين قادران على انتهاج طريق الإسلام للوصول إلى الكمال المعنوي والمادي لبلوغ الحياة الطيبة (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون) [ النحل: 14 / 97 ]
فالإسلام يرى المرأة كالرجل إنساناً مستقلاً حراً .كقوله تعالى في القرآن الكريم : ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) [ المدثر : 29 / 38 ]
ومع هذه الحرية فالمرأة والرجل متساويان أمام قوانين الجزاء أيضاً :
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ) [ النور : 18 / 2 ]
ولما كان الاستقلال يستلزم الإرادة والاختيار ، فقد قرر الإسلام هذا الاستقلال في جميع الحقوق الاقتصادية وأباح للمرأة كل ألوان الممارسات المالية ، وجعلها مالكةٌ عائدها وأموالها، يقول تعالى : ( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ) [ النساء : 5 / 32 ]
فنحن المسلمين عندنا وثيقة إلهية قد كرّمت المرأة أيما تكريم ، وأنصفتها أعظم إنصاف ، وأنقذتها من ظلم الجاهلية وظلامها ، هذه الوثيقة هي القرآن الكريم .
حيث بينت هذه الوثيقة أن الرجل والمرأة متساويان في أصل النشأة ، متساويان في الخصائص الإنسانية العامة ، متساويان في التكاليف والمسؤولية ، متساويان في الجزاء والمصير. وفي ذلك يقول القرآن الكريم : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) [النساء : 4/ 1] ويخاطب الله كلاً من الرجل والمرأة في القرآن، على مستوى واحد من الخطاب التكريمي وعلى مستوى واحد من التنويه بالقيمة الإنسانية التي يشتركان فيها‏.‏ فهو يقول مثلاً‏‏:‏
{مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً‏}‏[‏النحل‏‏:‏16/97]‏‏
ويقرر القرآن ما يسمى في الشريعة الإسلامية بالولاية المتبادلة بين الرجل والمرأة، فيجعل من الرجل مسؤولاً عن رعاية المرأة، ويجعل من المرأة مسؤولة عن رعاية الرجل‏.‏ إذ يقول‏‏:‏‏‏{‏وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ‏‏}‏[‏التوبة‏‏:‏‏‏9/71]‏ ‏‏‏
إن النظام الاجتماعي الذي يرسم علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع الإسلامي يتمثل في قول الله تعالى في القرآن الذي يقرر كرامة الإنسان ومساواة الرجل والمرأة في ميزان هذه الكرامة قائلاً‏:‏ {يا أَيُّها النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ} [الحجرات‏:‏ 49‏/‏13]‏.‏
ويتمثل في هذا النص القرآني الذي يأمر الرجل بأن يعاشر المرأة بالاحترام والتكريم‏،‏ حتى ولو كرهها لأسباب نفسية {وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء‏:‏ 4‏/‏19]‏.‏
ويتمثل في هذا النص من كلام رسول الله‏ صلى الله عليه وسلم :‏ ‏(‏‏(‏النِّساءُ شِقائِقُ الرِّجَالِ‏ ‏)‏‏) وفي هذا النص الثاني‏:‏ ‏(‏‏(‏خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ ، وَأَنا خَيْرُكُمْ لأهلي‏)‏‏)‏‏ ، وكذلك في الحديث النبوي : (( إِنَّ اللهَ يوصِيكُم بِالنساءِ خَيْرَاً )).
الإسلام جاء فعلاً ليساهم في تحرير الإنسان لينقل الرؤية إليه من واقع إلى واقع آخر.فهو قبل الإسلام شيء وبعد ظهوره شيء آخر، والمرأة كإنسان نالت بعضاً من حريتها، وملكت بعضاً من قيمتها كالرجل،وأصبحت مساوية له في الكثير من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وما ورد من فروق بينها وبين الرجل يرجع إلى الطبيعة البيولوجية للمرأة وللرجل كذلك، وتلك الطبيعة تجعل مطالب المرأة أكثر إلحاحاً في عصرنا هذا، كما يرجع إلى الشروط الموضوعية التي كانت في ذلك الوقت تفصل الرجل عن المرأة، وتجعل المجتمع ككل تحت رحمة الرجال.
وقد أنصف القرآن الكريم النساء في قوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما) [ المجادلة: 58 /1] وهو إنصاف يزكي المساواة بين الجنسين في الإسلام .
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولاأسود على أحمر إلا بالتقوى"
يساوي بين الناس جميعاً بقطع النظر عن جنسيتهم أو لغتهم، أو لونهم ماداموا يتقون الله، وتقوى الله تعني في عمقها احترام كرامة الإنسان.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكل مسؤول عن رعيته فالرجل راع في أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها"
وهو قول يحدد مجال المسؤولية انطلاقاً من الشروط الموضوعية التي تحكم المجتمع ككل. وتحكم الرجل والمرأة معاً. هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أن الحديث يقرر ما يفهم من قوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)
وبعض الأحاديث تعطي للمرأة الأفضلية على الرجل كما جاء في الحديث: " من أحق الناس بحسن صحابتي. قال: أمك . قيل : ثم من؟ قال: أمك. قيل : ثم من؟ قال: أمك. قيل : ثم من؟ قال : أبوك ."
وهذا الحديث يعكس الأهمية التي تحتلها المرأة في المجتمع، وأن سلامة المجتمع رهينة بدور المرأة في إعداد الأجيال الصاعدة، وهو ما يكسبها مكانتها التربوية.
وبذلك نصل إلى أن المرأة التي نريد هي المرأة المتحررة، الإنسان المتمتعة بكافة الحقوق المدافعة عنها، والمتمسكة بها الساعية إلى تمتع أفراد المجتمع بها، الرامية إلى حفظ كرامتها عبر حفظ كرامة المجتمع ككل، وهي بذلك تساهم في صياغة مجتمع الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية الذي هو حلم كل إنسان.
للمرأة فضل في العمران نشهده لولا تقدمها ما تمّ عمرانُ
فإنما هي للأبناء مدرسة وإنما هي للآباء مِعوانُ
وإن إصلاحها إصلاح مملكة وإن إفسادها موت وخسرانُ
لمراسلة الكاتب يمكن على الإيميل التالي:
[email protected]

القلب الحزين
12-01-2014, 06:49 PM
رسالة إلى العقل والقلب
( 1 )
هذا الموضوع طويل شوي لكنه مهم جدا



بقلم طارق أبو عبد الله
أما فكرت في نفسك قط من عساه يكون ذلك الرجل الذي شغل البشرية بما جاء به إلى يومنا هذا و بُعثت به من العدم أمة كانت تعيش في جاهلية عمياء فأصبحت في غضون سنوات قليلة دولة راسخة الأركان وحضارة مزدهرة امتدت في جميع أنحاء المعمورة لا يقف في وجهها شيء ؟
أما تأملت كيف استطاع رجل بمفرده – لو كان بمفرده – أن يحدث أكبر تغيير شهده التاريخ و هو على يقين بما جاء به و ما سيصل إليه من أول يوم بدأ فيه دعوته ؟ ألم تسأل ما الذي جناه هذا الرجل لنفسه من متاع الدنيا مقابل تحمله مشاق هذه الدعوة و الصبر على أذى قومه و تكذيبهم ثم جهادهم عليها جهادا كبيرا ؟ إذا أردنا الإجابة عن هذه الأسئلة فلابد أن نبدأ من البداية التاريخية التي يتفق عليها المصدقون به و المكذبون من قومه و من أهل الكتاب من وقت عاش إبراهيم عليه السلام.
هناك في تلك البقعة المباركة حيث ترك النبي إبراهيم عليه السلام ولده الرضيع إسماعيل و زوجته هاجر وحدهما في الصحراء بأمر من ربه و سافر إلى الشام تولى الله أمر الصبي و أمه و فجر لهما بئر زمزم ينبوعا صافيا و ماء معينا بمعجزة إلهية باقية إلى يومنا هذا يرتوي منها الحجاج و المعتمرون من جميع أنحاء الأرض ثم ألف الله حولهم قلوب مجموعة من البدو فعاشت معهما حول الماء و نما بينهم الفتى إسماعيل و تعلم لغتهم حتى أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يعيد بناء البيت الحرام بعد أن هدمه طوفان نوح عليه السلام لكي يعبد الناس عنده ربهم .
فرفع إبراهيم و إسماعيل قواعد البيت و أذن إبراهيم في الناس بحج البيت فلبى الناس النداء - و ما زالوا يلبون إلى يومنا هذا – و ظل هذا البيت آية و قبلة للناس تحج إليه العرب و تعظمه أشد التعظيم و لا ينكر حقه و فضله يهودي و لا نصراني حتى أن الملك النصراني الذي أراد هدمه – و هو إبرهة – كي ينصرف الناس عنه إلى كنيسة بناها بالحبشة رد الله كيده في نحره و أرسل عليه طيرا من السماء ترميه بحجارة ملتهبة أهلكته و جنوده في حادثة خلدها القرآن في سورة كاملة[1]لم ينكرها أي من مشركي العرب و هم الذين كانوا يتلهفون لكي يجدوا خطأ واحدا في القرآن. و في نفس هذا العام وُلد من بني إسماعيل بجوار البيت ذلك الفتي اليتيم الأمي الذي عرف بين عشيرته بالصادق الأمين و عاش بينهم أربعين سنة كان فيها مثال الصدق و الشهامة و الأخلاق الفاضلة فنشأ حنيفا على ملة أبيه إبراهيم لا يشارك قومه في عبادتهم للأوثان و لا في لهوهم و لعبهم وحُبِّب إليه الخلوة فكان يخلو بنفسه في أحد جبال مكة يعبد ربه و يتأمل في ملكوت السماوات و الأرض حتى نزل عليه روح القدس و أمين الوحي جبريل عليه السلام فأقرأه أولى آيات القرآن الكريم ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ .) فعاد محمد يرجف بها فؤاده فدخل على خديجة زوجته قائلا زملوني زملوني[2]و أخبرها بما حدث فقالت " كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
ثم ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان امرءا تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا بن عم، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا بن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقاله له ورقة: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا[3]، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك.
و هذه كانت البداية .. بداية الرسالة.
و الآن نعود لنسأل أنفسنا نفس الأسئلة السابقة
هل كان هذا الرجل بمفرده أم أنه كان مؤيدا من عند الله عز و جل؟
و هل يجب عليّ أن أتخذ موقفا واضحا و منصفا منه أم يكفي أن أسير هكذا كما سار أبائي و أجدادي و لا أشغل نفسي بأمره؟
إن العقل الراجح و البحث المحايد إذا نظر في دعوى محمد –صلى الله عليه و سلم - للنبوة ذلك الأمر العظيم فعليه أن يبحث في ثلاثة أمور على الأقل هي
1.حياة محمد و سيرته و أخلاقه و تعامله مع أعدائه فضلا عن أصحابه
2.ما جاء به محمد و ما دعا إليه من عقائد و شرائع و معاملات
3.موقفه من الأنبياء السابقين الذين يتفق الناس على نبوتهم وأصحاب الديانات الأخرى من أهل الكتاب و موقف أهل الكتاب منه
وقبل أن نستطرد في هذا البحث أود أن نتفق معا على قاعدة في غاية الوضوح والبداهة وهي أن العقيدة الصحيحة المنزلة من عند الله في السماء لهداية البشر إلى ربهم يجب أن تكون هي أوضح الأمور و أبسط المسائل لا يكتنفها الغموض والتعقيد ولا يختلجها التكلف أو التناقض ويجب أيضا أن تكون مبنية على أدلة قوية واضحة وضوح الشمس لا على الظنون والأوهام ويجب ألا تحتاج الحقيقة إلى السب والشتم واختلاق الأكاذيب للإقناع بها ويجب أن يفهمها الناس على اختلاف عقولهم وأفهامهم بدون الحاجة إلى الخوض في متاهات الفلسفة و السفسطة.
فإذا اطمئن قلبك لسلامة هذا المنهج ونمت في نفسك روح البحث عن الحق في هذا الأمر الخطير فالجزء الأول من هذه الرسالة الصغيرة يضع أمامك خطوطا رئيسية و علامات في طريق بحثك لك أن تقرأها و تعرضها على قلبك و عقلك ثم تتبع ما تطمئن إليه نفسك و ينشرح له صدرك
و أما الجزء الثاني فيناقش جانبا آخر من قضية الدين – أهم قضية في حياة الإنسان الدنيوية والأخروية - و هي مناقشة عقلانية لبعض العقائد التي تربي بعضنا عليها بدون أن يعطي نفسه فرصة للتفكر فيها بهدوء إيمانا بأن الإنسان السوي هو الذي يحترم عقله و فطرته و لا يسير كالقطيع مغمض العينين في أمر قد يترتب عليه سعادته الأبدية أو شقاؤه الأبدي و لكنه الذي يعمل عقله و فكره و لا يعطلهما و يسأل ربه في كل وقت أن يهديه الصراط المستقيم الذي يوصله إليه

النبي الأمي

أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ ؟
كل من قرأ سيرة محمد و أخباره و أيامه من الباحثين المنصفين غير المسلمين أجمعوا على أن هذا الرجل قد اجتمعت فيه كل صفات الكمال البشري من حسن الخلق و رجاحة العقل و سلامة الفطرة و رقة الطبع و الشجاعة و بلاغة اللسان. هذا الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل الحائز على جائزة نوبل يقول في كتابه الأبطال : " لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب ، وأن محمداً خدّاع مزوِّر.
وإن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة ؛ فإن الرسالة التي أدَّاها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً لنحو مائتي مليون من الناس ، أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والإحصاء أكذوبة وخدعة ؟!
إلى أن قال : " وعلى ذلك ، فلسنا نَعُدُّ محمداً هذا قط رجلاً كاذباً متصنعاً ، يتذرع بالحيل والوسائل إلى بغيته ، ويطمح إلى درجة ملك أو سلطان ، أو إلى غير ذلك من الحقائر. وما الرسالة التي أدَّاها إلا حق صراح ، وما كلمته إلا قول صادق.
كلا ، ما محمد بالكاذب ، ولا المُلفِّق ، وهذه حقيقة تدفع كل باطل ، وتدحض حُجة القوم الكافرين.
ثم لا ننسى شيئاً آخر ، وهو أنه لم يتلق دروساً على أستاذ أبداً ، وكانت صناعة الخط حديثه العهد إذ ذاك في بلاد العرب ـ وعجيب وأيم الله أُمِّيَةَ العرب ـ ولم يقتبس محمد من نور أي إنسان آخر ، ولم يغترف من مناهل غيره ، ولم يكن إلا كجميع أشباهه من الأنبياء والعظماء ، أولئك الذين أشبِّههم بالمصابيح الهادية في ظلمات الدهور.
وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ ، صادق العزم بعيداً ، كريماً بَرًّا ، رؤوفاً ، تقياً ، فاضلاً ، حراً ، رجلاً ، شديد الجد ، مخلصاً ، وهو مع ذلك سهل الجانب ، ليِّن العريكة ، جم البشر والطلاقة ، حميد العشرة ، حلو الإيناس ، بل ربما مازح وداعب ، وكان ـ على العموم ـ تضيء وجهه ابتسامةٌ مشرقة من فؤاد صادق ؛ لأن من الناس من تكون ابتسامته كاذبة ككذب أعماله وأقواله " . ويقول:
: " كان عادلاً ، صادق النية ، كان ذكي اللـب ، شهم الفؤاد ، لوذعياً ، كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم ، ممتلئاً نوراً ، رجلاً عظيماً بفطرته ، لم تثقفه مدرسة ، ولا هذبه معلم ، وهو غني عن ذلك"
و بعد أن أفاض كارليل في إنصاف النبي محمد ختم حديثه بهذه الكلمات : "هكذا تكون العظمة· هكذا تكون البطولة·هكذا تكون العبقرية"
أما <لا مارتين> الفيلسوف الفرنسي فيدافع بحرارة النبي صلى الله عليه وسلم وينفي بصرامة وقوة أن يكون كاذباً أو مفترياً على الله فيقول:
<إن حياة محمد، وقوة كقوة تأمله وتفكيره وجهاده، ورباطة جأشه لتثبيت أركان العقيدة الإسلامية··· إنه فيلسوف وخطيب ومشرع وهاد للإنسانية إلى العقل وناشر للعقائد المعقولة الموافقة للذهن وهو مؤسس دين لا فرية فيه ومنشئ عشرين دولة في الأرض وفاتح دولة في السماء من ناحية الروح والفؤاد، فأي رجل أدرك من العظمة الإنسانية ما أدرك محمد وأي آفاق بلغ إنسان من مراتب الكمال ما بلغ محمد· و يقول في موضع آخر : "أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة واعية ، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود، ومن ذا الذي يجرؤ على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد ؟! ومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه ، عند النظر إلى جميع المقاييس التي تُقاس بها عظمة الإنسان؟! إن سلوكه عند النصر وطموحه الذي كان مكرساً لتبليغ الرسالة وصلواته الطويلة وحواره السماوي هذه كلها تدل على إيمان كامل مكّنه من إرساء أركان العقيدة. إن الرسول والخطيب والمشرع والفاتح ومصلح العقائد الأخرى الذي أسس عبادة غيرقائمة على تقديس الصور هو محمد ، لقد هدم الرسول المعتقدات التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق[4]"
و هذا جوتة الأديب الألماني : ""إننا أهل أوربة بجميع مفاهيمنا ، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد ، وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان ، فوجدته في النبي محمد … وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد"[5]
ويقول الأديب الروسي (ليو تولستوي) والذي حرمته الكنيسة بسبب آرائه الحرة الجريئة:
"أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه ، وليكون هو أيضاً آخر الأنبياء … ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق ، وجعلها تجنح للسكينة والسلام ، وفتح لها طريق الرقي والمدينة"[6]
ويقول العلامة شيريل ، عميد كلية الحقوق بفيينا :"إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها"
فهل ترى أن كل هؤلاء الأدباء و المفكرين – و لولا قصر الرسالة لذكرت أكثر من ذلك- من مختلف الجنسيات قد اخطأوا في مدح محمد؟ أو أنهم أجمعوا علي الثناء عليه بمحض الصدفة؟ أم أنهم كانوا غير مشهورين فأرادوا أن ينالوا الشهرة من خلال مدحهم له – صلى الله عليه و سلم- ؟ أم أن هذه الشخصية العظيمة تستحق فعلا الثناء والمدح؟ ترى هذا الرجل الذي لبث بين ظهراني قوم جاهليين و ظل فيهم أربعين سنة لا يشاركهم في عبادتهم للأوثان و لا يقارف منكرا مدة شبابه كله حتى إذا بلغ من العمر أربعين سنة و أصبح إلى الشيخوخة أقرب منه إلى الشباب أتى بهذا الأمر العظيم بعزيمة أمضى من السيف و أمل أسطع من البرق لا يكل و لا يمل حتى أدى رسالته و نجح في مهمته هل يمكن أن يكون مزوِّرا؟
هؤلاء أهل مكة قالوا له بألسنتهم قبل أن يبلغهم الدعوة " ما جربنا عليك كذبا قط" و كانوا يودعون عنده أماناتهم حتي بعد أن جهر بالدعوة لإنه عندهم ما زال الصادق الأمين و لو كذب مرة واحدة لما آمن به أحد منهم فهل تراه يذر الكذب على الناس ثم يكذب على الله ؟ و قد بلغ من حسن أخلاقه أن الرجل كان يأتيه قبل أن يسلم و هو أشد الناس كراهية له – ص – فما يمكث معه إلا قليل حتى يقوم من عنده داعيا قومه قائلا لهم جئتكم من عند خير الناس و قد أصبح أحبهم إليه –صلى الله عليه وسلم.
هب أن أخلاقه هذه كانت تكلفا مع الناس فهل يتحمل أن يتكلف أيضا داخل بيته مع زوجاته و بناته – على كثرتهن – أم أنه كان يحسن معاشرتهن[7]و يقول [خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهلي ] حتى أن أول من آمن به و صدقه زوجته خديجة؟ و حينما سئلت زوجاته عن حاله في بيته قالت كان في مهنة أهله - تعني في خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج فصلى وفي حديث آخر كان يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته ولم يضرب بكفه امرأة قط و كان يستئذن زوجاته إذا أراد أن يُمَرّض في بيت إحداهن و كان يداعبهن و سابق عائشة زوجته مرتين فسبقته و سبقها وكان يمزح ولا يقول إلا حقا و كان يدعو أصحابه إلى إحسان عشرة النساء و يقول اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهنَّ بأمانة الله و كان يقول أن خير الدراهم هو الدرهم الذي ينفقه الرجل على أهل بيته
بل إن خادمه أنس بن مالك يقول : [خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف، ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت[.و كانت آخر وصيته قبل موته الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم يوصي بالمحافظة على الصلاة وإحسان معاملة الخدم والعبيد
و كان –ص- أكرم الناس فما سُئل شيئا يملكه و قال لا و كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر وكان مثالا في الحلم والصفح فقد روي أنه كان نائما تحت ظل شجرة و سيفه معلق عليها فجاء أعرابي فأخذ السيف و قال يا محمد من يمنعك مني فقال : الله . فسقط السيف من يد الرجل فأخذه النبي و قال له من يمنعك أنت الآن مني فقال لا أحد فعفا عنه وانصرف الرجل و قسم مرة مالا بين ناس فجاءه أعرابي فجذبه من طرف ردائه و قال هذه قسمة ما أريد بها وجه الله فغضب رسول الله و ما زاد على أن قال و من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسى فقد أوذي بأكثر من هذا و صبر و كان أرحم الناس و أرضاهم بقضاء الله انظر إليه و قد فاضت روح ابنه إبراهيم بين يديه فقال و هو تدمع عيناه : " تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون ".و كان أشجع الناس حتى أن الصحابة كانوا يحتمون به في المعركة إذا اشتد وطيسها و حمي أوارها. أفما آن للعاقل أن يفكر : هل يمكن أن تجتمع كل هذه الشمائل-التي لم تتغير طوال حياة صاحبها- إلا في نبي كريم متبع لملة أبيه إبراهيم؟ هل جنى محمد – ص – لنفسه من دعوته تلك شيئا من متاع الدنيا الزائل أم أنه كان يربط الحجر والحجرين على بطنه من الجوع و يقول اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ؟ ألم يكن يظل بالشهر و الشهرين و لا توقد في بيته نار و يقول اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً في حين أنك ترى في كل دين آخر ما يكفل للكهنة و رجال الدين فيه مصادر الثروة و الغنى[9]فما الذي صبره على ذلك إن لم يكن من الصادقين ؟ و ما الذي حمله على ألا يقبل غلو أصحابه في حبه و مدحه فتراه لا يرفع نفسه عن قدره و يقول لأصحابه لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله و رسوله و في إحدى المواقف جلست جويريات يضربن بالدف صبيحة عرس إحدى نساء الأنصار و جعلن يضربن بالدف ويندبن من قتل من أبائها يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: دعي هذا، و قولي بالذي كنت تقولين و مصداق ذلك في كتاب الله :" قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"
و لما توفي أحد المهاجرين قالت عنه امرأة من الأنصار : رحمة الله عليك يا أبا السائب، فشهادتي عليك:لقد أكرمك الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك أن الله أكرمه). فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال: (أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري، وأنا رسول الله، ما يفعل بي). قالت: فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا
أترى لو كان محمد يتحامى الكذب دهاء و سياسة خشيةً أن يكشف الغيب قريبا أو بعيدا عن خلاف ما يقول ما الذي كان يمنعه أن يتقول ما يشاء في شأن ما بعد الموت و هو لا يخشى من يراجعه فيه و لا يهاب حكم التاريخ عليه؟ لقد منعه الخلق العظيم و تقدير المسئولية الكبرى أمام حاكم آخر أعلى من التاريخ و أهله[10]
هب أنه كان يكذب على الناس أفكان يكذب على نفسه أيضا؟ فقد كان مجموعة من الصحابة يحرسون النبي حتي نزلت هذه الآية : " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ " فقال لهم (أيها الناس، انصرفوا فقد عصمني الله) [11]ولم يتخذ حرسا بعدها و قد وقف وحده في ميدان المعركة وسط المشركين و قد تفرق أصحابه من حوله و هو يهتف : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب فمن ذا الذي حماه و عصمه حتى بلغ الرسالة كاملة و أدى الأمانة أوفى أداء؟ و ما الذي جعله واثقا تمام الثقة من النصر و التمكين لدينه حتى في أحلك المواقف و أقسى الأزمات[12]فيبشر أصحابه بعروش كسري و قيصر في حين أن اليهود و العرب يحاصرونهم من أسفل منهم و من فوقهم وقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر إلا إن كان موعودا من الله الذي لا يخلف الميعاد بالنصر والتمكين؟ هبه امتلأ رجاء ببقاء هذه الدعوة و ظهورها ما دام يتعهدها بنفسه فمن الذي تكفل له بعد موته ببقائها و حمايتها وسط أمواج المستقبل العاتية؟ و كيف يجيئه اليقين في ذلك و هو يعلم من عِبَر الزمان ما يفت في عضد هذا اليقين فكم من نبي قُتل و كم من كتاب فقد أو حُرِّف ؟[13]هل رأيت كاهنا أو ساحرا أو عرافا جاءه مثل هذا اليقين الذي لا يتزعزع و الثبات الذي لا يتردد؟؟
ومن الذي ألف حوله قلوب أصحابه و جمعهم على دعوته بعد أن كانوا قبائل متناحرة لا يجمعهم نظام ولا ينقادون تحت لواء[14]؟ أرأيت كيف استجابوا له في النهاية إذ دعاهم إلى ترك دين أبائهم وأجدادهم إلى عبادة الله وحده و ترك الأنفة والفخر إلى ضرب الظهور بالسياط إن شربوا الخمر أو قذفوا إنسانا و قطع الأيدي إن سرقوا أو أفسدوا في الأرض؟ فمن الذي حول طباعهم من الغلظة والبداوة وبعد أن كان أحدهم يأنف أن تسبق ناقته ناقة أخرى إلى رفق الإسلام و رحمته وتواضعه فأصبح السيد والعبد يقفان متجاورين في الصلاة؟ ومن الذي كان يجيب دعائه إذا دعا لأحد من أصحابه ؟ ألم يدعُ للمدينة المنورة بأكملها ألا يدخلها طاعون فما دخلها وباء إلى اليوم ؟ ألم يدع لقبيلة بأكملها أمام أصحابه أن تسلم وتأتيه فأسلمت عن بكرة أبيها؟ أتراه يغامر لو كان كاذبا بأمر كهذا؟ أيمكن لرجل أمي أن يغامر و يزعم أنه نبي يؤمن بجميع الأنبياء من قبله من أول آدم مرورا بموسى و عيسى عليهما السلام و يجعل الكفر بواحد منهم كالكفر بالجميع ثم يتحدى أهل الكتاب من اليهود و النصارى الموجودين في عهده – بل إلى قيام الساعة – و يناقشهم في أخص أمور دينهم بل و يفضحهم و يواجههم بتحريفهم لكتب أنبيائهم؟ لقد بلغ من تحديه إياهم أنه لما هاجر توجه إلى أحد معاقل اليهود في الجزيرة العربية و هي يثرب -و كان يمكنه أن يهاجر إلى أرض ليس بها أهل كتاب فما الذي دعاه إلى ذلك لو كان من الكاذبين؟ قل لي بربك لو كان هذا الدين من عند نفسه و ليس من عند الله فما حاجته للإيمان بالأنبياء السابقين و يدخل في هذه المواجهات[15]مع اليهود و النصارى و يعلن أن إلـهه و إلـههم واحد و لكنهم هم الذين غيروا شريعته و بدلوا و حرفوا. ثم إنك تجد أن علماء اليهود و النصارى المنصفين يدخلون في دينه أفرادا وجماعات و يتبعون شريعته منذ أن بعثه الله و إلى اليوم.[16] إن الكثيرين منهم عندما يتجردون من الأهواء و النزعات الشخصية و العصبية فإنهم سرعان ما يبصرون الحق و يعتنقونه بل إن عدداً من المستشرقين والمبشرين النصارى الذين بدئوا حملتهم مصممين على القضاء على الإسلام وإظهار عيوبه المزعومة ، أصبحوا هم أنفسهم مسلمين ، وما ذلك إلا لأن للحق حجته الدامغة التي لا سبيل إلى إنكارها. قال الله عز وجل " أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ "
ثم كيف يمكن لرجل عادي – لو كان عاديا – أن يؤلف وحده شريعة محكمة لا تدع أمرا من أمور الإنسان إلا ونظمته على الوجه الأمثل بدءا من طريقة الأكل و الشرب حتى نظام الحكم فما تركت خيرا من أمور الدنيا إلا و أمرت به و لا شرا إلا و نهت عنه و يشهد بذلك مفكرو الغرب أنفسهم و الدراسات الحديثة و الفضل ما شهدت به الأعداء. و ما زالت إلى اليوم هذه الشريعة معينا لا ينضب للباحثين و العلماء يستخرجون منها من الحكم الباهرة و الأحكام الدقيقة ما يدعو الناس للإيمان و التصديق.[17] كيف أمكن لرجل بمفرده- لو كان بمفرده- أن يحدث أكبر تغيير ديني و حضاري و سياسي و اجتماعي في العالم استمر إلى الآن حتى إن مفكري الغرب عندما اجتمعوا لكي يحددوا المائة الأوائل الذين كان لهم أكبر تأثير في تاريخ البشرية جعلوا محمدا على رأسهم و ظهر ذلك في كتاب المائة الأوائل لمايكل هارت[18]ألم تمر على أمة الإسلام مائتا عام إلا وكان المسلمون يعيشون نهضة علمية في شتى المجالات في حين كانت أوروبا ترزح تحت جبال من الجهل و التخلف و الخرافات؟!
ثم ألم يكن أولى به لو كان يدعي النبوة أن يخفف من تكاليف الشريعة لأقصى درجة ممكنة لكي يستكثر من الأتباع و لا ينفر الناس من الدخول في الدين الجديد [19]لكنك ترى أنه أخبرنا أن الله فرض علينا خمس صلوات في اليوم و الليلة منها ما يوافق ساعات نوم الإنسان و أمرنا بزكاة تؤخذ من أغنيائنا لترد على فقرائنا و أمرنا بصيام شهر كامل كل عام و بحج بيت الله الحرام مع ما في ذلك من مشقة للبعض ثم حض بعد ذلك على أداء الزيادة من هذه الطاعات و قيام الليل تقربا إلى الله ثم الأمر بالإحسان إلى الخلق بمختلف أنواع البر و صلة الأرحام والأقارب وإن قطعوا و العفو عن الأنام إن ظلموا و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الجهاد في سبيل الله ثم النهي عن لذائذ النفوس و شهواتها المحرمة كالزنا و كل ما يدعو إليه من نظر أو لمس أو تبرج و شرب الخمر و أكل الربا ثم يكون بعد ذلك أول الناس التزاما بما يدعو إليه حتى في خلوته حين يظن أن لا يراه بشر بل و يزيد على أصحابه في الطاعة ما لا يطيقونه هم[20]. فما الذي حمله على ذلك إن لم يكن من الصادقين في عبادته لربه و في نبوته؟ هل الذي يأمر بهذه الأوامر يمكن أن يكون كاذبا على الله؟ ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ ) ألا تعجب أنه مع كل تكليفات الإسلام هذه فإنه أوسع الأديان انتشارا و ذلك باعتراف غير المسلمين و يقبل عليه الناس من جميع الفئات و الأعمار حتى الأطفال.[21] لو كان محمد كاذبا فلماذا تركه الله ينشر دعوته طوال23 سنة بدون أن يعاقبه أو على الأقل بكشف كذبه للناس ولو بزلة لسان؟!
أو كان صدفة أن يولد هذا النبي و يحيا أكثر عمره بجوار بيت الله الحرام الذي بناه إبراهيم عليه السلام و ما زالت آثار إبراهيم موجودة فيه إلى اليوم ثم يتخذه قبلة في صلاته؟ ومن الذي حفظ الكعبة من التدمير على يد إبرهة والمشركين و حفظ مكانتها و مهابتها في قلوب المؤمنين ؟ تـُرى لو أن هذا الدين كان من تأليفه فهل تكون الكعبة المشرفة من بنائه أم تكون بئر زمزم من حفره؟! ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً )


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 06:58 PM
يتبــع الموضوع السابق ( 2 )


رسالة إلى العقل والقلب
ـــــ


النبأ العظيم

قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ


كل المؤرخين مجمعون على أن النبي نشأ أميا لا يعرف القراءة و الكتابة و أنه لم يكن يقرض الشعر في حياته بينما كانت العرب تفتخر ببراعتها البلاغية و يقيمون الأسواق يتباهون فيها بالقصائد الطوال و المعلقات الجياد و لم يكن لمحمد أى شأن يذكر في هذا المضمار من قريب أو بعيد. ثم ماذا؟ ثم خرج علهم محمد بين عشية وضحاها بآيات بينات غاية في البلاغة و جمال النظم تحدى بها قومه بل تحدى بها العالم كله -وهكذا الرسل تأتي بمعجزات من جنس ما برع فيه أقوامهم ليكون أبلغ في الإعجاز- وقال للناس( لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ). فانظر إلى هذا النفي المؤكد بل الحكم المؤبد هل يستطيع عربي يدري ما يقول أن يصدر هذا الحكم و هو يعلم أن مجال المساجلات مفتوح بين العرب على مصراعيه؟ ألم يكن يخشى أن يثير هذا التحدي حميتهم الأدبية فيهبوا لمنافسته و هم جميع حذرون؟ سل نفسك لو طوعت لمحمد نفسه أن يصدر هذا الحكم على أهل عصره فكيف يصدره على الأجيال القادمة إلى يوم القيامة بل على الإنس و الجن؟ ثم سلها ألم يفز القرآن في هذا التحدي فلم يهم بمعارضته أحد إلا باء بالعجز الواضح و الفشل الفاضح على مر العصور و الدهور. [22] لقد نزل هذا التحدي إلى أن يأتوا بعشر سور مثله فما استطاعوا ثم نزل أكثر إلى سورة واحدة تضارع أقصر سور القرآن و أعلن أنهم لن يستطيعوا فهل سمعت أن رجلا ألف سورة مثل سور القرآن تلقاها العالم بمثل ما تلقى به القرآن؟ سل نفسك كيف ظل القرآن محفوظا إلى اليوم كما وعد الله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) يتناقله المسلمون جيلا بعد جيل متواترا[23] بينهم بنفس اللغة لا تتغير فيه كلمة و لا حرف و لا حركة تشكيل بطريقة هي أعلى طرق الرواية تثبتا و حفظا في حين أن غيره من الكتب فُقِدت أو غُيِّرت أو اندثرت لغاتها الأصلية. سل التاريخ كم مرة تسلط الكفار على المسلمين فأثخنوا فيهم القتل و أكرهوا أمما منهم على الكفر و أحرقوا الكتب و هدموا المساجد و صنعوا ما كان يكفي القليل منه لضياع هذا القرآن كُلا أو بعضا كما فُعل بالكتب من قبله لولا أن يد العناية تحرسه فبقي وسط هذه المعامع رافعا راياته و أعلامه حافظا آياته و أحكامه...[24]
ألم تعجب كيف يسره الله القرآن للحفظ ما لم ييسر لأى كتاب آخر فتجد أن الطفل يبلغ السادسة من عمره و قد حفظ القرآن كله و قد يكون مع ذلك أعمى ! كيف يحدث ذلك الانسجام العجيب بين الفطرة البشرية و بين القرآن إلا أن يكون خالق النفس البشرية هو نفسه مصدر هذا القرآن؟
ثم إنك إذا تأملت طريقة نزول القرآن رأيت عجبا...فإنه لم ينزل جملة واحدة من السماء لكن كان ينزل مفرقا حسب الوقائع و الأحوال فربما نزلت بدايات سورة و لا تنزل خواتيمها أو أواسطها إلا بعد عشر سنين تكون خلالها نزلت سور أخرى و ختمت أو لم تختم فإذا هبط جبريل على النبي بآيات جمع النبي أصحابه ليكتبوا وراءه ثم يقول ضعوا آية كذا في سورة كذا في موضع كذا وآية كذا في سورة كذا و هكذا فتوضع الآية في مكانها الذي نزلت من أجله في أول السورة أو وسطها أو آخرها بين آيتين قد تكونا نزلتا قبلها بعشر سنين فتقرأ السورة فلا تحس بأي تنافر بين أجزائها. ثم إن الآية توضع مكانها الذي نزلت من أجله ولا يتغير هذا المكان بعد ذلك أبدا لا تقديما ولا تأخيرا حتى اكتمل هذا الكتاب المعجز في أجمل صورة و أعظم تركيب فأي تدبير محكم وأى تقدير مبرم وأى علم محيط لا يضل و لا ينسى ولا يتردد كان قد أعد لهذه المواد المبعثرة نظامها و هداها إلى ما قدره لها حتى صيغ منها ذلك العقد النظيم و سرى بينها هذا المزاج العجيب؟ [25] (http://www.islampress.net/55a/firas/admin_firas_section/*******.php?addnews=1#_ftn25)(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيرا )
و الآن سل نفسك هل رأيت كتابا ألف بهذه الطريقة أبد الدهر؟ وهل يستطيع كاتب أن يؤلف كتابا في مدة ثلاث و عشرين سنة لا يؤلفه مرتبا و لكن مفرقا قطعا قطعاً على غير ترتيب لا يقدم فيه و لا يؤخر و لكن يملي من وحي ضميره العبارات و الجمل مفرقة بين الحوادث و السنين فتجد كل جملة لها مكانا ينتظرها بين جاراتها لا يجور ولا يجار عليه و كأنه أحصى ما سوف تلده الأيام من مفاجآت الحوادث المستقبلية صغيرة و كبيرة في مدى دهره ثم قدّر ما سوف تتطلبه تلك النوازل من كلام فقدر لكل حادثة قدرها؟! فكيف لو كان أميا لا يقرأ ما يكتب له؟!!
هذا من جهة مبناه فإذا نظرت إلى محتواه وجدت من الإعجاز في المعاني ما لا يقل عن الإعجاز في النظم و المباني.[26]ذلك أن القرآن حوى بين طياته كل ما يحتاج الإنسان إليه في حياته لكي يحيا حياة طيبة صالحة. تحدث القرآن عن وحدانية الله عز وجل و أقام عليها البراهين العقلية القاطعة وذكر من صفات الرب الحسنى وأفعاله الكريمة و سننه في خلقه ومظاهر نعمه عليهم ما يزيد إيمان المؤمنين ويرقق قلوب الكافرين وذكر من آيات الله المبثوثة في كونه ودعا الإنسان للنظر والتأمل فيها وتحدث عن نشأة الإنسان و الغرض من خلقه و مصيره بعد موته ثم أخبره كيف يعبده و يتقرب إليه بأنواع العبادات البدنية والمالية والقلبية و تضمن الإخبار عن عالم الغيب من الملائكة و الجن و الشياطين و كذا الإخبار عن قصص الأمم السابقة و أحوالهم مع أنبيائهم وعقاب الله للأقوام الظالمين بما جعله الله عبرة لكل معتبر و رد القرآن على شبهات المشركين و حذر المعاندين و أنذرهم و بشر المؤمنين و ثبّـتهم وحاور أهل الكتاب فأسكتهم و ضرب للناس من كل شيء مثلا و تحدث عن أهوال يوم القيامة و علاماته و ذكر ما أعده الله لعباده المؤمنين في جنات النعيم و ما ينتظر الكافرين من عذاب أليم ثم رسم للإنسان منهجا يسير عليه في حياته و حد له حدودا ووضع له ضوابط تضمن له و لمجتمعه السعادة الكاملة و الأمن التام فذكر أحكام المعاملات المالية و أحكام النكاح و الطلاق و البيع و الشراء والدَيْن والميراث وأحكام الإمارة والقضاء و الحدود و القصاص حتى آداب الاستئذان والنظر والثياب ذكر القرآن منها ما يكفل للمجتمع طهارته و للإنسان عفافه و كرامته حتى مأكل الإنسان ومشربه أباح له كل طيب و حرم عليه كل خبيث على التفصيل و الإجمال وذكر أيضا آداب التعامل مع الوالدين و إن كانوا غير مسلمين ومع الزوجة و ذوي الأرحام وإن كانوا غير بارين حتى الخدم و العبيد و الأرامل والمطلقات والأيتام لم ينسهم القرآن حتى الطفل الرضيع والرجل الأعمى والأعرج ذكرهم الله (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً )

وهكذا لم تخل آية في القرآن من حكمة وموعظة أو بشارة أو إنذار أو أمر أو نهي لما فيه مصلحة العباد الدينية والدنيوية فلله درها من آيات كم ألانت قلبا قاسيا و كم فتحت عقلا مغلقا و كم شفت وساوس صدر مريض.

فهو معجزة كبيرة وشاملة وغنية تتجاوز كل الأزمنة والأمكنة، وتلبي جميع المطالب الإنسانية بدءً من العقائد وانتهاءً بأصغر الآداب ‏الاجتماعية .[27]( فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ )

فإذا نظرنا إلى القصص القرآني سنجد أنه حوى أحسن القصص وقعا في النفوس وأصدقها أحداثا و أكثرها عبرة في الوقت الذي كانت كتب اليهود والنصارى حافلة بالمغالطات التاريخية وقصص العاهرات و نسبة النقائص والفواحش للأنبياء بينما القرآن قصصه في أرفع درجات السمو الأخلاقي و الكمال الإنساني. وإن تعجب فعجب قول من يدعي زورا وبهتانا أن القرآن استقى أخباره التاريخية من الكتب الموجودة بأيدي أهل الكتاب في عهده!! و كأن القرآن لم يفضح تزويرهم صراحة و يواجههم بتحريفهم و يكشف مغالطاتهم[28]ثم إنك تجد أن القرآن يحوي تفاصيل دقيقة لم تذكرها هذه الكتب وكفاك بقصتي يوسف وموسى عليهما السلام دليلا. [29]



فهل كان صدفة أن توافق أخبار القرآن عن الأمم السابقة و أنبيائهم الصحيح المحرر[30]من علوم أهل الكتاب و تزيد عليها و أما ما داخلها من التحريف و التغيير فلا يأبه له القرآن بل يصححه و يفضحه أحيانا كثيرة ؟ و ممن ؟ من رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب !!

كفاك بالعلم في الأمي معجزة في الجاهلية والتأديب في اليتم ؟

هب أن محمدا اطلع على أخبار الأولين فهل تراه اتخذ عند الله عهدا أن تصدق الأيام ما أخبر به من أمور المستقبل ولو بعد مئات السنين؟ فقد أخبر القرآن عن حوادث ستقع في المستقبل و حدثت كما أخبر تماما. فمثلا ذكر القرآن عن أناس معينين أنهم لن يسلموا وسيموتون على الكفر مثل أبي لهب وامرأته حمالة الحطب والوليد بن المغيرة فمن أين علم محمد أن هؤلاء لن يسلموا ؟! و كيف لم يخش أن تطوع لأحدهم نفسه فيعلن إسلامه نفاقا لكي يحرج محمدا؟ فيا عجبا لهذه الآيات هل كانت مؤلفة من حروف و كلمات أم كانت أغلالا وضعت في أعناقهم إلى الأبد؟ و مثل آخر في أول سورة الروم حيث دار بين الفرس الوثنيين و الروم النصارى أهل الكتابمعركةهزم فيها الفرس الروم ففرح المشركون بذلك لأنهم وثنيون مثلهم و حزن المسلمون فنزلت (الم . غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)

و لقد صدق الله وعده فتمت للروم الغلبة على الفرس بإجماع المؤرخين في أقل من تسع سنين و كان يومها هو اليوم الذي انتصر فيه المسلمون على المشركين في غزوة بدر. فكيف حدث ذلك بهذه الدقة إلا إذا كان الذي صدرت هذه الآيات عن علمه هو الذي صدرت هذه الحوادث عن مشيئته و حكمه؟
أما عن الآيات التي تتحدث عن خلق الكون و خلق الإنسان و الليل و النهار و الجبال و البحار والرياح و السحب والمطر والحيوان والنبات و النجوم والكواكب و الشمس و القمر والأرض و السماء فقد ذكر القرآن من أسرارها في كلمات وجيزة ما كانت تعجز علوم الدنيا حين نزل القرآن أن تتوقعه و لم يكتشفها العلم إلا في العصر الحديث و ما وقف أمامها فطاحل العلماء مبهورا أن يكون رجل أمي قد أتى بكلام مثل هذا منذ ألف و أربعمائة سنة!! ألم يخبر القرآن بأن للجبال أوتاد و أن البحر مسجور و الرياح لواقح و السحب ثقال و الكائنات أزواج و السماء ذات رجع و الأرض ذات صدع والليل و النهار مكوران على بعض و الشمس و القمر بحسبان و مواقع النجوم أمرها عظيم[31]!! هل كان أحد في ذلك الوقت يعرف المراحل الدقيقة لخلق الأجنة في بطون أمهاتها أو يعرف أن الذي يرتفع في الجو يضيق صدره من صعوبة التنفس أو أن كل شيء خلق من ماء أو أن الحديد نزل من السماء ليستقر في الأرض و لم يتكون داخلها كما يتكون البترول مثلا أو أن السماء تتسع باستمرار أو أن هناك أنواعا من النجوم مختفية عن الأنظار تسير في السماء تكنس ما حوله وصفها بأنها جوار كنس أو أن السماوات والأرض كانتا في بداية الخلق قطعة واحدة فتقها الله ؟ ( وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُون ) ؟ كل هذه الحقائق التي أثبتتها العلوم الحديثة وغيرها يذكرها القرآن في غاية الوضوح و أمثالها في السنة النبوية كثير و أسلم بسببها كثير من العلماء[32]فما الذي حمل محمدا على ذكر هذه الحقائق لقوم أميين ومن الذي ضمن له أن العلم سوف يثبت صحتها يوما من الأيام؟ [33] هذا غير الآيات التي تسبر أغوار النفس البشرية وتخبر بما يجول في خاطرها سواء كانت هذه النفس نفس مؤمن مصدق أو كافر معاند أو كتابي مرتاب . ألم تنزل الآيات تفضح المنافقين الموجودين في المدينة و تخبر بخطرات نفوسهم؟ ألم يدع الأعراب الإيمان فنزلت (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) ألم يكن الأولى لو كانت هذه دعوة شخصية ألا ينفر محمد الأتباع من حوله بل يستكثر منهم و يحتفظ بهم في صفه؟[34]ناهيك عن التأثير الكبير الذي أحدثه القرآن في نفوس أصحاب النبي يقول الأستاذ فتح الله كولن : " لقد أحدث القرآن في أول عهده بالنـزول وأول عهده بتشريفه الدنيا تأثيرا لا يمكن تصوره في الأرواح وفي العقول والقلوب ‏أيضا، بحيث أن درجة الكمال التي وصلت إليها الأجيال التي نشأت في جوه النوراني كانت معجزة قائمة بذاتها لا نحتاج معها إلى ذكر ‏أي نوع آخر من معجزاته. ولا يمكن العثور على أي أمثال لهم في مستواهم من ناحية التدين والتفكير وأفق الفكر والخلُق ومعرفة ‏أسرار العبودية.
فالحقيقة أن القرآن قد أنشأ جيلا من الصحابة آنذاك لا نبالغ إن قلنا إنهم كانوا في مستوى الملائكة. وحتى اليوم فهو ‏يقوم بتنوير قلوب المتوجهين إليه الناهلين من نبعه، ويهمس في أرواحهم أسرار الوجود. والذين يَدَعون أنفسهم بكل أحاسيسهم ‏ومشاعرهم وقلوبهم وقابلية إدراكهم تسبح في جوه الذي لا مثيل لـه سرعان ما تتغير عواطفهم وأفكارهم، ويحس كل واحد منهم ‏بأنه قد تغير بمقياس معين وأنه أصبح يعيش في عالم آخر" (هَذَا بَصَائِرُ للنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَومٍ يُوقِنُونَ ) ويمكنك أن تقرأ في القرآن لكي تشعر بهذا بنفسك فهو متاح على الإنترنت.
والآن آن لنا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال : من أين أتى محمد بالقرآن؟ هناك ثلاثة احتمالات لا رابع لها. إما أن يكون من كلام محمد نفسه وإما أن يكون من كلام شخص آخر كان يتصل به محمد بصورة غير معروفة في جميع الأماكن والأزمنة ليتلقى منه الآيات و إما أن يكون وحيا من عند الله أوحاه إليه عن طريق الملك الذي أنزل على جميع الأنبياء من قبل و هو روح القدس جبريل عليه السلام كما أخبر بذلك القرآن نفسه.
فإذا نظرنا إلى الاحتمال الأول سنجد أن القرآن صريح في لأنه لا صنعة فيه لمحمد ولا لأحد من الخلق لكنه منزل من عند الله بلفظه ومعناه. فأى مصلحة لمحمد لو كان القرآن من كلامه أن ينسب بضاعته لغيره وينسلخ منها انسلاخا ولو انتحلها لما وجد أحدا من البشر يعارضه ويزعمها لنفسه؟ إن قومه أنفسهم قد استبعدوا هذا الاحتمال- أن يكون القرآن من تأليف محمد- لإنه عاش بينهم أربعين سنة يحضر مشاهدهم و يتعامل معهم ولم تبد عليه أثارة من تلك العلوم التي لا عهد لهم بها قبل ذلك. (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) ثم إنك تقرأ كلام النبي وأحاديثه في كتب السنة و تقرأ القرآن فلا تحس بأنهما خرجا من ذات المنبع بل تجد الفرق في الأسلوب بينهما واضحا هذا خطاب إلهي و ذاك كلام بشري.. ثم لماذا لم يحو القرآن لو كان من عند محمد خطرات نفسه و آلامه و أحزانه المختلفة التي مرت به و هو الذي مرت به الأحداث الجسام مثل وفاة زوجته خديجة و عمه أبي طالب في عام واحد و محاصرة المشركين له و لأصحابه في أحد شعاب مكة ثلاث أعوام و مقتل عمه حمزة ووفاة جميع أبنائه في حياته إلا فاطمة ولكنك لا ترى إشارة لذلك في القرآن.
وهل تكون الآيات التي تعاتب النبي في القرآن و توجهه و تأمره و تنهاه من وضعه؟ أيكون من عنده ثم يجعل فيه حين دعا على بعض المشركين (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) أم يكون من عنده ثم يقول فيه لنفسه (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاه ) أو يقول فيه (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) و ذلك حين أقسم ألا يتناول نوعا معينا من الطعام ؟ بل إنه عبس مرة في وجه رجل مسلم أعمى جاء يسأله عن شيء لإنه كان مشغولا بدعوة أشراف قريش إلى الإسلام فنزلت سورة عرفت بسورة عبس , بدايتها : (عَبَسَ وَتَوَلَّى {1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى {2} وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى {3} أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى )
ألم يكن أولى به – لو كان كما يدعي المبطلون كاذبا – أن يكتم هذه الآيات؟
بل كانت تنزل به النوازل من شأنها أنها تحفزه إلى القول و كانت حاجته القصوى تلح عليه أن يتكلم بحيث لو كان الأمر إليه لوجد له مقالا و مجالا و لكنه كانت تمضى به الليالى و الأيام تتبعها الليالى و الأيام و لا يجد فى شأنها قرآنا يقرؤه على الناس.
ألم يرجف المنافقون بحديث الإفك عن زوجه عائشة رضي الله عنها و أبطأ الوحي و طال الأمر و الناس يخوضون حتى بلغت القلوب الحناجر و هو لا يستطيع إلا أن يقول بكل تحفظ و احتراس " إنى لا أعلم عنها إلا خيرا" ثم إنه بعد أن بذل جهده فى التحرى و السؤال و استشارة الأصحاب و مضى شهر بأكمله و الكل يقولون ما علمنا عليها من سوء لم يزد على أن قال لها آخر الأمر " يا عائشة أما إنه بلغنى كذا و كذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله و إن كنت ألممت بذنب فاستغفرى الله " هذا كلامه بوحى ضميره و هو كما ترى كلام البشر الذى لا يعلم الغيب و كلام الصدّيق المتثبت الذى لا يتبع الظن و لا يقول ما ليس له به علم على أنه لم يغادر مكانه بعد أن قال هذه الكلمات حتى نزل صدر سورة النور معلنا براءتها و مصدرا الحكم المبرم بشرفها و طهارتها . فماذا كان يمنعه- لو أن أمر القرآن إليه- أن يتقول هذه الكلمة الحاسمة من قبل ليحمى بها عرضه و بذب بها عن عرينه و ينسبها إلى الوحى السماوى لتنقطع ألسنة المتخرصين ؟ و لكنه ما كان ليذر الكذب على الناس و يكذب على الله [ وَلَوْتَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ . لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ . ثُمَّ لَقَطَعْنَامِنْهُ الْوَتِينَ . فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ][35]
والآن إذا انتقلنا إلى الاحتمال الثاني – وهو أن يكون أحدا من الإنس أو الجن قد أوحى بهذا القرآن العظيم والشريعة الكاملة إلى محمد – فبرغم من تهاوي كثير من أركان هذا الاحتمال بما سبق ذكره إلا أنه لا مانع من مناقشة بعض ما قد يحيك في صدر المتشكك أو يقذف به الشيطان في فؤاد المرتاب. أولا الذي يردد هذه الشبهة يلزمه أن يخبرنا من هو هذا الشخص – سواء كان إنسا أم جنا - الذي آتاه الله علوم الأولين والآخرين وأطلعه على الغيب و ما هو كائن إلى يوم القيامة و زوده بالعلوم والمعارف الحديثة التي لم تكن لتخطر على بال أوسع الناس خيالا حينئذ فأخرج لنا هذا الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتب السماوية و مهيمنا عليها لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه!! لا شك أن هذا الشخص - لو كان موجودا لكان عربيا لأن القرآن بلسان عربي مبين – فهل تظن أن بين العرب الذين كانوا يعيشون في جاهلية عمياء في ذلك الوقت من كان يمكنه أن يفيض قلبه عن بعض علوم هذا الكتاب؟ هب أن هذا كان صحيحا في الكتاب فمن أين أتى النبي بالسنة - وهي جميع أقواله وأفعاله- وبها من الإعجاز ما يداني إعجاز القرآن؟ وهل كان محمد ذو الذكاء الثاقب والفطنة الحادة مخدوعا طوال 23 سنة [36]يظن أنه يوحي إليه من عند الله و ما هو من عند الله؟!! إن أى قارئ في سيرة النبي محمد ليلحظ بكل وضوح أنه كان صادقا في دعوته وفي جهاده – أو على الأقل كان يظن ذلك – فهل تظن أن رحمة الله وعدله وكرمه كانت تترك رجلا بهذه الأخلاق النبيلة و السجايا الكريمة والنوايا الصادقة التي شهد عليها أعداؤه يُغرر به طوال هذه المدة؟؟ و لماذا لم يعلن هذا الشخص عن ذاته –لو كان موجودا –ويعرفنا بنفسه أو ينسب هذا القرآن لشخصه فينال بذلك عز الدنيا وشرف الدهر؟! ما الذي جناه هذا الشخص لنفسه من دعوة الناس للإيمان بالله و اليوم الآخر والالتزام بالأخلاق الفاضلة؟ ثم كيف يمكنه أن يضع شريعة فذة ونظاما كاملا للحياة شهد بروعته الفلاسفة والمفكرون غير المسلمين؟ هب أن هذا حدث أيمكنه أيضا أن ينصر هذه الدعوة من محاولات وأدها المستمرة ويُمكِّن لهذا الدين في الأرض إلى يومنا هذا ويحفظ مصادره الأساسية من الضياع على مدار التاريخ؟ إن هذا مما تأباه العقول السليمة والفطر السوية وصدق الله إذ يقول: (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ . وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ . إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ .فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ )
والآن لم يبق إلا أن يكون وحيا من عند الله أوحاه إلى محمد ليخرج الناس من الظلمات إلى النور عن طريق رسول كريم هو جبريل عليه السلام (مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ولم يبق إلا أن تقرأ آيات القرآن وكلام النبي بنفسك و تتدبرهما بعقلك وقلبك وانظر هل يكون هذا إلا تنزيل من لدن حكيم عليم؟



يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 07:02 PM
يتبــع الموضوع السابق ( 3 )


رسالة إلى العقل والقلب



البشارة
وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَد
بالرغم مما نال الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل من تحريف و تبديل إلا أن الله شاء أن تبقى البشارة بالنبي محمد إلى يومنا هذا واضحة وضوح الشمس يراها كل من له عينان نذكرها إن شاء الله لكي تطمئن بها قلوب و تبتهج بها أرواح. أما في العهد القديم فإننا نجد موسى عليه السلام يبشر بظهور نبي ورسول مثله فعندما ينـزل موسى عن جبل الطور بعد ما كلمه ربه يقول مخاطباً بني إسرائيل: " قال لي الرب: قد أحسنوا في ما تكلموا. أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه، وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاماً لم أوصه أن يتكلم به، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى، فيموت ذلك النبي.
وإن قلت في قلبك: كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب؟ فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصِر، فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب، بل بطغيان تكلم به النبي، فلا تخف منه " (التثنية 18 / 17 – 22 )
والنص كما هو واضح يتحدث عن نبي عظيم يأتي بعد موسى عليه السلام، ويذكر صفات هذا النبي، والتي نستطيع من خلالها معرفة من يكون.ويزعم النصارى أن هذا النبي قد جاء، وهو عيسى عليه السلام،
لكن النص دال على نبينا صلى الله عليه وسلم، إذ لا دليل عند النصارى على تخصيصه بالمسيح، إذ يذكر النص التوراتي أوصاف هذا المبعوث المبشر به:
1) ) أنه نبي " أقيم لهم نبياً "، والنصارى يدعون للمسيح الإلهية، بل يدعي الأرثوذكس أنه الله نفسه، فكيف يقول لهم: أقيم نبياً، ولا يقول: أقيم نفسي.
2) ) أنه من غير بني إسرائيل، بل هو من بين إخوتهم أي أبناء عمومتهم "من وسط إخوتهم"، وعمومة بني إسرائيل هم بنو عيسو بن إسحاق، وبنو إسماعيل بن إبراهيم.

ومن المعهود في التوراة إطلاق لفظ " الأخ " على ابن العم، وعليه فهذا النبي يحتمل أن يكون من العرب تحقيقاً للبركة الموعودة في نسل إسماعيل، وقد يكون من بني عيسو بكر إسحاق. لكن أحداً من بني عيسو لم يدع أنه النبي المنتظر.
(3) هذا النبي من خصائصه أنه مثل موسى الذي لم يقم في بني إسرائيل نبي مثله، وفي التوراة السامرية ما يمنع صراحة قيام مثل هذا النبي فقد جاء فيها: " ولا يقوم أيضاً نبي في بني إسرائيل كموسى الذي ناجاه الله" (التثنية 4/10(
وهذه الخصلة، أي المثلية لموسى متحققة في نبينا صلى الله عليه وسلم، ممتنعة في المسيح، حيث نرى الكثير من أمثلة التشابه بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، والتي لا نجدها في المسيح، من ذلك ميلادهما الطبيعي، وزواجهما، وكونهما صاحبا شريعة، وكل منهما بعث بالسيف على عدوه، وكلاهما قاد أمته، وملك عليها، وكلاهما بشر، بينما تزعم النصارى بأن المسيح إله، وهذا ينقض كل مثل لو كان.

(4) من صفات هذا النبي أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، والوحي الذي يأتيه وحي شفاهي، يغاير ما جاء الأنبياء قبله من صحف مكتوبة" وأجعل كلامي في فمه"، وقد كان المسيح عليه السلام قارئاً(انظر لوقا 4/16-18.(
5) ) أنه يتمكن من بلاغ كامل دينه، فهو " يكلمهم بكل ما أوصيه به ". وهو وصف منطبق على محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان من أواخر ما نزل من القرآن عليه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً )
وقبيل وفاة موسى عليه السلام ساق خبراً مباركاً لقومه بني إسرائيل، فقد جاء في سفر التثنية: "هذه البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته، فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس، وعن يمينه نار شريعة...."( التثنية 33/1-3.(
وجبل فاران هو جبل بمكة و يؤيد ذلك ما تقوله التوراة عن إسماعيل: " كان الله مع الغلام فكبر.وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر " (التكوين21/20-21).) فالمقصود إذن بتلألأ الرب من جبل فاران هو بعثة النبي محمد من مكة ليكون إماما للمؤمنين ورحمة للعالمين
أما في العهد الجديد فإننا نجد البشارة أيضا واضحة ففي متى 43:21 قال المسيح لليهود : ( أقول لكم: إن ملكوت الله سينزع من أيديكم ويسلم إلى شعب يؤدي ثمره. ) فمن يا ترى هذا الشعب ؟ إن تلاميذ المسيح كانوا من بني إسرائيل حتى بولس كان من بني إسرائيل أيضا ولهذا لا يمكن تفسير كلام المسيح أن المقصود به هم تلاميذه. ولا يمكن أن يكون مقصود المسيح هم الوثنيون الذين اعتنقوا مبادىء بولس وإلا أي ثمرة هذه التي أداها الوثنيون لمبادىء المسيح وأي ملكوت لله هذا الذي سلم للوثنيين؟ لم يبق إذن إلا أن يكون مقصود المسيح هم المسلمون الذين عظموا المسيح وأمه ورفعوا راية التوحيد في الأرض وحملوا لواء العبودية لله رب العالمين. وفي إنجيل يوحنا (1/19-21) أرسل اليهود من أورشليم بعض الكهنة واللاويين يسألون يوحنا : «من أنت؟» فاعترف ولم ينكر، بل أكد قائلا: «لست أنا المسيح». فسألوه: «ماذا إذن؟ هل أنت إيليا؟» قال: «لست إياه!»؛ «أو أنت النبي؟» فأجاب: «لا» نجد ذكرا لثلاثة أشخاص هم إيليا والمسيح والنبي. فمن يا ترى يكون هذا النبي الذي كان اليهود ينتظرونه غير النبي محمد ؟ وفي موضع آخر من إنجيل يوحنا حيث يبشر بمجيء النبي المنتظر يقول المسيح موصياً تلاميذه: " إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر، ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم، ويكون فيكم... إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي، وعنده نصنع منـزلاً. الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي، والكلام الذي تسمعونه ليس لي، بل للآب الذي أرسلني، بهذا كلمتكم وأنا عندكم، وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم …. قلت لكم الآن قبل أن يكون، حتى متى كان تؤمنون " (يوحنا14/15 – 30)
وفي الإصحاح الذي يليه يعظ المسيح تلاميذه طالباً منهم حفظ وصاياه، ثم يقول:"إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية، ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يوحنا 15/26( 16/14-
ونبينا محمد هو روح الحق الذي مكثت تعاليمه إلى الأبد وعلمنا كل شيء و هو الذي مجد المسيح فنزهه مما نسبه إليه اليهود وهو الذي لا يتكلم من قبل نفسه ولكن ( مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى . عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى )
وليس المقصود بقوله: " لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم" الرؤية البصرية والمعرفة الحسية، بل المعرفة الإيمانية. ومثله ما جاء في يوحنا"أجاب يسوع: لستم تعرفونني أنا، ولا أبي، لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً" (يوحنا 8/19(ومثله في الأناجيل كثير.
و كلمة المعزي التي في الترجمة الحالية للإنجيل هي ترجمة خاطئة للكلمة اليونانية البارقليط الموجودة كما هي في تراجم عالمية أخري والتي كانت موجودة حتى القرن التاسع عشر كما هي في الترجمة العربية للإنجيل مما يدل على أنها اسم علم.
وفي تفسير كلمة " بارقليط " اليوناني نقول: إن هذا اللفظ اليوناني الأصل، لا يخلو من أحد حالين، الأول أنه "باراكلي توس". فيكون بمعنى: المعزي والمعين والوكيل.
والثاني أنه " بيروكلوتوس "، فيكون قريباً من معنى: محمد وأحمد.
ويقول أسقف بني سويف الأنبا أثناسيوس في تفسيره لإنجيل يوحنا " إن لفظ بارقليط إذا حرف نطقه قليلاً يصير "بيركليت"، ومعناه: الحمد أو الشكر، وهو قريب من لفظ أحمد".
ويسأل عبد الوهاب النجار الدكتور كارلو نيلنو – الحاصل على الدكتوراه في آداب اليهود اليونانية القديمة- عن معنى كلمة " بيركلوتس " فيقول: " الذي له حمد كثير".
ويرى عبد الأحد داود أن تفسير الكنيسة للبارقليط بأنه " شخص يدعى للمساعدة أو شفيع أو محام أو وسيط " غير صحيح، فإن كلمة بارقليط اليونانية لا تفيد أياً من هذه المعاني، فالمعزي في اليونانية يدعى (باركالوف أو باريجوريس)، والمحامي تعريب للفظة (سانجرس)، وأما الوسيط أو الشفيع فتستعمل له لفظة " ميديتيا "، وعليه فعزوف الكنيسة عن معنى الحمد إلى أي من هذه المعاني إنما هو نوع من التحريف. يقول الدكتور سميسون في كتاب "الروح القدس أو قوة في الأعالي": "الاسم المعزي ليس ترجمة دقيقة جداً". بل إن أدوين جونس في كتابه " نشأة الديانة المسيحية" يعترف بأن معنى البارقليط: محمد، لكنه يطمس اعترافه بكذبة لا تنطلي على أهل العلم والتحقيق، فيقول بأن المسيحيين أدخلوا هذا الاسم في إنجيل يوحنا جهلاً منهم بعد ظهور الإسلام وتأثرهم بالثقافة الدينية للمسلمين.
ومما يؤكد أن لفظة روح الله دالة على الأنبياء أيضاً، ما جاء في رسالة يوحنا الأولى: "فلا تؤمنوا أيها الأحباء بكل روح من الأرواح، بل امتحنوا الأرواح حتى تعلموا هل هي من عند الله أم لا ؟ لأن كثيرين من الأنبياء الكذبة برزوا إلى هذا العالم " ( يوحنا(1) 4/1-2 )، فالأنبياء الصادقون هم روح الله، والأنبياء الكذبة هم روح الشيطان.
وبين يوحنا كيفية معرفة روح الحق من روح الضلال، فقال: " بهذا تعرفون روح الله: كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله، وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله، وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم أنه يأتي، والآن هو في العالم" (يوحنا (1) 4/2 - 6.(
ورسولنا هو روح الحق بدليل قول يوحنا، لأنه يعترف بالمسيح أنه رسول من عند الله، وأنه جسد، وأنه من الله كما سائر الناس هم من الله أي الله خلقهم.أما تفسير الكنيسة للبارقليط بأنه روح القدس بالمعنى الذي وضعته للأقنوم فهو تفسير خاطيء عقليا لعدة أمور:
أولا أن نصوص العهد القديم صريحة في أن الروح القدس كان موجودا أثناء حياة المسيح والأنبياء قبله يؤيدهم ويؤيد أتباعهم[37]في حين أن النبوءة فيها " إذا لم أذهب فإنه لا يأتيكم "
ثانيا أن النصارى يعتقدون باتحاد أقنومي المسيح وروح القدس فكيف يكونا متحدين ويرسل أحدهما الآخر؟؟
ثالثا قال المسيح عن البارقليط
ثالثا يلزم من يقول هذا أن يخبرنا ما الذي قدمه هذا الأقنوم للعالم خلال الألفي عام الماضية فمكث فيه للأبد وذكرهم بكل ما قاله المسيح ولم يستطع العالم أن يقبله وما هي النبوءات التي أخبر بها مؤلفو العهد الجديد وحدثت بالفعل. [38]
رابعا قول المسيح عن البارقليط كل ما يسمع يتكلم به يدل على أنه يتكلم في حين أن اعتقاد النصارى في الروح القدس أنه يلهم و يدل أيضا على أن كلامه ليس من عند نفسه و لكنه يبلغ ما يسمعه في حين يعتقد النصارى أن الروح القدس إله مساو لله فكيف يكون إلها ولا يتكلم من عند نفسه؟
خامسا قوله قلت لكم قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون يوحي بأن الذي يتحدث عنه المسيح لم يكن موجودا أصلا أثناء الكلام في حين أن الروح القدس كان موجودا و يوحي أيضا بأن هذا الشخص الذي يتحدث عنه المسيح سوف تدعو الناس للإيمان بنفسه و لكن أكثر الناس لن يقبلوه لذا دعا المسيح تلاميذه للإيمان به في حين أن تأثير الروح القدس الذي يدعيه النصارى في إلهام كتبة الأناجيل تأثير خفي لا يستلزم من أحد الإيمان بشيء محدد يترتب عليه ثواب وعقاب ويجعل المسيح يركز عليه بهذه الطريقة .
وبذلك فإننا نرى في البارقليط النبوءة التي ذكرها القرآن الكريم ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ )

إلى الذين تهفو أرواحهم شوقا إلى نور الله .. إلى الذين تساءلت عقولهم كثيرا فلم يجدوا لهم آذانا صاغية ولم يجدوا جوابا شافيا .. إلى كل من اشتاق لأن يعرف الحقيقة ناصعة البياض لا لبس فيها ولا غموض .. ها قد آن الأوان لذلك


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 07:07 PM
يتبــع الموضوع السابق ( 4 )


رسالة إلى العقل والقلب



الإسلام
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما الإسلام كان أول ما قال: ( أن تعبد الله ولا تشرك به) وإذا نظرت في القاموس عن معنى كلمة إسلام ستجد أن معناها الحرفي لها هو الإذعان والانقياد و الاستسلام. ولما كان كل موصوف له من اسمه نصيب فالإسلام إذن يعني أن تُسلم الوجه والقلب والجوارح وجميع أمورك لله رب العالمين فلا تكون عبادتك وقصدك وتوجهك في جميع تصرفاتك إلا إلى إلـه واحد هو الله عز وجل وأن تنقاد بجسدك وقلبك وروحك لأمر الله ونهيه وأن تستسلم لحكمه وتقف عند حدوده هذا باختصار هو الإسلام. (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )
والإيمان بالله على النحو السابق يستلزم عدة أمور منها أن تؤمن أن الله واحد في ذاته لا قسيم له ولا ند له ولا معبود بحق سواه وأن تؤمن بربوبيته سبحانه فلا شريك له أى أنه وحده هو خالق السماوات والأرض من العدم وأنه هو وحده الذي يملك أمور جميع الخلائق من خلق ورزق وإماتة وإحياء قال تعالى (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ . فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ )
و أن الله له الأسماء الحسنى والصفات العلى فلا شبيه له ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )[39] وأنه منزه عن النقص والقصور و عن الزوجة والولد(‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏ ) وأنه لا يشبه أحدا من خلقه فهو فوق خلقه أجمعين محيط بهم بعلمه وسمعه وبصره وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد له السلطان والقهر، والخلق والأمر السماوات مطويات بيمينه، والخلائق مقهورون في قبضته ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ) وهو أول ليس قبله شيء وآخِر ليس بعده شيء فلا يفني ولا يموت ولا تأخذه سِنة ولا نوم و لا يحدث أمر في هذا الكون إلا بقضائه وقدره، وحكمته ومشيئته. فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن لا يخرج عن مشيئته لفتة ناظر، ولا فلتة خاطر بل هو المبدئ المعيد، الفعال لما يريد (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه ولا مهرب لعبد عن معصيته، إلا بتوفيقه ورحمته ولا قوة له على طاعته، إلا بمشيئته وإرادته فلو اجتمع الإنس والجن، والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته ومشيئته، لعجزوا عن ذلك . ( ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ . لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )
لذا فهو وحده المستحق للعبادة –والعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله من أعمال القلوب والجوارح –فلا يستعان إلا به ولا يُتوكل إلا عليه ولا يُخاف إلا منه ولا يرجى إلا إياه هذا هو التوحيد الذي دعا إليه جميع الأنبياء فكان كل منهم يقول لقومه ( اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ ) و الإيمان بالله يستلزم من العبد أن يؤمن بجميع رسله من لدن آدم حتى محمد – صلى الله عليه وسلم –وهو خاتمهم وأفضلهم وبالكتب المنزلة على هذه الرسل مثل التوراة والإنجيل والقرآن وأن تؤمن بملائكة الله و اليوم الآخر ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) حين يجمع الله الناس ثم يحاسبهم و يدخل المؤمنين الجنة -دار كرامته ويعذَب الكافرون في النار. وللإسلام أركان لا يتم إلا بها هي شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
هذا هو الإسلام عقيدة صافية نقية لا تعقيد فيها ولا ألغاز ولا أسرار يستأثر بها البعض دون البعض. دين لا يتعارض مع الفطرة البشرية. دين يجعل مسئولية الإنسان أمام الله وحده ويجعل كل إنسان مسئول عن عمله وحده فلا تزر وازرة وزر أخرى. دين لا يجعل بين الله والإنسان وساطة ولا تباع فيه صكوك غفران ولا يملك أحد - حتى النبي نفسه - أن يغفر لأحد أو يدخله الجنة بل يجعل علاقة الإنسان بربه علاقة مباشرة. دين جعل قلب الإنسان معلقا بربه لا بصورة ولا تمثال ولا قطعة خشب أو حديد على أى شكل كانت. دين لا طبقية فيه ولا أفضلية لأحد دون أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح قال رسول الله لابنته فاطمة : (يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا ) . دين لا يفرق في حدوده بين وزير و غفير قال رسول الله ( وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ). دين يحترم عقل الإنسان ولا يحجر على تفكيره بل دعا إلى التفكير والنظر والتدبر في آيات الله المتلوة والمبثوثة في كونه[40]. دين لا يتعارض مع مستجدات العلم و مطالب الحياة مهما تقدمت بالإنسان العهود. دين وضع أفضل منهج للتعامل مع غرائز الإنسان فلا رهبانية معقدة [41]و لا إباحية منحلة ولكن منهج وسط يعترف بحاجات الإنسان و يوفر له أطهر السبل لإشباعها. دين لم تقم فيه سلطة مقدسة تحكم باسم الإله زاعمة أن حقها في الحكم والتشريع مستمد من قرابتها أو تفويضها من الله ولم تظهر فيه كنيسة تستذل رقاب الناس بوصفها الممثلة لابن الله; المستمدة لسلطانها من سلطان الابن أو سلطان الأقنوم .[42]دين عرّف الإنسان بنفسه ومكانه في هذا الكون وحرره من عبوديته لذاته أو لبشر مثله و أخبره بالغاية من وجوده في هذه الحياة وهي ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون ). جعل الإسلام حياة الإنسان كلها تصب في هذه الغاية فصار لها معنى وصارت كل حركة من حركات الإنسان يبتغي بها وجه الله حتى اللقمة يضعها الرجل في فم زوجته يثاب عليها من الله. الإسلام ليس مجرد شعائر منفصلة عن الحياة تؤدي في دور العبادة ولكنه منهج متكامل للحياة جاء ليتولى قيادة الحياة البشرية وتنظيمها وتوجيهها وصيانتها فما ترك جانبا من جوانب الحياة إلا تناوله بالرعاية والإصلاح. الإسلام لم يغفل غرائز الإنسان أو يتجاهلها ولكنه يعترف بها ويرشّـدها [43]. الإسلام هو الدين الذي أنشأ من ظلمات الجاهلية في غضون مائتي عاما حضارة أذهلت العالم و صارت مؤلفاتها هي المورد العلمي الأول لجامعات أوروبا في حين أن النصرانية احتاجت إلى نحو من ألف وخمسمائة سنة لكي تنشئ ما يمكن أن يدعى حضارة مسيحية!![44]والإسلام هو الدين الذي يقف اليوم في مواجهة جميع أديان العالم التي توحدت ضده مما يدل على أنه هو الحق إذ أن الباطل يتعدد والحق لا يتعدد. و هو الدين الوحيد الذي يضع أنبياء الله في أسمى مكانة و أرفع منزلة و يجعلهم معصومين من الزلل و المعاصي. وهو الدين الذي صلاته هي أجمل الصلوات وأخشعها يقف فيها الغني بجوار الفقير في صفوف منتظمة .. الكل سواسية يناجون ربهم ويسألونه وحده المغفرة بلا غناء ولا موسيقى ولا تصفيق.[45]دين متميز حتى في ندائه للصلاة بالأذان. فالأذان له معنى ويحوى ركائز العقيدة وليس مجرد صلصة أجراس أو ضجيج أبواق. دين جعل نظافة البدن وطهارة الإنسان شعيرة من شعائره التي لا تجد لها مثيلا في غيره. دين لا يحتاج أتباعه لإجراء تغييرات وتعديلات فيه كلما جد عليهم جديد لإن شريعته منزلة من عند الله العليم الحكيم الذي يعلم كل شيء وأثبت التاريخ و التجارب البشرية أنها الوحيدة الصالحة لقيادة ركب الحياة في كل زمان ومكان. وهو الدين الذي نقلت إلينا تصرفات نبيه وأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته كاملة ووجدناها مثالا للخلق الفاضل المستقيم وهو الذي ظل كتابه محفوظا بحفظ الله منذ نزل إلى اليوم فتجد الآية التي تطبع اليوم في أحدث المصاحف هي نفسها التي كانت مكتوبة على الجريد أيام الرسول والآية التي يتلوها المسلم الأمريكي هي نفسها التي يتلوها المسلم الصيني. ( فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ. أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ )[46]
(http://www.islampress.net/55a/firas/admin_firas_section/*******.php?addnews=1#_ftn46)
(http://www.islampress.net/55a/firas/admin_firas_section/*******.php?addnews=1#_ftn46)

(http://www.islampress.net/55a/firas/admin_firas_section/*******.php?addnews=1#_ftn46)
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 07:20 PM
يتبــع الموضوع السابق ( 5 )


رسالة إلى العقل والقلب



المسيح عليه السلام

وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار

يتبوأ المسيح عيسى بن مريم وأمه عليهما السلام مكانة سامية في الإسلام فالمسيح هو كلمة الله و روح منه ألقاها إلى مريم عليهما السلام وهو بشر كما أن الرسل جميعا من البشر وهو رسول من أولي العزم من الرسل [47]و هم أفضل الرسل جميعا وذًكر في القرآن أكثر من 25 مرة وأمه مريم بنت عمران من أفضل نساء العالمين لم تُذكر امرأة باسمها في القرآن غيرها. قال تعالى في سورة آل عمران :
( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ {42} يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ {43} ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ {44} إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {45}‏ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ {46} قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُلَهُ كُن فَيَكُونُ {47} وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {48} )
و قد كانت حياة المسيح مليئة بالمعجزات من لحظة ولادته حتى رفعه إلى السماء فقد كانت ولادته معجزة إلهية جعلها الله آية للعالمين حيث ولد من غير أب و قد وصف الله أحداث ولادته في سورة مريم [48]فقال تعالى :
( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً {16} فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً {17} قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً {18} قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً {19} قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً {20} قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً {21} فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً {22} فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً {23} فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً {24} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً {25}‏ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً {26} فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً {27} يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً {28} فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً {29} قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً {30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً {31} وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً {32} وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً {33} ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ
الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ {34} مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ {35} وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ {36} فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيم )
ثم أمده الله بالمعجزات الدالة على نبوته كما أمد الرسل من قبله بالمعجزات. قال تعالى حاكيا عن عيسى بن مريم: ( وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {49} وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ {50} إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ )
ثم يذكر الله ختام قصة عيسى مع بني إسرائيل عندما كذبوه و كفروا به : ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {52}‏ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ {53} وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ {54} إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {55} فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ {56} وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {57} ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ {58} إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ {59} الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ)
وذلك أن اليهود حاولوا قتل عيسى عليه السلام فنجاه الله منهم وتوفاه بالنوم ثم رفعه إلى السماء الثالثة فهو يحيا فيها حتى ينزل قبل يوم القيامة و أُلقى شبهه على شخص غيره فأخذه اليهود وقتلوه. قال تعالى عنهم( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً . بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيما ) و عندما ينزل عيسى بن مريم في آخر الزمان فإنه سوف يكسر الصليب ولا يقبل إلا الإسلام وتندحر الملل الكافرة و يعم السلام وتكثر البركة وتُرفع الشحناء والضغينة قال صلى الله عليه وسلم " الأنبياء إخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض سبط كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل بين ممصرتين فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويعطل الملل حتى يُهلك الله في زمانه الملل كلها غير الإسلام ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعا والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان والغلمان بالحيات لا يضر بعضهم بعضا فيمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يُتوفى فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه.‏." [49]‏ وقد وردت على لسان نبينا عدة نصوص في فضل المسيح ومريم الصديقة عليهما السلام فقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم (ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه، إلا مريم وابنها ) وقال (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء: إلا مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون ) وقال (رأى عيسى بن مريم رجلاً يسرق فقال له: أسرقت؟ قال: كلا، والذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني ) وقال عن الرجل الذي يؤمن بعيسى قبل أن يسمع عن محمد (ص) (إذا آمن بعيسى، ثم آمن بي فله أجران ) وقال-وهذا الحديث بشرى لكل نصراني- (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) [50]وقد كانت رسالة المسيح عليه السلام متممة لرسالة موسى و مبشرة برسالة محمد باسمه الصريح كما مر بنا – "حتى متى كان تؤمنون" – وكانت لبني إسرائيل فقط و لم تكن هي الرسالة الأخيرة للبشرية لذلك لم يشأ الله أن يظل الإنجيل ولا كلام المسيح محفوظا بكامله للناس.
والآن بعد أن عرفت نظرة الإسلام للمسيح عليه السلام فإني سائلك: ترى لو كان هذا الدين من عند محمد ولم يكن محمد رسولا من عند الله ما الذي دعاه لأن ينظر للمسيح هذه النظرة المعتدلة بعيدا عن غلو النصاري إلى تقديسه وانحراف اليهود إلى عدائه؟ ألم يكن أحرى به لو كان كاذبا أن ينحاز إلى إحدى الطائفتين لكي ينال تأييدها بدلا من أن يواجههما جميعا؟ ما الذي كان يمنعه لو كان كاذبا أن يدعى أن إلهه الذي يعبده هو المسيح –ولم يكن لينكر عليه أحد– فينال بذلك تأييد الدولة الرومانية القوية بالإضافة لنصارى الجزيرة العربية؟ (فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )
والآن لنحاول مناقشة بعض ما يعتقده الناس في المسيح عليه السلام بهدوء بعيدا عن التعصب الأعمى .
لعلك إذا سألت أفراد الأسرة النصرانية الواحدة عن طبيعة المسيح عليه السلام تسمع إجابات شتى فمن قائل هو الله – تعالى الله عما يصفون – و من قائل هو ابن الله والمثقف منهم سيقول لك إن به جزء بشري يسمى ناسوتا و جزء إلهي يسمي لاهوتا !! و هذا انعكاس للغموض الذي يكتنف شخصية المسيح لدى النصارى و للتعقيد الذي أقحمته الكنيسة في مسألة الإله وهي التي من المفترض أن تكون من أبسط أمور العقيدة لدى الإنسان. ويتفق عموم النصارى على أن هذا الإله أو نصف الإله لم يكن بالقوة الكافية حتى نالت منه يد البشر بالتعذيب والإهانة والصلب في حادثة هي أشبه بالتمثيليات الدرامية أو الأساطير البدائية منها إلى الحقيقة الإلهية! ومن العجيب أن يُعتقد أن هذه الجريمة الكبرى من البشر في حق الإله إنما كانت سببا لخلاص البشر و مغفرة خطاياهم وذنوبهم التي هي أقل خطرا بكثير من محاولة قتل الإله نفسه !! و لأن كل من هذه العقائد أصبحت مسلمات راسخة في عقول كثير من الناس غير خاضعة للنقاش ولا التفكير فهذه دعوة لكل باحث عن الحقيقة بصدق لكي يعيد النظر فيما يعتقده و تربى عليه ولم تتح له فرصة للنقاش فيه من قبل.
هب أنك أخطأت في حق والدك خطأ يسيرا و أغضبته وبينما أنت نادم وتحاول أن ترضي أباك إذا بأخيك الأصغر تأخذه عاطفة الأخوة و التضحية فتفتق ذهنه عن فكرة غبية وهي أن يضحي بنفسه من أجلك فيسلم لك نفسه لكي تقتله أمام أبيك و بذلك يتحمل هو الإثم عنك وتنجو أنت من تبعة الذنب ووخز الضمير فهل تقبل أنت أو يقبل أبوك هذا الكلام؟؟ فكيف لو اقترح عليك أخوك أن تقتل والدك نفسه تكفيرا عن خطيئتك؟! بالطبع هذا كلام لا يقبله عقل. ولكن لماذا تقبله في حادثة الصلب المزعومة وترضاه للمسيح عليه السلام ولا ترضاه لأخيك الصغير؟ لعلك تجيب بأن المسيح ما نزل إلى الأرض أصلا إلا لهذه المهمة وهي التضحية بنفسه لكي يغفر الله خطايا البشر! وإني أسألك: الذي يريد أن يضحي بنفسه من أجل إنسان يتحمل عنه الآلام أم يتحمل منه الآلام؟؟! هل خطيئة آدم بأكله من الشجرة تكفرها خطيئة اليهود بمحاولة قتل المسيح؟ و هل ضاقت رحمة الله عز وجل الذي يقبل التوبة عن عباده ووسعت رحمته كل شيء أن يغفر لآدم خطيئته - وهو الذي تاب بعدها واستغفر وأناب[51]-فظل ناقما على البشر كل هذه المدة حتى ينزل بنفسه سبحانه متجسدا في هيئة مخلوق ضعيف كي ترتكب البشرية هذه الجريمة النكراء في حقه ثم تسقط عنها أوزارها مكافأة لها؟ هل من العدل أن يذنب آدم فيُصلب المسيح ؟ ألم يذكر العهد القديم أن النفس التي تخطيء هي تموت وأن كل إنسان مسئول عن عمله وأن الله يقبل توبة التائبين؟[52]هل من العقل أن تزعم أن الله تاب على بولس الذي كان العدو الأول لتلاميذ المسيح وللمؤمنين ولم يتب على آدم الذي خلقه الله بيديه وأسجد له ملائكته إلا بعد أن يعلق المسيح عاريا تماما على رؤوس الأشهاد؟ وإذا كان المسيح قد نزل من أجل ذلك فلماذا جاء في إنجيل متى صراخ المسيح قبل أن يقتل كما يزعمون لما وضع على الصليب « إيلي إيلي، لم شبقتني، أي: إلهي إلهي، لماذا تركتني؟ » متى 27/46 وجاء في يوحنا 11/53 أن المسيح هرب من طالبيه مراراً!! أينزل من أجل ذلك ثم يهرب ويصرخ ويستغيث بالله كي يخلصه بينما ترى كثيرا من المجرمين والقتلة يتقدمون للقتل بقدم ثابتة وجأش رابط أم أنه كان يجهل مهمته على الأرض؟ ولم نذهب بعيدا ونقارن المسيح بالقتلة والمجرمين ألم يأمر الله إبراهيم بذبح ولده فما كان من الولد إلا أن استجاب لأمر الله صابرا محتسبا بدون أن يسأل حتى عن العلة؟ هل من منطقي لو كان المسيح هو الله أن يكون أقل شجاعة من بعض خلقه؟!
وإذا كانت هذه هي مهمة المسيح فلماذا عندما بشر الأنبياء بالمسيح لم يبشروا به على أنه المخلص الذي سوف يخلص البشرية من ذنبها الموروث ولكن بشروا به على أنه نبي صاحب رسالة وفقط بدون ذكر أي شيء عن حادثة الصلب المزعومة- التي كانت ستُعد أهم حادثة في حياة المسيح لو كانت مهمته حقا أن يعلق على الصليب؟ ؟ وكيف نفسر النصوص التي تخبر عن رضا الله عن الشعب أو عن أمة من الأمم إذا كانت البشرية كلها كانت ما زالت موصومة بهذا الذنب القديم ولم يخلصها منه أحد بعد؟ وهل من الرحمة أن تكون مهمة المسيح هي تحمل الآلام والتعذيب عن البشر بقتله على الصليب ثم يكون جزاء من لم يؤمن أن المسيح مات على الصليب وظل يعبد الله كما كان يعبده إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى من قبل المسيح هو العذاب في النار؟ لو كان ذلك كذلك لكانت حادثة الصلب نقمة على البشر وليست رحمة لهم إلا إذا كانت حادثة الصلب هذه قد افتدت جميع الناس من النار و سيدخل المؤمن والكافر الجنة في النهاية !!
؟ وإذا كان الصلب قد حط عن البشر خطاياهم فما فائدة تعاليم المسيح والرسل من قبله إذا كان تكفير خطايا البشر مضمون و أكيد لهذه الدرجة ؟ ولماذا قال المسيح إن كل كلمة باطلة يتكلم بها الناس، سوف يؤدون عنها الحساب في يوم الدينونة. فإنك بكلامك تبرر، وبكلامك تدان؟[53] وما الذي سيمنع الإنسان أن يرتكب أكبر الفواحش وأعظم المنكرات إذا علم أن الخلاص مضمون؟ ولماذا الحاجة إلى التعميد الذي تفعله الكنيسة بكل مولود إذا كانت حادثة الصلب المزعومة هذه قد غفرت للإنسان خطيئته [54]؟ وإذا كان كل مولود يرث نصيبا من هذه خطيئة أبيه آدم فهل ورثت مريم وابنها عليهما السلام أيضا هذه الخطيئة من أبيهما آدم عليه السلام ؟ وماذا عن ظلم البشر بعضهم لبعض هل يتحملها الصليب أيضا فلا قصاص بينهم ولا عدل أم أن هذه خارج الموضوع؟ وماذا عن الذنوب التي ارتكبتها البشرية بعد المسيح إلى اليوم من يكفرها؟ أم تراها تحتاج لمسيح جديد لكي يقتله أحد الأشقياء فتسقط عن البشر بقية خطاياهم؟ إننا نفهم أن الذي يضحي بشيء فإنه يضحي به من أجل شخص آخر أو لاسترضاء من هو أعلى منه وأقدر كما ذبح إبراهيم الكبش فداءً لإسماعيل وتقربا إلى الله بذلك فإذا كان الله نفسه هو الذي ضحى بولده –تعالى الله عما يصفون- فمن أجل من يا ترى فعل ذلك وليس في الكون من هو أعظم منه؟ ( قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ؟ إن من يقرأ الروايات المختلفة لحادثة الصلب في الأناجيل سيجد بينها تناقضات لا يمكن الجمع بينها فمثلا من يقارن تفاصيل المحاكمة والصلب والقيامة واكتشاف قبره ومن رآه عند قيامته وماذا قال على الصليب ومن حمل الصليب وغير ذلك في الروايات المختلفة سيجد اختلافات واضحة تدل على أن القصة واهية من أساسها أو أن كتابها اعتمدوا على الإشاعات والأساطير وليست وحيا من الله [55]! إنه لا يكاد أحد يتصور أن المسيح الذي كان يصوم ويتحمل الصبر عن المأكل والمشرب ويقضي الأسابيع لا ينال فتات العيش هو الذي كان على خشبة الصليب يستغيث بأعدائه و يطلب منهم أن يسقوه إذ تملكه الظمأ وهو الذي طالما كان يقول (أن لي خبزا لستم تعرفونه)[56]حتى بطرس رئيس الحواريين كان يقسم على أنه لا يعرف الرجل الذي على الصليب( متى 72:26).
لقد جعلت حادثة الصلب المزعومة هذه من المسيح عليه السلام شخصية أسطورية مخلصة بدلا من شخصية النبي المعلم الذي يرشد الناس إلى الهدى والنور. شخصية يلجأ إليها الناس في السراء والضراء بعد أن كانوا يلجئون إلى الله. حادثة الصلب جعلت عبادة الإنسان مركزة حول المسيح عليه السلام بعد أن كانت لله وحده. ولكي لا يصير المسيح ندا لله في هذا الدين الجديد تم اختلاق الكذبة الثانية التي هي أكبر من أختها بادعاء أن المسيح هو الله نفسه –سبحانه وتعالى عما يصفون. ولخطورة هذه المسألة فسنناقشها أيضا بشيء من التفصيل.
أولا هل يليق برب السماوات والأرض ومن فيهن أن يتجسد في صورة طفل رضيع يخرج من فرج امرأة ضعيفة ثم يمر بمراحل نمو الإنسان المختلفة يأكل الطعام ويخرج الفضلات حتى إذا اكتمل نموه وصار رجلا ناضجا لقي من البشر صنوف الإهانة والتعذيب ألوانا؟ هل كان هذا المخلوق الضعيف الذي يلتقم ثدي أمه هو كان يدبر أمور جميع الكائنات في الوقت الذي لا يستطيع هو أن يدبر أمر طعامه وشرابه؟ [57]أم أنه كان يمسك السماوات والأرض أن تزولا وهو في بطن أمه؟ ألا ترى أنه من المخجل أن نساوي الله بالبشر؟ هل يمكن للإلـه العظيم أن يحل في جسد ضعيف له بداية ونهاية؟ وأين هو هذا الجسد- جسد المسيح - الآن؟ هل فني الجسد وهلك بمجرد صعود المسيح للسماء أم أن هذا الجسد الذي يحتاج للطعام خالد وليست له نهاية؟ وإذا كان الجسد تعرض للفناء فهل يفنى الإله أو تفنى صفة من صفات الإلـه؟؟ وهل كلام السيد المسيح الذي في الإنجيل يوحي بأنه كلام إله قادر قهار يخاطب عبيده أم كلام معلم رفيق يخاطب تلاميذه؟ ولماذا لم يأمر المسيح تلاميذه بالسجود له صراحة إن كان هو الإله فهذا على الأقل أفضل من السجود لصوره وتماثيله داخل الكنيسة؟! [58]لماذا لم يخبر صراحة أنه هو الإله - إن كان كذلك – فيحسم القضية ويقطع الشك؟ هل من العدل لو كان المسيح هو الله أن يترك أهم قضية في هذا الكون يكتنفها الغموض وتحيط بها الشبهات ويتركها عرضة لآراء الرجال و أهواء الملوك في المجامع؟ لماذا لم يخلف لنا في العهد الجديد نصا واضحا صريحا على لسانه يخبر فيه أنه هو الإله فيريح الملايين من ظلمات الشك؟
وماذا عن الحواريين : هل كانوا يعاملون المسيح على أنه إله يمشي على الأرض أم نبي إنسان ومعلم متواضع ولذا سموا تلاميذ؟[59]هل يمكن أن يكون للإله تلاميذ؟؟ ولو كانوا يعبدون المسيح فكيف أمكنهم أن يبقوا داخل هيكل اليهود بعد رفعه حوالي ثلاثة عقود يعبدونه يوميا وسط اليهود الذين يعبدون الله ؟[60] انظر إلى بطرس في (أعمال 22:2) يقول : " أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال. يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضا تعلمون" . فهل عرفت أنت عن المسيح ما لم يعرفه الحواريون ؟ ايكون المسيح إلـها ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه أذى حفنة من اليهود؟ أتقبل أن تعبد إلها ضعيفا؟ أيكون المسيح هو الله ثم يأتي إلى عبد من عبيده لكي يعتمد منه ويكمل نفسه؟ ألم يذكر العهد الجديد أن المسيح جاء إلى يحيى-يوحنا المعمدان- لكي يعتمد منه؟ إن المسيح لو كان هو الله لسجد له يحيى حالا فهل كان يحيى يجهل ربه؟ [61]وإذا كان المسيح هو الله فهل يمكن أن يموت الإله؟ إن نصوص العهد القديم تنفي ذلك يكل صراحة انظر مثلا في إرمياء 10:10 : (أما الرب فهو الإله الحق، الإله الحي) وفي حزقيال (3:18) : حي أنا يقول الرب. وفي دانيال 26:6 "هو الإله الحي القيوم إلى الأبد"
ومن الذي كان يخاطبه المسيح في الأناجيل بلفظ أبي وإلهي إن كان هو الأب والإله أم أنه كان يخاطب نفسه؟ انظر قول المسيح عليه السلام : (وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ، ويسوع الذي أرسلته) يوحنا 17 : 3. وقوله :« إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم » يوحنا 20:18وقوله عن نفسه: "أنا لا اقدر أن أفعل من نفسي شيئاً " (يوحنا 5/30) لذا عجز أن يعد ابني زبدي بالملكوت (متى 20/23)، ولما سماه أحدهم صالحاً قال: "لم تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد، وهو الله" (لوقا 18/18-20). وأخبر في مرقص32:13 أنه لا يعلم وقت يوم القيامة ولكن الله هو الذي يعلمها فهل يكون المسيح هو الله ويجهل ما يعلمه الله؟ أم أن العلم والإرادة والصلاح صفات للجسد وليست صفات للروح؟ ومن الذي كان يصلي له المسيح إن كان هو الإلـه ؟! ألم يذكر العهد الجديد أن المسيح كان يعبد الله؟ أكان المسيح يعبد نفسه؟ و هل استعمال المسيح لمصطلح ابن الإنسان عن نفسه تكرارا ومرارا في الإنجيل (ذكرت 81 مرة ) إلا تأكيدا لبشريته وبراءته مما سينسبه الناس إليه؟ بل إن المسيح قال عن نفسه صراحة أنه نبي إنسان ففي يوحنا (8/40) قال ( أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله ) وفي لوقا 4/25 قال «الحق أقول لكم: ما من نبي يقبل في بلدته. » فهل بعد شهادة المسيح لنفسه شهادة أخرى؟ وفي لوقا 7/17 قال الناس أمامه بعد أن أحيا ميتا[62]بإذن الله «قد قام فينا نبي عظيم وتفقد الله شعبه !» وفي متى (8:9 ) بعد أن رأى الجموع معجزاته "تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا" فهل يا ترى كان الجموع يمجدون المسيح أم رب المسيح؟ وإذا كان المسيح إلها فماذا عن أم المسيح عليه السلام هل هي الأخرى إلهة أم ماذا؟ وهل يمكن للمخلوق أن يلد الخالق[63]
وأما إن كنت تعتقد أن الله تعالي عن أن يشابه خلقه أو أن يقتل على أيديهم وأنه كان وما زال في السماء فوق جميع خلقه و لا يخرج أحد منهم عن قبضته لكن له ولد هو المسيح أرسله إلي الأرض لهذه الغاية وهو أن يتعذب بأيدي البشر من أجل البشر فقل لي بربك من أين علمت أن لله ولد؟؟ أمن الكتاب المقدس؟ فإن الكتاب المقدس يعتبر البشر جميعا أبناء الله بمعنى أن الله هو الذي يطعمهم ويرزقهم لا أبنائه على الحقيقة[64]كما أطلق على أنبياء آخرين هذا الوصف[65]. ( قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ . سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) ثم ما حاجة الله لكي يتخذ ولدا و هو الغني عن خلقه أجمعين؟ (َقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) وهل هذا الولد كانت حياته سرمدية مثل حياة الله عز وجل أم أنه حادث على هذا الكون؟ فإن كان حادثا فهو مخلوق مثله كبقية مخلوقات الله عز وجل وإلا فكيف يكون مولودا وسرمديا في نفس الوقت؟ ( لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) وهل مشيئة هذا الولد تابعة لمشيئة الرب أم أن له إرادة مستقلة؟ وهل الإنسان مأمور بعبادة الرب وحده أم الرب وما تنسب له من ولد؟ هل تستقيم الحياة إذا عبد الإنسان أكثر من إله؟ ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) ثم هل ضاقت السبل على رب الأرض والسماوات فلم يجد وسيلة لتكفير خطيئة آدم إلا التضحية بولده-بفرض وجود الولد؟ و كيف تنزه الرهبان والقساوسة عن اتخاذ الولد وتنسب ذلك لله رب العالمين؟ ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
أما قضية التثليث وهي اعتقاد أن الله إلـه واحد مكون من ثلاثة أقانيم مختلفة فهي ثالثة الأثافي و اللغز المحير والمعضلة الكبرى التي ورثها رجال الكنيسة عن أسلافهم على علاتها وذلك أن آباء الكنيسة الأُوَل لم يكتفوا بنسبة الولد لرب العالمين لكنهم أضافوا لله شريكا ثالثا هو روح القدس وجعلوا الثلاثة واحدا والواحد ثلاثة. ويبدو أن الوقت لم يسعف النصارى الأوائل لكي يضعوا تفسيرا مقنعا لهذا فقد شغلتهم الاختلافات الكثيرة وعقد المجامع الكنسية و تكفير بعضهم بعضا واختيار الأناجيل لذا فإن علماء النصارى المعاصرين أنفسهم يعترفون بصعوبة فهم حقيقة التثليث فيقول أحدهم : إن الثالوث سر يصعب إدراكه وإن من يحاول إدراك سر الثالوث كمن يحاول وضع مياه المحيط كله في كفه[66]ويقول القمص باسيليوس إسحق: " أجل إن هذا التعليم عن التثليث يفوق إدراكنا " [67] فهل يعقل أن تكون الحقيقة الكبرى في هذا الكون بهذا القدر من التعقيد؟ وأين ذكر التثليث في العهد القديم [68]الذي تنضح نصوصه بالتوحيد؟ هل يمكن أن يكون التثليث حقيقة ولا يأتي له ذكر على لسان أى نبي من الأنبياء في الكتاب المقدس بل ولم يعلمها المسيح لتلاميذه و لم يسمع بها أحد منهم في حين لا تكاد تخلو سورة في القرآن من التوحيد؟ (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ َيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ) فالجملة اليتيمة التي تثبت التثليث في يوحنا (1) ستعرف في آخر الرسالة أنها مدرجة ولم تكن في النسخ القديمة. ولكن على العكس هناك نصوص تفند هذا الإدعاء انظر مثلا قول المسيح عليه السلام : ( اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد ) مرقص 12 : 29 ألا ترى أن هذه الجملة تعني لا إله إلا الله؟ ولو كان ما يدعيه النصارى صحيحا لقال المسيح "اسمع يا إسرائيل أنا إلهك رب واحد وثلاثة أقانيم" وإلا لكان المسيح غير أمينا. [69]وأيضا هناك قول المسيح أيضا : (وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ، ويسوع الذي أرسلته) يوحنا 17 : 3.دليل آخر على التوحيد فهل هذه الجملة الصريحة يفهم منها عاقل أن الله مكون من ثلاثة أقانيم؟ ولا عجب ألا نجد في الكتاب المقدس ذكرا لثالوث ولا سادوس فإن أمر الروح القدس نفسه ظل مشكلا على القوم ثمانية قرون إلى عام 879 م حتى عقدوا المجمع الكنسي الثامن ليبحثوا أمره. وما روح القدس إلا ملك من الملائكة- وهو جبريل عليه السلام - أرسله الله بالوحي للأنبياء والرسل ويؤيد الله به المؤمنين، ونصوص العهد القديم والجديد شاهدة في أن روح القدس حل في كثير من الأنبياء ، وفي الحواريين وفي غيرهم ، و يأتي روح القدس بمعنى القوة والنصر والتأييد ولم يرد على لسان أى نبي أن الروح القدس إله مع الله (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً . لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً . فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ) وأما المسيح فقد خلقه الله من أم بدون أب كما خلق حواء من أب بدون أم ونفخ فيه من روحه كما نفخ في آدم من روحه وأحيا له الموتى كما أحيا الموتى لأنبياء عديدين من قبل فهل نقول على آدم وحواء وهؤلاء الأنبياء أنهم أقانيم أيضا؟ ألا ترى أنه لو كان المسيح وروح القدس إلهين من دون الله لكان ممكنا أن يريد كل واحد منهم شيء غير الآخر؟ فمن الذي تنفذ إرادته في هذه الحالة؟ أم أن كلا منهما إلـه ناقص الألوهية؟ ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) وإذا كان الثلاثة هم واحد فكيف يموت أحدهم على الصليب ويبقى اثنان لم يموتا؟! المفروض إن كان الثلاثة واحد والواحد ثلاثة أن يموتوا جميعا أو يحيوا جميعا. ولكن لما كان الله لا يموت كان يستلزم ذلك أنه لو كان هناك 3 أقانيم أن يموت أحدهم فقط دون الآخرين وهذا يعني أن الثلاثة أقانيم منفصلة وغير متحدة وهذا ينافي عقيدة التوحيد التي جاء بها الأنبياء جميعا. فكما ترى إن عقيدة الثالثوث والصلب لا تنسجمان معا بصورة منطقية ولا يمكن أن تكون هي الحق.
إن عقلاء الغرب بدأوا يدركون هذه الخدعة الكبرى فقد ظهر عام 1977 كتاب اسمه "أسطورة تجسيد الإله" The Myth of God Incarnateكتبه سبعة من كبار رجال اللاهوت البريطانيين بما فيهم رئيس لجنة مذهب كنيسة إنجلترا يعلنون فيه إنكار ألوهية المسيح ويقرون ببشريته فقط.[70]وقد أدلت مجلة تايم (27 فبراير 1978) بحثا هاما اشتغلت به دوائر جامعات وكنائس العالم الغربي وهو ظاهرة الدعوة إلى بشرية المسيح والمعارضة لألوهيته جاء فيه: إن موجة الرفض لفكرة ألوهية المسيح أو ازدواج طبيعته تزداد قوة وانتشارا في أوساط المفكرين اللاهوتيين سواء في الجامعات أو في الكنائس الغربية وهؤلاء الرافضون يعلقون أنه لا يوجد في الإنجيل ولم يثبت عن المسيح القول بألوهيته ويؤكدون أنه عليه السلام بشر عادي. [71]وفي سنة 1993 ألقي البابا يوحنا بولس الثاني خطابه الرسولي وأشار فيه إلى الانفصال المتزايد بين الكنيسة والرأي العام النصراني وذلك لعدم تصديق النصارى للعقيدة النصرانية الحالية كما طالب النصارى بعدم مناقشة العقيدة النصرانية والتسليم الأعمى بها. فهل يمكن أن يكلف الله البشر بالإيمان بعقيدة هذا شأنها؟؟



يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 07:26 PM
يتبــع الموضوع السابق ( 6 )

رسالة إلى العقل والقلب




في البدء كانت الكذبة
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ
إذا نظرنا في تاريخ النصرانية لنعرف كيف تسربت هذه الوثنية إليها سنرى أن أتباع المسيح عليه السلام بعد رفعه إلى السماء ظلوا يعبدون الله الواحد الأحد في الهيكل تنفيذا لتعاليم المسيح عليه السلام : [ إلى طريق أمم لاتمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بني إسرائيل الضالة ] متى 10 / 5، 6 ولكنهم مع اضطهاد اليهود لهم حتى لا ينازعوهم السلطة الدينية داخل الهيكل تحولوا إلى عبادة الله في البيوت الواسعة وكان الذي يقود عمليات الاضطهاد ضد أتباع المسيح رجل يهودي اسمه شاؤول من طائفة الفريسيين أشد الطوائف اليهودية بغضا للمسيح ولكن ظل للحواريين كيانا منظما و ظلوا متمسكين بتعاليم المسيح بألا يمضوا إلى طريق الأمم وظلت دعوتهم مستمرة ثم حدث أمر غريب فقد تحول شاول فجأة من عدو لدود ظالم إلى رسول قديس يوحى إليه !! بدون مقدمات دخل شاؤول النصرانية ذاكرا أنه رأى نورا غامرا سمع منه صوتا إلهيا أعطاه إنجيلا إلهيا بدون أن يذكر أى شهود على هذه الحادثة !! وانتقل شاؤول فجأة من كـرسي الجلاد إلى كـرسي المحامي ثم أطلق على نفسه اسم بولس ثم أصبح بعدها أهم شخصية في تاريخ المسيحية باعتراف المؤرخين للآثار والتغييرات الكبيرة التي حدثت بسببه حتى إن المسيحية تسمى باسمه أحيانا فيقال مسيحية بولس. [72]ثم أخذ بولس يدعو الناس إلى ما كان غائبا عن تلاميذ المسيح وما كان غائبا عن المسيح نفسه طوال حياته على الأرض من أمور مثل تجسيد الإله وألوهية المسيح ونظرية المخلص وعقيدة الفداء والصلب والخطيئة الأصلية والتي كانت عند الأمم الوثنية التي أراد بولس أن تنتشر فيها دعوته مع اختلاف الأسماء.[73]

وهنا يحق لنا أن نسأل عدة أسئلة إذا كان بولس رسولا له كل هذه الأهمية فلماذا لم يبشر المسيح تلاميذه بنبوته؟؟ إن ذلك لم يحدث بدليل ما جاء في أعمال الرسل : و لما جاء شاؤول بولس إلى أورشاليم حاول أن يلتصـق بالتلاميـذ وكان الجـميع يخافـونه غـير مصـدقـين أنه تلميـذ[74]!! ولماذا لم يختره المسيح ليكون من تلاميذه و يتلقى عنه مباشرة قبل أن يرفع إلى السماء؟ولنا أن نسأل أيضا كيف ينتقل رجل فجأة من الكفر المحض إلى النبوة والرسالة بدون أن يمر بأى مرحلة وسيطة ولم يكن أى من الأنبياء السابقين كافرا قط فضلا عن أن يكون عدوا لدودا للدعوة؟ ولماذا لا نجد أى نص في كتاب سماوي يدل أو يشير إليه أو يصفه، فرسائله تعد شهادة منه لنفسه فهي غير مقبولة، وكذلك ما كتب بتأثير منه؟ ولماذا لم يؤيده الله بمعجزة كما أيد موسى عليه السلام حين كلمه وكما أيد جميع الأنبياء ؟ وما فائدة رسالته بعد رفع المسيح مباشرة إلا إن كان المسيح لم يبلغ رسالة ربه على الوجه الـأكمل حاشاه من ذلك؟ وكيف عرف بولس فجأة بعد أن سمع الصوت أن الذي يخاطبه هو صوت الرب وليس شيطانا؟ و لماذا لم يذهب بولس بعد تنصره مباشرة إلى التلاميذ ليتلقى عنهم دين المسيح بل ذهب إلى الجزيرة العربية [75]ومكث بعيداً عن التلاميذ ثلاث سنين، ثم لقي اثنين منهم فقط لمدة خمسة عشر يوماً (انظر غلاطية 1/18- 19)
و لو كانت هذه التغييرات التي أحدثها بولس وحيا من عند الله ألم يكن أولى أن ينال هذا الشرف أحد تلاميذ المسيح الذين آمنوا به في حياته وصحبوه و نالهم الاضطهاد في سبيل دينه من هذا الذي كان يحارب دعوة المسيح؟ بل ألم يكن أولى أن يخبر بها المسيح صراحة ولا يدعها لشخصية يكتنفها الريبة والغموض؟و لماذا لم يذكر بولس اسم شاهد واحد على الأقل على قصة الرؤية هذه؟ ألم يقر المسيح بأن شهادته هو لنفسه وحدها لا تكفي وإنما يلزم شهادة أخرى معه كما نصت على ذلك التوراة؟ [76]فهل بولس أفضل أم المسيح؟؟ ؟ و ماذا عن الاختلافات في قصة رؤية بولس المزعومة بين الروايات المختلفة التي تضحض هذه الواقعة؟ [77]
إن للرسل علامات من أظهرها أن يكونوا في الدرجة القصوى من حسن الخلق و السجايا الكريمة فهل تحقق هذا في بولس؟ إذا نظرت في نصوص العهد الجديد ستجد له مواقف تطفح غرورا ونفاقا وكذبا في سبيل تحقيق أهدافه فتجده يقول:"صرت لليهود كيهودي…وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس…و للذين بلا ناموس كأني بلا ناموس…صرت للكل كل شيء" (كورنثوس(1)9/20-21. فهو يريد أن ينشر دين الله بالكذب والطرق الملتوية وانظر إليه عندما خاف من الجند قال لهم: "أيجوز لكم أن تجلدوا إنساناً رومانياً"فذهب القائد بنفسه إلى بولس وسأله: "أأنت حقا روماني؟" فأجاب: "نعم!" فقال القائد: "أنا دفعت مبلغا كبيرا من المال لأحصل على الجنسية الرومانية". فقال بولس: "وأنا حاصل عليها بالولادة!»أعمال22/25-28فانظر إلى هذا الكذب البواح مع أنه يهودي فريسي ابن فريسي كما في ( أعمال 6:23 ) وهو يسيء الأدب مع الله قائلا بلا ذوق " لأن جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس" (كورنثوس(1)1/25) ويقول عن التوراة (لو كان العهد السابق بلا عيب، لما ظهرت الحاجة إلى عهد آخر يحل محله) عبرانيين (8/7) ويقول مستحلاً المحرمات: " كل الأشياء تحل لي" (كورنثوس(1)6/12) [78]بالإضافة لإنه جعل نفسه حواريا بل قديسا معصوما فوق الأنبياء جميعا يدين العالم كله بما فيهم الملائكة الذين جعل المسيح دونهم بقليل [79]انظر عبرانيين 9/2 و كورنثوس(1)6/2-3
ولم يكتف بولس بذلك ولكنه ملأ العهد الجديد بأرائه المحضة ثم جعلها وحيا مقدسا من عند الله فتراه يقول (إِذاً من زُوِّج فحسنا يفعل ومن لا يُزَوج يفعل أحسن) ( كورنثوس (1) 7/39 ) فهل هذا يتفق مع فطرة الله التي فطر الناس عليها ؟ وماذا يحدث لو طبق جميع الناس هذه النصيحة الغبية؟ حتى رسائله الشخصية البحتة التي لا تعني أى شيء بالنسبة للناس جعلها وحيا أيضا من عند الله فيقول في رسالته إلى تيموثاوس " سلم على برسكا وأكيلا، وعائلة أونيسيفورس. أراستس مازال في مدينة كورنثوس. أما تروفيموس، فقد تركته في ميليتس مريضا. اجتهد أن تجيء إلي قبل حلول الشتاء.يسلم عليك إيوبولس، وبوديس، ولينوس، وكلوديا، والإخوة جميعا). فما علاقة هذه السلامات والتحيات بوحي الله للعالمين؟ و هو لا ينسى ردائه أيضا في هذه الرسالة فيقول )وعندما تجيء، أحضر معك ردائي الذي تركته عند كاربس في ترواس، وكذلك كتبي، وبخاصة الرقوق المخطوطة.!!) فهل هذا كلام مقدس؟
إن المسيح عليه السلام قد بشر ببولس رسولا للشيطان لا رسولا للرحمن فقال : "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل فإني الحق أقول لكم : إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد من الناموس حتى يكون الكل، فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى: أصغر في ملكوت السماوات" (متى 5/17-19)، و بولس معناها "الصغير") و هو الذي نقض وصايا المسيح ووصايا موسى عليهما السلام التي قال عنها المسيح " إ ن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا ". متى [ 19 : 16 ] وقال أيضا " « على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون.)) متى [ 23 : 1 ] فقد أحل بولس شرب الخمر ودعا إليها صراحة وأحل أكل لحم الخنزير وحلل ذبيحة الصنم وأبطل مفهوم النجاسة و حرم الختان –مع أن المسيح قد اختتن[80]- وألغى تقديس يوم السبت وقال عن الشريعة التي كان المسيح من أشد الناس تمسكا بها أنها (لم توصل الذين كانوا يعبدون الله بحسبها ولو إلى أدنى درجات الكمال)[81] ثم وصل به الحال إلى أن ألغى الشريعة معللا ذلك بكل وقاحة بأن الشريعة تجلب الغضب ، وحيث لا تكون شريعة لا تكون معصية [ رومية 4 : 15 ] وقال "لذا نحن - أي بولس- نقرر تبرير أعمال الإنسان من خلال إيمانه ، بدون التزامه بالشريعة " [82][ رومية 3 : 28 ] فجعل بولس فصلا تاما بين الإيمان والعمل وجعل المطلوب من الشخص فقط كي ينجو أن يؤمن أن المسيح مات على الصليب كفارة لأخطاء البشرية ثم لا عليه بعد ذلك أن يفعل ما يريد طالما آمن بالمخلص فالنجاة ستأتيه أوتوماتيكيا !! حتى أنه أخبر أن الكافر الذي لا يؤمن بالمسيح قد يدخل الجنة إذا كان متزوجا من امرأة مؤمنة (كورنثيوس1 8:7-16)[83]
ولا يخفى ما لهذا الاعتقاد من أثر في التسبب في الانحلال الخلقي و الفوضى الاجتماعية. و على عكس ذلك قال يعقوب تلميذ المسيح في رسالته : " قائلاً : (ياإخوتي، هل ينفع أحدا أن يدعي أنه مؤمن، وليس له أعمال تثبت ذلك، هل يقدر إيمان مثل هذا أن يخلصه؟ ) [14:2] و قوله " وهذا يؤكد لك، أيها الإنسان الغبي، أن الإيمان الذي لا تنتج عنه أعمال هو إيمان ميت " [2: 20]
و قد دعي بولس في الدنيا بالصغير، ولسوف يدعى في الآخرة أصغر جزاء تبديله للناموس والوصايا
غير أن أخطر الشروخ التي أصابت جدار المسيحية على يد بولس على الإطلاق هي الوثنية المتمثلة في عقائد تجسيد الإله و صلبه وأكل لحمه ودمه في العشاء الرباني وغير ذلك مما نبت من أفكاره الفلسفية[84]أو معتقدات الشعوب الأخرى التي أراد للمسيحية أن تنتشر فيها. يقول شارل جنيبر" إن الدراسة المفـصلة لرسائل بولس الكبرى تـكشف لنا النـقاب عن مزيج من الأفكار فـيبدو لأول وهـلة غريبًا حـقـًا فهي مزيج من الأفكار اليـهودية ثم من المفاهـيم المنـتشرة في الأوساط الوثنـية اليونانية ومن الذكريات الإنجـيلية والأساطير الشرقية" [85]

ويبدو أن هم بولس الأول الذي استطاع تحويل المسيحية من دعوى قومية إلى بني إسرائيل كما كانت في عهد المسيح إلى دعوة عالمية كان الاستكثار من الأتباع و المؤمنين الجدد من أبناء الأمم المجاورة لذا صاغ لهم من معتقداتهم القديمة دينه الجديد الذي لا يمت للمسيح بصلة إلا اسمه ويدل على ذلك التشابه الشديد بين عقائد النصارى الحالية والعقائد الوثنية القديمة. [86]فكما أن الآلهة عند الرومان تتجسد على شكل مخلوقات وتصارع البشر جعل بولس إلهه الجديد كذلك وكما أن البشرية في نظر الحضارات القديمة تحتاج إلى منقذ يخلصها من اللعنة جعل بولس ذلك في دينه الجديد ومن أمثلة ذلك ديانة (مثرا) الذي كانوا يسمونه في أوروبا (مثرا إله الخلاص ) والمثراوية تحوي المعمودية والعشاء الرباني[87]أيضا حتى أن بعض الباحثين أعلن في وضوح أن النصرانية هي المثراوية في ثوبها الجديد ولهذا قيل«لم تتنصر الروم ولكن تروَّمت النصارى». يقـول د. جـنيبر : [ ورأى بولس بوضوح أيضـًا أن الأتباع الجـدد من المشركـين لم يكـونوا ليتقـبلوا كل القـبول ( فـضيحـة الصليب ) وأنه يجـب تفـسير ميتـة عـيسى المشيـنة تفـسيرًا مرضيـًا يجـعـل منها واقـعـة ذات مغـزى ديني عـميق.. وأعـمل بولس فكـره في هـذه المشكلة.. ووضـع لها حلاً كان له صـدى بالغ المـدى.. لقـد تجـاهل فكـره عـيسى الناصري ( المسيح عـليه السلام ) ولم يتجـه إلا إلى عـيسى المصلوب ( الشخـصية التي اخـترعـها بولس ) فـتصوره شخـصية إلهـية تسـبق العـالم نفـسه في الوجـود.. رجـل سماوي احـتفـظ به الله إلى جانبه أمـدًا طويـلاً حتى نزل إلى الأرض لينـشيء فـيها حـقـًا بشـريـًا جـديدة يكـون هو دمها..][88]

فإذا نظرنا إلى موقف تلاميذ المسيح من بولس فبرغم من أن بعضهم تقبله في البداية عملا بحسن الظن الذي علمهم إياه المسيح إلا أنهم عارضوا دعوته ووقفوا في وجهها بعد أن ظهرت لهم بدعه المهلكة ودليل ذلك اختفاء ذكرهم عن عالم المسيحية بعد ظهور بولس، فقد اختفت كتاباتهم وحوربت، ولم ينج منها إلا إنجيل برنابا ورسالة يعقوب المضمنة في رسائل العهد الجديد والتي تمتلئ بمخالفة بولس وخاصة في مسألة الفداء.حتى برنابا وهو الوحيد الذي قدم بولس إلى التلاميذ نفر منه بعد ذلك واختلف معه وتركه واختفى ذكره من العهد الجديد بعد هذه الحادثة و لو كان بولس رسولا من عند الله حقا لما تركه تلميذ المسيح عليه السلام[89].
وقد ظل المؤمنون من أتباع التلاميذ الذين كانت لهم رسائلهم وكتبهم أيضا يعبدون الله على شريعة المسيح بدون أن يتأثروا ببدع بولس وحارب الكثير منهم دعوة بولس واتهموه بأنه أفسد الديانة المسيحية بعد أن عجز عن القضاء عليها بالسيف والسلطان فدخل في المسيحية وأخرجها من التوحيد إلى الوثنية. حتى بدأ تدخل السلطة وانعقاد المجامع الكنسية. وفي ذلك يقول الشاعر القروي السوري رشيد سليم الخوري -المولود في أسرة أرثوذكسية : " إن الكنيسة ظلت حتى مطلع القرن الرابع الميلادي تعبد الله على أنه الواحد الأحد وأن يسوع المسيح عبده ورسوله حتى تنصر قسطنطين عاهل الروم وتبعه خلق كثير من رعاياه اليونان والرومان فأدخلوا بدعة التثليث وجعلوا لله سبحانه وتعالى أندادا شاركوه منذ الأزل في خلق السماوات والأرض وتدبير الأكوان ومالأهم الأسقف الأنطاكي مكاريوس فثار زميله الأسقف أريوس على هذه البدعة ثورة عنيفة شطرت الكنيسة واتسع بين الطائفتين نطاق الجدل حتى أدى إلى الاقتتال وفاز أريوس بالحجة القاطعة في المجامع بيد أن السلطة وضعت ثقلها في الميزان فأسكتت صوت الحق وأنفذت صوت الباطل واستمر المسيحيون يعمهون في ضلالتهم "
و قضية المجامع هذه أمرها عجيب. فإزاء تعدد مذاهب النصارى في المسيح عليه السلام وتعدد أناجيلهم كذلك التي بلغت أكثر من خمسين إنجيلا كما تذكر بعض الروايات تم عقد المجامع الكنسية وأولها مجمع نقية عام 325 م الذي اجتمع فيه أكثر من ألف أسقف لكي يحددوا طبيعة المسيح عليه السلام ويختاروا الأناجيل المعترف بها من ضمن عشرات الأناجيل وبرغم أن 338 أسقفا فقط هم من قالوا بألوهية المسيح إلا أن الإمبراطور الروماني قسطنطين انحاز إلى هذا الرأي –وهو الأقرب إلى وثنيته- وانفض المجمع على لعن أريوس الذي يقول بالتوحيد ونفيه وطرد من قال برأيه وحرق كتبه واختيار أربعة أناجيل فقط هي أناجيل يوحنا ولوقا ومتى ومرقص التي كانت تعزز عقيدة ألوهية المسيح وحرق بقية الأناجيل وقتل كل من يثبت اقتناؤه لها وأما الرسائل السبع فلم يعترف المجمع المذكور بالكثير منها ، وإنما تم الاعتراف بها فيما بعد وهذا القدر من التاريخ يتفق عليه جل المؤرخين. وهكذا تحققت نبوءة المسيح وهي قوله (ستطردون خارج المجامع، بل سيأتي وقت يظن فيه من يقتلكم أنه يؤدي خدمة لله. وهم يفعلون هذا بكم لأنهم لم يعرفوا أبي، ولا عرفوني ) يوحنا 2:16 و إنا لنعجب أشد العجب من دين يتم اختيار عقائده وكتبه بهذه الطريقة ... هل يمكن أن يترك الله الناس في حيرة بدون بينة واضحة أو كتاب منير فيحددوا طبيعة إلههم وكتبهم المقدسة من خلال المؤتمرات التي تتلاعب فيها الأهواء والمصالح وحب الرياسة وتقلبات السياسة بالنفوس البشرية؟[90]أم أن الحق كان واضحا ولكن اختلاف الكهنة والعلماء وإتباع الأهواء أذهب به؟ ولماذا تم رفض بقية الأناجيل برغم أن الأشخاص الذين كتبوها تعتبرهم الكنيسة قديسين؟ ولماذا كانت هذه الأربعة فقط هي وحي الله وما عداها ليس وحيا؟(91) وما الذي يضمن أن قرارات هذه المجامع هي قرارات معصومة من الخطأ وهي التي كانت قلما كان يسلم أعضاؤها من الاختلاف بل كانت تنتهي غالبا بلعن بعضهم بعضا !! لا شك أن أي عاقل لا يقبل أن يتحدد دينه واعتقاده و هو أهم ما لديه بهذه الطريقة.
و برغم نتيجة هذه المجامع وانحياز الإمبراطور الروماني لوثنية روما في شكلها الجديد واضطهاد الدولة الرومانية لأتباع أريوس فإنه ظل من النصارى من يعبد الله وحده واستمر من عقلاء النصارى ومصلحيهم من كل جيل من يستيقظ عقله ليعلن فساد مبدأ التثليث والتجسد من حين لآخر فيناله ما يناله من الاتهام بالهرطقة والتكفير والحرمان من دخول الجنة من الكنيسة حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فانتصر لأتباع التوحيد وأصبحوا ظاهرين من حينها و تولت أمة الإسلام أمر الدعوة إلى عبادة الله وحده و ما زال يلبي هذه الدعوة إلى اليوم كل من استمع لنداء عقله وفطرته وقلبه من علماء النصارى وعوامهم على السواء.[92]
على أن فساد النصرانية لم يقتصر في أمر الألوهية ولكن جعلت الكنيسة لنفسها سلطة مغفرة الذنوب ودخول الجنة وجعلت لذلك صكوكا فأقحمت نفسها بين العبد وربه و احتكرت لنفسها حق تفسير الإنجيل بل وقراءته [93]وجعلت لنفسها أسرارا لا يجوز للناس الاطلاع عليها و أدخلت بدعة تقديس مريم عليها السلام وتقديس أشخاص عاديين وبدعة القربان المقدس وادعت عصمة البابا[94]بل صار البابا يتلقى من الرب مباشرة وجعلت السجود للصور والتماثيل والصلبان كعباد الأوثان داخل الكنائس- وهي جمادات لا تنفع ولا تضر- [95]فأصبح تعلق النصراني بتمثال المسيح وصورته والصليب بعد أن كان بالله و وبدلت التشريعات التي كانت سائدة أيام المسيح كالصوم وحرمت الطلاق وحولت اتجاه القبلة من بيت المقدس إلى مشرق الشمس وابتدعت الرهبنة التي تقوم على تعذيب الجسد وأوقدت شرارة سلسلة من الحروب الهمجية عرفت في التاريخ باسم الحروب الصليبية و صادرت الكنيسة عقول الناس وأفكار العلماء واضطهدتهم فأشعلت الصراع النكد مع العلم وظلت أوروبا تعيش في عصور الظلام مئات السنين حتى نبذ أهلها الدين وضاقوا ذرعا بتسلط الكنيسة وطغيانها فظهرت عدة ثورات وحركات إصلاحية[96]نادت بالتحرر من سلطة الكنيسة ورُفِع شعار اللادينية وحينها فقط بدأ ما يعرف بعصر النهضة الأوروبية!!






يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 07:33 PM
يتبــع الموضوع السابق ( 7 )

رسالة إلى العقل والقلب




يكتبون الكتاب بأيديهم
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً

أنزل الله على عيسى عليه السلام الإنجيل وقال عنه في القرآن ( فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ) و هذا الكتاب المبارك هو الذي كان يسمى بالإنجيل فقط غير منسوب إلى مؤلف من البشر وقد علمه المسيح عليه السلام لتلاميذه ووردت إشارات عنه في الكتاب المقدس [97]إلا أنه يبدو أن هذا الإنجيل قد تعرض للفقد مع معظم كتابات التلاميذ التي كانوا يكتبون فيها مذكراتهم و تسجيلهم للأحداث ووصاياهم وقد عرفت أيضا باسم الأناجيل إثر المحاولات الغاشمة من الكنيسة للقضاء عليها وحرقها وقتل مقتنيها. و قد بلغت هذه الكتب أكثر من خمسين إنجيلا و منها إنجيل برنابا وإنجيل الطفولة ويُنسب لمتى الحوارى وإنجيل فيليب ويُنسب لفيليب الحوارى وإنجيل المصريين ويُنسب لمرقص الحوارى و إنجيل الإثنى عشر رسولا و إنجيل العبرانيين أو الناصريين و إنجيل السبعين وينسب لتلامس وإنجيل مريم المجدلية وإنجيل الحياة وإنجيل الولادة وإنجيل التذكرة وإنجيل مرقيون وقد تم رفض أكثر هذه الأناجيل بعد مجمع نيقية وبقيت شذرات منها في المكتبات القديمة إلا أن إنجيل برنابا منها هو الذي ذاع صيته وانتشر و ترجم إلى لغات عديدة. وقد جاء ذكر إنجيل برنابا في ثنايا قرارات الكنسية منذ القرن الرابع الميلادي تحرض على منع قراءته مثل قرار البابا ديماسوس عام 366 م وقرار البابا جلاسيوس الأول الذي جلس على كرسي البابوية عام 492 م يحرم فيه قراءة عدة كتب منها إنجيل برنابا .ويتفق المؤرخون على أن أقدم نسخة عثروا عليها لهذا الإنجيل، نسخة مكتوبة باللغة الإيطالية، عثر عليها كريمر أحد مستشاري ملك بروسيا، و ذلك فى سنة 1709. و قد انتقلت النسخة مع بقية مكتبة ذلك المستشار فى سنة 1738 إلى البلاط الملكي بفينّا. و كانت تلك النسخة هى الأصل لكل نسخ هذا الإنجيل في اللغات التي ترجم إليها. وبرنابا كاتب هذا الإنجيل هو أحد حواريي المسيح ، واسمه يوسف بن لاوي بن إبراهيم وجاء في العهد الجديد أنه باع حقله وجاء ووضعه عند أرجل تلاميذ المسيح ( انظر أعمال 5/36 – 37 )، عرف بصلاحه وتقواه وقد ذهب برنابا للدعوة في أنطاكية.. "ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب ، لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً في الروح القدس والإيمان ، فانضم إلى الرب جمع غفير " ( أعمال 11/22 – 24 ) و يعتبر إنجيل برنابا وثيقة إدانة ضد التحريف الذي أحدثه بولس الكذاب وبابوات الكنيسة من بعده في النصرانية وشاهدا على صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم إذ أنه يقر بوحدانية الله عز وجل و ببشرية المسيح عليه السلام ويبشر برسول الإسلام باسمه الصريح محمد لذا لم تعترف به الكنيسة وحرمت قراءته ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره فالكتاب مترجم للعربية ومتاح للجميع[98]وهذا لا يعني أنه خالي من الأخطاء فهو كأي عمل بشري معرض لذلك لكنه أقرب الأناجيل إلى الصواب. وهذه إحدى فقراته يبشر المسيح فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم " فأجاب يسوع....الحق أقول لكم إن كل نبى متى جاء فإنه إنما يحمل علامة رحمة الله لأمة واحدة فقط . و لذلك لم يتجاوز كلامهم الشعب الذى أرسل إليهم. و لكن رسول الله متى جاء. يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم. فيحمل خلاصا و رحمة لأمم الأرض الذين يَقبلون تعليمه. و سيأتى بقوة على الظالمين. و يبيد عبادة الأصنام بحيث يخزى الشيطان. لأنّه هكذا وعد الله إبراهيم قائلا (أنظر فإنى بنسلك أبارك كل قبائل الأرض و كما حطّمت يا إبراهيم الأصنام تحطيما هكذا سيفعل نسلك"(.

أما التوراة فلم تسلم هي الأخرى من التلاعب والتحريف فقد آتى الله موسى الكتاب فيه هدى ونور ومن كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء لكن أحبار السوء الذين ورثوا الكتاب كانوا يشترون به ثمنا قليلا فيخفون كثيرا من أجزائه للهروب من أحكامه غالبا وكسب المال ويكتبون بدلا منها كتبا بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله حتى تحول الكتاب إلى هذه المجموعة المشوهة أخلاقيا وعلميا من الأسفار التي تعرف بالعهد القديم بعضها لمؤلفين مجهولين كما ذكر مراجعو الطبعة المنقحة RSVمثل سفر صموئيل وسفر أخبار الأيام[99]والتي لا نجد بينها التوراة كما كانت على عهد موسى. وصدق الله إذ يقول ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) وهذا لا يمنع أن يكون في هذه الأسفار أثارة من علم الأنبياء وبقايا من وحي السماء، لكنها غارت في بحور من تخليط البشر وتحريفهم وسترى أمثلة على ذلك ولذلك فإن فِرَق النصارى مختلفون في كتابهم المقدس أشد الاختلاف فتجد مثلا البروتوستانت -وهم أشد الفرق تعظيما له ولذلك سموا بالإنجيليين- لا يعترفون بسبعة أسفار من كتاب الكاثوليك وتوجد اختلافات كثيرة في الأسفار المعترف بها لديهم بين كتابهم وكتاب الكاثوليك فأي الكتابين هو الصحيح؟؟ هذا بالإضافة للأسفار المفقودة ومشار إليها في ثنايا العهد القديم مثل كتاب حروب الرب المذكور في سفر العدد 14:21و كتاب ياشر المذكور في يشوع 10:13.

و أما الأناجيل المعترف بها اليوم- وهي إنجيل متّى ، وإنجيل مرقص ، وإنجيل لوقا ، وإنجيل يوحنا التي ضمنتها الكنيسة مع رسائل بولس و بقايا التوراة المحرفة في كتاب واحد أسمته الكتاب المقدس فبالرغم من أي من كتـّاب هذه الأناجيل لم يدع الإلهام لنفسه وإنما اعترف بعضهم بأن ما كتبه هو مجرد تسجيل للأحداث حسبما يراها هو فإن الكنيسة تصر على هذه الدعوة ولكن ما بهذه الأناجيل من أخطاء وتناقضات[100]يكشف زيف هذه الدعوة بكل وضوح. يقول روبرت كيل تسلر[101]في كتاب حقيقة الكتاب المقدس: " أما ما يخص العهد الجديد فإن النص الأصلي -وهو ليس لدينا كما ذكرنا من قبل - قد تكوَّن بين أعوام (50) و(200) بعد الميلاد، وهذه مدة كبيرة من الزمن بعد وفاة يسوع، بل إن (50) سنة لتعد أيضاً فترة زمنية كبيرة وفي هذا الزمن استطاعت بعض الأساطير أن تجد لها طريقاً تنتشر فيه ، في وقت لم يعد فيه شهود عيان عند تكوين معظم النصوص الأصلية وهنا يجب علينا أن نتذكر : كم من الأساطير نشأت فقط بعد عدة سنوات بسيطة من حريق جيوفارا؟ " وإذا لم تكن مصدقا بوجود الإشاعات في الأناجيل فقل لي بربك من أين عرف المؤلفون الأحداث التي تلت القبض على شبيه المسيح إذا كان كل التلاميذ قد تركوه وهربوا كما هو مذكور في متى 56:26 ومرقس 50:14 إلا عن طريق الإشاعات؟

أول هذه الأخطاء هي نسبة الأناجيل نفسها لأصحابها فهي نسبة تعتريها الشكوك وتحوم حولها الشبهات من كل جانب.أما بالنسبة لإنجيل يوحنا فقد كتب في أواخر القرن الأول الميلادي في حين أن يوحنا الحواري كما يقول بعض المؤرخين مات مشنوقا سنة 44م على يد غريباس الأول وهو كما يذكر مؤلفه مكتوب خصيصا لإثبات ألوهية المسيح فقد ظلت الأناجيل نحو قرن من الزمان ليس فيها نص على ألوهية المسيح فالأساقفة اعتنقوا ألوهية المسيح قبل وجود النص الذي يدل عليها ولما أرادوا أن يحتجوا على خصومهم لم يجدوا مناصا من أن يلتمسوا دليلا ناطقا بذلك فكتب أحدهم أو بعضهم هذا الإنجيل[102]. تقول دائرة المعارف البريطانية : "يعتقد كثير من العلماء أن نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا الحواري غير صحيحة"[103] وجاء في الترجمة المسكونية للإنجيل كلام مماثل لذلك. ولولا خشية التطويل لذكرت أراء عددا من الباحثين بأسمائهم ولكن أكتفي بذكر كلام القس فهيم عزيز بعد طرحه لسؤال من كاتب إنجيل يوحنا : يجيب القس فهيم عزيز : " هذا السؤال صعب، والجواب عنه يتطلب دراسة واسعة غالباً ما تنتهي بالعبارة : لا يعلم إلا الله وحده من الذي كتب هذا الإنجيل ". وهذه شهادة من أهلها لا تحتاج معها لشهادة آخرى. أما إنجيل متى فقد جاء في مقدمة الرهبانية اليسوعية لإنجيل متى: " أما المؤلِّف، فالإنجيل لا يذكر عنه شيئاً وأقدم تقليد كنسي ينسبه إلى الرسول متى .. ولكن البحث في الإنجيل لا يثبت ذلك الرأي أو يبطله على وجه حاسم، فلما كنا لا نعرف اسم المؤلف معرفة دقيقة يحسن بنا أن نكتفي ببعض الملامح المرسومة في الإنجيل نفسه... ".
أما مرقس ولوقا فلم يكونا من تلاميذ المسيح عليه السلام يقول المفسر دنيس نينهام مفسر مرقس : " لم يوجد أحد بهذا الاسم عرف أنه كان على صلة وثيقة، وعلاقة خاصة بيسوع، أو كانت له شهرة خاصة في الكنيسة الأولى ". وقال بطرس قرماج في كتابه " مروج الأخبار في تراجم الأبرار " عن مرقس : "كان ينكر ألوهية المسيح ". وأما لوقا فقد كفانا عناء البحث في أقوال المؤرخين إذ يقول بنفسه في مقدمة إنجيله " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة

رأيت أنا أيضاً - إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق - أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علِّمتَ به " فالذين كانوا في البدء هم التلاميذ و هو يعلن أنه لم يكن معهم. [104]

أما عن النسخ الأصلية التي كتبت منها هذه الأناجيل فيقول موريس نورن في " دائرة المعارف البريطانية " : " إن أقدم نسخة من الأناجيل الرسمية الحالية كتب في القرن الخامس بعد المسيح، أما الزمان الممتد بين الحواريين والقرن الخامس فلم يخلف لنا نسخة من هذه الأناجيل الأربعة الرسمية، وفضلاً عن استحداثها وقرب عهد وجودها منا، فقد حرفت هي نفسها تحريفاً ذا بال، خصوصاً منها إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا" وهذا يعني أن هذه الأناجيل منقطعة السند[105]فضلا عن أن هذه النسخ القديمة ليست باللغة الأصلية التي كتبت بها الأناجيل ولا يُعلم من ترجمها ولا متى ترجمت !! ولا توجد أي طريقة علمية لإثبات أن هذه النسخ هي نفسها التي كانت موجودة في القرنين الأول والثاني الميلادي إلا المقارنة بين عدة نسخ من هذه المخطوطات لنفس الإنجيل لا تعتمد على بعضها البعض وحينها لن تكون المقارنة بالتأكيد في صالح الكتاب المقدس!! حتى عملية النسخ نفسها قبل اختراع الطباعة لا يمكن التسليم بدقتها نظرا لإنه لم يكن محفوظا عن ظهر قلب في صدور الرجال كالقرآن ولتغير اللغة ومعاني الكلمات عبر القرون المتطاولة فضلا عن أن اللغات مختلفة في ثرائها اللغوي عن بعض وقد توجد كلمات في لغة لا يوجد نظير لها في لغة أخرى لذا لا يمكن التسليم بالدقة الكاملة لمن ترجم كلام المسيح مثلا من الآرامية ثم إلى اليونانية ثم إلى اللاتينية والعربية وأي ادعاء بأن الكتاب الحالي هو كتاب مقدس يلزم أن يكون جميع المترجمين الذين ترجموه قديسين أو موحي إليهم من الروح القدس فهل تضمن الكنيسة ذلك؟ [106]

لكن حدث اكتشافان أثريان هامان في أواسط القرن العشرين قد يؤديان لحدوث انقلاب في النظرة للكتاب المقدس والعقيدة النصرانية من أساسها. الأول هو مخطوطات كثيرة ترجع للقرن الأول الميلادي[107]أو قبله تخص جماعات مسيحية موحدة عاشت في هذه الفترة عثر عليها أحد البدو صدفة داخل أوان من الفخار في كهوف قمران بجوار البحر الميت عام 1947 لذا هي تعرف بمخطوطات البحر الميت ((Dead Sea Scrolls. هذه المخطوطات كتب عنها الدكتور ف. البراين و هو عمدة في علم آثار الإنجيل : " إنه لا يوجد أدني شكل في العالم حول صحة هذا المخطوط و سوف تعمل هذه الأوراق ثورة في فكرتنا عن المسيحية، و قال عنها القس ( أ. باول ديفيز ) في كتابه عن مخطوطات البحر الميت[108]( إن مخطوطات البحر الميت و هي من أعظم الاكتشافات أهمية منذ قرون عديدة ، قد تغير الفهم التقليدي للإنجيل ). ويعتقد كثير من العلماء أن هذه المجموعة التي كتبت المخطوطات هي من الأسينيين ويعتقد آخرون أنهم من الأبيونيين الذين كانوا يعتقدون بوحدانية الله وبشرية المسيح عليه السلام و تنكروا لبولس الكذاب و قد اضطهدهم الرومان. وتتحدث الوثائق صراحة عن التنبؤ بمسيحين سوف يرسلهما الله للعالم أحدهما سيكون من نسل هارون وإسرائيل (يعقوب) عليهما السلام و ستكون مهمته محصورة في التوجيه الديني ( priestly messiah) ويسميه أتباعه بمعلم البر والتقوى (Teacher of Righteousness) ولكن أحد الكهنة وهو الكاهن الشرير Wicked ) ( Priest سوف يخونه من أجل المال ويحاول تسليمه لأعدائه لكن الله يعاقبه هو بأن يسلمه إليهم و يجعلهم يقتلونه وتتحدث أيضا المخطوطات عن الكذاب (Man of lies)[109]الذي لوث اسم المعلم واحتقر التعاليم وأضل الكثيرين وواضح أن معلم البر والتقوى هو المسيح عليه السلام والكاهن الخائن هو يهوذا الذي دل الرومان على مكانه فمكر الله به وألقى عليه شبه المسيح وأما الكذاب فهو بولس الذي لوث اسم المسيح ونسب إليه ما لم يقله وأضل الملايين من بعده. وأما المسيح الآخر الذي تتحدث عنه المخطوطات فهو الذي سوف تشرق شمسه على كل العالم لتبدد الظلمات وسوف تكون كلماته كوحي السماء وسوف يحكم سيفه على جميع العالم وسوف يُرسل لجميع أبناء عصره و يمحو الجيل الذي بعث فيه الشر من العالم وسوف يختلق الناس الأكاذيب عنه[110] وقد وردت له ولأصحابه صفات كثيرة في هذه المخطوطات تنطبق على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويمكنك أن تقرأ في هذه المخطوطات بنفسك فهي موجودة في العديد من المكتبات العامة ومترجمة للعربية والإنجليزية وموجود فصول منها على الانترنت.

وأما الاكتشاف الثاني فهو مكتبة كاملة من الكتابات المسيحية القديمة عثر عليها في نجع حمادي Nag Hammadi Library) )بمصر وهي موجودة الآن بالمتحف القبطي في القاهرة و من ضمن محتويات هذه المكتبة إنجيل توماس ( توما ) وهو يحوي سردا لأقوال المسيح عليه السلام وإنجيل فيليب وإنجيل الحق وإنجيل المصريين، إلى جانب بعض كتابات منسوبة للحواريين، مثل كتاب جيمس- يحمس في المصرية- و بعكس الأناجيل الأربعة المعروفة فلم يرد أي ذكر لقصة الصلب المزعومة في مكتبة نجع حمادي بل ورد تكذيب صريح لها. و محتويات هذه المكتبة أيضا مترجمة ومتاحة للباحثين ومن أمثلة ما ورد في إنجيل بطرس على لسان بطرس (رأيته يبدو وكأنهم يمسكون به فقلت ما هذا الذي أراه يا سيد هل هو أنت حقا من يأخذون؟ أم أنهم يدقون قدمي ويدي شخص آخر قال لي(المخلص) من يدقون المسامير في يديه وقدميه هو البديل فهم يضعون الذي بقي فيّ شبهه في العار انظر إليه وانظر إلىّ) وتدل الرسومات الموجودة على أغلفة مجلدات هذه المكتبة على أن المسيحيين الأوائل في مصر كانوا يتخذون مفتاح الحياة الذي يرمز لخلود الروح عند المصريين القدماء كرمز للمسيح عليه السلام وليس الصليب الروماني المعروف الآن و من يذهب إلى المتحف القبطي في القاهرة يجد أن مفتاح الحياة هو الصليب الوحيد الذي يرمز لقيامة المسيح خلال القرون الثلاثة الأولى للميلاد. ولم تستخدم الكنائس المسيحية الصليب الروماني إلا منذ النصف الثاني من القرن الرابع عندما أصبحت كنيسة روما مسيطرة على الحركة المسيحية، ومع هذا فإن ذلك الصليب لم يصبح مقبولا لدى عامة المسيحيين إلا بعد أن أعلنت الكنيسة الرومانية عن العثور في مدينة القدس على ما قيل إنه الصليب الخشبي الذي مات عليه يسوع. ثم تطور الأمر بعد ذلك- خلال القرن الخامس- عندما وضعت الكنيسة الرومانية صور لجسد المسيح على الصليب الخشبي.[111]

إذا عدنا إلى الكتاب المقدس الموجود بين أيدي الناس اليوم -على اختلاف نسخه - وأخذنا ننظر في متنه وجدنا عجبا بدءا من التناقضات الصارخة بين رواية مؤلفي هذا الكتاب للأحداث و القصص الخيالية التي نسجت عن المسيح بل عن الله عز وجل التي لا يمكن أن يقبلها عقل و الكلام الفاحش الذي يتناول الجنس و النساء بصورة خارجة عن الحياء ونسبة جميع الخطايا للأنبياء بدءا من شرب الخمر والسرقة حتى الزنا والكفر بالله عز وجل مما أدى لظهور علم كامل في الغرب يعرف بعلم نقد الكتاب المقدس[112]يعتمد على إجراء البحوث العصرية و المقارنة بين النسخ والمخطوطات الموجودة لمعرفة الأخطاء الموجودة في هذا الكتاب والتي أوصلها بعضهم إلى ما يزيد عن 20 ألف خطأ !! [113]

وإذا أردت أمثلة فأول هذه الاختلافات التي تلفت النظر هي التباين الصارخ في سلسلة نسب المسيح بين إنجيلي متى ولوقا فهما مختلفان اختلافا يصعب الجمع بينهما سواء في عدد أجداد المسيح أو في أسمائهم ومثال ذلك عندما وصلت السلسلة إلى داود عليه السلام جعل متى المسيح من ولد سليمان الملك بينما جعله لوقا من ولد ناثان بن داود وهما أخوان ولا يعقل أن يكون المسيح من ذرية أخوين!! ثم إذا تأملت في سلسلة متى ستجد أنه ذكر للمسيح أربع جدات هن ثامار وراحاب وراعوث و وزوجة داود التي كانت لأوريا الحثي و لكل واحدة من هؤلاء الأربع سوءة تذكرها التوراة، فأما ثامار فهي التي ولدت فارص-وهو مذكور ضمن أجداد المسيح- زنا من والد أزواجها الذين تعاقبوا عليها واحداً بعد واحد. ( انظر قصتها مع يهوذا في التكوين 38/2 - 30 ). وأما زوجة أوريا الحثي فهي التي تتهم التوراة - زوراً - داود بأنه فجر بها ، فحملت، ثم دفع داود بزوجها إلى الموت، وتزوجها بعد وفاته. ( انظر القصة الكاذبة في صموئيل (2) 11/1 - 4 ). وأما راحاب زوجة سلمون، وأم بوعز، وكلاهما من أجداد المسيح - حسب متى -، فراحاب هي التي قال عنها يشوع: "امرأة زانية اسمها راحاب " ( يشوع 2/1 )، وذكر قصة زناها في سفره. وأما راعوث فهي راعوث المؤابية والتوراة تقول: " لا يدخل عموي ولا مؤابي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر " ( التثنية 23 / 3 ). ولحسن الحظ هذه المرة فإن المسيح ليس داخلاً في هذا الطرد من جماعة الرب، إذ هو الجيل الثاني والثلاثون لها[114]. فهل يعقل أن يكون المسيح عليه السلام ولد زنا؟؟! إن اعتقاد بطلان هذه القصص الكاذبة أهون بكثير من اعتقاد أن أجداد المسيح زناة. لكن الأدهى من ذلك وأمرّ هو أن كلا من الإنجيلين بدلا من أن ينسب المسيح إلى مريم عليها السلام نسبه إلى يوسف النجار !! أي أن هذه السلسلسة الطويلة من النسب هم أباء وأجداد يوسف النجار وليسوا أباء المسيح فما هي علاقة المسيح بيوسف النجار؟؟ ترى هل خاف كاتبا الإنجيل من اليهود فنسبا إلى مريم ما كان اليهود يرمونها به زورا وبهتانا فجعلوا المسيح من ذرية يوسف النجار؟؟

و لا يقف التناقض بين الأناجيل عند نسب المسيح ولكن الاختلافات بينها تشمل أسماء تلاميذ المسيح الإثنى عشر إذ يقدم العهد الجديد أربع قوائم للتلاميذ الاثني عشر تختلف كل واحدة عن الأخرى في متى ( 10/1 - 4 )، ومرقس ( 3/16 )، لوقا ( 6/14 ) وأعمال ( 1/13 ). وكذا تشمل الاختلافات رواية أحداث كثيرة تروى عن المسيح بل وتجد التناقض على لسان المسيح نفسه فمثلا تجد في متى (11 : 14 ) المسيح يقول عن يحيى أنه إيلي وفي يوحنا (1 : 19-28(يحيى ينكر أنه إيليا و في إنجيل متى 16 : 18-19 سمى المسيح سمعان بطرس وأعطاه مفاتيح ملكوت السموات وقال له كل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السماوات بينما في نفس الصفحة قال له " اذهب عني يا شيطان .أنت معثرة لي"16 : 23 ويذكر يوحنا أن المسيح قضى ثلاثة أعياد فصح في نبوته بينما تذكر الأناجيل الثلاثة الأخرى أن المسيح مارس النبوة عاما واحدا …إلى غير ذلك من عشرات بل مئات الاختلافات الصارخة في نصوص العهد القديم والجديد على السواء مثل التناقضات بين روايات حادثة الصلب المشار إليها آنفا فهل يا ترى يوحي الله بكلام يناقض بعضه بعضا؟ حاشاه وكلا. إذا لابد أن هذه الروايات هي من كلام بشر يخطئون ويصيبون ويتعصبون ويتقلبون وأما أن يأتوا بكلام مقدس من عند أنفسهم فهذا ما لا يستطيعون ! كل هذه التناقضات دعت الأب كاننجسير Kannengiesserأستاذ معهد باريس الكاثوليكي في كتابه الإيمان بالقيامة وقيامة الإيمان[115]أن يقول ما معناه: " لا ينبغي اعتبار روايات الأناجيل حقائق لإنها نصوص مكتوبة تبعا للمناسبة أو نتيجة نضال جماعات متصارعة تسعى كل منها لإنفاذ نظرتها " وذكر الأب روجيت Roguet من باريس أيضا في كتابه مقدمة للأناجيل كلاما مثل هذا [116]و أما عن النبؤات الكاذبة التي لم يحدث أي منها إلى الآن فلم يبخل مؤلفو العهد الجديد بها ومن أظهرها نبوءة المسيح في (متى 24 :29-34) بأن القيامة ستحدث في حياة الجيل الذي كان معه وقد مضى أكثر من أربعين جيلا ولم تقم القيامة!!





يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 07:38 PM
يتبــع الموضوع السابق ( 8 )

رسالة إلى العقل والقلب



وأما عن نسبة النقائص لله عز وجل فالكتاب المقدس قد صور الرب تبارك وتعالى بصوراً لا تليق أبداً بجلاله سبحانه وتعالى ، ووصفه بأقبح الصفات . فمثلا تجد في سفر صموئيل الثاني [ 22 : 9 ] أن الرب له أنف يخرج منه دخان وله فم يخرج منه نار ( كتنين ضخم ) يقول كاتب السفر ( عندئذ ارتجت الأرض وتزلزلت. ارتجفت أساسات السماوات واهتزت لأن الرب غضب. نفث أنفه دخانا، و نار آكلة من فمه، جمر اشتعلت منه . .) بينما يجعل صاحب سفر ناحوم [ 1 : 3 ]السحاب غبار رجل الله !!! يقول (طريق الرب في الزوبعة والعاصفة، والغمام غبار قدميه) أما صاحب سفر العدد فإنه يصف الرب بأنه( يجثم كأسد، ويربض كلبوة.) [ 24 : 9 ] !! و لا يختلف مؤلف المزمور كثيرا عن أصحابه فإنه شبه الرب تبارك وتعالى بأنه ينام ويسكر ويصرخ عالياً من شدة الخمر فيقول في [ 78 : 65 ] (( فاستيقظ الرب كنائم كجبار معيط من الخمر يصرخ عالياً من الخمر )) ( تعالى الله عما يصفون ) إلى غير ذلك من نصوص العهد القديم التي تجعل الرب يصارع الإنسان بل ويُهزم ويتعب وينسى ويغار و يبكي و يحزن ويندم لإنه خلق الإنسان - التكوين [ 6 : 5 ] و أما في العهد الجديد فإن صاحب سفر رؤيا يوحنا يجعل الله في صورة خروف له سبعة قرون وسبع أعين (هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم لأنه ربُّ الأرباب وملك الملوك [ 17 : 14 ]) !! ويتحدث العهد الجديد أيضا بسوء أدب عن الله قائلا "الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (كورنثوس (1) 2/10). وينسب الكتاب المقدس لله الأمر بالزنا والسرقة فأول ما يبدأ به هوشع سفره يقول :" أول ما كلم الرب هوشع قائلاً : اذهب خذ لنفسك امرأة زانية وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى" فهل يعقل أن يكون هذا الكلام وحي من عند الله؟ أما المسيح عليه السلام فلم يسلم أيضا من سوء أدب مؤلفي العهد الجديد المجهولين ولم يقف الافتراء إلى جعل المسيح من ذرية زناة ولكنهم ذكروا أن الشيطان قد أخذ المسيح عليه السلام لكي يختبره وصعد به فوق قمة جبل-(متى 1:1-15)!! فهل يمكن أن يكون المسيح نبيا ثم يكون للشيطان سلطان عليه؟[117]فماذا لو كان إلها أو ابنا للإله ؟!! كما اتهموا المسيح أيضا بشرب الخمر-وهو ما يخالف تعاليم التوراة- في قوله لليهود: "جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب. فيقولون: هوذا إنسان أكول وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة" (متى 11/9). و اتهموه بقسوة القلب فينقل لوقا عن المسيح أمراً غريباً قاله للجموع التي تتبعه: " إن كان أحد يأتي إلي، ولا يبغض أباه وأمه وأولاده وإخوانه حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون تلميذاً " ( لوقا 14/26 - 27 ) وتبع رجل المسيح ثم جاءه يستأذنه ليدفن أباه، فيذكر متى أن المسيح نهاه وقال: " اتبعني. ودع الموتى يدفنون موتاهم " ( متى 8/22 )، واستأذنه تلميذ آخر في وداع أهله، فلم يأذن له (لوقا 9/61-62) وجعلوه يتبرم من قضاء حوائج الناس فتقرأ في متى" تقدم إليه رجل جاثياً له، وقائلاً: يا سيد ارحم ابني، فإنه يصرع ويتألم شديداً، ويقع كثيراً في النار، وكثيراً في الماء. وأحضرته إلى تلاميذك، فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع، وقال: أيها الجيل غير المؤمن الملتوي. إلى متى أكون معكم. إلى متى احتملكم. قدموه إليّ ههنا. (متى 17/14-16)، وقصة مثلها في ( متى 15 /22 - 28 ). ونسبوا إليه اتهام الأنبياء قبله بأنهم سراق ولصوص في قوله:" جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص. ولكن الخراف لم تسمع لهم" (يوحنا 10/7-12)..- وقد طال السباب المنسوب للمسيح تلاميذه وخاصته، فقد قال لتلميذيه اللذين لم يعرفاه: " أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء" (لوقا 24/25)، ومن عجائب العهد الجديد أنه يعتبر المسيح ملعوناً فيقول: "المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب: ملعون كل من علّق على خشبة" (غلاطية 3/12)، ولا تقف البذاءة عند ذلك فلم تسلم أعراض الأنبياء السابقين أيضا من التهم الشنيعة والجرائم البشعة. فقد جعل العهد القديم نبي الله نوح عليه السلام يشرب الخمر ويسكر ويتعرى !! سفر التكوين [ 9 : 20 ] ونبي الله لوط يزني بابنتيه !! سفر التكوين [ 19 : 30 ] . نبي الله داود يزني بزوجة جاره ويدبر مؤامرة دنيئة ضده اغتاله فيها !!!سفر صموئيل الثاني [ 11 : 2 ] نبي الله هارون يكفر ويدعو اليهود إلى عبادة العجل !!وهذا في سفر الخروج [ 32 : 2] و نبي الله سليمان يخالف وصايا الرب ويتزوج من نساء الأمم اللاتي يغوين قلبه لآلهتهن فيكفر في أواخر حياته ويعبد الأوثان !! سفر الملوك الاول [ 11 : 1] فهل هؤلاء الذين اصطفاهم الله على خلقه وشرفهم لحمل رسالته يمكن أن يكونوا كذلك؟ هل يمكن أن يكون كذلك من قال عنهم القرآن ) وَجَعَلْنَاهُمْأَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَاوَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَالخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِوَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَاعَابِدِينَ)؟؟وهل يعقل أن يرتكب الأنبياء الذين اختارهم الله هذه الفواحش ويكون البابوات الذين تختارهم الكنيسة معصومين؟ وهل يمكن أن نأمن قوما رموا مريم العذراء عليها السلام بالزنا وهي تحيا بينهم على أعراض أنبياء ماتوا من مئات السنين؟؟ وكأي كتاب قليل البضاعة فقير المحتوى يراد له أن يروج بين العامة ويحقق أعلى الأرباح فيطعمه مؤلفه ببعض الكلام الجنسي الذي يخاطب في الإنسان غريزته لا عقله أو كأي مجلة لم تعد تجد ما تجذب به قارئها إلا أن تصدر صفحاتها بصور فاضحة قام مؤلفو العهد القديم بوضع السفر سيء السمعة الذي طالما أحرج الكنيسة بمحاولة تفسيره وتبرير وجوده في كتاب يفترض أن يكون مقدسا وهو سفر نشيد الإنشاد. هذا السفر الذي لم يكد يترك جزءا من جسد المرأة إلا وتغزل به وشبب به يدعي أصحاب الكتاب المقدس أن الله أوحاه إلى نبيه سليمان فمثلا في إنشاد (7/1-4) تقرأ : " ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم! دوائر فخذيك مثل الحلي صنعة يدي صناع. سرتك كأس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج. بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن. ثدياك كخشفتين توأمي ظبية. " فهل يمكن أن يكون هذا الكلام الذي يستحي الرجل أن يُقرئه أبناءه وحيا من عند الله ؟؟[118]هذا بخلاف قصص الزواني والعاهرات وزنا المحارم والعري والخيانة التي يحفل بها الكتاب المقدس ولولا خشية الإطالة وتدنيس صفحات هذه الرسالة لنقلت لك ما يندى له الجبين من ذلك ولكن هذه بعض الإشارات ويمكنك أن ترجع إليها بنفسك حزقيال [ 23 : 19 ] , حزقيال [ 16 : 35 ] , هوشع [ 1 : 2 ] , صموئيل الثاني [ 12 : 11 ] , إشعياء [ 20 : 2 ] , ، اشعيا [ 3 : 16 ] , القضاة [ 16 : 1 ] , راعوث [ 3 : 4 ] , لملوك الأول [ 1 : 1 ، 3 ] , التكوين [ 38 : 13 ] , حزقيال [ 23 : 1 ].
أما عن الأخطاء العلمية والتاريخية في الكتاب المقدس ( إن كنت ما زلت تعتقد أنه مقدس ) فحدث ولا حرج. فيذكر سفر التكوين مثلا مرة أن الله خلق النباتات والحيوانات أولاً ثم خلق الإنسان بعد ذلك التكوين ( 1 : 20 - 27 ) ومرة أخرى أن الله قد خلق الإنسان أولاً ثم خلق الأشجار والحيوانات . التكوين ( 2 : 7 ، 19) وهذا الخطأ يعرفه علماء اللاهوت. ويذكر العهد القديم أيضا أن ولادة إبراهيم كانت في القرن العشرين من بداية الوجود الإنساني وبالتحديد في عام 1948 من بداية الخليقة و بتقدير الفترة بين إبراهيم و عيسى عليهما السلام من نصوص العهد القديم سنجد أن عمر البشرية على ظهر الأرض لم يتجاوز 6 ألاف سنة فقط!! في حين أن هذا بخلاف المسلم به من أن حضارات قامت قبل 5 ألاف سنة من الميلاد حيث عثر على مصنوعات بشرية تعود لأكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد. وعثرت بعثة جامعة القاهرة على آثار بشرية في منطقة الفيوم ترجع لعشرات الآلاف من السنين . وتذكر دائرة المعارف البريطانية أن الآثار الإنسانية في فلسطين ترجع لمائتي ألف سنة، وصدق الله العظيم إذ يؤكد أن البشرية ضاربة جذورها في التاريخ قروناً طويلة، فيقول: (وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً )
ومن الأخطاء العلمية زعم التوراة أن الأرض مسطحة ، ولها زوايا موافقة بذلك المستوى العلمي السائد حين كتابتها، فتقول: " قد جاءت النهاية على زوايا الأرض الأربع (حزقيال 7/2).[119]ويمكنك الحصول على المزيد من الأمثلة من كتاب العالم الفرنسي المسلم موريس بوكاي دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة[120]فهل بعد كل ذلك يقول قائل أن القرآن اقتبس من التوراة والإنجيل؟؟
هذا كله بخلاف الزيادات الطفيفة أو التعديلات أو الإضافات التي ما زالت في تغير وتحريف مستمر كلما ترجم الإنجيل أو نسخ أو طبع طبعة جديدة منذ كتبت الأناجيل أول مرة وإلى اليوم ويمكنك ببساطة التأكد من ذلك بمراجعة نسختين من الكتاب المقدس بينهما فترة زمنية كافية أو مختلفتين في اللغة إذا كنت تجيد كلا اللغتين.[121]
فإذا علمنا كل هذا لا نستغرب إذاً أن يقول دكتور W.Graham Scroggie وهو أحد أبرز المنصرين في العالم من معهد Moody Bible Instituteفي كتابه " هل الكتاب المقدس كلام الله؟ "نعم إن الكتاب المقدس من وضع البشر، بالرغم من إنكار البعض ( من المسيحيين ) لِهذا القول من قبيل الحماسة وليس عن علم، فقد خطت أقلام البشر هذه الأسفار بعباراتهم، بعد أن خطرت على عقولهم، فصدرت بأسلوب البشر وتحمل صفاتهم. " ا.هـ.[122]



خاتمة



قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ

أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا

بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا

مُسْلِمُونَ

وفي الختام ها قد عرضت عليك رسالتي وبقي دورك أنت و قد تعمدت أن أذكر لك عناوين المواقع و أسماء الكتب والعلماء باللغة الإنجليزية لكي تتأكد بنفسك ومجال الاختيار مفتوح أمامك لكن تمهل فهذا ليس اختيارا عاديا لكنه أهم اختيار في حياتك وبعد حياتك واعلم أن من رحمة الله أن جعل الحق واضحا وضوح الشمس لذا فلن يغني أحد عنك من الله شيئا إن ضللت عنه أو أضلوك عنه فأنت إنسان عاقل مسؤول بمفردك أمام الله و أنت لن تخسر شيئا بالتفكير فيما ذكرته لك والتأكد منه ولكن عليك أن تكون مخلصا في طلب الحق وأن تكون مستعدا أن تؤثره على غيره كما فعل نبي الله إبراهيم عليه السلام فلك فيه أسوة حسنة. فتوجه إلي السماء بقلبك وروحك - إلى ربك الذي خلقك - بدون أن تتمثله بصورة أو تمثال فالله أعظم من أن يشابه ما صنعته أيدي البشر واسأله أن يهديك الطريق الموصل إليه وعندما تعرف الحق فاعلم أنك قد عرفت الله حقا فاصبر من أجله وصابر عليه فقد سبقك كثيرون إليه وتحملوا من أجله ولكن احذر أن تحجب النور عن قلبك إن أبصرته فقد لا تراه مرة أخرى.
ويسرنا أن نتلقى تعليقاتك واستفسارتك على البريد: [email protected]
وهذه بعض المواقع التي يمكنك أن تستعين بها في رحلتك الإيمانية
الحوار الإسلامي المسيحي http://arabic.islamicweb.com/christianity
ابن مريم.. المسيح الحق http://www.ebnmaryam.com (http://www.ebnmaryam.com/)
الحقيقة.. المسيحية في الميزان http://www.alhakekah.com (http://www.alhakekah.com/)
التوضيح لدين المسيح http://www.tawdeeh.com (http://www.tawdeeh.com/)
الحقيقة العظمى http://www.truth.org.ye (http://www.truth.org.ye/)
الجامع لحوار النصارى http://www.aljame3.com (http://www.aljame3.com/)
موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة http://www.quran-m.com (http://www.quran-m.com/)




http://www.halimo.comشبهات وهمية عن الإسلام



يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 07:42 PM
يتبــع الموضوع السابق (9 )

رسالة إلى العقل والقلب



هوامش الموضوع سوف ينقسم الى قسمين بسبب طوله


ــــــــــــــــــــــــــــ

[1] هي سورة الفيل
[2] أى غطوني
[3] أى شابا قويا لكي أنصرك
[4] (السفر إلى الشرق) ص277
[5] (شمس الله تسطع على الغرب) زيغريدهونكه (465)
[6] نقلا عن كتاب ربحت محمدا و لم أخسر المسيح للدكتور عبد المعطي الدالاتي
[7] عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى) قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: (أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم). قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك.
[8] قال الله عز وجل : قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ
[9] فتجد ان الكنيسة مثلا ادعت لنفسها حق مغفرة الذنوب فيأتي المذنب فاضحا نفسه و يجلس بين يدي بشر مثله يخطئ و يذنب ربما أكثر منه ثم يعترف أمامه بذنوبه ثم يمن عليه هذا الشخص الخطاء بالمغفرة و ذلك في مقابل مبلغا من المال يتبرع به أو يشتري به صكا يعرف بصك الغفران كما كان يحدث في الماضي
[10] النبأ العظيم للدكتور محمد عبد الله دراز ص 36- 37
[11] وقد كان هذا الموقف سببا في إسلام صحفية أمريكية عندما سمعت به
[12] عن خباب بن الأرت قال:
شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه. ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون
[13] النبأ العظيم . بتصرف
[14] قال تعالى : هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ {62} وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
[15] ومنها أنه دعا النصارى مرة إلى المباهلة و هي أن يجمعوا أطفالهم و نساءهم و أنفسهم في مكان واحد ثم يبتهلوا إلى بأن يجعل لعنته على الكاذبين فما أجابوا
[16] و أولهم كان ورقة بن نوفل كما مر في المقدمة ثم كان عبد الله بن سلام و هو من علماء اليهود و فضلائهم و كعب الأحبار و هو من علمائهم أيضا و من النصارى فقد آمن به النجاشي ملك الحبشة مع أنه لم يره و لم يخش على ملكه منه وقال عندما سمع القرآن "إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة " و غيرهم كثير و في العصور الوسطى هناك مثلا القس الإندلسي بن محمد عبد الله الترجماني الميروقي ،الذي ألف بعد إسلامه كتاب تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب و في عصرنا الحالي هناك مثلا القس دافيد بنجامين الكلداني كان قسيسا للروم من طائفة الكلدان و بعد إسلامه تسمى بعبد الأحد داوود و ألف كتاب الإنجيل و الصليب و القس إسحاق هلال مسيحه الذي كان رئيس لجان التنصير في شمال أفريقيا و قصته التي يرويها بنفسه مسجلة هناhttp://media.islamway.com/lessons/several//converts.rm: و كذا القس المصري إبراهيم خليل فلوبرس الأستاذ السابق بكلية اللاهوت الإنجيلية الذي حصل على ماجستير من جامعة برينستون الأمريكية في مجال التهجم على الإسلام ً ثم سمى نفسه إبراهيم خليل أحمد و الشماس الدكتور وديع أحمد وهذا هو موقعه: http://www.wadee3.5u.com و القس المصري "فوزي صبحي سمعان" الذي أسلم هو وأبوه وأخته لله رب العالمين و يعمل الآن مدرسا للدين الإسلامي و كذا القُمُّص المصري "عزت إسحاق معوَّض" الذي صار داعية مسلما و هؤلاء و غيرهم يمكنك قراءة قصصهم من : http://tanseer.jeeran.com/priests.html أما من غير العرب فهم كثيرون أيضا فمنهم القس الأمريكي يوسف استس و هذا هو موقعه http://www.islamtomorrow.com/ و هذه مجموعة من اليهود المعاصرين الذين دخلوا في الإسلام http://www.jews-for-allah.org/ /
[17] و هل أدل على ذلك من حكم الطلاق الذي أباحه الإسلام كحل أخير حين تصل المشاكل بين الزوجين إلى طريق مسدود و حرمته الكنيسة فلما ظهر أن منعه يصادم طبيعة البشر و ظهرت كثير من الأمراض الاجتماعية نتيجة لتحريمه – كالزنا مثلا – أباحته كثير من الدول اليوم. و كذلك تحريم الإسلام لأكل لحم الخنزير و إباحة الكنيسة له ثم ظهر علميا أن الخنزير هو المسبب لمرض الالتهاب السحائي المخي و انفلونزا الخنزير كما أنه تعيش في أمعائه الدودة الشريطية التي تنتقل إلى أمعاء من يأكلها وتسبب له التهاب الأعصاب وارتفاع ضغط الدماغ و قد وجد الأطباء مؤخرا دودة في مخ امرأة بعد تناولها وجبة لحم خنزير هذا بالإضافة إلى صفات الخنزير التي تنتقل إلى آكلها مثل انعدام الغيرة و هذا مشاهد.
[18] ترجم للعربية بعنوان الخالدون مائة أعظمهم محمد ويقول مايكل هارت فيه : "كان محمد الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح في مهمته إلى أقصى حد ، سواء على المستوى الديني أم على المستوي الزمني"
[19] كما فعل مدعي النبوة الكذاب الذي سيأتي ذكره في النصف الثاني من الرسالة
[20] فقد كان قيام الليل في حقه صلى الله عليه و سلم فرضا فيقوم من ثلث الليل إلى ثلثيه كل ليلة في حين أنه في حق بقية المسلمين تطوع
[21] و ذلك برغم بلايين الدولارات التي تنفقها المؤسسات التبشيرية النصرانية للصد عن سبيل الله
[22] النبأ العظيم ص 48
[23] و معنى تواتر الخبر أن يتناقله جمع كبير من الناس يستحيل تواطؤهم على الكذب عن جمع كبير مثلهم و هكذا إلى يومنا هذا فقارن بين هذه الطريقة و الطريقة التي نقلت بها الكتب الأخرى كما في آخر الرسالة
[24] ذلك بأن الذي يمسكه أن يزول هو الذي يمسك السماوات و الأرض أن تزولا.
[25] النبأ العظيم بتصرف
[26] يقول بروفيسور الرياضيات الأمريكي المسلم جيفري لانغ في كتابيه حتى الملائكة تسأل و الصراع من أجل الإيمان: (القرآن هذا الكتاب الكريم قد أسرني بقوة ، وتملّك قلبي ، وجعلني أستسلم لله ، والقرآن يدفع قارئه إلى اللحظة القصوى ، حيث يتبدّى للقارئ أنه يقف بمفرده أمام خالقه وإذا ما اتخذت القرآن بجدية فإنه لا يمكنك قراءته ببساطة ، فهو يحمل عليك ، وكأن له حقوقاً عليك ! وهو يجادلك ، وينتقدك ويُخجلك ويتحداك … لقد كنت على الطرف الآخر ، وبدا واضحاً أن مُنزل القرآن كان يعرفني أكثر مما أعرف نفسي … لقد كان القرآن يسبقني دوماً في تفكيري ، وكان يخاطب تساؤلاتي )
[27] للمفكر التركي محمد فتح الله كولن. وله أيضا :" لقد أتى القرآن بنظرة متميزة للكون وللأشياء وللإنسان بأسلوب غاية في الروعة والسحر. لأنه يتناول الإنسان ‏ككل ضمن الوجود بأكمله، ولا يهمل أيَّ شيء، بل يضع كل شيء مهما كان صغيرا في مكانه المناسب. الأجزاء فيه مرتبطة ‏ارتباطا وثيقا ودقيقا بالكل، والأجوبة المختلفة عن أدق الأسئلة التي تخطر على بال الإنسان في هذا المعرض الكوني الهائل ترد فيه. ‏وبينما يقوم بتحليل أدق المسائل الموجودة سواء في عالم الشهود أم فيما وراء الأستار حتى أدق تفاصيلها، لا يدع هناك أي تردد أو ‏شبهة أو علامة استفهام في العقول. أجل! إن القرآن في جميع هذه التفاصيل الدقيقة التي يوردها لا يدع أي فراغ في هذا الموضوع ‏لا في العقول ولا في القلوب ولا في المشاعر ولا في المنطق، لأنه يحيط بعقل الإنسان وبأحاسيسه وبمشاعره وإدراكه"
[28] لم يكن الإنجيل قد ترجم للعربية بعد أثناء حياة النبي صلى الله عليه وسلم
[29] فمثلا ذكر القرآن عن فرعون موسى بعد أن غرق في البحر ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) وعندما تم دراسة مومياء منفتاح التي يظن أنها لفرعون موسى في فرنسا بواسطة فريق من علماء التشريح توصلوا إلى أن سبب وفاته هو الغرق فعلا و نلاحظ أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ذكر بقاء جثة فرعون محفوظة بعد غرقه – فهل كان محمد على علم ببراعة المصريين في التحنيط؟ ثم أسلم رئيس الفريق الفرنسي و هو الدكتور موريس بوكاي و عكف على دراسة القرآن والإنجيل والتوراة لمدة عشر سنين ثم ألف كتاب القرآن والإنجيل والتوراة والعلم الذي أصبح من أكثر الكتب انتشارا وترجم لعدة لغات عالمية
[30] فترى مثلا في قصة أصحاب الكهف عند أهل الكتاب أنهم عاشوا في الكهف ثلاثمائة سنة شمسية وفي القرآن أنهم (لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا) و هذه السنون التسعة هي فرق ما بين عدد السنين الشمسية والقمرية فانظر إلى هذا الحساب الدقيق في أمة أمية لا تقرأ ولا تحسب! – النبأ العظيم
[31] الجبال ممتدة في باطن الأرض من أسفل فهي تشبه الوتد و السحب يصل وزن الواحدة منها إلى أكثر من عشرة ملايين طن من الماء على هيئة بخار و الرياح تحمل حبوب اللقاح فتلقح الأزهار و تسير السحب المشحونة كهربيا حتى تلامس بعضها فيحدث التفريغ الكهربي و البحر تخرج من قيعانه صهارات و حمم بركانية ملتهبة تم تصويرها بالغواصات الحديثة وللمزيد من صور الإعجاز العلمي يمكنك الرجوع إلى www.quran-m.com
[32] منهم مثلا الدكتور كيث مور Keith Mooreعالم الأجنة الشهير صاحب كتاب The Developing Humanالذي ترجم لأكثر من25 لغة ووقف مرة في أحد المؤتمرات قائلا :
"إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في الإنسان لتبلغ من الدقة والشمول مالم يبلغه العلم الحديث, وهذا إن دل علي شئ فإنما يدل علي أن هذا القرآن لايمكن أن يكون إلا كلام الله, وأن محمداً رسول الله" وصدق الله إذ يقول (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)

[33] إنه الله العليم الحكيم. قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد)
[34] " تعاوا نعيد النظر فيما نعتقد" تاليف حسن يوسف
[35] النبأ العظيم
[36] حتى أنه قيل له : ( وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً {74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً )
[37] انظر مثلا لوقا 26:2 و 67:1 و 15:1
[38] "هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم؟" للدكتور. منقذ بن محمود السقار .... بتصرف
[39] فأين هذا من رؤيا يوحنا التي وصف الله فيها بأنه خروف ذو سبعة قرون ؟!!
[40] في حين قرر مجمع روما سنة1215 ما يلي: "على الناس أن يتلقوا قول الكنيسة بالقبول وافق العقل أو خالفه وعلى المسيحي إذا لم يستسغ عقله قولا قالته الكنيسة أو مبدأ دينيا أعلنته عليه أن يروض عقله على قبوله فإذا لم يستطع فعليه أن يشك في عقله ولا يشك في قول البابا" !!
[41] وأنت ترى نتائج هذه الرهبانية في عدد حوادث الاغتصاب التي اقترفها رجال الكنيسة حتى أن عدد القسس الذين ارتكبوا جرائم من هذا النوع وأعلن عنها في الجرائد في الولايات المتحدة وحدها يصل إلى 1608 قسيسا و هذه بعض مواقع ضحايا الاعتداءات الجنسية لرجال الكنيسة الغربية :http://www.snapnetwork.org و http://www.thelinkup.org و http://www.survivorsfirst.org أما نتائج الإباحية المنحلة بين عوام النصارى في أكثر دول العالم فواضحة ولا تحتاج إلى بيان !
[42] من تفسير "في ظلال القرآن" بتصرف
[43] "الإسلام ليس فلسفة ولكنه منهاج حياة .. ومن بين سائر الأديان نرى الإسلام وحده ، يعلن أن الكمال الفردي ممكن في الحياة الدنيا ، ولا يؤجَّل هذا الكمال إلى ما بعد إماتة الشهوات الجسدية ، ومن بين سائر الأديان نجد الإسلام وحده يتيح للإنسان أن يتمتع بحياته إلى أقصى حدٍ من غير أن يضيع اتجاهه الروحي دقيقة واحدة ، فالإسلام لا يجعل احتقار الدنيا شرطاً للنجاة في الآخرة .. وفي الإسلام لا يحق لك فحسب ، بل يجب عليك أيضاً أن تفيد من حياتك إلى أقصى حدود الإفادة .. إن من واجب المسلم أن يستخرج من نفسه أحسن ما فيها ) من كتاب (الإسلام على مفترق الطرق) للمفكر محمد أسد ( كان يهوديا وأسلم ) ص 19- 25
[44] المستشرق روم لاندو في (الإسلام والعرب) ص(9-246)
[45]وكم من أناس دخلوا الإسلام بسبب رؤيتهم للمسلمين وهم يصلون. يقول المفكر الفرنسي رينان : "الإسلام دين الإنسان .. وكلما دخلت مسجداً هزني الخشوع وشعرت بالحسرة لأني لست مسلماً" وصدق الله العظيم إذ يقول ( رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ . ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )
[46] هذه الأمور وغيرها جعلت الكثيرين يدخلون الإسلام بمجرد سماعهم عنه أو تعاملهم مع المسلمين وإلا كيف انتشر الإسلام في الصين وروسيا وجنوب إفريقيا والأمريكتين؟؟
[47] وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم وتسليماته
[48] ولاحظ أن القرآن سمى سورة كاملة بسورة مريم و سورة أخرى باسم آل عمران ولم يسم سورا باسم فاطمة أو عائشة أو آل محمد
[49] رواه أحمد في مسنده
[50] و قال أيضا ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار
[51] قال تعالى : (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ {35} فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ {36} فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {37}‏ )
[52] مثال ذلك « لا تموت الآباء لأجل البنين، ولا البنون يموتون لأجل الآباء، بل كل واحد يموت لأجل خطيته » أيام 2- 25/4 .
و : « الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله » رومية 2/6 .و في التوراة «وكلم الرب موسى وهارون قائلاً: افترزا من بين هذه الجماعة فاني أفنيهم في لحظة. فخرّا على وجهيهما وقالا: اللهمّ اله أرواح جميع البشر، هل يخطئ رجل واحد فتسخط على كل الجماعة» العدد 26/23 ، واستجاب له فعذب بني قورح فقط. وأيضا (وأنتم تقولون لماذا لا يحمل الابن من إثم الأب . أما الابن فقد فعل حقاً وعدلاً حفظ جميع فرائضي وعمل بها فحياة ً يحيا . النفس التي تخطيء هي تموت . الابن لا يحمل من إثم الأب ، والأب لا يحمل من إثم الابن . برّ البارّ عليه يكون ، وشر الشرير عليه يكون ... فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقاً وعدلاً فحياةً يحيا. لا يموت ، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه في بره) حزقيال 18 : 19-22 .
[53] متى 12: 36
[54] كل مولود في الإسلام يولد على الفطرة مبرئا من كل خطيئة كالصفحة البيضاء ثم هو مسؤول عن نفسه أمام الله لا يحاسب إلا على سعيه
[55] استنتج المفكر البريطاني إينوك باول Enoch Powellفي كتابه تطور الإنجيل( The Evolution of the Gospel) بعد أن قام بإعادة ترجمة إنجيل متى من اليونانية إلى أن قصة الصلب لم تكن موجودة في النص الأصلي للأناجيل ولكنها أضيفت في مرحلة متقدمة
[56] المسيح والتثليث- د. محمد وصفي
[57] ( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 07:44 PM
يتبــع الموضوع السابق (10 )

رسالة إلى العقل والقلب



هوامش الموضوع ينقسم الى قسمين بسبب طوله




[58] ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ )
[59] تقول دائرة معارف لاروس : "إن تلاميذ المسيح الأولين الذين عرفوا شخصيته وسمعوا قوله كانوا أبعد الناس في الاعتقاد بأنه أحد الأقانيم الثلاثة... وما كان بطرس تلميذ المسيح يعتبر المسيح أكبر من رجل يوحى إليه.
[60] انظر أعمال (2/46) واقرأ ما كتبه الدكتور Robert Alleyالأستاذ بجامعة Richmond : " إن الفقرات التي يتكلم فيها المسيح عن ابن الله هي إضافات متأخرة تمثل ما كانت الكنيسة تعتقده وادعاء مثل هذا لا يتناسب مع حياة المسيح التي نتخيلها. فأول ثلاثة عقود بعد (موت المسيح) كانت المسيحية فرعا بداخل الديانة اليهودية وأول ثلاثة عقود في تاريخ الكنيسة كان وجودها داخل هيكل اليهود ولا يمكن تصور أبدا أن أتباع المسيح كانوا يعلنون ألوهية المسيح تحت هذه الظروف" و مما يجدر ذكره أن هذا الرجل فقد منصبه كرئيس قسم الأديان بالجامعة لقوله " لا يمكنني أن أتخيل ولو لدقيقة واحدة أن المسيح امتلك الشجاعة الكافية لكي بدعي الألوهية لنفسه"
[61] من " المسيح والتثليث" للدكتور محمد وصفي- بتصرف
[62] جاء في العهد القديم أن أنبياء آخرين قد حصلت لهم معجزة إحياء الموتى انظر حزقيال (1:37-10) وملوك أول (17:17-24) وملوك ثاني (22:4-27)
[63] قال تعالى عن المسيح عليه السلام(إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ )

[64] جاء تفسير مصطلح ابن الله بمعنى المؤمن بالله : ( وأما الوصف الذي قَبِلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باْسمه ) يوحنا : 1 : 12
[65] انظر ً : (خروج 4: 22 ، مزمور 2 : 7 ، وأخبار الأيام الأول 22 : 10.9 ، متى 5 : 9 ، ولوقا 3 : 38 و أما اطلاق المسيح هذا الوصف عن نفسه فلم يرد إلا في مكانين بإصحاحي 5, 11 بإنجيل يوحنا. يقول Hastingsفي قاموسه للكتاب المقدس إن استعمال المسيح لهذا المصطلح هو أمر مشكوك فيه ويقول شارل جنيبر: " والنتيجة الأكيدة لدراسات الباحثين، هي : أن المسيح لم يدع قط أنه هو المسيح المنتظر، ولم يقل عن نفسه إنه ابن الله... فتلك لغة لم يبدأ في استخدامها سوى المسيحيين الذين تأثروا بالثقافة اليونانية"
انظر: المسيحية، نشأتها وتطورها، ص.50.
[66] من كتاب سر الأزل
[67] من كتابه: الحق
[68] جاء في دائرة المعـارف الأمريكـية عن عـقـيدة التثـليث [.. أن عـقـيدة التثـليث هي العـقـيدة المسيحـية التي تقـول بالطبيعـة الثلاثية للإله هي عـقـيدة ليست من تعـاليم العـهد القـديم ولا توجـد في أي مكان بين ثناياه..] دائرة المعـارف الأمريكـية ط 1959
وقد اعترف كبار علماء اللاهوت في قاموس الكتاب المقدس أن : مادة التثليث لم ترد في الكتاب المقدس ويظن أن أول من صاغها هو ترنفيان في القرن الثاني الميلادي وقد خالفه الكثيرون ولكن مجمع نيقية أقر التثليث عام 325 أ.هـ. فانظر كيف يحفل الكتاب المقدس بقصص الزانيات والزواني ويخلو من أهم مبادئ العقيدة النصرانية !!
[69] . ومن يدري لعل هذه الجملة تروق لأباء الكنيسة يوما فيضيفونها في طبعات الكتاب المقدس الجديدة بدلا من الجملة الأصلية!!
[70] جاء في مقدمة هذا الكتاب
[ The writers of this book are convinced that another major theological development is called for in this last part of the Twentieth Century. The need arises from growing knowledge of Christian origins and involves a recognition that Jesus was (as he is presented in Acts 2.21) “A man approved by God “ for a special role within the Divine purpose, and that the later conception of him as God Incarnate, The Second Person of the Holy Trinity living a human life, is a mythological or poetic way of expressing his significance for us. ]. وترجمتها
و ترجمته: [ إن كُتَّاب هذا الكتاب مقتنعين بأن هناك، في هذا الجزء الأخير من القرن العشرين، حاجة ماسة لتطور عقائدي كبير آخر. هذه الحاجة أوجدتها المعرفة المتزايدة لأصول المسيحية، تلك المعرفة التي أصبحت تستلزم الاعتراف بعيسى أنه كان (كما يصفه سفر أعمال الرسل: 2/21): " رجل أيده الله " لأداء دور خاص ضمن الهدف الإلـهي، و أن المفهوم المتأخر عن عيسى و الذي صار يعتبره " الله المتجسد و الشخص الثاني من الثالوث المقدس الذي عاش حياة إنسانية " ليس في الواقع إلا طريقة تعبير أسطورية و شعرية عما يعنيه عيسى المسيح بالنسبة إلينا [
[71] انظر عدد 8 أبريل 98 بعنوان The Search For Jesus و15 أغسطس 88 بعنوان Who Was Jesusو 12 أبريل 2004 بعنوان Why Did Jesus Have To Die? و18 ديسمبر 95 بعنوان Is the Bible Fact or Fiction? فكلها أمثلة توضح حيرة الإنسان الغربي إزاء هذه العقيدة الغامضة
[72] وهنا أطلب من القارئ أن يحاول بنفسه تطبيق المعايير التي وضعناها في أول الرسالة للحكم على أي إنسان يدعي النبوة والرسالة على بولس هذا.
[73] يقول دجـوستاف ليون "ولو قـيل للحـواريـين الاثنى عـشر أن الله تجـسد في يسـوع. ما أدركـوا هذه الفـضيحـة ولرفـعـوا أصواتهم محـتجـين" حـياة الحـقائق / ص 163، و187
[74] أعمال 9/26
[75] تقول دائرة المعارف البريطانية في الإجابة عن هذا السؤال: "إن ارتحاله إليها كان لحاجته إلى جو هادئ صامت يتمكن فيه من تفكير في موقفه الجديد، وأن القضية الأساس عنده هي تفسير الشريعة حسب تجاربه الحديثة".
[76] يوحنا 8/17 ويلاحظ هنا أنه جعل الشهادة الأخرى هي شهادة الله عز وجل له. فهل بعد هذا نقول أن الله هو المسيح؟؟!
[77] فقد ذكر في أعمال الرسل إصحاح 9/7 أن الرجال المسافرين معه وقفوا يسمعون الصوت بينما في إصحاح 22/9 المسافرون لم يسمعوا الصوت وفي أعمال 9/4 أن بولس "وحده سقط على الأرض"ينما المسافرون وقفوا، وفي الرواية الثالثة أن الجميع
سقطوا، فقد جاء فيها " سقطنا جميعا على الأرض" أعمال 26/14
[78] وهذا يعطينا فكرة عن الأهداف التي كانت تحرك بولس. فأين هذا من قول الله للنبي أكثر من مرة في القرآن " اتق الله " ؟
[79] فأين هذا من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وقوله ( لا تفضلوني على يونس بن متى ) وقول الله له: (ليس لك من الأمر شيء) ؟
[80] لوقا 21:2
[81] عبرانيين 7/17
[82] قال فرانس أوفربيك Frans Overbeck(أحد قيادات رجال اللاهوت الأحرار) : إن كل الجوانب الحسنة التي تشهدها المسيحية ترجع إلى عيسى ، أما الجوانب السيئة (وهي تطغي على الجوانب الحسنة بأضعاف مضاعفة) فقد أحدثها بولس فيها. ( مبادىء المسيحية)
[83] يقول إريك بروك Erick Brockفي كتاب مبادىء المسيحية Die Grundlagen desChristentumsعن بولس: " إن أهم جذور كل البلاء الذي أصاب المسيحية جاءت من أفكاره، وكم نحن الآن في حاجة إلى أن نشير مراراً إلى أن الحقيقة تؤكد أن كل المفكرين الأحرار المعتدلين قد أشاروا إلى أن المباديء الخربة التي تتبناها المسيحية اليوم ما هي إلا مباديء مخزية ولكن لم يرق الحال للكنيسة لتخلصنا من هذه الرسائل والأفكار البولسية".
[84] يقول جوستاف لوبون كان بولس مفـطورًا على فـرط الخـيال وكانت نـفسه مملؤة بذكريات الفـلاسفة (حـياة الحـقائق) ص 163، 187
[85] لمسيحـية نشأتها وتطورها / شارل جـنيبر ص70 ويقول أيضا [.. لقـد تطورت المسيحية إلى تأليف ديني تجـمع فيه سائر العـقائد الخـصبة والشعـائر النابعـة من العاطفة الدينية الوثـنية قامت المسيحـية بترتيبهـا وتركـيبها وأضفـت إليها الانسـجام] وراجع كتاب The Bible Myths and their Parallels in other Religions لمؤلفه T.W Doaneوكتاب Mythology Christianity and
لمؤلفه John Mackinnon Robertson
[86] يقول الدكتور خالد شلدريك الذي أسلم بعد أن فهم عقيدة التثليث: "إن عقيدة الأب والابن من عقائد الوثنيين القدماء فإن البوذيين يعبدون بوذا في طفولته مع أمه ياما في نفس الصورة التي نراها منقوشة في كل كنيسة للمسيح في طفولته مع أمه مريم واتخذ النصارى من عيد الوثنيين للاعتدال الخريفي 25 ديسمبر موعد ولادة الشمس عندهم عيدا لميلاد المسيح" وقد كان الثالوث موجودا أيضا في ديانات وثنية سابقة ففي الهند كان عندهم الثالوث الإلهي براهما و كريشنا و سيفا وكان عند المصريين القدماء الثالوث إيزيس وأوزوريس وحورس وصدق الله العظيم إذ يقول ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) وهذا من إعجاز القرآن أنه أخبرنا كيفية نشأة عقيدة النصارى في المسيح. فهل كان محمد على اطلاع بتاريخ الحضارات القديمة؟
[87] يعلق المؤرخ أرنولد توينبي على مسألة أكل لحم المسيح وشرب دمه بأن سكان منطقة البحر المتوسط كانوا قديما يفعلون ذلك تقربا إلى أحد آلهة الإنبات التي تنبت عناصر الخبز والنبيذ في هذه المناطق وقد انتقلت هذه الطقوس إلى المسيحية عن طريقهم وليس لها أصل في الدين المسيحي. أ.هـ والآن أيها القارىء الفطن هل تظن حقا أن الخبز والخمر يتحول إلى جسد المسيح حقا؟ وإذا كان المسيح هو الإله فهل يصير الخبز والخمر لحم الإله ودمه؟؟ أللإله لحم ودم كالبشر؟! ألا تستحي أو تشمئز من أن تأكل لحم إلهك وتشرب دمه؟!!
[88] المسيحـية نشأتها / جـنيبر ص 105 وجاء في كتاب يسوع المسيح للقس بولس إلياس : ( لقد لقح الفكر المسيحي بالأفكار الوثنية وقد حافظت الكنيسة المسيحية على تقاليد الشعوب الوثنية و على تنوع الطقوس عند مختلف الطوائف) ثم يستطرد قائلا ( إنه في مفتتح القرن السابع الميلادي كتب البابا غريغورس الأول إلى القديس أوغسطينوس قائلا : "دع البريطانيين وعاداتهم واترك لهم أعيادهم الوثنية واكتف بتنصير تلك الأعياد والعادات مكتفيا بوضع إله المسيحيين موضع آلهة الوثنيين" )
[89] تكررت قصة بولس بحذافيرها في الإسلام مع رجل يهودي يدعى عبد الله بن سبأ لم ير النبي قط دخل الإسلام نفاقا ومواراة بعد وفاة النبي وأثار الفتن ضد عثمان بن عفان و نسب الألوهية لعلي بن أبي طالب وظهرت بسببه عقيدة التشيع التي أخذت كثيرا مما عند ديانة الفرس وهذا يدل على الدور الخبيث الذي يلعبه اليهود لتشويه العقائد على مر التاريخ.
[90] و من أمثلة ذلك ما صدر عن المجمع الفاتيكاني الثاني في الستينات من تبرئة اليهود من دم المسيح عليه السلام ضاربا بنصوص الكتاب المقدس عرض الحائط إكراما لليهود !!
[91] يقول العالم الألماني تولستوي في مقدمة إنجيله الخاص الذي وضع فيه ما يعتقد صحته: " لا ندري السر في اختيار الكنيسة هذا العدد من الكتب وتفضيلها إياه على غيره، واعتباره مقدساً منزلاً دون سواه مع كون جميع الأشخاص الذين كتبوها في نظرها رجال قديسون ... ويا ليت الكنيسة عند اختيارها لتلك الكتب أوضحت للناس هذا التفضيل...إن الكنيسة أخطأت خطأ لا يغتفر في اختيارها بعض الكتب ورفضها الأخرى واجتهادها.. ".و قال جـون لوريمر في تاريخ الكـنيسة عن هذه الأناجـيل [.. لم يصلنا إلى الآن معـرفة وافـية عن الكـيفـية التي اعـتبرت بها الكـتب المقـدسة كـتب قانونية..] فإذا كانت قـد فـرضت بالقـوة فـمن الذي فـرضها ولمصلحـة من ؟ وإذا كان ليس هـناك معـرفة عن كـيفـية اخـتيارها لتكـون كـتبًا قانونية فـكـيف تكـون مقـدسة؟
[92] هذا مثال واحد من آلاف الأمثلة وهو للأمريكية: Barbara A. Brown التي أسلمت في أوائل التسعينات وألفت كتاب A closer look at Christianity: ويمكنك قراءته من هنا http://home.swipnet.se/islam/books/Closer-Look/frcont13.htm
ويمكنك التعرف على نماذج أخرى ممن دخل الإسلام من http://thetruereligion.org/modules/xfsection
[93] فقد ظل مكتوبا باللغة اليونانية حتى القرن السادس عشر عندما تم ترجمته للغة اللاتينية التي يعرفها الناس وقد دفع أحد المترجمين حياته ثمنا لهذه الجريمة!!
[94] وجعلت الكنيسة البابا نائبا للمسيح على الأرض وبالتالي فأرائه غير قابلة للنقاش ، وما يحدده في العقيدة يعتبر قضـايا يقينية حتى كاد البابا أن يكون إلها رابعا (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً )!!
[95] برغم ما جاء في سفر الخروج : . (لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً، ولا صورة مما في السماء فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن، ولا تعبدهن؛ لأني أنا الرب إلهك، إله غيور ) 20/3- 6ولو كان استعمال هذه الصور والصلبان صوابا لاستعملت أيام المسيح أو في الثلاثة أجيال الأولى على الأقل
[96] مثل حركة البروتوستانت وهي تعني بالعربية المعارضين التي تزعمها مارتن لوثر في القرن السادس عشرو هي تخلو من كثير من هذه المظاهر الوثنية واستعباد البشر الذي عند طوائف النصارى الأخرى
[97] مثل ما جاء على لسان بولس : " إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر ليس هو، غير أنه يوجد قوم يزعجونكم، ويريدون أن تحولوا إنجيل المسيح " غلاطية 1/6-8 ويقول مرقس: " من يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها " ( مرقس 8/35). ويقول ،" انْطَلَقَ يَسُوعُ إِلَى مِنْطَقَةِ الْجَلِيلِ، يُبَشِّرُ بِإِنْجِيلِ اللهِ قَائِلاً: 15«قَدِ اكْتَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ. فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ "( مرقص 1/15-16 ) فأي إنجيل ترى كان هذا الذي يعنيه المسيح؟؟ أكان يدعو الناس للإيمان بإنجيل لم يُكتب بعد؟؟
[98] ويمكنك قراءة بعض فصوله بالعربية من: http://www.multimania.com/barnaba/ وبالإنجليزية من http://www.barnabas.net وهذه مقدمة إنجيل برنابا يوضح فيها سبب تأليفه لهذا الكتاب:
برنابا رسول يسوع الناصري المسمى المسيح يتمنى لجميع سكان الأرض سلاماً و عزاءً. 2- أيها الأعزاء إن الله العظيم العجيب( وهي تسمية لا تصح لله ) قد افتقدنا في هذه الأيام الأخيرة بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى.3- مبشرين بتعليم شديد الكفر. 4- داعين المسيح ابن الله. 5- ورافضين الختان الذي أمر الله به دائماً. 6- مجوزين كل لحم نجس. 7- الذين ضل في عدادهم أيضاً بولس الذي لا أتكلم عنه إلا مع بالغ الأسى. 8- وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع لكي تخلصوا ولا يضلكم الشيطان فتهلكون في دينونة الله. 9- وعليه فاحذروا كل أحد يبشركم بتعليم جديد مضاد لما أكتبه لتخلصوا خلاصاً أبدياً.
[99] عجيب أن يقرأ الإنسان في العهد القديم معتقدا بقدسيته بدون أن يدري على الأقل أسماء مؤلفي أسفاره!!
[100] جاء في مجلةLOOKعام 1952 في مقال بعنوان حقيقة الكتاب المقدس أن العهد الجديد وحده به نحو 20ألف خطأ !!
[101] Robert Kehl. Zeller
[102] جاء في خاتمة إنجيل يوحنا"هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا، وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق " ( يوحنا 21 / 24 ). فهذه الفقرة كما يقول المحققون دليل على عدم صحة نسبة الإنجيل إلى يوحنا، إذ هي تتحدث عن يوحنا بصيغة الغائب. إلا إذا كانت من إضافة أحد الناسخين أو المترجمين بدون إشارة منه بذلك وفي هذه الحالة ما الذي يضمن ألا تكون أجزاء أخرى هي من إضافة الناسخين؟
[103] يمكنك مراجعة ذلك بنفسك في الموسوعة البريطانية في أي مكتبة عامة تحت كلمة Bible أو Gospel
[104] يفهم من هذه المقدمة أمور أخرى منها: أن إنجيله خطاب شخصي، وأنه دوّنه بدافع شخصي، وأن له مراجع نقل عنها بتدقيق، وأن كثيرين كتبوا غيره، ولم يذكر لوقا في مقدمته شيئاً عن إلهام إلهي ألهمه الكتابة أو وحي من روح القدس نزل عليه. نقلا عن ( هل العهد الجديد كلام الله )
[105] فأين هذا من دقة تدوين الأحاديث النبوية التي يُعرف سلسلة رواتها من أول رجل سمعها من النبي إلي آخر رجل في السلسلة يرويها اليوم للناس كما سمعها و كل منهم يقول : قال فلان حدثنا فلان ؟؟
[106] جاء في مقدمة الطبعة الأمريكية المعدلة عام 1952 أن طبعة الملك جيمس حوت أخطاء جسيمة كثيرة جدا!
[107] يوجد اختلاف بين علماء التاريخ حول تاريخ ولادة المسيح عليه السلام
[108] Davies, A. Powell. The Meaning of the Dead Sea Scrolls.
[109] ويسمى أيضا Spouter or Preacher of lies
[110] انظر 4Q541 frag. 9 col. I ونبينا محمد هو الذي حارب أعداءه وحكم سيفه و بالتالي لا تنطبق هذه الصفات على غيره . والله اعلم
[111] مخطوطات البحر الميت - أحمد عثمان ص127- 147
[112] من أوائل من كتب فيه ريشارد سيمون (( Richard Simonفي كتابه التاريخ النقدي للعهد القديم Critical History of the Old Testament"."
[113] وما جاء على لسان الأب كارل رانير في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي انتهى عام 1965 قوله : " لقد أصبح من الصعب تصديق الأناجيل من كثرة ما تم بها من تحريف وقد ألح العديد من رجال الكهنوت في المجمع على ضرورة القيام بمراجعة الأناجيل حتى لا يصاب المسيحيون بالإحباط وحتى لا يتعرض المثقفون للفضيحة وحتى لا تتعرض العقيدة المسيحية نفسها للسخرية !!"
[114] ( هل العهد الجديد كلمة الله ) ص 151
[115] Foi en la Resurrection, Resurrection de la foi""
[116] Initiation to the Gospels.
[117] عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال(إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة - أو إن الشيطان- ليقطع علي الصلاة، فأمكنني الله منه، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد، حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: {رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي}) فرده الله خاسئا
[118] يقول ( ول ديورانت) فى كتابه المشهور قصة الحضارة "مهما يكن من امر هذه الكتابات الغرامية فان وجودها فى العهد القديم سر خفى .... ولسنا ندرى كيف غفل او تغافل رجال الدين عما فى هذه الاغانى من عواطف شهوانية واجازوا وضعها فى الكتاب المقدس" الجزء 3 صفحة 388 .
[119] من كتاب هل العهد القديم كلمة اللـه ؟؟ د. منقذ السقار
Maurice Bucaille, The Bible, The Quran and Science[120] يمكنك قراءته من : http://home.swipnet.se/islam/books/maurice/frcont15.htm
[121] يقول الدكتور روبرت في كتابه " حقيقة الكتاب المقدس " :" لا يوجد كتاب على الإطلاق به من التغييرات والأخطاء والتحريفات مثل ما في الكتاب المقدس "، وينقل روبرت أن آباء الكنيسة يعترفون بوقوع التحريف عن عمد، وأن الخلاف بينهم محصور فيمن قام بهذا التحريف. ومن الطريف أن د. روبرت قد أعد لمطبعة " تسفنجلي " مذكرة علمية تطبع مع الكتاب المقدس، ثم منع من طبعها، ولما سئل عن السبب في منعها قال : " إن هذه المذكرة ستفقد الشعب إيمانه بهذا الكتاب ". ولعل أهم أمثلة تحريف الطبعات قاطبة ما جاء في رسالة يوحنا الأولى " فإن الذين يشهدون (في السماء هم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والذين يشهدون في الأرض) هم ثلاثة الروح والماء والدم، والثلاثة هم في الواحد " ( يوحنا (1) 5/7 - 8)، والفقرة الأولى التي تتحدث عن شهود السماء غير موجودة في النسخ القديمة، وقد كتب إسحاق نيوتن رسالة بلغت خمسين صفحة أثبت فيها تحريف هذه العبارة التي بقيت في سائر الطبعات والتراجم بلغات العالم المختلفة إلى أواسط هذا القرن. وكانت بعض الطبعات العربية القديمة قد وضعتها بين هلالين لتدل على عدم وجودها في المخطوطات القديمة كما في ترجمة الشرق الأوسط 1933م، ومثلها صنعت طبعة دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، لكن الفقرة موجودة بدون أهلة في سائر التراجم العربية سوى ترجمة العالم الجديد البرتسنتية وترجمة الكاثوليك العربية المسماة بالرهبانية اليسوعية، فإنهما أزالتاها ، واعتبرتا نص التثليث المهم نصاً دخيلاً ملحقاً بالكتاب المقدس. وفي عام 1952م أصدرت لجنة تنقيح الكتاب المقدس نسخة ( R. S. V)، النسخة القياسية المراجعة، وكان هذا النص ضمن ما حذفه المنقحون، لكن هذا التنقيح لم يسرِ على مختلف تراجم الإنجيل العالمية. وكذلك ما جاء مرقص(16/9-20) فإنها موجودة في بعض النسخ دون بعض فقد ذكر جورج بوست في قاموس الكتاب المقدس أنها لم تكن في الكتب القديمة وغير ذلك من نصوص مثل يوحنا 53:7 ويوحنا8 :1 -11 ومتى 17 :21
[122] من كتابه هل الكتاب المقدس كلام الله ص 17

القلب الحزين
12-01-2014, 07:47 PM
معركة ملاذكرد من أيام المسلمين الخالدة


تعد معركة "ملاذكرد" من أيام المسلمين الخالدة، مثلها مثل بدر، واليرموك، والقادسية، وحطين، وعين جالوت، والزلاقة، وغيرها من المعارك الكبرى التي غيّرت وجه التاريخ، وأثّرت في مسيرته، وكان انتصار المسلمين في ملاذكرد نقطة فاصلة؛ حيث قضت على سيطرة دولة الروم على أكثر مناطق آسيا الصغرى وأضعفت قوتها، ولم تعد كما كانت من قبل شوكة في حلق المسلمين، حتى سقطت في النهاية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح.
كما أنها مهدت للحروب الصليبية بعد ازدياد قوة السلاجقة المسلمين وعجز دولة الروم عن الوقوف في وجه الدولة الفتية، وترتب على ذلك أن الغرب الأوروبي لم يعد يعتمد عليها في حراسة الباب الشرقي لأوروبا ضد هجمات المسلمين، وبدأ يفكر هو في الغزو بنفسه، وأثمر ذلك عن الحملة الصليبية الأولى.
السلطان محمد الملقب ألب أرسلان أي الأسد الشجاع:
تولى ألب أرسلان زمام السلطة في البلاد بعد وفاة عمه طغرلبك، وكانت قد حدثت بعض المنازعات حول تولي السلطة في البلاد، لكن ألب أرسلان استطاع أن يتغلب عليها. وكان ألب أرسلان -كعمه طغرل بك- قائداً ماهراً مقداماً، وقد اتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمه في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة ، قبل التطلع الى أخضاع أقاليم جديدة، وضمها إلى دولته. كما كان متلهفاً للجهاد في سبيل الله ، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدولة المسيحية المجاورة له، كبلاد الأرمن وبلاد الروم، وكانت روح الجهاد الإسلامي هي المحركة لحركات الفتوحات التي قام بها ألب أرسلان وأكسبتها صبغة دينية، وأصبح قائد السلاجقة زعيماً للجهاد، وحريصاً على نصرة الاسلام ونشره في تلك الديار، ورفع راية الاسلام خفاقة على مناطق كثيرة من أراضي الدولة البيزنطية[1].
لقد بقي سبع سنوات يتفقد أجزاء دولته المترامية الأطراف، قبل أن يقوم باي توسع خارجي.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/Clip_7.jpg الشكل يبين دولة السلاجقة في القرن الخامس الهجري

وعندما أطمئن على استتباب الأمن، وتمكن حكم السلاجقة في جميع الأقاليم والبلدان الخاضعة له، أخذ يخطط لتحقيق أهدافه البعيدة، وهي فتح البلاد المسيحية المجاورة لدولته، وإسقاط الخلافة الفاطمية العبيدية في مصر، وتوحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسية السنيّة ونفوذ السلاجقة، فأعد جيشاً كبيراً أتجه به نحو بلاد الأرمن وجورجيا، فافتتحها وضمها إلى مملكته، كما عمل على نشر الاسلام في تلك المناطق[2]. وأغار ألب أرسلان على شمال الشام وحاصر الدولة المرداسية في حلب، والتي أسسها صالح بن مرداس على المذهب الشيعي سنة 414هـ/1023م وأجبر أميرها محمود بن صالح بن مرداس على إقامة الدعوة للخليفة العباسي بدلاً من الخليفة الفاطمي/ العبيدي سنة 462هـ/1070م[3]. ثم أرسل قائده الترك أتنسز بن أوق الخوارزمي في حملة الى جنوب الشام فأنتزع الرملة وبيت المقدس من يد الفاطميين العبيديين ولم يستطيع الاستيلاء على عسقلان التي تعتبر بوابة الدخول الى مصر، وبذلك أضحى السلاجقة على مقربة من قاعدة الخليفة العباسي والسلطان السلجوقي داخل بيت المقدس[4].
لقد أغضبت فتوحات ألب أرسلان دومانوس ديوجينس امبراطور الروم، فصمم على القيام بحركة مضادة للدفاع عن امبراطوريته. ودخلت قواته في مناوشات ومعارك عديدة مع قوات السلاجقة، وكان أهمها معركة ملاذكرد في عام 463هـ الموافق أغسطس عام 1070م[6] قال ابن كثير: وفيها أقبل ملك الروم ارمانوس في جحافل أمثال الجبال من الروم والرخ والفرنج، وعدد عظيم وعُدد ، ومعه خمسة وثلاثون ألفاً من البطارقة، ومعه مائتا ألف فارس، ومعه من الفرنج خمسة وثلاثون ألفاً، ومن الغزاة الذين يسكنون القسطنطينية خمسة عشر ألفاً ، ومعه مائة ألف نقّاب وخفار[7]، وألف روزجاري، ومعه أربعمائة عجلة تحمل النعال والمسامير، وألفا عجلة تحمل السلاح والسروج والغرادات والمناجيق، منها منجنيق عدة ألف ومائتا رجل، ومن عزمه قبحه الله أن يبيد الإسلام وأهله، وقد أقطع بطارقته البلاد حتى بغداد، واستوصى نائبها بالخليفة خيراً، فقال له : ارفق بذلك الشيخ فانه صاحبنا، ثم إذا استوثقت ممالك العراق وخراسان لهم مالوا على الشام وأهله ميلة واحدة، فاستعادوه من أيدي المسلمين ، والقدر يقول : {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} سورة الحجر: الآية : 72. فالتقاه السلطان ألب أرسلان في جيشه وهم قريب من عشرين ألفاً، بمكان يقال له الزهوة، في يوم الأربعاء لخمس بقين من ذي القعدة، وخاف السلطان من كثرة جند الروم، فأشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري بأن يكون وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين ، فلما كان ذلك الوقت وتواقف الفريقان وتواجه الفئتان، نزل السلطان عن فرسه وسجد لله عز وجل، ومرغ وجهه في التراب ودعا الله واستنصره، فأنزل نصره على المسلمين ومنحهم أكتافهم فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وأسر ملكهم ارمانوس، أسره غلام رومي، فلما أوقف بين يدي الملك ألب أرسلان ضربه بيده ثلاثة مقارع وقال : لو كُنت أنا الأسير بين يديك ما كنت تفعل؟ قال : كل قبيح، قال فما ظنك بي؟ فقال: إما أن تقتل وتشهرني في بلادك، وإما أن تعفو وتأخذ الفداء وتعيدني. قال : ما عزمت على غير العفو والفداء. فأفتدى منه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار. فقام بين يدي الملك وسقاه شربة من ماء وقبل الأرض بين يديه، وقبل الأرض إلى جهة الخليفة إجلالاً وإكراماً، وأطلق له الملك عشرة ألف دينار ليتجهز بها، وأطلق معه جماعة من البطارقة وشيعه فرسخاً، وأرسل معه جيشاً يحفظونه إلى بلاده، ومعهم راية مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله،....[8].
لقد كان نصر ألب أرسلان بجيشه الذي لم يتجاوز خمسة عشر ألف محارب على جيش الإمبراطور دومانوس الذي بلغ مائتي ألف، حدثاً كبيراً، ونقطة تحول في التاريخ الاسلامي لأنها سهلت على اضعاف نفوذ الروم في معظم أقاليم آسيا الصغرى، وهي المناطق المهمة التي كانت من ركائز وأعمدة الإمبراطورية البيزنطية. وهذا ساعد تدريجياً للقضاء على الدولة البيزنطية على يد العثمانيين.
لقد كان ألب أرسلان رجلاً صالحاً أخذ بأسباب النصر المعنوية والمادية، فكان يقرب العلماء ويأخذ بنصحهم وما أروع نصيحة العالم الرباني أبي نصر محمد بن عبدالملك البخاري الحنفي، في معركة ملاذكرد عندما قال للسلطان ألب أرسلان: إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره و إظهاره على سائر الأديان. وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين.
فلما كان تلك الساعة صلى بهم، وبكى السلطان ، فبكى الناس لبكائه، ودعا فأمنوا، فقال لهم من أراد الإنصراف فلينصرف، فما ههُنا سلطان يأمر ولا ينهى. وألقى القوس والنشاب ، واخذ السيف، وعقد ذنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله، ولبس البياض وتحنط وقال: إن قتلت فهذا كفني[9] الله أكبر على مثل هؤلاء ينزل نصر الله.
وقتل هذا السلطان على يد أحد الثائرين واسمه يوسف الخوارزمي وذلك يوم العاشر من ربيع الأول عام 465هـ الموافق 1072م ودفن في مدينة مرو بجوار قبر أبيه فخلفه أبنه ملكشاه[10].
المرجع الرئيسي : كتاب الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط تأليف الدكتور علي محمد محمد الصلابي (http://www.quran-m.com/words/alathmaneea.rar)
[1] انظر: قيام الدولة العثمانية ، ص20.
[2] انظر: قيام الدولة العثمانية، ص20.
[3] انظر: السلاطين في المشرق العربي ، د.عصام محمد ، ص25.
[4] انظر: مرآة الزمان لسبط بن الجوزي، ص161.
[5] المصدر السابق نفسه، ص20.
[6] النقاب والخفار: من ينقب ومن يحفر.
[7] البداية والنهاية 12/108.
[8] انظر : تاريخ الاسلام للذهبي ، حوادث ووفيات 461،470، ص2.
[9] انظر: قيام الدولة العثمانية، ص21.
مصدر الصور موقع الموسوعة الحرة http://en.wikipedia.org/wiki/Main_Page

القلب الحزين
12-01-2014, 07:49 PM
ثلاث رسائل تبادلها سلاطين المسلمين مع ملوك أوروبا / كيف كُنا ؟



بقلم الدكتور: عبد الرحيم الشريف
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم
الرسالة الأولى:
بعث جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد برسالة إلى السطان هشام الثالث في الأندلس، جاء فيها:
إلى صاحب العظمة / خليفة المسلمين / هشام الثالث الجليل المقام ....
من جورج الثاني ملك إنجلترا والنرويج والسويد ...
بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل... لتكون بداية حسنة لاقتفاء أثركم، لنشر العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة.
وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة (دوبانت) على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش، والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وفي حماية الحاشية الكريمة..
وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.
من خادمكم المطيع
جورج الثاني [1]
====================
الرسالة الثانية:
بعث ريتشارد قلب الأسد برسالة إلى صلاح الدين الأيوبي جاء فيها:
من ريكاردوس قلب الأسد ملك الإنجليز إلى صلاح الدين الأيوبي ملك العرب
أيها المَولَى..
حامل خطابي هذا بطل باسل صنديد، لاقى أبطالكم في ميادين الوغى، وأبلى في القتال البلاء الحسن، وقد وقعت أخته أسيرة، فقد كانت تدعى (ماري) وصار اسمها (ثريا).
وإن لملك الإنجليز رجاء يتقدم به إلى ملك العرب وهو: إما أن تُعيدوا إلى الأخ أخته، وإما أن تحتفظوا به أسيراً معها، لا تفرِّقوا بينهما ولا تحكموا على عصفور أن يعيش بعيداً عن أليفه.
وفيما أنا بانتظار قراركم بهذا الشأن، أذكِّركم بقول الخليفة عمر بن الخطاب ـ وقد سمعته من صديقي الأمير حارث ـ وهو: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ ".
فردَّ عليه صلاح الدين على رسالة ريتشارد..
من السلطان صلاح الدين الأيوبي إلى ريكاردوس ملك الإنجليز
أيها الملك: صافحتُ البطل الباسل الذي أوفدتموه رسولاً إليّ، فليحمل إليكم المصافحة مما عرف قدركم في ميادين الكفاح.
وإني لأحب أن تعلموا بأنني لم أحتفظ بالأخ أسيراً مع أخته؛ لأننا لا نُبقي في بيوتنا سوى أسلاب المعارك، لقد أعدنا للأخ أخته. وإذا ما عمل صلاح الدين بقول عمر بن الخطاب، فلكي يعمل ريكاردوس بقولٍ عندكم: " أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". فرُدَّ أيها الملك الأرضَ التي اعتصبتَها إلى أصحابها، عملا بوصية السيد المسيح عليه السلام. [2]
=============
الرسالة الثالثة:
ملك بريطانيا (جون لاكلاند) يعرض الدخول تحت ظل دولة الخلافة الإسلامية
في عام 1213م أرسل (جون لاكلاند) ملك إنجلترا وفدا سرياً مكونا من ثلاثة أشخاص إلى (محمد الناصر) حاكم المغرب وإفريقيا وإسبانيا جاء فيها أنه يسره أن يضع بريطانيا أمانة بين يديه ويتخلى عن الاعتقاد بالديانة المسيحية ويتمسك ويلتزم بكل إخلاص بدين وعقيدة محمد.
ولكن محمد الناصر رفض هذا العرض لأنه عدَّ ملك إنجلترا أحمق لا يستحق التحالف معه، ومما جاء في رده:
" لم أقرأ أو أسمع قط أن ملكاً يمتلك مثل هذه البلاد المزدهرة الخاضعة المطيعة له عن طواعية، يقوم بتدمير سيادته واستقلاله بجعل بلده الحر يدفع الجزية لغريب، فماً أنها يجب أن تكون ملكه وحده.. ".
ثم برر رفضَ عرض ملك بريطانيا بالحلف معه لأنه: " ملك ضيِّق الأفق والتفكير وأحمق وخرف وغير جدير بالتحالف معي ".
ولما قرأ الملك رد محمد الناصر بكى، وغضب من الوفد وطالبهم بأن لا يجعلونه يراهم مجدداً ! [3]
للتواصل:
د. عبد الرحيم الشريف
[email protected] ([email protected])
الهامش:
============================
1) بتصرف عن كتاب: تاريخ سوريا، للكاتب السوري نادر العطار.
2) بتصرف عن كتاب: العرب عنصر السيادة في القرون الوسطى، للمؤرخ الإنجليزي جون داونبورت.
3) صحيفة صنداي تايمز 22/10/1978 نقلاً عن كتاب ( The Tatars Khan`s English) للمؤرخ الإنجليزي الخبير بشؤون القرن الثالث عشر الميلادي (Gabriel Rany).

القلب الحزين
12-01-2014, 07:55 PM
الكارثة والحلقة المفقودة في الدعوة



بقلم الدكتور حسين رضوان اللبيدي
الحبيب الشقيق: بعد عملية إحصائية طويلة شملت قمم المثقفين وقادة الفكر في الأمة تبين ما يأتي : هناك ملايين من أمة الإسلام لا تعلم يقينا لماذا القرآن الكريم هو كلام الله ، وأنه الوحيد الخالد المحفوظ بلا بديل ؟ ولماذا الإسلام هو دين كمال البشرية العالمي الخالد بلا منافس، وانه طوق النجاة للحضارة العالمية ؟
وتستطيع بنفسك أن تستطلع ذلك فيمن حولك لتعلم ذلك يقينا، وذلك يشكل كارثة تطول عقل الأمة وقادة الفكر والثقافة فيها.
وعلاج هذه الكارثة يشكل حلقة مفقودة في الدعوة الإسلامية
وهذا العمل مساهمة منا في ذلك ولدينا المزيد فلنتواصل
الوحي العالمي الخالد
هيا بنا نتفكر ساعة قبل قيام الساعة لنصل إلى الحق واليقين والحق أحق أن يتبع .
أتوقن يا أخي بأن لكل صنعة صانع حتى ولو كانت عود ثقاب أو دبوسا بسيطا ؟ ( نعم أوقن ) ، أتوقن يا أخي بأن الصنعة إذا كانت تتجلى فيها الدقة والعلم والحكمة والتقدير فإن الصانع لابد وأن يكون عليما وحكيما وقديرا ؟ ( نعم ) فبماذا توقن عندما ترى كونا من حولك غاية في العظمة والتقدير تتجلى فيه أعلى درجات الحكمة والعلم والدقة من ذراته إلى مجراته ومن أرضه إلى سمائه ؟ ( أوقن بأن من فوقه خلاق له صفات الكمال ) . هل تشك يا أخي أن الصانع الماهر يتابع صنعته بإرسال الفنيين يحملون النصح والتوجيه والكتالوج حتى تعصم صنعته من التلف وتسير على أكمل وجه يرتضيه الصانع ؟ ( لا أشك ) كيف وخالق ذلك الكون المنظم البديع أيترك المكلفين بلا توجيه أو هداية ؟ الذي قدر للكون العظيم حركته ونظامه ( هل ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، وهل ترى من فطور ؟ )إن الوحي حق والرسل والرسالات حق .
أن الإنسان المخلوق يصيغ في حياته القوانين بأوامرها ونواهيهاويفعلها بالثواب والعقاب، فهل يكون للمخلوق ما ليس للخالق العظيم الحكيم ؟ أن الوحي حق ويوم الحساب حق. هل توقن يا أخي بأن الصانع يهدف من وراء صنعته إلى هدف غايته الكمال ؟ ( أوقن ) كيف وخالق ذلك الكون العظيم ذو التقدير المحكم؟
* إذا كانت غاية خلق الأرض أن تمهد لك ، وغاية خلق القمر أن ينير ويؤقت لك، وغاية خلق الشمس الجبارة أن تمنحك الطاقة ولا تحرقك ، وغاية خلق الرياح والبحار والأنهار أن تحفظك وتخدمك ، وغاية خلق العقل المكلف أن يجعلك تتفكر في كل ذلك وتسأل : ما الهدف والغاية الذي من أجله خلقت وسخرت لي كل تلك الأشياء من الذرات إلى النجوم والأقمار والطاقات والكائنات الحية ، ومنحت من أجله عقلا كونيا راقيا مزودا بقناة تبحث عن الحكمة ؟
فيسمع القلب منذ ( ألست بربكم حتى نزول الفرقان ) يسمع ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فيتساءل القلب كيف نعبدك ربى عبادة ترضى بها عنا فيسمع القلب ( اتبع ما يوحى )
والوحي الحق أرسله العليمالحكيم - كبرنامج مكمل - يصاحب القلب ( العقل المكلف ) - سريع التقلب - في رحلة التكليف يهديه إذا ضل ويقومه إذا اعوج ويشفيه إذا مرضويحميه من اختراق الشياطين، بشيرا ونذيرا.
ولقد شاءت إرادة العليم الحكيم أن تتنزل رسالاته على مراحل وفقا لمراحل أطوار البشرية ، كما أن الطفل المولود حديثا يناسبه لبن الأم الخفيف المتوافق مع سنه حتى إذا ما بلغ أشده احتاج إلى غذاء معقد أكثر ثراء وتركيزا ينسخ به ما سبقه من غذاء بسيط ، وهكذا جاءت الرسالات متتالية حتى انتهت برسالة دين كمال البشرية العالمي الخالد الإسلام نسخت فيها وبها ما سبقها ، وليس النسخ باللاحق معناه العيب والقصور في السابق فالكل حق من الحق ، والوحي الأخير فيه كل ما سبقه من الحق وزيادة .
وقد يقف العقل البسيط حيرانا أمام ظاهرة يعيشها في هذا الزمان، إنها ظاهرة وجود كتب متعددة بينها اختلاف يجر إلى صراع وخلاف ، يدعي صاحب كل كتاب أن كتابه هو وحي السماء الوحيد الخالد المحفوظ ، فأين الحق من بين ما هو متاح أمام العقل المكلف الحر ؟
التوراة حق والإنجيل حق وكل ما نزل من عند الله حق، وليس من المعقول أن يجعل الله - العليم الحكيم الرحمن الرحيم- رسالات متعددة ومختلفة في فترة زمنية واحدة تدفع عباده للتخاصم والتفرق بل للتصارع ، ولكن الحق هو أن يبقى حق وحيد في أي فترة زمنية يشكل قبلة يتوحد عليها عباده فلا يضلوا ولا يتصارعوا .
فكيف نتعرف على ذلك الحق الوحيد المحفوظ من بين ما هو معروض - أمام العقل المكلف الحر - من نصوص متعددة وغير متطابقة ؟ لابد للعقل أن يضع شروطا منطقية عادلة يتعرف من خلالها على أن ذلك النص أو ذلك الكتاب كلام الله المحفوظ ، وهذه الشروط العقلية المنطقية العادلة يمكن تلخيصها فيما يأتي :
* كلام الله يحس المستمع إليه أنه يأتى من أعلى محاط بالجلال والجمال يأسر العقل ويهز الوجدان.
* كلام الله معجز بكل المقاييس ، وخال تماما من التناقض والاختلاف والتحريف والكلام الفاحش
* كلام الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي .
* كلام الله ينزه الله مما لا يليق بكماله وينزه رسل الله مما لا يليق بحملة رسالاته.
* كلام الله يحتوى على برنامج عقلي يأخذ بالعقل المكلف على مدارج السالكين في عالم الشهود حتى إذا وصل إلى منتهاه أطل إلى عالم الغيب وكأنه يراه، فيؤمن بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر.
* كلام الله العالمي الخالد يحتوى على منهاج عالمي يحقق العدل والتوازن بين الإنسان ونفسه والإنسان وأخيه الإنسان والإنسان والكون من حوله.
*كلام الله يصف الكون في أدق تفاصيله ويشير إلى حقائق علمية من الذرة إلى المجرة، ومن النطفة إلى العقل البشري تتطابق مع الحقائق العلمية المكتشفة بأدق وسائل التقنية الحديثة.
فإذا لم تنطبق هذه الخصائص على كتاب قيد الفحص فأني أحكم عليه بأنه مزيف، وإذا انطبق بعضها ولم ينطبق البعض الآخرفأني أحكم عليه بأنه محرف مشكوك فيه، وإن انطبقت كل هذه الشروط على كتاب فأني أوقن بأنه كلام الله الخالد الباقي المحفوظ ليدين به المكلفون فيقودهم إلى الهدى ودين الحق.
والدراسات العلمية العالمية البعيدة عن التعصب والعصبية بينت يقينا أن تلك الشروط العقلية والمنطقية لا تنطبق – فيما هو متاح أمامنا - إلا على كتاب وحيد لا ريب فيه إنه القرآن الكريم بلا منافس أو بديل .
* فهو الكتاب الوحيد الذي يحس المستمع إليه أنه يأتي من السماء ( روح النص ).
لأن روح النص مخالفة لروح لغة البشر وأن كان من جنس لغتهم، ينشط العقل والوجدان، فيه مطلق العبودية لله الواحد القهار التي لا تكون لأحد حتى النبي المختار ، يحمل ميزان الحق والعدل والحرية لكل عبيده بلا عنصرية .
( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدى به من يشاء من عباده ومن يضلل الله فما له من هاد ) 23الزمر
* وهو الوحيد الخالي تماما من التناقض والاختلاف والتحريف والمحفوظ كما أنزل .
(أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا)82النساء( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً) 1الكهف (إنانحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (الحجر 9 )
(وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) (فصلت 42)
* وهو معجز في معانيه ومبانيه .
( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) الإسراء (88 ) وفى البقرة(23) ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله 0000000 )
* وهو الوحيد الذي ينزه الله مما لا يليق بكماله ، وينزه الرسل مما لا يليق بحملة رسالات الله .
( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) سورة الإخلاص
( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) الحديد 25
* وهو الوحيد الذي أشار إلى حقائق علمية تصف الكون من الذرة إلى المجرة ومن النطفة إلى الخلق الآخر وصفا علميا يتطابق مع الحقائق العلمية المكتشفة بعد نزوله بزمان ليكون في ذلك دليل على صدق الرسالة وصدق الرسول وعالمية الإسلام( سنريهم ءاياتنا في الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء قدير )53 فصلت
* وفيه برنامج مكمل للعقل المكلف يعدل اعوجاجه ويشفى أمراضه
( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين )57 يونس
ويذكره بأن يأخذه في رحلة عقلية على سلم الأسباب في عالم الشهود حتى إذا وصل إلى منتهاه أطل إلى عالم الغيب وكأنه يراه فيؤمن ( وهو في ذلك بلا منافس أو بديل ). ( ولِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأَرْضِ واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأَرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ (190) الَذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وقُعُوداً وعَلَى جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السماوات والأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (191) ( آل عمران )
* أن فى القرآن وعلوم الإسلام دستورا عالميا يحقق العدل والتوازن بين الإنسان ونفسه والإنسان وأخيه الإنسان والإنسان والكون من حوله ( بلا منافس أو بديل ) .
( أن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي )
* القرآن خال تماما من الكلمات الفاحشة التي لا تليق بكلام الله، وكل ما جاء فيه دعوة إلى التوحيد الخالص والعلم والطهارة والعدل والصدق التي تأخذ المكلفين من دنيا القردة والخنازير إلى جنة التوحيد.
( وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ) 105 الإسراء
* القرآن يهيمن على ما سبقه من رسالات ويحتوى على نص صريح بأنه الخاتم .
* ولقد أخبر عن الغيب فصدق ( يشمل الغيب العلمي والتاريخي )(تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى) 4طه
الإسلام دين الله العالمي الخالد ( طوق النجاة للحضارة العالمية )
والإسلام ( الكتاب والسنة ) يمكن تلخيصه في هدفين :
الهدف الأول : توحيد الله وتنزيهه وان له صفات الكمال والإيمان برسالات الله واليقين بيوم الحساب.
( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) سورة الإخلاص
( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) الحديد.
( ولِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأَرْضِ واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأَرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ (190) الَذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وقُعُوداً وعَلَى جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السماوات والأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (191) ( آل عمران )
أن النفس التي توقن بالحي القيوم القادر على كل شيء الملجأ الرحمن الرحيم لا تكتئب أبدا ، والنفس التي تعتقد في الرقيب الحكم العدل ويوم الحساب لا تتوحش ، وهذا هو طوق النجاة للحضارة العالمية المهددة .
والهدف الثاني: هداية البشرية إلى حياة الحق والعدل والطهارة والحرية .
( أن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي )ويقول الحق :
( قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) سورة القصص آية77
)الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا ( سورة البقرة275
ونقرأ في القرآن والسنة ما يؤكد معنى الوحدة الإنسانية، مثل قوله سبحانه: )يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ( ، وفى قوله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم لآدم وآدم من تراب ) و (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ) كل ذلك يوضح ويجدد معنى الوحدة الإنسانية الكاملة الحقيقية التي يدعوا إليها الإسلام .
ولهذا المعنى الجامع بين بنى الإنسان كان الإسلام يدعوا إلي الرحمة الإنسانية من غير نظر إلي كون الشخص عربيا أو أعجميا، مسلما أو غير مسلم ، فالرسول يقول :[ الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ]، ومن في الأرض أيا كانوا سواء أكانوا في بلاد المسلمين أم في غيرها ، والإسلام اعتبر النفع الإنساني _ أو مطلق نفع يسديه المسلم _ صدقة محتسبة ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم :[ ما من مسلم يزرع زرعا أو يغرس غرسا فيأكل منه إنسان أو دابة إلا كتب له به صدقة ]، فالنفع الإنساني العام ، بل النفع للأحياء جميعا ، أمر دعا إليه الإسلام
وقال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: [ المؤمن من يأمن الناس بواتقه ] وقال رسول الله ( الناس ) ولم يقل المسلمون ، وأيضا يقول صلى الله عليه وسلم [ المسلم من سلم الناس من يده ولسانه ] فهذه المعاني الإنسانية العالية هي التي تبين وحدة بنى الإنسان ، لا تفرق بين جنس وجنس ، ولا لون ولون ، ولا دين ودين ، وأن البر يجب أن يكون بالإنسان لذات الإنسان .
ولكي يقارن العقل نعرض هذه الفقرة عن الحرب في الإسلام: إن الإسلام قد جعل القاعدة الأساسية في حروبه مكافحة البغي والعدوان حتى لا يكون هناك مجال للاضطراب الذي يهدد الأمن ، ويذيق الإنسانية والبشرية الويلات والشرور ، وهي لم تكن إلا وسيلة من وسائل الإصلاح في الأرض ، وإقرار الأمن والسلام فوقها ، ولم يحد الإسلام مرة واحدة عن هذه القاعدة الأساسية . ولم يك عجيبا أن يتجلى فيها أروع أمثلة النبل والرحمة والعدالة. ومن أخلاقيات الإسلام في الحرب أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بما يأتي :[ لا تقتلن امرأة ولا صغيراً ضرعا ( ضعيفاً ) ولا كبيراً فانياً ، ولا تغرقن نخلاً ، ولا تقلعن شجراً ، ولا تهدموا بيتاً ] ولم يصل النبل بالمسلمين إلى حد الترفع عن قتل الضعفاء فحسب بل تعداه إلى الحيلولة دون جرح إحساسهم وخدش شعورهم. ولقد شمل النبل في حروب المسلمين الأسرى من الأعداء إذ وصى صلى الله عليه وسلم عليهم فقال [ أحسنوا آسرهم، وقيلوهم واسقوهم، ولا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السلاح ]. وهذا من خلق القرآن الذي يتجلى في وصف الحق للأبرار في سورة الإنسان في قوله: ( ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) وفيها جعل الحق حسن معاملة الأسرى عبادة لله وتقربا إليه، فأي دين أعظم من ذلك، وأي دليل على الصدق أصدق من ذلك .
والدراسات والمراجع والمناظرات الصادقة المحايدة لمدارس مقارنة الأديان والكتب المقدسة أكدت ذلك .
* وهاهو العالم يتحول إلى غابة من الوحوش والقردة والخنازير ويتجه إلى الهلاك بأمراضه الخطرة ، فإنكار الخالق القدير الرحيم الحكم العدل وإنكار يوم الحساب دفع النفس البشرية إلى الاكتئاب أو التوحش ، فانتشرت الفواحش والجرائم والمسكرات ، وأخترع الأنانيون الظلمة من بني البشر طاعون الربا ( أم المظالم ) ، فانتشرت جرائم العنف وردود أفعال المظلومين ، وانتشرت الأمراض الفتاكة كالإيدز وجنون البقر ومضاعفات الخمور والمخدرات وجرائم الاغتصاب والسرقات والقتل والظلم ، ولا حل للبشرية إلا في الرجوع إلى الإسلام انه طوق النجاة لها بلا منافس أو بديل ، فكل ما جعله حلال سعادة للبشرية وكل ما حرمة فيه خراب لها .
* فيا أمة التوحيد أن ما بك من مهانة وزل وتخلف بسبب انسلاخك عن النبع الصافي واحة الأمن والأمان في حمى العزيز المهيمن القهار، فهل تقارنين بين حالك الآن وحالك عندما كنت بهوية الإسلام عندما تحركت خيول النصر تحمل رايات التوحيد والحق للأرض كلها . فهل تعودي إلى دين كمال البشرية العالمي الخالد فى حمى من يقول للشيء كن فيكون ؟
الحبيب الشقيق لا تنسى الأمل في الرجوع إلى هوية الحق هوية الإسلام والوحدة فيه ، وأن تجعل ذلك مشروع حياتك قبل مماتك ، وأن تسعى من أجل ذلك بالنصح والعلم والفكر والرحمة والمودة ، بالحكمة والموعظة الحسنة كما بين الهدى ونور الحق بلا كلل أو فتور أو ملل ، سخر كل إمكانياتك واتصالاتك للتواصى بهذا الأمل الغالي الذي من أجله خلقت ، ولا تنسى أن من يلوز بحمى الله فلا غالب له ومن يتوكل عليه فهو حسبه .
( صور من هذا العمل ما تستطيع وإرساله إلى من تحب أن تصل إليه دعوة الحق ليكون ذلك فى ميزان حسناتك ( ولابد أن يكون التصوير واضحا ونقيا ) ، بارك الله فيكم وجعل سعيكم مشكورا وذنبكم مغفورا ومتعكم بالصحة والعفو والعافية في الدنيا والآخرة إنه نعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين وللمزيد يمكنك للتوسعة الرجوع إلى كتب مقارنة الأديان ، وكتب الإعجاز العلمي في مجال ( الكونيات والإنسانيات )
ملحوظة في فقه المرحلة:
نوجه هذا النداء الهام إلى علماء الأمة: يا علماء الأمة توحدوا لتشكلوا مرجعية ملزمة لكل الأمة تعلنوها في اجتماع لكم لإبراء الذمة في بيت الله الحرام، ففي توحدكم وإجماعكم وإعلانكم إبراء لذمتكم – المحاسبون عليها – وإنقاذا لأمتكم من التفكك والاختراق والصراع وإنقاذا لدينكم من شن حرب عالمية عليه ، أن لم تفعلوها تكن فتن تحاسبون عليها حسابا عسير لأن الله أكرمكم بنعمة حمل أمانة دينه العالمي الحق ألا هل بلغت اللهم أشهد ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولدينا مجموعة من البرامج العالمية للدعوة منها : اليقين --- الوحي العالمي الخالد --- الدين العالمي الخالد – القرآن والمخ والعقل والنفس ، وبرامج أخرى غير مسبوقة
د/ حسين رضوان اللبيدى
( مدير مستشفى )بمصر وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة سابقا
وعضو جمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بالقاهرة وجنوب
للتوصل مع:
[email protected]
0020127580446

القلب الحزين
12-01-2014, 07:57 PM
هل القرآن يغني عن السنة ؟


بقلم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
هناك من يقول في هذا العصر، بل في هذه السنوات الأخيرة بالذات: إن القرآن يغني عن السنة. فينبغي أن نطرح الثانية ونكتفي بالقرآن وحده.
وقبل أن نتهم هذه المقولة وأصحابها بالشرود عن الحقيقة وعن ميزان المنطق، ينبغي أن نتبين وجهة نظرهم والمعنى الذي يقصدون إليه من وراء هذه الأطروحة.
إنهم يقصدون أن يؤكدوا لنا أن القرآن حوى كل شيء، وأن يذكرونا بقوله عز وجل : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء) [الأنعام: 38]، وإذا كان القرآن قد حوى فعلاً كل شيء، وكان تبياناً لكل شيء، فما الحاجة إذن إلى إضافة شيء مّا إليه؟ .. ما الحاجة إلى السنة مادام الانضباط بكتاب الله سبحانه وتعالى يبصرنا بكل شيء؟ .. هذا بالإضافة إلى أن القرآن كله منزل من عند الله يقيناً، ولا مجال للريب في شيء منه. أما السنة فقد اختلط فيها الصحيح بالموضوع بالضعيف بالمنكر، وأصبح تمييز الصحيح فيها عن غيره أمراً عسيراً.
ولذلك فخير لنا أن نريح وأن نستريح، وأن نعتمد على القرآن وحده، لاسيما وإن القرآن فيه كل ما نتطلبه، وفيه كل ما نبحث عنه.
هذه باختصار هي وجهة نظر أرباب هذه المقولة، فما موقفنا منها؟ وما هي النقاط التي نأخذها على هذه الأطروحة؟
سنضع هذه الأطروحة الأخرى في ميزان المنطق العلمي ذاته الذي وضعنا فيه المقولات أو الأطروحات السابقة، فإن وجدنا أن هذا الميزان قد أثبت صحتها، أخذنا بها، ودافعنا عنها، وإلا فلابد أن نكشف عن عوارها وأن نحذر منها، وأن نبين الخلفيات الكامنة وراءها.
بادئ ذي بدء، أقول إننا إذا تأملنا في كتاب الله سبحانه وتعالى الذي ندعى إلى الأخذ به وحده، سنجد أن الأخذ بهذه الأطروحة، أو بهذه المقولة، يستلزم الإعراض عن القرآن ذاته، بل أقول لكم: إنه يستلزم تخطئة القرآن.
و فاتني أن أبين لكم أولاً المعنى الشرعي للسنة، وهو: كل ما أُثر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من قول أو فعل أو تقرير، على أن يصل ذلك إلينا بطريقة صحيحة، طبق المنهج المرسوم عند علماء مصطلح الحديث، تلك هي السنة.
إذن أعود فأقول بادئ ذي بدء، إننا إن أخذنا بهذه الأطروحة القائلة: القرآن يغني عن السنة، فلسوف نجد أنفسنا نعرض عن القرآن ذاته، الذي نزعم أننا نريد أن نتمسك به ولا نتمسك بغيره، بل لسوف نجد أنفسنا نخطئ القرآن فيما يقول.
وآية ذلك أننا عندما نصغي إلى كتاب الله عز وجل لا نجده يقول: اكتفوا في فهم دينكم وإسلامكم بهذا الكتاب، بكلامي وحده، بل هو يقول لنا: اجعلوا من سنة محمد (صلى الله عليه وسلم) بياناً لكل ما استغلق عليكم من كلامي، اجعلوا من سنة محمد (صلى الله عليه وسلم) المقتدى الثاني بعد هذا الكتاب.
لو رأينا القرآن يقول لنا لا تتمسكوا إلا بهذا الكتاب، إذن فذلك يكفي دليلاً على صحة هذه الأطروحة، ولكنا نظرنا فرأيناه يأمرنا أمراً جازماً باتباع السنة إلى جانب القرآن، وبتحكيم كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى جانب القرآن، أليس الإلحاح على اطّراح السنة بعد هذا إعراضاً بيِّناً صريحاً عن القرآن ذاته.
وماذا يقول القرآن، في هذا، بصريح العبارة والنص؟
إنه يقول : (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله)[النساء: 64].
ويقول : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله) [النساء : 80]، ويقول ( وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )[الحشر: 7]، ويقول: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )[النساء: 59]، ويقول (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )[النحل: 44].
هل أزيدكم فأضعكم أمام آيات أجلى و اصرح مقرونة بالتحذير والتهديد. حسناً، يقول جل جلاله:( فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)[النساء : 65].
فهذه آيات صريحة واضحة قاطعة في الأمر باتباع رسول الله فيما يقول ويفعل من أمور الدين وفيما يشرح ويبين به نصوص القرآن، وبأن نطيع الرسول كما نطيع القرآن وبأن نجعل من كلام محمد (صلى الله عليه وسلم) بياناً لما استغلق علينا من كلام الله.
وأحب أن أنبه إلى أن قول الله سبحانه وتعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)[النساء: 65]إنما نزل في خصومة وقعت بين رجلين من المسلمين، وجاءا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليقضي بينهما، وقضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، بعد أن سمع وحقق، لأحدهما، فقال له الآخر: ألأجل أنه ابن عمتك، أو لأنه قريبك، فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)[النساء: 65].
ومعلوم أن هذا الذي قضى به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يكن تنفيذاً لآية موجودة في القرآن، وإنما كان بحكم من عنده، ومع ذلك فقد أعلن القرآن أن الإنسان لا يعدّ، أياً كان، مؤمناً بالله إلا إن قبل حكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخضع له، ثم لم يجد في نفسه أي حرج تجاهه. فها هو القرآن ينفي سمة الإيمان عمن لم يُحكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما يقوله ويقضي به من أمور، حتى ولو كان القرآن ساكتاً عنه.
فإذا جاء بعد هذا من يقول: لا، بل القرآن يغني عن السنة، ولا داعي إلى تحكيم السنة، أليس موقفه هذا معارضة صريحة للقرآن ذاته؟؟
بل أليس هذا الموقف ينطوي على تخطئة للقرآن ذاته؟
وكيف يكون هذا الموقف تحكيماً للقرآن، إذا كان صاحبه يخطئ القرآن، ويعرض عن أوامره، أو عن كثير من أوامره(صلى الله عليه وسلم)؟
ويبدوا أن رسول الله أُخبر من قبل ربه عز وجل أن في الناس من سيعمدون إلى سنة رسول الله فيمزقونها ويبعدونها عن مجال الأخذ بها والاعتماد عليها في فهم القرآن، بسلاح بهلواني كاذب من القرآن ذاته فنبه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك وحذر منه.
من ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم)، فيما رواه العرباص بن سارية أن النبي (صلى الله عليه وسلم) وعظ أصحابه موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقال له أحد الصحابة : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: " أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة " والحديث حسن صحيح، رواه أبو داود، الترمذي وابن ماجة وأحمد.
كذلك يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه أبو داود والترمذي " يوشك رجل متكئاًَ على أريكته يحدث بحديث عني فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال حلّلناه وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه. ألا وإن الذي حرّمه رسول الله مثل الذي حرّمه الله سبحانه وتعالى " .
وإن في تصوير رسول الله لحال هؤلاء الناس، ما يكشف عن استكبارهم على السنة وصاحبها تحت غطاء التحاكم إلى القرآن. ولعمري إن في من كانت هذه هي حاله لا يمكن أن يكون وفياً للقرآن الذي لم يصلنا إلا عن طريق رسول الله، ولا أن يكون صادقاً في الالتزام به!..
قد يقول هؤلاء: عذرنا الذي يدفعنا إلى إبعاد السنة لا يتمثل في أننا نكذّب كلام محمد (صلى الله عليه وسلم)، أو في أننا نستهين بسنته، بل إننا بدافع من الغير عليها والحماية لها نطالب في هذا العصر بالإعراض عنها، إذ قد اختلط الصحيح منها في هذا العصر بالضعيف والمنكر والموضوع، والتبس على الباحث هذا بهذا بذاك، وإنما سبيل الحفظ لكرامة رسول الله وسنته في هذه الحال أن نبعدها عن التحكيم خوفاً من أن نقع في الزيف، ومن أن ننسب إلى رسول الله ما هو منه بريء.. هذا ما قد يقوله بعض منهم، فما هو جوابنا عن هذه المعذرة؟
جوابنا أن هذا الكلام فيه ما يدل على أن هؤلاء الناس أعرف بما قد آلت إليه السنة من الله سبحانه وتعالى!! إنهم يتهمون الله بالجهل، ويتهمونه بأنه لا يعلم مآل هذه السنة النبوية، في حين أنهم هم الذين عرفوا وتبينوا هذا المآل.
لقد قال الله عز وجل خطاباً للناس في سائر العصور والأحقاب ( من يطع الرسول فقد أطاع الله)[النساء: 80].
وقال ( وما آتاكم الرسول فخذوه)[الحشر:8] وقال: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)[النحل: 44] دون أن يعلم أن الأوامر الصحيحة التي نطق بها رسول الله ستمتزج بالمزيفة والموضوعة والضعيفة، ومن ثم فلن يتأتى للناس الطاعة المطلوبة منهم لرسول الله، في حين أن هؤلاء الناس هم الذين عرفوا ذلك من دون الله عز وجل!!!
أفهذا هو كلام من يؤمن بالله ؟؟؟
أم هل هذا كلام من يؤمن بأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى ويصرّ على تحكيمه والأخذ به ؟
وكيف يحكّم القرآن ويأخذ به من يخطّئه في قراراته وتعليماته؟ !
على أننا نقول: من هذا الذي قال لكم إن سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) امتزج فيها الصحيح بالباطل بالزيف بالضعيف، ولم يعد يستبين للباحث هذا من ذالك ؟ من قال هذا الكلام؟
السنة النبوية المطهرة أول كتاب، أو أول موضوع ومصدر من مصادر الشريعة الإسلامية بعد القرآن وُقي من الزيف، وإليكم بيان ذلك:
كلنا نعلم أن هنالك وضاعين، وضعوا أحاديث مكذوبة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهنالك أحاديث ضعيفة وهنالك أحاديث منكرة، لاشك في هذا ولا ريب، ولكن مَن مِن المثقفين لا يعلم أن الله عز وجل قيض لهذه السنة علماً من أعجب العلوم التي تكاد ترقى إلى درجة الإعجاز، قيضه الله لحماية الحديث الصحيح من الدخيل ومن الزيف ومن الموضوع ونحوه.
أما سمع أصحاب هذه الأطروحة بعلم يسمى علم مصطلح الحديث؟
أما سمعوا بعلم يسمى علم الجرح والتعديل؟ أو ما بلغهم السبب الذي من أجله ظهر علم الجرح والتعديل وعلم مصطلح الحديث؟
من المعلوم أن الذي دفع العلماء، في أواخر القرن الأول وأوائل القرن الثاني، إلى إيجاد هذين العلمين إنما هو حماية حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
فعلم مصطلح الحديث صنف الأحاديث وقسمها إلى أحاديث آحاد وأحاديث متواترة، وقسم حديث الآحاد إلى أحاديث صحيحة وحسنة وضعيفة وموضوعة، والضعيفة قسمت أيضاً إلى أقسام، ووضعت ضوابط محددة لكل من هذه الأقسام. ولسنا الآن بصدد الحديث عن تفصيلات قواعد هذا العلم، ولقد وجدت مؤلفات كثيرة تحوي الأحاديث الموضوعة، ولكن وجودها أكبر شاهد ودليل على نقيضها أي على أن الأحاديث الموضوعة، إنما هو الوجه الآخر لاهتمامهم بتصفية الأحاديث الصحيحة من الزغل ومن الزيف.
وإذا أردنا أن نتساءل عن العهد الذي كاد أن يختلط فيه الحديث الصحيح بالضعيف بالموضوع فإنه على كل حال ليس هذا العهد، وإنما هو القرن الأول والثاني من عصر الهجرة النبوية المشرفة، في ذلك الوقت حاول الدساسون، وحاول الوضاعون أن يسربوا الأحاديث الباطلة إلى كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وسرعان ما قام علماء الحديث فتداركوا .. وفرزوا .. وصنفوا.. وميزوا الأحاديث الصحيحة عن الأحاديث الباطلة والموضوعة.
أما اليوم فالأمر لا يحتاج إلى جهد، ولا يحتاج إلى فرز، لأن أولئك العلماء أتعبوا أنفسكم و بذلوا الجهد الذي بذلوه، ثم صنفوا المصنفات المختلفة وأوضحوا لنا قائمة الأحاديث الآحاد، والأحاديث المتواترة، الأحاديث الآحاد الصحيحة والضعيفة وغيرها، وبوسع أي باحث إذا أراد أن يستدل بحديث ذكره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يرجع إلى المراجع الخاصة بهذا العلم، فيتبين الحديث الصحيح من الحديث الضعيف.
فيا عجباً لمن يأتي في هذا العصر، تماماً كما قال رسول الله، في مظهر من الكسل المستكبر الذي يأتي سمجاً ثقيلاً على النفس والعقل معاً، متكئاً على أريكته ليقول لنا: نحن لا نستطيع أن نستبين الأحاديث الصحيحة من الأحاديث الضعيفة، لنعمل بالأولى ونتجنب الثانية، فلنستعض عن السنة كلها بالقرآن.
ونقول له: تلك هي مصنفات الأحاديث المختلفة مفروزة منسقة مبينة أمامك، وما عليك إلا أن تمد يدك ثم تفتح عينيك وعقلك لتقرأ ! ولكن ماذا كنت تقول يا ترى لو أنك كنت تعيش في القرن الأول أو الثاني من الهجرة ؟ إذن لمزقت السنة النبوية كلها، و لخنقت الإسلام كله في ضباب كسلك!!!
هذا ما نقوله في الرد على من يتثاءب تثاؤب الكسول الثقيل، ثم المستكبر فوق ذلك كله على كتاب الله وسنة رسوله، ليتأفف قائلاً: إنه لمن الصعوبة بمكان أن نلتقط الأحاديث الصحيحة المميزة عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
تلك هي المعذرة الأولى التي تصطنع اليوم لإبعاد السنة النبوية عن مجال الاحتجاج بها، وللتفريق الذي حذر القرآن منه بين الله ورسوله.
فما المعذرة الأخرى؟
المعذرة الأخرى هي دعوى أن في أحاديث رسول الله ما لا يتفق مع أعراف العصر، أو لا ينسجم مع مقتضى الحضارة والمدينة الحديثة.
وربما ساقوا مثالاً على ذلك حديث رسول الله الذي رواه البخاري في صحيحه وابن ماجة في سننه أنه (ص) قال: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم ليلقه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، وإنه يتقي بجناحه الذي فيه داء )وربما استشهد على ذلك أيضاً بحديث جابر الذي يرويه مسلم في صحيحه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر بلعق الأصابع والصحفة، أي وعاء الطعام. وقال: (إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة )وربما أضافوا إلى هذين الحديثين أمثالهما.
فأصحاب هذه الأطروحة يقولون: كيف يمكن أن ينسجم مع المدينة الحديثة حديث يأمر إذا وقع الذباب في شراب أحدنا أن يغمسه كاملاً ثم يلقيه، مع ما يبعث ذلك في التقزز في النفس!!
أم كيف يتفق مع المدينة الحديثة أن نأخذ أنفسنا بهذه الوصية الثانية: إذا أكل أحدنا ثم قام من طعامه أن يلعق أصابعه التي أكل بها، وأن يمسح الوعاء الذي كان فيه الطعام حتى لا يبقى في قعره شيء.
تلك هي الحجة الأخرى، فما موقفنا من هذا الكلام.؟
أقول قبل كل شيء: ما هو مقياس المدنية التي ينبغي أن نأخذ أنفسنا بها، وأن نخضع لإيحاءاتها؟
الجواب المنطقي هو أن مقياس المدينة الحديثة: كل ما يتفق مع المنطق والعلم، وكل ما يتفق مع الفطرة الإنسانية والحاجات الأصلية لبني الإنسان.. لا شك أن مدينة تستوحي قوانينها من المنطق والعقل ومن الحاجات الأساسية لبني الإنسان يجب أن نتبعها.
أما المدنية الشاردة وراء هذين الضابطين فلا أعتقد أن الإنسان العاقل ملزم باتباعها، بل هو ملزم بالتحرر منها، بل على المسلمين أن يقفوا في وجه هذه المدنية، وأن يبذلوا ما يملكون لتصحيحها وتقويم عوجها. إذ إنهم أصحاب رسالة، وأمّة تخطيط وإبداع، وليست مهمتهم أن يكونوا ذيولاً إمّعات، يسيرون وراء تقليد الناس، إن أحسنوا يحسنون، وإن أساؤوا يسيئون.
هذا هو موقفنا من المدنيات والحضارات كلها.
على ضوء هذا الميزان، أقول: ما هي مشكلة حديث الذبابة الذي يقوم ويقعد به طائفة من الناس انتقاصاً لسنة رسول الله وتكريهاً للناس بها؟!
تعالوا نفهم معنى الحديث أولاً: يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) " إذا وقع الذباب في شراب أحدكم " أي إذا وقع فعلاً ولم تُجد الوقاية " فليغمسه ثم ليلقه "أي لا يلقين الذباب خارج الشراب حتى يغمسه كله فيه. وهو حرّ بعد ذلك في أن يتلف الشراب أو أن يستبقيه. وهذا الأمر سببه أن " في أحد جناحي الذبابة داء وفي الآخر شفاء وأنها تتقي بجناحها الذي فيه داء " فاقتضت الحيطة أن يلاحق الداء بالدواء، خوفاً من أن يبقى من ذلك الشراب شيء فيشربه من لا يعلم شيئاً عن هذا الذي وقع فيه، فيؤذيه الداء المتسبب عن ذلك.
ومعنى قوله " وإنه يتقي بجناحيه الذي فيه داء " أن الذباب إذا اتجه ساقطاً، اتجه إلى حيث يسقط، مائلاً بجناحه الذي فيه أذى وداء، تماماً كأي حيوان يلدغ، من شأنه أن يتجه إلى الجهة التي يسقط نحوها بالإبرة التي يدافع بها عن نفسه. ومعنى كلام رسول الله أن في الطرف الآخر من الذباب نقيض الداء الذي يتقي به عند السقوط، فليقض على الداء بنقيضه بغمس الذباب كلياً ثم طرحها في الخارج.
فهذا هو أولاً معنى الحديث!!
نقول بعد هذا: أفنتهم محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه مخطئ جاهل؟ إذن فلماذا لا نتهمه بالجهل والخطأ ذاته عندما أخبرنا بالوحي الذي يأتيه من الله عن أمور الغيب.؟ أليس حديثه وحياً عن أحداث ما بعد الموت أغرب وأعجب من حديثه عن الذبابة وكيفية تخليص الشراب منها؟!
وأنا أشهد أن الذي يرتاب في كلام رسول الله عن الذبابة أن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، لابّد أن يرتاب في كلامه إذ يتحدث عن عذاب القبر، أو عن سؤال الملكين، أو عن قيام الناس لرب العالمين، لكنه قد يغص باستنكار تلك الإخبارات الأخرى خوفاً من أن يتهم بالكفر، في حين أنه لا يغص بهذا الكلام محتجاً بأنه لا يتفق مع معطيات المدينة الحديثة، بل ربما قال لا يتفق مع العلم!!
والآن تعالوا نعرض كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا على موازين العلم وحقائقه: أولاً أنا أعلن أنني لست مختصاً بشيء مما يتعلق بالجراثيم ونقائضها، ولست طبيباً، ولست ممن يحلل خصائص الحيوانات، ويستبين ما فيها من أضرار وما فيها من منافع، ولكني بدون أن أطلع على شيء من هذا، وبدون أن أصغي السمع إلى أصحاب هذا الاختصاص، يكفيني لقبول هذا الكلام واليقين به أن أعلم بأن محمداً (صلى الله عليه وسلم) قد قاله، وأتبّين أنه قد وصلني بسند متصل صحيح ليس فيه شذوذ ولا علة.
إنني قد وثقت به في كلام أعجب وأخطر من هذا، أفلا أثق به عندما يحدثني عن الضرر الكامن في أحد جناحي الذبابة وعن المصل الواقي لهذا الضرر في الجناح الثاني؟ وكيف لا أصدقه وقد صدقت أنه رسول من عند الله، وأن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه، وأن الله عصمه من الخطأ، وإن أخطأ فيما بينه الله فإن الله سبحانه وتعالى يصحح له علمه وإدراكه.
ولكن أقول للإخوة الذين لم تتكامل الثقة برسول الله في نفوسهم، تعالوا نتساءل ماذا يقول العلم الحديث عن هذا الذي قاله رسول الله (ص) عن الذبابة؟
أجل: العلم الحديث.. وإني لأتمنى أن لا يستعجل الذين يشمئزون من كلام رسول الله، ممن لم تتشبع عقولهم بنبوته وبالوحي الذي كان يتلقاه من الله عز وجل، فيسيئوا إلى العلم من حيث يتبجحون باحترامه والأخذ به.
تعالوا نضع ما قاله علماء هذا العصر عن الذبابة وما تحمله في داخلها:
تنقل جريدة تشرين الدمشقية في العدد الصادر يوم 16/6/1987 خبراً عن جريدة شنغهاي الصادرة عام 1987، يقول: ( اكتشف علماء صينيون مؤخراً أنه يوجد في جسم حشرة الذبابة نوع من البروتينات النشطة التي تملك قدرة كبيرة على إبادة الجراثيم الكامنة فيها والمسببة للأمراض.
ونقلت (شينخوا) عن صحيفة ( شينمين ) الصينية قولها : إن هذه الحشرة المقززة للنفس تملك بروتينات قوية قادرة على إبادة الفيروسات والجراثيم بشكل قاطع، إذا بلغت كثافتها حداً معيناً، وأضافت الصحيفة أنه يؤكد أن في جسم الذباب أيضا ً مادة الدهن، وخاصة في اليرقات التي تحتوي على نسبة كبيرة من المغنيزيوم والكاليسوم والفوسفور. ويفكر العلماء باستخراج هذه المواد من جسم الذبابة، ليكون مصدراً جديداً لمركبات قاتلة للجراثيم ).
ثم نشرت الصحيفة ذاتها، صحيفة تشرين الدمشقية في تاريخ 20/6/1987 الخبر التالي عن " شنغهاي ": ( اكتشف العلماء أنه توجد في جسم الذبابة بروتينات نشطة تقاوم الجراثيم، والمعروف أن هذا النوع من البروتينات النشطة له قدرة كبيرة على إبادة الجراثيم المسببة للأمراض .
و ذكرت جريدة الشعب الصينية الصادرة في (( شنغهاي )) التي نشرت هذا النبأ أن البروتينات النشطة التي يمتلكها الذباب تقدر على إبادة جميع الجراثيم و الفيروسات التي تحملها الذبابة إبادة تامة، إذا بلغت كثافتها واحداً في العشرة ألاف، و قال النبأ: إنه سوف يصبح للبشر مضاد جديد للجراثيم له قدرة جبارة لا مثيل لها، إذا تم استخراج هذه البروتينات الغريبة من جسم الذبابة ).
أليس هذا الكلام الذي تقوله صحيفة صينية بل صحف صينية، نقلاً عن علماء و أطباء لا علاقة لهم بالدين، و لم يسمعوا شيئاً عن حديث الذبابة، و لم يقفوا وقفة تساؤل، لا إيمان و لا استنكار عن شخص محمد عليه الصلاة و السلام، أليس هذا الكلام يسجد لنبوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟
من ذا الذي يتلجج في الجواب عن هذا السؤال؟.
أليس موقفاً مقززاً أكثر من تقززنا من الذبابة، أن يقف أحدنا من كلام سينا محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا الموقف العاجل، قبل أن يتبين العلم، و قبل أن يصغي إلى كلام العلماء والأطباء، وأصحاب الاختصاص.
أليس مما يبعث على الاشمئزاز أن أتخذ هذا الموقف المستعجل من كلام رسول الله، و أن أتباهى بالعلم، و أنا بأمس الحاجة إلى شيء من العلم؟ أعتقد أن هذا الموقف يبعث على الاشمئزاز أكثر من الاشمئزاز الذي تنبعث به نفوسنا عندما نجد ذبابة وقعت في شراب.
و في هذه المناسبة أذكر لكم حواراً، جرى بيني و بين العالم و الطبيب الفرنسي المرحوم "موريس بوكاي" لنتبين الفرق بين موقف بعض المسلمين التقليديين الذين جمعوا بين مشكلتين اثنتين: مشكلة عدم الثقة برسولهم محمد عليه الصلاة و السلام، و مشكلة عدم استيعاب العلوم الحديثة و سبل التعامل معها، فوقفوا مستكبرين بين جهالتين سمجتين، و بين عالم أوروبي غير مسلم في الظاهر (( لم يعلن موريس بوكاي إسلامه، و لكنه أخبرني أنه مسلم يمارس الإسلام و يلتزم بأحكامه في منزله و حياته الشخصية، و هو شأن كثير من الأوروبيين المشهورين أو ذوي الوظائف الحساسة اليوم. ((
أعطاني كتابه الذي كان قد أصدره ذلك العام و عنوانه : " القرآن و الكتب السماوية و العلم الحديث" ، قلبته فوجدته يستشهد فيه على أن القرآن كلام الله عز و جل بالفرق الذي يتصوره بين القرآن و الحديث، و يقول: لا يمكن أن نعثر في شيء من القرآن على كلام يتعارض مع العلم، و هو دليل على أن القرآن كلام الله، في حين أن محمداً إذا نطق من عنده ربما قال كلاماً لا يؤيده العلم، و رأيته يستشهد في هذا بحديث الذبابة، قلت له إنك طبيب، فهل درست كل ما يوجد في جسم الذبابة من خصائص ضارة و مفيدة، و هل انتهيت إلى أن كلام رسول الله يناقض العلم، أم إنك جاهل بخصائص الذبابة و ما فيها، لأنه ليس من اختصاصك، فكان الرجل منصفاً في الجواب، و قال: بل أنا جاهل، إنني طبيب، و لكني لست أعلم عن خصائص الذباب شيئاً، و هذا يحتاج إلى دراسة مستوعبة.
قلت له: فأعتقد أن العلماء الذين لهم اختصاص دقيق في هذا الجانب، اكتشفوا هذا الذي يقوله رسول الله و أكدوا أن في الذبابة آفات خطيرة جداً جداً، لا يقضي عليها إلا نقيض لها في داخل جسم الذبابة.
ثم قلت له: أرجو أن لا تنسى الفرق بين عدم اكتشاف العلم لما قاله رسول الله و اكتشاف العلم لنقيض ما قاله رسول الله، و أعتقد أن حالنا اليوم يتخذ الموقف الأول، لا الثاني.
فأصغى باهتمام بالغ و قال لي: سأعدك أن أزيل الاستشهاد بهذا الحديث من كتابي هذا في الطبعات التالية.
دعوني أضعكم من هذا المثال أمام أناس هم في الظاهر غير مسلمين، لكنهم يحترمون العلم، و البحث العلمي، و في وقفة سريعة من أحدهم، و تنبيه بسيط من إنسان مثلي، يتخلى عن رأيه معتقداً أن تصحيح الخطأ من أقدس الواجبات.
بينما ننظر إلى أناس من أبناء جلدتنا مسلمين، لم يصلوا إلى شيء من العلوم التي وصل إليها أمثال (موريس بوكاي) الطبيب المشهور في فرنسا، و لكنهم في الوقت ذاته لم يتشبعوا بالإيمان و أركانه و لا هم تشبعوا بالعلوم الحديثة و حقائقها. و إنما أصروا على أن يقفوا – كما قلت لكم – بين جهالتين، مستكبرين بهذا الموقف الذي اتخذوه !!..
فهذا هو جوابنا عن المستنكرين لحديث الذبابة، و هنالك وثائق أخرى تتضمن كلمات لأطباء و علماء آخرين من الغرب تؤكد هذا الذي نقلته صحيفة تشرين، و لربما أجمعها و أنشرها في كتيب خاص إن شاء الله.
أما حديث رسول الله فيما يرويه جابر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يأمر بلعق الأصابع بعد الانتهاء من الطعام، و لعق الصحفة، أي الوعاء الذي فيه الطعام، فأنا أسأل: ماذا ترون في هذا الأمر النبوي مما يتناقض مع الإنسانية السامية، و مع الوفاء مع نعم الله عز و جل و عطائه؟ أما أنا فلا أجد في ذلك إلا صورة للوفاء السامي للنعمة و الشكر الواجب للمنعم!..
كان العرب يأكلون بأصابعهم، و لم تكن هذه الأشواك و الملاعق موجودة، فماذا تريد أن يقول رسول الله لمن قام عن الطعام و أصابعه مغموسة ببقايا منه؟..

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 07:59 PM
يتبــع الموضوع السابق

هل القرآن يغني عن السنة ؟

هل تريد أن يقول: لا عليه أن يغسل يده من بقايا هذا الطعام، و أن يجعلها تذهب إلى المصارف، فتمتزج مع القاذورات ؟!..
هل هذا هو المتفق مع مدنيتك التي تعتز بها؟ و هل هذا هو الذي يتفق مع مقتضى الشكر على نعمة أسداها الله عز و جل إليك؟ أم هل تريد من رسول الله أن يقول لك: إذا رأيت أنك قد تركت بقايا طعام في أطراف الإناء فما عليك إلا أن تقوم مشمئزاً منها معرضاً عنها، و لا عليك، و قد أشعرك الشبع بالقرف منها، أن تلقي فوقها من رماد دخينتك، و ما قد مسحت به فمك و أنفك من قطع المحارم الورقية!!.. أغلب الظن أن رسول الله لو علمك أن تفعل هذا لهللت و استبشرت و كبرت، و انتشيت لهذه التعليمات التي تتفق مع مدنيتك.
و لكن تعالوا نضع هذه المدنية الحديثة في الميزان، ميزان الذوق الإنساني الرفيع، ميزان الوفاء للمنعم عز و جل، أي عاقل يقول: إن هذا الميزان يقضي بأن يترك الإنسان بقايا الطعام بهذا الشكل بعد أن يشبع، بل يقضي بأن يتعمد ترك شيء منه في الطبق و أن يقوم عنه قيام المشمئز منه و المترفع فوقه ؟!..
إن الذي يفعل هذا إنسان لئيم بغير شك!..
و لكي تعلم صدق ما أقول قارن بين حالتك و أنت جائع شديد الجوع حتى لكدت أن تقع في مسبغة مهلكة، ( و كلنا معرضون لهذا ) و بين حالتك و أنت تتقلب في النعم التي أنت فيها، ماذا كنت تصنع لو ألمت بك الحالة الأولى ( و مرة أخرى أقول: كلنا معرضون لها ) و رأيت هذه البقايا من الطعام في قعر إناء.
ستقبل إليها و تلتهمها بالملعقة ثم بأصابعك، بل بلسانك أيضاً، ستلعق كل ما يوجد من آثار لهذا الطعام في الإناء، لأنك جائع، و لا أحد يعتب على الجائع فيما يصنع، لأننا كلنا هذا الرجل عندما ينتابنا الجوع..
ترى هل علي أن أمثل من نفسي حالة المستغني عن الله و عطائه، عندما يعطيني فأشبع، ناسياً ما أنا معرّض له في كل ساعة، فأترفع عن بقايا الطعام المتفرق في أطراف الطبق، و أجعل من ترفعي هذا لسان استغناء و كبرياء أمام الآخرين، ثم لا أبالي أن تذهب هذه البقايا في المجاري مع القاذورات، و أنا أعلم أن الله لو زجني في حرمان مطبق مجيع، فلسوف أبحث عن هذه البقايا و أمثالها بين القمامة و على " المزابل " و لربما أزاحم في ذلك الحيوانات؟!..
أما منطق اللؤم فيقول نعم، لك أن تسكر بالعطاء و تنسى المعطي. و لا تشغل بالك باحتمالات الحرمان، فلكل حادث حديث!!..
و أما منطق الشكر و الوفاء فيقول: يجب أن يكون لسان الناطق بحمد الله في الشبع، هو ذاته لسانك الناطق بحمده في الجوع. إذ أنت عبده الضعيف في كلا الحالين، و أنت المحتاج إليه عند إقبال النعمة كما أنت محتاج إليه عند إدبارها..
و يقول منطق الوفاء: إن جوهر الشكر لله لا يستبين لدى التهامك الطعام و التقاطك لنثراته وأنت جائع، إذ أنت إنما تتعامل في هذه الحال، مع مشاعر جوعك و حاجتك .. و إنما يستبين جوهر الشكر عندما يشبعني الله و يغنيني، ثم أقبل إلى الطعام بالطريقة ذاتها، ألتقط نثاره، و أتعقب بقاياه، أينما كانت على أصابعي أو داخل طبقي أو ما تساقط منه حولي.. أحفل بذلك كله و أنا أتمتع بنعيم العطاء، كما كنت أحفل به أيام الجوع و البأساء..
و يقول منطق الشكر و الوفاء: من حمد الله على نعمته في السراء وقاه الله بذلك من الضراء.
إذن فحديث مسلم عن جابر الذي يأمر فيه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بلعق الأصابع ومسح الطبق من بقايا الطعام، دعوة إلى الشكر و الوفاء و تحذير من اللؤم و الاستكبار.
و أشهد أنه لا يشمئز من هذا الحديث و يتسامى على إتباعه، إلا من يشمئز من الشكر والوفاء، و يجنح إلى اللؤم و الكبرياء.
تلك هي المعذرة الثانية التي تُصطنع اليوم لإبعاد السنة عن مجال الحجية بها، و للتفريق الذي حذر القرآن منه بين الله و رسوله.. فهل هناك من معذرة أخرى؟
ربما كانت معذرتهم الأخرى، أن في أحاديث رسول الله و تصرفاته، ما يبدو لكل متأمل و ناظر أنه لا ينطلق إليها من قرار ديني بعث به، و لكنه يمارسها كأي منا بحكم بشريته و إنسانيته، و بحكم تعامله مع الدنيا كسائر الناس الآخرين.
و نقول في الجواب عن هذا: مع يقيننا بأن سنة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) مصدر من مصادر الشريعة الإسلامية فعلاً، بنص من كلام الله سبحانه و تعالى، و بقرار من القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، نقول: هل كل تصرفات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تعد سنة نافذة، و من ثم فهي مصدر ثان من مصادر الشريعة الإسلامية؟
لا .. هناك تصرفات داخلة في الأعمال الجبلية، التي تصدر من المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بوصف كونه بشراً من الناس، يأكل كما يأكلون، يشرب كما يشربون، ينعس فينام، يتعب فيستريح، يتصرف التصرفات الجبلية التي يتعرض لها الناس بحكم بشريتهم، يناقش في أمر الأطعمة و تحضيرها مثلاً، أو الآبار وحفرها، أو التكتيكات العسكرية و اختيار أجداها.
هذه الأمور لا تدخل في نطاق السنة، التي هي مصدر من مصادر التشريع، أي الحرام و الواجب و الحلال و المكروه و نحو ذلك.
من المعلوم أن أمهات الكتب التي تعنى بأصول الفقه تحفل ببيان هذا الأمر و تفصيل القول فيه. و من خير من كتب فيه الإمام الشاطبي في كتابه "الموافقات".
حتى الأقوال و الأفعال التي تدخل في معنى السنة، التي هي المصدر الثاني للتشريع، إنما تأخذ حجيتها من إقرار القرآن لرسول الله عليها ببيان مؤكد، أو بسكوت ينبئ عن الإقرار بها و عدم المعارضة لها. فمصدر انقيادنا لهذه السنة يقيننا بأنه رسول من عند الله، فهو لا يأمرنا أو ينهانا إلا بالذي يأمرنا به أو ينهانا عنه الله.. و عندما يخطّئ الله رسوله في أمر ما، فإننا في كل الأحوال إنما نتلقى تعاليمنا من عند رسول الله.. و كل ما يخبرنا به أو يجتهد فيه من أمور الدين، فهو بالنسبة إلينا حق يجب الانقياد له و الأخذ به، و عندما يأتيه تصحيح من عند الله، فإنما نأخذه نحن من عند رسول الله لأنه هو واسطتنا في الانقياد لأوامر الله.. و هذا هو معنى قول الله تعالى (و ما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله )[النساء: 64].
إذن فحيثما أقر القرآن تصرف المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بسكوت أو بتأكيد فقد ترسخت حجية السنة التي نطق بها أو فعلها رسول الله و تأكد وجوب انقيادنا له. و حيثما استدرك القرآن على شيء قاله المصطفى (صلى الله عليه وسلم)،أو على أمر اجتهادي اجتهده النبي فالحجة تستقر بما قد نطق به كتاب الله سبحانه و تعالى، و لكن عن طريق خبر رسول الله و بيانه. و لعل هؤلاء الذين يقولون: القرآن يغني عن السنة، لم يدرسوا هذه القواعد و الأحكام العلمية عن السنة و لو يدركوا حقيقتها و أبعادها.
و إذن فنحن في كلا الاحتمالين المتوقعين لنتيجة اجتهاده مكلفون بأتباعه وطاعته.
فمثلاً، جاءت زوجة أوس بن الصامت إلى رسول الله تشكو إليه أن زوجها قال لها: أنت مني كظهر أمي، و أخذت تسأله عن معنى هذا الكلام، فقال لها: ما أراك إلا قد حرمت عليه، قاله اجتهاداً من عنده.. أي الذي أراه أن هذا كناية طلاق، لذا فينبغي أن تكوني قد حرمت عليه.. و يبدو أنها أدركت أنه قال ذلك اجتهاداً لا عن وحي، فناقشته قائلة: لعله لم يرد طلاقاً، و لكنه (صلى الله عليه وسلم) عاد فقال لها: ما أراك إلا حرمت عليه، فقالت له يا رسول الله: إن لي منه صبية إن ضممتهم إلي جاعوا، و إن تركتهم إليه ضاعوا، و لكنه عاد فقال لها: ما أراك إلا قد حرمت عليه!.. فقامت تقول: أشكو إلى الله أمري!..
و سرعان ما نزل على رسول الله قوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي إلى الله و الله يسمع تحاوركما )[المجادلة : 1]. إلى أن قال تعالى : (و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) [المجادلة : 3] إلى آخر الآيات . فأوضحت الآيات أن كلام أوس ليس طلاقاً، كما قد اجتهد رسول الله، و إنما هو ظهار، و من ثم فبوسعه أن يعود إلى زوجته بعد الكفارة التي يجب عليه أن ينفذها. فأرسل النبي وراء زوجة أوس بن الصامت، و تلا عليها الآيات التي أنزلها الله سبحانه و تعالى عليه، وبين لها الحكم الذي أوحى به إليه الله عز و جل..
والمهم أن نعلم بأن امرأة أوس إنما تلقت الحكم الذي يجب عليها أن تأخذ نفسها به ، في كلا الحالتين من رسول الله (ص). فعندما اجتهد في الحالة الأولى و أنبأها بأنها قد حرمت عليه، كان واجباً عليها الانقياد لبيانه و طاعته في حكمه لأن الله قد أمرها و المسلمين جميعاً بطاعة رسول الله. و عندما تنزل عليه التصحيح و أنبأها به، وجب عليها أن تطيعه (صلى الله عليه وسلم) وتنقاد لبيانه الثاني هذا. و هذا هو معنى قولنا: إن الله يملك أن يصحح اجتهاد رسول الله و أن يدله على ما هو الحق في علمه، و لكن أحداً من غير الله لا يملك أن يخطئه في اجتهاده و يعصيه في ذلك بهذه الحجة.
و بعد فتلك هي حجج هؤلاء الذين يطرحون هذه المقولة و ينشرونها و يذيعونها، و ربما ألفوا فيها الكتب، و كتبوا فيها المقالات، و نشروا الدوريات، و عادوا و كرروا بإلحاح أن القرآن يغني، في هذا العصر، عن السنة. و قد تبين لنا أنها أعذار وهمية، لا ظل لها من الدلالة العلمية و البرهان المنطقي.
إذن، فلا بد أن نصنفها في قائمة الأغلوطات.
و قد آن لنا الآن، و قد تبين لنا بطلانها في ميزان الدراية العلمية و المنطقية أن نلفت النظر إلى بعض الخطط الخارجية المرسومة لإقصاء هذه الأمة عن إسلامها من حيث لا تشعر، و إلى أن الدعوة إلى نبذ السنة ليست إلا استجابة لأوامر صادرة من أصحاب تلك الخطط.
وليم كليفورد مدير معهد علم الإجرام في استراليا، أوفدته هيئة الأمم المتحدة ممثلاً لها لحضور سلسلة مؤتمرات "المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة" و المنبثقة عن جامعة الدول العربية، بصفة مراقب، كان ذلك في أواخر السبعينات.
عاد كليفورد هذا بانطباعات و اقتراحات ضمنها تقريراً مطولاً، أودعه بعض أروقة الأمم المتحدة، ثم قدمه إلى دوائر أميركية خاصة تعنى بأحوال الشرق الأوسط.
و قد شاء الله أن يصل هذا التقرير المطول إلي.. و قد كتبت عنه دراسة مفصلة في كتابي "على طريق العودة إلى الإسلام" و ها أنا ألفت النظر هنا إلى أهم النقاط التي فيه.
أولاً: يقرن الكاتب بين ما يسميه "حركة انبعاث إسلامية قوية تغذيها ولية مضادة للاستعمار و بين ما يراه انهياراً بصورة ملحوظة لتلك الهيبة التي كانت تنبع سابقاً من اقتباس النماذج المثلي من المجتمعات الحضارية الغربية التي هي أكثر تفوقاً من الناحية الفنية و الأكثر تقدماً و غنى".
ثانياً: يحمل الكاتب الغرب من خلال هذه المقارنة مسؤولية النتائج التي قد تنجم من ذلك الانبعاث الإسلامي الحثيث الذي بات ينذر بتجاوز الحدود التقليدية للممارسات الإسلامية، حيث يبرز على أنه نوع من السعي الحثيث إلى استعادة تحقيق الذات.
ثالثاً: يتوقع كاتب التقرير، بقدر كبير من الخوف و القلق أن يحقق هذا الانبعاث النجاح المطلوب في المرافق الاجتماعية و السياسية، بحيث يتسبب عن هذا النجاح ما يضاعف حماس الشعوب الإسلامية في دعم انبعاثها الإسلامي و استعادة نظمه و أحكامه.. لذا فالمتوقع من النجاح الدنيوي و الحماس الديني أن ينفخ أحدهما القوة في الآخر، على حد تعبيره.
رابعاً: يربط الكاتب مخاوفه هذه بالقوة المادية الأولى التي يتمتع بها الشرق العربي، ألا و هي النفط.. و يكرر بشدة أن حركة انبعاث إسلامية جادة، تدعمها الطاقة المادية التي يتمتع بها أصحاب ينابيع النفط، كفيلة بقلب موازين الحضارة كلها، و القضاء على ما تبقى للغرب من هيبة و نفوذ، على حد تعبيره.
خامساً: يؤكد الكاتب أهمية القضاء على هاتين القوتين: المادية و الدينية، و يوصي باتباع السبل الكفيلة بوضع الغرب يده على ينابيع النفط!..
و فيما يتعلق بالخوف من الرجوع إلى ينابيع الشريعة الإسلامية يوصي بالعمل على ما يلي:
أولاً: فصل القرآن عن السنة و إقناع المسلمين بأن ما يسمى سنة ليس إلا اجتهادات شخصية من النبي عليه الصلاة و السلام.
ثانياً: إخضاع القرآن للاجتهادات و التأويلات المفتوحة و الكفيلة بمسايرة الإسلام للحضارة الغربية و اندماجها في سياسة الغرب.
هذا تلخيص لتقرير مطول يبلغ 30 صفحة، و أعتقد أن بوسع كل مثقف أن يلاحظ كيف طبق الشطر الأول من توصية " كليفورد " ذلك الشطر الداعي إلى بسط الغرب سلطانه على ينابيع النفط، كأدق ما يكون التطبيق. كما أن بوسع أي مثقف أن يلاحظ أنشطة الجنود المكلفين بتنفيذ الشطر الثاني منها، و الداعي إلى فصل القرآن عن السنة و تسليط الاجتهادات الكيفية على القرآن..
فالدعوة إلى نبذ السنة و الاكتفاء بالقرآن ناشطة في كل البلاد العربية، و ما وراءها من الأقطار الإسلامية، الأسلوب واحد و المبررات واحدة..
و القصد من هذه الخطة إخراج القرآن من حصنه الذي يحرسه و يحميه ألا و هو السنة، حتى إذا تهاوت من حوله رقابة السنة و ضوابطها، و ظهر القرآن أمام جمهرة العابثين به في العراء، سهل عليهم أن يفرغوه مما لا يريدون و أن يملؤوه بعد ذلك بما يريدون، و أن يجعلوا أخيراً من القرآن مخلاة لما توحي به الدوائر الغربية من الأفكار و الفلسفات التي تضمن بقاء هيمنة الغرب على هذا الشرق الإسلامي، و تقضي على الأخطار التي يحذر منها ( بهلع شديد) وليم كليفورد.
و انظروا كيف تسير الدعوة المهتاجة إلى نبذ السنة جنباً إلى جنب مع الدعوة إلى ما يسمى ب "القراءة المعاصرة" ..
أجل، القراءة المعاصرة هي البديل الذي ينبغي أن تحل محل السنة!.. أن يشرح رسول الله القرآن الذي تنزل عليه، لا، ليس هذا من حقه!.. أما أن يحل محله من يصرون اليوم على أن يخضعوه من خلال القراءة المعاصرة، لما يشتهون و يهوون و لما يمليه عليهم منفذو توصيات وليم كليفورد، فذلك حق ثابت لهم!!..
و ما هي "القراءة المعاصرة".
هي البديل المقترح عن قواعد تفسير النصوص التي تخضع لها اللغة العربية منذ عمر هذه اللغة إلى يومنا هذا، و التي يتم التخاطب على أساسها بين المتحاورين، مثل قاعدة: الأصل في الكلام الحقيقة، و لا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة، و قاعدة اللفظ العام يجري على عمومه، و قاعدة العام يجري على عمومه، و قاعدة اللفظ المطلق يحمل على الفرد الكامل، يحمل المطلق على المقيد و ليس العكس، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.. الخ.
و العجيب الذي يفضح هذه الخطة من مصدرها المرسوم إلى عملائها المنفذين، أن هذه "القراءة المعاصرة" لا تستدعى لتسلط على النصوص القانونية، و لا على النصوص الفلسفية، ولا على نصوص التاريخ، و لا على الأدب الجاهلي و لا القصة القديمة.. و إنما يلاحق بها القرآن حصراً.. فمن هو ذاك الغبي الذي يجهل معنى هذه الدعوة و ما وراءها؟..
وبوسعك أن تجد هذه الشنشنة بالطابع ذاته أينما حللت و اتجهت من البلاد الإسلامية العربية و غيرها.
في تركيا دعوة ملحة إلى إخضاع القرآن للقراءة المعاصرة.
في مصر.. في الباكستان، في البلاد الإسلامية من جنوب شرق أسيا، و إنك لتنظر فتجد المعزوفة هي هي، و اللحن هنا وهناك هو هو ..
ولا بد أن نستجيب للعقل فنلاحق دعاة القراءة المعاصرة بالسؤال التالي: إن كان مبدأ القراءة المعاصرة هو الحق في دراسة القرآن و فهمه، و القواعد العربية التي كان التخاطب يتم بها مع العرب الذين تنزل القرآن بينهم و في عصرهم، باطلة و غير صحيحة، فلماذا لا تطبق القراءة المعاصرة هذه على كل الكلام العربي الذي وجد في عصر نزول القرآن أو من قبله أو من بعده؟ و لماذا لا يتم تحريره هو الآخر من ربقة تلك القواعد العربية المعتمدة في أصول التخاطب؟!.. لماذا لا يخضعون مراجع الفلسفة القديمة للقراءة المعاصرة.؟ لماذا لا يخضعون الأدب الجاهلي و المعلقات العشر، كمعلقة امرئ القيس و غيرها للقراءة المعاصرة؟!..
لماذا القرآن وحده، دون غيره من هذه الكتب القديمة كلها، هو الذي يراد بإلحاح إخضاعها للقراءة المعاصرة؟!..
الجواب الواضح هو أنه لا مصلحة لدى أصحاب هذه الدعوة و ملقنيهم بالتلاعب بشعر امرئ القيس أو النابغة الذبياني أو التاريخ أو الأدب أو غيرها.. إذ الهدف المطلوب هو تغيير الإسلام و تبديد مبادئه و أحكامه و بتر صلة ما بينه و بين المسلمين الذين يأبون إلا انقياداً لأوامره و أحكامه، كما ألح على ذلك وليم كليفورد في نهاية تقريره.. و إنما يتم هذا الهدف بتسليط القراءة المعاصرة على القرآن ، لا على كتب التاريخ و الأدب و نحوها.
غير أن سلطان القراءة المعاصرة لا يمكن أن يهيمن على القرآن، ما دامت السنة النبوية تحرسه و تحمي معانيه و أحكامه. لذا فقد كان لا بد من إقصاء السنة و القضاء عليها أولاً.
أخيراً أذكركم بالوصية التي أوصى بها الزعيم الشيوعي الإيطالي ( تولياني ) قبل موته عام 1963 فلقد كان من وصيته أن لا يحارب الإسلام من خارج سلطانه و دائرته، لأن ذلك يثير ردود فعل كثيرة عند المسلمين، و إنما النهج الأمثل هو التسرب إلى داخل الإسلام، و القضاء عليه من داخله، باسم الاهتمام به و تجديده و الغيرة عليه.
غبي جداً من يتصور– بعد هذا – أن هؤلاء الذين يسعون اليوم إلى القضاء على الإسلام من داخله، أنصار و جنود له.. و لكن الأغبى منه من يسعى هذا السعي للعبث بالإسلام و القضاء عليه، و هو يظن أن في المسلمين الصادقين في إسلامهم من ينطلي عليه خداعه و يؤخذ بألاعيبه و دجله..
المصدر:مقتبس من كتاب يغالطونك إذ يقولون؟!! بقلم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

القلب الحزين
12-01-2014, 08:01 PM
تطور دراسة الإعجاز القرآني على مر العصور



أ.د / عبد الغني محمد بركة
أستاذ متفرغ بكلية اللغة العربية، ووكيل الكلية الأسبق في جامعة الأزهر
بدايةً ... إن استيعاب هذه الجهود العلمية الزاخرة بالأفكار والقضايا والمناقشات والآراء، في إطار مقالة مختصرة أمر فوق الطاقة.
لهذا: أرجو أن تعتبر هذه المقالة رؤوس موضوعات، تلقى عليها بعض الأضواء لتكون مرشداً لمن يرغب في مواصلة بحث الموضوع باستيعاب وتعمق، ويمكننا أن نشير على النقاط الأساسية التي سنحاول أن نجمع فيها أطراف الموضوع.
بحيث تمهد كل نقطة لما تتلوها، وتلتحم بها، ليشكل المجموع بناء مترابط الأجزاء، يعطي فهماً للموضوع حسب الطاقة.
سنبدأ ـ إن شاء الله ـ ببيان معنى الإعجاز والمعجزة، وكيف أنها ضرورة لإثبات صدق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم ننتقل إلى الحديث عما امتازت به المعجزة القرآنية عن غيرها من معجزات الأنبياء السابقين، نظراً للخصائص التي انفردت بها الرسالة الإسلامية، ثم نستعرض المراحل التي مرت بها قضية الإعجاز بدءاً من صدر الإسلام، وانتقالاً إلى مرحلة تالية ركز العلماء فيها جهودهم على مواجهة ما أثاره المشككون من شبهات حول الموضوع، ثم إلى مرحلة نضج القضية، وإبراز الجوانب الموضوعية التي جعلت من النص القرآني نصاً معجزاً، ثم ننتقل أخيراً إلى العصر الحديث، وما قام به علماؤه من إضافات أكدت أن الإعجاز القرآني إعجاز دائم متجدد على مدى الزمن، لتظل الدعوة الإسلامية محروسة بدليل صدقها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
أما عن المعجزة: فهي مشتقة من الفعل: ( أعجز ).
نقول: أعجزني هذا الشيء، أي: صيرني عاجزاً، بمعنى: أنه فاق قدرتي، ولم أستطع القيام به.
ومن هنا عرف العلماء المعجزة بأنها: أمر يجريه الله على يد نبي من أنبيائه عليهم السلام، يفوق قدرة البشر، ويتحدى به النبي قومه فلا يستطيعون مجتمعين أو متفرقين أن يأتوا بشيء يماثله، والحكمة في ذلك: أن ادعاء النبوة وما يلزمه من الاتصال بالملأ الأعلى، وتلقى خبر السماء، لا تسلم به العقول دون دليل حاسم يثبته، ولهذا جرت سنة الله تعالى أن يظهر على يد كل نبي أمراً معجزاً يكون دليلاً على صدق دعواه، حتى يتبين الحق من الباطل، وتنقطع حجة المعارضين.
ووجه دلالة المعجزة على صدق النبي، أن العقل يدرك أن الكون يسير على سنن مطردة، وأن هناك ارتباط لا يتخلف بين الأسباب ومسبباتها العادية، فالنار تحرق، والولد يولد من أب وأم، إلى غير ذلك من الربط بين الأسباب ومسبباتها، فإذا تخلفت الأسباب عن مسبباتها، فولد ولد من غير أب كعيسى عليه السلام، أو أصبحت النار لا تحرق، بل تكون برداً وسلاماً، كما حدث لإبراهيم عليه السلام، أو تحرك الجامد كما حدث لعصى موسى، إذ انقلبت حية تلقف ما يأفكون.... إذا حدث هذا حكم العقل بأن الذي فعل ذلك لا بد أن يكون فوق الأسباب ومسبباتها، وأنه يفعل ما يشاء ويختار، وأن الذي خرق العادات لا بد أن يكون هو خالقها وموجدها، وأن خرق العادات لا بد أن يكون مقصوداً، فإذا علمت الغاية، وبينت المقاصد تبين صدق ما يدعيه النبي.
ولكي تكون المعجزة قاطعة لكل حجة، كانت دائماً من جنس ما يحسنه قوم النبي وينبغون فيه، إذ تكون بهذا أقوى دلالة على صدق النبي في دعواه.
وعلى هذه القاعدة المطردة، جاءت معجزة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآناً يتلى، لأن البيان كان مناط فخر العربي، وموئل تطاولهم واعتزازهم.
غير أن النظرة الدقيقة تعطي معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم أبعاداً أخرى، تتناسب مع طبيعة رسالته الخاتمة.
ذلك أن معجزات الأنبياء السابقين، كانت مادية ملموسة ينتهي أثرها بمجرد إعلان تعاليمها، ولا تلزم إلا من اطلع عليها أو صدق من أخبره بها، لأن ذلك هو المناسب لطبيعة هذه الرسالات السابقة على الرسالة الإسلامية.
فقد كانت كل رسالة خاصة بقوم النبي الذين بعث إليهم كما أنها رسالات مؤقتة بزمن معين، لا يمضي وقت حتى يصطفي الله نبياً جديداً، يحدد ما أندرس من الشريعة السابقة، أو يضيف إليها ويوسع في آفاقها، حسبما يقتضيه تطور البشرية.
أما رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلها طبيعة أخرى، إذ هي خاتمة الرسالات جميعاً، وهي الحلقة الأخيرة في سلسلة النبوات الطاهرة، كما أنها عامة للبشر جميعاً، وصدق الله العظيم حيث يقول:  وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ، وحيث يقول سبحانه: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)[سورة الأحزاب:40].
ومن هنا كان لا بد أن تكون معجزته شيئاً باقياً ثابتاً أبد الدهر، لتكون حجة الله القائمة على خلقه في كل زمان ومكان.
ولتظل الدعوة محروسة بمعجزتها، مقرونة بدليل صدقها إلى قيام الساعة، فكانت المعجزة المحمدية قرآناً يتلى، ويتعهد الله بحفظه وصيانته من أن يبدل أو يحرف  إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .
ولقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فيما يروى عنه أنه قال: ( ما من نبي إلا أوتي ما على مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) متفق عليه.
والعجيب: أن العرب ظلوا يطالبون الرسول عليه السلام بمعجزات مادية، من جنس معجزات الأنبياء السابقين، ويحكي القرآن الكريم عنهم ذلك: )وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَراً رَسُولاً (93) )[سورة الإسراء].
ولكن الله تعالى بين لهم أنهم إذا كانوا صادقين حقاً، وفي أنهم سيستجيبون للمعجزات، فإن القرآن أكبرها جميعاً وأعلى شأناً مما يطلبون )وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيات عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51))[سورة العنكبوت].
هذا، وقضية الإعجاز القرآني من أولى القضايا التي اتجه العلماء إلى دراستها، وبذلوا جهوداً هائلة في تحقيقها، والكشف عن أدلتها، وتتبع أوجهها، إذ هي الأساس الذي يقوم عليه البناء الإيماني للمسلم، فالذي يطمئن عقله وقلبه، ويصل إلى اليقين بأن القرآن الكريم معجز للبشر وأنه من المستحيل أن يتمكن البشر مجتمعين أو متفرقين أن يأتوا بمثله.
أقول: إن الإنسان الذي يصل يقينه إلى هذا الحد، ليس أمامه إلا أن يسلم بأن القرآن الكريم من عند الله وما دام القرآن من عند الله فكل ما تضمنه حق خالص، لا سبيل لباطل إليه، ويكون ذلك موجباً للإيمان بما فيه، والانقياد لتعاليمه، والسير على هداه.
ولنبدأ بالقضية في مراحلها الأولى، منذ بدء الدعوة، فلا خلاف في أن للعرب الذين نزل فيهم القرآن الكريم قدم راسخة في البيان والبلاغة، وقدرة فائقة في تذوق الكلام والتمييز بين جيده ورديئه، فقد امتازوا من بين معاصريهم من الأمم بالنزوع إلى الكلام الطيب، وأقاموا الأسواق الأدبية، يعرض فيها كل بليغ ما تجود به قريحته من شعر أو خطبة أو حكمة، كانوا يتبارون في التجويد، ويحتكمون إلى نقاد شهدوا لهم بالقدرة على النقد والتمييز بين الكلام، فيقدم هذا ويؤخر ذلك تبعاً لما تضمنه كلام كل منهم من بلاغة وقوة.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام، أنه قد حدثت قبل البعثة المحمدية أحداث كانت توطئة وتمهيداً لما سيحدث بعد البعثة من تحد للعرب جميعاً ببلاغة القرآن وإعجازه، فوجود الكعبة المشرفة في مكة وتوافد العرب من أنحاء الجزيرة العربية عليها في مواسم الحج، ووقوعها أيضاً في منتصف الطريق بين اليمن جنوباً والشام شمالاً، وهي طريق ممهدة مسلوكة لقوافل التجارة، هذا الوضع الفريد أحدث تقارباً بين اللهجات العربية، وجعل لهجة قريش هي السائدة بين العرب، ففي مكة تختلط القبائل وتتلاقح اللهجات العربية وتتقارب، وتصفي مما بها من وعورة وغرابة، فتتماذج لتصبح لهجة سائدة يتكلمها الجميع، ويبدعون بها آثارهم الأدبية، وقد أدى ذلك كله إلى أن يصبح العرب جميعاً في ربوع الجزيرة العربية، وأنحائها مؤهلين لتذوق بلاغة الكلام في راقي مدارجه.
وفي هؤلاء القوم الذين يعتزون بالبيان، ويتناقلون شوارده ودرره، وتهنأ القبيلة بالشاعر ينبغ بين أبنائها، لأنه سيكون الصوت المدافع عنها، والمذيع لمفاخرها.
في هؤلاء القوم نزول القرآن الكريم، وتلا عليهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يتلقاه من ربه، وتتابعت نجوم القرآن الكريم على قلب رسول الله، وعلى الفور أدرك العرب أنهم أمام شيء لا عهد لهم به، وأن ما يسمعونه إنما هو كلام معجز لا يستطيعه بشر.
وقد أتضح هذا بجلاء فيما رواه التاريخ الصحيح عنهم، سواء في ذلك ما صدر عن بعضهم من أقوال، أو ما ثبت من أحوال حين تحداهم القرآن الكريم أن يأتوا بمثله أو بشيء من مثله.
أما عن أقوالهم فمن ذلك: حديث الوليد بن المغيرة حين أتى قريشاً فقال: إن الناس يجتمعون غداً بالموسم، وقد فشا أمر هذا الرجل ـ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم ـ فهم سائلوكم عنه فبماذا تردون عليهم، فأخذوا يتدارسون الأمر فقالوا: نقول: مجنون يحنق ـ أي: يشتد غضبه فلا يدري ما يقول. فقال الوليد: يأتونه فيكلمونه، فيجدونه صحيحاً فصيحاً عادلاً، فيكذبوكم. فقالوا: نقول هو شاعر: قال الوليد: هم العرب، وقد رووا الشعر، وفهم الشعراء، وقوله ليس يشبه الشعر فيكذبونكم. قالوا: نقول كاهن، قال: إنهم لقوا الكهان، فإذا سمعوا قوله لم يجدوه يشبه الكهنة، فيكذبونكم. ثم انصرف إلى منزله. فقالوا: صبأ الوليد ـ يعنون أسلم ـ ولئن صبأ لا يبقى أحد إلا صبأ. ثم بعثوا إليه ابن أخيه أبا جهل بن هشام ابن المغيرة، ليساومه حتى يرجع عما يراه في محمد، فعاد إلى قريش فقال: تزعمون أني صبأت، ولعمري: ما صبأت، إنكم قلتم: محمد مجنون، وقد ولد بين أظهركم، لم يغب عنكم ليلة ولا يوماً، فهل رأيتموه يحنق قط، فكيف يكون مجنوناً ولا يحنق قط؟ وقلتم: شاعر، أنتم شعراء، فما منكم أحد يقول ما يقول، وقلتم كاهن، فهل حدثكم محمد في شيء يكون في غد إلا أن يقول إن شاء الله قالوا فكيف نقول يا أبا المغيرة؟ قال: أقول: ساحر يفرق بين الرجل وامرأته، والرجل وأخيه، فنزل فيه قوله تعالى: (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) ) [سورة المدثر]، والقصة غنية عن أي تعليق فهي تفصح بكل جلاء عن حيرة صناديد قريش وقادتها ورجال الرأي فيها، في قرآن محمد، الذي لا عهد لهم بمثله.
ومما وعاه التاريخ أيضاً، أن الوليد عقبة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[سورة النحل] فقال له: أعد، فأعاد. فقال الوليد ـ والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر، وما هو بقول بشر.
ومن أحوالهم الدالة على تأثير القرآن فيهم، أنه ربما وصلت آيات منه إلى مسمع أشدهم عداوة للإسلام.
فإذا به يتحول إلى إنسان جديد، ويلقى وراء ظهره كل ما كان يكنه من عداوة وبغض للإسلام ونبيه، ويتقدم مبايعاً موقناً أن هذه الكلمات ليست من قول بشر. حدت هذا لعمر بن الخطاب إذ خرج ذات مساء متوشحاً سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطاً من أصحابه في بيت عند الصفا، سمع أنهم مجتمعون فيه.
فقابله أحد أصحابه وعرف مقصده فقال له: غرتك نفسك يا عمر، أفلا رجعت إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم، فسأله عمر وقد رابه ما سمع: أي أهل بيتي تعني، فأخبره أن صهره (وابن عمه) سعيد بن زيد قد أسلم، وكذلك أسلمت زوجته أخت عمر فاطمة بنت الخطاب. فذهب إليها عمر مغيظاً محنقاً.
وهنا سمع خبايا يتلو عليهما القرآن، فاقتحم الباب وبطش بصهره وبأخته فاطمة ثم أخذ الصحيفة التي لمح أخته تخفيها عند دخوله فلما قرأ صدراً منها من سورة طه قال: ما أحسن هذه الكلام وأكرمه، ثم ذهب من فوره إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعلن إسلامه فكبر النبي تكبيرة عرف أهل البيت من أصحابه أن عمر قد أسلم، وأعز الله به الإسلام.
وعندما رأى المشركون تأثير القرآن فيمن يستمع إليه، كان طريقهم لمقاومته، هو الحيلولة بمختلف الوسائل بين القرآن والناس، مهما كلفهم ذلك من تضحية، فتواصوا بعدم سماعه، وكانوا يلاقون القبائل الواردة إلى مكة في المواسم، يحذرونهم منه، ويحكي القرآن الكريم ذلك عنهم في قوله تعالى(وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون).
وما ذلك إلا لأنهم أدركوا تأثير هذا القرآن فيهم وفي أتباعهم، وهم يرون هؤلاء الأتباع كأنهم يسحرون بين عشية وضحاها بالآيات يسمعون إليها، فتنقاد إليها النفوس، وتهوي إليها الأفئدة.
ثم جاء دور التحدي، ليحسم الأمر، ويقطع عليهم كل سبيل، فقد تحداهم القرآن الكريم، وكرر عليهم التحدي في صور متعددة فدعاهم أول مرة أن يأتوا بمثله، فلما عجزوا تنزل معهم إلى الأخف فالأخف فدعاهم أن يأتوا بعشر سور مثله فلما عجزوا تنزل معهم في التحدي إلى أبعد مدى يمكن أن يصل إليه التنزيل، فاكتفى منهم بأن يأتوا بسورة واحدة منه، دون تحديد السورة، طالت أم قصرت، وذلك في قوله تعالى في سورة البقرة، وهي آخر آيات التحدي، إذ نزلت في العهد المدني:(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [سورة البقرة].
وكانت هذه الآية الكريمة قمة التحدي، بما تضمنته من إثارة واستفزاز لهم، كي يدفعوا عن أنفسهم هذه العجز، إن كانت بهم قدرة على ذلك، قد أباح لهم أن يستعينوا بمن شاءوا إن كانوا صادقين، ثم بالغ في إثارتهم واستفزازهم حتى يثبت أن قدرتهم على المعارضة منفية تماماً، فلن تقع ولن تكون فقال لهم:  ولن تفعلوا أي: إن هذا فوق قدرتكم، وفوق الحيلة، وفوق الاستعانة، ثم جعلهم وقوداً، ثم قرنهم بالأحجار، ثم سماهم كافرين؛ وليس بعد ذلك مدى يذهب إليه في الإثارة والاستفزاز، فلو كان بهم طاقة لدفعوا عن أنفسهم هذا الهوان، ولعارضوا القرآن حتى يبطلوا دعواه.
إن طبيعة الأشياء تقتضي ألا يسلم الإنسان لخصمه بالفضل، وهو يجد سبيلاً إلى دفعه ولا يرضى إنسان لنفسه أن يوصم بالعجز وهو قادر على قهر أعدائه، فكيف يجوز أن يقوم من يدعي النبوة في قوم من صميم العرب، أهل اللسن والفصاحة، فيخبرهم أنه رسول الله تعالى إلى الخلق كافة، وأنه يبشر بالجنة، وينذر بالنار، ثم يسفه أحلامهم، ويسلب آلهتهم كل قيمة، ثم يقول: حجتي أن الله تعالى قد أنزل علي كتاباً عربياً مبيناً، تعرفون ألفاظه، وتفهمون معانيه، ألا إنكم لا تقدرون على أن تأتوا بمثله، ولا بعشر سور منه، ولا بسورة واحدة حتى وإن استعنتم بمن شئتم من الجن والإنس، كيف يصنع معهم ذلك، ثم لا تدعوهم أنفسهم إلى معارضته ليبينوا خطأ دعواه، ألا يكون ذلك عجزاً منهم، واعترافاً بأن ذلك فوق قدرتهم.
ولو أن العرب قد تركوه وشأنه، لقلنا إنهم قد تجاهلوه استخفافاً بأمره، ولكنهم قد بلغ بهم الغيظ من مقالته حداً تركوا معه أحلامهم الراجحة، وواجهوه بكل قبيح، ولقوه بكل أذى ومكروه ووقفوا له بكل طريق، ودارت بينهم وبينه المعارك الطاحنة، التي قتل فيها صناديدهم، ونال منهم ونالوا منه.
فهل يعقل أن يتركوا إبطال حجته، وهي لا تكلفهم أكثر من معارضة ما جاء به بكلام من مثله، ثم يلجأون إلى مواجهته بأمور تأباها الحكمة، ويدعو إليها السفه، ولا يقدم عليها إلا من أعوزته الحيلة وعز عليه المخلص، وأيقن أنه لا سبيل له إلى ما يرمي إليه.
وهكذا حسم الأمر وأصبح الإعجاز القرآني حقيقة تاريخية لا جدال حولها ولا شبهة فيها، واستمر الحال على هذا طوال القرن الأول والثاني الهجريين، حتى إذا جاء القرن الثالث الهجري وحمل معه دعاوى وشبهات أثارها الحاقدون، الذين سبقوا إلى الإسلام بحكم الغلبة، ونفوسهم تنطوي على حقد دفين، ينتهز فرصة مواتية ليتنفس عن أحقاده وبغضه، وتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ قضية الإعجاز القرآني.
هذه المرحلة الجديدة يمكن أن نطلق عليها ( مرحلة الدفاع عن الإعجاز القرآني )، وقد تمثل ذلك في الرد على ما أثاره المشككون من شبهات، إضافة إلى بحوث علمية دقيقة تبرز السمات الموضوعية التي بين بها الأسلوب القرآني وتصل ببلاغته إلى حد الإعجاز.
أما عن الشبهات التي أثيرت فمن أهمها شبهتان:
الشبهة الأولى:القول بأن عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن لم يكن بسبب عدم قدرتهم على ذلك، بل إنهم عجزوا لأن الله صرفهم عنه بما أطلق عليه القول بالصرفة.
الشبهة الثانية:أن القرآن الكريم يتضمن بعض الألفاظ والأساليب المعيبة في مقامها وسياقها.
ونبدأ بمناقشة موضوع القول بالصرفة.
يرى بعض الباحثين أن فكرة الصرفة قد تسربت إلى الفكر الإسلامي من الثقافة الهندية، وأن بعض المثقفين من علماء المسلمين اطلعوا على أقوال ـ البراهمة ـ رجال الدين في الديانة الهندية في كتابهم المسمى ـ الفيدا ـ، وهو يشتمل على مجموعة من الأشعار ليس في كلام الناس ما يماثلها في زعمهم.
ويقول جمهور علمائهم: إن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثلها لأن ـ براهماً ـ صرفهم عن أن يأتوا بمثلها، وعندما دخلت الأفكار الهندية في عهد أبي جعفر المنصور ومن وليه من حكام بني العباس، تلقفها الذين يحبون كل وافد من الأفكار فدفعتهم الفلسفة إلى أن يعتنقوا ذلك القول، ويطبقوه على القرآن الكريم وإن كان لا ينطبق، فقال قائلهم: .... إن العرب إذا عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن، ما كان عجزهم لأمر ذاتي من ألفاظه ومعانيه ونظمه، بل كان عجزهم لأن الله صرفهم عن أن يأتوا بمثله.
ويقال: أن أول من جاهر بهذا القول وأعلنه ودعا إليه ودافع عنه هو إبراهيم ابن سيار الشهير بالنظام، المتوفى سنة 224.
والنظام هذا هو رأس المعتزلة وعمدة المتكلمين، وأستاذ الجاحظ.
والواقع: أن مفهوم الصرفة كما ذكره النظام لم يكتب له الرواج، نظراً لأنه يسلب النص القرآني إعجازه الذاتي، ويدعى أنه في طوق العرب لو لم يصرفهم الله عن معارضته.
وقد قال غيره من العلماء بالصرفة لكن مفهومها عندهم مغاير لمفهومها عند النظام، فقد نسب القوة بالصرفة إلى الشريف المرتضى، وهو من علماء الشيعة الذي يشار إليهم بالبنان.
ومفهوم الصرفة عند الشريف المرتضى: أن العرب قادرون على النظم والعبارات المماثلة لما جاء في القرآن الكريم، لكن عجزهم أنه كان بسبب أنهم لم يعطوا العلم الذي يستطيعون به محاكاة القرآن.
وهذا القول ينافيه أن الله سبحانه وتعالى طالبهم بأن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات... وأعفاهم من أن يكون كلامهم مشتملاً على ما في القرآن من علم، واقتصر على التحدي بالنظم والعبارة واللفظ.
على أنه من العلماء من يقول بالصرفة، باعتبارها وجهاً من وجوه الإعجاز، من جهة كونها دالة على القوة وباعتبار أن ذلك ـ على فرض حدوثه ـ يعتبر أمراً خارجاً عن العادة كسائر المعجزات التي دلت على النبوة، أي: أن ذلك احتمال عقلي، والتسليم به إنما هو على سبيل التنزل مع الخصم والمجادلة والمنافحة عن الحق، وهذه الطريقة وإن لم تكن مرضية، لأن القرآن في نفسه معجز لا يستطيعه بشر، إلا أنها تصلح على سبيل التنزل والمجادلة والمنافحة عن الحق.
باعتبار أنها لو صحت فإنها لا تطعن في أن القرآن الكريم من عند الله، بل تثبت أن الصرفة دليل على النبوة، وهذا لا يمنع من أن القرآن في نفسه معجز.
وأياً كان الأمر في مفهوم الصرفة عند أصحاب القول بها، فقد تصدى العلماء لهذه الشبهة، واقتلعوها من جذورها، وبلغوا من ذلك مبلغاً لا مزيد عليه.
وسوف أوجز أقوال العلماء في الرد على أصحاب هذه الشبهة وإبطالها دون الرد على أصحاب هذه الردود، تجنباً للتكرار.
وإن كان أهم هؤلاء العلماء: الخطابي ( ت سنة 388 ) في كتابه: بيان إعجاز القرآن، والرماني ( ت سنة 386 ) في كتابه: النكت في القرآن. والباقلاني ( ت سنة 403 ) في كتابه: إعجاز القرآن... وعبد القاهر الجرجاني ( ت سنة 471 ) في كتابه: الرسالة الشافية في إعجاز القرآن.
استدل العلماء على بطلان القول بالصرفة بأدلة/ منها:
أولاً:لو كان الأمر على ما ذهبوا إليه، وكان الإعجاز بالصرفة حقاً، فإنه يلزم من ذلك أن يكون العرب قد تراجعت حالها في البلاغة والبيان، وفي جودة النظم وشرف المعنى، وأن يكونوا قد نقصوا في قرائحهم وأذهانهم، وعدموا الكثير مما كانوا يستطيعون، وأن تكون أشعارهم وخطبهم التي قاموا بها بعد أن سمعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتحدوا إلى المعارضة قاصرة عما سمع منهم من قبل القصور الشديد.
وإذا كان الأمر كذلك، وأنهم منعوا منزلة من الفصاحة كانوا عليها، لزمهم أن يعرفوا ذلك من أنفسهم، ولو عرفوه لجاء عنهم ذكره، ولكانوا قد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، إنا كنا نستطيع قبل هذا الذي جئتنا به، ولكنك سحرتنا، واحتلت علينا في شيء حال بيننا وبينه، وكان أقل ما يجب عليهم في ذلك: أن يتذاكروه فيما بينهم، ويشكو البعض إلى بعض، وإذا كان ذلك لك لم يرد، ولم يذكر أن كان منهم قول في هذا المعنى لا ما قال ولا ما كثر، فهذا دليل على أنه قول فاسد، ورأي ليس من آراء ذوي التحصيل. فإن قالوا: إنه نقصان حدث في فصاحتهم من غير أن يشعروا به، قيل لهم: إذا كانوا لم يشعروا بما حدث لهم من نقص ما فلا يتصور أن تقوم لهم حجة بالعجز عنه مثل القرآن.
ثانياً:لو سلمنا أن العرب المعاصرين للبعثة قد صرفوا كما يزعمون، لم يكن من قبلهم من أهل الجاهلية مصروفين عما كان يعدل القرآن في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم.
فلما لم يوجد في كلام من قبلهم مثله، علم أن ما دعاه القائل بالصرفة ظاهره البطلان.
ثالثاً: إن في سياق آية التحدي ما يدل على فساد هذا القول، وذلك أنه لا يقال عن الشيء يمنعه الإنسان بعد أن كان قادراً عليه ـ لا يقال في هذه الحالة: إني قد جئتكم بما لا تقدرون على مثله ولو احتشدتهم له، وإنما يقال: إني أعطيت أن أحول بينكم وبين كلام كنتم تستطيعونه وأمنعكم إياه وما شاكل ذلك. كما يقال مثلاً للأشداء، إن الآية أن تعجزوا عن رفع ما كان يسهل عليكم رفعه، فقد بان إذن ـ أنه لا مساغ لحمل الآية على ما ذهبوا إليه.
رابعاً: الأخبار التي جاءت عن العرب في شأن تعظيم القرآن، وفي وصفه به، من نحو أن له لحلاوة وأن عليه لطلاوة.... الخ.
فمحال أن يعظموه وأن يبهتوا عند سماعه، وهم يرون فيما قاله الأولون ما يوازيه.
وهكذا ساق العلماء الدليل تلو الدليل على بطلان القول بالصرفة، وتأكيد أن بلاغة القرآن تعود إلى أمر ذاتي فيه، جعله معجزاً للبشر.
هذا عن شبهة القول بالصرفة، أما عن شبهة أن القرآن الكريم قد تضمن ألفاظاً وأساليب ليست مما تقتضيه البلاغة، فقد فند العلماء أيضاً هذه الشبهة بردود مفحمة، من ذلك مثلاً ما ذكره الخطابي في رده على بعض ما أثاروه من شبهات.
فقد قال المشككون في قوله تعالى: (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) [سورة يوسف].
قالوا: إنما يستعمل في فعل السباع خصوصاً ( الافتراس ) يقال: افترسه السبع، هذا هو المختار الفصيح في منعاه، فأما ( فأكله ) فهو عام لا يختص به نوع من الحيوان.
ويرد الخطابي قائلاً. فإما قوله تعالى فأكله الذئب فإن الافتراس معناه في فعل السبع والقتل. فحسب، وأصل الفرس ـ دق العنق، والقوم إنما ادعوا على الذئب أنه أكله أكلاً، وأتى على جميع أجزائه. وذلك أنهم خافوا مطالبة أبيهم لهم بأثر باق منه، يشهد بصحة ما قالوه، فادعوا فيه الأكل ليزيلوا عن أنفسهم المطالبة، والفرس لا يعطي تمام هذا المعنى. وبهذا يكون اللفظ القرآني قد وقع مطابقاً للمعنى المراد.
وإليكم نموذجاً آخر.
قال تعالى: (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم )[سورة ص] قال المشككون: المشي ـ في هذا ليس بأبلغ الكلام، ولو قيل بدل ذلك: امضوا وانطلقوا ـ لكان أبلغ وأحسن.
ويرد الخطابي:أن المشي ـ في هذا المحل أولى وأشبه بالمعنى، وذلك لأنه إنما قصد الاستمرار على العادة الجارية، في غير انزعاج منهم، ولا انتقال عن الأمر الأول، وذلك أشبه بالثبات والصبر على الأمر المأمور به في قوله واصبروا والمعنى: كأنهم قالوا: امشوا على هيأتكم، ولا تبالوا بقوله.
ولو قيل: امضوا وانطلقوا... لكان فيه زيادة انزعاج ليس في قوله ( امشوا ) والقوم لم يقصدوا ذلك ولم يريدوه.
فالخطابي هنا يربط بين المقام واختيار اللفظ الملائم له دون غيره، فلما كان الملأ من قريش يريدون أن يشعروا أتباعهم بأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا يستحق الاهتمام به، ولا الاكتراث له، لأنه ظاهر البطلان في زعمهم، فالواجب تجاهله تمام، كأن شيئاً لم يحدث، وأن أفضل ما نواجهه به نمضي في حياتنا، ونتناسى الأمر كله، وهذا المقام استدعى التعبير ـ امشوا ـ لأنه هو الملائم لما يريدون أيهما إتباعهم به.
أما امضوا وانطلقوا ـ فلا تناسب المقام كما توحي به من الانزعاج وتغيير العادة الرتيبة التي اعتادوها، والأمر ليس كذلك ـ في زعمهم ـ بالنسبة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أقل من أن يأبهوا له.
وذلك منهم في تضليل أتباعهم وطمس معالم الحقيقة عنهم.


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 08:03 PM
يتبــع الموضوع السابق

تطور دراسة الإعجاز القرآني على مر العصور


وهكذا يمضي الخطابي وغيره من علماء تلك الفترة يوردون الشبهات ويفندونها بما كشف عن وجده الحق في البلاغة القرآنية.
ننتقل الآن إلى ما أنجزه علماء هذه المرحلة، من بحوث علمية دقيقة، تبرز السمات الموضوعية التي اتسم بها الأسلوب القرآني، وتصل ببلاغته إلى حد الإعجاز.
نبدأ أولاً:بما أبرزه علماء هذه المرحلة، من تعدد وجه الإعجاز القرآني، وأنهم قسموا وجوه الإعجاز قسمين، الأول الوجه المعجز الذي وقع به التحدي، وهو الإعجاز البلاغي وحده، لأنه الوجه المطرد في كل سورة من سور القرآن الكريم، وقد كان التحدي بأن يأتوا بسورة من سوره، والوجه الذي يعتبر القاسم المشترك في كل السور إنما هو الإعجاز البلاغي.
القسم الثاني:وجود معجزة في ذاتها لكن لم يقع بها التحدي، كالإخبار بالغيب، وما تضمنه القرآن من علوم ومعارف لا يتهيأ لبشر الإحاطة بها... إلى غير ذلك من الوجوه المعجزة للبشر التي سنتعرض لبعضها.
وبهذا كان القرآن الكريم معجزاً للعالم كله، فطبيعة الرسالة الإسلامية هي التي تستوجب هذا التعدد في الجوانب المعجزة بالقرآن الكريم، فهي ـ كما سبق أن أوضحنا ـ خاتمة الرسالات، كما أنها موجهة إلى الجنس البشري كله، وهذه الخصائص التي انفردت بها دون سائر الرسالات اقتضت أن تكون معجزتها أمراً معجزاً في هذا الإطار الممتد عبر الزمن إلى يوم الدين، وعبر العالم كله بما يضم من أجناس وشعوب وثقافات ومذاهب.
ومن هنا قسم العلماء البشر في إدراك الإعجاز القرآني في ثلاثة أقسام:
أول الأقسام:من تناهى في معرفة اللسان العربي، ووقف على طرقه ومذاهبه ـ كالعرب الذين نزل فيهم القرآن، ومن أتى بعدهم ممن راض نفسه بالعلم واكتملت لديه آلة التمييز بين الأساليب وخصائصها، وهذا القسم يدرك الإعجاز القرآني إدراكاً ضرورياً لا يحتاج معه إلى بحث أو تدقيق. ويكفيه في ذلك التأمل والتصور.
القسم الثاني:وهو المقابل للقسم الأول، ويضم هذا القسم من ليسوا من أصحاب اللسان العربي، على ثقافتهم وحضاراتهم، وهؤلاء يمكنهم إدراك الإعجاز القرآني عن طريق الاستدلال العقلي، بأن يعلموا عجز العرب ـ وهم أهل اللسان الذي نزل به أذن أشد عجزاً منهم.
كما يمكنهم إدراك الإعجاز القرآني من خلال معرفتهم بالوجوه الأخرى التي اقتضتها حكمة الله ورحمته، فغير العربي يجد في هذه الوجوه الأخرى إعجازاً يلزمه بالتصديق بأن هذا الكتاب من عند الله، وأن ما تضمنه هو شرع الله الواجب الإتباع.
وهذه الوجوه في تعددها واختلاف طبيعتها وافية تماماً بالإلزام على مدى التاريخ، ولكل الأجناس والشعوب، وستظل كذلك ـ إن شاء الله ـ ما بقيت الحياة.
والعجيب في الأمر: أن إدراك الإعجاز في الوجوه التي تضمنها القرآن الكريم التي لم يتحد بها العرب الأوائل أمر ميسور لا يتطلب سوى صدق التوجه والاستعداد لقبول الحق.
لأن هذه الوجوه تعود إلى ضوابط موضوعية ملزمة لكل عاقل، وهل يجادل أحد في أن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يستطيع كبشر أن يخترق حجب الغيب ويخبر عما كان وما سيكون منها، إذاً لا بد أنه يستمد ذلك من قوة أعلى من البشر، وهل يجادل أحد في أنه عليه السلام، لا يستطيع ـ كبشر ـ أن يأتي من العلوم الكونية والإنسانية ما لا يدرك البشر بعضه إلا بعد مرور قرون متطاولة.
وقل مثل هذا في جميع الوجوه المعجزة التي تضمنها القرآن الكريم، ولم يتحد بها العرب الأوائل.
القسم الثالث:من كان من أهل اللسان العربي، إلا أنه لم يبلغ في الفصاحة الحد الذي يتناهى إلى معرفة وجوه تصرف اللغة، وطرق الأساليب. وهؤلاء عليهم أن يأخذوا أنفسهم بدراسة الأساليب وحدود البلاغة ـ ومواقع البيان، إلى غير ذلك مما يؤهلهم لإدراك ما في القرآن الكريم من بلاغة معجزة، وإلا فليكتفوا بالاستدلال العقلي وبالوجوه الأخرى الدالة على الإعجاز، كما هو الشأن فيمن ليسوا من أهل العربية.
ننتقل الآن إلى جهود علماء هذه المرحلة الزمنية في إبراز السمات الموضوعية للأسلوب القرآني التي وصلت به إلى درجة الإعجاز، ونكتفي هنا بما جاء في كتاب ( إعجاز القرآن ) للباقلاني، فقد تضمن كل ما نقله عمن سبقه وأضافه هو إليه ما هداه إليه اجتهاده في الموضوع.
يرى الباقلاني أن السمات المميزة للأسلوب القرآني وانفرد بها متعددة منها:
أولاً: مغايرة الأسلوب القرآني لجميع أنماط التعبير المعروفة عند العرب فالقرآن الكريم ليس شعراً أو سجعاً ولا مرسلاً إرسالاً، كما هو الشأن في صور التعبير عند العرب، لكنه نمط فريد، لا يشبه شيئاً من أنماط تعبيرهم عن المعاني.
وقد بذل الباقلاني جهداً مضنياً في إثبات فكرته هذه، وقد أصاب في بعض ما قال، ولم يسلم له بعضه مما لا يتسع المقام لتفصيله.
ثانياً: عدم التفاوت الفني في الأسلوب القرآني، ويعني بذلك: أن القرآن الكريم في جميع سوره وآياته على درجة واحدة من البلاغى، ولا يتدنى عن شيء، وتلك سمة لا طاقة للبشر بها، ويتضح ذلك في جوانب كثيرة، فالقرآن الكريم لا يتفاوت على كثرة ما يتصرف فيه من الأعراض من قصص ومواعظ، واحتجاج وحكم وأحكام، ووعد ووعيد، وتبشير وتخويف، إلى آخر الأغراض التي تضمنها القرآن الكريم.
والباقلاني: محق في كل ما قاله عن هذه السمة التي انفرد بها القرآن دون غيره، فهذا شيء لا يمكن أن يتحقق لبشر مهما سمت منزلته، وتعاظم اقتداره البياني، وأمامنا آراء النقاد تؤكد ذلك، وتجمع عليه إجماعاً لا يشذ عنه أحد.
لقد كان العرب عندما يوازنون بين الشعراء، يضربون المثل في الإجادة، بامرىء القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهيراً إذا رغب، ومعنى ذلك: أن كلاً من هؤلاء يجود في غرض معين ويشهد له بالتفوق فيه، ومؤدى ذلك: أنه يقصر في غير هذا الغرض.
وعندما حاول صاحب كتاب ( الواسطة بين المتنبي وخصومه )... الدفاع عن المتنبي، كان أقصى ما يريد في دفاعه عنه قوله: ليس بغيتنا فيما قصدنا، الشهادة لأبي الطيب بالعصمة، وإنما غايتنا أن نلحقه بأهل طبقته، وأن نجعله رجلاً من فحول الشعراء، ونمنعك من إحباط حسناته بسيئاته، ولا نسوغ ذلك التحامل على تقدمه في الأكثر بتقصيره في الأقل... وهذا اعتراف من أكبر المدافعين عن المتنبي بما في شعره من تفاوت بين الإجادة والتقصير. وتلك غاية ما يستطيعه المدافع عنه.
ولقد قام الباقلاني بعمل رائع حقاً ـ عندما عمد إلى قصيدتين من عيون الشعر العربي بالنقد، إحداهما: معلقة امرىء القيس، حامل لواء شعراء الجاهلية، والأخرى للبحتري، من أحب الحظوة والتقدم عند نقاد الكلام، والقيمة الحقيقة لما قام به الباقلاني، أنه أبرز هذه الحقيقة وأكدها.
وهي: أن البشر لا يمكن أن يصل بأدبه على الكمال، بل لا بد أن يعتريه التفاوت، ويعلو ويهبط، ويحلق ويهوي.
أما القرآن الكريم فأينما يممت لم تقع عينك منه إلا على الطريقة المثلى للتعبير، والمطابقة الكاملة لما يقتضيه الحال.
وسوف أورد ـ إن شاء الله ـ شواهد قرآنية في أغراض متفاوتة تؤكد هذا كله. عندما أجد السياق المناسب لذلك.
ثالثاً:تميز الكلمة من القرآن غيرها من سائر الكلام، بالرونق والفصاحة، ويتبين ذلك في القرآن ورجحان فصاحته، بأن تذكر منه الكلمة في تضاعيف الكلام، أو تقذف ما بين شعر، فتأخذ الأسماع، وتتشوق إليها النفوس، ويرى وجه رونقها بادياً، غامراً سائر ما تقرن به كالدرة التي ترى في سلك الخرز، وكالياقوتة وسط العقد.
رابعاً: إن اله تعالى قد سهل سبيل القرآن بجملته، فهو خارج عن الوحشي المستكره، والغريب المستنكر وعن الصنعة المتكلفة، وجعله سبحانه قريباً إلى الأفهام، ويبادر لفظه معناه إلى القلب، يساير المغزى منه عبارته إلى النفس، وهو مع ذلك ممتنع المطلب، غير نطمع مع قربه في نفسه، والموهبة مع دنوه أن يقدر عليه أو يظفر به.
وهكذا مضى الباقلاني وغيره يعددون السمات التي انفرد بها الأسلوب القرآني وبوأه منزله الإعجاز.
ولننتقل على مرحلة جديدة يمكن أن نطلق عليها... ( مرحلة نضج قضية الإعجاز البلاغي ). ويأتي على قمة الدارسين لقضية الإعجاز القرآني في هذه المرحلة، الإمام عبد القاهر الجرجاني ( المتوفى سنة 471 هـ )، فقد كانت دراساته البلاغية في مجملها، تنطلق من إحساس عميق، بأن قضية الإعجاز القرآني يجب أن تحتل المقام الأول في اهتمامات العلماء، وأن إدراك الإعجاز القرآني لا يتم إلا بدراسة متأنية واعية لخصائص التعبير، التي تجعل بعضه يعلو بعضاً، حتى يصل إلى درجة تنقطع عندها الآمال في معارضته، وهي درجة (الإعجاز ).
وآراء عبد القاهر حول الموضوع، موزعة في كتبه البلاغية، وأهمها: دلائل الإعجاز، والرسالة الشافية، وأسرار البلاغية.
ويمكننا أن نختصر آراءه حول القضية في ثلاثة موضوعات أساسية تدور حولها دراساته في كتبه كلها.
أولها: أن القرآن معجز ببلاغته.
وثانيها: أن بلاغة القرآن في نظمه، فإعجازه في نظمه.
وثالثها: بيان طبيعة النظم وما هيته.
وسنحاول ـ إن شاء الله ـ أن نتتبع هذه الموضوعات الموزعة في كتبه، ونبرز جوانبها المتعددة، بما يجعلها صورة دقيقة لآرائه في القضية.
أولاً: القرآن الكريم معجز ببلاغته:
يمهد عبد القاهر لإثبات ذلك بذكر بعض الحقائق التي يؤدي التسليم بها إلى التسليم بأن القرآن الكريم معجز ببلاغته فيقول:
( معلوم أن سبيل الكلام سبيل ما يدخله التفاضل، وأن للتفاضل فيه غايات ينأى بعضها عن بعض، ومنازل يعلو بعضها بعضاً، وأن علم ذلك علم يخص أهله، وأن الأصل والقدوة فيه للعرب، ومن عداهم تبع لهم، وقاصر عنهم فيه.
وأنه لا يجوز أن يدعى للمتأخرين من الخطباء والبلغاء عن زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم الذي نزل فيه الوحي، وكان فيه التحدي، أنهم زادوا على أولئك الأولين، أو كملوا في علم البلاغة أو تعاطيه ما لم يكملوا له... والأمر في ذلك أظهر من أن يخفى، أو ينكره جاهل أو معاند.
وإذا نظرنا في دلائل أحوال العرب الذين نزل فيهم القرآن، وفي أقوالهم حين تلي عليهم، وتحدوا بأن يأتوا بمثله، وجدنا أحوالهم وأقوالهم تفصح بأنهم لم يشكوا في عجزهم عن معارضته، والإتيان بمثله، ولم تحدثهم أنفسهم بأن لهم إلى ذلك سبيلاً على وجه من الوجوه.
ثم يورد عبد القاهر بعد ذلك من أقوال العرب الذين نزل فيهم القرآن وأحوالهم ما يؤكد هذه الحقيقة.
على نحو ما سبق به من أقوال العلماء، التي أشرنا إليها قبل ذلك.
وبعد أن يصل إلى هدفه من إثبات ذلك بأقوالهم أنفسهم، وبمناقشة من أتى بعدهم، وإبطال دعواهم المشككة في بلاغة القرآن من ادعاء ( الصرافة ) وغيرها، ينتقل إلى النقطة التالية وهي:
ـ إن بلاغة القرآن في نظمه، فإعجازه في نظمه. وهنا يذكرنا عبد القاهر، بأن المزية التي يعود إليها تقدم كلام على كلام في البلاغة، إنما تدرك بالفكر.
ويتوصل إليها بإعمال النظر وبذل الجهد.
فهل يمكن أن يكون في الكلمات المفردة ما يدرك ويستنبط بالرؤية والجهد، إن الكلمات إرض مشاع، لكل قائل أن يأخذ منها ما يحقق غرضه.
وكذلك لا يجوز أن يكون الإعراب من الوجه التي تظهر بها المزية، وذلك لأن العلم بالإعراب مشترك بين العرب جميعاً، فليس أحدهم أعلم من غيره بأن إعراب الفاعل الرفع، أو المفعول النصب.
ومن العجيب: أننا إذا نظرنا في الإعراب، وجدنا وجه التفاضل فيه محالاً، لأنه لا يتصور أن يكون للرفع والنصب في كلام مزية عليهما في كلام آخر، وإنما الذي يتصور، أن يكون معنا كلاماً قد وقع في إعرابهما خلل، ثم كان أحدهما أكثر صواباً من الآخر، وكلاماً قد استمر أحدهما على الصواب ولم يستمر الآخر، ولا يكون هذا تفاضلاً في الإعراب، ولكن تركا له في شيء واستعمالاً له في آخر.
وكذلك لا تعود الفضيلة في الكلام بأن يكون المتكلم قد استعمل من اللغتين في الشيء أصحهما وما يقال أنها أفصحهما، ولا بأن يكون قد استعمل الغريب من الألفاظ، لأنه العلم بجميع ذلك لا يعدو أن يكون علماً باللغة، وبأنس الكلم المفردة، وبما طريقة الحفظ، دون أن يستعان عليه بالنظر وإعمال الفكر.
وإذا كانت المزية التي توجب تقدم الكلام على غيره، لا تعود إلى شيء مما ذكر، فلا شك أنها تقود إلى النظم وصياغة العبارة، فذلك هو الجانب الوحيد الذي يحتاج إلى الفكر وبذل الجهد ثم أننا نعلم أن تفضيل الكلام على غيره، ووصفه بالفصاحة والبلاغة، إنما يعود لأمر أحدثه في الكلام، وشيء كان له جهد فيه، وإذا كان كذلك فينبغي أن ننظر إلى المتكلم، هل يستطيع أن يزيد من عند نفسه شيئاً في اللفظ ليس في اللغة، حتى يجعل من صنيعه مزية يعبر عنها بالفصاحة.
إذا نظرنا وجدنا أنه لا يستطيع أن يصنع باللفظ شيئاً أصلاً، ولا أن يحدث فيه وصفاً، كيف وإنه أفسد على نفسه وأبطل أن يكون متكلماً، لأنه لا يكون متكلماً حتى يعمل أوضاع اللغة على ما وضعت عليه فلم يبق للمتكلم شيء ينسب إليه سوى طريقة نظم العبارة، أو صياغة الفكرة في ألفاظ، عن طريق تعليق الكلمات ببعضها البعض، وفق معاني النحو، لتصبح صورة للمعنى في نفسه. وهذا يجيء الدور على بيان مفهوم النظم وماهيته.
وجوهر النظم عند عبد القاهر، أن تصاغ العبارة بطريقة تفصح تماماً عما في نفس قائلها، وتكشف عما يريد أن يوصله إلى مخاطبة، ولا يتم ذلك إلا إذا كانت عبارته صورة للمعنى القائم في نفسه فالمتكلم في صياغته للعبارة، إنما يقتفي أثر المعنى في نفسه، ويرتب عبارته حسب ترتيب المعنى، فالبليغ صانع، له من صناعته بمقدار ما بذل من جهد في سبيل صناعة أسلوب جميع، وعليه أن يختار أسلوب العرض المناسب، الذي يتضمن من الخواص ما يكون مطابقاً للمعنى القائم في نفسه، بدءاً من اختيار الألفاظ التي هي ألصق بالمعنى من حيث معناها اللغوي، ودلالاتها المتعددة بجرسها وإيحاءاتها التي اكتسبها طوال استعمالها في أذهان مستمعيها، ومروراً باختيار الصيغة لمطابقتها بخواصها لدقائق جوانب المعنى وخرافية، وانتهاء بإبراز في الصورة المناسبة لما يقتضيه المقام، ومن هنا كان اختلاف الأدباء في عرض المعاني والتعبير عنها.
ذلك لأن المعنى الواحد تتعاقب عليه الصور، ويصوغه كل أديب في صورة فيها من السمات والخصائص ما يبرر نسبتها إليه دون سواه، وإن كان أصل المعنى أو الغرض العام واحداً في الجميع، وتتفاوت هذه الصور في الجمال بمقدار التوفيق في المآخاة بين المعنى والصورة الدالة عليه.
وشواهد ذلك حاضرة، ننظر إلى قول الناس: الطبع لا يتغير.
فتر فيه معنى عامياً غفلاً معروفاً في كل جيل، ثم ننظر إلى قول المتنبي:
يراد من القلب نسيانكم وتأبى الطباع على الناقل
هذا، وقد لقيت آراء عبد القاهر ما هي أهل له، من قبول العلماء الذين تلقوها، وهيأ الله منهم من تكفل بالجانب التطبيقي لها، وعلى رأسهم الإمام جار الله الزمخشري ( المتوفى سنة 538) في كتابه تفسير القرآن الذي سماه ( الكشاف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، والذي أصبح منهلاً ينهل منه الباحثون عن أسرار الإعجاز القرآني. كما هيأ له من ضبط ولمَّ شعثها وضبط قواعدها. وترتيب أبوابها وعلى رأس هؤلاء: الفخر الرازي في كتابه ( نهاية الإيجاز في دراسة الإعجاز ).
غير أن الرازي في محاولته لضبط آراء أستاذه غلبت عليه طبيعته المنطقية الفلسفية، فبدت واضحة في عمله. ووقع في خطأ أفسد ما حاول إصلاحه، فآراء عبد القاهر على ما بها من توزع في مواطن معالجتها، وإطناب في محاولة الإقناع بها، كانت تساق في أسلوب أدبي يخاطب الوجدان والذوق، ويبرز أسرار جمال التعبير بأسلوب رقيق شفاف يستهوي القلوب.
أما الرازي، فقد أحال الأمر إلى مجال للجدل المنطقي، وتتبع لما توجيه القسمة العقلية للآراء فتتابعت تقسيماته للموضوعات إلى عشرات الأبواب ومئات الفصول، وأمثالها من القواعد والتنبيهات التي يصل القارىء في تتبعها.
وهذا المسلك الذي اختطه الرازي ظل طوال قرون مسيطراً على عقول الباحثين، فساروا خلفه مستسلمين، يتبارون داخل دائرة مغلقة لا تجد في ثناياها غير تلخيص كتاب، ثم إعادة للتلخيص، فحاشية على الشرح، ثم تعليق على الحاشية، إلى آخر هذه السلسلة العقيمة التي لا تتضمن، على الرغم مما بها من جهد عقلي خارق، وقدرة مذهلة على الحجاج ـ لا تتضمن شيئاً مما كانت البلاغة أحوج ما تكون إليه لتؤدي دورها في صقل المواهب، وتنمية الملكات القادرة على الإحساس بجماليات التعبير وتذوق محاسنه.
وتطاول الزمن دون أن يتغير هذا المنهج في البحث، حتى أذن الله تعالى لهذه الأمة أن تفيق من غفوتها، وأن تنفض عنها الكثير من المعوقات التي تشل حركتها.
وعلى أيدي رواد النهضة فبعثت من جديد كتب عبد القاهر ورجال مدرسته، التي يتسم منهجها باستلهام النصوص الأدبية وأسرارها.
وعرض خواطر العلماء ونظراتهم في تلك النصوص بأسلوب مشرق مضيء يستهوي الدارس، ويضع يده على موطن جماله، ويفصح عن سر سموه.
وسنختار علماً من هؤلاء كنموذج لمن تعرض لقضية الإعجاز القرآني في العصر الحديث، وهو المرحوم الدكتور / محمد عبد الله دراز، وكتابه ( النبأ العظيم ).
يعتبر كتاب ... النبأ العظيم... كتاباً فريداً في منهجه الذي اتبعه في دراسة هذه القضية والإقناع بها لأنه كما يقول مؤلفه: حديث يبدأ من نقطة البدءـ فلا يتطلب من قارئه انضواء تحت راية معينة، ولا اعتناقاً لمذهب معين، ولا يفترض فيه تخصصاً في ثقافة معينة، ولا حصولاً على مؤهل معين، وإنما يناشد القارىء فقط أن يعود بنفسه صحيفة بيضاء، إلا من فطرة سليمة، ورغبة صادقة في الوصول إلى الحق، وسوف يأخذ المؤلف بيد القارىء مجتازاً به مراحل البحث، التي يسلم بعضها إلى بعض، في رفق وأناة يصل إلى نهاية المطاف، الذي لا يسع القارىء إلا التسليم به.
ويتضمن الكتاب بحوثاً تتضمن مرحلتين متتابعتين في البحث.


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 08:06 PM
يتبــع الموضوع السابق

تطور دراسة الإعجاز القرآني على مر العصور


الأولى: دراسة تمهيدية خارجة عن جوهر القرآن نفسه، هدفها الوصول إلى أن القرآن الكريم إلهي المصدر، وليس للرسول صلى الله عليه وسلم فيه إلا الحفظ، ثم الحكاية والتبليغ، ثم البيان والتفسير، ثم التطبيق والتنفيذ.
المرحلة الثانية:دراسة في جوهر القرآن نفسه. هدفها إثبات الإعجاز القرآني من أي النواحي اتجهنا إليه، سواء في ذلك ناحية أسلوبه، أو ناحية علومه ومعارفه، أو ناحية اثره الذي أحدثه في العالم وغير به التاريخ.
أما عن إثبات أن القرآن الكريم إلهي المصدر، فيرى الدكتور / دراز: أنه لا خلاف على أن القرآن الكريم جاء على لسان رجل عربي أمي ولد بمكة، هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم أما من أين جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أمن عند نفسه ووحي ضميره، أم من عند معلم، ومن هو هذا المعلم فهذا مات يحتاج إلى بيان.
وأول ذلك: أن القرآن صريح في أنه لا صنعة فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الخلق، وإنما هو منزل من عند الله لفظه ومعناه.
قال تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً ).
وقال سبحانه لنبيه:  قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي، إن أتبع إلا ما يوحى إلي .
والمعروف أن كثيراً من الأدباء يسطون على آثار غيرهم فيسرقونها، أما أن أحداً ينسب لغيره أنفس آثار عقله، وأغلى ما تجود به قريحته، فذلك ما لم يلده الدهر.
وقد يحيك في صدر جاهل: أن هذا الزعيم قد نسب القرآن إلى الوحي الإلهي، لأنه في ذلك ما يعنيه على تحقيق غرضه من استجابة الناس له، ونفاذ أمره فيهم. لكن علينا أن نتذكر أموراً تمحو هذه الشبهة:
أولها:أن صاحب هذا القرآن قد صدر عنه الكلام المنسوب إلى نفسه، والكلام المنسوب إلى الله تعالى، فلم تكن نسبة ما نسبه إلى نفسه بناقصة من لزوم طاعته شيئاً، ولا نسبة ما نسبه على ربه بزائدة فيه شيئاً، بل استوجب على الناس طاعته فيهما على السواء، فكانت حرمتهما في النفوس على سواء.
ثانيهما:أن هذه الشبه مبنية على افتراض باطل، وهو تجويز أن يكون هذا الزعيم من الذين يرون الوصول إلى غايتهم بأية وسيلة كانت، مستبيحين الكذب والتمويه، فالواقع التاريخي يؤكد أنه عليه السلام، كان في حركاته وسكناته، وفي رضائه وغضبه، وسائر جوانب حياته مثالاً في دقة الصدق وصرامة الحق، وأن ذلك كان من أخص شمائله قبل الرسالة، وبعدها.
وسنته المطهرة زاخرة بالمثل الواضحة الدالة على مبلغ صدقه وأمانته في دعوى الوحي هذه.
ومن ذلك: أنه عليه السلام كانت تنزل به نوازل نحفره على القول، وتلح عليه أن يتكلم، بحيث لو كان الأمر إليه لسارع إلى الكلام، لكنه كانت تمضي الأيام والليالي، ولا يجد في شأن ما نزل به قرآناً يقرؤه على الناس، من ذلك ما أرجف به المرجفون من حديث الإفك، فقد طال الأمر وأبطأ الوحي والناس يخوضون، ولو كان الأمر إليه، لسارع إلى تبرئتها صيانة لعرضه، لكنه صلى الله عليه وسلم ظل صابراً حتى نزل بعد طول انتظار صدر سورة النور معلناً براءتها.
ثالثاً:صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له من الذكاء الفطري، والبصيرة النافذة، ما يؤهله لإدراك الحق والباطل من الآراء، والحسن والقبيح من الأخلاق.
إلا أن ما في القرآن الكريم لم يكن كله من هذا النوع الذي تبلغه بالملكات البشرية مهما بلغ اكتمالها.
إذا أضفنا إلى ذلك ما تضمنه القرآن من أمور غيبية تقع في مستقبل الأيام ثم تتحقق كما أخبر عنها تماماً، دون أن يتخلف منها شيء ازددنا يقيناً بأن القرآن الكريم، ما هو إلا وحي يوحى، وأنه لا سبيل للقوى البشرية إليه بحال، كما أخبر أن الروم سيغلبون الفرس بعد بضع سنين، وليس ذلك فقط بل سيواكب هذا تزامن معه أن ينتصر المسلمون على أعدائهم.
يقول سبحانه:(غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) [سورة الروم].
وتمضي الأيام ويتحقق وعد الله تماماً كما أخبر.
ومن ذلك أيضاً: وعد الله بحفظ كتابه الكريم بقوله:  إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .
وتمضي الأيام وها هو كتاب محفوظ بعناية الله وحفظه، على الرغم مما دبر له من مكائد وما مر بالمسلمين من محن، بل إننا نرى عجباً، فكلما هجس في خواطر الغيورين على كتاب الله هاجس يمس حفظ كتاب الله رأينا من أساليب الحفظ وأساليب تلقيه نقياً كاملاً بأصوات قراءة يتلونه حق تلاوته، كما أنزل من مخارج حروفه حرفاً حرفاً لا ينقص منه مدة ولا غنة، مما لا يخطر على بال أحد، من إذاعات متخصصة وتسجيلات وحكمة، ومن تسابق الغيورين على البذل في القيام بحق لكتاب الله.
وهكذا يصل الدكتور / دراز بالقارىء، إلى الاقتناع العقلي والاطمئنان القلبي بأن القرآن الكريم إلهي المصدر.
وينتقل بعد ذلك إلى مرحلة الدراسة في جوهر القرآن نفسه، هدفها إثبات أن القرآن الكريم معجز من أي ناحية جئناه.
وتحت عنوان: ( الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم ) يدير الدكتور / دراز حواراً هادئاً يناقش ويقنع دون تعسف أو انفعال، شأن الواثق بنفسه، فيستعرض الشبهات التي يمكن أن تثار حول الموضوع ويجيب عنها بما يشفي به الصدور من ذلك ما قد يقال من أننا إذا سلمنا بأن سكوت العرب عن المعارضة كان عجزاً إلا أننا لا نرى من الناحية اللغوية للقرآن الكريم ما يمكن أن يكون سبباً في الإعجاز، لأن القرآن لم يخرج عن مفهوم العرب في لغتهم، فمن حروفهم ركبت كلماته، ومن كلماتهم ألفت جمله وآياته وعلى مناهجهم في التأليف جاء تأليف، فأي جديد في ذلك كله حتى نقول: أنه جاءهم بما فوق طاقتهم اللغوية؟.
والجواب: أننا نسلم بأن القرآن لم يخرج في لغته عن سنن العرب إفراداً وتركيباً، لكن هذا لا يمنع أن يأتي القرآن بما يعجز الجميع.
ويورد الدكتور / دراز شبهة أخرى فحواها، أن العرب على اختلاف مراتبهم في البيان، لم يصلوا إلى طبقة البلاغة المحمدية، وهذا القصور الذي قعد بهم عن مجاراته في عامة كلامه، هو الذي قعد بهم عن معارضة قرآنه، فلا يكون هذا العجز حجة على قدسية القرآن، كما لو يكن حجة على قدسية الأسلوب النبوي؟.
الجواب: أننا نسلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب، لكن: أكان هذا التفاوت بينه وبين الناس مما يتفق مثله في العادة بين بعض الناس وبعض في حدود القدرة البشرية، أم كان أمراً شاذاً خارقاً للعادة بالكلية؟ ولا بد من التسليم بأن ما كان بين الرسول وغيره من تفاوت في الأسلوب، هو ما يكون بين بليغ وبليغ، وبين الحسن والحسين.
فقد نقرأ القطعة من البيان النبوي، فنطمع في مجاراتها، وقد نقرأ الحكمة فيشتبه علينا أمرها، أمن كلام النبي صلى الله عليه وسلم أم من كلام الصحابة والتابعين، أما الأسلوب القرآني فإنه يحمل طابعاً لا يلتبس معه بغيره، ولا يجعل طامعاً يحوم حول حماه.
بل إننا نقول: لو كان القرآن صورة لتلك الفطرة المحمدية لوجب أن ينطبع ذلك على سائر كلامه صلى الله عليه وسلم كما انطبع على القرآن، لأن الفطرة الواحدة لا تكون فطرتين، ولكننا نرى الأسلوب القرآني ضرباً وحدة الأسلوب النبوي ضرباً وحده.
ينتقل بعد ذلك د / دراز إلى الحديث عن خصائص الأسلوب القرآني وأولها ما يسميه القشرة السطحية للجمال القرآني.
فيقول: أول ما يسترعي انتباه المستمع للقرآن الكريم خاصية تأليفه الصوتي، ذلك أننا حين ننصت عن بعد إلى قارىء يرتل القرآن حق ترتيله، بحيث لا يصل إلى مسامعنا جرس الحروف وإنما نسمع فقط حركتها وسكناتها ومدَّاتها وغناتها واتصالاتها وسكناتها، سوف نجد أنفسنا بإزاء لحن غريب عجيب لا تجده في كلام آخر لوجود هذا التجديد ـ بل إننا سنجد فيه شيئاً لا تجده في الموسيقى والشعر، لأن القصائد تتحد فيها الأوزان بيتاً بيتاً، وكذلك الموسيقى تتشابه أصداؤها وتتقارب فلا يلبث السمع أن يملها بينما نحن مع القرآن في لحن متنوع متجدد يأخذ بأوتار القلب.
ثانياً: الخصائص البيانية للقرآن الكريم:
يرتب الدكتور / دراز دراسته لهذا الجانب على أربع درجات:
أـ القرآن في قطعة قطعة منه، ويعني بالقطعة ما يؤدي معنى كاملاً، يؤدي عادة في بضع آيات وقد يؤدي في آية طويلة أو سورة قصيرة، وهو الحد الأدنى للتحدي.
وفي هذا الجانب لا يرى في وصف القرآن خيراً من أنه تلتقي عنده نهايات الفضيلة كلها، على تباعد ما بين أطرافها. فهو يجمع أولاً بين... القصد في اللفظ الوفاء بحق المعنى.. فالذي يعمد إلى إيجاز اللفظ لا مناص من أن يحيف على المعنى قليلاً أو كثيراً، فإن حرصه على الإيجاز يحمله على بذل جهده في ضم أطراف المعنى، وحذف ما استطاع من أدوات التمهيد والتشويق، ووسائل التثبيت والتقرير، إلى غير ذلك مما تمس حاجة النفس إليه في البيان، فيخرج ثوباً متقلصاً، يقصر عن غايته.
أما الذي عمد إلى الوفاء بحق المعنى، وإبراز دقائقه، فلن يجد بداً من أن يمد في نفسه مداً، لأنه لا يجد في القليل من اللفظ ما يؤدي عن نفسه رسالتها كاملة، فإذا أعطى نفسه حظها من ذلك باعد بين أطراف كلامه وأبطأ في الوصول إلى غايته.
والدليل على ذلك: أن البليغ حينما يتعقب كلام نفسه ـ الفينة بعد الفينة ـ يجد فيه زائداً يمحوه أو ناقصاً يثبته ويجد فيه ما يقدم أو يؤخر، كما يروى عن زهير ـ وهو من هو.
في تهذيب قصائده التي كان يسميها ( الحوليات ) لأنه كان يقضي عاماً كاملاً في تهذيبها قبل أن يطلع عليها أحداً.
أما القرآن الكريم، فإن هاتين الغايتين على أتمهما فيه، فحيثما نظرنا في القرآن نجد بياناً قد قدر على حاجة النفس أحسن تقدير، يؤدي لنا من كل معنى صورة نقية لا يشوبها شيء مما هو غريب عنها، وافية لا يشذ منها شيء من عناصرها الأصلية، ولواحقها الكمالية، كل ذلك في أوجز لفظ وأنقاه.
كما يجمع القرآن بين خطاب العامة وخطاب الخاصة... فإننا لو خاطبنا الأذكياء بالواضح المكشوف الذي نخاطب به الأغبياء لنزلنا بهم إلى مستوى لا يرضونه لأنفسهم.
ولو أننا خاطبنا العامة باللمحة الدالة والإشارة المعبرة لجئناهم من ذلك بما لا تطيقه عقولهم، أما في القرآن الكريم فإن جملة واحدة منه تلقى إلى العلماء والجهلاء، وإلى الأذكياء والأغبياء، وإلى السوقة والملوك، فيراها كل منهم مقدرة على مقياس عقله. وعلى وفق حاجته، وهذا شيء لا يوجد على أتمه إلا في القرآن الكريم.
كما يجمع القرآن الكريم بين إقناع العقل وإمتاع العاطفة. فإن قوة التفكير في الإنسان تبحث عن الحق لمعرفته، عن الخبر للعمل به، أما قوة الوجدان فإنها تسجل إحساساً بما في الأشياء من لذة وألم، والبيان التام هو الذي يوفي بهاتين الحاجتين، يمنح النفس حظها من الفائدة العقلية والمتعة الوجدانية معاً، وهذا أمر لم يأت على أتمه إلا في القرآن الكريم.
كما يجمع القرآن أيضاً بين ( البيان والإجمال )، فإن الناس إذا عمدوا إلى تحديد أغراضهم، لم تتسع لتأويل، وإذا أجملوها ذهبوا إلى الإبهام والإلباس، أما بالنسبة للقرآن الكريم، فإننا نجد في أسلوبه من الملامسة الشفوف والخلو من كل غريب ما يجعل ألفاظه تسابق معانيها إلى النفس، ولكننا إذا أعدنا الكرة، ونظرنا فيه من جديد، رأينا أنفسنا بإزاء معنى جديد، يلوح لنا غير الذي سبق إلى فهمنا أول مرة، حتى ترى للجملة الواحدة أو الكلمة الواحدة، وجوهاً عدة، كلها صحيح أو محتمل للصحة، وللنظر في قوله تعالى: (والله يرزق من يشاء بغير حساب( لنرى مصداق ذلك:
فهذه الكلمة على ما بها من وضوح في المعنى، إلا أنه بها من المرونة ما يبيح لنا أن نذهب في معناها مذاهب متعددة: فإذا قلنا في معناها:
أنه سبحانه يرزق من يشاء بغير محاسب يحاسبه، ولا سائل يسأله. لماذا يبسط لهؤلاء ويقدر على هؤلاء. أصبنا. وإذا قلنا: أنه يرزق بغير تقتير ولا محاسبة لنفسه عند الاتفاق خوف النفاد أصبنا ـ ولو قلنا أنه يرزق من يشاء من حيث لا ينتظر ولا يحتسب أصبنا. ولو قلنا: أنه يرزق من يشاء بغير معاتبة ومناقشة على عمله أصبنا، كما لو قلنا: أنه يرزق من يشاء رزقاً كثيراً لا يدخل تحت حصر ولا حساب أصبنا. ويكون في هذا أو ذاك وعد للصالحين. إما بدخول الجنة بغير حساب أو بمضاعفة الأجر أضعافاً مضاعفة كثيرة لا يحصرها العد.
وهكذا نرى أن ما تم به القرآن من مرونة في النص الكريم وسف الفرق الإسلامية كلها على اختلاف منازعها، كما وسع الآراء العلمية على اختلاف وسائلها.
وينتقل د / دراز بعد ذلك إلى النظر في القرآن كوحدات أكبر، فتحت عنوان: ( القرآن في سورة منه ) يذكر أن ذلك يؤدي بنا إلى ملاحظة الجمع بين ( الكثرة ) و (الوحدة ) في كل سورة.
فمن المعروف: أن القرآن الكريم لم ينزل جملة واحدة، وإنما نزل منجماً حسب الوقائع والدواعي المتجددة، وكان الرسول عليه السلام كلما نزلت عليه آية، أمر كتاب الوحي بأن يضعوها في مكان كذا من سورة كذا، دون اعتبار لترتيبها حسب نزولها.
واستمر الحال على ذلك منذ بعثته عليه السلام حتى قبيل وفاته ( زهاء 23 سنة )، والرسول عليه السلام بشر، ما كان ليدري ما ستجيء به الأيام من أحداث، ولا ما سيكون في مستقبل الزمان من قضايا، وبالتالي: لم يكن يعرف ما سينزل بشأنها من قرآن.
وتمضي الأيام وآيات القرآن بتتابع نزولها والرسول يأمر بوضعها مواضعها التي يشير إليها، موزعة على السور، حتى اكتمل نزول القرآن. فإذا نحن أمام بناء متناسق متكامل تتآخى أجزاؤه. وتأتلف وتنسجم، ولا يؤخذ عليه شيء من التنافر أو التفاوت بين شيء من أجزائه، حتى أن الناظر فيه دون أن يعلم بنزوله منجماً، ولا يخطر بباله أنه رتب بهذه الطريقة.
إن ذلك ولا شك دليل قاطع على أن القرآن الكريم كلام الله لا كلام بشر.
ويرى الدكتور / دراز أن هذا النهج الكلي في دراسة النسق القرآني هو السياسة الرشيدة، التي يجب أن تتبع، فلا يتقدم الناظر إلى البحث في الصلات الموضعية بين جزء وجزء، إلا بعد أن يحكم النظر في السورة كلها، بإحصاء أجزائها وضبط مقاصدها العامة، فالسورة مهما تعددت قضاياها، فهي كلام واحد، يتعلق آخره بأوله، وأوله بآخره، ويترامى بجملته إلى غرض واحد كما تتعلق الجمل بعضها ببعض في القضية الواحدة.
ولا نجد ما نختم به دراستنا ( النبأ العظيم ) خيراً من قوله صاحبه: ( لعمري لئن كانت للقرآن الكريم في بلاغته معجزات وفي أساليب ترتيبه معجزات، وفي نبوءاته معجزات، وفي تشريعاته الخالدة معجزات، وفي كل ما استخدمه من حقائق العلوم النفسية والكونية معجزات. لعمري أنه في ترتيبه آية على هذا الوجه معجزة المعجزات).
وبعد: أيها القارئ الكريم: ماذا نأخذ وماذا ندع لنبيين أن القرآن الكريم معجز، أنه في الحقيقة معجز من أي ناحية أتيناه، إنه معجز في بلاغته، معجز في ترابطه وتماسكه، معجز في تشريعاته وهدايته، معجز في معارفه وعلومه، معجز في غيوبه وأسراره، إنه روح من الله، صدق فيه قوله سبحانه: ) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ )صدق الله العظيم. وصدق نبيه الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* * *
أ.د. / عبد الغني محمد بركة
تم نشر المقالة بالتعاون مع جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ـ مصر القاهرة

القلب الحزين
12-01-2014, 08:07 PM
المعارضون للإعجاز العلمي في القرآن والسنة




مناقشة الآراء ودحض الحجج
أ.د/كارم السيد غنيم
أستاذ في جامعة الأزهر حاصل على دكتوراه في علم الحشرات
ورئيس جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في الأزهر
الحمد لله الذي أنزل القرآن ختاماً لكتبه ورسالاته إلى البشر أجمعين، وأودع فيه من الأسرار مالا ينقضي وما لا ينتهي إلى يوم القيامة، الحمد لله الذي جعل القرآن معجزة خالدة لخاتم الأنبياء والرسل، معجزة عقلية ذهنية علمية، معجزة اكتملت فيها كافة جوانب الإعجاز: في اللغة، في البيان، في الإخبار بما فات، وما يجري وما هو آت، معجزة أحتوت من الأمور العلمية والمسائل الكونية والقواعد السياسية والأسس والكليات الاقتصادية والتفصيلات الاجتماعية والحقوق الإنسانية والنظم البشرية .. ما لا يستطيع أي مخلوق أن يأتي بمثله على مر الزمان، وسيظل القرآن الكريم معجزة الإسلام الخالدة، وبرهانه الباقي، منذ نزل بين أناس فصحاء وعلى قوم بلغاء، ولطالما يتلى بين باحثين وعلماء.
ونحن في زمن الكشوف العلمية، والاختراعات التكنولوجية، في زمن ثورة المعلومات والهندسة الوراثية، وارتياد الفضاء والاتصال بالكواكب الأخرى وزيارتها، في زمن " القرية الواحدة " يعرف فيه القاصي والداني، ويتصل فيه أهل القطب بأهل اللب، بل نحن في زمن " الحجرة الواحدة " بفضل ثورة الاتصالات العارمة، نحن في هذا الزمن الحاضر علينا أن نوظف هذه العلوم والمعارف في تفسير آيات كتابنا المجيد، وإن لم نفعل فقد قصرنا تقصيراً يحاسبنا الله عليه، وإن لم نفعل فكيف بمن سيأتون بعدنا من أجيال يحترموننا أو يجلوننا، كيف يحترمون أو يجلون جيلاً لم يعط في خدمة القرآن ـ والدعوة الإسلامية عموماًـ عطاء غيره ممن سبقه من أجيال.
وبالرغم من أن نتائج دراسات وبحوث الإشارات العلمية للآيات القرآنية أضحت ضرورة في الدعوة الإسلامية، وخصوصاً في المجتمعات غير المسلمة، المجتمعات المتقدمة علمياً وتكنولوجيا، فإن البعض لا يزال يعارض هذا المنحى في الدراسات والبحوث، سواء عن جهل به أو عن خوف من تحديث أساليب الدعوة، وقد درجوا على أساليب معروفة قديمة كانت صالحة لعصور سابقة.[1].
وعلى أية حال، فالمعارضون لهذا الاتجاه البحثي ـ قداماهم ومحدثوهم ـ ليس لهم نصيب من المعارف الطبيعية أو العلوم المدنية، وإنما سوادهم ـ إن لم يكن جميعهم ـ أصحاب معارف وعلوم نظرية وحسب، ويستطيع الباحث أن يركز كلامهم في نقاط محددة، وهي نقاط ـ أو حجج ـ يمكن دحضها بعد الوقوف عليها جيداً، وهذا ما قمنا به في هذا المقال، بتوفيق من الله تعالى، ولا نبتغي في هذا سوى مرضاته بخدمته لكتابه العظيم، والسعي لنشر دينه الحنيف في أرجاء الأرض قاطبة.
ولا ندعي أننا أتينا على الموضوع بجميع تفاصيله، وإنما نقدم ما أفاء الله به علينا وما أسعفتنا به المراجع وما سمع به الوقت، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)[2].
المنكرون لاتجاه استعمال نتائج الكشوف العلمية والبحوث التجريبية في تفسير أو تفهم الآيات الكونية بالقرآن ليسوا بالكثرة التي ينتشر بها علماء الفريق الثاني، ونحن هنا نورد آراء أهم رواد المنكرين كما يلي :
أبو إسحاق الشاطبي:
يمثل هذا التيار علماء قدامى وعلماء محدثون، ولعل الشاطبي صاحب (الموافقات) يعتبر من أقدم النكرين لهذا الاتجاه في تفسير آيات القرآن، وقد بسط القول في إنكاره، والرد على القائلين به.
ويقول أبو إسحاق الشاطبي (المتوفى سنة 790هـ ) في كتابه (الموافقات في أصول الشريعة): إن كثيراً من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضفوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين: من علوم التطبيقات والتعاليم (أي الرياضيات والهندسة وغيرها)، والمنطق وعلم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من أهل الفنون، وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم( أي : تم ذكره في كتاب الموافقات) لم يصح.
ثم يضيف الشاطبي إلى هذا ما ينفي به حق القائلين بالتفسير العلمي، فيقول: وإضافة إلى هذا، فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف الناس بالقرآن، وبعلومه، وما أودع فيه. ولم يبلغنا أنه تكلم أحدهم في شيء من هذا المدعى.. سوى ما ثبت فيه من أحكام التكاليف وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك. ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشيء مما زعموا.
ثم عرض الشاطبي لأدلة الداعين إلى " التفسير العلمي " وأخذ يدحضها مركزاً على مستندهم ويتمثل في الآيتين : (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) [سورة النحل], وقوله تعالى:( ما فرطنا في الكتاب من شيء) [سورة الأنعام]. وقال بأن المقصود بالتبيان هنا هو إظهار أحكام التكاليف، والتعبيد، وأحكام الآخرة، وما يتعلق بأصول الهداية، وليس بصدد العلوم الكونية. وفي الآية قال بأن الكتاب المقصود هنا هو " اللوح المحفوظ " ولم يقل كما يقولون بأنه القرآن الكريم.
ومما يذكر أن الشاطبي هذا من علماء القرن الهجري الثامن، الذي ظهر فيه الزملكاني صاحب كتاب (التبيان في إعجاز القرآن)، وابن تيمية صاحب كتاب في الإعجاز هو (جواب أهل العلم والإيمان)، والخطيب القزويني صاحب كتاب ( التلخيص لمفتاح السكاكي)، ويحيى بن حمزة العلوي، والأصبهاني، وابن قيم الجوزية وابن كثير، والزركشي.
وهو إلى جانب ما أورده في كتابه(الموافقات) جعل الاستعانة على فهم القرآن الكريم، مقصور على العرب خاصة، وليس إلى غيرهم. وكان مما قاله ونقله عنه الدكتور أحمد العمري[3]: " إن هذه الشريعة أمية لأمة أمية ".
ويعقب العمري على هذه المقولة بقوله: جعل الشاطبي هذا القول قاعدة، دخل منها إلى أن الشريعة جارية على مذاهب العرب، وبنى على ذلك أن كثيراً من الناس قد تجاوزوا في الدعوى على القرآن، فأضافوا إليه كل علم من العلوم، على النحو الذي ذكرناه في نص قول الشاطبي في الفقرات السابقة.
ثم إن صاحب (القرآن يتحدى)[4]يرد على الشاطبي مقولته " إن هذه الشريعة أمية لأمة أمية " من وجوه :
1. إن إطلاق " الأمية " على الشريعة مجازفة لا تستند إلى أي دليل، خاصة وأن الكلام إنما يدور حول العلوم المندرجة في القرآن الكريم، ومن البداهة أن علوم القرآن لا تدخل تحت حصر، لأنه كلام الله تعالى، والحصر من صفاتنا لا من صفات القرآن.
2. إن أحداً لم يدع استنباط جزئيات العلوم الكونية من القرآن، مثل الرياضيات والفلك، وإلا لكن القرآن في مادته لا يخرج عن مادة أي كتاب من تأليف البشر. بل إن المناقشة تدور حول موضوع آخر غير هذا، وهو أن التبحر في العلوم الكونية يكشف لنا عن وجوه الإعجاز ما لم نكن نعلمه في عصرنا.
3. إن كان بعض الذين طبقوا هذا المنهج قد جانبهم الصواب، فإن هذا يحدث لكل من يعالج قضية من القضايا، أو مسألة من المسائل العلمية التي تقبل النقاش، فالعيب ليس في المنهج، وإنما العيب فيمن تصدوا لتطبيقه، ولا أهمية عندهم لذلك.
4. الاعتراض على من قال: إنه يستنبط العلوم من القرآن الكريم ليس بحجة، ولا تحجير على فضل الله تعالى، ولا يوجد اثنان من العلماء يتساويان في فهم كتاب الله عز وجل.
ومن قبل هذا فلقد انبرى محمد الطاهر بن عاشور [5]( وهو من المفسرين التونسيين المعاصرين) في تفسيره " التحرير والتنوير " إلى تفنيد مقولة الشاطبي بأن الشريعة أمية لأمة أمية، فقال: إن هذه المقولة واهية لوجوه ستة:
1. إن ما بناه عليه، يقتضي أن القرآن لم يقصد منه انتقال العرب من حال إلى حال، وهذا باطل. بقول الله سبحانه: ( تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك، ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا.. ) [سورة هود/49]، فهذا تصريح بأن القرآن يحتوي كثيراً من الحقائق التي يجهلها قومه، والتي هي من قبيل أنباء الغيب والمعجزات.
2. إن مقاصد القرآن راجعة إلى عموم الدعوة، وهو معجزة باقية، فلابد أن يكون فيه ما يصلح لأن تتناوله أفهام من يأتي من الناس في عصور انتشار العلوم في الأمة.
3. إن السلف قالوا: إن القرآن لا تنقضي عجائبه، يعنون معانيه، ولو كان كما قال الشاطبي لانقضت عجائبه، بانحصار أنواع معانيه.
4. إن من تمام إعجازه أن يتضمن من المعاني ـ مع إيجاز لفظه ـ ما لم تف به الأسفار المتكاثرة.
5. إن مقدار أفهام المخاطبين به ابتداء لا تقتضي إلا أن يكون المعنى الأصلي مفهوماً لديهم، فأما ما زاد عن المعاني الأساسية فقد يتهيأ لفهمه أقوام، وتحجب عنه أقوام.
ولنطالع الآن رأي الداعية الشيخ محمد الغزالي بخصوص مقولة الإمام الشاطبي (إن هذه الشريعة أمية لأمة أمية)، يقول الشيخ محمد الغزالي[6] :
هناك قضية هامة وردت فيما سبق،وهي : قضية أمية الأمة، وأمية الشريعة، التي أتى الشاطبي على ذكرها.. وهي قضية خطيرة، إذا أخذناها على إطلاقها فإنها تؤدي إلى محاصرة العقل.. فهل يُعقل أن تكون هذه " الأمية " خالدة ؟ أم أنها مرحلة مؤقتة، كان العرب عليها، ومن ثم انتهت وأصبحت الأمة تكتب وتحسب ؟ وأرى أن الأمة، في مرحلة من حياتها، قد تكون أمية لا تقرأ، ولا تكتب ولا تحسب، ثم يتغير حالها إلى مرحلة أخرى، فتصبح أمة عالمة قارئة.. فهل يمكن أن تبقى الأمة متوقفة على الوسائل الأمية في النظر والحكم والعلم ؟ الأمة اليوم أصبحت تقرأ وتكتب وتحسب .. فالتقرير على أن الأمية صفة قسرية أو ملازمة للأمة، وأن الأحكام يجب أن تبقى مناسبة لمرحلة الأمية، أظن أنه أمر يتعارض مع طبيعة الحياة، وصيرورتها كما يتعارض مع خلود الرسالة وقدرتها على الاستجابة لدواعي العصر.
وأمر الإصرار من بعض العلماء على " الأمية " عجيب ! وهو ما أدى إلى التعسف والتوقف عند بعض المفهومات وعدم تجاوزها..
" إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب " [7] ! لكن هل هذا يعني أن تبقى الأمة أبداً لا تقرأ، ولا تكتب، ولا تحسب ! وهل هذا يعني أيضاً أن نبقى بعيداً عن الكسب العلمي؟ وكانت أول آية نزلت تفرض التعلم والتحول إلى القراءة والكتابة ؟
والسؤال أيضاً: بعد نزول القرآن: هل تبقى الأمة أمية؟ لقد كانت أمة أمية، ثم جاء هذا العلم المزدوج المضاعف الكثير في كتاب الله، فكيف تبقى أمية بعده ؟ هذا مستحيل.
والسؤال هو : هل كلمة " أمية " التي وردت في الحديث نسبة للجهل أو الأمة ؟ فاليهود يرون أن " النبي أمي " تعني : النبي المبعوث من غيرهم، أو من بقية العالم .
ويخيل إلىّ أن المقصود " بالنبي الأمي " : النبي الذي خرج بعيداً عن الدائرة التي كان يؤخذ منها الأنبياء، وهي إسرائيل، وإن كان هناك أنبياء عرب.
(ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ) [سورة البقرة].
ولما سألت الرسول صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب [8]عن أفضل آية عنده، قال: آية الكرسي. قال له " ليهنك العلم أبا المنذر "[9]. أي ليكن العلم هنيئا لك
ويقول تعالى : (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )[سورة النساء].
فالعلم هو صفة القرآن ... وصفة المشتغلين به. فكيف يقال : " إن الأمة أمية مع القرآن ؟ هذا مستحيل . والقرآن وجه لاقتحام أسوار الحياة والتغلغل في أسرارها، ومجال العلم الإلهي فيها والحكمة الإلهية فيها. فكيف يُقال : إن الرسالة أمية؟
ألا يمكن أن يكون هناك أفق آخر للقضية ؟ وهو : أن التكاليف والعبادات وما إلى ذلك، يمكن أن تكون لها صفة العموم، وتشمل الناس جميعاً بمختلف مستوياتهم الفكرية والعلمية، والرسالة ميسرة لكل بحسب كسبه. كأني ألمح في بعض الوجوه أن التعاليم الإسلامية كالأمر بالصلاة والصوم.. الخ، لا تستدعي سوية معينة من الكسب العلمي، حتى يستطيع الإنسان أن يدركها، وإلا كيف يمكن أن نخرج ذلك من الأمة الأمية ؟ !
وتعقيباً على ما ذهب إليه الشاطبي، أقول: إن العرب إذا كانوا في ذلك العصر أمة أمية، فالأمية لا يمكن استمرارها .. هذا شيء. والشيء الآخر : إن الخطاب ليس للعرب ولكنه للناس ـ المتعلم وغيره ـ كما أنه ليس لزمان واحد فقط.
كان العرب أمة أمية ... وكان الفرس والرومان هم المثقفون.. وعندما أنظر إلى الفرس والروم أجد أنه كانت لديهم جهالات ربما لم تكن موجودة عند العرب .. وربما أن العرب أحسن من الروم والفرس، في جاهليتهم تلك : (الله أعلم حيث يجعل رسالته) الأنعام.
قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنا أمة أمية " أي تجهل الكتابة والحساب في عصر معين ـ لا يقتضي أن تبقى أمية دائماً، والقرآن خطاب خالد مجرد من حدوث الزمان والمكان.
ففكرة أمية الأمة، وأمية الشريعة، والإصرار على بقاء المرحلة البدوية واستمرارها مرفوض.. أمة تستقبل القرآن لابد أن تكون أميتها قد زالت بهذا القرآن نفسه.. فإذا كان القرآن يدل على مصادر معرفة في أساس المنطق الحديث، وأساس حضارة أوربا، فكيف تكون الأمة أمية؟ هذا أمر مستبعد.
القرآن لم ينزل على العرب وحدهم، ولم ينزل لفترة معينة، وإنما هو خالد عبر الزمن.. فكيف يمكن أن ينتفع أصحاب الكسب العلمي والمعارف العلمية في المستقبل إذا اعتبر خطاباً أمياً للأميين؟
والأمر العجيب: أن الشاطبي، على الرغم من قدراته العقلية في تحديد مقاصد الشريعة، قال بهذا!
محمد الذهبي:
الدكتور محمد حسين الذهبي هو الآخر من رواد التيار المناوئ لنزعة ما يسمى "التفسير العلمي " للآيات الكونية الواردة بالقرآن الكريم .
ولكنه يعرف هذا التفسير بأنه العمل الذي يحكم الاصطلاحات العلمية في عبارات القرآن، ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها.
وهناك عدد من الجوانب التي ورد بها الذهبي دعوة القائلين بالتفسير العلمي، ساقها الدكتور سعاد يلدرم[10]في بحث له بالمؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المشرفة المنعقد بإسلام أباد (باكستان) سنة 1408هـ (1987م) .. وهي آراء بثها الذهبي في كتابه (التفسير والمفسرون)، وموجز هذه النقول:
1. الناحية اللغوية:
تغيرت ألفاظ قرآنية وتوسعت دلالاتها على مر الزمان. وتعددت معاني اللفظ الواحد، فبعضها عرفته العرب وقت نزول القرآن، وبعضها لا علم للعرب به وقت نزول القرآن، ... فهل يعقل أن نتوسع في فهم ألفاظ القرآن توسعها يجعلها تدل على معان جدت باصطلاح حادث ؟
2. الناحية البلاغية:
وموجز القول فيها أن الذهبي توصل إلى ضرر البلاغة القرآنية من جهة التغير العلمي للقرآن. وحجته هي الذين خاطبهم الله بهذا القرآن وقت نزوله إذ كانوا يجهلون هذه المعاني، رغم أن الله يريدها من خطابه إياهم، لزم أن يكون القرآن غير بليغ، لأنه لم يراع حال المخاطب؟ وإن كانت العرب تعرف هذه المعاني وقت نزول القرآن بين ظهرانيهم، فلم لم تظهر نهضة العرب العلمية منذ نزل القرآن؟ .
3. الناحية الإعتقادية:
وتتلخص في أن قواعد العلم ونظرياته لا قرار لها ولا بقاء، فإذا ذهبنا إلى تقصيد القرآن ما لم يقصد إليه من نظريات ثم ظهر بطلانها، فلسوف يتزعزع اعتقاد المسلمين في القرآن.
هذا، وإن كان الدكتور الذهبي قد شدد على المسرفين في التفسير العلمي للقرآن، إلا أنه بدا غير معترض على الفكرة في حد ذاتها، لأنه قال في أواخر ما كتب : وحسبهم أن لا يكون في القرآن نص صريح، يصادم حقيقة علمية ثابتة. وحسب القرآن أنه يمكن التوفيق بينه وبين ما جد ويجد من نظريات وقوانين علمية، تقوم على أساس من الحق وتستند إلى أصل من الصحة.
محمد رشيد رضا:
على الرغم من أن بعض الباحثين اعتبر الشيخ محمد رشيد رضا ممن أجازوا لغة " التفسير العلمي للقرآن " [11]إلا أننا طالعنا ما أوضح لنا أنه من المانعين لهذا الاتجاه [12]، باعتباره صارفاً عن القرآن وهديه وتشريعه، وينبغي على الذين سلكوا هذا المسلك الذي يخرج بالتفسير عن وظيفته، ويعمد إلى تأويل القرآن على غير تأويله، كالرازي في تفسيره، ومن تأثر بخطاه. أن يعيدوا النظر في ذلك. وقد عرض محمد رشيد رضا آراءه هذه في مقدمة تفسير المنار.
محمد المراغي :
الشيخ محمد مصطفى المراغي (شيخ الأزهر السابق المتوفى سنة 1364هـ يقول : يجب ألا نجر الآية إلى العلوم كي نفسرها، ولا العلوم إلى الآية، ولكن إن اتفق ظاهر الآية مع حقيقة علمية ثابتة فسرناها بها. وحينما ألف الدكتور عبد العزيز إسماعيل كتاب (الإسلام والطب الحديث) عرضه على الشيخ المراغي فأثنى الشيخ في مقدمته على المؤلف وحمد له جهوده، ولكنه لم يوافقه على مسكله في تحميل الآيات القرآنية ما لا تتحمله، فقال: لست أريد من هذا ـ يعني ثناءه على الكتاب ومؤلفه ـ أن أقول إن الكتاب الكريم (أي : القرآن) أشتمل جميع العلوم جملة وتفصيلاً بالأسلوب التعليمي المعروف، وإنما أريد أن أقول إنه أتى بأصول عامة لكل ما يهم الإنسان معرفته به، ليبلغ درجة الكمال جسداً وروحاً، وترك الباب مفتوحاً لأهل الذكر من المشتغلين بالعلوم المختلفة ليبينوا للناس جزئياتهان بقدر ما أوتي منها في الزمان الذي هم عائشون فيه[13].
هذا، وكان الشيخ محمود شلتوت (شيخ الأزهر الأسبق) والشيخ محمد المدني، والدكتور محمد عبد الله دراز من علماء هذا التيار أيضاً.
عاطف العراقي:
الدكتور عاطف العراقي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، كنا من قبل نراه يكتب صنو اسمه (أستاذ الفلسفة الإسلامية)، لكنه الآن يكتفي بذكر الكلمتين (أستاذ الفلسفة) !!! وهو من أشهر الذين تأثروا بفكر الأب جورج قنواتي في مصر، وهو الذي احتضن الدكتور العراقي وساعده كثيراً. تحدث الدكتور العراقي في ندون (الدين والعلم والفلسفة) التي نظمها نادي العلوم جامعة القاهرة، ونقلتها جريدة عقيدتي [14]المصري، فجاء إلى الدراسات العلمية للآيات الكونية الواردة بالقرآن، وقال ما نصه: استخلاص النظريات العلمية من الآيات القرآنية خطأ كبير يسيء للدين ويضيره أكثر مما يفيده، فقد لاحظنا في السنوات الأخيرة من دأب على الربط بين النظريات العلمية التي قد تتغير بمرور الزمن وقد يثبت خطؤها في حين أن القرآن ثابت.... وقد وجدنا من قال إن معظم النظريات العلمية الحديثة من الجاذبية والإلكترونات وغيرها قد وردت في القرآن منذ أربعة عشر قرناً.. وأشار الشيخ محمد عبده والكواكبي والشيخ بخيت وغيرهم إلى ذلك وساقوا أدلة خاطئة لإمكان استخلاص نظريات علمية من القرآن .. الأمر الذي جعل الدكتور طه حسين يهاجمهم في كتابه (من بعيد) بتفنيد حججهم والتهكم عليها بقوله : " يبدوا لي أنهم يسرفون في أكل الفول والعدس الذي ينصرف إلى أدمغتهم فيؤدي إلى تصرفات فاسدة في ظل التغير العلمي يوما بعد يوم، وخاصة إذا جاء أناس وقالوا بتأييد القرآن لنظرية علمية ثم جاء عالم آخر غداً وأثبت خطأها، فماذا يكون موقف العلماء الذي فسروا العلم بالقرآن. أما التهكم الذي صدر عن الدكتور طه حسين فما كان يليق بمثله أن يأتي به، ولكنه وقد وصل إلى هذا المستوى، وذلك من خلال العديد من المقالات التحليلية النقدية للأستاذ أنور الجندي في بابه الثابت بمجلة منار الإسلام الظبيانية (مؤلفات في الميزان)، وقد جمعت المجلة هذه المقالات في كتاب أصدرته بنفس عنوان الباب " مؤلفات في الميزان " .
عبد الكريم الخطيب :
وممن يهزأ بنزعة " التفسير العلمي " للقرآن الكريم عبد الكريم الخطيب الذي قال في تحقيق صحافي[15]: إنه نوع من التهريج والإدعاء (!!!)، يقوم به أصحابه فيلصقون بالقرآن أشياء أشد ما تكون بعدا عنه. ويضرب مثالاً بالآية القرآنية : (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) [سورة الذاريات]، فيقول : إن أصحاب هذا التفسير يتحدثون عن التمدد والتزايد في الألوان، فمن أين جاءوا بهذا؟ ويأتي بمثال آخر هو الآية (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) [سورة الرعد] وقد قال هؤلاء عن ذلك بتآكل الشواطئ البحرية.
ويؤكد الخطيب أن العلم متغير لا يثبت على حال، حيث تنقض النظريات القائمة بنظريات حديثة.
هذا، ولا يفوتنا أن نذكر رائدين من رواد المنكرين، وهما الشيخ أمين الخولي، وبنت الشاطيء (الدكتور عائشة عبد الرحمن).
ونستطيع أن نلخص آراء المعارضين لاتجاه " التفسير العلمي للقرآن الكريم في النقاط الآتية:
1. إن القرآن نزل ليفهمه العرب في الصدر الأول من الإسلام، وأن علينا معاشر المسلمين أن نحذوا حذوهم فيما فهموه من آياته البينات بحسب مدلولات ألفاظه المفهومة، لأنهم عرب أدرى بلغتهم، وأقدر على فهم معاني كلماتها منا.
لما كانت البلاغة هي المطابقة لمقتضى الحال، فإن التفسير العلمي للقرآن يضر ببلاغة القرآن، لأن من خوطبوا بالقرآن في وقت نزوله، إن كانوا يجهلون هذه المعاني، وكان الله يريدها من خطابه إياهم، لزم على ذلك أن يكون القرآن غير بليغ، لأنه لم يراع حال المخاطب !! وإن كانوا يعرفن هذه المعاني فلم لم تظهر نهضة العرب العلمية من ليلة نزول القرآن الذي حوى علوم الأولين والآخرين؟ [16]
2. إن القرآن الكريم لا شأن له بالعلوم الطبيعية، فهو لم ينزل ليحدث الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وأنواع المعازف، وإنما هو كتاب أنزل للناس للإرشاد والهداية وبيان التكاليف وأحكام الآخرة.
إن هناك دليلاً واضحاً من القرآن على أن القرآن ليس كتاباً يريد الله به شرح حقائق الكون، وهذا الدليل هو ما روى عن معاد أنه قال : يا رسول الله : إن اليهود تسألنا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة، فما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص حتى يعود كما كان؟ .
فأنزل الله هذه الآية : (يسألونك عن الأهلة، قل: هي مواقيت للناس والحج)[سورة البقرة][17].
3. إن " التفسير العلمي " للقرآن يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان. والكشوف العلمية والبحوث الكونية ما هي إلا فروض ونظريات، يعتقد رجال العلوم فترة من الزمان في صحتها ثم لا يلبثون بأنفسهم أن يبطلوها. ومن ثم فلا يجوز للمسلم الغيور على قدسية القرآن أن يقحم آياته في أشياء ومعارف تتغير وتتبدل، حتى إننا نرى ما كان حقيقياً بالأمس يصبح خطأ اليوم، وما هو حقيقي اليوم قد يصبح خطأ غداً .. فكيف نستخدم علوما هذا شأنها في تفسير آيات خالدة باقية لا يتطرق إليها أدى تغيير أو تبديل.؟
إننا إذا ذهبنا إلى تقصد القرآن ما لم يقصد من نظريات، ثم ظهر بطلان هذه النظريات، فسوف يتزلزل اعتقاد المسلمين في القرآن الكريم، لأنه لا يجوز للقرآن أن يكذب اليوم ما صححه بالأمس[18].
هكذا يتضح لنا أن المانعين أو المنكرين لظاهرة " التفسير " العلمي لآيات القرآن ذات الإشارات الكونية، يكتفون بالوقوف عند المعاني الظاهرية فقط لهذه الإشارات دون الدخول فيما تتضمنه هذه الإشارات أو تدل عليه من سبق علمي أو بيان لحقيقة علمية لم يتوصل العلم إليها إلا حديثاً، بل يرون هذا العمل صارفاً عن الغاية الرئيسية للقرآن، وهي : هداية الإنسان وإصلاح حاله!
ولنتفرغ الآن لدحض حجج المانعين للتفسير العلمي في القرآن، المعارضين لبيان أوجه الإعجاز العلمي فيه، كما يلي:



يتبـــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 08:11 PM
يتبــــــــــــع الموضوع السابق

المعارضون للإعجاز العلمي في القرآن والسنة


دحض الحجة الأولى:
في دحض هذه الحجة يجب أولاً أن نوضح أموراً:
الأمر الأول: إن القرآن الكريم نزل للبشرية حتى يوم القيامة على اختلاف ثقافات عصورهم وتنوع علوم أهلها، وهو إذ يخاطب العقول على اختلاف المواهب والثقافة والتدبر والتدبر والتفكر، وكل عقل يأخذ منه ما يطيقه وما ينتفع به، فإذا عجزت بعض العقول عن إدراك بعض المعاني لآيات القرآن وجب علينا أن نستعين بكبار العلماء الباحثين، فإن الله تعالى يقول : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [سورة النحل]، وكم استنبط العلماء والفقهاء والباحثون من آيات القرآن الكريم معاني وأحكاماً لم يعرفها السابقون، ذلك أن القرآن كما عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : (حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد ـ أي التلاوة ـ ولا تنقضي عجائبه).
فالدارس للقرآن الكريم يأخذ منه بمقدار موهبته الفكرية وإيمانه القوي، وثقافته العلمية، ومعارفه العديدة، وتفكيرها العميق، وكلما نما العقل البشري، واتسعت مداركه، وتنوعت ثقافته، وتعددت تجاربه، وغزرت معارفه، أدرك من القرآن الكريم ما لم يدركه سواه.
الأمر الثاني : إن القرآن الكريم من أوجه إعجازه إعطاؤه معاني متعددة للعبارة الواحدة الواردة فيه:
1. وأكثر من هذا أننا نجد أحياناً عبارة واحدة تعطينا معنى خاصاً، وفي الوقت نفسه تعطينا ما يبدو مضاداً لهذا المعنى. ومثال ذلك قول الله تعالى : ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون) [سورة يس ].
فالمعنى الأول المفهوم من الآية الكريمة أن الله خلق لنا الثمر لنأكل منه وهو الذي صنعته ولم يصنعه بشر، أي أن " ما " في " وما عملته أيديهم " نافية لفعل البشر في الصنع والخلق، لكن للآية معنى آخر غير المعنى الأول و هو : أن الله خلق الثمرات لنأكل منها طازجة، ولنأكل مما صنعته أيدينا من هذه الثمرات، الطهي أو العصير أو التمليح أو التجفيف أو التقديد، أي أن " ما " التي أشرنا إليها سابقاً هنا موصولة وليست للنفي.
وأصبح للآية معنيان، وربما لها أكثر، وكل منهما صحيح، وعطاء الله لا ينفذ.
2. وهناك آيات عديدة تعطينا معاني عديدة، يظهر بعضها في زمن، ويظهر بعض ما فيها في أزمان متوالي، تبعاً لازدياد فنون الثقافة والكشوف العلمية المتوالية، وأن على العلماء المسلمين المعاصرين إيضاح هذه المعاني حسب ما لديهم من علوم ومعارف حديثة تخدم مفاهيم هذه الآيات.
الأمر الثالث: حينما تستخدم العلوم الكونية والمعارف الطبيعية في تجلية آيات قرآنية وبيان أوجه العظمة ونقاط الإعجاز فيها، إنما نفعل كما يفعل اللغويون وأصحاب البيان، فاستخدام علوم اللغة العربية في بيان أوجه الإعجاز القرآني لم يكن موجوداً في عصر النبوة، وقد ظهرت في عصور متأخرة، والعلماء قاطبة يجمعون على استخدامها في بيان أوجه الإعجاز في القرآن، فلماذا نجيز لهؤلاء استخدام علومهم ونحرم على علماء الكونيات والطبيعيات أن يسخروا علومهم في تجلية جوانب الإعجاز العلمي للآيات الكونية في القرآن ؟ !!
وفيما يلي أمثلة قليلة لنوضح بها أن العلوم الكونية والمعارف الطبيعية لا تقل أهمية عن علوم اللغة العربية ( التي لم يعترض أحد على استخدامها لبيان أوجه الإعجاز القرآني) في بيان وتجلية جوانب من إعجاز الآيات الكونية:
المثال الأول :
يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) [سورة الغاشية ] فهل الأمر الإلهي بالنظر إلى الإبل لمجرد مناسبتها لخطاب البدو والأعراب؟ فإذا كان هذا صحيحاً فكذلك لا تزال الدراسات الحديثة تكشف عن معجزات أحيائية رائعة في ذلك المخلوق الرائع، الذي نستطيع أن نثبت أنه خص بالذكر من بين ما لا يحصى من مخلوقات الله، نموذجاً يتدبر في دراسته المتدبرون، هذا إضافة إلى أن النظر هنا ليس معناه نظر حدقة العين، وإنما النظر بمعنى التدبر والتبصر والدراسة والبحث.
المثال الثاني :
يقول الحق تبارك وتعالى : (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير .. ) [سورة المائدة]، فليس من الصحيح المقنع أن علة التحريم في لحم الخنزير هي ما تناقلته بعض التفاسير من أشياء يسهل الرد عليها ودحضها، ومنا الرائحة الكريهة، أو أن الخنزير يتغذى على الأقذار أو ما شابه هذه الأقوال الضعيفة، ولكن علينا ـ بعد إيماننا بتحريمه والامتثال للأمر الإلهي بالطاعة ـ أي نفهم ما أثبته العلماء المعاصرون من حقائق تقرر أن تحريمه لعلة مستقرة فيه، وليس لعلة عارضة عليه يحل لحمه بزوالها[19].
المثال الثالث:
يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ : ( فلا أقسم بالشفق * والليل وما وسق * والقمر إذا اتسق * لتركبن طبقاً على طبق * فما لهم لا يؤمنون * وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون * بل الذين كفروا يكذبون )[سورة الانشقاق ]. فسر بعض المفسرين قوله تعالى : ( لتركبن طبقاً عن طبق) بالصعود الروحي من سماء إلى سماء، وفسرها آخرون بصعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات : سماء تلو سماء، وفسرها آخرون بصعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات : سماء تلو سماء في رحلة المعراج العظيمة التي طوى فيها هي ورحلة الإسراء الزمان والمكان.هذا وإن كانت بعض التفاسير قد قنع بها المسلمون في عصورهم السابقة، فإن بعض التفاسير يشوبها الغموض فيما عرضته من شرح لهذه الآية، لذلك جاء نفر من العاملين في حقل الإعجاز العلمي للقرآن ليزيل هذا الغموض في الفهم [20]، إنه يرى الآيات السابقة على هذه الآية (19) تمهد لها، فالله يقسم ببعض ظواهر الكون الطبيعية التي خلقها بقدرته وأحكم فيها صنعته، الشفق : الوهج الأحمر الذي يتشتت من ضوء الشمس عقب غروبها أو قبل شروقها، الليل : ظلام الفضاء الكوني وما يحتويه من أسرار، القمر إذا اتسق: اكتمل وأصبح بدراً .. جواب القسم هو " لتركبن طبقاً عن طبق " أي لتسافرن من مرحلة إلى مرحلة في عصر قادم، ولتصعدن من طبقة إلى طبقة في الجو ( تروبوسفير ـ الأزموسفير ـ الإيونوسفير ـ الإكسوسفير ) وذلك رحلة اختراق طبقات الجو إلى الأجرام السماوية المجاورة فكان رائد الفضاء يخترق طبقة تلو الأخرى، وهو إخبار بمستقبل سيحدث في حياة الناس، وهو السفر عبر الفضاء واجتياز الأجواء.
المثال الرابع:
يقول الحق ـ تبارك وتعالى : ( وأرسلنا الرياح لواقح ) [سورة الحجر].
يمكن فهم عدة مفاهيم لهذه الآية الكريمة، منها: أن الله يرسل الرياح حاملة المطر الذي ينزل في الأرض فيحيي مواتها، فينبت النبات والثمرات، حيث يشرح المفسرون معنى الريح اللاقح بأنها كل ريح تأتي بخير، وعكسها الريح العقيم. ومن مفاهيم هذه الآية أيضاً أن الرياح تحمل حبوب اللقاح (غبار الطلع ) Pollen Grainsمن أعضاء الذكورة في النباتات إلى أعضاء الأنوثة في أفراد أخرى من هذه النباتات، فيتم الأخصاب، فتثمر النباتات الثمار التي نأكلها ونحيا بها. ومن مفاهيم الآية أيضاً أن الرياح تحمل الحشرات تلك التي تحمل حبوب اللقاح لتقوم بنفس العملية التي ذكرناها لنفس الغرض المذكور.
ومن مفاهيم الآية أيضا أن الرياح تلقح التربة أي تمدها بالعناصر اللازمة لخصوبتها، ومنها الأزوت الذي يوجد طبيعياً في الهواء مثلاً.
ومن المفاهيم الجديدة لهذه الآية : ( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين )[سورة الحجر] ما أفاء الله به على أستاذنا الدكتور محمد جمال الدين الفندي [21]حيث يقول : تثير الرياح السحاب، أي تكونه وتدفعه حيث تدأب على إمداده وتغذيته ببخار الماء الذي تحمله وتجلبه معها من البحار والمحيطات. وكذلك تغذية بجسيمات صغيرة تسمى (نوى التكاثف) ووظيفة هذه (النوى) هي تجميع جزيئات الماء في مناطق إثارة السحب لتكون قطرات صغيرة من الماء أو من بللورات الثلج، والفرق بين السحابة التي تمطر والسحابة التي لا تمطر هو : أن الأولى لها مدد مستمر من بخار الماء، ونوى التكاثف بواسطة الرياح أو الهواء الصاعد، أما الثانية فليس لها أي مدد. وينجم عن استمرار الرياح في (تلقيح ) السحاب الي تثيره ببخار الماء ونوى التكاثف نزول المطر. ومن هنا تكون " الفاء " في قوله تعالى " فأنزلنا " هي فاء السببية ، أي : نجم عن هذا التلقيح نزول المطر. أما قوله سبحانه ( وما أنتم له بخازنين) ففيه إشارة أخرى إلى معجزة أخاذة هي الدورة المائية بين السماء والأرض، حيث إن ماء المطر يعود مرة أخرى إلى المحيطات والبحار عن طريق الأنهار أو المياه الجوفية، وتعود الشمس فتبخر بعض ماء المحيط والبحر لتعود الدورة من جديد وهلم جرا.
المثال الخامس:
يقول الحق ـ تبارك وتعالى ـ (إن كل نفس لما عليها حافظ ) [سورة الطارق]، فما هي مفاهيم الحفظ الذي يقيمه الله على كل نفس حماية لها ؟ .
إن من مفاهيمه أن الله يحفظنا من الأخطار المحدقة بنا لأنه سبحانه (خير حافظاً وهو أرحم الراحمين ) [سورة يوسف]، فهو يحفظنا دون أن ندري من أخطار لا ندركها. ومن معاني هذا الحفظ أن الله سخر بعض ملائكته لتسجيل علينا أقوالنا وأفعالنا، ليجازينا عنها بما نستحقه من جزاء كما قال سبحانه : ( وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون ) [سورة الانفطار].
ومن معاني هذا الحفظ أن على كل منا رقيبا يحفظه من أن يدمر الآخرين، أو يعيث في الأرض فساداً إلا حين يشاء الله أن يجعل بعض الناس فتنة للبعض الآخر.
ومن المعاني الحديثة لهذه الآية وهذا الحفظ، أن يقرر العلماء حقيقة وجود كرات الدم البيضاء (White Blood Corpuscles) داخل جسم الإنسان والتي مهمتها الدفاع عن الجسم إذا تسللت إليه الجراثيم الممرضة (Pathogens) وقد اتسعت البحوث على هذه الكرات وعلى وظائفها ودورها في هذا الحفظ، فيمكن الرجوع إلى مثل هذه البحوث إذا أردنا التفصيل العلمي.
ومن المعاني الحديثة لهذه الآية وهذا الحفظ، ما كشفه الأطباء من وجود خطوط دفاعية داخل الجسم تكافح الجراثيم الغازية له، منها مثلا: الشعيرات والمخاط في الأنف ـ إذا تسللت الجراثيم عن طريق الأنف ـ ودمع العين ـ إذا تسللت الجراثيم عن طريق العين ـ ودفاع اللوزتين ـ إذا تسللت عن طريق الفم ـ وغير ذلك كثير مفصل في كتب الطب الحديث[22].
ومن المعاني الحديثة أيضاً لهذه الآية وهذا الحفظ ما توصل إليه علماء الأحياء، وهو : أن الله سبحانه زود كل كائن حي بما يحفظه ويحميه في ميادين الصراع القائمة بين الأحياء، فزود الإنسان بعقل يحميه من عوامل الفتك والأفتراس، وبه يستطيع تسخير كل ما هو كائن في الكون، كما أنه سبحانه زود السلاحف بالدروع، وزود الثعابين بالسم، والغزلان بالخفة والسرعة، والنباتات الضعيفة بالأشواك.. وهكذا كل كائن خلقه الله سبحانه زوده بما يحميه.
المثال السادس:
يقول الحق ـ تبارك وتعالى : (هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقاً، وما يتذكر إلا من ينيب ) [سورة غافر]، فالمعنى العام للآية هو أن الله سبحانه يرينا آياته حينا وجيلاً بعد جيل، وينزل لنا من السماء رزقاً، ولا يعرف آيات الله العديدة ونعمه الجزيلة، ولا يتذكرها إلا من آمن بالله ورجع إليه بالإنابة والمتاب. لكن ما المقصود بالرزق المنزل من السماء ؟؟؟
يقول المفسرون القدامى : إن الرزق المنزل من السماء هو ماء المطر، وهذا فعلاً رزق عظيم يحفظ علينا حياتنا من نبات وحيوان وإنسان، ولكن يمكن إضافة معان حديثة على مفهوم الرزق هنا.
ومن المعاني الحديثة لهذا الرزق تلك الأشعة الحرارية التي تصلنا باعتدال من الشمس، فلو انقطعت عنا لماتت جميع الأحياء من شدة البرودة، ولتجمدت مياه المحيطات والبحار والأنهار، ومن ناحية أخرى، فإنه لو زاد مقدارها عن الذي تنزل به لتبخرت مياه جميع الأحياء من ذلك ومن شدة الحرارة.
ومن هذه المعاني الحديثة تلك الأشعة الضوئية التي يتوقف عليها النبات في إمكانية بنائه الضوئي(Photosynthesis) لغذائه الداخلي، وعلى النبات يحيا الإنسان والحيوان، وعلى الحيوان أيضاً يحيا الإنسان.
ومن هذه المعاني الحديثة رماد الشهب الذي يتساقط على الأرض، وتبلغ أعداد هذه الشهب عشرات الملايين في كل يوم، فتحترق حين ملامستها للغلاف الجوي، ويسقط رمادها على الأرض، فيزيد التربة خصباً وصلاحية للإنتاج والإثمار.
ومن المعاني التي اهتدى إليها العلم الحديث لذلك الرزق هو غازات مثل ثاني أكسيد الكربون (Carbon dioxid) والأوكسجين (Oxygen) والأزوت (Nitrogen) وكلها ضروري وحتمي لحياة الكائنات الحية، نباتية كانت أو حيوانية.
ثم إن من المعاني المقصودة أيضاً للرزق هو ذلك الرزق الروحي المعنوي، ويتمثل في الكتب والرسالات السماوية التي نزلت على الرسل الكرام لهداية الناس وانتشالهم من جهالات وظلمات وضلالات الدنيا، فأحييت قلوبهم ونفوسهم.
المثال السابع:
يقول الحق تبارك وتعالى : (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) [سورة الذاريات]، هذه الآية فسرها الأقدمون تفسيراً صحيحاً سليماً منطقياً، ومجمل قولهم: أن هذا الكون رغم اتساعه ورغم ما ضم وحوى من أجرام، فإن لدى الخالق العلي القدير المزيد والمزيد.
ويقول الدكتور الفندي في معان حديثة تضاف إلى ما فهمه الأقدمون بل تزيد من مفاهيم الآية: إن الناس في بادئ الأمر كانوا يظنون بمركزية الأرض للكون، وأن السماء تنتهي عند القبة الزرقاء، وأن النجوم معلقة غير بعيدة في تلك القبة، ثم عرف الناس فيما بعد: المجموعة الشمسية التي لا يزيد قطرها عن خمس ساعات ضوئية (الساعة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في ساعة كاملة بسرعته البالغة 300.000 كم/ثانية)، ثم امتدت أبعاد السماء إلى مجرتنا التي سماها المسلمون (الطريق اللبني)، أو (طريق اللبانة) وقطر هذه المجرة ـ أو الجزيرة الكونية ـ هو 100.000سنة ضوئية ثم باستخدام المناظير الفلكية اكتشف الإنسان المجرات الأخرى وعرف أقرب المجرات إلى مجرتنا، وهي مجرة المرأة المسلسلة، وتبعد عنا بنحو 700.000 سنة ضوئية، أما القبة الزرقاء فهي مجرد ظاهرة ضوئية تحدث في جو الأرض.
ثم اتسعت السماء أمامنا حتى وصلت ـ في ظل الفلك الراديوي ـ إلى حدود 20.000مليون سنة ضوئية !!! ثم لقد كشفت لنا المناظير الراديوية تعبيراً رائعاً في قول الله تعالى (فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) [سورة الواقعة].
المثال الثامن:
يقول الله تعالى : ( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج، ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتسخرجون حلية تلبسونها، وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) [سورة فاطر].
من البدهي أن بعض الحلى تستخرج من البحر المالح، وقد يستبعد بعض الناس أن تكون المياه العذبة مصدراً للحلى أيضاً، ولكن العلم والبحوث أثبتا غير ذلك . فاللؤلؤ كما أنه يستخرج من أنواع معينة من البحار يستخرج أيضاً من أنواع معينة أخرى من صدفيات الأنهار، فتوجد اللآليء في المياه العذبة في إنجلترا وأسكتلندا وما كان يسمى تشيكوسلوفاكيا وفي اليابان...
ويدخل في ذلك ما تحمله المياه العذبة من المعادن العالية الصلادة كالماس الذي يستخرج من رواسب الأنهار الجافة المعروفة بالبرقة. ويوجد الياقوت كذلك في الرواسب النهرية الموجودة بالقرب من باندالاس في بورما العليا وفي سيان وسيلان.
ومن الإعجاز شبه الكريمة التي تستعمل في الزينة: حجر التوباز، وهو موجود في الرواسب النهرية في مواقع كثيرة ومنتشر في البرازيل وروسيا وكذلك الزيدكون، فهو حجر كريم جذاب تقترب خواصه من خواص الماس، ومعظم أنواعه تستخرج من الرواسب النهرية.
أتضح إذاً بالكشوف العلمية أن الحلية أصناف وأنواع وأشكال، وأنها من الهاءين : الملح والعذب، وليس من الملح وحده كما كان يظن الناس، بل اكتشفوا حديثاً ما أشار إليه القرآن قديماً.
المثال التاسع :
يقول الله تعالى : ( تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي، وترزق من تشاء بغير حساب) [سورة آل عمران].
أما ما فسرت به الآية فهو موجود في كتب التفسير المعروفة، لكننا نرى أن هذه الآية تشير إلى دورة الحياة والموت، وهذه الدورة معجزة من معجزات الخالق التي يزخر بها الكون، وتتلخص هذه الدورة في تحول الماء وثاني أكسيد الكربون والنيتروجين والأملاح غير العضوية الممتصة من التربة ـ في النباتات الخضراء وأنواع معينة من البكتريا ـ وفي وجود الطاقة الشمسية، إلى مواد عضوية هي:مادة الحياة في الأحياء، والاتجاه المعاكس لهذه الدورة، أي الشق المضاد، هو تحول المادة الحية إلى مادة غير حية، أي تحول أجزاء من المادة الحية إلى طاقة ومواد أخرى غير مرغوب فيها هي النفايات، وقد يتحول الجسم كله إلى ذلك، وهذا إذا انسل منه سر الحياة ومات، فكل هذه المواد العضوية تتحول كيميائياً إلى مواد غير عضوية بسيطة، جاهزة للدخول في تركيب مواد عضوية والتحول إلى مواد حية جديدة... وهكذا تتكرر الدورة من مادة حية إلى مواد غير حية، ومن الأخيرة على الأولى، أي الحي يخرج من ميت، والميت ينتج من حي، وسبحان رب المعجزات ومقدرها، سبحان الله الخالق القادر المبدع.
المثال العاشر:
يقول الله تعالى ( وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى وربي لتأتينكم، عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين )[سورة سبأ].
إن الإنسان منذ آلاف السنين وهو دائم التفكير في طبيعة المادة، وقد افترض الفيلسوفان الإغريقيان ديمقراط وليوسيبوس منذ 300 ـ 400 سنة قبل الميلاد، أ،ه إذا شطر الشيء شطرين، ثم شطر كل منها شطرين آخرين، وهكذا مرات، فإننا سنحصل في النهاية على الوحدة البنائية للمادة، وأطلقا على هذه الوحدة اسم " الذرة Atom" أي : الجوهر الذي لا ينقسم، أو الجزء الذي لا يتجزأ .. ثم تطور الفكر البشري في هذا الموضوع تطوراً كبيراً، عبر العصور المتوالية، وجاء لوشميدث Loschmidt(1865م) ، ثم هيتروف Hitrof (1914م) ستونيStony ولسون Wilsonلينارد Leonard، رذرفورد Rutherfordبوهر Bohrهايزنبرج Heisenbergنيوتن Newtonأينشتين Einstein، فأصبحنا نعلم الآن أن الذرة لها مثقال، وأنها قابلة للانفلاق وأن بها محتويات (أصغر منها).
وإن جولة سريعة في كتب التفسير المعروفة لتوضح لنا تأويلات المفسرين لكلمة " ذرة " فمنهم من قال بأنها النمل الصغير، ومنهم من قال بأنها الهباءة( ويقصد بها دقائق الغبار في الجو، وتظهر بوضوح عندما يسقط شعاع شمس عليها خصوصاً في حيز مظلم)...
هذا وإن كان الناس قديماً يقنعون بهذه التفسيرات، فإننا لدينا من المعطيات العلمية ما يوضح أشياء أو على الأقل شيئاً لم يكن معلوماً مطلقاً وهو ما أشارت إليه الآية القرآنية بكلمات (ولا أصغر من ذلك)، فالأصغر من الشيء هو محتويات الشيء، والأصغر من الذرة هو محتويات الذرة إلكترون، بروتون، نيوترون، كوارك... حقاً إنه كلام العليم القدير( وما يعذب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) [سورة يونس].وفي هذه الآية نقرأ: " من " وهي لفظة تدل هي الأخرى على محتويات الذرة وإمكانية انشقاقها وتجزئتها، لأن " من " للتبعيض.. بل إنك لو عدت إلى النص القرآني الأول لقرأت : عالم الغيب ، وذلك قبل أن تأتي كلمة : " ذرة " مما يدل على أن الذرة لا تزال في عالم الغيب، فالإنسان يتعرف عليها بآثارها، لكن لم يرها رأي العين، أو هي : غيب لجل الناس حتى وإن عاينها نفر من الباحثين المتخصصين.
وفي ختام دحض هذه الحجة من حجج المانعين أو المنكرين لتيار الدراسات والبحوث العلمية للآيات الكونية، يقول الأستاذ عمر عبيد حسنة[23]:
وقد يكون من أخطر الإصابات التي لحقت بالعقل المسلم فحالت بينه وبين التدبر وكسر الأقفال، ووضع الأغلال والآصار، والتحقق بالفكر القرآني والرؤية القرآنية الشاملة، والاغتراف منها لعلاج الحاضر، والامتداد صوب المستقبل، واعتماد مصدراً للمعرفة والبعث الحضاري ـ التوهم بأن الأبنية الفكرية السابقة التي استمدت من القرآن في العصور الأولى، هي نهاية المطاف، وأن إدراك أبعاد النص مرتهن بها، في كل زمان ومكان، وما رافق ذلك من النهي عن القول في القرآن بالرأي، وجعل الرأي دائماً قرين الهوى، وسوء النية وفساد القصد، وفي هذا ما فيه من محاصرة للنص القرآني، وقصر فهمه على عصر معين، وعقل محكوم برؤية ذلك العصر، وحجر على العقل، وتخويف من التفكير، الأمر الذي يحول بين الإنسان والتدبر المطلوب إليه بنص القرآن.
لقد أورثنا مناخ التقليد الجماعي الذي عطل فينا ملكة الاجتهاد، والإبداع، والإنجاز لقرون طويلة نوعاً من العجز المزمن، جعلنا دون سوية التعامل مع القرآن، وإدراك سننه في الأنفس والآفاق، والاقتصار على بضع مئات من الآيات نظر فيها الأقدمون على أنها الأحكام التشريعية .. ولا نزال ـ إلى اليوم ـ نبدي فيها ونعيد من خلال ميراث الفقهاء وليس من خلال ميراث موقعها من الرؤى القرآنية، حيث للآيات مقاصد عدة : تربوية، واجتماعية، ونفسية، وكونية، ومنبهات حضارية، ووسائل الكشف العلمي حيث لا يخرج الحكم التشريعي عن أن يكون واحداً منها.
وبعد، فهذه أمثلة قليلة سقناها لندلل على أن القرآن الكريم لا يفسره عالم واحد ولا جيل واحد، ولكن كلما اتسعت فنون الثقافة العلمية وكثرت الكشوف وتنوعت الاكتشافات العلمية ظهرت لنا معان عظيمة، وانجلت وتجلت أمامنا أوجه لإعجاز آيات الله البينات لم تظهر من قبل.



يتبـــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين
12-01-2014, 08:13 PM
يتبــــــــــــع الموضوع السابق

المعارضون للإعجاز العلمي في القرآن والسنة


دحض الحجة الثانية:
إن المعارضين لهذا الاتجاه يتذرعون بأن القرآن كتاب هداية للبشر، ولا شأن له بالعلوم الطبيعية أو البحوث الكونية، وقولهم هذا على جانب من الحق، ولكنه ليس الحق كله، فهو كتاب هداية بالأحكام، وبالنظر والتأمل في بديع صنع الله ـ سبحانه وتعالى ـ ... كيف ذلك ؟
إن الله شاءت حكمته أن ينوع وسائل هدايته لخلقه، لأنه خبير بهم عليم بقدراتهم واستعداداتهم، فهو تارة يخاطبهم بما يمس قلوبهم مسا رقيقاً رفيقاً، وتارة أخرى يقرع عقولهم قرعاً قوياً شديداً، فكان من أبرز ما جلا به أبصارهم وأنار بصائرهم حضه إياهم على التدبر في آيات خلقه وصنعه، وإلا فما هي الحكمة الربانية من وراء سوق الآيات الكونية في القرآن الكريم.. آيات تذكر السماوات والأرض، والشمس والقمر ومنازله والمشارق والمغارب، والبروج والنجوم والكواكب، والليل والنهار، والفجر والغسق، والظلمات والنور، والبحار والأنهار والعيون، والرياح اللواقح والعقيم، والسحاب الثقال والمركوم والمنبسط، والبرق، والمطر، والجبال الراسيات، والجدد البيض والحمر والغرابيب السود، والأرض الهامدة والأرض المهتزة الرابية، والجنان والنخيل، والأعناب، والتين والزيتون، والطلع والسدر واليقطين، والنمل والنحل، وجناح بعوضة، وبيت العنكبوت، والطير الصافات، والإبل والخيل والأنعام، واللبن يخرج من بين الفرث والدم، والشراب الشافي يخرج من بطون النحل.
كل هذه الظواهر وتلك المخلوقات لهي جديرة جداً بأن يتدبر الإنسان أمورها، ويتأمل في إحكام صنعها، ويتفكر في عظمة خالقها ـ سبحانه وتعالى ـ حتى يصل إلى مرتبة الخشية، فإذا كان من أهل التخصص والبحوث زادت هذه الخشية وبلغت أوجها، وملأ حب الله الخالق الوهاب قلبه وأخذ عليه فؤاده.
أقرأ قول الحق ـ تبارك وتعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) [سورة فاطر].
وهذه الفكرة البالية التي ظهرت في قرني النهضة العلمية الحديثة، وهي أن القرآن كتاب هداية لا علاقة له بالكونيات أو أصول العلم التجريبية، زاد من رسوخها أن المتعلمين يرون حديث القرآن عن الكونيات حديثاً مفرق الأجزاء بين السور والآيات المختلفة، على غير ما هو معروف ومألوف لديهم في تصنيف الكتب العلمية، فظنوا بذلك أنه لا علاقة ولا رابطة بين أجزاء هذا الحديث في الموضوع الواحد.
وقد غاب عنهم أن هذا التفريق إنما هو مقصود في القرآن لحكمة بالغة، وأن هذه الآيات أو الأجزاء المفرقة في الموضوع الواحد مثلها مثل الجزئيات والحقائق العلمية التي يقررها البحث العلمي متفرقة أولا ثم يكون منها بعد ذلك ذلك بالعلم والاستقرار والتطبيق الأصول والقواعد العامة.
ثم هناك سبب آخر أدى إلى ظهور هذه الفكرة البالية التي نناقشها، ذلك هو إهمال التثقيف الديني في دور التعليم، واقتصاره على الطرق التقليدية البالية التي ظهرت في عهود التخلف الذي اعترى الأمة الإسلامية في القرون الماضية غير الغابرة، ذلك السبب أدى إلى انصراف المثقفين عن كتاب ربهم، وأضحى كثير من الناس على اختلاف درجاتهم العلمية وتخصصاتهم البحثية لا يتصلون بالقرآن سوى بسماعه في المآتم والافتتاحيات والطرب للتفنن في قراءاته من قراء هذا الزمان الذي اثروا على حساب القرآن الكريم، يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً حتى مكنهم نم تشييد العمارات وشراء العقارات، إنهم لم يجدوا حتى الآن رادعاً يوقفهم عن هذا العبث بروح الكتاب المجيد، وحسبنا الله ونعم الوكيل[24].
لقد وقفنا على كلام غريب حاول به صاحب كتاب ( الإشارات العلمية في القرآن الكريم ) أني يبرر القول بأن القرآن ليس كتاب علم، وإنما هو كتاب هداية فقط، وإن كان يدعو إلى التزود بالعلم. يقول المؤلف : " لكي يتضح لنا الفرق بين القول بأن القرآن كتاب علم، وبأن القرآن يدعو إلى العلم، إذا نقلنا كلا من القضيتين إلى شخص غير مسلم، كالمواطن الياباني مثلاً، إذا قلنا له إن القرآن كتاب علمي حوي كل العلوم الدنيوية، فإنه سيسأل ببساطة عن الحقائق العلمية والمعلومات والنظريات، عن المجرات والكواكب وحجم الشمس.. الخ .
وهنا سنقف عاجزين عن الرد، لأن القرآن لم يرد به شيء من هذا ( على حد زعم مؤلف الكتاب المذكور)، ولم يكن ليرد لأنه ليس كلام بشر، ولكنه وحي إلهي من لدن الخالق الأعظم للوجود والأكوان.. ولكن إذا قلنا له إن القرآن الكريم يدعو الإنسان إلى مكارم الأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدعو إلى تعلم العلوم الكونية والتبحر فيها.. إذا قلنا له ما تقدم، فإن كلامنا يكون مقبولاً ومسموعاً. ونرد على المؤلف رداً رقيقاً فنقول: تبريرك هذا يا سيدي لمقولة (القرآن ليس كتاب علم ) يوضح التخصص النظري ( القانون) الذي تعمل به، وأنك لست على دراية بما يحتوي القرآن من سبق علمي وإعجاز علمي، بما لو اطلع عليه علماء الغرب لوفر عليهم سنوات طويلة من البحوث الشاقة لكي يصلوا إلى حقيقة مثل انفلاق الذرة أو انشطارها، وأنها ليست أصغر وحدة في الكون، وقد صرح(وأقول صرح وليس أشار فقط) القرآن بذلك، لكن الألفاظ والكلمات والآيات تحتاج من يفهمها فهما صائباً، ويستخرج منها بعض كوامنها الثرية، فاللفظة القرآنية بحر مليء بالنور، وعلى قدر تعلمك للغوص، على قدر ما تجنبه من اللآلئ والدرر الثمينة، وكلما سعيت في هذا البحر بجد ومثابرة كلما عدت إلينا بمحصول وفير.. نعم ولا عجب، فالقرآن لن تنتهي عجائبه ولن تنضب معائن أسراره على مر الزمان.
أما الاستدلال بما ورد في رواية معاذ عن الأهلة وسبب نزول الآية، وأن ذلك دليل على عدم ولوج الكلام في مسائل الأهلة، وبالتالي المسائل الكونية، فهو معارض لما رواه الطبري في تفسيره عن قتادة في هذه الآية قالوا : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم : لم جعلت هذه الأهلة؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون، هي مواقت للناس والحج، فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم، ولمناسكهم وحجهم ولهدى نسكهم، ومحل دينهم في أشياء، والله أعلم بما يصلح خلقه.
وروى عن الربيع وابن جريح مثل ذلك، ففي هذه الروايات التي ساقها الطبري أن السؤال هو : لم جعلت هذه الآهلة؟ وليس السؤال: ما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص. ولذلك فإنه لا دليل في الآية على نفي التفسير العلمي[25].
وعلى أية حال، فقد وردت في القرآن الكريم الدعوة صريحة ومؤكدة إلى التدبر في آيات الله التنزيلية، وكذلك الكونية، ولقد أربت آيات الحث على التدبر واستعمال العقل والفكر على خمسين آية، لا يتسع المقام هنا لسردها[26].
دحض الحجة الثالثة:
الحجة الثالثة هي قول المعارضين بأن ما يسمى (حقائق العلم) ليس سوى فروض ونظريات يعتقد رجال العلوم فترة من الزمان في صحتها، ثم لا يلبثون أن يثبتوا بأنفسهم بطلانها، ولذلك لا يجوز الرجوع إليها عند دراسة آيات الذكر الحكيم. هذا الدعم عموماً غير صحيح من وجوه:
إن الذي يتغير في العلم ليس قواعده، أو أسسه، بل فروضه التي لازالت تخضع للدراسة والتمحيص، ذلك لأنها إنما تستنبط باستخدام قوى العقل في ظل الثابت من حقائق العلم، وكلما تراكمت معلوماتنا السليمة عن الكون، تلك المعلومات المستمدة بالرصد والقياس والتتبع، كلما كانت هناك فرصة أكبر لاستنباط النظريات أو لتعديلها أو تحويلها.
لاشك أن رجال العلوم الذين خلصت نواياهم، وأتقن تدريبهم على كيفية التعامل مع الفروض والنظريات والقوانين والقواعد والملاحظات والتجارب، لاشك أن العلماء الكونيين الذي آمنوا بالله وبرسله ورسالاته، وأحكموا التخصصات، وتعمقوا في لججها، لا شك إذا تحدث هؤلاء في أمور الآيات الكونية الواردة في القرآن الكريم يكون ذلك نشاطاً محموداً منهم، مأجورون عليه.
ولكن يجب علينا معرفة أن رجال العلوم الكونية ـ كغيرهم ـ يتفاوتون فيما بينهم من حيث المراس والدراسة والإتقان، وأن هناك فرقاً كبيراً بين استخدام الحقائق العلمية حين الكلام عن آيات القرآن، وبين الاعتماد على الفروض والنظريات، ولنوضح ذلك بما يلي من الأمثلة:
المثال الأول:
إن الضوء منذ عهد ( الحسن بن الهيثم) تراكمت فيه معلومات وحقائق علمية، فتوصل العلماء إلى الضوء ( ينعكس) أو ( يرتد) reflectsمن الأجسام التي يسقط عليها، ثم عرفوا أنه (ينكسر) ، ثم توصلوا إلى أنه (يتشتت) أو ( يتناثر) dispersesوأنه (يحيد) Deviatesوكذلك (يستقطب) Polarizedوهكذا ظهرت في ظل هذه الحقائق عدة نظريات علمية تتعلق بطبيعة الضوء أو كنهه أو حقيقته المطلقة، منها نظرية (الجسيمات الصغيرة جداً) التي قال بها نيوتن، ثم (النظرية الموجية) Wave Theory التي قال بها هيجن، ثم ( نظرية الكم) Quantum Theoryلبلانك الخ.
ولم تثبت حقيقة الضوء على حال حتى الآن.
المثال الثاني :
إن معرفة أن الكائن الحي يتكون من عدة خلايا متكاملة متعاونة لأداء وظائف قضاء الحياة المكتوبة، إن معرفة هذه الحقيقة منذ قرن ونصف قرن لم يبطله ما يتوالى من الكشوف المدهشة مع تقدم المجاهر (الميكروسكوبات) وأدوات البحث والتقصي والتدقيق، فهل اكتشاف الكروموسومات (الصبغيات) أو الليسوسومات (الأجسام الحالة) بواسطة المجاهر ( الميكروسكوبات) الإلكترونية أبطل وهدم النظريات الخلوية التي اكتشفت منذ مائة وخمسين سنة، ثم هل هدمها أيضاً ما تم اكتشافه فيها بواسطة علوم الوراثة (Genetics) والكيمياء الحيوية (Biochemistry) والفيزياء الحيوية (Biophysics) والبيولوجيا الجزئية (Molecular Biology) من جينات (مورثات) وأحماض نووية وجزئيات ملفوفة، وغير ذلك.
المثال الثالث:
النظرية الذرية (Atomic Theory) التي عرفها الإنسان قديماً، وهي أن كل عنصر Elementمن العناصر المادية يتكون من ذرات، هل هدمتها الكشوف الحديثة والبحوث حينما توصلت إلى تحديد وجود بروتونات Protonوإلكترونات Electronونيوترونات Neutronsوإلى ما هو أدق من ذلك وأعجب مثل الكوارتات Quarksوغيرها ؟
وفي ختام هذا الفصل نرى من الواجب علينا أن نرد على الأستاذ عمر عبيد حسنة الذي كتب في تقديمه للكتاب العشرين من سلسلة كتاب الأمة (دولة قطر) يعرض بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم، ويعتبر السعي في جوانب هذا المجال عجزاً من المسلمين عن الإبداع، وقصوراً منهم عن مواكبة الحضارة العالمية، ووقوفاً عند حدود الاحتماء بالميراث الماضي، إلى غير ذلك مما لم نسمعه أو نقرأه لكتاب أفاضل وعلماء متعمقين، بهذا الأسلوب المتجاوز للحد!!
إن الأستاذ عمر حسنه يناصر الرأي القائل بأن القرآن ليس فيه إعجاز علمي أصلاً، في حين أنه يؤيد ورود حقائق علمية في القرآن، فكيف يؤكد ما سبق أن رفضه في نفس الفقرة؟! [27].
بل وبعد ذلك بسطور يؤكد على أن هذه الحقائق العلمية حين تنزلت في عصر الأمية العلمية كانت ولا تزال دلائل النبوة وبرهان صدقهاـ على حد تعبيره ـ فكيف به يسقط عجز الأمة اليوم وقصورها في مجالات التقدم التكنولوجي على أمور يعد من بينها البحوث الجارية في مجال الإعجاز العلمي للقرآن الكريم ؟ !
إنه إن كان يخشى أن يستغني بعض المسلمين اليوم بالإعجاز العلمي للقرآن عن محاولة الإبداع والإنجاز العلمي والتقني، فإننا نقول له : لقد أخطأت في ظنك هذا، ولا مبرر للخشية، فإن الذين يسعون في مجالات الإعجاز العلمي للقرآن الكريم ـ والسنة النبوية الشريفة ـ بعمق وكفاءة ومنهجية، هم علماء مشهود لهم أيضاً بالكفاءة العلمية في تخصصاتهم، علماء لو أحسن تنسيق أعمالهم، ولو أعطوا الفرصة، كما يجدونها في خارج الدول العربية، هناك في دول المقصد ـ أي المهجر أو الجذب ـ لقاموا بحضارة علمية تقنية، يصلون بها ماضي الأمة الزاهر بحاضرها المرير بمستقبلها المأمول. إنني لم أر عالماً يطرق باب الإعجاز العلمي أو يبدع في بيان أحد وجوهه إلا ووجدته على درجة عالية من الخلق الإسلامي، والعقلية العلمية، والفكر التقني، والحس الديني الرفيع. فلا داعي إذا لما ذهب إليه الأخ الأستاذ عمر حسنة في كلامه خلال التقديم لكتاب الأمة(20) .
هذا ومن العجيب أن الأستاذ حسنة قد كرر كلامه هذا مرة أخرى في مقدمة كتبها للكتاب الخامس من سلسلة قضايا الفكر الإسلامي التي يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي [28]،وختم كلامه بهذه العبارة :
لذلك نخشى أن ينقلب موضوع الإعجاز العلمي المعاصر من منبع حضاري مورق، إلى صورة من التفاخر والتظاهر المعوق، وتكريس التخلف والأمية العلمية.
نبذة مختصرة عن الدكتور كارم السيد غنيم (http://quran-m.com/firas/arabic/index.php?page=pro_alem&id=23&select_page=allem)
الهوامش:
[1] سبق أن عالجنا ثوابت ومتغيرات الدعوة الإسلامية في محاضرة لنا مطبوعة في العدد الثاني من سلسلة كتاب الإعجاز التي تصدرها جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بمصر
[2] سورة الإسراء من الآية : 85.
[3] العمري [د/أحمد جمال ]: مفهوم الإعجاز القرآني (حتى القرن السادس الهجري) دار المعارف بمصر ، ط، 1984م.
[4] عز الدين [أحمد ] : القرآن يتحدى . دار السعادة ، ط1 1973.
[5] ابن عاشور [محمد الطاهر] : تفسير التحرير والتنوير تونس ، 1984م.
[6] الغزالي (محمد) :كيف نتعامل مع القرآن سلسلة قضايا الفكر الإسلامي (5) المعهد العالمي للفكر الإسلامي ـ مكتب القاهرة ـ ط3 1992.
[7] الحديث متفق عليه، رواه البخاري في صحيحه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، في كتاب الصيام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تكتب ولا تحسب ) رواه مسلم في صحيحه في كتاب الصيام . باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً.
[8] أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد، من بني النجار، من الخزرج، أبو المنذر، صحابي أنصاري، كان قبل الإسلام حبر من أحبار اليهود، كان من كتاب الوحي، وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب كتاب الصلح لأهل المقدس، وأمره عثمان بجمع القرآن، فاشترك في جمعه، مات بالمدينة المنورة عام 21هـ (642م).
[9] الحديث رواه مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب رضي الله عنه في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي.
[10] يلدرم [د/سعاد] : مستندات التوفيق بين النصوص القرآنية وبين النتائج العلمية الصحيحة . المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي للقرآن والسنة . إسلام أباد ، 1408هـ (1987م).
[11] ولد الشيخ [محمد أمين]: خلاصة بحث التفسير العلمي للقرآن، بين المجيزين والمانعين. المؤتمر العلمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. إسلام أباد، 1408هـ (1987م).
[12] الدريني [د/محمد فتحي] : موقف الأصوليين والعلماء (قداماهم ومحدثيهم) من التفسير العلمي مجلة أسماء (1) هـ (1988م).
[13] إسماعيل [د/عبد العزيز ]: الإسلام والطب الحديث المقدمة.
[14] جريدة (عقيدتي) التي تصدر بمصر، عدد الثلاثاء 26/4/1994م.
[15] التفسير العلمي للقرآن بين المؤيدين والمعارضين ، مجلة المسلمون (1) 1402هـ 1981م.
[16] إبراهيم (مدحت) : الإشارات العلمية في القرآن الكريم، مكتبة غريب، ط1 1993م.
[17] إبراهيم (مدحت حافظ) : نفس المرجع.
[18] الذهبي (د/محمد حسين) : نقلاً عن بحث الدكتور سعاد يلدرم، المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة 1987م (مرجع سابق).
[19] للمزيد من التفصيل في هذه النقطة انظر : البار (د/محمد علي) : الأسرار الطبية والأحكام الفقهية في تحريم الخنزير. الدار السعودية للنشر والتوزيع، جدة ط1 1406ـ 1986م.
[20] حسب النبي (د/منصور محمد) : الكون والإعجاز العلمي للقرآن . دار الفكر العربي ط1، 1981م.
[21] الفندي (د. محمد جمال الدين) : الله والكون. الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1 1976/ وله أيضاً : مع القرآن في الكون. الهيئة المصرية العامة للكتاب ط1 1992م وله أيضاً : الكتاب الكوني أو المعجزة الخالدة. جزءان المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر ط1 ـ 1994م.
[22] للمزيد من التفصيل في هذه النقطة انظر : غنيم (د. كارم السيد) : الشخصية المسلمة ومتغيرات العصر الحديث. دار الآفاق العلمية بمصر ط1، 1994م.
[23] حسنة (عمر عبيد) : مقدمة كتاب (كيف نتعامل مع القرآن) المعهد العالمي للفكر الإسلامي (مكتب القاهرة) ط3ـ 1992م.
[24] أخرج الترمذي عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإن سيجئ أقوام يقرأون القرآن ويسألون به الناس) فالذي يؤجر نفسه لقراءة القرآن والتغني به فقد ارتكب إثماً كبيراً. للمزيد أنظر : إسماعيل (د. شعبان محمد) مع القرآن الكريم . مكتبة الحرمين ـ القاهرة ط1 1414هـ ـ 1994م.
[25] ولد الشيخ (محمد الأمين ) مرجع سابق.
[26] انظر كتابنا ( أبعاد التكوين العقلي للفرد في الإسلام) دار الصحوة بالقاهرة . ط1ـ 1988م.
[27] أنظر ص 14 من كتاب ( قضية التخلف في العالم الإسلامي المعاصر) تأليف الأستاذ الدكتور : زغلول راغب النجار، سلسلة كتاب الأمة (20) قطر، ط1 في 1409هـ ـ 1988م.
[28] أنظر ص 21 من كتاب : كيف نتعامل مع القرآن . المعهد العالمي للفكر الإسلامي (مكتب القاهرة) ط3ـ 1992م

القلب الحزين
12-01-2014, 08:20 PM
تمت الموسوعة بفضلا من الله
وعلمو
بان المعجزات التي وصلا لها العلماء
في علم الله لا شي
لان علم الله لا يحاط به
فهو الله
له الاسماء الحسناء والصفات العلى
ونعمه ومعجزاته
لاتحصى


الحمدلله الذي بفضله توفقة لإتمام الموسوعة
حقيقةً مسيره علميه من اروع ما طلعة عليه في عالم النت
الاعجاز العلمي في القران والسنه

وصف لا أستطيع ان اوصفه لكم

دعواتكم لي أخواني واخواتي


والحمدلله رب العالمين


من هنـــــــــــــــا الدخول لفهرس مواضيع الموسوعة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?p=424682#post424682)


..

كل احتــــــــــــــــرامي لكل باحث وقارئ ومستفيد