مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشوره
الصفحات :
1
2
3
4
5
[
6]
7
القلب الحزين
02-12-2013, 06:13 PM
تأملات في قصة الرسل الثلاثة
(دعوة لتوحيد الصفوف)
سامي الهسنياني
[email protected]
الدعوة إلى الله تعالى يتطلب جهود مكثـفة لمواجهة الهجمات والمؤامرات التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين تحت أسماء مزخرفة ما أنزل الله بها من سلطان، مثل مؤتمرات التنمية والسكان، ومؤتمرات تحرير المرأة، ومؤتمرات مكافحة الإرهاب و..... وناهيك عن الأفكار السياسية والنظريات التي تجعل من الإسلام العدو الأول للغرب ويجب التصدي له بكل الطرق، وخاصة أفكار هنتجتون وفوكوياما في كتابيهما صراع الحضارات ونهاية التاريخ.
الشاهد لأحوال المسلمين اليوم وخاصة الدول والحكومات يراهم مثل المستيقظ في الظلام والنائم في النور، بعيد عن الواقع مشغول بسدة الحكم وعدد السنوات التي يقضيها في الحكم، مشغول بالتصفيات الداخلية من توسعة سجون وتضييق على أهل والفكر وحرية التعبير، وإذا نودي أو لمّح إلى جمع الصفوف أو لمّ الشمل انهالت مئات التبريرات والأعذار لعرقلة ذلك، ومن ثم عدم التفكير في الموضوع مرة أخرى.
ومن خلال تأملاتنا في قصة الرسل الثلاثة رأينا كيف أنهم توحدوا في أبلاغ دعوتهم إلى أهل القرية ( فََعزّزنا) لمواجهة قوة الباطل وعنادهم، ليكون التأثير أقوى والبلاغ أبين والحجة أوضح.... فكان همهم هو التبليغ بالأسلوب الواضح المبين مهما كانت المواجهة ومهما كانت الظروف.
قال تعالى :
﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ.قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ. قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ. وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِين. قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيم .قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ يس : ( 13-19 ) .
{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ } .
1- ما من قرية إلا ولها نذير يدعوهم إلى الله تعالى.
2- عدم ترك القرية على حالها من الكفر والشرك، لكي لا يكون لهم حجة يوم القيامة.
3- الرسل جاءوا إلى أهل القرية عامة وإلى أصحاب القرية من كبراء ورؤساء خاصة، لأن بهداهم قد يهتدي أكثرية القوم، إن لم نقل كلهم .
4- مصطلح القرية يطلق على التجمعات الكبيرة من الناس، التي تتوفر فيها وسائل العيش السعيد والتي تليق بزمانها.
5- الكبراء هم المتحكمون في شؤون وأمور القرية وهم المتسلطون فيها.
6- منع الكبراء من وصول الدعوة إلى غيرهم، والقيام بتفعيل العقبات ووضع الحواجز وإثارة الشبهات والفتن لإعراض الجماهير عن الدعوة ورجالها.
{ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا}.
1- يحتاج تبليغ الدعوة إلى جهد وتكاتف، وإلى أكثر من طريقة ووسيلة لسهولة الوصول إلى الأهداف، واختصار الوقت.
2- ( اثنين) واحد يساند الآخر، ويتعاونان في تبليغ الرسالة.http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/2/9898989898_resize_resize.jpg
( اثنين) قد يعني تقسيم القرية، كل في طرف.
(اثنين) تفعيل وزيادة النشاط لتقليل الوقت والجهد في التبليغ.
(اثنين) واحد يذكر الآخر ويعضده لعناد أهل القرية.
( اثنين) تحمل الرسولين إعراض أهل القرية وعدم قيامهما بالرد عن أنفسهم .
{ فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ }
1- تقوية جبهة الرسل الكرام بالمساندة والمؤازرة لمواجهة عناد أهل القرية وكفرهم .
2- التأكيد على تبليغ الرسالة، لكي لا يكون لأهل القرية حجة بعد ذلك .
3- دلالة على وجود معارضة شديدة وعنيفة .
4- دلالة على أن العقاب بات وشيكا وهذا هو الإنذار الأخير لهم .
5- دعوة على توحيد الصفوف لمواجهة الباطل، ونبذ التبليغ متفرقين.
6- حرص الرسل على هداية أهل القرية ونجاتهم من النار .
7- دلالة على كثرة شبهات وتساؤلات أهل القرية .
{ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ }
بصوت واحد وبهمة عالية وحرص على هدايتهم، وليشهد القاصي والداني، والحاضر والغائب، وليخترق هذا النداء حجاب الزمان والمكان، ولتعلموا يا قوم إنا إليكم وحدكم مرسلون من فبَل الله تعالى وإنذاركم عذابه إن لم تؤمنوا بدعوتنا .
{ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}
1- صوت يتكرر منذ فجر التاريخ وإلى نهاية الدهر مقياس خاطئ يقيس به المعرضون عن دين الله تعالى، يخدعون به أنفسهم والآخرين، وهو معارضتهم على بشرية الرسل الكرام للهروب من الواقع والدفاع عن باطلهم، لهذا قالوا سخرية واستهزاءً ما هؤلاء إلا رسل من بني البشر ولا يجوز إلا أن يكونوا من الملائكة، وهذا عنوان ضعفهم الداخلي وانهزامهم النفسي .
2-رسل من جنسهم ومن بني قومهم يتكلمون كلامهم، يأكلون وينامون ويشربون ويتزوجون، ولو كان الرسل من غير طبيعة البشر لكان الإعراض أشد والرفض أقوى لأن الطبيعة الجسمانية تختلف.
{ وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ}
1- اعترافهم بوجود إله اسمه الرحمن، وأنه يبعث بالرسل.
2- الكذب وعدم تصديقهم بما جاء به الرسل، وتأكيدهم على الكذب في المواجهتين الأولى والثانية.
3- اعتقادهم الجازم بأن الرسل الثلاثة كاذبون، لأن كلامهم جديد على مسامعهم ولم يألفوه، ولأنه يخالف هواهم ومعتقداتهم.
{ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}.
- تأكيد آخر على صدق دعوتهم وصدق غايتهم، وإننا صادقون يا قوم، إن أنتم تكذبوننا فإن الله تعالى يعلم إننا لصادقون وإنا إليكم مرسلون، فما قيمة تكذيبكم فما يهمنا ما تقولون ....
{ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِين }
1 - هذا هو واجب الرسل والدعاة فقط التبليغ بالحسنى وبكل الطرق المتاحة والوسائل الممكنة والمناسبة لذلك العصر، دعوة إلى نشر الفكر الوسطي المعتدل البعيد عن العنف والتطرف والإرهاب ويحتاج ذلك إلى أساليب واضحة لا غبش فيها ولا غموض ليكون الناس على بيّنة من تلك الدعوة، وليرفع عنهم التوجس والخوف ويصبح هم بعد ذلك مدافعين عن الفكرة والدعوة بعد أن تيقنوا أن البيان الواضح قد استقر في قلوبهم وعقولهم واطمئنوا على ذلك .
2- فقط علينا البلاغ لكي نتخلص من عذاب الله تعالى إن تهاونا وتكاسلنا، وليس لنا أن نجبركم على أن تؤمنوا بدعوتنا لأن هذا ليس من شأننا، لأن الإيمان بشيء بالإكراه ينقلب بعد زوال العامل المسبب أو حين توفر فرصة إلى الضد، لذا فالأسلوب الأحسن هو إقناع العقول وفتح مغاليق القلوب بالخطاب الجميل السلس والقوي بالأفكار والحجج.
{ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ}
- لجأ القوم إلى الدفاع عن ضعفهم لعدم امتلاكهم القوة والبلاغة أمام الرسل الكرام إلى إلقاء اللوم والعتاب على الرسل لما أصابهم المصائب والمكاره التي حلت بهم والشؤم الذي أصابهم، معتقدين أنه لولا الرسل لما أصابهم ما أصابهم .
{ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيم }
- هنا لجأ القوم إلى أسلوب التهديد بالرجم والتعذيب إن هم لم يكفوا عن دعوتهم أو يدخلوا في ملتنا؛ لأن الصبر نفذ وضاقت الأنفس والعقول، وليثبتوا للقوم أنهم ما زالوا أقوياء إذ ليس القوة في الكلام والحوار بل في العنف والترهيب والرجم والتعذيب .
{ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ }.
1- الرسل على علم بأن الذي أصاب القوم هو سبب كفرهم وعنادهم على الذنوب والمعاصي، فتشاؤمهم ناتج عن خلل في اعتقاداتهم وتصوراتهم والإيمان بالخرافات والشعوذات، إذ كيف يصلح أن يكون الرسل هم سبب الشؤم والتطيّر (حاشا الرسل)، ولا يقول ذلك إلا من كان على قلبه غشاوة على أذنيه وقر.
2- وشؤم القوم ناتج كما يبين الرسل هو إسرافهم في المعاصي والذنوب، حيث لا يفيد التذكير ولا الوعيد إن كنتم أهل ذلك، ألآن أمرناكم بالمعروف أصبحنا سبب الشؤم في تصوركم والله هذا لمحال فقط هذا تبرير لخداع أنفسكم ومن ثم إيذائنا كيف ما تشاءون .
الدروس والعبر
1- تدوين الذكريات والخبرات وتجارب الحياة للأجيال القادمة للاتعاظ بها والنظر فيها (واضرب لهم).
2- تبليغ الدعوة إلى كل مكان على المعمورة، وذلك بالتنظيم والتنسيق مع جماعات أخرى لتفادي العفوية والبساطة والتضارب في الدعوة.
3- يوجود دوماً من يعارض الأفكار الإصلاحية والتغيرية، وخاصة من قبل الكبراء ( أصحاب القرية) الذين لهم تأثير في أفكار وعواطف المجتمع .
4- معرفة وتشخيص أمراض المجتمع ليكون الداعية على بينة من أمره ويعرف ما يقول وما يحتاجون، وهذا يحتاج إلى تخصص وعلم ودراية.
5- دعوة إلى توحيد الصفوف وتكاتف الجماعات ذات الهدف الواحد لمواجهة الغير بالاستفادة من بعضهم البعض والابتعاد عن الخلافات التي لا تعطي نفعا إلا للمخالف على غير النهج، وهذه دعوة للجماعات الآن لمواجهة الحملة الغربية الأمريكية المعادية للإسلام باسم الحرب على الإرهاب وملاحقة حتى المعتدلين الذين ينبذون العنف والإرهاب والتطرف، وهذا يتطلب : ـ
أ- خطاب موحد يخاطب به الغرب والشرق يوضح فيه سماحة الإسلام، وإنزاله بأقوى ما يمكن عن طريق المحاضرات والندوات واللقاءات والمنشورات والدعايات في الصحف والكراسات وعلى شبكة الانترنيت وتسخير الجهود من مال وجنود وخبرات ووقت، وقبل ذلك التخطيط المناسب لتنفيذ ذلك في كل أنحاء العالم.
ب- الاستفادة من الأصوات المعتدلة في الغرب والشرق وتسخير جهودهم لخدمة الإسلام.
جـ - دعوة الجماعات المتشددة إلى نبذ العنف والتطرف واللجوء إلى الاعتدال والوسطية.
د – إصدار الفتاوى والبيانات التي تدين العنف والقتل، والتي تبين أن هذا الأسلوب لا يفيد سوى المصالح الغربية للتمادي أكثر على الإسلام وأهله باحتلال أرضهم ومواردهم، وتغيير الأنظار عن قضية المسلمين الأولى قضية فلسطين.
هـ - خير أسلوب لمواجهة الحملة الشرسة على الإسلام هو البناء الداخلي من تصحيح تصور واعتقاد، وتوجيه سلوك وأخلاق، وتربية أطفال وشباب، وتكوين أسرة ومجتمع مسلمين، وأسلمة المؤسسات والوظائف لمواجهة الفساد المستشري في جميع الهياكل .
و- دعوة الغرب مع كل ما يصدر عنهم بالحسنى والحكمة والكلمة الطيبة والابتعاد عن المواجهة لأن ذلك يفتح المجال أكثر للمقابل بأن يتمادى.
6- التنوع في خطاب الجماهير لا التركيز فقط على السلبيات بل ذكر الإيجابيات المتنوعة في المجتمع ودعوتهم لتسخيرها في خدمة الإسلام، ويجب أن يركز الخطاب على جميع فئات المجتمع وأكبر عدد من السلوكيات.
7- على الجماعة أولاً والداعية ثانياً عدم الالتفاف إلى ما يقوله الآخرون إلا بالقدر الذي يزيل الالتباس أو الغموض والابتعاد عن الخوض في السجالات والنقاشات التي تزيد الهوة.
8- على القيادة الإطلاع الدائم على أحوال دعاتها الذين يبعثون في أمور دعوية إلى أماكن بعيدة وإيجاد آليات مناسبة للتواصل.
9- الحرص الشديد على هداية الناس في كل زمان ومكان.
10- إذا اشتد إعراض الناس وعلى رأسهم الكبراء والأغنياء فليكن النداء الأخير الحسم والفصل بين المؤمنين والكافرين، حيث لا مداهنة ولا مماراة على حساب الحق.
11- قد يلاقي الداعية كلاما ً يدمي قلبه ويؤذي جوارحه (أنت كنت كذا وكذا حتى بالأمس القريب.....) استهزاء وسخرية من مقامه الآن الذي هداه الله تعالى إليه، هذا الكلام وغيره يجب أن لا يثنيه عن عزمه ورسالته.
12- وجود أناس على مر التاريخ من يعبد أصناماً أو وثناً أو هوى النفس من شهوة وشبهة أو فكرة، فيجعله إلهه الذي يعبده ويدافع عنه، ويواجه به نور الإسلام.
13- هناك من يعترف في الشدائد أو عند راحة ضمير أن السائرين على دين الله تعالى أنهم على الحق والصواب، لكن كبرياؤه أو منصبه أو ماله يمنعه من إعلان ذلك والتوبة والإنابة إلى الله تعالى.
14- الدعوة حتى وإن وجد الإعراض الشديد لعل الله يجعل النصر على يدِ فرد لا يحس به الداعية ولا يعلم به الجماعة، فقط سمع بالدعوة وآمن فكان كالقنبلة الموقوتة يصدع بدعوته في الوقت المناسب ليري الجميع صدق الرسالة (وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى ....) .
15- التركيز الشديد على التربية الوسطية البعيدة عن الغلو والتطرف، وتربية الأفراد على فقه الموازنات والأولويات والمصالح، وأن صدور الفتاوى هو من شأن العلماء والمجامع الفقهية.
16- من أمراض المجتمع في كل زمان هو التشاؤم والتطيّر، ولعل ما من داعية إلا واجهه أحد من أقربائه يقول له: لولا أنت لكنت كذا وكذا، ومن ثم يبدأ حملة الضغوطات عليه لكسبه أو إبعاده عن دعوته. وقد يكبر هذا التشاؤم فيصبح على مستوى الجماعات والدول.
17- يود المذنبون أن يكون أكثر الناس مثلهم ليكونوا سواء لا أحد ينكر عليهم، فما بالك إذا كان أصحاب القرية من كبراء وأثرياء هم المشجعون على تصدي الإنكار وتفشي الذنوب والمعاصي لذا فأسلوبهم هو ( لِئن لم تنتهوا لنرجمنّكم....).
18- تفنن أهل اللهو واللعب في عرض وسائل إغراق المجتمع بالمعاصي والذنوب، وهدفهم في ذلك كسب مادي، ومحاربة الدعوة، وإلهاء الناس من الالتفات إلى ما يقال ويثار خلف الكواليس.
19- دائما الأنظمة الدكتاتورية تخفي انتكاساتها وتظهرها على أنها انتصارات باهرة وذلك باللعب بعواطف الجماهير، أو القيام باضطهادات داخلية، أو التلاعب بقوت الناس اليومي، ومن ثم إجبار الناس بالتغني باسم القائد الملهم.
20- من ثقافة المجتمع يعرف مدى مقدار الوعي والنضوج الفكري الذي يؤدي بالتالي اتخاذ المقاييس اللازمة لمعرفة مقدار النفع والضرر الحاصل من فكرة ما أو مشروع ما....
القلب الحزين
02-12-2013, 06:15 PM
في إنفاق العفو.. عافية الدنيا، وسعادة الآخرة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12517434372981231872_067766c93d.jpgبقلم أ.د./ ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي من مصر.
علي مدار التاريخ.. شكلت "حركة" رأس المال، وتوزيع فوائض الدخل، والجهد البشري، وأدوات الإنتاج، وصولا لـ "تنمية إقتصادية حقيقية"، و"عدالة إجتماعية" أموراً "شيبت" المعنيين من إقتصاديين وإستراتيجيين وغيرهم. أمورٌ نُـظّـر لها نظريات، وقامت عليها دول وتكتلات، وسببت تقلبات وحروباً وصراعات، فكيف وضع لها القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وعمل السلف الصالح حلولاً، وعالج جوانبها في كلمات معدودات، وكثير من التطبيقيات؟.
المتأمل في الواقع المعيش، والنتائج التي آلت إليها "الخطط الاقتصادية المستوردة" لتنمية العالم الإسلامي، تدل دلالات قاطعة علي أن تلك "الخطط" لم يُعد صياغتها وفق معادلة الإنسان/المجتمع المسلم الإيمانية والنفسية، والاجتماعية، والإقتصادية. مما حال دون التفاعل معها، والإستجابته لها. فهي لم تحقق الانسجام بين "الروح الذاتية" للأمة، وخصوصياتها العقدية والثقافية والإجتماعية، وبين ذلك "الهيكل المستورد"، هذا فضلا عن فساد التطبيق ذاته (1).
فتخلف ومعاناة اقتصادية تعيشها معظم مجتمعاتنا الإسلامية، ومبالغة و"إستمراء" في الاعتماد على التمويل/ الاقتراض الخارجي وصولا للوقوع في "شَرك" الديون، التي تمتص "خدمتها/ فوائدها" جل ما تحقق من مكتسبات. ثم العجز عن سدادها، فباتت التنمية مطلوبة، لا لرفع مستوى المعيشة وإنما للتمكن من "خدمة" تلك الديون. وهناك سياسات الخصخصة، وأنماط "الإحتكار، والإستغلال"، وشيوع "الغش والتدليس والفساد والإفساد"، و"تزاوج" الثروة بالسلطة، وظهور فوارق متعاظمة (مُهددة للنسيج الإجتماعي) في مستويات الدخول، وإضمحلال وإختفاء "الطبقة الوسطي"، وتنامي القطاعات الفقيرة "المُهمشة" التي تحتاج لمستوى الكفاف وليس الكفاية. كفاية و"تنمية حقيقية" لن تتحقق ذلك إلا وفق خصوصياتنا وقيمنا في "التكافل الاجتماعي" التي يحض عليها الإسلام..قرآنا وسنة. فكيف يتأتي ذلك من خلال مبدأ "إنفاق العفو" ذلك المبدأ الإسلامي الأصيل، بل المبهر والعجيب في آن معاً؟.
يقول الله تعالي:"..وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ"(البقرة:219). ويقول جل شأنه: "خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ"(الأعراف:199). "العفو" كلمة قرآنية، وردت في كتاب الله تعالى في الموضعين السابقين. وهي (لغةً): مازاد علي الحاجة من المال ونحوه، أما (العافية): فهي الصحة التامة(2).
ولقد أفاض المفسرون – رحمهم الله تعالي– في مفهوم "العفو" الوارد في هاتين الآيتين؛ فقال "الفخر الرازي" في تفسير الأولى: "وَيَسْئَلُوْنَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ، قُلِ الْعَفْوَ"، قال: اعلم أن هذا السؤال قد تقدم ذكره فأجيب عنه بذكر المصرف (يقصد قول الله تعالي: "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ"(البقرة:215). وأعيد هنا فأجيب عنه بذكر الكمية. وكأن الناس لما رأوا الله ورسوله يحضّان على الإنفاق، ويدلان على عظيم ثوابه، سألوا عن مقدار ما كلّفوا به، هل هو كل المال أو بعضه؟ فأعلمهم الله أن "العفو" مقبول. ويضيف "الفخر الرازي":قال الواحدي رحمه الله: أصل العفو الزيادة، قال تعالى:"خُذِ الْعَفْوَ" (الأعراف:199) أي الزيادة، وقال أيضًا: "حَتَّىٰ عَفَواْ" (الأعراف:95) أي زادوا على ما كانوا عليه في العدد، قال القفال: "العفو" ما سهل، وتيسر، مما يكون فاضلاً عن الكفاية. وإذا كان "العفو" هو التيسير؛ فالغالب إنما يكون فيما يفضل عن حاجات الإنسان في نفسه وعياله، ومن تلزمه مؤنتهم (3).
ولقد بين الله تعالي في آية سورة الأعراف: ما هو المنهج القويم في معاملة الناس؛ فقال: "خذ العفو وأْمر بالعرف". قال أهل اللغة: العفو، الفضل وما أتى من غير كلفة. فالحقوق التي تستوفى من الناس وتؤخذ منهم، إما أن يجوز إدخال المساهلة والمسامحة فيها، وإما أن لايجوز. فالقسم الأول فهو المراد بقوله: "خذ العفو"، ويدخل فيه ترك التشدد في كل ما يتعلق بالحقوق المالية، ويدخل فيه أيضًا التخلق مع الناس بالخلق الطيّب، وترك الغلظة والفظاظة. أما الثاني: وهو الذي لايجوز دخول المساهلة والمسامحة فيه؛ فالحكم فيه أن يأمر بالعرف. وللمفسرين طريق آخر في تفسير هذه الآية فقالوا: "خذ العفو"، أي: ما عفا لك من أموالهم، أي ما أتوك به عفوًا فخذه، ولا تسأل عما وراء ذلك.. ثم قال: اعلم أن تخصيص قوله: "خذ العفو" بما ذكر، تقييد للمطلق من غير دليل"(4).
إذن "العفو" مقدار وكم من الإِمكانيَّات، وبيان لما كلف الله عباده إنفاقه في سبيل الله، بعد أن تساءلوا: أكل المال يجب عليهم إنفاقه أم بعضه؟، وأن "العفو" الوارد في آية سورة البقرة هو الخاص بهذا التكليف، أما "العفو" الوارد في آية سورة الأعراف فيشمل المال، وغير المال كالأخلاق.
وقال "القرطبي": العفو ما سهل، وتيسر، وفضل، ولم يشق على القلب إخراجه. فالمعنى أنفقوا ما فضل عن حوائجكم، ولم تؤذوا فيه أنفسكم؛ فتكونوا عالةً. هذا أول ما قيل في تفسير الآية، وهو قول الحسن، وقتادة، وعطاء، والسدي، والقرظي محمد بن كعب، وابن أبي ليلى وغيرهم، قالوا: العفو: ما فضل عن العيال، ونحوه، عن ابن عباس(5).
وقال "الشوكاني": العفو ما سهل، وتيسر، ولم يشق على القلب، والمعنى: أنفقوا ما فضل عن حوائجكم، ولم تجهدوا فيه أنفسكم (6). وقال "الطاهر بن عاشور": "العفو مصدر عفا يعفو، إذا زاد ونما، وهو هنا ما زاد على حاجة المرء من المال، وما فضل بعد نفقته، ونفقة عياله بمعتاد أمثاله(7).
وجاء في تفسير "المنار": ما ورد يدل على أن المراد: أي جزء من أموالهم ينفقون، وأي جزء منها يمسكون؛ ليكونوا ممتثلين لقوله تعالى: "وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ الله" (البقرة:195)، ومتحققين بقوله تعالى: "وَمِمَّا رَزَقْنَـٰـهُمْ يُنفِقُونَ" (البقرة:3)، وما في معنى ذلك من الآيات التي تنطق بأن الإِنفاق في سبيل الله من علامات الإيمان وشعبه اللازمة له، والتي تـُشعر أن على المؤمن أن ينفق كل ما يملك في سبيل الله، وقد اقتضت الحكمة بهذا الإِطلاق في أول الإسلام. وبعد استقرار الإِسلام، توجهت النفوس إلى تقييد تلك الإِطلاقات في الإِنفاق فسألوا: ماذا ينفقون؟ فأجيبوا بأن ينفقوا "العفو"، وهو الفضل والزيادة عن الحاجة. وعليه الأكثر، وقال بعضهم؛ إن العفو نقيض الجهد، أي: ينفقوا ما سهل عليهم، وتيسر لهم، مما يكون فاضلاً عن حاجتهم وحاجة من يعولون(8). وقال ابن عطية: العفو هو ما ينفقه المرء دون أن يجهد نفسه وماله، وهو مأخوذ من عفا الشيء إذا كثر؛ فالمعنى أنفقوا ما فضل عن حوائجكم، ولم تؤذوا فيه أنفسكم؛ فتكونوا عالة(9). وقال صاحب الظلال، رحمه الله: العفو الفضل والزيادة؛ فكل ما زاد على النفقة الشخصية – في غير سرف ولا مخيلة – فهو محل للإنفاق(10)
ويقول "عمر عبيد حسنه": (أسس الإسلام أمر العملية التنموية، والتكافل الاجتماعي وفق عدة مبادئ منها: العفو: وهو المسامحة، والتجاوز النفسي والمادي، مع الآخر، مع القدرة على تحصيل الحق منه، قال تعالى: "وأن تعفوا أقرب للتقوى" [البقرة:237]، والعدل: وهو أن تعطي الناس كامل حقوقهم، ولا تظلمهم، قال تعالى:" ولا يجْرمَنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" [المائدة:8]، والإحسان: وهو عدم الاقتصار على إعطاء الناس حقوقهم، بل الإحسان إليهم في التعامل، والتنازل لهم عن بعض حقك، وهو مرحلة فوق العدل، قال تعالى: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين" [البقرة:195]، والتَّقوى، وخلاصتها: أن لا يفتقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك. وهذا الالتزام يحقق الوقاية من السقوط في المعاصي الفكرية، والأثرة النفسية والمالية. والتقوى هي خير الزاد، وجماع الأمر كله، والعلامة المميزة للمجتمع الإسلامي المتكافل..مجتمع المتقين(11)، قال تعالى:"وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى. واتّقون يا أولي الألباب" [البقرة:197]، وقال جل شأنه: "قُل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث. فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تُفلحون" [المائدة:100]).
فتلك الأقوال ـ قديمها وحديثها ـ تتفق في الجملة على أن المقصود من "العفو" الوارد في قوله تعالى: "يسألونك ماذا ينفقون قل: العفو"، هو الزيادة عن الحاجات، وأنه كله محل للإِنفاق.
"العفو" و"الفضل"
وفي السنة المطهرة، نجد لفظة "الفضل"، قد جاءت شارحة لكلمة "العفو" الواردة في القرآن الكريم، وذلك في الكثير من الأحاديث الصحيحة، والتي منها قول النبي صلي الله عليه وسلم: "يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خيرٌ لك، وإن تُمسكه شرٌ لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى"(12). ومنها ما رواه أبو سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالاً؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان معه فضل ظهر؛ فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد؛ فليعد به على من لا زاد له". فذكر من أصناف المال ما ذكر؛ حتى رأينا أنه لاحق لأحد منا في فضل (13).
فالفضل الوارد في الأحاديث السابقة، هو "العفو" الوارد في القرآن الكريم، وهو محل للإِنفاق، حتى ليقول الصحابي الجليل: "رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل". فالعفو هو مازاد عن الحاجة، وكذلك الفضل.
هل يتمايز مفهوم "العفو/الفضل" عن "الفائض الاقتصادي" في الفكر الإنمائي المعاصر؟
الفائض الاقتصادي – كما يعرفه الفكر الإِنمائي المعاصر– ويمكن تقسيمه إلى فائض محتمل، أو مخطط، أو فعلي، يعني: ما يتبقى من الدخل، بعد سدّ الحاجات. وهو بهذا المعنى يتفق إجمالا من حيث تكوينه المادي، مع "العفو" من المال. لكن تبقى فكرة "العفو" ذات "شمولية" أكبر، لأنها تشمل إلى جوار "الفائض من الدخل"، "الفائض من الجهد البشري" أيضاً ولعل هذا الأخير ـ لدى معظم مجتمعاتنا الإسلاميةـ أكثر أهميةً من الأول. وفي شمولية مفهوم "العفو" عن مفهوم "الفائض الاقتصادي"، يجعل "إدارة العفو" وتوجيهه، تختلف عن إدارة وتوجيه الفائض الاقتصادي، ومن ثم فإن النظريات الاقتصادية عن توجيه الفائض الاقتصادي، ذات فائدة محدودة عند وضع السياسات الخاصة باستخدام "العفو" في تمويل التنمية وتحقيق التقدم (14).
"العفو/ الفضل"، غير مقصور علي مازاد من المال
إن مفهوم "العفو/الفضل"، غير مقصور علي مازاد من المال؛ فالآية لم تقيد "العفو" بالفائض من المال، وإن كان المفَسِّرون قد وقفوا "بالعفو" عند الفائض منه. وقد أمرت السنة المطهرة بإنفاق "العفو" من الجهد والإمكانيات البشرية، إذ أن علة تقرير إنفاق "العفو" من المال هي وجوده فائضًا عن حاجة الشخص؛ فإذا وجد فائض من الجهد البشري لدى شخص؛ فإن حكم الفائض من المال ينسحب عليه؛ فالسنة المطهرة قد أغنت عن القياس طريقًا لإثبات التكليف بإنفاق "العفو" من الجهد البشري.
فالتكليف بإنفاق "العفو/الفضل" وارد على كل من المال والجهد البشري؛ بل لعل دور "العفو" من الجهد البشري في بناء المجتمع، تمويل تنميته، أكبر من دور "العفو" في المال، وبخاصة في المجتمعات التي تمتلك قدرًا كبيرًا من العمل، وقليلاً من المال (لعل أكثر مناطق العالم الإسلامي اليوم هي من هذا الصنف). فتمويل التنمية في مثل هذه البلاد، يمكن تحقيقه بصورة أيسر إذا هي ركزت على "العفو" من الجهد البشري – الذي يملكه معظم الناس في المجتمع – ثم عضدته بـ "العفو" من المال.
لقد ظن بعض الصحابة أن "العفو" هو العفو المالي، فغبطوا الأغنياء، ورأوا أن إمكانياتهم المالية، تمكنهم من السبق إلى الخير، والتقدم على الفقراء، فقالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور. لكنه صلى الله عليه وسلم ، صحح لهم هذا الفهم، وبين لهم المدى الواسع لـ "العفو"، وأنه موجود لدى كل إنسان بقدر ما، وأن كل مسلم، يستطيع أن يفعل الخير، وينافس أصحاب المال في السبق، باستخدام ما لديه من إمكانيات، تجعله محل رضوان الله تعالى، فالخير ليست وسيلته المال فقط، بل كل نفع للناس، أيا كانت أداته، فهو من عمل الخير، وقال لهم: "أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة "(15). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع في الشمس: تعدل بين الإثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة "(16).
العفو من الجهد البشري
- المسلم مكلف بأن يبذل من فائض جهده، ومنافع بدنه، في إعانة إخوانه، وإصلاح مجتمعه، كما يجب عليه أن يبذل في هذا السبيل جانباً من فائض ماله سواء بسواء. فالأعمال الخاصة التي يمارسها الناس في حياتهم لا تستغرق - في الغالب – كل أوقاتهم، ولا تستنفد كل طاقاتهم، وإنما يبقى بعد أدائها كثير من الوقت والطاقة. والمسلم مسؤول "إنفاق/ استثمار" وقته وطاقته تلك، وفقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه "(17).
- إن الطاقات الفائضة من جهد الإنسان، مطلوب استخدامها، وغير مباح تعطيلها أو تبديدها، ولا يعفي مالكها من مسؤوليته، قيامه بعمله الخاص على أكمل وجه. بل هو مكلف بالبحث عن ميدان نافع ينفق فيه "العفو/ الفضل" من جهده ووقته. وهذا قد يتمثل في إعانة مادية للناس: "تعين صانعاً أو تصنع لأخرق"(18)، "تعين الرجل في دابته "(19). وقد يكون في تيسير الحياة العامة للناس: "تميط الأذى عن الطريق صدقة "(20)، "عَزل حجراً عن طريق الناس، أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس"(21). وقد يتمثل في السعي مع إخوانه في قضاء حوائجهم، أو انخراطاً مع فئات ترعى شؤون فئات خاصة من الناس(فئات لمحو الأمية، أو استصلاح الأراضي الزراعية، أو تنمية الثروة الحيوانية الخ): "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته "(22)، "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (23)، "من خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا" (24)، "من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة"(25). وقد يكون هذا الميدان دفاعاً عن حقوق الإنسان، بالسعي في رفع الظلم والدفاع عن المظلومين: "أي الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند سلطان جائر "(26). كما قد يكون تذكيراً بالله تعالى، ودعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، تبصيراً للناس، وإرشاداً لهم إلى ما يصلح آخرتهم ودنياهم، وقد يكون سعيًا لإثراء حياة الناس بقيم الحب والود والأخوة، وإصلاح ذات البين، وإطفاء ما يثور من نزاع بين الأفراد والجماعات: "تعدل بين الإثنين صدقة "(27)، أي تصلح بينهما بالعدل.
- قد يكون ميدان إنفاق العفو من الجهد البشري، عملاً اقتصادياً، يعود عليه بنفع مادي، كما يعود على المجتمع بسد حاجة من حاجاته، وفي الوقت نفسه، يعود على الشخص بالثواب الأخروي. ذلك أن الإسلام، يجعل كل عمل مباح، يمارس بنية صالحة، عبادة لها ثوابها في الآخرة، فوق مكاسبها المادية في الدنيا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أُكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، ولا يرزأه أحد إلا كان له صدقة "(28)، ويقول: "فلا يغرس المسلم غرساً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة "(29)، يقول: "لا يغرس مسلم غرساً ولا يزرع زرعاً، فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء، إلا كانت له صدقة "(30). فإنتاج الطيّبات في المجتمع الإسلامي هدف، وكل طرق استخدامها بعد إنتاجها، تعود على منتجها بثواب، حتى ما يأكله منها هو. وليس فوق ذلك حث على بذل الجهد في ممارسة الإنتاج، وتوجيه "العفو" من الجهد البشري إلى إثراء الحياة، وعافيتها.
- بقدر ما توجد وسائل وأساليب لنفع النفس والمجتمع.. توجد ميادين وسبل إنفاق "العفو" من الجهد البشري، بلا حصر. والمجتمع بحاجة لكل صاحب مقدرة/ طاقة عضلية أو فكرية أو روحية الخ، وإلى مداومة تشغيلها، وصيانتها وعدم تبديدها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رؤى فارغاً في أهله قط، إما يخصف نعله، أو يخيط ثوبه، أو ثوباً لمسكين". وسئلت السيدة عائشة - رضي الله عنها - ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: "كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة" (31). أما حياته صلي الله عليه وسلم بين الناس، فقد كانت كلها تربية، وتعليماً، وجهاداً، وتشريعاً، وعبادةً لله تعالى في جميع الحالات. قد علّم المسلم أن لا ينسى - وهو في غمرة العطاء الدائم - لبدنه حقه في الراحة التي تجدد نشاطه، ولا ينسى لأهله حقهم في الرعاية والعناية، ولا ينسى لزوره حقهم في الاهتمام بهم، فقد قال سلمان - رضي الله عنه - لأبي الدرداء - رضي الله عنه - وقد رآه قد شغل كل وقته بالطاعات: "إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر لك له، فقال: "صدق سلمان "(32). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أخبر أنك تصوم النهار، وتقوم الليل؟ قلت بلى يا رسول الله. قال: فلا تفعل، صم وأفطر، ونم وقم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقاًّ، وإن لزوجك عليك حقًّا (33)".
- ولما كان المسلم مطالبًا بإتقان العقل، فإن الإتقان هنا يتمثل في اللجوء إلى المنظمات التي تستطيع أن تجمع هذه الطاقات بما يجعلها أكثر إنتاجية، ومن ثم فإن توجيه الطاقات البشرية الفائضة "العفو"، يحتاج إلى إقامة تنظيمات شعبية تتولى القيام بعمل من الأعمال التي تمثل فروض الكفاية في المجتمع الإسلامي، وينضوي تحت لوائها كل من يريد ـ طبقاً لإمكانياته وخبراته ـ أن يعبد الله تعالى بالعمل الذي تتخصصت فيه هذه المنظمة، ونوع "العفو/الفضل" من الجهد الإنساني. فمثلاً: منظمة إعانة الصناع وتدريبهم، ورفع مستواهم الفني، و"إعادة تأهليهم": "تعين صانعاً، أو تصنع لأخرق"(34)، ومنظمة للعناية بالطرق وتنظيمها ونظافتها، وحماية البيئة، "تميط الأذى عن الطريق صدقة "(35)، ومنظمة لحماية القيم: "أمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة "(36)، ومنظمة لرعاية أسر المجاهدين:"من خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا"(37)، ومنظمة لرعاية اللاجئين والمشردين وإغاثتهم: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته "(38)، "والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه "(39)، ومنظمة لرعاية الطفولة وكفالة الأيتام: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما "(40)، ومنظمة لرعاية المرضى والمسنين والمعاقين: "ابغوني في ضعفائكم، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم "(41)، ومنظمات للبحث العلمي، وتطبيقاته المختلفة: "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار "(42)، ويقول: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة "(43)، ويقول:"من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله "(44)، ومنظمات للدفاع عن حقوق الإنسان، وصيانة كرامته، وضمان تمتعه بالحقوق والحريات التي قررتها الشريعة لكل مسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطِرنّه على الحق أطرًا، ولتقصرنّه على الحق قصراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض "(45)، وعن أبي بكر الصديق رضوان الله تعالى عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه "(46)، ومنظمات للإصلاح بين الناس، "إنَّما المؤمنون إخوةٌ فأصلحوا بين أخويكم )) [الحجرات:10]، ومنظمات للدعوة إلى الله تعالى: "قُل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" [يوسف:108]، ومنظمة للرفق بالحيوان والإحسان إليه "قالوا يا رسول الله: إن لنا في البهائم أجراً، فقال: في كل كبد رطبة أجر"(47).. إلى غير ذلك من المنظمات والهيئات التي يقيمها أفراد الأمة كي يتقنوا من خلالها أداء فروض الكفاية، والتي إن لم تؤد، أَثِم كل قادر على القيام بها، وكل قادر على الدعوة إليها، والإسهام فيها، ما لم يبذل جهده في هذا السبيل.
- جاء في تفسير "المنار" تعليقاً على تفسير قول الله تعالى:"ويسألونك ماذا يُنفِقون؟ قل : العَفْو؟" [البقرة:219] "قال علماؤنا: إن جميع الفنون والصناعات، التي يحتاج إليها الناس في معايشهم، من الفروض الدينية. وإذا أهملت الأمة شيئاً منها، فلم يقم به من أفرادها من يكفيها أمر الحاجة إليه، كانت عاصية لله تعالى، مخالفة لدينه، إلا من كان عاجزاً عن دفع ضرر الحاجة، وعن الأمر به للقادر عليه، فأولئك هم المعذورون بالتقصير. وعلى هذا قام صرح مجد الإسلام عدة قرون، كان المسلمون كلما عرض لهم شيء، بسبب التوسع في العمران، يتوقف عليه حفظه، وتعميم دعوته النافعة، قاموا به حق القيام، وعدوا القيام من الدين، عملاً بمثل هذه الآية، وغيرها من الآيات، ومضوا على ذلك قروناً، كانوا فيها أبسط الأمم وأعلاها حضارة وعمراناً"(48).
إن صرح مجد الإسلام - بتعبير صاحب المنار - يمكن إقامته من جديد، من خلال انفعال النقابات بهذا التكليف، ووفائها به، حتى لا تبقى حاجة من الحاجات، أو صناعة من الصناعات، تحتاجها إقامة هذا الصرح، إلا وجد من أبناء الإسلام، من يتقدم للوفاء بها. وإن بعث هذه الروح في النقابات المهنية، لكفيل بجعلها الصورة الحديثة لأنظمة التعاون الإسلامية، للقيام بفروض الكفاية، كل في الميدان الذي يجيده، وبهذا تتحقق مصالح أعضاء النقابة، من خلال تحقق مصالح المجتمع. ومن أهم مصالح الأعضاء، خروجهم من التبعة الملقاة على عاتقهم، بوفائهم بما فرض الله عليهم، فيملكون الحجة، عندما يسألون عن عمرهم فيم أفنوه، وذلك إضافة إلى المصالح الآنية، التي تتحقق لهم كأعضاء في هذه النقابة من ناحية، وكأعضاء في مجتمع يبذل كل أعضائه، كل جهودهم، من أجل إقامة الحياة الطيبة، التي يحياها الجميع.
يتبـــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
02-12-2013, 06:17 PM
يتبــــــــع الموضوع السابق
في إنفاق العفو.. عافية الدنيا، وسعادة الآخرة
العفو من المال العيني
- يمتلك الناس نوعاً هامًّا من أنواع المال، يتمثل في أدوات الإنتاج الداخلة في العملية الإنتاجية، كما يتمثل في الأدوات التي يستخدمها الناس في حياتهم اليومية، وهو بصدد إشباع حاجته، مثل السلع الاستهلاكية المعمرة، ودواب الركوب، ومنزل السكني إلخ.
- هذا النوع من المال يمثل جانباً كبيراً من حجم الأموال في المجتمع، وكثيراً ما يقتنى بحدٍ يربو على الحاجة الشخصية لمن يقتنيه. بل ربما يقتنى بعضه، ولا يستخدم إلا أياما محدودة، فهو لهذا يمثل مكمناً ضخما من مكامن "العفو" عند المسلمين. والإسلام..قرآنا وسنة يقيم وزنا كبيرا لهذا النوع من العفو، ويعمل على دفع المسلمين إلى تبين حجمه لديهم، وتقديمه إلى من هو في حاجة إليه. فتجدد منافعه، ولا تتبدد طاقته، بل قد يتولد عنه دخل ما لدي المنتفع الجديد به، ويعني ذلك زيادة الإنتاج من نفس أدوات الإنتاج، وزيادة المنافع من أدوات الاستعمال اليومي وبالتالي زيادة حجم الإنتاج القومي من نفس الإمكانيات المملوكة للمجتمع.
- لقد رغب الإسلام في بذل "العفو" من أدوات الإنتاج والاستهلاك، حتي جعل منع هذا "العفو" علامة وصفة من صفات المكذبين بالدين، فقال سبحانه وتعالى: "أرأيت الذي يُكذّب بالدِّين، فذلك الذي يدعُّ اليتيم، ولا يحضُّ على طعام المِسكين فويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يُراءون ويمنعون الماعون" [سورة الماعون]. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الماعون ما يتعاطاه الناس بينهم. وروي عنه أيضاً: أنه القدر، والفأس، والدلو، ونحوها، وهما قريبان، وجاء في تفسير الجلالين: الماعون كالإبرة، والفأس، والقدر والقصعة(49). ويقول ابن العربي: إن الماعون من أعان يعين، والعون: الإمداد بالقوة، والآلة، والأسباب الميسرة للأمر. ولما كان الماعون من العون، كان كل ما ذكره العلماء في تفسيره عوناً (50). وجاء في المعجم الوسيط: "الماعون اسم جامع لمنافع البيت كالقدر والفأس والقصعة، ونحو ذلك مما جرت العادة بإعارته"(51).
- وقد حفلت السنة المطهرة بالحث على الكثير من تطبيقات هذا التكليف، ومن ذلك: حث النبي صلى الله عليه وسلم الجار على عدم منع جاره إن أراد أن يعتمد على جداره بخشبة، فقال: "لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره(52). كما حث عليه الصلاة والسلام المسلم أن يعير أخاه حيواناً ذا لبن، ينتفع بلبنه سنة، ثم يرده فقال: "أربعون خصلة، أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها، رجاء ثوابها، وتصديق موعودها، إلا أدخله الله بها الجنة(53)". كما قرر صلوات الله وسلامه عليه، أن أفضل الصدقات يتمثل في تقديم منافع الأدوات، وعوامل الإنتاج فقال: "أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله، ومنيحة خادم في سبيل الله، أو طروقة فحل في سبيل الله"(54). فهذه الإرشادات، والأوامر، والتقريرات تتناول تقديم أدوات إنتاج، أو أدوات استعمال معيشي، كمصدر/ خدمة إنتاجية يحصل منه متلقيه على ما يسد حاجته، ومصدراً للنماء، ومنفعة وتوفيراً للسكنى الخ. وعندما يجعلها النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقات، فإنما ذلك لأثرها الإنتاجي، وعائدها المباشر على الدخل الفردي، والقومي، وجعلها أفضل الصدقات، يمثل دعوة قوية من الشريعة الإسلامية، لجعل هذا السلوك متأصلاً في النفس المسلمة، تبغي به الجنة، كما يترتب علىه أن يكون له كبير الأثر على تمويل التنمية.
- إن "العفو" من أدوات الإنتاج، والاستعمال، قد يتمثل اليوم في أداة قديمة استبدل بها مالكها أداة جديدة، لكنها لما تزل على قدر من الصلاحية، فهي لديه "عفو" بجوار الأداة الجديدة. فيمكن تنظيم صالات عرض ـ عن طريق المؤسسات الخيرية وغيرهاـ بذلك النوع من "العفو"، وتقديمه إلى من يسد له حاجة. هذا التنظيم يمكن أن يمارس في السلع المعمرة - إنتاجية واستهلاكية - مثل السيارات والثلاجات، والغسالات، والثياب، وبخاصة ثياب المناسبات، وآلات الطباعة والنسخ، وأثاث المنازل والمكاتب، وأجهزة التلفاز، وكتب العلم، وأدوات الحرف المختلفة، إلى غير ذلك مما لا يقع تحت الحصر. والعفو في هذه الأشياء، يتمثل في عينها بالقياس إلى ما يملكه صاحبها من أدوات أفضل منها، وهو يقوم بتمليك هذه الأدوات لمن سيحصل عليها(55).
- كذلك قد يتمثل "العفو" اليوم في غرفة بالمنزل تفيض عن حاجة الأسرة فترة من الزمن، ويمكن تقديمها لمن تسد لديه حاجة من طلبة العلم، ويمكن إنشاء مكاتب ملحقة بالمؤسسات التعليمية، تتلقى رغبات أصحاب هذا النوع من "العفو"، مقرونة بمواصفات من يمكن استضافته لدى الأسرة بما يحقق مصلحة الطرفين، ويتفق وأحكام الشريعة بهذا الخصوص، وتقوم هذه المكاتب بترشيح من ترى للحصول على هذا "العفو" كي يلتقي بصاحب المنزل، ليرى رأيه. وبهذا يمكن الاستفادة من جانب كبير من "العفو"، الموجود في دور السكنى، وبه تسد حاجة الكثيرين من طلاب العلم وطالباته، الذين لا يملكون قدرة على توفير المسكن من خلال السوق، وأثر ذلك في التغلب على مشكلة الإسكان في البلاد التي تعاني منها، أثر بارز، و"العفو" هنا يقدم في شكله التقليدي، أي تمليك المنفعة مع بقاء العين مملوكة لصاحبها (56).
- كذلك قد يتمثل "العفو" اليوم في مكان فائض، بسيارة الشخص، يمكن تقديمه لمن هو في حاجة إليه، من زملاء العمل، أو سكان الحي، ويمكن للنقابة التي تجمعهم أن تنظم ذلك في الحالة الأولى، كما يمكن لإدارة مسجد الحي، أن تنظم ذلك في الحالة الثانية. وبهذا يمكن سد جانب كبير من الطلب على وسائل الانتقال. وتنظيم ذلك عن طريق النقابة أو المسجد، أمر يسير. كما قد يتمثل في قطعة أرض لا يحتاج إليها مالكها، ولا يجد من يزارعه عليها، أو يؤجرها له، فهي في هذه الحالة فضل، عليه أن يقدمها لمن يحتاج إليها، ليقوم بزراعتها، ويبذل جهده عليها، مبتغياً من فضل الله تعالى. وحث النبي صلى الله عليه وسلم على تقديم هذا النوع من أدوات الإنتاج. كما أمر عمر بن عبد العزيز عماله، بأن يقدموا الأرض التي لا تجد من يزرعها بمقابل، إلى من يستفيد منها بدون مقابل، يقول: انظر ما قبلكم من أرض الصافية فأعطوها بالمزارعة بالنصف، فإن لم تزرع فأعطوها بالثلث، فإن لم تزرع فأعطوها حتى تبلغ العشر، فإن لم يزرعها أحد (أي بمقابل) فامنحها(57). ويمكن تنظيم هذا العمل على مستوى القرية، فتوجد جهة تتولى تنظيم منح الأرض لعام أو لأكثر، لمن يحتاج إليها، وخاصة من الملاك الذين لا يعملون بالزراعة، وتمثل ممتلكاتهم من الأرض الزراعية فضلاً لديهم(58).
- إن بدائل الفأس من المحراث التقليدي والآلي، وآلات البذر والحصاد، وغير ذلك من أدوات الزراعة، تمثل ميداناً رجباً لتبادل "العفو" ، ويمكن متلقيه من ممارسة الإنتاج على مستوى التقنية العصرية، الأمر الذي يرفع متوسط الإنتاجية الزراعية في المجتمع، ومن ثم يرفع مستوى الإنتاج القومي.
- لا تزال "الإبرة" كمثال تقليدي على "العفو" ، تجد تطبيقاً لها في آلات الحياكة والخياطة، ولا تزال القصعة والقدر، تجد تطبيقا لها في أدوات المطبخ التي تعددت أنواعها، وتنوعت أغراضها، لا تزال هذه وتلك ميادين رحبة لتبادل "العفو" ، بين ربات البيوت؛ وأثر هذه الأدوات على تيسير عمل المرأة في بيتها، لا ينكر.
- تقديم "العفو" من أدوات الإنتاج في الميدان الصناعي، من المصانع التي تملك تقنية متقدمة، إلى الورش الصغيرة، التي لا تملك هذه التقنية، ولا تقوى على امتلاكها، إنه أيضا يرفع متوسط الإنتاجية في القطاع الصناعي، وينعكس على مستوى وحجم الإنتاج القومي.
- إن إقامة النقابات والتنظيمات، لا يعني إهمال الطرق المباشرة لتقديم "العفو" ، فلا يزال لتبادل "العفو" بالطريق المباشر بين مالكه ومن يحتاج إليه، مجالاته الكثيرة، والتي تمثل ميداناً واسعاً من ميادين تقديم "العفو" في الأدوات، وتطبيقاتها في حياتنا، دور ملحوظ.
تنظيم الشرع للجانب القانوني لـ "العفو" من المال العيني
- إنّ تنظيم تقديم "العفو"، إلى من يحتاجه، ليس جديدا على الفكر الإسلامي، فقد قام الفقهاء - رحمهم الله تعالى - بتنظيم الجانب القانوني لهذا النوع من التعاون على البر والتقوى، وعقدوا له كتاباً أو باباً في كل مؤلف فقهي شامل، هو "كتاب العارية"، أو "باب العارية"، ويشتمل هذا الكتاب على تقنين هذا النوع من التعاون، حيث يناقش فيه أركان عملية تقديم "العفو" من الأدوات (أركان العارية)، من معير، ومستعير، ومعار، وصيغة العقد. وفي حديثهم عن المعار/ مكمن "العفو"، أي محل العارية، ناقش الفقهاء إعارة كل أنواع أدوات الإنتاج، وأدوات الاستخدام المنزلي، بمعناها الواسع، من أرض للزراعة أو البناء، ومن دواب للحمل أو العمل، ومن سفن للنقل أو الصيد، ومن دور لسكنى وأدوات للزينة، ومن أدوات للزراعة والصناعة، وثياب وكلاب صيد. وأدوات طبخ، وتحميل خشبة فوق جدار، وطروقة الفحل، وغير ذلك مما لا يقع تحت حصر، وضابطه لديهم هو: "كل ما ينتفع به مع بقاء عينه"، قال صاحب الكافي: "وتصح (أي العارية) في كل عين ينتفع بها، مع بقاء عينها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من أبي طلحة فرسا فركبها، واستعار من صفوان بن أمية أدراعاً، وسئل عن حق الإبل فقال: إعادة دلوها وأطراق فحلها، فثبت إعارة ذلك بالخبر، وقسنا عليه سائر ما ينتفع به مع بقاء عينه".
- وقد نظم الفقهاء كل ما يتعلق بالعارية من ضمان عينها، وبيان ما يضمن، وما لا يضمن، من النقص الذي يترتب على استخدامها، وإطلاقها، وتأقيتها، وأثر ذلك على نوعية استعمالها، وحددوا من يتحمل مؤنتها إن كانت لها مؤنة، إلى غير ذلك من أحكام العارية المبسوطة في كتب الفقه.
- إن التشريعات التي تنظم استخدام العارية، والمستخلصة من كتب الفقه الإسلامي، تحدد بوضوح حقوق وواجبات كل من المستعير، والمعير، قبل الشيء المستعار، بما يجعل العلاقة واضحة لا ترتب خلافاً أو نزاعاً. والشق الثاني، من تنظيم استخدام "العفو" : فيتمثل في اكتشاف الوسائل المنظمة التي تيسر على كل من صاحب "العفو"، ومن هو في حاجة إليه، تحقيق غرضه الذي يقصده.
العفو مِنَ المال النقدي
- النقود تختلف عن غيرها من الأموال في أنها لا تشبع الحاجات بذاتها، وإنما تمثل الوسيلة إلى إشباع الحاجات بالحصول على الطيّبات. فالمرء يستخدم النقود في الحصول على المعدات والآلات والأدوات، كما يستخدمها في بناء إمكانياته البدنية وصقلها، وتنميتها، والمحافظة عليها - وقد تحدثنا عن "العفو" في هذه الإمكانيات والطاقات - وهو قبل ذلك يستخدم النقود في الحصول على ما يشبع حاجات من يعول، وتجب عليه نفقتهم. فهل بعد استخدام النقود في هذه الاستخدامات، يوجد "العفو" فيها؟ أم أنه - باعتبارها وسيلة إلى الحصول على غيرها من الثروات - يظهر العفو منها في الثروات الأخرى، التي يحصل عليها الإنسان بواسطتها؟
- الإنسان قد يشتري بنقوده ما يحتاج إليه لسد حاجاته الاستهلاكية والإنتاجية ، ثم يبقى لديه قدر منها، يصلح لشراء مختلف الإمكانيات التي تسد حاجات الناس، ويكون في غير حاجة إليه في ظروفه الآنية. . فهل من حقه أن يحتفظ بهذا القدر في شكله النقدي؟ أم يجب عليه أن ينفقه في سبيل الله تعالى؟ إن إجابة هذا السؤال، تحدد لنا إن كان في المال النقدي "عفو" أم لا؟ فإذا كان من حقه أن يحتفظ به في شكله النقدي دون استخدام، لم يكن في المال النقدي "عفو". أما إن كان لا يملك الاحتفاظ به في هذا الشكل، فيكون به "عفو".
-موقف القرآن الكريم من النقد الفائض عن شراء الحاجات الإنتاجية والاستهلاكية، يقول الله تعالى: "والذين يكنزون الذَّهب والفضّة ولا يُنفقونها في سبيل الله، فبشِّرهم بعذاب أليم، يوم يُحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم، فذوقوا ما كنتم تكنزون" [التوبة:34،35]. لقد عرض لنا ابن العربي - رحمه الله تعالى - الأراء التي يوردها المفسرون في المعنّي بالكنز، وقد بلغت سبعة آراء، فهل هو المال المجموع مطلقاً؟ أم أنه المجموع من النقدين؟ أم هو المجموع منهما ما لم يكن حليا؟ أو هو المجموع منهما دفيناً؟ أم أنه المجموع منهما لم تؤد زكاته؟ أم أنه المجموع منهما لم تؤد منه الحقوق؟ أم أنه المجموع منهما ما لم ينفق ويهلك في ذات الله(59).
-المقرر أن المال النقدي لا يسمح بحجبه عن الحقوق المقررة فيه، فإن حدث ذلك اعتبرت النقود كنزاً، وحتى لا يقع المسلم تحت الوعيد الوارد في الكنز، فعليه أن يقوم بكل الحقوق الواجبة في المال من زكاة واستثمارات، وشتى فروض الكفاية الواجبة على الكافة، بنظامها المعروف في الإسلام. فإذا بقي مال نقدي لدى المسلم فوق الوفاء بهذه الحقوق، كان مالاً مطهر، لا يلام على الاحتفاظ به، ويترقب استخدامه فيما ينبغي أن يستخدم فيه.
- يكون "العفو" موجوداً في الأموال النقدية، ويؤكد ذلك نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لمن لديه مال يفيض عن كفايته من الإنفاق الاستهلاكي، والإنفاق الاستثماري، أن يبذله في وجوه النفع، مبيناً أن إمساك هذا الفائض شر، وإنفاقه خير، ولا شك أن المسلم مأمور بفعل الخير، منهي عن فعل الشر، لقد قال صلوات الله وسلامه عليه: " يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى(60)".
- أن إمساك النقود ورصدها لأداء واجبات أمر مطلوب، حتى وإن كانت الواجبات غير حالة، ما دامت متوقعة، فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على إنفاق المال أن يستثني ما يرصده المسلم لدين، قال صلى الله عليه وسلم : "ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهباً، تمضي عليه ثلاثة أيام، وعندي منه دينار، إلا شيء أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله وعن خلفه(61)"، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو كان لي مثل أحد ذهباً لسرني أن لا تمر عليّ ثلاث ليال وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين"(62).
ففي هذين الحديثين تقرير جواز إمساك النقود لأداء واجب، مثل له النبي صلى الله عليه وسلم بالدين، ويقاس على ذلك كل نقود ترصد لواجب ما، مثل الإنفاق الاستهلاكي، والإنفاق الاستثماري المطلوب للمحافظة على الطاقة الإنتاجية، وتجنيب أقساط دورية لجمع مال يستخدم في الوفاء بحاجة استهلاكية أو إنتاجية، فمثل هذه الأموال مشغولة بالحق الذي ترصد له، فإمساكها غير ممنوع بل مطلوب.
- المال النقدي يعتبر أحد أهم مكامن "العفو" ، فإن المسلم مدعو إلى استخدام هذا العفو، أو تمكين غيره ممن هو في حاجة إليه من الانتفاع به. وتختلف طريقة تقديمه من حالة لأخرى، فهناك حالات يكفي فيها تقديم "العفو" من المال النقدي في صورة قرض، يسترد عندما ييسر الله تعالى للمقترض أداءه، وهناك حالات يجب فيها تقديم المال في صورة هبة أو صدقة، وهناك حالات يقدم فيها المال النقدي إسهاماً في مشروعات عامة، تفي بفرض من فروض الكفاية المطلوبة من المسلمين، وهناك حالات يقدم المال النقدي فيها لبناء مشروع استثماري بشكل مستقل، أو بالاشتراك مع الآخرين بصورة من صور المشاركة، إلى غير ذلك من صور إنفاق "العفو".
- للدولة والبنوك الإسلامية والمؤسسات الإقتصادية والاجتماعية والخيرية والنقابات المهنية والإتحادات الطلابية والأحزاب الساسية ولجان حقوق الإنسان دور كبير وهام ومؤثر في توجيه "العفو" وتوظيفة أفضل توظيف(63).
إجمالاً لموضوعٍ متشعبٍ.. هذه خطوط عامة علها تفي بالغرض من غير إيجاز مُخل، ولا إسهاب مُمل
- عرفت المجتمعات الإسلامية بدايةً نظام «إنفاق العفو» ومارسته طيلة أربعة عشر قرناً، وكان هذا النظام ـ ولا يزال بدرجةٍ ما ـ قاعدةً لبناء مؤسسات المجتمع في مختلف مجالات التكافل الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والصحي والخدماتي. بل لعله كان أحد "الابتكارات المؤسسية الاجتماعية" التي جسدت الشعور الفردي بالمسؤولية الجماعية، ونقلته من مستوى الاهتمام "الخاص" إلى "العام" تجاه المجتمع والدولة معاً.
- في سياق الاهتمام المتزايد بمؤسسات المجتمع المدني وفعالياته، يضحى "إنفاق العفو" من خلال مؤسساته، وإسهاماته في بناء ودعم تلك المؤسسات، أمراً ضرورياً. فضلا أنه يمكن إحياؤه، وتفعيل دوره في بناء المجتمع المسلم وفي دعم استقلاله، ونهضته، ووحدته. إن لدى جميع بلدان أمتنا إرثاً معتبراً من أموال وممتلكات عقارية ومؤسسية، ولكنّ هذا الإرث غير مرئي، وهو موضوع في دائرة الظل في أغلب الأحوال، وغير مستَغَلٍّ بالكفاءة المطلوبة لمصلحة المجتمع.
- إن مكامن "العفو" كثيرة، وحيثما يوجد المسلم، يوجد نوع من العفو، يمكن بذله في تحقيق النفع والخير للمجتمع وأفراده. . فليس "العفو" موجوداً عند الأغنياء أصحاب المال فقط، ولكنه موجود عند كل إنسان، غنيا كان أو فقيراً، فالغني لديه فضل ماله، يفعل به الخير، والفقير لديه فضل جهده، وقلبه، ولسانه، يفعل بها الخير، ويقدم منها "العفو".
- من الأهمية بمكان أن يكتشف المسلم ما لديه من إمكانيات وطاقات، وأن يستقر في نفسه واجب البذل والعطاء منها، تكليفاً يتجدد طلوع الشمس كل يوم. فمكامن "العفو" كثيرة، ويمكن إجمالها في ثلاثة مجالات:العفو من الجهد البشري.العفو من المال العيني.العفو من المال النقدي. وهي باتساعها وشمولها تحرك كل الأفراد، وتستنفر كل الطاقات، لتصب كلها في مجرى فعل الخير، وتتكاتف الإمكانيات المالية مع الإمكانيات البشرية - عقلية وعضلية ونفسية وروحية - من أجل الإسهام في بناء المجتمع المتكافل، الذي يمثل كل فرد فيه لبنة قوية في بناء متين، ويقف في موقعه سنداً لعمليات البناء والتعمير، يحاول قدر طاقته أن يكون مصدر عطاء ونفع للآخرين، قبل أن يكون جهة استفادة منهم.
-إن عجز المسلم عن أي فعل إيجابي يثري به الحياة، فإن له في الكف عن الشر باباً يلج منه إلى نفع المجتمع، ونفع نفسه: "..قلت يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل، قال: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك"(64). ومهما يبلغ به العجز، فلا ينبغي أن يعجز عن كف شره عن المجتمع والناس، والمسلم مدفوع إلى هذا السلوك من منطلق الحرص على المصلحة الشخصية، فهو مع مثاليته الواضحة، عملي ومصلحي أيضاً، فهو يبذل للمجتمع من إمكانياته المادية، والنفسية، والروحية، والعقلية، والعضلية، ليحقق منفعته في الدنيا والآخرة، منطلقاً في ذلك من عقيدته، التي تقوم على أن ما يقدمه من نفع للمجتمع والناس، إنما يعود نفعه إليه. يقرر الله سبحانه هذه الحقيقة فيقول: "وما تُنفقوا من خيرٍ فلأَنفسكم، وما تنفقون إلاّ ابتغاء وجه الله، وما تُنفقوا من خيرٍ يُوفّ إليكم" [البقرة:272] ويقول: "مّن ذا الذي يُقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة" [البقرة:245] ويقول:مَنْ عمِل صالحاً فلنفسه" [فصلت:46]، ويقول تعالي:"وَمَنْ عمل صالحاً فلأَنفسهم يمهدون" [الروم:44].
- الأهم من وجود العفو هو القدرة على استخدامه، والاستفادة منه في تمويل التنمية الاقتصادية وهكذا نعيش في تناقض، بين توفر الفائض، وعدم القدرة على استخدامه وتوجيهه لتمويل التنمية الاقتصادية، بل ربما استخدم جانب كبير من هذا الفائض في تمويل نمو المجتمعات المتقدمة، بينما تحرم منه المجتمعات التي أنتجته، وهي في أمس الحاجة إليه.
-إن توجيه العفو إلى الإسهام في تحقيق التنمية الاقتصادية تقع على عاتق الكثير من المؤسسات القائمة في المجتمع، ابتداء من مؤسسة الدولة نفسها، كأهم مؤسسة في المجتمع، وانتهاء بالجمعية الخيرية، التي يكونها بعض الأفراد لأداء واجب من الواجبات الكفائية، مروراً بالكثير من المؤسسات التي يضمها المجتمع، مثل البنوك والنقابات المهنية، والأحزاب السياسية، والاتحادات الطلابية، إلى غير ذلك من مؤسسات وتنظيمات، تختلف عن بعضها البعض في مدى أهمية دور كل منها في توجيه العفو، لكن يبقى لكل مؤسسة منها دور تؤديه، ولا يغني فيه غيرها عنها.
خلاصة القول
إن قضية التنمية لها فلسفاتها وجوانبها المختلفة، لكنها في حقيقتها "عملية معرفية ثقافية حضارية"، تشمل مختلف أوجه النشاط المجتمعي، بما يحقق رفاهية الإنسان والمجتمعات، ويحفظ كرامتهم. وفي معاودة نهوض امتنا، واستعادة فاعليتها، ينبغي أن تُفهم وتتم وفق منهاج القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. ووفق خصوصياتنا الإيمانية والشرعية والإجتماعية والإقتصادية الخ.
لقد أنزل الله تعالي القرآن للناس شرعة ومنهاجاً.. خطاب إلهي سليم، يحدد للناس مقاصد الدين، ويبصرهم برحلة حياتهم، وعِلة خلقهم، وسبيل قيامهم بأعباء الاستخلاف الإنساني، وكيفية تحقيقهم العبودية لله تعالي، أقتداءً برسول الله محمد صلي الله عليه وسلم، المبين عن ربه مراده ـ سبحانه تعالي ـ من الخلق، وسبل بنائهم المجتمع الإسلامي المتكافل.. المجتمع "المتعافي" الأنموذج المثير للاقتداء، المُغري بالاتباع.
فالأمة المسلمة، تمتلك قيم وطاقات روحية وعملية، وإمكانات مادية فاعلة، والتي يمكن -لو أحسن توظيفها - أن تحقق المنعة، وتـُستعاد الذات الحضارية المستلبة، وتتحقق فاعلية "الشهود"، والريادة الرسالية الحضارية، وهل عافية الدنيا الدنيا إلا تلك؟، ويبقي رجاؤنا في الله تعالي أن يتفضل علينا بسعادة الآخرة، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
يمكن التواصل مع الكاتب أ.د./ ناصر أحمد سنه على الإيميل التالي:
[email protected]
هوامش ومصادر
[1]- انظر: عمر عبيد حسنه في تقديمه لكتاب د. يوسف إبراهيم يوسف: "إنفاق العفو في الإسلام بين النظرية والتطبيق، كتاب الأمة ، العدد:36، ذو القعدة 1413 هـ، مايو 1993م. مركز البحوث والمعلومات، بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر. وعلي الشبكة الدولية للمعلومات، Islamweb.net.[2]- انظر: المعجم الوجيز، طبعة وزارة التربية والتعليم المصرية، 1993م، ص 425. [3]- الفخر الرازي: التفسير الكبير "مفاتيح الغيب"، دار الفكر، بيروت، 1978م، ط 2، مجلد 2، ص:221 ـ222. [4]- الفخر الرازي: م.س.، مجلد4، ص:337-338. [5]- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ط 2، 1952م، تحقيق أحمد عبد العليم البردوني، مجلد 3، ص:61. [6]- الشوكاني: فتح القدير، دار المعرفة بيروت، د.ت.، مجلد 1، ص:222. [7]- الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، سنة 1984، ج2، ص 352. [8]- السيد محمد رشيد رضا، تفسير المنار، الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1973، بدون رقم، ج2، ص 268. [9]- ابن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، دار إحياء التراث، قطر، ج2، ص 239. [10]- سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، القاهرة، ط7، مجلد1، ص 231). [11]- انظر: عمر عبيد حسنه في تقديمه لكتاب: "إنفاق العفو في الإسلامي بين النظرية والتطبيق،م.س.، :ص:18-20. [12]- رواه الإمام مسلم في صحيحه، انظر الإمام النووي، رياض الصالحين، طبعة دار إحياء التراث، قطر، ط1، سنة 1986، توزيع دار الثقافة، الدوحة، حديث رقم 550. [13]- رواه الإمام مسلم في صحيحه، انظر المرجع السابق، حديث رقم 564. [14]- د. يوسف إبراهيم يوسف: "إنفاق العفو في الإسلام م.س. [15]- رواه مسلم في صحيحه، وفي "رياض الصالحين" للإمام النووي حديث رقم 119. [16]- متفق عليه، وفي "رياض الصالحين" للإمام النووي حديث رقم:248. [17]- رواه الترمذي وقال حديث حسن، وفي رياض الصالحين للنووي، برقم 406. [18]-جزء من حديث متفق عليه، راجع رياض الصالحين للنووي، حديث رقم 117. [19]- جزء من حديث متفق عليه، راجع رياض الصالحين للنووي، حديث رقم122. [20]- جزء من حديث متفق عليه، راجع رياض الصالحين للنووي، حديث رقم248. [21]- جزء من حديث متفق عليه، راجع رياض الصالحين للنووي، حديث رقم122. [22]- جزء من حديث متفق عليه، راجع رياض الصالحين للنووي، حديث رقم244. [23]- جزء من حديث متفق عليه، راجع رياض الصالحين للنووي، حديث رقم245. [24]- جزء من حديث متفق عليه، راجع رياض الصالحين للنووي، حديث رقم177. [25]-رواه مسلم ، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم 245. [26]-رواه النسائي بإسناد صحيح ، انظر رياض الصالحين حديث رقم 195. [27]- جزء من حديث متفق عليه، راجع رياض الصالحين للنووي، حديث رقم 248. [28]-عدة روايات لحديث رواه مسلم كلها عن أنس ، رضي الله عنه ، انظر رياض الصالحين ، حديث رقم: 135، رواه البخاري بلفظ:"ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً ، فباكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" صحيح البخاري ، باب ما جاء في الحرث والمزارعة. [29]-نفسه. [30]-نفسه. [31]-رواه البخاري في صحيحه م.س.حديث رقم 604. [32]- رواه البخاري في صحيحه،أنظر رياض الصالحين، م.س. حديث رقم 149. [33]-متفق عليه، انظر رياض الصالحين، حديث رقم، 150. [34]-جزء من حديث صحيح، متفق عليه، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم 117. [35]- جزء من حديث صحيح، متفق عليه، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم248. [36]- جزء من حديث صحيح، متفق عليه، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم119. [37]- جزء من حديث صحيح، متفق عليه، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم119. [38]- جزء من حديث صحيح، متفق عليه، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم244. [39]- جزء من حديث صحيح، متفق عليه، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم233. [40]- جزء من حديث صحيح، رواه البخاري، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم262. [41]- جزء من حديث صحيح، رواه أبو داود، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم272. [42]- جزء من حديث صحيح، رواه أبو داود والترمذي، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم1387. [43]- جزء من حديث صحيح، رواه مسلم، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم245. [44]- جزء من حديث صحيح، رواه أبو داود، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم1382. [45]- رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن، واللفظ لأبي داود، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم196. [46]- رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة، المرجع السابق، حديث رقم197. [47]- متفق عليه، وانظر رياض الصالحين، حديث رقم126. [48]- الشيخ رشيد رضا: تفسير المنار،م.س.، ج 2، ص:270. [49]- تفسير الجلالين، المكتب الإسلامي ، بيروت، ط 3، 1988م، ص:823. [50]-ابن العربي: أحكام القرآن،دار الفكر العربي، بيروت، د. تز، ص:1984-1985. [51]- انظر: المعجم الوجيز، م.س.، مادة "معن". [52]-متفق عليه، وفي رياض الصالحين، برقم:307. [53]-رواه البخاري ، وفي رياض الصالحين برقم138. [54]-رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وفي رياض الصالحين برقم:1304. [55]- د. يوسف إبراهيم يوسف: "إنفاق العفو في الإسلام،م. س.، ص:87. [56]-المرجع السابق،ص:87. [57]- يحي بن آدم ، الخراج، المطبعة السلفية، ط2 1384هـ ،ص:59. [58]- د. يوسف إبراهيم يوسف:م. س.ص:88-89. [59] - للمزيد راجع :ابن العربي،م.س.،ص 928. [60]-صحيح مسلم، وفي رياض الصالحين برقم:550. [61]-متفق عليه، وفي رياض الصالحين برقم 463. [62]-متفق عليه، في رياض الصالحين برقم،464. [63]- للمزيد من التفصيل راجع د. يوسف إبراهيم يوسف:م.س. ص: 103 وما بعدها. [64]- متفق عليه، وفي "رياض الصالحين" حديث رقم:117.
القلب الحزين
02-12-2013, 06:17 PM
الروح وعلم الجينات الحديث
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1201293774406866654_5856bfbc5a_m.jpg
صورة لبيضة ملقحة في حالة الانقسام
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً } [الإسراء: 85].
في ظل الدراسات الحديثه القائمة اليوم والتي يعكف العلماء عليها للتوصل حول حقيقة الكائن البشري وماهية التركيب الجزيئي له معلقين شتى الامال حول علاج الامراض المستعصيه التى أرقت عصرنا فقد إستجدت علوم جديده إختلفت الاراء حول موقف التشريعات الإلهيه والدينيه منها راجعا إلى السبب إلى الخوف من خلط الأنساب فما أن إستحدث علم الجينات والمورثات وما أن ظهرت الشفرات الوراثيه بدأ العلماء يخضون تجاربهم حول إمكانية إستخلاص خلايا جديده لربما تكون مستقبلا بدائل وحلولا للخلايا المعطوبه و لعل من أكبر الأحداث التى أثارت ضجه في العالم هي ظاهرة الاستنساخ "النعجة دولي " وكيف أن الخوف قد علا على الساحات العلمية والإجتماعيه وفي هذا المقال أحب أن أسلط الضوء عن تكوين الخلايا البشريه وأصلاها وكيف أن الروح هي سر الإبداع الإلهي لإحياء هذه الخلايا التى لا تعد من أن تكون مواد أوليه.
الخلية هي وحدة التركيب والوظيفة في الكائن الحي ويعنى بالكائن الحي هنا إشارة إلى وجود الروح فلورجعنا لمنشأ الخلية الحية من أول خلقها لبدأنا رحلتنا حيث نرجع إلى أصغر جزء من المادة ألا وهي ذرات العناصر المكونه للمواد الحية ألا وهي ذرات الكربون والهيدروجين والاوكسجين والنتروجين والمعادن الاخرى مثل الحديد والفسفور وهي أيضا المكونات الاساسيه للتربه لقوله تعالى:{ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم تنتشرون} الروم (20 ) وتعبر الذرات في هذه الحاله مفرده في الصورة الغير عضوية وما أن تتحد مع بعضها البعض بنسب مختلفه تصبح مواد عضوية جديده "نظرا لوجود ذرات الكربون" لا تقل أهميه عن تلك العناصر التى أتت منها مفرده فلوتخلينا أننا أستطعنا تجميع الذرات مع بعضها البعض بإستخدام أحدث التقنيات الحديثه مثل تقينة النانو المتناهية الصغر وكونا السكريات الخماسية الغير مؤكسده ومن ثم قمنا بتجميعها بكميات كبيره لنحصل على جزيء واحد من الدي إن إيه DNA وضعفناه حتى نصل إلى الكروموسوم الواحد ولله المثل الأعلى فهذا لا يعني بالمفهوم العلمي أننا إستطعنا تخليقه لأنه يبقى حتى الأن مجرد جزيء معقد التركيب مهما إستطاعنا الحصول علية مخبريا وحيث الكروموسومات توجد بداخل أنوية الخلايا والتى تتحد مع بعضها البعض مكونة الأنسجة التى ما تلبث أن تتخصص إلى الأعضاء مكونة الكائن الحي الكامل فإنه ينقصها مفتاح الحياة ألا وهو الروح لقولة تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً } [الإسراء: 85].
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1201293730270px-gene.png
الشكل التالي يبين الجينوم البشري
وحتى علم الاستناخ وعلم الخلايا الجذعيه كلها لا يمكن نجاحها بدون وجود الروح الموكله بأمر الله تعالى وحده ولا تسطيع اليد البشريه مهما بلغ علمها التدخل في ذلك والدليل الواضح على ذلك هوأن الجنين في رحم أمه عند بدأ خلقه يكون مجرد نطفة ثم علقه ثم مضغة إلى أن تبدأ مرحله تشكيل الجنين وهنا يبعث الله بأمره ملك موكلا بهذه الروح فتدب الحياة في الجنين بعد120 يوما من تكوينه أي خلال الشهر الثالث يقول تعالى : {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة * فخلقنا العلقة مضغة * فخلقنا المضغة عظاما * فكسونا العظام لحما * ثم انشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}المؤمنون (12- 14)
وفي كلا العلمين المستحدثين يحتاج علم الاستنساخ إلى وجود البيئه الروحيه التى ينموبها وهي بداخل رحم الام المضيفه وفي علم الخلايا الجذعيه يحتاج إما إلى خلايا الإنسان البالغ من نخاع العظم عادة أو الحبل السري فور ولادة الجنين وحفظها في بنوك خاصه. ومهما إستطاع العلماء تخصيص هذه الخلايا إلى أعضاء هامة مثل القلب أو الكلى فهي تبقى مجرد أعضاء بلا روح لا تدب بها الحياة الا بداخل كائن حي يملك روحا يقول الدكتور حسين اللبيدي (http://quran-m.com/firas/arabic/index.php?page=pro_alem&id=25&select_page=allem)مدير مستشفى وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة وعضو جمعية الإعجاز العلمي بالقاهرة وجنوب الوادي في موقع الإعجاز العلمي للفرأن والسنه "وباختصار العملية ما هي إلا وضع نطفة أمشاج مخلوقة لله وجاهزة مسبقاً في رحم مجهز لذلك ليتم بعدها تخليق الجنين بإذن الله خلقاً من بعد خلق، وكل أفعال العلماء -وهم عباد الله - تدور حول منطقة النطفة لا تتعداها وكل أفعالهم ما هي إلا عملية تؤدي إلى تصيير نطفة أمشاج في رحم مجهز لاستقبالها فهي عملية نقل أوتحويل لا خلق فيها وتدخل تحت مسمى (الجعل) " دلالة على ضرورة وجود الروح ومهما أنُكرت حقيقة الوجود ونسبت العلوم إلى الطبيعة تبقى الذات الالهيه لله الواحد القهار ولا تملك النفس البشريه منها أي شيء مهما بلغت من تقدم وتطور.
وأخيرا يبقى علماء العلوم المختلفه وخاصة الكيمياء الحيوية منهم مهما وصلومن تقدم هائلا لا ليس بيدهم إلا أن يقفوأمام عظمة الخالق في نفخ الروح وبعثها تاركين وراء ظهورهم مجال الشك بعيدين كل البعد في التدخل في مسألة الخلق التي هي من إختصاص الله وحده فتبارك الله أحسن الخالقين....
بقلم الكاتبه
نور باقادر – كيمياء حيوية – جامعة الملك عبد العزيز آل سعود
[email protected]
القلب الحزين
02-12-2013, 06:18 PM
تأملات إيمانية فى سورة الشمس
.د. ســلامه عبد الهادي
أستاذ في علوم إدارة الطاقة وعميد سابق للمعهد العالي للطاقة بأسوان
القرآن الكريم هو كتاب الله ورسالته الخاتمة .. أنزله الخالق إلى الناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراطه المستقيم .. فصلت آياته بعلمه الذي سخر به كل ما في الكون لطاعته و بحكمته التي أخضعت كل شيء لقوانين رحمته .. كل آية من آياته تحوى إعجازا لا يتطاول إليه أحد من خلقه على مدى العصور ... ونقف اليوم أمام أول آيات من سورة الشمس ... وفيهـا توجيه من الخالق أن ينظر الإنسان إلى آيات الله في الآفاق وفى نفسه .. آيات حددهـا الخالق في تسلسل إلهي حكيم من تدبير رب العالمين .. حيث جاء يقول الحق: والشمس وضحـاهـا، والقمر إذا تلاهـا، والنهـار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها، والسماء وما بناها، والأرض وما طحاهـا، ونفس وما سواهـا، فألهمهـا فجورها وتقواهـا، قد أفلح من زكاها، و قد خاب من دسهـا ...
هكذا تبدأ السورة الكريمة بكلمة الشمس وسميت كذلك بالشمس، فالشمس هي النجم الذي تدور حوله وتتعلق به أرضنا في الفضاء، بخيوط تجذبهـا إليهـا، خيوط لا نراهـا ولكن نؤمن بوجودهـا، أطلق عليهـا العلماء خيوط الجاذبية ، وحاولوا أن يجدوا لها القوانين التي تحدد قيمتهـا على هذا الأساس، ولكن من الذي سن هذه القوانين وأخضع لهـا الأرض والشمس ... لا سبيل للأرض أن تظل سابحة هكذا فى الفضاء وتدور حول الشمس بهذه الدقة والاستقرار سوى التسليم بأن لهـا خالقـا قدر مقاديرهـا ودبر أمرهـا وأخضعهـا لطاعته وقوانين رحمته ... ويطلق العلماء على الشمس ومجموعة الكواكب التي تدور حولهـا ومنهـا الأرض ككوكب من كواكبهـا اسم "المجموعة الشمسية" ... وتملك الشمس وحدهـا كتلة تعادل 99.86% من كتلة المجموعة الشمسية .. ولا تتعدى أرضنا أكثر من
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/14/sun1.jpg تملك الشمس وحدهـا كتلة تعادل 99.86% من كتلة المجموعة الشمسية
0.00003 من كتلة هذه المجموعة .. .. لهذا يأتى أول قسم بها فى هذه السورة الكريمة .. وكذلك لترتيبهـا في الخلق ، حيث يعتقد العلماء أن الكواكب التي تدور حول الشمس كانت جزئً منهـا ثم انفصلت عنهـا .. أي أن خلق الشمس جاء قبل خلق كل الكواكب بما فيهـا القمر و الأرض .. وبهذا يمكن أن نعتبر الشمس هي الأم لكل هذه الكواكب، فمنهـا جاء خلقهم عندما انفصوا عنها، ثم هي الحاضنة لهم، يدور الجميع في كنفهـا ولا تستقر حركتهم فى هذا الكون الفسيح إلا من حولهـا .. كما أثبت العلم أن هناك انطلاقاً مستمراً للطاقة من الشمس نتيجة لتفاعلات نووية تجرى بداخلهـا بصورة مستمرة ومستديمة ويتم من خلالهـا دمج نواتيذرتين من الهيدروجين لتكوين ذرة واحدة من غاز الهليوم الأقل وزنا من ذرتى الهيروجين .. ويتحول فرق هذه الكتلة إلى طاقة حرارية تصدرهـا الشمس .. فتبعث إلى من حولهـا الدفء والقدرة على الحركة .. ونجد أنه في كل ثانية تتحول ملايين الأطنان من كتلة الشمس إلى طاقة تبعثهـا الشمس باستقرار وثبات واستدامة إلى كواكبهـا ومنهم الأرض .. والضح هو البذل أو العطاء كما يعرفه علماء اللغة .. بذل تهبه وتعطيه الشمس في فترات الضحى فى كل بقعة تنيرها من بقاع الأرض على مدار اليوم الكامل .. كل بقعة لهـا حينها وتوقيتها ونهارها .. وبالقطع فإن ضحى الشمس أو تضحيتهـا تنقص من عمرهـا، وقد قدر العلماء أن عمر الشمس حوالي عشرة آلاف بليون سنة .. وأنهـا قضت نصف هذا العمر تقريباً وباقي النصف الآخر .. هكذا نجد شمسنا في ضحاها أو تضحيتهـا تمنح ما لديهـا من كتلتهـا ومحتواهـا من أجل استمرار حياة و دفء لمن تحضنهم من حولهـا، طاعة وامتثالاً لأمر خالقهـا ومدبر أمرهـا .. وما أوقات الضحى التي ننعم بهـا على الأرض سوى استنزافاً من كتلة الشمس وتكوينهـا وتعجيلاً بنهايتهـا وانتهاء عمرهـا .. هكذا جاء استكمال قسم الخالق في أول هذه السورة الكريمة بالشمس أولاً ثم بضحاها .. إنها إشارة تثير فى العقل تدبر لا ينتهي في أسرار هذا الكون .. من أوجد هذه الشمس لتحتضن أرضنا وتضحى من أجلهـا بهذا الثبات والاستقرار؟ ثم ما الذي علقهـا في هذا الكون رغم هول حجمهـا وضخامة كتلتهـا .. ثم كيف استقرت التفاعلات داخلها بالرغم من هولهـا بهذا الكمال وهذه الدقة .. من حدد لهـا هذه الكتلة وهذا الحجم وهذه المعدلات وهذه الدرجات بحيث لا تتغير ولا تتبدل على مدى الملايين من السنين والقرون والدهور ... إن فى مجرتنا أكثر من بليون نجم مثل الشمس، ولكن ليس لأي منهـا هذا الثبات والاستقرار مثل ما للشمس من ثبات واستقرار .. فأي نجم يزيد حجمه أو كتلته عما للشمس من حجم وكتلة وكثافة، يقصر عمره ولا يسمح للكواكب أن تستقر حركتها من حوله ، ولكن يضمهـا إليه وتذوب في أحشائه .. وإذا قلت هذه المقادير تتكاسل معدلاته وتتوه الكواكب من حوله .. ولكن الله خص نجمنا أو شمسنا بالمعدلات التى تستقر بهـا معدلاتها وحركات الكواكب من حولها .. إنهـا إرادة خالقهـا الذي ينبهنا إلى أن نتدبر هذا القسم الإلهي الذي يستفتح به هذه السورة المسماة باسمهـا.
ثم نأتي إلى الآية التالية .. توجيه آخر صادر من الخالق كي نتدبر آيات أخرى جاءت في كتابه كي نقرأ بهـا آيات الكون من حولنـا .. فنحن أمة اقرأ الذي كانت أول كلمة أوحى بهـا إلى رسول الله و بهـا بدأ الوحي ينزل من السماء على خاتم المرسلين .. نأتي إلى قسم الحق بظاهرة كونية أخرى تلت الشمس وتبعتهـا، حيث يقول الحق "والقمر إذا تلاهـا" .. من الثابت علمياً أن صخور القمر أقدم من صخور الأرض، لهذا فمن المحتمل أن خلق القمر قد جاء تالياً لخلق الشمس، وقبل خلق الأرض .. ولهذا جاء ترتيبه بعد الشمس وقبل الأرض في الآيات .. ثم أن القمر كرة من الصخور المعتمة غير القادرة على أن تشع نوراً من تلقاء نفسهـا .. ولكنه يستمد نوره من ضياء الشمس الساقط عليه، ولهذا يعد هذا الكوكب تابعا أو تالياً للشمس فيما يرسله إلى الأرض من نور .. وهذا ما تنص عليه الآية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/10/moon.jpg من الثابت علمياً أن صخور القمر أقدم من صخور الأرض، لهذا فمن المحتمل أن خلق القمر قد جاء تالياً لخلق الشمس
فى حكمة وعلم ربانيين .. والقمر في ترتيب أفلاكه وتحوله من المحاق إلى الهلال ثم إلى البدر ثم رجوعه إلى هذه الدورات مرة كل شهر يعتمد على تداخل حركته حول الأرض مع حركتهما معاً حول الشمس .. فهو تالياً أيضاً للشمس في حركته مع الأرض من حولهـا .. ثم إن القمر بالرغم من حركته المركبة حول الأرض ومع الأرض حول الشمس إلا أنه تبعيته للشمس تبعية كاملة فهو يواجه الشمس بوجهه الثابت الذى لا يتغير على مر الأيام و الشهور و الأعوام .. لهذا فهو تابع أو تال مطيع للشمس فى نوره وحركاته واستقراره .. وهذا الوجود والظهور والنور للقمر مشروط بالتزامه فى تبعيته للشمس إتباعا كاملاً عبرت عنه الآية الكريمة بهذا اللفظ المشروط "إذا تلاها" .. هذا الشرط ندرك كنهه إذا ما علمنا أن القمر كتلة هائلة من الصخر يبلغ قطرهـا حوالي 3250 كيلومترا أى بلايين حجم أى قمر صناعى و يبعد عن الأرض مسافة 384000 كيلومترا .. أي آلاف المرات مثل بعد أى قمر صناعي .. ويعجز البشر حتى عصرنا هذا عن الاحتفاظ باستقرار حركة هذه الضآلات التي يطلقون عليها الاسم أقمارا سوى فترات قصيرة لا تزيد عن العام الواحد ... بالرغم من متابعتهـا بأجهزة التحكم وتصحيح المسارات وبما فيهـا من أجهزة إمداد للطاقة وأجهزة تصحيح المسارات، وبالرغم من سهولة حركة هذه السفن إذا قيست بحركة القمر .. حيث نرى القمر مانحا لضيائه ويتغير شكله أو تتبدل منازله كل يوم عن اليوم السابق له فى حركة منتظمة و ثابتة تتكرر كل شهر على مدى القرون و الدهور ... كيف استقرت الشمس ثم كيف استقر القمر فى مداراتهما وضيائهما ونورهمـا ... هكذا جاء هذا الإعجاز بهذا القسم لرب العالمين لعرض ظاهرتين كونيتين تدلان على حكمة خالقهما وعلم وقدرة مدبر أمرهمـا .. وهذا بأدق الكلمات وأحكم العبارات لكل ما يمكن أن تدركه عقولنـا وتستوعبه علومنا .. فتوقظ هذه العقول وتتنبه أن لهـا ربا دبر كل شيئ وقدر كل شيء بكل هذه الحكمة وهذه القدرة وهذا العلم .. رباً عزيزاًَ قديراً حكيماً رحيما أنزل على عبده الكتاب ليكون للعالمين نذيراً.
ثم تتوالى الآيات والمعجزات فيوجهنا القسم التالى لرب العالمين عن النهـار الذي يجلى ضياء الشمس وعطائها .. والنهار في أي بقعة من بقاع الأرض هو تلك الفترة التى تستمتع فيه تلك البقعة بدفء الشمس وسطوعهـا .. والتجلي هو التعاظم حيث يجعل الخالق للشمس شأناً عظيماً في ساعات النهـار عند كل بقعة سطعـت عليها بما تفيضه الشمس من ضياء يبدد الظلمات كى يمارس الناس نشاطهم و عملهم وحياتهم .. وهذا التجلي للشمس مشروط بما هيأه الخالق للشمس من أسباب حتى يكون لهـا هذا التجلي في ساعات النهـار، .. فلو جاء خلق الأرض من مواد تمتص أشعة الشمس كلهـا لمـا تجلت الشمس عند سطوعها .. فعندما نرى الرمال صفراء، يجب أن ندرك أن هذه الرمال امتصت جميع أشعة الشمس وألوان الطيف فيهـا كي تعطي الأرض هذا الدفء بما اختزنته داخلها من هذه الطاقة .. ولكنهـا تعكس لأعيننا موجات الشمس التي نراها باللون الأصفر .. وبانعكاس هذه الموجات نرى كل شيئ من حولنـا .. وكذلك .. عندما تنظر إلى البحار و تراها زرقاء، بالرغم من شفافية مياهها، فهذا لأن هذه البحار أيضا امتصت من الشمس جميع الألوان وجميع الإشعاعات الحرارية التي سقطت عليها من الشمس لتعطى الدفء لمخلوفاتهـا البحرية ونباتاتهـا المائية، ثم تعكس لنا قدراً بسيطاً من هذه الأشعة كي نرى البحار ونميز المخلوقات بداخلهـا، وهذا القدر تراه أعيننا التي صمم الخالق خلايا شبكيتهـا باللون الأزرق، فنرى البحار ونرى كل شيء حول البحار بما عكسته من أشعة وضياء للشمس .. وإذا رأيت السماء زرقاء أيضا بالرغم من شفافية الهواء، فهذا لأن هناك ذرات بعض الغازات في الهواء لهـا القدرة على امتصاص الأشعة قصيرة الطول مما ترسله الشمس خلالها من أشعة، وهي الأشعة التي تسبب اللون الأزرق فى أعيننـا .. ثم تعاود هذه الذرات إشعاعها مرة أخرى فنرى بهـا السماء زرقاء أو حمراء بحسب ما تمتصه ثم تشعه هذه الذرات ... ولو شاء الخالق أن تمتص هذه الرمال والبحار والسماء كل أشعة الشمس ولا تعكس منهـا شيئاً لرأينا صحراء قاتمة وبحار سوداء و سماءً مظلمة .. أي كوناً معتماً طوال ساعات النهـار .. أي نهاراً لا يعطى قيمة أو قدراً للشمس .. فلا تظهر هذه السيمفونية من ألوان الطيف من حولك ساعات السحر و الضحى .. لن تكون هناك هذه العظمة أو التجلي لساعات الشمس فى نهارها ..
يتبـــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
02-12-2013, 06:19 PM
يتبــــــــع الموضوع السابق
تأملات إيمانية فى سورة الشمس
و هناك نعمة أخرى .. فلو لم يخلق الله أعيننا بحيث ترى في المجال الذي تبعث الشمس ضياؤها من خلاله، أي الموجات الكهرومعناطيسية التي ينحصر طولهـا من 0.3 ميكرون و حتى 0.7 ميكرون، لأشرقت الشمس وغربت دون أن نشعر بهـا أو يكون لنا نهار يختلف عن الليل .. وهذا ما يحدث للعقارب والخفافيش التي قدر لها الله ألا ترى شيئاً بنور الشمس .. فالنهـار الذي يجلى الشمس و يجعل لهـا قدرا فى عيوننا جاء بتدبير إله قدير ، حدد الأطوال و خصص الصفات و صمم الأعين و دبر الانعكاسات و قدر الامتصاصات و هيأ القوانين و دبر الساعات و أحاط بالظلمات .. و لهذا أتى الحرف "إذا" قبل كلمة "جلاهـا" .. فهذا التجلي مرتبط بإرادته وحكمته ورحمته وقدرته هو لا أحد سواه الذى أتاح لهذا النهـار أن يجلى الشمس ويعظم من شأنهـا ويرفع قدر ضحاهـا وتضحيتهـا ... شمس تشع ما تراه الأعين وأسطح تعكس ما تدركه الأعين وعقل يترجم ما يصل إلى الأعين .. عبرت عنه كلمتين "إذا جلاهـا".
ثم نأتي إلى الآية التالية ويأتي فيهـا ذكر الليل أو ظلام الكون الذي يغشى شمسنا وكل شيء من حولنا .. و كما نعلم أن في السماء عددا هائلا من النجوم يزيد عن عدد الرمال فى الصحراء .. منهـا ما يزيد في حجمه عن الشمس ملايين المرات .. و لو اقتربت هذه النجوم من شمسنا لابتلعتهـا وكدرت سكون ليلهـا .. ولكن الخالق أبعد كل هذه النجوم عنا أبعاداً تصل إلى ملايين السنين، و احتفظ لسمائنا بظلامهـا .. ظلام يغلف شمسنا وأرضنا، وهذا رحمة منه وفضلاً، فلا شمس غير شمسنا في سمائنا القريبة منا .. وقد جاء الحرف "إذا" أيضا في هذه الآية مشروطاً بما قدره الله للشمس من مواقع أقصا بها عنـا باقي النجوم .. وقدر لأفلاكهـا أن تبتعد عنـا بهذه المسارات القاصية الأبعاد .. فنحن نسبح في ليل وظلام ممتد في أبعاد سحيقة قدره لهـا رب العالمين .. وهذا الظلام استطاع أن يراه الآن رواد الفضاء عندما يخرجون بسفنهم خارج مجال الأرض .. حيث يرون الظلام يغلف كل شيء فى هذا الكون من حولنا ... فهو يغلف الشمس و يغلف الأرض و يغلف القمر .. وكل ما يرونه مضيئا هو قرص الشمس سابحا فى الظلام .. ثم وجه الأرض الذى يسطع عليه ضياء الشمس و يتجلى فيه نهـارهـا .. وهذا الظلام الذي يغشى شمسنا مرتبط أيضا بأن الشمس لا يحيط بهـا هواء يعكس أشعتهـا ، وإلا لتبدد هذا الإشعاع قبل أن يصل إلينا عبر ملايين الكيلومترات التى تقطعهـا أشعة الشمس قبـل الوصول إلى الأرض .. إنهـا خصائص المادة التى تفصل بين الأرض و الشمس .. ويطلق عليهـا العلماء إسم الأثير .. ما هو هذا الأثير .. وكيف تنتقل من خلاله إشعة الشمس دون أن تتأثر بهـا وتنير الفضاء من حولهـا فلا تغشاها هذه الظلمة الموحشة لمن يرتاد السماء وينظر إليهـا .. هل هناك مادة اسمها الأثير حقاً أم هي من صنع خيال العلماء .. ولو كان لا وجود لهذه المادة .. فخلال أى شيئ يمكن أن تنتقل أشعة الشمس .. وكيف يفصل بين الأرض و السماء فراغا ضغطه صفر .. أى فراغ كامل .. وهل يستقيم مع هذا الفراغ الكامل استقرار الأرض والشمس في الكون دون أن ينضمان إلى بعضهمـا البعض .. هكذا نصل إلى أننا كلما اقتربنا من حقيقة يمكن أن تدركهـا عقولنـا آمنا أن هناك الكثير لا نستطيع أن ندركه .. عقولنا محدودة وعلومنا محددة .. فهذا الأثير الذى يفترض العلماء وجوده لا يستطيع أحد أن يتخيله .. ولهذا جاء قسم الحق بهذا الظلام الذى يغشى الشمس وسمائهـا .. ظلام أو ليل ارتبط بقدرته و قوانينه وعلمه وحكمته وأسراره التى لا ولن نعلم عنهـا شيئا .. هكذا جاء قسم الحق المرتبط بإرادته لأنه أرادهـا هكذا فى الحرف "إذا" و فى هذا القسم .. "والليل إذا يغشاهـا" ...
إن من ينظر إلى الآيات السابقة وينظر كيف وضعت كل هذه الحقائق عن ظلمة الكون التي تغشى كل شيء بما فيها الشمس ثم كيف خص الله الأرض بأن تتجلى الشمس في الجزء الذي تضح عليه أشعتهـا في ساعات النهـار، حقائق لم نعلم عنهـا شيئاً إلا بعد أن ذهب رواد الفضاء و صوروا لنا الشمس سابحة في بحر الظلام و لا يبدد هذا الظلام إلا وجه الأرض المضيء .. لقد جاء ذكرهـا بكل البساطة والإعجاز العلمي والبلاغي والموسيقى والجمالي .. إنه إعجاز خالقهـا ومدبر أمرهـا .. لا أحد سواه.
و بعد أن أقسم الحق بالشمس وضحاها وقمرها والظلمة من حولهـا، يقسم الحق بالسماء التي تعلقت فيهـا هذه الشمس بكواكبهـا وأرضهـا وقمرهـا، وتعلقت فيهـا هذه الأبراج بشموخهـا واستقرارهـا ...
ثم يقسم باستفسار رباني: ما بناهـا ؟ .. كيف استطاعت أن تحمل كل هذه الأوزان والأثقال .. كيف تم بناؤهـا لتتحمل وزن الشمس بداخلهـا والذي يصل إلى ملايين و ملايين وزن الأرض .. ثم هذه الأبراج التى تحتل داخلها أبعادا تصل إلى ملايين ملايين السنين الضوئية .. ما هى القوة وراء بنائهـا بهذا الإبداع والكمال والجمال .. ما هى الحكمة وراء حسابات تماسكهـا بهذا الجمود و الإتقان ... ما هى القدرة وراء بقائهـا كل هذه البلايين من السنين دون أن تنهـار كما تنهار المباني بعد مئة أو ألف عام .. كيف بنيت وكيف استقرت و كيف أبدعت وكيف توافقت ... أسئلة يثيرهـا الحق بهذا الاستفسار المعجز عن أسرار لا يعلمهـا أحد إلا هو .. وبالرغم من ادعاؤنا أننا فى عصر العلم .. إلا إنه لا أحد يعلم منا حقا "ما بناهـا" سوى أنهـا من أسرار الخالق الذى يعلم كيف بناهـا وما بناهـا .. لهذا يقسم الحق بهذا القسم عن حكمة و قدرة و علم و يقين بمدى عظمة هذا البناء الذى لا يعلم سره إلا هو ..
.. هذا ما كان من أمر القسم بالسماء و ما بناهـا ... ثم يأتى إلى قسم تالي .. قسم بالأرض .. هذا الكوكب الذي اختصه الرحمن باحتضان حياة الإنسان عليه .. كوكب لم يتيسر لسواه كل الأسباب والمقومات التي تقيم الحياة عليه ... وزنه وحجمه وطبيعته وكثافته وعناصره ورماله وجباله وهواؤه وماؤه وبحاره وسحبه ومحيطاته وشمسه وقمره وأفلاكه وأفلاك ما حوله وزواياه وأبعاده ودوراته ومساراته ولقد قال العلماء كي نجد الحياة على كوكب آخر فى الكون كله يجب أن تكون له نفس هذه المحددات التى ذكرتهـا ومحددات أخرى غفلت عن ذكرهـا .. لهذا يأتى قسم الحق بهذه الأرض .. ثم بهذا الاستفسار الإلهى الذي لا نعرف له سبباً .. ما طحاهـا ؟ .. و الطحو هو الدحو أو الإنتشار والانطلاق في هذا الكون حيث تدور الأرض حول نفسهـا مرة واحدة كل أربع وعشرون ساعة وحول شمسهـا مرة كل 365.25 فى دائرة يصل مسارها إلى ملايين الكيلومترات دون توقف أو انقطاع .. وكلمة أطاح بالشيء أي أطلقه
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/14/Earth.jpg تدور الأرض حول نفسهـا مرة واحدة كل أربع وعشرون ساعة
ومن كلمة طحاهـا اشتقت آلة الطاحون التى تدور وتدور بانتظام واستقرار .. فتتوزع الأعلاف بالتساوى بين رحاهـا دون اختلاف .. وهكذا في الأرض في طحاها وانطلاقهـا ودورانها حول نفسهـا يتوزع الدفء بين جنباتهـا ويتماثل ضغط الهواء فى غلافهـا والرياح على أطرافهـا والمياه والمجالات في جوفهـا .. ولكن ما هي القوة التي تدفعهـا بحيث تستمر طوال عمرهـا فى هذا الطحو أو الدحو .. من أين جاء العلم الذى قدر هذه الأبعاد وما هو مبعث الحكمة التى قدرت هذه السرعات و الزويا و المعدلات حتى تستقر الحياة على وجه الأرض بدرجات حرارة و ضغوط و اتزان و انسجام و التزام و كمال وجمال .. كل هذا عبرت عنه الآية فى استفسار بكلمتين "ما طحاهـا" .. وفى الآية السابقة عن السماء "ما بناهـا" .. لا رد أمامنا سوى إنهـا حكمتك أيهـا الخالق العظيم وقدرتك أيهـا الرب الرحيم .. لهذا جاء قسمك بشيء لا نعلم أسراره وأنت وحدك العليم به .. ومهما حاولت النظريات وافترضت الفرضيات ، فما زال العلم عاجزاً عن أن يتطاول إلى حدودنا التي حددتهـا لعقولنا ومداركنا .. حقاً ما بناهـا وما طحاهـا .. إنهـا مقابلة وانسجام وتسلسل منطقي .. فبدون السماء وبنائهـا وامتدادهـا .. ما كان للأرض انطلقهـا و طحوهـا ..
ثم نأتى إلى القسم الأخير فى سلسلة هذه الاستفسارات.." و نفس و ما سواهـا" .. إنه قسم بالنفس البشرية.. لغز الألغاز.. ولن أخوض في النفس البشرية وأعماقهـا .. فحديثى ينصب على آيات الحق فى الآفاق .. أما فى أنفسهم .. فلهـا رجالهـا .. ولكن أحاول أن أقف أمام استفسار الحق "و ما سواهـا" .. أنه استفسار عن أسرار حار العلماء فى معرفتهـا .. هل جبلت النفس البشرية على الشر ... و ما هى النفس و كيف استوت .. الجواب واضح فى الآية التالية لقسم الحق .. "ونفس وما سواهـا، فألهمها فجورها وتقواها".. أن الله خلق الأنفس جميعا على الفطرة .. نفساً سوية .. فالنفس البشرية جسد له رغباته ونزعاته وشهواته .. ثم نفخة روحانية لا ندرى كنهها لأنهـأ من روح الله فى جميع البشر منذ أن خلق الله سبحانه و تعالى آدم أبو البشر .. تتكرر فى خلق الأجنة كما أرشدنا رسول الحق .. هكذا يضعنا الحق أيضا بهذا القسم و الآية التالية له أمام سر من الأسرار الذى لا تصل إليه علومنـا .. لكن ما هى الروح التى تسيطر على الجسد و الرغبات و الشهوات .. إنهـا من أمر ربى و لم نؤت حقا من العلم إلا قليلا .. وعرف الحق أن الفجور فى ترك النفس نهبا للجسد وشهواته ومادياته .. والتقوى في تحكم هذه الروح والفكر والعقل في ردع الشهوات والرغبات وتسييرها كما شرع الخالق لها .. ولهذا لدى كل نفس الإلهام والمقدرة على الفجور طاعة لرغبات الجسد وعلى التقوى استجابة لصوت الروح والعقل ..إنهـا الأمانة التى حملهـا الخالق للبشر وترك لهم حرية الاختيار والقرار .. فلديه النجدين .. هكذا جاء تعريف النفس وخلقهـا كما تنص عليه الآية الكريمة فى إعجاز وسهولة ويسر، و لا يقدر على هذا الوصف والسرد والتسلسل سوى خالق النفس ومدبر وجودهـا وحياتهـا واستمرارهـا على أرضه وتحت شمسه وداخل بنائه وسمائه .. أشياء لا يعلم الإنسان من أسرارهـا شيئا بل لا يدرى من أمر نفسه أو روحه شيئا سوى ما قدر الله له .. آيات جاءت فى تسلسل ربانى حكيم لا يقدر على سرده بهذه الحكمة إلا رب العالمين ، لنعلم أنا لا نعلم شيئا من أسرار أنفسنا وما حولنا.
ثم نأتى إلى جواب قسم كل الآيات السابقة .. القسم بحق الشمس ومعجزاتهـا والسماء وبنائها والأرض وانطلاقها وفي النهاية بالنفس وتسويتهـا .. يأتى الجواب محددا و موضحا و مبينا أين طريق الفلاح وأين طريق الخيبة .. يأتى هذا النص الرباني الواضح أنه أفلح و فاز بالخير وظفر بالهداية ونجا من الشقاء كل إنسان طهر نفسه من السوء و سما بهـا عن الشر واتبع الحق وبعد عن الباطل وأخلص لمن دبر له أمر الشمس و الأرض والسماء والقمر ومنحه هذه النفخة الروحانية فاستجاب لصوت العقل و سار فى طريق الطاعة و الرحمة .. وأنه قد خاب وخسر نفسه وأوقعهـا في المهالك و أوردهـا غضب الخالق كل من انتقص من أمر روحه وأخفاهـا أو دسهـا ودسسهـا في رغبات جسده أو ألغى عقله وراء شطحاته و سخر نفسه للشر و ارتكاب المعاصى ومخالفة أوامر الله أو ترك الخير فى طاعة الخالق.
.. إنه جواب محدد وصريح وكامل ... والدليل أن هذا النص الربانى هو جواب هذا القسم أنه أعطى المثال على تنفيذ هذا الجواب والسنة والدستور والوعد والوعيد في قصة ثمود ... قتقص الآيات التالية كيف جاءت سنته فى عقاب ثمود التى حادت عن أمر ربهـا وكيف كانت الخيبة لمن أخضعوا أنفسهم للشهوات والحيود عن أمر ربهم ... وهذا عندما اتبعت ثمود أشقيائها وطغاتهـا وتركت نداء العقل من نبيها .. فكان العقاب أن استأصلهم الله من الأرض و دمدمها عليهم وأزالهم من الوجود انتظارا لسوء العاقبة فى الآخرة وعذابهـا .. قصة قوم عرفهـم العرب وأهل الكتاب يمرون على مساكنهم .. قصة حية بينهم كدليل واضح على سنن الله التى لا تتبدل ولا تتغير .. وقد جاء عن زيد بن أرقم أن رسول الله كان يقول هذا الدعاء عند سماع هذه الآيات "اللهم أنى أعوذ بك من العجز والكسل والهرم والجبن والبخل وعذاب القبر .. اللهم آت نفوسنا تقواها و زكهـا أنت خير من زكاهـا أنت وليهـا و مولاهـا .. اللهم إنى أعوذ بك من قلب لا يخشع و من نفس لا تشبع و علم لا ينفع و دعوة لا يستجاب لهـا .. اللهم آمين و صلى اللهم على حبيبك و رسولك .. و نسألكم الدعاء.
يمكن المراسلة على البريد التالي:
[email protected] (
[email protected])
المصادر:
مصدر الصور من موقع : http://en.wikipedia.org (http://en.wikipedia.org/)
القلب الحزين
02-12-2013, 06:21 PM
تأملات إيمانية فى سورة النازعات
بقلم الدكتور سلامة عبد الهادي محمد
أستاذ في علوم إدارة الطاقة وعميد سابق للمعهد العالي للطاقة بأسوان
القرآن... كتاب عظيم فصلت آياته من لدن حكيم عليم لتخاطب كل البشر فى كل العصور على اختلاف حضاراتاهم و ثقافاتهم و علومهم بالبراهين العلمية و العقلانية و المنطقية كي تؤكد بما يبصرونه و يدركونه و يعلمونه أن الله سبحانه و تعالى هو الخالق الحق لكل شيء فى هذا الكون... و أنه هو الله الذي لا إله إلا هو.. بناهـا، هذه التأملات أمام سبع آيات من سورة النازعات، حيث نتدبر فيهـا بعض من فيض العلم الرباني و الهدى الإلهي الجلي فى كل كلمة و كل حرف منها، حيث يقول الحق فى الآيات من الآية 27 و حتى الآية 32 (ءأنتم أشد خلقا أم السماء.. بناهـا، رفع سمكهـا .. فسواهـا، و أغطش ليلهـا... وأخرج ضحاهـا، والأرض بعد ذلك.. دحاهـا، أخرج منها ماءهـا... ومرعـاهـا، والجبـال أرساهـا، متاعا لكم... ولأنعامكم ) هكذا تدحض هذه الآيات بأبلغ الكلمات والعبارات وبأدق الأدلة العلمية والعقلانية حجج من ينكرون قدرة الله الحق على إعادة نشأة الإنسان، هؤلاء الذين يجادلون بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير... فيعقد الحق مقارنة بين إنشاء هذا المخلوق الضعيف أو شدة نشأته مع نشأة هذا الكون المتسع الفسيح.
تبدأ الآيات بسؤال يوجهه الخالق إلى من ينكرون قدرة الخالق على نشأتهم مرة أخرى، باستفهام يثير الفكر ويختبر المعلومة ويطرح المشكلة فى الإطار الذي لا مرد له ولا قدرة على إنكاره... ثم يأتي بالمعلومة الصادقة والمنطق العلمي والعقلاني الحق ليدحض كل حجج الكافرين والمتبجحين و المنكرين... إن من ينكرون قدرة الخالق على بعث أجسادهم مرة أخرى يستحقون أن ينظر إلى كيانهم كمنشأ مـادي فقط و لا ينظر إلى كيانهم الآدمي الذي أكرمه الله... فلهذا تعقد الآيات مقارنة بين القدرة المطلوبة لإعادة هذا المنشأ الآدمي بشدته المحدودة، والقدرة التي أنشأت وسخرت هذا الكون الفسيح كي يحيا ويستمتع فيه الإنسان... هذا الكون بسمائه وأرضه و ليله و نهـاره وجباله وأنهـاره وسهوله ومراعيه... فجاالسماء.استفسار المنطقي والبلاغي فى كل كلمة بل كل حرف: ءأنتم أشد خلقـا... أم السماء ... هذه السماء فى امتدادها اللانهائي الذي تعجز أبصارنا وعقولنـا عن تخيل امتدادهـا... هذه السماء فى انتظامهـا و بروجهـا ونجومهـا و حاراتهـا ... هذه السماء فى جمالهـا و بهـائهـا... هل قارنا حجم الأرض التي نحيا عليهـا بحجم الشمس إلى نراها على هيئة كرة لا يزيد قطرها عن ¼ متر ... إن حجمهـا الحقيقي قدر حجم الأرض أكثر من مليون مرة.... هل تخيلنـا أن حجم الأرض قياسا لحجم السماء التي نبصرها حولنا يعادل حجم حبة رمل واحدة بالنسبة لحجم صحراء إفريقيا بأكملهـا... هذه الأرض التي يحيا عليهـا كل هؤلاء البشر ببحارها ومحيطاتها و جبالها وقاراتهـا مجرد حبة رمل فى صحراء كبرى قياسا بحجم الأرض بالنسبة للسماء... من أشد خلقـا وأكبر حجمـا و أعظم بنيانا... ثم يضع الخالق أمامنا هذه الحقيقة القاطعة، إن هذه السماء التي نراها أشد خلقـا هو وحده الذي وضع لبناتهـا و نظم بنيانهـا بأمره بكلمة واحدة واضحة .بنـا... حتى لا تتيه العقول ولا تنحرف الأفكـار فى نظريات... يعلن الحق أنه هو الذي خلقهـا من العدم و وزع لبناتهـا فى الكون بكل الدقة والانتظام فجاء بنيانها شديداً متراصاً بانتظام لا يتغير و لا يتبدل... بناهـا.نظريات العلمية فإن هذا الكون قد ابتدأ محدوداً للغـاية ثم جاءت إرادة خالق قدير وضعت لبناته الأساسية بهذا الأمر البين... بناهـا ... ثم أخذ هذا البنيان يتمدد ويتوسع ليملأ هذا الامتداد اللانهائي... وتسمى هذه النظرية بتمدد الكون... ولا تجد هذه النظرية العلمية مفراً من الاعتراف أن هذا التمدد تم بيد وإرادة خالق واحد لأنه جاء موحداً بنفس اللبنات و القوانين والذرات والعناصر والمركبات.. خامات واحدة نشأت منهـا جميع النجوم... مجرات متشابهة وحارات متكررة وقوانين ثابتة ونماذج مقلدة... وهكذا صاغ الله هذه الحقيقة بوضوح كامل و دقة فائقة... جاءت بقول الحق... رفع سمكهـا... أي أن الله هو الذي زاد ومد ورفع سمك هذه السماء أو عرضهـا بقدرته و حكمته و أمره... وعلى قدر علومنا فإن هذا الامتداد قد جاء من توسع المدارات والمجرات والحارات فى هذا الكون الفسيح... وكي يحتفظ هذا التمدد الكوني بثباته واستقراره، فلابد أن تتزن وتتساوى قوى الجذب والتنافر أو الطرد والشد بين مكوناته من نجوم وكواكب ومجموعات ومجرات وأبراج، كي تصير حركة الأفلاك فى السماء إلى ما صارت إليه من انتظام دون إخلال... ومن ينظر إلى الحسابات الفلكية التي تقوم بهـا الشهور والفصول والمدارات، فيجد أنهـا جميعاً تعتمد على استقرار و ثبات هذه الأفلاك ، لا بد وأن يشعر أن هناك ميزاناً إلهيـاً قد ساوى بين هذه القوى وأحكم إخضاعهـا للقوانين التي سنهـا فاستوت على ما حدد لهـا من أفلاك والتزمت على ما يسر لهـا من مسارات وما هديت إليه من مجريات ... فصار للسمـاء هذا الكمال و الاتزان... فسواهـا.اء القرآن بما يقر ما ذهبت إليه فطرتنا وعلومنا واعترافنا بوجود هذا الميزان الإلهي فى كل أرجـاء هذه السماء بهذا القول الفصل.. فسواهـا ... نعم، لم يحفظ لسمائنا هذا الاستقرار والكمال بالرغم من اتساعها و امتدادها إلا أن الخالق غمرها برحمته و حكمته و قدرته... .. فسواهـا... فسواهـا.يحفظ لسمائنا هذه الأمن فى أرجـائهـا والاستواء فى أركانهـا بالرغم من لانهائيتها إلا أن الله غمرهـا بعدله وسننه ولطفه... فسواهـا ... و الآن... ءأنتم أشد خلقـا ؟
ننتقل الآن إلى ما اكتشفه العلم الحديث من حقيقة هذه النجوم الصغيرة التي نراها مساءً في السماوات الصافية، حيث تبين أنهـا شموس يصل حجم البعض منهـا إلى ملايين المرات ضعف حجم شمسنا التي تنير كل بقعة فى أرضنـا أوقات سطوعهـا عليهـا منذ ساعات الضحى إلى ساعات الغروب... لو تخيلنا اقتراب أي نجم من هذه النجوم العملاقة من أرضناًَ ، لمـا نعمنـا بليل نسكن فيه و راحة ننعم بهـا عندما يرخى الليل بسدوله ... و لو اقتربت أي من هذه النجوم منا لاحترقت الأرض بقمرهـا بل بشمسهـا المحدودة فى حجمهـا و شكلهـا... إن الأبعـاد التي تبعد بهـا أقرب هذه النجوم عن أرضنا و عن شمسنا تقدر بملايين السنين الضوئية... و السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعهـا الضوء فى سنة كاملة بسرعته التي تبلغ 33.000 كم فى الثانية الواحدة ... أي أن أقرب هذه النجوم إلينـا قد بعثت إلينا بأشعتهـا وضوئـهـا منذ عدة ملايين من هذه السنين لبعدهـا عنا هذه المسافات، لهذا لا نشعر بطغيان هذا الضوء والإشعاع على هدوء و استقرار وظلام ليلنـا، و لا تشارك شمسنـا فى الدفء القاصر عليهـا والذي تبعثه إلينا فى ساعات سطوعهـا.... من الذي أبعد عن الأرض التي نحيا عليهـا هذه البلايين من النجوم العملاقة فى السماء كل هذه المسافات و الأبعاد حتى لا تبدد ظلمة ليلنــا... من يكون سوى خالق واحد أراد لهذه الأرض الحياة و الوجود و الاستقرار فى ليل تنعم به بالهدوء و السكينة... لقد أعلن الخالق عن هذا الفضـل كما عبرت عنه الآية التالية حيث يقول الحق بكلمات محددة تصف بكل الدقة فضل رب العالمين... أغطش ليلهـا... أي أظلم ليلهـا وغطى وأغطش كل ما يمكن أن يبدد هذه الظلمة... كما نضع الستائر فوق النوافذ لتحول وصول الضوء إلى أعيننا... كذلك أبعد الله عن الأرض النجوم الأخرى لتحول وصول ضوئهـا الكاسح إلينا وكي لا تبدد ظلمة ليلنـا، و حتى تكون لنا سماءً خاصة بنـا ننعم فيهـا بسكوننا و هدوءنا و نومنا.
هكذا بقدرة الله وحكمته وعظمته و لطفه ومحبته ومودته أبعد عنا هذه النجوم أو الشموس الأخرى بأشعتهـا و ضيائهـا و لم يبقى لنـا غير شمسا أو منبعا واحدا للدفء والطاقة والضياء... مصدر واحد أخرجه الله من هذه البلايين من الشموس التي أبعدهـا... أخرجه و أوجده لنا الخالق كي ننعم بالضياء ساعات الضحى... منبع واحد لا يبعد عن أرضنا سوى دقائق ضوئية معدودة وليست ملايين من السنوات الضوئية كتلك النجوم التي أغطش الخالق عنا لهيبهـا وأقصاهـا عنا برحمته... منبع واحد محدود يحترق من أجلنـا ويتحول جزء من كتلته إلى طاقة تبعث دفء و ضياء ينير الأرض... إن التفاعل الذي يحدث فى الشمس كي تخرج منهـا الطاقة المطلوبة للأرض يسمى بالاندماج النووي، حيث تندمج ذرتي الهيدروجين، و هو الغاز الذي يمثل كتلة الشمس، و تتحولا إلى ذرة جديدة بكتلة تقل عن الكتلة الأصلية لذريتي الهيدروجين، و يحترق هذا الفرق فى الكتلة أو يتحول إلى طاقة تخرجهـا الشمس بقدر محدد لو زاد لاحترقت الأرض و لو نقص لتجمدت الأرض، إن هذا النوع من الاندماج النووي الذي يحدث فى الشمس وتحترق أثناءه ملايين الأطنان فى كل لحظة، يعجز البشر حتى يومنا هذا عن محاكاته و لو لدمج أقل عدد من الجرامات من الهيدروجين، حيث أن كم الانفجار الذي يحدث عند تحويل هذه الجرامات إلى طاقة، أضخم من أن يسيطر عليهـا البشر فى أي مفاعل مهما بلغ تقدمهم العلمي، و كل ما تمكنوا منه هو استخدام هذه الطاقة فى التدمير عند إلقـاء قنبلة هيدروجينية... و الآن من الذي اختار للأرض وأخرج لهـا هذا النجم دون سائر النجوم الأخرى و سيطر على تفاعلاته و تحكم فى درجات حرارته و مقدراته حتى يخرج لنـا منه ما يضحى به من أجل بقاء الأرض بهذا الثبات أو المعدلات الثابتة التي تحتاجهـا من هذا الاحتراق و التي لا تتغير و لا تتبدل... شمس يتوافق ما تبعثه لنا من طاقة مع ما تحتاجه الأرض وأهلهـا و زرعهـا و بحارهـا و سهولهـا.. بل تتوافق أطوال موجات ما تبعثه لنـا مع قدرة عيوننا على رؤية ضحاهـا و نورهـا فنرى بهذا الضياء ما يبدد ظلمة الكون الذي يغلف سماءنا فى ساعات النهار... فبدونهـا لن ترى الأرض نورا فى نهـارهـا أو دفء فى جوهـا.... لقد رأى العلمـاء أن بقاء استقرار الأرض و حياتهـا التي تقدر بملايين السنوات ما كانت لتستمر لو أن لنـا شمسا تختلف عن شمسنا هذه فى الحجم أو الكتلة أو المعدلات أو الأبعاد... فهناك نجوم أكبر من الشمس تنهـار بمعدل أسرع من الشمس و كذلك أقل فتتمدد بدون حدود... و درجة الحرارة فى باطن الشمس تصل إلى 16 مليون درجة مئوية، و لو زادت هذه الدرجة بمليون أخرى لتضاعفت كمية الطاقة الصادرة منهـا أربعة مرات و هذا يكفى لأن يحرق الأرض
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/7/sun.jpg درجة الحرارة فى باطن الشمس تصل إلى 16 مليون درجة مئوية، و لو زادت هذه الدرجة بمليون أخرى لتضاعفت كمية الطاقة الصادرة منهـا أربعة مرات و هذا يكفى لأن يحرق الأرض
أيضا أربعة مرات.. و العكس صحيح إذا قلت هذه الدرجة... إن نصيب أرضنـا من هذه الطاقة التي تخرج من الشمس كل لحظة لا يعادل أكثر من 1 على عشرة أمامهـا عشرة أصفار على الأقل.. و بالرغم من هذا فإن تأثرهـا بهذه المعدلات يفوق كل خيال... من وراء هذا الانضباط و التحكم و الحكمة و العلم و الإيداع... إن الخالق يضع أمامنا أسرار هذا الكون العظيم فى خياراته و أقداره و مقدراته بعلم إلهي و كلمات بالغة الكمال و الجمال، حكمة لا يستطيع أن يصل إلى أعماقها إلا هو... فهو وحده الذي يعلم تأويلهـا الحق... و لكن عندمـا تحتـار العقول و تتيه الأبصـار تجد الرد كاملا فى خاتم كتبه.. نص نقصر عن أن نلم بمحتواه ولكنه يضع الرد على ما يجيش فى رؤوسنـا وقلوبنـا... فيقول الحق أنه هو الذي... أخرج ضحاهـا... و هذا استكمالا للشطر الأول من الآية الذي يذكر فيه أنه هو الذي ... أغطش ليلهـا... و الآن ألا يستطيع الخالق الذي يخرج من الشمس هذا القدر الهائل من الطاقة ليغمر سمائنا بهذا الضياء أن يخرجنـا و يعيد نشأة البشر من الأرض... هل يستطيع المنكرون أن يجدوا ردا على هذا الاستفسار... ءأنتم أشد خلقـا ؟؟؟ أم السماء و خلقهـا و ما فيهـا
ثم تسترسل الآيات فى تسلسل منطقي و منهج رباني لتسرد علينا الكثير من أسرار هذا الكون و مراحل خلقه... فبعد أن خلق الله لبنات السماء وبناهـا ثم قدر لهـا هذا التمدد والتوسع... ثم أنعم على الأرض بشمس واحدة تضحى بما يخرجه الحق منهـا و أبعد عنهـا باقي الشموس التي يمكن أن تعكر ظلمة ليلهـا...تأتى الآيات إلى خلق الأرض نفسهـا... و لا أتطاول و ادعى أن العلم هو الذي أثبت أن هذه هي مراحل الخلق، فالقرآن هو المرجع الحق و كل ما عداه يجب أن يستشهد به... و لكن النظريات العلمية وجدت حقا أن السموات أقدم من الأرض و أن شمسنا نجم حديث السن بالنسبة لباقي النجوم التي نراهـا فى السماء... و أن خلق أرضنـا جاء بعد خلق الشمس كما توحي به تسلسل هذه الآيات ... حيث وجد العلماء أن أرضنـا هي كوكب انفصل عن الشمس و يدور حولهـا وحول نفسه وقد تجمدت قشرتهـا الخارجية بفعل برودة الكون... و لكي نقرب من خيالنا الأبعاد التي تفصل بين الأرض و الشمس فى دورانهـا حول الشمس.. فلو مثلنـا الشمس بكرة كبيرة قطرهـا مترا، فإن الأرض سوف تكون كرة صغيرة أو كما نسميهـا بعاميتنا بلية صغيرة لا يزيد قطرهـا عن 0.9 سم أو 9 مم ... و تدور هذه الكرة الصغيرة حول الشمس فى دائرة نصف قطرهـا 120 مترا كل 365.25 يوما و تدور حول نفسهـا كل 24 ساعة ... لو تخيلنـا أي خلل فى الأبعاد أو الأزمنة لانتهت الحياة على الأرض... فلو أن هذه المسافة بين الأرض و الشمس زادت أو قلت بأقل النسب... فستزداد قدر الطاقة الساقطة من الشمس على الأرض أو تقل... و لتبخرت المياه كلهـا من الأرض أو تجمدت، و لتوقفت مناحي الحياة عليهـا... و كذلك دورة الأرض حول نفسهـا 24 ساعة لا تزيد و لا تنقص بأقل القليل على مدى الأيام و الفصول و السنوات و القرون، بالرغم من أن هذه الكرة الأرضية منبعجة و غير منتظمة الشكل... و لو حدثت أي زيادة أو نقصـان فى ساعات الليل و النهـار و بأقل النسب لاحترقت الأرض أيضا أو تجمدت.. و كذلك دورة الأرض حول االاستقرار، تستغرق كما ذكرنا 365.25 يوما بكل الانضباط و الاستقرار، و فى دورانهـا يميل محور دورانهـا حول نفسهـا بالنسبة لمستوى دورانهـا حول الشمس بزاوية قدرهـا 23.5 درجة لا تزيد أو تقل، و لو اختلف زمن دورات الأرض أو زواياهـا لاختلت فصول السنة و المناخ و خريطة الرياح و السحاب و لاضطربت كل مناحي الحياة على
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/solar_2.jpg وجد العلماء أن أرضنـا هي كوكب انفصل عن الشمس و يدور حولهـا وحول نفسه
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــع
القلب الحزين
10-12-2013, 08:20 PM
يتبـــــع الموضوع السابق
تأملات إيمانية فى سورة النازعات
الأرض... ما زال العلم يقف عاجزا عن تحليل أسباب و مقومات ثبات كل هذه الأبعاد و الأزمنة و الزوايا الدورات... فالطبيعة لا يمكن أن تكون لديهـا كل هذه الدقة و القدرة و العلم و الحكمة و الحسابات و التقديرات و الإبداع و الكمال و الجمال فى ضبط ساعات اليوم و الفصول و السنوات... و حتى لا تتيه عقولنا نرى الخالق يخاطبنا بالقول الفصل أنه هو بحكمته و قدرته وراء كل هذا... فتأتى الآية التالية بكل هذه المعاني فى نص معجز، حيث يقول الحق.. و الأرض بعد ذلك دحـاهـا.. إن كلمة دحـاهـا التي احتواهـا هذا النص القرآني أو احتوتهـا هذه الآية تقدم الرد الكامل على ما سبق بل تقدم أيضا رسالة كاملة عمـا اكتشفته علومنا الحديثة فى خلق الأرض... فقد اعتقد العلماء فى الماضي أن الأرض كروية و لهذا سميت بالكرة الأرضية... ثم تبين للعلمـاء قصور نظرتهم و نظرياتهم عندما تمكنوا من قياس قطري الأرض عند خط الاستواء و عند القطبين و وجدوا اختلافهما البين... لهذا أعلنوا أن الأرض بيضاوية الشكل و ليست كروية... و هكذا تنص الآية الكريمة فى كلمة دحاهـا... أي صورهـا على شكل دحيـة أو بيضة... كما وجدوا أن هذه الكلمة كما عبرت عن شكل الأرض، فإنهـا تعبر أيضـا عن حركة الأرض فى دحوهـا حول نفسهـا و حول الشمس، كي يتعاقب الليل و النهـار و تتعاقب فصول السنة... حيث تبدو الأرض لمن يراهـا من مكان بعيد أن الخالق قد دفعهـا فى السماء لتدور حول نفسها و فى مسار بيضاوي حول الشمس و جعلهـا فى حركتهـا تتدحرج كما تتدحرج البيضة إذا دحيت على الأرض... أو كمثل حركة الجعران عندما يدحيه أحد فيأخذ فى الدوران حول نفسه و فى دوائر ملتفة حول بعضهـا... فالدحو شكل و حركة و كما أن الدحية فى دحوهـا تراها تدور حول محور غير عمودي على مستوى دورانها.. نجد أيضا أن محور دوران لأرض حول نفسهـا يميل كما ذكرنا حول مستوى دائرة دورانهـا حول الشمس بزاوية ثابتة لا تتبدل و لا تتغير كي تتعاقب الفصول فى ثبات و تنتظم حركة الرياح و السحب و الأمطار كما ذكرنا... هكذا ينبأنا الحق أن ما نراه من انتظام الليل و النهـار و انتظام الفصول و انتظام الحرارة و الضياء جاء بالقدرة الإلهية كما تنبأنا هذه الآية.. و الأرض بعد ذلك دحـاهـا... قدرة يمكن رؤيتهـا فى كل لحظة و ساعة و صباح و نهار و مساء و يوم و شهر و فصل و سنة و ضوء و ظلام و سكون و حركة فى هذا الكون البديع... و الآن هل نجد حقا إجابة لهذا الاستفسار... ءأنتم أشد خلقـا ؟؟؟
ثم تتعاقب الآيات فى تسلسل منطقي كي تشير إلى أن قدرة الله التي أخرجت لنـا من الشمس ما تحتاجه الأرض من ضياء و طاقة، أخرجت لنـا من الأرض ما تحتاجه الحياة عليهـا... المـاء و المرعى... فيقول الحق استكمالا للآية السابقة عن الأرض.. أخرج منهـا ماءهـا و مرعاهـا... من كان يدرى أن المـاء لا يأتي من خـارج الأرض و لكن من داخلهـا... لم يكتشف العلم هذه الحقيقة إلا فى عصرنـا الحديث... لقد أودع الخالق فى الأرض مخزونا ثابتا و هائلا من المياه المالحة فى البحار و المحيطات التي تغطى 60 % من سطح الأرض... إن هذه المياه بما تحتويه من نسبة حددهـا الخالق من الأملاح يمكن أن تحتفظ بنضارتهـا و نقاوتهـا مهمـا طالت فترة تخزينهـا دون حركة.. و هذا على عكس المياه العذبة التي تتعطن إذا خزنت دون حركة أياما قليلة... فأملاح مياه البحـار لا تسمح للطفيليات و البكتيريا و الجراثيم أن تعبث بهـا، كما تتحلل بملوحتهـا أي أجسام ميتة فلا تفسد و تتلوث كما يحدث فى مياه الأنهـار... إنهـا حكمة الله فى حفظ هذا المخزون الهائل من المياه المالحة كي تستمر الحياة على الأرض ما شاء الخالق لهـا فى الاستمرار... ثم قدر الله للشمس بأن تبعث من حرارتهـا و أشعتهـا و ضحاهـا ما يكفى لبخر قدر معلوم من هذه المياه المالحة بما يكفى الحياة على الأرض فيتجمع هذا البخار على هيئة سحب من قطرات الماء العذب الذي يسقطه الخالق أينما يشاء و وقتما يشاء على هيئة أمطار تملأ الأنهـار و العيون و الآبار بالماء العذب المطلوب لقدر معلوم من الحياة و الأحياء... هكذا نجد أن الله حفظ لنا معينا لا ينضب و مخزونا لا ينتهي و يتجدد دائما مع طلعة كل شمس كي يخرج لنا منه هذا القدر المطلوب من ماء الحياة... إن انضباط مقادير الطاقة التي تبعثهـا الشمس مع مساحة سطح المياه التي تمتص هذه الطاقة من الشمس مع مقادير الماء التي تحتاجهـا الأرض مع طرق تخزين الماء الذي يخرج منهـا ثم يعود إليهـا بالصورة التي تحتاجهـا الحياة على الأرض لا بد و أن تكون من صنع إله واحد عظيم حكيم عليم قدير بديع السموات و الأرض... خاطبنا بأعظم عبارات و أدق الكلمات وأحكم النصوص عن آياته فى خلقه كي لا يكون لنا حجة يوم القيامة.. هل هناك نصا أبلغ من هذا... أخرج منهـا ماءهـا و مرعاهـا.... أن الخالق هو الذي أعد لهذا الخروج أسبابه ومقوماته... أو هل يتصور أبلهـا أن هناك طبيعة بهذا العقل والرشاد بدون إله واحد أحد وقدرة فائقة خططت و أملحت وخزنت وأخرجت... ثم نستكمل تدبر قول الحق فى الآية الكريمة التي تذكر إخراج المرعى تاليا لإخراج الماء... فالمـاء سبباً فى خروج المرعى أو النبات الذي تحيا عليه أنعامنا و نحيا نحن به و لا حياة على الأرض من دونه... فهو الذي يدخل فى صنع الغذاء الذي به ننمو و نتحرك و نحيا... و إذا تدبرنا كيف أخرج الخالق لنـا المرعى من هذه الأرض فسنجد أنه كما احتفظ لنا بمخزون من الماء احتفظ لنا أيضا فى الأرض بمخزون هائل من العناصر الأولية و من المعادن و الأملاح التي لا تنضب و تتجدد دائما فى دورات محكمة التدبير و الحساب... كي تمد النبات بما يحتاجه لصناعة الغذاء لكل الأحياء على الأرض... كما أن فى طبقة الهواء الذي يحيط بالكرة الأرضية غاز النيتروجين ويمثل أيضا عنصرا رئيسيا فى تكوين غذاء النبات ويصل إلى النبات من خلال مياه الأمطار التي تذيبه بداخلهـا عند سقوطهـا من السمـاء... و تستكمل العناصر التي تشكلمرعاهـا أثناء عملية التمثيل الضوئي كي يعد لنـا النبات الطاقة المطلوبة لحركتنا بما يختزنه من ضحاها أي من طاقة الشمس أثناء هذه العملية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/4/earth.jpg و إذا تدبرنا كيف أخرج الخالق لنـا المرعى من هذه الأرض فسنجد أنه كما احتفظ لنا بمخزون من الماء احتفظ لنا أيضا فى الأرض بمخزون هائل من العناصر الأولية و من المعادن و الأملاح التي لا تنضب
الأساسية لحياة جميع الأحياء على الأرض بما فيهم الإنسان بل و النبات أيضـا... فلن تقوم بالحركة أو بذل أي مجهود بدون مصدر للطاقة، و هذا لمصدر يأتي من الطاقة التي يختزنهـا النبات من الشمس وتحترق داخل أجسام المخلوقات الحية بمساعدة أكسيجين الهواء... هل هناك أبلغ من قول الحق بهذه الكلمات و النصوص البديعة والتي تعبر عن هذه الحكمة البديعة فى هذا الكون البديع و التي لا بد أن تكون صنعت و كتبت بيد خالق هو بديع السموات و الأرض... فكانت آياته المقروءة فى هذا الكون و هذا القرآن أبدع دليل على إبداعه و كمال صنعه و حكمته و قرآنه... و الآن أليس الله الذي أخرج هذه الطاقة من الشمس و أخرج منهـا هذا الماء و المرعى بهذا القدر و الانضباط بقادر على أن يخرج منهـا الإنسان و يعيد بناء هذا المنشأ الآدمي المحدود جدا جدا مرة أخرى... هل نجد ردا آخر على قوله سبحانه و تعالى... ءأنتم أشد خلقـا ؟؟؟
ثم نأتي بعد ذلك إلى الآية التالية فى ترتيب هذه الآيات و أيضا فى ترتيب خلق هذا الكون... بداية من بناء السماء حتى دحي الأرض ثم أودع الخالق فيهـا ما يبقى الحياة على وجههـا حتى تقوم الساعة من ماء و مرعى... تأتى الآية التالية حيث تضع أمام أبصارنا سراً آخر من أسرار هذا الكون الممتد بحكمته... فيقول الحق فى الآية التالية والجبالأرسـاهـا ... إن الجبال أتى خلقهـا الله بهذا الشموخ و الارتفاع لهـا جذورا تمتد فى الأرض بقدر ارتفاعهـا عشرات المرات فتشكل مع الجبال أوتادا تتماسك عندهـا و بهـا القشرة الأرضية المغلفة للأرض عند بعد ثابت عن مركز الأرض... عند هذا البعد الذي أرسى به الخالق هذه الجبال على سطح الكرة الأرضية يتساوى جذب الأرض للقشرة الأرضية التي تحفظ للجبال رسوهـا مع قوة الطرد المركزي المؤثرة عليهـا نتيجة دوران الأرض حول نفسهـا.. فلا تهبط هذه القشرة أو الجبال الراسية عند هذا البعد تحت تأثير جذب الأرض لهـا و لا ترتفع تحت تأثير قوة الطرد المركزي... و لو تخيلنـا أن زاد بعد الجبال عن مركز الكرة الأرضية بمقدار 200 ميل فقط، و هو بعد أقل من 1 % من نصف قطر الكرة الأرضية، لاختل توازن القشرة الأرضية نتيجة طغيان قوة الطرد المركزي على قوة جذب الأرض... و لتغير و تمددت الأرض عاما بعد عام حتى تفنى الحياة من عليهـا... ثم لتغيرت نسبتا غازي الأكسيجين و النيتروجين لاختلاف كثافتيهما و اعتمادهما على قدر جاذبية كل منهما عند هذا الارتفاع... و لاختلفت أيضا ظروف الهواء الذي نحيا عليه من ضغط و درجة حرارة بما لا يناسب ضغط الدم الذي يندفع فى عروقنا و فى أجسام كل الأحياء من نبات و حيوان و لاختلفت كذلك درجة الحرارة التي تناسب أجسامنا و أجسام كل المخلوقات الحية على الأرض... ثم لاختلفت قدرة جذب الأرض لمـا عليهـا من مخلوقات و مياه و سحب و أنهـار... فما استطعنا أن نسير بأنفسنا و دوابنا و عرباتنا بهذا القدر من الحرية و الانطلاق، حيث ستكون حركتنا فى قفزات كمثل حركة رواد الفضاء فوق القمر... و ستتطاير المياه من البحـار و تدور فى حلقات حول الأرض كما تدور المياه فى حلقات فوق بعض الكواكب الأقل جذبا... ستكون حياة بلا سيطرة أو تحكم فى شيء بل بلا حياة أصلا لفقد كل المقومات المناسبة للحياة ... و كي لا أطيل و أكرر ما سيحدث لو هبطت الجبال عن هذا البعد بنفس النسبة السابقة، ما ذا سيحدث فى الأرض.. و لكن القارئ يتفق معي أن هذه الآية الكريمة التي ينبأنا فيهـا الخالق إن إرسـاء الجبال عند هذا البعد و عند هذا السطح جاء بحكمته و قدرته و تقديره و لطفه كي يتوافق هذا الرسو بهذه الأوتاد مع كل المخلوقات التي أراد الله لهـا أن تستمتع بنعمة الحياة عليهـا و التي تتناسب مع أجسادهـا و ضغوطها و حرارتهـا و خلقهـا... و جاءت كلمة رسو الجبال على الأبعاد الآمنة لتقوم الحياة الآمنة على سطح الأرض مرادفا لرسو السفن على الشواطئ الآمنة كي ينعم الراسين بنعمة الأمن و الأمان على هذه الشواطئ...
ثم تأتى الآية الأخيرة فى سلسلة الآيات التي نقف أمامهـا لينبأنا الخالق أنه سبحانه و تعالى أعد بناء هذا السماء التي أغطش ليلهـا و أخرج ضحاهـا ثم أعد هذه الأرض التي أحكم خلقهـا و حركتهـا و أودع فيهـا أرزاقهـا من ماء و مرعى، ثم أرسى الحياة عليـها بكل عظمة و اقتدار بأدق الموازين و أحكم المقاييس، كل هذا جاء نعمة و فضلا للإنسان كي ينعم بنعمة الحياة هو و من يساعده من النعم الأخرى أو الأنعام على الأرض بحياة مستقرة و مستدامة و كريمة... أي فضل هذا و أي عظمة و أي كرم هذا من إله كريم ذو فضل عظيم.. عبرت عن فضله هذه الآية الكريمة بهذه الكلمات العظيمة.. متاعا لكم و لأنعامكم... أي أن كل هذا التوافق و الانسجام الذي انضبطت به أبعاد السماء و الشمس و الأرض و حركاتهم و نبضاتهم مع نبضات الإنسان و أبعاده و حركاته و متطلباته من طاقة و ماء و غذاء و هواء و جاذبية و ضغط و درجة حرارة و نوم و يقظة و نشاط و استقرار و ثبات و نعم أو أنعام لا تحصى جاء بتدبير رب كل شيء متاعا لنا... هل يتأتى هذا إلا من خالق واحد كريم يملك بين يديه مقادير و أقدار كل شيء... هل هناك من يدعى أن الله القادر على كل هذا الخلق و التدبير لا يقدر أن يعيد خلق هذا الجسد الضئيل و ينشأه مرة أخرى... أو هل هناك من يدعى القدرة على صياغة كل ما احتوت عليه هذه الآيات من أسرار و علوم لم نستطع فى هذه السطور المعدودة أن نحيط سوى بالقدر اليسير منها بما تعيه علوم غير متخصص فى كل أوجه الإعجاز التي احتوت عليهـا هذه الآيات.. إعجاز بلاغي و أدبي و موسيقى... إعجاز فى بساطتهـا و دقتهـا و ترتيبهـا و احتوائهـا و كلماتها و حروفهـا بما لا و لن يأتيه الباطل من بعيد أو قريب... سوالآن.عصرنا هذا الذي ندعى أنه عصر العلم أو حتى تقوم الساعة... و الآن .. فبأي حديث بعده يؤمنون... صدق الله العظيم
يمكن المراسلة على البريد التالي:
[email protected] (
[email protected])
القلب الحزين
10-12-2013, 08:22 PM
تأملات في سورة الأنبياء
د. ســلامه عبد الهادي
أستاذ في علوم إدارة الطاقة وعميد سابق للمعهد العالي للطاقة بأسوان
قال الله تعالى:(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)[سورة الأنبياء:30].
القرآن الكريم نور يهدى إلى الله و إلى طريقه... و لكل آية من آيـات القرآن إشعـاع خـاص بها ... منه مـا يهدي إلى صـراط الله المستقيم و سعـادة الدارين و الاطمئنـان بهمـا..
و منـه مـا يلقي على آيــات الله فى الكون فـيـتـعمق فى أسـرارهـا بحكمة خـالقهـا، يعي منهـا المتدبر بحسـب علمه و تخـصـصـه، ليهتدي بهـا إلى عظمـة الخـالق الذي وسع كل شيء رحمـة و علمـا... وعندمـا يعجز العلم عن الوصول إلى تفسير كيف بدأ الخلق و من هو القائم عليه حتى يستمر ويسير بهذا النظام الثابت والواحد فى كل شيء و كيف ينتهي... نجد فى آيـات القرآن الرد التـام و الكـامل و التي هي بمثابة إعلان من الله أنه هو الخالق و الحي القيوم والقائم على كل هذا... ودليل و برهان على حقائق مطلقة يدركها العربي و الأعجمي تنتهي إلى الإيمان بعظمة الله و قدرته... يأتي هذا البرهان بالقول الذي يعجز عن أن يأتي بمثله من فى الأرض جميعـا و لو اجتمعوا له... وما نتطرق إليه فى هذا المقال وجه واحد من أوجه الإعجاز فى هذه الآيات... و هو الإعجاز الذي يراه مهندس تطبيقي... ولكن هناك الإعجاز الأدبي والبلاغي و الجمالي والتضافرى والتركيبي والعلمي وأوجه أخرى يراهـا كل إنسان بحسب معارفه وتخصصه فى كل آية و كلمة و حرف من هذه الآيات... دليلا على صدق هذه الرسالة... خاتمة رسالات الله إلى خلقه و التي تتناسب مع هذا العصر و علومه.
و لنـنظر إلى آيات نـقرأهـا فى القرآن الكريم أو نراهـا فى هذا الكون البديع و نختص فى هذا المقال بآيات جاءت متعاقبة فى سورة الأنبياء حيث يقول الحق :
(أو لم ير الذين كفـروا أن السماوات والأرض كـانتـا رتقـا فـفـتقـنـاهمـا و جـعلنـا من المـاء كل شيء حي أفلا يـؤمنـون، وجعلنـا فى الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنـا فيهـا فـجـاجـا سبـلا لعلهم يهتدون، وجعلنـا السمـاء سـقفـا محفـوظـا وهم عن آيــاتهـا معرضون وهو الذي جعل الليل و النهار والشمس والقمر كل فى فلك يسبحون) الأنبيـاء (30 ـ 33 ).
ثم ننظر لمتابعة نفس الموضوع إلى آيـة جـاءت فى نهـاية نـفس السورة لتعـبر عمـا يحدث للسماء فى يـوم القـيـامة حيث يقول الحق(يوم نطوى السماء كطي السجل للكتب، كما بدأنا أول خلق نعيده، وعدا عليـنا، إنـا كنـا فـاعلين)[سورة الأنبياء:104].
تخـاطب هذه الآيـات الكـافـرون بوحدانية الله وقدرته فى كل زمـان، فتعرض عليهم بأقوى الأسـانيد العلمية و الأدلة المـرئية مـا يـؤيد دعوته إلى كل الأنبياء و إلى خـاتم المرسلين أنه لا إله إلا الله... أو لمالآيــات بقول الحق... أو لم يـر ... دليلا على أن من له الرؤية السليمـة سـوف يصل إلى هذه الحقـائق.
و قد أقـر جمهور علمـاء الطبيعـة أن خلق هذا الكـون جـاء من مـادة واحدة ملأت الكون فى بدايته... وأن هذه المـادة المنتـشرة التي ملأت الكون فى بـداية خلقـه جـاءت جميعهـا من أصل واحــد ومن نبت واحد بحيث تـشابهـت في كل أركـان هذا الكون.. فقد رأوا نفس الذرات والعنـاصـر والمركبات فى كل أركان الأرض بل وعلى سطح القمـر وفى المريخ والشمـس والكواكب الأخرى..و فى النجوم و المجـرات جميعهـا.. فالمعـادن التي على الأرض هي نفس المعـادن التي وجدتهـا مركبات الفضـاء فوق سطح القمـر والمـريخ... والغـازات التي تكون الشمس وتحيط بهـا هي نفـس الغـازات التي نجدهـا فى معـاملنـا على الأرض.. وجميع الكواكب تخضع فى حركتهـا إلى نفس القوانين التي تخضع لهـا الأرض.. وجميع النجوم تخضع فى تفـاعلاتهـا إلى نفس القوانين التي تخضع لهـا الشمس ولهـا نفس مكونـاتهـا.. لهذا وضع العلمـاء نـظريـاتهم عن بداية هذا الكون أن المـادة التي جـاء منهـا خلق الكون كـانت جميعهـا مجتمعـة فى حـالة إنضغـاط لإنهائي قبل ولادة الكون...ثم وقع على قدر تخيلهم حدث بدأ و انتهى فى لحظة واحدة و نشأ عنه انـتـشار هذه المادة فى الكون كله و أسموا هذا الحدث " الانفجـار الكبير "... ثم تحولت مـادة الكون بعـد هذا الانفجـار إلى إشـعـاع مـلأ الكون كله... ثم تحول الإشعاع بفعل بـرودة الكون إلى ذرات تمـاثلت جميعهـا فى تكوينهـا و أشكـالهـا... ثم تجمعت الذرات فى نظـام واحد إلى نـجـوم ثم كواكب تـابعة للنجوم... وتجمعت النجوم فى مجـرات و حـارات.. أي تشـابهت النجوم و الكواكب والمجـرات منذ بداية الكون و اتزنت وانتظمت بجميع مكونـاتهـا على حد قولهم بفعل انفجـار كبير لم يستغرق سـوى لحظـة واحدة.
لقد أصـابت النظـرية فى أن مــادة الكون كما رآها هؤلاء نشأت جميعهـا من أصـل واحد ومن مـصـدر واحــد لأن نـسيج الكون كـله متـشـابه فى كـل شيء... ولكن إنكـار يـد الخـالق الذي دبــر أن يأتي هذا الكون من منشـأ واحد ثم إرجـاع هذه النـشـأة إلى انفجـار كبـير جاء فى لحظة وحدة يمثل تعـامي عن الحـقـائق... فمـا ينـشـأ عن انفجـار كبير هو الدمـار و ليس عمـارة الكون بهذا النظـام الكامل والوحدة الرائـعــة... هو الفوضى وليس اتـزان النجوم فى مجراتهـا والكواكب فى أفـلاكهـا منذ اللحظة الأولى... هو الاختلاف و ليس تـشـابه الكون فى كل أركـانه و أنحـائه
كيف يكون هذا الكمـال والاتزان والتمـاثل نتيجة لانفجار عشوائي... ثم مـا الذي أحدث انفجـار هذه المـادة وفى هذا الوقت القصير بحيث تملأ مـادته الكون كله على اتـســاعه بهذه الدقة المتنـاهية و التماثل التام فينـشـأ عنه كـون متسع يـتسم بالكمـال والجمـال و الوحدة و الاتـزان منذ لحظـته الأولى... إن العلم المجرد من الإيمان يقف عـاجزا عن الرد عن هذه الاستفسارات... و لا يستطيع أحدا أن يملك الرد على كل هذه الاستفـسـارات سوى خـالق هذا الكون الذي أنـشأه و شــهد نـشــأتـه... خـالق لم يرضى أن يترك النـاس فى حـيرة و شـك عندمـا يدركون مـا فى هذا الكون من تمـاثل أو تشابه جاء منذ بدايته دون أن يجدوا لهذا تفسـيراً.... فـأرسل كتـاباً يهدى به إلى الحق و الحقيقة وإلى صـراط الله المـستقيم... فجـاءت هذه الآية بالرد الحق على كل مـا رآه العلمـاء وحاولوا أن يـجدوا له سبـبـاً...( أو لم يـر الذين كفـروا أن السماوات و الأرض كـانتـا رتقـاً ففـتقـنـاهمـا )... أي أن وراء هذا الكمـال والوحدة والاتـزان حالقا قديراً.. جعل ولادة هذا الكون من نسيج واحد أو رتق واحد، ثم فصل أو فتق هذا الرتق الذي كان يجمع السماوات والأرض فى حيز محدود من نسيج واحد إلى خيوط تـشابهت جميعهـا فى أشكـالهـا و خـامـاتها... فجـاء هذا الفتق بحكمته و علمه إلى هذه الأفلاك والأجسام والنجوم والكواكب والمجرات والحارات التي تشابهت جميعا فى تكوينها وقوانينهـا وطاعتهـا و خاماتها و نسيجها وذراتها و عناصرها وتسبيحها... لهذا جـاء التوحيد والتمـاثل والاتزان والإبداع فى كل أرجـاء الكون.. ... هكذا جـاءت كلمتـا( الرتق و الفتق ) بكل المعاني التي عبرت عن كل مـا وجده و حـار فى تفسيره العلمـاء و ليرد على من ينكروا أن وراء نظم هذا الكون وانتظامه بالمنطق والتفسير و العلم والحكمة خـالق قدير وعظيم... و هل يـتأتى إحكام هاتان الكلمتـان لأحد سوى خـالق السماوات و الأرض... خـالق الرتق و محدث الفتق....إنهـا حكمة لا تتأتى لأحــد غيره.. وهذا هو الرد المعجز على كل من ينكر فضله وآياته فى عمـارة هذا الكون و فى كتابه.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/8/finalbigbang4a.jpg
لقد كان الكون عبارة عن كتلة واحدة مجتمعة وحدث انفجار هائل لا يمكن تصوره كان على أثره خلق الكواكب والحيوانات والإنسان وهذا نفس الكلام الذي حدثنا عنه الله في قرآنه قبل أكثر من 1400 سنة
ثم تأتى الآية التـالية بدليل آخــر أمـام الكـافرين بوحدانية خـالق هذا الكون و الحياة، فكمـا خلق الله الكون من نسيج واحد جـاء فتقه و نشره بقدرته فصـار لهذا الكون اتسـاعه و إبداعه، جعل من الماء كل شيء حي فيقول الحق وجعلنـا من المـاء كل شيء حي.. من ينظر إلى هذه النجوم العملاقة يجد أنهـا جـاءت من أحد عنصري المــاء و هو الهيدروجين ثم نجد نتيجة مـا يحدث فى هذه النجوم من تفاعلات أثنـاء حياة النجم أو عند انقباضه يتحول النجم إلى مجموعة من العناصر الأخرى التي لهـا ذرات عمـلاقة...
هناك من يدعى أن بعض هذه الذرات العملاقة قد كونت بالصدفة الأحمـاض النووية والأمينية العملاقة ثم اشتركت هذه الأحمـاض بالصدفة أيضـا فى تكوين أول خلية جـاءت إلى الأرض، ثم دبت بهذه الصدفة الحياة فى تلك الخلية دون أن يعرفوا مــادة الحياة أو يقولوا مـا هي عناصر الحياة التي دبت فى الخلية بحيث ينشأ منهـا كل هذا الخلق، إن العقل البشرى يوقن أن مـا يحويه عنصري المـاء ( ذرتي الهيدروجين و الأكسيجين ) من إلكترونات و بروتونات و نيوترونات وجسيمات نووية و ذرية أخرى لا نعلم منهـا إلا القليل يمكن أن يتراص ويأتلف ليكون كل العنـاصر التي تراصت وترتبت لتكوين تلك الأحمـاض الامينية و النووية... و لكن هذا الترتيب والتنسيق لهذه المكونات والذرات لا يمكن أن يتأتى إلا بـإعجـاز خالق مبدع... فالأحمـاض النووية وهي تشكل وحدة بنـاء نواة الخلية التي تتمركز بداخل الخلية وتراقب عملهـا، لها عدد من الذرات الداخلة فى تركيبهـا يصل إلى ملايين الذرات بترتيـبـات محددة، ونواة الخلية التي لها هذا التركيب هي المسئولة عن متابعة قيام الخلية بوظـائفهـا وانقسامها وتعاملهـا مع المحيط الخارجي وتعاونهـا مع باقي الخلايـا المحيطة بهـا فى الجسم البشرى أو جسم أي كائن حي... وجميع الخلايا الحية على الأرض سواء كانت نباتية أو حيوانية تتمـاثل جميعهـا فى هذا الترتيب، و لو اختل هذا الترتيب بأي درجة مهمـا كانت ضآلتهـا لانهـار بناء الخلية و لمـا كانت لهـا القدرة على القيام بوظـائفهـا المتعددة... إذا كيف تقوم الصدفة بهذا الترتيب المعجز لهذه الذرات و بهذا النظام المبهر لجزيئاتها العملاقة لكي تؤدى كل هذه الوظائف... إن هذا التفسير الذي افترضه العلماء لإنكار يد الخـالق لوحد االذى دبر هذا التركيبي الثابت شيء بعيد عن كل عقل و كل منطق... و كذلك الأحماض الامينيه التي تشكل جسم الخلية وهي المسئولة عن تنفيذ مـا تحدده لهـا النواة من مهــام و القيام به على أتم وجه.... وللأحمـاض الامينية أيضا جزيئـات عملاقة تتكون من ملايين الذرات التي لهـا ترتيب خـاص و مبهـر و لو اختلفت فى ترتيب أي منهـا مـا كان لها أن تؤدى مـا لهـا من مهـام...وكل الخلايا الحية قد جـاءت بهذا التركيب ومن هذه الأحمـاض وكلهـا جميعـاً جـاءت من نفس مكونات المـاء كمـا أثبتت علومنـا... و لكن حكمة الخـالق جعلت كل خلية تختلف عمـا تؤديه أي خلية أخرى بحسب موقعهـا فى نبات أو حيوان أو حشرة أو طير أو فى أمعـاء أو فى سـاق وبحسب ما تختزنه نواتهـا من أسرار... ويطلق العلماء على مادة الخلية الحية اسم البروتوبلازم... و عنصري المـاء والماء نفسه هو المكون الرئيسي لهذه المادة كما جاء فى هذه الآية بهذا النص المعجز... فـإذا جف المـاء فى الخلية توقفت حياة هذه الخلية.
و إذا نظرنـا إلي الحب الذي يلقى فى الأرض بدون المـاء فلن تكتب له الحـياة أو الحركة، فـإذا ارتوت الأرض فإن هذه الحبوب تعود و تدب فيهـا الحياة والنمـاء والحركة والاخضرار بما تحصل عليه من المـاء، فنـجدهـا بهذا المـاء قادرة على أن تذيب ما فى الأرض من عنـاصر وأملاح فتمتص من الأرض مـا تمتصه لتكون به أحمـاضـا نووية و أمينية ينشأ بهـا خـلايـا أخرى، و تستمر الخلايـا فى التكاثر ويستمر النبات فى النمو و النمـاء... مـا هو سـر هذا المـاء الذي لا تستقيم الحياة يدونه، فمن هذا المـاء جاء خلق كل خلية... وبدون هذا الماء لن تكون للنبات حياة، وبدون النبات لن تكون للإنسان أو الحيوان أو أي شيء آخـر حـياة، و كل المخلوقات تسير على هذه السنة الثابتة.
هكذا تبلغنـا هذه الآية الكريمة أن كل النجوم و الكواكب و المجرات و مـا يملأ الكون من جـاء من نسيج واحد تفتق بأيدي خـالق واحد فكـان هذا التماثل والوحدة، و جـاء خلق كل الأحـياء على الأرض من مـاء واحد وبيد خـالق واحد فكان هذا التماثل و الوحدة، ألا يدل هذا على وحدانية خـالق هذا الرتق وهذا الماء الذي جعلهمـا من أسراره... إن العلم قد وصل إلى وحدة نسيج هذا الكون... ثم عجز عن تفسير سـر هذه الوحدة فلجئوا إلى نظرية الانفجـار الكبير... و لو نظر هؤلاء العلمـاء إلى هذا الإعلان الذي جـاء منذ أربعة عشر قرنـا فى خـاتم رسـالات رب السماوات و الأرض لسلموا من هذا الـخـلط... ثم أن العلم وصل إلى أن المـاء هو مـادة الحياة. و لكن العلمـاء عجزوا عن معرفة كيف يمكن لهذا الجزيء الذي تتكون منه الماء هو من ذريتين صغيرتين أن يتحول إلى هذه الجزيئـات العملاقة التي تتكون منهـا الأحماض الامينية و النووية و البروتوبلازم و مكونات الخلية الحية، ثم كيف تتحول هذه الجمادات إلى شيء حي يتحرك و يتنفس و يتكاثر و يتكامل مع الخلايا الأخرى... لو كانت الصدفة هي المسئولة عن هذه الترتيبات و هذا أبعد شيء عن العقل، فمـا هي مادة الحياة... الرد هو التسليم بقول الحق أنه هو الذي جعل من المـاء مـا وهبه الحياة فأصبح حي...و قد جـاء إعلانه لخلقه عمـا حـاروا فى تفسيره بهذا النص المعجـز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه... ... إنهـا قدرة الخـالق على كل شيء و إعجـازه فى كل شيء.. فمـا للكـافرين لا يؤمنون... و لهذه جـاء قول الحق بعد هذه الإثبـاتات... أفلا يــؤمـنـون.. نحن نؤمن و نسلم بخالقنا.. فـأمامنـا هذا الإعجـاز الذي فتح الله إليه قلوبنـا و أزال من عليهـا هذا الوقر الذي يصيب قلوب و آذان و أبصـار الكافرين... و ندعو الله لهم بالهداية إلى هذا النور الذي أرسله سبحـانه ليكون لنـا نورا يهدى إلى الحق و إلى صراط الله المستقيم.
لقد اختص الخـالق هذه الأرض بـرحمته حتى تحتضن الحياة والأحياء عليهـا، والآيـات التـالية تذكرنـا بهذه الرحمـة الإلهية، و لكي نتعرف على مظــاهر هذه لرحمة لا بد لنـا من إطلالة قصيرة على الكواكب الأخرى فى مجمـوعتنـا الشمسية كي نرى لم عجزت هذه الكواكب عن احتضـان أي نوع من أنواع الحياة عليهـا.
نبدأ بعطــارد، وهو أصغـر كوكب يدور حول الشمس و أقربهـا إليهـا، و كتلته أصغـر من كتلة الأرض و لهذا تقل قدرته على جذب الأشـيـاء إلى أقل من ربع الجـاذبية الأرضية ممـا يفقده القدرة على الاحتفـاظ بغلاف جوى مثل الغلاف الجوى للأرض، يحميه من القصف المباشر للنيازك، و لهذا نجد سطح هذا الكوكب مغطى بالبثور و الفوهات نتيجة الـصدام المباشر مع النيازك، كمـا تلعب مكونـات هذا الكوكب دورا أســاسيا فى سـرعة دورانه حول نفسه حيث أصـابته بالبطء الشديد فيصل اليوم فى عطـارد إلي 60 يومـا من أيـام الأرض، و لهذا ترتفع درجة حرارة سطحه المضيء إلى 400 درجة مئوية... و نتيجة هذا الارتفاع فى درجات الحرارة لا يوجد أثـر للمـاء على هذا الكوكب و كذلك أي أثر لحياة بجيولوجية من أي نوع، و من المشاهد أن هذا الكوكب غير متزن حيث أن سطحه غير مستقر و يهبط بصورة مستمرة مـمـا جعل التجـاعيد تغطى وجهه، و بالتالي فإنـه غير ممهـد لقيـام الحياة عليه بأي صورة.
ثم إذا انتقلنـا إلى كوكب الزهـرة، وهو كوكب من كواكب المجموعة الشمسية و يـساوى الأرض فى الكتلة و الحجم.. ولهذا نجد أن له جـاذبية تعادل جـاذبية الأرض مـمـا مكنته من الاحتفاظ بغـلاف جـوى... و لكننـا نجد أن سماء هذا الكوكب الذي احتفظ بهـا قد امتلأت بغـاز ثاني أكسيد الكربون مع سحب من حـامض الكبريتيك... و غـاز ثاني أكسيد لكربون غـاز ثـقيل و له قدرة عـالية على امتصـاص أشعة الشمس ممـا جعل جو هذا الكوكب جحيمـا لا يطـاق كمـا أن سحبه تسقط أمطـارا حمضية حولت سطح هذا الكوكب إلى كيان هش لا يحتمل السير عليه... ويصل طول اليوم الواحد فى الزهرة إلى 243 من أيـام الأرض نتيجة لاختلاف أبعاده و بعده عن الشمس، مما جعل درجة حرارة الوجه المضيء تصل إلى 450 درجة و الضغط الجوى فيه يصل إلى 90 ضعف الضغط لجوى على الأرض... و هكذا نجد هذا الكوكب بأرضه و سمـائه غير قـادرين على الاحتفاظ بالمـاء و من ثم بأي حياة بيولوجيه على سطحه.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع
القلب الحزين
10-12-2013, 08:24 PM
يتبــــع الموضوع السابق
تأملات في سورة الأنبياء
ثم إذا نظرنـا إلى المريخ و هو أقرب كوكب إلى الأرض، فنجد أنه يدور حول نفسه مرة واحدة كل 24 سـاعة مثل الأرض، و لكن الغلاف الجوى الذي يحيط بالمريخ يتكون أسـاسـا من غـاز ثاني أكسيد الكربون عند ضغط منخفض جدا، و لأن المريخ أبعد عن الشمس من الأرض فنجد أن درجة الحرارة على سطحه تصل إلى الصفر فى أيام الصيف الشديد و تهبط إلى 123 درجة مئوية تحت الصفر فى أيام الشتاء.. و نتيجة لهذا الانخفاض فى درجات الحرارة على سطح المريخ، نجد أن المـاء المتجمع عليه فى حـالة جليد دائم، و لعـل هذا هو السبب فى اختفـاء أي أثـر للحياة على سطح المريخ.
و قد فشلت جميع الرحلات التي ذهبت إلى المريخ أو إلى أي كواكب أخرى من كواكب المجموعة الشمسية فى العثور على أي أثر للحياة على هذه الكواكب، فقد اختص خـالق الأرض بأسباب لم يهبها أو يهيئها سوى للأرض بحيث تكون لديهـا هذه القدرة على احتضان الحياة عليهـا، و هذا مـا تبينه الآيــات التالية، و نبدأ أولا بهذه للآية الكريمة: و جعلنـا فى الأرض رواسي أن تميد بهم فقد أرسى الخـالق فى هذه الأرض الكتلة و المكونات التي تنضبط بها قدرة الأرض على جذب الأشياء فوقهـا فتنضبط عليهـا حركة البشر و جميع المخلوقات فلا تميد بهم و لا تنهـار من تحتهم، و كذلك أدى استقرار القشـرة الأرضية إلى استقرار الغلاف الجوى و ضغطه الثابت و استقرار المـاء فى البحـار و الأنهـار و كذلك استقرت على الأرض حياة البشر، و جعل الخالق بهذه الرواسي مـا يرسى للأرض فلكـا ثـابتا حول الشمس و حول نفسهـا لا تحيد عنهما، بحيث تتزن سـرعـتهـا و بعدهـا عن الشمس فتنضبط عليهـا درجـات الحرارة و اتـزان حرارتهـا المفقودة أثناء الليل مع مـا تكتسبه من حرارة أثناء النهـار، وكذلك جعل للأرض بهذه الرواسي مجالا مغناطيسيا يحدد ميلا لمحور الأرض مع محور دورانها حول الشمس، فكـان للأرض بهذا الميل فصولا محددة كل عـام و مسارات للسحاب و الرياح و خرائط للأمطـار، ممـا أتاح للبشر الحياة المستقرة عليهـا.
إن من يتدبر هذه الكلمـات أن تميد بهم و التي تدل على أن الخـالق قد ضبط كتلة الأرض أو مـا أودعه الخـالق فى الأرض من رواسي بحيث لا تميد بهم فلا تتقلص القشرة الأرضية تحت أقدامهم كمـا يحدث فى عطـارد، و لا يطيرون من فوقهـا كما يحدث على القمر و لا يلتصقون بهـا كمـا يحدث فى المريخ، و تحفظ لهم غلافـا جويـا حاميا بالضغط المناسب، و تحقق لهم درجة الحرارة المناسبة لهم بحيث مكنهم من الحياة عليهـا، وقد تحددت بهذه الرواسي و تكوينهـا الذي لا يعلمـه إلا الله البعد المناسب عن الشمس و الميل المطلوب مع محور الشمس و السرعة المطلوبة حول الشمس و حول نفسهـا فلا يكون للأرض انحرافـات عن المعدلات المطلوبة لحياة الأحياء عليهـا، و مـا ذا يحدث لو لم تكن لهـا هذه الرواسي و مـادت الأرض عن فلكهـا و مسـارهـا حول الشمس بأدنى انحراف فزاد مثلا بعدهـا عن الشمس بأدنى مقدار، ستتجمد المياه والحياة كلهـا على الأرض لأن الطاقة الساقطة عليهـا تتغير بتغير مربع بعدهـا عن الشمـس، ومـاذا يحدث لو اقتربت بـقدر يسير من الشمس لا يتعدى مثلا 1 % من بعدهـا الحالي ، سيصل متوسط درجـات الحرارة على الأرض إلى مـا يزيد عن درجـة غليان المـاء ، أي عن 100 درجة مئوية وهذا الحد كـافيـا لتحول كل مياه البحار و المحيطات والأنهـار إلى بخـار أو سحب و تتوقف الحياة على الأرض ، وسيتغير أطوال الفصول ومقدار أيام لسنة الشمسية ممـا يؤدى إلى هلاك كل مـا نقوم بزراعته و نـتغذى عليه نحن و كل الأحياء ، و مـاذا يحدث أيضـا لو لم تكن فى الأرض رواسي بهذا القدر المحكم فتبـاطأت سرعة الأرض حول نفسهـا فيتكرر لنـا مـا يحدث على كوكب الزهرة ، فتزيد درجة حرارة الوجه المضيء و تفقد البحار ميـاهها على هذا الوجه ، و تتجمد المياه فى البحـار على الوجه المعتم و تتوقف الحياة عليه ، و كذلك يلتصق الأحياء على الأرض كمـا يحدث على هذا الكوكب ، و بنفس هذه التأثيرات لو زادت سرعة دوران الأرض حول محورهـا ، فـينخفض متوسط درجـات الحرارة على الوجهين و نطير من على سطح لأرض كمـا يحدث فى القمـر ، و لا يبقى لنا غلاف جوى مثل عطارد ، هكذا جـاءت حكمة الخـالق و علمـه فى تحديد الرواسي التي يتحدد بهـا كل شيء فترسو حياتنـا و نرسو على هذا الكوكب الذي أعده الخـالق ليحتضننـا عليه بكل الرحمة ، فكانت للأرض هذه الرواسي حتى لا تميد بنـا كما جاء فى قول الحق و جعلنـا فى الأرض رواسي أن تميد بـهم إن الحرف أن جـاء إعلانـا بأن الخـالق أحكم كل شيء فى هذا الكون فدبر رواسي الأرض بهذا التقدير الحكيم و بهذا العلم الدقيق حتى يكون للأرض مـا لهـا من استقرار و رسو دون أي انحراف أو تجـاوز فتكون مرسى لهذا الكائن الذي مهد خالفه كل شيء من أجله .
ثم تستكمل الآية الكريمة فى فضل الله علينـا فى هذه الأرض التي يسرهـا لنـا بقوله سبحانه و جعلنـا فيهــا فجــاجــا سـبلا إن من يذهب إلى القمـر و لا يجد عليه سـوى فوهـات أو على عطـارد فلا يجد عليه سـوى التجـاعيد أو إلى الزهرة فلا يجد إلا تربة هـشة لا يستطيع السير عليهـا، سيستشعر نعمـة الله علينـا فى هذه الفجـاج التي يسرهـا الله لنـا على الأرض كي نحيـا و نسير عليهـا و تيسـر لنـا سـبل الزراعة و التجـارة و الصنـاعة و الترحـال و الانتقال بسهولة و يسـر، فقد امتدت القشرة الأرضية فى تمـاسـك و صـلابة و استواء و امتداد... فاتسعت رقعتهـا للغـابـات و الوديان و الطرق و الأنهـار و البحـار القرى و المدن و كل مـا يبغيه البشر من سبل لحياتهم و متاعهم و رزقهم و أنعامهم و عرباتهم و طـائراتهم ، لقد يسـر الله هذه الفجـاج ليهتدوا إلى سبل الرزق و الحياة و التعارف ثم يهتدون إلى خـالقهم و مانحهم هذه النعم و موفر لهم هذه الأرض بانبسـاطهـا و امتدادهـا و طرقهـا ، و هكذا كان ختام هذه الآية بهذه الكلمـات لعلهم يهتدون... أليس فى هذه السبل و الفجاج هداية إلى معرفة فضل الله علينا و هداية إلى الحياة على الأرض و الانتفاع بخبراتها.
ثم تأتى الآية التـالية لتذكرنـا بفضل الخـالق فى أن يخصنا بسمـاء تحفظنـا من فوقنـا برحمته، فنرى فضل الله فى خلقهـا لنـا بهذه الكيفية من يستعرض الكواكب من حولنـا فلا يرى لها سمـاءا حافظة و محفوظة مثل سماء الأرض، فبها غـلاف جـوى يحمينـا من أشعة الشمس الضـارة، فيسمح هذا الغلاف بمرور مـا ينـفـعـنـا من هذه الأشعة و يحتجز مــا يضرنـا بطبقة تسمى طبقة الأوزون، ثم اختص هذا الغلاف بنسبة عـالية من غازي الأكسيجين و النيتروجين، و كلاهمـا لا يمتصـان أشعة الشمس فتنفذ الأشعة النافعة من خلالهمـا لتصل أشعة الشمس إلى النبات ليختزن الطـاقة اللازمة له و لمن حوله، ثم أن وجود هذه النسبة من الأكسيجين فى الهواء الجوى تحرق أي نيازك قبل أن تصل إلى الأرض فلا ترى هذه الفوهـات و البثور على أرضهـا مثل باقي الكوكب التي لم يخصها الله برحمته، و فى الهواء نسبة ضئيلة من غـاز ثاني أكـسيد الكربون القـادر على امتصاص أشعة الشمس لا تتعدى جزء من الواحد بالمـائة كي يتغذى عليها النبات، و لكن لو زادت لحدث لنـا مثل ما يحدث على كوكب الزهرة الذي يـسـتحيل الحياة عليه، و قد حفظه الخالق لنا بهذا الثبات حتى نتمكن من الحياة على الأرض إلى أن يشـاء الله، ثم نجد أن غـاز الأكسيجين يؤدى أدوارا عديدة أخرى فى حياتنـا حيث يحترق به الغذاء فى أجسامنـا و النار من حولنا، و كذلك غـاز النيتروجين و مـا يؤديه فى حياة النبات الذي يتغذى عليه
كل هذه الأدوار تؤديهـا سمـاءً حفظهـا الخالق لنـا و حفظنـا بهـا كسقف يمنع عنـا أن يصيبنـا من فوقنـا مـا يصيب كواكب أخرى حولنــا و يتيح لنـا الحياة عليهـا دون أن نحترق أو نختنق ، هل جـاءت سماء أرضنـا كمـا قال خـالقهـا سقفـا محفوظا بكل هذه الخصوصيات و الآيـات بدون تدبير أو تنظيم أو تقدير خـالق عـزيز عليم ... كيف نعرض عن كل هذه الآيـات و لا نتدبرها حق التدبر... هكذا يعاتبنـا الخـالق بقوله سبحانه و هم عن آيـاتهـا معرضون فالسمـاء كلهـا آيـات على عظمة خـالقهـا و رحمته و عزته و علمه.. علينـا أن نتدبر بهـا بهذا الاستدلال المعجز الذي أرسله الخـالق إلينا فى خـاتم كتبه.. و هل يستطيع بشرا أن يضع لفظـا جـامعـا يصف هذه السمـاء و مـا تؤديه من أدوار فى حياتنـا كسقف حـافظ و محفوظ لنـا و لأرضنـا بأبدع و أروع من هذه الكلمـات... إنهـا كلمـات جاءت حقا من خالق الأرض و السمـاء.
ثم تأتى الآية التالية التي تذكرنـا بـفضل الله و آيـاته فى هذه الأشياء التي من حولنـا.. فى الليل و النهـار.. الشمس و القمــر... كيف انتظمـت و توافقت مع حياتنا و خلقنا و عملنا و راحتنا و دورات حياتنا و أعمـارنـا و انتظم بهم كل شيء من حولنا.. الحياة المستقرة و العمل نهارا و النوم ليلا ومـا يناسب أجسامنا من درجـات الحرارة و ضغط الهواء.. نحن لا نستطيع أن نحيا على كوكب الزهرة الذي يصل طول اليوم فيه إلى 243 مثيله على الأرض فتصل درجة الحرارة على سطحه إلى مئات الدرجات .. إنه لا يتوافق مع حياتنـا و مع تكويننـا و مع خلقنـا... فمن سخر كل هذه الأشياء لنـا... من سخر كل هذا التوافق و الانسجام بيننا و بين كل هذه الأفلاك... من دبر للأرض و خلقهـا تدور حول نفسهـا بهذه السرعة الثابتة أمام الشمس ليأتي الليل و النهـار منسجمـا مع بعد الأرض عن الشمس و راحة الإنسان و حرارته و حياته و سعيه... من سخر الأرض تدور حول الشمس بهذا الخضوع و هذا الثبات فيأتي هذا التعاقب للفصول بهذا الإبداع و الالتزام فى كل أنحاء الأرض ومع مـائهـا و هوائهـا و رمـالهـا و سحابهـا و كل شيء عليـهـا... من سخر للقمر دورته حول الأرض و أمام الشمس فيأتي هلالا و بدرا و تتعاقب أشكاله بهذا الإبداع و الانسجام مع كل مـا خلق الله على الأرض... أنهم جميعـا يسبحون لخـالقهم بهذا الالتزام و هذه الطـاعة المتنـاهية و المتمثلة فى هذا الانسجام الشامل و الكـامل.
لقد أعلن العلمـاء أنه حتى نرى كوكبـا آخر يمكن أن تقوم حياة عليه فى هذا الكون فيجب أن تكون له كتلة مثل كتلة الأرض و حجمـا مثل حجم الأرض و قمرا مثل قمر الأرض و له زاوية ميل و سرعة دوران حول نفسه و حول شمسه مثل مـا للأرض و أن تكون له شمسا مثل شمسنا عمرا و حجما و كتلة و إشعاعا و أبعادا و ثباتـا.. وأن يكون لهم جميعا نفس الأفلاك و الظروف و المقادير... و هذايسبح كل شئ بنفس هذه التسبيحات و فى نفس هذه الأفلاك.. و هذا مـا تنص عليه هذه الآية فى نهايتهـا كل في فلك يسبحون .. فإنهـا سبـاحة وتسبيح بعلم خـالق عزيز وعليم وقدير ومقدر لكل شيء بحكمته.. فهـل لنا أن نسبح معهم.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/8/system.jpg
الشكل التالي يبين كواكب المجموعة الشمسية بحسب بعدها عن الشمس
كمـا رأينـا أن يد الخـالق هي التي بدأت هذا لكون، و كيف أيقن العلمـاء بهـا بعد أن تداعت نظرياتهم فى الانفجـار الكبير و اعترفوا أن من ينظـر إلى الكون يشعـر أن هناك يد خـالق واحد نسقت كل هذا الكون فجـاء كله وحدة واحدة أوله مثل آخره، و أعلن الخـالق عن أن يده هي اليد العليـا فى هذا الكون المنتظم فى خاتم كتبه بآيات يعجز البشـر عن أن يأتــوا بمثلهــا، و لكن نرى أن هؤلاء العلمـاء يتخبطون مرة ثانية و هم يحـاولون أن يعرفوا كيف ينتهي هذا الكون دون اللجوء إلى الله... فقد أثبتت نظـريـاتهم بأنه أي الكون يتمدد و يتسع دائمـا.. و قد أشـار الحق فى خـاتم كتبه إلى هذه الحقيقة الجـامعة بقوله سبحـانه و السمـاء بنينـاهـا بأيد و إنــا لموسعون ( الآية 47 من سورة الذاريات ) ... هكذا تفسر الآية أن هذا التوحد و التماثل و التشابه فى بناء هذا الكون قد جـاء لأن يدا واحدة كان لهـا مـطلق الخلق و التشكيل فيه.. يدا تعلن عن نفسهـا و لا أحد غيرها يتطـاول أن يدعى سوى هذا... و تأتى هذه الآية أيضـا لنـقـر بالحقيقة الأخرى التي اكتشفهـا العلمـاء أن إرادته وحده هي التي جعلت هذا الكون يتسع و يتمدد دائمـا، و يتم هذا التوسع بنفس الانتظام و على نفس السنة منذ أن بدأ خلق المكان و الزمـان منذ أن شـاء الله فتق الرتق الأول حتى يومنـا هذا... و يأتي سـؤال آخــر من العلم و العلمــاء... إلى متى يستمر فتق هذا الرتق الذي بدأ منه الخلق فى التمدد و التوسع... إذا كان هذا الرتق محدودا فهو لن يستمـر فى التمدد و التوسع إلى الأبد.. و لكن سوف تأتى لحظـة معينة بحسب نظريات العلماء سيبلغ فيها المكان و الزمان نهايتهما... و سوف تـعود المـادة التي ملأت هذا الكون فتتجمع مرة أخرى و يتساقط الكون فى حدث أطلقوا عليه اسم الانسحاق العظيم و هو اسم مرادف للاسم الذي أطلقوه على بداية الكون بالانفجار العظيم... حيث سينسحق هذا الكون كمـا تسحق النجوم التي ملأت الكون عن آخره فتتحول إلى ثقوب سوداء.
و يبقى السؤال الذي لا رد له إلا الإيمان بخالق هذا الكون وباعثه.. متى تأتى هذه اللحظة.. و مـاذا يحدث بعدهـا.. و هل ستكون هناك دورة جديدة يتجدد فيهـا المكان و الزمان مرة أخرى... و من له اليد العليا فى تحديد هذه اللحظة.. هل هي المـادة ذاتهـا التي تقوم بهذا الحدث من تلقـاء نفسهـا ودون أي إرادة أعلى.
إنـنـا و نحن نواجه أقوال العلمـاء و هم يذكرون هذا الحديث نشعر بأنـنـا أمام افتراضات عقلانية و غير قادرة على إقامة الدليل على شيء محدد فلم يرى أحد كيف بدأ الخلق و كيف ستكون نهايته...و لكننا سنحاول بالقدر الذي أتاحه الله لنـا من العلم و هذا النور الذي بين أيدنـا أن نتدبر فى خلق الله... فالكون له بداية كمـا أثبت العلم و العلمـاء و أقـر الخـالق هذه الحقيقة فى قرآنه .. و كل شيء له بداية بهذا الإبداع و الانسجام و الانتظام لا بد أن له مبدأ.. و هذا مـا أقره الخـالق و أعلن أنه هو المبدأ فى قرآنه.. وكل شيء له بداية أيضـا فإن لـه نهـاية.. وهذا مـا أثبته العلمـاء أيضـا بنظريتاهم و أسـانيدهم... و لكن لن يستطيع أن يصف تلك اللحظـات الأخيرة لهذا الكون سوى خـالق الكون و مسيره.. فهو مبدأ الكون و العالم و المقدر و القادر و العالم بنهـايته وكيف ينهيه.. هو الموجود من قبل و من بعد و له اليد فى كل شيء... و لكننا نوقن بما يسره الله لنا من علمه أنه لا بد أن يعود هذا الكون مرة أخرى بشكل لا يـعلمه إلا خـالقه و مبدؤه... و كل مـا توصلنـا إليه هو محض فروض بنيت على المنطق العلمي و مـا اكتشفه العلمـاء من توسع الكون بالقياسات العلمية و عبرت عنهـا كلمـات شــاذة مثل الانفجار العظيم و الانسحاق العظيم لا يستطيع أحد إدراكها أو يتخيل حدوثهـا لو كان له ذرة من العقل و المنطق و البصيرة، و لكن معرفة هذا لن تتأتى دون الإيمان بالله خالق الكون و مبدعه و القائم على أمره و القادر عليه.
تعالوا نترك الآن أقوال العلمـاء و نقف أمام قول الحق فى نهاية نفس السورة التي عبرت فى أولهـا عن بداية الخلق، حيث تحدثنـا عن يوم القيامة، اليوم الذي قدره الخالق لنهـاية حياتنـا الأرضية و بداية حياة أخرى لا يعلمهـا إلا هو: يوم نطوى السماء كطي السجل للكتاب، كما بدأنا أول خلق نعيده، وعدا علينـا إنـا كنـا فـاعلين أي أن السمـاء كانت مطوية فى هذا الرتق الذي عبرت عنه الآيات الأولى فى السـورة، ثم إذا جـاء أمره فى نهـاية الحياة الدنيـا سوف تعود و تطوى بقدرته مرة أخرى... لتعود سيرتهـا الأولى.. ثم مـا ذا يكون بعد ذلك هذا علمــه وحده.
هكذا يكون تعبير الخالق عن خلقه.. كلمـات ذات معنى يفهمهـا المرء دون صخب أو تعب أو ضجر أو ملل.. فليس انسحاق عظيم.. و لكن طي بيد الخالق الذي فتق أو أفرد صفحـات هـذه المادة التي ملأت الكون برحمته و علمه و فضله...و انسحاق مادة الكون لا يدل على انقباض المكان... و لكن الطي يحوى انحسار المكان و الزمان و الكون كله... و الانسحاق معناه التحول إلى العدم.. و لكن الطي معناه إعـادة الشيء إلى أصله و بدايته... و الانسحاق معناه الغوغائية و أللانتظام ... ولكن الطي معناه الحكمة و الـتمهل و النظام... والانسحاق معناه أن المادة هي المسيطرة و تنسحق وقتمـا تشاء... ولكن الطي يبيد الخالق الذي جـاءت البداية بيديه و كما بدأ أول خلق يعيده كما تذكر الآيات...والانسحاق معناه اللاعودة أو النهاية لكل شيء... و لكن الطى معناه نهـاية مرحلة و بداية أخرى... هل يستطيع عـالم مهمـا بلغ علمـه أن يأتي بكل هذه المعاني فى كلمـات محدودة أوعت كل شيء.. و هل يستطيع عـالم أن يقرر هذه الحقائق بهذه القدرة و الطلاقة و البيان.. إننـا حقـا أمام أنوار الحق تضيء لنـا الحقائق التي تخرجنا من الظالمات إلى النور.. ظلمـات المـادية التي تصور المـادة على أن لهـا القدرة على أن تنفجر وقتمـا تشاء و تنسحق وقتمـا تشـاء.. و تصورنـا ألعوبة فى يد مـادة بلا عقل أو تفكير فتقوم بنفسهـا بانفجـار كبير فتنشأ كونـا متسعـا و متوسعـا منتظما و منسقا، أو تنتهي و تتحول بدون مقدمـات من تلقاء نفسهـا بانسحاق عظيم فينتهي الكون كله بمكانه و زمانه.. هل يقبل العقل مـا يقوله المـاديون بهذه المسميات المادية الغير متعقله أم يقبل هذه الآيات من خالق السماء و الأرض... (يوم نطوى السماء كطي السجل للكتاب كمـا بدأنـا أول خلق نعيده وعدا علينـا إنـا كنـا فاعلين)... صدق الله العظيم
لقد أثبت العلم أن من كانوا ينادون بأن المـادة هي أصل كل شيء بدعوى قـانون بقـاء المـادة قد وقعوا فى وهم شديد.. فالمـادة ليست بـاقية كما أعتقد هؤلاء بعد إثبات أن المـادة تتحول إلى طـاقة و الطـاقة أيضـا ليست باقية كمـا ظن الناس قديمـا.. فهي تهبط من الدرجة الأعلى إلى الأدنى و لا تعود مرة أخرى... و هكذا أتضح أن المـادة لهـا نهـاية و أن المـادية وهم فى وهم.. و لهذا انهـارت المـادية فى العـالم أسـسـا و تطبيقـا و فلسفة.. و انهـارت معهـا الشيوعية و كل أدع يائها ... وأعلن أهلهـا أنهـا كانت أسوأ مـا عرفته البشرية من نظريات أو فلسفات ... فليس للمـادة من إرادة.. و لكن إرادة الخالق هي التي فتقت المـادة فى البداية لتنتشر فى الكون الآخذ فى التوسع و تطـويهـا فى النهـاية لتعود كمـا أراد لهـا خـالقهـا، و لا مناص لنـا من لاعتراف بقدرته و العودة إليه فى تفسير كيف بدء الخلق ثم كيف ينتهي.. فلم نشهد و لم يشهد أحد على الأرض هذه اللحظة، حيث يقول الحق ما أشهدتهم خلق السماوات و الأرض و لا خلق أنفسهم ( الكهف 51 ) لهذا فلا بد لنـا أيضـا من الاعتراف أنه بعد نهـاية الكون فسوف ينبعث مرة أخرى ليعود كمـا يريد له خالقه و ومبدؤه ثم معيده.. و لهذا نجد أن هذه المعاني قد جاءت فى كتاب الله العزيز عدة مرات ( الله الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ) [الروم 11 ]، (أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير) [العنكبوت: 19] لنفطن إلى هذه الحقيقة التي لم نراها عند بدء الخلق أو لا نعرفهـا لأن الكون لم ينتهي بعد ... و لكن الخالق يضعهـا أمـامنـا حتى لا نضل ونشقى... فبأي حديث بعده يؤمنون صدق الله العظيم
مكن المراسلة على البريد التالي:
[email protected] (
[email protected])
القلب الحزين
10-12-2013, 08:28 PM
تأملات إسلامية ـ خلق الجنين
د/ حسين رضوان اللبيدي
مدير مستشفى وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة
وعضو جمعية الإعجاز العلمي بالقاهرة وجنوب الوادي
لكل قضية دعوى ودعوى قضية الإسلام هي:
إن القرآن الكريم هو كتاب الله الخالد الباقي المحفوظ ليدين به الجميع وليكون دستوراً للعالمين لمن شاء منهم أن يستقيم .
وحيثيات الدعوة هي خلاصة علوم مقارنة الأديان والكتب المقدسة بجميع نواحيها في العقيدة والتوحيد والتاريخ والعلوم الإنسانية والكونية والتي بينت.
1- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الخالي من التناقض والاختلاف والتحريف والتصحيف.
2- إن القرآن هو الكتاب الوحيد المعجز في معانيه ومبانيه من أول كلمة إلى آخر كلمة فيه.
3- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ينزه الألوهية مما لا يليق بكمالها.
4- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ينزه الرسل المكرمين من كبائر الإثم والفواحش .
5- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الباقي كما أنزل والذي يرجع إسناده إلى المصدر مباشرة.
6- إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نجد منه نسخة وحيدة متطابقة في أي زمان ومكان.
7- إن القرآن الكريم عالمي في منهاجه فهو يحقق التوازن والعدل بين الإنسان ونفسه، والإنسان وأخيه الإنسان ، والإنسان والكون من حوله.
8- إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نجد فيه إشارات علمية من الذرة إلى المجرة ومن النطفة إلى المخ البشري تتطابق مع الحقائق العلمية المكتشفة بأدق وسائل التقنية.
وعلى العموم فالقرآن كلام الله يشعر المستمع إليه أنه يأتي من السماء .
ولقد أفردنا في شرح ذلك كتاباً أسميناه -لماذا القرآن - ليكون رأساً لسلسلة -لماذا القرآن ولماذا الإسلام ؟ والذي منها هذا العمل الذي سنتناول فيه قضية علم الأجنة وما ترتب عليها من قضايا أخرى كقضية التلقيح الصناعي وطفل الأنابيب ، والاستنساخ وسيكون تناولنا للجانب العلمي والعقائدي لهذه القضايا ، أما الجانب الشرعي ( الحلال والحرام ) فهو متروك للفقهاء.
فالقضية العلمية المعملية قضية مجردة تهدف إلى كشف سر من أسرار الكون ، ولكن عندما تدخل للتطبيق الواسع بين البشر فقد ينشأ من جراء ذلك أخطار ومشاكل تحتاج إلى توجيه أو تقنين ، ومثال ذلك اكتشاف أسرار الانشطار النووي والطاقة الذرية ، كان في البداية كشفاً علمياً عن أسرار الذرة وطاقات الكون الكامنة التي تقدم للبشرية خيراً كثيراً من خلال الاستفادة من الطاقة المتولدة عنها ، ولكن عندما دخل استخدامها إلى أسلحة الدمار الشامل كان لا بد من تدخل المشرع ليدلي بدلوه في هذا الاتجاه الذي ينشر الفساد والدمار في الأرض .
فلا حجر ولا زجر على الأبحاث العلمية التي تكشف أسرار الكون ما دامت محدودة في المعامل ، ولكن عندما تدخل إلى حيز التطبيق فلا بد من تدخل المشرع لتقنيتها ووضع القواعد والضوابط والضمانات الشرعية لها.
خلق الجنين
عندما كان العقل لا يملك من وسائل التقنية ما يمكنه من معرفة أسرار تكون الجنين من البداية، وضع نظريات عن نشأة الجنين كالآتي :
1- الجنين من لا شيء عن طريق التولد الذاتي بالصدفة.
2- الجنين ينشأ من بذور تخرج من الرجل وتحمل صورة مصغرة وكاملة للطفل وما الزوجة إلا مكان ينمو فيه (بمعنى يزداد في الحجم)
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/6/sperm8.jpg رسم قديم يصور الإنسان القزم الذي يخرج من بذور من الرجل وينمو في رحم الزوجة وهو رأي أرسطو
3- الجنين ينشأ من الأم وما السائل الذكري إلا خميرة تعمل كعامل مساعد فقط .
وعندما أُكتشف المجهر وتطورت وسائل التقنية عرف العلماء أن النظريات السابقة لتكون الجنين لا أساس لها من الصحة، وفي القرن التاسع عشر وما بعده عُرفت الأطوار الحقيقية للجنين كما يأتي :
أ- يبدأ تكون الجنين باتحاد النطفة المذكرة ( الحيوان المنوي ) وهو يحمل نصف صفات الجنين مع النطفة المؤنثة ( البويضة ) وهي تحمل النصف الآخر للصفات وينشأ عن هذا الاتحاد نطفة أمشاج وهي الخلية الأولى التي تحتوي على صفات الجنين كلها وتسمى (الزيجوت ) .
ومن هذه الخلية الأمشاج يتكون الجنين مرحلة من بعد مرحلة بتوالي الانقسامات لتكوين أعداد متزايدة من الخلايا المتشابهة في طور حر الحركة يتجه نحو تجويف الرحم وعند ذلك يكتسب خاصية العلوق وهنا يبدأ الطور التالي :
ب- طور العلقة : وفيها يتعلق الجنين بالرحم وتبدأ عملية تمايزه إلى طبقات ثلاثة مسطحة ليبدأ بعده طور المضغة .
ج- طور المضغة :وفي هذا الطور تظهر على الجنين مرتفعات ومنخفضات فيشبه بذلك قطعة اللحم أو اللبان الممضوغ وهو ما يسمى طور الأجسام البدنية والتي تتمايز إلى عظام وعضلات وغير ذلك.
د- طور ظهور الهيكل العظمي وكساءه بالعضلات :
في هذا الطور يبدأ ظهور العظام والعضلات من منطقتين متجاورتين بعدها تكسوا العضلات هيكلها العظمي وبعد انقضاء 120 يوم يظهر الشكل الآدمي لوجه الطفل .
• وكان الكشف العلمي الحديث لمراحل الجنين الحقيقية أحد الأدلة على صدق القرآن الكريم وإعجازه وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وعالمية الإسلام .
فقد لخص القرآن الكريم في إعجاز علمي باهر مراحل الجنين من النطفة إلى الخلق الآخر في آية واحدة كما يأتي :
يقول الحق في سورة المؤمنون (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين).
وتشير هذه الآية في إعجاز إلى الحقائق التالية
1- الجنين لا يكون كامل من البداية بل يبدأ بمرحلة بسيطة تزداد في التعقيد مرحله بعد مرحلة وطور بعد طور .
2- الطور الأول بعد النطفة يشبه العلقة لأنه شكلاً مثل دودة العلق الطبي ولأنه اكتسب خاصية التعلق بعد أن كان قطرة حرة الحركة .
3- الطور التالي يشبه قطعة اللحم الممضوغ لظهور تغضنات عليه في بداية التمايز الجنيني .
4- تظهر بدايات العظام واللحم ويتحدد للهيكل العظمي هيئته البنائية .
5- يتم كساء الهيكل باللحم ( العضلات ).
6- يتشكل في النهاية الشكل الآدمي المميز.
ولأن هذه الحقائق لم تكن معروفة حتى بعد نزول القرآن بأكثر من ألف عام فإن وجودها في القرآن يعتبر دليلاً يقينياً وعالمياً على صدق الرسالة وصدق الرسول وهذا ما دفع أحد أكبر علماء الأجنة في العالم بالقول " أشهد أن هذا الكلام (عن الأجنة ) الذي ذكره القرآن لابد وأن يكون قد نزل على محمد من عند الله " وكان ذلك في التليفزيون الكندي وعندما وجه إليه السؤال التالي : لماذا تقول ذلك ؟
فأجاب : لأن هذه المعلومات عن مراحل الجنين لم يعرفها العلماء إلا بعد أكثر من ألف عام من نزول القرآن فلابد وأن تكون هذه المعلومات من عند الله .
وكان هذا العالم الجليل هوأ . د/ كث المور (http://islamyesterday.com/science/statements.htm) وهو من أكبر علماء الأجنة في العالم
ولم يقتصر تفكير العلماء على معرفة خطوات الجنين ومراحله ، بل لاحظوا ظاهرة محيرة هي :كيف أمكن للخلية الواحدة أن تعطي خلايا مختلفة متميزة ؟
وبمعنى آخر : متى وكيف يحدث التمايز الخلوي ؟
وكان العلماء يعلمون أن مرحلة النطفة الأمشاج لها بداية ونهاية.
أما البداية : فهي خلية واحدة تسمى الزيجوت .
وأما النهاية : فهي مجموعة من الخلايا المتشابهة تماماً نشأت من انقسامات متتالية للخلية الأولى وكان العلماء أيضاً يعلمون أن المرحلة التالية هي مرحلة العلقة، وفيها يبدأ التمايز الخلوي بظهور خلايا متخصصة في طبقات ثلاثة .
الخارجة ، والوسطي ، والداخلية ، وهي مسطحات من الخلايا لا نجد فيها عوجاً ولا صدعاً ، وبعدها يظهر في الجنين مزيداً من التمايز الخلوي بظهور الأجسام البدنية في طور المضغة والتي تتمايز بعد ذلك إلى العظام والعضلات وغيرها ويتم التمايز حتى ينشأ الجنين في أحسن تقويم وهنا ظهرت أسئلة محيرة :
كيف تحولت خلايا النطفة المتشابهة إلى ثلاثة أنواع من الخلايا المتمايزة في كائن العلقة ؟
وكيف تمايزت العلقة ذات الثلاثة طبقات وذات الأسطح المستوية إلى كائن متغضن عليه نتوءات وثنيات ويحفه على الجانبين عقد من البروزات المحددة في كائن المضغة ؟
ثم من الذي حول تلك البروزات إلى عظام وعضلات ؟
وبمعنى آخر : من أين جاء ذلك التمايز والأصل خلية واحدة متجانسة ؟
فيكون الجواب المنطقي :
لا بد وأن تكون هناك أوامر تصدر للخلية لكي تتمايز، فيكون السؤال التالي :
من أين تأتي هذه الأوامر ؟
والجواب العلمي على ذلك : إنه لا يوجد إلا ثلاث طرق محتملة تأتي منها تلك الأوامر هي :
1- من نواة الخلية .
2- من المادة حول النواة .
3- من خارج الخلية .
وقبل أن ندلي بدلونا ونقدم اجتهادنا في هذا المجال هيا بنا في جولة علمية رائعة مع أسرار التمايز الخلوي .
أولاً : أبحاث على النواة :
تمكن د . جوردون ، د . لاسكي من إكسفورد من تنشئة ضفدعة بالغة عادية قادرة على التكاثر من بيضة غير مخصبة تحوي نواة خلية معوية متميزة ليرقة ضفدع وكان ذلك في الخمسينات ، وحديثاً قام بهذه التجارب د . مورون ومعاونوه في إنجلترا مؤكداً ما سبق ، وأن أي خلية حتى التي تمايزت تحتوي على كل الجينوم أو كل الصفات ولكن بعضها كامن والآخر عامل .
ثانياً : أبحاث على السيتوبلازم :
وجد العلماء هذه الظواهر الهامة :
1 - عند إزالة النواة من بيضة المنشطة فإن البويضة الخالية من النواة تتفلج (تنقسم) بصورة عادية ويقف التفلج عند بدأ مرحلة التبطين GASTRLATIONوهنا لابد من تدخل النواة بمعلومات وأوامر لاستكمال مشروع الجنين الكامل .
2- تجربة الهلال السنجابي :
في بعض بويضات الحيوانات الدنيا يظهر في السيتوبلازم هلال سنجابي بعد التلقيح ، فلو قمنا بفصل البيضة الملقحة فصلاً غير تام ، بحيث تبقى النواة في قطب ويبقى الهلال السنجابي في القطب الآخر ، ثم بعد عدة انقسامات من النواة سمحنا لنواة واحدة بالمرور إلى القسم الذي فيه الهلال السنجابي فإن القسم الذي فيه الهلال السنجابي يتكون منه جنين كامل والقسم الآخر الخالي من الهلال السنجابي لا يتكون منه جنين .
ثالثاً : التعويض :
من الملاحظ أن الحيوانات الدنيا تستطيع تعويض ما يفقد منها من أجزاء الجسم المختلفة بل إن بعض الحيوانات العليا تستطيع ذلك وفي الحقيقة أن عملية التعويض على المستوى الخلوي أمر شائع في الحياة وحتى في الإنسان يمكن تعويض كثيراً من الخلايا كبطانة الجسم وخلايا الكبد وغير ذلك .
ويكون السؤال الأول في هذا المجال هو ، كيف تتم عملية التعويض ؟
الجواب : يوجد طريقتان لذلك هما :
1- طريقة انقسام الخلايا المجاورة للمنطقة المفقودة وانتشارها لتغطي المنطقة المفقودة وهو أمر يحدث عند تعويض قطعة من الكبد أو الجلد مثلاً .
2- تكوين كتلة لها سمك من الخلايا غير متمايزة تسمى بلاستيما (Blastema)
والتي تتمايز وتتحرك فراغياً لتكوين المفقود وهي مشهورة في حالة تعويض ذيل أو رجل مثلاً في بعض الحيوانات الدنيا
فيكون السؤال التالي : من أين جاءت هذه البلاستيما ؟
الإجابة ربما جاءت من خلايا حافة الجزء المقطوع أو من أنواع خاصة من الخلايا الاحتياطية والتي تعتبر (كامنة) في الظروف العادية وتتحرك مهاجرة عند الضرورة لتذهب للمكان الذي حدث فيه القطع حيث تتراكم وتتمايز في الفراغ ، وتسمى هذه الخلايا (Neoblast)أو(Interstitial) ويسمى التعويض بواسطة البلاستيما (Epimorphosis).
هذا في الظاهر ولكن على المستوى الخلوي كيف تتم عملية التعويض ؟
وفي بداية البحث في هذه القضية سأل العلماء هذا السؤال : هل عملية التعويض نتيجة لأمر عام من الجسم أم أمر محلي في مكان القسم المفقود ؟
ولأجل كشف السر عن هذه المشكلة قام العلماء ببتر طرف من أطراف حيوان معين ثم قاموا بتعريض كل جسم الحيوان قيد التجربة للإشعاعات المتأينة وشمل التعريض المنطقة المبتورة ، وراقبوا عملية التعويض فلم تحدث .
فقاموا في تجربة ثانية بتعريض منطقة البتر فقط فلم تحدث عملية التعويض أيضاً وفي تجربة ثالثة عرضوا الجسم ولم يعرضوا منطقة البتر فحدث التعويض ، مما يوحي بأن جهاز التعويض أو خلاياه العاملة موجودة في منطقة البتر أو القطع .
ولكن بقيت مشكلة هامة وهي نوعية الخلايا المستخدمة في التعويض ، هل هي من الأنواع المحلية المتمايزة والتي تقع على حافة القطع كالعضلات والعظام ، أم هي من خلايا أخرى كامنة غير متمايزة ؟
وللإجابة العلمية عن هذه المعضلة كانت هذه التجربة الرائعة والتي أجراها العلماء على حيوان بر مائي يشبه السحالي اسمه ( سَمنَدَل الماء ) وأجريت التجربة على إحدى أطراف السمندل كما يأتي :
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
10-12-2013, 08:31 PM
يتبــــع الموضوع السابق
تأملات إسلامية ـ خلق الجنين
بعد قطع جزء معين من طرف الحيوان :
1- قطع العلماء عظام الجزء الباقي ( غير المقطوع ) وعندما تمت عملية التعويض بنمو جزء بديل عن المقطوع لاحظ العلماء أن الجزء الذي نما حديثاً كاملاً حتى بعظامه بينما الجزء الموجود والملتصق بجسم الحيوان لم تنمو فيه العظام التي أزيلت وبقي خالياً من العظام فمن أين جاءت عظام الجزء النامي مع أنه ينمو من منطقة ما زالت بلا عظام ؟
يقول العلماء لا يوجد إلا طريقين لما حدث :
1- إن الأنسجة الغير عظيمة ( العضلات مثلاً ) تفقد تمايزها ثم تتمايز مرة أخرى إلى عظام مثلاً لتعوض ما فقد .
إن هناك خلايا كامنة غير متمايزة تنشط وتتمايز تحت هذه الظروف .
ولكن كيف يرجح العلماء هذا الطريق أو ذلك ؟
هذا ما سوف نراه في الأبحاث التالية :
استخدم العلماء وسائل ضرب النسيج الحي بجرعة مُشعة غير قاتلة للحياة وإن كانت معطلة لقدرة التعويض وقاموا بعد ذلك باستئصال أنسجة وزرع أخرى غير مشعة (سليمة) وراقبوا عملية النمو للتعويض ، وإذا بالمفاجأة المذهلة :
كثيراً من الأنسجة المزروعة في الطرف المبتور كقطعة عظم أو قطعة غضروف أو جلد سرعان ما فقدت تمايزها لتعود وتعطي أنسجة أخرى (غيرها) متعددة التمايز وتسمى هذه العملية (de /deffrentlation) أو تسمى (re /deffrentiation) .
وأيضاً وجد العلماء أن هناك داخل العضلات المتمايزة توجد خلايا بدائية تسمى (MUSCLE- SATELLITE) يمكنها عند الضرورة أن تتمايز إلى خلايا عضلية عاملة .
وتشير هذه الظاهرة إلى : أن التمايز في السيتوبلازم عكوسي بمعنى أنه قابل للنقض أي أنه ليس صفة ثابتة واصليه وهي ظاهرة تخص الحيوانات الدنيا، أما الحيوانات العليا فلم تُشاهد هذه الظاهرة فيها إلا في حالات نادرة وفي أماكن ضيقة كسلامية إصبع اليد .
ربعاً : مزج الأجنة :
من الممكن دمج جنينين من الثدييات معاً ليكون جنيناً عملاقاً ينمو بصورة عادية ، وحديثاً تمت تربية الفئران من ثلاث أجنة مدمجة تمثل ستة آباء !
وتشير هذه الظاهرة إلى : أنه في المراحل الأولى للجنين لا يوجد تمايز للنواة أو لما حولها وإنما يظهر التمايز بعد فترة .
خامساً : ولادة التوائم :
المقصود هنا التوائم ذات المشيمة الواحدة التي تنشأ من انقسام في الكتلة الداخلية بعد التعليق بجدار الرحم أي في طور العلقة .
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/6/stem_blastocyst.jpg صورة حقيقة للجنين في طور العلقة وهو منغرس في جدار الرحم فتبارك الله أحسن الخالقين
وهذا يعني أن خلايا الكتلة الداخلية للعلقه لو انقسمت إلى عدة أقسام فإنها يمكن أن تعطي عدة أجنة لها مشيمة واحدة ، وهذه ظاهرة ملحوظة في الثدييات والإنسان ، وتشير هذه الظاهرة إلى أن التمايز يبدأ حول مرحلة العلقة في الثدييات والإنسان .
بعد هذه الجولة العلمية الراقية يمكن أن نخلص إلى ما يأتي :
1- إن السيتوبلازم يمكن أن ينقسم في المراحل المبكرة حتى بدون النواة .
2- إن النواة لازمة لتكملة إنشاء الجنين .
3- إن النواة المتمايزة تحتفظ بكل الجينوم (الصفات) التي تتمتع به النطفة الأمشاج أو الخلية الأولى (الزيجوت) بمعنى أن تمايزها يمكن أن يتوقف لتعود إلى مرحلة ما قبل التمايز.
4- إن السيتوبلازم المتمايز يمكن أن يعود إلى مرحلة ما قبل التمايز (التعويض) .
5- في الثدييات والإنسان يتأخر تمايز النواة وما حولها إلى مرحلة حول مرحلة العلوق ، أي في نهاية مرحلة النطفة .
وهنا نعود إلى الأسئلة السابقة :
هل أوامر النواة هي المسئولة عن التمايز الخلوي من البداية ؟ أم هو السيتوبلازم ؟ أم هو أمر قادم من خارج الخلية ؟
مستحيل أن يكون أمراً قادماً من خارج الخلية لأن الأمر القادم من الخارج يؤثر في كل الخلايا بنفس الدرجة لأن كل الخلايا متشابهة في الصفات والظروف والأحوال .
وغير جائز أن يكون الأمر المبكر صادراً عن النواة لأن النواة إذا أصدرت أمر التمايز فإنها إما تصدره لغيرها أو لنفسها استحالة أن تصدر الأمر لغيرها ؛ لأن أمر كل نواة ينتهي في السيتوبلازم الخاص بها وغير جائز أن تصدره لنفسها فكيف تأمر النواة نفسها إن توقف بعضها وكل الصفات في نواتها ممكنة بنفس الدرجة ، بمعنى لا ترجيح لصفة على صفة بالإضافة إلى أن الوسط الذي يحيط بالنواة لا تمايز فيه في ذلك الوقت ، ولو كان الأمر متأصلاً في النواة من البداية ما عادت لكامل تشكيلها الجيني الأول عند تهيئة الوسط الأولى لها ، فهي محتفظة بحياة كل الجينوم من البداية إلى النهاية.
فلا يبقى إلا أن يكون الأمر قادماً من المنطقة حول النواة (السيتوبلازم، والقشرة) ولكن عندما قام العلماء بشفط نسبة كبيرة من السيتوبلازم لم يؤثر ذلك على كفاءة الانقسام ، إذن لم يبقى إلا منطقة القشرة حول السيتوبلازم.
ولقد شاهد العلماء أدلة تؤكد ذلك ، وذلك لأن في قشرة البويضات اللافقارية مناطق مختلفة هي المسئولة عن تمايز الجهة المقابلة لها من النواة ، بمعنى أن هذه البويضات (الزيجوت) عندما تنقسم فإن كل قسم من القشرة يحوي عاملاً مختلفاً عن القسم الآخر فتتمايز النواة تبعاً لذلك.
ووجد العلماء أيضاً أن التمايز في القشرة يبدأ مبكراً بعد الإخصاب مباشرة بحيث أن أي انقسام يتم بعد الإخصاب يتخلف عنه فلجات (الخلايا) تشكل كل فلجة من البداية جزء من كل وأي فقد لأي خلية مبكراً يؤدي إلى فقد قسم من مشروع الجنين ينقص قسم من بنائه .
وأوحت هذه الأبحاث بأن عامل التحديد في السيتوبلازم أو في القشرة عامل أصيل ونهائي بمعنى أنه غير عكوسي (ثابت) ولكن ملاحظات لظواهر علمية نقضت هذا الاعتقاد ، وكان من هذه الظواهر التعويض وقد رأينا فيه نقض التمايز بعودة السيتوبلازم المتمايز إلى حالته الأولى الغير متمايزة وأيضاً مزج الأجنة المختلفة والذي نتج عنه جنين واحد وكل ذلك يزيح دور السيتوبلازم وقشرته عن موقع القيادة ، هذا بالنسبة للحيوانات الدنيا ، أما بالنسبة للثدييات وخصوصاً الإنسان فالقضية مختلفة إلى حد بعيد كما يأتي :
في مراحل الجنين الأول وحتى طور العلقة أو ما قبلها بقليل كل الخلايا بنواتها وما حول النواة لا تمايز فيها بحيث يمكن لأي خلية أو أي قسم من المجموع أن يعطي كائن كامل لا نقص فيه ، وإن فقد خلية أو مجموعة من الخلايا في هذه المرحلة لا يخل أو ينقص من تركيب الكائن النهائي .
وكان من الأدلة على ذلك في الإنسان ولادة التوائم المتعددة التي تزداد على الستة والذين يشتركون في مشيمة واحدة وفي هذا دليل على أن كتلة الخلايا قد تقسمت بعد عملية العلوق أي في بداية الدخول إلى طور العلقة وهذا يعني أن الخلايا حتى نهاية مرحلة النطفة وبداية مرحلة التعلق ما زالت غير متمايزة أي أن كل مجموعة من الخلايا يمكن أن تعطي إنساناً كاملاً لا نقص فيه .
إذن كيف حدث التمايز بعد ذلك ؟
أو كيف تنشأ من هذه الخلايا الغير متمايزة خلايا متمايزة ؟
وقد بينت الظواهر العلمية التي سبق أن ناقشناها ما يأتي :
1- التميز ليس أمراً من النواة ، لأن النواة فيها كل الجينوم من البداية ولا ترجيح فيه لصفة على صفة حتى مرحلة ما قبل العلوق (في الثدييات والإنسان) وبعدها يأتي الأمر للنواة بالتمايز ، بأن تبقى بعض الجينات نشطة وتكمن الأخرى .
2- التمايز ليس أمراً أصيلاً في السيتوبلازم من البداية لأن السيتوبلازم من البداية حتى نهاية النطفة غير متمايز (في الثدييات والإنسان) ويحتاج إلى أمر يُحدث له التمايز .
3- إذن لا مفّر من الإقرار بحتمية خلق أحداث لم تكن موجودة في منطقة النواة وما حولها ، وهذا الخلق يبدأ مع مرحلة العلق وفيها .
توصل العلم إلى حتمية خلق أحداث لم تكن موجودة في منطقة النواة وما حولها، وهذا الخلق يبدأ مع مرحلة العلق وفيها فتبارك الله أحسن الخالقين.
وبينما يصل العلم الحديث بأدق تقنية إلى هذه الحقيقة نسمع صوت القرآن الهادي يرتل (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ).
يا الله إني عاجز عن أن أوفي إعجاز كتابك حقه وكيف لي ذلك وأنا الفقير بذاتي لا فضل لي إلا بك ولا علم لي إلا ما علمت . هذه الآيات والتي استخدم فيها الحق سبحانه الفعل (جعل) مع النطفة والفعل (خلق) مع كل الأطوار بدءاً من العلقة لهي إشارة علمية معجزة إلى عملية التمايز ، بأنها تبدأ بعد النطفة ومن مرحلة العلقة وهو تمايز لا يتم دفعة واحدة بل على دفعات متتالية تأخذ بعضها بأعناق بعض .
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/6/eggg.jpg صورتان تبينان بداية انقسام البيضة الملقحة
ولكن كيف يتم استنباط ذلك من الآيات ؟
هذا ما ستعرفه بعد جولة مع أسرار الفعل (جعل) وأسرار الفعل (خلق) .
يقول أ . د / علي اليمني دردير في كتابه الرائع : أسرار الترادف في القرآن .
ويختلف التعبير بلفظي (خلق) و (جعل) في لغة القرآن في الآية الواحدة كما في قوله تعالى : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور(1).
فالفعل (خلق) يدل في اللغة على الإيجاد بعد العدم، والتقدير والإبداع على غير مثال مسبوق ، ولهذا فهو يباشر مفعوله دفعة واحدة.
أما (جعل) فيفيد التضمين والتصيير والتحويل والانتقال ولهذا فهو فعل يباشر مفعوله حالاً بعد حال فيتعدد فيه المفعول وتتدرج فيه الأطوار .
ولما كان الشأن في خلق السموات والأرض إيجاداً بعد عدم وإبداعاً على غير مثال عبر عنه بالفعل (خلق) ليدل على أن ذلك مرحلة في الإنشاء قائمة بذاتها ولما كان الشأن في الظلمات والنور أن تأتي تابعة لغيرها مترتبة عليه مسبوقة به وأن الإيجاد فيها إيجاد تحول وانتقال وليس إنشاءً وإبداعاً، عبر عنه بالفعل (جعل) ليدل على أنه مرحلة في الظهور لاحقة لمرحلة في الخلق سابقة وطور في الوجود يتجدد ويتكرر حالاً بعد حال.
وقد ذكر الإمام / عبد العزيز يحيى الكناني المكي في كتابه القيم (الحيدة) أن (جعل) الذي هو على معنى التصيير موجود في القرآن الموصول الذي لا يدري المخاطب به حتى يصل الكلمة بكلمة بعدها فيعلم ما أراد بها ، وإن تركها مفصولة لم يصلها بغيرها من كلام لم يفهم السامع لها ما يعني بها، ولم يقف على ما أراد بها، وضرب لذلك أمثلة منها :
يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فلو قال : ( إنا جعلناك ) ولم يصلها بخليفة في الأرض، لم يعقل داود ما خاطبه به عز وجل، لأنه خاطبه وهو مخلوق فلما وصلها بخليفة، عقل داود ما أراد بخطابه.
وكذلك حين قال لأم موسى: وجاعلوه من المرسلين فلو لم يصل (جاعلوه) ب (المرسلين) لم تعقل أم موسى ما عنى الله عز وجل بقوله وجاعلوه إذا كان خلق " موسى " متقدماً لرده إليها، فلما وصل جاعلوه بالمرسلين عقلت أم موسى ما أراد الله عز وجل بخطابها.
وبعد هذه الجولة العلمية نقول أن (جعل) في الآية ثم جعلناه نطفة في قرار مكين بمعنى صيرناه أي تحول من صلب الذكر إلى رحم المرأة ، وهذا ما قاله الطبري ، وجاء في تفسير روح المعاني للألوسي : فهنا (جعل) بمعنى تحول أو نقل من مكان إلى مكان إنها عملية نقل أو تحويل فحسب ، أما الفعل (خلق) فهو يدل على الإيجاد بعد العدم والتقدير والإبداع على غير مثال مسبوق .
ولأن الآية تصف مراحل جنين الإنسان بالذات فإن استخدام (جعل) مع النطفة (وخلق) بعد مرحلة النطفة يعني أنه في مرحلة النطفة تبقى الخلايا بلا تمايز حتى إذا انتهت مرحلة النطفة لتبدأ مرحلة العلقة خلق الله أحداثاً لم تكن موجودة داخل الخلايا تدفعها للتمايز إلى علقة فمضغة وهكذا مرحلة بعد مرحلة وخلقاً من بعد خلق.
وهذا ما تأكد تماماً كما بينا في قضية التمايز الجنيني فالتمايز يبدأ مع العلقة وقدمنا الأدلة على ذلك. بل إن الفعل (جعل) المصاحب للنطفة يعطي الضوء الأخضر للعقل في بحوثه في مجالات شتى ومنها التلقيح الصناعي، وطفل الأنابيب.
فالتلقيح الصناعي مشابه للتلقيح العادي، فكما أن التلقيح العادي عبارة عن حقن السائل المنوي بواسطة آلة الذكر، فإن التلقيح الصناعي يتم فيه حقن سائل الأب بواسطة محقن خاص في رحم الزوجة ليلتقي بالبويضة مكوناً نطفة أمشاج ، فكلا العمليتين استخدم فيها طريقة الحقن ، فليس في العملية تحدي لقدرة الله أو إرادته ، فلا يكون إلا ما أراد الله وهو سبحانه خالق كل شيء ، خالق العالم والعلم والمعلوم بل وخالق أدوات العلم .
(نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ {57} أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ {58} أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ {59} نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ).
والفعل (جعل) في الآية يسمح بذلك ، فجعل بالنسبة للنطفة المذكرة هو فقط عملية نقل لها إلى الرحم ، نقل مخلوق لله إلى مكان مخلوق لله معد لذلك . وسواء تم النقل بآلة الذكر أو بآلة مصنوعة فهي داخلة تحت الفعل (جعل) لا تتعداه .
أما طفل الأنابيب فهو عبارة عن عملية جمع تتم خارج الرحم في أنبوب مجهز بسائل مناسب للحياة يتم فيه الجمع بين النطفة المذكرة المخلوقة لله مع النطفة المؤنثة المخلوقة لله ، وحتى إذا التقى الحيوان المنوي بالبويضة تكونت منهما النطفة الأمشاج التي تبدأ في الانقسام حتى مرحلة العلقة وكل خلية تنشأ عن الانقسام هي تكرار للنطفة الأمشاج ، فهي نطفة أمشاج من البداية وكل خلية تالية بعد ذلك هي أيضاً نطفة أمشاج ، وبعد تكون النطفة الأمشاج داخل الأنبوب يقوم العلماء بحقن النطفة الأمشاج داخل الرحم ولا بد أن تصل إلى الرحم مبكراً في مرحلة النطفة وإلا هلكت وفنيت .
والآية (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) تسمح بذلك، فالفعل (جعل) بمعنى صير أو نقل (ونطفة) تشمل النطفة المذكرة، والمؤنثة، والنطفة الأمشاج، ولأن النطفة الأمشاج هي الأصل لتكوين الجنين من البداية ، فالنطفة بجميع أشكالها ومراحلها تخضع للفعل (جعل) ولا مكان لتلبيس إبليس هنا ، وقد قلنا أن الحق قد أعطى الضوء الأخضر بالفعل (جعل) بالنسبة للنطفة عموماً من النطفة المذكرة إلى النطفة الأمشاج.
وتدخل قضية الاستنساخ تحت مظلة الفعل (جعل) مرتبطاً بالنطفة (الأمشاج) للمراسلة :
[email protected]
الدكتور حسين اللبيدي في سطور (سيرة ذاتية) (http://quran-m.com/firas/arabic/index.php?page=pro_alem&id=25&select_page=allem)ب
المصادر:ب
http://islamyesterday.com/science/statements.htm
القلب الحزين
10-12-2013, 08:43 PM
تأملات في سورة تبارك
أ.د. ســلامه عبد الهادي
أستاذ في علوم إدارة الطاقة وعميد سابق للمعهد العالي للطاقة بأسوان
نقف هنا أمام أول أربع آيــات من ســورة الملك و هي آيات تـسوق الأدلة والبراهين العقلية و العلمية و المنطقية بـما نراه من حولنا أنه لا إله إلا الله...
حقيقة ناصعة و ظاهرة جاءت بالكلمات والمعاني والآفاق التي لا يقدر على سبر أغوارهـا أهل الأرض و لو اجتمعوا لهـا... يقول الحق: تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير،الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمـلا وهـو العزيز الغفور، الذي خلق سبع سموات طباقـا مـا ترى في خلق الرحمن من تفـاوت فارجع البصر هل ترى من فــطور، ثم ارجع البصـر كرتين ينقلب إليك البصـر خـاسـئا و هو حــسـير.
أول مــا تبدأ به هذه الآيات هو أن هذا الكون بمـا فيه و من فيه هو ملك لله الواحد الأحد... ثم إن إدارة هذا الملك له وحده... و كمـا أن كل سـيارة أو باخرة أو طـائرة لهـا مـالك مسئول عنهـا و قائم على قيادتهـا و تسييرهـا... فكذلك هذا الكون المترامي الأطراف و المتـسع اتساعاً لا نهائياً و مـا فيه من بلايين المجرات والنجوم و الكواكب التي تسير في أفلاك محددة لا تخرج عنها... و من مخلوقات و أرزاق و رياح و سحاب يسير كل منها بقدر محسوب و منتظم.. يعلن سبحانه أنه هو وحده مالك هذا كله و القائم عليه و بيده تسير أموره و أن كل هذا الانتظام في الخلق و الدقة في تسيير هذا الكون تتم بإرادته... فهو الخالق الواحد الأحد مالك الملك... و قد جاءت هذه الآية في البداية بهذا القول الجامع لتؤكد هذه الحقيقة الناصعة الآخذة في الحق...
" تبارك الذي بيده الملك "... نعم .. تباركت يا ربنـا و تعاليت... فكم تعطلت السيارة وكم جنحت الباخرة و كم تحطمت الطائرة.. و لكن ملكك على اتساعه و لا نهائيته لا يتعطل و لا يجنح و لا يتحطم... فكل شيء يسير بانتظام و امتثال و التزام لأن له مالك قدير وعزيز وعظيم قائم عليه و مهيمن على أدائه يعلن عن نفسه بهذه الكلمات المحددة في خاتم كتبه... فمن ينظر إلى الأرض بجمالهـا و امتدادهـا و اتساعهـا ودورانها... وإلى الشمس واحتراقها و جريها و ضيائهـا...و إلى النجوم و البروج والمجرات وحـارات الكون اللانهـائية... يجد الالتزام و الانتظام في كل هذا الكون... يشعر حقا أنه أمـام مـالك عظيم واحد أحد لا يسير كل هذا إلا بعظمته و رحمته و قدرته التي لا تحدها حدود... وحتى لا يضل العقل البشرى في عصرنا هذا الذي تتكشف بعلومه بعض الأسرار و نحاول أن نضع نظريات طائشة دون إثبات جاء هذا الإعلان في سر هذا الانتظام بهذا القول القرآني الشامل و المعجز و البديع..
تبارك الذي بيده الملك و هو على كل شيء قدير...
إنهـا حقـاً آيات تعبر عن مدى حب الله لبشره و خلقه حتى يجعلهم يباركونه بآياته وهو المانح لكل بركة و كل نعمة... و لكن هكذا يعطى الخالق المثل الأعلى لخلقه فيعطيهم هذا القول الجدير به كي يتلونه في كل وقت و حين تبارك الذي بيده الملك و هو على كل شيء قدير. ... فهل يسع أحد يرى هذه القدرة التي وسعت كل شيء رحمة و علماً و قدرةً إلا أن يبارك الخالق بهذا القول آلاف و ملايين المرات
ثم نأتي إلى الآية التالية و تضع هذه الآية حقيقة أخرى عن حكمة الحياة و الموت بقوله سبحانه و تعالى الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا... هكذا تأتى الآية الثانية بـأن الموت و الحياة ليسـا إلا مراحل من حلقات الوجود الإنساني... قدرها مانح الحياة و مقدر الموت بمشيـئته... والهدف منهـا هو الحساب على مـا يقدمه الإنسان من أعمـال.. فتسجل له أو تسجل عليه... و إن الحياة مرحلة تنقضي لاختبار هذا المخلوق الذي ميزه خالقه بنعمـة العقل، و صورة في أحسن صورة، و أنعم عليه بالسمع و البصر و الفؤاد، و أسبغ عليه كل النعم، و سخر له هذا الملك و الملكوت... فهل يقابل الإنسان كل هذا الإحسان بالإحسان... فيستحق مـا أعده له الله من نعم أخرى في حياة ممتدة كامتداد هذا الكون اللانهائي... هذه هي حكمة الحياة على الأرض جـاءت بآيــات الكتاب في أنصع و أكمل نص لتضع ردا على حيرة الإنسان عندمـا يفكر عن أسرار الحياة و الموت... جاءت بهذا النص الكامل بكلمة فريدة ليبلوكم... فليست الحياة إلا بلاء من مانح الحياة ومقدر الموت و ابتلاء لخليفة الله على الأرض... إنه نص كامل من كلمة واحدة تضع نهـاية لتيه الفلاسفة و ضلال المارقيــن عن معنى وهدف الحياة... لقد صاغت هذه الآيـة معاني كثيرة في سهولة و يسر و إعجاز... ولا مجـال للاسترسال هنا بما أدركه من العلوم الهندسية التي أعي منهـا قدراً محدوداً.. و لكن علمـاء الفلسفة يمكن أن يضيفوا بما يعرفونه من نظريات الكثير على ما في هذه الكلمات من إعجـاز عن فلسفة الحياة التي أوردتهـا الآية بأنها مرحلة من مراحل لوجود الإنسان... و جـاء الموت في الآية الكريمة مؤكداً للحياة و متقدما عليهـا، لأن كل منها مرحلة من مراحل تكمل بعضها البعض في دائرة مغلقة لخالق قدير... يخرج ألحى من الميت و يخرج الميت من الحي.. ثم جاءت بهدفـاً سـامياً للحياة يستطيع أن يعيه كل البشـر... و هو السبق في أداء صـالح الأعمـال، و أن يرفعوا شعار الإحسان حتى يتحقق لهم اجتياز اختبار المرحلة الأولى أو الحياة التي نعرفها إلى مرحلة الموت ثم إلى الحياة مرة أخرى... و هكذا يجب أن تـكون حياة المسلم و حياة البشر في الخير ومن أجل الخير... فهل جاءت فلسفة بمثل هذا.. إنه الكمال و الإبداع في الحكمة من خلق الإنسان جاء بها القرآن استكمالا لكمال هذا الكون بجماله و إبداعه حين تصير لوحة الوجود مكتملة للخالق المصور الرحمن الواحد الأحد... لوحة يعمها الانسجام و التجانس و الرحمة في آن واحد.
ثم نأتي إلى الآية التالية في تسلسل هذه الآيات... و قد جـاءت تستكمل الأدلة و البراهين على وحدانية الله عز وجل، و على رحمته في إظهـار هذه الأدلة أمام كل من له عقل أو بصر، فيقول الحق الذيخلق سبع سموات طباقا، مـا ترى في خلق الرحمن من تفاوت.. إن من يتعمق ببصره في بناء هذا الكون و ينظر إلى السماء الممتدة فوقه، يجد التطابق و التمـاثل سمة كل شيء، و عندمـا نتوقف عند الرقم 7 في الآية الكريمة نرى أن هذا الرقم يفيد التعداد التكراري في دورات لا تنتهي كمـا اعتاد العرب أن يستخدموه... كما نراهم في استخدام هذا الرقم في تكرار أيام الأسبوع التي تتكرر في دورات لا تنتهي كل منهـا سبعة أيام... وهكذا استخدم القرآن هذا الرقم في تعداد السماوات التي تتكرر دوراتها و أعدادهـا و مجراتها و بروجها و نجومها مئات و ملايين و مليارات المرات... و في صور مختلفة ومتعددة و مجموعات قطبية و نجمية و مجرات و حارات و نظم متعددة لا نعلم منها إلا القليل و لم تصل علومنا و أبصـارنـا لفهمـا بعد و لكن جـاء ذكرهـا في كتاب الله بهذا القول الشامل و الجامع... الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا...و كما أن الأعداد عند العرب كانت تقف عند الألف، فلا يوجد رقم معجز يتسع لأعداد بالمليارات سوى هذا الرقم التكراري اللانهائي ... و في كل مجموعة نجمية نجد نجم يدور حوله مجموعة من الكواكب، و كل نجم هو كرة هـائلة من الهيدروجين تحترق في اندماج نووي لتخرج لنا هذا الضوء الذي تبعثه إلينا كما تبعث الشمس الضوء و الحرارة، و كل نجم له دورات، و كل مجموعة من النجوم تشترك في مجرة هـائلة الحجم تدور فيهـا النجوم حول مركز للمجرة، و تدور المجرات نفسهـا في حـارات كونية هـائلة الامتداد حول مركز للكون بأبعـاد لا يتخيلهـا عقل و تتحرك بسرعة هائلة كأنها تندفع إلى مصير و نهاية لا يعلمها إلا خالقهـا الذي يحدثنا سبحانه و تعالى عنها بأحكم و أكمل الكلمات... و كل هذه الكواكب و النجوم و المجرات... بل كل حـارات الكون التي يصل عددهـا كما ذكرنا إلى بلايين و بلايين تدور أيضـا و تتكرر و تتطابق جميعهـا في مـادتهـا و أشكالهـا و أطوارهـا و أعمارهـا و القوانين السارية عليهـا و التي تـطيعهـا و تلتزم بالمثول أمامهـا، كواكب تتطابق في مادتها و نشأتها و دورانها حول بعضها و حول نجم محدد لكل مجموعة منها...و نجوم تتطابق في مادتها و نشأتها و حياتها و موتها و حركتها و التفافها و إشعاعهـا و في مجرات كل منها ما تدور حوله و معه و إليه و عنه... و مجرات تتطابق و حارات تتطابق في دورات لا تنتهي، وتتكرر و تتكرر هذه الدورات حتى يصل أعداد كل منهـا إلى بلايين و بلايين، كل هذه المعاني نستشفها في هذه الإشـارة القرآنية المعجزة بقول الحق دون إسراف يتعب الأولين و الآخرين أو يصعب فهمه و إدراكه على أي إنسان مهمـا بلغ علمه من البساطة أو التعقيد... الذي خلق سبع سماوات طباقـاً ... أي إعجـاز هذا و أي إبداع و أي إيجـاز و أي إلمـام بهذا القول كــإعلان شامل و كامل من الله سبحانه وتعالى.
إن مـا أثبتته العلوم الحديثة التي تبنى عليهـا الاختراعات و الأجهزة و المعدات العلمية و الهندسية و الطبية أن جميع المواد و الأجسام التي جاء منها صنع السماوات و الأرض و كل ما حولنـا تتكون من أجسام دقيقة و متناهية في الصغر تسمى الذرات، و أن ذرات جميع المواد متشابهـة في خلقهـا و تكوينهـا و الحركة التي تتم بداخلهـا... إنهـا جميعـا تتكون من نواة في مركز الذرة... و تتركز في هذه النواة كتلة الذرة و شحنتهـا الموجبة.. و تدور حول هذه النواة جسيمـات صغيرة جدا تسمى الإلكترونات و لهـا شحنة سالبة.. و تدور هذه الجسيمات حول نواة الذرة دون أن تلتصق بهـا و كأنهـا تسبح لخالقهـا الرحمن.. و من دوران هذه الجسيمـات حول نواة الذرة يصير للذرة حجمـا و للمـادة وجود... أي لولا دوران هذه الجسيمات داخل الذرة لمـا كان لمـا حولنـا من جبال و مباني حجم أو وجود يذكر و لتحول الجمل بحجمه الضخم إلى مقدار شعرة رأس و تمكن من أن ينفذ بكتلته هذه الهائلة من ثقب المغزل... و كل مـا في هذا الوجود من أقمـار و كواكب و نجوم و شموس و حديد و نحاس و مـاء و هواء و صخور و تلال يتكون من ذرات تستقر هيئتهـا على هذا المنوال الثابت فيهـا جميعـاً و كأنهـا تقوم جميعاً بالتسبيح الواحد المتوحد لجلال الله بنغمة واحدة و نظام واحد و تشكيل واحد، نظمه خالق هذا الكون و ارتضاه أسلوباً لخلقه في التسبيح بعظمته و السجود لجلاله، بلا تفاوت أو اختلاف بين ذرة تراهـا في قاع محيط أو على قمة جبل أو في المريخ أو من الشمس... و لا تجد شيء له وجود في هذا الكون دون أن يأتي بناؤه من ذرات على هذا المنوال و بهذا الأسلوب الواحد في التسبيح... فالكل من خلق إله واحد هو الرحمن و يسبح له بنظام ثابت و تشكيل لا يتغير و لا يتبدل في كل بنيان أو تكوين... و هكذا جاء هذا البرهان على وحدانية و رحمة الله في كتابه بهذه الكلمات السبعة المضيئة و المعجزة.. ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت... حقاً، لا يوجد أي اختلاف في خلق الله، و كل هذا الكون من خلق الله الذي جاء برحمته متوحداً في ناموسه وسننه و قوانينه و أطواره و أشكاله و تكوينه و وحدات بنائه و إعماره و دوراته... يحمل علامة الرحمة التي لا يملكهـا سواه... فهو خلق الرحمن، الذي أوجد هذا التوحد برحمته حتى لا تكد العقول في الإيمان بوحدانيته... و هذه الذرة التي تعد وحدة البناء و إحدى العلامات المميزة لخلق الرحمن تقف دليلاً على رحمته و وحدانيته بالتطابق في كل شيء و التماثل في كل ما حولنا دون وجود أي خلق بوحدة أخرى غير هذه الذرة.
إننـا لو امتدت أبصارنـا إلى المجموعة الشمسية فسنجد أن حجمهـا الهـائل يأتي من دوران مجموعة الكواكب التـابعة لهـا حول الشمس.. و أن كتلة المجموعة الشمسية تتركز أسـاسـاً في الشمس... و لهذا تنجذب هذه الكواكب في دورانهـا إلى الشمس تمـامـا مثل مـا تتركز كتلة الذرة في نواتهـا و تنجذب الإلكترونات في دورانهـا إلى النواة... هكذا تتمـاثل المجموعة الشمسية و كل المجموعات النجمية التي جاء منها بناء السماء مع أي ذرة في هذا الكون و التي جـاء منهـا بناء كل مـا نراه كما جاء منهـا بناء النجوم و الكواكب و كل ما نراه من جبال و محيطات و أجسام أيضـا..
فـلولا التفاف الكواكب حول نجومها و الـتـفاف النجوم حول مركز المجرة لما كان للكون أيضـاً هذه الأبعاد الهـائلة... ثم نرى أن كل مـا يسرى على أفلاك الكواكب حول الشمس من قوانين و علاقات يسرى أيضـاً على أفلاك الإلكترونات حول النواة... إنهـا قوانين و سنن سنهـا خـالق واحد برحمته كي يدلنـا على وحدانيته.. يخضع لهـا كل شيء دون تفاوت مهمـا كان حجمه متناهيا في الصغر أو موغلا في الكبر.. فالكل من خلقه و الكل خـاضع لمشيئته... و الكل يسعى برحمته.
و إذا رجعنـا بالبصر مرة أخرى فسنجد أن جميع الأجسام و الأشياء من حولنـا تتشكل من عدد محدود من ذرات عناصر كيميائيه تمكن العلمـاء من حصرهـا فيما لا يزيد عـن مـائة و عشرون عنصر.. و قد وجد أن جميع الذرات في هذا الكون الممتد تتشابه في تركيبها و تكوينها و مكوناتها و حركتها و قوانينها و أفلاكهـا و نشاطها و خمولها، و لكن تختلف في عدد جسيمات داخل نواة هذه الذرات تسمى البروتونات، ويستتبعها أعداد جسيمات أخرى مرتبطة بأعداد هذه البروتونات تسمى النيوترونات و الإلكترونات.. وبهذا الاختلاف تتغير الصفات عنصر عن عنصر آخر.. و لكن ذرة الهيدروجين على الأرض و في الشمس و في القمر و في كل النجوم لها نفس التركيب و نفس الأعداد للجسيمات داخل ذرتهـا و كذلك جميع العناصر الأخرى و التي تم حصرها في بضع و مائة عنصر... و قد وجد العلماء انه بترتيب هذه الذرات بحسب أعداد البروتونات فى نواة كل عنصر في دورات سباعية ( أو سبعة مجموعات )... فإن خصائص عناصر كل مجموعة تتكرر و تتماثل في صورة دورية...حيث تتشابه توزيع إلكترونات هذه الذرات في أفلاكهـا حول النواة و تتشابه أيضاً عناصر كل مجموعة من هذه المجموعات في طرق اتحادهاً بالعناصر الأخرى و حالتهـا في كل درجة حرارة و نشاطهـاً و ارتباطهاً و الخواص الطبيعية و الكيميائية لهذه العناصر.. إنهـا مرتبة و معدة بيد خـالق رحيم في هذه المجموعات السبعة... ألا يحمل هذا الرقم الذي حدده الخالق عددا لمراحل خلقه ثم جعله في كل الأجناس و الأزمان و الأديان عددا لأيام الأسبوع ثم وضعه في كتابه رمزاً لتعدد سماواته سراً لوحدانيته... لقد وجدنا بعد ترتيب العناصر بهذا الأسلوب الالتزام الكامل لكل منهـا حسب قوانين ثابتة تخضع لهـا جميعـهاً دون اختلاف أو تفـاوت.. و بهذه القوانين التي سنهـا الخـالق تتحد و تتآلف الذرات من مختلف العناصر بطرق ثابتة و محددة لتكون آلاف المركبات التي تملأ السماوات و الأرض... فصخور القمر و رمـال الأرض و غـازات الشمس و كواكب مثل الزهرة و المريخ و عطارد كلهـا جميعـا جـاءت من هذه العنـاصر المحددة و بطرق ثابتة دون تفـاوت.. فالكل من خلق إله واحد هو الرحمن... و الكل يقيم بنائه و وجوده بالتسبيح لخالقه الرحمن بلغة موحدة و بتسبيح محدد... سبحانه و تعالى.. و لو توقف تسبيحهـا أو حركتها التي تجعل لها حجماً و وجوداً لانهـارت السماوات و الأرض.. و يحضرنا في هذا السياق أن نتذكر هذه الآية من سورة الإسراء حيث يقول الحق تسبح له السماوات السبع و الأرض و من فيهن و إن من شيء إلا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا.
و كما تتراص هذه الذرات بأعداد محدودة لتكون المركبات الغير عضوية مثل الصخور و الرمال و الجبال و المياه... فإنهـا تتراص أيضـاً و بصورة موحدة أيضا لتكون المركبات العضوية أو التي تكون الأعضاء التي نراهـا في كل كائن حي... و مـا يبهر حقاً أنك ترى أن أي مركب من هذه المركبات يتكون من ملايين من الذرات و قد تراصت و ترتبت بترتيب ثابت دون اختلاف بإعجـاز و إبداع.... إنهـا حقـا تدل كل من له عقل أن بناؤهـا قد تم بيد إله واحد و خالق واحد.. هو الرحمن
إن أصغر و أدق كائن حي هو الخلية الحية... و كمـا أن الذرة بشكلهـا الثابت الذي أرتاه العلماء هي وحدة البناء الأساسية لكل مادة في هذا الكون... كذلك نجد أن الخلية الحية بشكلهـا الذي يراه العلمـاء هي وحدة البناء الأساسية لكل المخلوقات الحية.. شكل واحد بمركبات واحدة و بأنماط و أطوار واحدة لخـالق واحد، هو الرحمن... هذه الذرات التي ينشأ منهـا مركبات الطين و التراب في الأرض هي التي تراصت في سلاسل كيميائية بارعة و باهرة الخلق و الصنع لتبنى تكوينا و خلقـا آخر يشابه أيضـا الذرة أو وحدة البـناء الأولى من حيث الشكل العـام... كما في وسط الذرة نواة تحدد بأعداد بروتوناتها صفات كل ذرة أو كل عنصر... نجد في وسط الخلية نواة تتحدد بأعداد جسيماتها صفات الخلية و المهـام و الوظـائف لكل منها... و تتكون الخلية من مركبات تسمى الأحماض النووية و كلهـا جـاءت من ذرات العناصر المعروفة و بترتيب معجز و ثابت في كل مخلوقات الله عليها خاتم الصانع الذي سمي خلقه بهذا الاسم "خلق الرحمن".. و تسبح هذه النواة في وسط سـائل هلامي يحيط بهـا و يدور حولهـا و ينفذ مـا تمليه عليه النواة من مهـام... و يتكون هذا الوسط أيضـا من جزيئات عملاقة يصل تعداد ذراتهـا إلى الملايين و البلايين التي تراصت أيضـا بترتيب ثابت و معجز في جميع الخلايـا الحية و يطلق عليهـا اسم الأحماض الامينية... و في هذه الأحمـاض المكونة التي جـاءت من الطين توهب الحياة... كيف ؟ و مـا هي مـادة هذهالعلمـاء.تي وهبهـا الخـالق لهـا جميعـا لتحي جميعهـا بصورة واحدة ؟ هنـا يعجز العلم و العلمـاء.. و ليس أمامهم إلا أن يؤمنوا و يقروا بمـا جـاء بإعلان الخـالق سبحـانه بهذه الكلمـات المعجزة في قرآنه الكريم ماترى في خلق الرحمن من تفاوت... إنه الرحمة و خلق الرحمن
إن تماثل وحدة البـنـاء في كل المخلوقات الحية دليل قائم على وحدانية الله و رحمته... و كما أن ذرة كل عنصر تتماثل مع عناصر الذرات الأخرى في التركيب و التشكيل و القوانين و الحركات و الأفلاك و تختلف من عنصر إلى آخر في عدد تلك الجسيمات داخل نواة الذرة و التي تسمى البروتونات... كذلك نجد أن كل الخلايا الحية تتحد في أشكالها و قوانينها و تنفسها و إخراجها و غذائها و موتها و حياتها و تكاثرها.. و تختلف أيضا في أعداد جسيمات داخل النواة و تسمى الكروموسومات... و تتماثل أعداد هذه الكر وموسومات في كل مخلوق حي... فخلية الإنسان بها 46 كروموزوم، و القطة بها 24 و الفأر بها 28، و هكذا لكل مخلوق حي... و يتكون كل كروم وزم من مئات آلاف الجينات... وتتماثل هذه الجينات أو الشفرات حيث تحمل الصفات الوراثية و السجل لجميع الوظائف و المهام لكل إنسان و لكل عضو أو نسيج أو خلية بالتحديد...و بحسب كلام العلماء فإنه مطلوب لتسجيل شفرات الخلية الواحدة عدة ملايين من الصفحات، و هذا في اعتقادهم سوف يستغرق عدة أجيال لاكتشاف أسراره.. إذا لم يخيب ظنهم
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/8/878.jpg
شكل افتراضي لذرة وتدور حولها الإلكترونات
و عندما تتراص هذه الخلايا بجانب بعضهـا بترتيب خـالقهـا تـنشأ الأنسجة الحية.. و تتراص هذه الأنسجة لتكون أعضاء المخلوقات الحية... و من مجموع هذه الأعضـاء تأتى جميع المخلوقات الحية... و يمكن أن تحيى الخلية الحية منفردة في هذا الكون كما يمكن أن تحيى أعظم المخلوقات الحية مثل الإنسان أو الأسد... فكلاهمـا يقوم بنفس الوظائف الحيوية من غذاء و تنفس و إخراج و تكاثر و إحساس... خالق واحد يعدد مخلوقاته من وحدة واحدة و بأسلوب موحد بإبداع و قدرة ورحمة حتى نهتدي إليه و نسبح قائلين و معلنين و مؤذنين لا إله إلا الله... الرحمن.
و لو نظرنا إلى المخلوقات الحية التي تسير و تتحرك و يطلق عليهـا العلمـاء المملكة الحيوانية و من أعضـائهـا الإنسان.. سنجد أنهـا أيضا تتكون من نفس الأنسجة و الأجهزة و الأعضاء الثابتة و المتشابهة في تكوينها و تركيبها... و تتمـاثل أيضا في وظـائفهـا و بنائهـا و تناسقهـا، و لنقف أمام بعض الأجهزة في أجسام المملكة الحيوانية... فنرى كل جهاز يتكون من مجموعة من الأنسجة المتشابهة في كل أعضاء المملكة... و لو قمنا بفحص مجهري لأنسجة معدة الإنسان نجدها تتشابه مع الأنسجة في معدة القط و الفأر و كذلك أمعاء الفيل مع أمعاء الأرنب... و لو نظرنا في كل أعضاء المملكة الحيوانية و نرى أن لها جميعاً الجهاز الهضمي الذي يحول ما نـتـناوله إلى غذاء يمكن امتصاصه في خلايا الجسم و إلى الجهاز التنفسي و هو يستخدم الهواء الجوى ليمد الجسم بالأكسيجين اللازم لاحتراق الغذاء داخل خلايا الجسم فيحصل الجسم و خلاياه على الطاقة اللازمة للدفء و الحركة... و الجهاز الدوري و هو يوزع هذا الأكسيجين و الغذاء على خلايا الجسم فيمدها باحتياجاتها... و الجهاز التناسلي الذي يحفظ لمخلوقات الله نوعهـا... و الجهـاز العصبي الذي يتعامل به الجسم مع المؤثرات الخارجية... و الجهـاز السمعي الذي يتعامل به المخلوق مع أفراد أمته... و الجهـاز البصري الذي يدرك به المخلوق ما حوله .. و نرى كيف تستمع كل المخلوقات الأصوات التي لهـا نفس الترددات و ترى بالضوء الذي له نفس أطوال الموجـات وتميزها بنفس الطريقة و الأسلوب... و كيف تتنفس جميعا نفس الأكسيجين الموجود في الهواء... و كمـا أن لكل أعضاء المملكة الحيوانية نفس الأنسجة و الوظائف نجد أنهـا أيضـا لهـا نفس الأعضـاء... فالكل له رأس و أقدام و يدان.. و بالرأس فم و أنف و عينان و مخ بفصوصه و تكوينه الثابت... و الكل له بطن و صدر و أعضاء تناسلية و جلد... و في الطير تتحول اليدان إلى جناحان و تتحول في الأسماك إلى زعانف.. إنهـا جميعـا خلق واحد لإله واحد أنشأ خلقه كله بناموس واحد.. بلا تفاوت.. فكانت رحمته الثابتة في كل شيء.. و كمـا يتميز كل صـانع بصفة ثابتة تجدهـا في صنعته.. فكذلك يتميز خلق الله بالرحمة و الوحدانية التي تجدهـا في كل شيء.. خلقـا واحدا يشيع فيه رحمة ثابتة من خلية واحدة بتكوين ثابت و أنسجة واحدة وأجهزة واحدة و أعضاء واحدة جاءت كلها بصناعة يد رحيمة واحدة
إن اتحـاد و تآلف الذرات جميعـا لتكوين هذه المركبات و الأحماض رحمة.. و اتحـاد الخلايا لتكون هذه الأنسجة التي تحقق الحياة الكاملة و البقاء المستقل رحمة.. و البصر رحمة و السمع رحمة و الأبوة رحمة و الأمومة رحمة و البنوة لرحمة و الماء رحمة و الهواء رحمة و القرآن رحمة و كل ما حولنـا رحمة ومن خلق الرحمن و لن يسعنـا في تعداد رحمة الله التي جاءت بسنة واحدة تأكيدا لوحدانيته كل مجلدات الأرض كي نعطى هذه الآية الكريمة حقها مما أفاض لله به على البشرية من رؤى و علوم.
إنـنـا لو تجولنـا بأبصـارنـا مرة أخرى إلى تلك المخلوقات التي يكسوهـا الله باللون الأخضر و تسمى بالمـمـلكة النباتية فسنجد أنهـا جاءت أيضـا جميعهـا برحمة الله لتؤدى دوراً مطلوبا لحياة أعضـاء المملكة الحيوانية و بقائهـا... فقد جـاء خلق المملكة النبـاتية بنفس وحدة البنـاء التي تقيم المملكة الحيوانية و هي الخلية الحية بنفس التركيب و الأحمـاض.. ثم تميزت هذه المملكة بالأوراق الخضراء التي تقوم بأهم عملية لبقـاء النبات و الحيوان معـا.. حيث تعد هذه الأوراق الخضراء غذاء كل الأحياء من الهواء و المـاء و ضوء الشمس و ما تمتصه الجذور من مركبات الأرض و طينهـا
إن النبات يمتص غـاز ثاني أكسيد الكربون الناتج من تنفس الحيوان و يخرج له مرة أخرى غـاز الأكسيجين الذي يحتاجه الحيوان أو الإنسان ليحترق به الغذاء داخل جسمه مرة أخرى... هكذا يعيش هذا على هذا و كلاهمـا بنفس التركيب... ثم يوفر النبات للإنسان أو الحيوان بغاز ثاني أكسيد الكربون و ضوء الشمس ما يحتاجه من طاقة يتحركون و يستمتعون بهـا.. إنه التكامل و الترابط و توزيع الأدوار بيد الله الخـالق الواحد دون تفـاوت.. إن تكامل المملكة النباتية و الحيوانية و تشابكهـا و تآلفهـا دليل أنهـا حقـا جـاءت من إله واحد أو أنهـا جميعـا خلق الرحمن
ثم لهـارنـا مرة أخرى إلى أعضاء المملكة النباتية فسنجد أن جميع النباتات مع اختلاف أشكالهـا و أطوالهـا و مذاقهـا و يصل عددهـا إلى ملايين الأنواع و الأشكال و الأصناف تتكون جميعهـا من جذور تمتص مـاء واحد و مـا يذيبه هذا المـاء من مركبات الأرض... ثم لهـا سيقان و أوراق خضراء تقوم جميعهـا بنفس الوظـائف .. المـاء واحد و اللون واحد و الوظائف واحدة.. كلهـا جـاءت لتتفق مع إعلان الخالق في خاتم كتبه ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت
هكذا نرى أيضـا أن كل مـا حولنـا من ظواهر طبيعية و حركات و سكنات تخضع جميعـاً لقوانين ثـابتة يكتشف منهـا العلمـاء شيئـاً جديداً في كل يوم.. إن خضوعهـاً و التزامهـا جميعاً بهذه القوانين التي وضعهـا الخالق سبحـانه و تعـالى ينشأ منهـا هذا الانتظام الكامل في الكون رغم امتداده اللانهائي زمناً و وجوداً... وهذا هو أعمق دليل على وحدانية الله و رحمته
إن من يتعمق في القوانين الطبيعية التي نكتشفهـا يجد أن كل شيء مهما كان حجمه أو وزنه يخضع لهـذه القوانين بكل التزام... فلا يسعـنا إلا أن نقر برحمة الخالق بنـا و في كل خلقه.. قانون الغـازات المثالية الذي يخضع له كل الغـازات على اختلافهـا و ألوانهـا و أشكالهـا و أوزانهـا، بل و كل مواد الأرض، فمـا من مـادة إلا و يمكن أن تجدهـا في الحـالة الغازية التي تخضع لهذا القانون... من الذي أخضع كل شيء لقانون واحد ثابت لا يخضع لقياساتنـا و لكنه ثابت أمام كل طرق القياسات.. إنجليزية أو فرنسية أو عالمية... و الثلاثة أوجه التي تجد عليهـا المواد هي في كل خواصهـا عندمـا تكون غـازية أو سائلة أو صلبة.. فالحديد الصلب كالثلج الصلب و النيتروجين الصلب و عندما ينصهر الحديد تجده سائلا مثل الماء و مثل النيتروجين سائلاً... و عندما يتحول الحديد إلى أبخرة تجد له نفس خواص بخار الماء و النيتروجين و تسرى عليهـا نفس القوانين... و قوانين الحركة التي تخضع لهـا كل حركات و سكنات كل الأشياء في هذا الكون من حولنـا.. كرة المضرب و الكرة الأرضية... الذرة في المفاعل النووي و الذرة في باطن الشمس... الـطائرة و الطـائر... السمكة و الباخرة... الإلكترون حول النواة و الأرض حول الشمس... قوانين انتقال الحرارة و الطاقة و المـادة و كمية الحركة التي تتمـاثل جميعـاً و يخضع لهـا كل تغير يحدث في هذا الكون.. وإذا مـا كتبت هذه القوانين بالصورة التي لا تخضع لمـا يضعه البشر من أوزان و أطوال.. تجدهـا سـارية على كل الظواهر و التغيرات في كل الكون و مـا يسرى به أو عليه...و يطلق العلمـاء على القوانين التي تستنتج بهذه الكيفية قوانين التمـاثل و تنشأ من ظـاهرة التمـاثل بين كل شيء و في كل شيء و أن كل شيء في هذا الكون محكومـاً بلا تفاوت... فما يجده العلماء في أنبوبة صغيرة يماثل مـا يحدث في أكبر الأنهـار... و مـا يجدونه في معمل صغير يمـاثل مـا يحدث في الكون الممتد، و ما يحدث في ذرة صغيرة يماثل ما يحدث في أعتى المجموعات الكونية... الترابط و الانسجام و الوحدة الكاملة بين كل حلقات هذا الكون الممتد بلا تفاوت حقيقة ماثلة يراهـا البسطاء و العلمـاء برحمة الله و هدايته
... ثم أن العلوم الحديثة قد اكتشفت قانون بقاء الطاقة ثم قانون بقاء المادة ثم جـاءت النظرية النسبية لتقول أن المـادة و الطـاقة جـاءتا من جوهر واحد لهمـا نفس الطبيعة... فالمـادة طور من أطوار الوجود لا يعلم نهـايتهـا و بدايتها إلا الله الذي يدبر بقائها برحمته و بدون تفاوت
و كمـا ذكرنـا فيما سبق أن وحدة بناء كل هذا الكون هي الذرة و وحدة بناء كل الأحياء هي الخلية الحية.. و لكن من في هذا الكون يستطيع أن يخلق ذرة رغم صغر حجمهـا.. يتحرك فيهـا عالم من الإلكترونات و النيوترونات و البروتونات دون توقف أو تداخل في الاختصاصات.. و لو توقفت أو تداخلت لكان انهياراً للكون بقوانينه و أحجامه و وجوده... أو من يستطيع أن يخلق خلية من هذه الذرات رغم معرفتنـا بتركيبهـا و أن يهب لخلية واحدة القدرة على أن تحيى و تتحرك و تتنفس و تتكاثر و تخرج و تؤدى مهام لها و لجيرانها..
إنه إعجـاز خـالق وصف خلقه بأنه خلق الرحمن... و الرحمن اسم من أسماء الله الحسنى اختص به نفسه و لم يطلق على أحد سواه.. فكل هذا من صنع خالق نسج برحمته و قدرته كل هذا الخلق و كل هذا الكون من نفس اللبنات و بنفس الوحدات... فجـاء هذا التوافق و الانسجام و الترابط و الالتحام... هذه الوحدة التي تدل على وحدانيته برحمته و بالفطرة التي فطرنا عليها... ثم جاء رسوله بالهدى و هذا النور الكامل و الشامل يضيء لنـا برحمته الهداية إلى وحدانيته حتى نشهد أنه لا إله إلا هــو سبحـانه و تعالى رحمة منه و فضلا به و له.
لقد أمرنا الخالق في الآية الثالثة أن نرجع البصر... لنرى هل هناك فبما نراه حولنا ما يدل أن هناك خالق غير الله... أم أن هذا الكون كله جاء بيد واحدة دون أي اختلاف كما ذكرنا ثم نأتي إلى الآية الرابعة في تسلسل هذه الآيات حيث يأمرنـا الله عز و جل بأن تمتد أبصـارنـا إلى أقصى مـا ندركه فيمـا حولنـا.. بدءا من أقرب أو أصغر الأشياء و انتهاء بأبعدهـا أو أكبرهـا... و إذا مـا ابتدأنـا بما يمكن أن نعيه بأبصارنا و هو الجبال و رأينا قدرة الله في تثبيتها في الأرض ارتفاعهـا رغم كل ما يقيمه البشر من عمارات ينهار.. ثم تجولنا إلى الأصغر فالأصغر حتى نصل إلى الذرة و هي أصغر الأشياء... فسنجد مداركنـا و أبصـارنـا تعجز حقاً عن أن تصل إلى مـا يحدث فيهـا وما يدور في أفلاكهـا، و كل مـا نقوله عنهـا هو محض افتراضات يؤيدهـا النتائج و ليس المشاهدات.. و هكذا نقر بأن أبصارنـا تنحسر عن تعدي حدود حددهـا الله لنـا حتى في هذه الأشياء التي تتكون منهـا أجسامنا و كل مـا حولنـا، و لكن تبنى نظرياتنا على ما نفترضه فيها من أجسام و أشكال و تحركات و طاقات و انبعاثات، و لا يمكن لأعظم مجهر أن يتغلغل داخل الذرة كي نرى بأبصارنا ما تؤكده نظرياتنا و تعتمد عليه كل علومنا... هكذا تعتمد العلوم على عدم رؤية لأساس هذه العلوم... ألا يكون هذا واعظاً لمن ينكرون وجود الله لأنهم لا يرونه رغم اعتماد كل العلوم على ما لا ترى... هكذا اقتضت حكمة الله أن تكون لأبصارنا حدودا تنحسر دونها في هذا الكون القائم بحكمته كما جاءت في الآية الرابعة.
ثم ارجع البصر كرتين، ينقلب إليك البصر خـاسئا و هو حسير..... ثم تعالوا ننفذ أمر الله و تمتد أبصارنا لما هو أكبر من الجبل... إلى هذا الكون الذي يمتد إلى مـا لا نهـاية لـه زمـانـا و مكـانـا... فهـل تستطيع أبصـارنـا و مداركنا أن تدرك هذا الكون أو مـا ليس له حــدود... لقد خلقنا الله بأبعاد محددة و أعمـار محدده.. فهل يمكن أن يدرك المحدود اللامحدود ... هنا يأتي اعترافنا بالعجز و الانحسار... أي ينحسر بصرنا عن تعدى الحدود التي حددهـا الخـالق بعداً كما انحسرت قرباًَ... لقد أثبتت العلوم الحديثة أن هناك نـجومـاً في السمـاء على بعد من الأرض يبلغ آلاف ملايين السنين الضوئية.. و السنة الضوئية تمثل أبعـاداً و مسافات.. معنى هذا أن الضوء الذي نرى به هذه النجوم قد أرسلته إلينـا منذ هذه السنين التي لا تعد و أخذ الضوء كل هذه الدهور السحيقة حتى يقطع هذه المسافات الفاصلة و يصل إلينـا... أي أن هذا النجم كان موجودا هناك قبل خلق الأرض و مـا عليها و من عليهـا منذ بلايين السنين.. هل تستطيع حقـا عقولنـا أن تستوعب هذه الأبعاد مكانـا و أزمنة... ثم هل لهذا الكون غلافا يغلفه... أو أنه كون مفتوح حتى المالا نهاية.. و كيف تكون هذه المالا نهاية... لا قدرة لعقولنا على استيعاب هذه الأبعاد و لا قدرة لأبصارنا رغم وجود اعتي التلسكوبات أن ترى حتى هذه الأبعاد... و هكذا تأتى الآية الرابعة لتعيد الإنسان إلى معرفة قصوره و عجزه بقول الحق
" ثم ارجع البصر كرتين، ينقلب إليك البصر خـاسئا و هو حسير "... هذا هو الإنسان.. محدود في رؤيـاه صغراً أو كبراً... و محدود في مداركه... بعداً أو قربـاً... زمنـاً أو مكـانـاً... فلا مجـال لغروره عندما يعلن أنه اكتشف مـا اكتشف.. و لكن عليه دائمـاً أن يقر أنه إذا مـا تطـاول في أي مجـال، فإنه سيرتد ببصره و بنفسه خـاسئا أمام عظمة خلق الرحمن من حوله و هو حسير.. ينحسر و لا يتطاول إلى ما لا قدرة له عليه صغراً و كبراً... لهذا جاء قول الحق كرتين...كرة لما هو أصغر فأصغر حتى يصل إلى تلك البذرة الضئيلة التي بنى علها نظرياته، و كرة إذا ما ذهب إلى الأكبر فالأكبر فيصل إلى الكون الذي لا يتخيل أبعاده... فكيف به يتطاول و يقول " أرنا الله جهرة "... و كان أولى به أن يعلم أنه عاجز ببصره و بصيرته أن يرى أصغر خلق الله ثم هذا الكون الذي خلقه الله و الممتد بعلم الله و قدرته.
و أخيرا و قد وقفنـا أمـام أربع آيـات من كتاب الله العزيز الرحيم... و اهتدينـا بمعـانيهـا و أرسلنـا البصر في هذا الكون مرات و مرات لنرى أوجه الإعجـاز التي لا تعد في هندسة الكون و هذا البنـاء و رأينـا كيف حوت هذه الآيات معاني لا تعد و لا تحصى... ثم رأينـا أنه لو اجتمع علمـاء الأرض بمـا عرفوه فلن يستطيعوا يأتوا بأدق و أشمل و أجمل من هذه الكلمات و الآيات التي تعطى البرهان و الحقائق و تهدى إلى الحق و التوحيد دون أن يأتيهـا الباطل في الماضي أو الحـاضر و المستقبل مصداقـا لقول اله عز و جل:
قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا "... " فبأي حديث بعد يؤمنون "
صدق الله العظيم
أفــلا يــؤمنـون
القلب الحزين
10-12-2013, 08:47 PM
تأملات إيمانية من سورة تبارك ج2
أ.د. ســلامه عبد الهادي
أستاذ في علوم إدارة الطاقة وعميد سابق للمعهد العالي للطاقة بأسوان
و تعالوا نستكمل تأملاتنا أمام آية أخرى من هذه السورة الكريمة، التي لهـا فضل كبير بين سور القرآن الكريم، فهي الواقية و هي المنجية، كما أخبر عنهـا سيد المرسلين، و نسأل الله أن ينجينـا بهـا بإذن الله.
نقف أمام الآية 19 و التي يأتي فيهـا قول الحق: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات و يقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن، إنه بكل شيء بصير).
لقد بدأت الآية الكريمة بهذا السؤال الاستهجاني الذي لا يستطيع أي إنسان لديه القدرة عل الرؤية والتبصر أن يحجب الحقيقة الناصعة بكفره أو أن ينكر الحق وهو ماثل أمامه... كيف لهذا الجسم الذي له وزن أن يقاوم قوانين الجاذبية دون أن يهوى إلى الأرض... ثم يخبرنا الحق أن ما يحقق للطير هذا الاتزان والاستقرار فى الطيران ويمسكهـا عن السقوط، هي رحمة الله و بصيرته وقدرته... ليست الطبيعة، و لكنهـا حكمة الخالق التي سخرت الطبيعة... إنهـا قوانين رحمة الله الخالق البصير التي فرضهـا وأخضع لهـا الطبيعة أو تمسكت بهـا الطبيعة طائعة مستجيبة، فالتزم بهـا الهواء فى دفعه ورفعه للطير وأمسكت الطير فى تحليقه فى أجواء السمـاء، فحفظ له استقراره واتزانه، إن هذه الكلمة التي وضعهـا الخالق بقوله تعالى: "ما يمسكهن" تدل على أن كل ما يجرى فى هذا الكون من حركات وسكنات وصعود وهبوط و دوران وانطلاق هو من منطلق خضوع كل شيء لقدرة الله ورحمته وحكمته... وإن اختص بهـا الحق فى هذا القول الطير... ولكنهـا سارية فى كل ما نراه حولنا من إمساك السمك فى الماء والنحل فى الجبال وكل مخلوق من حولنا فى حياته وأحواله.
تصف الآية أيضاً وضعين متمايزين للطيور أثناء تحليقها، الوضع الأول عندمـا تطير صافات أي باسطات أجنحتهن وسابحات فى أسراب متناسقة وصفوف منتظمة، تستغل فى اندفاعهـا ما يسره الله لهـا من قدرة على تقوس أجنحتهـا والميل بهـا للمناورة فى الحركة وتوجيه ذيلهـا وخفض رأسهـا وخفة وزنهـا وانسيابية جسمهـا فتظل سابحة فى الهواء الذي فرض الله عليه قوانين رحمته، وإذا نظرنا على سبيل المثال إلى اختلاف درجة تقوس السطح العلوي لجناح الطير عن سطحه السفلى عنددما تبسط أجنحتهـا، حيث يؤدى هذا الاختلاف إلى زيادة ضغط الهواء أسفل الجناح عن الضغط أعلى الجناح، فيتمكن الهواء من رفع الطير إلى أعلى بقوة تفوق وزنه، و كذلك عندمـا ننظر كيف يخفض الطائر رأسه تحت مستوى جناحيه كي يقلل مقاومة الهواء لحركته أثناء اندفاعه، فسنرى حقـاً أن ما يمسك الطيور وهي صافات هو من صنع إله رحيم وهداية رب بصير كما تنص هذه الآية الكريمة بأدق وأصدق الكلمات.
ثم تصف الآية بالرغم من كلماتهـا المحدودة وضعـاً ثانياً أثناء حركة الطير، عندما يقبضن أجنحتهن، و ذلك بما هيأه الله لهذه الطيور من قدرات على الإحساس باتجاهات وقوة التيارات الهوائية من حولهـا، فما أن تشعر بريح مواتية قادرة على رفعهـا، تقبض أجنحتهـا للاستراحة والاستعانة بهذه الرياح لرفعهـا، و لأن الغالب هو بسط الجناحين فعبرت الآية الكريمة عنه بصيغة اسم الفاعل "صافات" ... ولأن القبض يأتي متجدداً بحسب ظروف طيرانها جاء ذكره بصيغة الفعل لقلته بقوله سبحانه وتعالى... " و يقبضن"
و إذا عدنا مرة أخرى إلى بداية الآية الكريمة للرد على هذا الاستفسار الرباني بقول الحق "أو لم يروا "... نجد أن الإنسان عندما تدبر أيضا جسم الطائر من أسرار، اكتشف الأسرار والأشكال الهندسية التي مكنته من الطيران، فصنع طائرة لهـا جسم يحاكى جسم الطائر فى انسيابيته لتقلل مقاومة الهواء، ومن مواد خفيفة مفرغة كجسم الطائر وريشه كي يتمكن الهواء من حملها، وجناحين تحاكى جناحي الطائر لتستقر حركتها فى الهواء وذو زعانف تحاكى قدرة الطير على تقوس أجنحته عند الطيران للارتفاع والهبوط... و زعانف تحاكى ذيل الطائر لتوجه حركتها فى الطيران، و اكتشف علوم الديناميكا الهوائية وأسرار وخواص الهواء الذي ألزم الخالق الهواء بهـا حتى تمكنه من حمل الطير وإمساكه، ولكن من علم الطير أسرار هذه السباحة الواعية المستقرة التي يعجز عن تنفيذهـا كل البشر بهذه الدقة المتناهية وبهذه القدرة المبدعة وبهذا الاتزان الكامل والاستقرار التام... إن العرب المسلمين هم أول من حاول من خلال طاعته لأمر الله بالنظر إلى الطير أن يحاكى الطير فى طيرانه... و جاء العلماء بعد هذا واخترعوا الطيران الشراعي الذي حاكى أيضا الطير فى طيرانه عندما يطير باسطاً جناحيه بدون محركات تدفعه... حيث تستغل الطائرة الشراعية اندفاعهـا فى تيارات هواء صاعدة فتصعد بهـا إلى أعلى عندما تريد الارتفاع.. والعكس عندما تريد الهبوط... إذا نظرنا إلى حركة الطائرة الشراعية التي اجتهدت عقول البشر كي تصممهـا حتى يمسكهـا الهواء الذي سخره الله وألزمه بالطاعة ونظرنا إلى حركة الطير.. نجد أن الطائرة الشراعية تحتاج إلى معدات تجرهـا على الأرض حتى تكتسب السرعة التي تمكن الهواء من حملهـا ولا تتركهـا هذه المعدات إلا بعد أن تصل إلى الارتفاع المناسب لحركتهـا... و بالرغم منها فكثيرا ما نسمع عن أحداث تحطم الطائرات الشراعية و وفاة قائدهـا... أما الطير فهو ينتقل من الثبات إلى الحركة ومن الحركة إلى الثبات فى سهولة ويسر دون أن يعجز أي طير مهما قل عمره وحجمه عن أداء هذه المهمة.. وتعتمد الطائرة الشراعية على الكثير من المعدات كي تحدد اتجاه حركة الهواء كي تستغله فى دفعهـا وتحركهـا، و بالرغم من كثرة هذه المعدات فإن الطيران الشراعي يسترشد بحركة الطيور فى السماء.. فالطيور هي التي تدلهم بما لديهـا من حواس أودعهـا الخالق بهـا كي يمسكهـا فى طيرانهـا فتقودهم إلى أماكن تيارات الرفع
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/thermal_soaring.jpg الطيور تدل الطيارين من خلال حواس أودعها الخالق بها إلى أماكن تيارات الرفع الحرارية التي تنشأ في الهواء الساخن
الحرارية التي تنشأ من ارتفاع الهواء الساخن إلى أعلى أو من تدفقات الهواء الدوامية على سفوح الجبال والوديان، فإذا تابع قائد الطائرة الشراعية أماكن حركات أسراب الطيور إلى أعلى عندما تكون أقرب إلى القبض، أدرك أن هذا المكان هو مركز للتيارات الصاعدة فيحاول التوجه إليه للصعود إلى أعلى... ما هي هذه الأجهزة المعقدة داخل الطير التي يعي بهـا و يحدد بهـا حركته و اتزانه... إن علومنا و مداركنا ودراستنا تقف عاجزة عن أن تحاكى ما وهبة الخالق لهذا الطير البسيط من قدرات... إنهـا قدرة الخالق الذي يتحدى كل من له رؤية و بصيرة جاء فى هذه الآية عن أن يسجد و يقر برحمته و قدرته وبصيرته... وعندما ندقق الرؤية التي وجهنا الخالق إليهـا ونظرنا إلى الطير كيف يمد ساقيه إذا اقترب من الأرض ثم يرفعهـا ويخفيهـا داخل جسمه عندما يحلق فى السماء كي يقلل مقاومة الهواء لحركته... ثم نظرنا إليه كيف يحدد الارتفاع الذي يستقر عنده فى طيرانه باستخدام قوانين الطفو فى الهواء التي لم يكتشف الإنسان بعد معظم أسرارهـا... ولكن ما تمكن من فهمه ومعرفته ومحاكاته حقق له أن يرتاد الهواء بالطائرات و المناطيد و سفن الهواء التي تحمل معدات ووسائل غاية فى التعقيد لتحقق بعض ما وهبه الخالق لهذه الطيور من قدرات وحركات... سنصل حتما إلى أن وراء هذا الخلق إله عظيم حكيم أعدت كل شيء بالحكمة والرحمة والبصيرة، حقا " ما يمسكهن إلا الرحمن، إنه بكل شيء بصير".
إن ما يميز الطائرة الهليوكبتر عن باقي الطائرات قدرتهـا على الصعود عمودياً، فهي تستخدم مروحة رأسية تدور بمحركات هائلة القدرة تمكنهـا من هذا الصعود العمودي أو الرأسي حتى لا تحتاج إلى مطارات أو مسارات صعود، و تصدر محركاتهـا أزيزاً هائلاً و تطلق غازات ملوثات وعوادم تضر بالبيئة والبشر، ولكن الطير أيضاً يصعد إلى أعلى رأسيا وعمودياً دون الحاجة إلى مطارات، ودون أن يحتاج أيضاً إلى محركات هائلة ودون أن يصدر أزيزاً أو يلوث الهواء بغازات وعوادم.. كيف هذا ؟ إن الرد واضح من هذه الآية المتكاملة: إنها رحمة الإله الرحمن البصير بكل شيء.
أننا نرى الطيور عندمـا تنتقل بين القارات وتصعد إلى طبقات الجو العليا حيث يقل الضغط ودرجة الحرارة، بسبب برودة الجو وانخفاض الضغط فى هذه الطبقات، فإننا نزود الطائرات بمعدات معقدة لتحافظ على الضغط الجوى ودرجات الحرارة المناسبة داخل الطائرة كي لا تتجمد أو تنفجر أجساد ركاب الطائرة، فكيف يتأتى للطيور ذلك الثبات عندما تطير "فوقنا" ؟ ما الذي يمسكهـا مستقرة ثابتة عند هذه الارتفاعات ؟ ، أو ما الذي يحتويه جسم الطائر بحيث يتوازن الضغط داخله ودرجة حرارة جسمه مع هذه المتغيرات ؟ ... تقف علومنا عاجزة حقاً عن سبر هذه الأسرار، و كل ما لدينا من رد أنهـا حقا رحمة الخالق البصير بكل شيء الذي اقتضت إرادته أن يمسكها برحمته كما ينص على هذا قوله الحق فى محكم كتابه.
إننا أيضا إذا اشتملت رؤيتنا تلك الطائرات العادية التي تستخدم عدداً لا يحصى من الوسائل الملاحية كي تهتدي فى مسارهـا، بوصلات وخرائط وأجهزة استقبال وتوجيه ومحطات إرسال وأبراج مراقبة وأقمار صناعية وحاسبات الكترونية و تأمينات، وإذا تحركت فى أسراب فهناك قائد سرب له خبرة شاسعة كي ينظم حركة سربه الذي لا يتعدى بضع طائرات كي لا تصطدم ببعضهـا و فى وقت محدود لا يتعدى الساعات ومسافة محدودة، وهو مزود فى طائرة القيادة بأعقد الوسائل والمعدات، و كثيراً ما نسمع عن حوادث اصطدام وسقوط وارتطام... و لكن من يقود و يوجه أسراب الطير وهي سابحة بأعداد كبيرة يصل بعضهـا إلى الآلاف وفى صفوف متراصة بكل الانتظام والكمال و الجمال، البعض منهـا عند هجرتهـا تعبر القارات والمحيطات فى فترات تتعدى الأسابيع أو الشهور... إذن ملاحين أرضيين أو محطات تبث الإشارات أو تحدد المسافات.. وبالرغم من هذا فلم نسمع عن طيور ضلت الطريق، كما نسمع عن طائرات انحرفت عن مسارهـا و كان الحطام نهـايتهـا... كيف هذا و لديهـا ما لديهـا وهذه الطيور ليس لديها كل هذه التعقيدات... إنهـا رحمة الخالق البصير بكل شيء..
و إذا نظرنا إلى الطاقة التي يحتاجهـا الطير كي يحلق فوق رؤوسنا و يقطع بهـا هذه المسافات، و قارناهـا بما تحتاجه الطائرة لقطع نفس المسافات من وقود وزيوت وشحوم، ووضعنا قوانين النسبة والتناسب، لوجدنـا قدرة وحكمة الخالق الرحمن البصير بكل شيء... فما يحتاجه الطائر ليس أكثر من بعض الحبوب الصغيرة التي سخر الخالق الأرض أن تنبتهـا له، فلا تنوء بحملهـا و هي طائرة... أما الطائرة فتمتلأ خزانات الوقود بما يرهقهـا صعودا وطيرانا حتى تجد ما يمكنهـا من الحركة لقطع أقل المسافات...
هل أمامنا بعد هذا الاستفسار إلا الشهادة بالله الواحد الأحد، الذي يخبرنا فى كتابه بأدق الكلمات أن نرى كيف سخر الهواء ليكون قادراً على حمل الطير، وخلق الطير بحيث يتوافق فى خلقه مع القوانين التي ألزم بهـا الهواء، وخلق الأرض التي تعد للطائر هذا الغذاء والوقود لحركته... وهدى الطير لأن يؤدى حركات لا يقدر أن يؤديهـا أعظم الطيارين بعد تدريبهم فى أعرق الكليات ومعرفتهم لعلوم ديناميكا الطيران والديناميكا الهوائية... هكذا يمسكهن الرحمن برحمته والبصير بقدرته والمرسل الكتاب بعلمه وحكمته، وهكذا نرى الله الواحد الرحمن البصير فى كل شيء عندما نحاول أن نرد على استفساره البليغ فى صدر الآية: أو لم يروا إلى الطير ؟؟؟؟؟.
ثم تعالوا نقف وقفة أخرى أمام آية كريمة قرب نهـاية هذه السورة العظيمة تذكرنا بفضل الله الذي أكرمنا بهذا الخلق... قامة مشدودة و قدرات فريدة ميزتنا عن كل ما حولنا من حيوانات وحشرات وغيرهـا من سلالات الأرض، و بالرغم من هذا لا نوافى حق الكريم الذي أكرمنا بما يليق بكرمه ونعمه من الشكر... حيث يقول الحق فى كتابه " قل هو الذي أنشأكم و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة، قليلا ما تشكرون"... تبدأ الآية بكلمة معجزة لم نعرف شمولهـا إلا بعد أن دخل جامعاتنا علم الإنشاءات... فعندما يقف الإنسان منتصباً على قدميه في أي بقعة من بقاع الأرض ولا يمشى منبطحـاً على أربع كمثل باقي الحيوانات والحشرات من حوله، ألا يثير هذا فضوله، ألا يحاول أن يبحث عمن أتاح له هذا الفضل كي يتوجه إليه بالشكر، ألا يثير فضوله عندما يرى المباني المنشأة بطراز فريد فى أن يتعرف على من وضع تصميمهـا وقام بحساب هيكلهـا الخرساني أو الحديدي حتى يمكن أن تتحمل الأحمال الواقعة عليهـا والإجهـادات التي تتعرض لهـا فتحفظ لهـا ثباتها و استقرارها... ألا يعلم أن قامته المشدودة هكذا تعتمد أيضاً على هيكل خرساني أو عظمى شبيه بالهيكل الخرساني لأي منشأة ويتكون من 206 عظمة بينهـا 365 مفصل، بحيث تجد أن كل عظمة أو مفصل قد صمم بالصلابة و الأبعاد التي تحقق لأي منهـا مقومات الحركة وتحمل الأحمال الواقعة عليهـا فى كل مستوى و التي تتناسب مع ضخامة الجسم و وزنه .... ألا ينظر إلى عظام القدم و كيف تتصل بباقي المنشأ العظمى بأضخم مفصل يتيح له الوقوف منتصباً وهو مفصل الحرقفة الذي يخرج منه خمس عظمات على شكل مجموعة من الجسور تنتهي بخمس نقاط للارتكاز على الأرض.. حيث تشكل نقاط الارتكاز مع المفصل مثلث اتزان بديع الصنع والتصميم والقدرة على التحمل بحيث تعطى هذا الإنشاء أو الهيكل العظمى القدرة على الوقوف ثم الحركة المتزنة فوق الأرض... أنه أشبه بالأساس الخرساني الذي يصب داخل الأرض ليتحمل وزن المنشأة من فوقه، و لكنه قادر أيضـا على أن يتحرك بما عليه من أحمال دون أن ينهـار... ويعقب القدم عظام الساق ثم الفخدين ثم عظام الحوض التي تحمل العمود الفقري، الذي يحمل بدوره عظام الأكتاف (الترقوة) و القفص الصدري والرقبة ثم الرأس فى تسلسل إنشائي بديع الصنع والكمال والجمال والإتقان، عظام ترتبت ونشزت أنسجتهـا فى اتجاهات تتحمل الإجهـادات العمودية والالتوائية والمماسيه بدقة كاملة وحسابات دقيقة بالأبعاد والصلابة والقوة المطلوبة لكافة الإجهادات والمقاومات.. http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/bone.jpgإنه أعظم إنشاء هندسي يمكن أن يتخيله البشر شيده أعظم وأحسن الخالقين... كل فقرة وعظمة ومفصل جاء بحكمة بالغة و دقة كاملة ونظام بديع... ثم يشتمل هذا الإنشاء أو المنشأ أيضا على مجموعة هائلة من العضلات و لأربطة التي تعطينا القدرة على التحكم فى كل عظمة ومفصل ونحركها كيفما نشاء فى سلاسة ويسر وفى كافة الأعمال.. وكل عضلة أيضا بالقوة والأبعاد المناسبة لما تؤديه من أعمال... ثم نأتي إلى ما يمكن هذا الإنشاء فى الحركة من طاقة ثم القدرة على التكيف مع الظروف الخارجية من ضغط ودرجة حرارة ورطوبة ثم الصيانة ليستمر فى القيام بعمله ثم تمد الجسم بصفة منتظمة بقطع الغيار المطلوبة عندما يحين أوانهـا فى التغيير ثم الزيوت والشحوم المطلوبة لحركة المفاصل والخامات المطلوبة لترميم أي كسر أو اعوجاج... هكذا أمد الله هذا الإنشاء بالجهـاز الهضمي الذي يعد له الوقود والزيوت والشحوم ومواد البناء والاستعراض والترميم، ثم جهـاز تنفسي يحقق له حرق الغذاء داخل العضلات ليمد الجسم بالطاقة المطلوبة والقوة التي تمكنه من هذه الحركة بنظام يعجز العقل البشرى عن تخيله، ثم الجلد البشرى الذي يعد أعظم جهـاز تكييف فى العالم لكي يتكيف المنشأ مع الظروف الخارجية، إنهـا أجهزة ومعدات ونظم أعجز عن سردهـا بالدقة المطلوبة والكمال الذي يعطيها حقها من الشرح، فكل له تخصصه وحدوده من العلم، و لكن لو استرسلنا فى الحديث بما يدركه كل منا لعجزنا عن أن نحيط بفضل الله و لأيقنا أن مهمـا توجهنـا بالشكر للخالق الذي أكرمنا بهذا الإنشاء بديع الصنع، فلن نوافيه حقه من الشكر كما تنص الآية الكريمة.
يكفى أن نعلم أن هذا المنشأ الذي أنشأه الخالق بعلمه وقدرته كما يذكرنا فى هذه الآية يحتوى على آلاف البلايين من الخلايا وكل خلية تختلف فى وظيفتهـا عن الخلية المجاورة لهـا وإن اتحدت فى أشكالهـا وعدد كروموزوماتهـا، تؤدى جميعا وظائفهـا فى تكامل وتنسيق تسبيحاً لله الذي خلقهـا دون أن يكون لنا أي دخل فى إدارتهـا ... لقد علمت أو تعلمت حقا كل خلية كيفية لتسبيحها و صلاتها كما تذكر الآية الكريمة من سورة ( ! ) هذا القول ( كل قد علم صلاته وتسبيحه )... لقد وهبنا الله جهاز فى رؤؤسنا كي يؤدى هذا المنشأ أو هذه البلايين من الخلايا وظائفهـا فى تناسق و إبداع بإدارة محكمة كما أمرهـا الله من خلال الجهـاز العصبي، جهـاز يعمل بالإشارات الكهربية والكهرومغناطيسية بطاقة كهربية محدودة لا تتعدت بعض الواتات فى الرأس، جهـاز يراقب و يتابع و يسجل و يرصد و يصحح و يبلغ... ولو حاول البشر محاكاة نظام كهذا يقوم ويؤدى ما يؤديه جهـازنا العصبي لما أكفته طاقة السد العالي بأكملهـا...
هكذا بدأت هذه الآية بقول الحق " قل هو الذي أنشأكم "، قل لهم يا خاتم المرسلين فى خاتم الكتب السماوية أنه "هو" الله الخالق البارئ المصور الذي أعطى هذا الإنشاء خلقه ثم هدى.
ثم تتعاقب كلمات الآية بفضل الله فى خلقنـا... فيقول الحق: وجعل لكم السمع، و نقف أولا عند كلمة " جعل "... ونحاول أن نتدبر... لماذا لم يقول الحق " و خلق لكم السمع " أو يقول "و أنشأ لكم السمع "، و يكفى أن كلمة أنشأكم فى بداية الآية الكريمة أن هذا الإنشـاء يتضمن أيضـاً إنشاء أجهزة السمع ... الرد لم نعلمه إلا بعد أن صعد الإنسان فوق القمر، ووجد أن لا أحد يمكن أن يسمع أحدا هناك ... فالأذن تتوقف قدرتهـا عن السمع إذا لم يكون الوسط الذي ينتقل فيه الصوت هو الهواء الجوى... فأنت فى غير جو الأرض لك آذان ولكن لن تسمع بهـا... فبهذا الهواء الذي سخره الله بمجموعة من الخواص "جعل" لك بجهازك السمعي قدرة على السمع، وبدون ما أنشأه الله فى جسمك وبدون الهواء الذي سخره لك فى جو الأرض لن تستمع و لن تشعر بنعمة السمع... هكذا جاءت كلمة "جعل " بإعجاز فريد لا يذكره بهذه الدقة غيره "هو"... تعالوا نفهم بهدوء كيف يعمل جهاز السمع فى الإنسان ... أن الصوت ينتقل من حنجرة الإنسان من خلال اهتزازات الحبال الصوتية، فتهتز حبيبات الهواء الملاصقة لهـا فى الحنجرة وتنتقل هذه الاهتزازات التي نسميهـا بالموجات الصوتية من خلال الهواء لتصل إلى طبلة إذن إنسان آخر، و قد هيأ الخالق الهواء من حولنا بقدر من التماسك بين جزيئاته بما يتيح له المرونة المطلوبة لنقل هذه الموجات من حنجرة المتكلم إلى أذن السامع... وتعتمد مرونة الهواء التي ينشأ عنهـا انتقال الموجات على خواص الهواء من حيث الضغط ودرجة الحرارة والكثافة... ولو اختلفت هذه المقادير عن نسب معينة، لن تتمكن الموجات الصوتية من الانتقال من خلالهـا ولن يستمع أي منا للآخر... ولكن هذه الخواص انضبطت بفضل الله وحكمته لتنقل هذه الموجات بالقوة والسرعة المطلوبة التي يمكن أن تتأثر بهـا طبلة الأذن، فتسجيب لاهتزازاتهـا وتهتز معهـا بقدر محدود... فطبلة الأذن أيضا لهـا سمك ومرونة و أبعاد لا تستجيب سوى لهذه الترددات والشدة التي تصدرهـا الحنجرة والقوة والسرعة التي ينقلهـا الهواء... ويقصد بالتردد عدد الاهتزازات التي تنشأ من الجسم المهتز فى الثانية الواحدة، و هناك أصوات تنشأ من اهتزازات لا تستطيع الأذن أن تسمعهـا، لأن ترددها أو قوتهـا خارج نطاق إحساس الأذن مثل الموجات فوق الصوتية... و عندما تستجيب طبلة الأذن للموجات الواقعة فى نطاق حساسهـا، تهتز الطبلة وتنتقل هذه الاهتزازات منهـا من خلال نظم هندسية داخل تجويف الأذن تعد غاية فى الإبداع و الكمال والإبهـار بحيث تتضاعف حجم هذا الاهتزازات ثم تتحول داخلها من نبضات و طرقات إلى ومضات كهربية و كهرومغناطيسية ينقلهـا العصب السمعي إلى مراكز السمع داخل المخ... إن ما يحدث داخل المركز السمعي أو ما فهمه من نطلق عليه بلغة العصر الحالية micro-processor تعجز علومنا حتى يومنا عن إدراكه وفهمه ... فقد " جعله " الخالق هكذا... أن هذا المركز منطقة محدودة جداً فى القشرة الصدغية العليا... ولكن ما يحدث فيهـا من ترجمة هذه النبضات إلى حروف و تمييز كل حرف عن الآخر بحسب تردده وتجميع هذه الحروف فى كلمات... وكل المراكز فى جميع البشر لهم قانون واحد يترجم الترددات والاهتزازات إلى نفس الحروف فى توحد تام بحيث يفهم كل منا حديث الآخر... حديث تستوعبه عقولنا... هل يمكن ألا نعترف أن هذا من "جعل" خالق واحد أحد... و لا قدرة لنـا مهما شكرنا واهب هذه النعمة أن نوفيه حقه من الشكر...
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/4/eye.jpg العين من أهم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان
و مما "جعله" الخالق لنـا أيضا من نعم تستحق الشكر كما تذكر الآية الكريمة نعمة البصر... ولم يذكر الحق أيضا هذه النعمة بنص مثل هذا " وخلق لكم البصر" أو " أنشأ لكم البصر" ، فهذا القول لا ليتفق مع الحقائق التي اكتشفتها علومنا الحديثة ... فالعين لا ترى بدون "الضوء" الذي "جعله الله" فى نطاق قدرة خلايا الشبكية فى قاع العين... وقد ظن العلماء قديما أن العين ترسل أشعة ترى بهـا، إلى أن جاء العلم الحديث وأتضح أن العين ترى بالأشعة التي تشعهـا مصادر الضوء فتنعكس على الأجسام التي حولنا فتكون لنا القدرة على رؤيتها بهذه الأشعة... وتسمى هذه الأشعة بالموجات الكهرومغناطيسية، وهي موجات كموجات الصوت ولكن تسير بسرعات عالية جدا و لهذا نرى الضوء الناشئ عن تصادم السحاب المشحون الذي نسميه بالبرق قبل أن نسمع صوت هذا التصادم الذي نسميه بالرعد، حيث تفوق سرعة الضوء آلاف المرات سرعة الصوت... و الموجات الكهرومغناطيسية لهـا ترددات أو أطوال مختلفة.. فموجات الراديو والأشعة السينية والإشعاع الحراري موجات كهرومغناطيسية تختلف عن بعضهـا البعض بطول موجاتهـا... وينحصر إدراك خلايا شبكية العين فى الموجات الكهرومغناطيسية التي ينحصر طول موجاتهـا فى المدى من 0.39 ميكرون حتى 0.70 مبكرون... ولهذا يطلق على الموجات فى هذا المدى "الضوء"..
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/4/human_eye.jpg مقطع في العين البشرية
ولا تدرك عيون البشر أي موجات خارج هذا النطاق... ومن آيات الله و فضله و رحمته أن "جعل" معظم أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض تشتمل على موجات كهرومغناطيسية فى مدى رؤية عيوننا... أي على هيئة ما نسميه بالضوء... بالإضافة إلى ما تحدثه هذه الأشعة من دفء لأجسامنا... فقد سخر الخالق معدلات احتراق الشمس وأبعادهـا عن الأرض بحيث تصل إلى الأرض أشعة الشمس فى المدى الذي تبصر به عيوننا و يفيد أجسامنا.. ثم جعل فى السماء طبقات تمنع الضار منها من الوصول إلى أعيننـا وأرضنا مثل طبقة الأوزون.... هكذا "جعلنا" الخالق نستمتع بنعمة البصر عندما تشرق الشمس فيأتي الضوء الذي ينير حياتنا.. و لو اختلفت درجة حرارة الشمس أو معدلات احتراقهـا أو أبعادهـا لأصبحنا وأمسينا فى ظلام تام لا ندرك فيه شيئا... فهناك المخلوقات التي لا ترى فى النهـار كالخفاش والعقرب... ولكنهـا نعمة الخالق الذي "جعلهـا " لنا هكذا... وحقا لن نوف الخالق حقه مهما شكرناه على هذه النعمة التي جعلهـا... و كما جاء فى الآية الكريمة... "قليلا ما تشكرون". لكن تعالوا أيضا نتدبر كيف ترى العين...
إن الضوء عندما ينعكس على الأشياء... تمر أشعته من خلال حدقة العين... و تصل الصورة إلى شبكية العين مقلوبة كما تنبأنا بهذا علوم الضوء... و خلايا الشبكية التي تقع عليهـا الصورة خلقها الله على هيئة أعمدة و مخروطات... و تنقسم هذه المخروطات ثلاثة أقسام، بعضها يمتص موجات الضوء الطويلة و "يجعلنا" الخالق نميز الأجسام القادرة على إن تعكس الموجات التي لها هذه الأطوال إلى أعيننا أنهـا أجسام حمراء... و البعض الآخر من خلايا الشبكية يمتص موجات الضوء المتوسطة الطول و "يجعلنا" الخالق نميز بهـا الأجسام التي عكستهـا و لم تمتصهـا أنهـا خضراء، و البعض الأخير من هذه الأشِكال المخروطية يمتص فقط موجات الضوء القصيرة و"يجعلنا الخالق نميز بهـا الأجسام التي عكستهـا أنهـا زرقاء... هذه الأسماء وهذه الألوان من "جعل" الخالق، فلا وجود لأحمر ولا لأخضر أو أزرق... ولكنه الخالق "المصور" هو الذي أراد أن "يصور" الأشياء والألوان داخل عيوننا بهذه الكيفية و بهذه الموجات.. أي أن "يجعلهـا" هكذا.... وباقي الألوان تنشأ من اختلاط هذه الألوان كما سنرى بواسطة مركز الإبصار فى المخ... ويأتي الآن دور العصب البصري الذي ينقل هذه الطاقات و الموجات التي امتصتهـا خلايا الشبكية، كل عصب ينقل الومضات من مكان سقوط محدد داخل الشبكية و بتردد محدد و شدة محددة... إنهـا ملايين من الخلايا والمخروطات داخل الشبكية لنقل دقائق الصورة التي تراهـا العين إلى مركز الإبصار... فتنعدل الصورة و تتجمع النقاط و تترجم الموجات الكهرومغناطيسية إلى ألوان وتتكامل هذه الألوان لتعطى العقل صورة متكاملة بالحجم الطبيعي كي يدركهـا الإنسان و يتعامل ببصره مع من حوله... مالذى يحدث داخل مركز الإبصـار أو ما يمكن أن نطلق عليهmicroprocessor آخر فى العقل البشرى... سر لم يصل البشر إلى معرفته... ولا وسيلة إلى هذه المعرفة إلا أن نؤمن أنه "هو" الذي "جعلهـا" هكذا... فحقـا قليلا ما تشكرون...
ولنـا وقفة أو تدبر آخر أمام قول الله سبحانه و تعالى فى هذه الآية عن السمع الذي جاء مفردا.. وعن البصر الذي جاء على صورة جمع... هناك أقوال تعلل هذا وإن اختلفت... ولكن ألا يبصرنا الخالق فى هذا الجمع أن للإنسان ملكات أخرى يبصر بهـا بالإضافة إلى العينين... تلك الأبصار التي تختزن و ترتب و تشغل و تحول ما رأيناه و ما سمعناه إلى معلومات ومعارف ومدارك... إن وراء الآذان والعيون أجهزة لا نعى من أمرهـا شيئا، تجعل لكل منا بصيرته وأبصاره التي تعجز علومنا عن فهمهـا و "تجعلنا" قادرين على أن نسجل الصور والأشخاص والأماكن والكلمات والأصوات ... إن أجهزة التسجيل فى العالم بأجمعه تعجز عن أن تسجل ما يمكن أن يتذكره أي منا من أحداث و بلاد ومعارف... أين هذه الأبصار التي جعلهـا الخالق لنا... الحمد لله الذي "جعل" لنا هذه الأبصار التي لا يصيبها فيروس ولا ندرى من أمرهـا شيئا..
ثم تتوالى نعم الخالق فى خلقنـا... فقد "جعل" لنـا أيضا "الأفئدة" ... وتنبئنا قواميس اللغة بأن مفرد الأفئدة هو "الفؤاد" بمعنى القلب... و توقف القلب معناه الموت... فهو الذي يبعث الغذاء والهواء و الدفء والطاقة إلى كل خلايا الجسم من خلال الشرايين ويعود بهـا من خلال الأوردة كي يخلصهـا من المخلفات كغاز ثاني أكسيد الكربون و السموم الأخرى... وقد حفظ الله لنا هذا القلب داخل قفص صدري من العظام الصلبة لحمايته ثم أحاطه بوسادة هوائية تتيح له التمدد والتقلص وهي الرئة وأودعه فى غرفة محاطة بالحجاب الحاجز لتمنع عنه تقلصات الجهاز الهضمى ... هذا القلب "جعله " الخالق قادراً على النبض 80 مره فى الدقيقة قبل أن نولد بعدة شهور وبعد أن نولد لمدة قد تتجاوز 60 عاما... يدفع القلب أثناءهـا كمية تصل إلى 65 مليون جالون من الدماء بضغط يزيد بمقدار الخمس عن الضغط الجوى و يسير مسافة تزيد عشرات المرات عن محيط الكرة الأرضية... إنه يعمل كمضخة مستمرة العمل بلا توقف... فتوقفها معناه الوفاة، و فى عملهـا تحتاج إلى قدر من الطاقة تعادل الطاقة المطلوبة لدفع عربة متوسطة ( 4 ركاب ) لتدور دورة كاملة حول الأرض... إنهـا مهمة لا تصدق.. يساعد القلب فى هذه المهمة الكبد و الكليتين و البنكرياس و كثير من الأجهزة التي يصعب حصرهـا بما أدركه من علوم... لكن الآن من الذي أنشأ هذا القلب ثم "جعله" لنـا يؤدى هذا الأداء الرائع بهذه الدقة و الكمال و النظام كي تستمر حياتنا... ... الرد جاء فى خاتم كتبه بأبسط الكلمات و أدق العبارات و أكمل المعاني، أنه "هو"... و لا إله إلا "هو"... و حقا" قليلا ما تشكرون".
و نقف أيضا أمام كلمة "الأفئدة" التي جاءت بصيغة الجمع... بالرغم من لكل كنا قلبا واحدا.. إن الله يبلغنا أن هناك أيضا أفئدة أخرى تفضل بهـا علينـا... أفئدة قد نعرف بعضهـا و لا نعرف الآخر... فأين تكمن المشاعر الإنسانية الفياضة التي تميزنا و تزكى قيمتنا... أين تكمن القيم الإنسانية التي تسمو بالإنسان.. الحب و العطف و الحنان و الحياء و الجود و الكرم و البر و الشجاعة و الإقدام... الفرح و الرضا و الصدق و القناعة و الصبر... هل كل منهـا له فؤاد... يقف العلم البشرى عاجزا عن تحديد أين تكون هذه الأفئدة... و الآن نرى فى آية واحدة صياغة لكل من ينظر إلى إنشائه و مداركه إلى قول الحق.. قل يا محمد صلى الله عليه و سلم لكل هؤلاء أنه "هو" صاحب كل هذه النعم... فليوفوه حقه من الشكر إن كانوا يعلمون...
يمكن المراسلة على البريد التالي:
[email protected] (
[email protected])
المصادر
http://en.wikipedia.org/wiki/Human_eye
القلب الحزين
10-12-2013, 08:52 PM
الأبعاد الواقعية للنماذج القرآنية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/124287085612428701603292993273_5015239d6f.jpgبقلم عبد العزيز كحيل
من صور التعبد الفعلي بالقرآن الكريم تنزيل مفاهيمه على الحياة العملية وتتبع أبعاده في الواقع المعاش بكيفية إيجابية تجمع بين التماثل النموذجي والمعالجة الذكية المفعمة بالفقه العميق للمفاهيم والمصطلحات في حديها القرآني والواقعي، فليس من التعبد بكتاب الله الوقوف على قصصه وأشخاصه ووقائعه وتعبيراته وكأنها تجسد تاريخاً معيناً فحسب، فهذه الرؤية الماضوية لا تتناسب مع خلود القرآن وكونه دستوراً لكل الأزمنة وإنما يجب استحضار تلك القصص وأولئك الأشخاص وتلك الوقائع والتعبيرات باعتبارها نماذج وحقائق تستوعب الزمان والمكان قد يحجبها عن النظرة السطحية تغير الأسماء أو الأشكال بيد أن جوهرها باق على حاله لا يخفى على الناقد البصير …وإدراك هذه "المعاصرة"القرآنية لا يحتاج إلى التكلف والتأويل البعيد ولا الوقوف عند ظواهرها ورسومها وإنما يحتاج إلى التدبر المنهجي ولعل هذا هو المعنى الذي يشير إليه قول الله تعالى"وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون"، فكل الناس يقرؤون المثال أو يرونه لكن أصحاب العلم هم وحدهم الذين يتعاملون معه التعامل الإيجابي المثمر.
ولبيان ما سبق نعمد إلى انتقاء بعض الأمثلة على مستوى الأشخاص والمفاهيم والرموز الواردة في كتاب الله:
على مستوى الأشخاص:
1_ ذو القرنين: سجل القرآن لهذا الرجل ثلاث رحلات: إلى المغرب والمشرق والوسط يجمع بينها مقصد نبيل هو دعم الخير ومواجهة الشر:-"قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً(87)وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً(88)" –سورة الكهف-
-"قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً(94) قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بيننا وبينكم ردما" –سورة الكهف-
فذو القرنين-وهو من غير شك شخص عاش في زمن معين ومكان معين ومات في أجل معين-رمز لصاحب القوة والتمكين الذي سخر قوته وتمكينه في الإصلاح وخدمة الدين والبشر، إنه-خلافاً لأكثر الحكام الأقوياء-لم يغتر بأسباب القدرة الكثيرة التي توفرت لديه من جيوش وعلماء وخبرة ذاتية، فلم تمل به إلى الطغيان بل بقي مصلحاً وعلى صلة دائمة بالعبودية لله تعالى:-"إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً(84)" –سورة الكهف-
-"قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً(98)" –سورة الكهف-
هذا الفاتح المؤمن قدوة لأصحاب المنهج الصالح الذين يستخدمون قدرتهم السياسية والعسكرية والإقتصادية والإعلامية في مقاومة الفساد ونصرة الضعفاء وهم غير طامعين في أموال الشعوب الضعيفة:"قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة"
وعلى البشرية-والأمة الإسلامية ابتداء-أن تُوجد بالتربية والتوجيه والاصطفاء مثل هذا النموذج الصالح لنشر العدل ومساعدة المتخلفين ورد العدوان وتعمير البلاد على المنهج الأخلاقي الرفيع.
2_ فرعون: هذا الذي تكرر ذكره في القرآن هل هو فقط ذلك الملك الجبار الذي كانت له مع نبي الله موسى مجادلات ومنازلات؟ هل تكرر ذكره في القرآن لأنه شخص كان له دور معين في قصة معينة؟ هذه السطحية تتنافى مع منهجية الوحي، وفرعون إذاً-وهو بالفعل إنسان له دور في أحداث تاريخية- يرمز إلى الإستبداد السياسي ومنطقه هو منطق المستبدين جميعاً: "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"- "إني أخاف أن يبدل (موسى الداعية المصلح) دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد"-"فأرسل فرعون في المدائن حاشرين* إنَّ هؤلاء لشرذمة قليلون"-سورة الشعراء-...
فاستحضار النموذج الفرعوني بغطرسته ومنطقه أمر ضروري لفهم الإستبداد وحسن التعامل معه بالكيفية التي تحجم فساده.
3_ قارون: تبين سورة القصص بوضوح كيف أن الرجل كان فتنة لمجتمعه بسبب تصرفه الظالم في المال"إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة"،هذا البغي بالثروة قابله عقلاء المجتمع بالنصح"وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض"، لقد طالبوه بالعدالة الإجتماعية وإدالة المال بين الأيدي باعتبار الإستئثار به فساداً أي ظلماً اجتماعياً، لكنه تمسك بالأنانية والشح والاستكبار"قال إنما أوتيته على علم عندي" ولم يكتف بالقول بل فتنهم بالفعل"فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا(وهم الجماهير)يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم".
على مستوى المفاهيم:
1_ التطفيف الاجتماعي:"ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون" هل من المنطق قصر هذا التطفيف على ما يفعله بعض التجار الجشعين في الكيل والميزان؟ إن نبي الله شعيباً بُعث لمحاربة التطفيف فهل يعقل أن رسالته اقتصرت على تقويم هذا السلوك التجاري وحده؟ ألم يقل لقومه"ولا تبخسوا الناس أشياءهم"…إن أبشع أنواع التطفيف اشتراط مثاليات حالمة في الغير والسماح بتفريط شديد في الذات، والله تعالى عندما قال: "وأقيموا الوزن بالقسط" إنما يريد أن نتجنب التطفيف مهما كانت صوره، وأن نعدل في الحكم على الذات وعلى الغير والوقائع والأفعال.
2_ شياطين الإنس: في تقديم الله تعالى ذكر شياطين الإنس على شياطين الجن في آية الأنعام إيحاء بخطورتهم "شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً"، وحصر كثير من المفسرين الأمر في المجال الأخلاقي وسعي بعض الناس في إفساد علاقات المحبة والتآلف، لكننا نرى في العصر الحديث أن تجار الأسلحة طبقة جديدة من شياطين الإنس تسعى حثيثاً في زرع الفتائل وإيقاد النيران وتأجيجها والحيلولة دون إخمادها حفاظاً على مصالحهم المادية، فهل ننتبه إلى خطورة هؤلاء الشياطين ونتبع في القرآن صفاتهم وخصائصهم ليكون لنا وعي بإفسادهم وخطط مدروسة لإبطال كيدهم؟ ومثلهم أصحاب الفضائيات الماجنة والصحف الخليعة وكل "الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا "
على مستوى الرموز:
1_ المحراب: هو المكان البعيد عن الضوضاء الذي يتخذ للعكوف على عبادة الله سواءً كان مسجداً أو غرفة أو نحو ذلك، فهو يرمز إلى العكوف الجدي الذي يؤتي ثماره "كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً"-سورة آل عمران37-، فعكوف مريم الجدي جلب لها الرزق بطريقة إعجازية، "فنادته الملائكة وهو قائم يصلى في المحراب أن الله يبشرك بيحي"، هنا اقترن التبشير بالولد "المعجزة" بعكوف زكريا الجاد، وإذاً فالعكوف المستحضر للقوى العقلية والقلبية والجارحية يأتي بالمعجزات بإذن الله، والأمر لا يختلف إذا نقلناه من محراب الصلاة إلى محراب البحث العلمي، فالصلاة ارتباط القلب بالملأ الأعلى وحقائقه وأسراره والبحث العلمي ارتباط العقل بكون الله الفسيح وحقائقه وأسراره، والمحراب مقدس هنا هناك لأنه تجاوب مع الآيات المتلوة والآيات المجلوة، وعندما يفهم المسلم هذا الرمز فإنه يسعى إلى الاعتكاف في المحرابين معاً في تناغم يتناسب مع توحيد الله وأداء واجبات الخلافة.
2_ المغضوب عليهم والضالون: تقول التفاسير القديمة هم اليهود والنصارى، ولا اعتراض لنا على ذلك لكن نسأل: لماذا اليهود والنصارى؟ هل لذواتهم أم لخصائص فيهم؟ هذا هو بيت القصيد.
إن عبارة"المغضوب عليهم" ترمز إلى كل من عرف الحق ورفضه، وترمز عبارة "الضالون" إلى كل من طلب الحق لكنه لم يسلك طريقه، والعبارتان تنسحبان إذاً على كل من تتوفر فيهم هذه الصفات قديماً وإلى قيام الساعة، والاستقامة التي ينشدها المسلم "اهدنا الصراط المستقيم" لا تنال بمجرد التبرؤ من اليهود والنصارى وإنما بالمراقبة الدائمة والحذر من الاتصاف بأوصافهم "الغضب الإلهي والضلال"، وكم في المسلمين من يلعن اليهود وهو متنكب لطريق الحق بعد أن عرفه مثل ما حدث لبني إسرائيل تماماً، فيهم من يدين المسيحيين واجتهاده لا يقوده إلا إلى نوع من أنواع الضلال الذي وقعوا فيه، فهم عبدوا المسيح ولعل هذا المسلم خرم التوحيد وابتدع في العبادة وزيف الأخلاق فاستحق مثلهم وصف بالضلال.
عبرة
هذه طريقة مقترحة للتعامل مع كتاب الله تساعد على إبقائه حياً غضاً طرياً كما تساعد على فهم المشكلات المطروحة على مستوى الأشخاص والمفاهيم والرموز، والفهم هو الخطوة الأولى الحاسمة في طريق الحل والتوفيق والبناء.
يستقبل المؤلف تعليقاتكم على المقالات على الإيميل التالي:
عبد العزيز كحيل
[email protected]
القلب الحزين
10-12-2013, 09:01 PM
تأملات في قصة موسى ودك الجبل
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1215349970300px-mountsinaiview.jpg
منظر لجبل موسى
لفت انتباهي و أنا أقرأ قصة سيدنا موسى عليه السلام في سورة الأعراف وجود مشهدين متعاكسين لعمليتين وقعتا لجبلين يقعان في منطقتين متباعدتين و بفاصل زمني بينهما قد يصل إلى 50 عاما. كلا الحادثين وقع تحت سمع وبصر سيدنا موسى عليه السلام.
1 ــ المشهد الأول: عملية الدك والإزالة.
يقول الله تعالى:
{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }الأعراف143
هذه قصة حقيقية أوردها الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم، تتحدث عن خسف أو نسف أو دك لجبل عظيم بحضور البشر، وقد صاحب هذا الحادث هلع وصوت عظيم صعق موسى بسببه وانهار وسقط على الأرض فاقدا وعيه.
رأى موسى هذا المشهد الرهيب بدل أن يرى ذات الله عز وجل فلم يتحمله, رغم أن الله عز وجل أظهر للجبل مقدار بسيط جدا من قدرته فاندك هذا المخلوق الكبير المتين وزال من على سطح الأرض في لمح البصر كأن لم يكن من قبل شيئا، فأراد الله تعالى من موسى والبشر جميعا أن يفهموا وأن يدركوا بأن قدرتهم جد محدودة، وعليهم أن يصرفوا تفكيرهم إلى ما يعرفهم أكثر بربهم ويبصرهم بحقيقة وجودهم في الأرض http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1215349921jabal-musa-********.png
موقع جبل موسى في شبه جزيرة سيناء
.
إذا بامكان البشر أن ينظروا إلى ما حدث لذلك الجبل ويتصوروه بأذهانهم ويدرسوه بإمكانياتهم، فالقرآن يتحدث عن زوال جبل من على سطح الأرض بشكل مفاجئ وغير طبيعي، مع بقاء أثر الدك {جعله دكا} دون أن يشير إلى أن الله تبارك وتعالى قد أرجع الجبل كما كان من قبل. ويطيب لي القول أن الله تبارك وتعالى أكبر وأعز وأجل من أن يتحدث عن أمر مادي وعمل فيزيائي يمكن التحقق من وقوعه دون أن يترك هناك الدليل المادي القاطع اليقيني على صدق كلامه سبحانه وهو عليه أهون.
أظن وأتصور أن اتجاه قوة الدك الرهيبة كانت من أعلى إلى أسفل وقد أحدثت أنواعا مختلفة من التغيير في لمح البصر للمنطقة المقصودة والتي لا تزال موجودة في مكانها حتما:
ا ــ التغيير المورفولوجي: تغيير واضح لظاهر سطح المنطقة وتضاريسها، فقد كان هناك جبل عال وزال متحولا إلى سهل أو فج عميق.
ب ــ التغيير الجيولوجي الستراتغرافي: قوة الدك ضغطت مكونات الجبل وما تحتها من طبقات القشرة الأرضية مغيرة مكوناتها وسماكتها ونظام ترتيبها الجيولوجي.
ج ــ التغيير المعدني: الضغط الشديد لقوة الدك وسرعته الكبيرة يغير ترتيب معادن الصخور في الجبل المندك وفي جميع الطبقات التي في أسفله والتي هي على جوانبه.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1215349643800px-isjabalmusa.jpg
منظر لجبل موسى في شبه جزيرة سيناء ـ مصر
2 ــ المشهد الثاني: عملية الخلع والرفع
قال الله تعالى:
{وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَْْْ} الأعراف171
يتحدث الحق تبارك وتعالى عن رفع جبل الطور فوق مجموعة من الناس كأنه سحابة، وواضح تماما أن هؤلاء الناس شاهدوا بأعينهم عملية خلع الجبل من مكانه ثم رفعه إلى أعلى، وبقائه في الهواء فوق رؤوسهم معلقا كالسحابة مدة الله أعلم بها، حيث أراد الله أن يهددهم بالسحق بواسطة الصخور الضخمة التي يتكون منها الجبل، وقد حدد الله تعالى إسم الجبل الذي رفع وهو الطور، وهو جبل لا يزال قائم ومعروف جيدا، مما يعني أن الله تعالى أرجع الجبل إلى مكانه أو مكان آخر بعد توبة القوم وتضرعهم، والقرآن لم يتحدث عن عملية إنزال الجبل ولا المكان الذي وضع فيه، لكن الأمر اليقيني هو: أن الجبل قد تعرض لعملية تحريك هائلة تتضمن ثلاث مراحل متتالية وسريعة يمكن تصويرها كالتالي:
1ــ إقتلاع الجبل بأكمله من مكانه، فلفظة نتقنا تعني في اللغة الإقتلاع من الأصل،والمقصود هو إجتثاث الجبل بجذره الممتد في باطن الأرض آلاف الأمتار ضعفي ارتفاعه فوق سطح الأرض, مع ما يصاحب ذلك من حركة كالزلزال العنيف تضرب المنطقة المحيطة بجبل الطور, وصدور أصوات الإنفجارات الضخمة الناتجة من احتكاك الصخور ببعضها وارتطامها وتطايرها, وضغط الهواء, والتشوهات الطبقية و التكتونية المصاحبة لعملية الخلع.
2 ــ رفع الجبل عموديا إلى أعلى حتى قارب في ارتفاعه السحاب {كأنه ظلة} مع ضخامته ووزنه الذي يفوق حتما ملايين الأطنان، حيث أنه حجب عين الشمس عن الناس المحاصرين في مكانهم بالرعب وهول الحدث ورجفة الأرض من تحت الأقدام.
3 ــ تحريك الجبل أفقيا في الهواء حتى صار فوق رؤوس الناس ثم إنزاله إلى الأرض. ويبدو لي من قوله تعالى { وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ } أن الجبل لم يكن ثابتا في السماء بل كان يتحرك هبوطا وصعودا دون أن يلامس رؤوس الناس، حيث ظنوا في كل مرة يرونه نازلا أنه واقع بهم حتما، فلو كان ثابتا لتشكل لديهم شيء من الإطمئنان، خاصة وأن هؤلاء النفر كانوا من قوم قلوبهم أشد قسوة من الحجارة، وأقرب الظن أن أفئدة أولائك الناس كانت تنخلع من مكانها هلعا ورعبا كلما رأوه يهوي نحوهم فيفقدون وعيهم، وكلما أفاقوا وجدوه يكاد يقع عليهم.
في هذا المشهد كان إتجاه قوة الفعل من أسفل إلى أعلى عكس الحالة الأولى.
خلاصات:
من المشهدين السابقين تتجلى بين أيدينا حقائق خطيرة ومهمة ترسخ اليقين في القلوب وتبدد الأوهام من الأذهان، وتدفع العقول إلى التأمل العميق والبحث العلمي المنهجي الدقيق:
1 ــ أن قدرة الله مطلقة لا حدود لها و أن كل ما في الأرض ملك له يفعل به ما يشاء يبقي عليه أو يدمره ولو كانت الجبال ذاتها.
2 ــ في كلا المشهدين استعمل القوي القدير أعظم ما تراه عين الإنسان على سطح الأرض وهي الجبال لإظهار أبسط قدر من قوته وسيطرته وبطشه وجبروته، وليثبت في وعي الناس أن كل ما يرونه أمامهم حتى ولو كان ثابتا جامدا قد يستعمل في إهلاكهم إذا استحقوا الهلاك { ما يعلم جنود ربك إلا هو}
3 ــ شهد الواقعتين كلتيهما موسى عليه السلام، فهو النبي الأسمى عند اليهود ومحترم عند النصارى و معظم لدى المسلمين، ليحذر الناس كلهم من مشهد يوم عظيم تشترك فيه ظواهر المشهدين جميعها:
ــ فهو يوم الدك الأكبر الذي سيضرب أرجاء الأرض جميعها في لحظة واحدة وبشكل مستمر ومتتال دون توقف {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا } سورة الفجر.
ــ وهو يوم تزلزل فيه الأرض زلزالا عظيما إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا{1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا{2} وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا{3}
ــ وهو يوم تحرك فيه مكونات الأرض السطحية منها والباطنية وتمزج ببعضها (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ{1} لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ{2} خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ{3} إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً{4} وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً{5} فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً{6})
4 ــ بين الله عز وجل عمليا وبشكل متنوع أنه قادر على فعل أعظم شيء يتخيله الإنسان وما لا يستطيع تخيله، فلقد نسف الجبل ودكه حتى عاد قاعا صفصفا، واقتلع جبلا آخر ورمى به في السماء وشده معلقا تحت السحاب ثم أنزله إلى الأرض، وعبر عن كل ذلك بكلمات قليلة جدا ليبين لنا منتهى السهولة في فعل ذلك،
5 ــ قد تكون هناك حكمة مخفية وراء إزالة الجبل من على سطح الأرض ودكه في طبقاتها بعد أن خلق كل شئ بقدر غير إظهار قدره سبحانه وجلاله فهو غني عنا وعن جميع ما خلق, فنحن نتلمس رحمة الله ولطفه وبركاته في كل فعل قدره على هذه الأرض, فقد ضربت الأرض بالنيازك لمدة طويلة وكان من نتيجة ذلك أن إكتسبت الأرض عنصر الحديد الذي يستحيل تشكله في كوكبنا مصداقا لقوله تعالى { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس } وقد تخامرني افتراضات كثيرة في ذلك منها:
ــ كأن يحدث توازنا واستقرارا في حركة الألواح التكتونية الحاملة للقارات والمحيطات، فبعض الجبال تمتد جذورها بعيدا تحت الصفائح التكتونية.
ــ أو غير مجرى المياه الجوفية في المنطقة بما يناسب الحياة بعدها.
ــ أو جعله كسدادة تمنع خروج الصهارة الأرضية في منطقة غير مناسبة.
ــ أو قد يكون ذلك الجبل محتويا من الكنوز ما لم يشأ الله تعالى أن يطلع عليها البشر لمدة من الزمان.
وإن الدراسة العلمية الميدانية لقادرة بإذن الله تعالى على الإجابة الشافية الصحيحة على هذه الإفتراضات.
6 ــ احتفظ الله تعالى بجبل الطور في منطقته[ التي تقع بين خطي عرض 30 و40 شمالا وخطي طول30 و40 شرقا ]فلم يدمره كسابقه، ومنحه سورة في القرآن تؤكد أهميته، وليبقى شاهدا على حدث تاريخي خطير يذكر الناس بضرورة أن يقدروا الله تعالى حق قدره وألا يختلقوا الأكاذيب و الإفتراضات الحائرة لتفسير حقيقة هذه الحياة.
7 ــ أورد الله تعالى هذه القصص في كتاب قال عنه { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }فصلت42, وتفسير ذلك في الجلالين:[أنه ليس قبله كتاب يكذبه ولا بعده ]وهنا مربط الفرس وبيت القصيد:
أهيب بعلماء الجيولوجيا بفروعها في جمهورية مصر العربية خاصة والعالم الإسلامي عامة أن ينتدبوا فريقا منهم ليدرس ميدانيا جبل الطور بشكل دقيق وشامل، وأن يرسلوا بفريق آخر للبحث عن مكان الجبل الثاني المدمر، ثم يجروا مقارنة علمية بين الجبلين قد تكشف سر احتفاظ الله عز وجل بجبل الطور بينما دمر الآخر, والعلاقة البنيوية بينهما.
إني على يقين كامل أن نتائج هذا البحث العلمي والدراسة الجيوفيزيائية المعمقة للجبلين وبالوسائل التقنية الحديثة، ستكون معجزة تدوي أصداؤها في جنبات العالم كله مدة من الزمان, وستنحني كبريات مراكز البحث والجامعات احتراما و تبجيلا أمام الحقائق القرآنية المادية, وستخشع قلوب صلدة أمام مقدار القوة المستعملة في تدمير الجبل أو التي اقتلعته ورفعته في السماء, وستطيش نظريات داروين ومن هم على شاكلته من الكذبة والأفاكين فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً.
إعداد الأستاذ: عبد الله بن مسعود اسبانيا
القلب الحزين
10-12-2013, 09:03 PM
تأملات إيمانية في سورة يس
أ.د. ســلامه عبد الهادي
أستاذ في علوم إدارة الطاقة وعميد سابق للمعهد العالي للطاقة بأسوان
إنـنـا نحيـا في ملكوت الله... كون محكم بإتقـان... كلمـا تأملنـا فيه رأينـا الكمال و الجمـال و الحكمة و العلم... وكمـا أتقن الله مـلكه و أحكم آياته في خلقه و نظـامه بقدرته و علمـه... فقد أحكم آيات كتابه وجعلهـا رمـزا إلى آياته في مخلوقاته بقدرته و علمه ...
وكما قال الحق أن هذا الكتاب هو آيات تهدينـا إليه فقد ذكر سبحانه أن في هذا الكون أيضـا آيــات تبصرنا به و تدلنا عليه ... وكمـا أبدع الله في آياته في هذا الكون الذي أبدع خلقه فكان اسمـا من أسمائه بديع السموات والأرض... أبدع أيضا في كتابه فجـاء بإبداع لا يقدر أن يأتي بمثله أحدا... كمـا وصف الحق كتابه بقوله " قل لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا ".
و نستعرض في هذا المقال بعضا من آيات سورة يس، و هي في القرآن من القلب كما حدثنا رسول الله... ونبدأ أولا بتناول أربعة آيات في قلب السورة (من الآية 37 إلى الآية 40 ) تتعرض لآيات الله في الليلو النهـار و الشمس و القمر، ثم نأتي إلى آيات أخرى في نهـاية السورة ( من الآية 77 إلى الآية 80 ) وهي تدحض أقوال منكري البعث بآيات الله في هذا الكون البديع...
و لنبدأ بالأربعة آيات الأولى، حيث يقول الحق.. "وآية لهـم الليـل نـسلخ منه النهـار فٌإذا هم مظلمون، والشمس تـجرى لمـستقر لهـا ذلك تقدير العـزيز العليم، والقمـر قدرنـاه منـازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سـابق النهـار وكل في فلك يسبحـون " صدق الله العظيم.
نرى الآية الأولى تصف وصفا جلياً عملية تعاقب الليل والنهـار، فالأرض في أي لحظة أو توقيت، يكون نصفهـا معرض لأشعة الشمس ونورهـا، والنصف الآخـر يكون بعيداً عن أي شموس أو نجوم أخـرى، فهـو يرقد في ظـلام يشمل الكون كله كما توحي إليه هذه الآية الكريمة كحقيقة علمية رآهـا رواد الفضاء مؤخراً، و جاءت بهذا الإعجاز في الآية الكريمة حيث تشير أن الظلام هو الأصل وأن الحادث هو النهـار، ولهذا فإن النهار هو الذي ينسلخ عن الأرض فتنغمر الأرض في ظلام الكون مرة أخرى، فعندمـا تدور الأرض حول محورهـا يبتعد هذا الجزء المنير الذي شمله ضوء الشمس رويدا رويدا فيتحول نصف وجـه للأرض من النهـار إلى الليل، و لن يجد العلماء أيضـا وصفا علميا لهذا التعاقب أدق وأعمق من هذا النص الذي جـاء به القرآن لكريم وآية لهم الليل نسلخ منه النهـار فإذا هم مظلمـون .
و تـضعنـا هذه الآية أمام قاعدة علميه لحساب اليوم الكامل تبصرنا بحكمة الخالق وعزته، وهو الفرق الثابت بين كل انسلاخين للنهار أو زوالين أو غروبين للشمس، فنجد أن هذا الفرق ثابتا لا يتبدل ولا يتغير مهما تغيرت الفصول والشهور والسنوات، و أيضـاً أمام حقيقة أخرى علمناها مؤخراً، و هي أن حدوث هذا الانسلاخ لايتأتى إلا إذا كانت الأرض تدور حول نفسهـا في ثبات كامل أمام الشمس بحيث تنغمس في الظلام عند نهاية النهار، و أنهـا أيضاً تدور بسرعة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير رغم تعاقب السنين والقرون والدهور، بحيث لا يسبق الليل النهار كما تعبر عن هذا آية تـالية " ولا الليل سـابق النهـار، وكل في فلك يسبحون "، من صنع هذا الثبات لكل شيء في فلكه، للأرض وللشمس ولكل كوكب ونجم، إنـنـا أمام حقائق جاءت بدقة متناهية بحيث تعبر عن آية لا تقبل الشك عن علم الخالق وقدرته وعظمته ، فكيف يتأتى الحفاظ على هذا الفرق الثابت بين الانسلاخين وعلى هذا الفلك الثابت للأرض رغم حركتهـا المركبة حول محورهـا المائل وحول الشمس ومع الشمس ومع سقوطهـا ضمن المجموعة الشمسية بسرعة هـائلة في الفضـاء الهائل من حولنا، إن هذه الآيات الكونية لا تتأتى إلا بتقدير إله عزيز عليم كما تنبأنــا الآية التـالية بهذه الأسماء الحسنى لله خالق هذا الإعجاز، عزيز ومنفرد في قدرته و علمه، إن هذه الدورة المحتومة للأرض حول نفسهـا وهذا التعاقب لليل والنهـار دون تقديم أو تأخير بهذا الثبات والدقة قـاد الإنـسـان إلى تعريف الزمان والوقت، حيث قسم الزمـن الذي تدور فيه الأرض حول نفسهـا إلى أربع وعشرون سـاعة، و بهذا استطاع البشر أن ينظموا أوقاتهم وحياتهم، و هل يتأتى هذا الانتظـام من تلقـاء نفسه، و إذا تدبرنـا هذه الآية ونظرنا إلى البشر عندما يطلقون عربة صغيرة يسمونها بالأقمار الصناعية وهي لا تزيد في وزنها عن أصغر الأحجار و تدور حول الأرض لمدة محدودة ويطلقون معها معدات كي تمدهـا بالطاقة المطلوبة لاستمرار حركتهـا والحفاظ عليهـا، ومعدات للتحكم وظبط مسارها حول الأرض وتصحيح انحرافاتها الدائمة، ثم نجدهم يعجزون في معظم الأحوال عن الاحتفاظ بهذا المسار لهذا الشيء التافه حجماً و وزناً لأي مدة تزيد عن عدة شهور ... و قارنا بين هذا الجسم وهذه الأرض الهـائلة الحجم والمنبعجة الشكل والتي يصل قطرهـا إلى 12742 كيلومتراً... من الذي احتفظ لهـا بهذا المسار للأرض ولكل كوكب نراه في مجموعتنا الشمسية طوال ملايين وبلايين السنين دون انحراف أي شيء عن مساره، إنه حقاً خالق عزيز عليم... لقد جاء القرآن بهذه الأدلة من الله الذي يعرف السر في السموات و الأرض ويوجهنا إلى هذه الحقائق والأسرار بأدق التعبيرات أو الكلمـات، التي نـراهـا أمامنا في هذه الآيات حتى يهدينا إلى عظمته وجلاله، ونـشعر أمامهـا بعظمة قائلهـا وصانعها ونرى عجزنـا عن أن نأتي بمثلهـا صنعا و عملا و قولا فنهتدي إليه وإلى وحدانيته.
ثم تأتى الآية التالية من هذه الآيات بإعجاز عن حركة الشمس وكيف جعلها الله في جري دائم حتى تستقر في نهاية الأمر طبقا لأوامر خالقها " والشمس تجرى لمستقر لهـا ذلك تقدير العزيز العليم، " ، لقد اعتقد العلماء في القرن الماضي أن الشمس هي مركز الكون وأنها ثابتة في حجمها وكتلتها ومكانها وأن كل شيء يتحرك من حولها، و اعتقدوا ببقاء المادة وعدم نفاذها، واعتقدوا أن للمـادة دورات وللزمان دورات فلا ينتهيان، ولكن تأتى هذه الآية لتبين بهذا النص المعجز منذ 14 قرنا من الزمان أن ما يجرى لكل شيء في الكون يجرى على الشمس و على المادة وعلى الزمان أيضـا، فالشمس تجرى وتتحرك وتهوي في هذا الكون السحيق، وهي تتوهج الآن ثم سوف تخبو وتستقر بعد حين ... فالشمس تتناقص حجما ووزنا حتى تستقر وتتلاشى بعد حين، والشمس وهي تجرى أيضا فإنهـا تجرى معها أعضاء مجموعتها المرتبطة بها من الكواكب، فالشمس تدور حول نفسها وتديرنا حولهـا، فهي حقا تجرى وكواكبها يجرون من حولهـا إلى أن تـستـقر حركتها فيستقرون معها، وهذا ما أكده العلم الحديث في مشاهداته الفعلية، وأرضنا التي نعيش عليها ليست إلا كوكباً من كواكب المجموعة الشمسية التي تجري في ركب الشمس وتنقاد معها وفقـاً لتقدير الخالق العزيز العليم، وسوف تستقر حر
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/4/sun.jpg الشمس كرة من غـاز الهيدروجين تصل درجة الحرارة في بـاطنهـا إلى أكثر من 15 مليون درجـة
كة الشمس بعد هذا الزمن، و حين تأتى هذه اللحظة سيتوقف الزمـان بالنسبة لأهل وسكان المجموعة الشمسية، ولن يدور الزمـن دورته ولن تبقى المادة على حالهـا كمـا كان يدعى المـاديون والكـافرون والملحدون، فللشمس ميقات ستستـقــر عنده بأمر خـالقهـا وسينتهي عنده كل شيء، هذا مـا أكده الـعـلم ومـا تـأتى به هذه الآية من خالق الشمس ... آية تنص على أن هذه الشمس سوف تستقر بعد هذا الجري الدءوب، و قد أثبت العلماء أن الشمس كرة من غـاز الهيدروجين وتصل درجة الحرارة في بـاطنهـا إلى أكثر من 15 مليون درجـة ويحدث بهـا أعقد التفاعلات النووية الاندماجية التي سوف تحولها في النهاية من كرة متوهجة إلى كرة مستقرة... حيث تساعد درجة حرارة باطن الشمس المرتفعة في اندماج ذرتين من ذرات غاز الهيدروجين الذي يشكل كتلة الشمس، فتتحولان إلى ذرة واحدة من غاز آخر.. ذرة تقل كتلتهـا عن كتلة ذرتى الهيروجين، حيث يتحول الفرق في الكتلة إلى طاقة تبعثهـا الشمس إلينـا... وقد حاول الإنسان أن يحاكي هذا التفاعل الاندماجى الذي يحدث في الشمس، و لكنه عجز عن التحكم في هذا التفاعل في مفاعلاته النووية، وأدت أبحاثه في هذا المجـال إلى اكتشافه للقنابل الهيدروجينية التي تنتج كما هائلاً من الطاقة ينشأ عنهـا انفجارات مدمرة، وهكذا لم يتمكن البشر إلا في استخدامها للتدمير وليس لعمارة هذا الكون كما يحدث في شمسنا بأمر الله... وكي ترسل الشمس كل هذه الحرارة فإنهـا تحرق في كل ثانية 600 مليون طن من مكوناتهـا من الوقود الهيدروجينى، تحترق في ثبات دون توقف على مدى الثواني والأيام و القرون و الدهور، و ينطلق من الشمس مع هذا التحول في كل ثانية كما من الطاقة يكفى ما تحتاجه الأرض لمدة مليون سنة كاملة، ولكن هذا الكم يتوزع على الكون بأكمله ويكون نصيب الأرض من هذا الكم قدر محدد لها يكفيهـا دون زيادة أو نقصـان لا يمثل سوى 1 على 10 أمامهـا عشرة أصفار على الأقل.... وهكذا فإن الشمس تتغير وتبدأ من غاز الهيدوجين الذي يجرى له أو به هذا الكم الهائل من التفاعلات والاندماجات، ثم ينتهي إلى كرة من غاز ساكن أو خامل هو الهليوم، ولا يبقى لها في النهاية وقود يقاوم قوة جذب كتلة هذا الغاز الخامل، فيتقلص نجم الشمس بتأثير وزنه، و تصـير الشمس في النهاية قزماً ساكناً أبيض أو ثقباً أسود في هذا الكون كما حدث في ملايين النجوم الأخرى التي كانت مثل شمسنا و جرى لهـا مـا سيجرى لشمسنـا بعد فترة قدرها العلماء بحوالى 500 بليون سنة كي تتحول إلى هذا القزم السـاكن، و هذا بعد أن وصل عمرهـا الآن 450 بليون عامـاً، والآن ما الذي يحتفظ للشمس بهذا الجري والتفاعل بهذا الثبات الممتد عبر بلايين السنين التي والتي تكونت خلالها الأرض ثم نشأت الحياة عليهـا، إن الشمس لو بردت درجتهـا بأقل من مليون درجة مثلا، فسيؤدى هذا إلى انخفاض معدلات الاحتراق بها إلى النصف، وهذا ما يؤكده العلم الحديث، وبهذا تقل الطاقة التي تصل إلى الأرض فتتجمد الأرض، و لو زادت أيضـاً لتضاعفت معدلات الاحتراق وتزيد معها الطاقة التي تصل إلى الأرض فــتـحترق أيضا الأرض، ثم إذا نظرنـا إلى الشمس وهي تحترق وتقل كتلتهـا بملايين الأطنان في كل ثـانية ، فلنـا أن نتعجب : هل هذا النقص الدائم في كتلة الشمس له الأثر على أفلاك الكواكب من حولهـا، النظريات العلمية تؤكد أن هذه الأفلاك تتأثر فتبتعد الأرض عن الشمس، ولكن لو حدث هذا فستـتجمد الحياة على الأرض، وهذا لم يحدث خلال الملايين من السنين التي هي عمر الأرض، لقد حار العلماء في فهم أسرار هذه الشمس بحيث تظل بهذا الثبات لهـا ولمن حولهـا، و جاء هذا النص من الخالق أنه هو الذي قضى عليهـا بهذا الثبات فأودع هذا التعبير في كتابه بأرفع المعاني والكلمات "و الشمس تجرى لمستقر لهـا، ذلك تقدير العزيز العليم "، حقـا إنه عزيز في قدرته و تقديره، عليم يحيط بعلمه كل شيء، و العلم لا يستطيع أن يصل إلى سر جرى الشمس بهذا الثبات في تفاعلاتها و فيمن تجريهم حولها ، و يأتي كتاب الله ليعلن أن هذا جاء بتقدير إله قدير عزيز عليم " ذلك تقدير العزيز العليم" ، فهو من صنعه وحده وتقديره وحده وبعلمه وحده، وهذه الكلمات جاءت منه وحده .
و قبل أن ندخل إلى القمر تعالوا أولا نعقد مقارنة بينه وبين الشمس، فالقمر كوكب صغير سخره الله للأرض، وإذا أردنا أن نتخيل المسافات والأبعاد الخاصة بالشمس والقمر بالنسبة للأرض، فيمكن إذا تخيلنـا أن الشمس كرة قطرهـا متراً واحداً، فإن الأرض تكون كرة صغيرة أو بلغتنـا العامية بلية صغيرة يقل قطرهـا عن 1سم، و تدور هذه الكرة حول الشمس في دائرة نصف قطرهـا 120 مترا دورة كاملة كل 365.25 يومـا (السنة الشمسية )، أما القمر فإنه بالنسبة لهذه الأبعاد يكون بلية (قطعة حجر صغيرة) أصغر جداً لا يزيد قطرهـا عن 4مم و تدور حول الأرض في دائرة نصف قطرهـا 30 سم فقط دورة كاملة كل 27.3 يوما ( محددة شهراً قمرياً )، هذه الأبعاد تقربنا فقط من تصور النسب بين هذه الأجسام، لكن قطر الأرض مثلا 12800 كم وقطر الشمس حوالي 1.400.000 كم و قطر القمر 34676 كيلومتر، فلا يزيد قطر الأرض عن ضعفي قطر القمر كما لا تزيد كتلة الأرض عن 80 ضعف فقط كتلة القمر، و بينما نجد الأرض قزم صغير يدور حول الشمس بكل الالتزام، فإن القمر يبدو كأنه لا يدور حول الأرض و لكن كأنهمـا يدوران حول بعضهمـا أو كما لو كانا كما تذكر المراجع الأجنبية يرقصان حول بعضهمـا حيث يدور كل منهما حول الآخر و يدوران معا حول الشمس، وحيث وجدوا أن القمر يواجه الأرض دائما ويلازمها بوجه ثابت، وهي من قواعد الرقص عند الغرب، كما لو كان منتظراً لتلبية حاجاتهـا، ويبدوان أيضا لمن يراهما من بعيد كما لو أن القمر يتمايل حول الأرض في حركته المحدودة حولهـا كما تتمايل الأغصان في حركتهـا حول الأشجار. كما يدور القمر في مستوى يميل مع مستوى خط الاستواء في الأرض بزاوية قدرهـا 23.5 درجة، و هي نفس الزاوية التي يميل بهـا محور دوران الأرض حول نفسهـا مع مستوى دورانهـا حول الشمس، و يأتي من هذا التطابق في الزاويتين تطابق مستويي أفلاك الأرض وأفلاك القمر، و لهذا فإن مساحة الجزء المعرض من القمر لضوء الشمس، و الذي يعكس ضوء الشمس و ينير الأرض في المساء ويحدد شكل القمر من الهلال إلى البدر والعكس، يعتمد فقط على ما تحجبه الأرض عن الوصول إليه من ضوء الشمس، ولتطابق الزوايا فإن كل سكان الأرض تراه بنفس الشكل، ولو اختلفت هاتين الزاويتين عن بعضهما ولو بأقل الكسور من الدرجة لمـا حدث هذا التطابق في أشكال القمر بالنسبة لكل سكان الأرض، و لرأى أهل الشمال القمر بدراً بينما يرى أهل الجنوب القمر هلالا، وسنظل أياماً نرى القمر كاملا، و أياما لا نراه، و الشهر القمري يبلغ 29.5 يوما وهو يزيد عن مدة دورة القمر حول الأرض بأكثر من يومين حيث تشارك الأرض في الحركة حول القمر أثنـاء تحركه حولهـا، إنه انضباط في الزوايا والتحركات يتوه في حساباته فقط أعظم العلمـاء، فمـا بالك بالتحكم فيه وتدبير أمر مساري هذين الكوكبين التي لا تقل أقطـارهما عن بضعة آلاف من الكيلومترات، مسارات معقدة و منضبطة.. ينشأ عنهـا هذا الانضباط في الشهور القمرية و أشكال القمر المتتابعة، التي لا تتبدل و لا تتغير، ويتم معهـا انضباط مواقيت و حركة الأحياء عليهـا.
هكذا ينبهنـا الخالق إلى تدبر هذه الحقائق بما يذكرنا بهـا في كتابه، فيشير القرآن بعبارات بسيطة أن كل ما ذكرناه عن حركة القمر حول الأرض وملازمته للأرض في حركتهـا حول الشمس، وسرعة القمر حول الأرض وسرعة الأرض حول الشمس، وأفلاك القمر وأفلاك الأرض وأفلاك الأرض والقمر معاً والمستويات والزوايا والأبعـاد والمسافات والسنة الشمسية والشهر القمري ثم السنة القمرية التي تختلف عن السنة الشمسية بمدة 11 يوما لا تزيد أو تنقص، وأن يكون للقمر هذه الأشكال المتدرجة صعوداً وهبوطـا واتساعاً وضيقـاً، فنراه هلال ثم بدرا ثم هلالا في مواقيت محددة وبحركات دقيقة وتم حسابهـا بأدق الحسابات و التحكم فيهـا بأعظم القدرات .. يشير إلى أن كل هذا لم يأتي بالصدفة أو بالطبيعة.. فأي طبيعة هذه التي تحدد السرعات و الأبعاد والمسافات و الأقطـار و الأحجـام والزوايا والحركات والسرعات وتحافظ عليهـا بهذه الدقة المتناهية طوال هذه القرون والدهور.. نعم لا يتركنا خالق الأرض والسماء نتخبط ونحتـار... و لكن يأتي بآيات القرآن معلنـاً بإعجاز أنه هو الله الذي هيأ الأبعـاد
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/3/Moon.gif الشكل التالي يبين كيفية دوران القمر حول الأرض ومنازله وتكون البدر حتى العرجون القديم
والمسافات والزوايا وقدر للقمر وسخر له هذه الأفلاك والمسارات... فيقول الحق والقمر قدرناه منازل... أي أن كل هذا قد جـاء بتقدير إله قدير قدر لهذا القمر هذه التحركات احتوتهـا كلمة قدرناه. .. و نأتي إلى كلمة منازل.. فهذه الكلمة إشارة إلى أفلاك القمر ومنازله التي أنزلهـا الله فيهـا له كي يكون لنـا من أشكاله ما نراه عندمـا يعكس لنـا ضوء الشمس من مواقع مختلفة أمامـهـا... وقد تكون هذه الكلمة تصحيحـا للتعبير الذي شبه به بعض العلمـاء حركة القمر و قالوا أنه يراقص الأرض، فهو لا يراقصهـا ولكن التعبير الأشمل والأجمل أنه ينازلهـا.. فمن قواعد المنازله أن يواجههـا أيضاً بوجه ثابت ولكنه يجب أن يبتعد عنهـا بعداً كافيا يتيح له تسديد وصد ضوء الشمس إلى الأرض كلما حانت له انفراجة في مسار الأرض عن الشمس.. و لكن الرقص الذي أطلقه بعض العلمـاء الغرب يعنى انضمامهمـا، وهو تشبيه يجافى الحقيقة... أما المنازلة فلا تسمح بهذا، وتنطبق حقاً على من يرى حركة القمر الملزمة للأرض في دورانه معهـا حول الشمس وفي نفس الوقت يدور حولهـا ويقترب و يبتعد أثنـاء هذا الدوران وبوجه ثابت كما لو أنه ينازلهـا دون أن يحيد عنهـا..... ثم نأتي إلى تشبيه حركة القمر وهو يتحرك من يمين الأرض إلى يسارهـا ومن يسارهـا إلى يمينهـا في حركة محدودة بالنسبة لحركتهما حول الشمس، و بسرعة بطيئة بالنسبة لسرعة دورانهمـا معاً حول الشمس... وكما ذكرنا أنه يبدو لمن يراه كما لو أن القمر يتمايل حول الأرض وهو يدور معـها ويدور حولهـا أو ينازلهـا... وتأتى الآية فتطلق هذا التشبيه... عاد كالعرجون القديم... و يطلق العرب اسم العرجون على فرع شجرة التمـر... وعند تقادمه على شجرته بسبب الجفاف من تسلط أشعة الشمس عليه زمنا طويلا نجده يتمايل مع الرياح أينمـا توجهه لأنه يصير غير قادر على الثبات أمامهـا بعد قدمه... إن هذا التشبيه يقرب من رؤيتنـا حركة القمر وهو يتحرك أو يقفز في سهولة ويسر على جانبي الأرض كقفزات وحركات بمثل تقلبات العرجون على جانبي شجرته، و ينشأ من هذا التمايل المقدر والاستمرار الاعتياد عليه أشكال القمر المختلفة.... منازل إشارات إلى حكمته وقدرته وأن كل ما وجدنـاه ورأيناه وعلمنـاه جـاء بتقديره
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/4/moon1.jpg الشكل التالي يبين منازله القمر حول الأرض
سبحـانه وقوله الحق والقمر قدرنـاه... منازل ... حتى عـاد... كالعرجون القديم... فنرى أن كلمة "قدرنـاه" قد جاءت بكل السمو كي تبدد حيرتنـا... لأن الخالق هو الذي قدر للقمر هذه الزوايا والسرعات والأبعـاد والمسافات والمستويات، فصـار إلى ما صار إليه من ملازمته للأرض أو منازلتهـا والقفز على جانبيهـا حتى اعتـاد هذه المنازل كما اعتاد العرجون في التحرك والتطوح على جانبي الشجرة كلما تعرض للقدم والجفاف... أي إعجـاز هذا في الخلق و القول... إنه إعلان حي من الخالق، أنه هو الذي دبر و" قدر للقمر منازله " بتقدير العزيز العليم... في دورات مستقرة وثابتة ينشأ عنهـا هذه الأشكال المتكررة للقمر من هلال إلى بدر إلى هلال تنبئ عنهـا كما ذكرنا كلمة " عاد "... فهي تفيد العودة والتكرار كما تفيد الاعتياد والاستمرار والاستقرار..... أية دقة علمية هذه في سردهـا لحقائق علمية متكاملة بأبسط العبارات وأدق التشبيهات التي تعيد كل شيء في هذا الكون لتقدير الخالق منزل القرآن على عبده بالعلم والحكمة وبما يظهر الحق و يبدد الحيرة في هذه الحركة المعقدة للقمر مع الأرض و الشمس بما قدره من قول و فعل.
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
10-12-2013, 09:04 PM
يتبـــــــع الموضوع السابق
تأملات إيمانية في سورة يس
ثم تأتى الآية الرابعة لتؤكد أيضاً بإعجاز شامل أن حركة كل شيء في هذا الكون تتم فعلا بانضباط كامل ومقدر بقول الحق ( لا الشمس ينبغي لهـا أن تدرك القمـر ولا الليل سابق النهار، و كل في فلك يسبحون )، هكذا جاء قول الحق عن هذا الثبات لكل شيء من حولنا في أفلاكه، فللشمس أفلاكها الثابتة وللقمر أفلاكه الثابتة و بالرغم من أن الأرض من توابع الشمس تدور حولهـا وحجم الشمس أو وزنهـا يزيد آلاف المرات عن حجم الأرض و وزنهـا، لكن لا تطغى الشمس على القمر هذا التابع الضئيل للأرض الصغيرة والتابعة لهـا، فلا تحوله إليها أو تدركه بقوتها وحجمها ووزنهـا وجذبهـا الجبار الذي يتضاءل أمامه جذب الأرض، ليس هناك سببا ألا يحدث هذا إلا أن يكون هناك التزاماً من الشمس والقمـر بالسير والسباحة أو التسبيح المحدد بالكلمات أو بالحركـات في أفلاك ثـابتة لا حيود عنهـا.
والأرض لهـا تعاقبهـا ودورانها حول نفسـهـا، ولا يختل هذا الدوران مهمـا تعاقبت السنين والقرون، فزمن الدورة أربع و عشرون سـاعة و لا يأتي ليلين أو نهـارين متعاقبين، بل ليل يعقبه نهـار، و يكونان معاً اليوم من أربع و عشرون سـاعة في ثبات تام يعجز عن تخيل أسبابه العقل البشرى، وكذلك الأرض ويصاحبهـا قمرهـا تدور دورة كاملة كل سـنة أو كل 365 يومـاً وربع اليوم حول الشمس، لا يتبدل أو يتغير زمن هذه الدورة على مدى القرون والدهور، وكذلك الشمس و معها منظومـتها الشمسية كلهـا بمـا فيهـا الأرض و الكواكب الأخرى تدور حول مركز المجرة مرة كل 200 مليون سنة، و مجرتنا البالغ عدد النجوم فيهـا أكثر من خمسة بلايين نجم و تمثل المجموعة الشمسية إحدى أفرادهـا لهـا أيضـا دورتهـا حول نفسهـا و حول مركز الكون الذي لا يعرف سـره سوى الخـالق... و الآن ... مـن يحفظ هذا الثبات والاستقرار في دورات الشمس و القمر ودورات الليل و النهـار وكل الدورات الأخرى، لقد قربنا العلم لأن نرى مسارات الشمس والأرض والقمر، ولكن هذه الرؤيا زادتنا إحساسا بالجهل عن أسرار ما رأيناه أو علمنـاه... وزدنا يقينا أنه لا تعليل لهذا إلا أن كل هذه السباحة لكل كوكب أو نجم ما هي إلا نوعـاً من أنواع التـســابيح يسبح بهـا هذا الكون لخـالقه كمـا جـاءت الآية الكريمة (و إن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) ... إنــه تسبيح دائم و مستمـر لكل مـا في هذا الكون... و( كل قد علم صـلاته و تسبيحه ) ...و( إن من شيء إلا يسبح بحمده، و لكن لا تفقهون تسبيحهم ).
هكذا جاءت كلمات الله معبرة بكل إعجاز عما يعجز الإنسان عن فهم أسبابه في هذا الكون، فتتبدد حيرته عندما يكون القائل هو خالق هذا الإعجاز الذي أرسل إليه هذا الكتاب رحمة من عنده لهدايتنـا و الخروج بنـا من الحيرة و الضلال ، و إذا أمعنـا التدبر في كلمة يسبحون بالباء المفتوحة و يسبحون بالبـاء المشددة و المكسورة ، فسنجد أن القرآن قد جـاء بهذه الكلمة الجـامعة لمـا تؤديـه الكواكب و النجوم و الشمس و القمر من سباحة منتظمة في أفلاك ثـابتة و أن هذا ليس إلا تسبيح أو طـاعة ملزمة لكل الكواكب و النجوم لخـالقهـا ومسيرهـا.
و السؤال الآن: هل نستطيع كبشر بعد أن علمنا عن الأرض و القمر و الشمس و الليل و النهـار و الأفلاك و المسارات أن نعبر عن معجزات هذه الأشياء و دلالاتها في بضعة سطـور يفهمها العالم المتعمق بقدر علمه والإنسان البسيط بقدر نقائه، و هذا على مر العصور دون توقف، و بهذا الإعجاز التام دون أن يأتيهـا الباطل في أي من هذه الأزمـان، لقد عرضت هذه الآيات الحركات و الأفلاك التي تتحرك فيها الأرض و الشمس و القمر و أعطت التشبيهـات التي لا يستطيع أن يأتي بمثلهـا سوى خالقهـا و محددهـا و محدد أبعـادهـا و حركاتهـا... إنهـا جميعـا تدور بإعجـاز إلـه عـزيز عليم تسبيحا له و طاعة و التزاما و انصياعا لأوامره، فلـه وحده النهـار و الليل و الحركات و السكنات و الأقدار و المصائر، إنهـا آيـات إلــه يـرى الكون الذي خلقه كله بإمداده و جمـاله و إعجـازه وإبداعه، ثم يـركز أبصـارنـا على ما يمكن أن نراه من هذه الآيات التي تدل كلهـا على جلاله و عظمية ... آيات يراهـا الناس في كل العصور و لا يستطيعون إنكار صانعهـأ مهمـا بلغ علمهم و رؤاهم، و لهذا تبدأ الآية بـقول الحق و آيــة لهـم ... إنهـا فقط إحدى الآيـات التي يبصـرنـا بهـا لخالق في الكون الذي خلقه و سيره بقدرته و تقديره.. و لكن في الكون آيـات و آيــات يجب أن نتدبرها حتى نستحق مـا أنعم الله به علينـا من نعمـة العقل والعلم.. ويكفى هذه الإشــارة من الخـالق التي جـاءت بهذه السمو وهذا الإعجـاز...
و الآن نتوقف ثانية أمام آيات أخرى جاءت قرب نهـاية هذه السورة الكريمة بقول الحق:( أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين، و ضرب لنا مثلا و نسى خلقه، قال من يحيى العظام و هي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة و هو بكل خلق عليم ، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون، أوليس الذي خلق السموات و الأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ، بلى و هو الخلاق العليم )
هناك من يجرأ و يدعى أنه ليس هناك بعث بحجج مختلفة، و في هذه الآيات يناقش الحق بالحجة و المنطق هؤلاء المتنطعون، فيأتي باستفسـارات منطقية و يسأل هؤلاء المنكرون أسئلة منطقية و يستشهد الخالق في إثارة تفكيرهم من واقع ما يبصرونه في مختلف الأزمنة... و يأتي السؤال الأول... هل من لديه القدرة على خلق الأجسـام لا تكون لديه أيضا القدرة إعادة هذه الأجسام مرة أخرى بعد أن تتحول إلى رميم و تراب... سؤال منطقي و رباني... و لا شك أن هؤلاء المتنطعون كما كانوا في عصر الرسول صلى الله عليه و سلم، نراهم أيضـا في عصرنا هذا ينكرون البعث باسم العلمانية و العلم... و لكننا كمسلمون نرى أن التقدم البشرى و العلمي يجعل الرؤية التي طالبنا بهـا الخالق في بدأ هذه الآيات تكون أقوى و أوضح و أظهر، فالخـالق يذكرنـا بعد هذا الاستفسـار أن بدأ خلقنـا كان من نطفة.... و قد أثبت العلم الحديث أن بداية تكوين الجنين في بطن الأم تكون بتخصيب بويضة الأم، و تمثل هذه البويضة نصف خلية من خلايا جسمها وتحمل جميع صفاتها الوراثية، ويتم تخصيب هذه البويضة بالحيوان المنوي للأب، وهذا الحيوان يمثل أيضاً نصف خلية من خلايا جسم الأب، ويحمل أيضا كل الصفات الوراثية للأب... ومن هذا التخصيب تأتى النطفة أو أول خلية كاملة تحمل صفات وراثية مشتركة من الأب والأم لمخلوق جديد... هذا ما نراه الآن في معاملنا بالمجهر وبالصورة و تعرضه أفلام علمية و طبية و ثقافية... والآن لا ندرى بالرغم من ادعائنا العلم و الفهم.. من علم هذه النطفة ورتب لها هذا التحول من نطفة أو خلية واحدة إلى إنسان كامل عبر أطوار وأطوار داخل رحم الأم، لا تدرى الأم منها شيئا وليس لها أي تدخل أو تداخل فيهـا، كيف استطاعت هذه الخلية الواحدة أن تتكاثر إلى بلايين من الخلايا المتطابقة للخلية الأولى صفاتا ونوعا و شكلاً في منظومات هائلة مكونة الأنسجة والأجهزة والأعضاء، كيف استطاعت أن تستمد غذائها وهوائها وهي داخل ظلمات ثلاث، من صمم لها هذه الأطوار كي يكون لها خياشيم في أحدى الأطوار كي تحصل على الأكسيجين من داخل السائل الذي تسبح فيه في داخل الرحم، و كيف جاء لها هذا التكوين الفريد في الحبل السري الذي يمد جسم هذه النطفة بكل ما تحتاجه من غذاء في كل لحظة ومن مرحلة إلى مرحلة أخرى، من الذي أودع الأسرار في مجموعة من الخلايا أن تتحول إلى عظام ومجموعة أخرى أن تتحول إلى عضلات، ومجموعة أخرى أن تتحول إلى دماء أو جلد أو أغشية أو شعر... وكل له وظيفة محددة وأعمال مرتبة وأهداف ثابتة تختلف شكلا وموضوعاً عن الخلايا الأخرى وإن اتحدت في كروموزماتهـا وجيناتهـا التي تميز كل إنسان عن أخيه وعن سائر المخلوقات... من رتب لها هذا التكوين وعلمها هذه الوظائف وقرر لها هذه الأعمال و بين لهـا هذه الأهداف... من الذي جعل القاعدة العامة هي الانتظام في هذا الترتيب وجعل هناك القليل الذي يشذ حتى نرى قدرة الله في خلقه وأن العملية ليست عملية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/human211528.jpg صورة للجنين البشري في أشهره الأولى
ميكانيكية ولكن كل شيء بقدر معلوم، فنرى التصاق قلبين أو جسمين أو رأسين، و نرى ما لا يكتمل نموه ونرى من يولد بعد 7 أشهر ومن يولد بعد 9 أشهر و نرى من يموت في رحم الأم ومن يكتب له الحياة الممتدة، ونرى قدرة الله وحكمته في أن يجعل هذه النطفة ذكرا أو أنثى في إحدى هذه الأطوار ثم نرى الاتزان بين عدد الذكور والنساء في الجنس البشرى خاصة، ونرى حكمة الله وقدرته في أن يهبة نعمة السمع والبصر والعقل خلال هذه الأطوار كي يتحول هذا المخلوق الحيواني، الذي وهبه الله الحياة منذ أن كان نطفة لينمو داخل رحم الأم كأي حيوان ثديي، إلى إنسان عاقل يدرك ويعي ما يراه بعينيه أو يسمعه بأذنيه، بميز الأصوات و الألوان و الحروف و الكلمات و الصور و الظلالات، ثم يميز بين الخير و الشر وبين النور والظلام، بفطرة فطر الله عليها هذه النطفة منذ أن بدأها و وهب لهـا الحياة و الاستمرار.
نعم... لقد رأينا في معاملنا هذه الخلية الأولى أو النطفة التي أودعها الله في رحم الأم ثم نمت بقدرة الله التي وهبتها الحياة وبحكمته التي أودعها الله في هذه النطفة حتى تخوض في هذه الأطوار وبإرادته التي تجعل هذا ذكراً أو أنثى أو لا شيء على الإطلاق أو أن تصير هذا الإنسان الكامل العاقل القادر ... و بالرغم من هذا فيأتي هذا الإنسان بعد أن زاد شعوره بالجهل في عصر العلم متبجحـاً أن أصله جاء نبتاً من هذه الخلية الواحدة عندما أراد لها خالقها الحياة والنمو وكتب لهـا هذه الأطوار... جاء يقول من هو القادر على أن يعيد عظمه أتى بهـا إلى رسول الله لتصير بشراً مرة أخرى... أنه بهذا التصرف الأبله وهذا القول الساذج يصير خصماً لله سبحانه و تعالى الذي أخذ على نفسه هذا العهد و قرره في آيات القرآن الكريم بلسان عربي مبين ... كم تحوي هذه العظمة من الخلايا... إنهـا بلايين الخلايا وقد جاء خلق الإنسان من نطفة أو من خلية واحدة فقط من هذه الخلايا... إن العلم الحديث يقرر أنه يمكن من خلية واحدة استنساخ حيوان هو صورة طبق الأصل من الحيوان الأصلي.. فكيف بخالق الإنسان نفسه... أو ننكر له هذه القدرة... و من هنا جاء هذا الرد الرباني العجز على هذا الاستفسار الإنساني الجاحد و الجاهل بقدرات الله عز و جل: (أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين، و ضرب لنا مثلا و نسى خلقه، قال من يحيى العظام و هي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة و هو بكل خلق عليم ).
ثم يأتي البيان الثاني...الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون... كيف ننكر قدرة الخالق الذي دبر شئون هذا الكون و دبر عمارته على أن يحيي العظام و هي رميم... أشار الله في هذه الآية إلى قدرته التي عمر بها هذا الكون وأعطى بها الإنسان والحيوان القدرة على الحركة والانطلاق... إن من ينظر إلى هذا الكون وقدرة الإنسان على السعي فيه وعمارته، يجد أنهـا جاءت من هذا الشجر الأخضـر، فالشمس تطلق طاقتهـا.. ولكن هل يستطيع الإنسان أن يمتص هذه الطاقة كي يتحرك بهـا... إن أعضـاء المملكة الحيوانية كلهـا ومنهـا الإنسان لا يستطيعون الاستمرار والحركة بدون مصدر للطاقة.. كمـا أن السيارات والمحركات لا تستطيع أيضـاً أن تتحرك بدون مصدر للطـاقة... ومن أين تتأتى لهم هذه الطاقة التي سيتحرك بهـا الإنسان و من ثم تتحرك بهـا دوابه و أنعـامه ثم تحركان عرباته وآلاته ... هل سأل أحدنا نفسه مرة كيف تأتـيه هذه الطاقة ومن أين تأتيه... الجواب في هذه الكلمات المحددة في الآية التي بين أيدينـا... إن هذه الطاقة تأتى من الشمس التي جـاء ذكرهـا في منتصف هذه السورة.. ثم من الذي يعد ويجهز لنا هذه الطاقة كي نستفيد منهـا ولتبعث الدفء والطـاقة في أجسادنا عند احترقهـا ناراً، و هي التي تدفع الطاقة أيضاً في أجساد دوابنـا عند احتراقهـا ناراً، و هي التي تطهي لنـا الطعام عند احتراقهـا ناراً، وهي التي تدفع عرباتنا عندما تتحول في باطن الأرض إلى بترول وغـاز طبيعي ثم تحترق في عرباتنا ناراً... إنهـا هذا الشجر الأخضر... إن هذه المقابلة في الآية الكريمة التي صاغهـا الحق بين النار والشجر الأخضر مقابلة معجزة، تستوعب كل دروسنا في الطاقة ... حيث يقوم الشجر من خلال اخضراره واخضرار أوراقه بدوره ومهـامه في تخزين وإعداد هذه الطاقة في طعام ذو مذاق جميل وفي نفس الوقت في الصورة التي يمكن امتصاصهـا داخل جسم الإنسان أو الحيوان... إن من يتعمق في الكيفية التي يمتص بهـا هذا الشجر الأخضر من خلال أوراقه الخضراء طاقة الشمس، لا يسعه إلا أن يسجد للخالق الذي قدر هذا الصنع و أبلغ عنه بأعظم الكلمـات و أدق العبارات، في مقابلة معجزة و متكاملة... لقد حاول العلمـاء محاكاة ما يحدث في هذا الورق الأخضر.. فوجدوا أنه يتم في هذه الورقة أكثر من ثلاثة آلف تفاعل كهرو فوتو كيميائي كي يمتص أشعة الشمس الفوتونية ويخزنهـا كطاقة كيميائية في المواد الكربوهيدراتية في عملية حيوية تسمى بعملية التمثيل الكلوروفيللى أو الأخضر نسبة لاعتمادها على ورقة الشجرة الخضـراء.. و لو حاول هؤلاء العلمـاء تنفيذ هذا التفاعل في معامل يعدونهـا، فإنهم يحتاجون إلى معمل يعادل حجمه عشرة أضعاف حجم عمارة المجمع كي يؤدى
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/fire.jpg سبحان الذي خلق من الشجر الأخضر ناراً
فيه هذه التفاعلات و يصنع ويخزن الطاقة التي تخزنهـا ورقة نبات خضراء في اليوم الواحد، و لكنه سوف يستهلك في تخزين هذه الطاقة طاقة أخرى تعادل طاقة طلمبات منخفض توشكا بأكملهـا... و تأتى كلمة "جعل لكم" لتبلغ حقيقة أخرى، فلن تكون للنبات الأخضر هذه القدرة بذاته... حيث أنه بدون أشعة الشمس التي يمتصهـا وبدون الهواء الذي يستخلص منه غـاز ثاني أكسيد الكربون، وبدون الظروف الجوية المواتية من ضغط ودرجة حرارة ودرجة رطوبة لن يستطيع النبات أن يقدم لنـا هذه الطاقة التي باحتراقها ناراً تسير عجلة الأحياء والحياة على وجه الأرض... و لهذا جاءت كلمة جعل.. ولم تأتى كلمة خلق.. إن من يتابع كيف تنطلق نار هذه الشجر الأخضر في أجسامنا، فسيرى أن الله أعد في خلايا الجسم القدرة على استعادة هذه الطاقة بثلاثة آلاف تفاعل في عكس تفاعلات الشجر الأخضـر... من علم هذه الورقة القيام بهذه التفاعلات.. ومن علم خلايا الإنسان والحيوان هذه التفاعلات... الرد هو أن ما علمناه وما نعلمه يزيدنا يقينـا أننا أكثر جهلا بكل شيء وأن هناك خالقـاً هو الذي جعل هذا... فعلومنا تقربناً من معرفة قدرة الله، و تقدم لنـا الدليل المؤكد لقدرته وعزته.. و أنه سخر لنـا كل هذا الكون بعلمه و قدرته... ثم يتطاول الخلق ويسألون.. من يعيد هذه العظام وهي رميم.. هل من أعد هذه التفاعلات وسير هذه العمليات كي نحيا ونستمتع بطاقتنا غير قادر على أن يعيد هذا الخلق.. وهذا المنطق الثاني كي يبطل الله حجج المنكرين الذين لا يفكرون و يتدبرون.
ثم نأتى إلى الدليل الثالث .. و فيه يذكر الحق بكل الدقة و القوة دليلا لا يمكن إنكـاره ... أو ليس الذي خلق السموات و الأرض بقـادر على أن يخلق مثلهم ... فإذا عقدنا مقارنة بين خلق السموات و الأرض و خلق الإنسان فهي محسومة حقا لخالق السموات و الأرض.. و لن نعيد تأملات قول الحق في سورة النازعات، ففيهـا مقارنة كافية لدحض حجج الكافرين... و لكن هناك وقفة أمام كلمة واحدة في هذه الآية، وهى كلمة " مثلهم "... فإذا كان الخالق جاء بخلق السموات والأرض وخلقهم من لا شيء.. ألا يكون قادراً على أن يأتي بخلق مثلهم... أي ألا يكون قادراً على استنساخهم بلغة العصـر... هل يمكن لخالق الإنسان من نطفة ثم الذي جعل له من الشجر الأخضر ناراً ألا يقدر على أن يفعل ما مكن البشر من فعله ليكون عليهم دليلاً.. ألا يستطيع خالق السموات والأرض على أن يستنسخ مثلهم من خلية يبقيهـا من عظامهم هذه بعد أن تصير رميم... يستنسخهـا كما مكن البشر أن يستنسخوا مثل النعجة التي أخذوا منهـا خلية من جلدهـا... ألا يقدر خالق الأصل أن يخلق الصورة... أي مثلهم.. سؤال لا مرد له إلا أن هؤلاء المنكرون متنطعون ومفضوحون... و لكن هذا الاستنساخ الذي مكنهم الله منه وإن كان في ظاهره العلم، إلا أن باطنه يكشف قدرة الخالق... فكل ما فعلوه عند الاستنساخ أنهم أخذوا خلية كاملة من جسم ذكر أو أنثى في أي حيوان ووضعوهـا في بويضة أنثى داخل رحم أنثى هذا الحيوان.. وهو موضع النطفة الأولى لأي جنين يتكون بالصورة الطبيعية من نصف خلية من الذكر ونصف خلية من الأنثى، فيتم الانتخاب الطبيعي للصفات التي تورث في الجنين الطبيعي، فرأوا أن بويضة الأنثى التي وضعوا فيهـا هذه الخلية، معدة لتلقين الخلية الموضوعة أو المستنسخ صاحبهـا طرق الانقسام داخل الرحم لتكوين الأنسجة و العضلات والأجهزة والصفات التي تحملهـا هذه الخلية، و أيقنوا أن خلق هذا المثل ممكنـا بما أودعه الله في بويضة أنثى كل حيوان من أسرار، كالأسرار التي وضعهـا فيهـا كي تخرج من النطفة الأولى أو الخلية الأولى من هذا المخلوق، و كالأسرار التي أودعهـا في الشجر الأخضر كي تنتج ناراً كما بين الله في الآيات السابقة... هكذا يأتي قول الحق ويأتي بالرد القاطع له... بلى ..(أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم.. بلى ... وهو الخلاق العليم... إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)... صدق الله العظيم... أيوجد منطق أعظم وأبدع وأعلم وأقوى وأمتع من هذا المنطق القرآني كي تقنع به من لا يؤمن بالبعث و قدرة الخالق على أنه سيعيد نشأتنـا من هذه العظام أعظم... إنه سرد لثلاث حقائق نراهـا بأعيننا و أبصارنا و منطقنـا الإنساني.. لهذا كان أول هذه الآيات (أو لم ير الإنسان... ثم كان في أوسطهـا.. أوليس الذي خلق السموات و الأرض بقادر على أن يخلق مثلهم)... هل يمكن ألا يكون ردنا على هذه الآية الكريمة كما قال سبحانه وتعالى.. نعم. هو الخلاق العليم.. نعم .. بلى و ربنـا الحق.. لقد رأينـا و آمنا أن الله قادر على أن يخلق مثلنـا و ينصر أمتنـا بإذنه و هدايته وكتابه و آياته.. فبأي حديث بعده يؤمنون...
هناك لازمة أحب أن أضيفهـا... فالخالق أراد للمسلمين أن يكون تقويمهم للشهور والسنوات معتمدا على حركة القمر و ليس على حركة الشمس... ولو تدبرنـا في فلك القمر.. فسنجد أن القمر تابعـا للأرض و يلازمهـا... و لأن الخالق سخر هذا الكون للإنسان... فقد أراد له أن يقوم السنوات بشيء تابع للأرض التي سخرها الخالق لهذا الإنسان وسخر ما في الكون لخدمته... و نحن عندما نعد شهور الحمل في الجنس الآدمي أو الحيواني، نجد التقويم أدق بالشهور القمرية، و في اختيار الخالق هذا التقويم لنـا يجعل الأرض و أهلهـا متبوعين بما في هذا الكون ومشاركين و ليسوا متبعين.. و الله أعلم .
يمكن المراسلة على البريد التالي:
[email protected] (
[email protected])
المرجع: http://en.wikipedia.org/wiki/Main_Page
القلب الحزين
10-12-2013, 09:05 PM
تأملات فى سورة الطارق
د. ســلامه عبد الهادي
أستاذ في علوم إدارة الطاقة وعميد سابق للمعهد العالي للطاقة بأسوان
نقف أمام آيات سورة الطارق، و هي إحدى قصار السور فى القرآن الكريم، كي نحـاول من خلال ما توصلت إليه علومنا الحديثة، أن نعيد الـتدبر فى هذه الآيات الكريمة، لكي نرى نورا آخر يضاف إلى أنوار القرآن الكريم المبهرة فى كتب التفسير السابقة. يقول الحق فى هذه السورة: (وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ {2} النَّجْمُ الثَّاقِبُ {3} إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ {4} فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ {5} خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ {6} يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ {7} إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ {8} يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ {9} فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ {10} وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ {11} وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ {12} إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ {13} وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ {14} إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا {15} وَأَكِيدُ كَيْدًا {16} فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)[سورة الطارق].
يقسم الحق فى بداية هذه السورة بالسمـاء، هذا البناء الشامخ البديع بسحبه و رياحه، بشمسه و قمره و نجومه و أبراجه، باتساعه و نظامه، بصفائه و ألوانه وسحره، بسكونه و جلاله و جماله و أسراره، بقوانينه و طاعته و تسخيره وهدايته، بنهاره و ليله و شفقه و ضحاه، بشروقه وغروبه، بلا نهائيته و غموضه و فتونه و فنونه، بكل شيء فيه يشهد على أن له خالقاً قادراً حكيماً عليماً منظماً مبدعاً ومصوراً... هو الذي صوره فى عيوننا بهذا السحر وتلك الألوان المبهرة فى الليل والنهـار... وأن له مالكاً عزيزاً عظيما قدوسا نظمه لنا بهذا الإبداع و هذا الاستقرار الذي لا يتبدل حتى نشهد على وحدانيته وكماله وأن هناك حياً قيوماً يدبر أمره ويهدى حركاته ويحفظ سكناته ويملك مقاليده التي تقرهـا أبصارنـا وبصائرنا وعقولنا وعلومنا و قلوبنا وأجهزتنا وأقمارناً.
ثم يوجه الخالق سبحانه أنظـارناً إلى أمر آخر فى السمـاء يقسم الحق سبحانه وتعالى به، شيء ليس من السهل إدراكه، شيء سمـاه الخالق بكلمة " الطارق " حيث يقول فى بداية السورة " و السماء والطارق " وأعقب الله هذا القسم بقوله " ومـا أدراك ما الطـارق "، ثم عرفه الحق سبحانه و تعالى فى الآية التالية بالقول الواضح أنه هو " النجم الثاقب "، و تعالى نرى ماذا اكتشف العلم الحديث فى أمر السمـاء ثم نعيد النظر فى أقوال المفسرين السابقين لهذه الآيات.
فقد استمع الراصدون للموجات التي تنطلق بين السماء والأرض حاملة لنا ما تبثه محطات الإرسال المختلفة من رسائل وأخبار عن طريق ما نسميه بالأقمار الصناعية، كي نتابع أحداث ما يجرى فى كل بقعة من بقاع الأرض أولا بأول، استمعوا إلى طرقات قوية تصم الآذان، طرقات منظمة كما لو أنهـا أرسلت بإحدى الشفرات مثل شفرة مورس كي تبلغ أهل الأرض رسـالة محددة و لكن دون أكواد معروفة ليسهل ترجمتهـا كما يحدث فى التخاطب المكود أو المشفر بين أجهزة المخابرات أو الدول التي بينهـا أسرار، هذه الطرقات تأتى من أماكن بعيدة أبعاد ساحقه فى هذا الكون الممتد إلى ما لا نصل بأبصارنا أو بصائرنا إليه، فمن المؤكد أنهـا أرسلت من مصدر ذو قوة جبارة حتى يمكن أن تقطع هذه المسافات الشاسعة و تظل محتفظة بقوتها وعنفهـا، و لكن من أرسلهـا، هل هناك بشرا عقلاء فى أجرام بعيدة تبعد عنا ملايين السنين الضوئية ... أي أن هذه الموجات ظلت تنطلق بسرعتهـا ( و هي سرعة الضوء ) منذ ملايين السنين لتقطع أثناءهـا هذه المسافات الشاسعة التي بيننا وبين مصدر هذه الأمواج... وأرسلوا إلينا برسائلهم منذ هذا الزمن السحيق، و ينتظرون منا الرد الذي سيصلهم أيضا بعد عدة ملايين أخرى من السنين... أو ما هي الحقيقة فى هذا الشأن.
و حديثا، اكتشف العلماء أن القرآن رد على استفساراتهم بالقول الأكيد ... لقد اكتشفو أن هناك نجوماً يزيد حجمهـا عن حجم الشمس بآلاف المرات يأتي عليهـا وقت وتفقد قدرتهـا على الاستقرار أو التواجد... وهنا تموت أو تنتهي حياتهـا كما تنتهي حياة البشر عند أجل محدد... وعند هذه اللحظة ينهار النجم وتعلن وفاته وانتهاء حياته فيتحول هذا الحجم الهائل إلى لا شيء، نعم لا شيء على الإطلاق تقريبا، وأين تذهب هذه الكتلة الهائلة وهذا الحجم الرهيب، إن مادتها تتحول فى هذه اللحظات إلى مادة مكدسة لا يوجد داخل ذراتهـا أي فراغ، و المعلوم أن حجم أي ذرة فى هذا الكون الفسيح ينشأ من حركة الإلكترونات بداخلهـا حول النواة فى حلقات دائرية وبسرعات هائلة منتظمة كما لو كانت تسبيحا ثابتـا وطاعة مطلقة دائمة لخالقهـا و مقدرهـا... وبدون هذا التسبيح الذي فرضه الله داخل الذرة يتلاشى حجم الذرة وتصير بلا حجم تقريبا، وهذا الفراغ المملوء بحركة الالكترونات وتسبيحها هو الذي يعطى المادة المحدودة كيانهـا وحجمها، و يبدأ انهيار النجم باضطراب حركة الكتروناته ثم انعدام الفراغ داخل ذراته، وفى هذه اللحظة يهوى النجم ويصير بلا حجم تقريبا، وقد عبرت الآية الكريمة فى أول سورة النجم عن هذه اللحظة بقول الحق "و النجم إذا هوى "... أي يتحول النجم الهائل إلى قزم بلا حجم، أو يتحول إلى مادة لهـا كثافة لا نهائية، ووجدوا أن للمادة المكدسة بهذه الحالة قوة جذب هائلة، بحيث ينجذب إليهـا أي كوكب أو جسم يقترب منها وتبتلعه وتجمد الحركة داخل ذراته، فيتحول فى لمح البصر إلى لا شيء، من ينظر إلى ما يحدثه هذا النجم فى السماء يعتقد أن السماء بها ثقب فى هذا الموضع تخرج منه هذه الأجسام التي يمتصهـا هذا النجم إلى لا عودة، و لهذا أطلق علماء الغرب على هذا النجم المنهـار اسم الثقب الأسود”Black Hole"، و عند انهيار هذا النجم تتجمع شحناته السالبة إلى جانب والشحنات الموجبة على الجانب الآخر، و يدفعه هذا التجميع للشحنات إلى الدوران حول مركز النجم بسرعات هائلة، و تنشـأ عن حركة دوران النجم فى حالته هذه إصدار موجات كهرومغناطيسية متقطعة تعتمد على سرعة دوران النجم... بحيث تبدو عندما يلتقطهـا أي جهـاز استقبال على شكل طرقات هائلة منتظمة، يهيأ لمن يلتقطهـا أن هناك كائنـات عاقلة تحاول أن تخاطبـنـا بهذه الطرقات التي حار العلمـاء فى تفسيرهـا.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/7/black_hole.jpg شكل يبين النجم الثاقب أو الثقب الأسود
هكذا أدرك العلمـاء منذ وقت قريب جدا، مـا هو هذا الطـارق الذي يرسل طرقاته و نبضاته فى السمـاء، إنه كما أطلق عليه علمـاء الغرب " النجم الثاقب "، و هكذا يطلق عليه القرآن نفس الاسم المعبر عما يصير إليه حال النجم إذا هوى و أصبح كهلا أو نجما ثاقبا فى السماء يصدر أنينه وطرقاته، هكذا عبر عنه القرآن منذ أربعة عشر قرنـاً بهذه الآيات الكريمة " و ما أدراك ما الطارق.. استـفهـام.ب " هكذا الإعجاز فى القرآن... استـفهـام . ليحاول الإنسان أن يجهد عقله ويعمل فكره الذي ميزه الله به ليتفكر فى شئون هذا الكون بالبحث والعلم والتنقيب كما تنص عليه أحدث المدارس التربوية فى التعليم... ثم يأتي القول الفصل من خالق كل شيء والعليم بكل شيء ومسير كل شيء ومدبر كل شيء... لقد حزا علماء التربية حذو القرآن فى التلقين وتوصيل المعلومة... اسـتفسار كي يستوعب المتعلمون قيمة المعلومة... ثم الإجابة الصحيحة المراد تلقينهـا... فهو يخاطب الأولون عن أشياء لم تبد لهم بعد... حتى يستيقن الآخرون من المعلومة بعد أن ينظروا فى ملكوت السماء والأرض... لقد سمى العلمـاء هذا النجم بعد جهد جهيد واكتشافات مضنية بالثقب الأسود، و بلا شك أن الاسم الذي أطلقه القرآن على هذا النجم الذي يرسل هذه الطرقات المنتظمة هو أبلغ من الاسم الذي أطلقه العلمــاء، فهو نجم ولكنه صار بلا امتداد أو حجم، فقد هوى داخل نفسه وبدا كما لو أنه ثقب السماء فى موضعه فصار هذا الموقع كما لو كان مخرجا لكل جسم من السماء.. أي أنه ما زال نجماً و لكنه بانهياره أصبح ثاقباً فى السماء يتحول من خلاله كل جسم فى السماء من طبيعته الممتدة إلى لا شيء ويصير بلا وجود له كأنه خرج من مكان مثقوب فى السماء... ولا أستبعد أن يكون الغرب هو الذي قلد القرآن فى وضع هذا الاسم للنجوم المنهـارة، فالغرب درس القرآن فى جامعات إسلامية فى أول نهضته، و منهـا استمد مقومات هذه النهضة من علوم و مبادئ.
و بداية السورة بهذا القسم للتدليل على أن ما يحفظ للسماء امتدادهـا ولأجسامنا بقـائهـا هو التسبيح الدائم لكل شيء ولكل ذرة ما بين السماء والأرض بالطريقة التي حددهـا لهـا الله سبحانه وتعـالى... فإذا توقف تسبيحهـا بأمر الله، صارت إلى لا شيء، و تحولت إلى النقيض، ولهذا كانت الآية التالية بعد هذه الآيات " إن كل نفس لمـا عليهـا حافظ "، فمـا يحفظ لنا هذا الامتداد والوجود والحياة هو أمر الله وتدبيره الذي يقوم به كل شيء وأي شيء، أي تسبيح كل شيء بداخلنا له سبحانه وتعالى، سواء الذرات التي بداخلنا و عددهـا فى أي جسم يزيد عن واحد أمامه 120 صفرا، ثم تسبيح الأجهزة الدورية والتنفسية والهضمية والعصبية و الأنسجة والأعضاء والخلايا، أنه هو الحافظ لنا فى وجودنا و بقائنا و امتدادنا و فى كل شيء.
هكذا أدركنا أن النجم الثاقب كان نجماً هائلاً ثم تحول إلى لا شيء و كان فى بداية الخلق أيضاً لا شيء وأمر الله بحكمته أن يكون له هذا الامتداد ثم الفناء فى اللحطة التي يقررها الخالق... وهكذا الإنسان فقد خلقه الله من نصف خلية من الرجل و نصف خلية من المرأة لا يتعدى حجمها 3 أجزاء من واحد من مليون من الملليمتر ... جاءت في ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب..ثم كان له هذا الوجود... ثم يصير تراباً ولا شيء... ثم بعيده الله مرة أخرى يوم القيامة... هكذا جاءت الآيات التالية بهذه المعاني مجتمعة.... " فلينظر الإنسان مما خلق... خلق من ماء دافق... يخرج من بين الصلب والترائب ... إنه على رجعه لقـادر... يوم تبلى السرائر"... هكذا يقابل القرآن بين القسم بقدرة الله التي أعادت هذا النجم من هذا الحجم الهائل إلى نجم نسمع منه طرقات و لا يكاد يراه أحد إلى قدرته على أن يعيد هذا الإنسان مرة أخرى إلى ما كان عليه بعد أن يصير عدمـا... هذا الإنسان الذي جعل خلقه من واحدة من خلايا متدفقة مع السائل المنوي... وهو سائل يصنع داخل النخاع الشوكى بين العظام الصلبة فى العمود الفقري أو عظام القفص الصدري و بين رقائق أو ما أطلق عليها الخالق الترائب، و مازال العلم الحديث يحبو فى اكتشاف هذا النص الكريم، و كل ما ذكر أن العصب الذي ينقل الإحساس إلى الخصية و يساعدهـا على إنتاج وتدفق الحيونات المنوية وما يصاحب ذلك من سائل متفرغ من العصب الصدري الذي يغادر النخاع الشوكي بالعمود الفقري وبين الضلعين العاشر والحادي عشر.. وما يهمنا أن الآية تنص على أن الذي خلقهم من هذه الخلية المتناهية فى الصغر التي صنعهـا الله بحكمته داخل أجسامهم، فى أماكن لا يعلمونهـا، قادر أيضا بعد فنائهم وتحولهم إلى العدم على إرجاعهم بشرا كما كانوا... و هذا سيحدث كما تذكر الآيات يوم القيامه... ولكن الله أطلق اسمـا جديداً على يوم القيامة لا يقدر على إن يأتي به سوى الخالق العالم بالأسرار، فأسماه " يوم تبلى السرائر"... ففي هذا اليوم لن تختبر العقول التي يمكن أن تكون لهـا قوة السيطرة على الحواس والنطق والتعبير... و لكن الابتلاء سوف يكون ابتلاء قلوب و ضمائر ونوايا و أسرار أخفيناه عن الخلق، فهل تكون لنا القدرة على إخفائهـا عن الخالق... فالأسئلة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/7/sperm.jpg صورة للحيوان المنوي البشري(sperm) وهو يخترق البويضة الأنثوية
سوف توجه من خالق الحواس و ما سجلته من أسرار إليهـا مباشرة بلا وجود أي تحكم أو حكم سوى حكم الله الخالق العليم القدير القوى العزيز... وسوف يحكم الله فى هذا اليوم الحكم الفصل فى نوايانا وضمائرنا لكل ما قدمناه من أعمال... سوف يبتلى ما أخفيناه وأضمرناه فى قلوبنا من سوء أو خير لنجزى به على ما قدمناه من أعمال... فلا نستطيع أن نتدخل مهمـا كانت قوتنـا التي تمتعـنا بها فى الدنيا... سواء كانت قوة عقل أو جسد... ولن تنفعنـا معارفنـا أو أبنائنا أو أحزابنـا، لن يستطيع حاكم أو كبير أن يتدخل لنـا أو ينصرنا... فلا ناصر لنـا سوى لله و النية الصادقة لأعمالنـا... ولهذا جاء قول الحق " فمـا له من قوة و لا نـاصر"... فالاستعداد لهذا اليوم يكون بتنقية النوايا و بإيقاظ الضمائر و تطهير القلوب... لا بتقوية الأبدان و إقامة القلاع و معرفة الحكام و الواصلين... إنهـا السرائر التي سوف تبتلى و ليست المهارات و النفاق و الرياء و المعارف و الوسطاء و المحامون و المتشدقون.
ثم يأتي قسم الله مرة أخرى بالسماء وسر آخر فيهـا... إنهـا ذات الرجع... هذا ما تبينه العلمـاء فى القرن الماضي وبعد قرون عديدة... أن الله يسلط الشمس بحرارتهـا و الرياح بحركتهـا فتثير سحـابا.. أي تخرج من البحر المالح جزيئات الماء العذب فيتكون منها السحاب ويظل صاعدا فى السماء حتى منطقة الرجع... وهي منطقة يرجع منهـا السحاب الصاعد من الأرض و بحـارهـا المالحة على هيئة بخار الماء ليعود بتسخير الله إلى الأرض وأنهـارهـا العذبة على هيئة قطرات الماء التي تحيا بها الأرض بعد موتهـا... إنهـا قوانين الله وتدبيره بحكمته وعلمه الذي يحفظ للأرض مائهـا و للحياة عليهـا استمرارها... و لهذا يقسم الله بمـا خلقه بعزته و قدرته و عظمته بهذا القول " و السماء ذات الرجع"، و يرى آخرون أن سمائنا الدنيا ترجع وتصد عنا تلك الشهب والإشعاعات وما لا نعلمه من أضرار يمكن أن تصيب أرضنـا، هذه الكرة الصغيرة جدا فى هذا الكون اللانهائي.
ثم يعظم الله شأن هذه الأرض التي احتوت حياة البشر الذين كرمهم الله عليهـا، حيث يقسم الله بها فى الآية التالية، و بخاصية خصهـا خالقها بهـا لتتوافق مع السماء ذات الرجع بقوله " و الأرض ذات الصدع "... فمـا أعظم أسرار الأرض التي أقر بهـا العلمـاء... لقد وجد العلمـاء أنه من بين بلايين الكواكب فى هذا الكون الممتد لا يستطيع أي كوكب آخر أن يحتضن الحياة عليه سوى الأرض التي خصهـا الله بصفات ومميزات لم يتيحهـا لغيرهـا من بلايين الكواكب حولها... حجمهـا و حجم شمسهـا وبعدهـا عنهـا ثم حجم مجرتهـا... سرعتهـا حول الشمس و حول نفسهـا وسرعة شمسهـا ومعدلات احترقهـا... تكوينهـا و تضاريسها وكرويتها... ميلهـا واستقرارهـا واستقرار طبيعتهـا... سمائهـا وجوهـا وغلافهـا... حجم قمرها والكواكب التي من حولها و أبعاد النجوم الأخرى عنهـا... كتلتها وكتلة شمسها وكتلة قمرهـا وكتل الكواكب من حولها... وأسرار أخرى لا نستطيع حصرهـا وأسرار لم يطلعنا الله عليهـا... كلهـا تدل على أن وراء قدرة الأرض على احتضان هذه الحياة خالق مدبر وقدير و قادر وعليم وحكيم ومالك وحى وقيوم ومهيمن وعزيز وحق... و لهذا يقسم الله بهـا إشارة إلى دلالاتهـا ثم يقسم بخاصية لهـا لم يكتشفهـا العلمـاء إلا حديثـا... و هي أنهـا ذات صدع... وكلمة الصدع يمكن أن تعد إشارة إلى وجود هذا الصدع الهائل فى القشرة الأرضية... وهذا الصدع يتيح للأرض أن تختزن من خلال هذا الصدع أكثر من 97 % من مياه الأمطار الساقطة عليهـا كمياه جوفية يتاح استخدامهـا بالعديد من الوسائل و السيل... إنهـا مقابلة بين السماء ذات الرجع و الأرض ذات الصدع و كلاهمـا يتعلق بالمـاء العذب الذي تحيا به الأرض و منهـا جعل الله كل شيء حي... إنهـا مقابلة لا تتأتى إلا من خالق كل شيء و العليم بأسرار كل شيء فكانت بهذا اليسر و هذه الطلاقة... وهذه المعلومات والعلم والفكر والمنطق والإعجاز.
وعلى ماذا كان القسم الثاني... لنقرأ الآيات " إنه لقول فصل... و ما هو بالهزل... إنهم يكيدون كيدا.. و أكيد كيدا... فمهل الكافرين... أمهلهم رويدا "... إنه قسم بهذه الدلالات التي لا تقبل الشك على أن ما جاء به القرآن هو القول الفصل... أي قول فاصل بين الحق والباطل... قول يفصل بين المؤمنين و الكافرين... بين أهل النار و أهل الجنة... بين أهل العلم و أهل الجهل... قول ليس به شائبة هزل... جاء لينذر بيوم الدين... يوم تبلي الضمائر... وثم جاء هذا التهديد... أن المكذبين بالقرآن وبيوم الدين الذين ينصب كيدهم على إنكار أن هذا هو الحق وأن الله حق وأن يوم القيامة حق... و يكيدون لرسوله و للمؤمنين... سيقابل الله كيدهم ومكرهم بكيد متين لا دافع له من الله... فالجزاء من جنس العمل... أي كيد ضعيف لبشر جهلاء بكيد قوى متين من رب العالمين... ولهذا فـلك يا محمد أن تطمئن لعقاب الله الذي ينتظر المكيدون و تمهل الكافرين إمهالا قريبا حتى يأتي الله بأمر حاسم يقطع دابرهم ... وقد نصر الله الإسلام حقا بعد عدة سنوات من نزول هذه الآيات المكية عندما دخل الإسلام مكة منتصرا رافعا رايات الحق لتتحقق نصرة الحق و هزيمة الباطل... و يتحقق قوة كيد الله و ضعف كيد الكافرين و تنحني رقابهم أمام جند الله الأقوياء بإيمانهم و إخلاصهم.
هكذا كانت هذه السورة من قصار سور القرآن الكريم التي لا تتعدى آياتهـا 17 آية قصيرة شاملة معاني وإشارات علمية ومقابلات لغوية وموسيقى نثرية ونصح و تهديد و هداية و تبصير و حكمة و علم و نور و تسبيح لا يمكن لأي بشر أن يأتي بمثله و لو اجتمع له كل البشر، وما قدم فى هذا العرض لا يعدو عن ذرة فيما تنص عليه حقا هذه الآيات التي لا يعلم تأويلهـا الحق إلا الله، ذرة يقدمهـا متخصص فى فرع يسير من العلوم التي أتاحهـا الله لنـا، ولكل متخصص فى الفروع من العلم الأخرى قولا يمكن أن يفوق حقا كل ما قيل... فبأي حديث بعده يؤمنون.
يمكن المراسلة على البريد التالي:
[email protected] (
[email protected])
المصادر
http://en.wikipedia.org/wiki/Main_Page
القلب الحزين
10-12-2013, 09:06 PM
تأملات فى سورة المرسلات
أ.د. ســلامه عبد الهادي
أستاذ في علوم إدارة الطاقة وعميد سابق للمعهد العالي للطاقة بأسوان
هيأ لنـا الحق نعمة علم و تعلم القرآن رحمة منه و فضلا... و كل آية من آيات القرآن تعبر عن أدق الأسرار بقدر ما تتيحه لنا علوم كل عصر.. فتتدرج من أعم العموم إلى أخص الخصوص فى سهولة
و يسر ودقة وإتقان بقدر ما يستوعبه أيضا كل منا من معاني وبقدر ما هيأه له الرحمن من علم.. ونحن لا نعرض فى هذه الحلقات إعجاز القرآن فى سبقه و علمه و إشاراته... فالقرآن معجز لأنه من عند الرحمن، ولكنا ننفذ أمر الله بالتدبر فى آيات كتابه وتأملهـا بحسب ما مكنا به الخالق من يسير علوم الدنيا، وما أدناهـا عن علم القرآن... إننا نحاول أن نطيع أمر الله و نأخذ ما فى كتابنا بكل ما أويتينا من قوة العلم و الهدى و الاجتهاد و نذكر ما فى آياته لعلنـا نكون حقا من الشاكرين، إنهـا محاولة لقراءة أو استقراء آيات الكون الذي خلقه الله بما تهدينا إليه آيات القرآن التي بعثهـا الله.. و نقف فى هذه الحلقة أمام آيات من سورة المرسلات... ويتكرر فى هذه السورة فى عشر آيات توعد الحق لهؤلاء المكذبين بكتاب الله و المصروفين عن آياته بهذا الوعيد الذي جاء بقوله سبحانه و تعالى "ويل يومئذ للمكذبين"... و تبدأ أول السورة بإشارات وعلامات يوم القيامة التي نرى منهـا اليوم الكثير... ثم تتوعد المكذبين بما سيلقونه فى هذا اليوم من العذاب فى وادي "الويل" من جهنم وبئس المصير بهذا القول الفصل "ويل يومئذ للمكذبين"... ثم يذكرهم الخالق فى الآيات التالية بأصل نشأتهم الذي جاء من مـاء مهين يمنيه الرجل فى أنثاه من مخرج بوله، وهذا رداً على استكبارهم وصلفهم، ثم يذكرهم بأنه يتغمد هذا الماء المهين برحمته إذا خصب بويضة الأنثى فى قناة المبيض، فيحفظه فى قرار مكين حريز فى
ظلمات ثلاث وهو رحم الأنثى، أعده الرحمن حيث تستقر فيه هذه النطفة إلى وقت معلوم قدره لهـا رب العالمين، وفى هذا الرحم تتجلى رحمة الله و قدرته وحكمته... حيث يمد هذه النطفة بما ييسر لهـا النمو والحركة والتنفس داخل هذه الظلمات، مكونة الجنين ثم يخرجه إلى الحياة طفلاً كاملاً له السمع و البصر والقدرة على الحركة والحياة... يذكرنا الحق بهذه النعم والأسرار فى كلمات موجزة و معجزة فى هذه الآيات، حيث يقول الحق "ألم نخلقكم من ماء مهين.. فجعلناه فى قرار مكين.. إلى قدر معلوم.. فقدرنا فنعم القادرون "... و لن أتعرض فى هذا اللقاء لهذه الآيات الكريمة التي تذكر هذا الاستفسار من رب العالمين و الذي تتجلى فيه ما يدحض قول كل مكذب بيوم الدين وبهذا الكتاب الكريم، إنهـا آيات استوعبت فى كلمات
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/php/womb.jpg صورة لطفل صغير في رحم أمه فسبحان الله الذي أتقن كل شيء
محددة ومعدودة أسرار هذا الماء المهين و أسرار الرحم الذي أودعه الله أسرارا تجعل من هذا الماء المهين نشأتنا ونشأة خلق هؤلاء المكذبين... إنهـا تذكرة بأسرار رحمة الخالق بنـا في أثناء أطوار الجنين المعجزة والمختلفة إلى قدر معلوم فى هذا القرار المكين والتي ما زال العالم يحبو ليكشف أسراره و ما زال أمامه الكثير... ولكنى سأتوقف فى هذه الحلقة أمام الاستفسار التالي والذي يكشف عن أسرار رحم أخر وقرار آخر جاء ذكره فى الآيات التي تلت مباشرة تذكرتنا بالرحم الأول أو القرار الأول... إنه رحم كبير أعده الله لنا.. إنه قرارا آخر تستقر عليه حياتنا أيضا إلى وقت معلوم... إنه الكوكب الذي يسره الله لنا كي ننعم برحمة الله علينا فى كل لحظة نعيشهـا و نحياهـا عليه... إنه كوكب الأرض الذي جعلهـا الله لنـا مهدا للحياة و محتضنا لأجسامنا بعد الممات... إنه القرار المكين التالي الذي يستقبل الطفل بعد أن يخرج من القرار المكين الأول... و لهذا جاء ذكره فى السورة الكريمة فى تسلسل منطقي بعد هذه الآيات.. فيأتي قول الحق فى استفسار آخر يلي مباشرة الاستفسار الأول عن نشأتنا من ماء مهين أودعه الحق فى قرار مكين.. " ألم نجعل الأرض كفـاتاً...أحياءً و أمواتـا "... يضع الخالق أمامنا أيضا فى هذا الاستفسار سراً آخر من أسرار الخلق ومن أسرار هذا الكون الذي تحتار فيه الألباب... وهذا السر جعله البشر قضية يحارون فى الحفاظ عليه وينسون من أعده وأعد الحفاظ عليه... يسمونه بالبيئة فيقيمون لهـا الوزارات و المؤتمرات.. وطبقا لتسلسل الآيات فهو حقاً رحم آخر ينتظر الإنسان بعد خروجه من الرحم الأول أو أول قرار مكين، و لكن هل يحتاج الإنسان حقاً لرحم آخر بعد ولادته... وللإجابة عن هذا السؤال تعالوا ننظر إلى رواد الفضـاء عندما يذهبون إلى القمر... إنهم يدخلون بالفعل داخل رحم آخر يحيط بجسدهم تحت الضغط ودرجة الحرارة ونسبة الرطوبة التي تناسب أجسامهم كما فى رحم الأم، ويكون لديهم حبل سرى آخر يمدهم بالغذاء والماء والهواء كما فى رحم الأم، وحبل لخروج الهواء الفاسد بعد استهلاكهم الهواء النقي وحبلاً كذلك لإخراج فضلاتهم وإعدامهـا حتى لا تلوث الرحم الذي يعيشون فيه كما فى رحم الأم... وإذا انتهى ما يكفيهم من العناصر المطلوبة لبقائهم أحياءً انتهت حياتهم، فلا يوجد على سطح القمر معظم العناصر إلى تحتاجهـا أجسامهم، وإذا وجدت فلا وجود للنبات الذي يعد لهم طعاماً من هذه العناصر بحيث تستطيع أمعاءهم أن تمتصه أو تهضمه... و إذا وجد النبات فليس أمامه الظروف الجوية التي تتيح بقائه أو العناصر التي يمكن امتصاصهـا وإعداد الطعام المناسب منها.. وإذا مات أحد منهم فلن يستطيعوا البقاء أحياء عندما يتعفن جسد زميلهم مفسداً لهم هذا الرحم الصناعي الذي يحيون فيه... كلا.
هل يشكل لهم القمر القرار المكين.. كلا .. فالآن . يرون فوق القمر فى قفزات ولا تستقر حركاتهم.. و الآن .. ألا ننظر من أعد للبشر جميعاً هذا الرحم الكبير الذي يضمهم ويوفر كل أسباب هذه الحياة لهم و الاستقرار.. لقد وجه الخالق هذا الاستفسار فى كلمات معدودة تذكر المكذبين أن يقرأوا آيات الكون الذي يتمتعون بالحياة فيه و هذا إذا تعلموا قراءة آيات القرآن ... أن ينظروا كيف تستمر حياتهم بعد خروجهم من أرحام أمهـاتهم... أنهم يعيشون فى رحم آخر يكفلهم و يكفيى مؤنهم فى كل لحظة يعيشونهـا على الأرض .. إنه حقا قرار مكين آخر... يسألنا الحق بهذا الاستفسار و هذا البيان و هذه التذكرة.. من أعد لكم هذا القرار الآخر بميزان دقيق و فى منظومة هائلة كي يضمكم و يكفلكم و يكفيكم أحياء و أمواتـا ... ما رد المكذبين الذين يجدون فى صعود القمر تقدما علميا على هذا السؤال أو الاستفسار.. ألم نجعل الأرض كفـاتا.. أحياءا و أمواتا... لقد خص الله هذا الكوكب الذي نحيا عليه و هو الأرض بما يؤهله ليكفل و يكفى حياة الأحياء عليه و يكفلهم و يكفيهم أيضا بعد موتهم... و قد ذكر المفسرون أن الكفت يعنى الجمع و الضم كالأم تضم أبنائهـا أو الرحم يضم جنينه و يكفله، وكلمة كفاتا تعنى جمع الكفت فهي حقا ليس رحما واحدا و لكنهـا أرحام و أرحام و أرحام، ثم نجد أن حروف الكلمة تعنى أيضا الكفاية.. أي أن الأرض توفر ما يكفى من تضمهم و تكفلهم فى رحمهـا أو أرحامهـا... أن من ينظر إلى هذه الأرض التي تضمنا بالرغم من مواردهـا المحدودة.. ويسأل نفسه ويتدبر.. من أدارهـا و من يديرهـا طوال هذه الملايين من السنين بحيث يكون لديها ما تقدمه إلى هذه الملايين أو المليارات من البشر ومليارات المليارات من الأشجار والنباتات والحيوانات والحشرات و الطيور من غذاء و هواء وماء طوال ملايين السنين التي عاشتهـا وستعيشهـا الأرض... تكفلهم أيضا بفضلاتهم وأجسام موتاهم وفضلات الحيوانات وأجسادهـا حين موتهـا دون أن تصبح الحياة مستحيلة عليهـا... من ينظر إلى عدد سكان الأرض منذ خمسة قرون فقط و الذي لم يكن يتعدى 500 مليون نسمة، و الآن يزيد هذا العدد عن 6.5 مليار نسمة... من ينظر كم طنا من الغذاء يستهلكه كل منا و كم برميلا من الماء يشربه كل منا و كم مترا مكعبا من الهواء يحتاجه كل منـا خلال حياته.. إن متوسط ما يستهلكه الإنسان فى عمره إذا بلغ 60 عاما هو 60 طن من الحبوب و المحاصيل الزراعية، يمكن أن يكون جزءً منهـا من المصادر الحيوانية مثل الألبان و لحوم الطيور و الأنعـام، و يحتاج هذا الكم من الحبوب و المحاصيل إلى 100.000 (مائة ألف ) متراً مكعباً من المـاء العذب لزراعتهـا، و تقدر الطاقة التي يحتاجهـا جسم هذا الإنسان خلال سنوات عمره للحركة والحياة والتي يختزنهـا ويعدها له النبات من الشمس بحوالى 60.000 كيلو وات. ساعة، وهي طاقة تدفع عربة جيب قوتهـا 100 حصان زمنا قدره 1000 سـاعة... من أعد الموارد والمصادر لتقديم كم هذا الطعام والشراب وهذه الطاقة لهذه المليارات من البشر، ثم لأنعامهم و زروعهم، علاوة على ما يسكن الأرض من أحياء أخرى معهم.. هذا علاوة أيضا على استيعاب كم الفضلات التي تخرج منهم بعد غذائهم ثم عند موتهم... من دبر أمر كفالة كل هؤلاء البشر بهذه الرحمة و البركة... من أعد هذا الرحم الكبير بكل ما فيه وما عليه ... سؤال تثيره الآية الكريمة فى القرآن الكريم والتي توجهنا إلى استقراء آيات الله فى هذا الكون الكبير... توجيه جاء هيئة على استفسار رباني كي نفيق من غفوتنا ونحن نتحدث عن البيئة دون أن نفطن من أوجد و خلق و أعد هذه البيئة بكل هذه المقومات كي نحيا عليهـا و فيهـا ومنهـا.. من دبر أمر إدارتهـا و هدايتهـا بهذا الميزان بحيث تعوض ذاتياً استهلاك مواردهـا و تجددها بحيث لا تنضب... من ثم من ثم من ؟؟؟ ... تأتى الآية الكريمة فتخبرنا أن خالقهـا هو الذي جعلهـا هكذا... فلا حيرة و لا تخبط... ولا تنسى أن كلمة الأحياء والأموات فى الآية الكريمة لا تعنى البشر وحدهم، بل هناك أعضاء المملكة النباتية والحيوانية والميكروبية.. أحياءهم وأمواتهم.... و كلهم قد سخرهم الله لخدمة البشر، الذي جعله الله خليفته فى هذه الأرض... كيف هذا؟ .. علينا أن نقرأ هذا الكون ونحن نتدبر آيات خالقه وكتابه الذي ختم به رسالاته إلى الأرض... إنه استفسار جاء بكل البساطة والعظمة والتفضل والمن معاً.. إنه إعلان أنه هو الله الذي أدار ويدير هذا الكون بحكمته وهذه الموارد بعلمه و قدرته... هو الذي أراد أن يجعلهـا هكذا.. و كلمة جعل تفيد أنه لم يخلقهـا فقط ولكن رحمته وعنايته تهديهـا و تسيرهـا فى كل لحظة وكل حركة و سكنة... بحيث تكون معيناً لا ينضب، و قد وجهنـا الخالق فى هذه الآية و بهذا الاستفسار أن نرى كيف انتظمت واهتدت هذه الأرض بحيث تكون كفاتا ، أحياء أو أمواتا ... فتعال ننظر كما تنص الآية الكريمة كيف صارت الأرض معينا كافياً ومحتضنا طوال ملايين السنين لكل هذه المليارات من البشر ومليارات المليارات من الحيونات والحشرات والأسماك والطيور والنباتات والمكيروبات و .و. .. ... تعالوا أولا ننظر كيف توفر الأرض للأحياء عليهـا احتياجهم من الغذاء بعناصره والماء بعذوبته لاستمرار بقائهم.. لننظر أولا ما هي العناصر المطلوبة لبقائهم... إن إنشاء أجسامنا قد جاء من الطين اللازب الذي الذي خلق الله منه آدم أبو البشر، ويتكون هذا الطين من الماء والتراب، و الماء يمثل حوالي 83 % من جسم الإنسان ، ثم تدخل عناصر التراب ومنهـا الكربون والنيتروجين والكالسيوم والفوسفور والكبريت والبوتاسيوم و الصوديوم و المنجنيز بالإضافة إلى 10 عناصر أخرى بكميات محدودة منهـا النحاس والحديد والكوبالت والزنك، و أكثر العناصر انتشارا فى الجسم هو غاز الأكسيجين ويمثل أكثر من 65 % من كتلة جسم إنسان، حيث أن الماء المنتشر فى أجسامنا يتكون من اتحاد هذا الغاز مع غاز الهيدروجين، و يمثل غاز الأكسيجين عنصراً هاماً أيضاً فى الهواء الذي نتنفس به، حيث يمثل نسبة 23 % من وزن الهواء، و هذه المكونات قاسم مشترك أيضـا فى معظم أعضاء المملكة الحيوانية والنباتية .. أي معظم الأحيـاء، ويعد النبات الثمار التي تحتوى على جميع المعادن و المواد التي يحتاجهـا معظم الأحياء و منهم الإنسان فى غذائهم ونموهم وحركتهم ، وهذا بما يمتصه النبات من القشرة الأرضية ومن الهواء ... وقد أعد الله كل هذه العناصر والمكونات فى القشرة الأرضية التي نحيا عليهـا وفى الغلاف الذي يحتضنهـا ويسميه العلماء الغلاف الجوى أو الأرضي... إن هذه القشرة الأرضية التي تحتوى جميع هذه المعادن التي تقوم عليهـا حياتنا، لا تمثل أكثر من قشرة بيضة من بيض الطيور، إذا تخيلنا الأرض فى حجم هذه البيضة، حيث لا يزيد سمكهـا عن 0.4 % من قطر الأرض، فتصل أعماق القارات التي نحيا عليهـا إلى 35 كم فقط، وتضم 8 عناصر أساسية منهـا الأكسيجين و السيليكون و الكالسيوم والصوديوم و الحديد، وتضم بندرة شديدة بعض العناصر الأخرى مثل الكربون والفوسفور والكبريت و جميع العناصر الأخرى التي يتكون منهـا جسم الإنسان، و تتغطى القشرة الأرضية بالمياه والرمال و التربة، و على أي أعماق تحفر فى هذه القشرة فلن تجد سوى الصخور، ويحيط بهذه القشرة كما ذكرنا الغلاف الجوى الذي يمتد إلى أكثر من 10 كم، وقد وجدت أنواع من الحياة وخاصة للكائنات الدقيقة أو الميكروبية حتى عمق 9 كم تحت سطح البحر وحتى ارتفاع 6 كم فوق سطح البحر، و هناك
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/php/earth.jpg إن هذه القشرة الأرضية التي تحتوى جميع هذه المعادن التي تقوم عليهـا حياتنا، لا تمثل أكثر من قشرة بيضة من بيض الطيور، إذا تخيلنا الأرض فى حجم هذه البيضة، حيث لا يزيد سمكهـا عن 0.4 % من قطر الأرض
طيور تهـاجر على ارتفاع أكثر من 8 كم فوق سطح البحر فى غلاف الأرض.
و تنحصر حياتنا على هذه القشرة الأرضية بصخورها ومائها ورمالهـا وترابهـا وعناصرها وداخل هذا الغلاف الجوى بهوائه و سحبه و رياحه.. هذه المنطقة المحدودة تضمنا و تكفينا بمواردهـا المحدودة.. إنهـا موارد محدودة فى منطقة محددة من قبل رب رحيم كي تكون الرحم الذي يضمنا.. ولا مكان لنـا فى الكون سوى هذا الرحم الذي هيأه لنـا الرحمن الرحيم بنـا والذي أراد أن يجعل هذه الأرض لنا كفاتا.. أحياء و أمواتـا ... كيف لا تنضب هذه العناصر بالرغم من استنفاذها ملايين المرات خلال ملايين السنوات التي عاشتها الأرض بحيواناتهـا ونباتاتهـا و طيورهـا و سكانهـا... إن من يقرأ هذا الكون سيرى أن كل عنصر من هذه العناصر له موارد محدودة.. وهي عناصر مطلوبة فى تركيب ونمو وحركة وطاقة كل إنسان أو حيوان... فكيف تكفى هذه الموارد كل هذه الأعداد دون أن تنفذ... لقد أعد الخالق لكل عنصر من هذه العناصر دورة تبدأ من الصخور الجيولوجية فى قشرة الأرض والهواء الجوى إلى النبات لإعداد ثماره إلى غذاء الأحياء وأجسادهم ثم إلى فضلاتهم وأجساد موتاهم ثم تعود إلى الصخور والهواء مرة أخرى من خلال سلسلة طويلة من التفاعلات الكيميائية تشارك فيهـا القشرة الأرضية و الغلاف الجوى و الشمس مع مملكة الأحياء من نباتات وحيوانات مع الرمال والتراب والبحار والمحيطات، بالإضافة إلى مملكة أخرى من الأحياء لا نراهـا بالعين المجردة بالرغم من هول ما تؤديه فى اكتمال هذه الدورات، وهي مملكة تجمع بين الحيوان فى حركته وخواصه والنبات فى وظائفة و سكناته، إنهـا مملكة الكائنات الدقيقة أو الميكروبية وتسمى المملكة الميروبيولوجية.. وتسمى الدورات التي تشارك فيهـا كل هذه الممالك مع القشرة الأرضية بغلافهـا بالدورات البيو جيو كيميائية، أو الدورات الحيوية الصخرية الكيميائية، biogeochemical cycles. ... ولا شك أن إلقـاء نظرة على بعض هذه الدورات، سيقربنـا إلى استقراء أسرار هذا الكون كما تهدينا وتبصرنا وتوجهنا آيات القرآن, إنه استقراء لآيات الكون المنظور بآيات القرآن المقروء.. إنه رد على استفسار يوجهنا إليه الخالق كأعظم أسلوب تربوي لإدراك ما تشتمل عليه الآيات من نعم الخالق علينا فى هذا الرحم الذي يضمنا أحياء و أمواتـا، و لنبدأ بدورة غـاز الأكسيجين... و هو أهم و أكثر العناصر فى أجسام جميع الأحياء.. كيف لم تستهلك كميته المحدودة فى القشرة الأرضية والغلاف الجوى طوال هذه السنين بحيث مازالت تكفينا وتكفى مليارات أخرى من البشر عدة ملايين أخرى من السنين... إن الأكسيجين غاز يستهلك فى إنتاج الطاقة عند حرق الوقود أو الغذاء الكربوهيدرات داخل أجسامنا ليمنحنا الطاقة كي نتحرك ونحيا ، ثم حرق الوقود لطهو طعامنا وإعداده لنـا ، ثم حرق الوقود داخل عرباتنا ومعداتنا لتوفير أسباب الراحة لنـا، إننا فى كل يوم نستهلك ملايين الأطنان من هذا الغاز لكي نطلق مليارات السعرات الحرارية المطلوبة كي تستمر قدرتنا وقدرة جميع الأحياء على الحركة و الحياة بما فيهـا النباتات .... حيث يمتص غاز الأكسيجين من الهواء و يحترق به الوقود داخل الأجسام أو الأفران وينتج فى معظم الأحوال غازي ثاني أكسي الكربون وبخـار المـاء بالإضافة إلى الطاقة... لا.فذ غاز الأكسيجين نتيجة استنفاذه فى كل الأحياء وجميع العمليات الحيوية و الصناعية على الأرض، الجواب.. لا .. فقد أعد له الخالق دورته كي يستعيده الغلاف الجوى أو الأرض مرة ثانية... إنهـا دورة يشارك فيهـا النبات واللملكة النباتية مع الإنسان و المملكة الحيوانية.. فما تستهلكه المملكة النباتية و المملكة الحيوانية ومنهـا الإنسان أثناء التنفس و الأنشطة الأخرى تعوضه المملكة النباتية أثناء عملية التمثيل الكلوروفيللى أو الأخضر أو الضوئي تحت أشعة الشمس، حيث تمتص النبات نفس نواتج الاحتراق و هي غازي ثاني أكسيد الكربون و بخار الماء، و تعيد لنا الأكسيجين، وتختزن لنا أثناء هذه العملية من الشمس الطاقة المطلوبة للحركة والحياة على الأرض من خلال تفاعلات فوتو كهروكيميائية، و تقدمهـا لنا على هيئة مواد غذائية تسمى المواد الكربوهيدراتية.. مواد فى ثمار عديدة سائغة الطعم و ميسرة للهضم و الاحتراق داخل خلايا أجسامنا لتنطلق الطاقات التي تحركنا و تكفينا للاستمتاع بقوتنا ما أحيانا الله على الأرض... هكذا يستمر الأكسيجين على الأرض دون أن يستنفذ.. فما يفقد من الجو للإنسان ينطلق إليه من النبات فى توازن حكيم قدره رب العالمين.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع
القلب الحزين
10-12-2013, 09:08 PM
يتبـــــــع الموضوع السابق
تأملات فى سورة المرسلات
ثم نأتي إلى عنصر النيتروجين.. وهو غاز أساسي يعتمد عليه إنشاء ويناء جميع الأنسجة الحيوية، فى الإنسان والنبات والحيوان، ويقوم النبات بإعداده على هيئة مواد بروتينية تدخل فى ثمارهـا التي تقدمهـا لنا و حبوبهـا التي نتغذى عليها كي نبنى بهـا خلايانا و أنسجتنا و عضلاتنا.. أو نحصل عليهـا من الحيوانات التي تتغذى بدورهـا أيضا على بوتين هذه النباتات... وغاز النيترجين يمثل 77 % من كتلة الغلاف الجوى الذي يحيط بالأرض... ولكن كيف يأتي هذا الغاز من الهواء ثم كيف يستطيع النبات أن يختزنه و يبنى به خلاياه و أنسجته و يعده وجبة سائغة لبناء الأنسجة فى جميع الحيوانات.. ثم كيف يستعوض الهواء ما استهلكته الحيوانات والنباتات، من فضلاتهم و هم أحياء و من أجسامهم و هم موتى... إنهـا دورة أخرى تشارك فيهـا أعضاء من مملكة الكائنات الدقيقة، إنهـا المملكة التي تحتوى مليارات الأنواع من البكتيريا أو الفطريات، وكل نوع من أنواع هذه البكتيريا له عمله واختصاصاته ووظائفة فى استكمال هذه المنظومة.. منهـا ما تمتصه من الهواء لنا و للأحياء على الأرض و تثبته لجذور النباتات التي تحيا بالقرب منها... إنهـا تمتص وتثبت من هذا الغاز فى كل لحظة مئات الأطنان وفى كل دقيقة آلاف الأطنان وفى كل يوم ملايين الأطنان.. تحصل عليه من هذا النيتروجين الجوى لإعداد هذه المواد البروتينية كي تقوم النباتات والحيوانات ومنها الإنسان ببناء خلاياهـا وأنسجتهـا... وأنواع أخرى تقوم بالعكس لإعادة ما امتصته الأنواع الأولى من النيتروجين إلى الهواء مرة أخرى، فتحلل فضلات الأحياء والأجسام والأنسجة يعد موتهـا وتعيد للغلاف الجوى نيتروجينه... الأنواع الأولى تقوم بعملية تثبيت هذا الغاز فى مركبات الآمونيا عند امتصاصه من الجو من خلال سلسلة طويلة من التفاعلات الكيميائية، و ثم تهاجم الأنواع الأخرى الفضلات وبقايا الأجساد فتحلل بروتيناتها من خلال تفاعلات طويلة أخرى وتستغل فى بعضهـا أشعة الشمس فى تحليل أكاسيد النيتروجين إلى النيتروجين فى عملية تمثيل ضوئي أخر يماثل عملية التمثيل الكلورفيللى فى النباتات ولكن بتفاعلات أكثر تعقيدا... هذه التفاعلات لا يمكن أن تقوم بهـا أي معامل على الأرض، ولكن هذا العالم من المخلوقات الدقيقة يقوم بهـا بكل يسر وإتقان معجز.. إن بعضهـا لا يتعدى أن يكون نواة بلا جدار أو خلايا أحادية ولكن لا تفسير لما تقوم به إلا أنهـا تسبح بأوامر ربهـا تسبيحاً منتظما ومحدداً لتطلق كل هذا الكم مما تحتاجه أجسامنا وتنظبط به مكونات الهواء و نسبه.. إنهـا جيوش لانهـائية العدد والعدة وتعمل بتنسيق وانضباط لا يتخيله عقل فلا تزيد نسبة النيتروجين فى الهواء ولا تقل .. من أعدها وخلقهـا ونظم أعدادها وعددهـا بهذه القدرة والحكمة.. إنه الخالق الذي بعث إلينا بهذا الاستفسار المعجز... ألم نجعل الأرض كفاتا، أحياء و أمواتا... إننا إذا نظرنا إلى غلاف الأرض أو هذا الغلاف الجوى، نجد أنه يحتوى على غازين حيويين، أحدهما الأكسيجين الذي تنطلق به الطاقات والآخر النتروجين الذي تصنع به الأنسجة و العضلات فى كل ما هو حي على وجه الأرض، فوفرهما الخالق فى الهواء المحيط بنا لكي يكونا متاحين لكل هؤلاء الأحياء على وجه الأرض، دون أن توجد تفرقه فى جو عن جو، فالرياح تساوى بينهم جميعا فيتقل الهواء من مكان إلى آخر دون معوقات أو حجوزات، ثم نجد هذا الهواء مستقراً فى تركيبه و ثابتا فى مكوناته ومحافظاً على ضغطه... إنهـا منظومة ربانية رائعة.. منظومة علمية هندسية وإدارية و حسابية و... هي حقاً منظومة أديرت بالحكمة والعلم و القدرة كي ثبت لنـا هذه الموارد والكميات.. فمن ينظر إلى باقي الكواكب من حولنا لن يجد فيهـا هذا الهواء وهذا التناسق وهذه النسب التي لو اختلفت لاختلفت أقدارنا و انتهت حياتنا... إنهـا إرادة الخالق الذي أراد أن يجعلهـا هكذا كفاتا .. ولو نظرنا أيضا إلى هذين الغازين، لوجدناهما يسمحان بمرور أشعة الشمس خلالهمـا دون أن يمتصانهـا، و لو حدث أن كانا لهما نفس قدرة امتصاص بخار الماء أو ثاني أكسيد الكربون لأحترقت أجسامنا، ولكنهـا رحمة الله بنا أن خص أرضنا بهذين الغازين دون سواهمـا يحيطان بأجسامنا فى رحم ورحمة لنـا... فهناك كواكب أخرى مثل المريخ يمتلأ غلافهـا بثاني أكسيد الكربون فتستحيل الحياة عليه، إنهـا حقاً رحمة الرحمن بنا فى هذا الرحم الذي يضمنا ويكفلنا على أرضه الذي جعلهـا قرارا لنـا، ننعم فيه برحمته فى كل لحظة ومع كل تفاعل و كل حركة و كل سكنة وكل شعاع وكل نفس وكل قضمة و...
ثم ننتقل إلى مادة الحياة... تعالوا ننظر كيف روت الأرض هذه المليارات من الأفدنة لزراعة ما يكفى أهل الأرض وأحياءهـا طوال هذه الملايين من السنين.. ثم كيفتوفرت لهم فى كل مكان و كل موقع كي تروى زرعهم و أجسادهم وعطشهم فى كل موقع على الأرض... إننا لا نحيا بدون هواء أو ماء.. والآن،كيف يحيط بنا الهواء بنسب و ظروف ثانتة و يتجدد بما يكفلنا ويكفينا فى دورات ودورات تمضى بكل الحكمة و القدرة و العلم.. والآن، ما هو الموقف بالنسبة للمـاء ... إن الماء مكون اتحاد كيميائي لعنصرين أو غازين.. الأكسيجين الذي تحدثنا عنه مع غاز آخر وهو الهيدروجين .. إنه أخف العناصر على وجه الأرض.. واتحادها ينشأ عنه انفجار وحرارة أو نار .. هكذا ينشأ من النار ما يطفئ النار لحكمة جليلة .. ثم نجد هذا المركب الجديد و يرمز له بالرمز (H2O) .. إنه غاز يسمى بخار الماء... أخف وزنا أو كثافة من الهواء ولكنه يتكثف فى درجة الحرارة العادية مكونا ماء الأنهـار و البحار والمحيطات، و التي تغطي أكثر من 70 % من مساحة أرضنـا.. أو تجده سابحا فوق الهواء فى طبقات الجو العليا لأنه أخف من الهواء.. وعندما يصطدم هذا البخاء بالهواء البارد يتكثف على هيئة السحاب، الذي ينزل منه مياه الأمطـار أينما وكيفما قدر لهـا الله. هكذا يحيط بنا الماء من كل مكان حتى تستمر الحياة.. وكيف احتفظت الأرض لنـا بهذه المياه دون أن تنفذ.. وكيف لا تتبدد فى السمـاء عندما تحملهـا الرياح إلى أعلى الطبقات و لا تعود... وكيف لا تهبط إلى أغوار الأرض وأعماقهـا وتتبدد.. إنهـا إرادة الخالق أوضحتهـا الآيات فى سورة الطارق.. فى سماء ذات رجع يعيد الماء إلى الأرض مرات و مرات و مرات دون أن يفقد أو ينقص، وأرض ذات صدع يحفظ المـاء لأهل الأرض و يستنفذوه من صحارات المياه التي تغذى الأنهـار... فلا هروب بأمر الله من أسفل أو من أعلى.. فكما يصعد إلينا من المياه المالحة بخاراً و سحاباً.. تعيده لنا السماء أمطاراً و أنهـاراً من المياه العذبة... أو تخزنهـا لنا الأرض فى صدع وتعيدها لنا جداولاً وأنهـار وآبارا ... فنجدهـا رزقاً ميسرا فى كل موقع على الأرض حتى تستمر الحياة... و لكن ما الحكمة من هذه المساحة الهـائلة من بحـار مالحة.. إن الأملاح تحفظ لنـا بقاء المياه ساكنة فى قاع البحار مئات وآلاف السنوات دون أن يصيبهـا عفن أو تعطن أو تلوث، فلو كانت عذبة لفسدت من طول هذه المدة، ثم تتبخر المياه العذبة من مياه البحار المالحة لتكون السحاب الذي يملأ السماء بفعل أشعة الشمس، وهذا يتطلب تعرض أكبر مساحة من سطح المياه المالحة كي تنال كما كافيا من حرارة الشمس لتتبخر الكميات المناسبة منهـا وتكون السحاب، كي تروي الغابات والقارات وتملأ الأنهـار و الآبار.. ثم تعيد هذه الغابات والأنهـار مياهـا مرة أخرى إلى البحار من خلال مصارفهـا أو البخر منهـا أو المتسرب من أرضهـا، كي تعيد تخزينهـا ثم دورتها مليارات المرات فى ملايين الأعوام لمليارات المخلوقات.. إنهـا دورة متكاملة تدل على حكمة خالقهـا ومدبر أمرهـا... إله واحد ملك قدوس عزيز حكيم قدير... ذو فضل عظيم... هكذا يسر لنـا الخالق أسباب الحياة على الأرض من هواء نستنشقه و ماء نشربه ونروى به زروعنا و أنعامنا..
ولكم مازالت هناك عناصر أخرى مطلوبة لتستمر حياتنا على الأرض وتدخل فى تركيب أجسامنا و يطلق عليها إسماء عديدة، منهـا كما ذكرنا الكالسيوم و الفوسفور و الكبريت و البوتاسيوم والصوديوم والمنجنيز والأومنيوم النحاس والحديد والكوبالت والزنك وعناصر أخرى ... إنهـا عناصر و معادن موجودة فى التراب الذي جاءت منه نشأتنا.. معادن موجودة فى القشرة الأرضية أو قشرة القرار الذي جعله الله لنا كفاتا .. أحياء و أمواتا.. و لكن كيف لم تنتهي أيضا هذه المعادن و العناصر... كيف لم تستفذهـا الأحياء التي عاشت عليهـا كل هذه الملايين من الأعوام من نباتات و حيوانات ... إن من يرصدهـا و يرصد تكوينهـا يرى حقا أنهـا كميات محدودة و موارد معدودة ... كيف لم تستنفذ .. إنه استفسار الخالق فى الآية الكريمة .. إنه استقراء لحكمة الحق فى هذا الاكتفاء الذاتي الذي تتيحه الأرض لمن عليهـا بكلمة الخلق "جعلنـا" فى الآية الكريمة من كتاب الحق.. إنه "جعل " يشمل الخلق و الهداية و تسخير القوانين و المخلوقات التي نرى حكمة الخالق فى طرق تسبيحهـالله كي يجعل الأرض كفاتا لنا.. أحياء وأمواتا .. عفواً .. إن المجال لا يتسع أن نقرأ حكمة الخالق فى كل عنصر من هذه العناصر.. فليست عملية استعراض للمعلومات.. فهذه المعلومات متاحة لكل من يريد أن يتدبر فى المراجع فى كل مجال، أو على شبكات الإنترنت التي تتوافر للمؤمنين و المكذبين.. ولكن سأذكر منهـا بعض الأمثلة المحدودة وأترك الفرصة لكل من يريد أن يتذكر لكي يفتح الباب على أسرار أخرى يدرك بهـا كم هي عظمة الخالق عندما يقدم لنا هذا الاستفسار النبي كي يسعى كل منا بقدر وعيه و تدبره، و هناك حدود لعلمنا قدرهـا معلم القرآن.. و لن نعلم بعد هذه الحدود التي أتاحهـا لنا الله شيئا، و لكننا سنزداد يقينا على أننا لا نعلم إلا اليسير و اليسير من أسرار هذا الخلق الكبير... فكلما اكتشفنا سراً وجدنا أنه يضعنـا أمام أسرار وأسرار لا تفسير لهـا إلا أن الله جعل لكل خلية و ذرة فى هذا الكون البديع سرا من الأسرار التي لا يمكن إدراكهـا بالأسس المادية أو العلمية المجردة.. و لا يتأتى فهمهـا إلا أنها تسبيحا مطيعا و متناسقا و منضبطا و متكاملا دون نشاز أو شذوذ.. تسبيحا و طاعة لرب واحد هو رب كل شيء، بعث القرآن ليكون حجة للمؤمنين على المكذبين.. ألا نسبح نحن أيضـا دون نشاز أو شذوذ لله الواحد الأحد، رب كل شيء.. و لهذا جاء تكرار هذا القول فى هذه السورة من القرآن عشر مرات.. ويل يومئذ للمكذبين..
فلننظر أولاً إلى الكربون وهو أكثر العناصر انتشاراً بعد الأكسيجين فى جسم الإنسان، حيث يمثل 18% من وزن الجسم، وتشارك فى دورة هذا العنصر والإبقاء عليه كل ما ومن على الأرض أو فى السماء.. البحار والمحيطات بمائهـا وترسبات قاعهـا ونباتهـا وأحيائهـا الدقيقة والكبيرة، ثم السماء بهوائهـا وطبقاتهـا المختلفة وشمسهـا وسحبهـا، ثم الأرض بنباتهـا وأحيائهـا و حيواناتهـا و أنهـارهـا.. و يعد الكربون من أهم العناصر لإنتاج الطاقة أيضا على الأرض، فعند احتراقه داخل خلايا الجسم يصدر الطاقة التي تحرك الإنسان و الحيوان، وعند احتراقه تأتى الطاقة فوق الأرض ينتج الطاقة المطلوبة لطهي الطعام وتحرك العربات والماكينات.. ثم يذهب بعد احتراقه إلى الهواء على هيئة غاز ثاني أكسيد الكربون إذا توافر الأكسيجين عند اخترقه، أو على هيئة الغاز الطبيعي أو الميثان إذا لم يتوافر الأكسيجين ، و يتحقق إنتاج الميثان من خلال عالم الكائنات الدقيقة من البكتيريا والفطريات بعد تحليل الفضلات والأجسام بعد موتهـا، ثم يعود إلى البحار و المحيطات عندما تذاب هذه الغازات فى الأمطار أو فى جليد القطبين، وهذا دون أن يختل تركيزه أو توازنه فى الهواء أو الماء أو فى التربة أو الأجسام ، فزيادته فى الهواء يعنى احتراق أجسامنا لقدرته على امتصاص أشعة الشمس و تدفئة الجو إلى أي درجة، و زيادته فى المـاء أو التربة هو زيادة فى الحمضية التي تقتل الحياة ، وزيادته فى الأجسام هو تسممم و حموضة و إهلاك … من ضبط الكميات و حدد التفاعلات وحقق المعدلات … .. ألسنا أمام قدرة قادر و حكمة حكيم و إبداع بديع.. فسبحان الله الذي أعد وجعل الأرض كفاتا ... أعد الدورات و سخر الكميات و علم التسبيحات .
ثم نأتي إلى عنصر الكالسيوم الذي به تبنى العظام والأسنان وبدونه لن تستقيم أجسامنا أو تنتصب قامتنا.. إنهـا مادة بناء الحجارة وبناء أجسامنا.. وما زالت علومنا قاصرة عن فهم كل الأسرار فى دورة الكالسيوم ومعظمها يعتبره العلماء من العجائب... وتختزن القشرة الأرضية هذا العنصر على شكل ترسبات ركامية فى مركبات من الكربونات وتسمى كربونات الكالسيوم أو الحجر الجيرى، و تمثل 3.5 % من القشرة الأرضية.. ومن غير المعروف كيف تكونت هذه الصخور الركامية من مياه البحار و المحيطات، و إن كان من المتنبأ به دون إثبات فعلى أنه يتم من خلال أنواع من الكائنات الدقيقة الغير معروفة و التي تقوم بتخليص وترسيب هذا العنصر كي يكون متاحا لكل الأحياء على هيئته العنصريه أو الأيونية ، .. وتحمله الأنهـار إلى النباتات من خلال حمله و جرفه مع الأمطار من سفوح الجبال الجيرية ليصل إلى النباتات، و الذي يمتصه بدوره من خلال جذوره الممتدة إلى الأرض، حيث يكون تركيز هذا العنصر فى التربة المروية بالمـاء أكثر من تركيزه داخل النبات فيدخل إليه بالضغط الأوسموزى ويصعد إلى أوراق النبات من خلال ساقه بالخاصية الشعرية ليصنع لنـا غذاء يحتوى على هذا الكالسيوم فى طعامنا، فتبنى به الأجسام و تستقيم به الكثير من العمليات الحيوية وفى الهضم و بناء الأنسجة، ثم يعود هذا الكالسيوم مرة أخرى منع أوراق النباتات المتساقطة و أخشايهـا المندثرة، ومع جثث الحيوانات و فضلاتهـا، لتمتصه مرة أخرى الكائنات الدقيقة و تعيد ترسيبه و إعداده...
وسأكتفي بهذه العناصر.. و لكن لكل عنصر من العناصر الباقية أيضا دورته التي نعلم منهـا القليل و نعجز بالرغم من تطاول البعض عن معرفة الكثير والكثير منهـا.. فللكبريت ندرته و دورته التي تحافظ على بقائه متاحا للأحياء من خلال ما توفره له النباتات، و للفوسفور دورته العجيبة التي تشارك فيهـا أيضاء الأنهـار و البحار والهواء والصخور والأحياء والأموات و النباتات و الحيوانات و الميكروبات و الفطريات، ومثل هذا للألومنيوم والنحاس والكوبالت و.لجميع العناصر الأخرى التي تكون أجسامنا و تحدد أنشطة حياتنا.. ، والحديد أيضا مطلوب لما فيه من بأس شديد فى دماؤنا و أجسامنا بالإضافة إلى حياتنا.. للحديد مثل هذه الدورات ويزيد.. ثم ما زلنـا نجهل عن دورته الكثير و الكثير ويقف العلماء و يعلنوا و يعترفوا أن ما يرونه فى هذه الدورات ما علموا منه وما لم يعلموا .. هو العجيب و البديع و الجليل و العظيم.. ألا نتفق بعد هذا على استحقاق هذا الوادي للمكذبين.. وادي الويل فى قول الحق "ويل يومئذ للمكذبين ".. رحمنا الله وتوفانا مسلمين...
إن من ينظر الأرض و ألوانهـا.. الأزرق الذي يغطى البحار والمحيطات والأصفر الذي يخطى الصحارى و الجبال و الأخضر الذي يغطى الغابات... كل منهـا يمتص أشعة الشمس و يحتفظ للأرض بدفئهـا كي تكون رحما دافئا يضمهـا... المـاء يحفظهـا بالرغم من برودة الجو من فوقه.. فهو يختزنهـا فى أعماق البحـار.. والغابات تختزنهـا من خلال أوراقها الخضراء و تحولهـا لنـا غذاء و طاقة.. و الرمال و نسميهـا أشباه الموصلات تحتفظ للأرض بأشعة الشمس و تنطلق منهـا الكهربات التي تشحن الأرض بالقدرات والمجالات. ولهذا نصنع من مادة الرمل الخلايا الشمسية التي تحول أشعة الشمس إلى تيار كهربي.. كل شيء بحكمة وإنصاف حتى تضمنا الأرض وتكفينـا وتكفلنا...هكذا جعل الله الأرض رحما ثانيا يضمنا مثل الرحم الأول.. جعلهـا كفاتا أحياء و أمواتـا.. ثم تأتى الآيات التالية و تذكرنا كيف استكمل هذا الرحم قدراته ليكون أيضـا قرارا مكينا، فيأتي قول الحق.. و جعلنا فيهـا رواسي شامخات و أسقيناكم ماءا فراتا .. ويل يومئذ للمكذبينو... نعم تذكر الآية التالية "الرواسي الشامخات" التي بقدر شموخهـا بقدر عمق أوتادهـا لترسى لنا بها قشرة هذه الأرض التي نحيا عليهـا.. فلا تميد تحت أقدامنا .. و لا نطير من فوقهـا كما يحدث إذا ذهبنا إلى المريخ أو القمر... فجاذبية القمر أدنى من جاذبية الأرض.. فلا استقرار فوقهـا لنا أو لأنعامنا أو لعرباتننا و متاعنا و أثاثنـا ... و لكن جاذبية الأرض جاءت بالقدر المطلوب لاستقرارنا... فكما أن الأرض رحمـا يضمنا فهي أيضا قرارا مكينا تستقر عليه حياتنا.. فنحن دائما و فى كل لحظة فى حياتنا بعد أن خرجنا من القرار المكين الأول أي من أرحام أمهـاتنا ، فى حاجة لهذه الأرض رحما و قرارا مكينا ... حقا. الفضل فى هذا القرار أو الاستقرار فوق أرض جعلت لنا كفاتا... حقا ... ويل يومئذ للمكذبين.. و بأي حديث بعده يؤمنون... صدق الله العظيم
يمكن المراسلة على البريد التالي:
[email protected] (
[email protected])
المصادر:
مصدر الصور من موقع : http://en.wikipedia.org (http://en.wikipedia.org/)
و موقع http://www.lebenswissen.de (http://www.lebenswissen.de/)
القلب الحزين
10-12-2013, 09:09 PM
الحياة والموت من منظور طبي إسلامي
أ.د/السيد سلامة السقا
أستاذ ورئيس قسم القلب بكلية الطب جامعة الإسكندرية
للحياة مظاهر وعلامات مميزة، وللحياة مفهوم محدد، وليس البروتين أو البروتوبلازم أو الماء مرادف للحياة، فالخلية بكل مكوناتها قد تكون حية أو ميتة، والجسد كله، بكل خلاياه وأنسجته وأجهزته، قد يكون حياً أو ميتاً.
وعندما يفقد الجسد صفة الحياة وينتقل إلى الموت يظل تركيبه المعروف ثابتاً لا يتغير لفترة ما، بعدها يبدأ تحلله إلى مكوناته الأولية من عناصر مختلفة.
فالحياة شيء مستقل بذاته، شيء مغاير للجسد المحسوس، شيء يحل في الخلايا والأجساد ليعطيها مميزاً وصفات محسوسة ويمنحه القوة على الاستمرار واطراد النمو والبقاء دون تحلل.. إلى أجل مسمى.
ولو أننا دققنا النظر في مفهوم الحياة ومظاهرها لوجدنا للحياة أكثر من مظهر، فالخالق سبحانه تفرد بالحياة المطلقة الأبدية التي لا أول لها ولا آخر، ولا مثيل لها ولا مشابه، فهو سبحانه وتعالى: (الحي القيوم)، وهو سبحانه وتعالى (ليس كمثله شيء)[سورة الشورى:11] فلا يقوم للمخلوقات وجود ولا حياة إلا به سبحانه وتعالى، فهو الذي يقول للشيء (كن فيكون)[سورة آل عمران:47]، وهو الذي (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي)[سورة الأنعام:95]، وهو الذي خلق الإنسان من لا شيء يذكر( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيء مذكوراً)[سورة الإنسان:1].
(أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً)[سورة مريم: 61].
إنه سبحانه وتعالى خلق الحياة كما خلق الموت، وكل منهما سر من أسراره، (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)(الملك /2)، فكل مخلوقات تستمد منه سبحانه وتعالى نوعاً من الحياة المحدودة والوجود الموقوت، وليس لمخلوق خلود، إنما الموت والفناء نهاية كل المخلوقات: (كل نفس ذائقة الموت )(العنكبوت/57)، (كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)(الرحمن/36ـ37)، بل إن الخلق كله، ما ندركه وما لا ندركه، ينتهي إلى نهاية محتومة لا يعلمها إلا الله: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب * كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين)(الأنبياء/104)، والمخلوقات كلها تربطها بالخالق عز وجل رابطة العبادة والتقديس، فكل من في السماوات وكل من في الأرض، بل كل شيء يسبح بحمد الله ويقدسه ويسجد له.. فهي حياة عامة شملت الكون كله، بجميع جزئياته وتجلت بمظاهر لا ندرك الكثير منها بحواسنا البشرية القاصرة، ولكنها حقيقة وواقع لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً)[الإسراء: 44].
إننا عند ذكر كلمة (الحياة) يتبادر إلى ذهننا المعنى الخاص لها، المعنى الذي يشمل الإنسان والحيوان والنبات، وذلك لا شتراكها في مظاهر وعلامات خاصة نميزها عما نطلق عليه "الجماد ". ولعل أبرز مظاهر الحياة التي ندركها في الإنسان والحيوان والنبات هي الحركة والانفعالية التي تشمل الإحساس والاستجابة للمؤثرات المختلفة، ذلك بالإضافة إلى مظاهر أخرى مثل النمو وغير ذلك.. ولكن باستعراض كتاب الله نجد أن مظاهر الحركة والانفعالية موجودة في كل شيء في الوجود، ولا يختص بها عالم الإنسان والحيوان والنبات، فالذرات والجزيئات (بما فيها من إلكترونات)في حركة دائمة، وهذه جزيئات الأرض وحبيباتها( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت )(الحج:6). وهذه الجبال الثابتة لعيوننا، الجامدة في أماكنها: (تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء)(النمل :88). وهذه الشمس (تجري لمستقرها)(يس:38).. والكواكب والنجوم والمجرات( كل في فلك يسبحون)(سورة يس/40).. بل إن الكون المادي كله بمجراته وما فيها من حركة دائمة واتساع مستمر(والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)(الذاريات:47).
حياة وحركة دائمة دآبة لا تكل ولا تنتهي، حركة متناسقة مترابطة في الوجود كله من ذراته إلى مجراته..
أما الانفعالية بما تحتوي من إحساس وإدراك واستجابة، فالقرآن يحدثنا عنها ويلقي لنا الضوء على دقائقها وغيبياتها، ويعلمنا بوجودها في كل شيء، فلننظر إلى السماء والأرض وهما تتلقيان الأمر من الخالق عز وجل فتجيبان بالسمع والطاعة( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين)(فصلت:11). وتلك الحجارة الصماء الجامدة الثابتة ظاهرياً لنا( وإن منها لما يهبط من خشية الله )(البقرة:47)، طاعة وانقياد وخشية وخشوع وخضوع للخالق، بالتدبر قول الحق تبارك وتعالى عن الجبال:( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله )(الحشر:21)، مخلوق من مخلوقات الله يخشع ويتصدع ويتزلزل كيانه خوفاً وخشية من الله. وهذه النار تتلقى الأمر من ربها فتتخلى عن صفاتها وأهم مميزاتها:( يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم )(الأنبياء :69). ونار جهنم تنفعل وتشتد وتثور من غيظها عندما ترى المجرمين الكافرين من بعد: (إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور* تكاد تميز من الغيظ)(الملك/7ـ8)، وهل الغيظ إلا انفعال شديد، وأخيراً، وليس آخراً، تعالوا معي إلى قول المولى عز وجل (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)(الأحزابـ72) فهذه مخلوقات الله يصنفها الإنسان تصنيفاً ضمن الجمادات التي لا حياة فيها، ولكن المقارنة والقابلة في الإحساس والتلقي والقبول والرفض والإشفاق، تضفي على الجبال دقة الإحساس بعظمة الأمانة وخطرها.. مظهر دقيق من مظاهر الحياة لا ندركه ولا نشعر به، إنها حياة خاصة بتلك المخلوقات (الجامدة) ـ على حد تعبيرنا ـ ولكنها حياة غيبية لا ندركها، وعوالم تقف حواسنا القاصرة وإدراكنا المحدود عن الإلمام بها إلا من خلال وحي الله المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل شئ في الكون يسبح بحمد الله:(ولكن لا تفقهون تسبيحهم)(الإسراء:44).
كل شيء في الكون حي ولكن بمقاييس خاصة، علمها عند الله.. وهكذا تجتمع المخلوقات كلها في صعيد واحد وعلى هدف واحد وغاية واحدة لا يشذ عن ذلك إلا الإنسان( ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير من حق عليه العذاب)(الحج/18).
الحياة كما ندركها:
حدد الخالق عز وجل معنى خاصاً للحياة، معنى شرعياً لها، ومعنى لغوياً كذلك، فبين لنا أن الحياة والموت نقيضان واقتصر مفهوم الحياة على الحياة الإنسانية وحياة الحيوان والنبات، وما كان غير ذلك فهو خارج عن إدراكنا، (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)(البقرة/286). وهكذا تحدد مفهوم الحياة الإنسانية لدينا (والحيوانية والنباتية) بمظاهر وعلامات إذا فقدت صار (ميتاً): (أو من كان ميتاً فأحييناه) (الأنعام:122). أما كلمة (ميت) فإنها تعني (حي)، لأن كل حي سيدركه الموت حتماً، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى : (إنك ميت وإنهم ميتون)(الزمر:30)، تأكيد لحتمية موت كل إنسان، لا يشذ عن ذلك أحد فتلك سنة الله( ولن تجد لسنة الله تبديلاً)(الأحزاب/12). أما حياة غير الإنسان والحيوان والنبات فلا يطلق عليها لفظ (الحياة) لخلوها من مظاهر الحياة المعروفة في عالم الأحياء وإنما نقول عنها (جماد).
وباستعراض واقع الحياة الإنسانية، كما تدل عليها الشواهد النظرية ونتائج البحث العلمي في شتى المجالات، نجد أن (الحياة) مجهولة ماهيتها تماماً للجميع، ولكن وجو الحياة في الجسد يعرف بمؤشرات معينة ومدلولات خاصة. والخلية الواحدة كائن حي قائم بذاته، يولد وينمو ويتقدم في العمر مروراً بالطفولة والصبا والفتوة فالكهولة فشيخوخة تنتهي بالموت، بل إن الخلية حين يتقدم بها العمر ويطول، فإن علامات الشيخوخة تظهر عليها وتبدأ أعضاؤها في الضمور وتبدو التجاعيد عليها ويقل نشاطها وحيويتها بشكل عام وينطبق عليها قانون الحياة العام وسنة الله في خلقه، حيث يقول سبحانه وتعالى:( ومن نعمره ننكسه في الخلق)(يس/86).
وقد يتكون جسد الكائن الحي من خلية واحدة مستقلة تماماً عن غيرها، كما هو حاصل في كثير من الكائنات المجهرية وحيدة الخلية، كالبكتريا والأميبا وبعض الفطريات والطحالب. وهنا تقوم الخلية الواحدة بكل العمليات الحيوية دون حاجة إلى الاتصال بخلايا أخرى.
وقد تتجمع تلك الكائنات وحيدة الخلية في جماعات أو مستعمرات، حيث تتماسك ظاهراً فتبدو كوحدة متماسكة، إلا أن الواقع أن كل خلية تظل على حالها، من الاستقلال الوظيفي عن غيرها، وبذلك تتكون جماعات أو مجتمعات يربط بين أفرادها ويبقى على تجمعهم ما يواجههم من ظروف بيئية، خاصة من تغيرات في الحرارة أو الرطوبة أو الغذاء أو الجفاف، أو غير ذلك.
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
10-12-2013, 09:12 PM
يتبـــــــع الموضوع السابق
الحياة والموت من منظور طبي إسلامي
ولما كان لكل خلية عمر محدد فإن ملايين الخلايا تموت بجسم الإنسان كل ثانية، ولكن ذلك لا يؤثر على تركيب الجسم أو على وظائف أعضائه، وذلك أن تكاثر الخلايا يمد الجسم الإنسان بما يعوضه عن الخلايا الميتة بخلايا مطابقة لسابقتها تماماً من ناحية التركيب والوظائف. وإذا دققنا النظر في المجتمع البشري كله على وجه الأرض بأفراده وقبائله ودوله وشعوبه لرأينا كيف يشابه أو يطابق مجتمع الجسد البشري بخلاياه وأنسجته وأعضائه وأجهزته، فكما تموت الخلايا كل لحظة دون أن يتأثر وجود الجسم وحياته، فكذلك يموت البشر بالآلاف والملايين ولا يتأثر الوجود البشري على الأرض. وقد تفنى أمم كاملة دون أن يؤثر ذلك على حياة الجنس البشري ووجوده.
ولقد ضرب لنا الخالق الأحد الأمثال لبعث الحياة في الأموات في الدنيا كآية من آياته الكبرى. وأجراها على يد بعض رسله وأنبيائه كمعجزات دالة على صدق رسالتهم . فهذا إبراهيم عليه السلام يتجه إلى ربه (ربي أرني كيف تحيي الموت * قال أhttp://www.quran-m.com/firas/ar_photo/3/tomb24.jpgولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي * قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم أجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم أدعهن يأتينك سعياً * واعلم أن الله عزيز حكيم)(البقرة/260). وهذا موسى عليه السلام يلقي عصاه بأمر الله: (فإذا هي حية تسعى)(طه/20)، آية له ولفرعون، فيأتي أمر الله فتدب الحياة في الميت مرة أخرى( كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون)(البقرة/73). واختار موسى عليه السلام سبعين رجلاً من قومه لميقات ربه فلما قالوا(أرنا الله جهرة)، أخذتهم الصاعقة وماتوا جميعاً، ثم بعثهم الله من بعد موتهم... ويقص علينا القرآن قصة ذلك الذي (مر على قرية وهي خاوية على عروشها* قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه)(البقرة/259)، ثم رأى بعينه كيف يبعث الله الحياة في العظام الرميم وكيف ينشرها ثم يكسوها لحماً.. كما ينبئنا القرآن عن أولئك:( الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم )(البقرة/243).. وأخيراً، فهذا هو عيسى عليه السلام يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله وينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله وها هو يحيى الموت بإذن الله إنها قدرة الله سبحانه وتعالى الذي يقول للشيء (كن فيكون) و(الذي خلق الموت والحياة)(الملك:2)، والذي " يحيى ويميت " والذي يقف الإنسان عاجزاً أمام إدارك عظمته وأمام فيض علمه الذي لا ينفذ، وصدق الله سبحانه وتعالى( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)(الإسراء:85).
وتتكرر معجزة الموت والحياة أمام كل الناس في زمان ومكان، ولكنها تظل آية من آيات الله وسراً استأثر بعلمه سبحانه وتعالى .. تبدأ حياة الإنسان بقدر وتنتهي بأجل لا يعلمه إلا الله(وما تدري نفساً ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت)(لقمان/34)، وعندما يأتي الأجل لا يحول دونه حائل ولا تمنعه قوى المخلوقات جميعاً، وذلك هو الحق( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)(النساء:78). وأين المفر من قدرة الله: (إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم)(الجمعة/8).
(أحياء غير أموات):
الموت والحياة نقيضان بنص الكتاب وتقريره، فالله سبحانه وتعالى( خلق الموت والحياة)(الملك/2). وهو الذي (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي)(الروم/19)، ويخاطب الناس بقوله عز وجل(كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم إليه ترجعون)(البقرة/28)، فهو وحده الذي( يحيى ويميت)(الحديد/2)..
وغير ذلك من آيات الكتاب الكريم الدالة على حالتين فقط للإنسان، وهما الحياة والموت فقط، ولا مرحلة وسط بين الاثنتين.. وموت الفرد هو نهاية وجوده على الأرض بالشكل المعروف، ويوم القيامة تنتهي حياة كل من على الأرض مرة واحدة.
وتنتهي حياة الإنسان يقبض حياته وإمساكها(الله يتوفى الأنفس حين موتها * والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى)(الزمر/42). فللموت لحظة محددة وأجل مسمى لا يتقدم ولا يتأخر: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)(الأعراف/34). وهكذا تتحدد لحظة الموت بانتهاء الأجل (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً)(الأعراف/145).
غير أن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وإن دلت على انتهاء حياة الإنسان وموته، فإن ذلك يكون بقبض الروح، وهي عملية تمسك فيها النفس وتنتهي فيها الحياة. كما توجد إشارات مقتضبة في هذا مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا أحضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح) ثم إشارة القرآن إلى سكرات الموت وغمراته في قوله تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد)(سورة ق/19).(ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم * اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تتكبرون)(الأنعام/93). وهيهات، فذلك بحث فيما لا يدركه العقل ولا يخضع للتجربة.
حياة حياة حياة
عندما نقول إن الإنسان جسد وحياة وروح، فإننا في واقع الأمر نستطيع أن نميز أشكال من الحياة.. فهناك (الحياة الخلوية)، وهي حياة الخلية الذاتية بكل مظاهرها وعملياتها الحيوية.. ثم بعد ذلك هناك( حياة الجسد)أو (الحياة العضوية)، أي حياة الأعضاء، حيث تتجمع ملايين الخلايا الحية في نظام دقيق وتناسق تام للقيام بوظائف محددة تمثل وظيفة ذلك العضو، كالكلية أو القلب أو الكبد مثلاً، أو وظائف الجسد كوحدة متكاملة من الأعضاء والأجهزة.. والجسد الحي يتمتع بكل مظاهر الحياة من حركة وإحساس وانفعال وتنفس وتغذية وإخراج وتكاثر.. الخ.
وأخيراً، فهناك بعد ذلك (الحياة الإنسانية)، حين تنفخ الروح في ذلك الجسد الحي فتعطيه مقومات جديدة من قدرة على التعلم والتذكر والتفكر والاختيار والتعقل بالإضافة إلى الإحساس بالزمن. وفوق هذا كله فإن الروح تعطي هذا الجسد الحي قوة الاستمرار في الحياة.. إن استمرار الحياة الخلوية وامتدادها، وكذلك استمرار الحياة الجسدية وامتدادها يرجع إلى وجود الروح.. والروح لا تتجزأ.. فإذا فصلت خلية واحدة أو انفصل عدد من الخلايا أو عضو من الأعضاء مثلاً عن الجسد فإنه ـ أي العضو ـ يفقد اتصاله بالروح، وبذلك يفقد القدرة على الاستمرار في الحياة، فيسرع إليه الموت سريعاً، إلا إذا أعيد اتصاله بجسده الأصلي أو تم توصيله بجسد آخر يقبله بالروح الجديدة في هذا الجسد وتعطيه القدرة على استمرار الحياة وامتدادها، فالحزء المستأصل من جسد الإنسان هو نسيج أو عضو حي، ولكن بلا روح.
وتتميز الحياة الإنسانية بوجود الروح.. وسبق أن قلنا إن الحياة سابقة للروح، فالروح لا تنفخ في جسد ميت وإنما تنفخ في جنين حي. ولا يعلم إلا الله كيفية نفخ الروح أو كيفية اتصالها بأجزاء الجسم وخلاياه، ولا كيفية توفيها حين المنام أو خروجها حين الموت.. غير أنه يمكننا القول بأنه حين اليقظة وتمام الوعي يكون اتصال الروح بالجسم اتصالاً كاملاً وتاماً، بينما يتغير هذا الاتصال حين المنام وعند الموت.
وقد يبرز هنا تساؤل عن إمكانية عودة الروح إلى أعضاء الجسم المتفرقة إذا أمكن إعادتها متصلة ببعضها البعض في جسدها الأصلي، بدلاً من زراعتها في أجسام متفرقة.. بمعنى آخر: هل إذا تقطع الجسم الواحد إلى أجزاء متفرقة ثم أعيد توصيل تلك الأجزاء جميعاً ببعضها البعض قبل موت خلاياها، فهل تعود الحياة الإنسانية إلى هذا الجسد؟.
لا شك إن الإجابة هنا ستكون بالنفي.. وذلك أن تقطيع البدن إلى أجزاء متفرقة سوف يؤدي إلى خروج الروح تماماً منه، لعدم وجد الحد الأدنى اللازم لحلول الروح فيه.. وبذلك يموت الجسم ولا تعود إليه حياته إلا يوم القيامة.
القلب الحزين
10-12-2013, 09:19 PM
إشراقات علمية لآيات قرآنية
في الأذن والأنف والحنجرة (1)
د/ إسلام محمد الشبراوي(2)
قال الله تعالى: )إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين. وما أنت بهادي العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون( [سورة النمل : 80 ، 81].
وقال الله تعالى: )فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين. وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون([سورة الروم: 52 ، 53].
مع النصف الثاني من القرن العشرين بدأ العلماء في محاولة جادةلحل مشكلة فاقدي السمع بصورة كاملة، أي: الصم تعريفاً، أما فاقدوا السمع بصورة جزئية فهم علمياً لا يطلق عليهم اسم الصم، بل معاقي السمع أو ضعاف السمع (hard of hearing and not deaf) فالصمم: هو الفقد الكامل للحاسة السمعية، بما يناظر العمى الذي هو فقد كامل للإبصار وليس ضعف النظر فحسب.
وقد بدأ حلم تعويض حاسة السمع المفقود بصورة كلية (الصمم) يتبلور شيئاً فشيئاً مع تقدم علوم الطب والفهم الأعمق لخصائص السمع بما يتواكب مع تقدم علم الفيزياء، بما فيه من فهم أعمق لطبيعة الصوت وانتقاله في الأوساط المختلفة، وكذلك فهم أسلوب تحويل الإشارات السمعية الصوتية المعقدة إلى نبضات كهربائية ذات جوانب وصفات متعددة جداً وشديدة التعقيد، بحيث تتوازى بدقة مع خصائص الموجة الصوتية، وأيضاً الفهم الأعمق لطبيعة عمل كهربية المخ، وكذلك مع تقدم العلوم الالكترونية والتقدم التقني في هندسة الأجهزة الالكترونية.
من كل هذه القواعد المتقدمة انطلقت فكرة ما يسمى بزرع القوقعة السمعية (implant cochlear) أو ear(Electronic) أو (Bionic ear)أي: الأذن الالكترونية، وهي فكرة تقوم على محاولة محاكاة ما خلقه الله لنا من آليات سمعية تركزت في الأذن ومراكزها العصبية داخل الجهاز العصبي المركزي. حيث تم تطوير أجهزة الكترونية دقيقة ومعقدة تحول الرسالة الصوتية بما فيها من تضاغطات وتخلخلات في جزئيات الوسط الحامل للصوت (الهواء هنا) إلى ذبذبات ميكانيكية، وتلك يقوم جهاز معين بتحويلها إلى نبضات كهربية لها خصائص موازية لخصائص الصوت المنشئ لها أولاً. هذا فيما يختص بالجهاز الالكتروني الذي يحاكي عمل الأذن الداخلية من حيث وظيفة ترجمة التضاغطات والتخلخلات إلى تيار كهربي محفز لمراكز عصبية معينة في المخ وقد تطورت هذه الأجهزة بشكل مثير جداً إلى حد أنها أصبحت تحتوي على ألياف تعد بالمئات تسمى الأقطاب، يختص كل قطب منها بنقل التيار الكهربي المترجم عن الصوت والمعبر عنه إلى مناطق تحفيز الجهاز السمعي.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1/earn1.gif
صورة تبين آلية عمل جهاز القوقعة السمعية
وتطورت أيضاً بالتوازي مع هذا التطور التقني تقنيات جراحية نقلت مناطق غرس هذه الأقطاب من مواضعها المبدئية من حيث الغرس خارج القوقعة السمعية إلى حد زرعها داخل القوقعة الرقيقة نفسها، بل وفي كل مليمتر منها، ثم تطورت الجراحات بصورة أكثر لتتخطى القوقعة السمعية نفسها كلية وتزرع فوق عصب السمع داخل تجويف الجمجمة لتحفيز هذا العصب مباشرة، ثم حدث تطور أشد فأصبحت تلك الأقطاب تزرع داخل جذع المخ ذاته وعلى امتداد المسارات العصبية للسمع داخل أنسجة المخ، مما أدى في النهاية إلى التخطي الكامل للأذن المعطوبة ونقل إشارات الصوت الخارجية للمراكز العصبية داخل المخ مباشرة... وهكذا تم تقريباً استنفاذ كل تقنيات عصر الفضاء التكنولوجية المعقدة في تلك المحاولات، وكذلك تم استنفاذ كل الأماكن التشريحية المحتملة في الرأس البشرية كأماكن للتحفيز السمعي سواء في الأذن أو في المخ... وبعد عقود من التجارب المستمرة على كل أنماط الأجهزة وكذلك المواقع التشريحية خلص العلماء للنتائج التالية:
(1) النوعية الملائمة من المرضى الذين يحتمل استفادتهم من الجهاز ينبغي اختيارهم من بين الذين سمعوا وتعلموا الكلام بصورة مبدئية، ثم فقدوا حاسة السمع بعد ذلك، أي في المرحلة المسماة مرحلة ما بعد اكتساب اللغة أما الصم الذين لم يسمعوا مطلقاً ولم يتعلموا الكلام ـ أي أن المخ لديهم لم تصله إشارات سمعية ولم يتكون فيه إدراك أو وعي بماهية السمع ـ فالنتائج لديهم غير مشجعة، ومن الصعب ـ إن لم يكن من المستحيل ـ أن يكتسبوا لغة وكلاماً معقداً وراقياً ومتطوراً يمكنهم من التواصل والاتصال اللغوي مع باقي أفراد المجتمع.
(2) حتى المرضى المصنفون في مجموعة (ما بعد اكتساب اللغة) وجد أن أكثرهم استفادة هم:
(أ) الحديثو العهد بالصمم، حيث إنه كلما طالت مدة الصمم كلما قلت الاستفادة من الجهاز، وقد عزى ذلك إلى طول العهد بالصمم يؤدي إما لضمور وضياع وظيفة المسارات العصبية المختصة بالسمع داخل المخ، أو نسيان المخ لمدلول الكلام ذاته.
(ب) المرضى الذين يركزون على حاسة البصر أثناء الصمم كحاسة اتصال بديلة (قراءة الشفاه) هم الأكثر استفادة من الجهاز الالكتروني.
* وثبت أنه في أي مكان تشريحي يتم فيه زرع الجهاز ـ ومهما بلغ تعقيد هذا الجهاز ـ فلا يمكن أن يؤدي ذلك مطلقاً إلى نشوء سمع لكلام متصل معقد، بل إن أقصى ما يستطيع أن يقدمه هو مجموعة http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1/ear/ear.jpgالأصوات التي يدركها المخ، وتلك لا تصلح بذاتها لتكوين كلام أو لغة، وهي ـ على أحسن الفروض ـ إشارات مساعدة لعملية قراءة الشفاه، ووجد أن المرضى الذين يجيدون قراءة الشفاه هم الذين يستفيدون فعلاً من الجهاز كأداة تواصل سمعي ولغوي؛ لذا أصبحت تجري أولاً وقبل زرع الجهاز الالكتروني اختبارات لحاسة البصر بهدف اكتشاف ثم تحسين عيوب البصر قبل زرع الأقطاب الالكترونية، وكذلك تجري اختبارات لقدرة المرضى على قراءة الشفاه، ويختار فقط منهم من له قدرة جيدة على ذلك، أما الآخرون فينبغي إجراء برامج تأهيلية مكثفة لهم بهدف تحسين تلك القدرة قبل إجراء جراحة الغرس.
نخلص مما سبق إلى عدة حقائق هي:
(1) أن المسارات العصبية للسمع قد تضمر أو تختفي وظائفها مع عدم استعمالها الناشئ عن الصمم، ويتناسب هذا الضمور طردياً مع طول مدة الصمم، وعكسياً مع الاعتماد على حاسةالبصر كآلية تعويضية، أي أنه يمكن القول أن قراءة الشفاه في حد ذاتها ورغم أنها رسالة بصرية ضوئية تسير في المسارات البصرية العصبية داخل المخ، إلا أنها تبقى مسارات السمع العصبية بصورة نشطة، أي قطعاً أنه يوجد هناك تحفيز ما لهذه المسارات المختصة بالسمع عن طريق تلك الإشارات البصرية رغم تباعد واختلاف المسارات العصبية للحاستين تشريحياً.
(2) بعد استنفاد كل المحاولات الالكترونية والجراحية لم يمكن نقل إشارات كلام كاملة للمخ عند الصم، بل على أحسن الفروض أمكن نقل بعض الأصوات المبهمة التي تحتاج لمساعدة وتعزيز بعملية قراءة الشفاه وصولاً لفهم الإشارة الضوئية.
(3) تأهيل وتدريب المرضى بعد عمليات زرع الأذن الالكترونية ينبغي أن يسلك طرقاً مزدوجاً، هو طريق سمعي _ بصري، أي: يتدرب المريض للمواءمة مع الجهاز السمعي الالكتروني، وذلك بالتوازي مع التدريب البصري على حدة، ودقة التقاط مدلولات قراءة الشفاه.
بعد هذه المقدمة العلمية تعالوا لنعود ونتأمل ثانية آياتنا القرآنية الموجزة جزءاً جزءاً على ضوء الحقائق التي تثبت حديثاً في هذا الموضوع:
(1) )إنك لا تسمع الموتى(:
وتلك هي حقيقة علمية مؤكدة لم يمكن اكتشافها إلا حديثاً جداً، فقد لوحظ أن الحاسة الوحيدة التي تبقى عاملة نشطة سواء في المراحل الأولية للتخدير أو في حالات الغيبوبة هي حاسة السمع، حيث إن الأحاسيس الجسدية العامة كأحاسيس الألم والحرارة أو وضع المفاصل وكذلك الأحاسيس الخاصة مثل خاصية البصر تذهب منكراً في مراحل التحذير الأولى، في الوقت ذاته الذي تبقى فيه حاسة السمع نشطة، وقد أدى ذلك إلى حدوث بعض القضايا الطبية الطريفة، منها مثلاً الدعاوى القضائية التي رفعتها النساء ضد أطباء في بريطانيا بعد أن قام هؤلاء الأطباء بتوليدهن، حيث ظن الأطباء أن فقد الوعي الظاهر لهؤلاء النسوة تحت التخدير بمواد أوكسيد النيتروز يمنعهن من سماع ما يدور في غرفة الجراحة، فحدث أن انطلقت ألسنة هؤلاء الأطباء بالتهكم على المريضة والمولود، مما سمعته المريضة الواقعة تحت التخدير، وتقدمت بعد تمام شفائها بدعوى تعويض عن الضرر النفسي الذي أصابها، وبالمثل أيضاً نرى شبيهاً لذلك في حالات الغيبوبة، حيث إن الأطباء المشرفين على تلك الحالات في البلدان المتقدمة أصبحوا دائماً يطلبون من أحباء المريض أن يلتفوا حول فراشه وأن يواصلوا الكلام معه باستمرار، حيث إنه ثبت ولأسباب غير محددة علمياً بدقة أن ذلك يساعد في سرعة شفاء تلك الحالات، ومن الطرف أيضاً أن بعض هؤلاء المرضى الذين استعادوا الوعي بدأوا في سرد الأحاديث التي دارت حولهم وهم في غيبوبتهم بدقة شديدة.
نقول أيضاً: إنه ثبت أن رسم رد الفعل السمعي المستحث Evoked Response Auditory وهو من الفحوص التي ترصد كهربية المخ نتيجة للاستجابة للمؤثرات السمعية هو أصدق القرائن التي تثبت أو تنفي (موت المخ الإكلينيكي)حيث إن تلك الإشارات التي يمكن رصدها على طول مسارات السمع العصبية لا تختفي إلا بالموت الكامل، وهذا مثلاً يخالف نتائج رسم المخ الكهربي العادي EEGالذي ثبت أنه قد يختفي تماماً، بينما المخ لا يزال حياً ولم يمت بعد في حالات مرضية متعددة مثل التسمم بالعقاقير المنومة كعقاقير الباربتيورات.. وعلى هذا فإن وجود الجهاز الذي يرصد الاستجابة الكهربية في المخ للمؤثرات السمعية قد يكون فاصلاً ودليلاً لا يقبل الدحض على موت المخ أو العكس، بخلاف كل الفحوص الأخرى التي لا يمكن الاعتماد عليها بصورة قاطعة لسبب أو لآخر .. أليس هذا هو ما يقوله هذا الجزء من الآية محل البحث، حيث تعالى لم يقل مثلاً: ( إنك لا تُرى الموتى ) أو ( إنك لا تفهم الموتى ) أو ( لا تجعلهم يشعرون )، فتلك علامات إكلينيكية قد تذهب وتختفي تماماً ولا يزال الشخص حياً، بخلاف الأنشطة المتعلقة بالسمع والتي تضيع فقط مع الموت الحقيقي الكامل.
وتأكيداً للمعنى السابق دعنانراقب قول الحق: )وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الأحياء والأموات إن الله يُسمع من يشاء وما أنت بِمُسمع من في القبور ([سورة فاطر : 19 ـ 22].
وهنا نرى أنه تعالى قارن بين كل خاصة وضدها، فقارن بين الإبصار والعمى ـ أي: الضياع الكامل لحاسة البصر ـ وبين الظلمات التي ينعدم فيها النور تماماً وبين وجود هذا النور، وكذلك بين الانخفاض والارتفاع في درجة الحرارة، بل قارن بين الحياة والموت نفسيهما كخاصتين لا مراء في التضاد والتقابل بينهما، أما في حاسة السمع وحدها بالذات فالآيات الكريمة لم تقارن بينها وبين ضياعها على نفس النسق السابق ( في أربع آيات )، بل قارنت بين وجودها وبين الموت ذاته، فلم تقل الآيات الكريمة مثلاً ( وما يستوي السميع والأصم )، بل قالت نصاً: )وما أنت بِمُسمع من في القبور (أي أن السمع هو خاصة بيولوجية تظل عاملة ما ظلت الحياة في الجسد البشري، أي بعبارة أخرى هي الحاسة الوحيدة التي يظل وجود أي أثر لها دليلاً قاطعاً على وجود الحياة، حيث إنها لا تختفي إلا بالموت ذاته فقط ... أليست تلك هي الحقيقة العلمية الطبية التي اكتشفناها مؤخراً جداً عن زمان التنزيل؟.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــع
القلب الحزين
10-12-2013, 09:20 PM
يتبـــــــع الموضوع السابق
إشراقات علمية لآيات قرآنية
في الأذن والأنف والحنجرة(1)
(ب) ثم نأتي للجزء الثاني من الآية الكريمة )ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين (حيث نستخلص منها ما يلي:
(1) هناك تحديد علمي دقيق في القرآن للألفاظ الطبية المتعلقة بموضوع السمع، فالصمم: هو الفقد الكامل لحاسة السمع بأسلوب يتساوى مع حالته في الموتى أو بعد الموت، وأيضاً مايمكن استنتاجه من المقارنة القرآنية لتلك الحالة الواقعة تحت هذا المسمى مع الحالة البصرية المسماة (العمى) كما نراها في الآية التالية مباشرة، حيث إنه لا يوجد مطلقاً أحد يطلق على ضعيف البصر اسم (أعمى)، بل هو يطلق على الفاقد الكامل للحاسة .. إذن فالأصم هو الفاقد لحاسة السمع تماماً، وهذا هو الأسلوب العلمي الدقيق الذي يستعمل حالياً في الكتب العلمية الحديثة، حيث إن كلمة « الأصم » (Deaf)تطلق على فاقدي السمع بصورة كلية، أما فاقدوا السمع جزئياً فيطلق عليهم اسم " ضعاف السمع (hard of hearing) "وكذلك ففقد السمع الكامل هو الذي يطلق عليه الصمم (deafness)، أما الفقد الجزئي للحاسة فيسمى الفقد السمعي (hearing loss) .. لذا فإن كان هناك في الأسلوب العلمي القرآني استعمال للفظ "أعمى " بما يعني فقد البصر تماماً، وألفاظ أخرى مثل " غشاوة البصر " و " خشوع البصر " وخلافة للفقد الجزئي، فهناك أيضاً وبالمثل لفظ " الأصم " لفاقد حاسة السمع تماماً، أما الفاقدون جزئياً للحاسة وهم الأغلبية الكاسحة من المرضى فيسميهم القرآن كما سنناقش ونوضح لاحقاً بالذين ( في آذانهم وقر ) .. والخلاصة هي أن القرآن لا يزال هنا وفي تلك النقطة الطبية الحساسة المتعلقة بالمسميات والتعريفات يلتزم أشد المناهج العلمية دقة وصرامة ولا يعمم المسميات على مجموعات ذات خصائص متباينة مختلفة.
(2) تقول آيتنا العلمية بوضوح شديد وبلا مواربة إنه لا يمكنك أن تسمع الأصم شيئاً في حالة واحدة هي إذا أعطاك دبره أي ظهره )ولوا مدبرين (،أي أن الآية الكريمة تقول بصراحة إن الأصم الفاقد لحاسة السمع كلية لا يمكن وبأي أسلوب أن يسمع كلاماً متصلاً مفهوماً وباستعمال أي أجهزة مهما كانت إذا أعطاك ظهره، أي إذا لم يواجهك، والمواجهة تعني شيئاً واحداً، وهو أن يراك، أي أن يرى تعبيرات وجهك وحركات شفتيك أثناء الكلام، وتلك هي النتيجة التي توصلنا إليها مع تجارب زرع الأقطاب السمعية في نهايات القرن العشرين، حيث ثبت أن الأصم لم يسمع حتى وباستعمال أعقد أجهزة السمع الإلكتروني إلا إذا واجه المتحدث، وكان يمتلك قدرة جيدة على قراءة الشفاه.
(3) يقول تعالى بنص الآية: )ولا تسمع الصم (وعلّق سبحانه عدم حدوث هذا السمع على شرط واحد هو )إذا ولوا مدبرين (،أي أن الأصم تماماً لن يسمع إذا أعطاك ظهره وهذا هو الشرط، إذن فهو يستطيع أن يسمعك إذا أعطاك وجهه ـ أي واجهك ـ أي أن ما يحدث ليس فقط رؤية أو فراسة أو استنتاجاً من قبل الأصم إذا واجهك، بل هو ( سمع حقيقي يرتبط بالمواجهة ) وفي حالة الأصم الفاقد للحاسة تماماً، فهل يمكن على ضوء مكتشفاتنا الحديثة أن ندرك مصداقية تلك الحقيقة القرآنية؟ نقول: إن هذا هو ما استنتجته الأبحاث الحديثة أخيراً بعد كل التجارب على زرع الأقطاب السمعية الالكترونية، حيث استنتجت أن مرضى الصمم الذين يركزون على حاسة البصر وينمون ويزيدون من حدة مقدرتهم على قراءة الشفاه، تبقى المسارات العصبية المختصة بالسمع عندهم في حالة نشطة تمكنهم من الاستفادة من زرع أقطاب التحفيز الالكتروني .. أي أن تلك المسارات العصبية داخل المخ لا تضمر ولا تضيع وظائفها، مما يشير إلى حدوث نشاط ما فيها يتواكب مع استقبال الرسائل البصرية، ذلك على الرغم من أن تلك المسارات مسارات مختصة بالسمع وتختلف تماماً عن المسارات المختصة بالبصر والتي يتم تنشيطها عند استقبال الرسائل البصرية، أي أنه ثبت حدوث نشاط ما بالمسارت السمعية عند الصم في حالة المواجهة واستقبال الرسالة البصرية المتمثلة في قراءة الشفاه .. أليس هذا هو ما نصت عليه الآية الكريمة ؟.
(4) كلمة )الدعاء (هنا كلمة ذات مدلول علمي خطير، حيث إنه في مجال المناقشة العلمية القرآنية لموضوع السمع والكلام تعني تلك الكلمة حرفياً ( أصواتاً مبهمة غير ذات مدلول لغوي واضح ) حيث يمكننا أن نستنتج ذلك من قوله تعالى : )ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ([البقرة : 171]أي أن هذا الدعاء والنداء هما من الأصوات المبهمة غير ذات الدلالة اللغوية، بل هما مما يمكن إدراجه تحت مسمى ( النعيق ) الذي هو بالتالي أصوات فطرية تطلقها البهائم، حيث إن تلك الحيوانات لو أنتجت أصواتاً تشابه (ما تسمع) لصارت لها لغة كلامية، أما حيث إنها تنتج أصواتاً تخالف تلك التي تسمعها )بما لا يسمع (فهذا هو العلة التي اكتشفها مؤخراً علماء السمع والكلام كحاجز بين هذه الحيوانات وبين تكوين لغة صوتية .. إذن فاستعمال كلمة )دعاء (هنا بالذات يتوافق تماماً مع ما وجدناه من تجارب زرع الأقطاب السمعية، حيث ثبت قطعياً أن هؤلاء الصم لا يمكنهم السماع الفعلي حتى باستعمال أعقد الأجهزة، وكذلك أدق الجراحات إلا لما يمكن تسميته بالأصوات المبهمة المجردة، والتي لا تقوم بذاتها مقام الكلام المفهوم المترابط، أي أنهم لا يمكن إسماعهم إلا أصواتاً مبهمة مما أسماه القرآن الكريم الـ )دعاء (وسبحان الله العظيم.
(ج) ثم نصل للمحطة الأخيرة في رحلتنا داخل أعماق تلك الآيات الكريمة الرائعة، وهي الآية الثانية في كلا الموضعين، حيث يقول الله تعالى: )وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا ([النمل : 81 ، الروم: 53].
وهنا نرى مشهداً يستحق منا وقفة تأمل، يرسم لنا المولى تعالى من خلاله صورة تنتصب أمامنا حية عن الذين لا يهتدون ولا يثوبون للحق؛ وذلك لرفضهم لكافة أشكال وأساليب الهداية، وكذلك افتقادهم المبدئي للأساليب السليمة الهادية لدروب الحق، فهم مبدئياً يفتقدون الكثير من مؤهلات الاهتداء، كالأعمى الذي يفتقد حاسة البصر تماماً، ويزيدون على ذلك بإهمال ما هو متاح لهم أيضاً كوسائل أخرى تعويضية بديلة قد تخرج بهم من طريق الظلام والضلال .. يضرب لنا الحق تعالى مثل هؤلاء القوم بمشهد مثير، مشهد لعميان يتخبطون في الظلام بلا أي أمل في أن يهتدوا للطريق السليم الذي هو نقيض الضلال، أي فقد الطريق، ويقول لنا تعالى بوضوح إن السبب ـ في مثالنا هذا ـ المؤدي لهذا الضلال والتخبط ليس فقط هو العمى، بل هو اقتران هذا العمىبعدم القدرة أو الرغبة في السمع )إن تسمع إلا من يؤمن (، والحقيقة العلمية التي تسوقها الآية هي أن العميان يمكن مساعدتهم على الخروج من التخبط والتيه عن طريق السمع، ولعل هذا يقودنا إلى طرح سؤال مثير هو: هل رأى أحدكم وحتى يومنا هذا رجلاً أعمى يعتمد على السمع أو الحاسة السمعية التي هي استقبال للإشارات الصوتية ليتفادى الاصطدام والتخبط بالجدران والعوائق والمطبات؟ أو بلغة الأخرى: هل يمكن أن تقوم الآليات الصوتية السمعية محل الآليات الضوئية البصرية المفقودة عند العميان بغرض الاهتداء؟ ... والإجابة البديهية السريعة هي .. لا .. فالأعمى كما نراه جميعاً لا يعتمد على حاسة السمع، بل يعتمد على حواس اللمس سواء باليد أو بالعصا أو بخلافة ليلتمس أو يتحسس طريقه كما نقول لغوياً. إذن ما هي أبعاد تلك الأطروحة العلمية التي تقولها لنا هذه الآية الكريمة؟ .. وما هو مدى مصداقية فهمنا الفلسفي لتلك الآية؟ ..
أقول: إنه حتى زمان قريب جداً منا لم يكن هذا الفهم متاحاً، أما الآن فهو ميسور وواضح كالشمس الساطعة، فأولاً: لاحظ العلماء أن الأسلوب الحركي عند العميان المعتمد على التلمس والتحسس هو أسلوب حركي بطئ جداً وغير دقيق، وإن كان يصلح لسير بعض الأفراد لمسافات محدودة وبسرعات بطيئة فإنه حتماً لا يصلح كأسلوب حركي سريع للعمى، وبالتالي فإنه بداهة لا يصلح مطلقاً للتحرك البشري في ظلمات البر والبحر والجو، وما أكثرها بعد أن غزا الإنسان مناطق أرضية وكونية لم تكن متاحة من قبل، والكثير من تلك المناطق يفتقد لوجود أي ضوء مما يلزم لأي بصر نافع، هذا وقد بدأ البحث عن كافة الحلول الممكنة من وسائل مساعدة أو ظواهر فيزيائية وخلافه لحل تلك الإشكالية، وكان أهم الحلول مطروحاً دائماً للبشر في خلق الله تعالى، ولله المثل الأعلى دائماً وأبداً ... وقد فطن العلماء إلى أن هناك كائناً حياً يعيش دائماً في الظلمات ولا يتحرك إلا في الظلمات، واكتشفوا أنه شبه أعمى، وبالرغم من ذلك فهو ماهر وذو سرعة شديدة وقدرة تمييز عالية جداً، وهو أيضاً قناص ماهر وبارع، ألا وهو (الوطواط)، ولم تبدأ دراسة الأسلوب الحركي للوطواط إلا في عام 1793م على يد العالم لازارو سبالنزاني، وتبلورت على يد بعض العلماء في القرن العشرين مثل دونالد جريفين (1930) وغيره، حيث إن هؤلاء العلماء اكتشفوا أن الوطواط يستطيع أن يكتسب مهارته الحركية وإدراكه الحسي العالي جداً عن طريق إطلاق موجات صوتية ذات تردد أعلى من تلك التي تستقبلها الأذن البشرية، أي ما يسمى (موجات فوق الصوتية)، ثم ترتد هذه الموجات عند اصطدامها بالعوائق المختلفة وتعود للأذن الحساسة جداً للوطواط، حيث تقوم تلك الأذن بتحليل كافة أبعاد الإشارة الصوتية ومن ثم رسم صورة كاملة لكل موجودات البيئة حول الوطواط، وتلك الخاصية هي التي تسمى ********Echo-أي ظاهرة الاكتشاف والتحديد باستقبال الصدى الصوتي، وقد قام العلماء بمحاكاة تلك العملية في محاولة الوصول الحركية والإدراكية في التلكسات، فنراها تستعمل في الرادارات المختلفة التي ترصد كل ما يتحرك في ظلام السماوات أو قيعان البحار، حيث إن الطائرات والغواصات أصبحت لا تستغني بحال عن تلك الأجهزة، بل يستعملها العلماء الآن لاكتشاف غياهب ظلمات الجسد البشري ذاته، حيث ابتكر العلماء أجهزة (Ultrasound Scans) أي أجهزة الرصد والمسح بواسطة الموجات فوق الضوئية، مما يمكن من رسم صورة دقيقة لما يدور داخل ظلمات الجسد البشري وغيرها .. بل اكتشفوا أيضاً أن الوطواط يستطيع تحديد الجسم الموجود أمامه بدقة عن طريق خاصة أخرى هي (Doppler Effect)أي خاصة الدوبلر وذلك عن طريق تحليل نغمة الصوت المرتدة للأذن (وليس شدتها أو ارتفاعها فقط) .. واستعملت تلك النظرية حديثاً في عمل ما يسمى مجسات الدوبلر التي تستطيع اكتشاف حركة الدم في شرايين الجسد والرأس، بل وأكثر من ذلك تم أيضاً اكتشاف أن حشرات العثة ـ الفريسة المفضلة للوطواط ـ تمتلك آذاناً أكثر حساسية من الوطواط ذاته، حيث تلتقط إشارته فوق الصوتية من مكان بعيد، فتتمكن من الهرب، وأيضاً اكتشفوا أن تلك الحشرات أحياناً تطلق موجات فوق صوتية مضادة تتداخل مع ما يطلقه الوطواط فتربكه (خاصة التشويش الراداري) .. إذن فهناك في غياهب الظلمات والعمى صراع أبدي صوتي ـ سمعي بين الكائنات المختلفة التي خلقها العلي القدير تعلمنا منه الكثير، مما مكننا من التحرك الآن في غياهب الظلمات حيث لا نرى بعيوننا فنهتدي ولا نضل .. أي أنه ثبت أن الأسلوب الإدراكي والحركي الأمثل للعميان هو الأسلوب السمعي .. أليس ذاك هو ما ساقته تلك الآية القرآنية الوجيزة المنزلة منذ أربعة عشرقرناً، يوم تنزلت في عالم يتخبط في دياجير الظلمة والجهل.
ولعلي قبل أن أختم أود أن أذكر بحقيقة أخرى، وهي أن كل محاولات ابتكار ما يسمى بالعين الصناعية عن طريق التحفيز الضوئي لم تلق نجاحاً، وكل الأبحاث التي تجري حالياً في هذا المضمار تحاول ابتكار جهاز مساعد يساعد العميان في حركتهم عن طريق خواص مشابهة لما يستعمله الوطواط، أي أن ما يسمى أبحاث العين الصناعية أو الالكترونية في مفهومنا الحالي يقوم على خواص صوتية ـ سمعية بحتة، حيث تحاول ابتكار جهاز يمكنه رسم صورة للأعمى عن الموجودات حوله عن طريق أسلوب الرادار الذي يعتمد على الآليات الصوتية ـ السمعية.
وهنا أقول: إنه ينبغي وضع آية قرآنية أخرى في الوعي، عندما نرى تلك الحقائق والإنجازات العلمية تتوالى في الظهور على مسرح الأحداث إذ يقول تعالى: )والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ([الأنعام : 39].
وهنا نرى الحقيقة العلمية القرآنية مركزة وواضحة بلا أي غموض، فالمثل الوعظي يوازيه مثل علمي عن الأسلوب الحركي في الظلمات، أي: عند غياب الضياء، فيصير البصر بلا فائدة، حيث إن الآية الكريمة تتحدث بصراحة عن الاهتداء للطريق المستقيم الصائب الصحيح أو الضلال عنه، فهي إذن آية تحدثنا عن الحركة الصحيحة في الحياة الدنيا، كما تحدثنا بمثل علمي يوازيه عن الأسلوب الحركي الأمثل في الظلمات، ولم تورد لنا الآية أسلوباً آخر للوصول لذلك إلا الأسلوب الصوتي السمعي )صم وبكم (،فالذي يضل طرقه في الظلمات بنص الآية هو من لا يستطيع استقبال الإشارات الصوتية عن طريق السمع )صم (كما لا يستطيع أن يطلقها )بكم (،وذلك تعزيز آخر للتأكيد على صفاء تلك الحقيقة العلمية الواردة في القرآن الكريم ، ولعلني أذكر ثانية هنا بأن أولى التجارب البشرية في هذا المضمار ـ مضمار التحرك البشري الأمثل في الظلمات ـ بدأت أول ما بدأت في القرن الثامن عشر بعد قرون طويلة من التنزيل القرآني على يد العالم الإيطالي سبالانزاني، حيث أجراها على الوطاويط الساكنة في إحدى الكنائس، وثبت منها أن إتلاف عيون الوطاويط لا يؤثر مطلقاً على مهارتها الحركية أو على قدرتها على القنص، أما سد آذانها فقد أدى فوراً لضلالها في المسير وتخبطها في الجدران ثم موتها جوعاً فيما بعد، وكانت تلك التجربة هي التي استند إليها علماء القرن العشرين فيما بعد لتطوير الأسلوب الحركي في الظلام عن طريق الخواص الصوتية ـ السمعية بالرادار أو خلافه ... وسبحان المولى العظيم الذي قال فصدق، وبقي علينا أن نتأمل آياته العظمى في قرآنه المجيد، وفي كونه المعقد الفسيح.
د/ إسلام محمد الشبراوي
[1]–محاضرة ألقيت في الموسم الثقافي لسنة 1998م.
[2]–استشاري الأنف والأذن والحنجرة، وعضو جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وعضو لجنة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر.
القلب الحزين
10-12-2013, 09:21 PM
تأملات في سورة الواقعة
أ.د. ســلامه عبد الهادي
أستاذ في علوم إدارة الطاقة وعميد سابق للمعهد العالي للطاقة بأسوان
القرآن الكريم هو كتاب الله الذي جـاء نـوراً و هداية بمـا يواكب عصـرا تتقدم فيه العلوم و تزدهر ... جـاء ليؤكـد مـا تكتـشـفه هذه العـلوم أن الكون إنمـا انتظـم بالحق لخـالـقه و مدبر أمـره...
جـاء بمنطق علمي فـريد ليقرر أن مـا نراه و تدركه أبصـارنـا و عـقولنــا وعلومنا هو الشاهد على أنه " لا إله إلا الله "... جـاء هذا في القرآن لكريم بمـا يعجز أن يأتي بمثله البشر و لو اجتمعوا له.
تعــالـوا نتـدبـر الآيـات من الآية 57 إلى الآية 75 في سورة الواقعة، وتـقدم هذه الآيــات أروع منهج بحثي يثبت لنـا أنــنـا مخلوقون و أن وجودنـا واسـتمرار حيـاتنــا يعتمـد على إرادة خـالق واحد أحـد وهب الحياة وأوجد مقومـاتهـا و عنـاصـر استمرارهـا، وكمـا أحكم الله صنعته فقد أحكم آيــاته التي أرسلهـا إلينـا لتدلنـا عليه وعلى وحدانيته ، كما ترشدنـا هذه الآيـات إلى أن حياتنا ورزقنـا و طعامنا و شرابنا وقوتنا من تدبيره ورحمته، و أن حرماننا من كل هذا في قـدرتـه ورهن مشـيئته ، وهذا بـإشـارات علميه تعرضهـا هذه الآيـات في سهولة و يسر ، و سنحاول أن نتدبر هذه الإشـارات بمـا يسره لنـا الخـالق من علم.
تبدأ الآيات الكريمة بـتحديد هدف البحث بقـوله سبحـانه و تعـالى "نـحن خلقناكم فلـولا تـصدقون ": إنه تعجب يعتمد على إثـارة الحقـائق فينـا بدلاً من أن يضعهـا في شكل تقريري، وهذا مـا تتـبعه المدارس التربوية الحديثة في شرح الحقـائق... فهو تعجب ممن لا يصدق أننــا مخـلوقون وأن لنـا خـالقـاً هـو منـزل هذا القرآن هداية منه و رحمة، ثم تأتى الآيــات التـالية لتضع من لا يصدق أمـام الحقـائق المؤكدة لهذا بكل بيان لنقر بأنفسنـا صدق هذا القول... ويأتي عرض هذه الحقائق بحسب ترتيبهـا المنطقي و أهميتهـا معتمدة على الرؤية العلمية والعملية التي تزداد وضوحـاً يومـاً بعد يوم .. و لهذا تـبدأ كل آيـة و كل برهـان أو استفـسـار بكلمة أفــرأيتم... استفـسـار من الخـالق يهدينا إلى صدق القول( نحن خلقنـاكم).
يأتي أول استفـسـار بـقول الحق ( أفرأيتم مـا تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخـالقون ).... استفـسـار يعقبه ســؤال... اســتـفـسـار تـتـأتى إجابته بالرؤيـة المتـفحصـة و المتدبـرة فيمـا نمنيه... وقد تحـقـقت هذه الرؤية في العصـر الحديث تحت مجـهـر يسمى المجهر الإلكتروني حيث اسـتـطعنا أن نرى تـركيب الحيوان المنوي و الخلية الحية عندـا يصل التكبير إلى مليارات المرات، إن هذا المنى يعد جزءاً من خلية حية تـؤدى دوراً هاماً في حياة البشر وحياة كل المخلوقات، فهي المسئولة عن حفظ و بقـاء النوع البشرى و كل الأنواع التي خلقهـا الله الواحد الأحد... فهي خلية تقوم بتوريث الصفات التي تنـتـقل من الآبـاء إلى الأبنــاء... إنهـا دليلا على عظمة الخالق و وحدانيته، و هي كخلية من خـلايـا الجسم تعد آية من آيـات الإعجاز في تركيبهـا و تكـوينهـا و وظائفها و تنفسهـا و غذائهـا وتكاثرهـا وانقسامهـا، يعجز الإنسان عن تخيل خلية واحدة بهذا الحجم تقوم بكل هذه الوظائف... فكيف بخلقهـا... و هذه الخلية التي يمنيهـا الرجل أو تمنيهـا المرأة لهـا أيضـاً دوراً متميزاً عن أي خلية أخرى... فهي تتكاثر و تنقسم بقوانين محددة بعد استكمـال جـزئيهـا عند اتحـاد ما يمنيه الذكر ( نصف خلية ) مع مـا تمنيه المرأة ( نصف الخلية الآخـر ) داخل رحم المرأة... وعند تدقيق الرؤية كما تنص الآية الكريمة في هذه الخلايا التي نمنيها، فسنجد أن هذا النصف من الخلية لـه نواة تحتوى على عدداً من الإنشاءات يصل عددهـا إلى 23 منـشـأ تسمى " كروموزومات " وتحتوى هذه الكروموزمات على جينات تعد سجلاً كاملاً للمواصفات البشرية و كذلك صفات السـلالة التي ينتمي إليها الإنسان بدءاً من آدم و حتى آخر الأجيال... و هناك شكلا خاصا للكروموزم الثالث و العشرون يكون على شكلين x و y ، كذلك فإن الـبـويضة التي تمنيهـا المرأة أيضا تحتوى على نفس هذا التكوين و لها نواة بنفس العدد من الكروموزمات و كروموزم يكون على شكل y ، و عند التخصيب يتحد منى الرجل مع مني المرأة ليكونا خلية كاملة تحتوى نواتها على 46 كروموزم مثل باقي خلايا الجسم البشرى و بها خواص وراثية جـاءت من الرجل والمرأة أو الزوج و الزوجة وفق قوانين الوراثة التي تمتلئ بهـا المجلدات ، و يكون المولود ذكراً إذا أخذ من منى الرجل الكروموزم x ويكون أنثى إذا أخذ من الرجل الكروموزم y ، فخلايا الأنثى بهـا الكرموزومين المتشابهين y + y و خلايا الذكر بهمـا الكروموزومين المختلفين x + y ثم تتكاثر و تتوالد هذه الخلية الأولى ،و يخرج منها ملايين و بلايين من الخلايا المتماثلة جميعا في تكوينها و كروموزوماتها و جيناتها ، و لكن كل خلية لهـا وظيفتهـا وعملهـا ،وكل نسيج يتكامل مع الأنسجة الأخرى لتكوين الأعضـاء و الأجهزة التي تتكامل لإعطاء الجسم البشرى قدراته على الحركة و الاستمتاع بالحياة ... كل هذا يتم من خلال برامج علمية متكاملة و وفقا لمعايير و قوانين ما زال العلماء يعكفون على دراستها... قواعد ثابتة يـسير علـيهـا ويخضع لهـا ما نمنيه في أداء معجز حتى تتكون الخلية الأولى الكاملة وبهـا النواة الأولى، ثم يتفرع منهــا هذه البلايين من الخلايـا في رحم الأم لتكون الوليد... قوانين و قواعد سنها الخالق بحكمته لينشأ منهـا كل إنسـان جديد... وكل إنسان و مخلوق على وجه الأرض قد نشأ هكذا بنفس القوانين و القواعد و الأسس و دون اختلاف... ألا يدل هذا على وحدانية الخـالق... و الآن بعد أن رأينـا هذا الذي نمنيه.... هل نستطيع أن نخلق منى مثل هذا أو نقول أنه قد جـاء بغير خـالق بحيث يؤدى كل هذه الأدوار و يحتفظ بكل هذه المواصفات و الصفات و يسير على هذه القواعد... إن الرجل في جماعه في كل مرة يقذف أكثر من بليون خلية حية.. أي يمكنه تخصيب عددا من البويضات يعادل عدد سكان الصين أو الهند... أي دقة في خلق هذا المني و في الإشارة إليه بهذا القول السديد و الكامل و المعجز... هل لدينا أي فضل في هذا الخلق و هذه القوانين التي يعمل بها حتى نـرد بالنفي على هذا السؤال الرباني ( أأنتم تخلقونه أم نحن الخالون )... إنـه الاحتكام إلي المنطق العلمي في كل أمور الدين و الدنيا و لا شيء ســواه... هل يمكن أن يكون لدينا رداً غير التسليم بأنه ليس لنـا أي فضل في خلق هذا المنى و أن لهذا المنى حالقا واحدا و لهذا جـاء تـشابه الخلق كلهم في منيهم و فيما يؤديه...و كيف لا نقر هذا و العلم ما زال يجهل كل أسرار هذه الخلايـا التي تستفـسر عنهـا هذه لآية وإن كنـا قد رأينـا بعض معالمـهـا.. و مـا زال كل يوم يأتي بجديد في هذه الرؤى.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/10/semen.jpg
صورة لحيوانات منوية ذكرية بالمجهر الإلكتروني
إنـنــا أمـام صرح علمي أرسله الخالق منذ أربعة عشرة قرنـاً ليدحض مـا ادعـاه مأفـون في القرن الماضي أن خلية حية بهـا هذا الأعجاز الذي نراه تحت المجهر قد جاءت بالصدفة، و لجهله لم يكن قد اكتشف المجهر الذي يجعله يرى ما نراه الآن كما يـبصرنا الخالق في هذه الآية بما يمكن أن نراه من أعجاز داخل كل خلية من خـلايـا مخلوقات الله، فيدعى هذا الأعمى أن خلية واحدة جاءت صدفة في البداية و أنهـا قد تطورت من تلقاء نفسها لينـشـأ منهـا سـلالات الحشرات و الحيوانات و الطيور و الأسماك، فالزرافة جاءت من الحhttp://www.quran-m.com/firas/ar_photo/10/fish_2.jpgمار و النمر جاء من القط و الإنسان جاء في نهاية هذا التطور من القرد، أي هراء هذا، أولو استمع منشئ هذه النظرية إلى هذه الآية و تدبر في معانيهـا ثم رأى مني القط و الفأر و الإنسان و القرد، لكـان قد وجد أن لكل مخلوق من هذه المخلوقات مني خاص بهـا و سجل معنى بتـكوينهـا و صفاتها استقرت معالمه منذ البداية
كل مني به أعداداً مختلفة من الكروموزومات لكل نوع تحدد الصفات الوراثية والخصائص المحددة لكل مخلوق بحسب هذا النوع، كل حيوان أو حشرة أو طير قد جـاء وله تكوينه الخـاص بالمهمـة التي حددهـا الخـالق له و سخر القوانين الطبيعية التي تحقق له هذه المهمـة، فهل يستطيع هذا... أن يوضح لنـا كيف يمكن أن يتطور شكل هذه السجلات بحيث يكون عدد الكروموزومات في منى القط أقل من عددهـا في الفأر رغم أن سلم التطور حسب هذه النظرية يأتي بالفأر قبل القط و الإنسان بعد القط.. هل ينقص العدد مع التطور أو يزداد، و مـا الذي يمكن أن يغير عدد هذه السجلات و أنواعهـا في كل خلية أو منى.. كيف تـغير الخلية سجلاتهـا من تلقاء نفسها بحيث تتوافق مع ما يـنتجه كل مني مع الظروف المحيطة به حتى يستطيع الطير أن يسبح في الهواء و الأسمـاك أن تسبح في البحـار و تتنفس في المـاء و الجمـل أن يعيش في جفـاف الصحـراء و يخزن المـاء... إنهـا بكل منطق جـاءت بإرادة خالق هذا المنى بسجلاته.. خـالق يعلم ما يصنع و ينتج من كل منى خلقه بحيث يـتوافق ما ينتج منه مع أداء المهمة التي خلق من أجلهـا.. هل هي الأمطار أو الرمال أو العواصف و الحرارة و البرودة هي التي صنعت و حددت و سجلت وتـراصت و اختـارت و سنت القوانين التي تحدد كثافة الهواء بحيث يرفع الطير و كمية الهواء المذاب في الماء بحيث تكفى تنفس الأسماك و حاجة الجمل من الماء بحيث يختـزنه أثنـاء رحلته في الصحراء.. أو جنون صاحب هذه النظرية، هل يستطيع أن يدعى هذا لو كان قد استمع إلي هذه الآية و استطـاع أن يأتي في عصره بمجهـر ليرى إعجاز الخـالق في خلق كل منى كمـا نراه الآن.. الإجـابة معـروفة و التفسير الوحيد جـاء في أول هذه الآيات بهذا النص الحق الذي أرسله الله منذ أربعة عـشرة قـرنـا من الزمـان:(أفرأيـتـم مـا تمنون ) و ( نحن خلقناكم فلولا تصدقون ).
و بعد خلقنــا بهذه القدرة وضع الله لنـا أقدارنـا أيضـاً التي تحدد متى تنتهي حيـاة المخلوق الذي جـاء من هذا المني، و كمـا نعجز عن أن نأتي بخلية واحدة أو بنصف خلية كالتي نمنيهـا، فنحن نعجـز بالرغم من تـطـور عـلومنــا أن نمـد أعمـارنـا و لو لحظـة واحدة، فالمـوت هو لحظـة قدرهـا الله لكل منـا كمـا جـاء في استكمال هذه الآيـة بهذا النص الإلهي المعجز الدال عليه و على قدرته ( نحن قدرنـا بينكم الموت )، فالذي بيديه الخلق يكون بيديه نهاية مخلوقة و لا أحد سـواه يعلم منتهـاه، فقلوبنـا تعمل بأمره، و أرواحنا تستقر بأمره، و لا أحد له السيطرة على هذا أو ذاك أو إذا مـا تـوقف أي شيء بأمره، عند هذه اللحظة لن يستطيع أحد أن يمد عمره لحظة واحدة إذا جاء أجلهـا.
وتستكمل الآية بهذا القول الحق ( و ما نحن بمسبوقين، على أن نبدل أمثـالكم و ننـشأكم فيمـا لا تعلمون، و لقد علمتم النشأة الأولى فـلولا تـذكرون )، إنه المنطق العلمي الإلهي الدال على صدق الرسـالة، فقد اكتشفنا كيف جـاءت نشـأتنـا الأولى داخل الأرحـام من هذا الانقسام الهائل للخلية الأولى في نظـام دقيق فتتكون الأعضـاء و الأجهزة و الأطراف و العظام و العضلات و الحواس و الأعصاب من خلية واحدة تكاثرت بهذا النظام بأمـر خـالقهـا... هل يكون من الصعب على خـالق نـِشأتنـا الأولى بهذه القـدرة و الحكمـة و العلم أن يـنـشـأ مثلهـا مرة أخـرى أو يبدل في هذه النـشــأة كيف يشــاء .. هل من العسير على خـالق الأصـل أن ينـشـأ مثيـلاً أو بديلاً له مرة أخـرى كيف يشـاء... هذا مـا جـاء بـه قـول الحق نبدل أمثـالكم و ننـشأكم فيما لا تعلمون، إنه الاحتكام إلى المنطق العلمي مرة أخرى لتأكيد وقوفنـا في الآخرة بين يديه... ثم يأتي هذا الاستفـسـار المنطقي في نهـاية الآية بعد معرفتنـا بخلقنـا الأول و كيف جـاءت نشأتنـا بإعجـاز خالق واحد قـادر ( ولقد علمتم النـشأة الأولى فـلـولا تـذكرون ).. نعم سنـتذكرقي عمن لا يذكر الله دائما بعد رؤية إعجـازه في خلق نشأته الأولى بحيث لا يحتمل سـوى رد واحد... نعم سنـتذكر هذه الحقائق دائمـا يـا الله ... أنت حقـاً الإله الخـالق الذي خلقتنـا و القـادر على أن ببعثنا كمـا نحن و أن تبدلنـا كيف تـشـاء..فلا قـدرة سـوى قـدرتك و لا إلـه ســواك و مـا نحن إلا مخلوقون و لا خـالق إلا أنت تبعثنـا بأمرك ومشيئتك كيف تشـاء.
ثم نأتي إلى الدليل المادي التالي على أن لنـا خـالقـا ... بعد أن خلقنـا من منى يمنى فصـار نطفة، أوجد لهذه النطفة أو الطفل الذي يأتي من هذه النطفة الغذاء الذي يحـيــا بـه و يـنـمو، و هذا بما وفـره لنـا من غذاء يأتي خلقه من عنـاصـر الأرض و مكونـاتهـا... كلا.ل نستطيع أن نتنـاول هذه العنـاصـر مباشرة.. كلا .. و لكن خـالق الإنسان خلق مـا يعد له الطعام الذي يغذيه من هذه العنـاصر.. كمـا جـاء في قـول الحق ( أفـرأيتم مـا تحـرثـون، أأنتم تـزرعونه أم نحـن الزارعـون ) استفـسـار آخـر يعقبه سـؤال عمن أعد للإنسان مـا يغذيه... إن الإنـسانن الذي جعل هذه الحبوب التي يضعهـا أثنـاء الحرث تنبت زرعـا هكذا بهذه الطـريقة المرتبة و المعجزة بحيث تعد له حـاجته من الطعـام و الغذاء و وفر في الأرض العنـاصر التي تحتاجهـا هذه الحبوب لتنبت...
إن الإنـسان رغم عقله و تدبره و اعتقـاده بأنه سيد هذا الكون يعجـز أن يعد لنفسه طعـامـاً من الأرض بدون هذا الزرع ... فهل هو الذي علم البذور أن تـأخذ بعض العنـاصـر أو الأمـلاح من الأرض و يسر لهـا المـاء لتذيب هذه لأملاح لتعد له حـاجته للنمو... لا فضل للإنسان في كل هذا و دوره يقتصر على إلقـاء البذور أثناء حرث الأرض و تقليـبـهـا... و تظل البذور هكذا سـاكنة... ثم تنمو جميعهـا في توقيت واحد فتخترق بزرعها سطح الأرض مرتفعة في السمـاء و بجذورهـا باطن الأرض متغلغلة في أجواقها و كأنهـا جميعـا على موعد لتقدم للإنسان الخير و الغذاء... من أودع في هذه البذور أو الحبوب تلك القدرة العجيبة في تحديد الوقت و التعامل مع الزمـان.. من علمهـا جميعـا و جعلهـا تنسجم في نسق واحد لتنمو معـا في كل اتجاه و تخضر أوراقهـا في وقت واحد.. من أودع في كل حبة هذه الأسرار بحيث تؤدى كل هذه الأدوار... إننـا لو نظرنا كمـا تأمرنـا هذه الآية الكريمة إلى الحبوب التي نرميهـا أثناء الحرث تحت المجهـر لرأينـا كل العجب... نـرى مركزا ضخمـا للمعلومـات مليئـا بالشفرات و الأوامر المبرمجة داخل حمض نووي عملاق قـابع داخل كل حبة يحدد كل مـا يتصل بتلك الحبة.. إنـنـا عندمـا أي مدى تنمو و كم تعطى و مـا تعطى... إنـنـا عندمـا ننظر إلى ما يـخرج من هذه الحبة من زرع يستخرج من الأرض و الهواء العنـاصـر المختلفة وفقا لشفراتها المخزونة بحيث تحدد طعم ثمراته و لونها و عددها نقر أن هذا لا يتم إلا بإرادة أسمى و أعلى ... إرادة خـالق أودع في كل بـذرة هذه السجلات الكـاملة لمـا عليهـا أن تـــؤديه حتى يـخـرج كـل نبـات بالمحتوى الذي يعطى للإنـسان مـا يحتـاجه لكي ينـمـو و لكي يعيش... حقا إنزراعـة تـعد مصنعـا كـاملا يـؤدى أدوارا رائعـة رسمت بإتـقـان و بـتدبير خـالق الإنسان سبحانه و تعالى الذي يعلم مـا يحتـاجه لكي يحـيـا... حقا إن كل نبتـة تـعد سـرا من أسـرار الخالق تـرى فيهـا إعجـازه و معجـزاته ... ثم إن مـا نراه في هذا النبات من جذور يندفع المـاء إليها مذيبـا من الأرض بعض العنـاصر و الأملاح التي يحتاجها كل زرع ليعد مـا ينتجه ثم نرى كيف يتم دخول هذا المـاء إلى جذور النـبات بقـانون ألهى يسمى قـانون الضغط الاسم وزى نتيجة لاختـلاف نسبة تـركيز بعض العنـاصر داخل جذور النبات عن نسبتهـا في الأرض فتمتص ما رتبه الخالق لهـا من أملاح و عناصر.. ثم كيف تـصعد المـياه حـاملة أملاحهـا إلى سـيقـان النبـات التي تمتـد إلى الهـواء، و تـرتفع المياه في السيقان داخـل أنــابيب ضـيقـة شـقهـا الخـالق بحكمته داخل هذه السيقـان
كيف يصعد الماء في هذه الأنابيب الضيقة عكس اتجاه الجاذبية الأرضية بقـانون آخـر يسمى قـانون الأنـابيب الشعـرية... ثم كيف تـصـل المياه إلى فـروع النبات الذي يصنع مـا يقدمه لنـا من ثمـار فيهـا كل مـا نبتغيه من وجبات... من شـق هذه القنوات و سـن هذه القـوانين و ضبط هذا التـركيز و أعـد هذه الإنـشـاءات بحيث تمتد الجذور لتثبته في الأرض فتصعد بسيقانه في الهواء حاملة الفروع و الأوراق و الثمار، من أعد لكل نبات هذا الإعداد بحيث يصبح مصنعـاً يأخذ من الأرض التي نحرثهـا منتجـاً قادراً على غزو الأسواق بمحتوى متكامل من الفيتامينات و البروتينات و النشويات و الطعم المقبول و الرائحة الشهية لكل البشـر... يغذيهم و ينميهم و يقيم أودهم، هل نحن القائمون على أن تأتى زراعته بهذه الحكمة و القوانين و هذا الترتيب و التركيبي... إن دقة التوجيه إلى النظر إلى مـا نحرثه و هو الحب بأسراره و الأرض بعطائهـا و الذين يكونان معاً نظاماً متكاملاً يقوم بكل هذا العمل تحدد الإجابة على هذا السؤال المنطقي أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون... بحيث لا يكون له سـوى رد واحد.. لالا مشيئة في هذا الزرع إلا فـضلك يـا الله.. و لا مشيئة إلا مشيئتك .. و لا قـدرة إلا قـدرتك.. و لا حول و لا قـوة إلا بــك يـا واحد في سننك... في كل ما تخرجه الأرض من زرع يسير كله على نهج واحد و بقوانين واحدة و بماء واحد و من أرض واحدة تسبح جميعهـا بوحدانيتك.. ثم يأتي البرهـان الآخر على أنـه لا مشـيئة إلا مشـيئتـه إذا مـا سـلط الله على هذا الزرع مــرض أو فـطـر.. أو عاصفة أو حـر قـائظ.. فـلا راد لقضـائه و لا دافع لنقمته.. فيأتي قول القـادر لـو نـشاء لـجعلنـاه حـطـامـا فظلتم تفكهـون... كـلا.در على إحياء هذا الزرع لـو مـات أو تحطم بفعل الحشرات أو الآفـات أو الجفـاف أو أمـر الله.. كـلا .. وسيكون الندم و تـأتى الحـســرة و الاعتراف بالقهـر و يظـهـر العجـز البشـرى أمـام قـدرة الخـالق عندمـا نعترف و نقر بهذا القول إنــا لمغـرمـون.. بل نحن محـرومـون... إنه اعتراف بالعجز نقر به دائما عند نزول غضب الله... و هكذا نرى في هذه الآيات إقرار بقدرة الخـالق على الخلق و الفنـاء، على المنح و المنع، على العطـاء و السلب... تـأتى بهذا الإعجاز و هذا البيـان الذي لا يمكن أن يأتي من أحد سـواه في كلمـات محددة أوعت كل المفـاهيم بكل العلوم التي ندركها حتى يومنا هذا.
ثم يأتي دليل مادي و مرئي آخـر على أننـا مخلوقون و أن لنـا خالق دبر لنـا بحكمته كل شيء... فدبـر لنـا هذا المـاء الذي يعد عمـاد الحـياة على الأرض... فيـقول الحق أفـرأيتم المـاء الذي تـشـربـون.. إنهـا إشـارة إلى المـاء و هو سر من أسرار الحياة، هكذا يـقـر العلم الحديث.. فبدون المـاء لن يكون هناك أثـراً للحياة على الأرض.. و الكواكب من حـولنـا خلت من كـل حـياة لأنهـا تخـلو من المـاء الذي أنعم بـه الخـالق على أرضنـا.. و المـاء هو المـاء في كل أنحـاء الأرض... إذا امتنع حياة النبات و الإنسان و الحيوان.. إذا امتنع جف النبات و نفق الإنسان و الحيوان .. من سـاوى بين كل المخلوقات فجعل المـاء عمـاد حيـاتهم جميعهم كمـا يكون أكثر من 70 % من أجسامهم... يشربه الإنسان فيرتوي و الحيوان فينـشـط و نروى به النبات فينمو و يعطى الثمـار، إنه خـالق واحد أحد وفـر لجميع مخلوقاته ماءا واحدا فأصبحت له كل هذه الأسرار.. إننـا حقـاً لو نظرنـا و تدبرنـا هذا المـاء و أسراره كمـا تنص هذه الآية القرآنية لأقررنـا بوحدانية الله دون دليل آخــر... ثم رأينـا كيف طوع الخالق هذه الأرض بجـوهـا و طوع السمـاء بـشمسهـا و حملهـا وطوع البحـار بمـلحهـا و مخزونهـا حتى تكون لنا في النهاية هذه النعمة التي لا نحيا يدونها.. إن البحـار تحتفظ بمخـزون هـائل من المـاء الأجاج أو المـالح و هذه الأملاح تمنع نمو أي بكتيريـا أو طفيل يفسد المياه الراكدة في البحار.. و يسلط الله على هذه البحـار التي تغطى أربعة أخمـاس مسـاحة سطح الكرة الأرضية قدرا منـاسبـا من أشعة الشمس... فيتحول جـزءا من ميـاهـهـا إلى بخـار المـاء العذب الذي يتصـاعد إلى طبقـات الجو العلـيـا لأن كـثافته أقل من كـثافة الهـواء المـلامس لسطح الأرض.. و كلمـا ارتفعنـا إلى أعلى كلمـا قلت كـثافة الهواء.. و يقف البخـار عند الارتفاع الذي تتـزن فيه كثافته مع كثافة الهـواء فتتجمع جزيئات البخـار مكونه هذا الحجم الهـائل من السحب التي تتحرك بفعل الريـاح في اتـزان متكامل.. و يحدث هذا الاتزان بتساوي قوى الجذب الأرض للسحاب إلي أسفل مع الدفع الهواء للسحاب إلى أعلى نتيجة أن كثافة الهواء أكبر من كثافة بخار المـاء... لهذا جـاء هذا الاسم القرآني المعجـز للسحـاب و هو الـمزن... إنه اسم يـعبر عمـا تمثله حـالة السحب و هي الاتـزان الكامل في سكونها وحركتها.. و كما نرى أن هذا الاسم قد استوعب كل هذه المعاني الخاصة بمـا يعيره عن اتزان السحب بإعجاز علمي و بلاغي.. و عند مقـابلة هذه السحب لـظـروف جوية و طـبيعية مغـايرة تفقد السحب هذا الاتزان فتنتقـل من حالة الاتزان إلى حالة لا أتـزان فتتحول إلى أمـطـار.. و في هذا يأتي القول الإلهي بهذا النص القرآني الكامل
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــع
القلب الحزين
10-12-2013, 09:24 PM
يتبـــــــع الموضوع السابق
تأملات في سورة الواقعة
أأنتم أنـزلتموه من المزن أم نحن المنزلون
إنه استفسار عمن يكون قد هيـأ لهذا السحـاب مصـادره و اتزانه في السمـاء ثم نـقله من الاتزان إلى لا اتزان عندمـا تـنزل أمطـارا عند مصبات الأنهار أو لأقوام أراد الله لهم هذا الرزق.. إنه إعجاز علمي و بلاغي آخر في اختيـار هاتين الكلمتين المتتاليتين: من المزن فيمـا تمثلانه من انتقـال السحـاب وخروجه من حـالة الاتزان إلى حـالة اللا اتزان عند نزول الأمطار، ثم اختيار الكلمتين المزن.. المنزلون و مـا احتوت عليه من تشـابه حروفهمـا و تتابع مهامهمـا ..
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/10/cloud_2.jpg
صورة لسحابة ممطرة مع قصف الرعد
و لا نجد أيضـا رداً على السؤال الذي جـاء في هذه الآية إلا أن نقـول أنه لا فضل لنـا أيهـا الخالق العظيم في أية مرحلة من مراحل هذا المزن ســوى فضلك، فبرحمتك سلطت أشعة الشمس بقدر معلوم على المـاء الأجـاج في البحـار فجـاء السحـاب.. و بفضلك حملته الريـاح في اتزان..و بفضلك أفقدته هذا الاتزان عند كل مصب اخترته بحكمتك.. و بفضلك أنزلته إلينـا أمطـاراً من مـاء عذب تجرى في أنهـار شققتهـا برحمتك فتظل عذبة سـائغة للشـاربين من خلقك الذين خلـقتهم برحمتك و تعلم مـا يقيم حيـاتهم و أين يقيمون.
ثم يأتي برهـان آخـر.. فالقـادر على منح هذا المـاء العذب لنـا قـادر أيضـا على منعه.. إنهـا مشيئته و لا دخل لأحـد بهـا.. و لكن مـاذا يحدث إذا منع عنـا هذا المـاء العذب.. لن نجد سـوى مـاء البحـار الأجـاج.. هل نستطيع أن نحيـا به.. الرد معروف.. فملوحة مياه البحـارتحول دون استفادة البشر منهـا... فهـل لنـا إلا أن نـشـكر الله على هذا الفضل الذي تفضل به علينـا لنشرب ماءا عذبا ساقه إلينا حتى نرتوي و نروى النبات فنطعم به و تشرب الدواب فتخدمنـا و نأكل لحومهـا.. و في هذا يأتي هذا النص القرآني المعبر عن قدرة الخالق و مشيئته في العطـاء و المنع لو نـشـاء جعلـنـاه أجـاجـا فلولا تـشكرون.. من يتدبر كلمتي جعلنـاه في هذه الآية و في الآية السـابقة، لوجد الحرف ( ل ) قد سبق هذه الكلمة في الآية السـابقة و لم يأتي سـابقا لهـا في هذه الآية.. ففي الآية السـابقة إشـارة إلى أنه إذا أراد الله أن يصيب الزرع سلط عليه مـا يبيده فجـاء الحرف ( ل ) ليؤكد مشيئته في هذا الحرمان بفعل يغاير المألوف وهو المعطى دائماً... أمـا في هذه الآية فلا حـاجة للتـأكيد حيث أن مشيئته تحول المـاء الأجـاج إلى مـاء عذب بفعل الشمس و السحاب المسخـرين، فإذا أوقف الله هذه الأسباب، فلن نجد أمـامنـا سوى مـاء البحـار لنشرب منه، فلا حـاجة إذن في تـأكيد هذا لأن المـاء الأجـاج أمـامنـا دوامـا و عند حرماننا من الماء العذب فلا مفر لنـا من الذهـاب إليه... هل في قدرة بـشـر أن يأتي بكل هذه الحكم و البلاغة و العلم في كل كلمة بل و في كل حرف.
ثم تتوالى الأدلة على أننـا مخلوقون، فقد خـلق الله الإنـسان على الأرض ليتحرك و يسعى.. و سعيه و حركته في حـاجة إلى طـاقة... مثل محرك السيـارة الذي لن يتمكن من الحركة دون مصدر للطـاقة و هـو الوقود الذي يحترق داخل السيارة لتـسـيـر. وبـدون أن يكتشف البترول مـا كـان لأحد أن يخترع السيـارة... كيف تم إعـداد مصـدرا للطـاقة لهذا الإنسـان الذي جاء إلى الأرض، مصدرا يتنـاسب مع تكوينه و خلقه و أجهـزته المختلفـة... لم يكن هنـاك بترول على الأرض حين جـاء إليها أو كحـول أو شمع... إن التفسير الوحيد هو أن الخـالق الذي خلق الإنسـان لابد أنه دبـر له مصدرا يستمد منه طـاقته.. لقد سـخـر له الشمس لتحترق و تـرسـل أشعتهـا إلي النبـات ليختزنهـا ثم ليحـولهـا إلى طـاقة تنطلق في أجسـامنـا عندما نتغذى على ثمار هذا النبات باحتراق يتوارى عن أعيننـا و بالقدر الذي نحتـاجه للحركة و بـآلـيات تعجـز العقول عن فهمهـا ... و لولا الشمس و لولا النبات و لولا حكمة الخـالق مـا كـان للإنـسان من سبيل إلى الحركة و السعي و الاستمتـاع بقـوة عضـلاته في الجهـاد والسيطرة على الكون من حـولـه... أي لـولا الشجـرة التي تختزن طـاقة الشمس بعمليـة تـعد من أعقد العمـليـات تسمى عملية التمثيل الكـلوروفيللى حيث يقوم ورق الشجــر الأخـضـر أثناء هذه العملية بتكوين المـواد النـشوية أو الكربـوهيدراتيه التي تمثل وقودا هيدروكربونيـا مثل البترول، وهذا بأن يمتص الورق الأخضـر أشعة الشمس وثاني أكسيد الكربون من الجـو و المـاء من جذور النبـات... ومنهـا جميعـا تتوفر لنـا مصـادر طـاقتنـا... و حين نـأكل ثمـار هذه الأhttp://www.quran-m.com/firas/ar_photo/10/fire.jpgشجـار، تحـترق المـواد النشـوية التي تحوى طـاقة الشمس داخل خـلايـا أجسـامنـا البشـرية... فتنطلق هذه الطـاقة في احتراق متوار كما تشير الآية الكريمة بهذا الوصف الكامل النار التي تورون حيث يستخدم الجسم في هذا الاحتراق الأكسيجين الذي يحمله الدم من الرئة إلى الخـلايـا، و تعد عمليـة احتراق المواد الكربوهيدراتية داخل الخلايا من أعقد العمليـات التي يحـار العقـل البشرى في فهمهـا و التي تحتـاج إلى مجلدات لسـرد تفـاعلاتهـا.. و لكنه احتراق كآي احتراق يستخدم فيه أكسيجين الهواء و ينتج عنه الطـاقة و ثاني أكسيد الكربون وبخـار المـاء.. وبهذه الطـاقة تتمكن خـلايـا الجسم من أداء وظـائفهـا و يتمكن الإنسان من الحركـة والاستمتاع بحياته و عضلاته و قوته.. هل للإنـسان فضل في هذه الشجرة التي صنعت للإنـسان حـاجته من الطـاقة ليحـيـا.. وهل يعي الإنسان مـا بداخله من نيران تتواري عن العيون كتلك التي تنطلق داخل محرك السيارة
كل هذا جـاء في هذا الاستفسار الإلهي
أفـرأيتم النـار التي تـورون.. أأنتم أنـشـأتم شـجرتهـا أم نحن المـنـشـئون.. نحن جعلنـاهـا تذكرة و متــاعـا للمقوين.. هل لنـا رداً أيضـا على هذا الاستفـسـار ثم هذا السؤال إلا أن نقول أن لا يمكن أن يـكون هنـاك فضـلا لنـا في شيء من هذا سـوى أنه تدبيرك أيهـا الخـالق الواحد و أن هذا خلقك و صنـاعتك و تـرتـيـبك الشـاهد على وحدانيتك، فالكل يسير على نفس الناموس... و إذا نظرنـا إلي كل كلمـة سنجد فيهـا إشـارات إلى أشياء ندرك البعض منهـا بعلومنـا المحدودة و يـغيب عنـا الكثير.. ننظـر إلي كلمتي أفرأيتـم و تــورون و الأولى تدعونـا إلى أن نرى حكمة الخالق في النار التي هي مصدر الطاقة في أجسامنا والثانية تدلنا أن هذه النار قد واراها الخالق عن عيوننا و لكن نشعر بدفء نيرانها و القدرة على الحركة... وكلمة تـذكرة قـد تـرمز إلى وجـوب تذكر عظمة الخـالق في تسخير هذه الشجرة لتخزن لنا كل هذه الطـاقة و فيمـا دبـره بحيث تنطلق هذه الطاقة داخل أجســامنـا دون أن تراهـا عيونـنا... إن هذه متـاعـا للمقوين إشـارة إلى أنـنـا استطعنـا بهذه الطاقة أن نستمتع بقـوة عضـلاتنـا وأجسـامنـا ويدونها لن تكون لنا أي قدرة على شيء.. إن هذه الكلمـات المحددة قد أوعت كل مـا اكتـشـفنـاه و ستستـوعب أيضـا مـا لم نكـتـشفه من عـلوم الطـاقة والاحتراق و النبات و الطب و الإنسان و البيـان و البلاغة و الإعجاز إذا مـا تولى المتخـصص المدرك لكل جـانب من جوانب هذا الإعجـاز ... هل يمكن أن يتـأتى كل هذا البيان من غـير الخـالق الذي يعلم كل شيء ؟؟؟
تعـالوا نـنـظـر نظرة شـاملة إلى هذا المنهج الرباني الذي يخاطب البشر منذ أربعة عشر قرنـا بأرقي ما يمكن أن تصل إليه علومهم ليؤكد أنه خـالقهم و مدبر أمرهم ويحدد لهم بعض الآليـات التي أوجدهـا بعلمه ورحمته حتى نحيا على هذه الأرض بمشيئته... لقد بدأت هذه لآيات بالدعوة إلى رؤيـة هذا الحيوان المنوي الذي يبدأ به خلق كل إنسان و تكوينه... فلا تأتى الدعوةد بعد أن رأيناه في أن يدعى أنه جـاء بغير خـالق أو أن لنـا أي فضل في خلقه بهذا الإعجـاز... ثم تأتى الدعوة إلى رؤيـة مـا يتـغذى عليه الإنسان لكي ينمو و يـمارس شئون حياته ... و لا قدرة لأحـد أيضـا على ادعاء أن هذا الزرع قد جـاء بغير خـالق بحيث يوفـر مـا يتوافق مع تكوين و تصميم هذا اٌلإنسان... أو أن الذي خلق الإنسان ليس هو الذي خلق هذا الزرع لينمـو بـه و ليعتمد عليه بحيث لا تستمر الحياة إلا بـه...
ثم نأتي إلى الآيـة التـالية و فيهـا الدعوة إلى رؤية المـاء الذي يسقي النبـات والإنسان وفيه سـر الحياة و استمرارهـا.. لا قدرة لأحد أيضـا على ادعـاء أنه جـاء بغير خـالق أو أن الذي خلق الإنسان والنبـات ليس هو أيضـا الذي دبر لهمـا هذا المـاء بدورته المعقدة من مخـازن تحفظه إلى أنهـار يسـوقهـا الخالق إليه في أماكنه بحيث يكون بهذه الوفرة و هذا التكوين.. ثم نأتي إلى دعوة الخـالق إلى رؤية الطـاقة التي يحتـاجهـا الإنـسـان... و لا قدرة لأحـد أيضـاً على ادعـاء أنهـا دبـرت هكذا بدون خـالق أو أن الذي دبـرهـا ليس هـو الذي خلق الإنسان و دبر له هذا العطـاء و هذا المعين الذي لا ينضب من الطاقة و مصادرها الطبيعية من شمس و خصائص.. إذا نحن مخلوقون ومدبر لنـا كل شيء بيد خـالق واحد رتب لنا كل شيء..بدايتنـا و غذائنـا و مـائنـا و مـصدر طـاقتنـا في دورة وحد ذات أركان متصلة.. وأن ليس لنـا فضل في أي من هذه الأمور سـوى حـرث الأرض ببذورهـا، و لكن المنى و المـاء و النمـاء و الطاقة كلهـا من أمـور و شئون الخـالق وحـده في منحها و منعها كما تبينه هذه الآيات... هل هنـاك منطق يـحتكم إليه العقل البشرى أعلى من هذا المنطق حتى نقـر بخـالقنـا أو أن لنـا خـالق واحد أحد... و هل لنـا بعد هذا المنطق و هذه الرسـالة إلا أن نـقـر بآيـات القرآن و نسبح بعظمـة منزلهـا.. و هكذا تنتهي هذه الآيـات أو الإثبـاتـات و الدلالات أو الاستفسارات الأربع بوجوب هذا التسليم و التسبيح لرب العـالمين الخـالق العظيم
( فسبح باسـم ربـك العظيم )
... إنـه إعـلان رباني لا يتطـاول إليـه أحـــد، جـاء في خـاتم الرسـالات و لن تـراه في زبور أو تـوراة أو إنجيل أو أي كتـاب، إن المسلم حين ينحني أمـام الله في ركوعه أثناء صـلاته و يقول سبحان ربى العظيم، عليه أن يستشعر عظمة الله التي جـاءت بهـا هذه الآيـات، فهـو منشئه من مني معجز ومقدر حياته وموته، و هو الذي هيئ له طعامه من حبوب و ضع أسرارهـا و أرض سن لهـا قوانينهـا، و هو الذي وفر له هذا المـاء العذب بعد رحلة دبرهـا بقدرته و حكمته، و هو الذي و فر له الطاقة التي يحتاجهـا ليستمتع بقوته..هو الواجد لكل هذا و مـا لنـا في كل هذا التدبير من شيء.. ثم هو القادر على حرمانه من كل هذا... فلهذا يقول بكل الإيمان و العلم.. سبحان ربى العظيم.
و يلي هذه الآيــات قـسم من الخـالق بمـا نـراه في خلقـه أيضـاً على صـدق هذه الرسـالة و أن هذا الكتـاب قـد جـاء من عنده بقول الحق.
فـلا أقسم بمواقع النجوم، و إنـه لقـسم لـو تعلمـون عظيم، إنـه لـقـرآن كـريم، في كتـاب مكـنون، لا يمـسـه إلا المـطـهرون، تـنـزيـل من رب العـالمين.
نقف عنـد قـسم الخـالق بمواقع النـجوم، فالنجوم أجـسام غـازيه تـجـرى بهـا تفـاعلات شتى منذ نـشأتهـا من إشعـاع يتحول إلى مـادة أو مـادة تتحـول إلى طـاقة و إشعـاع بحسب مـراحل عمـرهـا و تكوينهـا... و تقف العلوم الطبيعية عـاجزة عن معرفة و تفسير نـشأة هذه النجوم إلا أنه من المفترض أن يكون لهذه النجوم عند نضجهـا نفس تكوين الشمس من غـاز الهيدروجين.. وفي مـرحلة نـشاط النجم تنطلق منه طـاقة هـائلة حيث يحدث اندمـاج ذرات الهيدروجين لتكون ذرات غاز الهليوم الخامل ذو الكتلة الأقل و يتـحول فرق الكتلة إلى تلك الطـاقة الهائلة التي تظهر النجم مضيئا رغم بعده السحيق عنا.. و تـأخذ كتلة النجم في التنـاقص حتى يتلاشى و ينتهي النجم بعد عمـر محدود..http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/10/star_2.jpg و في الكون الآن بـلايين البلايين من هذه النجوم التي قد يصل حجم بعضهـا إلي مـلايين المـرات مثل حجم الشمس و هي نجم مجمـوعتنـا التي ندور حولهـا و تعطينـا دفئهـا.. و تعتمد رؤيـتـنــا ليـلاً لهـذه النـجوم على الطـاقة الصـادرة منهـا و التي تـصـل إلينا على هـيئة ضـوء يخترق السمـاء بـسرعته.. كمـا نـرى الشمس نهـارا بالضـوء الصـادر منهـا و الذي يستغرق وصـوله إلينا من الشمس عـشـر دقـائق... و لأن النجـوم من حـولنـا أبعد كثيـرا من الشمس، فنرى أن ضـوءهـا يستغرق زمنـاً أكثر من هذا ونجد أقـرب نجم إلينا يسـتـغرق وصـول ضـوءه إلينـا عدة سـنوات، و هنـاك نجـوم يستغرق وصـول ضـوءهـا إلينـا ملايين من السنوات، بل و آلاف المـلايين من السنوات، هذا لأنهـا على أبعـاد شـاسعة و أن الضـوء سـرعته محـدودة و تـقدر بحوالي 300 ألف كيلومتر في الثـانية الواحدة... والآن مـا معنى أن الضـوء الصـادر من نجم مـا يستغرق وصوله إلينا سنة.. معنى هذا أن هذا النجم يبعد عنـا مسـافة تسـاوى هذه السـرعة مضروبة في عدد الثواني في السنة أي: 300 ألف كيلومتر × 365 × 24 × 60 × 60 .. و يطلق العلمـاء على هذه المـسافة تعبير ( سـنة ضـوئية ) .. فمعنى أن يـبعد النجم عنـا مليون سنة ضـوئية هـو أن هذا النجم كان في هذا الموقع منذ مليون عام عندما أرسل إلينا ضـوءه و استغرق الضوء هذه الفترة ليصل إلى عيونـنـا... أمـا عن مـوقع النجم في اللحظة التي وصل ضوءه إلينا فـلن تصـل إليه علومنـا و قدراتنـا... و هناك نجوم يستغرق وصول ضوءهـا بلايين السنين.. فـلا قبل لنـا أن نعرف مواقع هذه النجوم بالنسبة لبعضهـا لأن رؤيتنـا لهـا تعتمد على مـا وصلنـا الآن كل بحسب بعده وتـوقيت إرسـال ضـوئه إلينا و إن تـزامن وصـول ضـيـائهـا جميـعـا إلينـا في اللحظة الراهنة.. و من الممكن أن تكون معظم هذه النجوم قد تلاشت أو تبدلت أو بعدت أو اقتربت.. و لكن قدرتنـا محدودة لاعتمادنا على مـا تراه أبصـارنـا على ضـوء يسير بسرعة محـددة
إن معرفة مـواقع نجـوم في أي لحظة وهى على هذه المـسـافـات الشـاسعة والمختلفة شيء بعيد عن قدرة البـشـر، و لهذا جـاء الحرف لـو للدلالة على قـصور قدرة البشر عـن العلم بمواقع النجوم و هذا في قـوله سبحـانه ( و إنه لقسم لو تعلمـون عـظيـم ).. فالحرف لـو هـو حرف يفيد التمني فقط و قد جـاء بعلم خـالق الإنسان الذي يعرف خـلقه... فهي تمثل بالنسبة للإنسان الغيب و الحـاضر في آن واحد.. و لكن الله يرى خلقه و لهذا يقسم بمـا يعلمه و هو أعلم بعظمته.. فهو عـالم الغيب و الشهـادة العزيز الرحيم..
إن التدبـر في هذا القسم و بحدود مـا وصلت إليه عـلومنـا في التعرف إلى بعض الأسـرار في هذا الكون... نجد في مواقع النجوم على تلك الأبعـاد الشـاسعة التي لا يمكن أن يعيهـا أو يستوعبهـا عقل البـشـر إعجـاز و إعجـاز... وكيف يستوعب العقل بلايين السنوات الضـوئية زمنـاً و أبعـاداً.. إن أعمـارنـا بل وعمـر الأرض التي نحيـا عليهـا ثم أبعـادنـا بل و أبعـاد الأرض التي نحيـا عليهـا ونتصـارع من أجل بضعـة أمتـار عليهـا لا تمثل إلا أتفـه الكسـور التي لا تذكر من تلك الأبعـاد و الأزمـان... ثم كيف تنتظم هذه النجوم في هذا الشكل البديع الذي نـراه في هذا الكون فيخيل لنـا أننـا نراهـا هـادئة مستقرة متراصة و حقيقتهـا لا يعلمهـا أحد إلا خـالقهـا.. من منهـا انتقل من أقصى الـشرق إلى الغرب و من منهـا انتهى عمره فتبدد و من منهـا اصطدم بغيره فتوالد عنهمـا نجوم أخرى وكواكب و مذنبات و أعـاصير كونيه لا نعلم عنهـا شيئـا ... لهذا جـاء هذا القسم الإلهي ليدلنـا على صـدق المقـسوم بـه كمـا يضعنـا أمـام حقيقة أنـنـا بعلومنـا قاصرين عن أن نعرف كل شيء.. ولهذا وجب علينـا التسليم فيمـا لا تستطيع أن تسـتوعبه أبصـارنـا و عقولنـا لقول الله الذي يأتي في الآيـات التـالية بأمـور غيبية عن الروح و الجنة و النـار... هذا القرآن جـاء تنـزيـل ممن سبق علمه و رؤيته كل العلوم و الأزمـان و الأكوان... لمن هم قـاصـرين في علومهم و رؤيتهم و محدودين بزمانهم و أبعـادهم و قدراتهم حتى يتيقنوا من هذا البيـان
و الآن، هل نستطيع بعد أن وصلت علومنـا إلى مـا وصلت إليه، أن نأتي بكلمـات مثل هذه الكلمـات الواضحة في إشاراتهـا و تعبيرهـا و علمهـا و شمولهـا و بساطتهـا و مغزاهـا و منطقهـا و بيانهـا و بلاغتها و قوتها و ترتيبهـا بحيث يفهمهـا الجميع ويؤمن بهـا الجميع... على تفاوت علومهم و مداركهم و تخصصاتهم و عصورهم.. الإجـابة معروفة
فبأي حـديث بـعده يـؤمـنون
يمكن المراسلة على البريد التالي:
[email protected] (
[email protected])
القلب الحزين
10-12-2013, 09:27 PM
تأملات إيمانية ـ قضية الاستنساخ
بقلم الدكتور حسين اللبيدي
مدير مستشفى وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة
وعضو جمعية الإعجاز العلمي بالقاهرة وجنوب الوادي
إن قضية الاستنساخ من القضايا الخطرة وخصوصاً في ميدان العقائد عندما يدخل فيها تلبيس إبليس، فهي قضية يطل منها وجه الشيطان القبيح، وهذه القضية تحتاج إلى إمعان فكر، فهيا بنا تتابع أسرار هذه القضية وتلبيس إبليس فيها.
1- عندما لاحظ العلماء أن خلايا الجنين بعد عدة انقسامات تبدأ في التمايز، فهذه تعطي جلد وتلك تعطي عظم … وهكذا، وكان العلماء يعلمون أن الخلايا الأولى تحتوي في أنويتها على كل صفات الكائن (كل الجينوم).
وهنا سأل العلماء ماذا يحدث لبقية الصفات داخل النواة عندما تتمايز الخلايا ؟
2- للإجابة عن هذا السؤال قام العلماء بنزع نواة خلية متمايزة (جلد مثلاً) من حيوان أبوزنيبه ووضعوها بدلاً عن نواة بويضة ضفدع بالغة غير مخصبة وتركوها تنمو فماذا وجدوا ؟
لقد وجدوا أمراً عجباً وجدوا أن هذه الخلطة أعطت أبوزنيبة كامل وكان ذلك سنة 1952، وعندها عرف العلماء أن نواة الخلية المتميزة (جلد أو عظم أو غير ذلك) تحوي في نواتها كل الصفات التي توجد في نواة النطفة الأمشاج دون نقص أو خلل، ولكن بعضها يكمن والبعض الآخر ينشط. ومن هذا الوقت وجهد العلماء لم يتوقف في هذا المجال الذي انتهى بمولد النعجة دللي.
فنواة أي خلية في الجسم (ما عدا الجنسية) تحتوي على كل الصفات (الجينات) فهي نسخة مكررة للنطفة الأمشاج، ولكن خلق أحداث في الخلية في نهاية النطفة يجعل بعض الصفات تكمن وبعضها ينشط أو يستمر نشيطاً.
فإذا أخذنا نواة أي خلية متميزة ووضعناها في وسط سيتوبلازمي لنطفة مؤنثة (أي بويضة غير ملقحة ومنزوعة النواة ) فإن المجموع سيشكل نطفة أمشاج كالتي بدأ منها الجنين، وتعود كل الصفات للنشاط والعمل كما لو كانت (الزيجوت) الأول أو النطفة الأمشاج الأولى، وبعدها تخلق أحداث تميزها إلى علقة فمضغة فعظام… ألخ.
وباختصار العملية ما هي إلا وضع نطفة أمشاج مخلوقة لله وجاهزة مسبقاً في رحم مجهز لذلك ليتم بعدها تخليق الجنين بإذن الله خلقاً من بعد خلق، وكل أفعال العلماء -وهم عباد الله - تدور حول منطقة النطفة لا تتعداها وكل أفعالهم ما هي إلا عملية تؤدي إلى تصيير نطفة أمشاج في رحم مجهز لاستقبالها فهي عملية نقل أو تحويل لا خلق فيها وتدخل تحت مسمى (الجعل).
وهذه التجارب قد تمت في الحيوانات الدنيا وأخيراً في الثدييات، وقد لا تنجح في الإنسان لخصوصيته ولكن لو فرضنا جدلاً أنها ستنجح في الإنسان، فهل سيعتبر ذلك تدخلاً في الخلق؟
أقول: لا، بل تدخل أيضاً تحت مسمى الجعل الذي ذكره الله في الآية مرتبطاً بمرحلة النطفة الأمشاج في الآية التي بدأت كما يأتي:
(ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) والسلالة من طين هنا مقصودبها سلالة من آدم كما جاء في الطبري وغيره، وبعدها قال الحق: (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) فبملاحظة (ثم) هنا وبملاحظة الفعل (جعل) وربط ذلك بالنطفة الأمشاج يمكن أن نستنتج أن المقصود هنا هو أحوال تخليق الجنين بعد آدم وأنه يبدأ بتصيير النطفة الأمشاج لتستقر في الرحم المقدر لها مجرد نقل وتصيير وبعدها تُخلق أحداث لم تكن موجودة تحول الخلية الواحدة أو الخلايا المتعددة المتشابهة تماماً إلى خلايا متباينة في أنسجة مختلفة ومتداخلة في كائن غاية في الإبداع ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.
ومن الإعجاز الباهر أن تأتي الآية في هذا التركيب:
(ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
وفيها ارتبط طور النطفة بالجعل وباقي الأطوار بالخلق ، حتى إذا جاء العلماء في آخر الزمان وجهزوا في المعامل نطفة أمشاج من أجزاء حية مخلوقة لله ثم نقلوها إلى رحم قابل لها فإن ذلك لا يعتبر تدخل في الخلق بل هي خطوة يسمح بها الفعل (جعل).
وفي الحقيقة فإن الله خالق الصانع والصنعة والمصنوع خالق كل شيء والله خلقكم وما تعملون.
ولكن أليس في هذه التجربة فتنة للعامة ؟
أقول: نعم، ولا، كيف ؟
نعم: لأن إبليس وأعوانه من الملاحدة سيصيحون ها هو الإنسان قد بدأ الخطوات الأولى لخلق الجنين، أو يقولون: أن الإنسان تدخل في شأن من شئون الله أو ملائكة الله كما تقول الأديان، وهم بذلك يريدون أن يلبسون الحق بالباطل لتهتز عقائد المؤمنين.
ولا: لأن المؤمن المتمسك بكتاب الله الحق وبمعجزته الخالدة المحفوظة القرآن وبسنة المصطفى سيجد فيهما ما يحصنه ضد الشكوك ويقيه من الزيغ أعاذنا الله منه.
وكما بينا بطريقة علمية أن الأبحاث كانت في حدود لا يمكن أن تسمى (خلق) بل هي عملية (جعل) وأن العلماء لم يخلقوا شيئاً بل استخدموا مخلوقات لله جاهزة(أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ) وتحت كل الظروف فالكتاب والسنة قد حسما هذه القضايا وما يجد فيها بأن الله سبحانه خالق الصانع والصنعة والمصنوع، وأن كل أفعال العباد مخلوقة له سبحانه وتعالى. خالق كل شيء ومع أن التزاوج بين الذكر والأنثى مقدمة لتخليق الجنين بإذن الله فإن قضية التزاوج قضية لها شخصيتها المستقلة، فقد يحدث تزاوج لا يؤدي إلى تخليق جنين وقد يحدث تكوين جنين بلا تزاوج (وهو شيء معروف في علم الحيوان ويسمى بالتكاثر العذري ).
فقضية التزاوج أو الزوجية تشير إلى آية تجعل العقل المؤمن يتساءل:
من الذي قدر للزوج زوج يسكن إليه لتكون بينهما مودة ورحمة ؟ ومن الذي قدر في أحدهما نطفة مذكرة فيها نصف عدد الصفات وفي الأخرى المؤنثة النصف الآخر ؟ ومن الذي جمع بينهما في لقاء فيه مودة وعلاقة ممتدة فيها رحمة ؟.
فالزوجية آية، وتخليق الجنين آية أخرى والربط بين الآيتين آية ثالثة، لأن فيهم معنى الامتداد (الأبناء من الأصلاب ) وبأمشاجها تقوى وتتباين الصفات (صفات الأم وصفات الأب).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/blastocyst372.jpg صورة للنطفة الأمشاج
وما يسمح الله من بحوث علمية يترتب عليها أحداث من خلق الله أو ظواهر في الخلق تخرق العادة إلا لحكمة، كما أشار القرآن إلى خلق آدم بلا أم ولا أب وخلق حواء من آدم بلا أم، وخلق عيسى بلا أب ، وكما أظهر سبحانه لصاحب الحمار العظام المبعثرة وهي تنشز ثم يكسوها اللحم من العدم لتدب الحياة في الحمار بلا مقدمات بلا تزاوج أو أجنة، وكما شهد إبراهيم عليه السلام الطير المقطع وقد اتصلت أجزائه ودبت فيه الحياة بإذن ربه.
وكذلك لا يحدث شيء بمشيئة الله إلا ويحمل آية ، فهل في الاستنساخ آية ودلالة تعود إلى العقل بمعاني إيمانية ؟ أقول : نعم، كيف ؟
1- أظهر الاستنساخ أن كل خلية متمايزة فيها كل صفات الكائن، فمثلاً خلية الجلد فيها صفات الجلد واللحم والعظم والعصب والدم وغير ذلك، فمن خلق فيها التخصص، ومن رجح صفة بعينها من بين إمكان كل الصفات بنفس الدرجة ؟
2- أظهر الاستنساخ معجزة الذكر والأنثى، فإذا كانت الخلية الأولى كما يقول رجال التطور فيها صفات الذكورة أو الأنوثة مثلاً فكان من المنطق أن تستمر هذه الصفة الواحدة إلى ما لا نهاية فمن الذي خلق الجنس الآخر ؟ وإذا كانت الخلية الأولى لا تحمل أي جنس فمن الذي خلق الذكر والأنثى من لا شيء ؟
3- بين الاستنساخ أنه يمكن أن يخرج من جلد الإنسان مثلاً (برعم) ينمو منه نسخة مثله تماماً فيها كل صفاته (وهناك بعض الكائنات تتكاثر بهذه الطريقة)، فماذا سيحدث لو كان التكاثر في الإنسان بهذه الطريقة من البداية ؟.
حتماً كان ذلك سيؤدي إلى خروج نماذج متشابهة تماماً لنسخة واحدة لجنس واحد ولأدى ذلك إلى خلق بلا معنى بلا هدف بل وبلا وعي في ذلك الكائن المكلف ولكن خلق الزوج المقابل في الإنسان وجعلهما يتزاوجان نتج عنه نماذج مختلفة وألوان شتى شعوباً وقبائل، فظهر الوعي والمعاني والأهداف وأصبح لذلك المخلوق المكلف قيمة راقية، فمن الذي قدر كل ذلك؟ ومن الذي خلق ؟
4- النسخ بين إمكان خروج إنسان من غير أب بمعنى أن ذلك من الممكنات العقلية، فأبطل بذلك إدعاء من قال بتأليه عيسى لأنه خلق من غير أب.
5- النسخ قدم دعماً عقلياً للحديث الصحيح الذي أشار إلى أن كل إنسان سيبلى بعد تحلله إلا جزء صغير من عظامه يسمى ( عجب الذنب ) وهو يشبه ذرة من خردل (حجم خلية واحدة) سيخرج منها نسخة طبق الأصل من الإنسان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب) ولأن الخلية المذكورة في الحديث الصحيح خلية عظم متمايزة، بمعنى أنها تحمل صفة جزء من كل ، فكيف يمكن أن يخرج منها كل الإنسان ؟ وعندما أثبتت أبحاث الاستنساخ أن كل خلية في الجسم حتى خلية العظام تحمل في نواتها كل الصفات اللازمة لإنشاء إنسان كامل قدمت بذلك دلالة علمية ودعماً يدل على صدق الرسول.
وأخيراً فإن ما تناولت في هذا البحث هو القسم الخاص بالعقيدة في قضية الاستنساخ، أما القسم المتعلق بالشريعة (الحلال والحرام) فهو مجال علماء الشرع وهو الجانب الآخر من جوانب القضية .
ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين .
خلاصة قضية الاستنساخ
قد لاحظ العلماء منذ عهد قريب حقيقة بيولوجية هي: أن الجنين يبدأ بخلية واحدة تسمى خلية الزيجوت أو النطفة الأمشاج، ومعنى نطفة قليل من سائل أو قطرة حرة الحركة، ومعنى أمشاج أخلاط فيكون معنى (النطفة الأمشاج) هو شيء سيال حر الحركة مكون من أخلاط وهذه الأخلاط هي محتويات (الحيوان المنوي + محتويات البويضة) وهذا هو الزيجوت الأول أو الخلية الأولى التي تنقسم داخل أنبوب الرحم فتصبح مجموعة من الخلايا المتشابهة تماماً على هيئة كرات صغيرة متجمعة كل كرة عبارة عن خلية فيها كل صفات الخلية الأولى (الزيجوت) بمعنى أن كل خلية يمكن اعتبارها تكرار أو نسخة مكررة من الزيجوت أو الخلية الأمشاج الأولى وفيها كل صفات الكائن، بمعنى أنها لو فصلت من المجموع لأعطت كائن كامل لا نقص فيه، وبعد أيام تكون قد وصلت إلى تجويف الرحم وعند ذلك تكتسب خاصية العلوق فتتعلق بجدار الرحم ثم تنمو منه في طور يشبه دودة العلق ومن هذه المرحلة يبدأ تمايزها فتظهر عليها أولاً تغضنات مرتفعات ومنخفضات فتشبه قطعة اللحم الممضوغ ويتوالي تمايز الخلايا فتظهر خلايا العظام والعضلات وغيرها من الخلايا المختلفة وقد وصف القرآن ذلك في إعجاز مبهر وقبل أن يعرف العلماء تلك الأسرار بأكثر من ألف عام يقول سبحانه (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين).
وكان هذا الوصف العلمي لمراحل الجنين دليلاً علمياً عالمياً على صدق الرسالة وصدق الرسول وعالمية الدعوة.
وقصة الجنين تنتهي بتمايز الخلايا إلى خلايا جلد وخلايا عظام وعضلات وخلايا مخ ودم وغير ذلك، وتبدو كل خلية لها صفة محدودة تحكمها وكأنها أخذت من الصفات الكلية الجزء الخاص بها فقط .
ولكن المفاجأة البيولوجية الحديثة أن العلماء اكتشفوا أن كل خلية متمايزة (متخصصة) تحمل في نواتها كل صفات الكائن الحي بمعنى أن خلية الجلد أو العظام مثلاً فيها صفات الجلد والعظم والمخ والدم وكل شيء بحيث تحمل كل خلية كل صفات الكائن الذي تنتمي إليه من البداية إلى النهاية، ولكن بعض الصفات في حالة كمون والأخرى في حالة نشاط، وبمعنى آخر أن نواة كل خلية متخصصة هي نسخة مكررة لنواة النطفة الأمشاج أو الزيجوت بمعنى أن الصفات داخل خلية العظام مثلاً صورة طبق الأصل للصفات داخل النطفة الأمشاج الأولى (الزيجوت) وينطبق ذلك على كل خلية متخصصة ما عدا الجنسية .
وهنا سأل العلماء هذا السؤال :
ماذا لو هيئنا لهذه الأنوية الناضجة أو المتخصصة ظروف تشبه ظروف الزيجوت أو النطفة الأمشاج الأولى وذلك بوضع نواة خلية جلد مثلاً بدلاً من نواة بويضة من نفس النوع وتهيئة الظروف والأحوال لحياتها؟
وكانت المفاجأة أن هذه الخلطة أو هذا (المشج) نتج عنه خلية مطابقة تماماً لخلية (الزيجوت) أو للنطفة الأمشاج التي بدأ منها تخليق الجنين وعندما نقلت إلى الرحم قبل مرحلة العلقة تعلقت به وتتابعت بعدها أطوار الجنين من علقة إلى مضغة إلى غير ذلك حتى نشأ حيوان كامل مصابق لصفات الكائن الذي أخذ منه، وهذه هي قضية الاستنساخ التي قام بها بعض العلماء فقامت الدنيا ولم تقعد ووقف بعض العلماء يلعنون من قام بها ويطالبون بالحرمان والقصاص مع أن العلماء لم ولن يخلقوا كائن حي، وكل ما عملوه أن أخذوا مخلوقاً لله (نواة خلية) ووضعوها في مخلوق لله (سيتوبلازم بويضة) في عملية خلط ونقلوها بعد ذلك إلى رحم مخلوق لذلك ومنها بدأت مرحلة الجنين كالمعتاد وهي أبحاث محدودة على الحيوانات ولم تُجر على الإنسان، ولو فرض جدلاً أنها نجحت على إنسان (بمشيئة الله) فهي لن تعني خلق بل هي فقط (جعل) بمعنى تصيير أو نقل (نطفة أمشاج) إلى رحم معد لها مجرد (جعل) أما مراحل تخليق الجنين بمعنى (خلق) إحداث من العدم فهي من شئون الخلاق العليم .
ولو درس العلماء إعجاز القرآن المتمثل في الآية 14 سورة المؤمنون لاستراحوا وأراحوا فهيا بنا مع كلام الله الخالد الباقي المحفوظ ومعجزته العالمية لنحسم القضية ونستريح فيها.
( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين).
نلاحظ هنا أن الحق سبحانه استخدم مع مرحلة النطفة (الأمشاج) الفعل (جعل) ومع بقية المراحل الفعل (خلق)، ومعنى (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) أي صيرناه أو نقلناه إلى مكان مخلوق لله ليتم فيه عملية التخلق ألا وهو الرحم، وسواء نقلت النطفة بالطريق المعتاد بحقن الذكر للسائل المنوي ليلتقى بالبويضة في أنبوب الرحم أو حتى في أنبوب المعامل فالفكرة واحدة تنتهي بتكون النطفة الأمشاج التي تنقل بعد ذلك أو تصير إلى داخل رحم معد لها، وكل ذلك يدخل تحت الفعل (جعل)، وأما بقية المراحل والتي تبدأ بتعلق الجنين في الرحم أي مرحلة العلقة فهي مراحل يتم فيها خلق أحداث لم تكن موجودة وهذه الأحداث المخلوقة هي التي توجه الخلايا الجنينية المتشابهة تماماً للتمايز والتخصص مرحلة من بعد مرحلة في خط يتصاعد إلى خلق كائن متكامل بأجهزته وتراكيبه المتخصصة والمعقدة والمتداخلة، ولذلك أخذت هذه المراحل في القرآن الفعل (خلق).
وكأن الحق - والله أعلم بمراده_ قد أعطى الضوء الأخضر لأبحاث التلقيح الصناعي وطفل الأنابيب وغير ذلك من خلال الفعل (جعل) مع مرحلة النطفة والذي معناه نقل أو تصيير مخلوق لله وهو النطفة المذكر أو المؤنثة أو الأمشاج، نقلها إلى مستقرها ومكان تخلقها، مجرد عملية نقل، أما مراحل خلق الأحوال فيها مرحلة بعد مرحلة فهذه شأن من شئون الخالق لا دخل لمخلوق فيها ولذلك أخذت الفعل (خلق) في الآية.
وهذا منتهى الإعجاز وحل الإشكال من الناحية التي تمس العقيدة، أما ناحية سوء استخدام النتائج العلمية فهي قضية أخرى تخضع لتقنين المشرع على ضوء من شرع الله في حلاله وحرامه وهذا عمل الفقهاء .
يمكن التواصل مع الدكتور حسين اللبيدي على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
10-12-2013, 09:39 PM
الحمدلله أتممت الموضوع المتفرع من الموسوعه
تأملات قرآنية
وعدد المعجزات 20معجزه تبدأ من صفحة125
وتبد المعجزات من رد رقم1242حتى تصل إلى 1278
صفحه رقم 128
وبعض المعجزات طويلة جداً ونُسق لتقسيم المعجزه من موضوعين إلى ثلاثة مواضيع لان مساحة الرد لا تكفي
وإن شاء الله غداً سوف أبد بالموضوع الجديد ...
شبهات وردودوهذا الموضوع مهم للغايه
والموضوع طويل شوي
ادعو لي بأتمامه
أنتظروني ... وإن شاء الله يعينني على تكملة الموسوعه
كل احتــــــــــــــرامي للجميع دون أستثناء
القلب الحزين
11-12-2013, 06:22 PM
من هنـــا يبدا موضوع
شبهات وردود
.........
أوهام - منهزم - حول الإعجاز العلمي
بقلم الأستاذ هشام طلبة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1260216830002405.jpg
غلاف كتاب الإنجيل والقرآن والعلم باللغة الانكليزية للبروفسور الفرنسي المسلم موريس بوكاي
باحث وكاتب إسلامي ـ مصر
كأن جسد الأمة به موضع لم يرم أو يطعن بعد.. كأن لدينا فسحة لحرب داخلية عدا الحرب التى نتعرض لها خارجياً من كل صوب وإذا بكاتب نترفع عن ذكر اسمه يشن حملة من مقالات كتاب عن الإعجاز العلمى فى القرأن الكريم واصفا إياه بأنه "وهم" و أكذوبة و نصب وبهلوانية و سرطان و غير ذلك.
و قد أعزى ذلك الكاتب ظهور ما أسماه بـ " وهم الإعجاز العلمي " إلى عقدة النقص عند المسلمين ولكونهم – كما أردف بفظاظة فى مؤخرة العالم " و نتحجج بأننا أكثر عفة و طهارة من غيرنا و هو محل شك " !!
و حظائر الخنازير فى أوروبا أكثر نظافة من بيوت كثيرة موجودة فى بلادنا !!
هكذا تكون الهزيمة النفسية فالمسلمون عنده لكونهم متعطشين لأى تفوق يتشبثون بأهداب هذا : الوهم " و لتعويض مركبات نقص مجتمعاتهم المتخلفة حسب زعمه أى ان المسلمين فى حالة هزيمة نفسية و الحق انه أول المهزومين على عكس مايدل اسمه بدليل تبريه من كل ثوابتنا تقريبا و امتهانه لها فالقرآن لم يصفه بأنه كريم إلا نادراً و حين يستشهد منه ترى الآيات القرانية مكتوبة بنفس حجم " فنط " بقية الكلمات ولا ذكر لكلمات مثل ( قال تعالى )... ومن أدلة هزيمتة النفسية كذالك و خروجه على الثوابت أنه لم يكتف بالطعن فى " الإعجاز العلمى" كما يتضح من عنوان كتابه بل إنه بعد صفحات قليلة يوسع دائرة الهجوم فتطال السنة المطهرة. فالأحاديث النبوية عنده ليست ملزمة فى شىء و يجب أن تؤخذ على أنها تاريخ و تخالف العقل و التطور ثم طالب فى آخر كتابه العلماء بإعادة تنقية الأحاديث النبوية خاصة تلك التى فى البخارى الذى يحوى حسب زعمه أغلب الأحاديث التى تخالف العقل ثم ينزل الكاتب دركة بزعمه أن آيات القران الكريم تتحدث إلى المجتمع الذى نزلت فيه فحسب. و أنه مع السنة النبوية يتماشى مع ثقافة أهل زمانه فقط.
ثم نزل الكاتب الى الدرك الأسفل حين يشكك القارئ فى القران الكريم نفسه بخبث شديد إذ يذكرالمطعن أو الشبهة فى القرأن الكريم ثم يسخر من رد العلماء الذى يذكره مبتوراً مثل ذكره لقوله تعالى { و يعلم ما فى الأرحام} [ لقمان 34] رافضا بل ساخراً من أى تفسير يوسع دائرة المعرفة عن كون الجنين ذكراً ام أنثى ولا يدرى هذا الكاتب دارس الطب أن الجنين حتى الاسبوع الثامن لا يمكن أن يعلم نوعة فحسب بل إنه حتى ذلك الوقت ( الأسبوع الثامن) لا يمكن التفريق و لو تشريحاً بين جنين الإنسان و أربعة كائنات أخرى و نحيل ذلك الكاتب فى هذا الأمر إلى دائرة معارف " فان نوستراندز العلمية van nostrand scientific Encyclopedia " باب " الجنين embryo" و هى موجودة فى مكتبة القاهرة بالزمالك إن أراد التثبت ولا يفوت ذلك الكاتب السخرية من الطب النبوى و خاصة ما أسماه " جهل العلاج بالحجامة" و نسى المعاهد المتخصصة لها فى ألمانيا و أمريكا. ثم يسخر بعد ذلك من أى اعجاز فى مجال مراحل تكوين الجنين زاعما ان القابلات و الأمهات قد لاحظن هذة الملاحظات البسيطة أثناء الإجهاض !!
ألا يدرى ذلك الطبيب أن خمساً من مراحل تكوين الجنين الست التى ذكرها القرآن الكريم تكون فقط حتى الأسبوع الثامن و أن وزن الجنين حينها لا يعدوا خمسة جرامات. ألا يعلم ذلك الطبيب أن علماء الغرب لا القابلات و الأمهات حتى القرن السابع عشر الميلادى لم يذكروا أساساً أية أطوار فى تخليق الجنين و كانوا يظنون أن فى رأس الحيوان المنوى قزماً صغيرا إنسان كامل التكوين يكبر فى الرحم شيئاً فشيئاً ؟ يجب علينا إذا ً أن نُنبّه كبار علماء الأجنة الغربيين - الذين أسلموا نتيجة هذة الفقرة تحديدا - إلى ما أشار إليه ذلك الكاتب الطبيب من أن القابلات و الأمهات كن على علم بمراحل تكوين الجنين !!
ومن أهم هؤلاء عالم الأجنة الأمريكى د / " كيث مور " و ليرجع ذلك الكاتب الطبيب إلى كتاب العالم سالف الذكر " تطور الانسان " يجب إذا ً أن نعلم هؤلاء أنهم قد أخطأوا بإسلامهم و أن علم القابلات سابق لعلمهم !!.
أما أبشع ما فعله ذلك الكاتب فتشكيكه فى المصدر الإلهى للقران الكريم مستخدما مصطلحات و أدوات غلاة المستشرقين من أمثال " الحداد " و " لويس شيخو " فاستشهد مثلهم بأبيات عربية شديدة الركاكة زعموا انها سابقة للإسلام و أنها من مصادر القرآن الكريم هى و الأساطير السومارية و البابلية و الفرعونية و الكتب المقدسة الأخرى. و نسى أو تناسى أنه لا يخلو كتاب واحد من الكتب السالفة الذكر من تفاصيل عديدة غير منطقية و تخاريف لا نجد أيا ً منها فى القرآن الكريم { أفلا يتدبرون القراّن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراَ} [النساء :82] ثم أنى له صلى الله عليه وسلم بعلم تلك الكتب و هو الأمى صلى الله عليه و سلم ؟ كما أن هذة الكتب لم
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1246896665124689563751qjadhjxtl.jpg
يعتبر البرفسور كيث مور أشهر عالم أجنة وتشريح على مستوى العالم وكتابه تطور الجنين هو المرجع العلمي الأول لعلم الجنين في كليات الطب في جميع أنحاء العالم والذي شارك الشيخ عبد المجيد الزنداني حفظه الله في إعداد هذا البحث القيم فجزاهم الله كل خير (غلاف كتاب تطور الجنين ـ كيث مور)
يجدها أصحابها إلا على مدى قرون و قد كتب بلغات شتى ووجدت فى أماكن عدة و كان أغلبها مخفيا ً و مخطوطات لم تكتشف إلا حديثاً. ثم يفتن ذلك الكاتب القارئ فى قوله تعالى { و الشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم }[يس: 38] زاعما ً أن الشمس لا تجرى لأن الأرض هى التى تجرى حول الشمس ولا يعلم ذلك الكاتب أن الشمس تتحرك فعلاً حول ما يسمى " بمستقر الشمس" " النسر الواقع" ولا نشعر نحن بهذة الحركة لأن الارض هى و بقية الكواكب تتحرك مع الشمس نفس الحركة و هذا لا يتناقض مع حركة الأرض حول الشمس و ليرجع فى ذلك إلى عمل " د : موريس بوكاى " الأكاديمى الفرنسى المهتدى للإسلام و هو كتاب التوراة و الإنجيل و العلم الحديث " بعد ذلك يتطاول على "ماء زمزم" فيقول : إن فائدته الطبية فيها شك مؤكد !!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء زمزم " خير الماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام من الطعم و شفاء من السقم "ثم يقول عنه هذا إن فائدته فيه شك مؤكد و يقول إن جزيئات الماء فى كل العالم مكونة من ذرات الأكسجين و الهيدروجين و كأنه لم يسمع بالمياه المعدنيه و فوائدها و أنواعها ( فقيرة أو متوسطة أوغنية بالمعادن ) و ماء زمزم من أشد ( إن لم يكن الأكثر) أنواع المياه غنى ً وتنوعا ً بالمعادن وهى تزيد فى ذلك على ماء " إيفان " الشهير ( خاصة فى الكربونات) و إذا كان الماء العادى كما اكتشف العالم اليابانى " إيموتو" عام 1999 م يتأثر وجدانيا ً بما يقال له عند تناوله فلماذا نستبعد أن يكون لماء زمزم الذى لم ينضب عبر اّلاف السنين أن يكون به خواص أخرى كهربية أو غيرها ذات فائدة؟ و لنتساءل : ما الذى جناه ذلك المتجاوز مما كتبه بدءا بتسفيه العلماء من الشعراوى إلى د. زغلول النجار - الذى نال النصيب الأوفر من الهجوم - وغيرهما كثير مع استخدام كلمات و ألفاظ يعاقب عليها القانون كالنصب و البهلوانية و " الدعبسة " فى القرآّن الكريم و العبث فى اللحية و أصابع القدم و تفلية رأس الجار و تراكم الثروات بالمليارات ؟
و ليسأل هذا الكاتب كم يتقاضى د. زغلول من الأ هرام رغم أن مقاله يوم الإثنين يرفع بيع الجريدة إلى رقم عدد الجمعة الأسبوعى. أما هيئة الأعجاز العلمى فى السعودية التى يقول إنها تسرطنت و صارت مافيا تتحدث بالمليارات !! فلا تزيد ميزانيتها السنوية ( القائمة أصلاً على التبرعات) على المليون ريال لكل مكاتبها فى العالم أى أن الباحث فيها ينفق من ماله الخاص على البحث العلمى المكلف الذى يلومنا ذلك الكاتب على عدم سبقنا الغرب فيه فإن استشهدنا بما اكتشفة الغرب و الفضل ما شهد به الأعداء قال ذلك الكاتب و أمثاله : لماذا لا تبتكرون أنتم؟ إن حدث و توافر لنا مورد مالى لبحث قال : من يضمن لى أنكم صادقون؟ و أخيرا ً يجب أن نتساءل عن الهدف من هذا الكتاب و توقيت خروجه فى ظل هجوم أمريكى شرس على الإسلام و أهله:
* هل الهجوم على الإعجاز العلمى لأن العديد ممن يسلمون – خاصة فى الفترة الأخيرة -أسلموا من هذا الباب ؟
* هل لهذا علاقة بما أسمته الإدارة الأمريكية " التغيير فى الإسلام " بما شمله من هجوم لتغيير المناهج إلى ظهور كتاب " الفرقان الحق" المزيف للقراَن الكريم إلى إمامة المرأة الرجال فى الصلاة إلى هجوم " زكريا بطرس" على الإسلام و القرآن الكريم فى محطته الفضائية بدعم الأمريكان إلى انتشار التبشير فى العديد من بلدان العالم الإسلامى على أسنة الرماح الأمريكية؟
* هل لهذا علاقة بمركز التضليل الإعلامى الذى أنشأتة وزارة الدفاع الأمريكية و الذى يهدف إلى تجنيد إعلاميين عرب و مسلمين. * هل لهذا علاقة بإدارة " ليزتشينى" فى الخارجية الأمريكية التى تتبنى " حرب الأفكار" و تقرير مؤسسة "راند" عن "الإسلام المدنى الديمقراطى" ( الذى طالب بدعم الصحفيين الذين يهدمون و يهاجمون الشخصيات " الرموز" الإسلامية) ؟
* هل لهذا علاقة بالمعهد الإسلامى التقدمي ( مركز التعددية الإسلامية ) الذى أنشأه المتطرف " دانيال بايبس" ؟
* هل لهذا علاقة بحب الظهور والشهرة ليكون مثل صهره؟ و الحق إن هذا الكاتب قد كشف عن نفسه حين قال " وهم ما لهم و مال تحليل و تحريم التعامل مع مجلس الحكم العراقى ؟ "
{ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون} [ الأنفال : 36] { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم و يأبى الله إلآ أن يتم نوره ولو كره الكافرون } [ التوبة :32]
إعداد / هشام محمد طلبة
كاتب وباحث إسلامي
يمكن إرسال تعليقاتكم على المقال على الإيميل التالي:
[email protected]
http://albesharat.net (http://albesharat.net/)
القلب الحزين
11-12-2013, 06:24 PM
رد الشبهات حول علم الأجنة في القراَن والسنة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12179300592294096613_18162df52e.jpgد. مصطفى عبد المنعم
أستاذ علم الأجنة والتشريح
كلية الطب-جامعة طيبة- المدينة المنورة
بمشاهدة المناظرة الرائعة التي كانت قد عقدت عام 2000 بين الدكتور/ وليم كامبل والداعية المسلم الهندي الرائع الدكتور/ زاكر نايك عن الإعجاز العلمي في الكتب السماوية ثم بدراسة مقالة مطولة بنيت على دراسات للدكتور وليام كامل عن الإعجاز العلمي في القراَن الكريم ونشرت في موقع (www.bible.ca) اتضح أن المعلومات التي جاءت في كلٍ من المناظرة والمقالة بنيت على كتاب منشور للدكتور وليم كامبل في نفس الموضوع. وأن هناك عدداً من الشبهات التي تم إثارتها حول الإعجاز العلمي في علم الأجنة.. وإن كان بعضها لا يقتصر على علم الأجنة ولكنه ينسحب على مجمل مواضع الإعجاز العلمي في القراّن الكريم والسنة المطهرة.. بل على مجمل رسالة الإسلام. والواضح أن هذا يأتي في نطاق الحرب لمقاومة تغلغل الإسلام في ديار الغرب والتي بدت وكأنها تكرار لما حدث في هجمة التتار على ديار الإسلام حيث انتصروا عسكرياً ولكن تغلغل الإسلام فيهم روحياً فاستسلموا له كدين في واحدة من أعجب أحداث التاريخ وفي تطبيق مخالف للقاعدة التاريخية المتداولة من أن المهزوم يتبع المنتصر.
ويمكن تلخيص الشبهات التي دارت حول علم الأجنة في النقاط الآتية:
1- يجب أن نفهم ألفاظ القراّن والسنة فقط بلغة قريش وكما فهم ألفاظها العرب في زمن الرسالة.
2- أن مواضع الإعجاز في علم الأجنة في القراّن والسنة هي معلومات مأخوذة من أبو قراط وأرسطو وجالين.
3- أن الرسول صلى الله عليه وسلم تلقى مواضع علم الأجنة من حارث بن كلدة والنضر بن الحارث.
4- أن معني العلقة هو الدم المتجمد وهو بذلك خطأ علمي صريح ولا يجوز استخدام المعاني التي يتوجه إليها علماء المسلمين مثل طفيل العلق أو الشيء الذي يتعلق بآخر.(Leach like- something to cling)
5- أن معنى المضغة هي قطعة اللحم وهو بذلك خطأ علمي صريح ولا يجوز تشبيهها بالقطعة الصغيرة في حجم ما يمضغ والتي تبرز علها علامات مشابهة لأثر الأسنان والتي تشبه في الجنين القطع الجسدية (somites).
6- أن كون العظام تخلق قبل اللحم ثم تكسى به هو خطأ فاحش وأنه من الناحية العلمية كلاهما يتكون معاً في نفس الوقت.
7- أن أحد الأحاديث النبوية الشريفة قد حدد مدة النطفة بأربعين يوماً والعلقة بأربعين يوماً والمضغة بأربعين يوماً. مما يعني أن العظام تتكون بعد 120 يوما أي بعد الشهر الرابع وهو خطأ علمي فاحش.
8- أن هناك آية كريمة توضح أن منشأ خلق الإنسان يكون من العظام وهو بذلك يماثل مفهوم إغريقي سابق خاطئ.
9- أن علماء المسلمين أنفسهم كانوا يربطون بين ما جاء في القراّن والسنة عن علم الأجنة وبين أقوال جالين.
ونحن بحول الله تعالى نرد على هذه الشبهات الواهية ونورد أيضاً ما فيها من مخالفة للجانب الشرعي الإسلامي أو للمنهج العلمي..وقع فيها من ذكرها من باب الخطأ.. أو من باب الكذب المتعمد. وهو مع الأسف الأقرب في هذا المقام.
الشبهة الأولى:
يجب أن نفهم ألفاظ القراّن والسنة فقط بلغة قريش وكما فهم ألفاظها العرب في زمن الرسالة.
هذه الشبهة تدعو إلى خداع ظاهر في ثوب براق لتجريد القراّن الكريم من أحد أهم مميزاته وهي عالميته وصلاحيته لكل زمان ومكان.بخلاف الرسالات السابقة التي كان يبعث فيها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى قومه خاصة.
قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).(سورة الأنبياء/107) وهي آية كريمة تحدد نطاق رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم المكانية والزمنية.
وقال تعالى: (لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) (سورة الأنعام/67).. مما يعني أن بعض الأنباء في القراَن الكريم لن يفهم معناها إلا في زمان يعلمه الله.
وقال تعالى: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله).( سورة يونس/39). مما يعني أن فهم بعض الآيات لن يتضح إلا في زمان يعلمه الله تعالى.
وأما في السنة المطهرة..فعن جابر رضي الله عنه أن النبي قال أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة وقال أنا سيد يوم القيامة وقال أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا أول من ينشق عنه القبر وأنا أول شافع ومشفع. رواه مسلم والنسائي
وهذا المنهج لو طبق باضطراد لما كان هناك معنى لاجتهاد المفسرين على مر التاريخ في فهم القراّن الكريم حسب قواعد اللغة العربية في إطار قوله تعالى: (إنا أنزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون) (سورة يوسف/2). فكان من تنافس المفسرين على مدار التاريخ الإسلامي حسن فهم النص القرآني وبالأساس في ضوء اللغة العربية. وكان هذا النهج على مدار التاريخ الإسلامي مفخرة للمسلمين ولم يثر أحد مثل هذه الفرية.بل هو في محل الإجماع على مدار التاريخ الإسلامي سواء قبل فترة الحديث عن جوانب الإعجاز العلمي في القراّن الكريم أو بعدها. بل إن القراّن الكريم هو الذي وجه علماء المسلمين بعد فهم النص من القراّن الكريم إلى الاستنباط من هذا النص.يقول تعالى(وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) (سورة النساء/ 83) فالاستنباط منهج قراّني بل أمر رباني لاستعمال العقل البشري المسلم في فهم القراّن الكريم في ضوء الضوابط الشرعية.
وبذلك فإن التسليم بهذه المقولة الباطلة يبطل في الحقيقة مزية الرسالة الخاتمة ومنهج القراَن الكريم وجهد آلاف العلماء على مدار التاريخ الإسلامي.ويخالف صريح القراّن الكريم وصحيح السنة النبوية الشريفة اللتان أمرنا بإتباعهما كما نهينا هن إتباع أهواء من لا يعلم الحق.قال تعالى: وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما انزل الله إليك فان تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وان كثيرا من الناس لفاسقون
الشبهة الثانية:
أن مواضع الإعجاز في علم الأجنة في القراّن والسنة من معلومات مأخوذة من أبو قراط وأرسطو وجالين.
سنأخذ كلمات الدكتور كامبل نفسها والتي ادعى من خلالها أن معلومات علم الأجنة في القراّن مأخوذة من هؤلاء العلماء السابقين:
أولاً: أبو قراط
ترجمتي
نص كلام د. كامبل
مراحل نمو ما قبل الولادة التنمية وفقا لأبو قراط
المرحلة الأولى: الحيوان المنوي
المرحلة الثانية: دم الأم ينحدر حول الغشاء
المرحلة 3. اللحم ، يتغذى عن طريق السره
4 المرحلة. العظام
ومن الواضح ان هذا يدل على انه 1000 سنة قبل القرآن كان نمو الجنين ينقسم إلى مراحل
STAGES OF PRENATAL DEVELOPMENT ACCORDING TO HIPPOCRATES
STAGE 1. sperm
STAGE 2. mother's blood descends around the membrane
STAGE 3. flesh, fed through umbilicus
STAGE 4. bones
Clearly this shows that 1000 years before the Qur'an the development of the embryo was divided into stages.
ثايناً: سقراط
ترجمتي
نص كلام د. كامبل
مراحل نمو ما قبل الولادة وفقا لأرسطو
المرحلة 1. حيوانات منويه
المرحلة 2. catamenia -- دم الحيض
المرحلة 3. اللحم
4 المرحلة. العظام
5 المرحلة. حول نمو العظام اجزاء سمين
STAGES OF PRENATAL DEVELOPMENT ACCORDING TO ARISTOTLE
STAGE 1. sperm
STAGE 2. catamenia -- menstrual blood
STAGE 3. flesh
STAGE 4. bones
STAGE 5. around the bones grow the fleshy parts
ثالثاًً: جالين
ترجمتي
نص كلام د. كامبل
مراحل جالين لنمو ما قبل الولادة
المرحلة 1. منى من الإثنين
المرحلة 1b. بالاضافة الى دم الحيض
المرحلة 2. لحم غير مميز الشكل
المرحلة 3. العظام
المرحلة 3 ب. نمو اللحم على وحول العظام
GALEN'S STAGES OF PRENATAL DEVELOPMENT
STAGE 1. The two semens
STAGE 1b. plus menstrual blood
STAGE 2. unshaped flesh
STAGE 3. bones
STAGE 3b. flesh grows on and around the bones
رابعاً: القراَن الكريم
ترجمتي
نص كلام د. كامبل
المراحل القراَنية لنمو الجنين فيما قبل الولادة المرحلة 1. nutfa -- المنى
المرحلة 2. 'Alaqa -- جلطه
المرحلة 3. mudagha -- قطعة من اللحم
المرحلة.4: 'Adaam -- العظام
المرحلة.5: كساء العظام بالعضلات
QURANIC STAGES OF PRENATAL DEVELOPMENT
STAGE 1. nutfa -- sperm
STAGE 2. ‘alaqa -- clot
STAGE 3. mudagha -- piece or lump of flesh
STAGE 4. ‘adaam -- bones
STAGE 5. dressing the bones with muscles
وسنقبل مؤقتاً على سبيل الجدال المراحل التي افترضها د كامبل لتطور الجنين في القراَن الكريم .. ورغم هذا يمكن أن نقرر ما يلي:
1. يتميز القراَن الكريم في مجال الإعجاز العلمي عموماً بمزيتين أساسيتين.. أولها أن كل ما يذكر فيه من معلومات علمية صحيح وثانياً أنه لا يوجد به معلومة واحدة خاطئة ( قل انزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض انه كان غفورا رحيما) (سورة الفرقان/6).
2- ليس من منهج القراَن الكريم مخالفة الآخرين لمجرد المخالفة قال تعالى في قصة شعيب: (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب) (سورة هود/88) وليس من منهج القراَن الكريم تسفيه ما يفعله الآخرون ولو كانوا كافرين قال تعالى: (يا أيها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون).(سورة المائدة/8 ). فليس هدفنا تسفيه أو إنكار ما حققه الآخرون ولو شابه ما قرره القراّن الكريم.وقد أقر القراّن الكريم في مواضع ما كان عليه الناس زمن الرسالة وأنكر عليهم ما هم عليه في مواطن أخرى.
3- الذي أغري الكاتب بعرض بهذه الشبهة وصف تطور الجنين على مراحل عند العلماء الذين ذكرهم (أبوقراط – أرسطو –جالين) وبعضهم كان يدون ملاحظاته على تطور جنين الدجاجة. ولا شك أن هذا المنهج العلمي في ذلك الوقت المبكر يحسب لهؤلاء العلماء.
4- أعرض الكاتب عن ذكر علماء سابقين اَخرين كانوا ينشرون أفكاراً أخرى مثل أن مني الرجل لا يشارك بذاته في تكون الجنين وإنما يتكون الجنين فقط بأثر الحيوان المنوي على دم الحيض. وهو بذلك يلبس أنه لم يكن متداولاً إلا أفكار هؤلاء العلماء الثلاثة.
5- حاول الكاتب أن يعرض اختصاره للوصف عند هؤلاء العلماء بصورة توحي بالشبه الشديد بينها وبين وصف القراَن الكريم رغم أن تفاصيل أعمالهم تحمل مخالفات لما جاء في القراَن الكريم.فأبوقراط جعل منشأ الجنين من دم الحيض وحده وأرسطو خالفه وجعله من دم الحيض ومني الرجل وجالين خالفهما وجعله من دم الحيض ومني الرجل ومني المرأة. فأي شبه بين ذلك وبين ما جاء في القراَن الكريم.
6- أعرض الكاتب عن توضيح مواضع الاختلاف البين بين القراَن الكريم ومن سبقوه وبصفة أساسية أن العلماء الثلاثة المذكورين أجمعوا على أن الجنين ينشأ من دم الحيض. بينما لم يأت في القراَن الكريم ولا السنة النبوية هذا الخطأ الفاحش. فلا ندري لماذا أعرض الكاتب عن هذا التوضيح. والأكثر من ذلك أنه قد كذب في إدعائه أن القراَن الكريم لم يسهم في تصحيح الأخطاء السابقة.. بينما استقام فهم المسلمين لهذا الأمر وأنكروا على من يدعي دور دم الحيض في تكون الجنين بناء على ما جاء في القراَن والسنة كما قال الأمام ابن حجر العسقلاني (وزعم كثير من أهل التشريح أن مني الرجل لا دور له في تكون الجنين إلا في عقده وأنه إنما يتكون من دم الحيض.. وأحاديث الباب تبطل ذلك).وتبين لنا هذه الجملة فقط تصحيح القراَن الكريم والسنة النبوية لمفهومين خاطئين أولها عدم مشاركة مني الرجل بذاته في تكون الجنين وثانيها تكون الجنين من دم الحيض.
الشبهة الثالثة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم تلقى مواضع علم الأجنة من حارث بن كلدة والنضر بن الحارث.
لقد أرهق الدكتور كامبل نفسه على مدار عدة صفحات ليوحي أن الحالة العلمية السائدة متمثلة في وجود مدرسة طبية باليمن وأخرى بالأسكندرية مع مرور القوافل من اليمن مروراً بمكة قد أتاح للرسول صلى الله عليه وسلم (هذه العلوم).
لقد أثار كفار قريش شبهات مماثلة وتولى الله تعالى الرد عليها في القراَن الكريم: قال تعالى (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) (سورة النحل/103)
ونسأل د/ كامبل .. الذي يظهر أنه بذل جهداَ كبيراً في دراسة تاريخ زمن النبوة ما يلي:
1. ألم تعلم من دراسة السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معروفاً في قومه بالصادق الأمين. فهل كان يترك الكذب على الناس ويكذب على الله.
2. ألم تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلك كان نبياً أمياً لا يقرأ ولا يكتب؟
3. ألم تعلم أنهما لو كان هذين عندهما علوم أرسطو أبو قراط وجالين حقاً فإنهما كان يحملان أيضاً أخطاؤهم مثل تقريرهم أن الجنين يتكون من دم الحيض وهو خطأ تناقلوه جميعاَ ومثل المبدأ المشهور عند أبي قراط من أن الجسم فيه أربعة سوائل.. وفي حالة الجسم السليم تكون هذه السوائل متوازنة وعند إختلال التوازن يحدث المرض ولا تعود الحالة الصحية للمريض إلا بعودة التوازن بين هذه السوائل. وسقراط تحدث عن العناصر الأساسية الخمسة للكون (الماء والنار والأرض والهواء والأثير) وقسم الكائنات حسب ما أسماه بسلم الحياة..وجالين ميز بين الشريان والوريد وقرر أن الوريد ينشأ من الكبد وأن الشريان ينشأ من القلب.. وغير ذلك الكثير جداً عند هؤلاء العلماء من معلومات باطلة وسط معلومات أخرى خالطها الصحة. فإذا كانا هما مصدر المعلومات لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. وحاشاه.. فكيف ميز الرسول صلى الله عليه وسلم بين يحملونه من أفكار متباينة فأخذ الصحيح وهو النادر وترك الباطل وهو الغالب.
إن القراَن الكريم ليس كتاب علوم ولكنه كتاب آيات. ولكن شاءت إرادة الله تعالى أن يتضمن إشارات من باب الإعجاز العلمي. لم يكن لها أصلاً في زمن تنزيل القراَن الكريم أي أثر في نشر الدعوة ولم يكن لوجودها في ذلك الوقت أي ضرورة أو مساهمة في نشر الإسلام فيما نعلم. ولو لم يتضمنها القراَن الكريم ما كان لذلك أي أثر على قبول الناس للإسلام في ذلك الوقت. ولم ينقل إلينا أن أحد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أسلم من أثر الآيات التي نسميها الآن بمواضع الإعجاز العلمي في القراَن الكريم. إن كل من أسلم في زمن الرسالة كان بسبب ما جاء به الإسلام من عقيدة التوحيد الصافية النقية التي تخاطب الفطر السليمة وبما دعا إليه من أخلاق وآداب فاضلة (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا) (سورة النساء/36)
فلماذا يلجأ من يريد من الناس تصديقه إلى الانتقاء من بين معلومات متضاربة وتقديم معلومات للناس –بلا ضرورة- قد يثبت عقلاً خطؤها في يوم ما قريبا أو بعيدا؟
كنا نأمل أن يجلس د/ كامبل مع نفسه ليتفكر. لعل الله تعالى أن يهديه إلى الحق.( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد) (سورة النساء/46).
الشبهة الرابعة: أن معني العلقة هو الدم المتجمد ولا يجوز استخدام المعاني التي يتوجه إليها علماء المسلمين مثل طفيل العلق أو الشيء الذي يتعلق بآخر.(Leach like- something to cling)
هذه الشبهة مبنية على الشبهة الأولى من أنه لا يجوز فهم ألفاظ القراَن الكريم إلا كما فهمت وقت نزول القراَن الكريم. وقد فندناها وأوضحنا بطلانها.عند الرد على الشبهة الأولى.
والحقيقة أن العلقة في اللغة العربية مثل كثير من الألفاظ العربية -لها عدة معاني وهذا ومن مميزات هذه اللغة كما هو معروف فاللفظ الواحد قد يكون له عدة معاني والمعني الواحد قد يعبر عنه بالعديد من الألفاظ. فمن معاني العلقة:
1. الدم المتجمد.
2. طفيل العلق.
3. شيء يتعلق بآخر.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217927362ghj.jpg
(شكل.1) رسم توضيحي يبين وجه الشبه بين المنظر الجانبي للجنين في مرحلة العلقة (الرسم الأعلى) وتمتد في حدود الأسبوعين الثاني والثالث من الإخصاب) وطفيل العلق في الأسفل.
فإذا وضح لنا في هذا العصر ما لم يكن معروفا في السابق من تشابه في الشكل بين مرحلة من مراحل تطور الجنين وبين وصف القراَن الكريم لها وبما يوافق قواعد اللغة العربية التي نزل بها القراَن الكريم. فهل لا يحق لنا توضيح ذلك وبيانه؟ وأسأل الطاعنين وأستحلفهم بالله لو وجدوا العكس في القراَن الكريم- أي لفظة يحتمل أحد معانيها خلاف ما تم اكتشافه في العصر الحديث -وهيهات- ألم يكونوا ليقيموا الدنيا على ذلك؟.. وأستحلفهم بالله مرة أخرى.. وليكونوا على الأقل بينهم وبين أنفسهم في الخفاء من الصادقين..عسى الله أن يهديهم إلى الحق.. لو كانت هذه الآية في العهد القديم أو الجديد أما كانوا أيضاً أقاموا الدنيا لبيانها. وما كنا كمسلمين لنعترض أو نحزن لأننا نعلم أن العهدين القديم والحديث الموجودين حالياً فيهما من كلام الله تعالى كما أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى وكما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم.
يتبـــــــــــــــــع
القلب الحزين
11-12-2013, 06:29 PM
يتبــــــع الموضوع السابق
رد الشبهات حول علم الأجنة في القراَن والسنة
إن وجود اكتشاف حديث من أن المرحلة التالية للنطفة الأمشاج تأخذ شكل طفيل العلق (شكل.1) وتتعلق في رحم الأم بواسطة ساق اتصال للتغذى على دم الأم مثلما يفعل طفيل العلق حينما يتغذى على دم الشخص الذي يتعلق به لهو أمر لا مبرر لكتمانه وغض الطرف عنه عند ذوي الفطر السليمة.
إن وصف العلقة بالدم المتجمد لا يثير غرابة من حيث مظهرها الخارجي أيضاً في هذه المرحلة.حيث يبدأ تكون الدم داخل أوعية دموية في النسيج الضّام الجنيني المحيط بكيس المح وذلك في الأسبوع الثالث للحمل بينما يبدأ دوران الدم في الأسبوع الرابع ولذلك فلا نكارة أن يمكن تشبيه المظهر الخارجي للجنين البشري الحي في هذه المرحلة بالدم المتجمد نظراً لتكون الدم مع عدم دورانه ومع استكمال الصورة من المعاني الأخرى التي يحملها معنى العلقة (شكل.2).
بل إننا الذين يحق لنا أن نسأل.. هل كان أحد يظن أن الدم يتكون في الجنين في هذه المرحلة المبكرة. وأنه في فترة تكونه الأولى يظل ثابتاً في الأوعية الدموية بلا حراك في جنين حجمه أقل من المليمتر الواحد محاط بأغشية وكأنه دم متجمد.. سبحان الله عما يصفون.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217927275fffff.jpg
(شكل.2) يوضح الشكل مظهر خارجي للجنين في حدود اليوم 19 –وتظهر فيه الأوعية الدموية المتكونة في النسيج الضام الجنيني المحيط بكيس المح.
الشبهة الخامسة: أن معنى المضعة هي قطعة اللحم ولا يجوز تشبيهها بالقطعة الصغيرة التي في حجم ما يمضغ والتي تبرز عليها علامات مشابهة لأثر الأسنان والتي تشبه في الجنين القطع الجسدية (somites).
هذه الشبهة كسابقتها تعتمد على محاولة قصر معاني القراَن في إطار محدد بما يخالف منهج القراَن الكريم نفسه والسنة النبوية وإجماع علماء المسلمين على مدار التاريخ الإسلامي.
إن المضغة لغة تحمل معاني متعددة منها:
1- صغار الأمور
2- شيء في حجم ما يمضغ.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12179271941.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217927134ffdf.jpg
(شكل.3) صورة حقيقية لجنين بشري في الأسبوع الرابع
(شكل.4) صورة حقيقية لجنين بشري في الأسبوع الخامس
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217927248ffgffd.jpg
(شكل.5) رسوم توضيحية لجنين في الأسبوع الرابع توضح سرعة تغيره في الشكل وظهور القطع الجسدية.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217927394ttttttttttt.jpg
(شكل.6): رسم توضيحي لجنين بشري في الأسبوع الرابع في حدود اليوم السادس والعشرين وفي الأسفل أثر أسنان على قطعة من الصلصال قام به البروفسير كيث مور لبيان وجه الشبه في هذه المرحلة.
إن كون المرحلة التالية لمرحلة العلقة تأخذ شكلاً يشبه الشيء الممضوغ نظراً لكثرة انبعاجاتها الخارجية الناجمة عن نشأة الأعضاء الداخلية وبخاصة الرأس والقلب والكبد والأطراف (شكل.3،4) . كما تتبدل شكلها سريعاً كما يتبدل شكل الشيء الممضوغ (شكل.5) ويتوافق ذلك مع ظهور القطع الجسدية somites) ) التي تظهر مثلما يظهر أثر الأسنان على الشيئ الممضوغ (شكل. 3-6). كل هذا مما لا يمكن إغفاله لدى العقلاء.
الشبهة السادسة: أن كون العظام تخلق قبل اللحم ثم تكسى به هو خطأ فاحش وأنه من الناحية العلمية كلاهما يتكون معاً في نفس الوقت.
وقد أوضح الدكتور كامبل هذه الشبهة في ثنايا كلامه قائلاً:
There is no bone stage at which the limbs of the developing fetus are just bones around which muscles will later be placed.
الترجمة:(لا توجد مرحلة توجد عندها أطراف الجنين مكونة فقط من العظام التي ستغطى لاحقاً باللحم.)
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217927220gffffg.jpg
شكل.7: تميز القطع الجسدية somites Sadler, 2000, pp:94
والحقيقة أن هذا الكلام غير صحيح تماماً. فإن العظام الطويلة في الجنين تمر بثلاث مراحل:
1- مرحلة نموذج النسيج الضام الجنيني (mesenchme model).
2- مرحلة النموذج الغضروفي. Cartilaginous model)).
3- مرحلة التعظم .
وتمر العظام المفلطحة .. كالجمجمة مثلاً بمرحلتين فقط:
1- مرحلة نموذج النسيج الضام الجنيني (mesenchme model).
2- مرحلة التعظم .
ولنذكر بصورة مبسطة تكون العمود الفقري والعضلات التي حوله.
تنشأ كل من الخلايا الأولية المكونة للعظام (sclerotome) والخلايا الأولية المكونة للعضلات (dermatome) من القطع الجسدية .(somites)
ولكن الخلايا الأولية المكونة للعظام تهاجر قبل الخلايا الأولية المكونة للعضلات التي تتلوها في الهجرة لتحيط بها وتكسوها، شكل (7،8،9).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217927169fdfdfd.jpg
(شكل.8) توضح المرحلة (6) اكتمال المرحلة الأولى لنموذج النسيج الضام الجنيني وبداية المرحلة الثانية بتكون النموذج الغضروفي بينما لم تبدأ الخلايا الأولية للعضلات في الهجرة لتحيط به بعد. Gray's anatomy, 1989.))
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217927421sssssssssssss.jpg
(شكل.9) يوضح الشكل الأول إلى اليسار تكون نموذج النسيج الضام الجنيني وبداية تكون النموذج الغضروفي بينما لم تبدأ الخلايا الأولية للعضلات في الهجرة بعد.ويوضح الشكل الثالث والرابع إلى اليسار هجرة الخلايا الأولية المكونة للعضلات لكساء النموذج العظمي الأولي ).( Larsen,1993, pp: 72
إن المثال السابق يوضح ما يحدث أثناء نشأة العمود الفقري وما حوله من عضلات.
أما الأطراف العلوية والسفلية فاكتفي هنا بنقل ما قرره بعض أشهر علماء علم الأجنة عام 1975:
"Although it has been customary to describe a common osseomuscular condensation in the mesoderm of the limb, more recent studies on "cytochemical predifferentiation" predifferenciation cytochimiqe, Milaire, 1959, i.e., the histochemical detection and localization of certain substances prior to morphological differentiation) have indicated that, whereas the skeletal plastema appear (in the mouse) in the depth of the limb, the perichondrium, the muscles, and the tendons arise by centripetal migration from the superficial mesenchyme (Milaire, 1965) " (O’rahilly and Gardner, 1975).
والترجمة:
"على الرغم من أنه جرت العادة على وصف تكثف عظامي عضلي مشترك في طبقة النسيج الضام بالطرف، إلا أن دراسات أحدث اجريت على ما قبل التميز الخلوي الكيميائيpredifferenciation cytochimiqe، ) ميليير، 1959) بمعنى الكشف الخلوي الكيميائي والتحديد لأماكن مواد معينة قبل التمايز المورفولوجي أشارت لأنه في حين أن بدايةالهيكل العظمي تظهر (في فصيلة من فأران التجارب الصغيرة) في عمق الطرف، فإن الغشاء الغضروفي والعضلات،وأوتار العضلات تنشأ نتيجة الهجره الطرفمركزية من النسيج الضام الأولي السطحي. Milaire)، 1965)."(أورلي وجاردنر، 1975)
إن الترجمة البسيطة المباشرة للفقرة السابقة هي أن العضلات الأولية تكسو العظام الأولية في الأطراف.
لقد سقط الظن العلمي بأن العظام والعضلات يتشكلان في وقت واحد.
إن كون النسيج الأولي للعظام يتشكل في موضع العظام أولاً ثم يأتي النسيج الأولي للعضلات لتحيط به لهو قاعدة أساسية مضطردة توضح أساس العلاقة بين العظام والعضلات منذ بداية نشأتها وتحسم قضية هذه العلاقة من جولتها الأولى سواء فيما يتعلق بعظام العمود الفقري وما حوله من عضلات أو بعظام الأطراف وما حولها من عضلات.
لقد اتضح بجلاء أنه تكون العظام يسبق اللحم وصدق الله تعالى القائل (فكسونا العظام لحماً).
الشبهة السابعة: أن أحد الأحاديث النبوية الشريفة قد حدد مدة النطفة بأربعين يوماً والعلقة بأربعين يوماً والمضغة بأربعين يوماً. مما يعني أن العظام تتكون بعد 120 يوما أي بعد الشهر الرابع وهو خطأ علمي فاحش.
نورد الحديث المذكور ونتدارسه:
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَ هُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ في ذلك عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ في ذلك مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَ يُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَ رِزْقَهُ وَ أَجَلَهُ وَ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَ يَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (أخرجه مسلم).
الحديث لم يكرر لفظ أربعين يوما.. بل قال في مرحلتي العلقة والمضغة (في ذلك.. مثل ذلك) والمعنى أي في ذلك الوقت أي الأربعين يوماً علقة أو مضغة مكتملة النمو تامة الإحكام مثلما تكونت النطفة في نفس الأربعين مكتملة النمو وتامة الإحكام.
لقد فهم كثير من شراح الحديث المسلمين معني الحديث فعلاً على أنها ثلاث أربعينات وذلك لاحتمال الألفاظ لذلك المعنى. ولكن ليس في النص ما يدل على ذلك الفهم. بينما ذهب اَخرون مثل ابن الزملكان الذي عاش في القرن السابع الهجري إلى ما ذكرنا. والذي عليه علماء المسلمين الاَن أن وصف النطفة ينطبق على الجنين على التقريب في الأسبوع الأول والعلقة في الأسبوعين الثاني والثالث والمضغة في الأسابيع الثالث والرابع والخامس. ولا يضير فهم سابق لبعض علماء المسمين مادام أن النص ليس مقطوع الدلالة.. وهم مأجورون إن شاء الله.
إن الذي يؤيد هذا المعنى الذي ذكرناه حديث صحيح اَخر عن حذيفة بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
اذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم قال يا رب أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب أجله فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب رزقه فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على أمر ولا ينقص حديث رقم: 797 في صحيح الجامع- الألباني
فالحديث هنا لم يذكر شياَ عن العلقة والمضغة لأنها تكون قد تمت في مراحل سابقة. والتعبير عن المرحلة الأولى بالنطفة على الإجمال متكرر في القراَن والسنة على أنها أصل خلق الإنسان كما قال تعالى (من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره) فالقراَن الكريم هنا يتنقل بين مراحل من بداية التكوين إلى نهاية الحياة من غير ذكر جميع المراحل الوسطية .
الشبهة الثامنة: أن هناك آية كريمة توضح أن منشأ خلق الإنسان يكون من العظام وهو بذلك يماثل مفهوم إغريقي سابق خاطئ.
لا توجد مطلقاً مثل هذه الآية بهذا اللفظ ولكن قال تعالى : (فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب)
والحديث عن مرحلة الخلق .. وهو ويعود بأصل خلق الإنسان إلى بداياتها حيث النسيج الذي سيشارك في تكوين أمشاج النسل الإنساني ما زال موجوداً بين الصلب (العمود الفقري) والترائب (عظام الصدر) . وحتى عندما تنزل الخصية إلى موضعها النهائي في كيس الصفن فإنها تظل طول العمر تحتفظ باتصالها بموضعها الأول بين الصلب والترائب في صورة الشريان المغذي والأوعية الليمفاوية الصادرة.(شكل 10 ، 11).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217927307sssfffffffff.jpg
(شكل.10) رسم تخطيطي يوضح تكون الخلايا المشيجية في الأسبوع الثالث من جدار كيس المح في المنطقة القريبة من ال (Allantois) ثم هجرتها لثصل في الأسبوع السادس إلى المنطقة التي تعرف باسم الإرتفاق الجنسي (Genital ridge) والموجودة بين العمود الفقري والأضلاع السفلية.
رسم تخطيطي يوضح تكون الخلايا المشيجية في الأسبوع الثالث من جدار كيس المح في المنطقة القريبة من ال (Allantois) ثم هجرتها لثصل في الأسبوع السادس إلى المنطقة التي تعرف باسم الإرتفاق الجنسي (Genital ridge) والموجودة بين العمود الفقري والأضلاع السفلية.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217927335rrrrrrrrrrrrrrr.jpg
(شكل11) تهاجر الخصية إلى كيس الصفن ولكن تظل محتفظة طول العمر بأوعيتها الدموية وارتباطاتها العصبية وأوعيتها الليمفاوية من حيث مكانها الأول الذي نشأت منه.. بين الصلب والترائب
تهاجر الخصية إلى كيس الصفن ولكن تظل محتفظة طول العمر بأوعيتها الدموية والليمفاوية من حيث مكانها الأول الذي نشأت منه.. بين الصلب والترائب.
الشبهة التاسعة: أن علماء المسلمين أنفسهم كانوا يربطون بين ما جاء في القراّن والسنة عن علم الأجنة وبين أقوال جالين.
أولاً:ان ذلك نادراً ما حدث رغم محاولة الكاتب للإيحاء باضطراد ذلك.
ثانياً: أن ذلك كان يحدث للاستشهاد وتوضيح المعنى من واقع العلوم المتاحة في زمانهم.
ثالثأ: إن علماء المسلمين كانوا وما زالوا يستشهدون بالإسرائيليات .وهي الروايات المنقولة عن بني إسرائيل من قبلنا.ولم يفهم أحد من علماء المسمين أبداً أن ذلك يعني تصحيح هذه الروايات.. وإنما بعض العلماء كان يستخدمها لمحاولة تقريب الفهم لا للدلالة على صدقها.. فالقاعدة الأساسية في الاسرائليات التي يعرفها المسلمون جميعاً هي قول الرسول صلى الله عليه وسلم لاتصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم). لأننا لا نثق في عدالتهم في النقل وفي كتبهم ماهو وحي.. وفيها ما هو محرف.. وفيها ماهو مكتوب بأيديهم.
ثالثاً: أن أغلب مواضع الإستشهاد كانت في المسائل التى توافق ما صح في القراَن والسنة. وما زال علماء المسلمين إلى اليوم يعملون ذلك فيما يعرف أحياناً باسم التفسير العلمي للقراَن الكريم والسنة المطهرة. وفيه يجتهد العالم في توضيح بعض المسائل العلمية في القراَن والسنة. وهو في ذلك ينطبق عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فأخطأ فله أجر واحد). فإصابته أو عدم إصابته للصواب له أو عليه. وإن كانت النصيحة العامة التي دائما ما يكررها كبار العلماء ضرورة تجنب الربط بين القراَن الكريم والنظريات التي لم تثبت.
رابعاًً: أن الكاتب أعرض –عن عمد أو عن جهل- عن ذكر أمثلة لعلماء المسلمين الذين ردوا على المعارف التي كانت منتشرة في زمانهم ولكنها تخالف ما صح في القراَن والسنة مثل ماذكرنا عن ابن حجر العسقلاني في قوله: (وزعم كثير من أهل التشريح أن مني الرجل لا دور له في تكون الجنين إلا في عقده وأنه إنما يتكون من دم الحيض.. وأحاديث الباب تبطل ذلك).
نكتفي بهذا القدر اليسير لعل فيه فائدة وفيه الداعي للمسلمين بأهمية استغلال هذه الفرصة الباهرة والتي يتطلع فيها بعض أبناء الغرب والشرق لمعرفة حقائق الإسلام. وهو ما حدا ببعضهم لما رأوا هذا الإقبال إلى محاولة التشويش على هذه الحقائق من كل وجه. ونقول كما قررنا سابقا في هذا المقال:
1- إن أول ما يدعو الناس إلى قبول الإسلام هو عقيدة التوحيد التي تخالط بشاشتها قلوب أصحاب الفطر السليمة والتي تدعوها فطرتها في كل وقت إلى البحث عن الإله الواحد الحق الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
2- إن إظهار أخلاقيات الإسلام السامية في معاملة الوالدين والأقربين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل.. بل وعلاقته بالحيوان والنبات والجماد والكون لهو مما يبهر أصحاب القلوب وأولوا الألباب.
3- إن مما امتن الله علنا به هو اَيات الإعجاز في القراَن الكريم.مما كانت سبباً لأسلام البعض ممن جنبوا أهواءهم وحكموا عقولهم . وهو ما حدا بالبغضاء لإثارة الشبهات حول آيات الإعجاز العلمي مثلما أثاروا الشبهات حول القراَن الكريم والسنة المطهرة والرسول صلى الله عليه وسلم.. ولافرق (ولايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) وكلما أثار هؤلاء شبهة فأزالها أهلها العالمين بها كلما إزداد موضع الإعجاز بياناً وتألقاً .
إن دورنا هو تقديم حقائق الإسلام بجميع جوانبه صافية نقية (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة وإن ربك لسميع عليم)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
يمكن إرسال آرائكم واقتراحاتكم حول المقالة على العنوان التالي:
[email protected]
References:
• Williams P., Warwick W., Dyson M. and Bannister L. Gray’s Anatomy. Churchill Livingstone.,37th ed.,1989.
• Larsen J. William. Human Embryology. Churchill Livingstone. 1st ed., 1993.
• Moore L. Keith . The developing human . Sanders Company.6th ed. 1998.
• Moore L. Keith and Persaud T.V.N. Before we are born. Sanders Company.5th ed. 1998.
• O’rahilly Ronan and Gardner Ernest, 1975. The timing and sequence of events in the development of the limbs in the human embryo. Anat., Embryol. 148, 1-23.
• Sadler T.W. Langman's Medical Embryology. Lippincott Williams & Wilkins. 8th ed., 2000.
القلب الحزين
11-12-2013, 06:31 PM
اعترافات القديس جيروم بتحريف الأناجيل
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217348027tttg.jpg
صورة للوحة قديمة للقس جيروم
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
تعد وثيقة إعتراف القديس جيروم(Jerome) ، التى صاغها فى القرن الميلادى الرابع، أهم وثيقة فى التاريخ تثبت، بما لا يدع مجالا للشك، أن الأناجيل الحالية قد عانت من التعديل والتبديل والتحريف وسوء الترجمة بحيث لا يمكن إعتبارها بأى حال من الأحوال أنها نصوص منزّلة، فهي يقينا شديدة الاختلاف، ولا تمت بأي صلة إلى ذلك الإنجيل الذى أشار إليه القرآن الكريم بأن الله سبحانه وتعالى قد أوحاه للمسيح عليه الصلاة والسلام. وإنجيل السيد المسيح كان موجودا بالفعل، بدليل أن بولس يقول أنه كان يبشر به : " (...) حتى أنى من اورشليم وما حولها إلى الليريكون قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح " (إلى أهل رومية 15 : 19) !. إلا أن الأيادى العابثة فى المؤسسة الكنسية قد أخفته لتفرض ما نسجته عبر المجامع على مر العصور.
وقد أشرت فى مقالين سابقين إلى هذا الخطاب، الذي لا يمكن الاختلاف حول أهميته، لإطاحته الأكيدة بمصداقية الأناجيل الحالية، ورغمها، فنظرا لكثرة التعليقات التى وصلتنى عليه من إخواننا المسيحيين وإتهامهم إياى بالكذب والافتراء، فلم أجد بدا من نشر صورة فوتوغرافية لطبعة الكتاب نفسه، الموجود في مكتبة فرانسوا ميتران بباريس، ليكف إخواننا الكرام عن إتهامى، خاصة وأننى أعربت أكثر من مرة أنه نظرا لحساسية المواضيع التي أتناولها دفاعا عن الإسلام، الذي يجاهدون لاقتلاعه ظلما وعدوانا، فلا يمكنني قول أى معلومة ما لم تكن وثيقتها عندي أو لدى صورة منها .. فبدلا من إتهامى والتدنى إلى مستوى لا أرضاه لا لهم ولا لأي أحد، خاصة في مثل هذه الموضوعات الجادة أو المصيرية، فمن الأفيد لإخواننا الكرام أن يقوموا بدراسة حقيقة تاريخ المسيحية الحالية ليعرفوا كيف تم نسج ما هم عليه من عقائد .. بدلا من الإنسياق وراء اللاعيب الغرب السياسية الرامية إلى إقتلاع الإسلام والمسلمين عن غير وجه حق.
و لولا أن هناك عمليات تمويه وتعتيم ومعارك كبرى دارت حول أصول هذه الأناجيل لما قامت الكنيسة بمنع أتباعها من قراءتها حتى لا يكتشفوا ما يتم بها من تعديل وتغيير، بل لما احتاجت هذه المؤسسة، بكل جبروتها الراسخ، إلى أن تفرضها في مجمع ترانت، في القرن السادس عشر، ( أي أنه حتى ذلك الحين كان هناك من يعترض على ما بها ويرفضها) تفرضها على الأتباع على "ان الله هو المؤلف الحقيقي والوحيد لها"، ثم قررت أنه يمكن للأتباع قراءتها برفقة قس حتى يتصدى لأى سؤال قد يكشف ما بها .. ثم فى مجمع الفاتيكان الأول 1879، قررت الكنيسة أن الله قد أوحى للروح القدس الذى قام بدوره بإلهام الحواريين فى كتابتها، وهو ما يمثل تراجعا واضحا عن القرار السابق، ثم فى مجمع الفاتيكان الثانى 1965 إعترفوا بأن هذه النصوص "بها القديم والبالي، وإن كانت تمثل منهج تربوى إلهى حقيقى " .. واللهم لا تعليق !
وفيما يلى الصورة الفوتوغرافية لصفحة المقدمة-الإعتراف التى تتصدر الصياغة الحالية التى قام بها جيروم للأناجيل، ثم ترجمة الخطاب إلى العربية، ثم التعليق عليه :
" المجلد الأول من أعمال الراهب جيروم
بداية المقدمة
حول مراجعة نصوص الأناجيل الربعة
إلى قداسة البابا داماز، من جيروم،
تحثنى على أن اقوم بتحويل عمل قديم لأخرج منه بعمل جديد، وتريد منى أن أكون حكماً على نُسخ كل تلك النصوص الإنجيلية المتناثرة في العالم، وأن أختار منها وأقرر ما هى تلك التى حادت أو تلك التى هى أقرب حقا من النص اليونانى. أنها مهمة ورعة، لكنها مغامرة خطرة إذ سيتعيّن عليّ تغيير أسلوب العالم القديم وإعيده إلى الطفولة. وأن أقوم بالحكم على الآخرين يعنى فى نفس الوقت أنهم سيحكمون فيه علي عملي.
فمن من العلماء أو حتى من الجهلاء، حينما سيمسك بكتابي بين يديه ويلحظ التغيير الذي وقع فيه، بالنسبة للنص الذي اعتاد قراءته، لن يصيح بالشتائم ضدي ويتهمني بأنني مزور ومدنس للمقدسات، لأنني تجرأت وأضفت، وغيّرت، وصححت فى هذه الكتب القديمة ؟
وحيال مثل هذه الفضيحة، هناك شيئان يخففان من روعي، الأمر الأول : أنك أنت الذى أمرتنى بذلك ؛ والأمر الثانى : إن ما هو ضلال لا يمكن أن يكون حقاً. وهو ما تقره أقذع الألسنة شراسة. وإذا كان علينا أن نضفي بعض المصداقية على مخطوطات الترجمة اللاتينية، ليقل لنا أعداؤنا إيها أصوب، لأن هناك من الأناجيل بعدد الإختلافات بين نصوصها. ولماذا لا يروقهم أن اقوم بالتصويب إعتمادا على المصادر اليونانية لتصويب الأجزاء التى أساء فهمها المترجمون الجهلاء، أو بدلوها بسوء نية، أو حتى قام بعض الأدعياء بتعديلها.
وإذا كان علينا دمج المخطوطات، فما يمنع أن نرجع ببساطة إلى الأصول اليونانية ونبعد بذلك عن أخطاء الترجمات السيئة أو التعديلات غير الموفقة من جانب الذين تصوروا أنهم علماء، أو الإضافات التي أدخلها الكتبة النعسانين ؟ أنني لا أتحدث هنا عن العهد القديم والترجمة السبعينية باللغة اليونانية التى لم تصلنا إلا بعد ثلاث ترجمات متتالية من العبرية إلى اليونانية ثم إلى اللاتينية. ولا أود أن ابحث هنا ما الذي سيقوله أكويلاّ أو سيماك، أو لماذا آثر تيودوسيان إختيار موقف الوسط بين المترجمين القدامى والحداث. لذلك سأعتمد على الترجمة التى يمكن أن يكون قد عرفها الحواريون.
وأتحدث الآن عن العهد الجديد، المكتوب بلا شك باللغة اليونانية فيما عدا إنجيل متّى الذى كان قد استعان أولا بالعبرية لنشره فى منطقة اليهودية. إن هذا الإنجيل يختلف يقيناً عن الذى بلُغتنا نظرا لتعدد المصادر التى استعانوا بها لتكوينه. وقد آثرت أن ارجع إلى نص أساسي، فلا أود الاستعانة بترجمات المدعوان لوشيانوس أو هزيكيوس التي يدافع عنها البعض بضراوة عن غير وجه حق، واللذان لم يكن من حقهما مراجعة لا العهد القديم بعد ترجمة السبعين، إلا أن يقوما بمراجعة النصوص الجديدة. فالنصوص الإنجيلية التى وصلتنا بلغات شعوب مختلفة توضح مدى الأخطاء التى بها. وإذا كنت قد قمت بذلك بالنسبة للنسخ المكتوبة بلغتنا فلا بد وأن أعترف بأنني لم أستفد منها شيئاً.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1194723057250px-saintdamasus.jpg
صورة للوحة قديمة للبابا داماسوس
وهذه المقدمة المتواضعة تقترح أن يكون ترتيب الأناجيل الإسمى على النحو التالى :متّى، مرقس، لوقا، ويوحنا. وقد تمت مراجعتها من عدة مخطوطات يونانية قديمة. وهى لا تبعد كثيرا عن فحوى النسخ اللاتينية. فلم أقم إلا بتصويب الأجزاء التي بدت بعيدة عن المعنى الحقيقى وتركت الأجزاء الأخرى كما وصلتنا فى صياغتها البدائية و وضعت حرف (ب). أما الترجمات التى قام بها يوسبيوس من القيصرية، المقسمة إلى عشرة أجزاء، وفقا لأمونيوس السكندرى، فقد ترجمتها إلى لغتنا إلتزاما بالمعنى اليونانى فحسب. وإن كان هناك أي فضولي يود معرفة الأجزاء المتماثلة أو المتفردة أو التى تختلف تماما عن تقسيمة العشرة يمكنه معرفة ذلك. لأن الأخطاء قد تراكمت مع الوقت فى كتبنا، وهو لا يجعل إنجيل ما يتفاوت عن الآخر، وأشرت إليه بحرف (ح).
لقد وقعت أخطاء عند محاولة التوفيق بينها، لذلك ترى خلطاً شديداً فى الترجمات اللاتينية. فأحد الكتبة قد قال أكثر وفى الآخر قد أضافوا إذا تصوروا أنه أقل. وأن مرقس فى أجزاء كثيرة ينقل عن لوقا ومتّى، وأن متّى ينقل عن يوحنا ومرقس، بينما كان كل إنجيل يحتفظ بما يخصه فحسب. فكل واحد منهم قد نقل عن الإنجيل الذى وقع فى يده. لذلك عند قراءة الكشف الذى أقترحه لن يكون هناك أى خلط وسيتم التعرف على المتشابه بينها وعلى ما يخص كل منها بعد أن أستبعدت الخلط والأخطاء.
ففي الكشف الأول يوجد توافق بين الأناجيل الأربعة متّى ومرقس ولوقا ويوحنا. وفى الثانى لا يوجد توافق إلا بين متّى ومرقس ولوقا، وفى الثالث بين متّى ولوقا ويوحنا، وفى الرابع بين متّى ومرقس ويوحنا، وفى الخامس بين متّى ولوقا، وفى السادس بين متّى ومرقس، وفى السابع بين متّى ويوحنا، وفى الثامن بين لوقا ومرقس، وفى التاسع بين لوقا ويوحنا. وفى العاشر ستجد كل مل هو خاص بكل إنجيل ولا يوجد فى الأناجيل الأخرى. وفى كل إنجيل على حدة هناك أجزاء متفاوتة الطول كلما ابتعدنا عن التوافق.
الرقم سيكون باللون السود، وسيتضمن رقماً آخر تحته بالأحمر، لكي يدل فى أي إنجيل يوجد ذلك الجزء المعنى. فعند فتح الكتاب ومحاولة معرفة أى فصل ينتمى لهذه الترجمة أو تلك فإن ذلك سيتضح فوراً من الرقم الذى اضفته من أسفل. وعند الرجوع إلى بداية الطبعة التى توجد فيها القوائم معاً وبفضل إسم الترجمة المحدد فى بداية كل إنجيل يتم العثور على رقم كاتبه مع العناوين المختلفة لكل منهم. ويوجد بجوار هذا الأخير أسماء الفقرات المماثلة. وهكذا يمكن الإطلاع على الأرقام الموجودة فى نفس الفصل. وما أن تتم معاينة هذه المعلومات يمكن التوصل إلى كل واحد مع مراعاة الأرقام التى تم تحديدها يمكن معرفة الأجزاء المتشابهة أو المتماثلة (ب).
أرجو أن تكون بخير فى المسيح وألا تنسانى يا قداسة البابا ".
ولو قمنا بأخذ أهم المقولات التي وردت بهذا الخطاب-المقدمة، لوجدنا ما يلي :
* أن البابا داماسوس Pope Damasus I ، الذي ترأس البابوية لمدة ثمانية عشر عاما قد طلب من القديس جيروم(Jerome) أن يحوّل الكتب القديمة إلى كتب جديدة، وأن يحكم على قيمة تلك الأناجيل المتناثرة فى العالم ليستبعد منها ما حاد عن النص اليوناني، ـ والمعروف أن النص اليونانى ليس النص الأصلي للأناجيل، ولا حتى نص إنجيل يسوع الذى كانت لغته الأرامية .
* خشية جيروم من إتهامه بأنه مزوّر ومدنس للمقدسات لأنه تجرأ وأضاف وغيّر وصحح فى الكتب القديمة !
* معرفته يقينا بأن ما قام به يعد فضيحة في نظر الأتباع، ـ وأي فضيحة !
* لكنه مطمئن، لا لأن البابا شخصيا هو الذى طلب منه القيام بهذا التغيير فحسب، ولكن لمعرفته يقينا : " أن الضلال لا يمكن أن يكون حقا " .. أى أن الكتب السائدة تعد ضلالا في نظره، وهو ما تقره أيضا أقذع الألسنة شراسة فى الهجوم عليه ..
* وأن الترجمة اللاتينية السائدة بها أخطاء وإختلاف بين نصوصها ..
* وأن من قام بالترجمة جهلاء، وبدلوا النصوص بسوء نية، وقاموا بتعديلها !..
* وأن نص إنجيل متّى المكتوب بالعبرية يختلف يقينا عن الذى باللاتينية نظرا لتعدد المصادر التى تمت الإستعانة بها لتكوينه ..
* وأن نصوص الأناجيل الموجودة فى شعوب مختلفة توضح مدى الأخطاء والإضافات التى بها ..
* وأن الترجمة اللاتينية التى قام بها القديس جيروم لا تبتعد كثيرا عن فحوى النسخ اللاتينية السابقة وأنه لم يقم إلا بتصويب الأجزاء التى بدت له بعيدة عن المعنى الحقيقي، وترك الأجزاء الأخرى فى صياغتها البدائية !
* وأن الأخطاء قد تراكمت في هذه الأناجيل، كما وقعت أخطاء عند محاولة التوفيق بينها، لذلك يوجد بها " خلطا شديدا " ننظرا لما أضافه الكتبة من عندهم ..
ثم قام بعمل كشف بالأجزاء المتوافقة و المتشابهة فيما بين الأناجيل بين تعديلها !
فبعد هذا الإعتراف الشديد الوضوح هل يمكن لأحد الإدعاء بأن الأناجيل الحالية منزّلة من عند الله، أو الافتراء ظلما ومساواتها بالقرآن الكريم الذي لم يتبدل فيه حرفاً واحدا منذ أنزله الله سبحانه وتعالى حتى يومنا هذاً ؟!..
ولا يسعني، بعد تقديم هذا الدليل القاطع، إلا مناشدة كافة المسؤلين المسلمين وخاصة كافة اولئك الذين يشتركون فى مؤتمرات الحوار أن يقرأوا ليدركوا أن مساواتهم القرآن الكريم بنصوص الأناجيل الحالية أو الكتاب المقدس برمته يعد مساساً فادحا في حق الإسلام، لكي لا أقول " كفراً " .. فلا يمكن مساواة الحق بالباطل .
وإلى إخواننا المسيحيين بكل فرقهم، لا يسعني إلا تكرار ما سبق وقلته من قبل : أنه لا توجد خصومة شخصية بيني وبين أي مخلوق، ولا أنتقد المسيحية كديانة في حد ذاتها، لكنني ضد عملية فرضها على العالم، ضد تنصير العالم وضد اقتلاع الإسلام والمسلمين، ليؤمن من شاء وليكفر من شاء، لكن تنصير المسلمين أمر مرفوض بكل المقاييس، فالدين عند الله هو الإسلام.
وفيما يلى النص اللاتينى الكامل لخطاب القديس جيروم، ليقوم بمراجعة ترجمته من شاء من إخواننا الكرام :
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1217348235ggj.jpg
Sancti Hieronymi operum Tomus Primus
Incipit praefatio
Sti Hieronymi Presbyteri in
Quatuor evangelia
Beatissimo Papae Damaso Hieronymus
Novum opus facere me cogis ex veteri : ut post exemplaria Scripturarum toto orbe dispersa, quasi quidam arbiter sedeam : & quia inter se variant, quae sint illa quae quum Graeca consentiant veritate, decernam. Pius labor, sed periculosa praesumtio, judicare de coeteris, ipsum ab omnibus judicandum : senis mutare linguam, & canescentem jam mundum ad initia retrahere parvulorum. Quis enim doctus pariter vel indoctus, cum in manus volumen assumserit, & à saliva quam semel imbitit, viderit discrepare quod lectitat ; non statim erumpat in vocem, me falsarium, me clamans esse sacrilegum, qui audeam aliquid in veteribus libris addere, mutare, corrigere ? Adversus quam invidiam duplex caussa me sonsolatur : quod & tu qui summus sacerdos es, fieri jubes : & verum non esse quod variat, etiam maledicorum testimonio comprobatur. Si enim Latinis exemplaribus fides est adhibenda, respondeant quibus : tot enim sunt exemplaria paene quot codices. Sin autem veritas est quaerenda de pluribus : cur non ad Graecam originem revertentes, ea quae vel à vitiosis interpretibus male edita, vel a praesumtoribus imperitis emendata perversius, vel à librariis dormitantibus aut addita sunt, aut mutata, corrigimus ? Neque vero ego de Veteri disputo Testamento, quod à septuaginta quid Aquila, quid Symmachus sapiant, quare Theodotion inter novos & veteres medius incedat. Sit illa vera interpretatio quam Apostoli probaverunt. De novo nunc loquor Testamento : quod Graecum esse non dubium est, excepto Apostolo Matttheo, qui primus in Judaea Evangelium Christi Hebraïcis litteris edidit. Hoc certe quum in nostro sermone discordat, & (a ) diversos rivulorum tramites ducit : uno de fonte quaerundum est. Praetermitto eos codices quos à Luciano & Hesychio nuncupatos, paucorum hominum asserit perversa contentio : quibus utique nec in veteri Instrumento post septuaginta Interpretes emendare quid licuit, nec in novo profuit emendasse : quum multarum gentium linguis Scriptura ante translata, doceat falsa esse quae addita sunt. Igitur haec praesens praefatiuncula pollicetur quattuor tantum Evangelia, quorum ordo est iste, Matthaeus, Marcus, Lucas, Johannes : codicum Graecorum emendata collatione, sed veterum. Quae ne multum à lectionis Latinae consuetudine discreparant, ita calamo ( b)temperavimus, ut his tantum quae sensum videbantur mutare correctis, reliqua manere pateremur ut fuerant. Canones quoque, quos Eusebius Caesariensis Episcopus Alexandrinum sequutus Ammonium, in decem numeros ordinavit, sicut in Graeco habentur, expressimus. Quod si quis de curiosis voluerit nosse, quae in Evangeliis, vel eadem, vel vicina, vel sola sint, eorum distinctione cognoscat. Magnus siquidem hic in nostris codicibus error inolevit, dum quod in eadem re alius Evangelista plus dixit, in alio quia minus putaverint, (c)addiderunt. Vel dum eumdem sensum alius aliter expressit, ille qui unum è quattuor primum legerat, ad ejus exemplum coeteros quoque aestimaverit emendandos. Unde accidit ut apud nos mixta sint omnia, & in Marco plura Lucae atque Matthaei, Rursum in Matthaeo plura Johannis & Marci, & in coeteris reliquorum quae aliis propria sunt, inveniantur. Quum itaque canones legeris qui subjecti sunt, consusionis errore sublato, & similia omnius scies, & singulis sua quaeque restitues. In Canone primo concordant quattuor, Mattheeus, Marcus, Lucas, Johannes. In secundo tres, Matthaeus, Marcus, Lucas. In tertio tres, Matthaeus, Lucas, Johannes. In quarto tres, Matthaeus, Marcus, Johannes. In quinto duo, Matthaeus, Lucas . In sexto, Matthaeus, Marcus. In septimo duo, Matthaeus, Johannes. In octavo duo, Lucas, Marcus. In nono duo, Lucas, Johannes. In decimo, propria (a) unusquisque quae non habentur in aliis, ediderunt. Singulis vero Evangeliis : ab uno incipiens usque ad sinem librorum, dispar numerus increscit. Hic nigro colore praescriptus, sub se habet alium ex minio numerum discolorem, quid ad decem usque procedens, indicat prior numerus, in quo sit canone requirendus. Quum igitur aperto codice, verbi gracia, illud sive, illud capitulum scire volueris cujus Canonis sit, statim ex subjecto numero doceberis, & recurrens ad principia, in quibus Canonem est distincta congeries, eodemque statim Canone ex titulo frontis invento, illum quem quaerebas numerum ejusdem Evangelistae, qui & ipse ex inscriptione signatur, invenies ; atque à vicino caeterorum tramitibus inspectis, quos numeros è regione habeant, annotabis : & quum scieris recurres ad volumina singolorum, & sine mora repertis numeris quos ante signaveras, reperies & loca in quibus vel eadem, vel vicina didixerunt (b). Opto ut in Christo valeas, & mei memineris Papa beatissime.
(a) Ita MSS. omnes antiquiores ac melioris notae. Aliquot recentiores cum
editis legunt, in diversos rivulorum tramites : vel, ad diversosos, G c.
(b) Codices MSS. quamplures, imperavimus
(c ) Consule quae in Prolegomenis nostris diximus de Latino Matthaei Evangelio usu recepto in Ecclesia ante Hieronymum, ubi exempla proposuimus additamentorum hujusmadi.
تستقبل الدكتورة زينب عبد العزيز رسائلكم وتعليقاتكم على المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
11-12-2013, 06:34 PM
الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بين القبول والمعارضة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12162283131418142613_3b09512947_m.jpgإعداد الأستاذ الدكتور كارم السيد غنيم
أستاذ علم الحشرات ـ جامعة الأزهر
أمين عام جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
نال الإعجاز العلمي والتفسير العلمي للقرآن الكريم القبول والتقدير، كما أنه تعرض للرفض والإنكار وذلك لا يقلل من أهميته ولا يهون من حقيقته أو ينال منها، إذ إن الاختلاف في الرأي والتباين في الفهم من ظواهر الفكر وسنن التفكير بين البشر، خاصة في الموضوعات التي يكون للعقل والمنطق فيها دور أكبر من دور الحس والمشاهدة.
ومهما بلغت الأمور درجة اليقين، فغن بعض الناس يجادلون فيها، ولا أدل على ذلك من المراد والإنكار للألوهية ووجود الله سبحانه وتعالى الذي يصدر عن الملحدين بالرغم من وجود البراهين العقلية والحسية والسبب هو أن عقولهم لا تقتنع إلا بالمشاهد الملموسة وترفض الغيبي المعقول.
ولهذا فإننا لا ننزعج من موقف المعارضين للإعجاز العلمي والتفسير العلمي للقرآن الكريم بشرط أن تكون نواياهم حسنة وأن يحاولوا معرفة الحقيقة وأن ينصاعوا لها، فالرجوع إلى الحق فضيلة. ونحن في هذا الموقف الخلافي بين المؤيدين والمعارضين نتذكر قول الله سبحانه وتعالى: ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) [سورة هود].
وقوله سبحانه وتعالى: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ) [سورة الكهف]
وفيما يلي نعرض لأهم نقاط الموضوع الحالي:
المؤيدون للإعجاز العلمي في القرآن الكريم
والمؤيدون للإعجاز العلمي فئتان:
- فئة المؤيدين للإعجاز العلمي لمجرد اعتقادهم بالإعجاز المطلق للقرآن الكريم وإيمانهم بأنه مجمع الحقائق وكنز المعارف المحتوي على أمثلة لكل العلوم، وللأسف فإن حظهم قليل من الإدراك الموضوعي للإعجاز العلمي وللفهم القائم على معرفة العلوم الكونية. ويمكن أن نطلق عليهم المؤيدون إيمانياً، وهم السلف من علماء المسلمين بسبب عدم توافر العلوم الكونية لديهم ولغيرهم من العلماء الذين عاشوا في هذه العصور.
- وفئة المؤيدين للإعجاز العلمي إيماناً بمعجزة القرآن الكريم، بالإضافة لتوافر العلوم الكونية لديهم والتي فهموا بها مدلول الآيات القرآنية ذات الإشارات العلمية فهماً صحيحاً، وهم العلماء الذين عاشوا في عصور الاكتشافات الكونية وتفر المعارف عن أمور الفطرة سواء كانوا من المتخصصين في العلوم الطبيعية أم كانوا من علماء الدين الذين توافرت لديهم المعارف الكونية. ويمكن أن نطلق عليهم "المؤيدون إيماناً وعملاً" ولا شك أن المؤيدين من الفئة الثانية أكمل فهماً للإعجاز العلمي من الفئة الأولى، وذلك مصداقاً لقوله سبحنه وتعالى:(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)[سورة الزمر].
وينطلق التأييد للإعجاز العلمي من قناعات لدى المؤيدين نذكرها باختصار فيما يلي:
1- الإيمان بالإعجاز المطلق للقرآن الكريم وبوجهيه: البياني والموضوعي وبالإعجاز العلمي المتفرع عنها.
2- كل ما جاء بالقرآن الكريم حق وصدق والموجودات والظواهر والسنن الكونية تطابق الإشارات العلمية القرآنية وهي بتلك المطابقة تثبت وتأكّد مصداقية القرآن في حديثه عن الكون وكافة المخلوقات، كما تعطي للإعجاز استمرارية كلما تكشف أمر في الكون وكان مطابقاً للإشارة العلمية بالقرآن الكريم.
3- وبجانب الأدلة العقلية التي ذكرناها، توجد الأدلة النقلية من القرآن الكريم ممثلة في جملة من الآيات القرآنية نذكر بعضها في ما يلي:
قوله سبحانه وتعالى: ( ما فرّطنا في الكتاب من شيء.... ) [سورة الأنعام]
وقوله سبحانه وتعالى: (ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء.... ) [سورة النحل]
هذا وقد سبق وتحدثنا عن الآيات التي تشكل دليلاً نقلياً على الإعجاز العلمي.
مقتطفات من أقوال المؤيدين للإعجاز العلمي
لقد تنوعت ثقافات وتخصصات المؤيدون للإعجاز العلمي كما تنوعت معتقداتهم مما يثبت أن الإعجاز العلمي انتشر بين العقول كحقيقة علمية واستقر على ساحة الفكر كمنهج علمي يقبل عليه العلماء ويقبلونه. وسنكتفي لعدد قليل من المؤيدين كما سنختصر أقوالهم، ونحيل إلى ما ذكرناه من المؤلفات وإلى غيرها مما لم نذكره، وهي حافلة بالأقوال والشواهد التي تؤكد حقيقة الإعجاز العلمي ونقدم أقوال المؤيدين فيما يلي:
1- يقول الدكتور / محمد إبراهيم الجيوشي (1): إن القرآن الكريم قد أسبغ الحديث في السور المكية عن إنشاء الله سبحانه وتعالى للمخلوقات إنساناً أو حيوناً أو نباتاً أو جماداً، ومزج هذا الاستدلال بكثير من الإشارات التي يستفيد منها العلماء في مجالات تخصصاتهم، سواء كانوا علماء أجنة أو نبات أو فلك.... الخ (2)
ويقول أيضاً: كان مدار البحث في القرآن منصب على بلاغته وأسلوبه إلا أن الحقيقة أن التحدي بالقرآن لم يقتصر فقط على هذه الناحية البلاغية، بل شمل إلى جانب ذلك إخباره بالغيبيات واشتماله على النظم والقوانين التي يصلح عليها أمر الناس في معاشهم ومعادهم، واشتماله على النظم والقوانين التي يصلح عليها أمر الناس في معاشهم ومعادهم واشتماله على الحقائق الكونية التي تنكشف للناس بعض جوانبها يوماً بعد يوم كلما تقدمت المعارف الإنسانية وازدادت حصيلة البشر من العلوم الطبيعية والإنسانية... كل ذلك يكشف عن جانب من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، والذي لا شك فيه أن هناك جوانب كثيرة من جوانب الإعجاز ستنكشف للناس باتساع دائرة المعارف والعلوم والمكتشفات في حقائق الكون والحياة.
2- يقول الدكتور / محمد عبد المنعم القيعي:... وأصحاب العلوم الكونية على اختلاف تخصصاتهم يجدون في القرآن الكريم الإشارات اللماحة إلى بعض الحقائق من غير تعرض للتفصيل حتى لا يقفوا ببحوثهم عند نقطة معينة.
3- يقول الشيخ / محمد عبد العظيم الزرقاني: القرآن الكريم يحض على الانتفاع بالكون... إقرأ قوله سبحانه وتعالى: (ألم أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً ) [سورة النور] قل لي بربك ألا يمتلكك العجب حين تقرأ هذا النص القرآني الذي يتفق وأحدث الكشوف العلمية في الظواهر الكونية... اثبتوا العلم ثم اطلبوه في القرآن فإنكم لا شك يومئذ واجدوه.
4- يقول الشيخ / مصطفى المراغي: والزمان كفيل بتأييد قضايا الكتاب الكريم مهما طال عليها الأمد، وكلما تقدم العلم ذكر صدق ما أخبر به...
5- يقول حجة الإسلام / أبو حامد محمد الغزالي: العلوم كلها داخلة في أفعال الله وصفاته، وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته، وهذه العلوم لا نهاية لها، بل كل ما أشكل فيه النظار في النظريات والمعقولات ففي القرآن إليه رموز ودلالات عليه، يختص أهل الفهم بدركها.
6- كان فخر الدين الرازي ( 606 – 544 هـ) قد أعلن أن القرآن لا يعبأ لا بالعلوم الدينية، ورفض التفسير العلمي، ولكنه عندما انتقل إلى العلم التطبيقي أكثر من التفسير العلمي وقال: ربما جاء بعض الجهال والحمقى وقال: إنك أكثرت من تفسير كتاب الله من علم الهيأة والنجوم...
7- وأعلن محمد بن عبد الله، المعروف بابن أبي الفضل المرسي ( 655 – 570 هـ ) أن القرآن جمع علوم الأولين والآخرين...، ثم قال: وقد احتوى علوم مثل الهيأة والنجامة وفيه أصول الصنائع.
8- ويقول محمد بن أحمد الشربيني الخطيب ( 1570 – 977هـ ): لا نهاية لأسرار علوم القرآن، ففي كل زمن يكتشف منها جديد لم يعرفه السابقون.
9- وألف محمد بن أحمد الطبيب الاسكندراني ( 1306هـ ) عدة كتب تتناول الآيات الكونية، يستنبط من يقروها أن القرآن يحوي أسرار العلوم والكون وهو يقول في أحد كتبه:.... والقرآن تحدث بهذه العلوم في فروعها المختلفة ونظرياتها واكتشافاتها الحديثة قبل أن يعرفها العلم البشري وهذا من الإعجاز بالأخبار الغيبية.
10- وأعلن محمد بن عبد الله الآلوسي ( 1270 - 1217 هـ ): أن الله ذكر في القرآن جميع ما يحتاج إليه من أمر الدين والدنيا وعالج الألوسي في تفسيره كثيراً من المسائل العلمية والكونية، وذلك عند تفسيره للآيات القرآنية المتعلقة بهذه الموضوعات.
11- وألّف أحمد مختار باشا ( 1337 – 1253هـ ) كتاباً باللغة التركية سماه الرافعي ( سرائر القرآن ) بناه على سبعين آية فسرها بآخر ما انتهى إليه العلم الحديث في الطبيعة والفلك، وأعلن أن في القرآن إشارات وآيات بينات في مسائل ما برحت العلوم الطبيعية نحاول الكشف عن كنهها.
12- وقال الشيخ / محمد بخيت المطيعي: إن القرآن شامل لجميع العلوم الباحثة عن دقائق الأعيان الكونية في العوالم كلها، سماوية وأرضية وجوية وجسمانية... ولا شيء مما قاله علماء الهيئة يصادم شيئاً من الآيات والأحاديث، بل إن كلاً منها كما يتمشى ما قاله علما الهيئة القديمة، يتمشى مع ما قاله علماء الهيئة اليوم. وقد صرح بذلك في كتابين ألفهما وهما: ( تنمية العقول الإنسانية لما في القرآن من العلوم الكونية والعمرانية ) و ( وتوفيق الرحمن للتوفيق بني ما قاله علماء الهيئة وبين ما جاء في الأحاديث الصحيحة وآيات القرآن ).
13- وأعلن مصطفى صادق الرافعي ( 1356 – 1298هـ ) قائلاً القرآن الكريم معجزة في تاريخ العلم كله.. ولعله متحققاً بالعلوم الحديثة لو تدبر القرآن وأحكم النظر فيه وكان بحيث لا تعوزه أداة الفهم لاستخرج منه إشارات كثيرة تومئ إلى حقائق العلوم...
14- يقول الدكتور / عبد العزيز إسماعيل: حقاً إن القرآن الكريم ليس بكتاب طب أو هندسة أو فلك أو أي علم من العلوم الطبيعية، ولكنه يضم آيات تحتوي على كثير من الحقائق التي لم يعلمها العلماء إلا حينما كشف العلم الحديث عن معناها بعد مرور ألف سنة على ظهور الدين الإسلامي. وهناك آيات لم تتقدم العلوم لتفسيرها إلى الآن وستنكشف كلما تقدمت العلوم ويشير القرآن إلى سنن طبيعية، وبما أنه صادر من واضع السنن الطبيعية، سبحانه وتعالى وهو الواضع للسنن كلها، فإن جميع ما في القرآن حق، وإن لم يدرك ذلك وقت نزول القرآن إلى على طريق الإجمال أو التأويل.
وقد خاطب القرآن الناس على قدر عقولهم، على أنه لم يقل إلاً حقاً.... ويقول الشيخ / محمد مصطفى المراغي معقباً لعله يكون لكتاب الدكتور / عبد العزيز إسماعيل تأثيراً عظيماً في التدليل على إعجاز القرآن من الناحية الطبية.
15- يقول الدكتور / محمد وصفي: ما زالت معجزات القرآن العلمية يكشفها العلم... وسنرى اليوم الذي ببحث فيه العالم في الكتاب الكريم عن بغيته ويحاول استخراج كنوز العلوم والفنون من بين كلماته ومعانيه.
16- ويقول الشيخ / محمد عبد الله دراز: إن القرآن استخدم الحقائق الكونية الدائمة في الدعوة إلى الإيمان وإلى الفضيلة، والقرآن في مسلكه بين مجالات اللوم لا يتأرجح أبداً، والحقائق التي يسوقها كانت وستظل لا تقهر.
17- يقول الدكتور / عبد الرزاق نوفل: الإعجاز العلمي للقرآن لا يقتصر على إيراد الآية للحقيقة العلمية قبل أن يجيء بها العلم بالمئات من السنين، ولكننا نجد أن الآية الواحد تحمل أكثر من حقيقة واحدة وتشير إلى أكثر من معنى واحد من المعاني العلمية – وهذا وجه من إعجاز القرآن العلمي.
18- ويقول الدكتور / محمد حسين الذهبي عن التفسير العلمي للقرآن الكريم: هو التفسير الذي يحكم الاصطلاحات العلمية في عبارات القرآن ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها.
19- ويقول الدكتور /عفيفي عبد الفتاح بارة: القرآن كتاب هداية وإرشاد... ومع ذلك لم تخل آياته من حقائق كثيرة في المسائل الطبيعية والطبية والجغرافية، عرف بعض أسرارها في العصر الحديث.
20- ويعلن الشيخ / محمد الغزالي بأن من أسرار إعجاز القرآن الكريم احتواؤه على أسرار علمية، لم تهتد العقل إليها بعد عصر القرآن إلا بمعونة الآلات والأدوات الدقيقة.
21- يقول الأستاذ الدكتور / محمد أحمد الغمراوي: العلم الكوني تفسير لآيات القرآن الكريم الكونية، وفي القرآن آيات تنطوي على حقائق علمية لم تثبت إلا حديثاً، وكل منها معجزة علمية قرآنية تثبت بالعقل والحس الملموس لا باللغة فقط... والقرآن بذلك سبق العلم الحديث إلى حقائق كونية... ويتوقف على فقه الآيات الكونية تيسير الدعوة إلى دين الله في هذا العصر، عصر العلم الحديث... والتفسير العلمي ليس بدعة ابتدعها أصحابها في هذا العصر، بل تجد بين قدامى المفسرين من ينتهجه مطبقين في عصرهم، ما يقابل العلم الحديث في عصرنا كالزمخشري وكذلك الفخر الرازي الذي يمتلئ تفسيره بالتفسير العلمي، وكالشيخ محمد عبده في تفسيره....
والإعجاز العلمي شمل كل ما عدا الناحية البلاغية، فهو يشمل الناحية النفسية وكيف اقتاد القرآن النفس ويقودها طبق قوانين فطرته، ويشمل الناحية التشريعية وكيف نزلت أحكام الفطرة طبق قوانين الفطرة للأفراد والجماعات، ويشمل الناحية التاريخية التي لم يكن يعلمها البشر وكشف عنها التنقيب، ثم يشمل الناحية الكونية، ناحية ما فطر الله عليه الإنسان والكائنات في الأرض، وما فطر عليه الأرض وغير الأرض في الكون، وهذا فهمنا للناحية العلمية على أوسع معانيها.... والواقع إن موضوع إعجاز القرآن لا يزال بكراً برغم كل ما كتبه فيه.
يتبــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
11-12-2013, 06:39 PM
يتبــــع الموضوع السابق
الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بين القبول والمعارضة
22- يقول الشيخ / عبد المجيد الزنداني: الإعجاز العلمي في القرآن الكريم هو علم الله
الذي يصف أسرار الخلق في شتى الآفاق، يقرر البداية ويصف أسرار الحاضر ويكشف غيب المستقبل الذي ستكون عليه سائر المخلوقات، وعندما دخل الإنسان في عصر الاكتشافات العلمية، وامتلك أدق الأجهزة للبحث العلمي، وأخذ يبحث عن الأسرار المحجوبة في آفاق الأرض والسماء، وفي مجالات النفس البشرية، فإذا ما تكاملت الصورة وتجلت الحقيقة ظهرت المفاجأة الكبرى وبتجلي أنوار الوحي الإلهي الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل عشرات القرون بذكر هذه الحقائق في آية من القرآن أو في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدقة علمية معجزة وعبارات مشرقة
إن التفسير العلمي هو الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجمت صحته من نظريات العلوم الكونية. أما الإعجاز العلمي فهو إخبار القرآن الكريم والسنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.... وهكذا يظهر اشتمال القرآن الكريم أو الحديث النبوي على الحقيقة الكونية التي يؤول إليها معنى الآية القرآنية أو الحديث، ويشاهد الناس مصداقها في الكون، فيستقر عندها التفسير ويعلم بها التأويل، كما قال سبحانه وتعالى: ( لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون... ) [سورة الأنعام] وقد تتجلى مشاهد أخرى كونية عبر القرون تزيد المعنى المستقر وضوحاً وعمقاً وشمولاً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلام، وكلمات القرآن تتعد معانيها...
23- وقال أحمد عبد السلام الكرداني: لا يجوز أدباً أن تحول الغيرة على القرآن الكريم – كما يزعم البعض – دون إظهار الإعجاز العلمي لآيات القرآن، بالمطابقة التامة بين ظاهر معناها الحرفي وبين الثابت اليقيني من حقائق العلم الحديث.
24- ويقول محمد إسماعيل إبراهيم: إعجاز القرآن – من ناحيته البيانية والعلمية – حقيقة كبرى يتجلى وضوحها لكل من درس علوم القرآن واستطاع أن يزداد بما وصل إليه العلماء المتخصصين في مباحث العلوم الطبيعية أو الاجتماعية أو النفسية.
25- ويقول الدكتور / عبد الله شحاته: من إعجاز القرآن إشاراته إلى علوم لم يعرفها السابقون... ورغم أن المقصود الاسمي منه هو الهداية فقد حوى مع ذلك أصول الإعجاز التشريعي والنفسي والبياني والعلمي...
26- يقول الدكتور / موريس بوكاي: تناولت القرآن منبهاً بشكل خاص إلى الوصف الذي يعطيه إلى حشد كبير من الظواهر الطبيعية لقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات، والتي لم يكن ممكناً لأي إنسان في عصر محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون عنها أدنى فكرة، وأذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرات. وقد قرأت إثر ذلك مؤلفات كثيرة خصصها كتاب مسلمون للجوانب العلمية في نص القرآن... إن أول ما يثير الدهشة في روح من يواجه مثل هذا النص لأول مرة هو ثراء الموضوعات المعالجة: فهناك الخلق، وعلم الفلك وعرض لبعض الموضوعات الخاصة بالأرض، وعالم الحيوان، وعالم النبات، والتناسل الإنساني... وعلى حين نجد في التوراة أخطاء علمية ضخمة، لا نكشف في القرآن أي خطأ. وقد دفعني ذلك لأن أتساءل لو كان كاتب القرآن إنساناً، فكيف استطاع في القرن السابع من العصر المسيحي أن يكتب ما اتضح أنه يتفق اليوم مع المعارف العلمية الحديثة ....
27- يقول دكتور / روجيه جارودي: إنني تتبعت كل الآيات القرآنية التي لها ارتباط بالعلوم التطبيقية والطبية التي درستها منذ صغري وأعرفها جيداً، فوجدت هذه الآيات منطبقة كل الانطباق على معارفنا الحديثة... ولقد أسلمت لأنني تيقنت أن محمد صلى الله عليه وسلم أتى بالحق الصراح من قبل ألف سنة... ولو أن كل صاحب فن من الفنون أو علم من العلوم، قارن كل الآيات القرآنية المرتبطة بما تعلم، كما فعلت أنا لأسلم بلا شك، إن كان عاقلاً خالياً من الأغراض.
28- ويقول الشيخ محمد محمد أبو شهبة: لو كان المسلمون فهموا واستفادوا مما جاء في القرآن لكان المسلمون أسبق الأمم إلى الكشوف العلمية والاختراع.
الخلاصة:
مما سبق عرضه من المؤيدين للإعجاز العلمي – وهم كما قلنا يختلفون في الثقافات ما بين تخصصات في العلوم الدينية وتخصصات في العلوم الكونية – نقدم التلخيص التالي:
1- القول بالإعجاز العلمي ممتد عبر التاريخ الإسلامي، وقام بالتفسير العلمي للقرآن الكريم بعض قدامى المفسرين، وهو مطلب معاصر يتفق عليه المتخصصون في العلوم الدينية والمتخصصون في العلوم الكونية، ويرون أن المكتشفات والمعارف العلمية الحديثة تعين على فهم وتفسير الآيات الكونية بالقرآن الكريم.
2- يتفق المؤيدون للإعجاز العلمي على أن القرآن الكريم كتاب هداية وليس بكتاب لتدريس العلوم الكونية، وما جاء به من إشارات علمية إنما هو من باب الاستيعاب للحقائق الكونية. وأن القرآن استخدم الحقائق الكونية في الدعوة إلى الإيمان والفضيلة وهذه الحقائق الكونية تقف شاهداً على صدق القرآن الكريم، ليظل حجة على الناس كلما انتشرت العلوم الطبيعية ويصبح ذلك من عناصر خلوده.
المعارضون للإعجاز العلمي في القرآن الكريم
فئات المعارضين:
هم فئات ثلاثة، من حيث الدوافع إلى المعارضة:
· الفئة الأولى: تخشى على مصداقية القرآن إذا ارتبط تفسيره بالعلوم الكونية وما بها من معلومات متغيرة، مما ينعكس على استقرار التفسير العلمي للقرآن الكريم، كما يخشون على تطويع معاني الكلمات ومدلول الآيات بما وصلت إليه العلوم الكونية، وهو ما يعرف عند المعارضين بـ ( لي أعناق الآيات القرآنية ) فهم يرفضون الإعجاز العلمي والتفسير العلمي إذن من باب الحرص على القرآن الكريم، ونطلق عليهم ( فئة المتخوفين )
· والفئة الثاني: لا ترى دليلاً على الإعجاز العلمي ولا ترى في كلمة ( الكتاب ) وكلمة ( شيء ) الواردتين بالآيات القرآنية دليلاً على عكس ما يراه المؤيدين فعندهم معنى الكتاب هو ( اللوح المحفوظ) أو ( أم الكتاب ) وتكتفي هذه الفئة بالإعجاز اللغوي والبياني... وتقول بأن القرآن كتاب هداية وتشريع... ونطلق عليهم ( فئة المعطلين )
· الفئة الثالثة: ترفض الإعجاز العلمي بسبب نظرتهم الإلحادية وكفرهم بالقرآن أو بسبب الحسد والحقد على القرآن لتفوقه على سائر الكتب الدينية وانفراده بالإعجاز الشامل ومنه الإعجاز العلمي، ونطلق عليهم ( فئة الجاحدين الحاقدين )
وبعد فإننا لا ننزعج من موقف المعارضين للإعجاز العلمي، كما قلنا من قبل، وسوف ندير حواراً معهم لنذكر أقوال بعضهم ونرد عليها.
وعموماً، فإننا نحسن الظن بالفئة الأولى ولا نتهمهم ولا نقول لهم: ( قولكم حق أريد به باطل )
وأما الفئة الثانية فنقول لهم: لقد سبقكم من لم يكونوا مقتنعين بالإعجاز العلمي وبعد الدراسة والتأمل والاطلاع والرجوع إلى المتخصصين في العلوم الكونية أدركوا الصواب واقتنعوا بالإعجاز العلمي، فسيروا على نهجه لتصلوا إلى ما وصلوا إليه.
وأما الفئة الثالثة فنقول لهم: أعملوا عقولكم وتخلوا عن الاعتراض والعناد وتخلصوا من الحسد والأحقاد وسوف تتجلى لكم الحقيقة وتدركون الصواب وتناولوا موضوع الإعجاز العلمي بتفكير علمي مجرد، كما فعل بعض مشاهير العلماء الغربيين غير المسلمين فأدركوا معجزة القرآن وآمنوا بأنه ليس من صنع البشر وأنه فوق قدرات البشر.
مقتطفات من أقوال المعارضين
حركة الرفض للتفسير العلمي والإعجاز العلمي، إحداها - أو كلها – هي كما قلنا، من قبيل الخلافات في الرأي التي هي من ظواهر التفكير البشري وربما بدأت بصورة واضحة من بعض المفسرين – في القرن السادس الهجري كرد فعل على ما فعله المفسر الفخر الرازي باستخدامه للمعارف الكونية في تفسيره للقرآن الكريم، وذلك باب من الاجتهاد والتوسع في شرح آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن آيات الله الكونية وربما وجد معارضوه في عمله هذا، ومن وجهة نظرهم خروجاً على منهج التفسير التقليدي الذي ألفوه، ووجدوا منه إسرافاً في استخدام المعارف العلمية في التفسير.
ولقد تزعّم الشاطبي في أواخر القرن الثامن الهجري حركة الرفض، وكان اعتراضه على المبالغة والتجاوز، وفسره بالتوسع في استخدام المعارف الكونية في تفسير القرآن الكريم، واستمر الرفض إلى يومنا هذا من بعض العلماء المسلمين، وخاصة في مواجهة الإسراف والتهافت العلمي. ولا شك أن المؤيدون للإعجاز العلمي والتفسير العلمي يطالبون بوضع وإتباع منهج سلمي في التعامل مع كل ما يتعلق بدراسة القرآن الكريم ويرفضون كل تجاوز في التفسير العلمي وسوف نؤكد ذلك ونوضحه في الفصول اللاحقة... وفي هذه الفقرة نقدم مقتطفات من أقوال المعارضين ونعقب عليها، بل ونرد عليها من أقوالهم:
1- الشاطبي: هو إبراهيم بن موسى النجمي ( 790هـ ) وهو أشهر من حملوا لواء الرفض من القدامى للتفسير العلمي، وتأثر بأفكاره وتابعه في الرفض بعض من جاء بعده من العلماء، قدامى ومحدثين، حتى يمكن القول أنه مؤسس رابطة الرافضين. فقد أعلن أن كثيراً من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن وأضافوا إلهي كل علم من علوم الطبيعيات والمنطق وعلم الحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها. وقال: إن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تلاهم كانوا أعرف بالقرآن وعلومه ولم يبلغا أن أحداً منهم تكلّم في شيء من هذا المدعى...
ونردّ عليه بقولنا: إن الصحابة والتابعين فهموا القرآن الكريم فهماً دقيقاً في تشريعاته وعباداته وأخلاقياته، ولكنهم فهموا آيات القرآن الكونية فهماً إجمالياً وقوفاً عند المعاني اللغوية للكلمات، ولم يكونوا في حاجة إلى الدخول في تفاصيل المعارف الكونية لأنها لم تكن واردة في ثقافتهم ولم تكن معلومة لهم.
وبالنسبة للإعجاز القرآني فقد كانوا يؤمنون بإعجازه المطلق وبإعجازه لغة وموضوعاً، ولم يتضلعوا في الإعجاز العلمي لغموض الإشارات العلمية عليهم وافتقارهم وافتقار العالم في عصرهم إلى العلوم الطبيعية القائمة على الكشوف والدراسات العلمية...
ومن الملاحظ أن الشاطبي تمادى في تجريد القرآن من الإضافات الموضوعية بصفة عامة حتى زعم بأمية الشريعة وقال: إن القرآن تضمن علوماً هي من جنس علوم العرب... ولو كانت الشرعية غير ما يعهدون لم يكن القرآن عندهم معجزاً.
ومن الردود عليه قول محمد الصادق عرجون: ذهب الشاطبي مذهباً غريباً لا يلائم منصبه في العلم، وقوله بأمية الشريعة الإسلامية متهافت إذ لا دخل لأمية النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور... كما رد على قوله بأن القرآن لو لم يكن على ما يعهدون لم يكن عندهم معجزاً.
ومما سبق يتبين أن الشاطبي كان له فهم للجانب الموضوعي للقرآن يجعل من العسير عليه إدراك وجه الإعجاز العلمي ويجعله رافضاً للتفسير العلمي وربما يكون انشغاله بعلم القراءات وتفوّقه فيه جعله عازفاً عن إدراك الإعجاز الموضوعي للقرآن الكريم.
وربما جاء موقف الشاطبي الرافض للتفسير العلمي بصفة خاصة – كما ذكرنا من قبل – منصباً على التجاوزات وكرد فعل ضد الإسراف الذي يراه قد يكون صدر من بعض المفسرين. وبسبب عدم وجود المنهج والضوابط، وبهذا لا يكون اعتراضه على المبدأ ولكن على سلبيات العلم، وفي هذه الحالة يكون متفقاً مع المؤيدين المحدثين الذين يحذرون من الإفراط في التفسير العلمي والإعجاز العلمي ويطالبون بالمنهج والضوابط والعلم والدراية.
2- رشيد رضا: صاحب تفسير المنار – رفض التفسير العلمي والإعجاز العلمي اعتماداً على ما قاله الشاطبي ولعله في ذلك معذوراً لما شاهده من الإسراف وعدم الانضباط الذي صدر عن بعض المفسرين القدامى ومع ذلك، لم يرفض الإعجاز العلمي وقال: ( إن القرآن أبان كثيراً من آيات الله في جميع أنواع المخلوقات من الجماد والنبات والحيوان والإنسان، وقد عجز الزمان عن إبطال شيء منه... واشتمل القرآن على كثير من المسائل العلمية والتاريخية التي لم تكن معروفة في عصر نزوله ثم عرفت بعد ذلك بما انكشف للباحثين والمحققين من طبيعة الكون وسنن الله في الخلق... )
3- أمين الخولي: استند إلى رأي الشاطبي في رفض التفسير العلمي وأضاف إلى ذلك رأيه وأدلته وقال: ( هب هذه المعاني العلمية المدعاة كانت هي المعاني المرادة بالقرآن، فهل فهمها أهل العربية منه إذ ذاك وأدركوها ؟ وهل هو كتاب يتحدث إلى عقول الناس وقوهم العالمة عن مشكلات الكون وحقائق الوجود العلمية... وكيف يساير ذلك حياتهم ؟ وكيف تؤخذ جوامع الطب والفلك والهندسة والكيمياء من القرآن. وهي جوامد لا يضبطها اليوم أحد إلا بغير ضبط لها بعد يسير من الزمن أو كثير ؟ أما ما اتجهت إليه النوايا الطبية من جعل الارتباط بين كتاب الدين والحقائق العلمية المختلفة ناحية من نواحي بيان صدقه أو إعجازه أو صلاحيته للبقاء... الخ، فربما كان ضرره أكثر من نفعه.
ثم يخفف من اعتراضه بما يشبه الموافقة فيقول: ( قد يبدو في تعبير القرآن ما يظهر متعارضاً مع شيء من المقررات العلمية، وإن أمكن التوفيق بينهما فلا بأس بشيء من هذا ولا فيه ضرر )
والمؤيدون يفعلون ذلك ولكنهم يعلنون قائلين: ( هذا هو الإعجاز العلمي، وهذا هو توضيح معاني الآيات الكونية بالقرآن الكريم ) ويظهر أن الخلاف في طريقة العرض وليس في المبدأ
4- محمد عبد العظيم الزرقاني: اتخذ موقفاً وسطاً فقد آمن بالإعجاز العلمي – كما سبق أن ذكرنا – وفي الوقت نفسه رفض التفسير العلمي، ولكن آراءه جاءت خليطاً فهو يقول: ( إن الأسلوب الذي اختاره القرآن في التعبير عن العلوم الكونية أسلوب بارع، جمع بين البيان والإجمال في سطر واحد، بحيث يمر النظم القرآني على سامعيه في كل جيل فإذا هو واضح فيما سبق له من هداية الإنسان، ثم إذا هو مجمل التفاصيل يختلف الخلق في معرفة تفاريعه ودقائقه باختلاف ما لديهم من مواهب ووسائل وعلوم... وهذه العلوم الكونية لم توضع لتخدم القرآن في شرح آياته أو بيان أسراره، وإنما ذكر منها ما ذكر للهداية... ولا تتوقف عظمة القرآن على أن ننتحل له وظيفة جديدة ما أنزل الله بها من سلطان فإن وظيفته في هداية العالم أسمى وظيفة في الوجود...
وهكذا خلط الزرقاني بين القول بوجود حقائق كونية بالقرآن الكريم وبين القول بوظيفته في هداية العالم، وتصوّر أن هناك تضارباً بين القولين، وهكذا تتولد الدوافع الفكرية لدى المعارضين.
5- فضيلة الشيخ / محمود شلتوت وأنصاره يقولون عن التفسير العلمي: ( إنهم طائفة المثقفين الين أخذوا بطرف من العلوم الحديثة ثم نظروا في القرآن وتأوّلوا على نحو زين لهم أن يفتحوا في القرآن فتحاً جديداً، فأفسد ذلك عليهم أمر علاقتهم بالقرآن... هذه النظرة إلى القرآن خاطئة من غير شك، لأن الله لم ينزل القرآن ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف. وهي خاطئة – من غير شك - لأنها تحمل أصحابها على تأويل القرآن تأويلاً متكلفاً يتنافى مع الإعجاز، ولا يسبقه الذوق السليم...
ونعقب نحن قائلين: إن القرآن كتاب هداية ولم ينزله الله سبحانه وتعلى لتعليم الناس بعض الأمور الكونية هذا صحيح، ولكن في الوقت نفسه تنزل القرآن الكريم وبه آيات تتحدث عن أمور كونية، فلابد أن يكون الحديث صادقاً ودقيقاً ومعبراً عن الحقيقة، وهذا بلا شك يتبعه وجود حقائق علمية في ثنايا الآيات القرآنية.
6- " عباس محمود العقاد " الربط بين القرآن والعلوم، وقال: ( فلا يطلب من كتب العقيدة أن تطابق مسائل العلوم كلما ظهرت مسألة منها لجيل من أجيال البشر ولا يطلب من معتنقيها أن يستخرجوا من كتبهم تفصيلات تلك العلوم كما تعرض عليهم في معامل التجربة والدراسة ) وقال: ( لا بأس بالاستفادة من النظريات العلمية في تصحيح معاني الكلمات القرآنية دون إقحامها على القرآن أو الذهاب إلى أنه مطالب بموافقتها كلما تغيرت )
وتعقيبنا على القول الأول – بأن فيه تعسف وسوء فهم لمفهوم الإعجاز العلمي لدى المؤيدين، وتعقيبنا على القول التالي – إنه مبهم المعنى ومضطرب الرأي، فهل هو مع الأخذ بالمعارف الكونية في فهم معاني بعض الآيات القرآنية وبهذا يوافق على استحياء التفسير العلمي ؟!!
7- " عبد الكريم الخطيب " يجمع في آرائه بين القبول والرفض للإعجاز والتفسير العلمي للقرآن الكريم، فهو تارة يؤيد فيقول: ( الآيات التي تنكشف للناس في هذا الوجود مما يطلعهم العلم عليها – تفتح الطريق إلى قولة الحق في كتاب الله، وعندئذ يرى الناس أن هذا القرآن هو الحق الأبدي، من عند الله... وإذا كان القرآن الكريم كتاب عقيدة وشريعة، فإن ذلك لا يمنع أن تكون وراء ذلك غايات أخرى يمكن أن يجدها من يطلبها... وماذا يضير القرآن إذا اشتمل في كيانه على دلائل إعجازه بما أودع الله فيه من أسرار وحقائق تحدث الناس عن آيات في كل عصر وفي كل جيل...)
وتارة يعارض فيقول: ( أصحاب التفسير العلمي يتعسفون طريق الفهم لكتاب الله ويشطحون في تأويل آياته ليأخذوا حجة للقرآن على أنه اشتمل على جميع المعارف والعلوم، فهم لهذا يقتسرون المعاني اقتساراً ويخرجون بالألفاظ عن مدلولاتها ويحرفون الكلام عن مواضعه في أكثر أحوالهم ومحاولاتهم... وقد يكون لقائل أن يقول: إذا كان القرآن قد حوى أسرار هذا الوجود، فكيف غاب ذلك كله عن سلف هذه الأمة وهم الذين تلقوا القرآن غضاً... وإذا كانت تلك الحقائق قد انكشفت لهم، فلماذا لم ينتفعوا بها.. ولو كان من تدبير القرآن أن يكون كتاباً علمياً لما جاء على هذا الأسلوب ذي الرنين النفاذ من النظم، بل لجرى على ذلك الأسلوب العلمي الذي تبرز فيه الحقائق العلمية مضغوطة في قوالب من اللفظ أشبه بالأرقام الحسابية )
وتعليقنا على أقوال " عبد الكريم الخطيب " يتلخص في تردده بين القبول والرفض، وهذا موقف مشترك بين كثير من المعارضين للإعجاز العلمي، بسبب عدم وضوح الفكرة في أذهانهم... وما ساقه من مآخذ إنما هو من قبيل الجدال الواهي، فالمؤيدون للإعجاز العلمي يضعون المنهج والضوابط التي تلتزم بلغة القرآن ومعاني الكلمات. أما عن الإحاطة بما جاء في القرآن من الحقائق العلمية فإن معرفتها ليست وقفاً على من تنزل عليهم القرآن – بل هي معارف وعلوم يطلع الله عليها عباده – وهو الحكيم الخبير – بالقدر المناسب لهم... وقد عرف المسلمون الأوائل ما يناسب مداركهم وإمكاناتهم العلمية بالقدر الكافي للإيمان والهداية وادخر الله سبحانه وتعالى الأسرار والحقائق ليكشفها على فترات وليأخذ منها كل جيل ما يناسب زمنهم، وما يكفي لأن يكون برهاناً على قدرة الله وحجة لكتابه العظيم، وبهذا يظل القرآن متواصل العطاء دائم الإقناع مستمر الإعجاز، وكما اقتنع السابقون الأوائل بإعجازه البياني، فإنه يقنع من بعدهم بإعجازه العلمي.
يتبــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
11-12-2013, 06:41 PM
يتبــــع الموضوع السابق
الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بين القبول والمعارضة
8- " محمد الصادق عرجون " يقول: ( لا يجمل بنا أن نطلب من القرآن أن يشرح لنا نظريات العلم، والتحدث في تركيب الأشياء، وبيان جزيئاتها وأشكالها، وما يطرأ عليها من تغيير كيميائي أو طبيعي كما تتحدث كتب الكيمياء والفلك وطبقات الأرض، لأن القرآن كتاب عقيدة وهداية وعبر وتهذيب للنفوس وتطهير للأرواح والقلوب... فإذا عرض لشيء من الآيات الكونية فإنما يعرض لها باعتبارها مصدر هداية إلى عظمة الكون، لنصل على ضوئها إلى تعظيم الله خالق الكون )
ونقول تعقيباً على هذا القول: إن صاحبه لم يدرك على الوجه الصحيح مفهوم الإعجاز العلمي لدى المؤيدين، فهم لم يقولوا بما قاله ولا يتوهمون ما أشار إليه، ولكنهم يؤمنون بأن الآيات الكونية بالقرآن الكريم صيغت بدقة حتى تعبر عن الحقيقة وتسوق الحقائق العلمية، وذلك في معرض الهداية ومن أجل إقامة البرهان على مصداقية القرآن وأنه من عند الله
9- " محمد بسيوني فودة " يتابع بعض الرافضين للتفسير العلمي ولكنه قال: ( ولكن نأخذ المسائل العلمية التي وصلت إلى حقائق وربطها بآيات الله كتأكيد على دلائل قدرته وبديع صنعه فهذا أمر لا ينكر، ومن هنا قال جماعة من العلماء أن الآيات الكونية وجه من وجوه الإعجاز ) والموقف هنا بين الرفض والقبول وهو – كما قلنا – شأن كثير من المعارضين
10- " شوكت محمد عليان " يقول: ( إن إحاطة القرآن بالحقائق العلمية كانت ضمن إشارات غير مقصودة لذاتها، لما علمنا أن المحور الرئيسي لرسالة القرآن هو السعادة الأخروية ) ونعقب ونقول: إن القصد وعدمه لا يجرد القرآن من وجود هذه الحقائق العلمية، كما أن وجود الإشارات العلمية لا يتعارض مع رسالة القرآن وهي سعادة الإنسان.
11- " عبد الله عبادة " يقول: ( إن الربط بين القرآن والنظريات العلمية الحديثة خطأ يقع فيه بعض الباحثين بحسن نية ) وقال أيضاً: ( إن الأمور العلمية في القرآن ما كانت إلا عبرة أو وسيلة لتقريب المعنى العام في الآية أو السورة إلى أذهان المخاطبين )... في القول الأول يرمي الباحثين بالخطأ، وفي القول الثاني يقر بوجود أمور علمية بالقرآن.
وبعد فهذه طائفة لمقتطفات من أقوال المعارضين، وقد قمنا بالتعليق المختصر عليها، ونكتفي بهذا القدر من الأقوال على أن نقدم ردوداً عامة على مزاعم المعارضين، وهي التي تشكل دعائم رفضهم للإعجاز العلمي والتفسير العلمي وذلك فيما يلي:
ردود على المعترضين
الاعتراض الأول: ويتمثل في قولهم: القرآن كتاب هداية وتشريع وليس كتاباً للعلوم والمعارف الكونية.
كل المشتغلين بدراسة الإعجاز العلمي يؤمنون بأن القرآن الكريم كتاب عقيدة وتربية وتشريع، وهو بعيد كل البعد عن تناول العلوم بمنهجية التدريس، ويرون أن الآيات القرآنية في المسائل الكونية إنما جاءت لتلفت النظر إلى ملكوت السموات والأرض وتدعم الإيمان بالله المبدع الخالق القادر، وحيث أنها نزلت بالحق من لدن عليم خبير فلابد أن تكون حاملة لحقائق، فهي ليست مجرد عبارات إنشائية وصفية تناولت ظاهر الأمور.
الاعتراض الثاني: ويتمثل في قولهم: الاهتمام بالإعجاز العلمي يصرف اهتمام الناس بعلوم القرآن التقليدية، والتفسير العلمي يتعارض مع منهج التفسير
الإعجاز العلمي لا يخرج عن كونه وجه من وجوه الإعجاز القرآني، ودراسته تعتبر إضافة إلى علوم القرآن، والمشتغلون به فريق من العلماء يتعاونون مع سائر المشتغلين بدراسة علوم القرآن، وكل في مجاله يعمل دون أن يتطاول فريق على فريق، أو يتعالى حتى لا تتكرر ظاهرة التركيز المعرفي التي اختصت بها وحدة اللغة والبيان مما ترتب عليه حجب سائر وجوه الإعجاز، ومنها الإعجاز العلمي
أما التفسير العلمي فلا تعارض بينه وبين التفسير التقليدي، بل هو إضافة إليه مما يزيد الاتساع في فهم القرآن، خاصة في الآيات الكونية التي كانت تدخل في دوامة التأويل والمجاز وأحداث الآخرة.... الخ.
الاعتراض الثالث: ويتمثل في الاتهام بعدم التقيد بالمفهوم اللغوي الصحيح للنص القرآني، وإبعاد الكلمات القرآنية عن معانيها فيما يعرف "بلي أعناق الآيات" وهي عبارة يرددها المعارضون، بل ويكثرون من ترديدها
والرد عليه: أنه من المعلوم أن هناك قواعد وضوابط ومنهج يجب أن يلتزم به المشتغلون بدراسة الإعجاز العلمي وبالتفسير العلمي للقرآن الكريم، ومن أهمها: احترام كافة الأمور اللغوية. ومن الضروري أيضاً أن يتعاون علماء الكونيات وعلماء الدين وعلماء اللغة معاً في تلك الدراسات القرآنية وفق منهج الدراسة المتفق عليه. وإذا كان هناك من يخرج عن تلك القواعد والضوابط فليس ذلك حجة على الملتزمين بمنهجية الدراسات القرآنية.
الاعتراض الرابع: ويتمثل في الخوف من الربط بين تفسير القرآن وبين المعارف الكونية المتغيرة، مما يؤثر على مصداقية القرآن
إذا أحسنا الظن بالمتخوفين المعترضين – ولا نقول عن تخوفهم ( حق أريد به باطل ) ولا نقول بأن ذلك التخوف ادعاء ماكر مقصود به صرف المسلمين عن جانب هام من جوانب الإعجاز تكشف لهم في عصر التقدم العلمي – سنعتبر التخوف حرصاً منهم على كتاب الله، سوف نرد بموضوعية وعقلانية على قولهم بأن المعارف الكونية – خاصة الفروض والنظريات – قابلة للتغيير، وهناك خطورة على معاني القرآن الكريم وتفسيره من الربط بتلك المتغيرات لأن ذلك سيؤدي إلى تبدل التفسير حسب ما يجد من المعارف العلمية.... ونقول لهم إن المشتغلين بالتفسير العلمي للقرآن الكريم حريصون على الاستعانة بالمعارف المستقرة التي وصلت إلى مرحلة الحقائق والقوانين واليقين أو كانت نظريات راجحة. وعلى فرض التغيير في تلك المعارف العلمية المستخدمة في التفسير، فلا ضير في ذلك حيث أن الأمر لا يعد أن يكون اجتهاداً في التفسير يمكن تصحيحه بتفسير آخر على ضوء المعارف العلمية. وسنجد أن النص القرآني استوعب تلك الكشوف الجديدة حيث جاءت النصوص بألفاظ جامعة تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواقفها التي قد تتابع في ظهورها جيلاً بعد جيل، إما بالإضافة أو الزيادة وإما بالتعديل أو الحذف. واتساع مدلول دلائل الإعجاز القرآني البياني. علماً بأنه لا يمكن أن يقع ذلك التغيير إلا إذا كان هناك خلل في فهم النص القرآني أو خلل في قطعية العلم.
والمشتغلون بعلوم القرآن يعلمون أن تفسير القرآن الكريم هو جهد بشري واجتهاد فكري، ولهذا نجد المفسرين يختلفون في تفسير بعض النصوص القرآنية بسبب تنوع معاني الكلمات، ومثال ذلك "البحر المسجور" فمعنى مسجور: مملوء، كما أن من معانيها الملتهب والاختلاف قد يكون بسبب القواعد النحوية، ومثال ذلك: ] فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ( فمن المفسرين من يعطف ( أرجلكم ) على ( وجوهكم ) ( وأيدكم ) فيرى غسل الرجلين، ومنهم من يعطف أرجلكم على رؤوسكم فيروا مسح الأرجل...
وهناك أسباب كثيرة للاختلاف فيما بين وجهات نظر المفسرين، وينعكس هذا بوضوح عل التفاسير بحيث تظهر الخلافات فيما بينهم، وبالرغم من هذا لم توجه الانتقادات إلى المفسرين في اختلافاتهم ولم يطالب أحد بالتوقف عن تفسير الآيات القرآنية.
المفسرون عند تفسير آيات القرآن الكريم الكونية يكتفون بذكر النص أو يلجؤون للتأويل والمجاز، أو إلى تفسيرها بمعلومات علمية ضحلة، فإذا جاء المتخصصون في العلوم الكونية وفهموا آيات القرآن على حقيقتها العلمية وفسروها دون تأويل ووضحوا معانيها بما يتناسب مع ثقافات العصر والانسجام الفكري والتحدي العلمي والقبول العقلي وقناعة الإنسان المعاصر الخاضع لسيطرة العلوم الكونية، هل ينظر إلى التفسير العلمي بعين الريبة وتوجه له الاعتراضات وتثار حوله المخاوف... ولمصلحة من كل هذه المعوقات
نطمئن بأنه لا خوف من تغيير المعلومات الكونية المستخدمة في التفسير العلمي، ما دام النص القرآني ثابت ومحفوظ، وأي أخطاء في التفسير يجب أن ترد إلى المفسرين، دون أن يؤثر هذا على مصداقية القرآن الكريم ومرحلية التفسير وتبديله أمر وارد من أعمال البشر، فليس هناك تفسير مستقر يجمع عليه المسلمون في كل العصور إلا إذا كان قد صدر عن رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا لم يحدث، فإذا قام اعتراض وأثيرت المخاوف حول التفسير العلمي فليكن كذلك مع كل التفاسير ولتحذف جميعها وهذا أمر غير مقبول ولا معقول !!
الاعتراض الخامس: ويتمثل في ادعائهم بأنه ليست هناك فائدة من وراء الإعجاز العلمي أو التفسير العلمي
والرد عليها: هذا اعتراض في غاية السطحية حيث إن دراسة الإعجاز العلمي تتعلق بحقيقة يجب التعرف عليها وتقريرها وإظهارها، وهذا أمر مطلوب في كافة فروع المعرفة وعلى وجه الخصوص عندما تتعلق بالقرآن الكريم، ذلك الوحي الإلهي ومعجزة الإسلام... والفوائد من وراء معرفة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم كثيرة، وخاصة في مجال العقيدة والإيمان، وفي مجال الدعوة والإقناع في عصر الثقافات العلمية.
أما عن التفسير العلمي للقرآن الكريم، فهو بلا شك توضيح وبيان لآيات القرآن الكونية، مما يحقق فهمها على حقيقتها، بعيداً عن متاهات التأويل وتسطيحات تفسير الآيات الكونية... وذلك يحقق مزيداً من الفهم السليم للقرآن الكريم، وهو أمر هام ومطلوب.
الاعتراض السادس: ويتمثل في قولهم ليس هناك دليل على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم
حيث يحتج بعض المعارضين في معارضتهم بعدم وجود ما يدل على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، لا عقلاً ولا نقلاً وبأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر شيئاً عن ذلك:
أما الدليل العقلي فهو من الوضوح بحيث لا يخفى على أحد ويتمثل في القرآن الكريم بما اشتمل عليه من الآيات القرآنية الكونية التي تحمل الحقائق والإشارات العلمية غير المسبوقة، والتي كانت مجهولة وقت نزول القرآن، وبعد مضي مات السنين - وفي العصر الحديث على وجه التحديد – أمكن لعلماء الكونيات – مسلمين وغير مسلمين – أن يتعرفوا على بعضها، وأكدوا مطابقة الاكتشافات لها وأعلنوا ذلك في مؤتمرات وندوات عالمية، وسجلوه في أبحاثهم وأصبح هذا الأمر معروفاً ومستقراً، وتحررت عنه عشرات الكتب التي تبحث في الإعجاز العلمي، فهل يحتج المعترضون بعدم وجود دليل عقلي ؟!
وهناك دليل عقلي نقلي من منطلق الإيمان بمعجزة القرآن، فإذا كان القرآن معجزاً وإعجازه مطلق فلماذا يقصرونه على الإعجاز البياني، ويحجبون عنه الإعجاز الموضوعي ؟ وإذا سلموا بالإعجاز الموضوعي، فلماذا يكون قاصراً على جانب من المعارف دون الأخرى، ولماذا يحجبون عنه الحقائق المتعلقة بالكونيات ويصرفون عنه جانب الإعجاز العلمي ؟ وعلل في ذلك التسلسل المنطقي ما يشكل دليلاً عقلياً.
أما الاحتجاج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر لصحابته شيئاً عن الإعجاز العلمي فمردود عليه بأنه صلى الله عليه وسلم أكد على معجزة القرآن والصحابة آمنوا بذلك وبأن القرآن مطلق الإعجاز، ولم يدخلوا في تفاصيل وجوه الإعجاز إلى أن جاء العلماء فيما بعد فقاموا بدراسات تفصيلية للقرآن الكريم، ومنها وجوه الإعجاز القرآني.
أضف إلى ذلك أنه لم يكن من الحكمة أن يحدث الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته عن الإعجاز العلمي، ولم تكن ثقافتهم تستوعب ذلك بعد، وكانت المعارف الكونية والحقائق العلمية مجهولة للعالم أجمع في ذاك الزمن، ولو حدثهم بذلك لتصادم وعقولهم، وهو الحريص صلوات الله وسلمه عليه على مخاطبة الناس على قدر عقولهم. لهذا ترك الصحابة يفهمون الآيات الكونية الواردة في القرآن الكريم بالمعنى اللغوي وبالمفهوم العام، تاركاً البيان والوضوح العلمي والاكتشافات الكونية لتظهر وجه الإعجاز العلمي للقرآن في الزمن المناسب، وقد تحقق ذلك بعد مرور ما يزيد على ألف عام وصدق الله العظيم القائل في القرآن الكريم( ولتعلمن نبأه بعد حين ) [سورة صاد]
الاعتراض السابع: ويتمثل في قولهم إذا كان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم قد تكشف لغير المسلمين من علماء الكونيات، فلماذا لم يؤمن هؤلاء بالإسلام
نرد على ذلك بأن العلماء غير المسلمين الذين تعرفوا على بعض الإشارات الكونية الواردة في القرآن الكريم ودرسوها على ضوء ما لديهم من المعارف العلمية قرروا بأن هذا الذي جاء به القرآن الكريم لا يمكن أن يكون معارف بشرية – وقت نزول القرآن، وأنه خارج عن القدرات العقلية لمن قال به وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من توقف عند ذلك ولم يربط الإعجاز العلمي بالوحي الإلهي، لأن عقيدة الألوهية عندهم غير واردة، ولم ينتقلوا بهذا اليقين العقلي إلى الاستدلال على الوحي وصدق القرآن والإيمان بالإسلام، لأن هذه التداعيات الفكرية ليست سهلة وبسيطة بل هي متشابكة ومعقدة. والهداية أو الجحود والقبول أو الرفض، في العقيدة والإيمان بالله تخضع لأمور ترتبط بالوجدان الذي ينجذب نحو الغيبيات، والأمر أولاً وأخيراً مرده إلى توفيق الله... ولنتذكر قوله سبحانه وتعالى: ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) [سورة القصص] وقوله تعالى: ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً... ) [سورة النمل]...
ولا ينفي هذا أن هناك من العلماء من أيقن بأن هذه الإشارات العلمية فوق قدرات البشر وآمن بأن القرآن وحي من عند الله سبحانه وتعالى، وأشهروا إسلامهم، سواء في مؤتمرات الإعجاز العلمي للقرآن والسنة عبر السنوات الماضية، أم في غيرها...
الاعتراض الثامن: ويتمثل في قولهم إذا كان القرآن الكريم كل هذه الإشارات العلمية، فلماذا لم يستفد منها المسلمون على مر العصور ؟
نرد على هذا الاعتراض في النقاط الآتية:
1- إذا كان المسلمون الأوائل قد آمنوا بالإعجاز المطلق للقرآن الكريم، فقد انصرفوا إلى الإعجاز اللغوي وانشغلوا بدراسته مما جعلهم لا يهتمون بالإعجاز الموضوعي بعامة، كما اكتفوا بفهم آيات القرآن الكونية فهماً لغوياً يكفيهم فهم المقصود منها كبراهين على قدرة الله سبحانه وتعالى.
2- الإشارات العلمية بآيات القرآن الكونية ليست من الوضوح بحيث يدرك مدلولاتها العلمية غير المتخصصين في العلوم الكونية الذين لم تتوفر لهم المعارف والحقائق والعلوم. ولم يكن من السهل على المسلمين الأوائل أن يتعرفوا عليها كإشارات علمية قابلة للبحث والاستقصاء العلمي.
3- المسار العلمي للتعرف على ما تحمله الإشارات العلمية للقرآن من معارف كونية لا يبدأ من النصوص القرآنية ثم يتجه إلى المعامل للبحث والتجريب، ولكنه يبدأ من الكشوف الكونية على أيدي العلماء – مسلمين وغير مسلمين – ثم يتجه إلى الآيات القرآنية لتطابقها وتوضحها وتشرحها، مصداقاً لقوله تعالى: ( ولتعلمنّ نبأه بعد حين ) [سورة صاد] وتمشياً مع سنن الله سبحانه وتعالى في إظهار آياته الكونية التي يشير إليه قوله سبحانه وتعالى: ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق... ) [سورة فصلت] فالبحث العلمي يبدأ من الكون المنظور، ثم يتجه إلى آيات الله المسطورة وهي القرآن الكريم ويشرح معانيها، فيما يعرف بالتفسير العلمي للقرآن الكريم.
4- لا بأس – إن أمكن – من السير في الاتجاه العكسي للمسار العلمي، حيث نبدأ من بعض الإشارات العلمية بالقرآن الكريم. وهذا يحتاج إلى إمكانات بحثية ضخمة ويحتاج إلى قناعة بجدوى ذلك المسار العلمي في الاتجاه المعاكس ويمكننا أن نسمي ذلك " التطبيق التجريبي للإعجاز العلمي " وأسهل منه في مجال الاكتشافات الكونية ذلك المسار الذي يتحرك من الاكتشافات الكونية ويتجه نحو الإشارات العلمية الواردة في القرآن الكريم لتنجلي وتنكشف الحقائق بالآيات القرآنية.
وبهذا نسير أحد المسارين العلميين في خدمة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم الذي يقوم بدوره بدعم الإيمان بمعجزة القرآن ومصداقيته كوحي من الله سبحانه وتعالى نزل على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
الاعتراض التاسع: وهو أن القول بالإعجاز العلمي ينقصه شرط التحدي وينقصه أن يكون من جنس ما برز فيه الموجه لهم التحدي
أما عن القول الأول، أي مجيء تحديه بالمثلية ( فأتوا بسورة من مثله...)[ سورة البقرة ] فإن الإعجاز العلمي يدخل في المثلية. كما أن المعجزة ليست قائمة على التحدي والمعاجزة فحسب، بل إنها تتحقق بمجرد تفردها عن المألوف بما يؤكد أنها من عند الله سبحانه وتعالى تأييداً لرسوله صلى الله عليه وسلم... والإعجاز العلمي حقق ذلك الغرض، خاصة في القرون التالية لعصر نزول القرآن، حيث أن القرآن جاء معجزة لكل الناس في كل الأزمان، والعرب وقت نزول القرآن كان تحديهم بالبلاغة والبيان، وهذا وجه من وجوه الإعجاز. وفي عصور التقدم في العلوم الكونية ظهر الإعجاز فيما يحمله القرآن من حقائق علمية غير مسبوقة، فالإعجاز العلمي إذ لم يأت ليتحدى من نزل فيهم القرآن فحسب، ولكن جاء لتشهد القرون من بعدهم على أنه وحي من عند الله، وذلك من مقاصد المعجزة كما قلنا.
الاعتراض العاشر: يتمثل في قولهم المعارف الكونية الواردة بالقرآن هي من قبيل ذكر الظواهر الكونية التي يعرفها عامة الناس – كتعاقب الليل والنهار وحركة الشمس – وليس في ذلك إعجاز علمي.
المعارف الواردة بالقرآن الكريم عن الظواهر الكونية تختلف تماماً عن تلك التي يعرفها عامة الناس بالفطرة، والتي هي من قبيل المعارف الظاهرية. وعلى سبيل المثال، يعرف الناس ظاهرة الليل والنهار وتعاقبهما، ولكن القرآن عندما يتناول هذه الظاهرة المألوفة للناس جميعاً فإنه يتحدث عنها بدقة علمية مستخدماً كلمات تكمن فيها الإشارات العلمية التي تكون مجهولة حتى للمتخصصين قبل اكتشافها.
قال الله سبحانه وتعالى في شأن تعاقب الليل والنهار: ( يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل ) [سورة الزمر]
وقال تعالى: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون... ) [سورة يس]
وقال تعالى: ( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل... ) [سورة آل عمران]
فالتكوير تعبير عن التفاف الليل على النهار والتفاف النهار على الليل في تعاقبهما. وفي ذلك إشارة علمية إلى كروية الأرض، وهذا ما فهمه العلماء من هذه الآية... و(نسلخ) وصف لتعاقب الليل والنهار بانتزاع النهار من الليل، وقد شاهد هذا المنظر في الواقع، رواد الفضاء عندما نظروا إلى الأرض وإلى الليل والنهار.
ومثال آخر للمألوف من الظواهر الكونية وهو عن حركة الشمس الظاهرية، فالناس يدركون هذه الظاهرة منذ أن وجدوا، ولكن القرآن الكريم يصف حركة حقيقة للشمس في قول الله تعالى: ( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) [سورة يس].
فالفعل (تجري) لا يدل على الحركة الظاهرية التي يراها الناس، وهي شروق الشمس وغروبها، بل هو يدل حركة حقيقة عظيمة المعدل تستق تعبير ( الجري )، وهذا ما توصل إليه العلماء في عصرنا الحاضر.
ونلفت نظر المعارضين إلى ذلك التفاوت بين معارف العامة للظواهر الكونية وبين حديث القرآن عنها، حتى يدركوا مفهوم الإعجاز العلمي والإشارات الكونية بالقرآن الكريم. وما ذكرناه من أمثلة إنما هو عن الظواهر الكونية المألوفة للعامة، ولكن هناك الكثير والكثير بالقرآن الكريم عن المعارف الكونية التي يجهلها المتخصصون وجاءت كإشارات علمية بآيات القرآن الكريم، فليعلم المعارضون ذلك جيداً...!!
يمكن إرسال التعليقات حول المقالة إلى فضيلة الدكتور كارم السيد غنيم
[email protected]
القلب الحزين
11-12-2013, 06:43 PM
ندوة عيسى
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1201950195westar.jpg
صورة لشعار معهد ويستار
الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
يمثل عام 2007، وخاصة شهر فبراير منه، مرحلة من أهم مراحل أعمال "ندوة عيسى" الأربع،إذ سيخرج بعدها العلماء العاملين بها برؤية جديدة حول تاريخ "أصول المسيحية"، ليقدموا بناء على كل هذه الأبحاث والمراجعات تراثا مسيحيا جديدا، يعتمد على مراجعة الوثائق و الحقائق التاريخية التى يمكن إثباتها وليس إعتمادا على الأغراض السياسية والكنسية أو على فرض الإيمان بها قهراً..
فقد قام معهد ويسْتار( Westar Institute ) وموقعه بالولايات المتحدة الأمريكية( www.westarinstitute.org) بتنظيم حلقة بحثية ممتدة الأجل، اشتهرت فى العالم الغربى باسم "ندوة عيسى" (Jesus Seminar)، حتى وان اختلفت موضوعات الأبحاث، وذلك لتجديد فتح ملف البحث عن يسوع التاريخى، بمعنى : البحث عن حقيقة ما يكون قد قاله وعمله فعلا، فى الواقع، وليس كما تقدمه المؤسسة الكنسية منذ القرن الرابع الميلادى، ولتقديم نتائج هذه الأبحاث إلى اكبر قدر من القراء، بدلا من حجبها أو بدلا من أن تظل بين أيدى قلة من العلماء الباحثين فى اللاهوت وتاريخه..
وقد بدأت هذه الفكرة عندما قرر ثلاثون عالما، سنة 1985، قبول مهمة القيام بهذا العمل الضخم وكل ما يتضمنه من تحدٍ وعقبات. وسرعان ما انضم اليهم العديد من العلماء المتطلعين إلى معرفة الحقيقة فى هذا الموضوع التاريخى، من مختلف أنحاء العالم، ليصل عددهم إلى أكثر من مائتين من المتخصصين فى مختلف مجالات العلوم المسيحية. وذلك بسبب تزايد الأبحاث التى بدأت تؤكد، فى القرنين الماضيين، أن المسيح كما تقدمه الكنيسة لا سند تاريخى له..
وتتواصل هذه الحلقات البحثية منذ شهر مارس 1985 فى معهد ويسْتار، إلى جانب تبنّيه عدة مشاريع أخرى فى نفس هذا المجال، ومنها ندوة بولس، وندوة النصوص المعتمدة أو القانونية، وندوة أعمال الرسل.
ومعهد ويسْتار ليس مؤسسة مناهضة للدين المسيحى وإنما هو مؤسسة غير ربحية للأبحاث الخاصة بالعلوم والنصوص المسيحية للتعريف بها وللحد من تواصل إنهيار البنيان العتيد للمؤسسة الكنسية فى الغرب. فذلك بات أمراً واقعاً لا يمكن إغفاله و يهز أركانها.. أى إن فكرة العاملين بالمعهد ليست إلغاء المسيحية، وإنما محاولة نزع ما تراكم عليها من فريات وتناقضات عبر المجامع على مر العصور.. وذلك لأنه حتى عهد قريب كانت الأبحاث الأكاديمية تظل حبيسة الجامعات والمعاهد، وعادة ما كانت تُمنع من النشر، بزعم أنها شديدة التخصص ولن يفهمها عامة الناس! كما كان البعض يخشى بطش المؤسسة الكنسية وما يتبعها من لجان تأديبية باترة صارمة، فكانوا يتناقلون المعلومات فيما بينهم، لكثرة الأساتذة ورجال الدين الذين تم نسفهم لمجرد الإقتراب من محاولة الفهم أو التغيير من الأوضاع القائمة ونشر آرائهم بناء على الإكتشافات الحديثة.
وعلى الرغم مما فرضته المؤسسة الكنسية من سياج أشبه ما تكون بأيام محاكم التفتيش وظلماتها، وتعرُّض العديد من العلماء والباحثين إلى مؤاخذات و محاكمات على أنهم هراطقة وفقدوا مناصبهم الجامعية أو اللاهوتية، الأمر الذى أدى بالعديد منهم أن يؤثر الإحتفاظ بمعلوماته وانتقاداته.. إلا أن روح البحث العلمى والتدفق الفكرى قد تألقت وازدهرت فى أبحاث الكليات والجامعات والندوات رغم القمع. وما أن انتهت الحرب العالمية الثانية حتى ترأس علماء النقد والبحث العلمى المراكز القيادية على المسرح الأكاديمى فى أوروبا وأمريكا.
ولا ينتمى معهد ويسْتار إلى أية مؤسسة دينية ولا يدافع عن وجهة نظر بعينها، وإنما كل ما يتطلع إليه العاملون به هو البحث عن الحقيقة والتوصل إليها و نشرها على العالم..
ويلتقى أعضاء الندوة مرتين فى السنة لمناقشة الأبحاث العلمية التى توصلوا إليها ويكونوا قد تبادلوها للدراسة قبل إنعقاد الإجتماع الدورى. وتعتمد الركيزة الأولى فى هذا المبحث على أقوال عيسى، أى على تجميع أكثر من ألف وخمسمائة صياغة لما يقارب خمسمائة مقولة ليسوع، مسندة إليه فى مختلف الأناجيل المعتمدة والمحتجبة، ودراسة درجة إمكانية نسبها إليه لغويا وتاريخيا إضافة إلى ما تمثله من مضمون.
المرحلة الأولى : 1985 - 1991
بدأت أعمال الندوة بالبحث عن الأقوال الصادقة ليسوع أو عن كل ما تم نسبه إليه، فى كافة الوثائق التى تمتد من القرن الأول حتى عهد قسطنطين، و إلى عام 313 م تحديداً، عندما تم إعلان الإعتراف بالمسيحية كديانة رسمية ضمن الديانات الأخرى الممارسة فى الإمبراطورية واعتبروا ذلك التاريخ حداً فاصلاً. وكان أعضاء الندوة يلتقون كل ستة أشهر لمناقشة الأبحاث لكى يتوصلوا إلي النتائج أولا بأول. وعند نهاية لقائهم كانوا يقومون بالتصويت على كل نقطة من النقاط التى تدارسوها، مستخدمين علامات ملونة لتحديد درجة مصداقية هذا القول أو ذاك.
وقد بدأ روبرت فانك R. Funk، رئيس " ندوة عيسى" و التي انعقدت أولى دوراتها فيما بين 21 و24 مارس 1985، فى مدينة بيركلى بكاليفورنيا، موضحا أن كل ما يعنيهم هو البحث عن حقيقة يسوع، عما قاله فعلا، وعدم الإكتراث بما سوف ينتج عن ذلك العمل من عداوات أو إهانات من جانب المعترضين أو من أولئك الذين يحافظون بإصرار وشراسة على كل ما تم فى المسيحية من تحريف متراكم عبر العصور، وكل ما لا تزال تواصل وسائل الإعلام الموجّه كنسيا من فرضه على الأتباع وعلى العالم، موضحا أن هذا العمل الذى سيقومون به سوف يخدم ملايين الأتباع الذين يجهلون حقائق الدين الذى ينتمون إليه. وهو ما وصفه روبرت فانك قائلا : " أنه جهل يصل إلى درجة الأمّية ".. ويالها من حقيقة جد مريرة مهينة صادرة عن عالِم مؤمن ويدرك معنى ما يقوله !.
ومن ناحية أخرى طالب كافة الزملاء العاملين فى هذه الندوة بمتابعة أهم المؤلفات التى صدرت قديما وحديثا فى هذا المجال ، وتلخيص أهم النقاط الواردة بها، حتى يكونوا على بيّنة بكل ما يتعلق بالموضوع الأساس. وذلك إضافة إلى عمل جرد شامل لكل ما يتعلق بتراث يسوع وتقييمه حتى يأتى هذا العمل الجماعى كبنيان مشيّد على أسس علمية بأقصى درجة من درجات الدقة والموضوعية و العلانية.
الدافع إلى البحث عن يسوع التاريخى :
يرجع الدافع إلى البحث عن يسوع التاريخى، إلى أن صورته الحقيقية أو ما يبدو منها من الوثائق و الأبحاث، يختلف تماما عما تقدمه المؤسسة الكنسية ونصوصها، و إلى أن تناقل أخباره أو كل ما يتعلق به فى المراحل الأولى لنشأة المسيحية قد تم شفاهة لمدة عقود بأسرها. وهو ما يسمح بالحيد عن الخط الرئيسى والغوص فى منحنيات غير دقيقة أو غير أمينة. كما أن لغة يسوع كانت الآرامية والأناجيل الحالية تمت كتابتها باليونانية. والتراث الشفهى لا أهمية بحثية أو تاريخية له إذا قورن بالمعطيات الناجمة عن الأبحاث العلمية الموثقة.
كما تلاحظ نفس المآخذ من الناحية الزمانية أو التقويمية، إذ هناك فترة تمتد ما بين 20 إلى 40 عاما من "وفاته" إلى بداية صياغة أول نص. وكان أول هذه النصوص هو الإنجيل وفقا لمرقس، والثابت أنه لم يكتبه كشاهد عيان، فمن كتب صياغة ذلك الإنجيل الأول لم ير يسوع ولم يتبعه، والأناجيل الثلاثة وفقا لمرقس ومتّى ولوقا تختلف وتتناقض مع ما يقدمه الإنجيل وفقا ليوحنا. وقد نقل جميعم عن بعض وعمّا يُعرف باسم " الإنجيل الأصل " (و ليس الأصلى، لكن الأصل الذى تم النقل منه) ويشار إليه بعبارة "كويللى" (Quelle ) أى الأصل باللغة الألمانية ويختصرونها إلى حرف Q.
وبخلاف هذه الملاحظة العامة، فإن نصوص الأناجيل مكونة من طبقات زمانية مختلفة ومتراكمة فوق بعضها بعضا عبر تطور التراث كنسيا وسياسيا. أى أنها ليست صياغة متصلة دفعة واحدة.وما توصل إليه الباحثون على اختلاف مشاربهم هو أن الإنجيل الذى يشار إليه بحرف Q مكون هو نفسه من ثلاث طبقات زمانية مختلفة، معروفة بين جميع المهتمين بهذا المجال بمسميات: Q1 و Q2 و Q3..
أما الملاحظة التى تدين ذلك التراث الكنسى فى نصوصه التى تمت صياغتها وفقا للأغراض الدينية واالسياسية، فهى أن المخطوطات الأصلية بكلها قد إختفت أو تم إخفاؤها عمدا، وإن أول فُتات باقية منها ترجع إلى عام 125 م، وأول أجزاء يمكن اعتبارها جزء من نصٍ يمكن الإعتماد عليه ترجع إلى حوالى سنة 200 م، و أول نسخة كاملة من الأناجيل ترجع إلى حوالى سنة 300 م !
كما لا توجد نسختان متشابهتان من الأناجيل، من بين كل تلك النسخ التى وصلت الى عصرنا، إلا ابتداء من سنة 1454 م.. وما يؤكده جميع العاملين بالندوة وغيرهم، أنه اثناء عمليات النقل، التى كانت تتم بمعرفة القساوسة والرهبان، فهم وحدهم الذين كان من حقهم ان يتعلموا القراءة والكتابة طوال عصر الظلمات ومحاكم التفتيش، فكانت تقع أخطاء إملائية من الناسخين إضافة إلى تعديل النص وتحريفه وفقا للأهواء. ولا يمكن لأى عالم من العلماء أياً كان توجهه، أن يجزم بأن النص اليونانى يُعد ترجمة أمينة للنصوص الأولى.. ويكفى ما كتبه القديس جيروم حول تغييره وتبديله فى النص عند صياغته للأناجيل الأربعة الحالية ! وهو ما كتبه بوضوح شديد فى المقدمة-الخطاب الذى وجهه للبابا داماز، الذى كان قد طلب منه القيام بهذه المهمة، وهو ما ينزع يقينا أية مصداقية عن هذه النصوص..
وأكثر ما يميّز أعمال "ندوة عيسى " أنها تتم بأسلوب جماعى علنى قائم على التعاون فيما بينهم، وليس على تسلط أحد الأفراد وتحكّمه فى الآخرين، كما أن المعهد يسمح بحضور زوار من خارج الأعضاء الرسميين ويتابعون المناقشات ومن حقهم الإسهام فيها فى ورش العمل التى تقام حولها .
أما عن تقييم النصوص المكتوبة فى حد ذاتها، فيمكن تلخيص ما خرجوا به فيما يلى : أن من كتبوا الأناجيل قاموا بالتجميع وفقا لهواهم، وأحيانا كانوا يرتجلون أو يؤلفون ما لم يقله يسوع أو يضيفون إليه تعليقاتهم ليجعلوها تتمشى مع وجهة نظرهم الشخصية وبأسلوبهم. فمن الملاحظ مثلا أن نقدٍ ما يخص يسوع أو موجه ضده فى النصوص الأولى، سرعان ما يتحول إلى نقد ضد الحواريين فى النسخ التالية، كما أن الإستشهادات كثيرا ما تخون النص لتكشف عن الخلافات والصراعات المسيحية فى أوائل تكوينها. و صياغة بعض الوقائع بأسلوب " مسيحى" تؤكد أنها إضافات لاحقة.. فالمسيحية لم توجد أيام يسوع، ويسوع لم يكن مسيحيا وإنما يهوديا ! وهو ما بدأت الأبحاث الجديدة – حتى خارج "ندوة عيسى" تشير إليه بما فى ذلك المؤسسة الفاتيكانية، خاصة بعد المجمع الفاتيكانى الثانى سنة 1965 الذى برأت فيه اليهود من دم المسيح !..
كلمات يسوع و الإقتراع عليها :
تركزت أعمال المرحلة الأولى من " ندوة عيسى" حول مختلف الصيغ التى وردت بها الأقوال المنسوبة إليه، عليه السلام، لتحديد قوة إحتمال أن يكون قد قالها فعلا. وكانت عملية التصويت تتم من جميع المشاركين على كل مقولة من المقولات بعد دراستها وتقييمها من كافة الأوجه البحثية. مدركين حقيقة أن الإجماع لا يعنى تحديد الحقيقة البحتة أو الحاسمة، وإنما يوضح أفضل حكم عليها أو أفضل تقييم لها من حيث المنطق والسند العلمى و التاريخي.
وكانت أولى الخطوات تعتمد أولا على جرد وتبويب الكلمات والأقوال المنسوبة إلى يسوع فى القرون الثلاثة الأولى. وتم تقسيم الأقوال إلى أمثال وتشبيهات وحوارات وقصص تدخل فيها عبارات منسوبة إليه.
وقد استبعد أعضاء الندوة كافة الحدود اللاهوتية التى فرضتها الكنيسة على مختلف مجالات البحث حول أية معلومات عن يسوع. كما رفضوا تقييم الكنيسة لإنجيلٍ بعينه أو استبعادها لآخر، مكتفين بتحكيم العلوم وأدواتها. كما اعتمدوا فى عملية التقييم على الإقتراع لتحديد مدى إمكانية المصداقية على أربع درجات، حدّدوها في أربعة ألوان التزموا بها حتى في الطباعة النهائية لكل ندوة، و معناها كالآتي :
• الأحمر : يشير إلى أن يسوع قد قال هذه العبارة
• البمبى : من المحتمل أن يكون قد قالها
• الرمادى : لم يقل يسوع هذه العبارة وإن كانت الفكرة بها قريبة مما قاله
• الأسود : لم يقل يسوع هذه العبارة إطلاقا وإن كانت شبيهة بتراث مغاير
من مقدمة كتاب " الأناجيل الخمسة" :
تم جمع نتائج الأبحاث الخاصة بأقوال يسوع والتى امتدت من عام 1985 إلى 1991، في كتاب بعنوان : "الأناجيل الخمسة " The five Gospels، صدر سنة 1993، بعد أن أضافوا إنجيل توما الذى كان قد عثر عليه فى نجع حمادى بصعيد مصر سنة 1945. إذ رأوا فيه ملامح شديدة الشبه بما يسمى بالإنجيل الأصل أو النبع، و الذى يرمز اليه بحرف Q. على أن النصين قد كتبا خلال فترة الأربعين عاما التي تقع بين "وفاة " يسوع وهدم المعبد سنة 70م. ونص "كويللى" من النصوص الأولى أو الأقدم والتي لا تتضمن عملية صلب السيد المسيح ولا بعثه.. مما يدل على أنها إضافة من الإضافات اللاحقة التى تمت لأغراض بعينها..
ويتضمّن إنجيل توما 114 مقولة بلا تدخل أى سرد روائي. وهو يمثل مرحلة سابقة لما تم طرحه فى الأناجيل المعتمدة، لذلك إعتبروه يمثل شهادة مستقلة وغير منحازة لتراث يسوع فى صياغاته القديمة. و هو يُعد من الأناجيل الغنوصية، لذلك استبعدته المؤسسة الكنسية.
وهنا لا بد من وقفة نوضح فيها أن إنجيل توما هو مخطوطة من المخطوطات التى تم اكتشافها في نجع حمادي سنة 1945. وهى مجموعة من النصوص الدينية والفلسفية تم تجميعها وترجمتها إلى اللغة القبطية فى القرن الرابع الميلادى بمعرفة بعض المسيحيين الغنوصيين، ثم قام بترجمتها فى العصر الحديث نخبة من مشاهير العلماء فى الغرب. وصدرت الطبعة الأولى عام 1978، ثم طبعة منقحة مزودة بمقدمة لكل مخطوطة، عام 1988.
والمقصود بكلمة غنوصية هو : التوصل الفورى إلى المعرفة الروحية ، أو بقول آخر : إرتقاء الإنسان إلى أن يصل إلى المعرفة الإلهية. وهو عكس ما تفرضه المؤسسة الكنسية من "أن الله قد نزل وتجسد بشرا " وتفرض هذا القول إعتمادا على ضرورة الإيمان الأعمى بها، بغض الطرف عن مردوده، وليس اعتمادا على العقل و المنطق. لذلك قامت بمحاصرة الغنوصية واقتلاع أتباعها. إلا ان الغنوصية قد تواصلت خافتة معتّم عليها وعلى أتباعها إلى أن تم اكتشاف مخطوطات نجع حمادى ليُلقى عليها الضوء من جديد.. ويفهم من المقدمة التى كتبها جيمس روبنصن كيفية تواصلها عبر الأحقاب المختلفة، ومدى تأثيرها فى العصور الوسطى ثم فى عصر النهضة ثم فى عصر التنوير و حتى أيامنا، بل و مدى أثرها فى الفلسفة وعلم اللاهوت والثقافة والفنون..
ويمثل كتاب "الأناجيل الخمسة" مخرجا دراميا بابتعاده عن الدراسات المعتمدة، التى لا منفذ منها ولا مخرج إلى الحقيقة. كما يمثل بداية عصر جديد من الأبحاث حول الأناجيل. فقد قرر المشتركون فى "ندوة عيسى" تحديث كل ما تم من دراسات وعمل تراث مسيحى جديد قائم على الدراسات النقدية التى تمت فى المائتين عاما الماضية.
فبعد نشر أبحاث داروين عن أصل الأجناس عام 1859، وما تلاها من معارك وانزواء للعلماء العاملين فى الأبحاث الإنجيلية، خاصة فى أمريكا، سادت عقلية ولّدت مناخا أشبه ما يكون بمحاكم التفتيش، مع فارق المسميات والأساليب، واتُهمت آراء وأبحاث العلماء بالخطورة، وتعرض العديد منهم إلى المحاكمة، و اتُهموا بالهرطقة وعانوا من ضياع مناصبهم الأكاديمية.. إلا أن التحرر الفكرى الذى ساد فى القرن العشرين سرعان ما سمح بأن أعاد العلماء تنظيم أنفسهم فى الكليات والجامعات والندوات.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية عاد العلماء إلى تقلد مراكز القيادة فى الكليات والجامعات بطول القارة وعرضها. مما اضطر المؤسسة الكنسية إلى إنشاء معاهدها الخاصة بالدراسات الإنجيلية كمحاولة للتصدى لهذه الأبحاث الجديدة و لمواصلة نشر ما تفرضه بدأب وجبروت منذ القرن الرابع..
ومن أهم الصراعات الدائرة بين الجانبين، محاولة العلماء المنتقدين للأحداث والوقائع التاريخية وإصرارهم على مواصلة البحث بلا كلل ولا حرج، أى أياً كانت النتيجة، للتوصل إلى معرفة ما قد يكون يسوع قد قاله وعمله فعلا من كل ما نسب إليه فى الأناجيل المعتمدة والوثائق الأخرى، والتى يبدو فيها معارضا للتقاليد الدينية السائدة، كعدم مراعاة يوم السبت، أو إظهاره على عداء مع اسرته أو اتهامها إياه بالجنون.. بل حتى تلاميذه يبدون وكأنهم غير قادرين على فهم رسالته.. وذلك على سبيل المثال لا الحصر، فما أكثر النقاط التى لا تزال غامضة حتى يومنا هذا، الأمر الذى وضع يسوع علناً و بلا تردد على مائدة الخلاف بين العلماء من الجانبين.
وقد نجم هذا الوضع من واقع أن يسوع المعتقادات والعقائد، الذي تم فرض صورته هذه بشراسة فى القرون الوسطى بالسلطة الكنسية العاتية وبالسيف، لم يعد بوسعها أن تتحكم فى عقليات أولئك الذين أصبحوا يتبنّون نظريات جاليليو وكيبلير و كوبرنيكوس، إذ أنهم قد أزاحوا الآلهة القديمة من عروشها بفضل ما أبدعوه من معدات وإنجازات..
وكانت الطفرة الشديدة التى تمت فى علم الفلك تمثل جزءا من الصحوة العلمية التجريبية، التى رأت إخضاع كل المعارف للعلم والتجريب. وفى مواكبة لهذه الطفرة العلمية أعيد النظر فى المعطيات التاريخية القديمة للتفريق بين ما هو واقعى وما هو من نسج الخيال.. وفى المجال الإنجيلي كان لا بد للعلماء من البحث فى العلاقة بين الإيمان و التاريخ والفصل بينهما. وهو ما تم فيما يتعلق بالبحث عن يسوع التاريخي.
وبذلك أصبحت الوثائق والمعطيات التاريخية عبارة عن أدوات لا غنى عنها، فى العصر الحديث، للبحث والتفريق بين العالَم المتخيّل والعالَم الواقعى للتجربة الإنسانية. ولمعرفة الحقيقة حول يسوع، يسوع الإنسان الحقيقى، كان لا بد من العثور أولا على يسوع التاريخى الذى عاش فى الواقع، والبحث عما قاله وعما فعله فعلا وليس تلبيساً..
وما توصلت إليه أعمال الندوة بأبحاثها ومناقشاتها كان ما يلى :
• أن يسوع لم يقل ان يؤمن أحدا بأن موته كان تكفيرا عن خطايا البشر
• ويسوع لم يقل أنه المسيح
• ويسوع لم يقل أنه الأقنوم الثانى من الثالوث
• و يسوع لم يطالب الأتباع بعملية الإعتراف الدورى، والندم، أو الصيام
• ولم يهدد أحداً بالجحيم كما لم يَعِد احداً بالسماء
• ولم يقل يسوع أنه سيصحو من بين الموتى
• ولم يقل أنه وُلد من عذراء ولم يطالب أحداً بالإيمان بذلك
• ولم ينظر يسوع إلى النصوص على أنها معصومة من الخطأ أو أنها ملهمة من الله !
وهو ما أعلنه رسميا روبرت فانك رئيس الندوة فى صيف 1994..
المرحلة الثانية : 1991 – 1996
تركزت أعمال المرحلة الثانية لدراسة ما قد يكون يسوع قد عمله فعلا من خلال ما هو وارد بالأناجيل. و فى هذه المرحلة تمت دراسة 387 تقريراً يتناول 176 حدثا أو واقعة يُعد فيها يسوع الشخصية الرئيسية حتى وإن ورد فيها أسماء يوحنا المعمدان أو سمعان/بطرس أو شقيقه يعقوب الذى تولى كنيسة القدس من بعده.
يتبــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
11-12-2013, 06:44 PM
يتبــــع الموضوع السابق
ندوة عيسى
ومن بين الوقائع التى يبلغ عددها 176 الواردة بالأناجيل، تم الإتفاق على ان عشرة منها فقط هى التى تحتمل نسبة عالية من المصداقية. وثلاثون واقعة أخرى حصلت على درجة إحتمالية بعيدة الحدوث. وتم استبعاد باقى الأعمال المنسوبة إلى يسوع على أنها غير واقعية أو غيرمحتملة الوقوع. وبجمع المجموعتين توصلوا إلى رقم 29 واقعة واردة بالإناجيل هي التي تحتمل المصداقية من العدد الإجمالى لها وهو 176، أى بنسبة 16 % من الأعمال المنسوبة الى يسوع. وهى نسبة تقل قليلا عن نسبة ال 18 % من الأقوال التى حصلت على احتمال المصداقية.
ويقول روبرت فانك إلى من لا يزالوا يؤمنون بأن الكتاب المقدس كلام الله،" أن نسبة ال 16 % من المصداقية تعد جد ساخرة أو مثيرة للسخرية "! والسبب فى استبعاد 84 % من الأعمال المسندة ليسوع فى الأناجيل ترجع إلى أصل تلك الأناجيل، التى يصل عددها إلى قرابة عشرين إنجيلا، وصلت من القرون الثلاثة الأولى سواء كاملة أو مجرد أجزاء، إعتمدت المؤسسة الكنسية منها أربعة فحسب وكوّنت منها ما يسمى بالعهد الجديد وأعدمت أو استبعدت العدد الباقى.
وهذه الهشاشة التاريخية للأصول الكنسية او المسيحية ترجع إلى أن أول جزء ضئيل معروف من الأناجيل عبارة عن جزء منقول من نص آخر، أى أن أول أثر باق من تلك النصوص ليس نصاً أصلياً وإنما هو نص منقول يرجع إلى أكثر من مائة عام بعد "وفاة" يسوع. وأول أثر مادّى يمكن الإعتماد عليه نسبيا يرجع إلى آخر القرن الميلادى الثانى، أى إلى حوالى 170 عاما بعد يسوع.. لذلك أجمع العلماء فى معهد ويسْتار أنه فى غياب أية معلومات مؤكدة فإن من صاغ بدايات هذه النُسخ أشخاص يرجعون إلى الجيل الثالث فى الربع الأخير من القرن الأول، إعتمادا على ذكريات سمعية تُحكى شفاهة متناقلة بين الأجيال، مؤكدين أن هذه النصوص قد تمت صياغتها وإعادة صياغتها وتغيير حكاياتها وأحداثها بالزيادة والنقصان لأكثر من قرن قبل أن تصل تقريبا إلى شكلها الأخير- ولا يعنى ذلك شكلها النهائى.
والمحصلة الناجمة عن هذه الأبحاث هى أن ما بقى من أعمال يسوع يمثل آثاراً لصورة جد باهتة ليسوع، زادت الخرافات والأساطير من التعتيم عليها، وهى صورة تتطلب عقلا متفتحا وصبراً شديداً لتلمس تلك الحقائق الخافتة.. على حد قول ما نطالعه فى المقدمة المرفقة بطبعة هذا المجلد الثانى والمعنون : "أعمال يسوع " الصادر سنة 1998.
وبعد أكثر من عشر سنوات من الأبحاث التى قام بها ذلك الفريق الدولى للكشف عن حقيقة حياة ووفاة يسوع التاريخى، إنتهوا إلى أن صورته التاريخية تختلف تماما عما فى الصورة التقليدية التى تقدمها المؤسسة الكنسية. إذ يرون أن يسوع لم يمش على الماء، ولم يطعم الآلاف من البشر، ولم يحوّل الماء اإلى نبيذ، وأنه تم إعدامه كشخص يثير الشغب وليس لقوله أنه إبن الله ! وأن الذين أعدموه هم الرومان وليس اليهود.. أما عملية البعث فهى قائمة على تصورات لكل من بطرس وبولس ومريم المجدلية، فى نصوص تتناقض فيما بينها فى كل تفاصيلها، لذلك لم يعتدوا بها.
المرحلة الثالثة : 1996 – 1998
ضمّت المرحلة الثالثة خطين متوازيين من الأبحاث، أحدهما يتناول " ملامح يسوع"، كما تبدو صوره المختلفة فى كل الأبحاث التي سبقت أعمال الندوة، من جهة، ومن جهة أخرى اعتمادا على النتائج التي تم التوصل إليها في المرحلتين السابقتين، والتي كانت الأولى منها عن " أقوال يسوع " والثانية عن " أعمال يسوع ".
وقد تولى هذه المهمة خمسة عشر عالماً فى معهد ويسْتار، لإستخلاص أكبر قدر ممكن من الملامح المقنعة والتى من الممكن تصورها من مختلف الجوانب. وتم نشر هذه الأبحاث المستقلة فى كتاب جماعي تحت عنوان "ملامح يسوع "، سنة 2002، يطالع فيه القارىء ملامح مختلفة تماما غير تلك التى اعتادت ترويجها النصوص الرسمية المنسوجة عبر المجامع على مر العصور..
والسؤال الذى يطرح نفسه هو : هل يمكن لأقوال يسوع وأعماله كما خرجت بها الندوة أن تقدم قاعدة كافية لتصورات يمكن إضفاء المصداقية عليها لملامح يسوع ؟ ذلك هو التحدي الذي تولى القيام به نخبة من المساهمين فى هذا الكتاب..
أما الخط الثانى فكان متعلقا بالبحث فيما تتضمنه " أعمال الرسل" من حقائق يمكن الإعتماد عليها تاريخيا، و ما هى نسبة ما بها من حقائق ونسبة ما يستوجب إستبعاده منها مما هو وارد في الأناجيل. وتم نشر أعمال هذه المرحلة الثالثة من الدراسات فى سنة 1999.
والغرض من هذه الدراسة هو عمل طبعة ملونة مثل الكتابين السابقين لأقوال يسوع وأعماله. وبذلك سيمكن لدارسى الكتاب المقدس أن يكونوا على دراية بأصول دينهم بصورة أكثر دقة، وأكثر مصداقية، اعتمادا على ما أمكن التوصل إليه من حقائق ثبتت صحتها.
ومن المفترض أن" أعمال الرسل" تاريخيا هى المحاولة الأولى لسرد أصول المسيحية، وكان من المنطقي أن يبدأ بها العهد الجديد ولا يأتي وضعها بعد الأناجيل. وقد أتى هذا الترتيب لتثبيت صورة بعينها. وهى قصة مكتوبة بحيث يستمر أثرها – وإن كانت فى يومنا هذا قد فقد الكثير من معطياتها المصداقية التاريخية.
ويرجع فقدان المصداقية هذا إلى إدراك و ثبوت تنوع أصول المسيحية فى بداية مشوارها. وما هو وارد بالأناجيل لا يعكس هذا التنوع وإنما يغفله عمدا ليفرض وجهة نظر مغايرة. ودراسة أعمال الرسل اليوم تؤكد أنها من آداب أعمال الخيال الدينى، لاستعراض مميزات تلك الحقبة وترسيخها، وهى معطيات لا يمكنها الصمود لآليات البحث العلمي والتاريخي، ولا يمكنها أن تظل فى المكانة التى تصدرتها لقرابة الفى عام.
ويمكن تقسيم أبحاث " ندوة عيسى " حول أعمال الرسل إلى أربع فئات، هى :
1 ) - تصنيف نوعيتها، وقد تم ذلك على أنها كتابات تاريخية، إلا أن الأبحاث كشفت قرابة شديدة بينها وبين أعمال رسل أخرى استبعدتها المؤسسة الكنسية فى المسيحية الأولى. وهذا الأمر وحده يحتّم إعادة دراستها كما يحتّم اعتبارها جدّيا كأدبيات خيالية.
2 ) - تختص الفئة الثانية من التحليل باللاهوت وبأهداف أعمال لوقا. وقد تم إثبات أنه تمت صياغتها بدافع من التوجهات اللاهوتية. أى أنها جميعها تتبع جدولا لاهوتيا من أجل ترسيخ لاهوت بعينه وترسيخ معطياته التاريخية الموجّهة.
3 ) - تتناول الفئة الثالثة مصادر أعمال الرسل واستخدامها لأصول سابقة كمصدر لها، خاصة مصدر Q إضافة اإلى مصادر أخرى.
4 ) - أما الفئة الرابعة فتأخذ المصادر السابقة إلى خطوات أعمق فى دراستها وتحليلها. وحتى إن تم التوصل إلى هذه الأصول، فالسؤال هو : إلى أى مدى يمكن اعتبارها مصادر تاريخية حقيقية وليست مختلقة ؟.. وهو ما يتطلب مزيدا من البحث والتدقيق لكل معطى من معطياتها، خاصة وإن أعمال الرسل ظلت لفترة طويلة بعيدة عن مجهر الباحثين..
ومن الواضح أن ما توصلت إليه " ندوة عيسى " يختلف تماما عما آمن ويؤمن به المسيحيون على مر التاريخ، كما أنها فى تناقض واضح مع المعتقدات السائدة، إذ أنها استبعدت تماما فكرة أن تكون الأناجيل منزّلة من عند الله – وهو ما كان مجمع الفاتيكان الثانى قد أقرّه بالفعل، وإن كان بعبارات ملتوية، كما استبعدت الندوة أن يكون من كتبوها من الملهمين، أو حتى الأسماء التى هى معروفة بها. وإنما يعتبرونها وثائق آدمية ألفها كتبة ضمّنوها معتقداتهم الشخصية أو معتقدات من يوجهونهم. وذلك لكل ما بهذه النصوص من تناقضات فيما بينها من جهة، وفيما بينها وبين العقل والمنطق من جهة أخرى..
وإن كان هناك من لا يزال يؤمن بأن هذه النصوص منزّلة، فإن علماء "ندوة عيسى " ينظرون إليها من زاوية أخرى، موجزها : إن رسالة يسوع وكل ما يتعلق به قد مرت عبر فترة ممتدة من التراث الشفهى تصل إلى ما بين ثلاثين إلى خمسين عاما، وهو ما يسمح بتعديل وتبديل ملامح أية وقائع تاريخية أو حقيقية، فما من إنسان يحكى نفس الحدث بنفس الأسلوب، ولا بنفس الإنفعال، والأدهى من ذلك حين تتدخل الأغراض والأهواء..
المرحلة الرابعة : 2006 -....
بدأ العاملون فى " ندوة عيسى" المرحلة الرابعة من أبحاثهم بندوة حول " الأصول المسيحية "، يقومون فيها بكتابة تاريخ جديد للمسيحيات الأولى والكتابات المسيحية، مستعينين فيها بنفس الوسائل ونفس الأساليب العلمية المتّبعة فى الندوات السابقة.
وتهدف ندوة دراسة " الأصول المسيحية " إلى الكشف عن التراث والتقاليد المتعلقة بيسوع من خلال رؤية أوسع للثقافة اليونانية - الرومانية، والمرحلة التالية لبناء المعبد وبداية ظهور اليهودية الحخامية، والتنوع الشديد بين أتباع يسوع وتطويرهم للتراث المسيحى حتى تم بتره تماما عن جذوره اليهودية، تلك الجذورالتى فتح مجمع الفاتيكان الثانى سنة 1965 الباب على مصراعيه للتراجع عن كل ما قام بنسجه عبر التاريخ، و ذلك بتبرأته اليهود من دم السيد المسيح، وهو ما يخالف الأناجيل مخالفة أقل ما يقال عنها أنها من الأسباب الرئيسية التى دفعت بالآلاف من الأتباع لمغادرة المؤسسة الكنسية، وإلى انتشار الإلحاد بينهم بصورة لا تغفلها عين.
ومن المناطق المزمع البحث فيها على أرض الواقع، تسالونيكا، والجليل، و القدس، وإنطاقيا، وأديسا، والإسكندرية، وأفسوس، وفيليبّى، وكورنثيا وروما. إضافة إلى دراسة مجالات أخرى تعد مساندة، ومنها : دور المرأة، اليهود والوثنيين، والمسيحية اليهودية، والغنوصية، والمسيحية والإمبراطورية الرومانية.
وقد بدأت هذه اللقاءات ببلدة تسالونيكا لتدارس أربعة محاور حول المسيحية لمعرفة هل هى بدأت مع يسوع، أو مع ابتداع فكرة البعث، أو مع ابتداع فكرة عيد الفصح، أو مع عمليات التبشير التى تولاها بولس وخرج بها جذريا عن تعاليم يسوع كما هي واردة في الأناجيل..
ويشهد عام 2007 العديد من النشاطات البحثية والندوات والمحاضرات العامة إلى جانب الموضوع الرئيسي وهو : "أصول المسيحية ". وتدور موضوعات هذه المحاضرات العامة حول الحياة والموت أيام يسوع، الأخلاق، التطور والمستقبل، بدايات المسيحية : تنوع وليست أصول، يسوع والقرن الواحد والعشرين، الحركات الدينية وكيف بدأت المسيحية، يسوع التاريخى ومستقبل الكنيسة. وكل هذه المحاضرات والندوات تمثل برنامجا مستقلا يعرف باسم : "ندوة عيسى على الطريق ". وذلك لأن العديد من الناس هناك لا يمكنهم حضور اللقائين الدوريين السنويين لبُعد المسافة، فقرر معهد ويسْتار أن يخرج عن نطاق جدرانه ويتجه إلى الجماهير فى مختلف البلدان الأمريكية لاشراكها فى أحدث ما توصلوا إليه.
على هامش " ندوة عيسى "
إن جهود " ندوة عيسى " من أجل استبعاد ما علق برسالته على مر العصور، أو من أجل محاولة استعادة الأتباع إلى الديانة التى فرّوا منها لسبب أو آخر، ليست بجديدة، فهناك العديد من المحاولات التى تمت نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : واحدة ترجع إلى مطلع القرن الثامن عشر، والأخرى إلى سنة 2005..
فقد سبق أن قام توماس جيفرصن (http://en.wikipedia.org/wiki/Thomas_Jefferson)، المواطن الوطنى – كما يطلقون عليه، ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق، بنفس العمل سنة 1700، حينما أمسك بالمقص وراح يستبعد كل ما لا يقبله العقل والمنطق أو كل ما يتنافى مع قانون الطبيعة من نصوص الكتاب المقدس، ثم قام بلصق الأجزاء الباقية ليخرج بكتاب مقدس يمكن قراءته والأخذ بما به من حكايات وتعاليم..
وعندما انتهى من مشروعه بقى معه 82 عمودا فحسب من 700 عمود تمثل طبعة الكتاب المقدس المعروفة باسم الملك جيمس ( King James Version)، أى انه قد استبعد قرابة 90 % من محتويات الكتاب المقدس الأصلى، وأطلق على اختياراته تلك عنوان : "حياة وأخلاق يسوع "..
أما المحاولة الأخرى فقد قام بها القس مايكل هينتون بانجلترا، فى كاتدرائية كانتربرى. ففى 21 سبتمبر 2005 أعلنت محطة ال بى بى سى البريطانية عن صدور طبعة جديدة للكتاب المقدس، يقول صاحبها القس مايكل هينتون أنه يمكن قراءتها قي أقل من ساعتين أو بالتحديد في مائة دقيقة ! وأوضح أنه قام بالتركيز على يسوع، باعتباره الشخصية الرئيسية في الكتاب المقدس. وقد قام القس جون بريتشارد أسقف جارّو بالإشراف العام على الكتاب قائلا : لا اعتقد ان أغلب الناس يعرفون الكتاب المقدس جيدا، وهذه المحاولة مقصود بها لفت نظر القارىء قائلين : أنظر، لدينا قصة عظيمة هنا، دعنا نتوغل فيها وألا نتوقف عند الطرّهات، ولنقدم لك أهم ما بها ! وقد استغرق العمل من القس هينتون أكثر من عامين لاستبعاد ما بالإصحاحات الست وستين التى تكون الكتاب المقدس، ليصل إلى نص متماسك، به أشهر القصص أو أكثرها انتشارا إضافة إلى ما يتعلق بيسوع.
وكلها محاولات تتم من أجل إضفاء مصداقية جديدة على تلك النصوص التى يتباعد عنها الأتباع ، فى الغرب المسيحى، يوما بعد يوم، لتشجيعهم على القراءة دون أن ينفّرهم منها كل مالا يتمشى مع العقل و المنطق.
محاصرة ندوة عيسى !
وكالمعتاد، لم تنجو "ندوة عيسى" من المحاصرة التقليدية للمؤسسة الكنسية الفاتيكانية، التى سرعان ما راحت تستكتب فرقها من العلماء التابعين لها، ونشر مواقع إلكترونية متعددة، إضافة إلى الإستعانة بكافة وسائل الإعلام للحد من آثار أبحاثها على الأتباع..
ومن بين الإنتقادات التى صدرت من هذه الفرق ضد أعمال "ندوة عيسى" إستبعادها للرسائل الأخروية من أقوال عيسى وأعماله، ومحاولة إضفاء ملامح مختلفة قد حطّت من القيمة البحثية لما يقومون به، وإن النتائج التى توصلوا إليها خاصة بآراء العلماء المشاركين فى الندوة، وإن الآراء التى طرحوها مرتبطة بميولهم الشخصية وهى عبارة عن آراء مسبّقة ! وإن أربعة عشرة فقط من العلماء المشاركين فى الندوة يعتبرهم المعارضون من العلماء الضالعين فى مجال العهد الجديد أما باقى المائتين فيرون أنه لا ثقل علمى لهم !.. بل لقد تمادى البعض فى انتقاده للندوة على أن عملها عبارة عن " نقد هدّام " ، على حد قول دانييل آكين، فى جريدة "معمدانية الجنوب"، أما الجمعية التبشيرية الأصولية، وجمعية الحارس المفسّر،وجمعية الترسانة المسيحية، فقد اتهمت جميعها ندوة عيسى بأنها "أداة فى يد الشيطان لهدم المعتقدات المسيحية"! ولقد علّق جيمس هوايت قائلا : " لإعادة بناء المسيحية، كما يقولون، فإنه يتعيّن على العاملين فى الندوة التخلص من الأشياء الأساسية التى تقف أمامهم، وهى : الكنيسة، بكل ما بها من عقائد ومعتقدات، وخاصة ما تقدمه من معلومات حول المسيح. وبغض الطرف عن ضئالة ما تقدمه الصحافة من معلومات حول "ندوة عيسى" فإنها تقوم بحرب صليبية لبتر سلطة النصوص وتاريخية يسوع المسيح وأسس العقيدة المسيحية "!
وأطرف ما يلفت النظر فى هذه المقولة الأخيرة هى عبارة الإشارة إلى " ضئالة " ما تقدمه الصحافة من معلومات حول ندوة عيسى ! فمن الواضح إن هذه "الضآلة " بلا شك هى نتاج ما تقوم به الفرق التابعة للمؤسسة الكنسية من قبيل منظمة " أوبس داى " (عمل الرب ) والعديد غيرها، من ضغوط لعدم التعريف بهذه الأعمال. و من مجرد تصفّح أسماء الجبهة المعارضة ووهن انتقاداتها يدرك القارئ مستوى ذلك النقد ودوافعه، خاصة وأنهم قد تفادوا أية مواجهة علمية أو مناقشة علمية، وإنما مجرد إنتقادات وتجريحات.. وهى جهود لا تأتى نتائجها عادة إلا فى البلدان النامية وتلك التى بها أقليات مسيحية متحكمة بصورة أو بأخرى..
وقد عاصرنا فى العامين الماضيين (2005-2006 ) نموذجا من تلك النماذج في محاصرة " شفرة دافنشى " لكل من الرواية والفيلم المأخوذ عنها. ورأينا كيف لم تنجح الجهود المضنية التي قامت بها الفرق الفاتيكانية المعارضة إلا في بلدان العالم الثالث وتلك التي بها أقليات مسيحية ( أوردنا تفاصيلها في مقال سابق ).. والسبب الرئيسي الذي يدفع تلك المؤسسة الكنسية لمحاربة واقتلاع كل من يخالفها هو : أن نشر هذه المعلومات بين الجماهير يضر بعمليات التبشير التي أصبحت تتم بجسارة متزايدة، بفضل مظلات سياسية وقوانين ردعية صيغت، بكل أسف، خصيصا لحمايتها..
وتكفى الإشارة هنا إلى أن كل ذلك الجهد العلمي الذى يقوم به معهد ويسْتار منذ عام 1985 وحتى يومنا هذا، لم تشر إليه وسائل الإعلام في مصر، على اتساع مجالاتها وتنوعها، إلا في مقال يتيم صدر بجريدة "الدستور" في 12 / 10 / 2005 ضمن موضوع آخر وكأن المسألة عرضية وليس الغرض منها التعريف بها تفصيلا ! وهو ما يعد، في حد ذاته، في مثل هذا المناخ المتواطئ، فى ميزان حسنات من كتبه.
ولا يبقى بعد هذا العرض الخاطف لأعمال "ندوة عيسى " بمعهد ويسْتار، بالولايات الأمريكية، إلا أن ننتظر صدور نتائج آخر أبحاثها لا فيما يتعلق بأصول المسيحية فحسب وإنما بكل مكوناتها التى تمت صياغتها عبر المجامع على مر العصور.. وهو ما يمكن مراجعته و التأكد منه بقراءة الأناجيل المعتمدة، خاصة فى طبعاتها القديمة، قبل ان يتم تعديل الكثير بها من طبعة إلى أخرى، من أجل إضفاء شىء من المنطق عليها أو من أجل عمليات التبشير..
قال الله تعالى في كتابه العزيز : {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}[البقرة:79].
يمكن مراسلة المؤلفة :
[email protected]
كشف المراجع
Robert Funk & the Jesus Seminar :
* The Five Gospels :
the search for the authentic words of Jesus, 1993
* Acts of Jesus : What Jesus really do ? 1998
* The Gospel of Jesus, according to the Jesus Seminar, 1999
Jean-Yves Leloup :
* L'évangile de Thomas, Albin Michel, 1986
* L'évangile de Marie, " " 1997
* L'évangile de Philippe, " " 2003
John Dominic Crossan :
* Four other Gospels : Shadows on the Contours of Canon
Robert J. Miller, editor :
* The Complete Gospels : all twenty of the known Gospels
www.wikipedia.org
www.westarinstitute.org
القلب الحزين
11-12-2013, 06:47 PM
أختلافات في تراجم الكتاب المقدس
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/118427170554545.jpg
نسخة مخطوطة من الكتاب المقدس موجودة في أحد الأديرة في بريطانيا تعود إلى 1407ميلادية
بقلم اللواء أحمد عبد الوهاب رحمه الله تعالى
نبدأ الحديث عن نصوص الكتاب المقدس بذكر قاعدة أصولية وضعها علماء الكتاب المقدس، الذين عكفوا على ترجمته إلى الفرنسية، وأخرجوا للناس ما يعرف باسم: الترجمة المسكونية للكتاب المقدس .[1]..ولقد جاءت هذه القاعدة عند الحديث على نص سفر أعال الرسل، إذ يقول نصها:
" ومن أراد أن يطالع مؤلفا قديما، وجب عليه أن يثبت نصه" .[2]..
نصوص العهد القديم:
تقول دائرة المعارف الأمريكية .[3]. "لم تصلنا أي نسخة بخط المؤلف الأصلي لكتب العهد القديم، أما النصوص التي بين أيدينا فقد نقلتها إلينا أجيال عديدة من الكتبة والنساخ.
ولدينا شواهد وفيرة تبين أن الكتبة قد غيروا بقصد أو بدون قصد في الوثائق والأسفار التي كان عملهم الرئيسي هو كتابتها أو نقلها.
وقد حدث التغيير بدون قصد حين أخطأوا في قراءة أو سمع بعض الكلمات، أو في هجائها، أو أخطأوا في التفريق بين ما يجب فصله من الكلمات وما يجب أن يكون تركيبا واحدا.
كذلك فإنهم كانوا ينسخون الكلمة أو السطر مرتين، وأحيانا ينسون كتابة كلمات، بل فقرات بأكلمها.
وأما تغييرهم في النص الأصلي عن قصد فقد مارسوه مع فقرات بأكملها حين كانوا يتصورون أنها مكتوبة خطأ في صورتها التي بين أيديهم.
كما كانوا يحذفون بعض الكلمات أو الفقرات، أو يزيدون على النص الأصلي فيضيفون فقرات توضيحية ..
وهكذا لا يوجد سبب يدعو للافتراض بأن وثائق العهد القديم لم تتعرض للأنواع العادية من الفساد النسخي، على الأقل في الفترة التي سبقت اعتبارها أسفارا مقدسة ...
لقد كتبت أسفار العهد القديم على طول الفترة من القرن الحادي عشر ق.م إلى القرن الأول ق.م وأخذ صورته النهائية في القرن الأول الميلادي ..
وعلى مدى القرون الطويلة التي كتبت فيها أسفار العهد القديم نجد أن نصوصه قد نسخت مرارا وأعيدت كتابتها باليد. ولقد حدثت أخطاء في عملية النسخ، وكان يحدث أحيانا أن بعض المواد التي كتبت على هامش النص تضاف إليه ...
ولقد أكد اكتشاف وثائق البحر الميت .عام 1947. ضرورة إدخال بعض التغييرات على النسخة العبرية الحديثة، في سفر أشعياء".
&&&
ويقول المدخل إلى العهد القديم .[4]. في ترجمة التوراة للكاثوليك تحت عنوان:
تشويه النص.[5].:
[لا شك أن هنالك عددا من النصوص المشوهة التي تفصل النص المسوري .العبري. الأول عن النص الأصلي. فمن المحتمل أن تقفز عين الناسخ من كلمة إلى كلمة تشبهها وترد بعد بضعة أسطر، مهملة كل ما يفصل بينهما.
ومن المحتمل أيضا أن تكون هناك أحرف كتبت كتابة رديئةفلا يحسن الناسخ قراءتها فيخلط بينها وبين غيرها.
وقد يدخل الناسخ في النص الذي ينقله، لكن في مكان خاطئ، تعليقا هامشيا يحتوي على قراءة مختلفة أو على شرح ما.
والجدير بالذكر أن بعض النساخ الأتقياء أقدموا، بإدخال تصحيحات لا هوتية، على تحسين بعض التعابير التي كانت تبدو لهم معرضة لتفسير عقائدي خطير .[6]..
وأخيرا، فمن الممكن أن نكتشف ونصحح بعض النصوص المشوهة، باللجوء إلى صيغ النصوص غير المسورية، في حال كونها أمنت من التشوه ..
أية صيغة من النص نختار؟ وبعبارة أخرى، كيف الوصول إلى نص عبري يكون أقرب نص ممكن إلى الأصل؟
لم يتردد بعض النقاد في تصحيح النص المسوري، كلما لم يعجبهم، لاعتبار أدبي أو لاعتبار لاهوتي .[7]..وتقيد البعض الآخر، كرد فعل، بالنص المسوري، إلا إذا كان تشويهه واضحا، فحاولوا عندئذ أن يجدوا، بالرجوع إلى التراجم القديمة، قراءة فضلى.
هذه الطرق غير علمية، ولا سيما الأولى منها، فهي ذاتية إلى حد الخطر ..
لكن الحل العلمي الحقيقي يفرض علينا أن نعامل الكتاب المقدس كما نعامل جميع مؤلفات الحضارة القديمة .[8].أي نضع "شجرة النسب" لجميع ما نملكه من الشهود، بعد أن نكون قد درسنا بدقة فائقة مجمل القراءات المختلفة: النص المسوري، ومختلف نصوص .وادي. قمرا، والتوراة السامرين، والترجمات اليونانية السبعينية .مع مراجعاتها الثلاث المتعاقبة. وغير السبعينية، وترجمات الترجوم الآرامية، والترجمات السوريانية، والترجمات اللاتينية القديمة، وترجمة القديس ايرونيمس، والترجمات القبطية، والأرمنية ... إلخ.
وبهذه المقارنات كلها نستطيع أن نستعيد النموذج الأصلي الكامن في أساس جميع الشهود. وهذا النموذج الأصلي يرقى عادة إلى حوالي القرن الرابع قبل المسيح.
ولسوء الحظ، لم تنشر نصوص قمران كلها إلى اليوم، وهذا العمل النقدي يقتضي من الكفاءات والأبحاث ما يستغرق عشرات السنين] .[9]..
&&&
نصوص العهد الجديد:
إذا كانت دقة النصوص مطلوبة دائما باعتبارها الأساس الذي تقوم عليه العقائد والأحكام المستقاة من كل كتاب مقدس، فإن تلك الدقة قد صارت في المسيحية من ألزم اللزوميات، نظرًا لتأثر مصادرها الأولى تأثرًا عميقاً بالفكر اليوناني وفلسفاته، وخاصة لفظ .اللوغس. ومدلولاته المتنوعة والغامضة.
يقول المدخل إلى العهد الجديد .[10]. في ترجمة الكاثوليك تحت عنوان:
بعض النظرات إلى العالم اليوناني الروماني:
[أخذ الناس، قبل العهد المسيحي بقليل، ينظرون إلى الأباطرة نظرتهم إلى كائنات إلهية، أبناء الله، بل آلهة.
وهذا التطور قد أثرت فيه تأثيرا كبيرا معتقدات الشعوب الشرقية، موافق لمنطق الأمور، فلما كانت الإمبراطورية واحدة، لزم أن تظهر العبادة أساسها الواحد. فضل طيباريوس وقلوديوس وسبسيانس أن يشجعوا عبادة الإمبراطور بعد موته فحسب، في حين أن قليغولا ونيرون ودوميطيانس تركوا الناس يعبدونهم في أثناء حياتهم. تلك بعض أهم صفات العالم الذي كان للمسيحيين الأولين أن يعيشوا فيه، والشهادة التي يعلنونها في إيمانهم هي أن المسيح هو وحده الرب وليس الإمبراطور، فله تجب الطاعة ولو تعرضوا لأن يخالفوا مخالفة صريحة الدين الذي يسود الحياة كلها في بيئتهم].
&&&
لقد تكلم المسيح وتلاميذه الآرامية، بينما جاءتنا أسفار العهد الجديد مكتوبة جميعها بالإغريقية على مخطوطات بالية تختلف نصوصها اختلافا كبيرا.
[ليس في هذه الكتب الخط .المخطوطات. كتاب واحد بخط المؤلف نفسه. وجميع أسفار العهد الجديد، من غير أن يستثنى واحد منها، كتب باليونانية.
وأقدم الكتب الخط، التي تحتوي معظم العهد الجديد أو نصه الكامل، كتابان مقدسان على الرق يعودان إلى القرن الرابع.
وأجلهما المجلد الفاتيكاني، سمى كذلك لأنه محفوظ في مكتبة الفاتيكان.
وهذا الكتاب الخط مجهول المصدر، وقد أصيب بأضرار لسوء الحظ، ولكنه يحتوي على العهد الجديد ما عدا: الرسالة إلى العبرانيين9/14 – 13/25، والرسالتين الأولى والثانية إلى طيموتاوس، والرسالة إلى طيطس، والرسالة إلى فليمون، والرؤيا .[11]..
والعهد الجديد كامل في الكتاب الخط الذي يقال له المجلد السينائي لأنه عثر عليه في دير القديسة كاترينا، لا بل أضيف إلى العهد الجديد: الرسالة إلى برنابا، وجزء من الراعي لهرمس. وهما مؤلفان لن يحفظا في قانون العهد الجديد في صيغته الأخيرة .[12]..
&&&
لقد أساء النساخ كثيرا إلى نصوص العهد الجديد وكان أكبر خطاياهم ما فعلته أيديهم من تغيير وتبديل.
[ إن نسخ العهد الجديد التي وصلتنا ليست كلها واحدة، بل يمكن المرء أن يرى فيها فوارق مختلفة الأهمية، ولكن عددها كثير جدا على كل حال ...
إن نص العهد الجديد قد نسخ ثم نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء التي تحول دون أن تتصف أية نسخة كانت، مهما بذل فيها من الجهد، بالموافقة التامة للمثال الذي أخذت عنه.
يضاف إلى ذلك بعض النساخ حاولوا أحيانا، عن حسن نية، أن يصوبوا ما جاء في مثالهم وبدا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحة، أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي. وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد أن تكون كلها خطأ.
ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مرّ القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مثقلا بمختلف ألوان التبديل ظهرت في عدد كبير من القراءات ].[13]..
ولقد تبين لعلماء المسيحية استحالة الوصول إلى النص الأصلي مهما بذلوا من مجهودات، ولم يبق، إذن، سوى صرخة حسرة تقول: يا سوء طالعنا!
[ المثال الأعلى الذي يهدف إليه علم نقد النصوص هو أن يمحص هذه الوثائق المختلفة لكي يقيم نصا يكون أقرب ما يكون من الأصل الأول.
ولا يرجى في حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه ..
كان الآباء لسوء طالعنا يستشهدون به في أغلب الأحيان عن ظهر قلبهم .من الذاكرة. ومن غير أن يراعوا الدقة مراعاة كبيرة، فلا يمكننا والحالة هذه الوثوق التام في ما ينقلون إلينا] .[14]..
لقد أصبح الحل الذي يراه آباء الكنيسة وعلماء المسيحية إزاء مشكلة النص، هو قبول الوضع الحالي بكل ما عليه من مآخذ، باعتباره أحسن ما استطاعت مجهوداتهم البشرية الوصول إليه.
على أن يستمر هذا الوضع مقبولا إلى الوقت الذي تظهر فيه وثائق جديدة تساعد على إعادة النظر فيه وتطويره ليكون أقرب ما يكون إلى ذلك الأصل المجهول، بعد تنقيته من التحريف الذي لحق به!
[ هدف أصحاب النقد الباطني أن يوضحوا بجلاء نوع التدخل الذي قام به الناسخ، والأسباب التي دعته إلى ذلك التدخل. فيسهل بعد ذلك الارتقاء إلى القراءة القديمة التي تفرعت منها سائر الروايات المحرفة. وبوسعنا اليوم أن نعد نص العهد الجديد نصا مثبتا إثباتا حسنا، وما من داع إلى إعادة النظر فيه إلا إذا عثر على وثائق جديدة] .[15]..
إن الإنسان لا يجاوز الحقيقة إذا قال تعقيبا على هذه الأقوال التي جاءت من مصادر مسيحية موثوقة: إن العهد الجديد الحالي هو عهد جديد مؤقت!
إنه معرض للتغيير والتبديل حسبما تأتي به الأيام!
الإعجاز الغيبي:
وإذا كان هذا هو ما آلت إليه آراء الذين أوتوا العلم من "أهل الكتاب" في كتابهم المقدس، فماذا قال القرآن منذ 14 قرنا؟
لقد قال في الذين استحفظوا كتاب الله ولم يراعوا أماناتهم وعهدهم:
{ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ}[المائدة: 13].
الحق إنها لمعجزة لمن لا يزال يطلب المعجزات سبيلا للإيمان بالله الواحد الأحد.
إن "المدخل إلى العهد الجديد"لم يجد كلمة غير "التحريف"يصف بها ما أصاب نصوصه التي بين أيدي الناس. وهو ما تبينه الصورة الزنكغرافية المنشورة في الصفحة التالية.
وبين القرآن أن منهم من كان يضيف إلى كلام الله وينقص منه ما شاء له هواه، ولقد رأينا ذلك رأي العين:
{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}[البقرة:79].
{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 78].
ومنهم من كتب الكلام المقدس حسب ظنه، دون تثبت ويقين.
{وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}[النجم: 28].
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }[البقرة: 78].
حمل كتاب اختلافات في تراجم الكتاب المقدس وتطورات هامة في المسيحية
على شكل ملف ورد غير مضغوط 400كيلوا (http://www.quran-m.com/words/holy%20bible.doc)
على شكل ملف ورد مضغوط 90كيلوا (http://www.quran-m.com/words/holybible.rar)
قائمة تراجم الكتاب المقدس
ورموزها الاصطلاحية
(أ) تراجم عربية
1.الكتاب المقدس : منشورات دار المشرق ـ بيروت ـ 1983 ـ أعتماد : أغناطيوس زيادة، مطران بيروت.
الرمز : الكتاب المقدس للكاثوليك.
2.الكتاب المقدس:دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط ـ طبعة العيد المئوي 1883/1983. الرمز الكتاب المقدس للبروتستانت.
3.كتب الشريعة الخمسة:دار المشرق ـ بيروت ـ 1984 ـ أعتماد بولس باسيم، النائب الرسولي للاتين.
الرمز : التوراة للكاثوليك.
4.العهد الجديد:منشورات دار المشرق ـ بيروت ـ 1985 ـ الطبعة العاشرة. أعتماد : بولس باسيم، النائب الرسولي لاتين
الرمز : العهد الجديد للكاثوليك.
5.العهد الجديد:منشورات المطبعة الكاثوليكية ـ بيروت ـ 1969 الطبعة الخامسة.
الرمز : العهد الجديد للمطبعة الكاثوليكية.
(ب) : تراجم انجليزي:
1.King James Version
الرمز : ترجمة الملك جيمس
2.Revised Standard Version
الرمز : الترجمة القياسية المراجعة.
(ج) تراجم فرنسية
1.LA BIBLE : Louis Segond , Paris 1980.
الرمز: لوي سيجو الفرنسية
2.TRADUCTION OECUMEIQUE de la BIBLE (TOB) Paris ,1986
الرمز : الترجمة الفرنسية المسكونية
.[1].: المرجع رقم 2 في قائمة التراجم الفرنسية للكتاب المقدس.
.[2].: "pour lire undo œuvre ancienne, il faut établir son texte"
.[3].:ENCYCLOPEDIA AMERICAN, 1959, Vol. 3, pp. 615-622.
.[4].: المرجع رقم 3 في قائمة تراجم الكتاب المقدس. ص 52.
.[5].: "Corruptions textuelles, II est sur qu'un certain nombre de corruptions séparent le texte proton – massorétique du texte original.
- Par exemple, l'œil du copiste peut sauter d'un mot à un autre mot semblable placé quelques lignes plus bas, omettant tout ce qui les séparait.
- De mémo certains lettres, surtout si elles avaient été mal écrites ….".
يلاحظ هنا قصور في الترجمة العربية حيث أن: "Par exemple" لا يصح ترجمتها بقولهم: .من المتحمل.، وإنما: .مثلا، أو على سيل المثال..
.[6].: "Ou encore certains scribes pieux ont prétendu améliore par des corrections théologiques telle expression qui leur semblant susceptible d'une interprétation doctrinale, ment dangereuses".
.[7].: "Certains critiques n'hésitaient pas 'corriger le texte massorétique chaque fois qu'il ne leur plaisait pas, soit pour un motif littéraire, soit pour un ,motif théologique".
.[8].: "Ces méthodes ne sont pas scientifiques et, surtout la première, elles sont dangereusement subjectives ..
Mais la solution vraiment scientifique consisterait à faire pour la Bible ce qui se fait pour l'édition de tous les ouvrage de l'antiquité".
.[9].:"Malheureusement, le textes de Qumran ne sont pas encore tous publiés et ce travail critique exige de être réalise avant plusieurs décennies".
.[10].: المرجع رقم 4 في قاتمة تراجم الكتاب المقدس. ص 1-17.
.[11].: "Ce manuscrite de provenance inconnu, malheureusement mutilé; atteste le Nouveau Testament sauf …"
.[12].: ''il s'y ajoute même l'épitre de Barnabé et une partie du pasteur de Hermas, ouvrages qui ne seront pas retenus par le canon définitif du Nouveau Testament".
المفروض أن يقال: رسالة برنابا أو الرسالة لبرنابا، وليس الرسالة إلى برنابا كما تقول الترجمة، حيث أنها كانت من عمله، ولم يرسلها أحد إليه، مثلما أرسل بولس رسائله إلى طيطس وغيره.
.[13].: "Ce faisant, ils ont introduit dans le texte des variantes. Il va de soi qu'au cours des stèles, les scribes se sont ajoutées les unes aux autres, aussi le texte finalement parvenu à l'époque de l'imprimerie est – il charge de diverses corruptions qui se traduisent par la présence d'un nombre très considérable de variantes".
.[14].: " Il est de toute manière hors de question d'espérer remonter Jusqu' au texte original lui . mémo ..
Malheureusement pour nous les Pères citaient le plus fréquent de mémoire et sans beaucoup de rigueur, en sorte qu'il n'est pas toujours possible d'avoir pleine confiance dans les renseignements qu'ils transmettent..".
.[15].:" Cela établi il est ensuite relativement aisé de retenir comme leçon primitive celle qui est apparue comme étant à l'origine de toutes les leçons corrompues.
Le texte du nouveau testament peut être considéré actuellement comme bien établi. Il ne saurait être sérieusement remis en question qua par la découverte de nouveau documents."
القلب الحزين
11-12-2013, 06:48 PM
الرد على القاديانية ـ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ
الأستاذ: محمد إسماعيل عتوكhttp://www.quran-m.com/firas/ar_photo/11892002031132009064_adf48fda34.jpgقال الله تعالى:﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾(الأحزاب:40)، فنفى سبحانه أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم أبا أحد من رجال المخاطبين، وأثبت كونه رسول الله، وخاتم النبيين. وقد جاء هذا النفي ردًّا على المنافقين واليهود، الذين قالوا: تزوج محمد حليلة ابنه زيد، وهي زينب- رضي الله عنها- التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن طلقها زيد بن حارثه، وهو ابنه بالتبني. وكان الهدف من هذا الزواج هو إبطال فكرة التبني، التي كانت سائدة في المجتمع الإسلامي وقتئذ.
وقوله تعالى:﴿ وَلَكِنْ رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ استدراكٌ، الغرضُ منه: بيانُ إجمال النفي قبله، ورفعُ ما قد يُتَوَهَّمُ مِن نفي أبوته عليه الصلاة والسلام، من انفصال صلة التراحم والبِّرِ بينه، وبين الأمة، فذُكِّروا بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كالأب لجميع أمته في شفقته ورحمته بهم، وفي برِّهم وتوقيرهم إياه، شأن كل نبيٍّ مع أمته. وأنه خاتم النبيين؛ وذلك لأن النبي، الذي يكون بعده نبيٌّ، إن ترك شيئًا من النصيحة والبيان، يستدركه من يأتي بعده. وأما من لا نبيَّ بعده يكون أشفق على أمته، وأهدى لهم وأجدى؛ إذ هو كالوالد لولده، الذي ليس له غيره من أحد.
فكونه عليه الصلاة والسلام { رَّسُولَُ اللَّهِ، وَخَاتَمَُ النَّبِيِّينَ }، يفيد أنه ليس بأب شرعي لأحد من رجالهم، وأنه أب للمؤمنين جميعًا، وأن الصلة بينه، وبينهم هي صلة النبي بأمته. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه لو كان عليه الصلاة والسلام أبًا لأحد من رجالهم، لما صحَّ أن يكون خاتم النبيين والمرسلين؛ لأنه لو ثبت أنه أبٌ شرعي لأحد منهم؛ كزيد بن حارثة مثلاً، لربما خلفه في النبوة، فلا يكون حينئذ خاتم النبيين والمرسلين.
ومعنى كونه عليه الصلاة والسلام { خَاتَمَ النَّبِيِّينَ } أن النبوة ختمت بنبوته، فلا نبي بعده إلى أن تقوم السَّاعة. أي: أنه لا تبدأ نبوة، ولا تشرَّع شريعة بعد نبوته وشرعته، فهو آخر الأنبياء عليهم السلام. ويلزم من كونه صلى الله عليه وسلم { خَاتَم النَّبِيِّينَ } كونه { خَاتَم المُرْسَلينَ }؛ إذ لا رسالة إلا بنبوة. ولهذا يقال: كل رسول نبيٌّ، وليس كل نبيٍّ رسولاً.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حين خلَّفه في أهله في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله ! تخرج، وأقعد مع النساء والولدان ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:« أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى؛ إلا أنه لا نبيَّ بعدي». فرضي عليٌّ، رضي الله عنه.
وثبت عنه أيضًا قوله:« أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الحاشر، الذي يُحشَر الناس على قدمي، وأنا العاقبُ، الذي ليس بعدي نبيٌّ ». فذكر عليه الصلاة والسلام من أسمائه:{ العاقب }، وبيَّنه بقوله:« الذي لا نبيَّ بعده »، فدل بذلك على أنه آخر الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام؛ لأن كل رسول نبيٌّ، فلا يبعَث بعده، لا رسولٌ، ولا نبيٌّ. فمن ادَّعى النبوة والرسالة بعده، أو صدَّق مُدَّعِي النبوة بعده، فهو كافر بالله عز وجل، مكذب لله ولرسوله، ولإجماع المسلمين، ويجب أن يُقَصَّ عنقُه، إلا أن يتوب ويرجع.
فإن قيل: إن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ينزل آخر الزمان وهو رسول. فالجواب: أنه لا ينزل على أنه رسول مجدِّد؛ بل ينزل على أنه حاكم بشريعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأن الواجب على عيسى، وعلى غيره من الأنبياء- عليهم السلام- الإيمانُ بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال الله تعالى:﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴾(آل عمران:81). وهذا الرسول المصدق لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما صحَّ ذلك عن ابن عباس وغيره.
وروى نعيمٌ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرجَ دَجَّالُونَ، كَذَّابُونَ، قَرِيبٌ مِن ثَلاَثِينَ، كُلُّهُم يَزْعَمُ أَنَّهُ نَبِيٌ، وَلا نَبِيَّ بَعْدِي ».
فأخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بظهور المتنبِّئين الكَذَبَة، الذين يدَّعون النُبُوَّة. وقد حصل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وأول من ظهر في حياته صلى الله عليه وسلم اثنان: مُسَيْلِمةُ الكذَّابُ في اليَمامَة، والأسودُ العَنْسِيُّ في اليمن. أما الأسود العَنْسِيُّ فقد قتله المسلمون قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم. وأما مُسَيْلِمةُ الكذَّابُ فإنه قد تبعه قوم من أهل اليمامة، ولما بُويِع أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- بالخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم, جهَّز له الصدِّيق جيشًا من المسلمين من المهاجرين والأنصار بقيادة خالد بن الوليد. وحصل قتال شديد جدًّا، وقُتِلَ فيه من المسلمين، ومن أفاضلهم، ومن قُرَّاءِ القرآن العددُ الكثير؛ ولكن في النهاية قتل الله مُسَيْلِمةَ الكذَّابَ، وأراح الله المسلمين من شرِّه.ثم ظهر طُلَيْحةُ الأَسَدِيُّ، وادَّعى النُبُوَّةَ، وظهرت سَجَاحُ التميمية، وادَّعت النُبُوَّةَ؛ ولكن الله منَّ على طُلَيحَةَ، فتاب إلى الله عز وجل، وجاهد في سبيل الله، وتوفي على الإسلام. وكذلك سَجَاح تابت إلى الله عز وجل. ثم ظهر المختار بن أبي عُبَيْدٍ الثقفيِّ في خلافة عبد الملك بن مروان، وادَّعى النُبُوَّةَ، وقتله الله سبحانه وتعالى على أيدي المسلمين. وقال أبو حيان:” وكان في عصرنا شخص من الفقراء، ادَّعى النُبُوَّةَ بمدينة مالقة، فقتله السلطان ابن الأحمر، ملك الأندلس بغرناطة، وصلب إلى أن تناثر لحمه “.
ولا يزال المتنبِّئون الكذَبَةَ يظهرون بين الحين، والآخر، إلى أن ظهر منذ سنين رجلٌ في الهند يسمَّى: ميرزا غُلامُ أحمد القادْيانيّ، ادَّعى النُبُوَّةَ، بحماية من الحكام الإنجليز، وبمساندتهم، وكان أول ما بدأ به أن كتب كتابًا، سمَّاه: البراهين الأحمدية، يرد فيه على اليهود والنصارى؛ ليوهم الناس أنه من المدافعين عن الدين. وبعد فترة ادَّعى أنه مجدِّدُ القرن. ثم ادَّعى أنه المهدي. ثم ادَّعى أنه المسيح. ثم ادَّعى النبوة بوضوح، وأنه رسول من عند الله. فلما مات عثِر على آثاره، وجمعت كتبه، فوجد فيها رسالة بعث بها إلى الحكومة الإنجليزية، وهي بخطه يقول فيها:” إنني قد كتبت في مدح، وتأييد الحكومة الإنجليزية، وحثِّ المسلمين في الهند على الولاء لها، ما يعادل، لو جمع، أكثر من خمسين خزانة.. وإني قد دعوتهم في كل مكان إلى أن يتركوا الجهاد، وأن يخلصوا الولاء لهذه الدولة حفظها الله، وحرسها “.
واستطاع أن يجمع حوله شرذمة من الناس، عرفوا بالقادْيانيَّة، والأحمديَّة، نسبة إلى بلدة قاديان في ولاية البنجاب من بلاد الهند، وإلى مؤسسها: أحمد القادْيانيّ. وقد تحمَّس هؤلاء في تأييد صاحبهم؛ لجهلهم بأصول الدين، ولطمعهم في المكاسب من قبل المستعمر الإنجليزي، الذي كان يستعمر الهند. والقاديانية، أو الأحمديَّة هي إحدى فرق الباطنيَّة، وأحدثها عهدًا، وأقربها ظهورًا. ومن أهم أركان دينها إنكار الجهاد. وترجموا القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية، وتُجمِع ترجماتهم للقرآن، ومنها ترجمة محمد علي اللاهوري، وترجمة ملك غلام فريد، وترجمة السير ظفر الله خان، على أن باب النبوة لم يُغْلَقْ. وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم:« لا نَبِيَّ بعدي » بقولهم: لا نَبِيَّ معي. وتأولوا قوله تعالى:﴿ وَلَكِنْ رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ بأن المعنى: زينة النبيين، وليس آخرهم.
وهذا التأويل لا يصحُّ إلا في لغة الأعاجم، وأما في اللغة، التي أنزل الله تعالى بها القرآن، فلا يصحُّ أبدًا؛ بل لا يجوز؛ لأنه تحريف للكلم عن مواضعه. ولا يقول: إن بعدي، بمعنى: معي، وأن{ الخاتَم } بمعنى:{ الزينة }، إلا جاهل بلغة العرب، أو متجاهل خبيث شرير، غرضه إثارة الشبهات، ووضع السمِّ في الدَّسَم، ولا يخفى ذلك إلا على ضعاف النفوس والإيمان.
وفي الردِّ على هذه الشبهة الواهيَة أقول بعون الله وتعليمه إضافة إلى ما تقدَّم:
الخاتَِم، بفتح التاء وكسرها، اشتقاقهما من الخَتْمِ. والختم- في اللغة- ينبئ عن إتمام الشئ، وبلوغ آخره. يقال: فلانٌ خَتَمَ عليك بابه، إذا أعْرَض عنك. وخَتَمَ فلانٌ لك بابَهُ، إذا آثرَك على غيرك. وخَتَم فلانٌ القُرآن، إذا أتمَّ قراءته، أو حفظه إلى آخره. وخاتِمة السورة: آخرها. واخْتَتَمَ الشيء نَقيض افتَتَحه. وخاتَم كل شيء، وخاتِمه، وخِتامه: عاقبتُه وآخرهُ. وخِتامُ الوادي: أقصاه. وقوله تعالى:﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ ﴾(المطففين:26). أي: آخرُ ما يجدونه منه عند شربهم إياه رائحةُ المسك. ويقرأ:{ خَاتِمهُ مِسْكٌ }. أي: عاقبتُه ريحُ المسك. وخِتامُ كلِّ مشروبٍ، وخاتَِمُه: آخِرُه. وقال الفراء: قرأَ عليٌّ عليه السلام:{ خَاتِمُه مِسْكٌ }، وقال: أَما رأَيتَ المرأَةَ تقول للعطَّار: اجعلْ لي خَاتِمَه مِسكًا. تريد: آخرَه ؟ وقال الفراء: والخاتِمُ والخِتامُ متقاربان في المعنى، إِلاَّ أَن الخاتِمَ: الاسمُ، والخِتام: المصدر.
وحقيقةُ الخَتْمُ: السَّدُّ على الإناء، والغَلْقُ على الكتاب، بطين ونحوه، مع وضع علامة مرسومة في خاتَم؛ ليمنع ذلك من فتح المختوم. فإذا فُتِح علم صاحبه أنه فتِح، لفسادٍ يظهر في أثر النقش. وقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتَمًا لذلك. وقد كانت العرب تختم على قوارير الخمر؛ ليصلحها انحباس الهواء عنها، وتسلم من الأقذار في مدة تعتيقها. والخَتْمُ: أَفواه خَلايا النَّحْل. والخَتْمُ أَن تَجمع النحلُ من الشَّمَع شيئًا رقيقًا، أَرقَّ من شَمَع القُرْص، فَتَطْلِيَه به.
والخاتَم، بفتح التاء، الطين الموضوع على المكان المختوم. وأطلق على القالَبِ المنقوش فيه علامة، أو كتابة، يطبَع بها على الطين، الذي يُختَم به، بحيث لا يخرج منه شيء، ولا يدخل فيه شيء. والخِتام: الطين الذي يُخْتَمَ به على كتابٍ. ويقال: هو الخَتْم، يعني: الطين الذي يُختَم به. والخِتَامُ هو أن تُثار الأرضُ بالبَذرِ حتى يصير البذرُ تحتها، ثم يسقونها. وخَتْمُ البَذر: تغطيته؛ ولذلك قيل للزَّارِعِ: كافرٌ؛ لأنه يغطِّى البَذْر بالتراب. قال الله تعالى:﴿ خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾(البقرة:7)، فجعل على قلوب الكافرين، وأسماعهم خَتْمًا؛ كختم الطين على الجرَّة؛ ليكون لها مانعًا، يمنعها من ألَّا يدخل فيها شيء، أو يخرج منها شيء. أما أبصارهم فجعل عليها غشاوة؛ لتكون مانعة لها من الرؤية منعًا، لا يكون معه إلا العمى؛ وذلك لأنهم لم يؤمنوا. وقال تعالى:﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾(المنافقون:3)، فجعل على قلوب المنافقين طابعًا، يمنعها من الفهم والعقْل منعًا، لا يرقى إلى المنع بالختم، وبالغشاوة؛ لأنهم آمنوا، ثم كفروا.
وقوله تعالى:﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ﴾(يس:65). أي: نمنعهم من الكلام. والختم على الأفواه، والقلوب قريب معناه من القَفْل. والخَاتَم والخَاتِمُ: من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وسمِّي بذلك لأن الله تعالى ختم به الأنبياء والرسل، وتمَّمَهم به، بحيث لا يأتي بعده نبيٌّ، ولا يبعث ممَّن قبله نبيٌّ؛ كما يختم بالطين على الجرَّة، بحيث لا يدخل فيها شيء، ولا يخرج منها شيء، فليُتأمَّل ! ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود رضي الله عنه:{ ولَكِنْ نَبِيًّا خَتَمَ النَّبَيِّينَ }.
وجاء في تُحْفَةِ الأَحْوَذِيِّ:” الخاتِمُ، بكسر التاء. أي: فَاعِلُ الخَتْمِ، وهو الإِتْمَامُ، والبُلُوغُ إلى الآخر، وبفتح التاء، بمعنى الطَّابَعِ، ومعناهُ: الشيءُ الذي هو دليلٌ على أنه لا نَبِيَّ بعده. وقال القاضي البَيْضَاوِيُّ: خَاتِمُ النُّبُوَّةِ أَثَرٌ بين كتفيه، نُعِتَ به في الكتب المتقدِّمة، وكان علامةً يُعْلَمُ بها أنه النَّبِيُّ الموعود، وصيانةً لنُبُوَّتِهِ عن تطرُّق القدْح إليها صيانةُ الشيءِ المُسْتَوْثَقِ بالخَتْمِ. ذكره العَيْنِيُّ “.
وفي المستدرك على الصحيحين، عن جابر بن سمرة، قال:” رأيت خاتمًا في ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كأنه بيضة حمام “. وفي الصحيحين عن السائب بن يزيد قال:” ذهبت بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجعٌ، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ، فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه، مثل زر الحجلة “. وزر الحجلة: بيضتها. والحجلة طائر كالحمام.
وفي المستدرك على الصحيحين، عن علباءَ بن أحمرَ اليَشْكُرِيِّ، قال:” حدثني أبو زيد عمرو بن أخطب الأنصاري قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا أبا زيد ! ادْنُ ، فامسحْ ظهري »، فمسحت ظهره، فوقعت أصابعي على الخاتم، فغمزتها. فقيل له: وما الخاتم؟ قال: شعر مجتمع عند كتفه “. والغمز: الإشارة، والجسُّ، والضغط باليد، أو العين.
وفي الشمائل المحمدية للترمذي، عن أبي نضرة العوقي قال:” سألت أبا سعيد الخدري عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: خاتم النبوة، فقال: كان في ظهره بَضْعةٌ ناشِزَةٌ “. والبَضْعةُ، بفتح الباء، قطعة لحم، وناشزة: مرتفعة من اللحم.
وفي فيض القدير:” قال القرطبي: اتفقت الأحاديث الثابتة على أن الخاتم كان شيئًا بارزًا أحمرَ عند كتفه الأيسر، قدْرُه، إذا قلل كبيضة الحمامة، وإذا كثر جَمْعْ اليد. وفي الخاتم أقوال متقاربة، وعد المصنِّف وغيره جَعْلَ خاتم النبوة بظهره، بإزاء قلبه، حيث يدخل الشيطان، من خصائصه على الأنبياء، وقال: وسائر الأنبياء كان خاتمهم في يمينهم “. وقال الشيخ السهيلي رحمه الله:” وضِع خاتم النبوة عند كتفه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه معصوم من وسوسة الشيطان، وذلك الموضع يدخل منه الشيطان “.
نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب والسداد في القول والعمل، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، فمن يضلل الله فلا هادي له، ومن يهد فلا مضل له، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
الباحث
في الإعجاز اللغوي والبياني للقرآن
[email protected] (
[email protected])
القلب الحزين
11-12-2013, 06:50 PM
هذا الموضوع طويل شوي
نقد نظريات التطور
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1184056862darwin_ape.jpgرسم لتشارلز دارون بيد أحد معارضي نظرية التطور يظهر فيها على شكل قرد بقلم الدكتور محمد برباب
يقول ألكس كاريل في كتابه الإنسان ذلك المجهول " إن نظريات النشوء والارتقاء هي مصدر كل الهموم الإنسانية وإنها ليست إلا حكايات خرافية وجدت من يحميها ومن يقدمها للجماهير بحلة خادعة لا يعرفها كثير من الناس " .
ويعتبر أنه من الصعب أن نسمي خط سير الحضارة الغربية ـ المتأثرة بهذه النظرية ـ وتوصلها إلى إمكانية تدمير الحياة على سطح الأرض وإنهاء 3 ملايين سنة من تاريخ البشرية..
لا يمكننا أن نسمي ذلك بحال من الأحوال تقدماً.. وهو بذلك يشير إلى القنابل النووية التي اخترعتها الحضارة الغربية .. حتى أن منها من تفتك بالإنسان وتترك البنيان .. وكأن البنيان أشرف من الإنسان.
إذن فهل هذه النظريات خيالية وجدت من يروج لها؟ أم أنها نظريات علمية قريبة من الحقائق العلمية؟ أم أنها اكتسبت صفة الحقيقة العلمية؟ .
قبل الجواب على هذه الأسئلة أود أولاً أن أوضح نقطتين هامتين: ما هي النظرية؟ وما هو المنهج الأسلم لدراسة نظريات التطور؟ .
مفهوم الفرضية:
النظرية هي مجموعة من الفرضيات المتماسكة بعضها مع بعض، وتأتي هذه الفرضيات عن طريق مشاهدة أو ملاحظة ظاهرة ما، وتتطلب هذه الفرضيات لإثباتها القيام بتجارب ناجحة، أو المشاهدة المباشرة التي تبرهن على صحة الفرضية، فإذا كانت إحدى الفرضيات التي تنتمي إلى النظرية لا يمكن إثباتها لا عن طريق التجربة ولا عن طريق المشاهدة المباشرة فإن النظرية كلها يعاد فيها النظر.
أفضل منهج لتدارس هذه النظريات:
فإذا كانت الدراسات القديمة في هذا الميدان لم تعتمد إلا على الصفات الخارجية للأنواع الحية ـ من مظهر وطول ولون جلد، فإن الدراسات الحالية تعتمد على معطيات جديدة كعلم المناعة وعلم الكيمياء الحياتية أو علم الفصائل الدموية أو علم الوراثة وهذه الدراسات التي برزت في العشرين سنة الأخيرة أعطت نتائج قلبت معطيات علم الأنتروبولوجيا القديمة، وذلك بشهادة جل مراكز البحث المختصة عالمياً فأقل ما يمكنه أن يقال عن فترات ظهور نظريات التطور أن الوسائل المستعملة في ميدان العلوم الطبيعية آنذاك، وسائل بدائية إلى حد كبير، ومن هنا نستنتج أن أحسن منهج لدراسة نظريات التطور هو دراستها في قالبها التاريخي، لأنه يبين مدى موافقة أو تعارض هذه النظريات مع الحقائق العلمية المتجددة.
ظاهرة التشابه التصاعدي
تتفق جميع نظريات التطور على أن كل أنواع الكائنات الحية قد نشأت عن نوع سابق لها في الوجود والنوع السابق يكون دائماً أبسط ممن يليه في التركيب وهكذا، فانطلاقاً من الكائنات الوحيدة الخلية ومروراً بالأعقد فالأعقد من النباتات والحيوانات وانتهاء بالإنسان، حيث تصر هذه النظريات على أن الكائنات نشأت بعضها من بعض وأصلها يعود إلى الكائنات الوحيدة الخلية.
كيف ظهرت الكائنات الوحيدة الخلية ؟
التفسير الأول: للعالم السويسري (إرينيوس) (1) الذي يقول بأن الكائنات الوحيدة الخلية مصدرها كائنات مجهرية توجد في فضاء الكون منذ الأزل حيث انسلت إلى الأرض ثم تطورت صدفة فأعطت حيوانات ونباتات صدفة وعن طريق التطور.
التفسير الثاني: (لأرنست هيكل ) الذي يقول بأن الكائنات تطورت من جماد بمعنى أنه في فترة ما من الزمن الماضي تحولت مواد غير عضوية إلى مواد عضوية صدفة ثم أعطت أحماض أمينية التي تحولت بنفسها صدفة إلى بروتينات ثم إلى صبغيات صدفة فأعطت كائنات ذات خلية واحدة صدفة ثم تكونت النباتات والحيوانات وهكذا..
نقد نظرية التطور التصاعدي
ظاهرة التشابه التصاعدي: هذه الظاهرة حقيقة ثابتة منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا لا يسع العين إنكارها فضلاً عن العقل والفكر، وقد أشار إلى هذا ابن مسكويه في كتابه (الفوز الأصغر ) وكذلك ابن خلدون في المقدمة حيث يقول: ((ثم انظر إلى عالم التكوين كيف ابتدأ بالمعادن ثم النباتات ثم الحيوانات )) فهذه حقيقة وصفية مشاهدة قائمة كما هي منذ أقدم العصور التي وعاها الإنسان؛ ولكن هذه الظاهرة – التشابه التصاعدي في الكائنات – لا علاقة لها بدعوى نشأتها من أصل واحد، فصفاة الكائنات تمكننا من تصنيفها نعم ولكن لا تمكننا من معرفة أصلها وإلا فمن أين أتى حيوان منقر البط (Ornithorynque)(2) الذي يتميز بكونه حيوان برمائي، زاحف ذو كفين، له وجنة لها تجعدان وجنة القرد ومنقار بط وقدم ثعلب الماء، وناب أفعى وذنب السمور أو القندس وهو يرضع صغاره من غير ثدي ويضع بيضاً وحرارة جسمه غير ثابتة كالتي عند الثديات:
فهذا الحيوان يمكننا مثلاً تصنيفه وبصعوبة أما معرفة مصدره وإلى أي حيوان ارتقى فهذا مستحيل.
وكمثال آخر فإن ذئب (Tasmanie) مثلاً يشبه كثيراً الذئب المعروف: نفس الجهاز العظمي، نفس الأسنان نفس الجمجمة، إلا أن الأول كيسي ( له جيب بطني ) والثاني مشيمي (Placentaire) فهذا يعني أن الأحياء المتشابهة لا تنتمي حتماً لنفس الفصيلة.
الحفريات لا تفسر بل تزيد تعقيداً.. والحلقات الوسطية مفقودة (3):
حسب نظرية داروين فإن التغييرات تتعاقب ببطء، وتسفر في النهاية على الانتقال من نوع إلى نوع آخر.. وإذا كان هذا صحيحاً – يقول دنتون – فيجب أن نعثر على الحلقات الوسطية..
مثلاً: عام: 1900 عثر علماء الحفريات على حفرية لدودة (Poganaphora) (عملاقة) ليس لها فم ولا أنبوب هضمي، فعوض أن تتموضع هذه الحفرية بين نوعين سابقين، كونت نوعاً مستقلاً بحد ذاته ( مضيفة تعقيداً جديداً للتفسيرات السابقة).
وفي 1909 عثر الباحث الأمريكي (Charles Doolithes) على حفرية حيوانية ترجع إلى 500 – مليون سنة لها نفس التعقيدات..
وفي 1947 عثر جيولوجي استرالي في أرض بلاده على حفريات أخرى (700 – م س )..
والحالتين معاً تمثلان حفريات لكائنات حية غير معروفة تماماً، ولم تمثل أية منها الحلقة الوسطية المنتظرة.. وعوض أن تنتظم شجرة التطور – يقول دنتون – تشعبت وتعقدت مع مرور السنين..
حقيقي أنه توجد استثناءات، فحفرية: (Archaeopteryx) (مجنح أثري ) تمثل حلقة وسطية محتملة بين الزواحف والطيور، لأنه يحتفظ بالكثير من خصائص الزواحف ( تموضع عظام الجمجمة، وجود أسنان، رقبة طويلة، غياب المنقر... الخ ).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1184057051archaeopteryx1.jpg
صورة لحفرية Archaeopteryx
ولكن بالإضافة إلى أن هذه الأنواع ضئيلة، كيف يمكننا أن نتيقن بأن المكان الذي تضعه بها في سلم التطور هو المكان المناسب ؟ وذلك لأن 99 في المائة من الخصائص البيولوجية للجسم توجد ( في الجانب الغير الصلب للجسم ): جلد، عضلات، أعصاب، أحشاء.. وهذه الأعضاء لا توجد مع الحفرية..
أما المتحجرات العائدة لسلسلة الحصان فلم يعثر عليها في الفترات والأحقاب التي كانت تستوجب نظرية التطور، فهناك فجوات بين فترات ظهور الأنواع الرئيسية منها حيث أنها ظهرت دون حالات انتقالية.
وهناك تناقضات ملفتة للنظر في نمو وتكون الهياكل العظمية لهذه السلسلة:
Eohippus: عدد الأضلاع: 18 زوجاً.
Orohippus: عنده فقط: 15 زوجاً.
Pliohippus: عدد الأضلاع: 19 زوجاً.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1184057094250px-kangaroo_and_joey03.jpg
صورة لحيوان الكنغر
Eouus Scotti: عدد الأضلاع: 18 زوجاً مرة أخرى.
الكيسيات مثل الكنغر.. عظمة في حلق التطوريين:
فلنفترض اختفاء الكيسيات (4) من فوق سطح الأرض، وأن الوسيلة الوحيدة التي عثرنا عليها للتعرف عليهم هي جهازهم العظمي، فكيف يمكننا أن نعرف بأن لها جيباً ًبطنياً بالاعتماد فقط على هيكلها العظمي ؟ وكيف يمكننا إذاً معرفة بأن طريقة الحمل (المرحلة الجنينية ) عندهم تختلف عن باقي الحيوانات الثدية المشيمية: Placentaire يبدأ النمو الجنيني عند الكنغر في مشيمة الأم ويتم النمو في جيب بطني والذي يحتوي على ثدي الإرضاع ) ؟.
سمكة السيلاكانت.. امتحان
في عام 1935، بينما كان أحد الصيادين يبلل شبكاه في قناة موزمبيق في الشاطئ الإفريقي على ساحل المحيط الهندي اصطاد سمكة السيلاكانت
(Coelacanth)، واعتبر هذا الصيد بمثابة (معجزة) لأنه كان في الاعتقاد أن هذه السمكة اختفت منذ ما يقرب من 100 مليون سنة وقد مكن هذا الصيد من اختبار مصداقية تكوين شكل الكائن الحي بالاعتماد فقط على البقايا الصلبة من جسمه، ولكن الخيبة كانت كبيرة عندما تبين أن الشكل الخيالي الذي افترض كان بعيداً عن حقيقة الأمر.. وألغي القول بأنها وسطية بين السمك والفقريات البرية.
الحقيقة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1184057148coelacanth.jpg
صورة لسمكة السيلاكانت
إن علم الحفريات يبين أن أي نوع ما من الكائنات الحية يعيش فترة معينة فينقرض بعدها ويظهر نوع آخر أكثر تطوراً منه، بحيث لا توجد أي حلقة وسطية (5) بين النوع الأول والنوع الثاني، وهذا يخص عموم الكائنات الحية وبدون استثناء، فالحلقات الوسطية لا توجد بتاتاً على سطح كوكبنا لا بين الإنسان وغيره من الأحياء ولا بين الكائنات الأخرى.
لقد كانت عصور ما قبل الكمبيري Precambrian خالية من المتحجرات وعوض أن تظهر الكائنات الوحيدة الخلية كما يزعم التطوريون، ظهرت الملايين من الكائنات الحية في العصر الكمبيري Cambrian كلها من الأشكال المتطورة (مفصليات، لا فقريات، مرجان، ديدان، قناديل البحر ) ظهرت بدون أي تطور تدريجي فأين 1.500 مليون سنة التي زعم التطوريون أن الكائنات الحية الوحيدة الخلية احتاجتها للتطور.
ومن هنا ظهرت مدرسة في الغرب تسمى مدرسة الخلق المباشر (creationism) تلح بأن الخالق سبحانه هو الذي يخلق النوع الجديد مباشرة بعد انقراض النوع السابق الذي يكون قد أنهى مهمته.
(ورسالته ) في خدمة الحياة أو أنهى التهييء لهذه الخدمة ليتسلمها النوع الجديد... وهذه المدرسة تستند على الأدلة التالية:
- التشابه التصاعدي ليس مصحوباً حتماً بتطور في القوى العاقلة عند الكائنات، فالعصفور مثلاً – أذكى وعقله أكثر تطوراً من عقل قرد وإدراك القرد ليس أرقى من إدراك الكلب إلا قليلاً.. والحمار لا يزال حماراً منذ أن عرفته البشرية..
- عدم وجود الحلقات الوسطية بين الأنواع.
- عدد الصبغيات ثابت عند كل نوع من الأنواع الحية وأي تغيير فيه يؤدي إلى تشوه النوع لا إلى تحوله لنوع آخر.
مشكلة تفسير ظهور الحياة:
أهم ما يمكن أن نسجل هنا هو عجز العلوم بجميع تشعباتها عن تفسير ظهور الحياة، يقول العالم الروسي الشيوعي أوبارين: ( إن كيفية ظهور الخلية إلى الوجود تشكل أظلم ركن في نظرية التطور مع الأسف) (6) ولهذا السبب اعتمد العلماء، على خيالهم في تفسير ظهور الحياة أكثر مما اعتمدوا على معطيات علمية، فكان التفسيران المقترحان اللذان ذكرتهما...، ولكنهما ما لبثا أن اصطدما مع الواقع العلمي.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــع
القلب الحزين
11-12-2013, 06:52 PM
يتبـــــــــع الموضوع السابق
نقد نظريات التطور
العلوم الحديثة.. تكذب
فالعالم (إرينيوس ) لم يكن يعلم بظروف الفضاء، ولذلك قال بوجود الكائنات الحية المجهرية في الفضاء الخارجي للكرة الأرضية، ولكن تقدم الأبحاث العلمية أثبتت وجود درجة الصفر المطلق في الفضاء التي لا تستطيع الكائنات المجهرية العيش فيه، وتتغير الحرارة في كواكب مجموعتنا الشمسية حسب قربها وبعدها عن الشمس فقد تتراوح ما بين 300 – ليلاً و+430 نهاراً وحتى إن استطاعت العيش (وهذا مستحيل ) فإنها لا تستطيع مقاومة الإشعاع الكثيف للموجة القصيرة القاتلة وعوامل أخرى كثيرة كالضغط وغيره.. ومن هنا تصادم التفسير الأول وتعارض مع معطيات العلوم الحديثة.
- أما تفسير (أرنست هيكل ) وقوله بأن المواد الغير العضوية تحولت يوماً ما إلى مواد عضوية صدفة ثم أعطت أحماض أمينية صدفة ثم تكونت بروتينات صدفة وأعطت آلاف الأجزاء البروتوبلاسمية صدفة وأعطت آلافاً من السلاسل A.D.N صدفة ثم في الأخير أعطت خلية حية صدفة.. هذا التفسير يتعارض مع معطيات العلوم الحديثة فأي نظرية يجب أن تخضع للمشاهدة أو للتجربة حيث يجب أن يتبين صحتها.
أما هذه النظرية فلم تثبت مشاهدتها ويستحيل الحصول عليها عن طريق التجربة، فالمواد العضوية التي ادعى (هيكل) أن الحياة الأولى قد انبثقت عنها انبثاقاً كيماوياً تلقائياً هي موجودة بين أيديهم ورغم ذلك لم يستطيعوا توليد الحياة وبالطريقة التي دعوا فالاتحاد السوفيتي المنهار، كان المروج الأكبر لهذا الطرح في غياب الموضوعية العلمية..
وأوبارين العالم الطبيعي الشيوعي السوفيتي هو – أحد خلفاء داعية الإلحاد (أرنست هيكل) - صاحب النظرية – أوبارين هذا، جوبه في موسكو بالسؤال التالي:
هل التفاعل الكيميائي في المادة غير العضوية قادر وبالطريقة التي ذكر ( أرنست هيكل) على بعث الحياة كما انبعثت منذ ملايين السنين وعلى الصورة التي ادعى (أرنست هيكل).
فأجاب ( أوبارين) بأن هذا ممكن ولكن في كواكب أخرى غير كوكبنا هذا – يعني الأرض – ومع الأسف نجد مثل هذا الجواب في فكر كثير من الباحثين الغربيين ولا يخفى على عاقل ما في هذه الإجابة من مراوغة وتمصل لأن هذا الشيوعي لو قال أن هذا ممكن على ظهر الأرض لوجه له السؤال:
- لِمَ لمْ تقوموا بهذا الأمر ؟!
ومثله في ذلك مثل الذين يقولون بإمكان حدوث تحول المادة العضوية فوق سطح الأرض ولكن يجب أن تمر الملايين من السنين، فإن كان مرور الوقت يريدون به تبرير مرور مجموعة من العوامل التي تتدخل في تلك الفترة الزمنية فحالياً وفي المختبرات الحديثة حيث جميع الإمكانيات متوفرة، يمكننا أن نتدخل بجميع العوامل كالحرارة وأنواع الأشعة وأنواع المواد الكيميائية وغيرها، كل هذا ممكن في المختبر ولكن لم تستطع البشرية تجريبياً تحويل المادة الغير العضوية إلى مادة عضوية وخلق حياة.
إذن فلكي ينجو هؤلاء الملاحدة – الذين لا علاقة لهم بالعلم – من الوقوع في ورطة هذا السؤال المحرج فإنهم يحيلون السائل إلى الكواكب الأخرى أو إلى عامل الوقت الخارجين عن إرادة الإنسان وطاقته مؤمنين في ذلك بالغيب الذي يدعون عدم الاعتقاد به، وحيث يجد السائل نفسه أمام درب مسدود أمامهم..
وتذكرنا هذه الإجابة المضحكة من الملحدين بجحا المشهور بالإجابات السريعة المضحكة، فقد سأله أحد الناس: كم عدد نجوم السماء ؟ فقال: خمسون ألفاً، فقيل له: ولكن كيف عرفتها وأنت في بغداد والسماء محيطة بالأرض كلها ؟ فأجاب: هذه حقيقة أعرفها وأجزم بها وأصر عليها ومن لم يصدق فليصعد إلى السماء وليحصها..
إن القول بأن الكائنات الحية (حيوانية أو نباتية) نشأت من خلية واحدة، يتعارض – بالإضافة إلى ما سبق – مع معطيات علم الوراثة لأنه كان يجب أن تصبح كل كائنات عصرنا متشابهة ومتجانسة ومتناظرة، فإذا قيل بتدخل عوامل أخرى أثرت على الكروموزمات ( وذلك بالاعتماد على نظرية أخرى) فهذا ما سنناقشه عند استعراض باقي النظريات.
الأبحاث الحالية.. تُكَذّب
حسب السيناريو الذي تفترضه نظرية التطور عن تحول المواد الغير العضوية إلى مواد عضوية، فإن المحيطات البدائية احتوت خلال ملايين من السنين على أرضية غنية بالمواد العضوية.
هذه المواد التي يجب أن نجدها في الصخور الرسوبية التي تكونت آنذاك في قاع المحيطات، ولكن وكما يقول Denton، حتى الآن لم نعثر على أي أثر لهذه المواد.. مع العلم أنه عثر في جنوب Greenland كريلاندا على أقدم صخور في القشرة الأرضية يرجع تاريخها إلى 3.9 مليار سنة، علماً أن عمر الأرض لا يتجاوز 5 إلى 6 مليارات سنة.
ومن جهة أخرى، عثر الباحثون الأستراليون في أحجار تاريخها 3.5 مليار سنة، على طحالب مجهرية، وهذا يدل على أن توقيت ظهور الحياة المزعوم من طرف التطوريين خاطئ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المدة التي يعطونها لبرودة المواد المنصهرة فوق الأرض وتكون المحيطات الأولى.
لن نكتفي بهذا فقط، فالشكل المقترح من طرف التطوريين لتفسير تكون مواد الحساء الأولي (Soupe primtive) خاطئ لأنه يعني أن الفضاء الأولي لم يكن به أوكسجين وإلا فإن المواد العضوية الأولى كانت ستتعرض بسرعة إلى التلف (Oxydation et Degradation) وهذا ضرب من الخيال الأحمق، لأن عدم وجود الأوكسجين يعني عدم وجود غشاء الأوزون الفضائي مما سيكسر كل الاتصالات الكيميائية التي ستحاول المواد العضوية القيام بها ويجب أن لا ننسى بأنه لهذا السبب تفسر الآن عدم وجود هذه المواد العضوية فوق أرضية كوكب مارس.
وقبل استعراض باقي النظريات أريد أن أوضح مفهوم (الصدفة) الذي ترتكز عليه هذه النظريات والذي طالما ظن الكثير من الناس أنه لا يخضع لأي قانون رياضي ولا منطقي.
فصل عن المصادفة
إن نتائج المصادفة مقيدة بقوانين رياضية وذلك مثل كون 1 زائد 1 يساوي 2.
وكمثل على ذلك خذ كيساً به مائة (100) قطعة رخام 99 بيضاء وواحدة سوداء.
- إن نسبة سحب القطعة السوداء من الكيس مرة واحدة هي بنسبة واحد إلى المائة (100:1).
- أما سحبها مرتين متواليتين فهي بنسبة: (10.000:1) ونسبة جلبها ثلاث مرات متتالية هي: (1.000.000:1) وهكذا نلاحظ أنه كلما تكاثرت الأعداد المنتظمة أصبحت الصدفة أمراً مستحيلاً، وضرباً من الخيال الأحمق، خصوصاً إذا ما حاولنا أن نفسر بها نشأة الظواهر الكونية الهائلة، والقوانين المتينة التي تربط بين عناصرها، فالحياة فوق أرضنا ترتبط بشروط جوهرية عديدة، فهل توفر هذه الشروط التي لا يحصى عددها جاءت من محض المصادفة ؟ والأمثلة على هذا لا تعد ولا تحصى، فوجود الماء، والهواء، والشمس، والقمر، والسهول، والجبال، والأودية... ما هو إلا توفير للحياة وخدمة لها مما يجعل التكلم عن المصادفة في هذا المجال، أمراً صبيانياً.. وإلا لماذا لم تجعل المصادفة الأرض تدور حول نفسها (أربع وعشرين ساعة ) بسرعة 100 ميل بدل 1000 ميل ؟ عندئذ يكون ليلنا ونهارنا أطول مما هما عليه فتحترق النباتات كل يوم أو تتجمد في الليل فتستحيل الحياة، والقمر هو المسؤول عن المد والجزر وهو يبعد عن الأرض بـ: 240.000 ميل فلو أن قمرنا يبعد عنا بـ: 51.000 ميل فإن المد كان يبلغ من القوة بحيث يدمر جبال الأرض كلها.. ولو أن الهواء أصبح سائلاً لغطى الكرة الأرضية إلى عمق 35 قدم والأمثلة في هذا المجال لا يمكن أن تستوعبها كتب الدنيا كلها...
إن البحث العلمي النزيه يقتضي إيجاد نظريات بعيدة عن إستراتيجية جهة من الجهات لأن الزمن لا بد أن يكشف عن الحقيقة إذ كيف يعقل مثلاً أن تصبح الخلية حيواناً، وأخرى نباتاً، بالصدفة ؟ فلماذا لم تجعل المصادفة الحياة كلها حيوانية ؟ إذاً لاستنفذ الأوكسجين ولما بقيت الحياة كلها نباتية، لاستهلك النبات ثاني أكسيد الكربون، ولما بقيت الحياة، إن هذه الترهات الفكرية وغيرها، جوانب لا تمت إلى العلم بصلة.
وفي هذا الشأن أكد العالم الفرنسي (ألكونت دي تواي) أن الكون والفضاء اللانهائي، وكمية المادة التي يتطلبها تكوين جزئية بروتينية عن طريق الصدفة، هي أكبر بكثير من المادة والفضاء الموجودين حالياً.
فمن أجل إيجاد جزيء بروتيني يمنح الحياة تقدر الصدفة برقم به 243 صفراً أمام 10 بلايين(7).
فكيف لنظرية تعجز عن تفسير ظهور جزئية بروتينية لا ترى بأحدث أجهزة التكبير أن تفسر ظهور مليون نوع من الحيوانات و200.000 نوع من النباتات مع ارتباطاتها فيما بينها ؟
- إن الحياة فوق كوكبنا ترتبط بحسابات تنظم حتى مستقبل البشرية وأرزاقها إلى غير ذلك، ففي الوقت الذي تعطي فيه خلية ملتوية أربع حيوانات منوية لإنتاج ملايين الحيوانات المنوية تعطي المنسلية البيضاء عند المرأة أربع خلايا في كل شهر ولكن واحدة منها فقط صالحة للإخصاب ولو أن الخلايا الأربعة تخصبت جلها، لأنجبت كل امرأة على الأقل أربعة أولاد في كل مرة وتخيل آنذاك مصير البشرية فوق كوكبنا.
نظرية لامارك(8)
إن مضمون هذه النظرية، هو أن عدم ثبات الأنواع على حالها يعود أساساً إلى الظروف المختلفة (مثلاً كتأثير المناخ والغذاء وطراز الحياة.. ).
التي تؤثر على ثبات الأنواع، وتدفعهم حتماً للتغيير وبمعنى آخر فإن الكائنات نشأت عن غيرها من أخرى، غير متشابهة لها في عملية تطور متعددة عبر أزمان طويلة، كان التغيير فيها أو في بعض أعضائها وفقاً لظروف البيئة الخارجية، ثم انتقلت هذه التغييرات المكتسبة إلى الجيل التالي له بالوراثة.
واستدل لامارك بقانونين هما:
- أولاً: قانون الاستعمال والإهمال:
يعني أن بعض أعضاء الكائن الحي، تتغير بالضمور، أو الزيادة، أو الضعف، أو القوة نتيجة لإهماله أو كثرة استعماله، ثم ضرب عدة أمثلة أهمها:
أ- نمو واستطالة رقبة الزرافة نتيجة لمحاولتها المستمرة للوصول إلى غذائها من أوراق الأشجار العالية بعد تعرية الفروع التي هي أدنى منها.
ب-نمو سيقان الطيور التي تعيش في المستنقعات والبحيرات واستطالة مناقرها ورقابها لاصطياد الأسماك منها.
ج- الفقاريات التي تتغذى بدون مضغ، تضمر أسنانها وتصبح خفية في اللثتين مثلاً: الحوت، وآكل النمل.
د- والخلد، الذي يعيش في الظلام، له عينان صغيرتان جداً لا تكاد تنهضان بوظيفة.
- ثانياً: توريث التغييرات المكتسبة:
يعني أنه بعد ظهور المتغيرات الجديدة التي اكتسبها الأفراد، يتم توريثها للجيل الجديد.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــع
القلب الحزين
11-12-2013, 06:53 PM
يتبـــــــــع الموضوع السابق
نقد نظريات التطور
نقد (اللاماركية)
أولاً: - نقد فرضية توريث التغييرات المكتسبة: لقد فندت نتائج بحوث العالم (جريجول مندل) (1822 - 1884) ما جاء بهذه النظرية اللاماركية التي ادعت إمكانية توريث الأجيال التالية لتلك الصفات التي اكتسبها أسلافهم وكذلك العالم (طوماس مورجان).
فختان أبناء المسلمين، وأبناء اليهود، لم تورث أية طائفة لنسلها هذه الخصائص، ويقال نفس الشيء بالنسبة لتلك الأطواق التي تمسكت بها نساء (بورما) لإطالة أعناقهن، وكذلك أحذية نساء الصين الصغيرة.. ونشير لما قام به الباحث (وايزمان) في تجربة طويلة الأمد كان خلالها يقطع ذيل الفئران مباشرة بعد ولادتها، وبعد توالد هذه الأنواع لم يحصل على فئران بدون ذيل.
ثانياً – نقد قانون الإهمال والاستعمال:
إن نوع الزرافات التي ضرب بها (لامارك) المثل على صحة هذا القانون ما زال موجوداً، وما تزال إناثه تحمل رقاباً قصيرة فلماذا لم تمت إناث هذه الزرافات ذات الرقاب القصيرة وقت فناء الزرافات القصيرة الأعناق بسبب جوعها نتيجة لارتفاع مأكلها عن متناول أفواهها؟.
كذلك يجب أن نذكر بأن صغار الزراف تبقى قصيرة الرقاب بعد مرحلة الفطام لمدة طويلة لا تتمكن من الوصول إلى تلك الفروع – فلماذا لم تمت تلك الصغار ؟ وبذلك يختفي هذا النوع من الحيوانات من على وجه الأرض إطلاقاً..؟
ومن البديهي أن الأشجار الطويلة التي تنمو على مدار السنة تبدأ بالنمو الطبع قصيرة، إذاً فكل حيثيات المسألة ضد فكرة (لامارك).
أما صغر أعين الخلد وضمور أسنان بعض الفقاريات فذلك راجع إلى الصفات الوراثية الكامنة في الصبغيات (أو الناسلات) فهذه صفات تكون موجودة قبل الالتقاء مع الظروف الخارجية وكمثال على ذلك: اختلاف سمك الجلد عند المولود في أخمص قدميه وليونته في الوجه مثلاً.
ومن جهة أخرى لو كان قانون الإهمال والاستعمال يعمل لصالح الأنواع لما انقرضت بعض الحيوانات مثل الديناصور عندما تغيرت ظروفها، وهكذا فإن فقر هذه النظرية (اللاماركية) وتعارضها مع نتائج علم الوراثة، كان سبباً في تناسبها والاعتماد على نظرية أكثر ( تماسكاً ) منها وهي نظرية (داروين).. الذي تبنت الكثير من أفكار لامارك.
التطور عند ( جورج كوفييه) (9)
يرى هذا الباحث أن ظهور الأصناف والأنواع يأتي عقب حدوث الكوارث التي كانت تبيد وتفني بعض أنواع الأحياء، لتظهر بدلاً منها أنواع جديدة.
وبتكرار الكوارث، يتكرر خلق الكائنات الحية في كل مرة.
نقد هذه النظرية
لقد تجاوز العلماء هذه النظرية لأنه لا يمكن أن تترك الكوارث أحياء إلا بتدخل عوامل خارجية لا دخل للناجين فيها.
ولو افترضنا أن الكوارث تركت أحياء فما هي القدرة الذاتية التي استطاع بها الناجون أن يقاوموا دون غيرهم ممن ماتوا ؟
إن الدارس والمتمعن للكوارث التي حدثت هنا وهناك في أنحاء المعمورة منذ آلاف السنين وأبادت ملايين الأحياء لم ير أي أثر لحدوث أي نشوء أو ارتقاء بعد حدوث الكوارث.
ولو افترضنا أن الكوارث أسفرت عن نشوء وارتقاء بعض الأحياء، فإن أبحاث العالم (منديل) وغيرها تدل على أنه يستحيل توريث هذه الخصائص المكتسبة للأجيال القادمة، لأن الخصائص التي تورث للأجيال عند نوع ما، سواء كان نباتاً أو حيواناً، هي فقط تلك التي تكون مسجلة في كروموزومات أفراد ذلك النوع وهكذا تجوزت هذه النظرية.
الداروينية (10)
تقوم نظرية (داروين) على مجموعة القوانين التالية:
أ- قانون البقاء للأصلح أو ( تنازع البقاء ) وقانون الانتخاب الطبيعي، حيث يفترض (داروين) أنه عندما يدخل الأفراد في صراع مع الطبيعة من أجل الحياة يجري اصطفاء طبيعي يؤدي إلى بقاء أشد الأفراد كفاءة بما يمتاز به من صفات. (وهذه الصفات، قد لا تكون ذات أهمية في الظاهر).
وكمثال على ما يقول، فإن أنثى الفيل تضع خلال حياتها ستة صغار، في حين كان يجب أن يصبح نتاج كل ذكر وأنثى واحدة بعد 75 – عاماً عدد أكبر بكثير من هذا العدد لأن، فترة الحمل عند أنثى الفيل حوالي عامين، وواضح أن الواقع الطبيعي بعيد كل البعد عن هذا الحساب، وذلك أنه إذا افترضنا وجود سرب من الفيلة تسير في غابة متحدة كعادتها لطلب الغذاء، فإذا رأت مرعى تزاحمت عليه، فالقوي منها يفوز بأطايب هذا المرعى، فيزداد قوة على قوته، أما أضعفها فيزداد ضعفاً على ضعفه، ومع مرور الزمن، يزداد القوي قوة واكتمالاً، ويزداد الضعيف ضعفاً إلى ضعفه، فلا يزال يتناقض حتى يتلاشى … مما يمكن من اختفاء الأنواع الضعيفة وهذا ما يسمى بقانون البقاء للأصلح عند ( داروين).
ب- قانون الإهمال والاستعمال. ( تم الكلام عنه ).
ج – قانون توريث التغييرات المكتسبة، ( تم الكلام عنه كذلك ).
د – فيما يخص الإنسان يعتبر (داروين) الإنسان واحداً من فرق الحيوانات البسيطة، كان من حظه امتلاكه لمجموعة من الصفات تقدم بها صعداً خلال التسابق من أجل البقاء.
ويقول: بأن الإنسان والقرد يعودان إلى أصل واحد مشترك ومجهول سماه ( الحلقة المفقودة) التي حدث لها تطور خاص، وتحولت إلى إنسان، (ولم يقل كما يظن بعض السفهاء: إن القرد جد الإنسان).
واعتبر (داروين) الجنين ونموه في الرحم طريقة ممثلة لكل الأشكال الحيوانية التي مر بها الإنسان في بدء التاريخ وليست الزائدة الدودية إلا عضواً زائداً عن الحاجة، وهي من بقايا الكرش الحيواني، وستؤول إلى الانقراض.
نقد الداروينية
أولاً: إن الواقع الذي نشاهده يتنافى مع ما أسماه (داورين) بالبقاء للأصلح فالأرض بما قطعته من مراحل في عمرها المديد، تعج (بالأصلح وغير الصالح) من شتى أصناف الحيوانات، ولو كان قانونه صحيحاً، لكان من أبسط مقتضياته الواضحة: أن يتجاوز موكب السباق بين الكائنات الحية نقطة البدء على أقل تقدير مهما فرضنا حركة التطور بطيئة، ولكن ها هي ذي نقطة البدء لا تزال تفور بكائناتها الضعيفة المختلفة، ولا تزال تتمتع بحياتها وخصائصها كما تمتعت بها الكائنات الحية السابقة مثلاً بمثل، وعلى العكس من ذلك نجد حيوانات عليا كالديناصورات، انقرضت بينما ظلت الحشرات الدنيا كالذباب والبرغوث باقية، وبقي من هم أضعف من هؤلاء، يقول البروفسور الفرنسي (Etienme Rebaud) في كتابه: (هل يبقى الصالح أم غير الصالح ) ص 40، لا وجود للانتخاب الطبيعي في صراع الحياة بحيث يبقى الأقوياء ويزول الضعفاء فمثلاً: ضب الحدائق يستطيع الركض بسرعة لأنه يملك أربعة أرجل طويلة، ولكن هناك في نفس الوقت أنواع أخرى من الضب لها أرجلاً قصيرة حتى لتكاد تزحف على الأرض وهي تجر نفسها بصعوبة... وهذه الأنواع تملك البنية الجسدية نفسها حتى بالنسبة لأرجلها وتتناول الغذاء نفسه. وتعيش في البيئة نفسها فلو كانت هذه الحيوانات متكيفة مع بيئتها لوجب عدم وجود مثل هذه الاختلافات بين أجهزتها.
وعلى عكس مفهوم الانتخاب الطبيعي فإن كل هذه الأنواع ما تزال حية وتتكاثر وتستمر في الحياة، وهناك مثال الفئران الجبلية التي تملك أرجلاً أمامية قصيرة وهي لا تنتقل إلا بالطفر في (حركات غير مريحة)، ولا تستطيع كثير من الحشرات الطيران رغم امتلاكها لأجنحة كبيرة، فالأعضاء لم توجد في الأحياء كنتيجة لتكيف هذه الأحياء مع الظروف بل على العكس فإن ظروف حياتها هي التي تتشكل وفقاً لهذه الأعضاء ووظائفها.
ثانياً: إذا كان التطور يتجه دائماً نحو الأصلح، فلماذا لا نجد القوى العاقلة في كثير من الحيوانات أكثر تطوراً وارتقاءً من غيرها، ما دام هذا الارتقاء ذا فائدة لمجموعها ؟ ولماذا لم تكتسب القردة العليا من القوى العاقلة بمقدار ما اكتسبه الإنسان مثلاً ؟ فالحمار منذ أن عرف إلى الآن ما زال حماراً...
لقد عرض (داروين) لهذه المشكلة في كتابه، ولكنه لم يجب عليها وإنما علق بقوله ( أصل الأنواع ) ص 412:
(إننا لا ينبغي لنا أن نعثر على جواب محدود ومعين على هذا السؤال إذا ما عرفنا أننا نعجز عن الإجابة عن سؤال أقل من هذا تعقيداً).
ثالثاً: وقد ثبت لدى الدراسة أن كثيراً من نباتات مصر وحيواناتها لم تتغير عن وضعيتها خلال قرون عديدة متطاولة، ويتضح ذلك من الأنسال الداجنة المنحوتة في بعض الآثار المصرية القديمة، أو التي حفظت بالتحنيط وكيف أنها تشبه كل الشبه الصور الباقية اليوم بل ربما لا تكاد تفترق عنها بفارق ما.
والأمثلة كثيرة في هذا الموضوع.
رابعاً: هذه النظرية لا تخضع لتجربة أو مشاهدة: المشاهدة الإنسانية لم ترصد أي ارتقاء أو أدنى اعتلاء.. لم ترصد البشرية في أي وقت عبر الزمن أي كائن ما قد تحول إلى كائن آخر بالترقي أو بالتطور، خاصة وأنه يوجد العلماء المتخصصون الذين يراقبون أدنى تغيير حديث في المظهر الخارجي لتلك الكائنات أو تركيبها الداخلي (انظر كتاب الأسترالي Denton... ).
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــع
القلب الحزين
11-12-2013, 06:54 PM
يتبـــــــــع الموضوع السابق
نقد نظريات التطور
فيها يخص الإنسان
أولاً: يختص الإنسان باحتواء خلايا جسمه على 46 صبغي، فإذا حدث أي تغيير في هذا العدد من زيادة أو نقصان فإن جسم الإنسان لا يتطور إلى جسم آخر بل يتعرض للتشوه وهذا العدد الثابت للصبغيات عند جميع الأحياء لا يسمح بأي تطور من كائن حي إلى آخر أبداً وأي تغيير في المادة الوراثية ( الصبغيات) يؤدي إلى تغيير الملايين من البروتينات المتدخلة في تكوين الجسم، والذي يتكلم في تحول القرد إلى إنسان إما أن يكون جاهلاً كمعظم الصحفيين الببغاوات الذين يرددون هذا القول بدون علم، ( أو هم معذورون لتكوينهم الأدبي غالباً وبعدهم عن الميدان العلمي ) وإما أن يكون شيطاناً يعلم الحقيقة ويظهر غيرها..
ثانياً: لا يجب الاعتماد فقط على البقايا الصلبة من الجسم لتشييد وتشكيل الحالة الصحيحة الأصلية، وذلك لأنه – كما ذكر – تبين أن الشكل النظري المقترح لسمكة السيلاكانت بعيد كل البعد عن حقيقة أمرها.
ولقد ذكرت أنه يستحيل معرفة أن للكنغر كيس بطني فقط من خلال هيكله العظمي، وأن المشاهدة المباشرة هي الوحيدة الكفيلة بإعطاء معالم الجسم التامة، فالهيكل العظمي للكنغر يشابه الهيكل عند الديناصور أو الكومودو (11).. وزيادة على ما سبق فإننا إذا أعطينا جمجمة واحدة وقدمناها لعدة باحثين لا يرى بعضهم بعضاً، فإن تصورهم لتشكيل وتغليف الجمجمة سيختلف حتماً الواحد عن الآخر.
ثالثاً(12): إضافة إلى هذا توجد 4 نظريات (أساسية) أخرى كلها متناقضة مع بعضها البعض في تفسيرها لأصل الإنسان:
1- فرضية (وايت) وجوهنسون white et johanson.
2- شجرة (طويباس) Tobias.
3- شجرة (ليكي) Leaky.
4- شجرة (كوبنس).Coppens
فليس من النزاهة العلمية في شيء الجزم في موضوع كله افتراضات وافتراضات مضادة.
وقد اعتبر بعض الداروينيون ما أطلقوا عليه اسم Ramapithecus هو الإنسان –
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1184057194103g.jpg
رسم لما زعم أنه إنسان Ramapithecus والذي تبين أنه كان عبارة عن قرد
القرد وقد صدر هذا الحكم استناداً على بعض أسنان وقطع وشظايا من فك لا غير، وهذا هو كل ما يملكونه من متحجرات (عظيمة)! وكتب الدكتور Dr. Jolley في تقرير له أن أنواعاً من قرود البابون التي تعيش في أثيوبيا تملك نفس خصائص أسنان وفك Ramapithecus إذن فهذه الخصائص ليست خصائص إنسان وقد اتفق رأي علماء متحجرات آخرون أن Ramapithecus لم يكن ببساطة إلا قرداً.
- كان Dart أول من اكتشف ما أطلق عليه اسم Australopithecus سنة 1924 وأشار إلى عدة أوجه شبه لهذه الجمجمة مع هيئة وقسمات القرود، وسجل في الوقت نفسه اعتقاده أن أسنان هذه الجمجمة تشبه أسنان الإنسان، كان حجم الدماغ يبلغ ثلث حجم دماغ الإنسان المعاصر، أما طول هذا المخلوق فقد يبلغ 4 أقدام فقط.
وقد قام Rchard leaky بنشر مقالة تشير إلى أن Australopithecus لم يكن سوى قرداً بأيد طويلة وأرجل قصيرة مشابهة للقرود الإفريقية: أي أن هذا المخلوق لم يكن سوى قرداً كبيراً Ape.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1184057235447px-australopithecus_africanus.jpg
جمجمة Australopithecus والتي تبين فيما بعد أنها لا تبعد أن تكون جمجمة لقرد
- بالنسبة لإنسان (جاوا) فقد استدل عليه عند العثور على عظمة فخذ مع قحف وثلاثة أضراس، وقد اكتشفت هذه العظام ضمن مسافة 50 قدم وفي فترة امتداد سنة كاملة، وقد كتم Dr.Dobois لمدة ثلاثين عاماً حقيقة هامة وهي أنه وجد بالقرب من هذه العظام وفي نفس المستوى من الطبقة الأرضية جماجم بشرية عادية، وقبيل وفاته أعلن عن الحقيقة وقرر أن إنسان (جاوا) ربما كان قرد Gibbon وليس مخلوقاً شبيهاً للإنسان على الإطلاق.
أما ما يسمى (بإنسان بيكن) فيعتد العلماء (الأنتروبولوجيون) البارزون أنه لم يكن إلا قرداً ضخماً.
يبقى أن أذكر باكتشاف Rchard leaky لجمجمة بشرية عمرها 2.5م س في حين لا يزيد العمر الذي أعطي لما سمي (إنسان افا) و(إنسان بكين) عن بضع آلاف من السنين وتم اكتشاف مماثل في شهر يناير 2001 بأستراليا تداولته وسائل الإعلام الدولية.
رابعاً: أين الحلقة المفقودة بين القرد والإنسان ؟ إننا قبل أن نتساءل عن الحلقة، يجب أن نعرف أولاً أننا لن نجد في هذا الكوكب من يجيب أو يستطيع حتى التلميح لهذا الموضوع، لماذا لم يبق لها أي وجود أو أي أثر ؟ ولماذا لم تبق كما بقيت تلك القردة ؟ لماذا هنا البقاء لغير الأصلح ؟ أما كانت هي الأحق أن تبقى لأنها كانت هي الأقوى والأفضل والأحسن، ألم تكن هي أحسن من النسانيس التي هي أدنى في الرتبة؟.
خامساً: لماذا وقف التطور عند الشكل الإنساني ؟ عجيب حقاً أن تمر آلاف السنين ولم نر أي تطور ما قد حدث في جسم الإنسان ؟ أو حتى أي بادرة تشير إلى تغيير في أي عضو فيه، بل يجب أن نتساءل أو نتخيل: ما هو الطور الذي سيلي طور الإنسان بالرغم من أن المتغيرات حوله زادت لصالحه ؟
سادساً(13): اكتشاف العلماء لعظام بشرية ترجع لملايين السنين:
نشرت (صحف العالم) في أوائل نوفمبر 1972 عن وكالات الأنباء العالمية في واشنطن: أن العالم رتشارد ليكي أحد أقطاب العالم الأنتربولوجي، الذي احتل منصب المدير العام للمتحف الوطني في (كينيا) قد تمكن من اكتشاف بقايا جمجمة يرجع تاريخها إلى مليونين ونصف مليون عام، وهذا الاكتشاف يقلب كل ما قبل عن النظريات بشأن تطور الإنسان عن أجداده فيما قبل التاريخ.
سابعاً(14): بعد دراسة L`AND mitochondriale تبين حديثاً أن قردة الشامبانزي والغوريلا ظهرت بعد ظهور الإنسان على سطح الأرض.. وهذا الاكتشاف يقلب كذلك كل ما قيل عن النظريات بشأن تطور الإنسان عن أجداده فيما قبل التاريخ.
ثامناً: إن الزائدة الدودية لن تنقرض، لأنها موجودة عند الحيوانات الأخرى، وأثبت لها العلم الحديث فوائد منها: المساعدة على الهضم لم يكن يعرفها (داروين) وإلا فهل وجود الثدي عند الرجل يجعل أصل الذكور إناثاً ؟ وإن كان شعر الصدر عن الرجل من بقايا الحيوان، فلماذا لم يوجد عند الإناث ؟ لعل أنصاره يقولون بخروج الرجل إلى الصيد، وبقاء المرأة في الكهف، ويعود الرد من جديد: ولماذا بقي الشعر في الرأس والعانة عند المرأة؟
- بالنسبة لـ (إنسان Neanderthalien) فهو يملك بنية هيكل عظمي شبيه تماماً لإنسان المعاصر، وسعة جمجمته تزيد على مثيلتها لدى الإنسان المعاصر، ويعتقد جميع علماء الأنتربولوجيا حالياً أنهم كانوا أناساً عاديين مثلي ومثلك.
- بالنسبة لإنسان ( كرومانيوم) وجد أن حجم دماغه كان أكبر من حجم دماغ الإنسان الحالي ولو كان حياً اليوم ومشى في الشارع بملابس العمل لما جلب انتباه أحد.
الداروينية الجديدة
كان للانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى نظرية (دارون) أثر كبير في أن تتهاوى ويمر عليها عهد من السقوط والتردي، ولكن طائفة من الباحثين عادوا فشيدوا من أنقاضها نظرية أخرى جديدة، أطلق عليها فيما بعد اسم: (الداروينية الجديدة) اعتبرت بمثابة نسخة مصححة لنظرية (داروين).
وقد تزعم هؤلاء الباحثين (هوجودي فريس) ثم دعمه طائفة من علماء الحياة، أكثرهم إنجليزيون وأمريكيون وأهم ما ينهض عليه هذا المذهب الجديد ويعتبر فارقاً يمتاز به عن نظرية (داروين) هو أن التطور إنما يقوم على أساس الطفرة التي تحدث فجأة وبالمصادفة لا على أساس انتخاب الأصلح كما يقول (داروين).
ويقولون إن التغيرات بعد أن تتم فجأة وعلى سبيل الطفرة التي لا يستبين فيها سبب غائي، تتسجل فوراً في الذخيرة الوراثية، إذاً فالمصادفة لها الدور الأساسي في تكون الأنواع وتكاثرها، مع الاعتراف بما للوسط الذي ينشأ فيه الحيوان من أثر ثابت على كمية التغيير ونوعيته.
نقد الداروينية الجديدة
إن هذه النسخة المصححة لمذهب (داروين) لم تجب على جميع الانتقادات التي وجهت للداروينية – فالحشرات لم يتغير شكلها منذ أن وجدت فوق سطح الأرض إلى يومنا هذا وسمك ( السلاكانت ) يعيش في المحيط الهندي، ولم يحدث عليه تغيير منذ أربعة مائة مليون سنة مما جعل العلماء يطلقون عليه اسم (الحفرية الحية)، وتوجد أمثلة كثيرة للحفريات الحية، مثل ألزاحف النيوزبلاندي: (سيفنودون) والرخوي البحري: (نيوبيلينا) والشجرة اليابانية (جينجيكو)، وطائر (الكزوار)، و(حيوان الأكوندون)، وهذا النوع من الحفريات أوقع الداروينية الجديدة في ما يسمى بأزمة الداروينية الجديدة، خصوصاً وأن هذه الأخيرة تلح على أن جميع الأنواع النباتية والحيوانية تتطور وبدون استثناء، ومن الانتقادات الأخرى لهذه النظرية أذكر:
أولاً: إن التطور المفروض الذي هو أصل البحث، تطور تقدمي ولا ريب، إذ هو التفسير المقترح لتدرج أصناف الحيوانات على ضوئه، فهل من شأن الطفرة أن تنطوي على هذا التطور التقدمي المطرد ؟.
المعروف أن الطفرة إنما تنطوي دائماً على صفات الانتقاص والاضطراب... فكيف يفسر التطور التصاعدي بالطفرة التراجعية ؟
ولماذا لا تتوجه الطفرة يوماً ما في سيرها بالركب الحيواني نحو الانتكاس إلى الخلف بدلاً من الصعود الشاق الدائب إلى الأمام ؟؟؟ وإلا فإنها طفرات مبرمجة إلى الأمام ؟!
لا ريب أن اعتماد أي إجابة علمية موضوعية على هذه الأسئلة، كفيل بأن يؤدي إلى انهيار هذه النظرية الجديدة من أساسها.
ثانياً: إذا كانت الطفرة هي التي تتحكم فيما يطرأ على الكائن الحي من تغير وتطور، فأي موجب يبقى لافتراض نشأة الكائنات الحية من أصل واحد، إذ من المعلوم أن هذا الافتراض إنما لاقى القبول من أصحابه بناء على ما لاحظوه من التشابه التصاعدي الملموس بين أصناف الأحياء، وعندئذ لا يبقى لافتراض وحدة الأصل الحيواني أي وجه مقبول وهكذا فإن القول بالطفرة يحمل في طواياه عوامل التدمير لفكرة التطور من أساسها.
ثالثاً: إن القول باحتضان قانون الوراثة للدفع الطفري، الذي يفترض انه ساق الكائن الحي في وقت ما من عمره النوعي أو (السلالي) إلى قفزة تطورية دون الإشارة إلى أي ما قد يعتبر شبه دليل على هذه القفزة، ليس أكثر من ستر لضعف هذا الرأي وراء نظام الوراثة، إذ من الطبيعي أن يتساءل الباحث عن أي معلمة من المعالم التي بإمكانها أن تشير لنا ولو عن بعد إلى أي حقبة تاريخية ظهرت فيها طفرة ما، لحيوان ما، أي قبل أن تختفي في مكنون الغيب الوراثي.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــع
القلب الحزين
11-12-2013, 06:56 PM
يتبـــــــــع الموضوع السابق
نقد نظريات التطور
خلاصة أولية:
فرضية، لا حقيقة علمية ثابتة
أولاً: فكرة التطور وما يتبعها من انتخاب للأصلح لم تتجاوز بعد مرحلة الفرضية، وكل ما قيل أو كتب فيها، لا يعدو أن يكون محاولات مبتورة تثير مزيداً من مشكلاتها أكثر مما تحل شيئاً من معضلاتها.
ثانياً: وبناء على ذلك، فإنه لا يجوز إقامة أي حكم علمي على شيء من هذه البحوث والآراء، ولا يجوز أن نعتبرها بحد ذاتها حقيقة علمية تجاوزها العقل بالقناعة والقبول، وإن في استمرار سلسلة النقض والنقد التي تلاحقها لأبلغ شاهد على ذلك، وإنه لمن الأسف أن يقوم بعض من مدرسينا في الثانويات والجامعات بتقديم النظريات للطلبة والباحثين على أساس أنها حقائق علمية ثابتة، والغريب أن بعض الأساتذة خصوصاً ممن توافدوا علينا من فرنسا يقدمون لنا الفرضية دون نقدها ويتعصبون لإحداها ويعادون من يعارضهم فتصبح قاعة الدرس كقاعة الاستخبارات الكاجيبي KGB في روسيا....!
ومما سبق نستنتج كذلك ما يلي:
-الظهور الفجائي لجل الأحياء دون وجود الحلقات الوسطية مع أسلافها يعني الخلق المباشر لجل هذه الكائنات وبنفي القول بالتطور ونشأة الكائنات الحية بعضها من بعض.
-عدم وجود هذه الحلقات الوسطية دفع بالداروينيين للجوء للغش والتزوير فظهرت قضية إنسان (بلتدوان) وإنسان (نبرسكا)... وما يسمى بـ: نيودبرطال وكرومانيوم ليسا إلا أناس عاديون مثلي ومثلك، أصبغ عليهم الداروينيون صفات كاذبة تقربهم من القرود والبشر.
العنصرية النتنة
لقد كانت جل مدارس البيولوجيين ( ومن بينهم داروين) متفقة على أن وجود ثلاثة أنواع من الجنس البشري (أبيض ، أصفر، أسود) ليس إلا دليلاً على حركة التطور التي أعطت النوع الأبيض مكانة النوع الأكثر تطوراً (العرق الأسمى)، وداروين بالذات كان متزعم هذا الاتجاه الذي كانت ترتكز عليه العنصرية بجنوب إفريقيا وبالدول المصنعة، إذ يزعم أن الإنسان المتحضر انحدر من القردة العليا مروراً بإنسان ما قبل التاريخ البدائي homme primitif ثم الإنسان المتوحش (15) واعتبر داروين بأن جميع الأجناس البشرية التي لا تنتمي لأوربا هي أجناس بشرية متوحشة لأن قمة الحضارة هي أوربا (16).
فماذا حصل لهذه الرؤية الخيالية للإنسان ؟ إننا نقرأ الآن في مصادر البحث الغربية المختصة أن مفهوم الجنس البشري الراقي لا معنى له من الوجهة العلمية. فهذه عنصرية أعطت للإنسان الغربي آنذاك.. تبريراً لاستعباد الإنسان الإفريقي (المتوحش) وأمثاله...
تدخل الصهاينة
وهنا أشير إلى ما قاله ألكس كاريل في كتابه (الإنسان ذلك المجهول) ص 158:
(( إن نظريات النشوء والارتقاء هي مصدر كل الهموم الإنسانية، وإنها في الحقيقة ليست إلا حكايات خرافية وجدت من يحميها ومن يقدمها للجماهير بحلة خادعة لا يعرفها كثير من الناس )).
وهو بذلك يشير إلى الأيدي الصهيونية التي تعتبر بأن شعوب الأرض كلها حمير، وأنه على شعب الله المختار – يعني اليهود – أن يركبها ( كتاب التلمود).
وألكس كريل يشير هنا إلى ما يوجد ببروتوكلات حكماء صهيون حيث نجد النصين التاليين:
-إن داروين ليس يهودياً ولكنا عرفنا كيف ننشر آراءه واستغلالها في تحطيم الدين.
-لقد رتبنا نجاح داروين وماركس ونيتشه بالترويج لآرائهم، وأن الأثر الهدام للأخلاق الذي تنشأ علومهم في الفكر غير اليهودي واضح لنا بكل تأكيد.
وهكذا استغل اليهود الثلاثة ماركس وفرويد ودور كايم هذه النظرية وكل حسب اختصاصه... فقال فرويد في كتابه: Tom an Toboo ص: 50 إن الولد يكره أباه لأنه ينافسه في أمه جنسياً، لقد شوه فرويد مصادر الأساس البشري ولست أدري كيف يمكنه أن يفسر حب الإنسان للقمر والطبيعة وللرياضيات جنسياً.
ص: 50 والفتاة تكره أمها، والزوجة تكره زوجها وتتمنى له الموت.
ص: 60 إن حزن الأهل على ميتهم ليس شعوراً خالصاً بالحزن الحقيقي لمفارقته، ولكنه مداراة للفرحة الخفية التي يحس بها الأقارب عند التخلص من هذا الشخص الذي كانوا يكرهونه ويودون لو يموت..
وانطلق ماركس بنفس الأسلوب الذي يأباه الحيوان ولكن في علم الاقتصاد ودور كايم في علم الاجتماع.. فكانت المصيبة التي يعيشها العالم في عصرنا هذا.
والمصيبة كذلك أننا في العالم الثالث مستهلكون من الدرجة الأولى لهذه الأفكار في أدبياتنا كما نستهلك الكوكا كولا.
المصدر الرئيسي: كتاب بعض من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم مع تحليل لنظريات التطور ـ تأليف د. محمد برباب.
(1) إرينيوس (Irinius) حائز على جائزة نوبل في الكيمياء (1903).
(2) أونيطو رانك (Ornithorynque) من الثديات الأولية، يعيش باسترايلا
(3) مقتطف من كتاب (أزمة نظريات التطور ) للعالم الاسترالي (Micheal Denton) نشر بمجلة العلم والحياة الفرنسية ص: 39 عدد 834 مارس 1987، والكتاب ذو قيمة علمية عالية، ومن أحسن المراجع في الموضوع.
(4) Marsupiaux: حيوانات ذات كيس بطني مثل الكنغر وغيره.
(5) تكون في تكوينها مكملة للنوع الأولى كي يطابق النوع الثاني
(6) كتاب أصل الحياة (Origin of - lif) ص: 156.
(7) Humain destiny P: 30-36.
(8) لامارك باحث فرنسي ولد سنة 1848م درس علم الطبيعيات من بين كتبه: ( علل أهم الوقائع الطبيعية ) (النبات الفرنسي ).. (فلسفة الحيوان).
(9) عالم روسي سخر داروين من نظريته هذه واعتبرها من الحماقات.
(10) تشارلز روبرت داروين: باحث بريطاني شهير، بعد أن أكمل دراسته في سلك اللاهوت
(11) العلم والحياة عدد 834: ص: 40.
(12) هناك تناقض كبير في نظرية داروين فهو يقول بالبقاء للأصلح ويقول بأنه بين الإنسان والقرد حلقة مفقوة كانت أكثر تطوراً من القرد ولكنها اختفت... فلماذا اختفت وهي الأصلح وبقيت القردة الأقل تطوراً منها كان يجب حسب (البقاء للأصلح) أن تبقى الحلقة المفقودة وتختفي القردة.
(13) مجلة Medecine Digest يناير 1985 ص: 32.
(14) مجلة البحث العلمية الفرنسية عدد 155 ص: 656.
(15) C.Darwin: la descendance de l`homme. ed. comp 1981
(16) مجلة الأبحاث العلمية الفرنسية عدد 155 ص 658.
القلب الحزين
11-12-2013, 06:57 PM
جزيء البروتين يتحدى نظرية التطور
بقلم الكاتب التركي هارون يحيى
http://quran-m.com/firas/ar_photo/1274618411500px-biological_cell.svg
.1. النويّة 2. النواة 3. الجسيم الريبي 4. حويصلة
5. الشبيكة الهيولية الخشنة 6. جهاز غولجي
7. الغشاء الخلوي 8. الشبيكة الهيولية الملساء
9. الحبيبة الخيطيّة 10. فجوة 11. الهيولى
12. الجسيم الحالّ 13. المريكز
صورة خلية حيوانية، تظهر مختلف مكوناتها
قال تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ)(الروم:8).
وقال الله تعالى(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ )[سورة الحج:73].
تقتضي نظرية التطور أن الحياة بدأت بخلية واحدة تشكلت بالمصادفة تحت شروط أرضية بدائية، لذلك لنفحص تركيب الخلية ببعض المقارنات لكي نبين كم هو سخيف ولا عقلاني أن ننسب وجود الخلية لظواهر طبيعية ومصادفات، ذلك أن الخلية ما زالت تحتفظ بأسرار في كثير من خصوصياتها وحتى في الوقت الذي دخلنا فيه القرن الحادي والعشرين ووضعنا قدمنا فيه.
الخلية الحية ليست أقل تعقيداً من مدينة، فلها أنظمة عمل وأنظمة اتصالات ونقل وإدارة، وتحتوي محطات طاقة (قدرة ) تنتج طاقة وتستهلك من قبل الخلية، كما تحتوي مصانع لصنع الأنزيمات والهرمونات الأساسية للحياة وبنك معلومات، حيث يسجل فيها كل المعلومات الضرورية عن المنتجات التي يجب إنتاجها. كما تضم نظماً معقدة للنقل وأنابيب لحمل المواد الخام والمحاصيل من مكان لآخر مختبرات متقدمة ومصافي لتحليل المواد الخام المستوردة داخل الأقسام المستفيدة منها، وكذلك تحتوي بروتينات تخصصية في الغشاء الخليوي لضبط دخول وخروج المواد في الخلية .. هذا جزء صغير مما يتضمنه هذا النظام المعقد الذي لا يصدق.
بعيداً عن كون أن تشكل الخلية قد تم تحت شروط أرضية بدائية ومتذكرين مدى تعقيد تركيبها وآلياتها، فإننا نقول : إنه لا يمكن تركيبها حتى في أعظم وأعقد المختبرات وأكبرها تقدماً والموجودة في أيامنا هذه، حتى ولو استخدمنا الحموض الأمينية، التي هي القطع البناءة للخلية، فليس بالإمكان إنتاج حتى عُضية واحدة من الخلية مثل جسيم ميتاكندوري، أو الريبوزوم .. وأي منها هو أقل من الخلية بكثير، والادعاء بأن الخلية نتجت بمصادفة تطورية تشبه لحد ما قصة اختراع خيالية .
البروتينات تتحدى المصادفة:
http://quran-m.com/firas/ar_photo/1274619527350px-hexokinase_ball_and_stick_model,_with_substr
رسم يبين أنزيم معين مكون من آلاف جزئيات البروتينات
ليست هي الخلية فقط التي لا يمكن إنتاجها، أي: إن تشكيلها تحت شروط نظامية مستحيل، حتى ولا بروتين واحد من ألوف جزيئات البروتينات التي تشكل بنية الخلية .
البروتينات: هي جزيئات عملاقة تحتوي حموضاً أمينية مرتبة بتتابع خاص مميز وبكميات وتركيبات معينة، وتلك هي القطع البناءة للخلية الحية، وأبسطها مكون من خمسين حمضاً أمينياً، لكن يوجد بعض البروتينات مكونة من ألوف الحموض الأمينية، ومن المعروف أن حذف أو إضافة أو استبدال حمض أميني واحد في تركيب البروتين في الخلايا الحسية يؤدي لتغيير كامل في وظيفة البروتين الخاصة ليصبح ذلك البروتين خردة جزيئية لا جدوى منه.
وعند تلك النقطة فإن مؤسسي نظرية التطور غير قادرين على توضيح تشكل الحموض الأمينية بالمصادفة، لكننا نستطيع نحن أن نشرح بسهولة وباستخدام حسابات الاحتمال البسيطة بحيث يستطيع أي إنسان أن يفهمها، وهي أن التركيب الوظيفي للبروتينات لا يمكن أن يأتي بأية وسيلة بالمصادفة.
يوجد عشرون حمضاً أمينياً مختلفاً، فإذا فرضنا أن حجم جزيء البروتين الوسطي مكون من (288) حمضاً أمينياً فيوجد(30010 ) تركيب مختلفة لهذه الحموض .
ومن كل هذه السلاسل الممكنة يوجد فقط شكل واحد في الجزيء البروتيني المرغوب، أما الحموض الأمينية الأخرى فهي إما غير نافعة تماما ً أو ربما حملت بداخلها ضرراً للكائنات الحية. وبكلمة أخرى فإن احتمال أن يحدث هذا بالمصادفة هو واحد في (30010 ) أي احتمال أن يحدث هذا هو واحد في عدد فلكي يحتوي واحداً متبوعاً بثلاثمائة صفر، وهذا يكافئ الصفر عملياً، وبالتالي ليس من الممكن حدوثه والأكثر من ذلك أن لهذا البروتين (288) حمضاً أمينياً وعلى الأغلب هو جزيء متوسط إذا ما قورن بالجزيئات العملاقة التي تحتوي ألوف الحموض الأمينية، فعندما تطبق حسابات احتمال متشابهة على تلك بالجزيئات العملاقة فإننا نرى أنه حتى كلمة مستحيل هي غير كافية.
إذاً كان التشكل المصادف حتى الواحد من هذه البروتينات غير ممكن فهذا أكثر ببلايين المرات مستحيل لحوالي مليون من هذه البروتينات لتأتي بالمصادفة معاً في زخرفة منتظمة وتصنع خلية بشرية تامة، والأكثر من ذلك فالخلية ليست مجموعة من البروتينات فقط بل بالإضافة لذلك فهي تتضمن حموضاً نووية وكربوهيدرات وليبيدات وفيتامينات وكثيراً من الكيماويات الأخرى مثل الكهرليتات، إن كلاً من هذه المكونات مرتب بتناسق وبتصميم ذي نسب محددة في النوع والتركيب والوظيفية، بحيث يكون لكل منها عمله كقطعة بناء أو كعنصر في العضيات المختلفة والمتعددة .
وهكذا نرى أن التطور غير قادر على تفسير التشكل حتى لبروتين واحد من ملايين وذلك ضمن الخلية الواحدة، فكيف يمكن تفسيره لكامل الخلية ؟
الأستاذ الدكتور (علي ديمر) (http://alidemirsoy.com/) وهو واحد من مفكري هيئة التطور في تركيا ناقش في كتبه (الوراثة والتطور) احتمال التشكل بالمصادفة لأحد الأنزيمات الضرورية للحياة وهو (ستوكرون -سي ).
http://quran-m.com/firas/ar_photo/1274618524demirsoy2.jpg
الدكتور علي ديمر
وقال : " إن احتمال تشكل سلسلة (سيتوكروم، سي ) تشبه الصفر وتماثله، أي : إن الحياة إذا تطلبت تتابعاً (سلسلة ) ما فمن الممكن القول : إن احتمال حدوث ذلك يماثل إطلاق طلقة في كل هذا الكون ليصيب هدفه دون خطأ، وإلا (بطريقة أخرى ) يوجد قدرات خلف طبيعية (ميتافيزيائية ) وهي خلف قدراتنا، هي التي يجب أن تعمل في تشكيلها، ولقبول الأخير فهذا غير مناسب للعلم وأغراضه، لذلك يجب أن نبحث في الفرضية الأولى . [1]
بعد تلك السطور فإن(ديمرسوي ) قبل هذا الاحتمال بسبب كونه أكثر ملائمة لإغراض العلم رغم أنه غير حقيقي.
" إن احتمال الحصول على سلسلة حمض أميني معين (لسيتوكروم – سي ) يماثل إمكانية قرد يكتب تاريخ البشرية على آلة كاتبة وبشكل عشوائي " [2] إن احتمال الحصول على سلسلة حمض أميني معين (لسيتوكروم – سي ) يماثل إمكانية قرد يكتب تاريخ البشرية على آلة كاتبة وبشكل عشوائي.
إن التتابع الصحيح للحموض الأمينية الملائمة هي ببساطة ليست كافية لتشكل جزيء بروتين واحد والموجود في شيء حي، بالإضافة لذلك يجب أن تكون كل النماذج المختلفة لعشرين من الحمض الأميني والموجودة في تركيب البروتين يسارية، فمن الناحية الكيميائية يوجد نموذجان مختلفان من الحموض الأمينية تدعى يسارية ويمينه، فمن الناحية الكيمائية يوجد نموذجان مختلفان من الحموض الأمينية تدعى يسارية يمينية ،والاختلافات بينهما هو التناظر المرأي لتركيبهما الثلاثي الأبعاد، وهذا يشابه حالتي اليد اليمنى واليد اليسرى عند الإنسان ويوجد نموذجاً من هذه الحموض الأمينية بأعداد متساوية في الطبيعة، وهما قادران على الترابط معاً بشكل جيد وكل واحد مع الآخر، وعلاوة على ذلك،اكتشفت الأبحاث حقيقة مذهلة، وهي أن جميع البروتينات الموجودة في تركيب الأشياء الحية مكونة من حموض أمينية يسارية وحتى الحموض الأمينية الواحد اليميني المرتبط بتركيب بروتيني فإنه يكون هزيلاً عديم الجدوى.
دعنا نفرض للحظة أن الحياة أتت للوجود بالمصادفة كما يزعم التطورين ففي هذه الحالة يتشكل في الطبيعة حموض أمينية يسارية ويمينية وبأعداد متساوية تقريباً، والسؤال الآن هو كيف تستطيع حتى واحد من الحموض الأمينية اليمني أن تصبح محتواة في عملية الحياة ؟ وهذا شيء مازال يربك التطوريين.
في الموسوعة البريطانية يوجد دفاع متحمس عن التطور، فقد كتب المؤلفون فيها وبينوا أن الحموض الأمينية لكل العضويات الحية على الأرض وكذلك القطع البناءة للبولوميرات المعقدة مثل البروتينات لها التناظر اليساري ذاته، وأضافوا أن ذلك يساري ويقابل عملية قذف قطعة نقدية في الهواء مليون مرة ودائماً تأتي على الصورة نفسها، وفي الموسوعة نفسها صرح المؤلفون أنه ليس بالإمكان فهم لماذا الجزيئات تصبح يسارية أو يمينية ؟ وأن ذلك الاختيار ساحر ( فاتن ) ويتعلق بمصدر الحياة على الأرض [3]
ليس كافياً على الحموض الأمينية أن تترتب بأعداد صحيحة وبتتابع صحيح وبالأشكال الثلاثية الأبعاد المطلوبة، لكن تشكيل البروتين يتطلب أيضاً أن تكون جزيئات الحمض الأمينية التي لها أكثر من ذراع واحد أن تترابط مع بعضها البعض بأذرع معينة بالضبط، وتدعى مثل تلك الرابطة (بالرابطة الببتيدية )، والحموض الأمينية تستطيع أن تصنع روابط مختلفة مع بعضها بعض، لكن البروتينات تشمل فقط الحموض الأمينية التي تنظم مع بعضها بروابط ببتيدية .
بينت الأبحاث أن (50%) فقط من الحموض الأمينية تتحد بشكل عشوائي وبرابطة ببتيدية والباقين يرتبطون بروابط ليست موجودة في البر وتينات، ولكن تعمل بشكل أنسب فإن كل حمض أميني يدخل في صناعة البروتين يجب أن يتصل بحموض أمينية أخرى بروابط ببتيدية كما لو أنه يتم اختيارها من بين اليساريات فقط، وبدون أية تساؤلات لا توجد آليات تحكم لاختبار وترك الحموض الأمينية اليمنى وأن تتأكد بذاتها أن كل حمض أميني يصنع رابطة ببتيدية مع غير.
تحت هذه الظروف فإن الاحتمال لامتلاك جزيء بروتيني متوسط لخمسمائة حمض أميني ترتب نفسها بكميات وبتتابعات صحيحة، بالإضافة لتلك الاحتمالات يجب أن تكون الحموض الأمينية يسارية فقط وتتحد معاً بروابط ببتيدية فقط ويكون ذلك الاحتمال لوجوده في التتابع الصحيح (الملائم ):
=1/50020=1/65010.
احتمال وجوده يسارياً :
=1/50020=1/15010
احتمال اتحاده مستعملاً الرابطة الببتيدية:
=1/4992=1/15010.
الاحتمال الكي:
=1/95010أي هو احتمال واحد من 95010.
وكما ترى في الأعلى فإن احتمال تشكل جزيء بروتين واحد يحتوي خمسة حموض أمينية هو واحد مقسوم على عدد مكون بوضع (950) صفراً بعد الواحد، وهو رقم غير مدرك لعقل الإنسان، وهذا فقط احتمال على ورق لكن عملياً فإن مثل ذلك الاحتمال هو الصفر مصادفة حقيقية، وفي الرياضيات الاحتمال الأقل من واحد على (5010) يعتبر صفراً حقيقة .
بينما الاحتمالية لتشكل جزيء مصنوع من خمسة حموض أمينية يصل لمثل هذا المدى، ونحن نستطيع أن نتقدم أكثر وأن ندفع حدود العقل لسويات أعلى من الاحتمالية، ففي جزيء الهيموغلوبين وهو بروتين نشط فعال ويضم خمسمئة وأربعة وسبعين حمضاً أمينياً وهو أكبر بكثير من عدد الحموض الأمينية التي شكلت البروتين المذكور في الأعلى، ولنعتبر الآن ما يلي :
يحتوي جسمك على بلايين الكريات الحمراء، وفي الكرية الواحدة من تلك الكريات الحمراء يوجد 280000000أي ( 280مليون ) جزيء هيموغلوبين، فالعمر الوسطي الافتراضي للأرض سوف لن يكون كافياً ليتحمل تشكل حتى بروتين واحد وبطريقة التجربة والخطأ، فكيف من أجل كرية دم حمراء واحدة، والاستنتاج من كل هذا هو أن التطور فشل وسقط في هاوية رهيبة من الاحتمالية وبالضبط في مرحلة تشكل بروتين واحد فقط .
مصدر الصور :
[1]Ali Demirsoy.Kalitim ve evrim (inheritance and evolution).ankara:Meteksan Yayinlari 1984.p.61
[2] Ali Demirsoy.Kalitim ve evrim (inheritance and evolution).ankara:Meteksan Yayinlari 1984.p.61
[3] Fabbri Britannica Science Encylopaedia.Vol.22.p.519
القلب الحزين
11-12-2013, 06:59 PM
جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ
http://quran-m.com/firas/ar_photo/127081623865656565.jpg
وردنا السؤال التالي من أحد الأخوة الكرام ننقله كما هو ثم الإجابة عليه:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي العزيز فراس جزاك الله كل خير على عملك العظيم وجهدك الجبار الذي تبذله في موقع الإعجاز العلمي، وأرجو أن يجعله الله في ميزان حسناتك يوم القيامة، وأن يجمعنا وإياك مع النبي الكريم وصحابته الأخيار في أعلى عليين.. أما بعد:
فسؤالي عن لمسة بيانية في سورة الكهف أرجو إيضاحها لي، ولرواد الموقع ؛ وذلك في قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح، حيث قال تعالى:(.. فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه.. ).
لماذا جعل الله سبحانه وتعالى صفة الإرادة في الجدار، ونحن نعلم أن الجدار جماد، لا يملك إرادة ذاتية، أو روحًا، أو حياة. فعندما يقع الجدار، أو أي جماد لا يقع من ذاته ؛ وإنما بفعل قوة خارجية تؤثر فيه.
وشكرًا لك، ولكل من يساهم معك في خدمة الموقع والإسلام عمومًا.
والسلام عليكم ورحمة الله
أخوك في الله
حسام الشيخ من سوريا
===================================
يجيب عليها فضيلة الأستاذ محمد إسماعيل عتوك
أستاذ اللغة العربية والمتخصص في الإعجاز البياني واللغوي في القرآن
ثانيًا- الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه الاستعانة، وعليه التكلان.. أما بعد:
فالإرادة هي طلب النفس حصول شيء، وميل القلب إليه، ولا تكون إلا من الأحياء ؛ ولهذا اختلف علماء العربية في معنى قوله تعالى:﴿ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ﴾(الكهف: 77) على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الإرادة محمولة على غير حقيقتها ؛ لأن الجدار ليس له إرادة ولا للأموات، فاستعيرت الإرادة للمداناة والمشارفة للدِلالة على المبالغة في ذلك، ومثِّل الجدار بشخص له إرادة، فتكون نسبة الإرادة إلى الجدار مجازٌ، وهو شائع جدًّا. وعليه يكون المعنى: فوجدا جدارًا قارب السقوط لميلانه، أو كاد أن يسقط. ر وهذا قول الجمهور، واختاره الزمخشري، وقال:« استعيرت الإرادة للمداناة والمشارفة ؛ كما استعير الهمّ والعزم لذلك.. وسمعت من يقول: عزم السراج أن يطفأ، وطلب أن يطفأ. وإذا كان القول والنطق والشكاية والصدق والكذب والسكوت والتمرد والإباء والعزة والطواعية، وغير ذلك مستعار للجماد ولما لا يعقل، فما بال الإرادة ؟ ».
الثاني: أن الإرادة صدرت من الخضر ؛ ليحصل له، ولموسى عليه السلام ما ذكره من العجب. فالمريد على هذا القول ليس هو الجدار ؛ وإنما هو الخضر. وهو تعسفٌ كبيرٌ، وقد أنحى الزمخشري على هذا القائل إنحاءً بليغًا جدًّا، فقال:« ولقد بلغني أن بعض المحرفين لكلام الله تعالى ممن لا يعلم، كان يجعل الضمير للخضر؛ لأنّ ما كان فيه من آفة الجهل وسقم الفهم، أراه أعلى الكلام طبقة أدناه منزلة، فتمحل ليردّه إلى ما هو عنده أصحّ وأفصح، وعنده أن ما كان أبعد من المجاز كان أدخل في الإعجاز ».
الثالث: أن الإرادة محمولة على حقيقتها، وهو قول من أنكر المجاز مطلقًا، أو في القرآن خاصة، فتأوَّلوا الآية على أن الله سبحانه خلق للجدارِ حياة وإرادة ؛ كالحيوانات. قال الراغب الأصفهاني:« والإرادة قد تكون بحسب القوة التسخيرية والحسية ؛ كما تكون بحسب القوة الاختيارية ». وقال صاحب أضواء البيان:
« هذه الآية الكريمة من أكبر الأدلة التي يستدل بها القائلون: بأن المجاز في القرآن. زاعمين أن إرادة الجدار الانقضاض لا يمكن أن تكون حقيقة، وإنما هي مجاز. وقد دلت آيات من كتاب الله على أنه لا مانع من كون إرادة الجدار حقيقة ؛ لأن الله تعالى يعلم للجمادات أرادات وأفعالا وأقوالاً لا يدركها الخلق ؛ كما صرح تعالى بأنه يعلم ذلك ما لا يعلمه خلقه في قوله جل وعلا:﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾(الإسراء: 44)، فصرَّح بأننا لا نفقه تسبيحهم، وتسبيحهم واقع عن إرادة لهم يعلمها هو جل وعلا، ونحن لا نعلمها. وأمثال ذلك مثيرة في القرآن والسنة.
فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى:﴿ وَإِنَّ مِنَ الحجارة لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنهار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المآء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله ﴾(البقرة: 74). فتصريحه تعالى بأن بعض الحجارة يهبط من خشية الله دليل واضح في ذلك ؛ لأن تلك الخشية بإدارك يعلمه الله، ونحن لا نعلمه. وقوله تعالى:﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان ﴾(الأحزاب: 72). فتصريحه جل وعلا بأن السماء والأرض والجبال أبت وأشفقت دليل عن أن ذك واقع بإرادة وإدراك يعلمه هو جل وعلا، ونحن لا نعلمه.
ومن الأحاديث الدالة على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:« إني لأعرف حجرًا كان يسلم عليَّ بمكة »، وما ثبت في صحيح البخاري من حنين الجذع الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم جزعًا لفراقه. فتسليم ذلك الحجر، وحنين ذلك الجذع كلاهما بإرادة وإدراك يعلمه الله، ونحن لا نعلمه ؛ كما صرح بمثله في قوله:﴿ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾(الإسراء: 44).
وزَعْمُ من لا علم عنده أن هذه الأمور لا حقيقة لها، وإنما هي ضرب أمثال، زَعْمٌ باطل ؛ لأن نصوص الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن معناها الواضح المتبادر إلا بدليل يجب الرجوع إليه. وأمثال هذا كثيرة جدًّا. وبذلك تعلم أنه لا مانع من إبقاء إرادة الجدار على حقيقتها ؛ لإمكان أن يكون الله علم منه إرادة الانقضاض، وإن لم يعلم خلقه تلك الإرادة، وهذا واضح جدًّا كما ترى.. والعلم عند الله تعالى ».
بقلم: محمد إسماعيل عتوك
[email protected]
http://www.bayan7.com/bayan888/index.php (http://www.bayan7.com/bayan888/index.php)
القلب الحزين
11-12-2013, 07:00 PM
وبئر معطلة وقصر مشيد
http://quran-m.com/firas/ar_photo/126986418465546.jpg
صورة لبئر معطلة
الســــــــؤال: أريد أن اسأل سؤالاً ، وأرجو الرد. السؤال هو في سورة الحج آية 45 "... وبئر معطلة وقصر مشيد " كلمة ( معطلة ) تعود على البئر ، أم على مياه البئر ؟ أرجو منك الرد والسلام عليكم ورحمة الله.
الجــــــــواب: كلمة ( معطلة ) وردت وصفًا للبئر وفيه الماء ؛ وذلك في قول الله تعالى: ﴿ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ﴾(الحج: 45). وهي تعود على البئر بما فيه من الماء. والبئر ( المعطلة ) هي المتروكة بموت أهلها ، وكذلك القصر المشيد هو الرفيع الخالي بموت أهله. وهما معطوفان على القرية. وقوله تعالى:( كأين ) يقتضي التكثير ، فدل ذلك على أنه لا يراد بكل من قرية ، وبئر ، وقصر معين ، وإن كان الإهلاك إنما يقع في معين ؛ لكن من حيث الوقوع لا من حيث دلالة اللفظ ، كما قال أبو حيان في البحر المحيط.. ولفظ ( البئر ) مشتق من: بأرتُ. أي: حفرت. وهي مؤنثة على وزن: فِعْلٌ ، بمعنى: مفعول. وقد تذكر على معنى: القليب. وتجمع على: آبار. فمعنى ( المعطلة ): أنها عامرة ، فيها الماء ، ويمكن الاستقاء منها ؛ إلا أنها عطلت. أي: تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها. وتعطيل الشيء في اللغة: إبطال منافعه. والمعنى: وكم من بئر عامرة في البوادي بمياهها عطلت ، لا يستقى منها ، لهلاك أهلها. أي: تركت بلا وارد يردها ويستقي منها.. والله تعالى أعلم !
محمد إسماعيل عتوك
[email protected] (
[email protected]%E2%80%AC)
http://www.bayan7.com/
لمزيد من الاستفسار يمكن إرسال ايميل
[email protected]
القلب الحزين
11-12-2013, 07:01 PM
وسطية الإعجاز العلمي بين الإفراط و التفريط
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1264969846science.jpg
بقلم الدكتور محمود عبد الله إبراهيم نجا
مدرس مساعد بقسم الفارماكولوجيا الاكلينيكيه
- كلية طب- جامعة المنصورة - مصر
ضاعت وسطية الإعجاز العلمي, بالرغم من كل ما قدمه في زماننا الحاضر من مُعجزات مشرقة هدت العقول و القلوب إلى معرفة طريق ربها، فالذي يريد بناء الإعجاز العلمي على غير أساس سليم يقول (دعونا نفسر كل شيء في القرآن و السنة بالعقل و نظريات العلم الحديث, و لا اعتبار عندهم لأقوال السلف الصالح لأنها تعارض أفكارهم)، و الذي يريد الهدم لكل بناء و إن كان على أساس سليم يقول (الإعجاز العلمي بدعة و لا حجة لها)، فأين الوسطية في الطرح يا أمة الوسط ؟. فالناظر إلى مُجمل أبحاث الإعجاز العلمي يرى تفاوت ملحوظ في قوة الطرح، فهناك من تمسك بقواعد العلوم الشرعية, فأبدع و أفاد, و هناك من تجاوز القواعد العلمية المتفق عليها من قبل علماء الشريعة وعلماء الإعجاز العلمي، فأفرط و قال على الله و رسوله بغير علم. و من المؤسف أن هناك كتابات و أراء غير حيادية غضت طرفها عن الصحيح الجاد من أبحاث الإعجاز العلمي, فقامت بنسف جهد العاملين فى الإعجاز العلمي ببضع كلمات أطلقتها الألسن أو كتبتها الأقلام بدون دراسة جادة لقضية الإعجاز العلمي, فكان التفريط. وما بين أهل الإفراط و التفريط, وقف العاملون المخلصون في قضايا الإعجاز العلمي صامدون صمود أهل علم الحديث الذين لا يهنأ لهم بال إلا بإظهار الصحيح من السقيم، و بالرد المفحم على كل من أنكر الإعجاز العلمي لمجرد انه لا يفهم طبيعة هذا العلم.
* بعض مظاهر الإفراط
من بعض مظاهر الإفراط الخروج بمعنى النص عن مدلوله اللغوي الواضح إلى معاني مبالغ فيها لا يحتملها النص من أي وجه, بدعوى أن في النص استعارات مكنية ظهرت للباحث فقط و لم يفقهها السابقون الأولون, و ذلك كتأويل النجم الثاقب بأنه الحيوان المنوي يثقب البويضة,في قول الله تعالى {و السَّمَاء وَالطَّارِقِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ. النَّجْمُ الثَّاقِبُ. إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ. فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ} 1-6 الطارق، مع أن سياق الآيات و أقوال كل المفسرين تقول بأنه أحد نجوم السماء الموصوفة بالطرق و الثقب, و لا علاقة بين النجوم و ذكر خلق الإنسان من الماء الدافق كما هو واضح من سياق الآيات.
ومن صور الإفراط أيضا الافتتان بعلوم الغرب حتى و لو كانت نظريات في إطار التجريب, و كأن العلم الغربي حق لا مراء فيه, مما أدى إلى اعتقاد بعض المسلمين في هذه النظريات التي لم تثبت بعد على أنها حقائق تصلح لتفسير الآيات أو الأحاديث.
ومن أمثلة ذلك المسارعة في تفسير الفتق بالانفجار في قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا}الأنبياء30، لمحاولة التقريب بين الآية و نظرية الانفجار الكبير (Big bang)، مع أن كلمة الفتق من الناحية اللغوية لا تعنى أبدا الانفجار و لم تستخدم كلمة الفتق في القرآن أو السنة بهذا المعنى، ثم أن كلمة الانفجار تؤدى إلى الفصل الكامل بين أجزاء الشيء الواحد مع الهدم و العشوائية في البناء, أما قوله تعالى (ففتقناهما) فتعنى التحكم التام من الله لخلق عالم منظم لا عشوائية فيه، و لو كانت كلمة الانفجار من الناحية العلمية صحيحة لذكرها القرآن بجلاء بدلا من كلمة الفتق فيقول الله (كانتا رتقا ففجرناهما) بدلا من (ففتقناهما)، حيث أن لفظة الانفجار لها مشتقات في القرآن كما في قوله تعالى {وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ}يس34. ثم أننا إذا سألنا العاملين في دراسة نشأة الكون عن نظرية الانفجار الكبير لقالوا بمنتهى الوضوح أن ما وصل إليه العلم حتى الآن غير كافي لتفسير كيفية إيجاد السماوات و الأرض، و أن نظرية الانفجار الكبير لازلت في حاجة إلى كثير من الإصلاحات و التعديلات حتى تصل إلى فهم قريب من الحقيقة.
وقد وردت هذه الحقائق في عدد مايو- يونيو 2009 من مجلة العلوم الأمريكية في مقالة بعنوان النشاط الجديد في الكوسمولوجيا (علم الكون) لكاتبها د. باتريك بيتر (Patrick peter)، مدير المعهد الوطني للأبحاث العلمية بفرنسا، و قد أبدع هذا العالم في هذه المقالة في التفريق بين ما هو قطعي الثبوت و ما هو ظني في تحليل علمي دقيق لنظرية الانفجار الكبير.
ثم أخذ كاتب المقال في مناقشة الأمور التي مازالت ظنية في النظرية و منها الحالة التي كان عليها الكون قبل الانفجار و هل نشأ من لا شيء أم انه كان يسبقه كون آخر أسماه بالكون السابق للانفجار الأعظم. كما أن كاتب المقال بدأ يميل إلى رفض كلمة الانفجار و طرح بدلا منها سيناريو آخر واعتبره أكثر احتمالا و هو أن الكون الذي نعيش فيه نشأ كمنطقة متجانسة و صغيرة جدا في كون آخر فائق الكثافة، ثم أخذت هذه المنطقة الصغيرة في الانتفاخ و التوسع, مع العلم بأن د. باتريك بيتر لم يجزم بهذا النموذج الجديد بل فتح الباب لظهور نماذج أخرى ربما تكون أكثر علماً و دقة. و من أمثلة الافتتان بعلوم الغرب أيضا المسارعة في تفسير نشأة الإنسان والكائنات الحية بنظرية التطور الدارونية مع محاولة التوفيق بين بعض آيات القرآن الكريم وبين أقوال التطوريين, مع أن الدارونية في ثوبيها القديم والجديد لم ترقى بعد أن تنتقل من الفرضية إلى النظرية لغياب الدليل العلمي الذي يدعمها, ولوجود خلاف كبير بين المشتغلين بها, بين مؤيدين ومعارضين.
وليس العجب هنا في اختلاف علماء التطور حول صحة تلك النظرية, فهذا هو حال العلم الذي يقوم على الفرضيات والجدليات حتى يصل إلى حقائق ومسلمات, ولكن العجب كل العجب ممن يسارع في نسبة فرضية إلى القرآن الكريم بالرغم من المعارضة الصريحة بين القرآن وهذه الفرضية, فصريح القرآن والسنة وما فهمه سلف الأمة, على أن الله خلق آدم بيديه من الطين و بلا ذكر للتطور, كما حكى المولى تبارك وتعالى عن خلق باقي الكائنات الحية بالخلق الخاص في أزواج, وأنه جعل لكل زوج الذرية الخاصة به والهداية الخاصة لكيفية المعيشة, وكل ذلك بلا ذكر للتطور. إذا أيها المسلمون وسطية منهج الإعجاز العلمي تُحتم علينا التوقف أمام هذه الظنيان، فلا ينبغي أبدا أن نأخذ الظني من أي نظرية ونقارنه بكتاب الله، فالذي نؤمن به إيماناً قاطعاً أن وصف القرآن هو أدق وصف لأنه من عند الله تعالى موجد هذا الكون (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) 14 الملك، فلا يمكن تأويل حقائق القرآن إلا بعلم يقيني قطعي الثبوت وحتى يقترب العلم في ألفاظه من الألفاظ الدقيقة للقرآن, لا نملك إلا أن نقول كما قال الأولون {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7.
ومن صور الإفراط أيضا القول بقدرة بعض العبادات على الشفاء الجزئي أو المطلق لكثير من الأمراض بدون وجود نص من القرآن أو السنة يثبت العلاقة الصريحة بين تلك العبادة والشفاء من الأمراض, كما هو الحال في العسل مثلا الذي نص الله على قدرته الشفائية بنص صريح لا يقبل الإنكار {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ}النحل69.
بل إن بعض من أفرطوا في هذا الاتجاه استدلوا ببعض الأحاديث الضعيفة والمنكرة لإثبات أقوالهم، ومن ذلك حديث (صوموا تصحوا)في باب الصيام، وفي باب الصلاة استدلوا بحديث (صلى فان في الصلاة شفاء) أو (الصلاة شفاء لكل داء) أو وصف قيام الليل بأنه (مطردة للداء عن الجسد)، مع العلم بأن أغلب الروايات التي ذكرت أن قيام الليل مطردة للداء قد ضعفها أهل العلم، وحتى الرواية التي يصح سندها وهي (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الإثم وتكفير للسيئات ومطردة للداء عن الجسد ) قال عنها الألباني في كتاب الجامع الصغير وزيادته, الحديث صحيح إلا جملة (مطردة للداء عن الجسد) فهي ضعيفة. ومبدأ الوسطية في الطرح يفرض علينا الجمع بين النصوص الصحيحة لنصل إلى القول الأمثل في علاقة أي عبادة بالنواحي الصحية, فلا مانع أبدا من أن تكون هناك حكم صحية من وراء بعض العبادات, ولكن إظهارها يستلزم الدليل الصحيح والصريح. ولا شك أن ربط العبادة بالأمور الصحية بلا دليل صريح, هو مسلك خطير لأنه يُخرج العبادة عن أسمى معانيها وهو الطاعة المطلقة لأمر الله, إلى معنى دنيوي بحت وهو وصف هذه العبادات بالرياضات الروحية والجسدية، وفي هذا الفعل تقليل كبير من شأن العبادة، فقد يدعى أحد الكفار بأنه يمارس نوع معين من الرياضات البدنية أو الروحية تحقق له نتائج صحية أفضل بكثير مما هو موجود في عبادات المسلمين، وهذا هو المشاهد في العالم الغربي فنجد عندهم ارتفاع في نسبة الممارسين للرياضة ونسبة الأصحاء ونسبة كبار السن، وما حدث هذا إلا كنتيجة طبيعية للأخذ بالأسباب والسنن الربانية التي لا تحابى أحد. وإذا ادعى النصراني أو اليهودي أو أصحاب الديانات الروحية أن العبادة عندهم تريح أبدانهم وأرواحهم، فهل هذا دليل على صدق ديانتهم، أم دليل على أن اطمئنان النفس والرياضات البدنية من الأمور التي تريح البدن. فهل يعقل أن نتخذ من الرياضات البدنية أو الروحية عبادات لكونها تحقق من الصحة ما لا تحققه بعض العبادات الإسلامية، فلا شك إذا في أن القول بأن العبادة رياضة وصحة أمر مبالغ فيه، وغير منصوص عليه في صريح القرآن والسنة.
كذلك أيضا كان لإقحام الإعجاز العلمي في أمر الغيبيات, من الإفراط الذي شغل الناس عن رؤية آيات الله في خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة، فصاروا يلهثون وراء فهم أحداث القيامة والجنة والنار من الناحية العلمية مع أنها من الغيبيات التي مهما تخيلناها فحقيقتها بخلاف ما تخيلنا، ووقعها على الأنفس بخلاف ما تحكى الألسن، ولذا لم تكن الغيبيات مما وعد الله بان يريه للعباد على سبيل المعجزات فقال تعالى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53، فالله وعد بان يرينا آيات مرئيات خاضعة للدراسة في الأفاق والأنفس، أي في مقارنة العلم المكتشف في الكون المنظور بالعلم المسطور في القرآن والسنة.
يتبـــــــــــــــــــع
القلب الحزين
11-12-2013, 07:02 PM
يتبـــع الموضوع السابق
وسطية الإعجاز العلمي بين الإفراط و التفريط
من مظاهر التفريط وكرد فعل قوى في مقابلة الإفراط المُشاهد في قضايا الإعجاز العلمي, ظهر أصحاب القول بوجوب الابتعاد عن التفسير العلمي للقرآن الكريم، حتى أن بعضهم يعتبر ذلك بدعة، وذلك بزعم الحفاظ على القرآن والسنة من التأويلات الباطلة أو الاصطدام بنظريات علمية غير ثابتة، وأن القرآن كتاب هداية وإرشاد وليس بكتاب علم. وحتى لا نخرج عن الوسطية في النقاش فسوف نفترض أن هذا الرأي صدر من قلب غيور على القرآن والسنة, يخشى الخطأ في فهم النص الإسلامي، وهذا رأي ينبغي أن يوضع في الاعتبار فلا ينبغي أن يدخل ميدان الإعجاز العلمي للقرآن والسنة إلا العالم المؤهل، أما الجاهل الذي لم يصل إلى مستوى يؤهله إلى ذلك، فيجب أن يكف عما هو فيه من لهو التفكير في القرآن بالعقل دون النقل, ويعكف على مزيد من الدراسة ليصل إلى المستوى المطلوب.
وبالرغم من وجاهة رأى المعارضين للإعجاز العلمي، إلا أن المسألة ليست بهذه البساطة والسطحية، لأننا إذا تعمقنا في التفكير قليلا لوجدنا أن دعوة هؤلاء تخدم أعداء القرآن أكثر مما تخدم القرآن نفسه، لأن التطور العلمي الحديث أثبت للعالم وجود تعارض بين ما جاء في كتب السابقين (التوراة والإنجيل) وبين حقائق العلم المكتشفة حديثاً، ولكنه عجز عن ذلك أمام القرآن، مما جعل أهل الأديان القديمة يُناصبون الإعجاز العلمي للقرآن العداء. فماذا فعل أعداء الإسلام لإخفاء نور العلم في القرآن الكريم، ولصرف أنظار الناس في عصر العلم الحالي عن الأخطاء العلمية في كتبهم؟
لقد أوعز هؤلاء الأعداء للمفكرين المسلمين بدعوى ظاهرها البراءة وفي باطنها الخداع، أن القرآن كتاب مقدس ولا يجب أن تتطاول عليه علوم البشر التي تخطئ في كثير من الأحوال، ولكل مجاله، وبذلك ضربوا عصفورين بحجر واحد. وللأسف خُدع بعض المفكرين المسلمين بهذه الدعوى الخبيثة، وساروا وراءها، بل قاموا يدعون إليها, ظناً منهم أنهم يدافعون عن القرآن، وما علموا أنهم بذلك يخدمون أعداء القرآن. وإذا كان القرآن الكريم ليس بكتاب علوم بمفهوم تلك التفاصيل العلمية الدقيقة التي يتعلمها الطالب في المجامع العلمية، إلا أنه أكثر وأهم من ذلك، لأنه يحمل إشارات نورانية إلى منتهى الحقائق العلمية الدالة على سنن الله الكونية في خلقه، وذلك من خلال ما تحمله الآيات القرآنية من إشارات علمية دقيقة إذا أحسنا تدبرها والبحث فيها واستنباط أسرارها العظيمة. فالقرآن يحث الإنسان على النظر في الكون وتدبره، ولا يشل حركة العقل في تفكيره، أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وليس ثمة دين من الأديان السابقة يكفل حق العقل في التدبر بمثل ما يكفله الإسلام. وينبغي هنا أن نشير إلى أن للعلم المادي مراحل في الوصول إلى حقائق الأمور, أولها الفرضية ثم التجريب وقد تكون الفرضية أصعب من التجريب لعدم القدرة على المشاهدة كما هو الحال في علم الروح، فيسقط التجريب ولا يصح إلا الخبر عن العليم الخبير، والتجارب قد تنجح أو لا تنجح، وأحيانا يتم تعديل الفرضيات ثم تتم دراسات جديدة ويظل العلم في نظريات حتى تتضافر الأدلة على ثبوت نظرية معينة تؤكدها كل الشواهد بدرجة لا تخضع للشك، عند هذه المرحلة نصل إلى المقابلة الصحيحة بين علوم القرآن والسنة وبين العلم المادي، فعلوم القرآن والسنة لا تمر في ذكرها للخبر العلمي بمراحل كما يمر بها العلم المادي ولكن علوم القرآن والسنة تذكر من العلم المادي الحقيقة المطلقة التي لا خلاف حولها بل إن وصف القرآن والسنة للعلم المادي يفوق وصف البشر لأنه من لدن العليم الخبير.
ومن ادعى أن كل المعارف العلمية ظنية فقد افترى فلابد لكل علم حقيقي من قواعد ثابتة يقوم عليها، اتفق على ثبوتها أهل التخصص وهناك أيضا أمور ظنية معلومة عند أهل التخصص هي محل بحث ونقاش، ولولا الحقائق لما قامت الحضارات فلا داعي لإضاعة الإعجاز العلمي بدعوى أن العلوم ظنية فهذا قول مجانب للصواب. فالقرآن والسنة يمثلان سقف متجدد لكل العلوم فكلما ارتقى العلم المادي خطوة في وصف العلوم اقترب من سقف القرآن والسنة حتى يصل العلم المادي في وقت من الأوقات إلى مقاربة سقف القرآن والسنة فتتجلى عندها آيات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وحتى نصل إلى هذه الدرجة هناك مراحل عديدة من مقابلة العلوم الحديثة مع علوم القرآن والسنة وهذه يقوم بها مشكورين أغلب العاملين في مجال الإعجاز العلمي، وقد يخطأوا في بعض المراحل حتى يهدى الله من يشاء إلى الحق الذي لا لبث فيه ولا غموض، ولولا هذه المحاولات الجادة مع بعض الأخطاء البسيطة والغير متعمدة ما وصلنا يوما إلى أي أعجاز علمي ولا كشفنا عن الآيات التي قال عنها تعالى (سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)، وأنا هنا لا أشجع الخطأ كما قد يتوهم البعض ولكنني أشدد على الالتزام بمنهج البحث العلمي الذي أسسه علماء الشريعة مع علماء الإعجاز العلمي في كيفية مقابلة النص الشرعي بالعلوم المختلفة مع مراعاة الفرق بين ما هو إعجاز علمي وما هو تفسير علمي فليس كل تفسير علمي بإعجاز علمي، فالخطأ مع العالم اجتهاد له أجره, بعكس الخطأ مع الجاهل فقد يدخل صاحبه العذاب المهين لأنه قال على الله وعلى نبيه بغير علم.
فالإسلام كما انه دين هداية إلى صراط الله المستقيم إلا انه أيضا دين علم و معرفة، ويكفى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلب الزيادة في القرآن إلا مرة واحدة, طلبها في العلم {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} 114 طه، والقرآن أبدا لن يكون كتاب إعجاز بلاغي وفقط أو كتاب تشريع وفقط ، أو كتاب عقيدة وفقط، أو قصص قرآني وفقط، فالقرآن يشمل كل ذلك وهو أيضا معجزة الله الخالدة لكل خلقه في كل زمان ومكان ، ولو فرضنا جدلا أن معجزاته قاصرة على البلاغة والتشريع، فقد ولت البلاغة مع من ولى من بلغاء وفصحاء العرب، وإذا حدث وتم ترجمة القرآن لأي لغة أعجمية فساعتها سوف نجد أن معجزة البلاغة قد سقطت، فكيف تكون حجة الله على خلقه إلا إذا كان في القرآن إعجاز شامل يغطى كل جوانب الحياة بما فيها ذكر بعض العلوم الحديثة التي لم تكن معروفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ظهرت في العصر الحديث فكانت دليل صدق للنبوة الخاتمة. ولنا في قول الله تعالى{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53, الدليل القاطع على صحة الإعجاز العلمي فالسين للاستقبال (أي المستقبل), والرؤية في الأفاق والأنفس ثبت يقينا أنها تقوم على العلم وأقصد هنا العلم الحديث، فكيف لنا أن نصل إلى عمق الآفاق والأنفس بدون أدوات مساعدة كالميكروسكوبات والمناظير والتلسكوبات وغيرها الكثير ما اكتشفه العلم الحديث فكان فاتحة الخير على الإسلام والمسلمين حيث ظهرت لهم الكثير من الآيات التي وعد الله بإظهارها لتكون لهم ولغيرهم آية, فيكون القرآن والسنة معجزة صالحة لكل الأزمان.
وينبغي أن ننتبه أيضا إلى أن نصوص القرآن والسنة هي التي أثارت العقول لتبدأ قضية الإعجاز العلمي وذلك بعرضها لقضايا غريبة عن واقع الناس فى زمن الوحي, تحث العقول السليمة على البحث والتدبر والتفكر. ففي أول آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له جبريل اقرأ (اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق)1-2 العلق, يقول صاحب التحرير والتنوير حول هذه الآيات, (فيها إيماء إلى أن أمة النبي صلى الله عليه وسلم ستصير إلى معرفة القراءة والكتابة والعلم, كما أن فيها توجيه للنبي صلى الله عليه وسلم إلى النظر في خلق الله, وخاصة خلقه الإنسان خلقا عجيبا مستخرجا من علقة فذلك مبدأ النظر....انتهى بتصرف), فالنظر في خلق الله المنظور لهو من أكبر الآيات الدالة على ربوبية رب العالمين، ولنا أن نعجب لماذا أُمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى خلق الإنسان من علق في أول سورة تنزل عليه، إلا لعلم الله بأن قضية خلق الإنسان هي من القضايا العلمية الغيبية الهامة التي شغلت فكر البشرية قديما وحديثا، وبالتالي فذكر الحقائق العلمية المتعلقة بهذه القضية في القرآن والسنة بطريقة لا تخالف ما توصل إليه العلم الحديث يعد دليلا على ربوبية رب العالمين واستحقاقه للطاعة والعبودية, كما يعد أبين دليل على وجود الإعجاز العلمي في كتاب ربنا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فان أحدا لم يسال النبي عن مراحل خلق الإنسان, وحتى وإن سألوه, فكيف السبيل إلى التحقق من صحة أقوال النبي صلى الله عليه في زمن لم يعرف العلم بعد.
وإذا نظرنا لثاني آية في فاتحة القرآن (الحمد لله رب العالمين) 2 الفاتحة, نجد بلاغة القرآن واضحة جلية في هذه الافتتاحية التي تحمل حمد الله المطلق على أنه الرب المدبر المتفضل على الخلق بكل آلائه التي لا تعد ولا تحصى، ولنا أن نتعجب في هذه الآية من كلمة العالمين, ولماذا أبلغ النبي عن وجود هذه العوالم المتعددة التي لم يرى منها إلا القليل في بيئته، وهل العالمين هي ما في الأرض والبحار وجو السماء من مخلوقات فقط, أم أنها تمتد لتشمل عوالم خفية في السماوات السبع التي لا نعلم عنها شيء، سؤال مطروح يحاول أن يجيب عنه العلم كل يوم بمحاولاته المستمرة للكشف عن حياة خارج الكرة الأرضية, ولتحقيق هذا الهدف بدأ العلم يفكر في الكشف عن كيمياء جديدة وطرق بحث جديدة ليستطيع التوصل إلى عوالم خفية عن الإمكانيات المتاحة والتي لا تبصر إلا القليل من عوالم رب العالمين القائل عن ملكه (فلا اقسم بما تبصرون وما لا تبصرون) 38-39 الحاقة، وقد صدقوا في فكرهم لأن ذرات ملك الله لا يعلم مدى تنوعها إلا الله, والتعرف عليها لا يكون إلا باكتشاف هذه الذرات بوسائل جديدة لم تكن معروفة من قبل.
وكما أشار الله في قرآنه إلى حقائق خلق الإنسان وتعدد العوالم التي لا نرى منها إلا القليل, أشار أيضا إلى بعض الحقائق الكونية التي تثبت وجود الإله الواحد القادر، ومن ذلك قول الله (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) 30 الأنبياء، ففي هذه الآية يثير المولى تبارك وتعالى مسألتين غيبيتين في غاية الغرابة لم يكن للناس بهما علم في زمن نزول القرآن، الأولى أن السماوات والأرض كانتا رتقا، أي ملتصقتين ببعضهما ثم فصل الله بينهما، والثانية أنه جعل كل حياة لا تنفك عن احتياج للماء. فإذا كان القرآن كما يزعم البعض منزه عن ذكر خبايا العلوم المادية كما يزعم البعض, فلماذا أشار الله إلى هذه الغيبيات التي لا يمكن للنبي ولا لأصحابه أن يدرسوها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, إلا إذا كان الله يعلم بأنه سيأتي زمان على الناس يتناولون دراسة أصل الكون وأنهم سوف يمتلكون الأدوات المؤهلة لذلك، فوضع المولى تبارك وتعالى هذه الآية في كتابه، فكانت غيبا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, ولكنه ما لبث أن بدأ يخرج من الغيب إلى الشهادة في زمن الرؤية بالعلم, فكانت الموافقة بين علوم القرآن والسنة وبين علوم الإنسان معجزة حقيقية تقود العقول إلى الإيمان بعلام الغيوب.
وإذا كانت هداية العقول إلى الله بسيطة في كثير من الأحوال, بالخطاب العقلي البسيط {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21, {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ }الطور35, إلا أن الهداية أيضا في كثير من الأحوال تحتاج إلى الآيات البينات (المعجزات), وإذا كان من حق الناس في زمن النبي أن يروا معجزة مادية، فهذا الحق لا يزول بموت النبي وانتهاء معجزاته المادية, فلابد للمعجزة أن تستمر على مدار الزمان، ولذا فكان لا بد من معجزة باقية لا تزول إلى يوم القيامة إلا وهي التوافق التام والعجيب بين ما هو مسطور في كتاب رب العالمين وسنة سيد النبيين، وبين ما هو ثابت من العلوم التي تبحث في كون الله المنظور، والذي عرف حديثا بالإعجاز العلمي، وهذا هو ما وعد به رب العالمين من أن رؤية الكافر للأفاق والأنفس سوف تنقلب عليه آيات واضحات تدله على الحق كما قال تعالى (سنريهم آياتنا...........) و(أو لم يرى الذين كفروا........).
فالإعجاز العلمي يكاد يكون هو اللغة الوحيدة التي يفهمها ويقتنع بها غير المسلمين، فما من مناظرة تتم بين مسلم وغير مسلم إلا وللمعجزة فيها دور كبير, فالذي يستطيع أن يأتي بمعجزة حقيقية من قبل الله, فله الغلبة بإذن الله, ولله الحمد أن جعل لنا في الثابت الصحيح من الإعجاز العلمي المعجزة المنشودة والقادرة على حسم النقاش بالحكمة والموعظة الحسنة, لذلك فإن دعوى الابتعاد عن التفسير العلمي لبعض ما جاء في القرآن الكريم اعتماداً على حقائق العلم الثابتة دعوى يطرب لها أعداء الإسلام، وتنزل على قلوب الملحدين برداً وسلاماً.
وإلى الذين يخافون ويحرصون على الدين من إفراط بعض الباحثين في قضايا الإعجاز العلمي، أقول لكم احرصوا مع البحث عن الحقيقة، أما أن نحرص فنقعد عن العمل فهذا ضياع لأمور الدين وخلط للحابل بالنابل، فنحن مأمورون بالتفكر والتدبر في كتاب الله، فلماذا التفكر والتدبر إن لم يكن هناك جديد يمكن الوصول إليه. وكما تجتهدون في الفقه والعقيدة وغيرها فاجتهدوا في كشف سُبل جديدة لهداية الكافرين الذين لا يؤمنون إلا بالعلم المادي فسُبل الهداية متعددة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69.
وإذا كان الإفراط قد حدث من جانب بعض المحبين للإعجاز العلمي كظاهرة غير صحية دافعها العاطفة الزائدة، فذلك يستلزم التصدي لها بكل قوة من خلال الضوابط المعتمدة للإعجاز العلمي في القرآن والسنة حتى لا يضيع الهدف الأسمى للإعجاز العلمي كأحد جوانب الهداية في القرآن والسنة. ولو تركنا علم الحديث لأجل المدلسين نترك علم الإعجاز العلمي, ولكن الأولى أن يدخل العلماء المعترضون بكل علمهم في فحص المنشور من الإعجاز العلمي وتحقيقه بما يرضى الله لا أن يحجموا ويرفضوا فالله سائلهم عما علموا يوم القيامة. كما أنصح كل مسلم بالعمل بحديث النبي صلى الله عليه والسلم (الدين النصيحة) أخرجه مسلم, فأناشد كل قراء الإعجاز إذا ظنوا أن هناك خطأ ما في أي مقالة من مقالات الإعجاز العلمي, أن يراسلوا صاحب المقالة ويبينوا له هذا الخطأ, فربما أقام الحجة على صحة قوله وخطأ ظنهم, أو ألزموه الحجة الصحيحة فلا يعود ثانية إلى خطأه, وبذلك يخاف كُتاب الإعجاز العلمي من النقد العلمي طالما أن بعضهم لا يخاف الله, وبهذا يفكرون ألف مرة قبل نشر أي كلمة لأنهم على علم بأن هناك من يراقب أقوالهم. ولكن أرجو أن لا نتطاول على العلماء بحجة الدفاع عن الإسلام فهدفنا توحيد الصف وليس تقطيعه, وأن نُعلى من قيمة الإعجاز العلمي وقيمة العاملين فيه لأننا في زمان الإعجاز العلمي وما أحوجنا إلى المعجزة لمواجهة الباطل.
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]
المراجع
1. القرآن الكريم
2. تفسير التحرير و التنوير
3. صحيح الجامع للألباني
4. المنهج العلمي في دراسة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: أ.د. أحمد شوقي إبراهيم
http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/tech/2001/article1.shtml (http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/tech/2001/article1.shtml)
5. الإعجاز العلمي في القرآن: فضيلة الشيخ / مصطفى البصراتي
http://www.quranway.net/index.aspx?function=Item&id=1052&lang
6. الإعجاز العلمي طريق للهداية: أ.د. جمعة علي عبد القادر
http://www.islamonline.net/Arabic/In_Depth/BackToAllah/Articles/2005/04/04.SHTML (http://www.islamonline.net/Arabic/In_Depth/BackToAllah/Articles/2005/04/04.SHTML)
7. الإعجاز العلمي بين المؤيدين والمتحفظين
http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/Tech/2001/article6.shtml (http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/Tech/2001/article6.shtml)
8. النشاط الجديد في الكوسمولوجيا (علم الكون): د. باتريك بيتر (Patrick peter)، عدد مايو- يونيو 2009 من مجلة العلوم الأمريكية .
القلب الحزين
11-12-2013, 07:02 PM
عنصرية الغرب وتخاذل المسلمين : حول مسالة المآذن
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1260831725swdefr1.jpg
صورة عن شعار الحملة الإعلامية التي كانت في سويسرا من أجل منع المآذن في سويسرا
بقلم أ. د. زينب عبد العزيز
في يوم الأحد الموافق 29 نوفمبر 2009 تلقى مسلمو العالم ضربة ضارية على وجوههم، ضربة تم الإعداد لها من قَبل محاضرة بنديكت 16 فى راتسبون عام 2006، التى لم تكن فى الواقع سوى خطوة تنفيذية لهجوم معلن من قبل أيضاً. وقد أتت النتيجة مباشرة لدعاية تم الإعداد لها بإخراج مسرحى تفوح منه رائحة الممجوج. ففى نفس عام 2006، عام محاضرة راتسبون التى سب فيها البابا الإسلام والمسلمين عمدا متعمدا، بدأ الإعداد لمسألة المآذن وتم طرح مبادرة الإستفتاء عام 2007، وكان المطلوب الحصول على مائة الف توقيع حتى يمكن تغيير البند رقم 73 من الدستور السويسرى لتحريم إقامة مآذن، غير الأربعة القائمة فعلا.. فتم جمع 540و113 الف توقيع، اودعت فى يوليو 2008 ولم يتم استخدامها إلا منذ أيام.
ومن الملاحظ أيضا أنه فى نفس ذلك اليوم 29/11/2009، تم إستفتاء آخر فى سويسرا حول تحريم بيع أسلحة للبلدان الأجنبية.. ومن الكاشف للأوضاع والضمائر والأهداف معرفة أنه تم رفض قرار تحريم البيع بأغلبية 68% من الأصوات لأن تجارة الأسلحة تدر على سويسرا مكاسب تتعدى الخمسمائة مليون يورو فى العام، واللهم لا تعليق..
ونقطة إنطلاق هذه الموجة المتعصبة لمنع بناء المآذن ترجع شكلا إلى أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 التى بدأت بصيحة وحشية من الرئيس الأمريكى الأسبق جورج دابليو بوش، معلنا حربه الصليبية على الإسلام، ـ الذى بات يحمل رسميا منذ ذلك التاريخ وصمة الإرهاب، وراح ضحيتها حتى الآن أكثر من عشرة ملايين مسلما تفحموا أو تطايرت أشلائهم لكى لا نقول شيئا عن ضياع حضارتها وتلويث أراضيها ونهب ثرواتها. وهى صيحة تذكرنا بتلك التى أطلقها البابا أوربان الثانى عام 1095، معلنا أول حرب صليبية على الإسلام باسم المسيح، بعد أن أطلق على المشاركين فيها عبارة "جنود المسيح"، فارضا عليهم وضع علامة الصليب على كل شئ من ثياب وعتاد ومعدات..
وإذا ما عدنا قليلا إلى الوراء، حتى مجمع الفاتيكان الثانى (1965) لرأينا أن من أهم قراراته : اقتلاع اليسار فى عقد الثمانينات ؛ واقتلاع الإسلام فى عقد التسعينات حتى تبدأ الألفية الثالثة وقد تنصر العالم ؛ وتكوين مجلسين تابعان للبابا أحدهما للحوار مع الديانات الأخرى ؛ والآخر لتنصير الشعوب. وحينما لم يتم تنصير الشعوب مع مطلع الألفية الثالثة قام مجلس الكنائس العالمى فى يناير 2001 باسناد هذه المهمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أصبحت القوة العسكرية المتفردة. وبعد عدة أشهر، فى
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1260831653clement-v.jpg
لوحة زيتية قديمة للبابا كليمنت الخامس
الحادى عشر من سبتمبر 2001 دوّت أحداث تلك المسرحية الأمريكية الصنع، القائمة على استخدام نظرية الهدم تحت السيطرة، الذى لا يمكن لأى فرد أن يقوم بها إلا إذا امتلك أدق التفاصيل السرية للمبنى المراد هدمه.
وإذا ما عدنا إلى الوراء أكثر، إلى مجمع فيينا المنعقد فيما بين 1311-1312 الذى دعى إليه البابا كليمنت الخامس (http://en.wikipedia.org/wiki/Pope_Clement_V)، سيشعر القارئ بالنفور وبحقيقة موقف الغرب من الإسلام عند مطالعة البند 25 من قرارات المجمع الذى يثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها خطة تتوارث ومنفذون يتتابعون فى محاولتهم إقتلاع الإسلام والمسلمين : " نظرا لإهانة إسم الرب والعار المنعكس على الإيمان المسيحى فى بعض مناطق العالم الخاضعة لحكام مسيحيين، يقوم المسلمون الذين يعيشون وسط المسيحيين أو فرادى، بالدعاء والإعلان باسم محمد من مساجدهم، حيث يجتمع المسلمون لعبادة محمد المخادع، وذلك كل يوم، فى ساعات محددة، منذ مطلع النهار ويرددون ما يؤذى سماع المسيحيين (...)، وبما أن هذه الأمور لا تروق للرب فلا يجب أن نتحملها من بعد الآن، لذلك نعلن باسم المجمع أننا نمنع بكل شدة أن تتكرر هذه الأمور من الآن داخل الآراضى المسيحية (...)، ونحث كل الحكام الكاثوليك الذين يعيش المسلمون تحت حكمهم، ألا تتكرر هذه الأمور وأن يقتلعوا تماما ذلك العار الذى يجلبه عليهم ما أشرنا إليه (...) كما نمنع تحديداً أى إنسان خاضع لسلطتهم أن يغامر أو يتم تشجيعه على الدعاء أو أن يمارس عبادته رسميا كما قلنا، لإسم محمد الدنس أو أن يقوم بالحج. ومن سيجرؤ على مخالفة ذلك سيتم تقويمه باسم الرب بحيث أن الأخرين سيرتعدون مما وقع عليه وسيبتعدون تلقائيا " (المجامع المسكونية ج 2** صفحة 380).
ندرك من هذا الإستشهاد أن المطلوب إلغاؤه ليس المآذن فحسب وإنما المساجد والصلاة والحج وخاصة تحريم ذكر اسم "محمد الدنس الغدار" كما يصفه البابا كليمنت الخامس، وذلك من كافة البلدان التى يحكمها مسيحيون !! وهنا أمتنع أيضا عن أى تعليق وأترك للقارئ ممهمة وصف "أمانة" هؤلاء القادة المسيحيون الذين يصرون على فرض عنصريتهم واقتلاع الإسلام بهذا التعنت.
لذلك لم يكن بغريب أن يتم قبول الإقتراع الحاصل على 5و57 % من الأصوات، وأنه فى نفس ذلك اليوم يقوم كل من المجلس الإتحادى والبرلمان بقبول هذه النتيجة، التى تناقض إتفاقيات دولية ملتزمة بها الحكومة السويسرية، وأنه فى اليوم التالى تقوم كل من فرنسا وبلجيكا وهولندا والمانيا وأيرلندا الشمالية بالتضامن مع هذه المهزلة المهينة، بينما أعلن وزير الداخلية الأمانى عن تفكيره فى طرد أئمة المساجد. وترتفع الأصوات صاخبة محملة بالعديد من التعليقات الكاشفة من جانب مختلف المستويات، نورد منها بعضا مما يكشف عن أن كل هذه المسألة مرتبة مدبرة خاصة إذا علمنا ان منها تصريحات لوزراء رسميين : "إن المآذن تصدم الهوية المسيحية لتفرض تعددية دينية لا نقبلها" ؛ "إنها ليست المآذن وحدها وإنما المساجد أيضا" ؛ "إن فرنسا ليست أرضا للإسلام" ؛ "إن الإسلام يدفع إلى القلق لأنه دين غزوات" ؛ "إنها (المآذن) رمز شديد الوضوح" ؛ "إنها علامة إستفزازية" ؛ "لا بد من الحفاظ على هويتنا المسيحية" ؛ "لا بد من إنقاذ الجذور المسيحية لأوروبا" ؛ "سوف يلتهمنا عشرة ملايين من المهاجرين" !! وهو نفس الرفض ونفس الموقف الذى يتواصل منذ قرون..
والأيادى الخفية هنا من الوضوح بحيث تكفى الإشارة إلى عبارة "علامات إستفزازية" التى أطلقها جاك شيراك، الرئيس الفرنسى الأسبق أيام حربه على الحجاب، أو إلى عبارة "الهوية المسيحية" و "الجذور المسيحية لأوروبا" التى أعلنها البابا بنديكت 16، لكى ندرك بوضوح كواليس هذه الهجمة العنصرية بكل وضوح.
وإذا أضفنا إلى ما تقدم الإجتماعات البالغ عددها 260 إجتماعا عاماً التى ستتم فى فرنسا حتى آخر يناير 2010 تحت إشراف وزارة الهجرة ليتم طرح عبارة "أنت لا تتمشى مع النموذج المطلوب، تفضل بمغادرة البلاد" ! فذلك يكشف عما ينتظر المسلمين فى فرنسا، وهم أكبر جالية فى أوروبا إذ يبلغ عددهم عشرة ملايين مسلم ومسلمة. أفلا تستخق هذه الملايين وغيرها من القيادات الدينية والسياسية المسلمة وقفة أكثر إلتزاما وقوة، وأكثر غيرة على الإسلام والمسلمين من ذلك التراخى المهين لهم بكل المقاييس قبل أن تمتد مهانته إلى آخرين ؟
وحينما يتأزم الوضع ويصل إلى هذه الحدة فلا بد من التساؤل حول المعنى العميق للأحداث وأسبابها. وفى هذه القضية تحديداً ترتفع أربعة محاور أساسية سنتناولها تباعا باختصار، وهى : الإستعمار، المسيحية، المهاجرون، الإسلام :
ما من إنسان يجهل العواقب المأساوية للإستعمار، الذى على الرغم من مقولة إنتهاء عصره فهو يتواصل من خلال الأنظمة العسكرية العميلة التى يقيمها قبل مغادرته الشكلية للبلدان المستعمَرة. والحديث عمّن تم إستعمارهم يعنى الإشارة إلى البؤس الإنسانى والإجتماعى والإقتصادى والسياسى والتقنى والثقافى والعبادى والحضارى لعدد لا يحصى من الشعوب التى يُفرض عليها أن تظل قابعة تحت حزام الفقر بحكم الأوضاع المطلوبة. ومن المعروف أيضا أن كل البلدان الأوروبية المسيحية مارست وتمارس خزى الإستعمار الفاضح لأكثر من خمسة قرون، بكل ما يترتب عليها، بلا أى شعور بالخجل، لإنتزاع خيرات وثروات المستعمرات وفرض عملية غرس الإنجيل بكافة الوسائل، بصورة متوارية فى البداية ثم بتلك الصورة العلنية الفجة تحت مسمى "عملية تنصير العالم" .. فما يدور اليوم فى العالم الإسلامى لم يعد بخافياً.
وما من إنسان يجهل التاريخ الدموى للكنيسة منذ اولى خطواتها حتى يومنا هذا، ليس للقضاء على كل ما يعترى إنتشارها فحسب، ولكن لفرض عقائدها التى تم إختلاقها عبر المجامع. وذلك عن طريق ترسانة من الأسلحة والمؤسسات والمنظمات التى حصدت فى طريقها عشرات وعشرات الملايين من البشر طوال مسيرتها. ومثل هذه الوحشية الدموية لم يتم كشف النقاب عنها بصورة منهجية إلا منذ عصر التنوير، - حتى وإن كان لها مقدمات ترجع إلى صراعات نشأتها، لكنها وصلت فى القرن العشرين إلى أبحاث معهد ويستار بأمريكا الذى أعلن بالوثائق الرسمية أن 82 % من الأقوال المنسوبة ليسوع فى الأناجيل لم يتفوه بها، و86 % من الأعمال المنسوبة إليه فيها لم يقم بها. أى أن جميع هذه الأقوال والأعمال عبارة عن فريات تمت إضافتها على مر القرون.. لذلك يتحدثون الآن فى فرنسا وغيرها عن " تزايد موجة العولمة وإنحصار المسيحية بصورة مؤسفة حيث تبدو فى حالة وهن غير مسبوقة" .. أى أن ما أصاب المسيحية والمسيحيين ليس بسبب وجود الإسلام والمسلمين وإنما بسبب كل ما تم الكشف عنه من تحريف وتعديل وتزوير حتى بات عدد هذه المآخذ يتعدى عدد كلمات الأناجيل نفسها ! لذلك يشعرون بالحرج والقلق من الإسلام لأنه يبهر ببساطته ومنطقه وكتابه الذى أنزله الله عز وجل ولم يتعرض لكل ما تعرضت له الأناجيل.
وتاريخ المهاجرين سواء فى فرنسا وأوروبا أو فى كل البلدان الإستعمارية معروف أسبابها وعواقبها، وتكفى الإشارة إلى الجريمة اللا إنسانية لجلب الأيادى العاملة التى تذكرنا بتجارة العبيد، فهى قائمة على استجلاب آلاف مؤلفة من المهاجرين كأيدى عاملة بنصف الأجر بالنسبة للعرف المتّبع فى البلد أو أقل منه بكثير، وتكديسهم فى ظروف مخزية وحرمانهم من اقل إمكانيات الراحة، ولا نقول شيئا عن عدم وجود المساجد إذ لم يجدوا أمامهم سوى الهناجر والبدرونات القذرة ليقيموا فيه الصلاة، وهو ما يكشف عن لؤم بغيض وعنصرية غير مقبولة تدين العقلية الغربية المتعجرفة. فلم تتم بناء المساجد القائمة حاليا إلا بفضل جهود مضنية وبمساعدة بعض الأصوات الغربية الأمينة الخجلة من تصرفات مسئوليها.
والتحدث عن الإسلام يعنى تناول التوحيد المطلق لله. فما من أحد بات يجهل أن اليهود قد حرفوا نصوصهم وظلوا يصيغونها ويبدلونها حتى القرن العاشر الميلادى، وقتّلوا الأنبياء وتخلوا عن التوحيد بعودتهم للعجل. لذلك أتى يسوع عليه السلام معلنا بوضوح : "وما أتيت إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة" (متّى 15 : 24).. وهى نفس النصيحة التى قالها لحوارييه : "هؤلاء الإثنى عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا : "إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل إذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (متّى 10 : 5 و 6). وهو ما يثبت من ناحية أن كل رسالة يسوع تنحصر فى أنه قد أتى من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة لإعادتها إلى التوحيد بالله، كما تكشف من ناحية أخرى أن هذه الجملة تلغى تماما فكرة "تنصير العالم" التى تقودها المؤسسة الفاتيكانية لتفرضها بكل جبروت على شعوب العالم من أجل أهداف سياسية بحتة قبل أن تكون دينية. وعندما حادت المؤسسة الكنسية عن رسالة التوحيد وأشركوا بالله بجعل يسوع إبنه ثم جعلوه "ربنا يسوع"، أتى محمد ا عليه الصلاة والسلام ليعيد الجميع إلى رسالة التوحيد.
ومما تقدم ندرك أن مسألة محاربة المآذن والمساجد فى أوروبا أكثر قدما وأكبر حجما وأهمية، فهى تشير إلى برنامج محدد لإقتلاع الإسلام والمسلمين مع نهاية هذا العقد، أى مع أواخر عام 2010 وفقا لما هو معلن فى وثائقهم ..
لذلك لا بد من مواجهة الموقف بصورة أكثر وعيا وأكثر حزما بدلا من التراخى المخزى الذى يخيّم على مختلف المسئولين فى البلدان الإسلامية والعربية والذى بسببه ضاعت فلسطين والقضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى الذى لم يجد من إخوانه سوى عبارات من قبيل نشجب ونعترض و نرفض ولا نقبل ونحذر .. وكلها عبارت خائنة بكل المقاييس. ولم يختلف الوضع من حيث التعليقات والعبارات فى مسألة تحريم المآذن عنه فى القضية الفلسطينية . لذلك لا يبقى إلا أن تتحرك الشعوب المسلمة فى موجهة دولة أو دول لا تفهم إلا مصالحها المادية فحسب، لتمسك بزمام حياتها ودينها ووجودها فى هذا العالم الذى هو ملكٌ للجميع، وإتخاذ خطوات فعالة فى مسألة المآذن اقلها :
• سحب الأرصدة من البنوك السويسرية • إلغاء حجوزات المصايف المستديمة وغيرها
• وقف التعامل مع الشركات السويسرية لكافة المنتجات • وقف رحلات الطيران
• رفض تفريغ البضائع فى المطارات والموانى
• فرض نفس المعاملة فيما يتعلق بالمآذن على الأقليات المسيحية فى البلدان الإسلامية؛ ومنع دق أجراس الكنائس مثلما يمنعون الأذان؛ ومنع إذاعة القداس من التليفزيون ؛ وإلغاء الإحتفال بعيد ميلاد ربنا يسوع كعيد قومى .
ويبقى تساؤل لا بد منه : ترى ما يكون الحال لو احتذينا بسويسرا وبنسبة الأربعة مساجد لكل نصف مليون مواطن وطبقناها فى كافة البلدان الإسلامية ؟
مجرد سؤال متعلق بالحق و بالديمقراطية، أطرحه على المتشدقين بها فى بلداننا الإسلامية قبل أن اوجهه إلى البلدان الغربية المسيحية الإستعمارية بكل جبروتها .
8 / 12 / 2009
يمكن التواصل مع الدكتور زينب على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
11-12-2013, 07:03 PM
في الرد على منكر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
النتيجة الحتمية للجهل بالآيات القرآنية وإنكار المعجزات الإلهية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12597767973815839868_5b6b52e8af_1.jpg
أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى
أستاذ علوم النبات في الجامعات المصرية
عندما تفتح المصحف الشريف على أول سورة فيه تجد قول الله تعالى: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2}) (الفاتحة /2) و(رَبِّ الْعَالَمِينَ): أي مربيهم ومالكهم ومدبر أمورهم .(كلمات القرآن تفسير وبيان حسنين مخلوف).
ولا يقال الرب مطلقا إلا لله تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات نحو قوله تعالى: (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ{15}) (سبأ / 15).(مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، باب الراء).
و(رَبِّ الْعَالَمِينَ): هو المربي لجميع العالمين، وهم سوى الله (تعالى) بخلقه لهم، وإعداده لهم الآلات، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة، التي لو فقدوها لم يكن لهم البقاء، فما بهم من نعمة فمنه تعالى (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبدالرحمن بن ناصر السعدي، تفسير سورة الفاتحة).
وبذلك عرفنا الله تعالى بذاته في القرآن الكريم أنه الذي خلق المخلوقات، وأنعم عليهم بالنعم العظيمة، التي من دونها لا بقاء لهم، فمن خلق الشمس التي تمد الأرض بالطاقة؟ ، ومن خلق على الأرض النبات بما فيه من بلاستيدات خضراء ويخضور أو كلوروفيل وجعله يقتنص الطاقة الشمسية ويحولها من طاقة ضوئية إلى طاقة كيميائية في الروابط بين المنتجات النباتية؟ هذه النعمة وحدها إن غابت من الأرض غابت الحياة عن الأرض، فمن أوجد هذه النعمة الكبرى غير رب العالمين سبحانه وتعالى؟ وإلى الآن لم يدع مدع من الخلق انه الذي خلق الشمس بخصائصها المعجزة، أو خلق النبات والتركيب العلمي الدقيق والمبهر للبلاستيدات الخضراء، وعمليات البناء الضوئي المعجزة والخارقة، ولكن الله سبحانه وتعالى وحده أنبأنا وأخبر بأنه رب العالمين، وأنه خالق الشمس، وخالق النبات، وبين في قرآنه الكريم العلاقة الوطيدة والعلمية بين الشجر الأخضر والطاقة الحرارية (النار) فقال تعالى في إعجاز معجز: (الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ{80}) (يس / 80).
وفي الصفحة التالية لصفحة سورة (الفاتحة) من القرآن الكريم عرف الله تعالى بكتابه القرآن فقال سبحانه: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{4} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{5}) (البقرة/2-5).
والهداية نوعان: هداية البيان، وهداية التوفيق، فالمتقون حصلت لهم الهدايتان وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق، وهداية البيان بدون توفيق العمل ليست هداية حقيقية (المرجع السابق تفسير سورة البقرة). وأول صفة وردت للمهتدين بالقرآن (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (البقرة/3).
والغيب: كل ما غاب عن الحاسة، وعما يغيب عن علم الإنسان بمعنى الغائب، قال: (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ{75}) (النمل/ 75).
ويقال للشيء: غيب وغائب باعتباره بالناس لا بالله تعالى، فإنه لا يغيب عنه شيء، كما لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وقوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) (الأنعام/73) أي ما يغيب عنكم وما تشهدونه، والغيب في قوله تعالى: (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (البقرة/3) ما لا يقع تحت الحواس ولا تقتضيه بداهة العقول، وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام وبدفعه يقع على الإنسان اسم الإلحاد، (مفردات ألفاظ القرآن مرجع سابق(باب غيب) ).
ويدخل في الإيمان بالغيب الإيمان بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلية وأحوال الآخرة وحقائق أوصاف الله، وكيفيتها وما أخبرت به الرسل من ذلك، فيؤمنون بصفات الله ووجودها ويتيقنوها لأنه سبحانه وتعالى أخبر بها وإن لم يفهموا كيفيتها (تيسير الكريم الرحمن)، (مرجع سابق) (بداية تفسير سورة البقرة). فمن لا يؤمن بما أخبر الله تعالى به مما غاب عنا في الماضي والمستقبل، فهو غير مهتد بالقرآن، والذي ينكر الآيات الواضحات والغيب الوارد في كتاب الله دخل في الإلحاد كما قال الراغب الأصفهاني سابقا.
إذاً عندما يقول أحد الكتاب :( ولكن (وهنا مربط الفرس) من حقنا أن نطرح سؤالا مهما ونحن نناقش مسألة ربط الآيات القرآنية بمعطيات العلم ومحاولة إثبات إقرار العلم بهذه الآيات التي اندهش منها العلماء كما يدعي أصحاب الإعجاز العلمي في القرآن. والسؤال أو التساؤل هو ماذا عن الآيات القرآنية التي تتحدث عن أمور لا يمكن العلم أن يقر بها أصلا؟ منها مثلا: حكاية النبي نوح وسفينته , وحكاية النبي موسى وعصاه، وحكاية حمل السيدة العذراء مريم بالطفل هو النبي عيسى، بدون المعاشرة الجنسية، وحكاية هاروت وماروت، وحكاية يأجوج ومأجوج وحكاية الإسراء والمعراج... الخ ) (من مقال بعنوان: هل يوجد فعلا إعجاز علمي في القرآن الكريم؟ المنشور يوم السبت 14-11-2009م بصفحة الثقافي، أخبار الخليج – مملكة البحرين).
ونحن نجيب عليه فنقول : وإذا كان حق السؤال مكفولا ومشروعا فإن حق احترام معتقدات الآخرين الدينية بالذات , والتكلم عنها بالحسنى مطلوب، واختيار الكلمات اللائقة وغير الجارحة مع المرسلين واجب، فالفقرة السابقة حوت كلمات تؤلم المؤمنين، وخرجت عن آداب السؤال منها كلمة (حكاية) التي تكررت قبل كل معجزة، وكلمة (المعاشرة الجنسية).
كان يجب عليه أن يتأدب بأدب القرآن ويقول كما قال الله تعالى: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) آل عمران (47) , فالحديث عن الأنبياء والرسل والصالحين والعلماء له أسلوب غاب عن صياغة السؤال السابق.
وللإجابة عن السؤال (مربط الفرس) كما يقول الكاتب أقول وبالله التوفيق : هذه المعجزات من الغيبيات التي يؤمن بها من آمن بالقرآن، وينكرها من ألحد في آيات الله، فإن ألحد بها ملحد فهذا شأنه، لأن من لا يؤمن بالله والقرآن ويكذب بآياته لا يصعب عليه أن يشكك وينكر ويستهزئ بسفينة نوح، وعصا موسى، وولادة السيدة مريم للسيد المسيح عليهم السلام، والمعجزات خوارق لنواميس الله في الخلق يسوقها الله تعالى على يد عباده من الأنبياء والمرسلين للبيان العملي المادي لمن يراها على صدقهم، وقدرة من بعثهم سبحانه وتعالى، وأن نواميس الكون بيده سبحانه يغيرها ويبدلها متى شاء وكيف شاء لمن شاء.
السؤال عن فعل عصا سيدنا موسى، وميلاد السيد المسيح عليهما السلام والإسراء والمعراج سؤال في غير محله لأنه خارج عن نطاق البحث العلمي التجريبي، وهذه مسلمة لا تحتاج إلى سؤال. أما قول الكاتب في المقال: (إن الدين يتعامل أساسا مع عالم الغيب عالم الجن والملائكة، عالم ما بعد موت الإنسان، عالم البرزخ ويوم القيامة من القبور وعالم الجنة والنار... الخ، وهي كلها أمور لا يقر بها العلم إطلاقا فهو يتعامل مع العالم الواقعي المادي الموضوعي بكل ما فيه من أنواع وأشكال لا حصر لها ولا عد من أصغر المواد وأدقها كالذرات ومكوناتها إلى أكبر المواد وأضخمها كالكواكب والنجوم والمجرات) انتهى (من المقال السابق).
القول السابق لكاتب المقال لا ينطبق على الإسلام لأن الإسلام تعامل مع عالم الغيب وتعامل أكثر مع عالم الشهادة، عالم العلم الكوني المادي الواقعي الموضوعي بكل ما فيه من مخلوقات وتنوع وعمليات حيوية وكيميائية وفيزيائية ورياضية لا حصر لها. فالقرآن تعامل مع الشمس وبين أهميتها في أكثر من (32) آية بين فيها ماهيتها وحركتها، ونظامها الدقيق، وضوءها، وحرارتها، وربطها بالبناء الضوئي، والليل والنهار، وتسخيرها ومصيرها.
والقرآن تعامل مع الحيوان وسمى بعض سوره بأجناس الحيوان وأنواعه وسلالاته: (سورة البقرة، سورة الأنعام، سورة النحل، سورة النمل، سورة العنكبوت، سورة العلق، سورة العاديات (الخيل)، سورة الفيل). وذكر الله تعالى الخيل والبغال والحمير والنمل والنحل والهدهد والبعوضة والإبل والناقة والجياد والذئب والكلب والذباب والجراد والعنكبوت والأفاعي والحيات والأسود والجوارح والحوت واللؤلؤ والمرجان والقردة والخنازير ولغة النمل والهدهد، والقمل والضفادع والدم , وكيف يطير الطير، وضعف بيت العنكبوت، والفيل ودواب الأرض , وما تحت الثرى منها وكلها مخلوقات من عالم الشهادة، فالقول أن الدين لا يتعامل معها قول باطل، الإسلام تعامل مع العالم المادي الواقعي التجريبي الموضوعي أكثر من تعامله مع الغيب.
وفي عالم النبات تعامل القرآن مع الإنبات والنمو والاخضرار وشيخوخة الأوراق والنبات وتساقطهما وخروج الإثمار واختلاف ألوانها وطعمها، والبناء الضوئي، وتعامل مع النخل والعنب والتين والزيتون والرمان واليقطين والأثل والأب والأكمام والأعلاف والبصل والثوم والبقل والجذع والحب والنوى (وفرق بينهما تفريقا واضحا)، والخمط، والدهن والرطب واليابس والريحان والزرع والسنبلة والساق والجذر والنباتات الجارية والزاحفة (النجمية) والشجر والفسائل والعدس والعرجون والقطمير والفتيل والكافور والجنات المعروشات وغير المعروشات , وماء الري وتخطيط الحدائق والحوليات وهشيم النبات وحطام النبات وتحطيمه. وكل هذا يبين اهتمام الدين بعالم الموجودات بطريقة واضحة.
وحوى القرآن آيات عن الجبال وألوانها وفوائدها والماء وأهميته للحياة والنجوم في آيات عدة لا يتسع المقام لذكرها. أما عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم فهذه حقيقة علمية وأنا من المؤمنين بأهمية التخصص الدقيق (لا يقل عن الماجستير والدكتوراه في التخصص) عند الكتابة في الإعجاز العلمي بالذات، أما التفسير العلمي فيمكن أن يتحدث فيه حامل الدرجة العلمية الأولى (البكالوريوس والليسانس) في المجال الذي يتكلم فيه، أما الهواة وأنصاف المتعلمين والجهلاء والملحدون فلا مكان لهم في كتاب الله وتفسير آياته لأن القلب الفاسد والفكر الفاسد لابد أن ينعكس في كتابة صاحبهما ويفسدها.
وبصفتي من المختصين في عالمي النبات والكائنات الحية الدقيقة أقول هناك مئات الآيات المعجزة في القرآن الكريم في عالم النبات، وكلها تقع تحت مجال العلم التجريبي منها قول الله تعال: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ{5}) (الحج/5).
وقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{39}) (فصلت/39).
والإعجاز في الآيتين السابقتين يقع في عملية الاهتزاز وعملية الربو وترتيبهما في الآيتين، فلو قيل (ربت واهتزت) لاختل المعنى العلمي، وتصادمت الآيات القرآنية مع الحقائق العلمية، والربط بين الماء والاهتزاز والربو وإحياء الأرض وإنبات الزوج الكريم معجزة علمية قابلة للدراسة العلمية، (وهذا ما فصلته في كتبي في مجال الإعجاز النباتي في القرآن الكريم والمنشورة على موقعي www.nazme.net).
ومن العجيب والمعجز أن الله تعالى قال بعد الآية الـ (39) السابقة من سورة (فصلت) قال: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا) (فصلت/40).لأن علام الغيوب عندما أنزل هذه الآية علم أن هناك من بني آدم من سيلحد فيها ويكفر بها ويشكك فيها وفي إعجازها العلمي (وهذه معجزة قرآنية).
وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{99}) (الأنعام /99).
فالماء ينزل، وهو شرط أساس للحياة والإنبات والخروج، فتخرج الكائنات الحية من مكامنها ويخرج معها النبات، الذي يخرج منه اليخضور أو الخضر، وبعد ذلك يخرج الحب المتراكب كحبوب القمح والشعير والذرة وغيرها، وتخرج الثمار المختلفة (انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{99} ) (الأنعام/99).وهذا ما فصلناه في موقعنا .
فالمؤمنون يؤمنون بعالم الشهادة، عالم الواقع المذكور في الآية، عالم النبات والبناء الضوئي، ويؤمنون بعالم الغيب الوارد في القرآن الكريم من الملائكة والجن ومعجزات الأنبياء السابقين. فالله جعل للإيمان به طريقين: طريق الوحي وطريق العقل، الوحي للدلالة على لغيبيات والتنبيه إلى الآيات الكونية، والعقل لدراسة الآيات الكونية وما فيها من اتزان ودقة وتدبر في الخلق. والذي ينكر عالم الغيب ويحصر نفسه في عالم الشهادة والمحسوس فقط، يجد نفسه في مأزق مع علم النفس، ومسارات التفكير في العقل البشري، والحب والكره والذاكرة والتذكر، وكلها أشياء وظواهر وعمليات يصعب على العلم التجريبي الوصول إلى ماهيتها ومع ذلك يعترف العلماء بوجودها ولها مناهج في الجامعات وكليات الطب والتربية. الإعجاز العلمي في القرآن الكريم حقيقة علمية , والإشارات العلمية في القرآن الكريم حقائق قرآنية ولا تتصادم حقيقة علمية مع حقيقة قرآنية إذا اتبعنا المنهاج العلمي في التفسير وفهم الآيات، وانضبطنا بالضوابط التي وضعها العلماء لتفسير آيات القرآن الكريم .
وعلى العموم فإن التفسير عمل بشري، والمفسر بشر يخطئ ويصيب وللمجتهد المتخصص المصيب أجران والمخطئ أجر، ومعجزات الإسراء والمعراج وولادة سيدنا عيسى وعصا سيدنا موسى معجزات آنية لقوم معينين في وقت محدد ومكان محدد، أما القرآن فهو المعجزة العلمية المحسوسة الباقية، ومن استطاع تحدي القرآن والإتيان بمثله فالمجال مفتوح والتحدي قائم منذ ألف عام ونصف ألف إلا قليلا. وفي النهاية نقول: إن الإعجاز العلمي من المختصين العلميين أزعج الملحدين والشيوعيين والعلمانيين (بفتح العين) لأنه يخاطب الناس في أيامنا بلغة العلم والعصر وهذا يهدم عليهم معتقداتهم التي عاشوا فيها سنين طويلة، فهم يؤمنون بخرافة نظرية التطور، وقد تحديناهم سابقا أن يأتوا بدليل علمي واحد واضح وصريح يثبت ذلك ولم نر منهم شيئا.
وهم يؤمنون بان الحياة أرحام تدفع وأرض تبلع وما يهلكهم إلا الدهر، ولكن للأسف تخطاهم الدهر وانهزم الإلحاد والشيوعية والعلمانية التي فشلت في تحقيق أهدافها، وعاد الناس إلى دين الله أفواجا، فلا تنزعجوا من كتاباتهم فقد بارت بضاعتهم وكسدت سوقهم وما نقراه لهم هو كتابات النزع الأخير لهم. والحمد لله رب العالمين عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم.
أ.د. نظمي خليل أبو العطا موسى
www.nazme.net
القلب الحزين
11-12-2013, 07:06 PM
سؤال بخصوص تطور الإنسان
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/125633043337035817_77beaac81d.jpg صورة لخلية بشرية حية
وردنا السؤال التالي من الأخ عادل سلطاني:
ماذا نستطيع ان نقول حول ما نراه في التلفاز او ما نقرؤه في المجلات العلمية المتخصصة حول وجود بشر يعود تاريخهم الى مئات الألوف او ملايين السنين؟ و هل وجدوا قبل ادم عليه السلام ؟ و هل هناك خطر على عقيدة المسلم من هذه الاشياء؟ شكرا و السلام عليكم
أجاب عليه مشكورا فضيلة الدكتور محمد دودح:
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
وبعد: مستعينا بالله العلي القدير أجيب على مقولة التطور ذاتيا بفعل الطبيعة بلا تقدير والعثور على هياكل أشباه الإنسان سائله تعالى التوفيق والسداد: ارتبط موضوع أصل الحياة والإنسان في تاريخ العلوم بالداروينية نسبة إلى دارون في كتابه "أصل الأنواع" الذي صدر في منتصف القرن التاسع عشر وقال فيه بتطور أنواع الأحياء بآليات افترضها مضمونها الصدفة، وخالفته الكشوف العلمية لاحقا، فغير أنصاره الملامح تحت اسم الداروينية الجديدة مع استمرار الحفاظ على مضمون الصدفة، ولكن التدرج والتنويع ليس بالضرورة تطورًا، وكل ميادين العلم ترفض فلسفة الحدوث ذاتيا صدفة مهما كانت كيفية تقدير الخلق كما يكشفها البحث.
وقد أعلن مندل عن اكتشاف قوانين الوراثة عام 1865 فمهد لولادة علم الوراثة Genetics في أوائل القرن العشرين، وقبل نشوء علم الوراثة ومعرفة دور الجينات في الحفاظ على صفات النوع وراثيًا رأى لامارك Lamarck عام 1809 أن أفراد الكائنات الحية تنقل السمات التي اكتسبتها في حياتها إلى الأبناء، فالزرافة مثلا تطورت عن طريق إطالة أعناقها شيئاً فشيئاً عندما كانت تحاول الوصول إلى الأغصان الأعلى، ولم يدرك دارون كذلك آلية الحفاظ على توريث صفات النوع وإن تنوعت الأفراد فافترض تغيره ذاتيا صدفة لأسباب خارجية عزاها إلى الطبيعة، ولكنها لا تمتلك إرادة واعية لتقرر ما ينفع وتنسق العمل بين الأعضاء وبين الذكر والأنثى فلا بد إذن من قوة عليا مدبرة، ومن المسلمات عند العقلاء أن البيت المرتب الأثاث لا يبني نفسه وينظم أثاثه ذاتيا، وأنه لا بد من إرادة واعية بنته ورتبته، ولكن الفلسفة المادية Materialism أفرزت نظرية التطور عام 1859 مخالفة أبسط المسلمات عندما ادعت افترضت الفوضى Chaos صانعة للنظام، وأن الترتيب يمكن أن يوجد ذاتيا صدفة، فجوهرها في تفسير معجزة تنوع الأحياء هو إبداعات الصدفة، ولذا من الأولى كشف القناع بتسميتها "نظرية الصدفة"، ولكن أدى اكتشاف تركيب الحمض النوويDNA البالغ التعقيد ليحافظ على سمات أسلاف كل نوع ويورثها للنسل إلى نقض قواعد نظرية دارون من الأساس، ومع ذلك استمر ترويجها مما يعكس غرضا عقائديا أكثر من كونها اهتمامات علمية بحتة.
وتدّعي الداروينية Darwinism أن الحياة بدأت بخلية تكونت صدفة من مركبات غير عضوية في ظروف أولية للأرض، ولكن لم ينجح أبداً أي شخص في تكوين تركيب خلوي واحد من مواد بسيطة ولا حتى في أكثر المختبرات تطوراً، والخلية أكثر تعقيدا وروعة في أداء وظائف الحياة مما كان يظن دارون في القرن التاسع عشر، فهي تحتوي على محطات لتوليد الطاقة ومصانعَ مدهشة لإنتاج الإنزيمات والهرمونات اللازمة للحياة ونظم نقلٍ وخطوطَ أنابيب معقدة لنقل المواد الخام والمنتجات ومختبرات بارعة ومحطات تكرير تحلل المواد الخام إلى أجزائها الأبسط وبروتينات حراسة متخصصة تغلف أغشية الخلية لمراقبة المواد الداخلة والخارجة وبرنامج بالمعلومات الضرورية لتنسيق الأعمال في وقتها، فهل يُبني هذا كله ذاتيا صدفة!.
وقد رأى البعض بحساب الاحتمالات أنه أيسر لقرد يعبث بمفاتيح آلة كاتبة أن يصنع قصيدة صدفة من صنع بروتين واحد صدفة فما بالك بالنظام والتخطيط والتصميم البديع الذي نراه في كل الكائنات الحية وجميع التكوينات في الكون أجمعه، ووفق الموسوعة العلمية البريطانية فإن اختيار كل الأحماض الأمينية Amino Acids وهي أساس تكوين البروتينات لتكون عسراء الاتجاه صدفة بلا تدخل واع أشبه بقذف عملة معدنية في الهواء مليون مرة والحصول دائماً على نفس الوجه!.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1256330569250px-fred_hoyle.jpg
صورة لعالم الفلك البريطاني السير فرد هويل
ونشأة خلية حية واحدة من ذاتها يعد احتمالا مستحيلا مثل احتمال قيام قرد بكتابة تاريخ البشرية كله على آلة كاتبة بلا أخطاء، ويعني هذا أن خلية حية واحدة تتحدى مقولة الصدفة، وقد بين السير فِرِِد هويل Sir Fred Hoyle في مقالة نشرت عام 1981 أن احتمال ظهور أشكال الحياة صدفة يقارن بفرصة قيام سيل يمر بساحة خردة بتجميع طائرة بوينج 747 صالحة للطيران، والنتيجة التي يقود إليها العلم والمنطق وليس الإيمان فحسب هي أن كل الكائنات الحية قد جاءت بتخطيط واعٍ وقصد أكيد، ومن يظل معتقدا في عصرنا بالفلسفة المادية بعدما دحضها العلم في مجالات علمية شتى عليه ألا يحسب نفسه من المحققين، قال ماكس بلانك: "ينبغي على كل من يدرس العلم بجدية أن يقرأ العبارة الآتية على باب محراب العلم: (تَحلَّى بالإيمان)"، وقال الدكتور مايكل بيهي: "على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشف علم الكيمياء الحيوية.. أسرار الخلية، وقد استلزم ذلك من عشرات الآلاف من الأشخاص تكريس أفضل سنوات حياتهم.. وقد تجسدت نتيجة كل هذه الجهود المتراكمة.. لدراسة الخلية.. في صرخة عالية واضحة حادة تقول: التصميم المبدع! والتصميم الذكي المبدع يؤدي حتماً إلى التسليم بوجود الله".
والتبصر في النباتات والحشرات والطيور والأسماك وحيوانات البر وهي غافلة عنه يعني وجود توجيه وقصد لم تفرضه ضرورة وإنما أملته إرادة عليا تعلم بكل شيء فأعدت للحدث قبل وقوعه، فأقدام البط تمتلك غشاء منذ خروجه من البيض وليس وليد محاولة العوم، والثدي يمتلئ بلبن سميك Colostrum قبيل ولادة الجنين وكأنه على علم مسبق بموعد الولادة، وقد "وصف تشاندرا كراماسنغي الحقيقة بقوله: "تعرض دماغي لعملية غسيل هائلة كي أعتقدَ أن العلوم لا يمكن أن تتوافق مع أي نوع من أنواع الخلق المقصود.. (ولكني الآن) لا أستطيع أن أجد أية حجة عقلانية تستطيع الوقوف أمام وجهة النظر المؤمنة بالله.. الآن ندرك أن الإجابة المنطقية الوحيدة للحياة هي الخلق وليس الخبط العشوائي غير المقصود"، والوظائف المحددة لكل تركيب خلوي وانسجام كل عضو مع مثيله وتناسب كل زوج مع بيئته ونظيره هو عند النابهين مهما كانت الكيفية دليل أكيد على الخلق والتوجيه، وهذا ما يعلنه القرآن الكريم: "سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ. الّذِي خَلَقَ فَسَوّىَ. وَالّذِي قَدّرَ فَهَدَىَ" [الأعلى:1-3].
وقد افترض داروين صراعاً قاسياً من أجل البقاء في الطبيعة تزول معه أشكال ضعيفة لم تتكيف مع بيئتها تتولد ذاتياً دوماً، وتبقى أخرى نجحت الصدفة في إبداعها بطريقة أحكم، وبذلك يكون التطور سلسلة من المنتخبات تميزت فيها الأنواع عبر حلقات وسيطة عديدة، ولذا كان العنوان الكامل لكتابه الأول الذي نشر عام 1859 واشتهر باسم "أصل الأنواع" هو: "أصل الأنواع بواسطة الانتقاء الطبيعي، أو الحفاظ على الأجناس المفضلة في الصراع من أجل الحياة The Origin of Species by Means of Natural Selection or the Preservation of Favored Races in the Struggle for life"، ولكن علم الأحافير قد قدم ضربات أليمة لفرضية دارون فقد استنفذ الجهد ولم يعثر على أي حلقة وسيطة قط، وفعل علم الأحياء نفس الشيء ولم يعثر على كائن واحد قط من أصغر خلية إلى أكبر حيوان غير متكيف مع بيئته تشريحيا ووظيفيا وسلوكيا, وأما ما ينشر من وجود كائنات وسيطة تسبق الإنسان الحالي أو تقدم على أنها حلقات وسيطة بين الإنسان والقرد اعتمادا على وجود فك أو عظمة أو حتى هيكل كامل يماثل الهيكل البشري؛ فهي لا تعدو أن تكون مجرد تخمينات وإن سموه بأسماء مميزة مثل إنسان بلتداون أو إنسان الصين وما شابه, فلم يثبت بشكل يقيني أنها ليست آثار لهياكل قبائل بشرية يمكن الحصول على أمثالها من مقابر القبائل التي مازالت تعيش شبه منعزلة إلى اليوم في مجاهل أفريقيا مثلا.
وفي كتابه الثاني "سلالة الإنسان The Descent of Man" قدم دارون عام 1871 مزاعم حول تطور الإنسان من كائنات شبيهة بالقرود، فبدأ البحث والتنقيب ليس عن متحجرات فحسب بل عن سلالات بشرية حية تمثل الحلقات الوسيطة، فقام أحدهم عام 1904 في الكونغو باصطياد رجل أفريقي متزوج ولديه طفلان، وبعد تقييده بالسلاسل ووضعه في قفص كالحيوان نُقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث تم عرضه على الجمهور في إحدى حدائق الحيوان تصحبه بعض القردة بوصفه أقرب حلقة انتقالية للإنسان الغربي الأبيض، وأخيرا انتحر الرجل المسالم الذي كان يسمى بلغته المحلية أوتا بينجا Ota Benga بمعنى الصديق، وليس من قبيل الصدفة أن يُكتب في بروتوكولات حكماء صهيون العبارة التالية: "لاحظوا هنا أن نجاح دارون Darwin.. قد رتبناه من قبل والأمر غير الأخلاقي لاتجاهات هذه العلوم في الفكر الأممي (غير اليهودي) سيكون واضحاً لنا على التأكيد" (بروتوكولات حكماء صهيون، البروتوكول الثاني) والزعم بصراع حضارات الأجناس البشرية ليس إلا غرضا استعماريا يتخفى بعباءة علمية زائفة ومضمونه تمييز عنصري، وهو جد الزعم بالإنسان الأمثل Superman سليل الإنسان الأبيض أو اليهود الذي يسود وتنقرض بقية الشعوب أو تصبح له عبيد، وما زالت البشرية تدفع ثمنا باهظا نتيجة لهذه الأفكار الزائفة التي جعلت دولا معاصرة تمارس همجية الغاب بادعاءات كاذبة.
قال الدكتور أحمد أبو خطوة: "نحن كمسلمين لا نتفق إجمالا مع نظرية التطور إن لم تُدخل في اعتبارها القدرة والمشيئة الإلهية", واكتفى بعض الفضلاء برفض الصدفة وتوقفوا في إمكان الأطوار المقدرة فوافقوا نظريات حديثة تفسر التطوير إن صح بالتقدير كمقولة التطور الموجه بوعي Rational Directed Evolution وتجنبوا الخوض فيما لم يفصل فيه العلم بعد بدليل، فجاء في فتاوى الأزهر:
"ورد أن اللّه خلق الإنسان نوعا مستقلا لا بطريق النشوء والاشتقاق من نوع آخر، وإن كان كلا الأمرين من الجائز العقلي الذي يدخل تحت قدرة اللّه تعالى..، (و) لا يوجد في النصوص أن الله خلق الإنسان الأول من تراب دفعة واحدة أو بتكوين متمهل على انفراد فسبيل ذلك التوقف وعدم الجزم بأحد الأمرين حتى يقوم الدليل القاطع عليه فنعتقده ما دام الذي فعل ذلك كله هو الله تعالى..، ولا حرج في اعتقادها ما دام الله هو الذي خلقها ووجهها، فهي لا تحقق وجودها من نفسها: "ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ لآ إِلَهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ" [الأنعام:102]، فهو خالق المادة والنواميس" (فتاوى الأزهر ج7ص399.). والله تعالى أعلم.
ترسل تعليقاتكم واستفساراتكم على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
11-12-2013, 07:07 PM
علم الفيزياء.. ينقض نظرية التطور
أورخان محمد علي
كاتب إسلامي عراقي مقيم في إستانبول
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12550293443980035230_035445cba9.jpg
صورة لدارون مؤسس نظرية التطور
هناك قناعة بدأت تنتشر بين أوساط بعض المتعلمين المسلمين، وهي أن نظرية التطور قد دحضت تماما، وأنها لم تعد مشكلة فكرية.
والحقيقة أن هذه القناعة ليست في محلها؛ فما زالت جميع مناهج البيولوجيا في المدارس الثانوية، وجميع مناهج البيولوجيا والجيولوجيا في جميع الكليات في العالم، وفي الدول العربية والإسلامية -عدا استثناءات قليلة جدا- تستند إلى هذه النظرية، وما زالت معظم المجلات والكتب العلمية في الغرب -التي نحن عالة عليها- تقف إلى جانب هذه النظرية.
وأخشى أن يكون الكسل والشلل العلمي عندنا هو مبعث هذه القناعة؛ لأنها تريحنا من بذل أي جهد علمي.. فلماذا نبذل مثل هذا الجهد إن كانت هذه النظرية قد ماتت ودُفنت؟!
ورغم أن هذا لا يعني أن هذه النظرية ليست في عهد التدهور، فإن الحقيقة أن كثيرًا من الحقائق العلمية التي اكتشفها العلم أخيرا تنقضها.. إلا أنه لم تكتب في العالم العربي كتب علمية جيدة في تفنيد هذه النظرية؛ فمعظم الكتب التي تناولت هذه النظرية بالنقد كتب إنشائية وبعيدة عن المنهج العلمي المطلوب؛ لذا فعلينا ألا نستخف بخطر نظرية التطور طالما أننا لم نستطع تفنيدها علميا كما ينبغي، ولم نستطع -حسب علمي- في جميع البلدان العربية وضع مناهج دراسية بديلة في مدارسنا.
مواقف متناقضة من هذه النظرية
للمفكرين والعلماء على مستوى العالم موقفان متضادان من هذه النظرية؛ فالبعض يقبل والبعض يرد، أما الذين يقبلون هذه النظرية فينقسمون لقسمين:
قسم يقبل هذه النظرية على أساس أن الصدف العشوائية نجحت في تكوين الخلية الأولى الحية، ثم بدأت آلية التطور بالعمل، ويندرج معظم علماء التطور والفلاسفة والمفكرين الملحدين في هذا القسم، حيث لا محل هنا للخالق.
أما القسم الآخر -وهم فئة قليلة من علماء التطور والمفكرين والفلاسفة- فيرون أن التطور هو أسلوب الخلق لدى الخالق؛ أي أن الله –تعالى- هو الذي وضع قوانين التطور وآلياته، وهو الذي يوجه هذا التطور في جميع المخلوقات. فكما يوجه تطور الجنين في رحم الأم كذلك يطور مخلوقاته حسب قوانين دقيقة موضوعة من قِبله، ويدعي هؤلاء أن الإيمان بالتطور -على هذا النحو- لا يصادم الإيمان بالله ولا ينفيه، ولكن الأمر الذي ينسونه أن هذه النظرية ليست صحيحة من الناحية العلمية، كما سنبرهن لاحقا.
النقاشات حامية في أمريكا
عُقدت في السنوات العشرة الأخيرة فقط ما يزيد على مائتي مناظرة في الجامعات وفي محطات التلفزيون الأمريكية بين أنصار التطور Evolution وأنصار الخلق Creation ، وسُجلت هذه المناظرات على أشرطة الفيديو كما طُبعت أيضا، وكانت مفاجأة للكثيرين عندما فاز أنصار "الخلق" في جميع هذه المناظرات تقريبا؛ فالأدلة العلمية ضد فرضية التطور كثيرة وعديدة، إلا أن أهم دليل علمي شهروه في وجه التطوريين هو قانون من أهم القوانين الفيزيائية، وهو القانون العام للحركة؛ فكان الفيصل الحاسم في مجرى المناظرات.
علم الفيزياء.. ينقض نظرية التطور
أهم سمة في هذا الكون وفي دنيانا الزاخرة بالحياة هي سمة الحركة والتغير؛ فكل شيء اعتبارا من أجزاء الذرة وانتهاء بالمجرات في حركة دائبة وفي تغير وتفاعل وتبدل مستمرين، وتختلف وجهة نظر فرضية التطور عن وجهة نظر علم الفيزياء في القانون العام لهذه الحركة اختلافا كبيرا، بل هما على طرفي نقيض تماما.
وجهة نظر فرضية التطور
تقول فرضية التطور: إن الكون كان في حالة بدائية -حالة سديم وغازات حسب النظريات القديمة، أو في حالة "حساء كوني" حسب أهم نظرية حديثة، وهي نظرية الانفجار الكبير BIG BANG -، وبعد انفجار كبير حدث في هذا الحساء الكوني (الذي هو خليط من المادة والطاقة) المتركز بشكل كرة صغيرة كثيفة جدا تشكلت أجزاء الذرة أولا، ثم الذرات، ثم الجزيئات، وبمرور الزمن تحولت تلك الوحدات إلى حالة مركبة ومعقدة من جهة وإلى نظام دقيق كل الدقة؛ أي تحول الكون من الفوضى إلى النظام، ومن البساطة إلى تركيب معقد، وذلك بفعل المصادفات العشوائية ضمن بلايين السنين من عمر الكون.
فالتطور من وجهة نظرهم لا يعني تطور الإنسان وجميع المخلوقات الأخرى من كائن ذي خلية واحدة؛ إنما يعني شيئا أشمل من هذا بكثير؛ فهو يعني تطور الكون منذ نشأته وحتى وصوله إلى وضعه المعقد والمنظم جدا، وأن التطور قطع شوطا كبيرا في كوكبنا بنشوء الحياة وظهورها، ثم سارت هذه الحياة في درب التطور حتى ذروته بظهور الإنسان والمخ الإنساني الذي هو في ذروة التطور والتعقيد.
أي نستطيع التعبير عن هذه النظرة بالشكل البياني الآتي :
ولكن لعلم الفيزياء نظرة أخرى معاكسة تماما لهذه النظرة: http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1255029391pic4.gif
فالقانون الأول والثاني للديناميكا الحرارية -التي تعد أشمل قانون في الكون، إذ لم يعد هناك شيء خارج نطاقها- ينصان على أنه "لا يمكن خلق ولا إفناء المادة أو الطاقة، ولكن يمكن تحويلهما من شكل إلى آخر"، كما أنه "لا توجد هناك عمليات تحول في الطاقة دون أن يتحول جزء من الطاقة إلى شكل لا يمكن الاستفادة منه"، أي لا بد من ضياع جزء من هذه الطاقة.
ويقول العالم الفيزيائي الأمريكي ( ف. بوش) في كتابه (أساسيات الفيزياء):
علق بعضهم ذات مرة على الكون، فقال: الأحوال تسير من حسن إلى سيئ ثم إلى الأسوأ. وهذا يلخص القانون الثاني للديناميكا الحرارية بشكل فج جدا، وكما رأينا فإن القانون الأول هو صيغة لبقاء الطاقة، ولكنه لا يذكر أي شيء عن طريقة سير الحوادث في الكون؛ فللطبيعة اتجاه مفضل لسير الأحداث التلقائية ويحدد هذا الاتجاه بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية.
إن الأحداث التلقائية تسير في اتجاه واحد ولا يمكن عكسها؛ فان فتحت مثلا زجاجة عطر في غرفة انتشرت جزيئات المادة العطرة في جو الغرفة، ولكن لا يمكن توقع رجوع هذه الجزيئات ودخولها جميعا إلى الزجاجة مرة ثانية تلقائيا، كما أن الشمس والنجوم الأخرى تحترق وتبعث بكميات هائلة من الطاقة الحرارية والإشعاعية والضوئية إلى أغوار الكون، ولكن لا يمكن توقع رجوع هذه الطاقات الهائلة إلى الشمس وإلى النجوم الأخرى بحركة تلقائية، وهكذا فكل شيء يسير في اتجاه واحد نحو البلى والتحلل والفساد.
ونستطيع التعبير عن هذه النظرة بالشكل البياني الآتي : http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1255029483pic4a.gif
ولكي يستطيع العلماء شرح مفهوم النظام أو الفوضى في الكون أو في أي منظومة (system ) استعانوا بمصطلح الإنتروبيا Entropy ؛ فالإنتروبيا تشير إلى مقدار الفوضى، أي إلى مقدار الطاقة التي لا يمكن الاستفادة منها. لذا يعرّف القانون الثاني للديناميكا الحرارية بأنه "قانون زيادة الإنتروبيا"؛ حيث يؤكد هذا القانون على أن جميع التغيرات والتبدلات الحادثة والجارية في الكون تسير نحو زيادة "الإنتروبيا".. أي نحو زيادة الفوضى ونحو زيادة التحلل والتفكك.. أي أن الكون يسير نحو الموت، والفيزيائيون يقولون: "إن الكون يسير نحو الموت الحراري". ذلك لأن انتقال الحرارة من الأجسام الحارة (من النجوم) إلى الأجسام الباردة (الكواكب والغبار الكوني مثلا) سيتوقف يوما ما عندما تتساوى حرارة جميع الأجرام والأجسام في الكون.. في هذه الحالة يتوقف انتقال الحرارة بين الأجسام؛ أي تتوقف الفعاليات بأجمعها.. وهذا معناه موت الكون.
إذن فهناك تناقض تام بين النظرتين: تقول فرضية التطور بأن التغيرات والتبدلات الحاصلة في الكون تؤدي إلى زيادة التعقيد وإلى زيادة النظام، أي هناك تطور متصاعد إلى أعلى وبوتائر مستمرة. أما علم الفيزياء فيقول بأن جميع التغيرات والتبدلات الجارية في الكون تؤدي إلى زيادة "الإنتروبيا"؛ أي إلى زيادة الفوضى والتحلل والتفكك.. أي يسير إلى الموت، وأنه لا توجد أي عملية تلقائية تؤدي إلى زيادة النظام وإلى زيادة التعقيد والتركيب.
ويتبين من هذا أن الزمن عامل هدم وليس عامل بناء، مع أن جميع التطوريين يلجئون إلى الزمن لتفسير جميع الاعتراضات والمصاعب التي تواجه فرضية التطور، فعندما تستبعد قيام المصادفات العمياء بإنتاج كل هذا النظام والتعقيد والجمال الذي يحفل به الكون يقولون لك: "ولكن هذا الأمر لم يحصل خلال مليون سنة، بل خلال مئات بل آلاف الملايين من السنوات.." كأنهم عندما يذكرون شريطا طويلا من الزمن يحسبون أنهم يحلون بذلك جميع المصاعب ويقدمون حلا لجميع المعجزات التي يحفل بها الكون.
إذن ففرضية التطور تصادم العلم في صميمه؛ إذ لا يمكن حدوث أي تطور نحو الأفضل تلقائيا في عالم يسير في جميع فعالياته وحركاته وتبدلاته نحو التفكك والانحلال؛ إذن فالتطور مستحيل من الناحية العلمية.. {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء: 18).
القلب الحزين
11-12-2013, 07:09 PM
شبهة غروب الشمس في عين حمئة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12545197642743061106_76d9d49.jpgإعداد د. عبد الرحيم الشريف
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم
ورد إلى موقع موسوعة الإعجاز العلمي السؤال التالي:
" - مغيب الشمس في بئر: جاء في سورة الكهف 83-86 " وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً ". ونحن نسأل: إذا كانت الشمس أكبر من الأرض مليوناً وثلاثين ألف مرة، فكيف تغرب في بئر رآها ذو القرنين ورأى ماءها وطينها ورأى الناس الذين عندها ؟؟ ".
جواب السؤال:
1. القرآن الكريم لم يقل إن الشمس تطلع من عين حمئة، بل نقل وَصْفَ ذي القرنين لمشهد شروق الشمس. ولهذا قال: (وَجَدَهَا) ولم يُثبِت ذلك على أنه حقيقة كونية. وفي هذا يقول مصطفى صادق الرافعي: " فلفظة (وَجَدَهَا) هنا سر الإعجاز فإن الآية لا تقرر حقيقة مغرب الشمس حتى يقال إنها خالفت العلم.. وإنما تصف الآية حالة قائمة بشخص معين.. كما يقول القائل: " نظرت إلى السماء فوجدت الكواكب كل نجم كالشرارة ". فهذا صحيح في وجدانه هو لا في الحقيقة، ولو كان القرآن كلام إنسان في ذلك الزمن، لجعلها حقيقة مقررة مفروغاً منها، ولقال: كانت الشمس تغرب.. الخ ".[1]
فلا يجوز نسبة قول ذي القرنين وتعبيره البلاغي، إلى ما يرشد إليه القرآن الكريم من حقائق العقائد، والشواهد الكونية.
فالآية ليست مطلقة المعنى، بل مقيدة بشخص ذي القرنين. وما قال ذو القرنين ليس فيه ما يخالف العقل، لأنك إذا كنت متجهاً غرباً وأمامك جبل، فإنك سوف تجد الشمس تغرب خلف الجبل.. قطعاً لا يفهم أحد من ذلك أن الشمس تختبئ حقيقة خلف الجبل. وإن كان الذي أمامك بحيرة، فستجد الشمس تغرب في البحيرة.
ذو القرنين وصل إلى العين وقت غروب الشمس، فوجدها تغرب في تلك العين.. وعندما نقول: وجدها تغرب خلف الجبل أو وجدها تغرب في العين، فذلك الأمر بنسبة له. كما سبق بيانُه، فإن ما رآه ذو القرنين لم يكن غروباً حقيقياً في العين الحمئة، ودليل ذلك أيضاً: أن سياق القصة ـ عقلاً ـ، ينفي إيمانه أن الشمس تغرب في عين حمئة لسببين:
الأول: ذو القرنين كان يتحدث مع السكان الموجودين قرب تلك العين الحمئة، فلو كان يقصد أن الشمس تدخل في العين حقيقة، فهل سيتكلم مع قوم حول الشمس الساخنة، ويعيشون حياة طبيعية ؟ الثاني: لما وصل ذو القرنين إلى مطلع الشمس، يفترض به ـ بحسب تلك الشبهة ـ أن يجد الشمس تطلع من عين حمئة بدلاً من أن يجدها تطلع على قوم.
فلماذا قال: إنها طلعت على قوم، ولم يقل أشرقت من عين حمئة ؟
2. قال تعالى ـ بعد تلك الآية الكريمة ـ : (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90). ذو القرنين وجدها تطلع على قوم.. هل يفهم أحد من ذلك أنها تطلع على ظهورهم ؟!
أو أنها ملامسة للقوم؛ لأن الله تعالى يقول: (وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْم)؟ الواضح أنها بالنسبة لذي القرنين كانت تطلُعُ على أولئك القوم ـ هذه الآية أيضاً مقيدة بما رأى ذو القرنين ـ، وما ينطبق على هذه الآية، ينطبق على التي قبلها.
3. " مغرب الشمس " هل هو ظرف زمان، أم ظرف مكان ؟ من الجائز أن: (مَغْرِبَ الشَّمْسِ) هنا يقصد بها: الوقت واللحظة التي تغرب فيها الشمس، كالمغرب المذكور في الحديث الشريف: " إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلَا مِنْ الْأُمَمِ، مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ.. ". [2] فيكون المعنى: ذو القرنين وصل إلى العين الحمئة، وقت الغروب. فتراءى له أن الشمس تغرب في تلك العين.. ثم وصل إلى قوم آخرين وقت شروقها. 4. لم يزعم أحد أن الشمس حين تغرب تدخل داخل بئر، ولو فهم العربُ ذلك من القرآن الكريم لأنكروه.
5. غروب الشمس لا يعني دخولها في الأرض ـ حتى في تعبيرنا الحالي ـ. وفي لغة العرب: غربت الشمس، وغربت القافلة، وغربت السفينة تأتي بمعنى واحد، وهو: اتجهت غرباً. فعندما نقول: غرب طير في البحيرة، وغربت الطائرة في المحيط، وغربت السفينة في البحر، وغربت الشمس في البحيرة.. يعني اتجهت غرباً ـ بالنسبة للشخص الذي ينظر إليها ـ. ولا يعني أنها دخلت في البحيرة. [3] وهذا ما يصرح به علماء النصارى أنفسهم، فقد قال القس منسي يوحنا معقباً على وقف الشمس ليشوع (كما ورد في يشوع 10/12-13): [4] " الكلام بحسب مقتضى الظاهر، والفلكيون المحدثون القائلون بدوران الأرض يقولون: " أشرقت الشمس وغربت "؛ لأن في ذلك اختصاراً وبياناً للناظرين، وإلا لاضطررنا أن نقول [معبرين عن غروب الشمس]: دارت الأرض حتى بعُد مكاننا عن الشمس، فحُجبت عنا الشمس لكروية الأرض ". [5]
للتواصل: د. عبد الرحيم الشريف
[email protected]
الهوامش _________________________
[1] رسائل الرافعي، محمود أبو رية، ص262. [2] رواه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل (3459) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعاً. وذُكِر مثله في الحديث الطويل لتميم الداري مع الجساسة الذي رواه مسلم في الفتن.. باب قصة الجساسة (2942) حيث وردت عبارة: " فَلِعِبَ بِهِمُ المَوْجُ شَهْرَاً فِيْ البَحْرِ، ثُمَّ أرْفِئوا إِلى جَزِيْرَةٍ فِيْ البَحْرِ، حَتَّى مَغْرِبَ الشَّمْسِ.. ". وورد في لسان العرب لابن منظور 1/638 (غرب): " ولقيته مغرب الشمس ومغيربانها ومغيرباناتها أي: عند غروبها.. والمغرب في الأصل: موضع الغروب، ثم استعمل في المصدر والزمان ". [3] وتأمل الكلام العلمي للفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب21/142: " ثبتَ بالدليل أن الأرض كرة، وأن السماء محيطة بها، ولا شك أن الشمس في الفلك.. ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود. وأيضاً الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة، فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض ؟ إذا ثبت هذا فنقول: تأويل قوله: (تَغْرُبُ فِيْ عَيْنٍ حَمِئَةٍ) من وجوه.. أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات، وجد الشمس كأنها تغرب في عينٍ وهدةٍ مظلمةٍ ـ وإن لم تكن كذلك في الحقيقة ـ كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط، وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر.. قال أهل الأخبار: إن الشمس تغيب في عين كثيرة الماء والحمأة، وهذا في غاية البعد، وذلك لأنا إذا رصدنا كسوفاً قمرياً فإذا اعتبرناه ورأينا أن المغربيين قالوا: "حصل هذا الكسوف في أول الليل"، ورأينا المشرقيين قالوا: "حصل في أول النهار"، فعلمنا أن أول الليل عند أهل المغرب هو أول النهار الثاني عند أهل المشرق، بل ذلك الوقت الذي هو أول الليل عندنا فهو وقت العصر في بلد، ووقت الظهر في بلد آخر، ووقت الضحوة في بلد ثالث، ووقت طلوع الشمس في بلد رابع، ونصف الليل في بلد خامس. وإذا كانت هذه الأحوال معلومة بعد الاستقراء والاعتبار، وعلمنا أن الشمس طالعة ظاهرة في كل هذه الأوقات كان الذي يقال: إنها تغيب في الطين والحمأة كلاماً على خلاف اليقين، وكلام الله تعالى مبرَّأ عن هذه التهمة ". [4] هذا هو النص كاملاً: " (12) حينئذ كلم يشوع الرب يوم أسلم الرب الأموريين أمام بني إسرائيل وقال أمام عيون إسرائيل يا شمس دومي على جبعون ويا قمر على وادي أيلون (13) فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه أليس هذا مكتوباً في سفر ياشر فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل ". [5] حل مشاكل الكتاب المقدس، القس منسي يوحنا، ص52.
ملاحظة: سبقت الإجابة باختصار عن هذا السؤال في موقع موسوعة الإعجاز العلمي، تحت عنوان: " شبهة زعم وجود أخطاء جغرافية في القرآن الكريم "، على هذا الرابط
http://quran-m.com/firas/arabic/?page=show_det&id=1356&select_page=23 (http://quran-m.com/firas/arabic/?page=show_det&id=1356&select_page=23)
وانظر البحث الجميل المنشور في الموقع ذاته لفضيلة الدكتور إبراهيم عوض بعنوان: " حتى إذا بلغ مغربَ الشمس وجدها تغرب في عينٍ حَمِئَةٍ ".
على الرابط: http://www.quran-m.com/firas/arabic/?page=show_det&id=973&select_page=9 (unsaved:///%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A 8%D8%B7:%20http:/www.quran-m.com/firas/arabic/?page=show_det&id=973&select_page=9)
القلب الحزين
11-12-2013, 07:10 PM
الرد على شبهة: وجعل القمر فيهن نوراً
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1252322414280px-full_moon_luc_viatour.jpgبقلم: د. عبدالرحيم الشريف
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم
أولاً: عرض الشبهة:
القمر نور للسماوات السبع : " أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا " - نوح : ( 71 : 15-16)
فهل حقاً ينير القمر السماوات السبع الطباق !!
و هل يضيء القمر المجرة و الكون المعتم بنوره ؟؟؟
و ماذا عن الشمس المعطوفة عليه ؟؟؟ هل هي أيضاً تنير الطبقات السبع ؟؟
ثانياً: سياق الآيات الكريمة:
الآيات الكريمة هي من خطاب سيدنا نوح عليه السلام إلى قومه..
حيث قال كما ورد في سورة نوح: " أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) ".
ومن ثم فهي ليست من الحقائق التي بينها القرآن الكريم، وإنما ذكرها على سبيل الحكاية.
ولكن هذه الحكاية حق، ولا تتصادم مع الحقائق المنطقية والعلم الصحيح كما سيتبين.
ثالثاً: معنى الآية من حيث اللغة يخالف الفهم الذي فهمه مثير الشبهة:
يبدو أن مثير الشبهة أمي يجهل معاني اللغة العربية، أو في أحسن الأحوال هو أعجمي.. لكنه لا يعذر بجهله للغة ينتقد كتاباً هو أساسها وعمودها.
وإنما العلم بالتعلم، فلو أن مثير الشبهة رجع إلى كتب اللغة والمعاجم وتفسير القرآن لعرف الجواب الصحيح، ولم يوقِع نفسه في هذا الخلط.
ذكر الكل وإرادة الجزء هو من البلاغة المعروفة في اللغة العربية وهو من باب المجاز المرسل، مثل قولك: سكنتُ مدينة دمشق، وأنت لم تسكن إلا جزءاً يسيراً منها لا يقارَن مع حجمها.
قال البغوي في تفسيره نقلاً عن الحسن البصري: " " جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا " يعني: في السماء الدنيا كما يقال: أتيت بني تميم، وإنما أتى بعضهم ". [1]
وقال الآلوسي: " منور الوجه الأرض في ظلمة الليل وجعله فيهن مع أنه في إحداهن وهي السماء الدنيا كما يقال زيد في بغداد وهو في بقعة منها ". [2]
وذكر الرازي هذا التساؤل في تفسيره فقال: " كيف قال : " وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً " والقمر ليس فيها بأسرها بل في السماء الدنيا؟ والجواب : هذا كما يقال السلطان في العراق ليس المراد أن ذاته حاصلة في جميع أحياز العراق بل إن ذاته في حيز من جملة أحياز العراق فكذا ههنا ". [3]
- كما أن اللغة العربية تعرف ما يسمى (تناوب معاني حروف الجر)، فـ (في) قد تأتي بمعنى (مع).
" قال قطرب : فيهنّ بمعنى معهنّ ، أي : خلق القمر والشمس مع خلق السموات والأرض ، كما في قول امرىء القيس :
وهل ينعمن من كان آخر عهده ... ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال ". [4]
- والطاهر بن عاشور المفسر اللغوي المعروف يرى لـ (في) معنى آخر تقبله اللغة العربية فيقول: " اعتبار القمر من السماوات ـ أي الكواكب على الاصطلاح القديم المبني على المشاهدة ـ لأن ظرفية ( في ) تكون لوقوع المحوي في حاويه مثل الوعاء ، وتكون لوقوع الشيء بين جماعته ، كما في حديث الشفاعة " وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها " ، وقول النميري :
تَضوَّعَ مسكاً بطن نَعْمَانَ أنْ مشتْ
به زينب في نِسْوَةٍ خَفِرَاتِ
و (القمر) كائن في السماء المماسة للأرض وهي المسماة بالسماء الدنيا ، والله أعلم بأبعادها ".
* هذا بالنسبة لمعنى (في) أما المعنى الذي يفيده (نوراً) فنقول:
" نوراً " : في الآية جاءت نكرة بدليل حذف لام التعريف ودليل التنوين آخرها.
وتنكير (نوراً) يفيد أن القمر نور من جملة أنوار كثيرة في السماوت (الكون) وليس هو النور الوحيد.
مثال:
- قلم: نكرة.
- القلم: معرفة.
فلو قلت:
- " دخلت الغرفة فوجدت قلماً ثم كتبت بقلمٍ ثم أعطيتك قلماً ". لكان المعنى المتبادر إلى الذهن ثلاثة أقلام مختلفة.
ولو قلت:
- " دخلت الغرفة فوجدت القلم ثم كتبت بالقلم ثم أعطيتك القلم ". لكان المعنى المتبادر إلى الذهن وجود قلم واحد معهود في ذهنك.
وهكذا نفهم الآية الكريمة:
القمر: نور للسماوات والأرض، والشعرى: نور للسماوات والأرض، وسهيل: نور للسماوات والأرض، والزهرة: نور للسماوات والأرض..
وليس أي واحد منها هو النور الوحيد أو الأعظم للسماوات والأرض.
رابعاً: الإجابة العلمية: هل يموت الضوء ؟
إذا أصدرتَ شعاع ضوءٍ من مصدر إضاءة فهل سيتلاشى الضوء أم يبقى؟
لو انعكس ضوء ذلك الشعاع عن مرآة، فهل سيتلاشى ذلك الضوء أم يبقى إلى مالانهاية؟
هناك خلاف بين علماء الفيزياء في ذلك.. وأكثرهم يقولون إن الضوء لا يموت ولكنه يتشتت بسبب العوالق الموجودة في الهواء، أما في الفضاء فهم مختلفون فيه أيضاً ومرد خلافهم هو عدم حسمهم لحد الكون: هل الكون مفتوح أم مغلق، وهل الثقب الأسود هو الذي يمتص الضوء فقط أم غيره؟
ونحن في الإسلام عندنا أن الكون محدود، لأنه مخلوق مربوب.. والذي لاحدَّ له هو وحده الله سبحانه وتعالى.
وعلى كل حال، لو كنت سائرا في الليل تحت ضوء النجوم، فكل نجم من النجوم وكل كوكب من الكواكب (مهم صغر حجم إضاءته أو انعكاس الضوء عنه) فهو يسهم في النور الذي يهديك الطريق ليلاً..
وحال انعكاس الضوء عن القمر كذلك بالنسبة لنا، فهو يسهم في إنارة السماء الدنيا التي هي جزء من السماوات السبع (كما قال العلماء).
والله أعلم.
للمناقشة: د. عبدالرحيم الشريف
[email protected]
القلب الحزين
11-12-2013, 07:12 PM
الله الواجد... حقيقة عقلية علمية شرعية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12497690562049477631_c9dad99e27.jpg
بقلم الأستاذ الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى
أستاذ النبات وعلومه في جامعة عين شمس سابقا
ومدير مركز ابن النفيس حاليا في البحرين
أرسلت إلي ابنتي الحبيبة هبة رسالة تقول فيها أنها دخلت أحد المواقع فقرأت لشخص يحاول إثبات عدم وجود الله، وطلبت إلي أن أرد على مثل هؤلاء الذين يشككون الشباب المسلم في دينهم و في حقيقة وجود الله سبحانه وتعالى. ويقول هذا الملحد أن نشر التفكير العقلاني هو هدفه الوحيد من وراء كل ما يفعله، من هنا أمسكت بقلمي لأرد هذه الفرية الكبرى بطريقة عقلية علمية شرعية ، وخاصة أنه استغرب كيف يؤمن المسلمون أن محمدا أنزل عليه ملك له جناح. نبدأ بالأدلة العقلية الدالة على وجود الله سبحانه وتعالى وأن للكون خالق مبدعا مدبرا عليما خبيراً.
عقليا الفعل يدل على الفاعل، فنحن نعلم أن هناك قدماء المصريين من آثارهم الموجودة في أماكن وجودهم فلا يعقل أن هذه الأهرامات الضخمة وهذه التماثيل العجيبة قد وجدت من دون موجد، فنحن لم نر قدماء المصريين ولكننا نستدل على وجودهم من آثارهم الباقية والماثلة بين أيدينا. وعندما ندرس آثارهم ونجد الإحكام والإتقان نتأكد أن هؤلاء القوم كان عندهم علم واستطاعوا إتقان آثارهم بهذا العلم، وكان لهم عقل، وعندهم علماء وأدوات وتقنية لإنشاء هذه الحضارة العظيمة. وهذا ما لخصه الأعرابي البسيط بقوله: (البعرة تدل على البعير، والقدم يدل على المسير، أسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، أما تدل على اللطيف الخبير).
وعندما ننظر للمخلوقات النباتية والحيوانية والكائنات الحية الدقيقة نتأكد أن هناك موجد أوجد هذه الكائنات , فلا يعقل أنها أوجدت نفسها بنفسها، فصاحب الموقع أتى إلى الوجود من تزاوج والدين، وحمل أمه، وولادته، ورعايته، ولم نر أحدا من البشر أوجد نفسه بنفسه، وإذا كان الإنسان صاحب العقل قادرا على إيجاد نفسه فمن أوجد النملة والفأر والقط والعصفور والدب وهذه الحيوانات غير العاقلة.
العقل يقول الموجود يدل على الموجد، فالسكن الذي يقطن فيه الملحد وجد بفعل فاعل، ولم نسمع أن عمارة أو شقة بنت نفسها بنفسها. وعندما ندرس خصائص الكائنات الحية كما درسنا خصائص الحضارة المصرية نجد الإحكام في الخلق فالأسنان وجدت لقضم وتقطيع وطحن الطعام، واللسان وجد لتحريك الطعام، واللعاب يبلل ويحلل الطعام، والمعدة وجدت لخزن الطعام وتحليله، والأحماض المعدية تقوم بذلك، وهناك الإنزيمات المتوافقة مع نوع الطعام، والغدد والأنسجة والخلايا المنتجة للإنزيم المتوافق مع نوع وتركيب الطعام، وعندما يختل إنتاج الإنزيم يختل أيض (هدم وبناء) الطعام، وإذا أردت أن تعرف الدقة والتدبير والإحكام في الخلق انظر إلى مريض السكر كيف يعاني من الخلل في إنتاج الإنسولين، هذا التدبير عقلا خلقه مدبر حكيم عليم خبير يعلم تركيب الطعام وتركيب الإنزيم وفعله وأهمية وجود التخصص الإنزيمي المفصل على نوع تركيب الطعام، وإذا تتبعنا هضم لقمة من الطعام المكون من الكربوهيدرات والدهون والبروتين والماء والفيتامين من وقت تناول الطعام إلى وقت خروجه لعلمنا أن خلف هذه العمليات الحيوية الدقيقة والمحكمة والمقدرة عليما خبيرا لطيفا، أنظر فقط إلى العضلات المحيطة بشرج الإنسان وكيف تعمل وتغلق وتفتح بإتقان، وأنظر إلى إنسان وقد فقدت تلك العضلات عملها واختل تركيبها وفعلها، وانظر إلى الفضلات تخرج منه من دون ضابط أو رابط، هذا كله يدل على وجود خالق عليم خبير لطيف بمخلوقاته.
http://www.quran-m.com/firas/photo/4470122.jpg الشكل يوضح كيفية تركيب الحامض النووي في داخل الخلية الحية
أما بخصوص الأدلة العلمية فعليك النظر إلى الدقة والترتيب في جزيئات الحامض النووي (DNA) وكيف حملت تلك المركبات الكيميائية الصفات الوراثية، وأنظر إلى الجينوم ( الخارطة الوراثية ) الخاص بكل كائن حي لترى بديع الصنع فيها، هل يعقل أن توجد صنعة بلا صانع وعلم من دون عليم وتدبير من دون مدبر؟
أنظر إلى الزهرة وتركيبها المعجز والبديع والمتقن، سبلات خارجية للحماية، وبتلات جميلة لجذب الحشرات ولمنفعة المخلوقات، وكرابل (ورقات تكاثرية) كونت المبيض الزهري العجيب والمهيأ لاستقبال حبوب اللقاح والتلقيح والإخصاب، والعجيب والمعجز أن آلاف حبوب اللقاح تسقط على ميسم الزهرة ولا ينجح في تخصيبها إلا حبة اللقاح الخاصة بنوعها، فحبوب لقاح المشمش لا تلقح بويضات نبات الخوخ رغم أنهما من عائلة نباتية واحدة والتشابه بينهما كبير، أنظر إلى البرتقال واليوسفي والترنج (جريب فروت) والليمون رغم التشابه الكبير بينهما فإن حبوب لقاح الليمون لا تخصب بويضات نبات البرتقال، هذا يتم منذ ملايين السنين فمن دبر هذا؟ ومن أحكم هذا؟ ومن خلق هذا؟ هل الطبيعة الصماء والعوامل البيئية الميتة الخرساء قادرة على فعل هذا الإحكام. أين العقل في إنكار كل هذا ؟! وأين احترام الإنسان لعقله وعلمه ؟! هل يعقل أن يوجد عاقل ينكر ذلك؟ الشاعر يقول: تأمل في رياض الأرض وأنظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصـــــــات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريــــك وأن محمد خير البرايـــــــــــــا إلى الثقلين أرسله المليك
أين العقل والعلم في من ينكر كل هذه الحقائق الكونية العلمية؟
أنظر إلى تركيب البلاستديات الخضراء المعجز وكيف تقتنص الطاقة الضوئية وتحولها إلى طاقة كيميائية، وكيف تحول ثاني أكسيد الكربون والماء والضوء إلى سكريات وإلى رحيق حلو الطعم وعسل وشهد. هذه العمليات العلمية الحيوية المعقدة والمعجزة لابد أن يكون خلفها عليم حكيم خبير لطيف فأين عقل الملحدين وعلم الكافرين؟
يتبــــــــــــــــــع
القلب الحزين
11-12-2013, 07:13 PM
يتبــــع الموضوع السابق
الله الواجد... حقيقة عقلية علمية شرعية
أصحاب الدعوات إلى العقلانية فقدوا أبسط العقلانية.
إذا كان هدفك الوحيد نشر التفكير العقلاني فهناك آلاف الأدلة العقلية والعلمية تدلك دلالة قاطعة على وجود الله سبحانه وتعالى الخالق المبدع العليم اللطيف الخبير القادر. هل هذه المجرات في السماوات وجدت من دون موجد؟ هل سمعت عن فأر تولد من حجر؟ هل سمعت عن طفل تكون من الهواء؟ هل سمعت عن مصنع بشري يحول ثاني أكسيد الكربون والماء والضوء إلى سكر كما يفعل النبات الأخضر في الصحراء؟
هناك آلاف الأدلة العقلية والعلمية الدالة على تعطيلك للعقل، وافتقارك للعلم فعجبا لمن يحاول ويدعي نشر العقلانية وهو يفتقد إلى أبسط دعائم العقلانية.
أما بالنسبة للأدلة الشرعية ففي القرآن الكريم آلاف الأدلة العلمية والعقلية الدالة على أنه منزل من عليم خبير لطيف. أنظر إلى قول الله تعالى:( وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ{5} ) (الحج/5) وقوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{39}) (فصلت/39).
آيتان مختلفتان تتفقان في الحقائق العلمية أن الماء إذا نزل على الأرض الهامدة أو الخاشعة (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ). أنظر إلى ترتيب كلمتي (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) هذه حقيقة علمية ولو قال القرآن (ربت واهتزت) لاختلت الحقيقة العلمية في الآية القرآنية، فالاهتزاز بعد نزول الماء يحدث أولا ثم يليه الربو, إذاً ترتيب الكلمات يدل دلالة علمية قاطعة أن هذا القرآن معجز وليس من عند البشر والله يتحدى به البشر. فالماء يؤدي إلى اهتزاز الأرض بالتأين لجزيئاتها وتشرب الماء بالمواد العضوية فيها وتحرك الكائنات الحية (بكتيري، فطريات، طحالب، أكتينوميسيتات، طلائعيات ، رخويات، حشرات، برمائيات) (في بياتها الصيفي الصحراوي) وغيرها، عندما ينزل عليها الماء تتحرك وتخرج من مكامنها كما قال تعالى في آية أخرى: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ) (الأنعام/99)، فكل شيء قابل للخروج والإنبات يخرج بنزول الماء ولذلك تهتز الأرض. وبعد الخروج يحدث النمو والزيادة في العدد والحجم والكتلة أي أن الأرض (تربو) كما قال تعالى: (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/8/DSCN0989.jpg
صورة لبذرة تقوم بعملية الإنبات تأمل قدرة ا لله
فهل يعقل أن محمدا العربي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم قادر على وصف ذلك بتلك الدقة العلمية في ترتيب الكلمات والعمليات؟ وهناك آية تقول: (الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ{80}) (يس/80)، فالربط بين الشجر والاخضرار والنار معجزة علمية، فالشجر بما فيه من يخضور (كلوروفيل) في البلاستيدات الخضراء يثبت طاقة الشمس الضوئية والحرارية ليعطي بعد ذلك السكر والزيت والخشب والفحم والبترول الذي يأتينا بالنار والطاقة الحرارية في الكائنات الحية. وهناك آيات مراحل خلق الجنين من أمشاج (مذكرة ومؤنثة) فنطفة (بويضة مخصبة)، فعلقة (البويضة المخصبة عندما تعلق بجدار الرحم)، ثم المضغة (المرحلة التوتية) ثم العظام (الحبل الظهري) وهكذا يصف الله سبحانه وتعالى في كتابه المعجز مراحل نمو وتخليق الجنين في وصف علمي دقيق معجز، قال تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{14}) (المؤمنون/14) .
نحن نؤمن إيمانا عقليا علميا شرعيا بأن القرآن من عند الله.
ونحن نتحدى كل الملحدين أن يأتوا بما أتى به القرآن من إشارات علمية عقلية، وقد فصلنا الأدلة العلمية الدالة على إعجاز القرآن الكريم من مجال تخصصنا الدقيق في كتبنا: إعجاز النبات في القرآن الكريم (1986م) ، وآيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات (1996م)، ومعجزات حيوية علمية ميسرة (2009م)، وآيات معجزات من الشكل الظاهري للنبات (تحت الطبع)، وعبودية النبات لرب الكائنات (تحت الطبع) وأنا أدعو كل ملحد وكل علماني (بفتح العين) إلى أن يقرأ تلك الكتب وهي منشورة على موقعنا www.nazme.net (http://www.nazme.net/) ويعلقوا عليها، ويردوا عليها علميا. وعلى شبابنا أن يقرأ أولا في الدين والتفسير والحديث النبوي الشريف الصحيح ثم بعد ذلك يقرأ للملاحدة بعدما تسلح بالعلم ولحظتها سيضحك استهزاءا من كل الأطروحات الإلحادية المنكرة لوجود العليم الخبير اللطيف سبحانه وتعالى خالق الخلق ومنزل الفرقان على سيد الخلق. لقد انبهر الشباب العربي في ستينيات القرن الميلادي الماضي بسارتر، وفرويد ودارون، وماركس ، ومالتوس، واليوم هذا الجيل هو الذي يقود الحملة ضد الإلحاد والعَلمانية (بفتح العين) والسارترية، والفرويدية والداروينية والشيوعية والإلحاد فالإسلام يتحدى، والمستقبل للإسلام دين العلم والعقل والوحي والحق والإيمان الصادق البعيد عن خرافات الديانات الوضعية والشرائع المحرفة والنظريات الفلسفية، إنه المعجزة العلمية التي ارتضاها الخالق سبحانه وتعالى معجزة دائمة للبشرية، وحفظها، وهيأ لها من يحفظها من المؤمنين ويؤمن بها من غير المسلمين والمستقبل للدين الإسلامي بإذن الله ولو كره الملحدون.
أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى
www.nazme.net (http://www.nazme.net/)
القلب الحزين
11-12-2013, 07:15 PM
بولس الرسول
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1249055269stpaul.jpg
تمثال بولس الرسول في الفاتيكان
فى 29 يونيو 2009 إنتهى العام الذى كان البابا بنديكت 16 قد خصّه، لأول مرة فى التاريخ، إحتفالا بمرور الفى عام على ميلاد بولس الرسول – وفقا لما حدده المؤرخون بأنه قد وُلد فيما بين عام7 و 10 م. وكان البابا قد أعلن أنه على الرغم من تحديد مكان مقبرة بولس خارج الأسوار وحىّ النافورات الثلاث، فى روما، للإحتفال بهذا العيد الذى إمتد لمدة عام، إلا أنه قد أوضح أن كل الكنائس ستشترك فيه، إبتداء من طرسوس حيث وُلد بولس، والأماكن الأخرى التى تمثل أولى رحلاته للتبشير فى تركيا وكذلك فى الأراضى المقدسة ومالطة حيث بشّر، موضحا: " فى الواقع الإحتفال ببولس لا يمكن إلا أن يكون إحتفالا عالميا لأن بولس قد ذهب أبعد من غيره من الرسل فى عمليات التبشير، خاصة أن عالم اليوم لا يزال به العديد من البشر الذين لم ينضموا بعد إلى ربنا يسوع، وهذا الإحتفال يدعو كافة المسيحيين للتبشير بالإنجيل.. وإضافة إلى عملية التبشير هذه لا بد وأن نربط معها فكرة توحيد الكنائس لأن بولس وبطرس، تلك "الصخرة" التى أقام عليها يسوع كنيسته يكمّل أحدهما الآخر لتكوين شعب الله الوحيد، والمسيحيون لا يمكنهم التعبير عن المسيح ما لم يكونوا متحدين" .. وهو ما يفسر وجود برطلوميوس الأول بطريارك القسطنطينية الأورثوذكسى برفقته فى هذه الإحتفالية كتمهيد لعملية توحيد الكنائس التى يسعى إليها البابا جاهداُ. ولا غرابة فى فكرة توحيد الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما التى يتمسك بتنفيذها، فذلك هو ما كان مجمع الفاتيكان الثانى قد أعلنه عام 1965 من ضمن ما قرر و أعلن، خاصة ضرورة تنصير العالم التى يشير إليها البابا بوضوح قائلا: "ان عالم اليوم لا يزال به العديد من البشر الذين لم ينضموا بعد إلى ربنا يسوع" !.. لذلك يجدد دعوته لكافة المسيحيين للتبشير بالإنجيل ..
ومنذ أولى خطوات هذه الإحتفالية نلحظ أنها إنتقائية المغزى و الهدف فى كل خطواتها: فأستخدام عبارة "الصخرة " لوصف بطرس الذى تقول الأناجيل أن يسوع قد إختاره ليبنى عليه كنيسته، هى آية تتناقض تماما مع وصف نفس يسوع له، فقد كان يعتبر بطرس " قليل الإيمان وشكّاك " (متّى 14: 31)، ومن الغريب ان تأتى بعدها آية على لسان يسوع أيضا تقول: "فالتفت وقال لبطرس إذهب عنى يا شيطان أنت معثرة لى لأنك لا تهتم بما لله ولكن بما للناس" (متّى16: 23)، ومن الغريب أيضا أن يكررها يسوع قائلا: "فانتهر بطرس قائلا إذهب عنى يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس" (مرقس 8: 33). أى أن إتهام بطرس بالشيطنة وعدم إهتمامه بما لله ورد فى إنجيلين مختلفين، متى ومرقس، وعبارة "انت بطرس وعلى هذه الصخرة أبنى كنيستى" وردت مرة واحدة، وثابت أنها آية مقحمة لأن يسوع لم يبشر مطلقا بكنيسة وإنما كل تبشيره كان بملكوت الله – وما على من لا يستوعب هذه الحقائق إلا أن يقرأ الأناجيل ليرى ما بها من تناقضات فى هذه النقطة وغيرها !!.
كما كان بنديكت 16 يرى أن تلك الإحتفالية ستأتى بمزيد من التقارب مع اليهود موضحا: "فقد كان بولس يهوديا، حاخاماً، شديد التمسك بدينه ثم إنبهر بضوء المسيح عندما سقط على الأرض وهو فى طريقه إلى دمشق . فبالنسبة له إعتناقه عقيدة يسوع المبعوث لم تمثل أبداً إنفصالا عن عقيدته الأصلية ولا مع وعد الله لإبراهيم أو العهد الذى أقامه فى سيناء فهما جزء لا يتجزأ من العهد الجديد الذى ختمه يسوع بدمه " .. ولا نفهم كيف يمكن لشخص أن يؤمن بدين وبنقيضه فى آن واحد !
واللافت للنظر أن بنديكت 16 فى هذه الجزئية يقع فى أكثر من مأخذ: فحادثة سقوط بولس توردها الأناجيل بتناقضات واضحة، أما العلماء فيفسرونها بأنه كان مصابا بالصرع .. ولم يكن بولس حاخاماً وإنما كان صانع خيام، على حد قوله، ويعمل مخبراً لدى السلطة الرومانية الحاكمة، ليَشى بالمسيحيين، ووارد بالأناجيل أنه قد تسبب فى رجم إسطفانوس حتى الموت.. ثم كيف يقول هذا البابا وهو أعلى سلطة كنسية فى العالم ان إعتناق بولس المسيحية لم يمثل إنفصالا عن عقيدته اليهودية وبولس هو الذى بتر المسيحية تماما عن أصلها اليهودى وهو الذى غرس العداء ضد السامية - وكلها حقائق ثابتة فى النصوص ؟!
وفى الكلمة التى القاها عشية بدء الإحتفالية قال البابا: "أن بولس معلّم الوثنيين، وهذه العبارة تنفتح على المستقبل تجاه كل الشعوب وكل الأجيال.. بالنسبة لنا بولس ليس مجرد وجه من الماضى نحتفل به بكل تبجيل، ولكنه أيضا معلّمنا، الرسول المنادى بيسوع المسيح " .. ثم يستشهد بآية لبولس قائلا: "..فما أحياه الآن فى الجسد فإنما أحياه فى الإيمان إيمان إبن الله الذى أحبنى وأسلم نفسه لأجلى" (غلاطية 2:20 )، ويزايد البابا فى لىّ النص قائلا: "أن الإدراك بأن يسوع قد جابه الموت لا من أجل أى شىء وإنما من أجل بولس وأنه (اى يسوع) يسمو بصفته مبعوثا أنه لا يزال يحبه وضحى بنفسه من أجله " !! والغريب أن المسيح لم ير بولس وبولس لم يره فى حياته وفقا للنصوص الإنجيلية، فكيف نفهم أن يسوع أحب بولس الى درجة أنه ضحى بنفسه ومات من أجله ؟! ويا لها من فريات يبتلعها الأتباع فى صمت ! أما إعتبار بولس معلماً فى التبشير فهو ما يكشف الهدف الحقيقى من هذه الإحتفالية التى إمتدت عاما بأكمله تضاعفت خلاله عمليات التبشير بصورة ممجوجة، لكنها على عكس ما توقع البابا، لم تأت بأى تقارب مع اليهود، فحينما ذهب لزيارة الكيان الصهيونى المحتل لأرض فلسطين والتقى بالغزاة لم يحصل على أى رد حول الإستثناءات المالية التى كان يأمل الحصول عليها لكنائسه هناك، بل لقد أرغموه هو ورفاقه على إخفاء صلبانهم، يوم 13 مايو 2009، عند زيارة حائط البراق الذى جعلوه "حائط المبكى" المزعوم .. ويا لها من مهانة أن يُجبر البابا على إخفاء صليبه وكأن شيئا لم يحدث !!
وحينما إفتتح البابا بنديكت 16 ذلك العام الإحتفالى ركّز على قول بولس إلى تيموثاوس موضحا: "الحق أقول فى المسيح ولا أكذب، معلما للأمم فى الإيمان والحق" (2: 7)، وما يدعو إلى العجب أن نفس بولس هذا الذى يقول انه يبشر بالمسيح و"لا يكذب" مكررا ذلك فى رسالته الثانية الى أهل كورنثوس قائلا: "الله أبو ربنا يسوع المسيح الذى هو مبارك إلى الأبد يعلم أنى لستُ أكذب" (11:31) ثم نراه بعد ذلك يؤكد أنه كان يكذب لزيادة مجد الله، إذ يقول: "إن كان صدق الله قد إزداد بكذبى لمجده فلماذا أدان أنا بعدُ كخاطئ " (الى اهل رومية 3: 7)، فأى رسول ذلك الذى ينفى أنه يكذب ثم يؤكد أنه كان يكذب لإضفاء مصداقية على قول الله ويكذب لمجده ؟!
وما يكشف عن أن تلك المؤسسة الكنسية لا تزال تعيش فى القرون الوسطى بغياهبها، أن يعلن بنديكت 16 يوم 8 أكتوبر 2008 أنه سيمنح العفو والغفران التام لكل من يذهب لزيارة قبر القديس بولس، وكأنه يواصل إصدار صكوك الغفران السابقة !
ويُعد بولس الرسول من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل فى تاريخ المسيحية حتى الآن. فهو "القديس" الوحيد الذى أدى إلى قتل قديسا آخرا ؛ وهو مخترع المسيحية الحالية ؛ وكل سيرته قائمة على أكاذيب يصعب إثباتها تاريخيا، فإدعائه أنه مواطن رومانى ويهودى فى نفس الوقت لا تستقيم أساساً ؛ وحينما تم القبض عليه أحاطه الرومان بفريق مكون من "470 جندياً"، وهو ما لا يحدث لحماية أى فرد أياً كان ؛ كما قام بحمايته ثلاثة من الحكام الرومان ؛ ولا يقال شيئا عن سر عداءه للحواريين لدرجة أنه يسبهم بأحط الألفاظ ؛ ومن الغريب أن يصر بولس على أنه رأى يسوع رؤية العين وهو فى الواقع لم يسمع إلا صوته وفقا لوصفه فى حالة الهذيان التى إنتابته – إلا إن كان قد تم حذف أجزاء بأسرها من أعمال الرسل والرسائل، وهو ما يؤيد رأى الذين يقولون أنه كان من ضمن الذين وشوا بيسوع .. وكلها علامات إستفهام تبحث عمن يجيب عليها .. كما يجمع الباحثون على أنه لا يمكن الإستناد إلى أعمال الرسل أوالرسائل على أنها وثائق تاريخية، لكل ما بها من تضارب فى الأحداث والأقوال بل وفجوات يصعب ملء فراغاتها كما ثبت قطعا أنه لم يكتب أغلبها ! وكلها حقائق تم المرور عليها مر الكرام فى كل وثائق الإحتفالية المغرضة .
لذلك يؤكد العلماء أن التعريف ببولس من خلال أعمال الرسل والرسائل يكشف عن تفاوت واضح بين المجموعتين، ففى أعمال الرسل نرى فكره شديد البعد عما فى رسائله خاصة فيما يتعلق بباقى الحواريين، وأن أعمال الرسل تتجاهل الصراعات المحتدمة بين بولس ويعقوب، شقيق يسوع، وبطرس، الذى يقول البابا "أنه مكمّل لرسالة بولس"، فالخلاف الرئيسى حول الختان معتّم عليه، لذلك يقول الباحثون أن بولس هو مؤلف المسيحية الحالية ومشرّعها، فهو الذى رتب إنسلاخ الجماعة المسيحية عن اليهودية والتوراه، وهو الذى حوّل الصليب من أداة تعذيب وقتل إلى رمز للتجديد، وهو الذى غرس فى المسيحية العداء للمرأة، كما أنه هو الذى ارسخ فكرة "بعث يسوع" الواردة 190 مرة فى رسائله وأنها وشيكة الحدوث لكنه لم يأت للآن .. بعد حوالى الفى عام !!..
إن أعمال الرسل والرسائل مليئة بالمتناقضات التى لا يمكن حصرها فى مثل هذا الحيّز، وأولها حصول بولس على الجنسية الرومانية، وهو ما لا يتفق مع كونه يهوديا، فلا يمكن تحدى آلهة الإمبراطورية ويظل رومانياً..أو على حد قول فولتير فى قاموسه الفلسفى: "إن كان من طرسوس كما يزعم فطرسوس لم تصبح مستعمرة رومانية إلا بعد مائة عام من بعده، وإن كان من جيسكالا كما يقول القديس جيروم، فجيسكالا كانت فى الجليل ومن المؤكد أن سكان الجليل لم يكونو مواطنين رومان".. كما تتناقض خاصة فيما يتعلق برؤية بولس لضوء يسوع وهو فى طريقه إلى دمشق، فتحول من معادٍ للمسيحية وواشيا بالمسيحيين إلى المؤسس الفعلى للمسيحية الحالية !. وليس من المنطقى أن يؤكد عدم يهوديته حين يُعلن "جعلت نفسى يهوديا مع اليهود" الخ، أو "لقد عشت بدون توراه"، وهو ما لا يمكن سماعه من شخص يهودى فعلا .
أما عبارة بولس قائلا أن "يسوع أخبره بكل شئ حول تعاليمه"، فمن الصعب تصديق مثل هذا القول فلا يمكن أن يتم ذلك فى الثوانى الخاطفة التى دامها الإنبهار بضوء يسوع، إن كان قد حدث، لذلك يبقى السؤال عالقاً بلا جواب فى تلك النصوص: أين حصل بولس على تعاليمه فهو لم يتحول إلى المسيحية إلا بعد أن وشى بإسطفانوس وتم قتله رجماً. ومن المؤكد أنه لم يحصل على هذه التعاليم من الأناجيل الحالية فلم تكن قد كُتبت بعد .. كما أنه لم يلتق بلوقا إلا بعد دخوله المسيحية بحوالى خمسة عشر عاما. بينما يؤكد بولس أن ما يعرفه من تعاليم لم يحصل عليها من أحد .. فهل يعنى ذلك أن بولس قد إكتفى بالتأليف والأكاذيب المتراكمة، أم أنه قد كان يوحى إليه وبعكس ما أتى به يسوع ؟!.
وفى أعمال الرسل يبدو بولس وكأنه حُمّل رسالة من المجلس بقيادة يعقوب، شقيق يسوع، بأن يُبشر الأمم ؛ ومن الملاحظ ان لوقا، كاتب أعمال الرسل فرضا، يحاول إخفاء الصراعات المريرة الدائرة بين بولس والحواريين، بينما بولس يحكى هذه الخلافات ويتهم مجلس القدس بأنهم حائكو مؤامرات ولئام ومسيحيون غاية فى السوء لأنهم كانوا يريدون الحفاظ على المسيحية داخل إطار اليهودية وأنه هو الذى حررها بإلغاء الختان، الذى أراده الله عهدا أبدياً، كما قام بإلغاء الشرع اليهودى .. علما بأن يسوع هو القائل بأنه لم يأت لإلغاء الشرع وإنما أتى ليكمّل ! (راجع 2 كورنثيوس 11:13 وغيرها) ..
ويؤكد لويجى كاتشيولى فى كتابه عن بولس أن تعاليم بولس والعداء الذى غرسه ضد اليهود، والذى كانت الكنائس تكرره فى صلوات كل أحد بالدعاء عليهم، هو الذى تواصل عبر القرون وأدى إلى مقتلهم فى إسبانيا فى القرن الرابع عشر، وإلى الخطاب البابوى عام 1411 الذى حرّم على اليهود دراسة التلمود، وإلى تنصير مائة وخمسين الف يهودى بالإكراه فى إسبانيا عام 1492 وطرد الباقون.. وظلت هذه الكراهية التى غرسها بولس حتى عام 1992، حينما قام الملك خوان كارلوس بإلغاء مرسوم طرد اليهود من إسبانيا ! ولم نشر هنا إلا إلى نتيجة العداء للسامية الذى غرسه بولس وعواقبه فى إسبانيا فلا يسع المجال لتناول ردود أفعال هذا العداء فى كافة بلدان أوروبا وخاصة الخاضع منها للفاتيكان .. ومن الغريب أن ينقلب حال المؤسسة الكنسية بعد الفى عام لتلغى تعاليم بولس بجرة قلم وتقوم بتبرأة اليهود من دم المسيح، رغم عشرات المرات التى راح بولس يتهمهم بأنهم قتلة الرب .. فكيف يمكن إلغاء تعاليم بولس بهذه البساطة والإصرار على الإحتفال به بل وإعتباره الدعامة الأساسية للمسيحية ؟!
كما أن كل ما تقوم به المؤسسة الفاتيكانية لتمجيد دور بولس فى تبشير الوثنيين، بوحى من الروح القدس، لا يستقيم فى الواقع ولا مع أى منطق أياً كان، فكيف يمكن للروح القدس أن يوحى فى إتجاهين مختلفين فى آن واحد: يوحى لبطرس ولمجلس القدس بالحفاظ على المسيحية فى قلب التوراه، ويوحى لبولس فى نفس ذلك الوقت بأن يُخلّص المسيحية من إرتباطها باليهودية وشرعها ؟! وهو ما قام به فعلا ..
لذلك يجمع المؤرخون وخاصة منذ عصر التنوير، أنه من الصعب كتابة تاريخ منطقى لحياة بولس ورحلاته بناء على أعمال الرسل والرسائل، وأنه من الصعب إغفال أن بولس قد حاد بالمسيحية بعيدا عن رسالة يسوع إلى درجة النقيض ليأتى بالمسيحية الحالية .
ونشير فى نهاية هذا العرض المقتضب لإحتفالية "بولس الرسول" إلى مجرد نموذج واحد يكشف عن مصداقية هذه النصوص: فمما يقال أن بولس قد تم القبض عليه بعد حريق روما وتم إعدامه بقطع رقبته، وهو ما يتناقض مع قول يسوع حين حدثه قائلا: " قم وقف على رجليك لأنى لهذا ظهرت لك لأنتخبك خادما وشاهدا بما رأيت وبما سأظهر لك به، منقذاً إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم" ( أع 26: 16-17) .. ومن الواضح أن يسوع لم يتمكن من إنقاذ بولس لا من الشعب، ولا من الأمم، ولا من أن تقطع رقبته بحد السيف الذى نشر به مسيحيته !..
25/ 7 / 2009
تستقبل الدكتورة زينب عبد العزيز رسائلكم وتعليقاتكم على المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
11-12-2013, 07:18 PM
الخطيئة الأولى
بقلم الدكتورة: زينب عبد العزيز
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12449438352197923285_2df50dd924.jpg
لوحة قديمة تعود إلى القرن الثاني عشر تبين آدم في الجنة أثناء ارتكاب الخطيئة
أستاذة الحضارة الفرنسية
عقيدة "الخطيئة الأولى" من أهم عقائد اللاهوت المسيحي، ويختلف مفهومها من مذهب إلى آخر. ففي الكاثوليكية تعد عقيدة "الخطيئة الأولى" عقيدة أساسية إذ أنها كما يعرّفها بابا الفاتيكان فى مواعظه الأسبوعية، شديدة الإرتباط بعقيدة الفداء وتفسر معنى النعمة الإلهية فى المفهوم الكنسي، بمعنى : " أن الإنسان يتحد بالله – الذي لا يمكنه أن يراه، بفضل النعمة " .. ولا يمكن لشيء أن يهدم هذا الإتحاد، لكن الإنسان بحريته يمكنه رفض هذه النعمة أو إتلافها. والخطيئة هي كل ما يمكنه "أن يهدم أو يمنع هذا الإتحاد بالله الذى بدونه لا يمكن للإنسان أن يحقق نفسه بالكامل للحصول على الخلاص وعلى الحياة الأبدية " .. وهذا المعنى تكميلي لـ "الخطيئة الأولى" التي إقترفها آدم، كما يقولون، والتي أدت إلى سقوط الخليقة، لذلك يولد البشر فى حالة خطيئة بالوراثة فى المفهوم الكنسي.
وما لفت نظري إلى هذه العقيدة هو تناول البابا بنديكت 16 موضوع الخطيئة الأولى ثلاث مرات متتالية فى الثالث والثامن والعاشر من شهر ديسمبر 2008، وذلك على حد قوله : " لأهمية هذه العقيدة، فلولاها تفقد المسيحية قاعدتها الأساسية " !. وفي إحتفاله بعيد "الحمل العذري" يقول أن هذا العيد يكشف لنا حقيقتان أساسيتان بالنسبة لإيماننا: أولاً: الخطيئة الأولى، ثانياً: الإنتصار الذى حققه المسيح على هذه الخطيئة ". ثم يتمادى في الخلط بين الموضوعات إعتماداً على أول ثلاثة إصحاحات فى سفر التكوين، ليشير إلى : " أن وجود ما تطلق عليه الكنيسة الخطيئة الأولى شديد الوضوح بصورة ساحقة لا نقاش فيها " ..
ويزايد البابا فى وجود الشر في قصة الخليقة وسقوط أجدادنا آدم وحواء فى الخطيئة ليصل إلى قيمة السيدة مريم " أم الفادي ، أم الله الذي أهان نفسه إلى أقصى حد ليعيد إلينا كرامتنا الأولى" ، موضحاً أن "أم الله" هذه هي "حواء الجديدة، زوجة آدم الجديد التي كان مقدراً لها أن تصبح أم كل البشر المفتدين" !. وانطلق فى التشابه بين آدم والمسيح ليلحظ أمران : " أن تاريخنا الإنساني ملوث منذ بدايته من كثرة التعسف في استخدام الحرية " و " أن هناك بداية جديدة فى التاريخ، وهذا التاريخ يوجد فى يسوع الذى هو إنسان والله، ومع يسوع الآتي من الله يبدأ تاريخ جديد مبنى على قبوله أمر الله". ولا ندرك كيف يمكن للحرية أن تلوث التاريخ الإنساني، مالم يكن القصود ترسيخ دور الكنسيين وأن تستمر محاكم التفتيش بمجازرها إلى الأبد؛ كما لا يمكننا فهم كيف يمكن ليسوع أن يكون "إنسانا والله، وان يأتي من الله " ؟! ويجاهد البابا لفرض هذا الخلط الغارق فى الكفر والإلحاد على العالم وعلى المسلمين!!
وبرجوعنا إلى الإصحاحات الثلاثة الأولى، لسفر التكوين، التى إعتمد عليها البابا في مواعظه هذه، وخرج منها باستنتاجاته، نلاحظ في الإصحاح الأول : "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى بهائم الأرض وعلى جميع الدابابات التى تدب على الأرض. فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه ذكراً وأنثى. خلقهم وباركهم الله وقال لهم إثمروا وأكثروا واملأوا الأرض" (26-28) .
والواضح من الإصحاح الأول أنه لا توجد به كلمة خطيئة، كما نفهم منه أن الله خلق الذكر والأنثى معاً و"على صورته" ، كما يقول النص، وباركهما وطلب منهما أن يثمروا ويكثروا ويملأوا الأرض بذريتهما.
أما الإصحاح الثاني فنطالع فيه أن "الله" قد أصبح إسمه "الرب الإله" ، وأنه "جَبَلَ آدم من تراب ونفخ فى أنفه نسمة حياة فصار آدم نَفْسَا حية " (7) ، ثم غرس الرب الإله جنّة فى عدن شرقاً ووضع هناك آدم الذي جبله وأنبت من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل، ووضع وسط الجنة شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر.. ثم أخذ الرب الإله آدم ووضعه فى جنة عدن ليعملها ويحفظها وأوصى الرب الإله آدم قائلاً من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت (15-18).. والملاحظ هنا أن التحذير موجه لآدم لأن حواء لم تكن قد خُلقت بعد، وأن المسيحية منذ أولى خطواتها تفرض على الأتباع عدم إعمال العقل لعدم التمييز بين الخير والشر ..
ونغض الطرف عن التناقض في أن الله قد خلق الذكر والأنثى معا وباركهما وطلب منهما أن يملأوا الأرض بذريتهما، في الإصحاح الأول، ثم نراه يخلق آدم وحده ويضعه وسط الجنة وحده ليعمل بها، إلا أننا لانفهم كيف يمكن للمعرفة أن تقتل قتلا !
وهو ما يفسر موقف الكنيسة من العلم ومحاربتها للعلماء على مدى مسيرتها الدامية، لذلك عُرفت تلك المسيرة بعصر الظلمات ..
ثم حاول الرب الإله – كما يقول النص فى الإصحاح الثانى، أن يجد أنيساً يؤنس وحدة آدم، " فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام. فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً. وبنى الرب الإله الضلع التى أخذها من آدم إمرأة وأحضرها إلى آدم. فقال آدم: هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. وهذه تدعى إمرأة لأنها من إمرءٍ أُخذت. لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً (21-24).
ولا ترد بهذا الإصحاح أيضاً أية إشارة إلى كلمة خطيئة. وإذا ما استرجعنا الإصحاح الأول نرى أن الله قد خلق الذكر والأنثى "على صورته" وباركهما وطلب منهما أن يثمروا ويكثروا. وما أن نطالع الإصحاح الثاني حتى نجد تناقضاً واضحاً إذ أن الرب الإله خلق آدم وحده، ثم خلق الجنة ووضع وسطها شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر. ووضع آدم وسطها وحرّم عليه الأكل من شجرة معرفة الخير والشر. ولا توجد أية إشارة أن المقصود من هذه الشجرة هو "العلاقة الجنسية" كما تم تحريفها عمداً. وعلى عكس الإصحاح الأول، حيث خلق الله الذكر والأنثى معاً، قام الرب الإله بخلق آدم وخلق الجنة والأشجار ثم أنامه وأخذ ضلع من ضلوعه وملأ مكانه لحماً، ثم أخذ الضلع وكساه لحماً وجعلها إمرأة وقدمها لآدم!
وهنا نتساءل: لقد كان آدم نائماً حينما أخذ الرب الإله ضلعاً من ضلوعه، فكيف عرف أن هذه المرأة عظمة من عظامه ولحم من لحمه؟ علماً بأن لحم هذه المرأة لم يكن من لحم آدم إذ يقول النص: " فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً" ، وهذه خطوة والخطوة الثانية هي: "بنى الرب الإله الضلع التى أخذها من آدم إمرأة وأحضرها إلى آدم" ، أي أن لحم هذه المرأة من خلقة الرب وليست من لحم آدم كما يدعى النص !.
والأكثر دهشة من ذلك أن نجد آدم، أول البشر وأول الخليقة، يقول بفصاحة كاشفة للتحريف: "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويكونان جسداً واحداً " !!
فكيف لهذا الآدم أن يدرك بفصاحته ويتحدث عن الأب والأم وهو أول خلق الله ولا أب له ولا أم بل ولا ذرية بعد ليعرف أن هناك ما يطلق عليه أبوة وأمومة ؟!
ألا يبدو واضحاً أن هذا التلاعب بالنص وهذا الحشر كل المقصود منه هو تدعيم فكرة تحريم الطلاق، ذلك التحريم الذى إبتدعته الكنيسة وفرضته قهراً ؟!. وهو ما يفسر كيفية تراكم الإضافات وفقا للأهواء والظروف، على مر العصور ..
ويدور الإصحاح الثالث حول موضوع الحية التى أغرت حواء بالأكل من الشجرة بعد أن أوضحت لها أن الرب منعهما لكي لا تنفتح أعينهما ويكونان "كالله عارفين الخير والشر" (5).وما أن أكلا حتى انفتحت أعينهما وعلما أنهما عرايا "فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر" (7). ولا نعرف من أين أتيا بالخيط والإبرة لخياطة ورق التين السميك الذى ينشق ما أن ينثنى.. ثم سمعا صوت الرب الإله ماشياً فى الجنة فاختبا، وتبادلا التهمة حتى أوصلاها للحية، ثم صنع الرب الإله لآدم وإمرأته أقمصة من جلد وألبسهما" (20) !وهو ما يتناقض مع مقولة غضبه وطرده لهما، كما لا يمكن لعاقل أن يتصور أن الله يعمل ترزيا لآدم وحواء !
وينتهى الإصحاح الثالث هو أيضاً دون إشارة إلى كلمة خطيئة، إلا أن "الله" يقول عبارة كاشفة هادمة لفكرة التوحيد التى يزعمونها فى المسيحية الحالية : "وقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير والشر والآن لعله يمد يديه ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد" (22) ! وينتهى الإصحاح الثالث بآية "فطرد الإنسان وأقام شرقي عدن الكروبيم ولهيب سيف لحراسة طريق شجرة الحياة" (24)..
ونخرج من الآية 22 بنقطتين: الأولى: أن الرب الإله يؤكد أن هناك عدد من الآلهة وخشي أن يصبح الإنسان "كواحد منّا" ، أي من جماعة الآلهة، وهذه الآية وحدها تنفي مزاعم الكنيسة بأنها ديانة توحيدية، حيث أن العهد الجديد جزء مكمل للعهد القديم والإثنان يكونان كتاباً واحداً .. أما النقطة الثانية فهي أن "الله" خشي أن يأكل آدم من شجرة الحياة ويحيا إلى الأبد كالآلهة؛ وهو ما ينفي فكرة الفداء والحياة الأبدية للبشر، كما تزعم الكنيسة، بما أن النص يحرّم الحياة الأبدية على البشر إذ أقام الرب حراسة مشددة بالسيف والنار على شجرة الحياة، وبالتالي يكون فداء يسوع باطلاً بما أنه مخالف لمشيئة الله.
وبالرجوع إلى المراجع والموسوعات تبيّن أن القديس أغسطين هو الذي إبتدع هذا التحريف فى القرن الرابع، وأقره مجمع قرطاجنة عام 418 بخطاب من البابا زوزيموس (Zosime). وتقنين هذه العقيدة يرجع إلى قراءة غير سليمة لرسالة بولس إلى أهل رومية (5 : 12) التى فسرها أغسطين، في معركته ضد القس بيلاجيوس، الذي كان يؤمن بأن الخليقة طيبة، بينما كان أغسطين يؤيد نظرة بولس التشاؤمية. ولم يكن بولس يتحدث عن إقامة عقيدة ما وهو يتحدث عن آدم وخطيئته مثلما راح يؤكدها أغسطين، الذى أوضح أن الخطيئة تتوارث، بناء على الترجمة الخاطئة للقديس جيروم، عندما قرنها بخطيئة الجسد. فكلمة malus باللاتينية تعني شجرة محرمة وشجرة تفاح، فدمج المعنيان. وهذا التعريف يتناقض مع نص سفر التكوين الذي يتحدث عن الشجرة الممنوعة وأنها تعنى شجرة معرفة الخير والشر تحديداً، وهى عبارة لا يمكن أن تعني شيء آخر سوى الضمير، الضمير الإنسانيي الذى يفرق بين الإنسان والحيوان..
ولم يتوقف الجدال حول هذه العقيدة المختلقة بين رجال اللاهوت، حتى فرضها مجمع ترانت سنة 1546هـ، الذى فرض توريث هذه الخطيئة لكافة البشر وأنه لا يمكن إلا للمسيح أن يرفعها. ويقول القرار: "أن المجمع يأمر ويقر ويعلن ما يلي فيما يتعلق بالخطيئة الأولى: أن الخطيئة توّرث جيلاً بعد جيل حتى الأطفال" !. ووفقاً لهذه القعيدة فإن كل إنسان يولد في حالة خطيئة لمجرد أنه من ذرية آدم !. وقرارات مجمع ترانت هي النصوص الوحيدة التي قامت بتعريف هذه الخطيئة لربطها بالجنس وفرضت اللعنة على كل من لا يؤمن بها أو يخالفها ..
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1244944564libro-mancuso1.jpg
صورة لغلاف كتاب الروح ومصيرها باللغة الإيطالية المرجع
أما المعاصرون فيقرأون سفر التكوين ويندهشون كيف أمكن لأغسطين أن يفهم بهذه الكيفية التحريفية ويقحم فكرة الجنس، ويربط بين النص وأقوال بولس، الذي كان يتحدث عن الشرع كحد فاصل بين الخير والشر!. وحتى مع وجود تناقض شديد الوضوح بين الآيات فيما يتعلق بتوارث الخطيئة، إذ أن سفر التثنية يقول: "أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء وفى الجيل الثالث والرابع من الذين يبغضونني" (5 : 9)، بينما نطالع في حزقيال: "النفس التي تخطىء هي تموت. الإبن لا يحمل من إثم الأب ولا الأب يحمل من إثم الإبن. بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون" (18 : 20)!. وعلى الرغم من هذا التناقض فلا يوجد نص يورث الخطيئة على كل البشر إلا القرارات الكنسية التى تعدّل وتبدّل وتفرض وفقا للأهواء..
وفى عام 2007 صدر للدكتور فيتو مانكوزو (Vito Mancuso) أحد علماء اللاهوت كتاباً بعنوان "الروح ومصيرها" يفند فيه عقيدة "الخطيئة الأولى" و"عقيدة الخلاص" و"بعث يسوع"، إعتماداً على أن الإنسان يمكنه إنقاذ نفسه بعمله وبعقله وليس بالنصوص والعقائد المحرفة!. وقد أعيد طبعه سبع مرات وبيع منه ثمانين ألف نسخة، وفقاً لموقع الفاتيكان، وهو رقم مبهر بالنسبة لكتاب في اللاهوت. وفيتو مانكوزو يقوم بتدريس مادة اللاهوت الحديث فى كلية الفلسفة بجامعة القديس روفائيل فى مدينة ميلانو، وحاصل على الدكتوراه في اللاهوت من الجامعة البابوية في لاتران!..
ولا نفهم ما هو الإنتصار الذي حققه يسوع على الخطيئة، وكيف يولد البشر فى حالة خطيئة بالوراثة، وكيف يمكن أن يكون ما تطلق عليه الكنيسة شدة وضوح الخطيئة بصورة ساحقة لا جدال فيها، وكل الفكرة من أساسها مبنية على خطأ في القراءة وخطأ في الترجمة وخطأ في التفسير، وخاصة غياب نص صريح في الكتاب المقدس برمته يتناول هذه العقيدة، المختلقة في خضم صراعات لاهوتية ممتدة، بين رجال اللاهوت وسلطة المؤسسة الكنسية وسلطة الدولة، منذ إختلاق هذه العقيدة وفرضها حتى يومنا هذا.
ورداً على ما يؤكده البابا بنديكت 16 في مواصلته لترسيخ هذه الفريات قائلاً: "لولا عقيدة الخطيئة الأولى تفقد المسيحية قاعدتها الأساسية "، لا يسعنا إلا أن نقول: إذا كانت المسيحية قائمة على عقيدة بمثل هذا التلفيق، المعتمد على التحريف والفرض قهراً وقمعاً على مر العصور، رغم ثبوت زيفها، فلا شك في أن المسيحية الحالية قد فقدت فعلاً قاعدتها الأساسية بجدارة لا نقاش فيها لأنها قائمة على أكاذيب متراكمة !
تستقبل الدكتورة زينب عبد العزيز رسائلكم وتعليقاتكم على المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
11-12-2013, 07:20 PM
معاشر النصارى لماذا الخنازير
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1241997743355410342.jpgأ.د / أحمد بن محمد الشرقاوي
أستاذ بكلية أصول الدين جامعة الأزهر
• اتفقت الشرائع السماوية على تحريم الخنزير فهو رجسٌ ونجسٌ وهذه صفةٌ ملازمةٌ له لا تنفك عنه ، فهو محرمٌ في جميع الكتب السابقة التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه ، كما ورد تحريمه في القرآن ، ختام الكتب الإلهية.
• ورغم أن النصارى يؤمنون بما يطلقون عليه الكتاب المقدس والذي يضم أسفار العهد القديم ؛ فإنهم يأكلون لحم الخنزير رغم ورود تحريمه في مواضع عديدة من العهد القديم في سفر اللاويين والتثنية وإشعياء وغيرها.
• ولم تصل بي نتائج البحث عن نص واحد في الأناجيل الأربعة يصرح بتحليل لحم الخنزير هذا اللحم النجس ، بل جاء في إنجيل متى ما يدل على ذمه وتحقيره.
• وفيما يلي نصوص من العهد القديم الذي يؤمن به النصارى ويقدسونه ، ويعتقدونه جزءا من دينهم :
1) سفر اللاويين 11: 7
وَالْخِنْزِيرَ، لأَنَّهُ يَشُقُّ ظِلْفًا وَيَقْسِمُهُ ظِلْفَيْنِ، لكِنَّهُ لاَ يَجْتَرُّ، فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ.
2) سفر التثنية 14: 8
وَالْخِنْزِيرُ لأَنَّهُ يَشُقُّ الظِّلْفَ لكِنَّهُ لاَ يَجْتَرُّ فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ. فَمِنْ لَحْمِهَا لاَ تَأْكُلُوا وَجُثَثَهَا لاَ تَلْمِسُوا.
3) سفر إشعياء 65: 4
يَجْلِسُ فِي الْقُبُورِ، وَيَبِيتُ فِي الْمَدَافِنِ. يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَفِي آنِيَتِهِ مَرَقُ لُحُومٍ نَجِسَةٍ.
4) سفر إشعياء 66: 17
الَّذِينَ يُقَدِّسُونَ وَيُطَهِّرُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي الْجَنَّاتِ وَرَاءَ وَاحِدٍ فِي الْوَسَطِ، آكِلِينَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَالرِّجْسَ وَالْجُرَذَ، يَفْنَوْنَ مَعًا، يَقُولُ الرَّبُّ.
5) سفر المكابيين الثاني 6: 18
كان رجل يقال له العازار من متقدمي الكتبة طاعن في السن رائع المنظر في الغاية فاكرهوه بفتح فيه على اكل لحم الخنزير
6) سفر المكابيين الثاني 6: 20
وقذف لحم الخنزير من فيه ثم تقدم كما يليق بمن يتمنع بشجاعة عما لا يحل ذوقه رغبة في الحياة
7) سفر المكابيين الثاني 7: 1
وقبض على سبعة اخوة مع امهم فاخذ الملك يكرههم على تناول لحوم الخنزير المحرمة ويعذبهم بالمقارع والسياط ، وانفذ الملك كتبا على ايدي رسل الى اورشليم ومدن يهوذا ان يتبعوا سنن الاجانب في الارض
ويمتنعوا عن المحرقات والذبيحة والسكيب في المقدس
ويدنسوا السبوت والاعياد
وينجسوا المقادس والقديسين
ويبتنوا مذابح وهياكل ومعابد للاصنام ويذبحوا الخنازير والحيوانات النجسة
ويتركوا بنيهم قلفا ويقذروا نفوسهم بكل نجاسة ورجس حتى ينسوا الشريعة ويغيروا جميع الاحكام
ومن لا يعمل بمقتضى كلام الملك يقتل
وفي رسالة بطرس الرسول الثانية 2: 22
قَدْ أَصَابَهُمْ مَا فِي الْمَثَلِ الصَّادِقِ: «كَلْبٌ قَدْ عَادَ إِلَى قَيْئِهِ»، وَ«خِنْزِيرَةٌ مُغْتَسِلَةٌ إِلَى مَرَاغَةِ الْحَمْأَةِ.
وقد ورد في إنجيل متى 7: 6
لاَ تُعْطُوا الْقُدْسَ لِلْكِلاَب، وَلاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلاَّ تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ.
وهذان النصان الورادان في الإنجيل ينطويان على تحقير وتنفير من الخنازير ، لكن نصوص العهد القديم مصرحة ومبينة وحاسمة وفاصلة في تحريم الخنازير ، والنصارى يحتجون بها ويؤمنون بها إيمانهم بالأناجيل :
وقد ورد في سفر التثنية 27: 26
مَلْعُونٌ مَنْ لاَ يُقِيمُ كَلِمَاتِ هذَا النَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهَا. وَيَقُولُ جَمِيعُ الشَّعْبِ: آمِينَ.
وجاء في إنجيل متى إنجيل متى 5: 17
«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ
وقد جاء في كتاب الله تعالى في قصة عيسى عليه السلام {وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ }آل عمران50
علما بأن النسخ لا يمكن أن يقع على المحرمات القطعية ، ولا يمكن لأي شريعة أن تحل رجسا أو نجسا ؟ فالخنزير هو الخنزير بشحمه ولحمه ونجسه ورجسه لم يتغير بتغير الزمان !
قارن بين هذه النصوص وبين ما جاء في القرآن الكريم من تحريم لحم الخنزير ووصفه بأنه رجسٌ
قال تعالى { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } البقرة 173
وقال جل وعلا { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } المائدة 3
وقال سبحانه { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الأنعام 145
وقال جل جلاله { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } النحل115
الإجابة أن الذي أفسد عليهم عقيدتهم هو الذي أفسد عليهم معدتهم ! شاؤل اليهودي الذي أفسد عقول النصارى وملأها بالضلال والافتراء على الله كما أفسد بطونهم فملأها بلحم الخنزير النجس.
أدعو كل من لديه حرص على الحقيقة من أهل الكتاب أن يتفكروا في هذا الأمر ويتناقشوا فيه ، وأطرح هذه القضية على بساط البحث أمام الباحثين والدارسين، والله المستعان.
يستقبل المؤلف آرائكم واقتراحاتكم حول المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
11-12-2013, 07:22 PM
عقيدة الكتاب المقدس في الأنبياء
بقلم الأخ / عماد المهدي
شماس سابق ـ وداعية إسلامي
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1238221971__________.jpg
هي مجرد محاولة تأمل في هذا الكتاب الذي يتعبد به اليهود والنصارى والذي اخذوا منه التشريعات والأخلاق واستوقفني في هذه المحاولة اعتقادهم فى الأنبياء فهيا بنا أخي القارئ الكريم نستخرج الفقرات التي تتحدث عن الأنبياء
نبي الله نوح عليه السلام يشرب الخمر ويسكر ويتعرى !!
سفر التكوين [ 9: 20 ]
(وَاشْتَغَلَ نُوحٌ بِالْفَلاحَةِ وَغَرَسَ كَرْماً، وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خَيْمَتِهِ، فَشَاهَدَ حَامٌ أَبُو الْكَنْعَانِيِّينَ عُرْيَ أَبِيهِ، فَخَرَجَ وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ اللَّذَيْنِ كَانَا خَارِجاً. فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ رِدَاءً وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا الْقَهْقَرَى إِلَى دَاخِلِ الْخَيْمَةِ، وَسَتَرَا عُرْيَ أَبِيهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَدِيرَا بِوَجْهَيْهِمَا نَحْوَهُ فَيُبْصِرَا عُرْيَهُ. وَعِنْدَمَا أَفَاقَ نُوحٌ مِنْ سُكْرِهِ وَعَلِمَ مَا فَعَلَهُ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ قَال: لِيَكُنْ كَنْعَانُ مَلْعُوناً، وَلْيَكُنْ عَبْدَ الْعَبِيدِ لإِخْوَتِهِ». ثُمَّ قَالَ: تَبَارَكَ اللهُ إِلَهُ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُ. لِيُوْسِعِ اللهُ لِيَافَثَ فَيَسْكُنَ فِي خِيَامِ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُم )
ان هذه القصة من افتراءات الكتاب المقدس على أنبياء الله واتهامهم بارتكاب الكبائر، وهي تفضح عنصرية اليهود البغيضة حيث قصدوا بهذه القصة اللعنة إلي الكنعانيين سكان فلسطين قبل اليهود، ونسبوا أنفسهم إلي سام وادعوا اختصاصهم بذلك ليتسنى لهم ادعاء حق السيطرة على الكنعانيين وأرضهم فلسطين. ولنا على هذه القصة المكذوبة عدة ملاحظات تفضح افتراءها منها:
_ كيف يلام حام وهو لم يفعل شيئاً يستحق اللوم عليه إضافة إلي أنه كان طفلاً صغيراً...؟
_ وكيف يلعن نوح كنعان بن حام _ الذي سيولد بعد 20 سنة ؟... فما ذنب كنعان ؟ وكيف يتحمل ذنب أبيه _ إن كان لأبيه ذنب ؟
- أليس الكتاب يقول بر البار يكون له وإثم الفاجر يكون عليه.
نبي الله لوط يزني با بنتيه !!
سفر التكوين [ 19: 30 ]: يقول كاتب السفر:
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1238221822yuio.jpg هكذا تصور التوراة نبي الله لوط عليه السلام
(وصعد لوط من صوغر فسكن في مغارة بالجبل هو وابنتاه. وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ. وليس في الأرض رجل ليدخل علينا. هلمي نسقي أبانا خمرًا ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلاً. فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها. وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي:، فَتَعَالَيْ نسقيه خمرًا الليلة أيضًا. وقامت الصغيرة واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها. فحبلت ابنتا لوط من أبيهما. )
وإذا وضعنا في الاعتبار أن من مهام لوط عليه السلام القيام بتطهير قومه من آفة الشذوذ الجنسي، وقع في وهمنا أن هذه القصة المفتراه أريد بها الاحتجاج على ( الطهارة ) وتبرير الانحراف !!
وان مما يدعو إلي الدهشة والغرابة أن دعوة لوط في جوهرها هي دعوة للطهر والعفاف ومحاربة الشذوذ الجنسي والرذيلة والفجور الفاحش إلا أن الكتاب المقدس وصمه بما جاء ليطهر الناس منه !!!
هذا وقد شهد بطرس في رسالته الثانية [ 2: 7 ] شهد لنبي الله لوط بالبر والصلاح والاستقامة فهو يقول: ( وَإِذْ حَكَمَ اللهُ عَلَى مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ بِالْخَرَابِ، حَوَّلَهُمَا إِلَى رَمَادٍ، جَاعِلاً مِنْهُمَا عِبْرَةً لِلَّذِينَ يَعِيشُونَ حَيَاةً فَاجِرَةً. وَلَكِنَّهُ أَنْقَذَ لُوطاً الْبَارَّ، الَّذِي كَانَ مُتَضَايِقاً جِدّاً مِنْ سُلُوكِ أَشْرَارِ زَمَانِهِ فِي الدَّعَارَةِ. فَإِذْ كَانَ سَاكِناً بَيْنَهُمْ، وَهُوَ رَجُلٌ بَارٌّ، كَانَتْ نَفْسُهُ الزَّكِيَّةُ تَتَأَلَّمُ يَوْمِيّاً مِنْ جَرَائِمِهِمِ الَّتِي كَانَ يَرَاهَا أَوْ يَسْمَعُ بِهَا. وَهَكَذَا نَرَى أَنَّ الرَّبَّ يَعْرِفُ كيف يُنْقِذَ الأَتْقِيَاءَ مِنَ الْمِحْنَةِ، ] ترجمة كتاب الحياة
فكيف يتفق هذا مع ما جاء في سفر التكوين من أن لوط شرب الخمر وسكر وتعرى وزنى مع أبنتيه الكبرى والصغرى ؟!
نبي الله داود يزني بزوجة جاره ويدبر مؤامرة دنيئة ضده لاغتاله فيها !!!
سفر صموئيل الثاني [ 11: 2 ]: يقول كاتب السفر:
( قام داود عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السّطح امرأة تستحمّ، وكانت المرأة جميلة المنظر جدًا. فأرسل داود وسأل عن المرأة. فقال واحد: أليست هذه بشثبع بنت اليعام امرأة أوريا الحتي؟ فأرسل داود رسلاً وأخذها، فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأة فأخبرت داود بذلك فدعا داود زوجها (أوريا الحثي) فأكل أمامه وشرب وأسكره. وفي الصباح كتب داود مكتوبًا إلى يؤاب وأرسله بيد أوريا. وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه: فيُضرب ويموت. ومات أوريا … فأرسل داود وضم امرأة أوريا إلى بيته وصارت له امرأة وولدت له ابنًا. ) [ هو سليمان عليه السلام ]
النبي هوشع يتخذ لنفسه زانية !!!
سفر هوشع [ 1: 2 ]:
( أول ما كلم الرب هوشع قائلاً: اذهب خذ لنفسك امرأة زانية وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زني.)
نبي الله هارون يكفر ويدعو اليهود إلى عبادة العجل !!
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1238221914ghjk.jpg صورة مأخوذة من فلم عن الحروب الصليبية
وهذا في سفر الخروج [ 32: 2 ] يقول كاتب السفر:
( قال هارون لبني إسرائيل: انزعوا أقراط الذهب. فنزعوها وأتوا بها إلى هارون وبنى لهم عجلاً مسبوكًا. بنى أمامهم مذبحًا فقال: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر).
نبي الله سليمان يخالف وصايا الرب و يكفر في أواخر حياته ويعبد الأوثان !!
سفر الملوك الاول [ 11: 1 ]: يقول كاتب السفر:
( وَأُوْلِعَ سُلَيْمَانُ بِنِسَاءٍ غَرِيبَاتٍ كَثِيرَاتٍ، فَضْلاً عَنِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، فَتَزَوَّجَ نِسَاءً مُوآبِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَأَدُومِيَّاتٍ وَصِيدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ، وَكُلُّهُنَّ مِنْ بَنَاتِ الأُمَمِ الَّتِي نَهَى الرَّبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنِ الزَّوَاجِ مِنْهُمْ قَائِلاً لَهُمْ: «لاَ تَتَزَوَّجُوا مِنْهُمْ وَلاَ هُمْ مِنْكُمْ، لأَنَّهُمْ يُغْوُونَ قُلُوبَكُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ». وَلَكِنَّ سُلَيْمَانَ الْتَصَقَ بِهِنَّ لِفَرْطِ مَحَبَّتِهِ لَهُنَّ. فَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةِ زَوْجَةٍ، وَثَلاَثُ مِئَةِ من السراري، فَانْحَرَفْنَ بِقَلْبِهِ عَن الرَّبِّ. فَاسْتَطَعْنَ أَنْ يُغْوِينَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ مُسْتَقِيماً مَعَ الرَّبِّ وَمَا لَبِثَ أَنْ عَبَدَ عَشْتَارُوثَ آلِهَةَ الصِّيدُونِيِّينَ)..
نبي الله أيوب يسب الله !!
فقد نسب كاتب السفر لنبي الله أيوب الآتي:
(هو ذالله: لاَ يَأْتَمِنُ عَبِيدَهُ، وَإِلَى مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً.. ) سفر أيوب [ 4: 18 ]:
( قَدْ طَرَحَنِي اللهُ فِي الْحَمْأَةِ فَأَشْبَهْتُ التُّرَابَ وَالرَّمَادَ. أَسْتَغِيثُ بِكَ فَلاَ تَسْتَجِيبُ، وَأَقِفُ أَمَامَكَ فَلاَ تَأْبَهُ بِي. أَصْبَحْتَ لِي عَدُوّاً قَاسِياً، وَبِقُدْرَةِ ذِرَاعِكَ تَضْطَهِدُنِي. ) [ ترجمة كتاب الحياة) ]سفر أيوب [ 30: 19 ].
(قَدْ كَرِهْتُ حَيَاتِي، لِهَذَا أُطْلِقُ الْعَنَانَ لِشَكْوَايَ، وَأَتَحَدَّثُ عَنْ أَشْجَانِي فِي مَرَارَةِ نَفْسِي، قَائِلاًَ لِلهِ: لاَ تَسْتَذْنِبْنِي. فَهِّمْنِي لِمَاذَا تُخَاصِمُنِي؟ أَيَحْلُو لَكَ أَنْ تَجُورَ وَتَنْبِذَ عَمَلَ يَدِكَ، وَتُحَبِّذَ مَشُورَةَ الأَشْرَارِ؟ أَلَكَ عَيْنَا بَشَرٍ، أَمْ كَنَظَرِ الإِنْسَانِ تَنْظُرُ ؟ ) سفر أيوب [ 10: 1 ]
ونجد كلاماً كفرياً آخر ينسبه كاتب السفر لأيوب عليه السلام وهذا نصه: ( وَإِنْ شَمَخْتُ بِرَأْسِي تَقْتَنِصُنِي كَالأَسَدِ، ثُمَّ تَعُودُ فَتَصُولُ عَلَيَّ. تُجَدِّدُ شُهُودَكَ ضِدِّي، وَتُضْرِمُ غَضَبَكَ عَلَيَّ، وَتُؤَلِّبُ جُيُوشاً: تَتَنَاوَبُ ضِدِّي. لِمَاذَا أَخْرَجْتَنِي مِنَ الرَّحِمِ؟ أَلَمْ يَكُنْ خَيْراً لَوْ أَسْلَمْتُ الرُّوحَ وَلَمْ تَرَنِي عَيْنٌ ؟ فَأَكُونُ كَأَنِّي لَمْ أَكُنْ فَأُنْقَلُ مِنَ الرَّحِمِ إِلَى الْقَبْرِ. أَلَيْسَتْ أَيَّامِي قَلِيلَةً؟ كُفَّ عَنِّي لَعَلِّي أَتَمَتَّعُ بِبَعْضِ الْبَهْجَةِ ) سفر أيوب [ 10: 16 ]
نبي الله موسى يأمر بالسرقة بناء على طلب الرب !!
سفر الخروج [ 3: 22 ]:
( فَلاَ تَخْرُجُونَ فَارِغِينَ حِينَ تَمْضُونَ، بَلْ تَطْلُبُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا أَوْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا جَوَاهِرَ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَثِيَاباً تُلْبِسُونَهَا بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ فَتَغْنَمُونَ ذَلِكَ مِنَ الْمِصْرِيِّين)
موسى وهارون خانا الرب ولم يثقا به في وسط بني اسرائيل !!!
سفر التثنية[52 32: 48، ]
( وكلم الله موسى... قائلاً : إصعد إلى جبل عفاريم في أرض موآب الذي قبالة أريحا، وانظر أرض كنعان التي أنا أعطيها لبني اسرائيل ملكاً، ومت في الجبل الذي تصعد إليه وانضم إلى قومك، كما مات هارون من قبل في جبل هور...، لأنكما خنتماني في وسط بني اسرائيل... إذ لم تقدساني في وسط بني اسرائيل...)
نبي الله ابراهيم يقدم زوجته سارة إلي فرعون لينال الخير بسببها !!
سفر التكوين [ 12: 10، 19 ] يقول كاتب السفر عن نبي الله ابراهيم:
( وحدث لما قرب أن يدخل مصر أنه قال لساراي امرأته: إني قد علمت انك امرأة حسنة المنظر. فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته فيقتلونني ويستبقونك. قولي: انك اختي. ليكون لي الخير بسببك وتحيا نفسي من أجلك )
و يكتب الكاتب بعد ذلك أنه حصل لنبي الله ابراهيم الخير بسببها:
( وحدث لما دخل أبرام إلي مصر أن المصريين رأوا المرأة حسنة جداً ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون فأخذت المرأة إلي بيت فرعون فصنع إلي أبرام خيراً بسببها، وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال... فدعا فرعون أبرام وقال: ما هذا الذي صنعت بي ؟ لماذا لم تخبرني أنها امرأتك؟ لماذا قلت هي أختي حتى اخذتها لي لتكون زوجتي؟ )
النبي إشعياء يخلع ملابسه ويكشف عورته للناس بناء على طلب الرب !!!
سفر إشعياء [20: 2 ]:
(تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَلَى لِسَانِ إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ قَائِلاً: «اذْهَبْ وَاخْلَعِ الْمُسُوحَ عَنْ حَقَوَيْكَ، وَانْزِعْ حِذَاءَكَ مِنْ قَدَمَيْكَ». فَفَعَلَ كَذَلِكَ وَمَشَى عَارِياً حَافِياً.)
نبى الله آحاز يعبد الأوثان !!!
ملوك الثانى 16: 2- 4 وأيضاً أخبار الأيام الثاني 28: 2 -4
نبي الله يربعام يعبد الأوثان !!!
ملوك الأول 14: 9
أخي القارئ: هذه قليل من كثير مما طعن به الكتاب المقدس أنبياء الله وصفوة البشر وبعد هذا من الطبيعي أن يتساءل المرء هل صدر كل ذلك عن الرسل والأنبياء حملة الوحي وصفوة البشر وخير الخلق والذين بعثهم الله لهداية البشرية ؟!
وإذا كان فعلاً قد صدر كل ذلك عن الرسل والأنبياء فمن أين الثقة في مثل هؤلاء الناس الفساق العصاة ؟! وبالتالي من أين الثقة فيما يأتون به مما يسمونه بالوحي ؟!!
إننا نقول لنصارى:
انه لو صح وجاز تطرق الفساد والكذب من أنبياء ورسل الله بعد النبوة، لصح مذهب منكر النبوات، لأنه أقرب للتصديق عقلاً من تصديق رسالة الفاسق والفجور والزاني وعبادة الأوثان.
والمضحك أن بعض المسيحيين يقولون أن الله يعصم أقوال الأنبياء حين وعظهم، ولا يعصمهم بعد انتهاء الوعظ، أي انهم يخطئون، ويزنون ويأتون بالمنكرات ويصنعون العجل لعبادته، ولو صح هذا القول: فلماذا لم يعصم الله هارون النبي، عندما صنع العجل لبني اسرائيل ليعبدوه ؟!! كما جاء في سفر الخروج [ 32: 2 ] ولماذا لم يعصم الله سليمان النبي عندما كفر في آوخر حياته وعبد الاوثان أمام الناس؟!! كما في سفر الملوك الأول [ 11: 3 ]. ولماذا لم يعصم الله كلا من موسى وهارون عندما خانا الرب ولم يثقا به في حضور الاسرائليين كما في سفر التثنية [ 32: 48، 52 ]
ان قول المسيحيين: أن الأنبياء ليسوا بمعصومين عن الكبائر في غير تبليغ رسالات الله لهو قول فاسد وذلك لأن المؤمنين كما جاء في إنجيل متى الإصحاح الخامس الفقرة الثالثة عشرة [5: 13 ] هم وحدهم أقدر الناس على مقاومة الشيطان فقد كان المسيح يقول لهم)أنتم كملح الأرض ولكن ان فسد الملح فبماذا يملح ؟ لا يصلح بعد لشيء، إلا لأن يطرح خارجاً ويداس من الناس)
والحق أن ما جاء في الكتاب المقدس عن رسل الله الكرام لهو خير دليل وثائقي على تحريفه وتزويره، لأنه قد ثبت أن هؤلاء أنبياء، لا تكون أخلاقهم كما جاء في هذا الكتاب قطعاً هكذا وإذا تأمل المسلم وتدبر في عقيدة المسلمين في الأنبياء يجد أن الأنبياء يجب أن يكونوا متصفين بالصدق والأمانة والفطانة والعفة والشجاعة والفصاحة ويستحيل عليهم الكذب والخيانة والرذالة والزنا وسائر الكبائر والكفر قبل النبوة وبعدها، قال تعالى: {وكلا فضلنا على العالمين} [سورة الأنعام]. الحديث: "ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت" رواه الترمذي.
هذا واحمد الله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة
يمكن التواصل معه على العناوين التالية:
[email protected]
من داخل مصر:0123552410 ومن خارج مصر 0020123552410
القلب الحزين
11-12-2013, 07:23 PM
التنصير عالم خطير لا نرى منه إلا القليل
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1233748838_26198_us_soldier_cross.jpgد. زينب عبد العزيز
- ذبحوني لأنني قلت كلمة الحق في مؤتمر السكان وفي مؤتمر المرأة.
- الفاتيكان يتحالف مع المخابرات الغربية لضرب الإسلام.
- فرنسا تتحمل ثلثي ميزانية التنصير ثمن ريادتها للعلمانية.
- العولمة والكوكبية والقرية الواحدة أكاذيب لفرض النموذج الغربي علينا.
- المستشرقون عقبة أمام انتشار الإسلام في أوروبا وأمريكا.
- قضية المرأة لعبة يلعبها الغرب ونحن ننساق وراءها.
حاورتها / د. ليلى بيومي
رغم أن مجال تخصصها هو اللغة الفرنسية كأستاذة لها وللحضارة بجامعة المنوفية، إلا أنها وجهت اهتمامها بشكل كبير منذ ربع قرن لموضوع محدد وهو موقف الغرب من الإسلام، وذلك بعدما توفر لديها معلومات وترجمات تؤكد التواطؤ الغربي بين المستشرقين على تزييف الحقائق المتعلقة بالإسلام.
وفوق هذا قدمت د. زينب عبد العزيز ترجمة شديدة الأهمية لمعاني القرآن الكريم باللغة الفرنسية. وعن هذه الاهتمامات المتعددة التقينا بها وحاورناها.
مؤتمرات وخطط التبشير، يتحدث عنها البعض على أنها مبالغة، وقد يضخم البعض الآخر من وجودها .. لكن ماذا عن الحجم الحقيقي لها؟ وكيف تعمل؟ ومن الذي يمولها؟
الواقع المعاش يؤكد أننا حيال خطة خطيرة، نحن لا نتحدث عنها من خيالنا ولكن القوم نشروها وأعلنوها ويتحدثون عنها صراحة فكيف نقول إنها مبالغ فيها؟.
إننا بالتحديد أمام خط خمسية وهذا عنوان موجود في الخطاب الرسولي أو الإرشادي الذي يصدره الباب وهو ملزم لكل الحكام والرؤساء والملوك المسيحيين ولكل الكنائس على اختلافها.
ومنذ بداية التسعينات أصدر البابا خطابًا يقول فيه إنه يريد أن ينصر العالم في الفترة من 1995 حتى عام 2000 وحدد هذا التاريخ بدقة فقال إن الفترة من 1995 حتى 1997 عامان تمهيديان، ثم يتبعهما عام الاحتفال بالسيد المسيح ثم في الاحتفال الآخر عام 2000 يقام قربان كبير احتفالاً بتنصير العالم كله.
وفي هذا الخطاب أشار البابا إلى أنه يريد إحياء خط سير العائلة المقدسة وللأسف نرى أن هذا تم تنفيذه، حيث قامت وزارة السياحة في مصر مثلاً بإعداد مثل هذه الخرائط بغفلة لأننا لا نعلم ما يراد لنا. إن القوم يريدون أن ننفذ مخططهم بأيدينا، وهذا هو الذي قالوه في مؤتمر تنصير العالم الذي عقد في كلورادو عام 1987 والذي قالوا فيه إن الإسلام لابد أن يضرب بأيدي أبنائه وأن يضرب من الداخل. وإحياء مسيرة العائلة المقدسة يأتي ضمن خطط البابا لتنصير المسلمين، فهو يريد أن يصبح هذا الخط جزءًا من الواقع المسيحي.
ففي عام 1965 عقد المجمع الفاتيكاني الثاني وهو الذي برءوا فيه اليهود من قتل المسيح، وفي هذا المجمع خططوا لثلاثة أشياء رئيسية والتنفيذ يتم الآن، وهذه الأشياء الثلاثة هي: اقتلاع اليسار واقتلاع الإسلام وتنصير العالم.
وفي هذا المجمع قرر المجتمعون توصيل الإنجيل لكل البشر وهي عبارة المقصود بها تنصير العالم، وقد أعلنها البابا صراحة في سنتياجو عام 1982 وقد خطط القوم لاقتلاع اليسار لأنه البديل عن الرأسمالية من الناحية السياسية فكانت كل الأنظمة التي تكفر بالرأسمالية تتجه ناحية اليسار .. لكنهم لا يريدون بدائل.
إن الكنيسة خططت ليكون العقد الأخير من القرن العشرين لاقتلاع الإسلام وتنصير العالم، ونحن اليوم نقرأ عن المليارات الكثيرة التي أنفقت من أجل اقتلاع اليسار وتفكيك الاتحاد السوفيتي، والمأساة أن الفاتيكان تواطأ مع المخابرات الأمريكية لأن مصلحتهم واحدة، فكان هناك تنسيق، ولأول مرة تتحد السلطة الدينية (الكنيسة) مع السلطة المدنية في سبيل تحقيق مصلحة مشتركة وهي اقتلاع اليسار واقتلاع الإسلام. إن عالم التبشير عالم خطير لا نكاد نرى منه إلا أقل القليل، والمساهمات فيه معروفة بل إن على فرنسا أن تمول ثلثي هذه الميزانية وحدها، وإسهام الولايات المتحدة والمؤسسات الأمريكية والغربية متعدد والأرقام فلكية، وبالتالي فمؤسسات التبشير شبكة معقدة للغاية وحقيقية وليس فيها مبالغة، بل هي أكبر مما يعلنون عنه وهي تقصد العالم الإسلامي كله وتتحايل لتنصيره بمختلف الوسائل الممكنة.
الخطاب الديني الرسمي لدينا يركز على ضرورة التعاون والتوحد مع الكنائس الغربية في سبيل المحبة، بينما نلاحظ أن هذه الكنائس ما زالت مستمرة في التنصير في العالم الإسلامي .. كيف ترين هذا التناقض؟
من خلال أبحاث المتخصصين لديهم ثبت لهم أن القرآن حق، وقد ألف الطبيب الفرنسي بوريس بوكاي كتابًا عن "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم" أثبت فيه أن كافة المعطيات الواردة في العهدين القديم والحديث تتعارض كلها مع العلم، ولا يوجد فيها معطى واحد يصمد أمام التحليل العلمي، في حين أن القرآن يصمد كل حرف فيه أمام التحليل العلمي بل وردت فيه أشياء لم يكن العلم قد توصل إليها.
وثبت أن الكنيسة تحارب الإسلام ومستمرة في هذه الحرب، وهي حرب صليبية بشعة وقد سبوا الإسلام كثيرًا ولكنهم وجدوا أنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا بهذا السباب. ورغم الترجمات المحرفة للقرآن وجدوا أن الناس يسلمون عندهم حينما تصل إليهم الأجزاء غير المحرفة، وبالتالي لم يفلح التزييف والتحريف.
والعالم الغربي الذي كان قسيسًا وهو بونت مان، وهو ضليع في اللغة، أثبت بالتحليل اللغوي الظاهري لنصوص الكتاب المقدس وجود تعارض بين النصوص يثبت التحريف ويثبت أن هذه الأشياء التي ورد ذكرها في الأناجيل لم تكن موجودة عند كتابة الأناجيل.
أما في القرآن فالكلمة والمعنى والجوهر سليم ولم يمسسه أي عبث، وبالتالي فإن استمرار الكنائس في التنصير لكي يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا يوقف هذا التدهور، أما المسئولون لدينا فلديهم نقص في الوعي والإدراك.
نلاحظ في هذه الفترة شيوع دعوات تحمل سمات البراءة والتعاون بين الشعوب مثل العولمة والكوكبية والقرية الواحدة .. الخ، لكنها في نهاية الأمر تخفي نوعًا من سيطرة الاتجاه الواحد والثقافة الواحدة والدين الواحد.. ما هي رؤيتكم لهذه القضية؟
إنهم يلعبون بنقطة خطيرة وهي الحوار بين الأديان، فالحوار بالنسبة لهم يعني فرض الارتداد والدخول في سر المسيح، وليس المقصود من الحوار هو الوصول إلى الحق. إننا لو ناقشنا القوم فلن نجد عندهم شيئًا، وهم يعلمون ذلك ومن أجله يحاولون أن يوهمونا بأننا قرية واحدة، ونحن جيران، ولابد أن نعيش في حب وأمان، ولابد من التسامح والتآخي. والغريب أن المثقفين عندنا يرددون نفس الكلام الذي يردده الغرب إما عن جهل وغفلة وعدم مبالاة أو عن تعتيم فرض علينا جميعًا ويشارك مثقفونا في تدعيمه.
إن العولمة والكوكبية المقصود بهما إلحاقنا بالغرب، فحينما نصبح قرية واحدة ستكون اللغة لغتهم والدين دينهم والثقافة ثقافتهم والمصلحة مصلحتهم ونحن مجرد رعاع لا قيمة لنا وإنما نساق كالقطيع فقط.
هناك محاولة لتبرئة المستشرقين وإظهارهم كأصحاب علم وفكر، بينما هاجمهم كثير من المصنفين وقالوا إن الاستشراق خادم للكنيسة وأهدافها وليس بريئًا... ما هو رأيك في هذه القضية ؟
لم أجد مستشرقًا واحدًا خلا كلامه من الدس والتشويش، ولقد تتبعت المستشرق جاك بيرك الفرنسي وأظهرت عيوب وخطايا ترجمته للقرآن، وفي رأيي أن نفس الشيء فعله روجيه جارودي فقد أسلم ليهدم الإسلام من الداخل.
وصحيح أنهم قدما خدمات لتراثنا بلا شك، لكن ضررهم أكبر من نفعهم لأن كل ضررهم في تشويه الحقائق يبنى عليه ويؤخذ على أنه حقائق مع مرور الوقت.
إن المستشرقين كلهم يعملون ضمن برنامج واحد لضرب الإسلام، والإنسان الأوروبي الذي يدخل الإسلام وهو لا يعرف اللغة العربية تقام بينه وبين معرفة الحق حواجز كبيرة جدًا حينما يعتمد على كتب المستشرقين التي تشوه كل شيء في الإسلام. بل إن هذه الكتب تقف حاجزًا دون إسلام أعداد هائلة من الأوروبيين. ويبقى علينا أن نقتحم هذه الحواجز ونقدم الإسلام لكل دول العالم بلغاتها ومن خلالنا نحن.
يتبــــــــــــــــــع
القلب الحزين
11-12-2013, 07:23 PM
يتبـــع الموضوع السابق
التنصير عالم خطير لا نرى منه إلا القليل
ما رأيك في الترجمات الفرنسية لمعاني القرآن الكريم؟ وما تقييمك للذين كتبوها؟
قلت قبل ذلك إن كل المستشرقين يعملون تحت هدف واحد وهو ضرب الإسلام بالإضافة إلى ما يواجهونه من مشكلات اللغة العربية.
فلغة القرآن صعبة حتى على أهلها فما بالنا بصعوبتها على المستشرقين. فالمستشرق لكي يقدم عملاً جيدًا وخاصة في ترجمة معاني القرآن لابد أن يكون قارئًا جيدًا للتفاسير وعنده النية لأن يفهم، وليست النية لأن يخطئ.
إن جذر الكلمة العربية يمكن أن يحتوي على 11 معنى ليس لهم علاقة ببعضهم، وقد يكون المستشرق لديه معرفة ببعضها لكنه لا يعرف الباقي، كما أن هناك تراكيب القرآن، فمثلاً {ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} كل المستشرقين فسروها تفسيرًا حرفيًا وليس تفسيرًا للتركيب اللغوي ككل، ففعلوا مثل الذي ترجم القول الشهير "فلان وأخذ قلم في نفسه" He Took a Pencil on himself ولم يترجمها بأنه مغرور مثلاً. والمستشرقون لا يفهمون تراكيب القرآن لعدم تمكنهم من اللغة العربية، وهناك ترجمات عديدة لمعاني القرآن بالفرنسية ولدى منها 17 ترجمة كلها ترجمات بالتحريف والتشويه والأخطاء، وأشهرها ترجمة جاك بيرك المستشرق الفرنسي وقد ذاع صيته في العالم العربي على أنه صديق العرب وهذا غير حقيقي. وخطورة ترجمة جاك بيرك في الستة ملايين مسلم فرنسي الذين لا يعرفون العربية ويقرءون هذه الترجمة المشوهة.
هل فكرت في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية لتقدمي ترجمة دقيقة وغير مشوهة؟ وما هي المشكلات التي تواجهك في ذلك ؟
فكرت بجدية في الموضوع وهو موضوع صعب ودرست الترجمات الموجودة ، وراودتني الخواطر لأبدأ في إعداد هذا العمل خالياً من الأخطاء، والمشكلات كانت كثيرة، منها الاختلافات بين المفسرين في تفسير كثير من الآيات، فكيف سيتم حسم هذه المشكلة؟ بالإضافة إلى عدم وجو المعنى الدقيق المرادف للمعنى العربي في كثير من الأحيان، فنقل المعنى هنا مثل الذي ينقل بحر في بحيرة، كما أن هناك منهجاً معيناً للتعامل مع الآيات التي فيها إشارات علمية، بالإضافة إلى المشكلات التي ذكرناها قبل ذلك مثل مشكلة تراكيب القرآن وحروف القرآن وتعدد المعنى للجذر الواحد .. الخ.
ولكن بعد أن انتهت أعمال اللجنة الخاصة بدراسة ترجمة "جاك بيرك " ولإحساسي بمدى خطورة الترجمات المقدمة لمعاني القرآن من غير المسلمين قررت التفرغ لإعداد ترجمة إلى الفرنسية، ووفقني الله سبحانه وتعالى، وانتهيت منها، واستغرقت مني ثماني سنوات بواقع خمس عشرة ساعة عمل يوميا، واستعنت فيها بأستاذ أصول فقه من جامعة الأزهر ليشرح لي كل أسبوع حوالي 5 صفحات، حتى تأتي ترجمتي لمعاني القرآن الكريم إلى الفرنسية على وجه الدقة والأمانة، ولتكون نقطة فارقة في تاريخ هذه التراجم, وتأتي سليمة لغويا ونزيهة علميا وموضوعية. تنقل المعنى الكريم في ثوبه الحقيقي، وحاولت في هذه الترجمة التعريف بالقرآن وبالإسلام لغير المسلمين، وأن تكون خطوة للتصدي لمحاولات تشويه الإسلام، وتصويب صورته لدى الغرب والدفاع عن نسيج الأمة الإسلامية.
عرفنا فرنسا تاريخيًا على أنها تركز على الجانب الثقافي في علاقتها بالأمم، فلماذا هذا التركيز؟ وهل هذا الاهتمام الثقافي اهتمام بريء؟.
هذا الاهتمام الثقافي ليس اهتمامًا لوجه الله وإنما هو اهتمام لتفرض من خلاله فرنسا حضارتها وسيطرتها.
إن فرنسا تعلن أنها دولة علمانية فصلت الدين عن الدولة ومقابل إعلانها هذا تتحمل ثلثي تكاليف وميزانية عملية التنصير، وهذا كلام ثابت وموجود ومنشور، وفرنسا حينما تهتم بالثقافة في علاقتها مع الشعوب إنما تدخل الدين في هذه العلاقة ولكن بطريقة غير مباشرة وغير محسوسة، وهذا نوع من أنواع الذكاء الاستعماري.
إن كل دول العالم تعرف أن الاستعمار المباشر انتهى لذلك يلجئون كلهم إلى الاستعمار الثقافي وفرض التغريب لدرجة أن كثيرًا من الأمناء في الغرب يرفضون التغريب ويقولون بالتكامل بدلاً من السيطرة.
تحاول فرنسا أن تقوم بدور الدولة المستقلة عن الفلك الأمريكي وتحاول قيادة أوروبا وتتحدث عن القضايا العربية. هل هذا حقيقي أم مجرد مناورات لإيهامنا والضحك علينا؟
فرنسا لا تدعم مصالحنا بل تدعم مصالحها هي، فتاريخيًا فرنسا احتلت حوالي نصف العالم العربي، وقبل ذلك كانت حملة نابليون، وساندت إسرائيل منذ إنشائها عام 1948 ، بل اشتركت بشكل مباشر في ضرب مصر عام 1956، وتدعم بشكل رئيسي إسرائيل. إننا سمعنا مؤخرًا عن بعثة فرنسية لانتشال آثارنا الغارقة في مياهنا الإقليمية أمام الإسكندرية، والملاحظ أن هذه الآثار لم تكن مبان وانهارت في المياه، بل هي آثار منقولة وغرقت على مسافة كبيرة عن الإسكندرية.
إن أحدًا لم يفتح فمه ويعلن الحقيقة، والحقيقة أن نابليون كان قد سرق هذه الآثار وأعد لنقلها إلى باريس لتنضم إلى ما نهبه من كنوز من كل أنحاء العالم التي هي الآن في متحف اللوفر، لكن الأسطول الإنجليزي دمر الأسطول الفرنسي وأغرقه وغرقت الآثار.
الدعوة إلى ثقافة البحر الأبيض المتوسط ما تلبث أن تهدأ حتى يروج لها من جديد، فهي تأخذ شكل الحوار بين الشمال والجنوب حينًا، وحينًا آخر شكل الشراكة الأوروبية العربية، وحينًا ثالثًا تأخذ شكل الحوار العربي الأوروبي... فهل هذه الدعوات بديلة عن التجمع على أساس عربي أو إسلامي؟
بالتأكيد هي دعوات غير بريئة، والمقصود بها الالتفاف حول أي دعوة لتلاقي البلاد العربية على أرضية عربية أو إسلامية.
إن أوروبا وأمريكا نفذوا في عقد التسعينات قرارات مجمع الفاتيكان عام 1965 في الشق الخاص باقتلاع الإسلام وتنصير العالم، وقد قال البابا في أحد اجتماعاته مع الكرادلة: لقد نجحت في أن أجعلهم يجلسون معنا والدور عليكم لتنصرونهم.
هم يدعون للحوار ويقولون فلنجلس معًا لنصلي كل حسب دينه ثم تكون الخطوة اللاحقة فلنصل بنص واحد.
إنهم يتفننون في موضوع الحوار ويريدون استدراجنا بكل الطرق وإجراء عمليات غسيل المخ لنا حتى نؤمن بكل المفاهيم الغربية، وهم يغلفون الدعوة للحوار ببعض الأغلفة الاقتصادية التي تعطي للقضية بعدًا اقتصاديًا، لذلك تفشل كل هذه الدعوات لأنهم لا يريدون مساعدتنا أو حتى الدخول في شراكة عادلة، وإنما يريدون أن يكونوا هم الطرف المسيطر الآمر الذي يحتفظ بكل الخيوط في يديه. إنهم رغم ما فعلته تركيا من بعد عن الإسلام ونبذ للغة العربية لا يوافقون على انضمامها للسوق الأوروبية فهم لا ينسون أنها مسلمة.
جامعة سنجور التي أنشئت في مصر واتخذت من الإسكندرية مقرًا لها، أثارت العديد من علامات الاستفهام، فهل اختيار الإسكندرية هو لإحياء مقولة الشرق أوسطية؟ ولماذا مصر رغم أنها لا تتكلم الفرنسية؟ أم أن هذه الجامعة أنشئت لضرب الجامعة الأمريكية في مصر في إطار الصراع القائم والمشتعل بين الثقافة الأمريكية والثقافة الفرنسية؟
لسنا في حاجة للتأكيد على أن مصر هي ملتقى حضارات وشعوب وقارات، وذات موقع استراتيجي، والفرنسيون يهمهم وضع أرجلهم في مصر.
والفرنسيون احتفلوا بذكرى مرور مائتي عام على خروج الحملة الفرنسية من مصر عام 1801. إننا لا ننسى أن نابليون كان آتيًا لضرب الإسلام ولاحتلال مصر، ومن يومها والمعركة موجودة . إنهم يريدون إيهامنا بأشياء شكلية غير حقيقية وهي أنهم أحضروا إلينا المطبعة ووضعوا أقدامنا على سلم الحضارة، إنما في الحقيقة كان قدومهم هو عملية كبرى للسلب والنهب والاحتلال.
وهم يريدون رد الاعتبار لأنفسهم ويريدون أن يقولوا لنا لقد احتفلنا بأننا استطعنا رغم مرور 200 سنة أن نجعلكم متخلفين حضاريًا.
هل تعتقدين أن المرأة المصرية والعربية لها قضية ومشكلات تستدعي أن يكون لها جمعيات تدافع عنها؟ وما رأيك في الذين يرفعون شعارات حرية المرأة وقضايا المرأة في بلادنا؟
لعبة المرأة لعبة يلعبها الغرب وللأسف أكبر سلبية في بلادنا أننا ننساق وراء الغرب، ومأساتنا الحقيقية هي أننا لا نختار طريقًا واضحًا.
ولقد شاركت في مؤتمر الأمم المتحدة للسكان الذي عقد في القاهرة ثم في مؤتمر المرأة في بكين ضمن وفد مصر وقدمت أبحاثًا وكتبت عن المؤتمرين ولكن للأسف الشديد ذبحت من أجل الذي قلته وكتبته، إنهم يريدون أن نردد ما نسمع كالببغاوات.
إن المرأة المصرية لو عندها مشكلات فهي من نوعية المشكلات العادية ولكن ليست لها قضية، فليست قضية أن أجعل المرأة تحكم أو لا تحكم.
إنهم في الغرب يشوهون الأمور ويشوهون الحقائق ويقولون إن الإسلام يهين المرأة والحقيقة أن المرأة لم يكرمها دين مثلما كرمها الإسلام، ويطالبون بمساواتها في الميراث بالرجل.
وأنا أقول بل النصف كثير على المرأة لأنها ليست ملزمة بأي إنفاق، الرجل هو الملزم بالإنفاق على زوجته وابنته وأمه وأخته، والمرأة تأخذ نصف الرجل لزينتها جاهزًا.
إن عيب رموز تحرير المرأة في بلادنا أنهم وضعوا أنفسهم في مواجهة الإسلام، إنهم في مؤتمر السكان في القاهرة وفي مؤتمر المرأة في بكين يريدون أن ينشروا الفواحش وأن يقولوا من أراد أن يصبح رجلاً فله ذلك ومن أراد أن يصبح امرأة فله ذلك وضرورة إباحة العلاقات الجنسية .. الخ. كل هذا ونحن نصفق ونؤيد ونشيد بالمؤتمرات، ومن ينطق بكلمة الحق يذبح كما فعلوا معي.
تستقبل الدكتورة زينب عبد العزيز ملاحظاتكم وآرائكم حول الحوار على الإيميل التالي:
[email protected]
كما يمكن زيارة موقعها :
http://dr-z-abdelaziz.com (http://dr-z-abdelaziz.com/)
المصدر: تم نشر هذا الحوار أول مرة على موقع مفكرة الإٍسلام وقامت بإعادة نشره عدة مواقع منها موقع طريق الإسلام وقمنا بإعادة نشره على موقعنا للفائدة.
القلب الحزين
11-12-2013, 07:25 PM
إبادة النصوص وبدعة تأليه يسوع
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1232468029bible_fraud_lrg.jpg
صورة لغلاف كتاب تحريف الكتاب المقدس بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
يقول توني باشبي(Tony Bushby) في كتابه " تحريف الكتاب المقدس " أن دراسته لنسخة الكتاب المقدس المعروفة باسم " كودكس سيناى " (codex Sinai)، وهى أقدم نسخة معروفة للكتاب المقدس والتى تم اكتشافها فى سيناء، و يقال أنها ترجع للقرن الرابع، أثبتت له أن هناك 14800 إختلاف بينها وبين النسخة الحالية للكتاب المقدس. وهو ما يثبت كم التغيير والتبديل الذى يعانى منه هذا الكتاب.
ويؤكد الباحث أنه لا يمكن لأحد أن يعرف حقيقة ما كانت عليه نصوص ذلك الكتاب الأصلية من كثرة ما ألمّ بها من تغيير وتحريف، وتكفى الإشارة إلى أنه فى عام 1415 قامت كنيسة روما بحرق كل ما تضمنه كتابين من القرن الثاني من الكتب العبرية، يقال أنها كانت تضم الإسم الحقيقى ليسوع المسيح.
وقام البابا بنديكت الثالث عشر بإعدام بحث لاتينى بعنوان " مار يسوع "، ثم أمر بإعدام كل نسخ إصحاح إلكساى Elxai، وكان يتضمن تفاصيل عن حياة ربي يسوع ( Rabbi Jesu ) (المزعوم).
وبعد ذلك قام البابا إسكندر السادس بإعدام كل نسخ التلمود بواسطة رئيس محكمة التفتيش الإسبانية توما توركمادا (1420-1498)، المسؤل عن إعدام 6000 مخطوطة فى مدينة سلمنكا وحدها. كما قام سلمون رومانو عام 1554 بحرق آلاف المخطوطات العبرية، وفى عام 1559 تمت مصادرة كافة المخطوطات العبرية فى مدينة براغ. وتضمنت عملية إعدام هذه الكتب العبرية مئات النسخ من العهد القديم ـ مما تسبب فى ضياع العديد من الأصول والوثائق التى تخالف أو تفضح أفعال المؤسسة الكنسية آنذاك !
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1232467922codex_sinaiticus-small.jpg
صورة لقصاصة من مخطوطة سيناء الخاصة بالكتاب المقدس
ويقول تونى باشبى أن أقدم نسخة أنقذت للعهد القديم ـ قبل إكتشاف مخطوطات قمران، هى النسخة المعروفة باسم " البودليان " ( Bodleian ) التي ترجع إلى علم 1100 م. وفى محاولة لمحو أية معلومات عبرية عن يسوع من الوجود، أحرقت محاكم التفتيش 12000 نسخة من التلمود !
و يوضح المؤلف أنه فى عام 1607 عكف سبعة وأربعين شخصا، ويقول البعض 54، لمدة عامين وتسعة أشهر لترجمة الكتاب المقدس بالإنجليزية وتجهيزه للطباعة بأمر من الملك جيمس، بناء على مراعاة قواعد معينة فى الترجمة. وعند تقديمها عام 1609 للملك جيمس قدمها بدوره إلى سير فرانسيس بيكون، الذى راح يراجع صياغتها لمدة عام تقريبا قبل طباعتها.
ويقول تونى باشبى أن العديد من الناس يتصورون أن طبعة الملك جيمس هي " أصل " الكتاب المقدس، وأن كل ما أتى بعدها يتضمن تعديلات إختلقها النقاد. إلا أن واقع الأمر هو: " أن النص اليونانى الذي استخدم فى الترجمة الإنجليزية، والذى يعتبره الكثيرون نصا أصليا، لم يُكتب إلا فى حوالي منتصف القرن الرابع الميلادى، وكانت نسخة منقولة ومنقحة عن نسخ متراكمة سابقة مكتوبة بالعبرية والآرامية. وقد تم حرق كل هذه النسخ، والنسخة الحالية للملك جيمس منقولة أصلا عن نَسخ من خمس نَسخات لغوية عن الأصل الأصلى الذى لا نعرف عنه أى شىء " !!
ففى بداية القرن الثالث تدخلت السياسة بصورة ملحوظة فى مصار المسيحية التى كانت تشق طريقها بين الفِرق المتناحرة. فوفقا للقس ألبيوس تيودوريه، حوالى عام 225 م، كانت هناك أكثر من مائتين نسخة مختلفة من الأناجيل تستخدم فى نفس الوقت بين تلك الفرق..
وعندما استولى قسطنطين على الشرق الإمبراطورى عام 324، أرسل مستشاره الدينى، القس أوسبيوس القرطبى، إلى الإسكندرية، ومعه عدة خطابات للأساقفة، يرجوهم التصالح فيما بينهم حول العقيدة. وهو ما يكشف عن الخلافات العقائدية التى كانت سائدة آنذاك. إلا أن مهمة أوسبيوس قد باءت بالفشل. مما دفع بقسطنطين إلى دعوة جميع الأساقفة للحضور، وان يُحضروا معهم نسخهم من الأناجيل التى يتعاملون بها. وبذلك إنعقد أول مجمع كنسي عام سنة 325 م فى مدينة نيقية لحسم الخلافات السائدة حول تأليه أو عدم تأليه يسوع !
وفى 21 يونيو عام 325 م إجتمع 2048 كنسيا فى مدينة نيقية لتحديد معالم المسيحية الرسمية، وما هى النصوص التى يجب الإحتفاظ بها، ومن هو الإله الذى يتعيّن عليهم إتباعه. ويقول تونى باشبى " أن أولى محاولات إختيار الإله ترجع إلى حوالى عام 210 م، حينما كان يتعيّن على الإمبراطور الإختيار ما بين يهوذا المسيح أو شقيقه التوأم ربى يسوع، أي الكاهن يسوع أو الشخص الآخر، مؤكدا أنه حتى عام 325 لم يكن للمسيحية إله رسمى " !!
ويوضح تونى باشبى أنه بعد مداولات عدة ومريرة استقر الرأى بالإجماع، إذ أيده 161 وإعترض عليه 157، أن يصبح الإثنان إلها واحدا. وبذلك قام الإمبراطور بدمج معطيات التوأم يهوذا وربى يسوع ليصبحا إلها واحدا. وبذلك أقيم الإحتفال بتأليههما. ثم بدأت عملية الدمج بينهما ليصلوا إلى تركيبة "ربنا يسوع المسيح ". وطلب قسطنطين من الأسقف أوسبيوس أن يجمع ما يتوافق من مختلف الأناجيل ليجعل منها كتابا واحدا، ويعمل منه خمسون نسخة "..
ولمن يتساءل عن مرجعيات تونى باشبى لهذا البحث نقول أنه وارد بالفهرس كشفا يتضمن 869 مرجعا !..
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1232467975the_historical_jesus_and_the_mythical_ch rist.jpg
صورة لغلاف كتاب يسوع التاريخي والمسيح الأسطوري ويعد الباحث والأديب البريطانى جيرالد ماسىّ Gerald Massey (http://en.wikipedia.org/wiki/Gerald_Massey) ر(1828ـ1907) من أهم من إستطاعوا توضيح خلفية ذلك الخلط الشديد فى الأصول، و شرح كيف أن القائمين على المسيحية الأولى جمعوا عقائد دينية من أهم البلدان التى تواجدوا بها، لتسهيل عملية دمج شعوبها تحت لواء ما ينسجون..
ويتناول جيرالد ماسىّ فى كتابه عن يسوع التاريخى والمسيح الأسطورى كيف " أن الأصل المسيحى فى العهد الجديد عبارة عن تحريف قائم على أسطورة خرافية فى العهد القديم ". وأن هذا الأصل المسيحى منقول بكامله من العقائد المصرية القديمة وتم تركيبه على شخص يسوع. ونفس هذا الشخص عبارة عن توليفة من عدة شخصيات، والمساحة الأكبر مأخوذة عن شخصين. وهو ما أثبته العديد من العلماء منذ عصر التنوير، وقد تزايد هذا الخط فى القرن العشرين بصورة شبه جماعية، بحيث أنه بات من الأمور المسلّم بها بين كافة العلماء.
وإن كانت الوثائق التى تشير أو تضم معطيات يسوع التاريخى متعددة المشرب وتؤدى إلى أكثر من خط، فإن المعطيات التى تتعلق بالمسيح مأخوذة بكلها تقريبا من الديانة المصرية القديمة، وكلها منقوشة على جدران المعابد الفرعونية وخاصة معبد الأقصر الذى شيده أمنحتب الثالث، من الأسرة السابعة عشر. ويقول ماسىّ: " أن هذه المناظر التى كانت تعد أسطورية فى مصر القديمة، قد تم نقلها على أنها تاريخية فى الأناجيل المعتمدة، حيث تحتل مكانة كحجر الأساس للبنية التاريخية، وتثبت أن الأسس التى أقيمت عليها المسيحية هى أسس أسطورية ".
ويشير جيرالد ماسىّ أن المسيحية مبنية على الديانات والعقائد التى كانت قائمة فى مصر وفلسطين وبين النهرين والتى إنتقل الكثير منها إلى اليونان، ومنها إلى إيطاليا. أى " أنها أسطورة إلهية لإله تم تجميعه من عدة آلهة وثنية، هى الآلهة الأساسية التى كانت سائدة آنذاك فى تلك المناطق قبل يسوع بآلاف السنين.. وأن التاريخ فى الأناجيل من البداية حتى النهاية هو قصة الإله الشمس، وقصة المسيح الغنوصى الذى لا يمكن أن يكون بشرا. فالمسيح الأسطورى هو حورس فى أسطورة أوزيريس، وحورأختى فى أسطورة ست، وخونسو فى أسطورة آمون رع، وإيو فى عبادة أتوم رع. والمسيح فى الأناجيل المعتمدة هو خليط من هذه الآلهة المختلفة ".
وقد أشار ديودورس الصقلى أن كل اسطورة العالم السفلى قد تم صياغتها دراميا فى اليونان بعد أن تم نقلها من الطقوس الجنائزية المصرية القديمة. أى أنها إنتقلت من مصر إلى اليونان ومنها إلى روما.
ويؤكد جيرالد ماسىّ " أن الأناجيل المعتمدة عبارة عن رجيع ( أو طبخ بائت مسخّن ) للنصوص المصرية القديمة ".. ثم يوجز أهم الملامح بين الأساطير المصرية القديمة والأناجيل المعتمدة بإسهاب يصعب تفنيده. ومما أوجده من روابط، بين المسيحية والعقائد المصرية القديمة: " أن يسوع حَمَل الله، ويسوع السمكة ( إيختيس ) كان مصريا، وكذلك يسوع المنتظر أو الذى سوف يعود، ويسوع المولود من أم عذراء، التى ظللها الروح القدس، ويسوع المولود فى مِزْود، ويسوع الذى قام بتحيته ثلاثة ملوك مجوس، ويسوع الذى تبدل على الجبل، ويسوع الذى كان رمزه فى المقابر القديمة فى روما نجمة مثمنة الأضلاع، ويسوع الطفل الدائم، ويسوع الآب، المولود كإبن نفسه، ويسوع الطفل ذو الإثنى عشر عاما، ويسوع الممسوح ذو الثلاثين عاما، وتعميد يسوع، ويسوع الذى يسير على الماء أو يصنع المعجزات، ويسوع طارد الشياطين، ويسوع الذى كان مع الإثنان مرافقى الطريق، والأربعة صيادين، والسبع صيادين، والإثنى عشر رسولا، والسبعون أو إثنان وسبعون فى بعض النصوص، الذين كانت أسماءهم مكتوبة فى السماء، ويسوع بعَرَقِهِ الدامى، ويسوع الذى خانه يهوذا، ويسوع قاهر القبر، ويسوع البعث والحياة، ويسوع أمام هيرود، وفى الجحيم، وظهوره للنسوة، وللصيادين الأربع، ويسوع المصلوب يوم 14 نيسان وفقا للإناجيل المتواترة، ويوم 15 نيسان وفقا لإنجيل يوحنا، ويسوع الذى صُلب أيضا فى مصر (كما هو مكتوب فى النصوص)، ويسوع حاكم الموتى، وممسكا بالحمل فى يده اليمنى وبالعنزة فى اليسرى.. كل ذلك وارد بالنصوص المصرية القديمة من الألف للياء فى جميع هذه المراحل " !
ثم يوضح قائل: " لذلك قام المسيحيون الأوائل بطمس معالم الرسوم والنقوش وتغطيتها بالملاط أو الرسم عليها لتغطية هذه المعانى ومنع القيام بهذه المقارنات وتكميم أفواه الحجارة، التى احتفظت بالكتابات المصرية القديمة بكل نضارتها عندما سقط عنها ذلك الطلاء (... ) لقد تم تكميم المعابد والآثار القديمة وإعادة طلائها بالتواطوء مع السلطة الرومانية، وتم إعادة إفتتاحها بعد تنصيرها. لقد أخرصوا الأحجار ودفنوا الحقائق لمدة قرون إلى أن بدأت الحقائق تخرق ظلمات التحريف والتزوير، وكأنها تُبعد كابوسا ظل قرابة ثمانية عشر قرنا، لتنهى الأكاذيب وتسدل الستار عليها أخيرا.. تسدله على أكثر المآسى بؤسا من تلك التى عرفها مسرح الإنسانية "..
ومما يستند إليه جيرالد ماسىّ أيضا، على أن المسيحية الحالية تم نسجها عبر العصور، أن سراديب الأموات فى روما والتى كان المسيحيون يختبؤن فيها لممارسة طقوسهم هربا من الإضطهاد، ظلت لمدة سبعة قرون لا تمثل يسوع مصلوبا ! وقد ظلت الرمزية والإستعارات المرسومة والأشكال والأنماط التى أتى بها الغنوصيون، ظلت بوضعها كما كانت عليه بالنسبة للرومان واليونان والفرس والمصريين القدماء. ثم يضيف قائلا: " إن فرية وجود المسيح المنقذ منذ البداية هى فرية تاريخية. ولا يمكن القول بأن الأناجيل تقدم معلومة أو يمكن الخروج منها بيسوع كشخصية تاريخية حقيقية. أنه تحريف قائم على أسطورة "..
وكل ما يخرج به ماسىّ بعد ذلك العرض الموثّق و المحبط فى مقارنة المسيحية الحالية بالأساطير المصرية القديمة وغيرها، يقول: "أن اللاهوت المسيحى قام بفرض الإيمان بدلا من المعرفة، وأن العقلية الأوروبية بدأت لتوها بداية الخروج من الشلل العقلى الذى فُرض عليها بتلك العقيدة التى وصلت إلى ذروتها فى عصر الظلمات.. وأن الكنيسة المسيحية قد كافحت بتعصب رهيب من أجل تثبيت نظرياتها الزائفة وقادت صراعات بلا هوادة ضد الطبيعة وضد التطور، وضد أسمى المبادىء الطبيعية لمدة ثمانية عشر قرنا.. لقد أسالت بحورا من الدماء لكى تحافظ على طفو مركب بطرس، وغطت الأرض بمقابر شهداء الفكر الحر، وملأت السماء بالرعب من ذلك الإرهاب الذى فرضته باسم الله " !!
ولا يسعنا بعد هذا العرض الشديد الإيجاز إلا أن نتسائل: كيف لا تزال المؤسسة الفاتيكانية تصر بدأب لحوح على تنصير العالم، وفرض مثل هذه النصوص التى تباعد عنها أتباعها فى الغرب، من كثرة ما اكتشفوا فيها من غرائب و لا معقول، وتعمل جاهدة على اقتلاع الإسلام والمسلمين ؟!.. أذلك هو ما تطلق عليه حب الجار وحب القريب ؟!..
تستقبل الدكتورة زينب عبد العزيز رسائلكم وتعليقاتكم على المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
11-12-2013, 07:26 PM
هَل المَاء حَقًّا سَمِيعٌ عَلِيم
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1228650491654646561323..jpg
صورة لبلورات الثلج مكبرة
إعداد فضيلة الدكتور محمد دودح
طبيب وداعية إسلامي مقيم في مكة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, وبعد:
مع تساقط الثلجSnow على الأرض يكاد يُذهلك التنوع الهائل للبلورات Crystals؛ فلكل بلورة تصميم فريد ولا تكاد تلمس تشابهًا, وتحصل على نفس التنوع بتجميد الماء ومعاينة بلوراته مجهريًا خاصةً بإضاءة جانبية وحقل مظلم Dark field illumination, ولم تُعرف بعد الأسباب وراء هذا التنوع الهائل في شكل البلورات ولم تحدد بعد العوامل المؤثرة, وبناءً على استخدام الموسيقى الهادئة في الطب البديل لتخفيف التوتر بخلاف الضجيج حاول الياباني معلم الطب البديل ماسورو إيموتو Masaru Emoto استخدامها لمعرفة بعض أسباب تنوع البلورات, ووفق ما نُقِل عنه في مقابلاته المنشورة وما جاء في كتابه: رسالة من الماء Message from Water؛ وَضَعَ ماء مقطر بين مكبرين للصوت يُصْدِرَان موسيقى متنوعة لعدة ساعات, وأختبر عدة عوامل أخرى مثل اختلاف مصدر الماء, ونشر النتائج معلنًا حصوله على بلورات تميز كل تأثير, ومن أروع البلورات في رأيه كانت هي التي استمعت إلى معزوفات بتهوفن والصلوات الدينية كالهندوسية والبوذية والكنسية!, واستنتج أن لجزيئات الماء ذاكرة تشكله وفقًا لما سمعه قبل التجميد!, وتوهم إمكان إدراك الماء للقصد والنية Intent والتفهم لدلالة الكلمات, فكتب على أوراق بجوار القوارير أسماء وعبارات وتركها تبيت معها مثل "الأم تريزا" و"شكرا لك" و"هتلر" و"سوف أقتلك", ولكن القول بأن جزيئات الماء تسمع وتقرأ وتعلم بالضمائر وتميز الأعداء بتكوين أشكال ملوثة والفضلاء بأشكال نقية للبلورات؛ قد أدى إلى اعتبار تلك النتائج محض مزاعم زائفة منبعها خلفية فلسفية تحاول ارتداء لباس العلم, فالمعلوم أن بلورات الماء طبيعتها التباين؛ ويُمكن أن ينتخب منها المُدَّعِي أي شكل يُريد ويجعله مُمَيِّزًا لمعزوفة راقت له أو لصلاة تؤديها طائفة ينتمي إليها, ويجعل معيار الحكم على شكل البلورة بالنقاء والتلوث هواه بلا قاعدة واحدة ضابطة, فضلا على أن تلك المزاعم لم تؤكدها أي تجربة أخرى نظيرة مُحايدة تلتزم بالقواعد العلمية, ولهذا نسبها المجتمع العلمي إلى الروحانيات Spirituality أو العلم الكاذب Pseudoscience ؛ خاصة مع إدخال مصطلحات وثنية كتعبير الطاقة الروحية Spiritual Energy وروح مايت Ma'at وهو في المعتقدات المصرية القديمة معبود وثني يُجَسِّد معاني روحية هي الحقيقة والعدل والنظام الكوني, وفكرة الطاقة الروحية الكونية تقوم على فلسفة بديلة للاعتقاد ببينونة الإله عن خلقه؛ فيعتقد الطاويون مثلا بتمثل الذات العلية كوجود روحي معرفي يملأ الفراغ ويتخلل العالم الحسي أسموه الطاقة الكونية!, ومضمون تلك التجارب بالمثل هو استمداد الماء للطاقة من حوله فتعكس بلوراته نقاء المحيط وصفاء الضمير أو تلوثه.
وإذا استبعدنا الأثر الفلسفي تثور جملة تساؤلات تنتظر إجابات يقبلها الفَطِين مثل: هل فقد الثلج فجأة طبيعة التنوع بإخضاعه لمحيط كلمة كُتِبَت باليابانية أو الألمانية فتشكلت كل بلوراته بهيئة واحدة؟, وهل يستطيع بالمثل قراءة كلمات ببقية اللغات السائدة والبائدة!, وهل يمكنه حَقِيقَةً تمييز مضمون التعبير عن ظاهره إذا تناقضا!, ولا يمكن تصنيف الكلمات إلى سَيِّء فَيَسْتَاء الثلج منه أو جَيِّد فَيَبْتَهِج؛ فأي حيرة تُصيبه مع كلمات مثل "جَاءَ" أو "ذَهَب"!, وقد تكون موسيقى الجاز الصاخبة عند بعض الشباب رائعة بخلاف غيرهم فإلى مَن تَحَيَّز!, وكيف شَكَّلَ الثلج البلورات لتبدو ملوثة فصَنِّف هتلر سيئًا بخلاف ما كان يعتقد شعبه!, وكيف مَيَّزَه من بين كل الأسماء المشابهة!, وكيف عَرَفَ أن آغنيس غونكزا بوجاكسيو راهبة أُعِدَّت للتبشير في الهند وعُرِفَت بالأم تريزا ونالت جائزة نوبل عام 1979 لنجاحها؛ فِيُصَنِّفها نقية مع المَرْمُوقِين!.
والقول بأن كل شيء في الطبيعة مثل الكلمة المكتوبة أو المسموعة؛ مهما اختلفت اللغة, يمثل روحًا تسري تؤثر فيما حولها وأن رسم شكل كالصليب يستدعي بالمثل روحًا مُؤَثِّرة قد تشفي أو تدفع ضرر؛ أليس هو مضمون كل العبادات الوثنية حيث الصنم تجسيد لروح ذات مقدرة كما التمائم تجسيد لأرواح يُتَوَهَّم إمكانها جلب منفعة أو دفع ضرر؟, وأما قول إيموتو أن الكلمة ذات تأثير روحي حتى أنها تجسدت وأنشأت الوجود مستشهدا بعبارة ركيكة الصياغة بإنجيل يوحنا مستمدة من الفلسفة اليونانية بلا خلاف عند المحققين؛ فقد كشفت كثيرا من المستور رغم حذره وأيدت أن مقولاته خليط Mixture دخلته الفلسفة اليونانية مع النصرانية وبقية المعتقدات الوثنية كالطاوية؛ وربما المزيد, فيذهب دُوَان Doane مثلا في كتابه أساطير الكتاب المقدس (Bible Myths and Their Parallels in other religion, P172) إلى أن تثليث الطاوية أحد مصادر تثليث النصرانية، فالعقل الأول طاو انبثق من واحد وانبثق منه ثالث هو مصدر الأجساد, وهي نفس فلسفة أزلية الكلمة Logos أو العقل الأول في التثليث, واقتبسها سفر يوحنا المعتمد في كل الكنائس منذ مؤتمر نيقية عام 325م للتصويت حول تأليه المسيح عليه السلام وسماه الكلمة: "في البدء كان الكلمةLogos والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله؛ هذا كان في البدء عند الله.. والكلمة صار جسداً", وأما قوله بأن مقياس ابتهاج البلورات تكون الشكل السداسي Hexagon؛ أي المثلثين المتقابلين وهو رمز طائفي عنصري, فسيجعل الشك في أصالة عمله وموضوعيته أقرب لليقين.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/122865044895456868321.jpg
صورة لبئر زمزم تتدفق المياه منها
ولا تعني المنهجية العلمية في تناول الخبر إنكار تضمنه بعض الحقيقة, وإنما الاحتراز أسلم بعدم التسليم لزعم يعوزه الدليل احتياطًا خشية الاستدراج في وقت لم يكتف المتربصون فيه انتظار زَلَّة؛ بل يُحِيكُون المكائد للمسلمين بغية السخرية والتشكيك بالإثارة العاطفية استنادًا إلى الموروث الثقافي ليضيف البعض اغترارًا تفصيلات بلا تحقيق في مصداقية الخبر, والإدعاء بأن بلورات الماء تعي وتفهم وتتجاوب مع المحيط ومع النقاء تنتشي ومع التلوث تخبو أو حتى ترفض التكون؛ انتهى بالتضخيم إلى أنها تتألق مأخوذة من الوَجْد مع البسملة والقرآن خاصةً بماء زمزم!, ومع قيمته عند المسلمين حيث تهفو النفوس للتَضَلُّع ومعاينة الكعبة المشرفة جاشت العواطف وانتشر الخبر بلا توثيق ولا تحقيق وتبارت النِيَّات الحَسَنة في إضافة الشروح والتفاسير لتتضح المعجزة, ولكن؛ ألا تكفي وفرته بوادٍ جاف لم يشتهر يومًا بزراعة وفي موضع يؤمه الحجيج منذ زمن بعيد دليلا على رعاية الله!, ولا يغرنك قول إيموتو بامتناع ماء زمزم عن التحول لثلج والتبلور حتى خففه ألف مرة بماء سواه؛ فقد احتاط لنفسه ومنحك سعة لِتُفَسِّر كيف شِئْت, وطالما براعة معرفة الطَّالِع وقراءة الكف واستلهام الوَدَع تعود لنفس الكاهن والماء ذو بصيرة سميع عليم؛ فلا يُستبعد إذن أن يُفْتِيه الماء في الكنائس وأنهار الهندوس حول صحة ما يُنْسَب إليه من قدسية فيومئ مُوَافِقًا بِدَهَاء, ليحظى الكل بالسعادة ويَعُم الأرض السَّلاَم!.
أما زعم المكابرين بأن ماء زمزم المتدفق بلا انقطاع منذ القدم ﴿لّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشّارِبِينَ﴾ يفسره القرب من البحر الأحمر فشبهة قديمة زائفة؛ وجوابها: ﴿هََذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهََذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾, ولا يفسر بَرَكَة بئر واحد رَوَى ما لا يمكن إحصاؤه من الحجيج على مر القرون بينما جفت كل الآبار المجاورة سواه, ومكة المكرمة تبعد عن البحر بحوالي 75 كم ويصل ارتفاعها لأكثر من 300 متر فوق سطح البحر, فتدفق ماء عذب لا يفسره إذن بحر مالح لبعد مكة وارتفاع جبالها وشدة ملوحته, وقد تكون روافد البئر عميقة وبعيدة ومتشعبة في شبه الجزيرة لتفيض في منطقة اختارتها العناية الإلهية بعلم مُقْتَدِر موضعًا للبيت العتيق, وشبهة التلوث ردتها كل الاختبارات الأوروبية وأثبتت صلاحية ماء زمزم للشرب؛ فضلا عن تركيب عجيب يناسب الحجيج, فهو غني بالفلوريدات Fluorides النادرة بنسبة تكفي لإبادة الجراثيم مع أملاح الكالسيوم والمغنسيوم المنعشة للحجيج, أليست هذه دلائل للنبهاء على أن اختيار مكة المكرمة قبلةً للمسلمين لم يكن باجتهاد بشر وإنما بعلم الله تعالى ورعايته!.
وأما المُفَاجَأَة فهي تَهَرَّب إيموتو عندما سُئل في موقعه الإلكتروني عن صحة ما قاله في مدينة جدة والقاهرة عن بَرِكَة ماء زمزم وتأثير الأسماء الحُسنى بقوله: "أنا لست مُسْلِمًا ولا أعرف العربية", و"لم يكن عندي مترجمًا لليابانية وكنت أتحدث بإنجليزية ركيكة.., ولذا أعتقد أن ما قلته لم يُفَسَّر بشكل صحيح"!, وحول ما نسبوا إليه من إثباته علميًا امتلاك ماء زمزم قدرةً لعلاج المرض تَنَصَّل في جوابه المنشور بعبارات مُلْتَوِيَة أَشْبَه بالسَّاخِرَة فَحْوَاهَا على النحو التالي: "ماء زمزم امتنع عن التجميد وتكوين بلورات؛ ربما لتلوثه بأملاح اقتضت تطهيره وتخفيفه ألف مرة بإضافة ماء نقي!, وتلوثه جعله كماء البحر الأحمر الذي خطر في بالي أنه أشبه برحم الأم, فاستوحيت أنه قد يكون نافعًا كما يقول المسلمون كمنفعة السائل الأمنيوسي!"؛ وهو ملوث في الرحم بفضلات الجنين!, ثم طَعَنَ إيموتو ظهر كل من خَدَعَهُم بقوله صريحًا: "(إذن) الفكرة بأن ماء زمزم قد يمتلك قوة لعلاج المرض هي فقط تَخَيُّل اسْتَوْحَيتُه وليست شيئًا مَبْنِيًّا على تحقيق علمي"!.
و﴿لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾؛ حتى لا يَغْتَر ضَحَية ويخدعه إفك فيردده بغير دليل ويقين خاصةً في أمر الدين, فيتلقى الطعنة ويهوي في ساحة معركة الدَّجَل بتسليمه لحظةً بفرية أن شيئًا نظيرًا لصنم أصم دون الله تعالى سَمِيعٌ عَلِيم, ويكفيه قول العلي القدير: ﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ المائدة 76, والتعليل للبسملة قبل الشرب بأن الماء ذو بصيرة وإدراك قد أثار شكوك فَطِين فلم يَغِب عنه المضمون في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ﴾ النحل 43؛ فسلك الطريق الأسلم للنجاة بسؤاله أهل العِلْم, فقال فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم: "هذا قول لا أصل له؛ بل هو من الظّن ومن القول على الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) بِغير عِلْم".
إعداد فضيلة الدكتور محمد دودح
[email protected]
وردتنا تعقيب على مقالة الدكتور محمد دودح من الدكتورة عبير الجهني مديرة مركز طبي بالمملكة العربية السعودية ننشره كما هو للفائدة:
سبقني إليكم الدكتور دودح بمقاله الرائع (هل الماء حقا سميع عليم؟) حول نفي مزاعم الياباني إيموتو في إمكان الماء السمع والبصر والفهم وإدراك محيطه والتناغم معه والاحتفاظ بالمعلومات قبل التجميد في ذاكرته ليشكل بلورات نقية أو مشوهة تبعا لطبيعة المحيط, ولكن الدكتور دودح قد انطلق من أساس ديني بنبذ الوثنيات ومنهج علمي بتجنب الخرافات وحدس شخصي برفض ما لا يقبله العقل والمنطق, والمطلوب أن نثبت ذلك معمليا أيضا فنذب عن الإسلام بالتجربة المعملية التي يمكن أن يعيدها غيرنا, فقد أثمر الزعم أن للماء بصيرة وإدراك فنشر موقع معادي للإسلام نكاية وتكذيبا للمسلمين خبر تراجع إيموتو عن أقواله التي ترجمتها إلى العربية ونشرتها جهات وشخصيات لها ثقلها ووزنها الكبير في المملكة العربية السعودية عندنا اغترارا بأن أعماله قد تكون مفيدة للإسلام فنشرت تعلله بصعوبة التحدث بالإنجليزية واتهامه بغير لياقة لتلك الشخصيات المحترمة ذات النشاط الإجتماعي الخيري الواسع في مدينة جدة وسواها والتي دعته على نفقتها الخاصة وأكرمته بسوء فهم كلماته وتفسيرها على غير قصده.
وقد قمنا في معمل مركزنا الطبي بعد انتشار مقولات إيموتو بإعادة تجاربه وتوصلنا إلى نتائج أكيدة كنا على وشك نشرها حتى فاجأنا موقعكم العامر بنشر مقال الدكتور دودح فكان لزاما علينا أن نعلن مساندتكم بنتائج تجاربنا, وللعلم ليس إيموتو طبيبا وإنما هو من ممارسي الطب الشعبي البديل المنتشر بكثرة في جنوب شرق آسيا, وفكرة التصوير المجهري باستخدام الإضاءة الجانية أو الحقل المظلم Dark field ilumination ليست بشيء جديد قد اخترعه إيموتو كما أشيع, فهي تقنية مستخدمة طبيا في معاينة الأجسام الشفافة مجهريا مثل لولبية مرض الزهري Syphilis Spirochete.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1228675678859+9562.jpg
لولبية مرض الزهري باستخدام تقنية الإضاءة الجانية أو الحقل المظلم.
وخلاصة تجاربنا التي أعدناها مرارا في المركز هي أن فقدان الماء لطبيعة التنوع في تكوين البلورات بتكوين بلورة واحدة تميز كل تاثير هي مجرد ادعاء لم يثبت معمليا, فقد حافظت بلورات الثلج على التنوع في جميع التجارب بلا استثناء مهما كان التأثير قبل التجميد, ولم نكتف بليلة واحدة كما أعلن إيموتو وإنما ضاعفنا المدة لتبلغ 24 ساعة من صبيحة دوام رسمي إلى صبيحة اليوم التالي, واستخدمنا عينات مختلفة مثل ماء الصنبور والماء المعدني وماء مطر جمع مباشرة أثناء هطوله وماء من الخليج العربي وآخر من البحر الأحمر, وتطوع أحد العاملين بالمركز واحضر عينة من نهر النيل مباشرة, وأسمعنا تلك العينات من الماء أصواتا مختلفة كما ذكر إيموتو وبدرجات في الشدة متنوعة داخل تجهيز عازل للصوت ولكنه لم يستجب لشيء مطلقا؛ حتى أن أحد المعاونين للمختصين بالمركز اقترح علينا إسماعه شريط أحضره معه لقصيدة دينية بصوت أم كلثوم فظلت طبيعة التنوع كما هي, فاحضر شريطا آخر للسعودي محمد عبده وتندر قائلا: "جايز إن قرد الحاوي الياباني لا يفهم بالمصري", ولكن النتيجة ظلت واحدة, وأسمعناه قراءات وأدعية وأناشيد إسلامية متنوعة وكتبنا له نفس عبارات إيموتو؛ حتى أن ذلك المعاون السابق ذكره قد اقترح علينا أيضا عبارة فكاهية بلهجته الدارجة وكتبناها بعد إلحاح على قارورة هي: "إنطق يا بجم يا أخرس.. أنت والله العظيم أصم وأعمى وأبكم.. دوختنا يا صنم.. متنطق بأه يا بليد إذا كان عندك دم وحس وفهم", ولكن بلا أي تغيير في النتيجة فلم يستجب الماء لشيء على الإطلاق, حتى أننا خجلنا من أنفسنا كيف نجري أساسا مثل هذه التجارب ونتدنى إلى مثل ذلك المستوى الهابط ونستنطق جماد أصم لا عقل له ولا إدراك, فكان عذرنا وعزاءنا في نفس الوقت أن التجربة خير شاهد على أي إدعاء وأن ذلك هو منطق العلم وأن الواجب علينا أن ندع الحقيقة تتحدث عن نفسها لتفضح الأكاذيب.
فقد كان منطلقنا الأساسي هو بحث ما أشاعه إيموتو حول ماء زمزم بالذات وقوله أنه شبيه بماء البحر الأحمر مما قد يعني أنه ملوث بأملاحه كما لو كان يحاول تدعيم الاكذوبة في أن وفرة ماء زمزم وتدفقه بلا انقطاع لقرون بجانب الكعبة المشرفة تحديدا ترجع إلى أنه رافد من البحر الأحمر, وهم بذلك يحاولون نفي خصوصية مكة المكرمة وأن الله تعالى قد اختارها قبلة المسلمين, ولكن نظريا لا يوجد بئر يشهد لهذا الافتراء لقربه من الساحل رغم طول السواحل في العالم, ومعمليا يختلف ماء زمزم عن ماء البحر الأحمر في التركيب, وأما الزعم بامتناع ماء زمزم عن التجمد وتكوين بلورات لتلوثه بأملاح جعلته كالبحر الأحمر فهو أيضا أكذوبة لا تحتاج حتى لمعامل لتنفيها, فماء زمزم يتجمد كغيره إذا أحضرناه من مكة المكرمة ووضعناه في الثلاجات في بيوتنا هنا في السعودية, وحتى ماء البحار الشديد الملوحة يتحول إلى جليد كذلك ويتجمد مع البرودة الشديدة في المناطق القطبية, والتجميد يعني بالطبع تكوين بلورات, وأخيرا نشكركم على ما تنشروه من البحوث الجادة, ونسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والرشاد ولجميع المسلمين.
الدكتورة عبير الجهني
مديرة مركز طبي بالمملكة العربية السعودية
[email protected]
القلب الحزين
11-12-2013, 07:28 PM
سؤال حول الخوارق والظواهر العجيبة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1227351461337242796_0a3cd1bcd1_m.jpgوردنا سؤال من إمام مسجد بفرنسا نصها:
(كثيرا ما نسمع ونشاهد عن مظاهر تدل على خوارق وإعجاز كما يسميها البعض مثل: رأس إنسان او حيوان متشكل في بطيخة أوبططا أو لفض الجلالة أو محمد متشكل تلفيف أذن بشرية أو على فاكهة وما شابه هذا وهنا يهرع الخواص والعوام الينا لنقول كلمتنا فيما يعتبرونه توعا من الإعجاز الإلهي فلا نملك إلا أن نقول سبحان الله، والسؤال: ما هو حكم الشرع في مثل هذه الظواهرالمذكورة وفي غيرها؟)
أجاب عليه مشكوراً فضيلة الدكتور محمد دودح الطبيب والداعية الإسلامية المعروف:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
لا أجيب على هذا السؤال كفتوى شرعية؛ فإنما الفتوى لأهلها, وإنما كباحث علمي يلتزم بمنهج السلف في التحري والتحقيق ونبذ الأوهام والخرافات وسد الطريق أمام المُتَرَبِّصِين, فأقول مستعينًا بالعلي القدير سائله تعالى العون والتوفيق:
كانت المُبالغات في باب الترغيب والترهيب والمواعظ المفتعلة والمكذوبة مدخلا في تاريخ الأمة لنشر الروايات الضعيفة والمكذوبة استلزم لدفعها الكثير من جهود وأعمار المحققين, وربما كان تأثر العامة دافعًا لصناعة ركام من الكذب على خاتم النبيين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ ولكن الأثر البعيد هو منح المُتَرَبِّصِين اليوم مدخلا لإثارة الشبهات طمعًا في النيل من الإسلام, ولا سبيل سوى الالتفاف حول العلماء المحققين لدفع الشبهات وبيان أصول الدين, ويذخر التاريخ بإشاعة أوهام الخوارق والغرائب والخرافات والمزاعم التي لم يقم عليها دليل ففاضت بالمبالغات المفتعلة طلبًا للثواب؛ إن لم تكن صناعة معاول هَدَّامة بغرض النخر في صرح الإسلام العظيم الرَّافع لراية العلم والصدق والتَحَرِّي والتحقيق.
ومع توفر وسائل حديثة للنشر أطلت نفس التجاوزات في باب الترغيب والترهيب وإن كانت بوجه جديد يعتمد على التأثير بالصوت والصورة, ولكن المقولة:
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1227306782989.jpg
الترجمة المنشورة: (هذه الصورة التقطها رجل ألماني وهي صورة لأغصان على هيئة عبارة "لا "إله إلا الله" وهذا المنظر كان بمزرعة بألمانيا، وقد اعتنق كثيرا من الألمان الإسلام بعد رؤية هذه المعجزة, وقد وضعت الحكومة الألمانية سياج من فولاذ لحماية هذه الأغصان).
(أنا لا أكذب على رسول الله بل أكذب له) تُعارضها الدعوة إلى التثبت وعدم القول بغير علم وينالها التهديد الصارم في مثل الحديث النبوي الذي رواه البخاري: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ), ولن تحتاج إلى تتبع أخبار الكرامات وكشف زيفها إذا ما التزمت بقاعدة التحقيق؛ وهي: ما لم يقم عليه دليل فلا يُحتج به, وحتى لو ثَبُت رسم ما يشبه لفظ الجلالة أو اسم النبي الكريم ولم تصنعه في الخفاء يد فلا يعني أنه معجزة مقرونة بالتحدي سلمت من المعارضة تقهر الخصم سواء شكلته السحب أو حشود النحل أو حاكه لحاء الشجر أو نوابغ الثمار, وإذا اعتبرها الفطين كرامات فلن تُبلغه درجة اليقين عدة تساؤلات؛ كالسبب في توجيه النحل همته للكتابة بالعربية فحسب وإهمال غيرها ولا يؤدي دوره لمن هم أولى بالبلاغ إن كان عليما باللغات ومن واجبه إقامة الحجج على البشر!, ولماذا غفل عن إدراك تلك الكرامات في كتابة اللوحات الفنية كل علماء السلف بلا استثناء؛ فهل اكتسب النحل مهارات خاصة في عصرنا ونشط فجأة ليقيم الحجة بين عوام المسلمين وحدهم بصناعة الكرامات!, وليست ببعيد قصة الأشجار التي شاع أنها نمت في ألمانيا فرسمت بسيقانها وأغصانها جملة التوحيد (لا إله إلا الله), فقد رسمها كلوحة فنية من الخيال من عرفته شخصيًّا وجمعتني به نفس الجامعة؛ الدكتور سيد الخضري (رحمه الله تعالى), وسجلها رسميا في الشهر العقاري بالمنصورة في مصر في العاشر من سبتمبر عام ألف وتسعمائة وسبعةٍ وثمانين, وإذا بها تُصبح أعجوبة ترويها أكذوبة, ولك أن تُحصي ما شئت من ادعاءات بزعم أن الكذب والتلفيق يبرره حُسن القصد وتحقيق المصلحة اغترارًا بافتتان العامة؛ إن لم تكن كيد أعداء يصنعون الحيل بمكر ودهاء للاستهزاء والنيل من الإسلام بإظهار المسلمين سُذَّج؛ اعتقاداتهم خرافات.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1227347559dsaduyt5vj7ek.jpg
صورة ملفقة لما يعتقد انها فتاة عمانية
وقصة الفتاة العُمانية التي تحولت لعنزة مشوهة لأنها استهترت بقراءة القرآن مع توثيق الخبر بصورة مصطنعة ملفقة نسبها البعض كعمل فني إلى فنانة فرنسية!, وقصة الشاب الذي فتحوا قبره بعد ثلاث ساعات فوجدوه متفحماً؛ فقد نُسبت الصورة لفتاة احترقت في حادث!, وليس من الصعب اليوم محاولة التوثيق بصورة جسم متفحم خاصة مع توفر إمكانيات تحرير الصور, وصورة الجني الذي قام شاب إماراتي بتصويره في كهف ومات بعد التقاط الصورة مباشرة, ونُشِر لاحقًا أنه عبارة عن نحت مُتقن في كهف وعيونه متصلة بمفتاح كهربائي لإضاءتها باللون الأحمر!, ولو كان الواعظ أو الساخر هذا عليمًا بالإسلام ما تجرأ على اللعب بعقول أمة واعية؛ لقوله تعالى: ﴿إِنّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾ الأعراف 27.
وصورة بالأقمار الصناعية للحرمين تُظهرهما مضيئين ليلا, ولكن التلوين الغامق للمباني المجاورة في صورة التقطت نهارًا تكفي لتقوم بالإيهام بأشعة لا يراها المُجاور للحرم وترصدها الأقمار الصناعية ويُخفي رؤيتها قصدًا كل رواد الفضاء, والإدعاء بتطابق اتجاه الطول الجغرافي مع المغناطيسي في موقع مكة المكرمة لا يستند إلى حقيقة علمية, ولا يفيد الإسلام في شيء إلا التشويش على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم الذي لا يملك معه المُكابر سوى التجاهل أو الافتراء والتشويش, ومثله صورة ادعوا زورًا أنها من وكالة ناسا توضح فلق على سطح القمر يلفه كله كأثر لانشقاقه في عصر النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم, ولكن لا يعلم به كل الجيولوجيين ولا تجد له أثرا في تاريخ وكالة ناسا للفضاء, ويكفي للحذر من مزاعم يعوزها الدليل فضيحة الصورة التي عُرِفَ أن وراءها منتدى يهودي يهزأ بالمسلمين ويستطلع إمكان توجيههم والتأثير على عواطفهم بصورة لجهاز رسم القلب استخدم لمريض بأمريكا وزعموا أنه رَسَمَ لفظ الجلالة.
ومن الغرائب المفتعلة ادعاء اكتشاف شركة أرامكو بالسعودية في الربع الخالي هيكل عظمي عملاق من قوم عاد جمجمته بحجم عدة رجال؛ ثم تبين أن صورة الهيكل المزعومة تلك ليست إلا خدعة قُدِّمَت في مسابقة فنية باسم "العودة لأرض العمالقة" للفنان إيارن كايت من مدينة كالجاري استوحاها من صورة حقيقية منشورة في موقع جامعة كورنل Cornell أخذت بالطائرة عام 2000 لموقع حفريات بحديقة الهايد بارك بنيويورك عُثِرَ فيه على أحد أسلاف الفيل.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12273067259898.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1227306695852.jpg
صورة الهيكل البشري المزيفة بجانب الصورة الأصلية لموقع حفريات
أحد أسلاف الفيل بنيويورك المنشورة بموقع جامعة كورنيل الأمريكية
http://www.graphics.cornell.edu/outreach/mastodon/aerial-views.html
وأما شجرة الكافور المباركة في مصر المنقوش عليها لفظ الجلالة واسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتُشَد إليها الرحال ويتزاحم حولها الناس فمثال صارخ على حال نفوس بلغ فضولها وتشوفها للكرامات واحتياجها لمن يوقظ وعيها تعظيم الغرائب واتخاذها مزارات للتبرك والعبرة, فقد اتخذت الشجرة
مزارا بالفعل ولم ينصت كثيرون لقرار اللجنة العلمية التي فحصتها برئاسة عميد زراعة عين شمس الدكتور عبد العزيز حسن؛ فقد أكدت أن العبارات المكتوبة عليها حفرها شخص منذ أشهر وأفرزت مكان الحفر مادة صبغية أعطت انطباعاً بأن النقش طبيعي, واستمر التزاحم ووجد الباعة المتجولون فرصة لعرض بضائعهم مع محاولة رجال الشرطة تنظيم الحشود, وتسمع من حين لآخر صيحات التكبير وأصوات النساء وهن يجهشن في البكاء, ومن واتته فرصة للاقتراب والتمسح بالشجرة المباركة محظوظ!, ولكن التعظيم والتَّبَرُّك لما يُخيَّل أنه كرامة واتخاذه مزارًا للاعتبار قد دفعه الشيخ ابن تيمية (رحمه الله تعالى) حتى لو كان الموضع لقدمي النبي محمد عليه الصلاة والسلام أو ما زعموا أنه نعله (اقتضاء الصراط المستقيم ج21ص70): "المكان الذي كان النبي صلى
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1227306628665.jpg
صورة للنقوش التي على شجرة الكافور
الله عليه و سلم يُصلي فيه.. لم يكن أحد من السلف يستلمه.., ولا المواضع التي صلى فيها بمكة وغيرها.., وإذا كان هذا ليس بمشروع في موضع قدميه للصلاة فكيف بالنعل الذي هو موضع قدميه للمشي وغيره!, هذا إذا كان النقل صحيحًا فكيف بما لا يُعلم صحته أو بما لا يُعلم أنه كذب؛ كحجارة كثيرة يأخذها الكذابون وينحتون فيها موضع قدم ويزعمون عند الجهال أن هذا موضع قدم النبي صلى الله عليه وسلم, وإذا كان هذا غير مشروع في موضع قدميه.., فكيف بما يُقال أنه موضع قدميه كذبًا وافتراءً عليه!.., لم يُشرِّع النبي صلى الله عليه وسلم قصد شيء من هذه البقاع لصلاة ولا دعاء ولا غير ذلك, وأما تقبيل شيء من ذلك والتمسح به فالأمر فيه أظهر, إذ قد علم العلماء بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا ليس من شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
يتبـــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
11-12-2013, 07:30 PM
يتبــــع الموضوع السابق
سؤال حول الخوارق والظواهر العجيبة
وشاول اليهودي المسمى بولس لم ير المسيح عليه السلام قط واضطهد أتباعه من بعده بعنف, ولما أعيته الحيل ادعى أنه رآه عيانًا وحَمَّلَه وصايا؛ قد حَرَّفت رسالته إلى اعتقادات وطقوس وثنية, ونُسبت بالمثل رؤيا مزعومة لخادم الحجرة النبوية زعمت أنه رأى النبي محمد صلى الله عليه وسلم عيانًا وأوصاه أن يُبلغ الناس بترك المعاصي, وأن من يكتب وصيته ويرسلها من بلد إلى بلد بُني له قصر في الجنة وإلا حُرِّمت عليه الشفاعة النبوية, ولكن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى كذَّبها وبين زيفها وجهل مفتريها بقوله: "مُفتري هذه الوصية قد جاء في القرن الرابع عشر يريد أن يلبّس على الناس دينهم ويشرع لهم دينا جديدا يترتب عليه دخول الجنة لمن أخذ بتشريعه وحرمان الجنة ودخوله النار لمن لم يأخذ بتشريعه، ويريد أن يجعل هذه الوصية التي افتراها أعظم من القرآن.., لأن من كتب القرآن الكريم وأرسله من بلد إلى بلد.. لم يحصل له هذا الفضل.., ومن لم يكتب القرآن ولم يرسله من بلد إلى بلد لم يُحْرم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.., وهذه الفرية الواحدة في هذه الوصية تكفي وحدها للدلالة على بطلانها وكذب ناشرها ووقاحته وغباوته وبعده عن معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدى..، ولو أقسم مفتريها ألف قسم أو أكثر على صحتها ولو دعا على نفسه بأعظم العذاب وأشد النكال على أنه صادق لم يكن صادقا ولم تكن صحيحة، بل هي؛ والله ثم والله, من أعظم الكذب وأقبح الباطل، ونحن نُشْهِدُ اللهَ سبحانه.. أن هذه الوصية كذب وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم", فهل ترى أن مدعي الوصية تلميذ نجيب لليهودي شاول وأن الحيل قد أعيته بالمثل لكن مهمته في مواجهة الإسلام أصعب!.
وقصة رجل طلع من قبره وآخر التَفَّت عليه حية في قبره؛ أنكرها فضيلة الشيخ صالح الفوزان بقوله: "نحن يعيش معنا دجالون وكذابون, يعيشون معنا إما بداخل بلادنا وإما يندسون من الخارج ويروجون هذه الأمور، في المدينة.. ميت (التفت) عليه حية..، و(لكن) قد أبطل أهل المدينة هذه الحكاية وقالوا ما رأيناها ولا لها أصل ولا حصلت وإنما هي كذب، ثم الآن (زعموا أن) واحد طلع من القبر..، (ولكن).. هذا من الكذب ومن التدجيل ومن جملة طريق الموعظة (المبنية على الكذب)..، هذا مثل (من كانوا) يضعون الحديث يكذبون على الرسول صلى الله عليه وسلم ويقولون هذا من باب الترقيق والموعظة ولا يضر, (ولكن).. هذا من الكذب على الله عز وجل والكذب على رسوله صلى الله عليه وسلم".
ومن الغريب الادعاء بأن جزيئات الماء تسمع وتفهم الحديث بكل اللغات فتتشكل البللورات تبعًا للمعنى: مع الثناء تلمع ومع السباب تبدو مُشَوَّهة, ومع القرآن تتألق مأخوذة من الوَجْد!, لكن هذا الوَجْد المزعوم تغطية بدهاء لمبدأ الطاقة الكونية في الأديان الشرقية الوثنية والتي يعتبرونها بديلا عن الإله في طلاقة المعرفة, ولم تؤكد المراجع العلمية الخبر وظنه أحدهم حقيقة علمية فاعتبره سببًا للبسملة عند المسلمين حين الشرب لأن جزيئات الماء واعية تسمع وتعقل!, فقال فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم: "هذا قول لا أصل له؛ بل هو من الظّن ومن القول على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بِغير عِلْم".
وقد كشف ابن تيمية (رحمه الله تعالى) سر بعض الخوارق المزعومة بقوله (الجواب الصحيح ج3ص324): "إن كثيرا من الناس بل أكثرهم تدهشهم الخوارق حتى يصدقوا صاحبها قبل النظر (شرعا وعقلا) في إمكان دعواه", و(المنار المنيف ج1ص150): "بين يدي الدجال الأكبر صاحب الخوارق دجالين كذابين", و(الجواب الصحيح ج2ص339): "قد صنف بعض الناس مصنفا في حيل الرهبان مثل الحيلة المحكية عن أحدهم في جعل الماء زيتا بأن يكون الزيت في جوف منارة فإذا نقص صب فيها ماء فيطفو الزيت على الماء فيظن الحاضرون أن نفس الماء انقلب زيتا, ومثل الحيلة المحكية عنهم في ارتفاع النخلة؛ وهو أن بعضهم مر بدير راهب وأسفل منه نخلة فأراه النخلة صعدت شيئا شيئا حتى حاذت الدير, فأخذ من رطبها ثم نزلت حتى عادت كما كانت, فكشف الرجل الحيلة فوجد النخلة في سفينة في مكان منخفض إذا أرسل عليه الماء امتلأ حتى تصعد السفينة, وإذا صرف الماء إلى موضع آخر هبطت السفينة, ومثل الحيلة المحكية عنهم في التكحل بدموع السيدة يضعون كحلا في ماء متحرك حركة لطيفة فيسيل حتى ينزل من تلك الصورة فيخرج من عينها فيظن أنه دموع, ومثل الحيلة التي صنعوها بالصورة.. (فقالوا) هذه صورة السيدة مريم, وأصلها خشبة نخلة سقيت (بالدهن).., وصار الدهن يخرج منها دهنًا مصنوعا يُظن أنه من بركة الصورة, ومن حيلهم الكثيرة النار.., نار مصنوعة يضلون بها عوامهم يظنون أنها نزلت من السماء ويتبركون بها وإنما هي (صنيعة).. وتلبيس, ومثل ذلك كثير من حيل النصارى", وقد تناقلت المواقع النصرانية الزعم بزيارة السيدة مريم العذراء عليها السلام لحفيد مذيعة مصرية مُصاب بسرطان الدماغ مع قسيس مُعاون, وباستخدام أدوات حديثة أزالت الورم بعملية جراحية أمام دهشة المذيعة ومن حضر من الأقارب, لكن الخبر بلغ المذيعة فكَذَّبَته وفضحت الحيلة في الصحافة بقولها: "المواقع المسيحية كاذبة, وليس لي حفيد؛ وإِنَّما حفيدة مُعافاة", والمفارقة أن القسيس نفسه قد أصابته لاحقًا جلطة في الدماغ فلم يستنجد بالسيدة العذراء وفَضَّل الانتقال إلى المستشفى"!.
وظهر في حماة نبع أكدوا قدرته على شفاء كل الأمراض المستعصية, فمَثَّل فرجًا لمن ينتظر معجزة فابتنى الآمال على الرمال؛ وتقاطر الناس من كل صوب كأنه الحج ليفيقوا على وهم لا وجود له, وعاطل أصبح فجأة شيخًا بلا عبء دراسة؛ يُعالج السحر, ومع ذيوع صيته كيف يَشُك فيه أحد!, فللتشخيص يكفيه النظر للمرأة واسم الأم بلا حاجة لمعامل, ولا يضع يده على موضع الداء إلا للعلاج, ولا يقبل إلا الهدية عملا بالسنة النبوية, والمؤشرات عديدة على تراجع المنهج العلمي المنطقي والعقلي عملا بتعاليم الدين فانحطت بعض أنماط التفكير إلى ما يُشبه عصر الجاهلية, وحتى لو ثبت تشابه نقش على شيء كحجر أصم مع لفظ بأي لغة فلن يعدو كونه لطيفة فحسب, والإسلام ليس كغيره محتاجًا لشعوذة وافتعال كرامات كظهور العذراء بمصر أو روما وإنما يتحدى العالمين ويُوقظ النابهين بكتابه المُعجز وتشريعه الوافي الموافق للفطرة, ولا مجال فيه لشعار الكهنوت الكنسي: (لا تحل البركة إلا على ابن الطاعة العمياء, ومن يطلب دليلا مطرود من الجَنَّة), وانتشال التائهين واستنهاض منهج التَحَرِّي والتحقيق مَنُوط بالنُّبهاء والمحققين حتى تعود للدين السيادة في حياة المسلمين.
يمكن التواصل مع الدكتور دودح على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
11-12-2013, 07:31 PM
الفاتيكان وندوة الحوار
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذ الحضارة الفرنسية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1226182753large_7297_59651.jpg
بابا الفاتيكان يستقبل مفتي البوسنا (احد المشاركين في الحوار)
إنعقدت ندوة الحوار المسيحى الإسلامى فى الفاتيكان من4 الى 6 نوفمبر الحالى(2008). ولفهم حقيقة ما يدور فى المؤسسة الفاتيكانية لا بد من نظرة سريعة لما سبقها من أحداث.. ففي السابع والعشرين من شهر أكتوبر 2008 نشرت مواقع الفاتيكان بيانا ، بعناوين مختلفة حتى لا يبدو انه مقصود النشر، حول اللقاء المغلق الذي سيدور في الفاتيكان تحت عنوان "ندوة الحوار الإسلامي-المسيحي" ، موضحا أن برنامج ذلك اللقاء قد تم وضعه في شهر مارس الماضي، أثناء أحد اللقاءات التي تتم دوريا. والمعروف إنها تتم بين مجموعة من المسلمين الموالين للفاتيكان، فهو الذي ينتقيهم، وأخرى من العاملين به.. كما أعلن ذلك البيان أن اللقاء المحدد له من 4 إلى 6 نوفمبر 2008 قد سبقته عدة لقاءات مسيحية إسلامية في أماكن مختلفة من العالم.. وهو ما يكشف عن كيفية قيادة الفاتيكان وإعداده لهذه اللقاءات التي يرمى من خلالها إلى الحصول على مزيد من التنازلات.. فالحوار في نصوص الفاتيكان المنشورة يعنى " كسب الوقت حتى تتم عملية التنصير" ..
وكان آخر هذه الاجتماعات ما تم انعقاده يومي 24 و 25 أكتوبر الماضي ، في تركيا، بين المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية وجامعة مرمرة، تحت عنوان "العلاقات بين العقل والإيمان في الإسلام والمسيحية". واجتماع آخر في مطلع الإسبوع، في مدينة بروكسل، بمبادرة من مجمع الكنائس الأوروبي ومجلس المجامع الأسقفية الأوروبية، وكان بين الحاضرين الكاردينال جان-بيير ريكار (J.P.Ricard) الذي راح يكرر مطلب بنديكت 16 بعد تلقيه خطاب ال138 مسلما، من أنه يتعيّن على المسلمين أن يسلكوا نفس الطريق الذي سلكه الفاتيكان في القرنين الماضيين وتطبيق مطالب عصر التنوير، وخاصة ما يتعلق منها بحقوق الإنسان وحرية العقيدة وممارستها علناً!..
والمعروف أن خروج الفاتيكان عن تعاليم دينه وتبرئة اليهود من دم المسيح واستبعاد المسلمين من نسل سيدنا إبراهيم وفرض تنصير العالم بل والاعتراف بأن الكتاب المقدس من صياغة بشر وليس من عند الله، هي من أهم قرارات مجمع الفاتيكان الثاني الذي كان من توابع عصر التنوير، وكل ذلك مكتوب ومنشور في وثيقة "في زماننا هذا" منذ عام 1965 والتي كرر الكاردينال جان لوي توران أكثر من مرة قائلا: "أنها ستكون حجر الأساس للحوار بين الفاتيكان والمسلمين"، وهو القائل قبل ذلك " انه لا يمكن إيجاد حوار مع المسلمين طالما يعتقدون أن القرآن منزّل من عند الله! " ، والتعليق تم نشره آنذاك في كل الصحف.. فهل سيقوم المسلمون بالخروج عن دينهم وتبديل آيات القرآن الكريم واستبعاد بعضها مرضاة للفاتيكان أو تمشيا مع سياسته الرامية إلى اقتلاع الإسلام بأيدي المسلمين ؟؟. إن الخطاب الذي وقّعوا عليه يقولون فيه: "قل هو الله أحد الله الصمد" مستبعدين بقية السورة القائلة "لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد" ، وهى إدانة صريحة من الله عز وجل لفرية تأليه السيد المسيح وبدعة الثالوث إدانة بلا مواربة.
كما أوضح ريكار أن "حرية العقيدة تعنى حرية الانتقال من ديانة إلى أخرى أو ترك الديانة دون أن يترتب على ذلك أية ردود أفعال"، والمقصود بها حد الردة، وهو كما قال: "موضوع حساس بالنسبة لكثير من المسلمين، لكنني أعتقد أن الاندماج الكامل في المجتمعات الأوروبية يتضمن هذه الحرية، كما أن مبدأ الحرية الدينية يجب إن تكون له قيمة متبادلة، أي أن توجد في أوروبا وفى البلدان الإسلامية " ! وهو ما يكشف حقيقة ما يحاك للوجود الإسلامي في الغرب وكيف أن الاندماج في تلك المجتمعات يعنى، في نظر الفاتيكان، إلا يتشرب المسلمون عادات المسيحيين وتقاليدهم فحسب وإنما أن يتشرّبوا عقيدتهم أيضا؛ كما يتضمن الإصرار على بناء كنائس في ارض المملكة السعودية وهو ما يحاول الفاتيكان فرضه عن طريق الدهاليز الدبلوماسية.
ومن اللقاءات السابقة والممهدة لندوة 4-6 نوفمبر، المحاضرة التي ألقاها القس كريستيان ترول (Ch. Troll) في لندن بعنوان "نحو التزام مسيحي-إسلامي" ، بحضور كل من أسقف كانتربرى ، روان ويليامز، الذي يلعب دورا واضحا في تلك اللقاءات التابعة للبابا، إضافة إلى عبد الحكيم مراد وينتر وعارف على النايض ، ويعتبران من أهم شخصيات لقاء 4-6 نوفمبر الممالئة للفاتيكان على حد ما يُفهم من المقالات التي يمليها على وسائل إعلامه.
وعلى الرغم من الإعلان عن أن كل وفد سيتكون من 29 فردا من بينهم بعض السيدات، إلا أن الفاتيكان لم يعلن إلا عن أسماء خمسة فقط من كل جانب. وأوضح أن أسماء المسلمين المشاركون في ذلك الحوار المغلق هي: عبد الحكيم مراد وينتر البريطاني، وعارف على النايض الليبي، وكلاهما أستاذ في جامعة كمبردج، وإبراهيم كالين التركي، ويقوم بالتدريس في كلية يسوع بجامعة جورج تاون بواشنطن، وسهيل نخّودة الأردني، مدير مجلة "إسلاميكا مجازين" التابعة للفاتيكان، والإيطالي يحيى بللافتشينى وكان من فرق الهيبيز السابقين .. وإن خرجنا بشيء من هذه الأسماء ، إضافة إلى ما نشر عن حضور طارق رمضان أو محمود عزب ، لأدركنا بوضوح كيف أن الفاتيكان يستعين بقدرات كل من يمكنه تمرير طلباته المخادعة والهادمة للإسلام سواء عن عمد أو عن جهل..
وفيما بين الثاني والثالث من نوفمبر وقبل بداية ذلك الحوار المغلق نشرت الصحف والإذاعات الفرنسية العامة والمسيحية حوارات وموضوعات تشترك جميعها في عرض الموضوع وكيف أنه بدأ بالخطاب الذي ألقاه البابا في راتسبون وفُهم منه "خطأ" انه سب الإسلام والمسلمين ، فأُصيب المسلمون بالهلع، فتقدم 138 من كبار العلماء بخطاب يناشدون فيه البابا قائلين "تعالى إلى كلمة سواء ، ولنبحث عن المشترك بيننا" – فيبدو الأمر وكأن المسلمون قد خافوا من أن يتمادى البابا في كشف "مساوئ" الإسلام فقرروا لمّ الموضوع وترك الخلافات، التي أوضحها الله عز وجل في كتابه الكريم، ليبحثوا مع الفاتيكان عن المشترك بين الديانتين – ويا للعار !..
ومن المؤسف أن يكون هذا موقف تلك المؤسسة الدينية وتعاملها بوجهين، إن لم يكن بعدة أوجه، فالحقيقة التي تكشفت آنذاك في مواقعها ونصوصها هي: أن البابا قد قلق من رد فعل المسلمين وطالب الكاردينال جان لوي توران أن يتصرف لمحاصرة الموقف!.. فبدأ باللجوء إلى من يراهم من الموالين له من المسلمين وتمخضت اللعبة عن ذلك الخطاب الفضيحة الذي يقول فيه المسلمون أنهم يعبدون نفس الإله مع المسيحيين ، متناسين أننا نعبد الله الذي ليس كمثله شيء ، خالق الكون بكل ما به، بينما يعبد المسيحيون "ربنا يسوع المسيح الذي تجسد بشرا وعُذب وصُلب وقُبر ونزل في الجحيم ثلاثة أيام ثم صعد وجلس عن يمين الآب الذي هو نفسه" !. وهو ما يقوله بنديكت 16 في كافة خطبه وأحاديثه، مؤكدا انه لا خلاص لكافة البشر إلا بيسوع المسيح، بل وذلك ما قاله احد أعضاء الفاتيكان في أول جلسة افتتاحية لذلك الحوار المنعقد من 4 إلى 6 نوفمبر، ولا نملك إلا أن نتساءل هل يعبد المسلمون مثل هذه الفريات المختلقة عبر المجامع على مر العصور والتي لا يقبلها عقل ولا منطق ؟!.
وفى الكلمة التي ألقاها البابا بنديكت 16 باللغة الإنجليزية، صباح يوم الخميس 6 نوفمبر الحالي، أمام أعضاء الوفدين في تلك الندوة المغلقة، ونشرتها جريدة "لا كروا" نقلا عن الفاتيكان ، قال بنديكت 16 في تعريفه للإله الذي يعبده هو وأتباعه قائلا:
" يُعلن التراث المسيحي أن الله محبة (يوحنا 4:16) ومن منطلق الحب خلق الكون بأسره، وبحبه أصبح موجوداً في التاريخ الإنساني. ولقد أصبح حب الله مرئيا، متجلّياً كاملا ونهائيا في يسوع المسيح. وهكذا نزل ليقابل الإنسان، وبينما ظل بكونه الله، أتخذ شكل طبيعتنا. وأعطى نفسه لكى يستعيد الكرامة الكاملة لكل شخص ويجلب لنا الخلاص" ، إذ يقول النص بكل وضوح :
"The christian tradition proclaims that God is Love (1 Jn 4:16). It was out of love that he created the whole universe, and by his love becomes present in human history. He thus came down to meet man and, while remaining God, took on our nature. He gave himself in order to restore full dignity to each person and to bring us salvation"
فهل ذلك هو مفهوم الله عند المسلمين حتى يسكت الحاضرون ويبصمون ؟!..
ولا أقول شيئا عن باقي المطالب التي جاهر بها البابا، من قبيل التأكيد على نسيان سوء الفهم واجتياز كل الخلافات و حماية الحقوق الأساسية للإنسان كحرية المعتقد وحرية العقيدة والعنف الذي يلاقيه رجال الدين أو العنف باسم الدين، فهي بحاجة إلى مقال على حدة، فأقل ما كان يجب أن يقال له : إن كان هناك ثمة عنف باسم الدين من جانب المسلمين فهو يقينا كرد فعل ضد عمليات التبشير والتنصير التي تقودها الكنيسة بهيستريا عبر العالم الإسلامي !
أما البيان الختامي الصادر عن اللجنة المجتمعة مساء يوم 6/11، فقد تضمن 12 بندا تدور حول المساواة بين الرجل والمرأة، وحرية المعتقد وحرية العقيدة، وإنشاء نظام إقتصادى أخلاقي، ورفض العنف والإرهاب باسم الدين، وهى وثيقة بحاجة إلى دراسة وردّ تفصيلي، لكننا نتوقف عند أول بند، الذي تأخذ ديباجته نصف صفحة تقريبا، بينما باقي البنود قد صيغ كل منها في سطرين أو ثلاثة.
يتناول البند الأول التعريف بحب الله وحب القريب بالنسبة للمسيحيين وفقا لإنجيل يوحنا، وتحديد أن هذا الحب خاص بالإنسانية جمعاء وبكل البشر" لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية " (3 : 16) وان هذا الحب قد وُضع في القلب البشرى عن طريق الروح القدس ..
أما بالنسبة للمسلمين فيعتمد حب الله والقريب في هذا البيان على ما ورد بخطاب "كلمة سواء" الذي تمت فيه عملية بتر مغرضة للآيات القرآنية، دون ذكرها في البيان، وإنما تم الاستشهاد بحديثين لمسلم والبخاري، مع إضافة : " أن هذا الحب، كما يحدده القديس المحبوب ماأوميه، هذا الحب أقدم من الحب الإنساني للإله الوحيد الحقيقي" ! ( le Saint et Bien-aimé prophète Mahomet ) والمقصود ب "القديس المحبوب ماأوميه" هو سيدنا محمد صلوات الله عليه، فكلمة "ماأوميه" هو التحريف الذي اشتقه التعصب الكنسي عبر التاريخ لاستبعاد اسم سيدنا محمد عن الذاكرة العامة، على الأقل في الغرب، الذي يعرف تماما كيف يكتب اسم محمد حينما يتعلق بأي شخص آخر إلا رسول الله ! وكان الأكرم لهؤلاء المشاركين، لو كانت لديهم ثمة غيرة على دينهم أو اى احترام لنبيهم أن يحتجوا ويطالبوا الفاتيكان بتعديل كتابة اسم سيدنا محمد بدلا من التوقيع على ذلك التحريف !. أما الإله الوحيد الحقيقي في نظر تلك المؤسسة المجحفة فيقصد به "ربنا يسوع المسيح"، وهو ما لا يكف بنديكت 16 عن ترديده في كافة كتاباته وخطبه، وانه الطريق الوحيد لخلاص كل البشر !. وما أكثر الخلط والتلاعب بالألفاظ في هذه الوثائق ..
ومن مهازل إفراد هؤلاء المسلمين، ان يدلى الدكتور مصطفى شريف، الجزائرى، بحديث لإذاعة الفاتيكان تم نشره يوم 6/11 فى موقع الإذاعة يقول فيه بكل مغالطة: "بكل اسف، يعانى المسيحيون على ارض الواقع فى البلدان الإسلامية وخاصة فى العراق" !. وكان الأكرم له أن يتهم ذلك الإحتلال الغاشم السياسى-الدينى، الذى راح ضحيته اكثر من مليون شهيد ومشرّد عراقى، فقوافل المبشرين التى غزت العراق ضمن العتاد الحربى الأمريكى فضحته الصحافة الغربية والأمريكية قبل ان تتناوله الصحافة العربية والإسلامية.. فإن فرضنا جدلا وكانت هناك أية ردود افعال من المسلمين، سواء فى العراق او فى اى بلد إسلامى، فهى ردود أفعال نتيجة لكل ما يمارس عليها من تنصير استفزازى سواء للمسلمين او لمعالم البلدان الإسلامية. وكان الأكرم له ان يطالب بحماية الفلسطينيين من طغيان الصهاينة الذين عاون الفاتيكان على تأسيس دولة لهم مغتصبة على ارض فلسطين وان يطالب بفك الحصار المميت عن سكان غزة وغيرها، او ان يطالب بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، او أضعف الإيمان ان يذكر ويدين عمليات التنصير الدائرة على ارض الجزائر ذات المليون شهيد !!
ولا يسعنى إلا ان اقول لتلك الحفنة المفرّطة فى دينها جهلا او عن عمد، ان تتقى الله، وأن تقرأ نصوص الفاتيكان الخاصة بالحوار وغيره، لتدرك الهاوية التى يسوقون إليها انفسهم أولا، قبل أن يسوقوا الإسلام والمسلمين، الذين لم ينتخبوهم ولم يوكلو إليهم عقد اللقاءات باسمهم او التوقيع على قرارات مجحفة، كل المطلوب منها كسب الوقت والحصول على مزيد من التنازلات، وكان الأكرم لهم ان يطالبوا ذلك البابا ومؤسساته الفاتيكانية بوقف تنصير العالم الذى يقوده بجبروت محموم عن غير وجه حق..
وتختنق العبارات فى الحلق حزناً وألماً على عمليات التفريط والتطبيع التى تُفرض على المسلمين، بأيدي قيادات مسلمة فى شتى المجالات، هان عليها دينها وبلدانها فى زحمة وزخم زحفها لمراضاة الغرب المسيحى المتعصب ومطالبه الظالمة، من أجل حفنة وعود زائلة ..
7/11/2008
يمكن التواصل مع الدكتور زينب على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
11-12-2013, 07:40 PM
عدنان ولينا والمسيح الدجال ومخطط تشويه عقائد أطفالنا
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225394853230px-future_boy_conan.gif صورة لعدنان ولينا أبطال المسلسل
إعداد الأستاذ طارق عبده إسماعيل
كتاب وباحث في الطب النبوي
اندلعت الحرب العالمية......عام 2008 وحل الدمار والخراب.....؟؟
هذا المسلسل الكرتوني يعتبره الناس من أروع ما قدم للأطفال ومن اشد معجبيه الكبار... إنه مسلسل عدنان ولينا أو فتى المستقبل كونان Future Boy Conan. (http://en.wikipedia.org/wiki/Future_Boy_Conan)
اشتهر المسلسل باسم عدنان ولينا نسبة لاسم البطلين الرئيسيين، لكن اسمه الرسمي للنسخة العربية هو "مغامرات عدنان ولينا" وهو مسلسل ياباني مدبلج إلى
العربية من إنتاج شركة Nippon Animation، مكون من 26 حلقة، عرض على الشاشات العربية خلال فترة الثمانيات، ومازال يعرض حتى الآن على بعض القنوات.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225394918123.jpg صورة لغلاف الرواية الأصلية The Incredible Tide
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225394989alexander-key.jpg
صورة لمؤلف العمل Alexander Key
أشرف على إخراجه المخرج ميازاكي أحد أعظم مخرجي ورسامي الرسوم المتحركة اليابانية، وكان ذلك في عام 1978 م وهو مقتبس عن رواية The Incredible Tide (http://en.wikipedia.org/wiki/The_Incredible_Tide) أي المد المذهل، لألكسندر كي Alexander Key (http://en.wikipedia.org/wiki/Alexander_Key) وهو كاتب أمريكي.
ولكن !
هل خلف هذا المسلسل الكرتوني سر أو أمر يحتاج الى نظر وتفسير لقصته ولشخصياته ؟؟
هل هذا المسلسل الكرتوني ضمن الغزو الفكري والثقافي لأطفالنا ؟؟
لماذا عام 2008م بالذات ؟؟
ماذا تمثل شخصية عدنان ؟؟
ماذا تمثل شخصية لينا ؟؟
من هو جد لينا ؟؟
ما هي ارض الأمل؟؟
لماذا هذا المسلسل الكرتوني بالذات يعاد تحديثه كل عشرون عام ؟؟
لماذا هذا المسلسل الكرتوني بالذات تم الإنفاق عليه مادياً بشكل كبير حتى تعدي باقي أنواع أفلام الكرتون الأخرى وصار ضمن ألعاب الكمبيوتر وليس بطريقة العرض فقط , وتم دبلجته ليصير باللغة العربية وليس فقط بل بمعظم اللهجات العربية ؟؟
ربما يقول قائل أنني من ضمن المبالغين بنظرية المؤامرة وعندي هوس بها وقد بالغت في أمر هذا المسلسل الكرتوني وهو لا يعدو كونه مسلسل كرتون قد أشتهر لأسباب فنية بحتة.
هنا أدعوكم للمقارنة بين قصة المسيح الدجال وما يدور حولها كما جاءت بالسنة النبوية الصحيحة وقصة عدنان ولينا وما يدور حولها , لنقف بموضوعية ونري هل الأمر مجرد قصة عادية أم هناك تعمد وتشبيه مقصود بموضوع المسيح الدجال وبالطبع يتخلله بعض الأكاذيب التي تصب في صالح هذا الدجال وما يلتف حوله من يهود..... والله المستعان.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/122539477510-1.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/122539473512-1.jpg
صورة لجد لينا الرجل الأعور ضخم الجثة وتظهر علامة على جبينه
شخصية جد الطفلة لينا (الدكتور رامي أو ) وهي الشخصية المتشابها في صفاتها الشكلية والفعلية لشخصية الدجال في الكثير وسنري هل ذلك تمهيد نفسي لتقبل شخصية الدجال الحقيقية فيما بعد أم لا.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225395192story_12.gif
صورة للقلعة التي تقع في الجزيرة النائية التي سجن فيها الدكتور رامي
أولا الصفات الشكلية:
1- (أعور العين) وهنا نتسأل عن هذا الأمر الغريب في شكله وموضوعه لهذه الشخصية الكرتونية , فعوار العين لا يظهر بشكل عين مصابة أو مرتدي نظارة سوداء وإنما بشكل عين ممسوحة , والغريب أيضاً أن هذه القصة ليس لها علاقة بموضوع العيون من قريب أو بعيد, وهذا العوار غير مرغوب أساساً في قصص الأطفال !!
فما الداعي لإبراز صفة المسيح الدجال من ناحية عوار عينه ومسحها كما وصفها رسول الله , وجعل ذلك وصفاً لهذه الشخصية الكرتونية بدون سبب مقنع له علاقة بموضوع القصة , لو افترضنا جدلاً أنها قصة عادية ؟؟
2- (أجلي الجبهة ومرسوم عليها ثلاث علامات) في إشارة واضحة لوصف رسول الله للدجال بأنه عريض الجبهة ومكتوب عليها ثلاث حروف ك ف ر فهل يعقل أن تكون ذلك مصادفة لقصة عادية , وهل هذه العلامات الثلاث لها علاقة بموضوع قصة أطفال عادية ؟؟
3- (ضخم الجثة) وهذه من صفات الدجال أيضا اتي ذكرها رسول الله وليس لها علاقة بالقصة لو افترضنا أنها قصة أطفال عادية لاسيما أن الشخصية هذه تمثل شخصية جد والمفروض أن كبار السن تكون أجسامهم ضعيفة وصغيرة الحجم وليست ضخمة جداً ,أضخم من أجسام المصارعين الشباب , فهل ذلك مصادفة ؟؟
والآن نستعرض الصفات الفعلية لنفس الشخصية
1- ( مقيد بالسلاسل في جزيرة بالبحر) وهذه أيضاً صفة من الصفات التي ذكرها رسول الله عن المسيح الدجال فهل هذه مصادفة غير مقصودة أيضاً ؟؟
2- (يأمر السماء فينزل المطر علي الأرض الجدباء فتصير يانعة خضراء) وهذه أيضاً من الصفات التي ذكرها رسول الله عن الدجال , فهل ذلك مصادفة غير مقصودة أيضاً ؟؟
3- (يخلق بشر ومخلوقات) بهذه الأرض الخضراء , وهذه صفة قد ذكر رسول الله أن المسيح الدجال سوف يقوم بذلك بمساعدة الشياطين حتى تتوهم الناس أنه يخلق بشر, فهل ذلك مصادفة وقصة أطفال عادية ؟؟
بعض الشخصيات الأخرى:-
عبسي
فتى يرمز إلي العرب أسما وموضوعاً بالصورة السيئة التي ينشرها الإعلام اليهودي العالمي علي كافة المستويات وليس في هذا المسلسل الكرتوني فقط
فتجد اسمه عبسي في إشارة لإحدى القبائل العربية الشهيرة ويصطاد الضفادع والسحالي والفئران ليأكلها , في مبالغة وتنفير لما هو معروف بالجزيرة العربية عن صيد وأكل الضب ثم تجد هذه الشخصية متصفة بالتفاهة وليس له هم إلا بطنه , والبلاهة والغباء من صفاته بالإضافة لظهوره سكران ومحشش وهذه هي الصفات التي يلصقوها بالعرب لتشويه سمعة الإسلام أيضاً.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225397177jimsy_3.jpg
صورة لشخصية عبسي
علام:
هو شخصية قيادية شريرة ويوسم الناس بالصليب وهو علي عداوة شديدة مع شخصية الدكتور رامي السابقة وبالطبع ترمز شخصية علام الكرتونية هذه لشخصية نزول المسيح عليه السلام ولكن من رؤية يهودية وليست إسلامية اللهم إلا كسر الصليب في نهاية المسلسل.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/122539494851jv11npzml._sl500_aa280_.jpg
صورة لشخصية علام التي ترمز للمسيح الذي يقاتل الدجال
عدنان ولين:
لينا شخصية طفلة لطيفة تكلم الطير وتتخاطب معه وهي حفيدة الدكتور رامي , ولعله يتضح من صفاتها في التخاطب مع الطيور أنها ترمز لإسرائيل وعدنان هو من أحفاد سيدنا سليمان وداود عليهما السلام كما يحبوا أن يوصفوا بذلك.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225395123lana.jpg
صورة لشخصية لينا التي ترمز لإسرائيل
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225395028912a.jpg
صورة لشخصية عدنان في أرض الأمل(أرض الميعاد) التي ترمز لأحفاد داود وسليمان وهو رمز للقوة
أحداث ومواقف
هناك الكثير من الأحداث والمواقف التي تصب في صالح اليهود والدجال والنظريات التي تمثلهم مثل :-
الحرب العالمية الثالثة وما يعقبها من نزع سلاح العالم بقيادة جد لينا لكي يعيش العالم في سلام , وهذه الدعوة بالمناسبة موجودة في التوراة المحرفة ومعركة هرمجدون بين الخير والشر.
أرض الأمل وأرض الميعاد التي تسعي لينا وجدها للوصول إليها في إشارة واضحة لفلسطين ومكانتها عند اليهود في أنها الأرض المباركة لهم.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/122539468843a41.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225395299img2891.jpg
صورة لأبطال المسلسل (عدنان ولينا يعودون إلى أرض الأمل (أرض الميعاد)
وأخيراً نقول
استحالة أن تكون كل هذه الرموز المتشابهة محل صدفة غير مقصودة في القصة
فالكل يعرف ما هو تأثير الأفلام الكرتونية لدى الأطفال ، وخاصة بعد ظهور العديد من الدراسات التي تشير إلى أن هذه الأفلام تشكل خطرا على عقائد المسلمين وأنها أسهل طريقة لغزو الشعوب الإسلامية واختراق أجيالها ، لأنها تدخل في وجدان الطفل في فترة يكون خالي الذهن ولا يعي ما الذي يحدث ولا يدرك الضرر الناتج عما يتلقاه ، فيأخذه عقله الباطن بتخزين كل ما يشاهده ويظل مدسوسا في داخل أعماقه ينمو معه كلما كبر مشوهاً عقيدته الصحيحة وممهداً لما تم بثه من عقائد فاسدة من قبل عن طريق هذه الأدوات الإعلامية الجذابة , لاسيما أن وسائل الإعلام العالمية في أيدي اليهود وكذلك منهم مؤسسين علم النفس الحديث كفرويد وغيره ويعرفوا كيف يستخدموا هذا العلم لخدمة أهدافهم, فلنحذر ولنراقب ما يشاهده أطفالنا ولندرك قدر ما يحيك لنا أعدائنا علي كافة الأصعدة.
تنسيق وترتيب
طارق عبده إسماعيل
باحث بالطب النبوي وكاتب إسلامي
www.tbarasol.com (http://www.tbarasol.com/)
المراجع
http://en.wikipedia.org/wiki/Future_Boy_Conan (http://en.wikipedia.org/wiki/Future_Boy_Conan)
http://en.wikipedia.org/wiki/Alexander_Key (http://en.wikipedia.org/wiki/Alexander_Key)
http://en.wikipedia.org/wiki/The_Incredible_Tide (http://en.wikipedia.org/wiki/Alexander_Key)
http://en.wikipedia.org/wiki/Future_Boy_Conan (http://en.wikipedia.org/wiki/Future_Boy_Conan)
http://www.nippon-animation.co.jp/na/conan (http://www.nippon-animation.co.jp/na/conan/)
القلب الحزين
11-12-2013, 07:42 PM
هل القراءات السبع تحريف للقرآن
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/122389071531904.imgcache_%28custom%29.jpg
صورة لمصحف سيدنا عثمان رضي الله عنه
وردنا سؤال من أحد زوار موقعنا تم نشره كما وردنا بدون زيارة أو نقصان ثم تم الرد عليه.
السلام عليكم...
كنت أقرأ المقالة حول وجود اختلافات في الأناجيل مما يدل على وجود تحريف فيها
وعدت بالذاكرة لموضوع أقلقني كثيراً وهو القراءات السبع
نقطة القوة في القرآن الكريم هي أنه لا يجوز تغيير أي حرف فيه. لدرجة أنه مرسوم ومعروف أنه على الرسم العثماني
لكنني سمعت أن هناك قراءات متعددة للقرآن عددها سبعة قراءات وهناك اختلافات بينها ببعض الكلمات
لنتحرر قليلاً من خوفنا ولنسأل، إن كان الوضع كما أفهمه حول القراءات السبعة، أليس هذا تحريفاً أو محاولة لتحريف القرآن؟
هل خاطب الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد بالقرآن بعدة طرق؟
ألا ترى أن هذا نوع من وجود أخطاء ؟
ألم يجمع سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه القرآن في المصحف المعروف حالياً وبالترتيب الذي أوصى به رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم؟
وألم يأتِ بعده سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وبقي القرآن على حاله؟
برأيي هناك أحد الحلين:
إما أن القرآن هو القرآن بالرسم العثماني كما نعرفه اليوم
أو أن القرآن يحوي على تحريف في حال كانت القراءات السبعة موجودة بالفعل واستغفر الله العظيم
وما سؤالي إلا لليقين
أتمنى أن أسمع رأيك
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوك علي السكيف
أجاب على هذا السؤال مشكوراً فضيلة الدكتور عبد الرحيم الشريف (http://www.quran-m.com/firas/arabic/?page=pro_alem&id=41&select_page=allem) أستاذ التفسير في جامعة الزرقاء ـ الأردن
وهذه الشبهة قديمة، أجاب عنها الإمام ابن حزم [1] بتفصيل، اختصاره:
كل هذا لا متعلق لهم بشيء منه على ما نبين بما لا إشكال فيه على أحد من الناس، وبالله التوفيق:
- أما قولهم: إننا مختلفون في قراءة كتابنا، فبعضنا يزيد حروفاً وبعضنا يسقطها فليس هذا اختلافاً، بل هو اتفاق مِنَّا صحيح؛ لأن تلك الحروف وتلك القراءات كلها مبلَّغ بنقل الكوافِّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها نزلت كلها عليه، فأيُّ تلك القراءات قرأنا فهي صحيحة، وهي محصورة كلها مضبوطة معلومة لا زيادة فيها ولا نقص، فبَطُل التعلُّق بهذا..
- وأما قولهم: إن طائفة من علمائنا الذين أخذنا عنهم ديننا ذكروا أن عثمان رضي الله عنه إذ كتب المصحف الذي جمع الناس عليه، أسقط ستة أحرف من الأحرف المنزلة، واقتصر على حرف منها، فهو ظنٌّ ظنه ذلك القائل، أخطأ فيه، وليس كما قال.
بل كل هذا باطل ببرهان كالشمس وهو: أن عثمان رضي الله عنه لم يكن إلا وجزيرة العرب كلها مملوءة بالمسلمين، والمصاحف والمساجد، والقراء يُعلِّمون الصبيان والنساء وكل من دب وهب، واليمن كلها، وهي في أيامه مدن، وقرى البحرين كذلك، وعُمَان كذلك وهي بلاد واسعة مدن وقرى ومُلكُها عظيم، ومكة والطائف والمدينة والشام كلها كذلك، والجزيرة بالعراق كذلك ومصر كلها كذلك والكوفة والبصرة كذلك في كل هذه البلاد من المصاحف والقراء ما لا يحصي عددهم إلا الله تعالى وحده فلو رام عثمان رضي الله عنه ما ذكروا، ما قدر على ذلك أصلاً.
- وأما قولهم: إنه جمع الناس على مصحف [ كَتَبَه بهواه ] فباطل، ما كان يقدر على ذلك لما ذكرنا، ولا ذهب عثمان t قط إلى جمعِ الناس على مصحف كَتَبَه، إنما خشي أن يأتي فاسق يسعى في كيد الدين، أو أن يهم واهمٌ من أهل الخير، فيبدل شيئاً من المصحف يفعل ذلك عمداً وهذا وهماً فيكون اختلاف يؤدي إلى الضلال، فكتب مصاحف مجتَمَعَاً عليها، وبعث إلى كل أفق مصحفاً. لكي: إن وهم واهمٌ أو بدَّل مبدلٌّ، رجع إلى المصحف المجتمع عليه فانكشف الحق، وبطُل الكيد والوهم.
- وأما قول من قال: " أبطلَ باقي الأحرف الستة ". فقد كذب من قال ذلك، بل الأحرف السبعة كلها موجودة عندنا، قائمة كما كانت، والحمد لله رب العالمين. [2]
لا يوجد أي وجه تشابه بين اختلاف القراءات القرآنية المتواترة، وتناقض وتحريف الأناجيل الأربعة (بل وطبعات الإنجيل الواحد)؛ لأن:
1. القراءات المتواترة كلها معلوم مضبوط محدَّد، لا يُختلف في لفظ واحد منها، تجدها ذاتها في أوائل كتب التفسير أو القراءات، والكتب المعاصِرة هيَ هيَ.
فلا يُقبَل ابتداع قراءة ما، بزعم أنها الأليق بالسياق القرآني، أو لأنها أصحّ.
في المقابل: تخضع طبعات الكتاب المقدس لتحريف أهواء الكتبة، دون نكير من خاصَّة المؤمنين به وعامَّتهم. [3]
2. لكل قراءة سند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأسانيد متواترة، لرواة معلومين، يستحيل تواطؤهم على الكذب.
في المقابل: لا يوجد سند متصل واحد لأيٍّ من الأناجيل. [4]
3. يستحيل وجود قراءة متواترة تتناقض مع قراءة أخرى، بل تتكامل في معناها. [5]
ودليل ذلك: أن القراءات معلومة مبيَّنة في مختلف كتب السَّلَف والخَلَف، ومع كثرة بحوث ودراسات المستشرقين ـ وتلاميذهم ـ منذ مئات السنين، إلا أنهم لم يُظهِروا قراءة واحدة متواترة، تتناقض مع قراءة أخرى. في مقابل ما يُرى بأدنى تأمُّل من تناقض الواضح بين الأناجيل، واختلاف كلمات وجُمَل الإنجيل الواحد من طبعة لأخرى. [6]
ولمَّا كانت قصة (هداية بولس) التي سببت انتقاله من اليهودية إلى النصرانية دليل صدق رسالته عند النصارى، ومن ثم إعطائه صلاحيات واسعة لنسخِ ما شاء من (الناموس)، سيُكتفى ببيان ما حملته روايات تلك القصة من تناقضات.
فقد زعم بولس أنه لقي المسيح بعد ثلاث سنوات من صلبه، ودعاه إلى ترك اليهودية واعتناق النصرانية.. وكان ذلك حين كان بولس متجهاً إلى دمشق، لكن عند التحقيق في قصة رؤية بولس للمسيح يتبين أنها إحدى كذبات بولس وأوهامه، ودليل لذلك يتضح بالمقارنة بين روايات القصة في العهد الجديد، حيث وردت القصة ثلاث مرات في أعمال الرسل: أولاها في (9/3-22)، والثانية: من كلام بولس في خطبته أمام الشعب (22/6-11)، والثالثة: رواية بولس أمام الملك أغريباس (26/12-18)، كما أشار بولس للقصة في مواضع متعددة في رسائله.
وعند دراسة القصة في مواضعها الثلاثة يتبين تناقضها في مواضع، منها:
أ - جاء في الرواية الأولى "وأما الرجال المسافرون معه، فوقفوا صامتين يسمعون الصوت، ولا ينظرون أحداً " (أعمال 9/7)، بينما جاء في الرواية الثانية: "المسافرون لم يسمعوا الصوت " (أعمال 22/9)، فهل سمع المسافرون الصوت أم لا؟
ب - جاء في الرواية الأولى والثانية أن المسيح طلب من بولس أن يذهب إلى دمشق حيث سيخبَر هناك بالتعليمات: " قال له الرب: قم وادخل المدينة فيقال لك: ماذا ينبغي أن تفعل" (أعمال 9/6)، " قلت ماذا أفعل يا رب؟ فقال لي الرب: قم واذهب إلى دمشق وهناك يقال لك عن جميع ما ترتب لك أن تفعل " (أعمال 22/10)، بينما يذكر في الرواية الثالثة أن المسيح أخبره بتعليماته بنفسه، فقد قال له: " قم وقف على رجليك، لأني لهذا ظهرت لك، لأنتخبك خادماً وشاهداً بما رأيت وبما سأظهر لك به، منقذاً إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم.." (أعمال 26/16-18).
ج - جاء في الرواية الثانية أن المسافرين مع بولس " نظروا النور وارتعبوا " (أعمال 22/9)، لكنه في الرواية الأولى يقول: "ولا ينظرون أحداً " (أعمال 9/7).
د - جاء في الرواية الأولى والثانية أن بولس " وحده سقط على الأرض" (أعمال 9/4)، بينما المسافرون وقفوا، وفي الرواية الثالثة أن الجميع سقطوا، فقد جاء فيها "سقطنا جميعاً على الأرض " (أعمال 26/14).
هـ - جاء في الرواية الأولى " أن نوراً أبرق حوله من السماء " (أعمال 9/3)، ومثله في الرواية الثانية (انظر أعمال 22/6)، غير أن الرواية الثالثة تقول: "أبرق حولي وحول الذاهبين معي" (أعمال 26/13).
فحدثٌ بهذه الأهمية في تاريخ بولس ثم النصرانية لا يجوز أن تقع فيه مثل هذه الاختلافات.
إن تقديم شهادات متناقضة كهذه أمام محكمة ابتدائية في أي قضية ـ ولتكن حادثة من حوادث السير على الطرق ـ لكفيل برفضها جميعاً، فما بالنا إذا كانت القضية تتعلق بعقيدة يتوقف عليها المصير الأبدي لملايين البشر. [7]
4. القرآن الكريم بكل قراءاته المتواترة هو كلام الله عز وجل يقيناً بلفظه ومعناه، لكل منها مصدر واحد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن الله عز وجل. قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ) [التوبة: 6].
فالعهد القديم تعاقَبَ عليه كثير من الكتبة، آخرهم كاتب خاتمة سفر المكابيين الثاني [15/39 – 40] ـ وهو آخر أسفار العهد القديم الكاثوليكية ـ الذي قال: " إن كنت قد أحسنت التأليف، وأصبت الغرض، فذلك ما كنت أتمنى، وإن كان قد لحقني الوهن والتقصير فإني قد بذلت وسعي، ثم كما أن شرب الخمر وحدها أو شرب الماء وحده مضر، وإنما تطيب الخمر ممزوجة بالماء وتعقب لذة وطرباً، كذلك تنميق الكلام على هذا الأسلوب يطرب مسامع مطالعي التأليف ".
وجاء في مدخل تفسير سفر نشيد الإنشاد: " مَن الذي ألَّفه؟ وفي أي تاريخ؟ ولماذا ألِّف؟ وإذا صحَّ أنَّ وجوده في قانون الكتاب المقدس لم يكن إلا مصادفة، فكيف اكتسبَ مكانه؟ حتى إنه وجد دوره في رُتبة الفصح اليهودي في وقت لاحق! إنَّ ترتيب الكتاب عسير التحديد، مع تكرار لآيات ومواضيع وصور ومواقف.. ". [8]
أما الأناجيل فهي مجرد قصص مكتوبة، يقول لوقا في مقدمة إنجيله [1/1-4]: " كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً ـ إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق ـ أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علِّمتَ به ".
وهذا النص يُبيِّن:
- أن كثيراً من الناس قاموا " بتأليف " قصص عن (سيرة حياة) يسوع، تحمل " وجهة نظرهم " لتلك السيرة.
- هدف ما قام به لوقا، كتابة رسالة إلى صديقه " ثاوفيلس "، وذلك " لتعرف صحة الكلام "، أي ليس لهدف إلهي ديني.
- تصريح لوقا أنه لم يرَ المسيح ولكنه ناقل " كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة".
ماذا غير القصص ؟ غير القصص ستجد سلامات، كما في إنجيل يوحنا [2/13] : " يُسلِّم عليك أولاد أختك ". وفيه أيضاً سلامات أخرى [3/1-14]: " غايس الحبيب الذي أحبه بالحق. أيها الحبيب في كل شيء أروم أن تكون ناجحاً وصحيحاً... سلام لك، يسلم عليك الأحباء، سلم على الأحباء بأسمائهم ". وانظر السلامات في رسائل بولس ومنها: (تيموثاوس الثانية 4/13 - 21 ورومية 16/1 – 21 وفيلبي 2/26 -28 و 4/21 – 22).
وصدق أبو عبيدة الخزرجي رحمه الله تعالى، حين قال في مناظرته لأحد رجال دينهم " ومن طالع كتبكم وأناجيلكم وجد فيها من العجائب ما يقضي له بأن شرائعكم، وأحكامكم ونقولكم قد تفرَّقت.. وليس هذا بغريب، فأناجيلكم ما هي إلا حكايات وتواريخ وكلام كهنة وتلاميذ وغيرهم، حتى إني أحلف بالذي لا إله إلا هو أن تاريخ الطبري عندنا أصح نقلاً من الإنجيل، ويعتمد عليه العاقل أكثر. مع أن التاريخ عندنا لا يجوز أن ينبني عليه شيء من أمر الدين، وإنما هو فكاهات في المجالس. وتقولون مع ذلك: إن الإنجيل كتاب الله، أنزله إلينا، وأمرنا المسيح باتباعه، فليت شعري أين هذا الإنجيل المنزل من عند الله، وأين كلماته من بين هذه الكلمات؟! ". [9]
يؤيد كلامه، أنك لو تتبعت الأناجيل، لما وجدت ما يشعر بأن أياً منها صادر من مُلهَم يكتب وحياً، فمثلاً يقول لوقا في إنجيله [3/23]: " ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو ـ على ما كان يُظَن ـ ابن يوسف.. ".
فألفاظ " نحو " و" يُظَن " لا تصدران عن ملهم جازم بما يقول.
ومثله في خاتمة إنجيل يوحنا يقول [20/30]: " وأما هذه فقد كتبتُ لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله "، وقد كتبه بطلب الناس لا الروح القدس، وهو لا يقول بأن الله ألهمه ذلك.
كذا قول بولس في رسالته الأولى إلى كورنثوس [7/12] للمتزوج بغير المؤمنة: " أقول لهم أنا لا الرب..". وفيها أيضاً يقول [7/25]: " وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهنّ "، فهل نصدق بولس، وهو يصف كلامه هنا بأنه رأي شخصي، أم نصدق النصارى الذين يقولون عن هذه العبارات: إنها ملهمة ؟
بل يؤكد بولس في رسالته الثانية إلى كورنثوس، أن بعض ما يصدر عنه هو محض رأي بشري واجتهاد شخصي، فيقول [8/8-10]: " لست أقول على سبيل الأمر، بل باجتهاد.. أعطي رأياً في هذا أيضاً ". وفيها أيضاً [11/16]: " الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب، بل كأنه في غباوة في جسارة الافتخار هذه ".
5. يوجد أصل صحيح للقرآن الكريم بكافة قراءاته، وأي مصحف جديد يُكتَب، يجب أن يعود إلى الأصل.
6. المُعوَّل عليه في تبليغ القرآن الكريم ـ وقراءته ـ من السلف إلى الخلف، هو السماع. فقد نقل الله عز وجل القرآن الكريم إلى جبريل عليه السلام مسموعاً، ونقله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عنه سماعاً، ونقله الصحابة الكرام عنه سماعاً، والتابعون عنهم سماعاً.. وهكذا حتى وصل إلينا، يتوافق المحفوظ في الصدور، مع المكتوب على السطور.
بينما عشرات الآلاف من مخطوطات الأناجيل، لا يوجد منها مخطوطتان متفقتان قطعاً. [10]
يمكن التواصل مع الدكتور عبد الرحيم الشريف:
[email protected]
هوامش المقالة:
--------------
1) هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (ت456هـ)، كان والده من الوزراء، عُرِفَ بغزارة العلم وكثرة التصنيف، فبلغت تواليفه في الفقه، والحديث، والأصول والنحل والملل، وغير ذلك من التاريخ، والنسب، وكتب الأدب، والرد على المعارض، نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقةٍ، وهذا شيء ما علمناه لأحد ممن كان في دولة الإسلام قبله، إلا للطبري. انظر: معجم الأدباء، ياقوت الحموي 12/199.
2) انظر: الفِصَل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم 2/64-65. وسبق الحديث عن القراءات والأحرف السبعة في المبحث الأول من الفصل الثاني من الباب الأول.
3) أحصى باحثون ألمان مائتي ألف خطأ واختلاف في مخطوطات الكتاب المقدس، بينما لم يجدوا أخطاء وتناقضات في مخطوطات القرآن الكريم، في مشروع ضخم استمر لسنة 1934م، وذلك بعقد مقارنات بين آلاف المخطوطات. انظر مقال: عرض لكتاب: مراحل جمع القرآن، دراسة مقارنة مع التوراة والإنجيل "، د. محمد مصطفى الأعظمي، مجلة المجتمع، عدد 1629، تاريخ 4/12/2004م، الكويت.
4) اعترف القس (بافندر) بعدم وجود أي إسناد لأي إنجيل، انظر: هل العهد الجديد كلمة الله ؟، د. منقذ السقار، ص 7.
5) قال ابن الجزري في النشر 1/28: " مع كثرة اختلاف القراءات وتنوعها، لم يتطرق إليه [أي القرآن الكريم] تضاد ولا تناقض ولا تخالف، بل كله يصدق بعضه بعضاً، ويُبيِّن بعضه بعضاً، ويشهد بعضه لبعض. على نمط واحد، وأسلوب واحد. وما ذاك إلا آية بالغة، وبرهان قاطع، على صدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ".
6) جاء في دائرة المعارف البريطانية: " إن مقتبسات آباء الكنيسة من العهد الجديد، والتي تغطي كله تقريباً، تظهر أكثر من مائة وخمسين ألفاً من الاختلافات بين النصوص". انظر: هل العهد الجديد كلمة الله ؟، د. منقذ السقار، ص 8.
7) انظر: هل العهد الجديد كلمة الله ؟، د. منقذ السقار، ص 22-23. وانظر فيه: تناقضات الأناجيل، ص 107-120.
8) تفسير الكتاب المقدس / كتب الحكمة، جمعيات الكتاب المقدس، ص 1378.
9) مقامع هامات الصلبان، أبو عبيدة الخزرجي، تحقيق: محمد شامة، ص157.
10) اعترف بذلك " دينيس نينهام " (D.Nheenham) مفسر إنجيل مرقص، وقال " شميت " (Shmidt): " لا توجد صفحة واحدة من الأناجيل، لا يحتوي نصها الأقدم على اختلافات عديدة ". انظر: هل العهد الجديد كلمة الله ؟، د. منقذ السقار، ص 7-8.
القلب الحزين
12-12-2013, 03:10 PM
رد الشبهات حول خبر السماوات
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12214818571.jpgبقلم: حسن بن يوسف شهاب الدين
عِندَمَا يَقرَأُ المُتَأَمِّل في كِتَابِ الله تَعَالَى يَجِدُ أَنَّ السَّمَاء تَأتي مَرَّةً بِمَعنَى سَمَاء الكَون, وأُخرى بِمَعنَى الغِلاف الجَوّي المُحيط بالأرض, لهذا أمرنَا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عِنْدَ قِرَاءةِ القُرآنِ الكَريم بالتفَكرِ والتَعقلِ والتَدبرِ, وبالتالي يَجِبُ رَبط الآيات بِبَعضِهَا لِلوصُولِ إلى المَعنَى الصحيح, ومِنه قَولُ الله تَعَالَى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [ سورة محمد:{24}].
ولأنَّ من وَضَعَ الشبهات حول موضوع السماوات لم يتفكر وكان هَمه الوصول لثغرة في كتابٍ لا يأتيهِ الباطل من بين يديه ولا من خلفه, هذا الكتاب الذي أنزله الله سبحانه وتعالى عربياً فيه من الأسرار البلاغية ما أذهل علماء اللغة وأهل الفصاحة والبيان, قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [سورة يوسف:{2}]. وما وضعت هذه الشبهة إلاَّ لأنَّ صاحبها لا يعرف كثيراً من أصول اللغة, فحقه علينا الإجابة وبيان ما أشكل عليه.
السؤال:
قال الله تعالى في سورة البقرة: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {29}﴾, وهنا نرى أن الله خلق ما في الأرض جميعاً.. و كلمة جميعاً تعنى أن الله خلق الأشجار والبحار والأنهار والجبال وكل ما في الأرض جميعاً...... ثم استوى إلى السماء وسواها... ولكنة يقول في سورة النازعات: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا{27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا {29} وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا {30} أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا {31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {32} مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {33}﴾, ومن الآيات هنا نعرف أن الله سوى السماء أولاً وأصبح هناك ليل وضحى ثم بعد ذلك دحا الأرض وخلق الماء والمرعى من الأرض وأرسى الجبال.... وهذا يناقض ما جاء في (سورة البقرة 29) التي تقول أن الله سبحانه وتعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ ((( جَمِيعاً)))﴾ أي بما فيها من ماء ومرعى وجبال قبل خلق السماء, ونجد في سورة فصلت: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ{9} وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ {10} ثُمّ اسْتَوَىَ إِلَى السّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ{11} فَقَضَاهُنّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىَ فِي كُلّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيّنّا السّمَآءَ الدّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾, فهنا الله خلق الأرض أولاً ووضع فيها الرواسي ثم سوى السماء.. بينما في النازعات يقول أن الله سوى السماء أولا ثم جعل الرواسي في الأرض حيث قال: (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا). السؤال هنا: هل الله خلق كل ما في الأرض جميعا من ماء ومرعى وجبال ثم سوى السماء بحسب ( سورة البقرة 29 ) أم أن الله سوى السماء أولا ثم خلق ما في الأرض من ماء ومرعى وجبال بحسب ( سورة النازعات 27- 31)؟, إن الماء والمرعى والجبال هل هي أشياء في الأرض أم لا؟
الجواب:
السماء: كل ما علاك فأظلك, ومنه قيل لسقف البيت: سماء. والسماء: المطر لنزوله من السماء. ومنه قول الشاعر:
إذا سقط السماء بأرض قوم *** رعيناه وإن كانوا غضابا
والسماء في القرآن الكريم على حد علمنا لها معنيين هما: سماء الكون, وسماء الأرض (السماء الدنيا) المؤلفة من طبقات.
سماء الكون:
قال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة الأنبياء:{30}].
هذه بداية خلق الكون الذي علمت في هذا القرن بنظرية الانفجار الأعظم, حيث بدأت قصة الخلق بقول من الله سبحانه وتعالى: (كن), فكان وتطور حتى وصل إلى الشكل الذي نراه اليوم, وهذا الكون الممكن الإدراك ليس أزلياً ولا يتجاوز عمره: 13.7 (10-14) بليون سنة وكان قبله عدم, لقول الله تعالى: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [سورة النحل:{3}].
وأصل الخلق: التقدير المستقيم، ويُستعمل في إبداع الشيء من غير أصل (من العدم).
حيث كان الكون في اللحظات الأولى سديم ذو كثافة عالية جداً وكتلة كبيرة وحجم صغير, ونستطيع أن نلاحظ أن السماوات والأرض كانت شيئاً واحداً قبل الفتق, وهذا يعني أن الأرض لم تكن كياناً مستقلاً بذاتها لأنها كانت قبل الفتق ملتحمة مع السماء, وبعد الفتق كانت كما أراد الله لها أن تكون.
وبعد هذا الانفجار العظيم (الفتق) أصبح الكون يتوسع بتقدير من خالقه سبحانه وتعالى الذي عبر عنه بلفظ السماء فقال سبحانه: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [سورة الذاريات: {47}]. وهذا ما يدل عليه علماء الفيزياء من نظرية توسع الكون, وما نحن الآن إلا في أحضان هذه السماء التي تتوسع لتصل إلى كثافة حرجة تجعلها تنطوي لتعود كما كانت بأمر الله تعالى, وهذا ما يعبر عن نهاية الكون, لأن لكل مخلوق أجل ونهاية, وكذلك السماء الكونية تنتهي وفق نظرية يسميها العلماء (الانسحاق العظيم), فقال سبحانه وتعالى: ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [سورة الأنبياء:{104}].
هذه هي سماء الكون من البداية إلى النهاية كما أخبرنا عنها كتاب الله تعالى الذي لا تنقضي عجائبه, وأكد هذه المعلومات أهل النهى وعلم الفيزياء وأصحابه.
ومنه فسماء الكون خلقت قبل أن تكون الأرض كياناً مستقلاً.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1221481797550px-cmb_timeline75.jpg الشكل التالي يوضح نشأة الكون من العدم
أما سماء الأرض (الغلاف الغازي): هي انبعاث دخاني من الأرض الأولية الملتهبة تَمَيَّزَ مع الوقت إلى طبقات فوقنا لكل منها وظيفة محددة, وثبت بالعلم أن الأرض كانت شبه متجانسة بلا ملامح وبأمر من الله تعالى ومع الحرارة والتوازن نزل الحديد إلى اللب لتوازنها وتزيد من جاذبيتها, وخرجت المواد الأخف ليكون السطح قطعاً تميد, فأرساها الله تعالى بالجبال تحت حجب الدخان وأبخرة الماء تمهيداً لخلافة الإنسان مصداقاً لقول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةًَ ﴾ [سورة البقرة:{30}]. ونشأت حيوانات الرعي فأخرج من الأرض الماء والمراعي, وهذا الوصف هو نفس المضمون في قوله تعالى: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ ﴾ [سورة النازعات]!.
وجاء التعبير عن سماء الأرض (الغلاف الغازي) مرة بلفظ السماء وإضافة (الدنيا) إليها, ومرة بدون إضافتها عندما يُعْرَف من خلال القراءة أن السماء المقصودة هي السماء الدنيا (الغلاف الغازي), ومنه قول الله تعالى: ﴿ إِنّا زَيّنّا السّمَآءَ الدّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾.[سورة الصافات:{6}]. فربما يقول قائل: أن الكواكب موجودة خارج الغلاف الغازي للأرض, فكيف زينت هذه السماء بالكواكب؟. والجواب: أنه لولا هذا الغلاف الغازي الذي يعمل كمرشح نستطيع من خلاله رؤية الكواكب, لما رأينا إلا ظلاماً حالكاً وهذا ما أكده رواد الفضاء عند خروجهم من الغلاف الجوي, وهذا مصداق قول الله تعالى: ﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾ [سورة الحجر:{14-15}].:
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1221481914600px-hubble_ultra_deep_field.jpg صورة للسماء وهي مزينة بالكواكب
وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ [ الأنبياء:{32}]. يحفظ الأرض من النيازك والشهب التي ترد من خارج الأرض وغلافها الغازي الذي يشكل (درعاً واقياً لها), ويحفظ ما في داخلها لقوله عزَّ وجَلّ: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾ [ سورة الطارق:{11}].
أما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [سورة فُصِّلَت {9-12}].
وقوله سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [سورة البقرة: {29}].
يظهر من الآيات السابقة أنَّ الله سبحانه وتعالى خلق الأرض قبل السماء، لأنَّ السماء المقصودة هنا هي الغلاف الغازي المحيط بالأرض الذي تشكل من دخان الأرض نفسها.
أما في قول الله تعالى في سورة النازعات: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدّ خَلْقاً أَمِ السّمَآءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ﴾ [النازعات:27-33].
فالسماء المقصودة هي سماء الكون التي خلقها قبل أن تكون الأرض كياناً مستقلاً بذاته.
خلق الكون في ستة أيام
أكد القرآن الكريم في أكثر من آية من آياته الجلية أنَّ خَلْقَ العالم قد تمَّ (فِي سِتّةِ أَيّامٍ) في عملية واحدة متصلة ذات مراحل كما لو كان بناءً واحداً تتابع تشييد خطة تصميمه المقدرة منذ البدء, وإذا اعتمدنا نفس التمثيل واعتبرنا عمر الكون حتى الاكتمال ستة أيام يكون نصيب الأرض وحدها منذ تشكلها مع المجرة إلى الاكتمال أربعة أيام, وإذا تميزت الأرض كجرم مستقل في يومين لا يبقى للجو إلا يومين مع تشكل السطح الصخري ونشأة الحياة, وهو نفس التمثيل في قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ [فصلت{9-10}], وإذا كانت النشأة الحقيقية للأرض كنظام حركي ترجع إلى حوالي 8.4 بليون سنة قبل أن تعمر بالنبات الذي بدأ يطلق أكسجين الجو منذ حوالي 0.25 بليون سنة علامة على تكامل البناء, يكون عمر الكون الفعلي في التمثيل بنفس القيمة المعروفة الآن: 12.5 (10-15) بليون سنة.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/122148182912.jpg
انظر إلى اللون الأحمر الذي يدل على نشأة سماء الكون, ومن ثم انظر إلى اللون الأزرق الغامق, الذي يدل على نشأة سماء الأرض (الغلاف الغازي), وهذا دليل علمي على صدق القرآن الكريم وأنه كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وحقيقة خلق الكون وبناءه وفق ترتيب مذهل يظهر واضحاً وجلياً في قول الله تعالى: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدّ خَلْقاً أَمِ السّمَآءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ﴾ [النازعات:27-33]. لأنَّّ التعبير ﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا﴾ يوافق ما أكده العلماء من توسع الكون في البدء, وهو مصداق قول الله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [سورة الذاريات:{47}]. والفعل: ﴿ بَنَاهَا ﴾ أتى بصيغة الماضي ليعبر تعبيراً تصويرياً عن اكتمال خلق الكون, ويقصر التوسع على فترة البناء, لأن الخلق غير البناء, فالخلق إبداع الشيء من العدم, والبناء يتم بعد الخلق, وكأنَّه تمثيل ببناء بيت في أيام متتابعة ذات مراحل متوالية مقدرة منذ البدء, والضمير في ﴿ لَيْلَهَا ﴾ يعود على السماء ليدل على ظلمتها الحالكة فوق الغلاف الغازي للأرض تشبيهاً بالليل, والفعل ﴿ أَغْطَشَ ﴾ جاء ليؤكد حلكة السماء مع التوسع واضمحلال تركيز طاقة مادة البناء, لتحول الطاقة إلى مادة, وفق قانون التحويل: (الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء), والتعبير﴿ أَخْرَجَ ضُحَاهاَ﴾ تمثيل للسطوع التدريجي للشمس فترة الضحى, أما في قوله سبحانه: ﴿ وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ فهو يناظر علمياً فترة التسطيح في تاريخ الأرض ويتفق مع المعلوم حالياً أن عمر سطحها لا يكاد يبغ 4.5 بليون سنة, لأنَّ الدحو من التسطيح, وأجمع علماء المسلمين وأهل التفسير أنَّ من معاني (دحو الأرض) بسطها وتسطيحها وإخراج الماء والمراعي من داخلها على هيئة بخار ماء خرج من باطن الأرض عبر البراكين والذي نزل بدوره على شكل أمطار تشكلت منها المياه الجوفية وتفجرت الينابيع والأنهار, فأنبت منها النبات, وفي هذا سبق علمي للسلف الصالح (رضوان الله عليهم أجمعين). أما التعبير﴿ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ إنَّ (بعد) تفيد الترتيب والتعاقب, وحرف اللام في (ذلك) تفيد البعد, فهو قرينة قاطعة تدل على حقيقة ترتيب أحداث نشأة الكون التي أقرَّها القرآن الكريم وأخبرنا عنها في زمن لم يكن العلم يعرفها, وجاء اليوم العلم ليؤكدها لأنها توافق أوثق معطياته, فيزداد الذين آمنوا إيماناً, وليعلم أهل الشبهات أنه كتاب الله تعالى, فإن تابوا فلهم أجرهم, وإن أصروا على استكبارهم فعليهم وزرهم.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
هذا والله أعلم
أرجو الدعاء لوالديَّ (رحمهما الله)
للمراسلة:
[email protected]
المراجع:
- القرآن الكريم
- الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي.
- الانفجار الكبير لسيلك ص75
- الكون لستيفن هاوكنج ص55
القلب الحزين
12-12-2013, 03:11 PM
الإعجاز العلمي في نفي القرآن ألوهية المسيح
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12193978582387280546_7ee429bac6_m.jpgد محمد عبد الخالق شريبة
كاتب وطبيب من مصر
عقيدة المسلمين في المسيح
العقيدة الإسلامية شديدة الوضوح في أن عيسى المسيح هو عبد الله ورسوله وأنه ليس إلها كما يدعي النصارى ..
والقرآن يؤكد أن المسيح هو إنسان بكل ما يحمله الإنسان من خصائص بشرية ..
( ما المسيح ابن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا ياكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الايات ثم انظر انى يؤفكون ) المائدة 75
والطعام والشراب يستلزمان إخراج الفضلات أيضا
عقيدة النصارى في المسيح
يعتقد النصارى بوجود طبيعتين للمسيح .. طبيعة ألوهية ويطلقون عليها اللاهوت جاءت من الله وطبيعة إنسانية جاءت من السيدة مريم ويطلقون عليها الناسوت ..
وبذلك فهم يعتقدون أن المسيح إله كامل بكل خصائص الألوهية وإنسان كامل أيضا بكل الخصائص البشرية من طعام وشراب وإخراج فضلات .. أي أنهم متفقون مع المسلمين في الطبيعة الإنسانية ..
موقف العلم من العقيدتين
هل تستطيع السيدة مريم أن تعطي إنسانا كاملا ؟
العلم يؤكد استحالة ذلك فلكي يحدث الحمل لابد من وجود العنصر الذكري مع العنصر الأنثوي ولتوضيح ذلك بطريقة أكثر علمية فإن كل ذكر يحمل تكوين جيني xy
وكل أنثى تحمل تكوين جيني xx
فإذا حدث التزاوج بين الذكر والأنثى تعطى الأنثى كرموسوم x واحد من الكروموسومين xx لكي يتحد مع أحد كروموسومي الذكر xy
فإذا اتحد الكروموسومx الذي يأتي من الأنثى مع كروموسوم x من الرجل صار المولود أنثى بالتركيب الجيني المعروف للأنثى xx
وإذا اتحد الكروموسوم x الذي يأتي من الأنثى مع كروموسوم y من الرجل صار المولود ذكرا بالتركيب الجيني المعروف للذكر xy
إذا كان المسلمون والنصارى متفقون على أن المسيح كان إنسانا كاملا رجلا فماذا كان تركيبه الجيني؟
بالطبع المسيح كان تركيبه الجيني مثل أي إنسان ذكر آخر وهو xy
وإذا كانت السيدة مريم لا تملك أن تقدم غير كروموسوم x لأنها لا تملك كروموسوم y بصفتها أنثى تركيبها الجيني xx مثل باقي الإناث فإن العلم بذلك يقطع استحالة خروج إنسان كامل من السيدة مريم لأنها لا تملك ذلك .
إذن فمن أين أتى للسيدة مريم الكروموسوم الذكري y لكي تحدث عملية الإخصاب ويتم ميلاد المسيح بصورته الإنسانية الكاملة التي يتفق عليها المسلمون والنصارى ؟
الإجابة يوضحها لنا القرآن الكريم :
( إن مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) آل عمران 59
فكما أوجد الله أدم وخلقه ذكرا بكل الخصائص البشرية وبالطبع بالتكوين الجيني الذكري xy
فهو أيضا بقدرته قد أعطى الكروموسوم الذكري y ليتحد مع الكروموسوم الأنثوي x الذي تملكه السيدة مريم ..
وبذلك يتضح لنا أن الله لم يعط المسيح إلا طبيعة إنسانية فقط لأن السيدة مريم يستحيل أن تعطي إنسانا بدون العنصر الذكري المتمثل في كروموسوم الذكورة y
وبذلك يبطل العلم الأكذوبة الكبرى من أن المسيح كان لاهوتا كاملا أخذه من الله ويقطع بأن الذي أعطاه الله هو طبيعة ناسوتية فقط فجاء المسيح إنسانا كاملا من السيدة مريم بقدرة الله القدير وعظمته ..
( سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد ) فصلت 53
لمراسلة كاتب المقال
[email protected]
القلب الحزين
12-12-2013, 03:12 PM
خديعة حوار الأديان إلى أين
http://quran-m.com/firas/ar_photo/12162324465465_%28custom%29_%28custom%29.jpgبقلم دكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
دخلت مؤتمرات حوار الأديان فى مرحلتها الحاسمة هذا العام، وفقا لما رتبته المؤسسة الكنسية ومؤتمر الفاتيكان الثاني (1965)، الذي قرر اقتلاع الإسلام وتنصير العالم. قد تم إعتبار عام 2008 عام حوار الأديان فى أوروبا، وإقامة المؤتمرات المتتالية بين المؤسسات الأوروبية السياسية والكنسية لترسيخ فكرة أوروبا المسيحية، من جهة.. و من جهة أخرى، فى نفس الوقت، تتوالى فيه سلسلة من المؤتمرات التى يعقدها المسلمون لتقديم مزيد من التنازلات للجانب الكنسي.. وكان آخرها ـ حتى وإن تم ذلك في بلد أوروبي، مؤتمر مدريد الذي دعى إليه خادم الحرمين الشريفين، فيما بين 16 و18 يوليو 2008، وياله من اختيار لمكان مرير الإهانة والذكرى، فبعد أن تم إقتلاع الإسلام من إسبانيا فى حرب الإسترداد (1492 م)، بإبادة المسلمين غدراً وذبحاً أو تنصيرا، تتم العدة الآن لإقتلاع الإسلام بأيدي المسلمين هذه المرة..
وقد بدأت الحلقة الأولى من هذه المرحلة الحاسمة عقب محاضرة بنديكت 16 فى راتيسبون، في سبتمبر 2006، التى تعمّد فيها سب الإسلام والمسلمين ونبينا الكريم صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين.. فعندما ثار العالم الإسلامى كرد فعل لهذا الجُرم، طلب البابا من الأسقف جان لوى توران، رئيس لجنة الحوار البابوي بالفاتيكان، أن يتدبّر الأمر لاحتواء الموقف والترتيب لعقد لقاءات مع بعض المسلمين المهرولين لمساندة الفاتيكان.. وتمخض عن هذه الترتيبات ذلك الخطاب الفضيحة الذى وقّع عليه 138 عالما مسلماً، عن قناعة او عن جهل أو مجاملة !. وهو الخطاب الذى يعلنون فيه مصيبة أننا، مسلمون ومسيحيون، نعبد نفس الإله !!.
والمؤسف فى الموضوع أن الفاتيكان يقدم هذه المبادرة فى كافة النصوص المتعلقة بها على انها رد فعل خوف المسلمين من البابا خشية ان يفضح الإسلام الإرهابي أكثر مما فعل، فتقدموا له بذلك الخطاب قائلين "تعالوا إلى كلمة سواء"، نتصالح ونتعاون بما أننا نعبد نفس الإله، ونغض الطرف عن الإختلافات التى كانت تفصل بيننا فيما مضى !.. وهم بذلك يلغون سبب مجيء الإسلام أساساً، الذي أتى كاشفا لكل ما تم من تحريف فى عقيدة التوحيد بالله فى الرسالتين السابقتين ومصوباً لمصارها..
وتلى هذا الخطاب الفضيحة ترتيب عدة لقاءات مشتركة بين المهرولين هنا وهناك، كما تم ترتيب زيارة خادم الحرمين للفاتيكان، بكل ما تضمنتها هذه الزيارة من مهانة وتنازلات، فكل المطلوب منها هو "الضغط سياسيا ودوليا وكنسيا لغرس الإنجيل فى أرض المملكة ورشقها بالكنائس".. وهي عبارة البابا يوحنا بولس الثانى الواردة فى كتاب "الجغرافيا السياسية للفاتيكان".. وبعد شهر ونصف من تلك الزيارة المرتّبة، أقيم مؤتمر مكة المؤسف، من 4 إلى 6 يونيو 2008، والذي تكرر فيه إجمالا: " تأكيد أننا نعبد نفس الإله، وتم الإقرار بابتلاع تهمة الإرهاب فى الإسلام والتعهد بالعمل على نبذه، والالتزام بالقيم المشتركة، وتعزيز مفاهيم الأسرة، وتدارك واقع إبتعاد الإنسان عن ربه، وقبول ما نتفق فيه وترك ما نختلف فيه ".. إضافة إلى الإقرار بمصيبة أخرى هى : مساواة النصوص الكنسية واليهودية، الثابت تحريفها، بالقرآن الكريم الثابت تنزيله من عند الله ! أى انه تمخض عن تحقيق مطالب البابا بنديكت 16..، وهو ما تناولته في مقال آنذاك.
وبعد مؤتمر مدريد تتم العدة حاليا لمؤتمر نوفمبر 2008، الذي سوف ينعقد في الفاتيكان، بحضور 24 من المهرولين المسلمين و24 من المتحكمين الفاتيكانيين، لتدارس كيفية تنفيذ ما قام به عصر التنوير على الكتاب المقدس وتطبيقه على القرآن الكريم ! إن أعمال ودراسات عصر التنوير قد اثبتت أن الكتاب المقدس الحالى ليس مقدسا ولا منزلا من عند الله، كما أثبتت التحريف الذى تم في الكتاب بعهديه، وخاصة العهد الجديد، وأثبتت أن المسيحية الحالية، التي لا يقبلها عقل ولا منطق، تمّت صياغتها عبر المجامع على مر العصور، ولا يعرف عنها المسيح شيئا بل تخالف تعاليمه، وأن عدد المتناقضات الموجودة فى الأناجيل يفوق عدد كلماته، وان الأناجيل برمتها لم تكتبها الأسماء التى هى معروفة بها، وأنها صيغت يقينا بعد الأحداث تلفيقا، الخ..
بل فى واقع الأمر إن كشف عمليات تحريف الأناجيل قد تمت بنفس يد من قام بذلك التعديل والتبديل والتغيير، وتكفى مطالعة إعترافات القديس جيروم الواردة فى الخطاب-المقدمة الذى يتصدر ترجمة "الفولجات" التي أعدها، وتعنى الأصل الذي تعتمد عليه الكنيسة، إضافة إلى المعارك الضارية التى دارت بين مختلف الفرق والنحل المسيحية وتم خلالها ذبح الملايين من البشر !
فما يحاول سدنة الفاتيكان القيام به حاليا هو تنفيذ عملية إسقاط لكل ما تم فى المسيحية من مآخذ على القرآن الكريم، بأيدي من يُحتسبون على الإسلام إسما.. ولا أدل على ذلك من الكتاب الذى ألفه القس
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1218491896michel.jpg
صورة للقس ميشيل كويبرز
ميشيل كويبرز Michel Cuypers وتم نشر عرض له فى يونيو 2007 بالعدد الرابع من مجلة "الملكوت" الإيطالية و فى غيرها من المواقع والمجلات التابعة للفاتيكان، وأعيد نشره في نفس الأماكن للمرة الثانية في 31 يوليو 2008، وكأنهم يعدون الأذهان لما يتم الإعداد له حتى تألفه الآذان وتبتلعه بلا إعتراض !
ويتلخص هذا البحث فى ان ذلك القس قد قام بتطبيق علم التحليل البلاغي على النص القرآني، وهو ما كان يجاهد المستشرقون لتطبيقه على القرآن منذ قرن ونصف تقريبا، بل وهو ما كان المستشرق الفرنسى جاك بيرك يطالب به، وذيّل مقدمته للترجمة التى قام بها للقرآن الكريم بضرورة إخضاعه للتحليل اللغوى والبلاغي لإثبات ما به من سلبيات !.. ويوضح القس كويبرز ان منهج التحليل البلاغى يسمح باستكشاف تقنيات الكتابة التى يلجأ إليها الكتبة لصياغة نصوصهم، كما يسمح بكشف طبقات الصياغة المتراكمة، وكأن القرآن قد تمت صياغته على عدة قرون كالأناجيل !. ويقول صراحة انه قام بتطبيق هذا المنهج على القرآن مثلما تم تنفيذه على الأناجيل.. وقد بدأ بقصار السور ووجد المسألة مجدية، فانتقل الى طوالها، ومن أهم اكتشافاته ما يلى :
يتبــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
12-12-2013, 03:13 PM
يتبــع الموضوع السابق
خديعة حوار الأديان إلى أين
الخلط والتداخل فى القرآن والقفز من موضوع لآخر، وهو ما يتعب القارىء أو يدخله في متاهة، وان بالقرآن طبقات صياغية متباينة زمانيا وإضافات لاحقة وتعديل وتبديل فى النص ـ مما اضطر بعض المستشرقين الى إعادة صياغة القرآن بشكل منطقي بتغيير أماكن بعض الآيات، وضرورة عدم الأخذ بالتبرير الذى يقدمه التراث او اسباب النزول للتعتيم على ما به من متناقضات، وان الرسول، صلوات الله عليه، قد نقل عن الكتاب المقدس بعهديه لذلك اتهمه اليهود بالاختلاس والتحريف، وان المتشددون يعتمدون على الآيات المنسوخة لمحاربة الكفار، وان القرآن كان ينتهى عند سورة الإخلاص والمعوذتان إضافة لاحقة بدليل انها غير موجودة فى اصول عدة من نسخ القرآن !.. لذلك يطالب بضرورة عمل تفسير جديد للقرآن يتمشى مع العصر الحديث لأن التفاسير القديمة لا تتفق وعقلية الإنسان المعاصر !
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207994656351px-pedro_berruguete_-_saint_dominic_presiding_o
صورة للوحة زيتية قديمة تظهر إحراق مسلمين في أثناء حفل ديني في أسبانيا من قبل محاكم التفتيش
ومما يستشهد به ذلك القس "الضليع" ان هناك مسلمون مثقفون يطالبون بذلك أيضا، أى بأن يتم فحص ودراسة القرآن كما حدث بالنسبة للأناجيل، وان المستشرقين قد بدأوا فعلا هذه المسيرة، مضيفا أنه للتوصل الى قلب االقرآن ومضمون رسالته الحقيقية لا بد من تناوله باسلوب النقد البناء للكشف عما تم به من تحريف أو إضافات لاحقة.. مشيرا إلى ان التحليل البلاغي يستبعد التراث والسنة ولا يلتزم إلا بالنص كنص أدبي، لذلك تختلف نتيجته عن كل ما فرضه التراث عبر السنين.. وذلك لا يعني ـ في نظره ـ المساس بصلب عقيدة المسلمين وضربها في مقتل، بل على العكس، يرى أنها تلقى بمزيد من الضوء على قيمها وتزيح عنها ما تراكم عليها من إضافات على مر التاريخ !!
ثم يتساءل عما اذا كان المسلمون سيفهمون ان التحليل البلاغى للقرآن سيفتح الباب للتجديد الفعلي فى التفسير القرآني ؟! ويجيب على سؤاله قائلا : نظرا لثقل التراث فى الإسلام فإن سير الأمور لن ينطلق بالسرعة المرجوة، وهذه هي المهمة الصعبة التى تقع على عاتق المثقفين المسلمين الذين امتصوا وتشبعوا بالمنهج العلمي الغربي الحديث.. وأن ذلك يتطلب منهم النظر إلى القرآن على انه مجرد نص أدبى ولا يمت إلى التنزيل الإلهي بصلة، وهو ما يقاومه المسلمون التقليديون !
ويشير مرة ثانية الى المتناقضات التى لا يمكن التوفيق بينها، وانه اذا كان لهذه النصوص القرآنية ان تقدم لنا شيئا فلا بد من ان نأخذ فى الإعتبار التطور الفكري والديني للإنسانية حاليا.. موضحا: " أن هناك بين هذه المتناقضات آيات ذات حكمة عالمية، صالحة لكل زمان، وأنه يتعين إقامة الممارسة الدينية بناء عليها.. وهو ما طرحه الموقعون ال 138 على الخطاب المفتوح المرسل إلى بنديكت 16، ومنهم مفتين لعدة بلدان إسلامية، يضعون في الصدارة الآيات التي تسمح بتعايش سلمي للمسلمين مع الجماعات الإنسانية الأخرى.. وذلك يعنى أنهم يعتبرون ضمناً ان آيات الجهاد الواردة خاصة فى سورة التوبة أنها آيات بالية وغير مجدية التطبيق. إلا أن ذلك لا بد وأن يتم الإعلان عنه علناً وصراحة، بكل وضوح، واعتباره قراراً نهائياً ولا رجعة فيه " !!.
إن إعادة نشر هذا البحث وفى هذا التوقيت تحديدا، إضافة إلى العديد غيره من المقالات والحوارات المسمومة التى تدين القرآن الكريم وتضاهيه صراحة بنصوص الأناجيل، وتطالب بكل وقاحة بحذف آيات بعينها والاكتفاء بالآيات العبادية والأخلاقية، ليس مجرد نشر لسد خانة أو لافتقارهم إلى الموضوعات، وإنما هي عملية تمهيد وإعداد الأذهان الى ما يحيكونه حاليا وسوف يتم الإعلان عنه فى المستقبل القريب كما يرتبون ويتمنون..
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1218492043445px-hattin.jpg
صورة للوحة قديمة تمثل فرسان المعبد
ولا يسعني، بكل أسف، إلا عرض وتقديم ما يتم الترتيب له في الفاتيكان لاقتلاع الإسلام، والإعداد لكيفية اقتلاعه بأيدي المسلمين.. فإذا ما أخذنا في الاعتبار عدة ظواهر، منها أولا معنى الحوار في النصوص الفاتيكانية، وأنه يعنى كسب الوقت حتى تتم عمليات التنصير؛ وأن تنظيم فرسان المعبد الإسبانى الذى تمت إبادته عام 1312 م، واستمر سراً، يطالب البابا حاليا بإعادة إشهاره رسمياً للقيام بدوره في العلن، وهو التنظيم الذي قام بالحروب الصليبية؛ وان هناك عمليات تطبيع دينى بين المسيحيين والمسلمين تتم سراً لإقامة صلوات جماعية حيث أنهم يعبدون الإله الواحد " ربنا يسوع المسيح "
(!)، والقيام بالحج إلى كنائس بعينها، من قبيل الحج الذي ينظمه القس كريستوف روكو سنويا في بريتون الفرنسية، وكان يعمل مبشرا في إحدى الجامعات المصرية متخفيا تحت وظيفة خبير فرنسي، وهى البدعة التي بدأها المستشرق لويس ماسينيون وتتواصل بأشكال عدة؛ وأن عمليات إبادة المسلمين تتم على مرأى ومسمع من العالم وما من أحد يتصدى لها إلا كلاما؛ وأن عمليات التنصير تدور بصورة هيستيرية فى جميع البلدان الإسلامية بينما تغض حكوماتها الطرف عنها ؛ إضافة إلى كل ما قام المسؤلون المسلمون بتقديمه من تنازلات، في حق الإسلام لصالح الغرب الصليبي المتعصب، لأدركنا فداحة الموقف، وخطورة ما يحاك لنا، والكآبة القاتمة التي نحن مقبلون عليها كمرحلة حاسمة في هذه الخديعة الكبرى..
لذلك لا يسعني، بكل أسف أيضا، إلا أن أكرر عبارة : أفيقوا أيها المسلمون وتولوا الدفاع عن دينكم بعد أن خبت وتراخت بل وتواطأت قياداتنا الإسلامية.. وحسبنا الله ونعم الوكيل !
تستقبل الدكتورة زينب عبد العزيز رسائلكم وتعليقاتكم على المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
12-12-2013, 03:14 PM
حقيقة العلاج بالطـاقة بين العلم والقرآن
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1214665296852.jpgد.فوز بنت عبداللطيف كردي
كلية التربية للبنات - جدة
د. عبدالغني بن محمد مليباري
جامعة الملك عبدالعزيز- جدة
مفــــهوم الـطاقـة
الطاقة في الاصطلاح الفيزيائي هي مبدأ أولي تُعرّف بأنها القدرة على القيام بعمل ما أو إحداث تغيير ما. وتدل على الطاقة الفيزيائية بأشكالها وتحولاتها المختلفة الحرارية والنووية والميكانيكية والكيميائية والكهرومغناطيسية وغيرها.
فلفظة الطاقة مألوفة لدى الناس واستخدامها شائع في مجال العلوم التجريبية، وهذه الطاقة يمكن قياسها ومعرفتها ورؤية آثارها والتحكم في إنتاجها بالطرق العلمية المعروفة، وقد تستخدم لفظة الطاقة مجازاً للدلالة على الهمة والانبعاث نحو العمل والعبادة.
مفهوم الطاقة الكونية:
أما الطاقة الكونية المقصودة في تطبيقات الاستشفاء الشرقية فهي أمر آخر لا علاقة له بالطاقة الفيزيائية من قريب أو بعيد – رغم ادعاء مروجيها- لذلك يسميها بعض العلماء الغربيين الطاقة اللطيفة أوالطاقة غير الفيزيائية Subtle and non-Physical واشتهر إطلاق اسم Putative Energy أي الطاقة المزعومة، أو الافتراضية، أو المظنونة[1].
وحقيقة هذه الطاقة نظرية فلسفية عقدية قامت على أساس التصور العام للكون والوجود والحياة عند من لم يعرفوا النبوات أو يكفرون بها ومن ثم يحاولون الوصول إلى معرفة الغيب وتفسير ما وراء عالم الشهادة بعقولهم وخيالاتهم؛ لذا أسموها الطاقة الحيوية، وطاقة قوة الحياة، وطاقة الحياة باعتبار عقيدتهم فيها من أنها مصدر الحياة فلا توجد الحياة بدونها.كما أسموها الطاقة الكونية لكونهم يعتقدون وجودها منتشرة في الكون تملأ فراغه وتحفظ نظامه وأنها يمكن أن تستمد منه بطرق خاصة حسب ما يدعون . ويسمونها طاقة الشفاء، أو قوة الشفاء باعتبار ما ينسبون إليها من قدرة شفائية لجميع الأمراض.
فـ الطاقة الكونية المقصودة في هذه التطبيقات مختلفة كلياً عن الطاقة الفيزيائية، فهي طاقة ميتافيزيقية أو قوة غيبية حسب ادعائهم ، ولمعرفة حقيقتها أكثر نستعرض التسميات المتنوعة التي تطلق عليها في الثقافات الشرقية التي هي أصلها والثقافة الغربية المروجة والمسوقة لها تحت مسمى الطاقة.
من تلك التسميات التشي وهو الاسم المعروف في عقائد الصين وتطبيقاتها الحياتية الاستشفائية والقتالية ، ومنها الكي في عقائد اليابان والتطبيقات العلاجية عندهم ، وهي البرانا عند الهندوس وممارسي التنفس العميق، وهي المسماة الكا عند الفراعنة XE "الفراعنة" ، واسمها إلكترا في وثنية روما القديمة،وهي قوة ساي عند الماركسيين في الاتحاد السوفيتي وأتباعهم.
ويفسرها من يحاولون التوفيق بين فلسفتها وبين المعروف في الأديان السماوية بـالله تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا أو نور الله! ، أو الروح القدس، ويفسّرها بعض من يتبناها من المسلمين بـالروح التي هي أصل الحياة، أو البركة التي تمنح القوة وتسيّر الأمور بسلاسة!
وقد حاول مروجو هذا المفهوم للطاقة مع تطبيقاته في العصر الحديث إضفاء الطابع العلمي الفيزيائي عليها والزعم بأنها الطاقة الحرة الموجودة في الكون أو الطاقة الكهرومغناطيسية وأحياناً يسمونها الذبذبية!
وربما كان من أهم أسباب استعمالهم لفظة الطاقة: أن الطاقة التي يدعونها هي برأيهم مكمن القدرة والقوة والتأثير في الحياة والبحث في حقيقة الحياة، وأنها القدرة أو القوة المؤثرة فيها !
وهذا هو منتهى ما أوصلت إليه عقولهم لما لم يأخذوا قصة البداية وحقائق الغيب عن الله عزوجل والروح والجن والملائكة من النقل الصحيح فالغيب بتفاصيله بعيد عن متناول العقول وإدراكاتها، وكل من يبحث فيه بعيدًا عن نور الوحي الذي جاء به الأنبياء لن يصل إلا إلى طريق مسدود فيتخرص ويفترض فروضاً تبعده عن الحقيقة وعن الإيمان وتقربه من الكفر والإلحاد الذي هو مراد إبليس.
وقد حاول العلماء الملاحدة الذين تبنوا هذه الفلسفة تفسيرها للعامة بما يضفي عليها الطابع العلمي الفيزيائي فاستخدموا لفظة طاقة التي هي أقرب للدلالة عليها لاسيما لعامة الناس الذين يعرفون لفظة الطاقة ويؤمنون أن لها أنواع وتحولات يعرفها المختصون من العلماء، ولما كان إلحاقها بالطاقة المعروفة في العلم يتطلب أدلة علمية عليها وطرقًا تمكن من قياسها؛ ادعى بعضهم أنها طاقة ذات موجات طويلة جدا لذا يستحيل تصميم أجهزة لقياسها. وزعم آخرون أن لهذه الطاقة أجهزة خاصة منها: البندول الفرعوني الذي يوضع على الشيء وبحسب اتجاه دورانه يزعمون إمكان تحديد كمية الطاقة الموجودة ونوعها. أما من تبناها من العلماء الروس والغربيين فقد ادعوا تفسير نتائج بعض أجهزة قياس كهرباء الجسم وظواهره الحيوية Bioresonance electrography أو Bioelectrography Biofeedback device بأنها قياسات لهذه الطاقة لتأكيد ما يزعمونه من أنها حقيقة علمية وإبعاد حقيقتها الفلسفية الدينية ومن ثم إقناع البسطاء من الناس بباقي متعلقاتها الفلسفية كالجسم الأثيري والعناصر الخمسة، ومن ذلك استخدام الجهاز المعروف للبحث عن الإشارات العصبية ومن ثم إيهام المريض أن الجهاز يتعرف على مسارات الطاقة ويرصد كميتها. والحقيقة التي يعرفها المختصون في الطب والفيزياء عن طبيعة عمل هذه الأجهزة لا تتعلق من قريب ولا من بعيد بطاقة كونية متدفقة في مسارات جسم أثيري !
كما صمم بعضهم أجهزة خاصة أسموها أجهزة تصوير الهالة الأورا Aura Photography وأول من فعل هذا الروسي كيرليان Semyon Kirlian في عام 1939م بجهازه المسمى تصوير كيرليان Kirlian photography الذي يقيس التفريغ الكهربائي ، وكذلك جهاز كوغنـز كاميرا Aura Camera 6000 / Coggins Camera ، وجهاز نلسون Nelson's QXCI / SCIO Device الذي يرصد أكثر إشارات الظواهر الحيوية .
وأجهزة تنـز TENS Machines المستخدمة لتعطيل الشعور بالألم [2].
وحقيقة الأمر أن هذه الأجهزة تقوم على الجمع بين: حقائق صحيحة، وإدعاءات منطقية دون دليل و أباطيل ومغالطات وأخطاء علمية تخفى على عامة الناس ولذلك رفض العلماء المحايدون تلك التفسيرات الادعائية لنتائج قياس بعض المتغيرات الحيوية من درجة حرارة ونبض ودرجة رطوبة ورائحة في تلك الأجهزة لكونها مبنية لخدمة فلسفة الطاقة الكونية ومتعلقاتها بعيداً عن كل المنهجية العلمية والنتائج الاستقرائية المثبتة، ومن ثم أسموا هذه الطاقة بـ Putative Energy الطاقة المزعومة، أو الافتراضية، أو المظنونة .
ويمكن تلخيص حقيقة الطاقة الكونية بأنها: مبدأ فلسفي أساسه محاولة أصحاب الأديان الشرقية والملاحدة في الشرق والغرب لتفسير ما يرونه في الكائنات الحية من قوة وحركة وانفعال وتأثير، وما يرونه من أمور خارقة أحيانًا تفسيرًا بعيدًا عن خبر الوحي؛ فافترضوا وجود قوة أسموها الطاقة الكونية أو طاقة قوة الحياة، وزعموا أن لجميع الموجودات حظ منها، وأنه يمكن تنمية هذا الحظ بطرق وتطبيقات متنوعة للحصول على حياة أفضل وسعادة وصحة وروحانية، بل ولاكتساب قوى تمكّن من عمل الخوارق وإحداث المعجزات! سواء ما يتعلق بالقدرات العلمية الكشفية بالإطلاع على المغيبات أو القدرات العملية التأثيرية بتحريك الأشياء عن بعد ونحو ذلك!
وأصل معتقد الطاقة عند أهله يرتكز على اعتقاد وجود قوة هائلة تملأ الفراغ الموجود في الكون وتسييره وتحفظ نظام السموات والأرض، وتمُد جميع المخلوقات بالحياة والقوة، وأن هذه القوة تتمثل بشكل قوي في النجوم والكواكب والأفلاك.
وهذه القوة أو الطاقة تتكون من قوتين متضادتين ومتناغمتين: طاقة إيجابية وطاقة سلبية، وبالتعبير الصيني الين واليانغ، وتحكم تغيرات هذه الطاقة وتحولاتها نظرية العناصر الخمسة التي تتصل بمبادئ التنجيم والفلسفات الشرقية القديمة . كما يعتقد أهل هذه الفلسفة بإمكان الإنسان الحصول على كميات إضافية منها عن طريق معرفته بجسمه الأثيري ومسارات الطاقة عليه ومن ثم تدفيقها فيه عبر طقوس معينة وأنظمة غذائية حياتية معروفة في الثقافات والديانات الشرقية أو عبر معرفة واستخدام أسرار الحروف والأشكال الهندسية والأهرام والألوان والأحجار الكريمة وبعض المعادن؛ لذا أعاد متبنو هذه الطاقة من الغربيين[3] صياغة تلك الطقوس بشكل يتناسب مع ثقافة العصر فخرجت في شكل تطبيقات وممارسات تدريبية أو استشفائية علاجية تحت اسم تنمية القدرات البشرية الكامنة أو طب الطاقة أو الطب البديل[4].
أبرز تطبيقات الطاقة العلاجية الاستشفائية
وهكذا سوقت هذه التطبيقات وروج لها على أنها برامج تدريبية وعلاجية تساعد على تنظيم تدفيق طاقة قوة الحياة في جسم الإنسان عبر مسارات خاصة على الجسم الأثيري المهيأ لتلقيها[5] فانتشرت تطبيقات الريكي والتاي شي والشي كونغ والتنفس التحولي والتأمل التجاوزي واليوجا وغيرها بشكل أنواع من التمارين والرياضات والتدريبات العلاجية الاستشفائية التي تطهر الجسم من طاقة الكُره والشرّ وجميع الطاقات السلبية وتساعده لاكتساب طاقة الخير والحبّ والشفاء وجميع الطاقات الإيجابية المؤثِّرة في الصحّة والروحانيّة والسعادة!
وفيما يلي توضيح موجز لأبرز تطبيقات الطاقة المنتشرة حالياً:
· دورات الطاقة البشرية، وهي دورات شاملة لأكثر مفاهيم فلسفة الطاقة الإلحادية وتعتمد على تنمية ما يسمونه "الذات الحكيمة" لاكتشاف القوة اللامحدودة للإنسان – كما يزعم مدربوها- وتنمية قوته الكامنة وتدريبه على استمداد الطاقة الكونية ليكون بعدها مؤهلا للتدرب على التعامل مع الطاقات السماوية للنجوم والكواكب والطاقات السفلية الأرضية من خلال تعلم الهونا والشامانية والتارو وغيرها. وتشمل هذه الدورات عرض لفلسفة الين واليانغ والجسم الأثيري والشكرات والعناصر الخمسة للتمكين من على أسرار طاقة "تشي" واستخدامها في الحياة اليومية والصحية لنفسه وللآخرين .
ولإضفاء الطابع الإسلامي يضاف لهذا الكم الفلسفي بعض المصطلحات الإسلامية والنصوص الشرعية .
وكثيراً ما تجزأ دورة الطاقة أو مفاهيمها لعدة دورات أو تتفرع المعالجة بها لعدد من التخصصات:
1. العلاج بالريكي أو العلاج باللمس أو دورات الريكي كايدو ، وتتضمن تمارين وتدريبات لفتح منافذ الاتصال بالطاقة الكونية "كي" ومعرفة طريقة تدفيقها في الجسم ، مما يزيد قوة الجسم ، وحيويته، ويعطي الجسم قوة إبراء ومعالجة ذاتية كما تعطي صاحبها بعد ذلك القدرة على اللمسة العلاجية- بزعمهم-
2. دورات التدريب على التشي كونغ وتتضمن تمارين وتدريبات لتدفيق "التشي" في الجسم ، والمحافظة عليها قوية ومتوازنة وسلسة في مساراتها ما يزيد مناعة الجسم ومقاومته للأمراض – بزعمهم -
3. دورات التنفس العميق والتنفس التحولي وتتضمن تمارين في التنفس العميق لإدخال"البرانا" إلى داخل الجسم "البطن" والدخول في مرحلة استرخاء كامل ووعي مغير ومن ثم المرور بخبرة روحية فريدة من التناغم مع الطاقة الكونية –بزعمهم -. ومع أن التنفس العميق شعيرة هندوسية معروفة وممارسة دينية في أكثر ديانات الشرق إلا أن الذين يدعون أسلمتها – هداهم الله – شرعوا في جعلها ممارسة يومية للمسلمين وتطبيق يومي لحافظي القرآن عبر دورات حفظ القرآن بالتنفس[6]!
4. دورات التأمل الارتقائي، التأمل التجاوزي وتتضمن تمارين رياضية روحية تأمليه هدفها الوصول لحالات وعي مغيرة بهدف الوصول إلى مرحلة النشوة النرفانا ، وتعتمد على إتقان التنفس العميق، مع تركيز النظر في بعض الأشكال الهندسية ، والرموز ، والنجوم رموز الشكرات في العقائد الشرقية وتخيّل الاتحاد بها وقد يصاحبها ترديد ترانيم مانترا وهي كلمة واحدة مكررة بهدوء ورتابة وغالباً في هذه التطبيقات هي أسماء الطواغيت الموكلة بالشكرات في عقائدهم مثل : أوم..أوم ..أوم . دام ...دام ...دام وقد تُسمع من أشرطة بتركيز واسترخاء . وقد أجرى الذين ادعوا أسلمتها تعديلاتهم ليكون الترديد لما يعرفه المسلم نحو: لفظ الجلالة:الله...الله..الله أو لضمير الغائب: هو....هو.....هو....
كما روج لأنواع الأنظمة الغذائية الحياتية مثل نظام الماكروبيوتيك الذي يعني: الحياة المديدة، ويعتمد كلياً على ذات الفلسفة ويدخل مطبقوه في ممارسة عملية لعقيدة وحدة الوجود بحسب مفهوم الديانة الطاوية XE "الطاوية" وبوذية زن اليابانية؛ فجميع تطبيقاته تعتمد على فلسفة التناغم مع الطاقة الكونية الماكرو أي: المطلق، من خلال مراعاة التوازن بين قوتي الين واليانج الميتافيزيقيين المتضادتين للوصول للشفاء، والسمو الروحي بزعمهم، ويتضمن رياضات ونظام غذاء وتأملات وغير ذلك. وقد أدى انتشاره بشكل تطبيقات متنوعة صحية ورياضية، إلى انخداع كثير من المسلمين بتطبيقاته وحاول بعضهم التوفيق بين فلسفته والدين الإسلامي، كما حاول الفلاسفة من قبل التوفيق بين فلسفة الإغريق والإسلام!
ويعتمد هذا النظام على تقسيم النباتات إلى مذكرة ومؤنثة الذي كان معروفًا قديمًا ضمن علم الفلاحة الذي موضوعه النبات من جهة غرسه وتنميته ومن جهة خواصه وروحانيته ومشاكلتها لروحانية الكواكب والهياكل المستعملة ولما كان هذا التقسيم له متعلقات بالسحر والتنجيم والكهانة أخذ المسلمون من هذا العلم مايتعلق بزرعه وغرسه وعلاجه وأعرضوا عن الكلام الآخر[7]، ومروجوا نظام الماكروبيوتيك حديثًا أعادوا بعث الجزء المتعلق بالخواص الروحانية المدعاة فقسموا الأغذية إلى مؤنثة ومذكرة الين واليانغ بحسب تأثير الكواكب وتحولات العناصر الخمسة .
كذلك روج لبرامج الخاصّة بتصميم المساكن تتبنى نفس الفلسفة كالفينغ شوي الصيني أو الستابهاتا الهندية[8] وما أسموه مطوره وناقلوه إلى الثقافة الإسلامية بـالبايوجيومتري.
وهي برامج يزعم أنها فنون ديكور وتصميم تراعي السماح للطاقة الكونيّة – المدّعاة - بالتدفُّق في أرجاء المسكن لتنظيفه من الروحانيات والطاقات السالبة وتمده بالروحانيَّات الموجبة التي تمنح ساكنيه السعادة والصحة والسكينة، وتقيهم من الأمراض البدنية والنفسية والروحانية وتمكنهم من النجاح في كل مناحي الحياة [9]! وذلك من خلال مراعاة الزوايا والخصائص روحانية –المزعومة- للجهات الأربعة والحروف والأرقام والألوان والروائح والأشكال الهندسية والشموع وبعض المجسمات وغيرها .
منذ القدم والمنحرفون عن الإيمان بالغيب الذي جاء به الأنبياء صلوات الله عليهم ينسبون إلى النجوم والأفلاك كلّ تأثير على الأنفس والأبدان، فكان منهم من يظنّ أنّ المؤثِّر في هذا العالم هو حركات الفلك ودورانها وطلوعها وغروبها واقترانها، ومنهم من يعتقد النفع والضرّ في النجوم السبعة السيارة، ولهم معها تصرّفات خاصّة في ملبسهم ومسكنهم ذبحهم ونحو ذلك[10]. وقسموا البروج إلى مؤنَّثة ومذكّرة، قال ابن القيِّم: ومن هذيانهم في هذا الذي أضحكوا به عليهم العقلاء أنهم جعلوا البروج قسمين: حارّ المزاج وبارد المزاج، وجعلوا الحارّ منها ذكرًا، والبارد أنثى، فالشمس ذكر والقمر أنثى [11].
ومما ابتدعه فلاسفة اليونان ومنجموهم أنهم جعلوا للأفلاك عقولاً ونفوسًا تسيِّرها وتحكمها ثم ابتدع متأخروهم نظرية الفيض والصدور التي ذكروا فيها العقول العشرة التي تصرِّف الكون، وفسّر تلامذتهم المنتسبون إلى الإسلام كابن سينا، اللوح المحفوظ بالقوّة الفلكيّة التي عدّها مصدر العلم بالغيب. وأكثر الذين يؤمنون بالكواكب يدّعون تنـزُّل أشخاص عليهم أو إلهام خاص بأسرار وخصائص، ويسمون ذلك روحانية الكواكب! وما هي إلاّ شيطان نزل عليهم لما أشركوا ليغويهم، وليزيّن لهم نسبة الأثر إلى مالا يؤثِّر نوعًا ولا وصفًا[12].
أبرز تطبيقات العلاج بالطاقة المتعلقة بالقرآن
فمن المعلوم أن الله عز وجل قد اصطفى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم واجتباه وأرسله برسالة الإسلام التي ختم بها الرسالات وقال : (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )، ومن منطلق عقيدة ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وختم الرسالات بالإسلام الذي أكمل الله به الدين وأتم به النعمة ورضيه للبشرية منهجاً إلى يوم الدين أقف في آخر مباحث هذه الورقة وقفة مع بعض التطبيقات الاستشفائية التي تتبنى فلسفة الطاقة وتسربها للثقافة الإسلامية وللمجتمع المسلم بشكل جعل كثيرًا من الناس يظن أن فلسفة الطاقة وتطبيقاتها تتوافق مع الإسلام وعقيدة التوحيد بل هي من دلالات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة! أو يظن على أقل تقدير أنها لاتعدو أن تكون تطبيقات رياضية وتقنيات حيوية لا تتعارض مع ديننا وثوابت عقيدتنا، لاسيما بعد أن بذل ممارسوها والمدربون عليها من المسلمين جهداً لفهمها في ضوء العقيدة الإسلامية والاستشهاد بكثير النصوص الشرعية للتوفيق بينها وبين الإسلام والتقريب بينهما بحيث لايشعر عوام المتدربين والمعالجين بوحشة مما يصادفهم فيها من مخالفات شركية وعقائدية!
وحقيقة الأمر أن التأصيل الإسلامي للعلوم وبيان وجوه الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة من الأمور المهمة في هذا العصر نظراً للانفتاح المعلوماتي الكبير والتطور الهائل في أجهزة الاتصالات بحيث أصبح العالم حقاً قرية واحدة تظلله دعوات الحوار والحب والسلام والتسامح وتسعى لإذابة كثير من الفروق ومن هنا فإن السباق بين أبناء الحضارات لتقديم تراثهم وإعلاء حضارتهم على الصعيد العالمي أمر محمود لكن يجب أن يتولاه أهله الذين يعرفون حقيقة دينهم وحقيقة الفلسفات التي تنطلق منها وربما تخدمها كثير من العلوم الوافدة والتطبيقات الحياتية المستوردة والمفاهيم التربوية المختلفة إذ أن أسلمة العلوم ينبغي أن تنطلق من تطويع النافع منها ليخدم الإسلام والمسلمين ولا تنطلق من تطويع الإسلام ولي أعناق نصوصه لتتماشى مع هذه الفلسفة أو تلك.
ولما كانت الوافدات الفكرية والفلسفية تشتمل على فلسفة دينية ملحدة تتخللها علوم رياضية ومنطقية وفيزيائية وفلكية ونفسية مفيدة فإنه لزاما على المهتمين والغيورين تكوين لجان متخصصة تتابع وتفحص وتؤسلم ما ينفع الناس وترد ما يضرهم في دينهم ودنياهم لاسيما وأن هذه الوافدات لم تأت على شكلها الفلسفي ليفحصها المختصون ويدرك خطرها الديني الدعاة والمربون وإنما تبلورت في صورة تطبيقات وتدريبات وممارسات تتسلل لعامة الناس بشكل دورات للتنمية البشرية أو طرق للعلاج والاستشفاء في عيادات خاصة أو عبر مجمعات الطب البديل مع ادعاء كبير بجدوى العلاج وفاعليته وخلوه من الآثار الجانبية مما جعل لها قبولا واسعاً، ويتم التركيز بشكل كبير على الأمراض المنتشرة بين الناس التي لم يشتهر نجاح العلاج الطبي المعروف لها ، أو أن علاجها الطبي طويل المدة وله آثار جانبية ، أو مالية مرهقة للمريض ، منها على سبيل المثال : الربو ، والسمنة ، والسرطان ، والسكر، أمراض الروماتيزم ، وكثير من المشكلات والأمراض النفسية كالشعور بالخوف، والشعور بالإحباط والفشل ، والشعور بالقلق والاكتئاب ونحو ذلك.
وقد تنوعت صور العلاج بالطاقة والتطبيقات المقدمة في المجتمعات المسلمة فقدمت أكثر علاجات الطاقة بأسمائها الأصلية في الطب الصيني والهندي[13] مع محاولات التوفيق والتقريب بينها وبين الإسلام؛ فالعلاج بالريكي أو اللمسة العلاجية يقدم على أنه صورة للرقية المقرة في الإسلام ويبذل الذين يدعون أسلمتها جهدهم في إبراز وجوه الشبه بينهما والتعمية على الإلحاد الجلي في الريكي وإخلاص الدعاء لله في الرقية . وكذلك الأمر في التاي شي والتشي كونغ واليوجا والماكروبيوتيك وغيرها [14].
كما ابتكرت أنواع تطبيقات طاقة جديدة كالعلاج بطاقة الأسماء الحسنى وروج لتطبيقاتها المتنوعة في العلاج المبني على حساب الحروف وقياس مستوى طاقة الاسم ونوعها بالبندول ومن ثم تحديد الاسم المناسب لكل عضو وكل مرض وكل شخص[15]!
وكذلك العلاج بأشعة " لا إله إلا الله " الذي يتم في جلسة استرخاء ودخول في حالة وعي مغيرة يتخيل فيها المعالَج جملة الشهادة ولها وميض أخضر ذو طاقة عالية ثم يحاول استمداده وتوجيه قوته لمعالجة مواطن الألم وشحنها بطاقة قوة الحياة !
كذلك انبرى فريق من المهتمين بالطاقة ليقحموا فلسفتها في بعض العلاجات المقرة نبوياً أو الشعائر والعبادات الدينية في الإسلام وألبسوا ذلك ثوب الإعجاز العلمي وهو في الحقيقة تدعيم للفلسفة الملحدة، ومن ذلك : علاج الأمراض بالطاقة عبر السجود الذي يزعمون أنه يفرغ الجسم من الطاقة السلبية المتكونة فيه من الشهوات ومواقف الحياة ومن وراء إشعاعات الأجهزة الكهربائية الحديثة، بحيث تتجمع الطاقة – التي يزعمون -في الجبين ومنافذ التفريغ في الأعضاء السبعة التي أمرنا بالسجود عليها[16]!!
وكذلك إدخال فلسفة الطاقة الكونية والجسم الأثيري في العلاج بالحجامة بزعم أن فاعليتها الشفائية تتحقق إذا روعي تنفيذها بحسب مواضع مكامن الطاقة الحيوية على الجسم الأثيري وزعم أن الاحتجام يحرر الجسم من أنواع الطاقة السلبية ويمده بالطاقة الإيجابية ، لذا ينبغي التنبيه على أن الحجامة المقصودة في السنة هي التي كانت معروفة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي تخلص الجسم من دم فاسد وتحرك الدورة الدموية ولا علاقة لها بفلسفة الطاقة والجسم الأثيري[17].
وكذلك الاستشفاء بطاقة الشفاء في القرآن[18] ويهتم لتعليم ذلك والاستفادة منه بصوت الحروف ومراعاة مد الصوت بها ورخامته، لاستخراج الطاقة الكامنة وقد يرددون كلمة أو أكثر، أو حرف أو أكثر بحسب المرض وطاقة الحرف ! ومن ذلك أيضًا ما أسموه الاستشفاء بالوجبة القرآنية المعتمد على نفس مبدأ الطاقة وأسرارها استخلاصاً -كما يدعون- من القرآن وعلوم الأسرار والطاقة .
ومؤخراً أعلن عن براءة اختراع جديدة للطاقة القرآنية تحت اسم "علم التنوير القرآني" Information Technology Energy Radiation Science، وهي فكرة لاتخرج في منبعها وتفاصيلها عن هذه الضلالات .
يتبــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
12-12-2013, 03:15 PM
يتبـــع الموضوع السابق
حقيقة العلاج بالطـاقة بين العلم والقرآن
وربما تغيرت الأسماء والشعارات من يوم ليوم، فلكل مدرب مدرسة ولكل علاج ودورة توابع ومستويات متنوعة تنشر جميعها فلسفات وتعاليم الديانات الصينية والهندية والديانات الشرقية التي ترى الكون منبثق عن قوة كلية على شكل ثنائيات فتنادي بضرورة توازن القوى الثنائية "الين واليانج" بطرق وممارسات متنوعة ، وتنشر الاعتقاد بأن الإنسان له سبعة أجساد وجهاز طاقة لابد من الاهتمام بتدفيق الطاقة الكونية فيه ليحصل الإنسان على السعادة والصحة والنضارة والسمو الروحي –بزعمهم– سواء تم ذلك بما هو وافد من الشرق من عبارات وأشكال ورموز وترانيم شركية ومراعاة الخواص المدعاة للأحجار الكريمة والألوان ، والروائح حسب أسرار الشكرات وألوانها وطاقتها، أو بحسب الخواص المدعاة للأشكال الهندسية والأهرام مما هو مبني على قواعد التنجيم ومبادئ السحر -عياذا بالله- أو بما يناسب ثقافتنا الإسلامية من مصطلحات أو تسبيحات وآيات وذكر إيهاماً للعامة.
الخــاتمة
وبعد هذه الجولة في فلسفة العلاج بالطاقة وتطبيقاته المتنوعة تبين أن خطر ترويج هذه الضلالة على أنها علم أو تطبيق حيوي حيادي فكيف بترويجها على أنها متعلقة بالدين والقرآن وتدل على إعجازه! فالشر الذي تجمعه هذه الفلسفة وتدل عليه كثير متشعب لذا فشلت كل محاولات استخلاص ما يظن فيه من نفع فمصادمة هذا العلاج بفلسفته إنما هو لأصول العقيدة وأصول الإيمان بالغيب إذ مبناها على اعتقاد غيبي مستمد من غير المصدر الصحيح الوحي؛ لذا أذكر بضرورة مراعاة المنهج العلمي المتبع لضبط المعارف الإنسانية وحماية البشرية من الخرافات والضلالات وللحفاظ على الحقيقة مشرقة بيّنة بعيدة عن محاولات التزييف والتشويه، وهو منهج شاملٌ لما طريقه النقل وما طريقه العقل والتجريب على السواء، ولابد من دراسة خطواته وتذكير الناس به فلا تُقبل قضية يزعم أنها ثابتة بالنقل حتى نستوثق من صدق الناقل وصحة النقل، كما لابد من التنبه للتأويلات المتعسفة والتفسيرات الباطلة التي يسعى البعض لتمريرها تحت قداسة النصوص الصحيحة . كذلك فإنه يجب أن لا تقبل أي قضية يُزعم أنها من قضايا العلم حتى نستوثق من أن ثياب العلم لا تخفي تحتها باطلا وفلسفة؛ فقد لبست يد الهوى قفاز العلم واستطاعت من وراء هذا القفاز أن تصافح كثيراً من العقول وأن تتسلل إلى كثير من البيئات والأوساط، دون أن يداخل الناس شك في أمرها وأصبح بين العلماء في شتى المعارف الإنسانية من يوجه العلم لخدمة هواه أو فلسفته بل حتى الدراسات الموضوعية الخالصة التي كان يظن أنها أبعد شيء عن عبث العابثين لم تسلم من اتخاذها آلة في يد المغرضين فبعدوا بها عن النـزاهة التي هي سمتها وجعلوها آلة لتدعيم رأي لهم أو فلسفة اعتنقوها[19]. قال ابن تيمية عن مروجي العلوم المتعلقة بطبائع الأشياء وقواها الخفية في عصره :" كذلك كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك ويوجبون التوحيد بل يسوغون الشرك أو يأمرون به أو لا يوجبون التوحيد ... كل شرك في العالم إنما حدث برأي جنسهم إذ بنوه على ما في الأرواح والأجسام من القوى والطبائع وإن صناعة الطلاسم والأصنام لها والتعبد لها يورث منافع ويدفع مضار فهم الآمرون بالشرك والفاعلون له ومن لم يأمر بالشرك منهم فلم ينه عنه "[20]
يمكن التواصل مع المؤلفة الدكتورة فوز عبر الإيميل التالي:
[email protected]
المـراجع العربية
1. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم"، أحمد عبدالحليم ابن تيمية ، تحقيق: ناصر العقل، دار عالم الكتب الرياض، ط:7، 1419هـ-1999م
2. الإنسان الحائر بين العلم والخرافة"، عبدالمحسن صالح، سلسلة عالم المعرفة، مطابع الرسالة، الكويت، ط:2، 1978م.
3. التنفس أسلوب لحياة جديدة لجوديت كرافيتز ، ترجمة نورة الشهيل، الدار الوطنية الجديدة ، الخبر، المملكة العربية السعودية ،ط:1، 2002م.
4. خارقية الإنسان ، الباراسيكولوجي من المنظور العلمي، صلاح الجابري، دار الأوائل ، سورية ، 2004م .
5. الرد على المنطقيين:ابن تيمية ط2، ادارة ترجمان السنة ، لاهور ، باكستان ، 1396هـ .
6. الرسالة الصفدية في تحقيق الرسالة وإبطال قول الزيغ والضلالة ، أحمد ابن تيمية ، تحقيق : سيد الحليمي، وأيمن الدمشقي، أضواء السلف ،الرياض، ط:1، 1423هـ- 2002م.
7. الروحية الحديثة دعوة هدامة ، محمد محمد حسين، دار الإرشاد ، بيروت، ط:2، 1388هـ- 1969م.
8. سر طاقة البندول لجريج نيلس ترجمة فارس ظاهر، دار الجيل ، مصر.
9. علم الطاقات التسع ، ميتشو كوشي، أعده بالعربية :يوسف البدر، شركة المطبوعات ، بيروت، ط: 2، 2002م.
10. الفرقان بين الحق والباطل ، أحمد ابن تيمية، تحقيق: يوسف غزال ، دار إحياء العلوم،بيروت، ط:1، 1403هـ- 1983م.
11. القوة النفسية للأهرام، بيل شول، ترجمة: أمين سلامة ، مكتبة الأسرة ،مصر، 1997م.
12. مبادئ العلاج بالطاقة الحيوية عالم الروح بين الطاقة والمادة ،عبدالتواب حسين، الدار العربية للعلوم ، بيروت، ط:1، 1425هـ- 2004م.
13. مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ، جمع وترتيب : عبد الرحمن بن قاسم النجدي وابنه محمد ، تصوير الطبعة الأولى ، 1398هـ .
14. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة ، ، محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق : حسان عبد المنان الطيبي ، عصام فارس الحرستاني ، دار الجيل ، بيروت ، ط:1، 1414هـ-1994م .
15. مقدمة بين الطب النبوي والماكروبيوتيك، أسامة صديق، الدار العربية للعلوم ، القاهرة، ط:1، 1423هـ-2002م.
16. الملل والنحل، أبي الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني ، تحقيق : عبد الأمير علي مهنا ، علي حسن فاعور ، دار المعرفة ، بيروت ، لبنان ، ط:1 ، 1410هـ-1990م .
17. النبوات : أحمد ابن تيمية ، تحقيق: عبدالعزيز الطويان، أضواء السلف ، الرياض، ط: 1، 1420هـ-2000م. طبعة أخرى : دار الفكر، بيروت.
18. الوجوه الأربعة للطاقة ، رفاه وجمان السيد،دار الخيال للنشر ، لبنان.
مذكرات تدريبية منها:
· مذكرة المستوى الأول للريكي لطلال خياط .
· مذكرة المستوى الأول للتشي كونغ لحسن البشل .
· مذكرة ستة أيام في بيت السلام لمريم نور .
· مذكرة دورة الطاقة البشرية لإبراهيم الفقي .
المراجع الإنجليزية:
1. Energy Medicine: An Overview, National Center for Complementary and Alternative Medicine NCCAM, National Institutes of Health, nccam.nih.gov, Bethesda, MD, USA, 2005.
2. What Is CAM?, National Center for Complementary and Alternative Medicine NCCAM, National Institutes of Health, nccam.nih.gov, Bethesda, MD, USA, 2007.
3. Beversluis, Joel D., Sourcebook of the World's Religions: An Interfaith Guide to Religion and Spirituality, New World Library; 3rd edition, 2000.
4. Carroll, Robert T.,The skeptic's Dictionary: A Collection of Strange Beliefs, Amusing Deceptions & Dangerous Delusions, Wiley, NJ, USA, 2003.
5. Drury, Nevill, The New Age: The History of a Movement, Thames & Hudson, London, UK, 2004.
6. Hawkins, David R., Power VS. Force, Hay House, CA, USA, 2002.
7. Horn, Irmhild Helene, The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth: A Historical Perspective, Unpublished Ph. D theses, University of South Africa, 1996.
8. Katra, Jane, and Targ, Russell, The Heart of the Mind: How to Experience God Without Belief, Novato, CA, New World Library,1999.
9. McTaggart, Lynne, The Field: The Quest for the Secret Force of the Universe, Quill, NY, USA, 2003.
[1] Energy Medicine: An Overview, NCCAM, NIH, nccam.nih.gov, 2005.
[2] ينظر: الإنسان الحائر بين العلم والخرافة :105 .
[3] وأكثرهم من الباطنيين المتأثرين بروحانيات الشرق الذين كونوا حركات غنوصية باطنية مؤسسية كبرى كحركة العصر الجديد وحركة القدرات البشرية الكامنة ينظر للتفصيل : أصول الإيمان بالغيب وآثاره لفوز كردي :302 .
[4] الطب البديل باب واسع ليس له ضوابط محددة حتى الآن؛ لذا رُوجت تحت اسمه كثير من الضلالات فجميع تطبيقات الطاقة الكونية الشركية وُضعت فيه جنبًا إلى جنب مع التطبيقات المعروفة في طب الأعشاب الشعبي أو طب الوحيين. والمتصفح لمجلة الطب البديل يرى عجبًا؛ إذ يروج لكافة أنواع الفلسفة والتنجيم إلى جانب الخرافات والجهل والكذب على أنها أنواع من طب النفوس والأبدان بل والمجتمعات أثبتتها التجارب العلمية!
[5] ينظر : "تشي ،الطاقة، قوة الحياة" لناصر العبيد: 12، و"علم الطاقات التسع" لمتشو كوشي، إعداد يوسف البدر :12، ورسالة فن صناعة الحياة الطيبة لصلاح الراشد : 5-63، مطبوعة ملحقة بمجلة فواصل عدد : 104: بتاريخ 1/9/2003م
-"The Skeptic's Dictionary".Robert Carroll :p.144.
[6] ينظر : التنفس أسلوب لحياة جديدة لجوديت كرافيتز ، ترجمة نورة الشهيل: 76
[7] ينظر : مقدمة ابن خلدون : 465
[8] ينظر:" الوجوه الأربعة للطاقة" لرفاه وجمان السيد: 61 -109.و:
-"The Skeptic's Dictionary".Robert Carroll :p.144
[9] وتروج لهذه الشركيات كثير من الفضائيات العربية ووسائل الإعلام المقروءة والإلكترونية، حتى عدّها بعض المسلمين أنماطَ حياة وتجارب شرقية أسهمت في رفع مستوى الصحة وإطالة الأعمار وزيادة الإنتاج في تلك البلاد! ومن ثم دعوا إلى تعلمها وتطبيقها. وقد عرضت قناة الجزيرة الفضائية فيلما وثائقيا عن التنظيف الروحي للمنازل الذي أصبح له في الغرب والشرق فرقًا متخصصة تقوم بتبخير المنـزل بأنواع خاصة من البخور والروائح وإشعال أنواعًا من الشموع ويستعينون بالطبول والمزامير وأنواع الموسيقى، لطرد الطاقة السالبة من المنـزل وتزويده بطاقة موجبة تمنح سكان المنـزل مبتغاهم من السكينة والصحة وتطرد الكره والمرض والشرور! ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.
ويستعين المؤمنون بهذه الطاقة بأدوات خاصة تعين في تحديد كمية ونوع الطاقة المطلوبة، ومدى النقص الحاصل فيها وإعادة شحنها -كما يزعمون- منها: الأهرامات والبندول وأنواع من الأحجار الكريمة والشموع ذات الروائح والألوان الخاصة، ينظر: "العلاج بالطاقة" لدلال سعدية : 46 -50، و"القوة النفسية للأهرام" لبيل شول ترجمة أمين سلامة : 95 – 105، و"طاقة البندول" لغريغ نيلسن ترجمة فارس ظاهر : 9- 20
[10] ينظر :"الملل والنحل" للشهرستاني : 2/358
[11] "مفتاح دار السعادة" لابن القيم : 2/227 -231.
[12] ينظر: مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية "النبوات": 2/702"الرسالة الصفدية": 1058، و"الرد على المنطقيين" : 286، و"الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان": 222 ،و" اقتضاء الصراط المستقيم": 234
[13] الطب الصبي ومثله الهندي طب قديم فيه مقومات كثير من العلاج الصحيح المبني على الأعشاب والتدليك وغيره وأكثره مختلط بالدجل والخرافات، وممتزج بعقائد الصين وفلسفة الطاقة عندهم لذا يفسرون أكثر نتائج علاجاتهم بأنها من أثر التشي على الجسم الأثيري والشكرات كما في الإبر الصينية والريفلكسولوجي وغيره.
[14] ينظر :"مبادئ العلاج بالطاقة الحيوية" لعبدالتواب حسين، و"مقدمة بين الطب النبوي والماكروبيوتيك" لأسامة صديق ، و"العلاج بالطاقة" لدلال سعدية.
[15] وقد اطلعت هيئة كبار العلماء في السعودية على تفصيل هذا العلاج وبينت بدعيته ودعت مبتكرها للتوبة من هذه الضلالة منشورة على الموقع الإلكتروني: www.elislam.net .
[16] ينظر : "مبادئ العلاج بالطاقة الحيوية" لعبدالتواب حسين :189.
[17] ينظر: تحقيق صحفي بعنوان الحجامة تعود عالميًا مجلة الأسرة، العدد 129، بتاريخ ذو الحجة 1424هـ.
[18] من المسلم به إيمانيًا أن القرآن كله شفاء، وأن للاستشفاء به طريقة مشروعة تغني أتباع محمد r عن محاولات تطويع هذه الحقيقة الغيبية المطلقة لتوافق ظنيات الفلسفات الملحدة .
[19] ينظر :" الروحية الحديثة" لمحمد حسين :16.و
Horn, The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth, Section 7.3, 1996
[20] ينظر : "مجموع فتاوى ابن تيمية" 9/ 34
القلب الحزين
12-12-2013, 03:16 PM
تسع معان للزوجية في القرآن الكريم وعالم النبات
معجزة علمية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1212831621250px-diversity_of_plants_image_version_3.jpg
صور لنباتات متنوعة
كتبت منذ (1987م) في كتاب إعجاز النبات في القرآن الكريم و (1996م) في كتاب آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات عن أزواج النبات لقوله تعالى ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ{36})[يس: 36] وقوله تعالى: ( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ{7})[الشعراء: 7] .
وقد رأيت أن بعض غير المسلمين يعترضون على قوله تعالى: ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{49}) [الذاريات: 49]، فقد رأيت أن أعيد الكتابة في الموضوع في ضوء ما أثير من شبهات، فالزوج في هذه الآية يشمل الذكر والأنثى، والصنفين، والتركيبين:
أولاً: معنى الزوج في القرآن الكريم:
قال الأصفهاني رحمه الله في مفردات ألفاظ القرآن عند بيان معنى الزوج قال:
يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة زوج , ولكل قرينين فيها وفي غيرها زوج، كالخف والنعل ولكل ما يقترن بآخر مماثلاً له أو مضادًا: زوج، قال تعالى: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى{39})[القيامة 39]، وقال {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} البقرة 35، وجمع الزوج أزواج . وقوله تعالى ( هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ{56})[يس: 56]، ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ{22})[الصافات: 22] أي أقرانهم المقتدين بهم في أفعالهم، ( لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ )[الحجر: 88] أي أشباهًا وأقرانًا، وقوله: ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ{36}) [يس: 36]، ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{49})[الذاريات: 49]، فتنبيه أن الأشياء كلها مركبة من جوهر وعَرَض، ومادة وصورة، وأن لا شيء يتعرى من تركيب يقتضي كونه مصنوعًا، وأنه لابد من صانع تنبيهًا إلى أنه تعالى هو الفرد وقوله تعالى: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{49})[الذاريات: 49] فبين أن كل ما في العالم زوج من حيث أن له ضد، أو مثلاً ما، أو تركيب ما، بل لا ينفك بوجه من تركيب، وإنما ذكر ههنا زوجين تنبيهًا أن الشيء – وإن لم يكن له ضد ولا مثل – فإنه لا ينفك من تركيب جوهر وعرض، وذلك زوجان، وقوله (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى{53})[طه: 53]، أي أنواعًا متشابهة، وكذلك (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ{10})[لقمان: 10]، (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{143})[الأنعام: 143] أي أصناف وقوله تعالى: (وكنتم أزواج ثلاثة{7})[الواقعة: 7] أي قرناء، ثلاثًا، وهم الذين فسرهم بما بعد أي في قوله تعالى: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ{8} وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ{9} وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ{10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{11})[الواقعة: 8-11] وقوله تعالى: (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ{7})[التكوير: 7] .فقد قيل: قرن كل شيعة بمن شايعهم في الجنة والنار . انتهى .
مما سبق نستنتج أن معنى الزوج في القرآن الكريم يشمل:
1- الذكر والأنثى في الكائنات الحية .
2- القرينين كالخف والنعال والجوارب .
3- لكل من يقترن بآخر مماثلاً له أو مضادًا . http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1212831429200px-potato_plant.jpg
4- الأشياء مكونة من جوهر وعرض ومادة وصورة وكل شيء مركب فهو مصنوع .
5- كل شيء مخلوق ومصنوع .
6- الضد، المثل، والتركيب .
7- أنواعًا متشابهة .
8- أصنافًا متعددة .
9- قرناء في المكان والزمان .
إذا قصر الزوجين على الذكر والأنثى فقط هو قصور في فهم الآية وتفسير غير حقيقي أي أن الحقيقة التفسيرية لا تقتصر على أن الأزواج الذكر والأنثى والزوج والزوجة فقط .
ثانياً: الزوجية في عالم النبات والكائنات الحية الدقيقة:
وبالنسبة لعالم النبات، فالنبات أزواج ذكر وأنثى، وأصناف، وأنواع، وقرناء في المكان الوحد، وبها المضادات وبخصوص الذكر والأنثى النبات أزواج والكائنات الحية أزواج .
فالبكتريا ثبت أن فيها خلايا موجبة وخلايا سالبة، خلايا مذكرة وخلايا مؤنثة ويحدث التزاوج الجنسي بين الخليتين بخروج أنبوب تزاوج، خيطي طويل يوصل بين الخليتين وتقوم الخلية الموجبة بإفراغ محتواها في الخلية السالبة عبر الأنبوب.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1212831520210px-escherichiacoli_niaid.jpg صورة لنوع من أنواع البكتريا
والفطريات: تنقسم إلى أقسام حسب نوع التكاثر الجنسي فهناك الفطريات البيضية التي تتكاثر تزاجيًا بالأؤوجونة (Oogonium) المؤنثة والأنثريدة (ِAntheridia) المذكرة، وقسم الفطريات التزاوجية تتكاثر فطرياته بالتزاوج بين خيط موجب وخيط سالب، وقسم الفطريات الزقية الذي يتكاثر جنسيًا ليعطي الجراثيم الزقية وقسم الفطريات البازيدية الذي يتكاثر جنسيًا ثم يعطي الجراثيم البازيدية، وهناك قسم الفطريات الناقصة الذي لم نكتشف بعد نوع التكاثر فيه، وكل فطر نكتشف تكاثره الجنسي من هذا القسم , ننقله إلى القسم الموافق له في التركيب الخيطي وغيره , فيجب أن لا يخدعنا أحد بهذا القسم أنه لا يتكاثر جنسيًا , إنه يتكاثر جنسياً , ولكن للآن لم نتعرف نوع التكاثر الجنسي فيه ولا يوجد دليل علمي يثبت أنه لا يتكاثر جنسياً , فقط علمنا لم يصل بعد إلى اكتشاف التكاثر الجنسي في هذا القسم وكل يوم تتناقص أعداد أجناس هذا القسم باكتشافنا للتكاثر الجنسي فيها ..
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1212831560240px-laurencia.jpg صورة لطحلب أحمر يعيش في جزر هاوي
والطحالب جميعها تتكاثر بالتكاثر الجنسي وهذا معلوم لجميع طلاب كليات العلوم والزراعة الدراسين للطحالب، فالإسبيروجيرا يتكاثر جنسيًا، والكلاميدوموناس، والباندوراينا والفولفوكس والكلوريللا وكل الطحالب تتكاثر جنسياً , ومن يجهل ذلك عليه البحث فيه والإتيان بخلاف ذلك بالدليل العلمي الموثق وليس بالكتب القديمة التي لم تحدث معلوماتها إلى الآن, فالبينة على من يدعي .
والنباتات الخزازية، والنباتات التريدية ومعراة البذور ومغطاة البذور تتكاثر جنسيًا، وهناك أزهار مذكرة وأزهار مؤنثة، وأزهار تحتوي أعضاء التذكير وأعضاء التأنيث وهما عضوان مقترنان في مكان وحد متضادان ومختلفان في الذكورة والأنوثة حيث ينتج العضو الذكري حبوب اللقاح المذكرة، والعضو الأنثوي البويضات المؤنثة فهما قرناء في المكان والزمان وهذه إحدى معاني الزوجية كما قال الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن .
الخطورة تقع في القصور في فهم المعنى اللغوي لكلمة الأزواج من النبات أصناف متعددة وهذا من معاني الزوجية، وأنواع متشابهة ومختلفة وأجناس متشابهة ومختلفة والحال كذلك في الحيوان .
والكائنات الحية بها جزيئ وهو DNA وهو يتركب من خيطين مترابطين ومتزاوجين بالقواعد النيتروجينية الزوجية .وفي الفيروسات يوجد DNA، RNA , و هو خيط مفرد ولكنه يتكون من قواعد تقوم بنسخ أزواج متشابهة لها عند التكاثر .
ومن المركبات الكيميائية الأزواج المتشابهة والمضادة كالحموضة والقلوية وفي الفيزياء توجد الأزواج المتشابهة والمتباينة .
وكل المخلوقات مكونة من جوهر وعرض ومن مواد ميتة ومن حياة توجد فيها وجميع هذه الكائنات مخلوقة وهذا أحد أنواع الزوجية فانتبهوا حتى لا يؤدي الفهم الخاطئ لقوله تعالى: ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{49})[الذاريات: 49]، فلا تقصروها على الذكر والأنثى وهذا أحد معاني الزوج والزوجين في القرآن الكريم كما كتب الأصفهاني منذ مئات السنين والحمد لله رب العالمين .
أ.د. نظمي خليل أبو العطا موسى
دكتور الفلسفة في العلوم جامعة عين شمس
www.nazme.net (http://www.nazme.net/)
القلب الحزين
12-12-2013, 03:18 PM
العصرانيون والصحابة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12113572962238882324_750fab6b92_m.jpgبقلم الدكتور حمزة أبوالفتح حسين قاسم محمد
مسؤول قسم التدريب والدورات العلمية الهيئة العالمية
للإعجاز العلمي في القرآن والسنة مكتب جدة
منذ أن بزغ فجر الرسالة المحمدية وأعداء الإسلام يناصبونها العداء، واستمروا في معاداتها على مر العصور والأزمان إلى يومنا هذا، متبعين في ذلك أساليب عدة، ووسائل مختلفة، باذلين كل ما في وسعهم في سبيل إضعاف هذا الدين، أو تشكيك المسلمين وزعزعة ثقتهم في وصول هذا الدين إلينا سالما من كل شائبة.
ومن أجل تحقيق مآربهم قام فريق منهم بتوجيه سهام الحقد والطعن والتشكيك نحو الصحابة الكرام رضي الله عنه، منادين بـ (( ضرورة إعادة النظر في قواعد علم الجرح والتعديل، ووجوب وضع ضوابط جديدة له بحيث تتماشى مع القواعد المنطقية لأسس البحث العلمي الحديث )).
وهي دعوى الهدف منها هدم وتدمير القواعد والأسس التي بني عليها هذا الدين، وذلك بنسف الإسناد الذي اعتمد عليه في نقل المصادر الأساس للتشريع في الإسلام، والذي يعتبر أحد الخصائص التي تميزت بها أمة الإسلام عن غيرها من الأمم.
وسببها هو: أنه لما تم بيان الأصول والقواعد التي بني عليها علم الجرح والتعديل، تم وضع الضوابط والقيود فيمن يتوجه إليه البحث والنقد من سلسلة إسناد الحديث.
وكان منهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى، البحث في كافة رجال السند، فإذا وصلوا إلى الصحابة توقفوا عن البحث في أحوالهم، خلافا لغيرهم من الفرق الأخرى كالشيعة والخوارج والمعتزلة الذين أطلقوا ألسنتهم في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لذا فقد كانت الدعوة إلى إعادة النظر في مسألة عدالة الصحابة، من أخطر الدعوات التي أثيرت في أواخر القرن الماضي، ولا زالت مستمرة إلى يومنا هذا.
ومدار هذه الدعوى المثارة يقوم على: (( التشنيع على علماء الحديث في مسألة الجرح والتعديل ))، بدعوى أن علماء الحديث قد أغفلوا هذا الجانب الرئيس من إسناد الحديث، وهذا الأمر ـ حسب زعمهم ـ يعد تقصيرا خطيرا من قبل علماء الحديث النبوي في العصور المتقدمة، لذا أصبح من اللازم ـ حسب دعواهم ـ تلافي هذا التقصير، وسد هذه الفجوة في مناهج المحدثين.
وقد بُنيت هذه الدعوى على أساس: أن المحدثين قد خالفوا في هذا الجانب ما كان عليه الصحابة من نقد بعضهم بعضا، ومخالفة بعضهم البعض في كثير من المسائل، وتتبع البعض منهم للبعض من أجل التثبت من نص الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحاولت قدر استطاعتي أن أبين حقيقة المراد من هذه الدعوة ومنشأها، وأبرز المنادين بها، والآثار المترتبة عليها في المجتمع الإسلامي المعاصر. مع بيان وجه التوقف في عدالة الصحابة عند سلفنا الصالح رضي الله عنه.
آخذا بعين الاعتبار أنه لا يمكن الحكم على كل من صدر عنه قول فيه شائبة أنه من أعضاء هذه المدرسة. على الرغم من وجود بعض المقولات الصادرة عن بعض الشخصيات من الرموز الإسلامية أدت بفحواها إلى أنها التقت مع العصرانيين في زاوية من الزوايا، أو فكرة من الأفكار، مع أن صاحب المقولة مخالف لهم في كثير من المسائل المطروحة.
تعريف العصرانيين:
نسبة إلى العصرانية: وهو مصطلح دخيل على اللغة العربية، ليس له تعريف في معاجم اللغة العربية الأصيلة. يراد به: مجاراة روح العصر، والتعاطف مع الأفكار، والمواقف والمقاييس الحديثة (1).
مزاعم العصرانيين:
يزعم العصرانيون المنتسبون إلى الإسلام أنهم يريدون التجديد لتنهض الأمة من كبوتها، وأصبح من الضرورة ـ حسب زعمهم ـ أن تعاد كتابة التاريخ الإسلامي والعربي، وذلك من خلال طرح العديد من الدراسات والأبحاث المتعلقة بالتراث، وعرضها في إطار عقلاني تحت مظلة الانتماء إلى التراث الإسلامي(2).
ومن أجل تحقيق مآربهم قاموا بشن حملة شعواء، مدعومة من قبل المستشرقين والجمعيات التبشيرية ضد ثوابت الإسلام، وعلومه المعيارية، كأصول الفقه، وأصول التفسير، وعلوم الحديث. مقدمين لهم كل ما يحتاجونه من رعاية وحماية، وسخروا لهم الإمكانات الهائلة لتمكينهم من بث أفكارهم، ونشر آرائهم بين أبناء المسلمين، كما فعلوا مع محمود أبورية، وطه حسين، وأحمد أمين، والشيخ محمد مصطفى المراغي، وغيرهم.
هجمتهم على الصحابة:
الصحابة رضوان الله عليهم هم حلقة الوصل الرئيسة بيننا وبين الرسول صلى الله عليه وسلم. وهم الذين اختارهم الله عز وجل لحمل رسالة الإسلام من بعده صلى الله عليه وسلم.
ولما وجدت الثقة بهم من المسلمين، وجهوا سهام الحقد إليهم في محاولة منهم لزعزعة الثقة في نفوس المسلمين تجاههم، بحيث يتسنى لهم بعد ذلك التشكيك والطعن في مصداقية الدين الإسلامي، ومصداقية صحة وصوله إلينا، ومن ثم عدم الثقة بما وصلنا سواء أكان ذلك قرآنا أو سنة.
أبرز من قام بذلك:
هناك عدة أسماء تولت كبر هذا الأمر، وسعت إليه بكل ما أوتيت من قوة، وجندت إمكاناتها وأقلامها في سبيل هذا الغرض، ومن أبرزها:
محمود أبورية، في كتابه: (( أضواء على السنة المحمدية ))، والذي لم يتورع فيه من اتهام الصحابة رضوان الله عليهم بالغفلة والسذاجة وعدم التيقظ، وأنهم لم يتوصلوا إلى معرفة حقائق كثيرة غابت عن أذهانهم، تمكن هو ـ حسب زعمه وادعائه ـ من التوصل إليها، وأودعها في كتابه، الذي يرى أنه ـ أي الكتاب ـ كان ينبغي تأليفه أو مثله منذ ألف سنة (3).
كما أنه لم يترك فيه طريقة للتشكيك في السنة النبوية، وكذا التشكيك في رواتها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلا وسلكها، بزعم أنه أراد خدمة هذه السنة (4).
أحمد أمين، وأصدق وصف وُصِفَ به كان من مُعَاصِرهُ الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، حيث قال فيه: (( من أبرز الكتاب المعاصرين الذين سلكوا هذا السبيل ـ سبيل الهجوم المقنع وغير السافر ـ أحمد أمين، خريج القضاء الشرعي، وعميد كلية الآداب سابقا، مؤلف كتاب: فجر الإسلام، وضحاه، وظهره. وقد تحدث في فجر الإسلام عن الحديث، فمزج السم بالدسم، وخلط الحق بالباطل )) (5).
وقد أجاد الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله في كشف الشبهات التي أثارها: محمود أبورية وأحمد أمين، وفندها الواحدة تلو الأخرى، في كتابه القيم المسمى: (( السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي )) فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
طه حسين، والذي يقول عنه الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: (( إن طه حسين لم يكن في الحقيقة إلا بوقا من أبواق الغرب، وواحدا من عملائه الذين أقامهم لخدمة مصالحه، وتنفيذ مخططاته، وترويج حضارته، وثقافته، ليدفع المسلمين إلى الخضوع له )) (6).
ومن أبرز كتبه التي تعرض فيها للطعن بالصحابة رضوان الله عليهم، كتابه المسمى: (( الشيخان )).
مطاعنهم في الصحابة:
أولا ـ مطاعن أبورية:
يقول أبورية: (( إنهم ـ أي: العلماء ـ قد جعلوا جرح الرواة وتعديلهم واجبا تطبيقه على كل راو مهما كان قدره، وإنهم قد وقفوا عند عتبة الصحابة فلم يتجاوزوها، إذ اعتبروهم جميعا عدولا لا يجوز عليهم نقد، ولا يتجه إليهم تجريح.
ومن قولهم في ذلك: إن بساطهم قد طوي.
ومن العجب أنهم يقفون هذا الموقف، على حين أن الصحابة أنفسهم قد انتقد بعضهم بعضا )) (7).
وقال: (( وإذا كان الجمهور على أن الصحابة كلهم عدول، ولم يقبلوا الجرح والتعديل فيهم كما قبلوه في سائر الرواة، واعتبروهم جميعا معصومين من الخطأ والسهو والنسيان، فإن كثيرا من المحققين لم يأخذوا بهذه العدالة المطلقة لجميع الصحابة، وإنما قالوا كما قال العلامة المقبلي: إنها أغلبية لا عامة، وأنهم يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الغلط والنسيان والسهو، بل والهوى. ويؤيدون رأيهم: بأن الصحابة إن هم إلا بشر، يقع منهم ما يقع من غيرهم، مما يرجع إلى الطبيعة البشرية. ويعززون حكمهم بمن كان منهم في عهده صلى الله عليه وسلم من المنافقين والكاذبين، وبأن كثيرا منهم قد ارتد عن دينه بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى، بله ما وقع منهم من الحروب والفتن التي أهلكت الحرث والنسل، ولا تزال آثارها، ولن تزال إلى اليوم وما بعد اليوم )) (8).
ثانيا ـ مطاعن أحمد أمين:
يقول أحمد أمين: (( ويظهر أن الصحابة أنفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم بعضا موضع النقد، وينزلون بعضا منزلة أسمى من بعض، فقد رأيت قبل أن منهم من كان إذا روي له حديث طلب من المحدث برهانا، بل روي ما هو أكثر من ذلك )) (9).
ثالثا ـ مطاعن طه حسين:
يقول طه حسين: (( ولا نرى في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يكونوا يرون في أنفسهم، فهم كانوا يرون أنهم من البشر، فيتعرضون لما يتعرض له غيرهم من الخطايا والآثام، وهم تقاذفوا التهم الخطيرة، وكان منهم فريق تراموا بالكفر والفسوق )) (10).
خلاصة الطعون الموجهة نحو الصحابة:
1 ـ الاعتقاد بعدالة كافة الصحابة أمر يؤدي إلى القول بعصمتهم، وهو ليس بقول المحققين من أمثال: المقبلي وأحمد أمين وأبي رية وطه حسين.
2 ـ الاعتقاد بعدالة الصحابة يصطدم بمن كان موجودا بين الصحابة من المنافقين والكذابين.
3 ـ الاعتقاد بعدالة الصحابة يصطدم بما وقع من ردة في صفوفهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
4 ـ صدور ما ينافي العدالة من الصحابة أنفسهم من تكفير بعضهم بعضا، وكذا تكذيب بعضهم بعضا، كما كانوا يضعون أنفسهم في مقام النقد والتجريح.
5 ـ القول بعدالة الصحابة مخالف لما هم عليه من الطبيعة البشرية، لذا فيجوز عليهم ما يجوز على سائر البشر من الخطأ والنسيان والسهو والهوى.
6 ـ وقوع حروب وفتن بينهم كان من نتائجها إهلاك الحرث والنسل.
7 ـ وقوع بعضهم في الخطايا والآثام.
يتبــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
12-12-2013, 03:19 PM
يتبـــــع الموضوع السابق
العصرانيون والصحابة
الآثار المترتبة على هذه الطعون:
تترتب على هذه الطعون نتائج خطيرة، تؤدي بمجموعها إلى هدم الدين الإسلامي، وتقويض أسسه عند من يعتقد بها، لتضمنها الطعن في كتاب الله عز وجل، والطعن في رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن أبرز النتائج المترتبة:
أ ـ الطعن في كتاب الله عز وجل:
وذلك من خلال الطعن في مصداقية نص كتاب الله عز وجل، وصوله إلينا سالما من التحريف والتشويه. وفقدان المصداقية والثقة في نقلة النص القرآني، طريق لعدم الثقة في القرآن الذي بين أيدينا. وهذا مخالف لما أجمعت عليه الأمة من صحة وسلامة ما نقله إلينا حملة القرآن الكريم، المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من ربه عز وجل.
ومن ناحية أخرى فإن هذا الأمر يفتح الباب للتطاول على القرآن الكريم، وعدم اعتباره مصدر تشريع، وإنما عده كتابا كسائر الكتب الأخرى، كما صرح بذلك طه حسين، حيث قال: (( ليس القرآن إلا كتابا ككل الكتب الخاضعة للنقد، فيجب أن يجري عليه ما يجري عليها )) (11).
ب ـ الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وهذا عائد إلى الأول، حيث إن الطعن في كتاب الله عز وجل يستلزم بالضرورة الطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبلغ الأول للبشر عن ربه سبحانه وتعالى، حيث بلغنا القرآن الكريم الذي هو كتاب الله عز وجل. فإذا كان قد طعن بالمنقول فمن باب أولى أن يطعن بالناقل. ويكون الغرض بعد ذلك الوصول إلى ما هو أبعد من الطعن في القرآن الكريم، ألا وهو الطعن بالوحي والنبوة، مما يكون سبيلا إلى إنكارهما.
ج ـ الطعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وذلك إذا تسنى لهم الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنبوته ورسالته، فإن ذلك ـ حسب اعتقادهم ـ يسهل لهم الطريق أمام هدم المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، أو على أقل تقدير زعزعة ثقة المسلمين بمصادر شريعتهم.
ومن هنا رأينا من سموا أنفسهم بـ (( القرآنيين ))، الذين ينادون بالاكتفاء بالقرآن وحده مصدرا للتشريع الإسلامي، وعدم اعتبار السنة مصدرا من مصادر التشريع.
د ـ هدم مصادر الشريعة الإسلامية وأدلتها الشرعية:
وهي نتيجة مترتبة على الطعن في المصدرين الأساس للشريعة الإسلامية، وبالتالي لن يكون لأدلة الفقه الإسلامي المبنية على الكتاب والسنة أي اعتبار. وذلك باعتبار أن هذه الأدلة تعتبر فروعا مبنية على الأصول، فإذا فقدت الأصول، بطلت الفروع.
و ـ هدم الإسلام وتقويض أركانه:
وذلك أن الإسلام كالبنيان القائم على دعائم وأسس، وبقاء هذا البنيان مرتهن بقوة أسسه ودعائمه. فإذا أمكن تقويض هذه الدعائم والأسس، سهل هدم البنيان الذي هو الإسلام ـ لا قدر الله ـ.
وهو أمر لن يتمكنوا من الوصول إليه بإذن الله، لأنه سبحانه وتعالى بين لنا في كتابه العزيز أنه قد تكفل بحفظ كتابه، كما تكفل سبحانه بحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأنه متم نوره ولو كره الكافرون.
قال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [ سورة التوبة: 32 ].
تفنيد المطاعن الموجهة نحو عدالة الصحابة:
المطعن الأول ـ تعديل الصحابة يعني القول بعصمتهم:
المراد بعدالة الصحابة عند جمهور العلماء هي: تحرزهم رضوان الله عليهم من تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لما اتسموا به من قوة الإيمان، والتزام التقوى والصدق، وحسن الأخلاق، والبعد عن السفاسف مما يخل بالمروءة. لا أنهم معصومين رضي الله عنهم من المعاصي أو من السهو والغلط، إذ العصمة لا تكون إلا للأنبياء، ولم يقل أحد من أهل العلم بعصمة الصحابة، وعدم العصمة لا ينافي العدالة.
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: (( فلا يعرف من الصحابة من كان يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان فيهم من له ذنوب، لكن هذا الباب مما عصمهم الله فيه من تعمد الكذب على نبيهم )) (12).
وعلى هذا فالمراد بالعصمة هنا: أن الله تعالى حفظهم من تعمد الكذب، حفظا للشريعة، وحماية لجنابها، لأنهم الوسائط في نقلها.
أما الحكمة في عصمتهم من الكذب، فهي حكمته سبحانه وتعالى في أن يكون الصحابة خارج نطاق الاتهام، حتى لا يكونوا هدفا للطعن من بعدهم، لأنه ذريعة إلى الطعن في الإسلام جملة (13).
وبما أن شروط قبول الرواية متوافرة فيهم، والتي قوامها على العدالة والضبط، فإن حالهم لا يمكن قياسها بحال غيرهم من الرواة.
فإذا كان الطعن في العدالة قد تلاشى وانعدم، فيبقى الضبط. ومع ذلك فإن علماء الحديث نظروا في رواية من يحتمل أن يتطرق إليه الشك والتهمة، فوجدت رواياتهم موافقة لرواية من لا تتجه إليه تهمة أو يتخلل إليه شك، ووجد أن عامة ما يرويه هؤلاء قد رواه غيرهم من الصحابة (14).
أما المقبلي الذي اعتمدوا رأيه على أنه من المحققين، فهو:
صالح بن مهدي بن علي المقبلي، من أهل اليمن، تفقه على المذهب الزيدي، وكان ممن ينبذ التقليد، ويحط على بعض الفرق الإسلامية وعلى أهل الحديث (15).
وقال عنه المعلمي: (( والمقبلي: نشأ في بيئة اعتزالية المعتقد، هادوية الفقه، شيعيته تشيعا مختلفا، يُغْلِظُ في أناس ويخف في آخرين، فحاول التحرر، فنجح تقريبا في الفقه، وقارب التوسط في التشيع، أما الاعتزال فلم يكد يتخلص إلا من تكفير أهل السنة مطلقا )) (16).
فإذا كان هذا المحقق كما وصفه أهل بلده متحاملا، فكيف يكون منصفا في حكمه ؟ وكما هو معلوم فإن من شروط العالم المحقق: أن يكون متجردا عن الهوى، بعيدا عن الآراء المسبقة في الحكم. فهل قام هذا المحقق باستعراض الموضوع المشار إليه من كافة جوانبه، ثُمّ أصدر حكمه ؟ أم أن ما كان عليه من الاعتقاد غلب على فكره، بحيث لم يصدر حكما منصفا ؟؟.
المطعن الثاني ـ وجود المنافقين في مجتمع الصحابة يناقض القول بعدالتهم:
لا أحد ينكر أن المنافقين كانوا مندسين بين صفوف الصحابة، وشهد عدد منهم بعض المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وخاض عدد منهم بعض الغزوات ، ولكن لا لإعلاء كلمة الله، وإنما لأغراض أخرى. ومع ذلك فقد كان المنافقون معروفين لدى أعيان الصحابة، ويعرفهم أكثر الصحابة، ولم يكن لينخدع أحد بهم، وذلك لأن آيات القرآن الكريم بينت كل حركاتهم وسكناتهم، حتى خلجات قلوبهم. وليس أدل على ذلك من وجود سورة كاملة في القرآن الكريم نزلت في بيان حقيقتهم وصفاتهم وسلوكهم، ألا وهي: (( سورة المنافقون )).
المطعن الثالث ـ ارتداد بعض الصحابة بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى:
إذا نظرنا في كتب التاريخ والسيرة النبوية، فإننا لا نجد دليلا واحدا على أن أحدا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن هاجر وجاهد معه، وتحمل في سبيل هذه الدعوة من المشاق والمتاعب والجهد ما الله به عليم، قد ارتد عن دينه بعد انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى. نعم، قد حصلت حركة ردة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ولكن ممن ؟ وأين ؟.
يجيب على ذلك الإمام الخطابي رحمه الله بقوله: (( لم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب، ممن لا نصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين )) (17).
المطعن الرابع ـ الادعاء بأن الصحابة قد كفر بعضهم بعضا، وكذب بعضهم بعضا:
هذا ادعاء متهافت لا دليل عليه، حيث إننا لم نجد أحدا من الباحثين تمكن من إثبات دليل صحيح واحد يمكن الاعتماد عليه في إثبات هذه الدعوى. ولو كانت مثل هذه الأمور قد حصلت في مجتمع الصحابة، فلماذا لم ينقلها لنا الثقاة من الرواة ؟ فعدم نقلها، أو الاهتمام بها دليل على عدم وقوعها بينهم رضوان الله عليهم، وبخاصة أنها مسألة من المسائل المتعلقة بالجانب العقدي في حياتهم، وبها تتعلق كافة الأحكام الأخروية.
ولو سلمنا جدلا أن هناك حوادث فردية قد وقعت بين الصحابة في هذا الباب، فإنه ليس من الصواب تعميمها واعتبارها أمورا عامة تبنى عليها أحكام على مجتمع بأكمله.
أما مسألة التكذيب: فإنه يغيب عن بال الكثير ممن يتحدث في هذه المسألة أن كلمة كذب لها استعمالان:
الأول ـ استعمال شائع، يراد به: القول المخالف للحقيقة والواقع، وهو ضد الصدق. وقد تواترت عن الصحابة الكرام آثار كثيرة في هذا الباب، كما تواتر من معرفة أحوالهم، أن الكذب بهذا المعنى لم يكن معروفا بينهم، ولم يثبت عن واحد منهم، لأنهم كانوا يرونه من الأمور المنافية للدين والأخلاق، وكانوا يَعُدُّونَ الكذب من خوارم المروءة.
ومن تتبع أخبار العرب في الجاهلية، واطلع على صفاتهم الأخلاقية، يجد أنه من أشد الأمور على الرجل العربي أن يُؤْخَذَ عليه الكذب، لأنه كان يُعَدُّ منقصة في أخلاق الرجال، وربما كان الواحد منهم يدفع الثمن غاليا مقابل أن لا يقال عنه إنه كذاب، ومهما كانت درجة العداوة بين شخص وآخر، فإن أحدهم لن يتردد من قول الصدق في حق خصمه.
فقد روى الإمام الطبري في تاريخه بإسناد حسن، قصة أبي سفيان بن حرب t مع هرقل ملك الروم قبل إسلامه، وفيها قول أبي سفيان: (( فأقعدني بين يديه، وأقعد أصحابي خلفي، ثم قال: إني سأسأله ؛ فإن كذب فردوا عليه ؛ فو الله لو كذبت ما ردوا عَلَيّ ؛ ولكني كنت امرأ سيدا أتَكَرَّمُ عن الكذب ؛ وعرفت أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبته أن يحفظوا ذلك عَلَيَّ، ثم يحدثوا به عني ؛ فلم أكذبه )) (18).
فإذا كان أبوسفيان رضي الله عنه حال كفره قد أنِفَ من أن تحفظ عليه كذبة، أفلا يكون من تأدب بأدب القرآن الكريم، وتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم، أولى بهذه الأنفة والمكرمة ؟.
وقد أطنب الإمام مسلم رحمه الله في إيراد الأدلة الدالة على أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يكذبون، أو يكذب بعضهم بعضا(19).
الثاني ـ استعمال خاص، وهو استعمال عند أهل الحجاز خاصة، حيث يطلقون كلمة الكذب، أو مصطلح كاذب: ويريدون به: (( الخطأ )).
وعليه فإن الأقوال التي صدرت عن بعض الصحابة في هذا الباب محمولة على هذا المعنى.
والتخطئة من الأمور الطبيعية التي لا خلاف عليها ولا اعتراض، لأن الاختلاف في الرأي، والتخطئة في الاجتهاد أو الحكم قد وقع بين الصحابة. ولكن ذلك لا يعتبر مدعاة إلى الطعن في عدالتهم.
المطعن الخامس ـ أنهم بشر يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الخطأ والنسيان والسهو والهوى:
نقول: لا ينكر أحد بأن الصحابة رضوان الله عليهم بشر، يعتريهم ما يعتري سائر البشر، فهم معرضون للسهو والنسيان والخطأ كغيرهم. ولكن ذلك لا يعارض القول بعدالتهم، فقد تميزوا عن غيرهم بمعاصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وشهودهم للحوادث. وقد تجسد ذلك في حياتهم، وحفظته ذاكرتهم، مع مذاكرتهم المستمرة لما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم، والتزامهم جانب الحيطة والحذر والمبالغة في الدقة، سواء في السماع أو الرواية، وكذا اجتنابهم ما يشك فيه من الحديث.
يضاف إلى ذلك أنه كان إذا رأى أحدهم وهما أو خطأ من صحابي آخر، لم يكن ليسكت عليه، بل يبادر إلى بيان موضع الوهم ويوضحه.
ومن ذلك ما رواه الإمام البخاري بإسناده عن مجاهد، قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبدالله بن عمر t جالس إلى حجرة عائشة رضي الله عنها، وإذا أناس يصلون في المسجد صلاة الضحى.
قال: فسألناه عن صلاتهم ؟
فقال: بدعة.
ثم قال له: كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ؟
قال: أربع، إحداهن في رجب. فكرهنا أن نرد عليه.
قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة. فقال عروة: يا أماه ! ألا تسمعين ما يقول أبوعبدالرحمن ؟
قالت: ما يقول ؟
قال: يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات، إحداهن في رجب.
قالت: (( يرحم الله أبا عبدالرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط )) (20).
وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر:
(( إن الصحابي الجليل المكثر، الشديد الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم، قد يخفى عليه بعض أحواله، وقد يدخله الوهم والنسيان، لكونه غير معصوم )) (21).
لذا فمثل هذه المراجعات والاستدراكات لا تعتبر دليلا على أن الصحابة كان يطعن بعضهم بعضا، أو يتهم بعضهم بعضا.
وتبقى مسألة مهمة هنا، وهي: أن صاحب الدعوى أدخل كلمة: (( الهوى )) التي نقلها أبورية عن المقبلي. وهي كلمة تحمل في طياتها اتهاما خطيرا للصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ألا وهو: الاتهام بوضع الحديث.
يتبــــــــع
القلب الحزين
12-12-2013, 03:21 PM
يتبـــــع الموضوع السابق
العصرانيون والصحابة
وسوف أجيب عن هذا الاتهام لاحقا عند بيان جهود الصحابة رضوان الله عليهم وخطتهم في الحفاظ على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
المطعن السادس ـ الاستدلال على عدم عدالة الصحابة بالحروب والفتن التي وقعت بينهم:
نقول: إن ما وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم من حروب وفتن، وكل من خاض فيها من الصحابة، كان لكل واحد منهم اجتهاد في هذه المسألة، وكان كل واحد منهم يرى ويعتقد أنه على الحق في ما رآه، وكان يرى أنه من الواجب عليه الدفاع عن هذا الحق.
فإذا تقرر معنا هذا الأمر ـ أن ما وقع بين الصحابة كان من باب الاجتهاد ـ كان كل منهم مأجورا على قدر اجتهاده، فمن كان مصيبا في اجتهاده فله أجران، ومن كان مخطئا في اجتهاده فله أجر واحد. ومع ذلك فلم يشترك كل الصحابة في الأحداث التي جرت في عصرهم، كما أشار إلى ذلك الإمام محمد بن سيرين رحمه الله، بقوله: (( هاجت الفتن، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما خَفَّ لها منهم مئة، بل لم يبلغوا ثلاثين ))(22).
ويرى الإمام الآمدي رحمه الله أنه من الواجب في هذه المسألة، أن نحمل كل ما جرى بينهم من الفتن على أحسن حال، لأن ما وقع إنما كان نتيجة لما أدى إليه اجتهاد كل فريق، من اعتقاده أن الواجب ما صار إليه، وأنه أوفق للدين، وأصلح للمسلمين. وعلى هذا: فإما أن يكون كل مجتهد مصيبا، أو أن المصيب واحد والآخر مخطئ في اجتهاده. وعلى كلا التقديرين ؛ فالشهادة والرواية من الفريقين لا تكون مردودة، إما بتقدير الإصابة، فظاهر، وإما بتقدير الخطأ مع الاجتهاد، فبالإجماع (23).
ويقول ابن بطة العكبري: (( ونكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد شهدوا المشاهد معه، وسبقوا الناس بالفضل، وأمرنا بالاستغفار لهم، والتقرب إليهم بمحبتهم، وفرض ذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم... ولا ننظر في سائر المنازعات التي جرت بينهم، فعلى ذلك اتفاق سادات علماء هذه الأمة ))(24).
ونختم بقول الإمام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة، حيث قال:
(( ما ينقل عن الصحابة من المثالب نوعان:
أحدهما ـ إما كذب كله، وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطعن. وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب، يرويها الكذابون المعروفون بالكذب.
النوع الثاني ـ ما هو صدق، وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوبا، وتجعلها من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران، وإن أخطأ فله أجر. وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب، وما قدر من هذه الأمور ذنبا محققا، فإن ذلك لا يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة. لأن الذنب المحقق يرتفع عقابه في الآخرة بأسباب متعددة. فما من ذنب يسقط به الذم والعقاب عن أحد من الأمة إلا والصحابة أحق بذلك ؛ فهم أحق بكل مدح، ونفي كل ذم ممن بعدهم من الأمة ))(25).
المطعن السابع ـ الادعاء بارتكاب بعضهم الكبائر، وهي منافية للعدالة:
من هذه الأمور: حادثة الإفك، والتي تم فيها قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وحكم القاذف أنه فاسق بنص القرآن الكريم إن لم يأت بأربعة شهود.
يجاب على ذلك: بأن الذين وقع منهم القذف قد نزل فيهم حكم الله تعالى بإقامة الحد عليهم، ورد شهادتهم ما لم يحدثوا التوبة بعدها. فقد نزل فيهم قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ سورة النور ].
وكان الذي تولى كبر الإفك عبدالله بن أبيّ بن سلول، رأس المنافقين في المدينة المنورة (26).
أما الذين خاضوا فيه فهم: حسان بن ثابت، ومسطح، وحمنة بنت جحش (27).
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإقامة حد القذف على هؤلاء الثلاثة (28).
وقد رد إليهم صلى الله عليه وسلم اعتبارهم، بحيث انتفت عنهم صفة الفسق، وقبلت شهادتهم، كما قبلت روايتهم للحديث.
أما بالنسبة لعبد الله بن أبي، فالراجح أنه لم يقم عليه الحد، لواحد من سببين:
الأول: أن إقامة الحد فيه كفارة عن الجاني، وعبد الله بن أبي ممن توعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة، فهو ليس أهلا لإقامة الحد عليه.
الثاني: أن هذا المنافق كان لا يترك دليلا ضده، فلا يتكلم بالإفك أمام المؤمنين (29).
وقد ثبت أيضا أن كل من ابتلاه الله سبحانه وتعالى من الصحابة بمعصية، قد طهره الله منها قبل انتقاله إلى جوار ربه عز وجل. ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
قصة ماعز بن مالك الأسلمي، الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (( إني أصبت فاحشة، فأقمه عَلَيَّ )) (30).
وقصة المرأة الغامدية، التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت له: (( يا رسول الله، إني قد زنيت، فطهرني ))(31).
لذا فإنه لا يمكن لأحد مهما كانت درجته في العلم أن يُثبت أن أحدا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قارف ذنبا ولم يتب منه، أو يطهر نفسه منه، وذلك حتى يرغم أنف كل من يعترض على قوله تعالى: ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ [ سورة التوبة 100 ].
أما أسباب عدم خوض السلف في مسألة عدالة الصحابة:
فهناك عدة أسباب بينها الإمام ابن حبان رحمه الله، جعلت المحدثين يمتنعون من الخوض في هذه المسألة، ويرفضون إخضاع الصحابة الكرام لقواعد الجرح والتعديل، هذه الأسباب وهي:
1 ـ أن الوقيعة في الصحابة أو ثلبهم نقيض الإيمان، وعين النفاق، وذلك لتنزيه الله عز وجل لأقدارهم عن ثلب قادح، ولذا لم نر فيهم من وصف ببدعة أو ضلالة.
2 ـ أنه لو كانت هناك أدنى شبهة أو شك لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن الصحابة ليسوا أهلا لتحمل مسؤولية تبليغ الرسالة من بعده، لما أودعهم رسالته، وأمر الحاضر منهم بتبليغ الغائب.
3 ـ القدح فيهم قدح في رسالته صلى الله عليه وسلم، بل قدح في النبي صلى الله عليه وسلم الذي عدلهم، وارتضاهم لحمل الرسالة من بعده، وهذا عين الكفر (32).
ويقول إمام الحرمين رحمه الله: (( والسبب في عدم الفحص عن عدالتهم: أنهم حملة الشريعة. فلو ثبت توقف في روايتهم، لانحصرت الشريعة في عصره صلى الله عليه وسلم، ولما استرسلت سائر الأعصار )) (33).
هذا وقد وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم: (( الأمنة لأمته )) (34)، والأمنة هم: الحفظة. سماهم بذلك لحفظهم رضوان الله عليهم على الأمة دينها، وقيامهم بطاعة الله، والتزام أوامره، ودعائهم للمسلمين، وذودهم عن الدين، بالجهاد بالنفس والمال واللسان.
لذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في كل زمان ومكان بتوقير الصحابة، واحترامهم، ومحبتهم، والأمر هنا للوجوب لا للندب.
نسأل الله العصمة من الزلل، وأن يلهمنا الصواب والرشد في القول والعمل.
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]
كتب مجانية للتحميل حول الموضوع:
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1211357969a481.jpg (http://al-maktabeh.com/a/books/A481.zip)
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1211358064a480.jpg (http://al-maktabeh.com/a/books/A480.zip)
زوجات الرسول صلى الله عليه و سلم بين الحقيقة و الافتراء الدكتور نبيل لوقا بباوي محمد صلى الله عليه و سلم و الخناجر المسمومة الموجهة اليه الدكتور نبيل لوقا بباوي
ملاحظة : الكتب عبارة عن ملفات PDF مضغوطة على zip يمكن تحميلها بالضغط على الصور وبعد التحميل نرجو فك ضغط الملفات وفتحها بواسطة برنامج Acrobat Reader (http://www.adobe.com/products/acrobat/readstep2.html)
مصدر الكتب موقع المهتدي (http://al-maktabeh.com/a/index.htm)
http://al-maktabeh.com/a/index.htm
هوامش البحث
(1) انظر: منير البعلبكي: موسوعة المورد (7/44) دار العلم للملايين ـ بيروت ـ لبنان، ط1 سنة 1982م.
(2) انظر: جمال سلطان، تجديد الفكر الإسلامي (ص34)، دار الوطن، سنة 1412هـ.
(3) انظر: مصطفى السباعي، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي (ص 368)، المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط3 سنة 1402هـ.
(4) انظر: المصدر السابق (ص 372).
(5) انظر: المصدر السابق (ص 236).
(6) انظر: محمد الغزالي، ظلام من الغرب (ص 231)، دار الكتاب العربي ـ القاهرة، سنة 1375هـ.
(7) انظر: محمود أبورية، أضواء على السنة المحمدية (ص310)، مطبعة التأليف ـ القاهرة، ط1 سنة 1958م.
(8) انظر: المصدر السابق (ص 322ـ323).
(9) انظر: أحمد أمين، فجر الإسلام (ص 216)، دار الكتاب العربي ـ بيروت، ط11 سنة 1975م.
(10) انظر: محمود أبورية، أضواء على السنة المحمدية (ص361) نقلا عن طه حسين، دار المعارف ـ مصرـ ط3.
(11) انظر: مجلة الفتح ( 6/646 ).
(12) انظر: ابن تيمية، الرد على الأخنائي (ص 103)، تحقيق عبدالملك بن إبراهيم ومحمد نصيف، المطبعة السلفية ـ القاهرة ( د. ت ).
(13) انظر: عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، الأنوار الكاشفة لما في أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة (ص 274)، المطبعة السلفية ـ القاهرة، سنة 1387هـ.
(14) انظر: عبدالرحمن اليماني، المصدر السابق (ص 271).
(15) نظر: محمد علي الشوكاني، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (1/288)، مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة.
(16) انظر: عبدالرحمن اليماني، الأنوار الكاشفة (ص 279).
(17) انظر: أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري (11/385)، إشراف عبدالعزيز بن باز ومحب الدين الخطيب، مصورة عن طبعة المكتبة السلفية ( د ت ).
(18) انظر: محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك (2/647)، تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر، ط2 ( د ت ).
(19) انظر: مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم ( المقدمة )، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مصورة دار إحياء الكتب العربية ـ مصر ( د ت ).
(20) انظر: محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري ـ مع شرحه فتح الباري ـ كتاب العمرة ـ باب كم اعتمر صلى الله عليه وسلم ؟ ( 3/599 ).
(21) انظر: ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري ( 3/602 ).
(22) انظر: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المنتقى من منهاج الاعتدال (ص 326،327)، دار الإفتاء ـ الرياض، سنة 1409هـ.
(23) انظر: سيف الدين علي بن أبي علي الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام (2/129)، مصورة عن طبعة دار المعارف بمصر، سنة 1332هـ.
(24) انظر: عبدالعزيز العبداللطيف، نواقض الإيمان ( ص 407 )، دار الوطن، ط1 ( د ت )، نقلا عن الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية، لعبدالله بن محمد بن بطة العكبري.
(25) انظر: الذهبي، المنتقى من منهاج الاعتدال ( ص 270ـ271 ).
(26) انظر: وجيه الدين عبدالرحمن بن علي بن محمد بن الديبع الشيباني، حدائق الأنوار ومطالع الأسرار ( 2/563 )، تحقيق عبدالله إبراهيم الأنصاري، قطر ( د ت ).
(27) انظر: ابن الديبع الشيباني، المصدر السابق ( 2/572ـ573 ).
(28) انظر: نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ( 9/230 )، مصورة دار الكتاب العربي، عن طبعة مصر ( د ت ).
(29) انظر: شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي ( ابن القيم )، زاد المعاد في هدي خير العباد ( 2/127ـ128 )، تحقيق شعيب الأرناؤوط وعبدالقادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة ـ بيروت، سنة 1405هـ.
(30) انظر: مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم ـ كتاب الحدود ـ باب من اعترف على نفسه بالزنا ( 3/1320 ).
(31) انظر: مسلم بن الحجاج، المصدر السابق ـ الموضع السابق ( 3/1323 ).
(32) انظر: أبوحاتم محمد بن حبان، المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ( 1/33 )، تحقيق محمود إبراهيم زايد، دار الوعي ـ حلب، ط2، سنة 1402هـ.
(33) انظر: جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ( 2/214 )، تحقيق عبدالوهاب عبداللطيف ( د ت ).
(34) انظر: مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم ـ كتاب فضائل الصحابة ـ باب بيان بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة ( 4/ 1961 ).
القلب الحزين
12-12-2013, 03:22 PM
وسائل التنصير في العالم الإسلامي
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12102356281608119.jpg1)- الوسيلة المساندة الأولى والأقوى هي الاحتلال (الاستعمار) وهو ما يجري الآن في العراق، وما حدث من قبل من استعمار للبلدان الإسلامية .
2)- الدعم السخي الذي يبذله المواطنون الغربيون سواء كانوا أفراداً أم مؤسسات أو حكومات للقائمين بأعمال التنصير.
3)- عامل الفقر لدى المسلمين عامل مساعد على التنصير، لأن الفقر يقابله الأموال عند المنصرين وتسخيره لجذب هؤلاء الفقراء إلى التنصر بشتى الوسائل المادية .
4)- قلة الوعي والجهل بالدين والحياة، واختلاط الحق بالباطل عند كثير من المسلمين واختلاط الصدق بالخرافة، فيعمد المنصرون إلى ترسيخ هذه المفهومات بطريقتهم.
5)- الحقد الكمين لدى بعض المنصرين الموروث ضد المسلمين خاصة، بسبب أن الإسلام انتشر في العصور الوسطى وأقام سداً منيعاً في وجه انتشار النصرانية، ثم إن الإسلام قد امتد إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجانها، وهذا كلام صرح به المستشرق الألماني "بيكر Becker" .
6)- استغلال حب الرحلات والمغامرة لدى المنصرين فتقوم مؤسسات التنصير على تعليمهم اللغات والطباع والعادات والأديان وجوانب الضعف فيها، وإن لم يكن فيها ضعف أوجدوه فيها كما يفعل المستشرقون قديماً وحديثاً في الدين الإسلامي .
7)- تساهل بعض الحكام المحليين ورؤساء القبائل وشيوخها واستقبالهم المنصرين والترحيب بهم وتقريبهم وإعطاؤهم التسهيلات لإقامة مؤسساتهم التنصيرية واقامة كنائس جديدة.
نتائج التنصير :
بسبب ما يملكه المنصرون من إمكانات ضخمة أوصلتهم إلى جميع الأماكن التي يريدونها والعمل فيها بكل قوة، وفي المقابل الإمكانات الضعيفة والشحيحة لدى الدعاة المسلمين هذا كله جعل التنصير عامل إعاقة قوي لانتشار الإسلام بين غير المسلمين . فقد توقف انتشار الإسلام في إفريقيا جنوبي الصحراء، فقد كان المسلمون عشرة أضعاف المسيحيين واليوم أصبح المسيحيون أضعاف المسلمين.وفيما يلي بعض الحقائق عن الجهود التنصيرية وما يتوفر من إمكانات للتنصير في جنوب إفريقيا، وهذا على سبيل المثال لا الحصر :
1600 مستشفى.
5112 مستوصف.
1050صيدلية.
120 ملجأ للمرضى.
905 دار لإيداع الأيتام والعجزة والأرامل.
88610 كتاب تنصير مطبوعة بعناوين مختلفة ونشر منها مئات الملايين.
24900 مجلة كنسية أسبوعية يوزع منها ملايين النسخ.
700000 نشره يوزع منها عشرات الملايين.
2340 محطة إذاعية وتلفازية تنشر تعاليم الإنجيل وخدمة التنصير.
120000 معهد تنصير.
11000 روضة أطفال تلقنهم فيها التنصير.
112000000 نسخة توزع مجاناً من الإنجيل في العالم .
652 لغة ولهجة إفريقية ترجم لها الإنجيل على كاسيت للأميين.
ومع هذه الجهود الجبارة إلا أن التنصير بين المسلمين فيه صعوبة كبيرة جداً؛ وتعثر المنصرون عند المسلمين كثيراً فلجأوا إلى أساليب التشكيك في العقيدة الإسلامية فكان النجاح كبيراً، في أوساط العوام والبعيدين عن الدين أما الواعين من المسلمين فلم تفلح جهود المنصرين عند الواعين العارفين.
كلمة لابد منها :
هل يقف المسلمون مكتوفي الأيدي أمام هذه الحملات التنصيرية القوية؟
الجواب الشرعي لا، لا يجوز لهم ذلك لأن المسلمين أمة تحمل رسالة الإسلام ونشرها في العالم وبهذا يكون المسلمون شهداء على الناس في وصول الدعوة الإسلامية إليهم، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143]؛ فلا يجوز أن نقف متفرجين أمام ما يحدث فلابد من القيام بالدعوة إلى الله لصد هذه الهجمة التنصيرية ولإدخال العالم في دينهم الحق : الإسلام، فيجب على كل فرد مسلم أن يقدم ما يستطيع من جهود في مجال الدعوة إلى الإسلام وذلك باستخدام الأساليب المباحة لنا، لا أن نقابل ما يستخدمه النصارى من أساليب غير نزيهة بمثلها بل لابد أن تكون أساليب دعوتنا في الإطار المسموح به شرعاً مهما كانت قوة الحملات التنصيرية ومهما اتخذت من أساليب ممنوعة .
1)- فيجب على الجامعات الإسلامية أن يكون لها دور في عملية الدعوة للمسلمين وغير المسلمين، ويجب الاعتناء بشريحة الشباب المسلم في المجتمع وتوجيههم للمساهمة كلٌ بقدر استطاعته في الدعوة إلى الله، كما يجب أيضاً على الجامعات والمؤسسات العلمية والتعليمية ومراكز البحوث أن تقوم بترجمة الكتب والكتيبات الموجهة والنافعة في هذا المجال، ونتطلع إلى رابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي في تكثيف جهودهما في هذا المجال.
2)- لابد أن يقوم كوكبة من العلماء وطلبة العلم بالتصدي للتنصير وكشف أساليب ووسائل المنصرين مع قيامهم بالدعوة إلى الإسلام.
3)- ويجب على الحكومات الإسلامية أن تمنع التسهيلات لحملات التنصير وتقوم بمراقبة العاملين من غير المسلمين سواء في البعثات الدبلوماسية أو الأطباء والممرضين وغيرهم .
4)- إنشاء الجمعيات التي تقوم بنشر الدعوة إلى الإسلام وبيان معانيه، واستحصال الإذن القانوني اللازم لإنشاء هذه الجمعيات، وأن تدعو العلماء المخلصين للانتساب إلى هذه الجمعيات، ودعوة الأغنياء من التجار وغيرهم لدعم هذه الجمعيات.
والله الموفق.
القلب الحزين
12-12-2013, 03:23 PM
الحقيقة الدامغة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1209486136kostnice_9.jpgبقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
نعم، الحقيقة دامغة وأقوى برهانا من الخيال أو أية محاولات للتغيير والتحريف، بل وأقوى من الدفاع مغالطةً ! وهو ما يتم بكل جبروت كلما أثيرت مسألة "أن المسيحية قد إنتشرت بالسيف" .. فترتفع الأصوات معترضة ثائرة نافية – رغم كل ما يحمله التاريخ من وثائق، وأدلة، وبراهين تثبت المشوار الدامى للمؤسسة الكنسية الرومية، منذ أن أصبحت الديانة الرسمية الوحيدة للإمبراطورية الرومانية، فى أواخر القرن الرابع، بعد إقتلاع الديانات الوثنية والمحلية الأخرى .. وهو مشوار تواصل بلا إنقطاع من وقتها حتى يومنا هذا، وإن إختلفت الأساليب والوسائل، لكن، من الواضح أن الإقتلاع أو إقتلاع الآخر هو القانون لديها !
فلقد نشر موقع "المصريون" اليوم، 17/2/2008، مجرد رسالة وصلت إلى رئيس التحرير، الذى نشرها بدوره محملا مسؤليتها على من أرسلها لغرابتها .. وبما أن الخبر جدير بالتأمل، فقد بادرت بالتعليق عليه خاصة وأن موضوع الخبر له موقع على "الإنترنت" لمن يود الرجوع إليه للتأكد ..
ويقول الخبر المتداول على الإنترنت منذ فترة، بين المواقع الفردية، أن هناك كنيسة، على بُعد 70 كيلومترا من عاصمة تشيكوسلوفاكيا، مزدانة بعظام آلاف المسلمين ! والخبر يتم تداوله بالصور المأخوذة عن الموقع دون ذكر لذلك الموقع، وهو ما يؤجج المشاعر ويشعل الفتن بلا داعى – على الرغم من أن الواقع أكثر مرارة وألماً ..
ويحكى النص المعلن فى ذلك الموقع ان هذه الكنيسة كانت لأحد الأديرة التابعة لفرقة السيسترسيين الكاثوليك، وأنها ترجع إلى القرن العاشر ومرفق بها مدافن، وتم توسعتها، ويقال أنه فى عام 1218 قام رئيس الدير برحلة للأراضى المقدسة وعاد ومعه حفنة من تراب الآثار الناجمة عن الحروب الصليبية هناك ونثرها على المقابر للتبرك !..
و أيام وباء الطاعون الذى إجتاح أوروبا ضمت المقابر رفات 30000 إنسانا، ثم أضيف إليها ضحايا الحرب التى قادتها الكنيسة الرومية ضد البروتستانت وكانت لأكثر من 40000 الف شخصا، هم أتباع جان هاسّ، عميد كلية اللاهوت فى مدينة براغ، وكان يعترض على صكوك الغفران والمتاجرة بالدين، ويتهم البذخ الفاحش الذى يعيش فيه رجال الدين، وخاصة قيادة المؤسسة الكنسية وإبتعادهم الصارخ عن تعاليم يسوع .. فأقالته الكنيسة وحرمته ثم أدانه مجمع كونستانس عام 1414 وقامت محاكم التفتيش باعتقاله ومحاكمته وتم حرقه حيا على أنه هرطقى لا بد من إبادته !
وتراكمت جثث الضحايا بالآلاف أتلالا عقب المعارك الدينية المختلفة سواء مع البروتستانت أو الأريوسيين أو الكاتار والبوجوميل والفودْوَا، بينما المسيحية تنتشر بصورة قانية متواصلة !!.. وكل معركة من هذه المعارك تحصد الآلاف من ضحايا التعصب .
وفى عام 1870 طلب القس المسؤل عن هذه الكنيسة من الفنان التشيكى فرانتيشك رينت Frantisek Rint أن يعيد تنزيين الكنيسة بعد ترميمها تخليدا لتاريخها "المجيد" .. فقام باستخدام الهياكل العظمية لأربعين الف إنسان لتصبح الكنيسة نبراسا وشاهدا على التاريخ الكنسى الأصيل ..
ويتندر مؤسس الموقع الخاص بهذه الكنيسة الفاضحة، بالمستوى "الإبداعى" للفنان رينت هذا، على أنه إستطاع عمل النجف الرئيسى باستخدام كافة أنواع وأشكال العظام الآدمية التى يحتوى عليها جسم الإنسان، كما قام بجمع عظام الآلاف من القتلى داخل وعاء زجاجى، على شكل أجراس ضخمة، وضعها فى أركان الكنيسة الأربعة.. والصور المرفقة تقول ما فيه الكفاية !
وأياً كان أصحاب تلك العظام المغلوبة على أمرها والدالة على إغتيال الآلاف المؤلفة من البشر، سواء أكانوا من المسلمين أو البروتستانت أو الأريوسيين الموحدين بالله والرافضين لتأليه المسيح، أو لأى ملة من الملل، وكان من الأكرم دفنها إحتراما لحرمة الموتى، فلا يوجد أى دليل إدانة أقوى وأصدق وأعنف من دليل تلك الكنيسة، التى تجأر بأعلى صوت، أنها تشهد على المذابح التى قادتها الكنيسة لفرض عقيدتها، وعلى أن المسيحية قد إنتشرت فعلا بالسيف فى جميع أنحاء العالم !
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1209485402kostnice_2.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1209485506kostnice_3.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1209485652kostnice_4.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1209485891kostnice_5.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1209485968kostnice_6.jpg
والطريف أن الكنيسة تدعى : " كاتدرائية صعود السيدة مريم والقديس يوحنا المعمدان " .. ويا له من عنوان لصعود سماوى يتم على هياكل آلاف البشر المذبوحين ظلما وعدوانا !. والأطرف من ذلك أن منظمة اليونسكو تحافظ علي هذه الكنيسة على أنها من الآثار المجيدة للذكرى والتاريخ !!
واللهم لا تعليق سوى : أن يكف إخواننا المسيحيون عن إلصاق تهمة أن الإسلام قد إنتشر بالسيف ويروا بأعينهم مدى الخطأ الذى يقعون فيه بمثل هذا الإسقط الذى يقومون به فى حق الإسلام، و أن يكف القائمون على عمليات التنبشير والتنصير، أن يخجلوا من التاريخ الذى يحملونه على أكتافهم، وأن يرفعوا أيديهم عن الإسلام والمسلمين !!
وهى عبارة أرفعها أيضا إلى البابا بنديكت السادس عشر، الذى يقود عمليات تنصير العالم بهيستريا غير مسبوقة : ليرفع أيديه عن الإسلام الذى يحاول إقتلاعه بإصرار رهيب، بكافة الوسائل والأحاييل، وقد حان له أن يدرك أن الإسلام لم يأت، كرسالة سماوية من عند الله، إلا بعد أن حادت المؤسسة الكنسية عن رسالة التوحيد بالله وأشركت به وضلّت، فجاء الإسلام كاشفا لكل عمليات التحريف التى تمت، وكفى "قداسة" البابا آلام ما تكشفه الأيام من إدانات لمؤسسته العتيدة ..
يمكن التواصل مع الدكتور زينب على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
12-12-2013, 03:23 PM
إبطال الإسلام لنظرية الخلط بين الأديان
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1206110992clip_4.jpgيحاول أهل الكتاب منذ بدء الرسالة المحمدية التي حمل لوائها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الذي عرفوه في كتبهم, وأخبر عنه أحبارهم ورهبانهم, إضلال المسلمين عن إسلامهم, وردهم بعد أن أنعم الله عليهم بدينهم كفاراً, ودعوتهم إلى اعتناق شرائعهم, وزرع خلاياهم في أعماق الأمة في كل صقع ودار، وصهر المسلمين معهم في قالب واحد، فلا ولاء، ولا براء, فأخبرنا الله سبحانه وتعالى عن غايتهم حيث قال: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [سورة النساء {89}]. وهذا الأمر ليس مجرد فكرٍ يتحدثون عنه ويتدارسوه, بل يتعدى ذلك إلى حرب ضارية, يُعَدُّ لها إعداداً عظيماً, تبدأ بوسائل الإعلام التي تَشُنُّ حملات الإساءة والتشويه, وتتوسط بالتنصير والتهويد, وتنتهي بالقتال إن استطاعوا, فقال عنهم الله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [سورة البقرة {217}]. فكثيراً ما كنا نسمع بالدعوة إلى التجمع الديني بين المسلمين وغيرهم, أو مصطلح التوحيد بين الموسوية, والعيسوية والمحمدية باسم: التقارب بين الأديان, ونبذ التعصب الديني, والإخاء الديني, والصداقة الإسلامية المسيحية, أو التضامن الإسلامي المسيحي ضد الشيوعية, ثم تعدت هذه المصطلحات مفهوم التقارب ليحل مكانها التوحيد, فأصبحنا نسمع شعارات ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان, كوحدة الأديان, والمؤمنون متحدون, والديانة العالمية, والعالمية وتوحيد الأديان.
أهداف نظرية التوحيد:
1 - التشويش على الدين الإسلامي وعزل شريعته المتمثلة في القرآن والسنة عن المسلمين, من خلال إثارة الشبهات حولهما, ودسّ الأفكار اليهودية والأخلاقيات الهدامة, التي من شأنها جعل المسلم ينخرط في الحضارة الغربية الزائفة.
2 - الحد من انتشار الدين الإسلامي وإسقاط جوهره وظهوره واستعلائه وتميزه على كل الشرائع, من خلال زرع الوهن بين المسلمين, الذي ينزع الإيمان من قلوبهم وأفئدتهم, فتنحل رابطة الأخوة في الله تعالى بين المسلمين, التي تعد من أقوى الروابط التي تجمع بينهم, لتحل محلها الأخوة بين أهل الكتاب, وجعل الدين الذي حفظه الله تعالى من التحريف والتبديل, في مرتبة متساوية مع غيره من الشرائع المحرفة.
3 - كسر أقلام المسلمين الأحرار الذين يردون على كل شبهة من الشبهات التي تواجهه كل حملة بشعة يشنها الغرب مهما كان مستوى الشراسة فيها, والكف عن نبذ اليهود والنصارى وغيرهم, وإبطال أحكام الإسلام المفروضة على المسلمين أمام غير المسلمين ممن لا يدين بهذا الدين, من القتال أو الجزية.
4 - إبعاد المسلمين عن الجهاد في سبيل الله وقتالهم, الجهاد الذي يدخل الرعب في قلوبهم, ويذل نفوسهم, ويشفي الله به صدور المؤمنين, الذين أخرجوا من ديارهم ومُنِعوا من حقهم المشروع في الدفاع عن أنفسهم, فغَّيروا المسميات ورفعوا الشعارات المناهضة للجهاد, ليحل مكانها كلمة لا تندرج في قواميس الأمة ألا وهي الإرهاب, فكيف لأخٍ مسلم أن يقتل أخاه (الذي تحدده نظرية التوحيد) الذي سلب أرضه ونهب ماله وشرد أهله وانتهك حرماته ومقدساته, فإذا جاهد الكفار وكان من الأحرار سمي إرهابي, وإن رزقه الله تعالى بالشهادة في سبيله, سمى ناشطاً أو مقتولاً, الأمر الذي يجعل المسلمون يخالفون أمر الله تعالى الذي فرضه عليهم بقوله سبحانه: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [سورة التوبة {29}]. وتحت عنوان التوحيد بين الأديان فالمسلمون ليس بحاجة إلى مصادر القوة, التي ترهب أعدائهم وتجعل بإذن الله تعالى كيدهم في نحرهم, فينسوا قول الله سبحانه: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [سورة الأنفال {60}].
5 - تمهيد أهل الكتاب للتنصير والتهويد, بعد كسر الحواجز بينهم وبين المسلمين, فيرضوا بعد سخطوا, ويحصلوا على غايتهم بعد أن عجزوا, فقال الله سبحانه وتعالى مخبراً عنهم: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة البقرة {135}]. فيكون بذلك بسط جناحهم على العالم الإسلامي بأسره إلا من رحم ربي, من خلال غزوٍ شامل ضد الإسلام والمسلمين, فتُبنى الحضارة التي لا طاعة فيها لِخُلُقٍ فاضل ولا فضيلة, تَََُدَجَّنُ فيها الضمائر والعقول, وتتسَلَّطُ القوى الخبيثة ضد أي فطرة سليمة.
موقف الإسلام من نظرية التوحيد
إن الدين عند الله الإسلام, ومن يبتغ غيره ديناً فلن يقبل منه, قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [سورة آل عمران {85}]. ونهانا الرحمن الرحيم من اتخاذ الأمة المغضوب عليها والأمة الضالة أولياء, في سورة الفاتحة التي فرضها على المسلمين في جميع صلواتهم في قوله سبحانه: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ﴾ [سورة الفاتحة {6-7}]. وكذا في قوله عزَّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [سورة المائدة {51}].
فكيف نركن لأهل الكذب والغدر والمكر والحيل، قتلة الأنبياء, أخبث الأمم, وأبعدهم من الرحمة، وأقربهم من النقمة، من لا عهد لهم ولا ذمة....
هذا حكم الله سبحانه وتعالى, فكيف نسمح لهذه الشعارات أن تُرفَعْ, ونحن نعلم أنها من أخطر الدسائس والبدع, وكيف نبتعد عن أحكام ديننا الحنيف الذي رضيه الله تعالى لنا, وجعل نوره على الأرض يشع ويسطع.
أرجو الدعاء لوالديّ
للمراسلة:
[email protected]
[email protected]
المراجع:
كتاب الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان لمؤلفه بكر بن عبد الله أبو زيد.
القلب الحزين
12-12-2013, 03:26 PM
الرد على الأخطاء اللغوية المزعومة حول القرآن الكريم
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1205422826515711003_1fad548623_m.jpgقام بكتابة الردود الأستاذ احمد البشتاوي
يتهجم المنصرون والمستشرقون وجهلة اللغة العربية على بعض الصور النحوية أو البلاغية التى لا يفهمونها فى القرآن الكريم ، سواء أكان هذا عن عمد أم عن جهل، فهو نفس حال الذى يريد أن يخبأ نور الشمس بمنديل يمسكه فى يديه.
1 - رفع المعطوف على المنصوب
س 106: جاء في سورة المائدة 5: 69 (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ). وكان يجب أن ينصب المعطوف على اسم إن فيقول والصابئين كما فعل هذا في سورة البقرة 2: 62 والحج 22: 17.
الجواب : لو كان في الجملة اسم موصول واحد لحق لك أن تنكر ذلك ، لكن لا يلزم للاسم الموصول الثاني أن يكون تابعا لإنَّ. فالواو هنا استئنافية من باب إضافة الجُملة للجملة ، وليست عطفا على الجملة الأولى.
لذلك رُفِعَ ( والصابئون ) للإستئناف ( اسم مبتدأ ) وخبره محذوف تقديره والصابئون كذلك أى فى حكمهم. والفائدة من عدم عطفهم على مَن قبلهم هو أن الصابئين أشد الفرق المذكورين فى هذه الآية ضلالاً ، فكأنه قيل: كل هؤلاء الفرق إن آمنوا وعملوا الصالحات قَبِلَ اللهُ تَوْبتهم وأزال ذنبهم ، حتى الصابئون فإنهم إن آمنوا كانوا أيضاً كذلك.
و هذا التعبير ليس غريبا في اللغة العربية، بل هو مستعمل فيها كقول بشر بن أبي خازم الأسدي الذي قال :
إذا جزت نواصي آل بدر فأدوها وأسرى في الوثاق *** وإلا فاعلموا أنــا وأنـتم بغـاة ، ما بقـينا في شـقاق
والشاهد في البيت الثاني ، حيث ( أن ) حرف مشبه بالفعل، ( نا ) اسمها في محل نصب، و( أنتم ) الواو عاطفة وأنتم ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ، وبغاة خبر أن ( أو أنتم ) مرفوع، والخبر الثاني محذوف، وكان يمكن أن يقول فاعلموا أنا بغاة وأنتم بغاة، لكنه عطف مع التقديم وحذف الخبر ، تنبيها على أن المخاطبين أكثر اتصافا بالبغي من قومه هو ، فقدم ذكرهم قبل إتمام الخبر لئلا يدخل قومه في البغي ــ وهم الأقل فيه ــ قبل الآخرين
ونظيره أيضا الشاهد المشهور لضابئ بن الحارث البرجمي :
فمن يك أمسى في المدينة رحله *** فإني وقـيار بها لغريب
وقيار هو جمله ، معطوف على اسم إن منصوب بها
أراد ان يقول : إني بها لغريب ، وقيار كذلك غريب
ومثله أيضا قول قيس بن الخطيم: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضِ والرأي مختلف
وقيل فيه أيضاً: إنَّ لفظ إنَّ ينصب المبتدأ لفظا ويبقى مرفوعا محلا، فيصح لغة أن تكون ( والصابئون ) معطوفة على محل اسم إن سواء كان ذلك قبل مجيء الخبر أو بعده ، أو هي معطوفة على المضمر في ( هادوا ).
2 - نصب الفاعل
س 107: جاء في سورة البقرة 2: 124 (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). وكان يجب أن يرفع الفاعل فيقول الظالمون .
الجواب : ينال فعل متعدى بمعنى (يشمل أو يَعُم) كما فى الآية أى لا يشمل عهدى الظالمين، فعهدى هنا فاعل، والظالمين مفعول به.
مثال لذلك لقد ناله ظلماً، وأسفنا لما ناله من إهانة.
والإمامة والعهد بالإمامة هنا معناه النبوة، وبذلك تكون جواباً من الله على طلب نبينا إبراهيم أن يجعل النبوة فى ذريته فوافقه الله إلا أنه استثنى الظالمين، كما لو أنه أراد قول (إلا الظالمين من ذريتك).
وتجىء أيضاً بمعنى حصل على مثل: نال الظالم جزاءه.
ومن مصادر اللغة , المعجمات القديمة التي جمعها (لسان العرب) وها هو يقول: والعرب تقول: "نالني من فلان معروف ينالني أي وصل إلي منه معروف" لسان العرب 11/685
3- جعل الضمير العائد على المفرد جمعاً
س 113: جاء في سورة البقرة 2: 17 (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) . وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفرداً فيقول ذهب الله بنوره .
الجواب : فهو هنا لم يشبه الجماعة بالواحد وإنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد. ومثال ذلك قوله: (مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثمَّ لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) [الجمعة 5]. فلما أضاءت ما حوله أضاءت أيضاً للآخرين ، فكان عقاب الله أنها ذهبت بأبصارهم جميعاً، لاحظ أن الله يضرب المثل بقوم استوقد أحدهم ناراً فلمَّا أضاءت ما حول فاعل هذه النار أضاءت أيضاً حول ذهب الله بأبصار هذا القوم.
ونلاحظ أنه قال (ذهب) وهى أبلغ من أذهب لأن ذهب بالشىء اسطحبه ومضى به معه، فكأنما أراد الله أن يذكرهم أنه يرون بنور الله وفى معيته، وحيث أنهم اختاروا طريق الظلمة فقد أخذ الله نوره وتركهم فى ظلمات أنفسهم التى اختاروا البقاء فيها.
4 - تذكير خبر الاسم المؤنث
س 108: جاء في سورة الأعراف 7: 56 (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِين).
وكان يجب أن يتبع خبر إن اسمها في التأنيث فيقول قريبة .
الجواب : إن كلمة قريب على وزن فعيل، وصيغة فعيل يستوى فيها المذكر والمؤنث.
5 - تأنيث العدد وجمع المعدود
س 109: جاء في سورة الأعراف 7: 160 (وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً) . وكان يجب أن يذكر العدد ويأتي بمفرد المعدود فيقول اثني عشر سبطاً
الجواب : لأن تمييز (اثنتي عشرة) ليس هو (أسباطا) [لأن تمييز الأعداد من 11 إلى 99 مفرد منصوب] بل هو مفهوم من قوله تعالى (و قطعناهم)، والمعنى اثنتي عشرة قطعة أي فرقة، وهذا التركيب في الذروة العليا من البلاغة، حيث حذف التمييز لدلالة قوله (وقطعناهم) عليه ، وذكر وصفا ملازما لفرق بني إسرائيل وهم الأسباط بدلا من التمييز. وعند القرطبي أنه لما جاء بعد السبط (أمما) ذهب التأنيث إلى الأمم ، وكلمة (أسباطا) بدل من (اثنتي عشرة)، وكلمة (أمما) نعت للأسباط. وأسباط يعقوب من تناسلوا من أبنائه ، ولو جعل الأسباط تمييزه فقال: اثني عشر سبطا، لكان الكلام ناقصا لا يصح في كتاب بليغ؟ لأن السبط يصدق على الواحد، فيكون أسباط يعقوب اثني عشر رجلا فقط، ولهذا جمع الأسباط و قال بعدها (أمما) لأن الأمة هي الجماعة الكثيرة، وقد كانت كل فرقة من أسباط يعقوب جماعة كبيرة. [واثنتى هنا مفعول به ثانى ، والمفعول به الأول (هم)].
6 - جمع الضمير العائد على المثنى
س 110:جاء في سورة الحج 22: 19(هذانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ). وكان يجب أن يثنّي الضمير العائد على المثنّى فيقول خصمان اختصما في ربهما.
الجواب : الجملة في الآية مستأنفة مسوقة لسرد قصة المتبارزين يوم بدر وهم حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة. التقدير هؤلاء القوم صاروا في خصومتهم على نوعين. وينضوي تحت كل نوع جماعة كبيرة من البشر. نوع موحدون يسجدون لله وقسم آخر حق عليه العذاب كما نصت عليه الآية التي قبلها.
7 - أتى باسم الموصول العائد على الجمع مفرداً
س 111: جاء في سورة التوبة 9: 69 (وَخُضْتُمْ كَالذِي خَاضُوا). وكان يجب أن يجمع الاسم الموصول العائد على ضمير الجمع فيقول خضتم كالذين خاضوا.
الجواب : المتعلق (الجار والمجرور) محذوف تقديره كالحديث الذى خاضوا فيه. كأنه أراد أن يقول وخضتم فى الحديث الذى خاضوا هم فيه.
8 - جزم الفعل المعطوف على المنصوب
س 112: جاء في سورة المنافقون 63: 10 (وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) وكان يجب أن ينصب الفعل المعطوف على المنصوب فأَصدق وأَكون .
الجواب : وفي النقطة الخامسة يقال : إن الكلمة (وأكن) تقرأ بالنصب والجزم ، أما النصب فظاهر لأنها معطوفة على (فأُصدق) المنصوب لفظا في جواب (لولا)، وأما الجزم فلأن كلمة (فأصدق ) وإن كانت منصوبة لفظا لكنها مجزومة محلا بشرط مفهوم من قوله (لولا أخرتني)،حيث إن قوله (فأصدق) مترتب على قوله (أخرتني)، فكأنه قال: إن أخرتني أصدق وأكن. وقد وضع العلماء قاعدة فقالوا: إن العطف على المحل المجزوم بالشرط المفهوم مما قبله جائز عند العرب ، ولو لم تكن الفاء لكانت كلمة أصدق مجزومة، فجاز العطف على موضع الفاء.
[فالواو هنا من باب عطف الجملة على الجملة وليست من باب عطف الفعل على الفعل ، وهو مجزوم فى باب الطلب (الأمر) لأن الطلب كالشرط.]
دهم ناراً فلمَّا أضاءت ما حول فاعل هذه النار أضاءت أيضاً حول ذهب الله بأبصار هذا القوم.
9 - جعل الضمير العائد على المفرد جمعاً
س 113: جاء في سورة البقرة 2: 17 (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) . وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفرداً فيقول ذهب الله بنوره .
الجواب : فهو هنا لم يشبه الجماعة بالواحد وإنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد. ومثال ذلك قوله: (مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثمَّ لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) [الجمعة 5]. فلما أضاءت ما حوله أضاءت أيضاً للآخرين ، فكان عقاب الله أنها ذهبت بأبصارهم جميعاً، لاحظ أن الله يضرب المثل بقوم استوقد أحدهم ناراً فلمَّا أضاءت ما حول فاعل هذه النار أضاءت أيضاً حول ذهب الله بأبصار هذا القوم.
ونلاحظ أنه قال (ذهب) وهى أبلغ من أذهب لأن ذهب بالشىء اصطحبه ومضى به معه، فكأنما أراد الله أن يذكرهم أنه يرون بنور الله وفى معيته، وحيث أنهم اختاروا طريق الظلمة فقد أخذ الله نوره وتركهم فى ظلمات أنفسهم التى اختاروا البقاء فيها.
10 - نصب المعطوف على المرفوع
س 114: جاء في سورة النساء 4: 162 (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً). وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول والمقيمون الصلاة .
الجواب : (والمقيمين الصلاة) أي وأمدح المقيمين الصلاة، وفي هذا مزيد العناية بهم، فالكلمة منصوبة على المدح.
[هذه جملة اعتراضية بمعنى (وأخص وأمدح) وهى مفعول به لفعل محذوف تقديره (وأمدح) لمنزلة الصلاة ، فهى أول ما سيحاسب عليه المرء يوم القيامة. وفيها جمال بلاغى حيث يلفت فيها آذان السامعين لأهمية ما قيل.
أما (والمؤتون) بعدها على الرفع فهى معطوفة على الجملة التى قبلها.]
11- نصب المضاف إلي
س 115: جاء في سورة هود 11: 10 (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ). وكان يجب أن يجرَّ المضاف إليه فيقول بعد ضراءِ .
الجواب : يعرف دارسى اللغة العربية أن علامات جر الاسم هى (الكسرة أو الياء أو الفتحة فى الممنوع من الصرف): فيجر الاسم بالفتحة فى المفرد وجمع التكسير إذا كانت مجردة من ال والإضافة وتُجَر الأسماء الممنوعة من الصرف بالفتحة حتى لو كانت مضافة ، ولا يلحق آخرها تنوين.
وتسمى الكسرة علامة الجر الأصلية، وتسمى الياء والفتحة علامتى الجر الفرعيتين.
ويمنع من الصرف إذا كان على وزن صيغة منتهى الجموع أى على وزن (أفاعل – أفاعيل – فعائل – مفاعل – مفاعيل – فواعل – فعاليل) مثل: أفاضل – أناشيد – رسائل – مدارس – مفاتيح – شوارع – عصافير.
والاسم المؤنث الذى ينتهى بألف التأنيث المقصورة (نحو: سلوى و نجوى) أو بألف التأنيث الممدودة (نحو: حمراء – صحراء – أصدقاء) سواء أكان علماً أم صفة أم اسماً ، وسواء أدلَّ على مفرد أم دلَّ على جمع.
لذلك فتح ضرَّاءَ لأنه اسم معتل آخره ألف تأنيث ممدودة وهى ممنوعة من الصرف.
وما يُمنع من الصرف تكون علامة جره الفتحة عوضا عن الكسرة ما لم يضف أو يعرف بـ(أل) التعريف .
يتبــــــــــــــــع
القلب الحزين
12-12-2013, 03:28 PM
يتبـــع الموضوع السابق
الرد على الأخطاء اللغوية المزعومة حول القرآن الكريم
12- أتى بجمع كثرة حيث أريد القلة
س 116: جاء في سورة البقرة 2: 80(لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً).وكان يجب أن يجمعها جمع قلة حيث أنهم أراد القلة فيقول أياماً معدودات .
الجواب : ورد فى القرآن: (إلاَّ أياماً معدودات) [آل عمران 24] و (فى أيَّامٍ معدودات) [البقرة 203] و (فى أيامٍ معلومات) [الحج 28].
إذا كان الاسم مذكراً فالأصل فى صفة جمعه التاء: رجال مؤمنة ، كيزان مكسورة ، ثياب مقطوعة ؛ وإن كان مؤنثاً كان الأصل فى صفة جمعه الألف والتاء: نساء مؤمنات ، جِرارٌ مكسورات.
إلا أنه قد يوجد نادراً الجمع بالألف والتاء مع الاسم المذكر مثل: حمَّام حمَّامات.
فالله تعالى تكلم فى سورة البقرة بما هو الأصل وهو قوله تعالى (أياماً معدودة) وفى آل عمران بما هو الفرع.
وعلى ذلك يجوز فى جمع التكسير لغير العاقل أن ينعت بالمفرد المؤنث أو الجمع، فنقول: جبال شامخة وجبال شامخات ، ورود حمراء وورود حمراوات. وفى رأى آخر أنها تعنى أياماً قليلة مثل (دراهم معدودة). ولكن الأكثر أن (معدودة) في الكثرة ، و(معدودات) في القلة (فهي ثلاثة أيام المبيت في منى) وهي قليلة العدد.
13- أتى بجمع قلة حيث أريد الكثرة
س 117: جاء في سورة البقرة 2: 183 و184 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَات). وكان يجب أن يجمعها جمع كثرة حيث أن المراد جمع كثرة عدته 30 يوماً فيقول أياماً معدودة
الجواب : (أياماً معدودات) أى مقدورات بعدد معلوم ، أو قلائل ، فكأنما يريد الله أن يقول: إنى رحمتكم وخففت عنكم حين لم أفرض عليكم صيام الدهر كله ، ولا صيام أكثره ، ولو شئت لفعلت ذلك ولكنى رحمتكم وما أوجبت الصوم عليكم إلا فى أيام قليلة.
ويجوز فى جمع التكسير لغير العاقل أن ينعت بالمفرد المؤنث أو الجمع، فنقول: جبال شامخة وجبال شامخات ، ورود حمراء وورود حمراوات.
14- جمع اسم علم حيث يجب إفراده
س 118: جاء في سورة الصافات 37: 123-132 (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ... سَلاَمٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ ... إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِين). فلماذا قال إلياسين بالجمع عن إلياس المفرد؟ فمن الخطا لغوياً تغيير اسم العلَم حباً في السجع المتكلَّف.
وجاء في سورة التين 95: 1-3 وَالتِّينِ وَالزَيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ . فلماذا قال سينين بالجمع عن سيناء؟ فمن الخطأ لغوياً تغيير اسم العلَم حباً في السجع المتكلف.
الجواب : إن اسم إلياس معرب عن العبرية ، فهو اسم علم أعجمي ، مثل إبراهيم وأبرام ، فيصح لفظه إلياس و إلياسين ، وهما إسمان لنبي واحد ، ومهما أتى بلفظ فإنه لا يعني مخالفة لغة العرب ، ولا يعترض على أهل اللغة بما اصطلحوا على النطق به بوجه أو بأكثر. فالاسم ليس من الأسماء العربية حتى يقال هذا مخالف للغة العرب، وكذلك لفظ سيناء يطلق سينين وسَيْنين وسيناء بفتح السين وكسرها فيهما. ومن باب تسمية الشيء الواحد بتسميات متشابهة أيضاً كتسمية مكة بكة.
15- أتى باسم الفاعل بدل المصدر
س 119: جاء في سورة البقرة 2: 177 (لَيْسَ َالبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ). والصواب أن يُقال ولكن البر أن تؤمنوا بالله لأن البر هو الإيمان لا المؤمن.
الجواب : يقول الأمام الرازى أنه حذف فى هذه الآية المضاف كما لو أراد قول (ولكن البر كل البر الذى يؤدى إلى الثواب العظيم بر من آمن بالله. وشبيه ذلك الآية (أجعلتم سقاية الحاجِّ ... كَمَنْ ءامَنَ) [التوبة 19] وتقديره: أجعلتم أهل سقاية الحاج كمن آمن؟ ، أو أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن؟ ليقع التمثيل بين مصدرين أو بين فاعلين، إذ لا يقع التمثيل بين مصدر وفاعل.
وقد يُقصدً بها الشخص نفسه فتكون كلمة (البرَّ) هنا معناها البار مثل الآية (والعاقبة للتقوى) [طه 132] أى للمتقين ، ومثله قول الله تعالى (أرأيتم إن أصبح ماءُكم غوراً) [المُلك 30] أى غائراً.
وقد يكون معناها ولكنَّ ذا البر ، كقوله: (هم درجات عند ربهم) [آل عمران 163] أى ذو درجات.
وكأن السائل بولسيّ المنهج الذي يرى الإيمان شيئا غير العمل. ولهذا لاحظ فيها مخالفة لمنهجه فقال: لأن البر هو الإيمان. كما قال بولس من قبله: (إذ نحسب أن الانسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس) رومية 3: 28 فليذهب وليقرأ سفر يعقوب المناقض لعقيدة بولس مخالفا كل نص العهد القديم والجديد. (10لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي الْكُلِّ. 11لأَنَّ الَّذِي قَالَ: «لاَ تَزْنِ» قَالَ أَيْضاً: «لاَ تَقْتُلْ». فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّياً النَّامُوسَ.) يعقوب 2: 10-11 و (18لَكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: «أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ!» أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي. 19أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ! 20وَلَكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ؟ 21أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ [وهذا خطأ من الكاتب إذ أنه إسماعيل] ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ 22فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ،) يعقوب 2: 18-22
ويقول العهد القديم: قال موسى وهارون لله: («اللهُمَّ إِلهَ أَرْوَاحِ جَمِيعِ البَشَرِ هَل يُخْطِئُ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَتَسْخَطَ عَلى كُلِّ الجَمَاعَةِ؟») (العدد 16 : 22)
(16«لا يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ الأَوْلادِ وَلا يُقْتَلُ الأَوْلادُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ.) (التثنية 24 : 16)
( 19[وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: لِمَاذَا لاَ يَحْمِلُ الاِبْنُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ؟ أَمَّا الاِبْنُ فَقَدْ فَعَلَ حَقّاً وَعَدْلاً. حَفِظَ جَمِيعَ فَرَائِضِي وَعَمِلَ بِهَا فَحَيَاةً يَحْيَا. 20اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. الاِبْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الاِبْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ. 21فَإِذَا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ جَمِيعِ خَطَايَاهُ الَّتِي فَعَلَهَا وَحَفِظَ كُلَّ فَرَائِضِي وَفَعَلَ حَقّاً وَعَدْلاً فَحَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ. 22كُلُّ مَعَاصِيهِ الَّتِي فَعَلَهَا لاَ تُذْكَرُ عَلَيْهِ. فِي بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَ يَحْيَا. 23هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ؟ أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟ ) (حزقيال 18 : 19- 23)
والصحيح أن الإيمان عمل. إذن فالبر هو عمل المؤمن. فيصير معنى الآية ولكن البر هو أن يعمل الإنسان كذا وكذا ، فالإيمان بالله من الأعمال الإيمانية وتتضمن أعمالا للقلب تبعث على عمل الجوارح كالخشية والخضوع والتوكل والخوف والرجاء. وهذه كلها تبعث على العمل الصالح.
16- نصب المعطوف على المرفوع
س 120: جاء في سورة البقرة 2: 177 (وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ). وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول والموفون... والصابرون .
الجواب : الصابرين هنا مفعولاً به لفعل محذوف تقديره وأخص بالمدح الصابرين، والعطف هنا من باب عطف الجملة على الجملة.
17- وضع الفعل المضارع بدل الماضي
س 121: جاء في سورة آل عمران 3: 59 (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون) . وكان يجب أن يعتبر المقام الذي يقتضي صيغة الماضي لا المضارع فيقول قال له كن فكان .
الجواب : وفي النقطة السادسة قال (فيكون) للإشارة إلى أن قدرة الله على إيجاد شيء ممكن وإعدامه لم تنقض، بل هي مستمرة في الحال والاستقبال في كل زمان ومكان ، فالذي خلق آدم من تراب فقال له (كن) فكان ، قادر على خلق غيره في الحال والاستقبال (فيكون) بقوله تعالى (كن).
وقد نقل المنصرون هذا من كتب التفسير: أي إن المعنى : فكان، فظنوا لجهلهم بفن التفسير أن قول المفسرين بذلك لتصحيح خطأ وقع في القرآن، وأن الصواب : فكان ، بصيغة الماضي . قال القرطبي : "فكان . والمستقبل يكون في موضع الماضي إذا عرف المعنى"
وهل نقول: إذا أمرتك بشيء فعلت؟ أم أن الأصح أن تقول: إذا أمرتك بشيء تفعله؟ وتقدير السياق في الآية فإذا أراد الله شيئا فيكون ما أراد.
18- لم يأت بجواب لمّا
س 122: جاء في سورة يوسف 12: 15 (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ). فأين جواب لمّا؟ ولو حذف الواو التي قبل أوحينا لاستقام المعنى..
الجواب : جواب لمّا هنا محذوف تقديره فجعلوه فيها أو نفَّذوا مؤامرتهم وأرسله معهم.
وهذا من الأساليب البلاغية العالية للقرآن أنه لا يذكر لك تفاصيل مفهومة بديهية في السياق.
19- أتى بتركيب يؤدي إلى اضطراب المعنى
س 123: جاء في سورة الفتح 48: 8 و9(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيرا لتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً). وهنا ترى اضطراباً في المعنى بسبب الالتفات من خطاب محمد إلى خطاب غيره. ولأن الضمير المنصوب في قوله تعزّروه وتوقروه عائد على الرسول المذكور آخراً وفي قوله تسبحوه عائد على اسم الجلالة المذكور أولاً. هذا ما يقتضيه المعنى. وليس في اللفظ ما يعينه تعييناً يزيل اللبس. فإن كان القول تعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً عائداً على الرسول يكون كفراً، لأن التسبيح لله فقط. وإن كان القول تعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً عائداً على الله يكون كفراً، لأنه تعالى لا يحتاج لمن يعزره ويقويه!!
الجواب : نعم. فإن كان القول تعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً عائداً على الرسول يكون كفراً، لأن التسبيح لله فقط.
بعد أن قال تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيرا) فقد بيَّنَ فائدة وأسباب الإرسال المرتبطة بلام التعليل ليعلم الرسول والناس كلهم السبب من إرساله لذلك قال (لتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً).
والخطاب هنا للرسول فى الإرسال ، ثم توجه للمؤمنين به ليبين لهم أسباب إرساله لهذا الرسول. كما لو خاطب المدرس أحد تلاميذه أمام باقى تلاميذ الفصل، فقال له: لقد أرسلتك إلى زملائك لتعلموا كلكم بموعد الإمتحان.
20- نوَّن الممنوع من الصرف
س 124: وجاء في سورة الإنسان 76: 4 (إِنَّا أَعْتَدْنَال للْكَافِرِينَ سَلاَسِلاً وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً). فلماذا قال سلاسلاً بالتنوين مع أنها لا تُنوَّن لامتناعها من الصرف؟
الجواب : سلاسلاً ليست من أوزان الأسماء الممنوعة من الصرف الخاصة بصيغة منتهى الجموع. وأوزان الأسماء التى على صيغة منتهى الحموع هى:
(أفاعل – أفاعيل – فعائل – مفاعل – مفاعيل – فواعل – فعاليل) مثل: أفاضل – أناشيد – رسائل – مدارس – مفاتيح – شوارع – عصافير.
ويمنع الاسم من الصرف فى صيغة منتهى الجموع بشرط أن يكون بعد ألف الجمع حرفين ، أو ثلاثة أوسطهم ساكن:
1- مساجد: تمنع من الصرف لأنها على وزن مفاعل (صيغة منتهى الجموع) ولأن بعد الألف حرفان.
2- مصابيح: تمنع من الصرف لأنها على وزن مفاعيل (صيغة منتهى الجموع) ولأن بعد الألف ثلاثة أحرف أوسطهم ساكن.
وقد قرأت سلاسلَ بدون تنوين على لغة من لغات أهل العرب التى تصرِّف كل الأسماء الممنوعة من الصرف فى النثر. أو أن تكون الألف المنونة فى سلاسلاً بدلاً من حرف الإطلاق. (الكشاف للزمخشرى ج 4 ص 167)
وكذلك جاء في سورة الإنسان 76: 15 (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا) بالتنوين مع أنها لا تُنّوَن لامتناعها عن الصرف؟ إنها على وزن مصابيح.
الجواب : لو رجعتم للمصحف لعرفتم أن قواريرا غير منونة ، فهى غير منونة على قراءة عاصم وكثيرين غيره، ولكن قرأ الإمامان النحويان الكسائى الكوفى، ونافع المدنى قواريراً منصرفة ، وهذا جائز فى اللغة العربية لتناسب الفواصل فى الآيات.
21- تذكير خبر الاسم المؤنث
س 125: جاء في سورة الشورى 42: 17 (اللهُ الذِي أَنْزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ). فلماذا لم يتبع خبر لعل اسمها في التأنيث فيقول قريبة؟
الجواب : خبر لعل هنا محذوف لظهوره البيَّن تقديره لعل حدوث الساعة قريب.
وفيه أيضا فائدة وهي أن الرحمة والرحم عند العرب واحد فحملوا الخبر على المعنى. ومثله قول القائل: إمرأة قتيل. ويؤيده قوله تعالى: (هذا رحمة من ربي) فأتى اسم الإشارة مذكرا. ومثله قوله تعالى: (والملائكة بعد ذلك ظهير).
وقد جهل المعترض بأنه المذكر والمؤنث يستويان في أوزان خمسة :
1 – (فعول): كرجل صبور وامرأة صبور.
2 – (فعيل): كرجل جريح وامرأة جريح.
3 – (مفعال): كرجل منحار وامرأة منحار أي كثير النحر.
4 – (فعيل): بكسر الميم مثل مسكين، فنقول رجل مسكين، وامرأة مسكين.
5 – (مِفعَل): بكسر الميم وفتح العين. كمغشم وهو الذي لا ينتهي عما يريده ويهواه من شجاعته. ومدعس من الدعس وهو الطعن.
22- أتى بتوضيح الواضح
س 126: جاء في سورة البقرة 2: 196 (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَاِملَةٌ) . فلماذا لم يقل تلك عشرة مع حذف كلمة كاملة تلافيا لإيضاح الواضح، لأنه من يظن العشرة تسعة؟
الجواب : إن التوكيد طريقة مشهورة فى كلام العرب ، كقوله تعالى: (ولكن تَعْمَى القلوب التى فى الصدور) [الحج 46] ، وقوله تعالى: (ولا طائرٌ يطير بجناحيه) [الأنعام 38] ، أو يقول قائل سمعته بأذني ورأيته بعيني ، والفائدة فيه أن الكلام الذى يعبر عنه بالعبارات الكثيرة ويعرف بالصفات الكثيرة، أبعد عن السهو والنسيان من الكلام الذى يعبَّر عنه بالعبارة الواحدة ، وإذا كان التوكيد مشتملاً على هذه الحكمة كان ذكره فى هذا الموضع دلالة على أن رعاية العدد فى هذا الصوم من المهمات التى لا يجوز إهمالها ألبتة.
وقيل أيضاً إن الله أتى بكلمة (كاملة) لبيان الكمال من ثلاثة أوجه: أنها كلمة فى البدل عن الهَدىْ قائمة مقامه ، وثانيهما أنها كاملة فى أن ثواب صاحبه كامل مثل ثواب من يأتى بالهَدىْ من القادرين عليه ، وثالثهما أنها كاملة فى أن حج المتمتع إذا أتى بهذا الصيام يكون كاملاً ، مثل حج من لم يأت بهذا التمتع.
وذهب الإمام الطبري إلى أن المعنى « تلك عشرة فرضنا إكمالها عليكم، إكمال صومها لمتعتكم بالعمرة إلى الحج، فأخرج ذلك مخرج الخبر.
23- أتى بضمير فاعل مع وجود فاعل
س 127: جاء في سورة الأنبياء 21: 3 (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الذِينَ ظَلَمُوا) مع حذف ضمير الفاعل في أسرّوا لوجود الفاعل ظاهراً وهو الذين .
الجواب : وفي هذه النقطة يقال : إن التركيب مطابق لقواعد اللغة العربية باتفاق علماء اللغة وإن اختلفوا في الفاعل الذي أسنِدَ إليه الفعل، والجمهور على أنه مسند للضمير، والاسم الظاهر بدل منه.
ووجود علامة التثنية والجمع فى الفعل قبل الفاعل لغة طىء وأزد شنوءة، وقلنا من قبل إن القرآن نزل بلغات غير لغة قريش ، وهذا أمر كان لا بد منه ، ومع هذا جاء هذا التعبير فى لغة قريش ، ومنه قول عبد الله بن قيس بن الرقيات يرثى مصعب بن الزبير:
تولى قتال المارقين بنفسه *** وقد أسلماه مبعد وحميم
وقول محمد بن عبد الله العتبى من ولد عتبة بن أبى سفيان الأموى القرشى:
رأين الغوانى الشيب لاح بعارضى *** فأعرضن عنى بالخدود النواضر
[الذين ظلموا ليست هنا فاعلاً مكرراً ، فكلمة أسر هى الفعل ، والواو فاعله، والنجوى مفعول به، والذين نعت صفاتهم بأنهم ظلموا]
24- الالتفات من المخاطب إلى الغائب قبل إتمام المعنى
س 128: جاء في سورة يونس 10: 22 (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ). فلماذا التفت عن المخاطب إلى الغائب قبل تمام المعنى؟ والأصحّ أن يستمر على خطاب المخاطب.
الجواب : 1- المقصود هو المبالغة كأنه تعالى يذكر حالهم لغيرهم لتعجيبهم منها ، ويستدعى منهم مزيد الإنكار والتقبيح. فالغرض هنا بلاغى لإثارة الذهن والإلتفات لما سيفعله هؤلاء المُبعدين من نكران لصنيع الله بهم.
2- إن مخاطبته تعالى لعباده، هى على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، فهى بمنزلة الخبر عن الغائب ، وكل من أقام الغائب مقام المخاطب ، حسن منه أن يرده مرة أخرى إلى الغائب.
3- إن الإنتقال فى الكلام من لفظ الغيبة إلى الحضور هو من باب التقرب والإكرام كقوله تعالى: (الحمد لله ربَّ العالمين * الرحمن الرحيم) [الفاتحة 2-3] وكله مقام الغيب ، ثم انتقل منها إلى قوله تعالى: (إيَّاكَ نعبدُ وإيَّاكَ نستعين) [الفاتحة 5] ، وهذا يدل على أن العبد كأنه انتقلَ من مقام الغيبة إلى مقام الحضور ، وهو يوجب علو الدرجة ، وكمال القرب من خدمة رب العالمين.
أما إذا انتقل الخطاب من الحضور إلى الغيب وهو من أعظم أنواع البلاغة كقوله: (هو الذى يُسَيَّركم) ينطوي على الامتنان وإظهار نعمة المخاطبين، (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ) (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) ولما كان المسيرون في البر والبحر مؤمنين وكفارا والخطاب شامل لهم جميعا حسن الخطاب بذلك ليستديم الصالح الشكر، ولعل الطالح يتذكر هذه النعمة فيتهيأ قلبه لتذكر وشكر مسديها.
ولما كان في آخر الآية ما يقتضي أنهم إذا نجوا بغوا في الأرض، عدل عن خطابهم بذلك إلى الغيبة، لئلا يخاطب المؤمنين بما لا يليق صدوره منهم وهو البغي بغير الحق.، فهذا يدل على المقت والتبعيد والطرد ، وهو اللائق بحال هؤلاء ، لأن من كان صفته أنه يقابل إحسان الله تعالى إليه بالكفران، كان اللائق به ماذُكِرَ. ففيها فائدتان: المبالغة والمقت أوالتبعيد.
25- أتى بضمير المفرد للعائد على المثنى
س 129: جاء في سورة التوبة 9: 62 (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ). فلماذا لم يثنّ الضمير العائد على الاثنين اسم الجلالة ورسوله فيقول أن يرضوهما؟
الجواب : 1- لا يُثنَّى مع الله أحدٌ ، ولا يُذكر الله تعالى مع غيره بالذكر المُجْمَل ، بل يجب أن يفرد بالذكر تعظيماً له.
2- ثم إن المقصود بجميع الطاعات والعبادات هو الله ، فاقتصر على ذكره.
3- ويجوز أن يكون المراد يرضوهما فاكتفى بذكر الواحد كقوله: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ والرأى مختلفُ أى نحن بما عندنا راضون.
4- أن العالم بالأسرار والضمائر هو الله تعالى ، وإخلاص القلب لا يعلمه إلا الله ، فلهذا السبب خصَّ الله تعالى نفسه بالذكر.
5- كما أن رضا الرسول من رضا الله وحصول المخالفة بينهما ممتنع فهو تابع لرضاء ربه ، لذلك اكتفى بذكر أحدهما كما يقال: إحسان زيد وإجماله نعشنى وجبرنى. وقد قال أهل العلم: إن إفراد الضمير لتلازم الرضاءين.
6- أو على تقدير: والله أحق أن يرضُوه ورسوله كذلك، كما قال سيبويه: فهما جملتان حذف خبر إحداهما لدلالة الثاني عليه والتقدير: والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك.
26- أتى باسم جمع بدل المثنى
س 130: جاء في سورة التحريم 66: 4 (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا). والخطاب (كما يقول البيضاوي). موجّه لحفصة وعائشة. فلماذا لم يقل صغا قلباكما بدل صغت قلوبكما إذ أنه ليس للاثنتين أكثر من قلبين؟
الجواب : القلب متغير فهو لا يثبت على حال واحدة ، فلذلك جمعه فصار قلب الإنسان قلوب ، فالحواس كلها تُفرَد ما عدا القلب: ومثل ذلك (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) [النحل 78] ، ولعل المراد به هو جمع بناء على القلة تنبيهاً على هناك الكثير من يسمع الحق بل ويراه ، لكن هناك قلة من القلوب التى تستجيب وتخشع لله.
أن الله قد أتى بالجمع في قوله (قلوبكما) وساغ ذلك لإضافته إلى مثنى وهو ضميراهما. والجمع في مثل هذا أكثر استعمالا من المثنى. فإن العرب كرهوا اجتماع تَثْنيَيْن فعدلوا إلى الجمع لأن التثنية جمع في المعنى والإفراد.
ولا يجوز عند البصريين إلا في الشعر كقوله: حمامة بطن الواديين ترنمي سقاك من العز الفوادي مطيرها.
27- رفع القرآن اسم إنْ
س ...: جاء فى سورة طه الآية 63 (إنْ هذانِ لَساحِرَانِ) وكان يجب أن يقول: إنْ هذين لساحرين
الجواب : إنْ بالسكون وهى مخففة من ان ، وإنْ المخففة تكون مهملة وجوباً إذا جاء بعدها فعل ، أما إذا جاء بعدها اسم فالغالب هو الإهمال نحو: (إنْ زيدٌ لكريم) ومتى أُهمِلَت أ يقترن خبرها باللام المفتوحة وجوباً للتفرقة بينها وبين إنْ النافية كى لا يقع اللّبس. واسمها دائماً ضمير محذوف يُسمَّى ضمير (الشأن) وخبرها جملة ، وهى هنا (هذان ساحران).
قام بكتابة الردود الأستاذ احمد البشتاوي
[email protected]
القلب الحزين
12-12-2013, 03:38 PM
وسائل التنصير في العالم
بقلم الأستاذ عماد المهدي http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1182028048clip_11.jpg
شماس مسيحي سابق وداعية إسلامي مصري
يمكننا تقسيم وسائل التنصير إلى وسائل رئيسية ووسائل معاونة أو مساعدة (1).
أما الوسائل الرئيسية فتأخذ عدة أشكال يأتي في مقدمتها:
1- الاتصال المباشر العلني:
وهو الذي يأخذ شكل الوعظ والإرشاد والتوجيه (الفردي والجمعي) داخل الكنيسة أو خارجها، سواء جاء هذا (الوعظ ) في شكل الأحاديث المباشرة أو الحوار أو المناقشات والندوات... إلخ.
وقد توصل المنصرون من خلال دراساتهم وبحوثهم في العالم الإسلامي إلى عدد من القواعد والوصايا التزموها في هذا الصدد... وهي(2):
أ- في مجال تنصير المسلمين (العوام)... يجب على المنصرين أن يتعلموا لهجاتهم العامية ومصطلحاتها نظريّاً وعملياً، وأن يخاطبوا هؤلاء العوام على قدر عقولهم ومستوى علمهم، كما يجب أن تلقى عليهم الخطب بأصوات رخيمة وفصاحة، وأن يخط بالمبشر وهو جالس ليكون تأثيره أشد على السامعين، وألا تتخلل خطاباته كلمات أجنبية، وأن يبذل عنايته في اختيار الموضوعات وأـن يكون على علم بآيات القرآن والإنجيل وأن يستعين قبل كل شيء بالروح القدس والحكمة الإلهية.
ب- ينبغي استخدام الوسائل المحببة لدى المسلمين العوام والتي تجذبهم وتجعل المبشرين محبوبين لديهم، وأهم هذه الوسائل استخدام الموسيقى – التي يميل إليها الشرقيون كثيراً، وعرض مناظر الفانوس السحري عليهم.
ج- يجب أن يدرس المنصرون القرآن ليقفوا على ما يحتويه.
د- يجب ألا نثير نزاعاً مع مسلم.
ه- يجب إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداء لهم.
و- يفضل أن يكون تشير المسلمين بواسطة ( رسول من أنفسهم ) ومن بين صفوفهم.
ز- يجب أن تقوم المنصرات بزيارة بيوت المسلمين والاجتماع بالنساء، وتوزيع المؤلفات والكتب التنصيرية عليهم، فضلاً عن المحاضرات الدينية في تعاليم الإنجيل.
2- الاتصال المباشر المستتر:
وفيه يقدم المنصرون رسالتهم متسترين ومتخفيين وراء أعمالهم الإعانية، ومن خلال مهام وحِرَفٍ يدخلون بها إلى بلاد المسلمين (وهي حرفهم الأصلية بطبيعة الحال) ومن ثم يقومون بمهمة التنصير من خلال تعريف المحيطين بهم بالسلوك النصراني وتوزيع الإنجيل والنشرات والحديث غير المباشر عن المسيح وتعاليم الإنجيل.
ود وردت الإشارة والاهتمام بهذا الأسلوب في المؤتمر السادس لمنظمة مجالس الإرساليات الذي عقد في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1980م عندما أشار أحد رؤساء الجمعيات التنصيرية إلى ذلك قائلاً: ( إن الباب أصبح مفتوحاً الآن لدخول النصرانية إلى البلاد المغلقة، وذلك من خلال الشركات الوطنية المتعددة فهناك فرص لا حدود لها في هذا المجال بالنسبة للمنصرين حيث الحاجة الملحة إلى مهارتهم لتطوير البلاد)(3).
3- استخدام وسائل الاتصال الجماهيري:
وهي الوسائل التي يطلق عليها عادة وصف (وسائل الإعلام) ومنها المطبوعات المختلفة من نشرات وصحف ومجلات وصور، والإذاعة المسموعة (الراديو) والإذاعة المسموعة المرئية (التلفزيون) والأدوات المسموعة والمرئية الأخرى كالأشرطة والأفلام وما إليها، (وسوف يأتي الحديث عنها في موضع لاحق من هذا البحث ). – إن شاء الله –.
أما الوسائل المساعدة أو المعاونة، فينبغي أن نشير من البداية إلى أن إطلاق هذا المسمى عليها ووصفها بأنها (مساعدة) أو (معاونة) لا يعني أنها (هامشية) أو (ثانوية) في أدائها أو وظيفتها أو استخدامها في هذا المجال وإنما رأينا أن نطلق عليها هذا الوصف لأنها في معظم الأحيان تستخدم لتكون بمثابة (وعاء) يُصب فيه النشاط التنصيري، وفي أحيان أخرى تكون بمثابة (قنوات) يتدفق فيها ويمضي إلى أهدافه من خلالها، كما أنها في بعض الأحوال تكون بمثابة (الجرافات ) التي تزيح ما أمامها ولو بالقوة لتقيم للتنصير قواعد يستقر عليها أو تبني له جسوراً يعبر عليها.
هذه الأساليب والوسائل تتعدد وتتنوع لتشمل الوسائل والأساليب السياسية والعسكرية، ووسائل الخدمات المختلفة (التعليمية والعلاجية والثقافية والاجتماعية) على النحو التالي:
1- الوسائل العسكرية والسياسية:
وهم في حقيقة الأمر وجهان لشيء واحد، ويعد كل منهما جزءاً متمماً للآخر – فالسياسة تمهد للحرب وتعد لها وتبرزها، والحرب في واقعها ليست إلا أسلوباً من أساليب السياسة وأداة من أدواتها.. وإذا كانت الحروب الصليبية تعد ذروة المحاولات لفرض العقيدة بقوة السلاح، ومحاولة لحماية النصرانية ووجودها بالسيطرة العسكرية والسياسية، فإن هذه الأساليب والوسائل نفسها ما زالت تستخدم حتى اليوم بعد أن طوعت نفسها لمقتضيات وظروف العصر، حيث لم يعد بالإمكان شن حروب شاملة باسم النصرانية أو التنصير ومن ثم استبدلت هذه الحروب العسكرية الشاملة بحروب داخلية ( بين أبناء البلد الواحد ) أو إشعال الفتن والمؤامرات والمساعدة على إحداث الانقلابات والمجيء بحكومات نصرانية أو تعمل في خدمة النصرانية على الأقل.
وهناك العديد من النماذج لهذه الأساليب السياسية والعسكرية، شهدها العالم في هذا الربع الأخير من القرن العشرين، ولعل أبرزها ما يجري في لبنان، حيث تقوم قوى التنصير في العالم بتدعيم النصارى المارونيين سياسياً وإمدادهم بالمال والسلاح في القتال الدائر بينهم وبين المسلمين في محاولة لبسط نفوذهم وتمكينهم من حكم البلاد، أو على الأقل تقسيم البلد إلى دولتين إحداهما نصرانية مارونية تكون هي الأقوى والأقدر سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولتنفيذ هذا المخطط فإن الغرب المسيحي لا يكتفي بتدعيم المارونيين على هذا النحو فقط، بل يعمل كذلك على تكريس التفرقة بين الفصائل الإسلامية المختلفة والمساعدة على أن تستمر في القتال والتناحر لكي يقضي عليها جميعاً في النهاية ( التناحر بين الشيعة والسنة من ناحية ثم التناحر بين الشيعة والشيعة وبين السنة والسنة أيضاً).
وما يجري في السودان الآن لا يختلف في أهدافه ووسائله عما يجري في بيروت، أيضاً فالهدف الرئيسي هو فصل جنوب السودان عن شماله وإقامة دولة نصرانية في الجنوب تكون لها الغلبة والقوة والسيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية، ومن ثم يبذل الغرب المسيحي قصارى جهده لتدعيم قاعدة ورموز وقوى الانفصال في الجنوب، ومدهم بالمال والمؤن والغذاء والسلاح والقادة العسكريين والمدربين فضلاً عن الدعم السياسي المتواصل في شتى المجالات والمحافل الدولية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مجلس الكنائس العالمي وهو المجلس الذي يجمع كل الكنائس البروتستانية والإنجيلية والأرثوذكسية في العالم، قدم في هذا الصدد عوناً جباراً لهؤلاء النصارى الذين أشعلوا الحرب الأهلية في السودان، كما لعب دوراً مهماً وكبيراً في مشروعات الاستيطان وتوطين اللاجئين من الدول المجاورة.
والمعروف أن هذا المجلس نفسه يقف مؤيداً للصهاينة في فلسطين ضد العرب(4).
وهناك العديد من النماذج الأخرى التي يُمكن الإشارة والتدليل بها في هذا الصدد سواء في المابح الجماعية التي نظمها النصارى في زنجبار عام 1963، وراح ضحيتها قرابة 23000 (ثلاثة ووعشرون ألف مسلم ).. أو في مناصرة حركات التمرد والعصيان التي تأتي بأنظمة الحكم الموالية على غرار ما جرى في مأساة فصل إقليم بيارفرا التي يحدد خططها السياسية في وضع حد للتوسع الإسلامي في كل أرجاء القارة الإفريقية (5) وكذلك ما جرى في أوغندا حيث قام النصارى بالتعاون مع (ملتون أبوتي ) المسيحي المتعصب، للإطاحة بعيدي أمين فخططوا لقتال المسلمين ودفعهم إلى الهرب البلدان المجاورة (6).
2- مرافق الخدمات المختلفة:
وهي الخدمات التي أدخلتها الجمعيات (الإرساليات(7) في مجال التنصير وتشمل التعليم والخدمات الطبية ) العلاج والخدمات الاجتماعية والثقافية المختلفة كالأندية والمساعدات المادية التي تقدم في شكل إعانات للفقراء ( أطعمة – ملابس – أموال – تربية أطفال )، وقد ظهر هذا الأسلوب بشكل لافت للأنظار خلال القرن التاسع عشر ) عندما دخلت الدولة الاستعمارية في تحالف للسيطرة على شعوب العالم، ثم ازداد انتشاراً بعد الحرب العالمية الثانية ) (8).
(أسلوب الإرساليات في التنصير )
1- العمل في المجال الصحي وذلك بإقامة المستوصفات خصوصاً في مناطق الحاجة ( مناطق الأطراف ) في العاصمة كمستوصف الحاج يوسف وكمستشفى الراهبات بالخرطوم، حيث يتم الكشف والحجز للولادة للوافدين، وسكان المناطق المختلفة المنصرين بالمجان، بينما تبلغ تكلفة ذلك ثلاثمائة جنيه للمواطنين الآخرين، هذا بالإضافة إلى زيارة المرضى في المستشفيات وشراء الأدوية للمحتاجين منهم (9):
2- إقامة مراسم الزيجات للوافدين والعمال الموسميين وأبناء المناطق المختلفة في الكنائس.
3- تعميد الأطفال بأسماء نصرانية.
4 تنظيم الفرق الرياضية والترفيهية على مستوى المسيحيين من الطبقة الراقية وعلى مستويات السكان المحليين ومناطق الأطراف.
5- الزيارة والطواف على سكان مناطق الأطراف وتوزيع الأغذية كالسكر واللبن للأطفال وتقديم إعانات للمحتاجين والمعوقين.
6- إقامة مهرجانات في أعياد الميلاد وغيرهما وإرسال بطاقات أعياد الميلاد إلى من يودون استمالته.
7- خلق علاقات وصداقات بين المسيحيين الجدد.
8- دفن الموتى على طريقة الكنيسة في مقابر خاصة للمسيحيين بالعاصمة، وقد تم التصديق لهم منذ وقت قريب بمقبرة إضافية مساحتها 160.000 م جنوب غرب المركز الإسلامي الإفريقي.
9- توزيع الغذاء والبطاطين على المسجونين وتوزيع الحلوى والصلبان عليهم في أيام الأحد والأعياد حتى يتم خلق الإحساس عندهم بأن الكنيسة هي التي تعمل من أجلهم وأنهم ينتمون إليها.
10- إفراد أماكن في الكنائس لاستقبال الغرباء والوافدين حتى يستقر بهم المقام، الأمر الذي يترك أثراً عميقاً في نفس القريب والوافد.
11- الاهتمام باللاجئين عن طريق وكالات الإغاثة المخصصة والتي تستفيد من الإعفاءات الجمركية في تقديم الخدمات بتكاليف زهيدة وكثيراً ما تقسم الإغاثات الدولية للاجئين بواسطة هيئات تبشيرية.
12- تنظيم حلقات محو الأمية والإرشاد الديني في مواقع (منزل – ميدان – نادي)... الخ خارج العاصمة.
13- العناية بالأطفال وخاصة اللقطاء وتبني القساوسة لهم وتعليمهم، مما يؤدي إلى سيطرة الكنيسة على مستقبلهم منذ وقت مبكر.
14- تقديم خدمات للأسر في شكل إرشاد وتعليم وخياطة ورياض أطفال.
يتبــــــــــــــــع
القلب الحزين
12-12-2013, 03:39 PM
يتبـــع الموضوع السابق
وسائل التنصير في العالم
وهناك أساليب جديدة في التنصير ؟!
سمعت الشيخ (ديدات) يقول:
أذكر أنني في إحدى زياراتي لدولة إسلامية تقدم شاب صغير وقدم إليّ بعض الكتيبات والنشرات وفي البداية ظننتها أدعية وآيات قرآنية فوضعتها داخل جيبي، وعندما ذهبت إلى منزلي وأخرجتها لأتصفحها وجدتها تحمل كلمات غير إسلامية وجدتها قريبة جداً من الكلمات والأدعية الدينية الإسلامية المتعارف عليها.
فمثلاً نجد عبارة ( الله محبة ) مكتوبة بالخط الكوفي بحيث تبدو وكأنها (الله – محمد ) وهم يستخدمون الزخرفة الإسلامية في عمليات التضليل هذه بهدف التشويش على الإسلام.
وهناك لوحات تبدو لمن يراها لأول وهلة أنها آيات قرآنية رغم أنها آيات من الإنجيل كتبت بنفس الشكل الذي تكتب به آيات القرآن الكريم، وإذا لم يدقق العربي المثقف النظر فيها لن يكتشف ذلك الخداع فما بالك بالإنسان الأمي البسيط.
* قمنا لنشرب كوباً من الشاي ونستريح قليلاً عن هذا الحوار الساخن مع الفتى الشاب الداعية، وأثناء الجلوس قال:
من ضمن هذه الأساليب أن الأناجيل لا يوزعونها على أنها أناجيل، بل يزخرفونها بغلاف جميل، ويضعون عليها صورة وعنواناً أجمل لإغراء المثقفين والعامة باقتنائه، ونحن كمسلمين من العرب قد نكشف مثل هذا التدليس لكن المسلمين غير العرب في إفريقيا وآسيا يقعون ضحية هذا التضليل.
إن المسلم غير الواعي يأخذ الكتاب ويعظمه ويقدسه على أنه من كتب المسلمين !! وربما يحفظه إلى جانب القرآن الكريم، وأنت تعلم أن المسلمين في باكستان والهند يقرأون العربية ويحفظون ما هو مكتوب بها ولا يفهمونه.
(التنسيق بين الهيئات التبشرية في العالم)
قامت عشرات الهيئات والمنظمات الإذاعية المسيحية في أنحاء متفرقة من العالم (10)، في سويسرا والنمسا، وانلجترا، والمانيا، وفرنسا ن وبلجيكا، وهولندا، وهونج كونج، والفلبين، والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، بإنشاء المحطات الإذاعية، والتخطيط لها وتبادل الخبرات والبرامج والاستشارات والخبراء، وعقد المؤتمرات، وتنفيذ التوصيات وعقد الندوات العلمية، وإقامة الدورات التأهيلية والتدريبية للكوادر والعناصر التي تعمل في هذه المحطات، وإجراء البحوث والدراسات على جماهير المستمعين للكشف عن مدى تأثير هذه المحطات وفاعليتها، فضلاً عن تقويم وتقييم خططها وبرامجها، ولعلّ أنشط هذه المؤسسات والهيئات والمنظمات – على سبيل المثال – وليس على سبيل الحصر – المؤسسات التالية:
1- الرابطة الكاثوليكية للراديو والتلفزيون:
ومقرها سويسرا... وهي الرابطة التي تضم مائة إذاعية كاثوليكية، وينصب نشاطها على خدمة التنصير ( والذي تطلق عليه مصطلح التبشير)، وعقد المؤتمرات وتبادل الخبرات والمعلومات في هذا المجال، فضلاً عن التعاون المنظم مع الروابط والهيئات والمنظمات الإذاعية التنصيرية الأخرى، وإجراء البحوث والدراسات وتقديم التوصيات اللازمة(11).
2- الرابطة العالمية للإذاعة المسيحية:
وكانت هي البديل الذي حل محل اللجنة التي أنشأها مجلس الكنائس العالمي عام 1961م، وتعمل هذه الرابطة التي تتخذ من جنيف مقراً لها على خدمة الإذاعات الدينية في تطوير برامجها ورفع مستواها (12) ومن ثم فهي تولي البحوث الدراسات في هذا المجال أهمية فائقة وقد بلغ عدد البحوث التي أنجزتها خلال أعوام 1964م – 1965م – 1968، ما يقرب من أربعين بحثاً وضعتها في متناول هذه المحطات كما نشرتها على شكل كتيبات (معلومات) تتبادلها الإذاعات المسيحية مع برامجها.
ولا شك أن أهم ما تقوم به هذه الرابطة إلى جانب نشاطها هذا، أنها تقدم منحاً للكنائس والمنظمات المسيحية والأفراد للتدريب على استخدام الإذاعة في مجال التنصير، وإعداد الكوادر البشرية عقائدياً وفنياً.
3- الاتحاد العالمي للاتصالات المسيحية:
أنشئ في لندن عام 1968م ويمنح حق العضوية للأفراد والكنائس ووكالات الاتصال والهيئات المسيحية المختلفة العاملة في مجال الاتصال ( الإعلام والدعاية) إلى جانب تزويد محطات الإذاعة التنصيرية بالخبراء والاستشارات الفنية وإعداد الفنيين والكوادر البشرية المدربة، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن هذا الاتحاد يولي الهيئات والمنظمات التنصيرية التي تعمل في إفريقيا على وجه الخصوص اهتماماً فائقاً ويخصها بالقدر الأكبر من المساعدات والرعاية (13).
4- الرابطة الدولية للإذاعيين المسيحيين:
وهي رابطة خاصة بالإذاعين العاملين في مجال الإذاعات التنصيرية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أنشئت بناء على توصية من المؤتمر العالمي للراديو التنصيري وتبذل الرابطة جهداً واضحاً في متابعة محطات الراديو العاملة في مجال التنصير، وإصدار النشرات التي توزع مجاناً عن هذه المحطات وبرامجها وأنشطتها، فضلاً عن إجراء البحوث والدراسات للتعرف على مدى تأثير هذه المحطات لأعلى جمهور المستمعين والمشاهدين(14).
5- جمعية التنصير العالمية بالرديو:
وهي جمعية بروتستانية مقرها ( نيو جرسي ) بالولايات المتحدة الأمريكية، وتتولى الإشراف إدارة عدد من المحطات التنصيرية الدولية، تأتي في مقدمتها إذاعة ( حول العالم ) الناطقة بالعربية من مونت كارلو ( وسوف يأتي الحديث عنها تفصيلاً فيما بعد).
6- الهيئة التنصيرية العالمية في هونج كونج:
وهي الهيئة التي تقوم بمسؤولية الإشراف وإدارة عدد من الإذاعات الموجهة إلى دول جنوب شرق آسيا – وإن كانت تولي عناية بالمحطات الموجهة إلى (إندونيسيا) على نحو خاص.
7- الاتحاد الفلبيني للإذاعيين الكاثوليك:
- ومقرّه (تايلند) – ويتولى الإشراف على عدد من المحطات التنصيرية، ويقدم لها المعلومات وخدمات التدريب والتخطيط، وليست هذه بالطبع هي كل المؤسسات والهيئات الإذاعية التنصيرية في العالم ن فقد بلغ عددها عام 1980م أكثر من خمس وثلاثين هيئة ومؤسسة إذاعية دولية، يمتلك بعضها محطات كاملة ويستأجر بعضها الآخر ساعات للبث من محطات دينية أو تجارية أخرى، وقد بلغ عدد المحطات التي تملكها أو تستأجرها الطائفة المعمدانية وحدها أكثر من مائة محطة تنصيرية في أكثر من ثمانين بلداً.
ولا شك أن أهم ما يستلفت الانتباه في هذا الصدد، أن هذه المنظمات والهيئات – وبالرغم من تعددها واستقلالية كل منها إلا أنها تعمل وفق خطط منظمة وتنسيق تام متكامل في ما بينها بعضها البعض من ناحية وفيما بينها وبين مؤسسات إعلامية أخرى تعتمد على وسائل النشر الطباعي والمرئي والاتصال الشخصي من ناحية أخرى، في إطار استراتيجية إعلامية شاملة ومتكاملة.
وقد بان ذلك التنسيق المشترك واضحاً بين تلك المنظمات الإذاعية والإعلامية التنصيرية بعضها البعض، من خلال العديد من المؤتمرات التي حرصت هذه المنظمات على عدها والتي أصبحت بدورها نشاطاً متميزاً لافتاً للانتباه منذ أواخر الخمسينيات، وأوائل الستينيات، وهي وإن كانت قد عقدت في أنحاء مختلفة من العالم، إلا أن القارة الإفريقية اختصت بالقدر الأكبر منها على وجه الخصوص (15).
في هذه المؤتمرات التي يدعى إليها ويحرص على حضورها عدد كبير جداً من ممثلي الإذاعات التنصيرية وخبراء الإعلام والتنصير وكبار المخططين والباحثين في هذا المضمار، كان يجري بحث القضايا المشتركة وتبادل الخبرات والمعلومات واستعراض نتائج البحوث المختلفة التي أجريت في شتى أنحاء العالم ومناقشة قضايا التمويل والمعدات الفنية والأجهزة والكوادر المدربة وإنشاء معاهد التدريب المتخصصة، فضلاً عن استعراض المشكلات والعقبات التي تواجه العمل التنصيري الإذاعي في مناطق العالم المختلفة، وقد اختصت قضايا المنطقة العربية والمشكلات التي تواجه البث الإذاعي التنصيري إليها، باهتمام خاص في ذلك المؤتمر الذي حول عدد من الموضوعات الرئيسية في هذا المجال، تمثلت في الموضوعات التالية:
·قضية البث على الموجات القصار، حيث يصل الإرسال مشوشاً في كثير من الحالات، وكيف يمكن التغلب على ذلك ؟ وقد عرضت عدة حلول في هذا المجال، أوصت بإنشاء محطات تقوية واستئجار محطات إرسال في مناطق قريبة من الجهات والأماكن المستهدفة أو داخلها..
·قضية (إعلام المستمع) و(تعريفه) بهذه المحطات ولفت نظره غليها... واقترح لذلك النظر في إمكانية الإعلان عن هذه المحطات في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى إلى جانب الاتصال الشخصي الذي ينبغي أن يقوم به الأفراد والبعثات التنصيرية والكنائس في تلك المناطق.
·قضية التنسيق بين جهود المحطات التنصيرية الناطقة بالعربية، وقد اقترح لذلك دمج بعضها في فترة زمنية موحدة على أن يبقى لك منها استقلالها المالي ويراعي تنسيق الإنتاج فيما بينها.
·البحث عن الأساليب والوسائل لإغراء المستمع، و(معاونته) على الاستماع والمتابعة واقترح لذلك ضرورة إصدار كتيبات ونشرات وأدلة شهرية أو فصلية أو سنوية بتفاصيل البرامج ومواعيد إذاعتها وإرسالها إلى المستمعين، إلى جانب إغرائهم أيضاً بتخصيص (هدايا) و(جوائز) مقابل مساهمتهم في المسابقات أو تقديمها إليهم في المناسبات الدينية المختلفة.
·البحث عن وسائل للتغلب على مشكلات (الرقابة البريدية) التي وضع لها بريد المستمعين أو رد المحطات التنصيرية على رسائلهم في بعض البلدان، واقترح لذلك أن تخصص المحطة أرقاماً لصناديق البريد أي عدد كبير من العواصم العربية والأوروبية، إلى جانب مواصلة الحرص على الاهتمام ببريد المستمعين والرد عليهم بريدياً ومن خلال الإذاعة أيضاً.
وعلى هذا النسق في مناقشة القضايا والموضوعات كان يجري العمل في كافة المؤتمرات الأخرى التي عقدتها المنظمات الإعلامية التنصيرية، حيث تُعرض الموضوعات والمشكلات ويتم اتخاذ القرارات التنفيذية وليس مجرد الاكتفاء بالنصائح والتوصيات.
ففي المؤتمر الذي عقد في (زامبيا) عام 1961م والذي حضره مندوبون من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وإفريقيا، جرت مناقشات مسهبة حول (أفضل الطرق التي يمكن للكنائس الإفريقية اتباعها للإفادة من وسائل الاتصال الجماهيرية في مجال التبشير).
وكان أهم ما توصل إليه المؤتمرون في هذا الصدد قرارهم بإنشاء مركز للتدريب الإذاعي يكون مقره (كينيا) وقد تم إنشاء هذا المركز الذي أكد فاعليته الهائلة في هذا المجال، ونجح في إعداد الدورات المتنوعة ( دورات قصيرة المدى ودورات طويلة المدى تستغرق الدولة الواحدة ستة أشهر )، ومن ثم تمكن من استقطاب العديد من الخبراء وإعداد العديد من الكوادر الإفريقية في مجالات العمل المختلفة بالإذاعة المسموعة والمرئية.
وفي عام 1965م اتخذ المؤتمر الذي عقد في (روما) قراراً بالقيام بحملة دعائية واسعة تدعو لجمع التبرعات من أجل تدعيم هذه الإذاعات... وفي عام 1980م قرر المؤتمر الذي انعقدت في (سويزلند) تخصيص مبلغ 20 مليون دولار لتطوير إذاعة آسيا التنصيرية التي تبث من شمال الفلبين، وتقوية إرسالها خاصة وأنها تبث بثمان وعشرين لغة موجهة إلى المناطق الآسيوية، أما المؤتمر الذي عقد في تنزانيا عام 1981م، فقد خصص مبلغ 100 مليون دولار لإناء محطات تنصيرية جديدة، كما أكد على ضرورة أن تكون كافة الكوادر العاملة في هذه المحطات من أبناء نفس المناطق التي تبث إليها.
وكما تعمل هذه المنظمات والهيئات الإذاعية التنصيرية على التنسيق والتخطيط لتحقيق التكامل فيما بينها وخدمة أهداف مخططة..
فإننا نجدها كذلك تعمل بتنسيق متكامل مع وسائل الاتصال التنصيرية الأخرى التي تنتج مختلف المواد التنصيرية المطبوعة والمرئية، بحيث تأتي كل واحدة من هذه الوسائل استكمالاً أو تأكيداً أو بديلاً ضرورياً عن الأخرى، وعلى هذا النحو نجد العديد من الإذاعات التنصيرية تقدم الكتب والمطبوعات والنشرات في شكل جوائز (هدايا) لجمهور المستمعين، وتكون هذه الكتب قد أعدت وفق خطة تناسق مع ما تقدمه المحطة من مواد وبرامج، بل تكون هذه الكتب في بعض الأحيان هي النصوص الكاملة لبعض البرامج الإذاعية بداية من (الكتاب المقدس ) إلى (رسائل بولس) إلى (إنجيل يوحنا)... إلخ.
وسألت (الشاب عماد المهدي) عن عدد المحطات التنصيرية في العالم ؟ وهل هناك محطات مجهولة ؟ أو محطات تثبت من بلاد إسلامية ؟ أو محطات تتخذ لها أسماء مستعارة ؟ فكانت إجابته بأن هناك مئات المحطات في العالم، والموضوع موضح في المصدر السابق (ص75).
بعض منها على سبيل المثال:
1-إذاعة راديو الفاتيكان (الفاتيكان).
2-إذاعة حول العالم (موناكو).
3-إذاعة صوت الأمل.
4-إذاعة صوت الغفران ( تذيع عنوان في بيروت وتبث من جزيرة سيشل
5-إذاعة صوت الشبيبة.
6-إذاعة المحبة والوفاء.
7-إذاعة المركز المعمداني.
8-إذاعة مقدم الحق.
9-إذاعة مركز النهضة.
10-إذاعة صوت الإصلاح (تذيع عنواناً لها في السودان، لكنها تبث ضمن برامج إذاعة صوت الغفران من جزيرة سيشل ).
11-إذاعة نور على نور (مرسيليا).
12-إذاعة المدرسة الإنجيلية (مرسيليا).
13-إذاعة صوت كلمة الحياة (إسبانيا).
14-إذاعة نداء الرجاء (تذيع عنوان في شتوتجارت بألمانيا الغربية، وتذيع ضمن محطة صوت الغفران.
15-إذاعة دار الهداية (سويسرا).
16-إذاعة حانوسيا ( إندونيسيا).
17-إذاعة أدفنت ( إندونيسيا).
18-إذاعة بكما ( إندونيسيا).
19-إذاعة الإنجيلية ( إندونيسيا).
20-إذاعة زيون ( إندونيسيا).
21-إذاعة سنجاريرتي ( إندونيسيا).
22-إذاعة تليستار (زائير).
23-إذاعة صوت الحق الإنجيل (أثيوبيا).
24-إذاعة صوت الحق (لبنان).
وبالرغم من عدم وجود إحصاء دقيق لعدد المحطات الدينية التنصيرية في العالم إلا أن أهم ما يلفت النظر في هذا الصدد أن هناك أربع عشر محطة تنصيرية تبث إرسالها باللغة العربية على مدة 1500 ساعة أسبوعياً ( ما يقرب من 80 ألف ساعة سنوياً).
ومن هذه المحطات تبث أربعة من قبرص، وتبث أربعة أخرى من موناكو، وتبث واحدة من روما وتبث أخرى من جزيرة سيشل.
وقد لوحظ من خلال رصد هذه المحطات ومتابعتها خلال السنوات الماضية، أنها تستبدل أسمائها وتغيرها بين حين وآخر، كما جرى ضم بعضها إلى البعض في إطار محطة واحدة تنطق باسم واحد وتمثل كل محطة من المحطات المنضمة برنامجاً يحمل اسمها في إطار المحطة العامة، ونجد مثالاً واضحاً لذلك في الإذاعة الناطقة باسم (صوت الغفران) والتي كانت تنطق باسم صوت الإنجيل في البداية، ثم غيرت اسمها إلى (صوت الحق) ثم (صوت الغفران) بعد أن اكتشفت أنه أكثر قبولاً لدى المستمع غير المسيحي، وأكثر تأثيراً إذ أن الإنسان بطبعه (يميل) إلى الغفران ويسعى إليه ومن ثم تتجه الإذاعة لتخاطب جمهوراً عاماً، بينما ينصب محتوى برامجها وموادها على توجيه خطا تنصيري بحت. وهذه المحطة على وجه التحديد أصبحت تشتمل على ثلاث محطات.
يتبــــــــــــــــع
القلب الحزين
12-12-2013, 03:41 PM
يتبـــع الموضوع السابق
وسائل التنصير في العالم
هي صوت الغفران – نداء الرجاء – ساعة الإصلاح.. وهي بمثابة ثلاث برامج يقدم كل منها تحت نفس الاسم في فترة معينة لكل منها وفي مساحة زمنية متصلة تحت الاسم الرئيسي، (إذاعة صوت الغفران) وهنا تجدر الإشارة إلى أن كلا من ساعة الإصلاح، ونداء الرجاء، وصوت الغفران منظمات تنصيرية أصلاً وليست محطات إذاعية فقط، ولما كانت هذه المحطة (ذات البرامج الثلاث ) أو ( المحطات الثلاث المندمجة) ومعها محطة راديو الفاتيكان، ومحطة حول العالم من (مونت كارلو) تعد هي أهم المحطات التنصيرية الموجهة إلى العالم العربي شرقه وغربه في هذه المرحلة.
(لغات المحطات التنصيرية)
كما سألت (الابن عماد ): عن اللغات التي تبث منها تلك المحطات التنصيرية فقال:
أولا اللغة الأساسية(16)
اللغة
1- الإنجليزية
14- التشيكية
26- الهندية
2- الفرنسية
15- الكرواتية
27- الملايالام
3- الإيطالية
16- اليابانية
28- التاميل
4- الإسبانية
17- اللتوانية
29- الأمهرية
5- البرتغالية
18- الرومانية
30- التجرى
6- الروسية
19- البيلوراس
31- السويدية
7- البولندية
20- البلغارية
32- الفينيش
8- الألمانية
21- السلوفاكية
33- الاسبرانتو
9- الفيتنامية
22- اللاتفانية
(نسبة إلى لاتفانيا)
34- النرويجية
10- الصينية
11- العربية
23- السلوفينية
12- الألبانية
24- الأوكارانية
13- الأرمينية
25- البلغاريا
ثانياً: لغات تستخدم في مناسبات خاصة
1- الشوليا.
2- الدينماركية.
3- الأندو.
4- الهاوسا.
5- الإيبوا.
6- الكيكونجو.
7- الكينيا روندا.
8- الكيروند.
9- الكيسواحيلي.
10- اللنجاولا.
11- المهدي.
12- الملا جاشي.
13- اليوروبا.
وأضاف الابن الشاب قائلاً:
ولقد طبع النصارى الإنجيل بألفي لغة مختلفة، وطبعوه للعرب بإحدى عشرة لهجة على اعتبار أن اللهجات تختلف بين مصر، والكويت، والمغرب، واليمن وغيرهما من بلاد العرب.
(محاور الإذاعات التنصيرية)
أما كيفية بث تلك الإذاعات، والموضوعات التي ثتار وتعرض في تلك الإذاعات، والمحاور التي يتم التركيز عليها(17): فقد تم التركيز على ثلاث محاور وهي كالتالي:
1- الحديث عن المسيح والإخبار عنه وتصوير صفاته ووصف دوره ومعجزاته وتضحياته وبيان أهمية الإيمان به.
2- الحديث عن الكتاب المقدس وأهميته.
3- الحديث عن مفهوم المسيحية وتحديد من هو المسيحي.
المحور الأول:
· أما فيما يتعلق بالحديث عن المسيح والإخبار عنه، وذكر صفاته، والدعوة إلى الإيمان به، فقد جاء ذلك من خلال تركيز بالغ الكثافة، دائم التكرار وعلى مستوى كافة البرامج دون استثناء.
وقد أمكننا – من خلال تحليل عينة البرامج – استخلاص العبارات التي أخبرت عن المسيح وذكرت صفاته... وقد جاءت على النحو التالي:
1- المسيح هو الرب.
2- المسيح هو الله والإنسان معاً.
3- المسيح هو المُخلص المبارك.
4- المسيح هو مُخلص الإنسان عن خطاياه.
5- المسيح هو الذي صُلب من أجلنا.
6- المسيح هو صُلب من أجل سعادتنا.
7- المسيح هو الذي رفض وصُلب من قبل اليهود.
8- المسيح هو تألم ليحمل خطايا البشر جميعاً في جسده عندما مات على الصليب.
9- المسيح هو الذي قدم جسده ذبيحة على الصليب.
10- المسيح هو سيد العذاب والألم.
11- المسيح هو الذي قدم جسده ضحية وفداء على خشبة الصليب.
12- المسيح هو الذي يموت بديلاً عنا آخذاً عقاب دينونة ذنوبنا.
13- المسيح هو الذي مات طوعاً واختياراً لكي يدفع عقاب خطاياك.
14- المسيح هو آدم الثاني.
15- المسيح هو القادر أن يغير نظرتك وفكرك.
16- المسيح هو الذي يضمن لك الحاضر والمستقبل.
17- المسيح هو الذي ينقلك من الفكر الجسدي الشهواني إلى الفكر الروحي..
18- المسيح هو السلام.
19- المسيح هو مفتاح بيت الفرح.
20- المسيح هو حامل بشارة السلام.
21- المسيح هو زهرة الفرح والحرية للبشرية كلها.
22- المسيح هو الذي تحمل الآلام والعار والعذاب والاحتقار من أجل أن يعطينا سلامتنا مع الله الآب في السماء.
23- المسيح هو الوحيد الذي يمكن أن تعمد عليه وتثق فيه.
24- المسيح هو الوحيد الذي تسلم له الحياة.
25- المسيح هو الطريق الوحيد إلى الله.
26- المسيح هو الذي مات من أجل أن نجد الطريق إلى الله.
27- المسيح هو محبة.. والمحبة هي صليب المسيح الذي علق فوقه.
28- المسيح هو الطريق إلى الحياة الروحية.
29- المسيح هو الذي فتح أبو بالخلود على مصراعيها.
30- المسيح هو الحياة الأبدية وبدونه يكون الموت والعذاب الأبدي.
31- قيامة المسيح هي قهر الموت عدو الإنسان اللدود.
32- الإيمان بالمسيح هو الذي ييسر مشاكل الحياة.
33- الإيمان بالمسيح هو الخط الفاصل بين السماء وبين الجحيم.
34- الإيمان بالمسيح هو حل لكافة المشاكل.
35- الإيمان بالمسيح هو الطريق الوحيد لتحقيق السعادة.
36- الإيمان بالمسيح وعمله الكامل على الصليب هو طريق الحياة الأبدية كما رسمه الله.
المحور الثاني:
كما كان الإخبار عن المسيح وصفاته وتضحياته.. جاء الحديث عن الكتاب المقدس أيضاً للتعريف به والدعوة للإيمان به من خلال التركيز على أهميته وصفاته، فضلاً عن تخصيص برامج لشرح نصوصه وتفسيرها، وقد تكرر ذكر الكتاب المقدس والتعريف به، وذكر صفاته كثيراً في كافة برامج المحطة أيضاً.. وجاء ذلك على النحو التالي:
1- الكتاب المقدس يتكون من جزئين، جزء قبل المسيح وهو الذي يطلق عليه الناس اسم العهد القديم، وجزء بعد المسيح ويسمونه تجازوا الإنجيل، مع أنه يشمل أسفاراً كثيراً مختلفة.
2- والإنجيل هو الكتاب الذي رسم الله به طريق الحياة الأبدية.
3- الإنجيل هو الإيمان.
4- الإنجيل هو كلمة الله.
5- الإنجيل هو الطريق الوحيد للحصول على راحة وسلام القلب وصحة النفس.
6- الإنجيل من أسهل وأوضح الكتب.
7- الإنجيل كتاب محبة.
8- الذين لا يؤمنون بالإنجيل هم أصحاب القلوب والعقول المظلمة.
9- الانحراف والفساد والرشوة والانحلال الخلقي تأتي بسبب ترك الإنجيل.
المحور الثالث:
أما المسيحية.. فقد تكرر ذكرها في كافة البرامج على النحو التالي:
1- المسيحية هي طريق القداسة والمحبة والإيمان العميق.
2- المسيحية هي الكمال الأخلاقي والكمال الأدبي والتطابق بين المعرفة العقلية والتطبي الحياتي.
3- المسيحي هي لقب الحياة كاملة وليست لقباً لدولة أو مجموعة له.
4- المسيحي هو الذي يعيش حسب قدوة المسيح ومثله.
تلخيص موضوعات الإذاعات التنصيرية:
أولاً: إن هذه الإذاعات جميعها لا تتوجه ببرامجها إلى فئة المسيحيين وحدهم، بل تُولي عناية مخططة لغير المسيحيين، وتستهدف المسلمين في المقام الأول وهم الغالبية العظمى من سكان العالم العربي بطبيعة الحال(18).
ثانياً: إن هذه المحطات جميعها – باستثناء إذاعة راديو الفاتيكان – وإذاعة حول العالم، تستأجر ساعات البث من محطات تجارية في قبرص وجزيرة سيتشل: أما راديو الفاتيكان فيملك إذاعته الضخمة التي تبث بعشرات اللغات، وكذلك إذاعة حول العالم من مونت كارلو.
ثالثاً: إن هذه المحطات جميعها تعتمد في تمويلها على التبرعات والهبات التي تقدمها حكومات وهيئات وأفراد وواردات الأعيان التي توقف لهذا الغرض.
رابعاً: إن إذاعة الفاتيكان هي الإذاعة الدينية الوحيدة بين الإذاعات التنصيرية الموجهة إلى العالم العربي، التي لا تعني بتقديم المواد التنصيرية الدينية من دروس الكتاب المقدس أو شرح سيرة المسيح وما إلى ذلك، بل تقتصر على تقديم أخبار بابا الفاتيكان وتغطية زياراته وأخبار النشاط الكنسي في العالم، فضلاً عن أخبار عالمية متنوعة (سياسية واقتصادية ورياضية.. الخ ) تبرز من خلالها وجهة نظر الفاتيكان في المجريات والأحداث الدولية، وتربط بين المسيحية وقضايا العالم. وأما بقية المحطات التنصيرية الأخرى فلا شأن لها بالسياسة بل تنصب برامجها كلها على الموضوعات المسيحية الدينية من شرح الإنجيل وتأليه للمسيح ودعوة لاعتناق المسيحية وتصويرها على أنها العقيدة الصحيحة وما دونها باطل.
خامساً: بينما تعنى إذاعة راديو الفاتيكان بالبرامج الإخبارية من نشرات وتقارير وتحقيقات إذاعية فقط، تأخذ الإذاعات التنصيرية الأخرى بكافة الأشكال الإذاعية البرامجية من أحاديث ومقابلات ومناقشات وبرامج درامية وشبه درامية، فضل عن استخدام الموسيقى والأغاني (الدينية) والمجلات الإذاعية.
سادساً: تعمل هذه الإذاعات وفق برنامج مخطط لاستمالة المستمعين وإغرائهم بمتابعة برامجها والمشاركة فيها، من خلال تقديم الهدايا والمطبوعات وإذاعة أسمائهم والرد على تساؤلاتهم والعمل على حل مشاكلهم، وتخصص لذلك عدداً من البرامج، إلى جانب الإيحاء الدائم باتساع حجم الاستماع والاهتمام من قبل المستمعين العرب في مصر والمغرب والعراق وتونس والجزائر وسوريا والسعودية واليمن.
سابعاً: على الرغم من أن هذه المحطات توجه برامجها إلى كافة بلاد العالم العربي.. إلا أن مصر على وجه الخصوص تحظى باهتمام متميز وتستهدف على نحو خاص، وهذا ما يفسره عدد البرامج الدرامية المعدة خصيصاً باللهجة العامية المصرية ( تحطمت القيود ) والتي تضع أمام المستمعين طريقاً وحيداً للخلاص من كل مشكلاتهم النفسية والاجتماعية، هو اعتناق المسيحية والإيمان بالمسيح.
ثامناً: تحرص هذه الإذاعات جميعها على عدم التوجه بالخطاب إلى فئة دينية مُعينة، ومن ثم لا تقول أبداً (أخي المسيحي، أو أخي المسلم... إلخ ) بل تحرص على أن تخاطب جمهوراً عاماً، وأن تبدو طريقاً للهداية وسبباً لإبعاد الشر.
تاسعاً: لا تقتصر هذه المحطات في برامجها على مجرد الحديث عن المسيح وصفاته ومعجزاته، أو تزيين المسيحية والدعوة إلى اعتناقها، بل تقدم ذلك من خلال مقارنات ( تلمح) فيها إلى فساد العقائد الأخرى، ومن ثم لا تخلو هذه البرامج من التهكم على الإسلام والقرآن بالتلميح تارة والتصريح في أحيان أخرى.
عاشراً: تعمل إذاعات صوت الغفران وساعة الإصلاح ونداء الرجاء مع إذاعة حول العالم وفق خطة برامجية متناسقة بحيث تكمل كل محطة منها دور الأخرى، ومن ثم فإنها تتبادل البرامج فيما بينها وتضع كل منها إمكاناتها في خدمة الأخرى.
حادي عشر: على الرغم من الإمكانات المادية الهائلة التي تمتلكها هذه الإذاعات، إلا أنها لم تزل تفتقر إلى الجوانب الفنية والحرفية في مجال إعداد البرامج وتنفيذها.
ثاني عشر: عنيت إذاعتا (حول العالم ) و(صوت الغفران) عناية خاصة بالتصدي لما أسمته هجوماً على المسيحية، لتتخذ من ذلك ذريعة للهجوم على الإسلام.
ثالث عشر: حرصت إذاعة (حول العالم ) أن تخصص برامج موجهة للفئات على أساس الجنس والعمر، فخصصت برامج للمرأة وأخرى للشباب، وبذلك تخاطب جمهوراً خاصاً وجمهوراً عاماً في آن واحد.
رابع عشر: تنفرد إذاعة (صوت الغفران ) بتقليد تلاوة القرآن الكريم في ترديد نصوص مسيحية، يصعب على المستمع العادي ( من الأميين وأنصاف المثقفين ) التفرقة بين ما إذا كان ذلك قرآناً أم نصوصاً مسيحية.
خامس عشر: تحرص إذاعة (صوت الغفران) على الإشارة إلى نماذج لشخصيات ارتدت عن (دينها السابق) واعتنقت المسيحية، وتقوم بتقديم هذه الشخصيات وإجراء الحوارات معها، فضلاً عن إذاعة أسماء العديد من المسلمين ضمن برامجها، مع التأكيد على تلبية رغباتهم في إرسال كتب ومطبوعات وأشرطة وصور للمسيح !!
سادس عشر: باستثناء إذاعة راديو الفاتيكان، فإن بقية الإذاعات التنصيرية تحرص حرصاً بالغاً على سرية عملها، ومن ثم فإنها تتخفى وراء عناوين هي مجرد أرقام لصناديق بريد في عدد من دول العالم، ترفض الإجابة عن أي سؤال يتعلق بأهدافها أو تحويلها أو الأماكن التي تبث منها برامجها... إلخ.
سابع عشر: توجد مئات من هذه الإذاعات التنصيرية الموجهة إلى العديد من بلاد العالم بمختلف اللغات، ويتزايد نشاطها في المناطق التي توجد بها كثافة سكانية من المسلمين، وكذا المناطق الوثنية في إفريقيا وآسيا.
ثامن عشر: تعمل هذه المحطات الإذاعية في إطار مخطط متكامل للتنصير، تسانده مؤسسات ومنظمات دولية، تملك قدرات وإمكانيات مادية وبشرية هائلة، ومن ثم تستخدم كافة وسائل الاتصال الشخصي المتمثل في الوعظ والخدمات الاجتماعية والتعليمية، فضلاً عن وسائل الاتصال الجماهيري على اختلاف أنواعها من مطبوعات وإذاعات وأشرطة وأفلام... إلخ.
ومع ذلك تظل الإذاعة بالراديو – حتى الآن – هي أهم هذه الوسائل التي يعول عليها كثيراً في هذا المجال.
تاسع عشر: تعمل الإذاعات التنصيرية في العالم، بتنسيق كامل مع المؤسسات الأخر وتفيد من خدماتها خاصة في مجال البحوث والدراسات والتدريب.
عشرون: إن الحرص على استخدام الإذاعة بالراديو على هذا النحو في مجال التنصير، وظهور محطات تلفزيون لهذا الغرض (أمكن التقاط بثها في بعض البلاد العربية ) يعني أن محطات تلفزيون تنصيرية سوف تعمل إلى جانب الإذاعية بالراديو في القريب العاجل، سوف تفيد هذه المحطات فائدة كبرى من إمكانيات الأقمار الصناعية في البث إلى مسافات بعيدة فضلاً عن البث المباشر من هذه الأقمار والذي أضحى وشيكاً هو الآخر.
يمكن التواصل مع المؤلف العنوان التالي:
[email protected]
من داخل مصر :0123552410 ومن خارج مصر 0020123552410
(1) نقلاً عن لقاء قام به أحد الصحفيين مع عماد المهدي.
انظر مجلة الإصلاح - العدد 110 بتاريخ 10 رجب 1407 هـ.
(2) من أعمال المؤتمر التنصيري في القاهرة عام 1906 م – انظر: أ. ل. شاتيليه – الغارة على العالم الإسلامي – مصدر سابق – ص 20-21.
(3) إبراهيم عكاشة: ملامح عن النشاط التنصيري في الوطن العربي مصدر سابق ص 32-33-46.
(4) حسن مكي محمد: التبشير في العاصمة المثلثة – الخرطوم – الدار الوطنية للطباعة والنشر عام (1983م، ص7.
(5) عماد الدين خليل: مأساتنا في إفريقيا – بيروت – مؤسسة الرسالة عام 1987م (ص 291).
(6) مجلة البلاغ – العدد 414 بتاريخ 17/7/1977م، مقال بعنوان (أنقذوا عيدي أمين ).
(7) الإرسالية: تعني جماعة من المنصرين يقومون بنشر المسيحية في إقليم معين، وتضم الإرسالية عادة عدة مراكز يختص كل منهم بالعمل في مدينة معينة يطلق عليها (المركز التبشيري) أو ( مركز التبشير) كما توجد مراكز فرعية على مستوى القرى.
والمبدأ العام لمفهوم التنصير هو قيام الإرساليات بتنصير منطقة معينة وإنشاء كنيسة وطنية تؤول رعايتها تدريجياً للسكان الوطنيين الذين يتولون بدورهم مهام التنصير (انظر: إبراهيم عكاشة )، (التبشير النصراني في جنوب السودان) وادي النيل – مصدر سابق – ص 24، 25.
(8) إبراهيم عكاشة: ملامح عن النشاط التنصيرية في الوطن العربي – مرجع سابق.
(9) المرجع السابق، كرم شلبي: ص 52.
(10) ا لمرجع السابق ص 63.
(11) د/سهير عبد الغني بركات: الإذاعة الدولية – دراسة مقارنة لنظمها وفلسفاتها – الكويت – مؤسسة علي جراح الصباح ) 1978 م (ص 77-78).
(12) د/ جيهان أحمد رشتى: الإعلام الدولي بالراديو والتلفزيون – القاهرة – دار الفكر العربي، 1979م (ص 194).
(13) Jines Clarance. radio: the new Missonary, chiicago, Mody bress. 1964 p.p 409
(14) د/ جيهان أحمد رشيي: الإعلام الدولي بالراديو والتلفزيون – القاهرة – دار الفكر العربي – 1979، (ص194).
(15) عماد الدين خليل (مأساتنا في أفريقيا).
(16) المرجع السابق ص (86)
(17) المصدر السابق، ص (138).
(18) المرجع السابق ص (191).
القلب الحزين
12-12-2013, 03:42 PM
وثيقة في زماننا هذا وعلاقات الكنيسة بالإسلام
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1200609287benedict-vi-wp.jpgبقلم دكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
عقب المحاضرة الشهيرة التي ألقاها البابا بنديكت السادس عشر في راتسبون، والتي سب فيها الإسلام بوضوح وتعمّد، تم رفع وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني (1965) المعروفة باسم "في زماننا هذا" وإشهارها كالراية في مختلف الصحف، حتى في الفاتيكان نفسه، لتهدئة النفوس وإثبات "الاحترام" الذي يكنه الفاتيكان للمسلمين !
وفى واقع الأمر، إن القليل من الناس هم الذين يعرفون نص هذه الوثيقة، خاصة الجزء المتعلق بالإسلام. لذلك رأينا أنه من المفيد وضع هذا النص تحت الضوء، لنراه عن قرب ونوضح للجميع الموقف المزدوج للمسؤلين عن الكنيسة الكاثوليكية الرسولية الرومية ... ويمتد نص الوثيقة في حد ذاته على أربع صفحات، والبند الثالث المتعلق بالمسلمين، يتضمن فقرتين من سبعة عشر سطرا، نصها كما يلي :
الديانة الإسلامية :
3 – " إن الكنيسة تنظر أيضا بعين الاعتبار إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد، الحي القيوم، الرحمن القدير، خالق السماء والأرض، الذي تحدث إلى البشر. إنهم يحاولون الخضوع بكل قواهم لقرارات الله، حتى وإن كانت مخفية، مثلما خضع إبراهيم لله والذي يتخذه الإيمان الإسلامي طواعية مثلا له. وعلى الرغم من أنهم لا يعترفون بيسوع كإله، فهم يبجلونه كنبي؛ ويوقرون أمه العذراء، مريم، وأحيانا يتوسلون إليها بتضرع. كما أنهم ينتظرون يوم الحساب، الذي سيجازى فيه الله البشر بعد بعثهم، وهم يقدرون الأخلاق، ويقدمون عبادة ما لله خاصةً بالصلاة، والزكاة والصوم.
"وإذا ما كانت عبر القرون قد اندلع العديد من الخلافات والعداوات بين المسيحيين والمسلمين، فإن المجمع يهيب بهم جميعا نسيان الماضي وأن يجتهدوا بإخلاص في محاولة للفهم المتبادل، وأن يقوموا معا بحماية ونشر العدل الإجتماعى، والقيم الأخلاقية، والسلام والحرية، من أجل كافة البشر " (صفحة 29).
وما من إنسان يجهل أن مجمع الفاتيكان الثاني يمثل أهم الأحداث قاطبة بالنسبة للكنيسة في القرن العشرين. فعلى العكس من كافة المجامع السابقة، التي كان يتم عقدها لتدارس المشكلات الحقيقية التي تمثل أخطارا على نفس الكيان الكنسي، بما أنها بكلها عبارة عن تهديدات لاهوتية ناجمة من داخل الكنيسة أومن خارجها، فإن المجمع الفاتيكاني الثاني يعد أول مجمع هجومي في تاريخ الكنيسة، إذ أنه قرر علنا تنصير العالم بقرار لا رجعة فيه. ومن بين الخمسة عشر وثيقة التي أصدرها المجمع بين 1964 و1965، فإن وثيقة "في زماننا هذا" التي تعنينا هنا قد تم التوقيع عليها في 28 /10/1965 . والنص النهائي للوثيقة وكل محاضر الجلسات والتعليق عليها موجودة في الكتاب الصادر عن دار نشر دى سير (du Cerf)، سنة 1966، تحت عنوان : مجمع الفاتيكان الثاني وعلاقات الكنيسة مع الديانات غير المسيحية، وهو يمثل جزءاً من المجموعة الكنسية برقم 61. والكتاب يتكون من 335 صفحة، ومقسّم إلى ثلاثة أجزاء بخلاف الملحقات. والجزء المتعلق بالإسلام يحتل الصفحات من 200 إلى 236 . وقد قام بصياغته القس روبير كاسبار، أستاذ "علم اللاهوت الإسلامي" بالمعهد البابوي للدراسات العربية في روما، ومستشار السكتارية الخاصة بغير المسيحيين. وأثناء انعقاد المؤتمر كان عضواً في اللجنة الفرعية الخاصة بالإسلام.
وعند قراءة الست وثلاثين صفحة المتعلقة بصياغة النص، لا يمكن للقارىء ألا يشعر بالاشمئزاز والقرف بالنسبة لذلك الموقف المتعنت وغير الأمين لهؤلاء الآباء الأجلاء، الذين تفننوا في استبعاد الإسلام كديانة توحيدية، أتت لتصويب ما تم في الرسالتين السابقتين من تحريف وانحراف. ويبدأ الأب كاسبار بتوضيح الجو العام الذي دارت فيه هذه الجلسات، قائلا: "لا بد لي من الاعتراف أولا بأن الديانات غير المسيحية تحتل مكانة ضئيلة في اهتمامات هؤلاء الأساقفة والمؤسسات المعنية (...)، وأساقفة البلدان التي بدأت الإرساليات يتحدثون كثيراً عن المشكلات التي تصادفهم في التبشير، وقليلاً ما يذكرون الديانات غير المسيحية كديانات، ولا شيء تقريباً يقال عن الإسلام. والمرء يدهش من ملاحظة الصمت المطبق للكنائس الشرقية حول هذا الموضوع الذي يواجهونه يومياً(صفحات 201 و202 ). ومن المؤسف رؤية أن التعنت الوحيد لهؤلاء الآباء الأجلاء هو الاهتمام بتدارس كيفية تنصير العالم، رغم تلك اللافتة المعلنة عاليا والمنادية بحرية العقيدة !
من ناحية أخرى، لا نرى ضرورة لفتح هامش نوضح فيه الموقف المثير للاشمئزاز لهؤلاء الآباء الأجلاء، وخاصة موقف الذين يمثلون الكنائس الشرقية، أي الأقليات المسيحية التي تعيش بين المسلمين، وعدم أمانتهم تجاه البلدان التي يعيشون فيها، فالنص شديد الوضوح...
ويبدأ الأب كاسبار بتلخيص مختلف وجهات النظر التي لاحت منذ أولى الحوارات، والتي يلخصها في نقطتين، لا بد من أخذهما في الاعتبار : " أن الإسلام عبارة عن شرّمطلق لا بد من دحضه، وخطر بالنسبة للكنيسة لا بد من محاربته. والثانية، ترى في الإسلام بصيص من النور لبعض الحقائق والتشابهات مع المسيحية والتي يجب تنميتها "( صفة 202 )، ( الخطوط من وضعنا في النص كله). وأن البطريارك مكسيموس هو الذي أسدى ملاحظة "أنه لا يمكن التحدث عن اليهود دون التحدث عن الديانات الأخرى وخاصة الإسلام" (صفحة 203 ). وهنا تجدر الإشارة إلى أن واحداً من أهم الأسباب التي دعت إلى اجتماع هذا المجمع هو التنازلات غير المسبوقة التي تمت لليهود أو التي تم فرضها على الكنيسة، رغم مخالفتها الشديدة للنصوص، وتدارس كيفية جعل الأتباع يبتلعونها ! واختصاراً، فإن المحاولات الأولى المتعلقة بالإسلام تم اتخاذها في دورة 1964، لإدخال فقرة حول المسلمين في نص البيان.
وكان النص المبدئي يتضمن العبارة التالية : " وليسوا غرباء أيضا عنالتنزيل الذي تم على الآباء، أبناء إسماعيل، الذين يعترفون بإبراهيم كأب لهم،ويؤمنون بإله إبراهيم". وكانت هناك ملحوظة توضح أن" أبناء إسماعيل " هم المسلمون... إلا أن التصويت على النص الذي كان يتضمن عبارة " أبناءإسماعيل" قد قوبل باعتراض شديد. ويوضح الأب كاسبار ذلك قائلا : " ما الذي حدث ؟ من بحث تعليقات التصويت تبيّن أن النص المقترح، رغم اعتداله ( ليسواغرباء عن التنزيل الذي تم على الآباء" يمكنه أن يستبق الحكم في حل مسائل صعبة ومثار جدل شديد، من قبيل الانتساب التاريخي للعرب لإسماعيل، وخاصة ربط الإسلام بالتنزيل الإنجيلى " (صفحة 205). وهو ما يؤكد عدم الأمانة المتعمّد.
وبعد مداولات ممتدة، وإقتراعات وإستبعادات، يوضح الأب كاسبار أن النص الأصلي المكوّن من بضعة أسطر، والخاص بالمسلمين، قد تمت زيادته بشكل ملحوظ : " فهو يستخلص الخطوط الرئيسية لعبادة المسلمين ويدعو إلى نسيان خلافات الماضي، وإلى الحوار والتعاون بين المسيحيين والمسلمين لصالح الإنسانية العام" (صفحة 206). وقد تم التصويت عليه بعدد 1910 موافقون و189 معترضون.
وفى الجزء الثاني من نصه التفسيري، يتحدث الأب كاسبار عن المكانة التي يحتلها الإسلام في تاريخ الخلاص، موضحا كيف يقوم البيان بوضع الإسلام بين الديانات الكبرىالأسيوية التي تولدت بعيدا عن المسيحية (...). والبيان لا يقول شيئا حول الوضع الديني للإسلام بالنسبة للتنزيل اليهودي-المسيحي (...) وقد أوضحنا أن المجمع كان قد استبعد الصياغة الأولى للبيان والتي كانت تشير بشكل طفيف إلى صلة بين " التنزيل الذي تم على الآباء " والإسلام (صفحة 213 ). وبتفاديه اتخاذ أي موقف حول هذه المسألة، فإن النص يضع الإسلام في الصفالأول للديانات التوحيدية غير اليهودية-المسيحية. ويواصل الأب الكريم مضيفا : " من المهم أننرىجيدا ما الذي يود المجمع أن يقوله، وما الذي لا يريد قوله والأسباب التي دعته إلى ذلك " ! (نفس الصفحة السابقة).
وفى الجزء الثاني من النص الذي كتبه الأب كاسبار، يتحدث فيه عن التوحيد الإسلامي ويقوم بنوع من شرح النص الرسمي، وكيفية اختيار الكلمات للنص النهائي للوثيقة. ومن المحبط والمثير للاستفزاز أن نرى كيف تم اختيار كل كلمة بريبة وبحرص شديدين، وكيف تم اختيار أسماء الله – في تلك الوثيقة، بلؤم ومكر، إذ يقول الأب كاسبار : " وهكذا قام المجمع بوصف إله الإسلام باختيار الملامح الأساسية للإيمان الإسلامي والشبيهة لما هووارد في المسيحية. فأسماء أخرى كان يمكن أن تؤكد الخلافات بدلا من التشابهات" (صفحة 219).
وفى مواصلة شرحه هذا، يلفت الأب كاسبار النظر إلى أن الوثيقة : "تضع إبراهيم لا كجد في سلسلة نسب العرب المسلمين، وإنما تضعه كنموذج للإيمان الإسلامي لخضوعه لإرادة الله " (صفحة 221).
وإذا ما قام القارئ باسترجاع نص تلك الوثيقة فيما يتعلق بالمسلمين، ويمكنه الرجوع إلى الصفحة الأولى من هذا المقال، سيلحظ النقاط التالية :
·أن كلمة " إسلام " غير واردة بهذا النص.
·أن الكنيسة تنظر أيضا بعين الاعتبار إلى المسلمين، فلا تشير إليهم على أنهم أتباع الرسالة التوحيدية الثالثة، وإنما تنظر إليهم فحسب بعين الاعتبار !
·أن الإله الذي يعبده المسلمون " قد تحدث إلى البشر"، أي أنه لم يتحدث تحديدا إلى سيدنا محمد !
·الإصرار المتعمّد لاستبعاد النسب التاريخي للمسلمين إلى سيدنا إسماعيل. وهنا لا يمكننا إلا أن نتساءل: هل اختفى نص العهد القديم من الوجود، لذلك لم يتمكن هؤلاء الآباء المساكين المجتمعينلصياغة ذلك البيان، ولا يعرفون تاريخ المسيحية بالنسبة لقرابتها وعلاقتها في سلسلة النسب مع الإسلام والمسلمين ؟! ومع ذلك فالتاريخ المعاش، ثابت بكل وضوح في الوثائق والنصوص !
·أن الإيمان الإسلامي يتخذ سيدنا إبراهيم كنموذج، يتخذه مثلا طواعية ولا ينتسب إليه ! ومن العار أن نرى مواصلة ذلك التعنت بلا خجل !
·السعي الحثيث لاستبعاد الإسلام من النص الإنجيلي رغم كل الإشارات التي لا تزال في الكتاب المقدس بعهديه، حتى بعد كل ما أصابه من تعديلات وتغييرات متعددة، لكي لا نقول تحريفات، وهو ما أثبته بجدارة رجل القانون الأمريكي جوزيف هويلس، في كتابه المعنون : التحريف في المسيحية.
·عملية التزوير في التاريخ ووضع الإسلام بين الديانات الكبرى الأسيويةالتي تولدتبعيداً عن المسيحية! إن المغالطة من الوضوح بحيث إن أي شخص ملم بجزء ولو ضئيل من المعلومات التاريخية سيدرك التحريف.. وإذا كان هؤلاء الآباء البؤساء لا يعرفون الفرق جغرافيا بين آسيا وبلاد العرب وفلسطين، فما الذي يمكننا أن نتوقعه من أمثالهم ؟ !
من الجارح والمخيّب للآمال أن نرى كل ذلك التصلّب لهؤلاء الآباء الأجلاء، وإصرارهم على التزوير وتغيير الحقائق التاريخية، وخاصة الاعتماد على هذا التزوير لإصدار أحكام، ووضع توجيهات للتصرف أو فرض قرارات بعينها ! ومن المفزع أن نراهم يجمعون على قول " إن المسلمين يقدرون الحياةالأخلاقية " ! ولو كان هؤلاء الأجلاء قد سألوا عن المضمون الحقيقي للقرآن فيما يتعلق بالأخلاق، لأتاهم كرد مفعم رسالة الدكتوراه المكوّن’ من 770 صفحة والتي تمت مناقشتها في السوربون سنة 1952، والتي تقدم بها الدكتور محمد عبد الله دراز، تحت عنوان " الأخلاق فيالقرآن ". وذلك ليروا إلى أي مدى الأخلاق لا تمثل فحسب جزءا لا يتجزأ من القرآن، وإنما هي واحدة من أهم دعائمه التي تنظم حياة المسلم في كافة المجالات، حتى في المجال الحربي : حيث لا يحق للمسلم أن يبدأ بالاعتداء ولكن بالرد فقط وبيقدر الاعتداء نفسه . والنصوص موجودة لكل من يود معرفة الحقائق بلا إلتواءات. فمن السخرية أن نطالع مجرد "أن المسلمين يقدرون الأخلاق" !
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
12-12-2013, 03:43 PM
يتبـــــــــع الموضوع السابق
وثيقة في زماننا هذا وعلاقات الكنيسة بالإسلام
أما فيما يتعلق "بالخلافات والعداوات " التي اندلعت بين المسيحيين والمسلمين، فمن الثابت في وثائق ونصوص المؤرخين المسيحيين أن الإسلام قد تمت محاربته منذ بداية انتشاره على أنه "هرطقة" من الهرطقات التي كانت ترفض تأليه يسوع. ومنذ أولى الأيام قام الكتّاب المسيحيون بوصف الإسلام بأقذع وأحط الأوصاف. ففي النصف الأول من القرن الثامن قاميوحنا الدمشقيبتشبيه الإسلام بحركة هرطقية شديدة القرب من الأريوسية – والأسقف أريوس كان من الذين يرفضون تأليه يسوع وشلحته الكنيسة. وفى منتصف القرن التالي نطالع في حوليات تيوفان قوله : "أنه في عام 622 توفى نبي مزيف من سلالة إسماعيل" (وارد في كتاب فيليب سيناك : صورة الآخر صفحة 30). ونطالع في صفحة 97 من نفس الكتاب : " ومنذ ذلك الوقت لن يذكر اسم نبي الإسلام إلا مقروناً بالمسيح الدجال. وفى منتصف القرن الثاني عشر، قال القديس برنار الذي كان يحث على الحرب الصليبية الثانية أن نهاية المسيح الدجال قد اقتربت وان المسلمين الذين يتهددون القدس ليسوا سوى أولياء الظلمات وقد اجتمعوا من أجل نهايتهم المحتومة ". ومن المحزن، للأسف، أن نرى القديسين يسقطون في هاوية التزوير والتحريف للتاريخ. وعلى أي حال فهذا القديس لم يكن وحده هو الذي انجرف إلى هاوية التحريف والتزوير التي تتواصل حتى يومنا هذا بهوسٍِِ أكثر تسلطاً !
وهل لنا أن نضيف ما قاله الأب كاسبا في صفحة 209، بعد أن استعرض العداوات والخلافات التبريرية المسيحية، من " أنه طوال القرنين الماضيين (والنص مكتوب في سنة 1965 ) قام الغرب المسيحي بالهجوم والاعتداء على البلدان الإسلامية باستعمارها أو بوضعها تحت الحماية (...) والمسيحيون الذين يعيشون وسط المسلمين، ولو في تداخل جزئي، تبيّن أنهم غير قادرين على إدراك ما يكوّن جوهر وعظمة الإسلام، وهى: التصعيد المطلق لله الواحد. وكان الوضع في الغرب المسيحي أسوأ . فلمدة قرون طويلة سيكتفي الغرب بنشر أسوأ وأحط الأحكام على الإسلام ونبيه، دون حتى أن يكلفوا أنفسهم بتبيين حقائق ذلك المذهب". ولا جدوى من إضافة هنا أن حتى البابا بنديكت السادس عشر لم يتمكن من إدراك عظمة التصعيد المطلق لله الواحد الأحد في الإسلام، ووجد أنه أمر لا يتفق مع العقل والمنطق !!!
وهنا لا يسعنا إلا أن نتساءل لماذا إيقاد كل ذلك الحقد والكراهية ضد الإسلام والمسلمين والإصرار على المحافظة عليه ؟! لماذا ذلك الوجه المزدوج أو التعامل بوجهين، خاصة حينما نقارنها مع التنازلات التي قدمها الفاتيكان لليهود ؟! بل وما الذي يمكن قوله عن ذلك الإصرار على اقتلاع الإسلام كديانة توحيدية وبكل تلك الضراوة ؟ ومع ذلك فالتاريخ شديد البساطة والوضوح رغم كل عمليات التحريف تلك.
فإذا ما استبعدنا كافة التفاصيل لنتخطى الزمن لتناول تاريخ رسالة التوحيد في بضعة كلمات سنجد: أن رسالة التوحيد نزلت على موسى النبي عليه الصلاة والسلام، ثم عاد اليهود إلى العجل وقتل الأنبياء. فأُنزلت رسالة التوحيد على عيسى النبي عليه الصلاة والسلام موضحا أنه لم يرسل إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة (متى 15 : 24). وفى مطلع القرن الرابع، في سنة 325، قام المتحكمون في الكنيسة الكاتوليكية بتأليه يسوع، ثم بعمل عقيدة الثالوث وفرضوها غير عابئين بالنصوص والحقائق التاريخية، واقعين بذلك في هاوية الشرك بالله. لذلك تم تبليغ الرسالة لثالث مرة على النبي محمد عليه الصلاة والسلام. وكانت رسالته لا من أجل إرجاع الخراف الضالة في الرسالتين السابقتين إلى التوحيد فحسب وإنما للعالمين، ليسيروا على الصراط المستقيم الحق وعبادة الله الواحد الأحد. وهو ما نطالعه بوضوح في نص شهادة الإسلام: " لا إله إلا الله "، لا أشخاص مؤلهة ولا ثالوث يشرك بالله . وهذا هو ما يؤكد بوضوح التصعيد المطلق لله الواحد الأحد، الله الذي ليس كمثله شيء.
وعلى عكس ما تقوله وثيقة الفاتيكان الشهيرة حول "أحكام الله المخفية" في الإسلام، فإن وضوح الأحكام الإلهية الإسلامية، التي تم الحفاظ عليها سالمة بدقة وحرص شديدين، ترجع إلى أنه لا توجد معميات مفروضة بظلمات أيا كانت، لا يوجد إيمان بألوهية المسيح، لا يوجد تاريخ تم " توضيبه " وفقا للأهواء بعد تغييره وتحريفه، لا يوجد مسيحا ولا وساطة منسوجة بين الله والبشر، لا يوجد خلاص على يد أحد وكلها بدع مختلقة ! لا يوجد في الإسلام أي شيء من هذه الأحابيل الكنسية. لا يوجد سوى اختيار واضح بين الخير والشر، بين الحلال والحرام، بين الصراط المستقيم وصراط معوجّ ملتوي. أنه اختيار متواصل على كل إنسان أن يقوم به وهو ما يضعه وحده أمام الله، ولا شيء معه سوى أعماله التي قام بها في الدنيا والتي اختارها طواعية ليجزيه الله في يوم الحساب. ذلك هو الإسلام.
إن هذا الوضوح البسيط للأحكام الإلهية في الإسلام، وهذه النزعة الإنسانية العميقة والعادلة، هي التي جعلت أنه على مدى أثنى عشرة سنة انتشر الإسلام فيما بين النهرين وفلسطين وسوريا ومصر، مخلّصا شعوبها من الاضطهاد المتعصب، بفضل الإسلام والمسلمين, وهو ما يؤكد ويضفى مصداقية واضحة على ظاهرة انتشار الإسلام، وهى من الظواهر الأكثر وضوحا والأكثر تأثيرا على العالم، منذ مطلع القرن السابع وحتى يومنا هذا.
وإذا انتقلنا بإيجاز شديد إلى تاريخ النصوص، ما الذي سنراه وفقا للأبحاث الحديثة خاصة ؟ أن النصوص العبرية قد احترقت مع المعبد قبل الميلاد بخمسة قرون، ثم قام عزرا بكتابتها من الذاكرة بعد ذلك بقرنين أو ثلاثة، ولم تنته صياغتها إلا في القرن العاشر الميلادي ! ونصوص العهد الجديد قد تمت صياغتها في أواخر القرن الميلادي الثاني، بأقلام كتبة مجهولون وليست الأسماء التي هي معروفة بتاتاً . ثم قام القديس جيروم بصياغتها من بين أكثر من خمسين إنجيلا. والخطاب/المقدمة الذي يوجهه للبابا داماز، الذي طلب منه القيام بذلك العمل، لأكبر دليل على التحريف والتلاعب الذي تم في نصوص العهد الجديد (راجع طبعة البنديكتين سنة 1693 ) ! وعلى أي حال فلم يكن بلا سبب أن تقوم الموسوعة البريطانية بقول أن هناك 150,000 خطأ ترجمة وتناقض وعدم توافق في الأحداث. وقد قام العلماء حديثا برفع هذا الرقم إلى الضعف بفضل الأبحاث التي أجروها. وفى واقع الأمر، لا توجد أي وثيقة واحدة أصلية لا بلغة عيسى عليه السلام ولا من عهده : كل هذه النصوص عبارة عن نصوص منقولة عن نصوص منقولة ومعاد نقلها . وهو ما يجب أن نضيف عليه إعادة تغيير هذه النصوص والعقائد عبر المجامع ومن طبعة إلى أخرى على مر العصور. وعلى العكس من ذلك، فمن الثابت والمعروف لدى الجميع أن النص القرآني هو النص المنزّل الوحيدالذي تم الحفاظ عليه بلا تحريف أو تغيير ولو حرف واحد من حروف ، منذ انزله الله حتى يومنا هذا وسيظل محفوظا إلى يوم الدين ...
وقبل عصر التنوير بكثير، وفى زمن لم يكن أحد بعد يعرف بما يدور في كواليس المؤسسة الكنسية، قام القرآن الكريم بإنكار صَلب يسوع، وبإنكار تأليه يسوع، وبدحض الثالوث، كما قام بكشف مختلف أنواع التلاعب الذي تم في النصوص الإنجيلية. وهو ما تم إثباته قطعا طوال القرن العشرين خاصة، بل ومن قبله .. بحيث أن هذه المعلومات في الغرب باتت من المعلومات الدارجة التي نطالعها في الموسوعات والقواميس، حتى المدرسية منها من أمثال قاموس لاروس الصغير. وهذه الحقائق هي في الواقع التي تثير أحقاد المتحكمين في المؤسسة الكنسية. ونذكر مما أورده القرآن الكريم على سبيل المثال :
·وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ( النساء / 157).
·يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (النساء/171).
·وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة 42).
·فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (البقرة / 59 ).
· أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (البقرة / 75 ).
ومن الملاحظ طوال النص القرآني أن عيسى عليه السلام يطلق عليه : "عيسى بن مريم " لستبعادا لتلك الهرطقة التي تقول أنه "ابن الله" أو"الله نفسه" !
وهنا لا يمكننا إلا أن نتساءل بكل مرارة : ألم تكف ألفا عام من التاريخ المدرج بالدماء والحروب الضارية التي قادتها هذه المؤسسة الفاتيكانية لتفرض نفسها بكل ذلك الطغيان، لكي تفهم أنها ليست على الطريق المستقيم ؟! وبدلا من مواصلة فبركة التحريف والتزوير والغش لتبشير الشعوب، لتنصير الشعوب، خاصة بعد كل تلك الأبحاث الجديدة الجادة والتي عرضنا منها تلك الشذرات الواردة بهذا المقال، أليس أكثر إنسانية وأكثر منطقية أن تترك الناس في حالها وأن تكرس جهودها لاستبعاد كل تلك الآلام التي تغص بها الأرض، وكل هذه الأوبئة، والمجاعات، والأمراض، وكل هذه الكوارث الطبيعية أو المفتعلة، التي تتهدد الحياة على الكرة الأرضية بكلها، دون الإصرار الأعمى على تنصير الشعوب ؟! إن مليارات الدولارات التي تنفق هباء وبعته لتنصير العالم سوف تعاون بلا شك على التخفيف أو تحسين ذلك المصير المأساوي الذي ينتظرنا جميعا ..
وفى النهاية، لا يسعنا إلا العودة إلى تلك الجملة البذيئة والظالمة، لكنها جدّ كاشفة، والتي تصف الإسلام " بأنه عبارة عن خطأ مطلق لا بدمن دحضه، وخطر بالنسبة للكنيسة لا بد من محاربته "، لنسأل تلك المؤسسة الفاتيكانية، بكل صدق وموضوعية، أي الديانتين يعد خطأ مطلق بالنسبة للدنيا : تلك المسيحية الفاتيكانية المتعنتة، المتصلبة الرأي، والتي تم اختلاقها تلفيقا عبر المجامع على مر العصور، أم الإسلام، الذي لم يهن عليكم حتى ذكر أو كتابة اسمه في تلك الوثيقة، والذي لم تكفّوا عن محاربته بضراوة وعدم أمانة لا مثيل لهما ؟!
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذ الحضارة الفرنسية
يمكن مراسلة المؤلفة :
[email protected]
القلب الحزين
12-12-2013, 03:50 PM
الفاتيكان وعصر التنوير
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1199737735300px-rome_vatican_museums.jpg
صورة لمتحف الفاتيكان
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
تساءل العديد من القراء عما جاء فى مقال " خطاب ال138 والفاتيكان " ومطلب البابا بنديكت السادس عشر بأنه "يتعين على المسلمين أن يسلكوا الطريق الذى سلكته وأتمته الكنيسة الكاثوليكية تحت ضغوط عصر التنوير"، وعبارته الأخرى والأكثر وضوحا: " أن العالم الإسلامى يجد نفسه اليوم فى حاجة ملحّة أمام مهمة شديدة الشبه بتلك التى تم فرضها على المسيحيين إبتداء من عصر التنوير، والتى أتى لها مجمع الفاتيكان الثانى بحلول جذرية للكنيسة الكاثوليكية بعد أبحاث طويلة مضنية"..
لذلك سنتناول هنا موضوع " الفاتيكان وعصر التنوير" باختصار شديد أو بالقدر الذى يسمح به تناول عدة قرون فى بضعة صفحات !. ومن هنا سينقسم التناول إلى جزئين أساسيين، الفاتيكان كدولة وكرسى بابوى، ثم عصر التنوير، وتسبقه نبذة عن عصر الظلمات الذى كان سببا فى إنطلاقة وإستمرار عصر التنوير..
1 ـ الفاتيكان:
ينقسم مسمى الفاتيكان إلى جزئين: مدينة دولة الفاتيكان، ويمكن تشبيهه بالبنتاجون، من حيث أن له قوانينه الغامضة، المقلقة على الأقل كنظام دولة لا دولة له، وكل الذين ينتمون إليه يميلون إلى الحذر والإبهام.. فدولة مدينة الفاتيكان هذه تنعم بوضع دولى لا مثيل له فى العالم، من حيث تاريخها المثقل بالدماء عبر القرون، ومن حيث حداثة ميلادها كدولة، إذ تم إنشاؤها فى 11/2/1929 ! وذلك بناء على معاهدة لاتران التى حددت مكانها ومساحتها فى تلك الهكتارات الأربعة وأربعين، على أحد تلال روما السبعة والمسمى فاتيكانوس، ومنه اسم الفاتيكان. فهى ليست دولة بمعنى الكلمة، وإنما هو وضع يسمح للمؤسسة الكنسية بالتدخل فى الشؤن الدولية ! لكن ما من أحد يعترض على عدم المشروعية هذه، والجميع يغضون الطرف !
و المسمى الآخر، وهو: الكرسى الرسولى أو البابوى، نسبة إلى بولس الرسول، و يترأس إدارة الشؤن الدينية المتعلقة بالكنيسة الكاثوليكية فى العالم. والإثنان، مدينة دولة الفاتيكان والكرسى الرسولى يترأسهما البابا ! وهو ما يكشف عن مدى إستمرار تمسك البابوية بالسلطة المدنية أو الدنيوية، التي انسحبت منها، على الأقل اسما، بموجب معاهدة لاتران عام 1929.
وترجع هذه التقسيمة أو تحديد مساحة الفاتيكان، وكانت تسمى قبل ذلك "الممالك البابوية "، إلى الوضع التاريخي، إذ كانت تلك الممالك تضم مساحات شاسعة، استحوذ عليها البابوات على مر التاريخ، بناء على وثيقة مزوّرة، قام بتزويرها أحد البابوات فى عام 754 م، وتسمى " هبة قسطنطين ".. وتعنى أن الإمبراطور قسطنطين كان قد وهب البابا سيلفستر الأول، عام 335، أى بعد تأليه السيد المسيح بعشرة أعوام.. بما أن البابا خليفة القديس بطرس، فإن له الأولوية على البطرياركات الشرقية التالية: إنطاكيا، والإسكندرية، والقسطنطينية، والقدس. وكذلك الأولوية على كافة أسقفيات العالم. وتشير الوثيقة إلى أن قسطنطين قام بالتنازل للبابا عن قصر لاتران، وهو أكبر وأجمل قصر شيد حتى ذلك الوقت. وتنص على أن بازليكا مدينة لاتران فى روما والتى بناها قسطنطين ستترأس كافة الكنائس حتى كنيستا القديس بطرس والقديس بولس. وهى الكنيسة التى أصبح نيكولا ساركوزى رئيسا فخريا لها يوم الخميس 20 ديسمبر 2007 !!
وتواصل وثيقة "هبة قسطنطين" المزورة تزويد كنيستا بطرس وبولس بممتلكات ثرية. كما وهب الإمبراطور للبابا لقب رئيس أساقفة روما، الذي يمكّنه من إستقبال أعضاء مجلس الشيوخ، وأنه سيحصل على نفس التكريم والمميزات التى يحصل عليها أعضاء مجلس الشيوخ. ومثلها مثل الإمبراطور، فإن كنيسة روما سوف يكون لها الحاشية الخاصة بها، وطاقم الضيافة الخارجى والداخلي، والحرس الداخلي والخارجي. كما سوف ينعم البابا بنفس الحقوق الفخرية والتبجيلية كالإمبراطور، ومن بينها إرتداء التاج الإمبراطورى والرداء القرمزى وإجمالا كافة العلامات والشارات الخاصة بالتمييز الإمبراطوري. أي إن كل الهيلمان البذخى الذى ينعم به قادة تلك المؤسسة مبنى على وثيقة مزورة وهو أبعد ما يكون عن تعاليم السيد المسيح عليه السلام !!
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/119973765311111.jpg
خريطة الفاتيكان
وتضيف الوثيقة أن الإمبراطور قد أضفى على البابا شرف التكريم الذى يحصل عليه الفارس وجواده. كما تضيف الوثيقة أن الإمبراطور قسطنطين قد منح البابا وكل من يخلفونه من بعده إضافة إلى قصر لاتران مدينة روما وكل المقاطعات التى من حولها وكافة مدن إيطاليا وكافة المناطق الغربية للإمبراطورية !
وظل العمل بهذه الوثيقة المزوّرة ساريا ومستخدما إلى أن قام العالِم لورنزو فاللا( L.Valla) وأثبت تزييفها عام 1442. إلا أن المؤسسة الكنسية لم تعترف بتزويرها سوى فى القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من ذلك، لم تتنازل عما استولت عليه زورا وبهتانا. ويمثل البحث الذى أجراه فاللا حجر الأساس لتيار نقد النصوص والوثائق الدينية الذى وصل به القس ريشار سيمون إلى القمة فى القرن السابع عشر.
وظلت هذه "الممالك البابوية" حتى الثورة الفرنسية، عندما تم إرسال الجنرال نابليون بونابارت وإستولى على روما فى 6/2/1798، وطالب البابا بالتنازل عن السلطة المدنية. وتواصل الصراع البابوى للحفاظ على السلطتين حتى تم توحيد إيطاليا وتحديد مقر البابا أيام موسولينى و إنشاء "مدينة دولة الفاتيكان" عام 1929 !.
ولم تكن وثيقة "هبة قسطنطين" Donation of Constantine)) هي الوثيقة االمزوّرة الوحيدة فى تلك المؤسسة الكنسية وإنما هناك عدد لا حصر له من الوثائق المعروف باسم "القرارات المزورة " False Decretals )) والتى أضفوا عليها عبارة " التزوير الورع " خجلا وتمويها Pious Forgery )).. وهو ما يكشف عن الأساس الفاسد وغير الشرعى الذى يرتفع عليه بنيان ذلك الصرح الفاتيكانى..
2 ـ عصر الظلمات:
عصر الظلمات هى تلك الفترة الممتدة فيما بين الإعتراف الرسمى بالمسيحية كديانة وحيدة للإمبراطورية الرومانية، في أواخر القرن الرابع، حتى بدايات عصر التنوير فى القرن السابع عشر، والتي تمت فيها محاربة العلم ومنع التعليم إلا على الكنسيين، بل لقد تم منع الأتباع من قراءة الأناجيل ! ويندرج في هذه الفترة كل ما اعتراها من أحداث خاصة فى القرون الوسطى، كمحاكم التفتيش[/URL] والحروب الدينية والحروب الصليبية، التي تم توجيهها للمسلمين وللمسيحيين المنشقين على كاثوليكية روما، وحرق الناس أحياء و حرق المكتبات والكتب، وخاصة ما يطلقون عليه "عام الخلاص" سنة 1492، الذى تخلص فيه التطرف الكنسى من المسلمين و اليهود فى إسبانيا، ومحارق البروتستانت فى فرنسا وأوروبا.
فلقد تم حرق ثمانية قرون من الثقافة الإسلامية وكتب الترجمة التى قام بها المسلمون من اليونانية والتى تمثل، فى واقع الأمر، القاعدة الثقافية التى قامت عليها أوروبا الجاهلية أو الهمجية آنذاك ! فقد إختفى كل ما كتب من عام 711 إلى عام 1492.. ومما له مغزاه فى علم الأخلاق والتسامح أن يحتفلوا عام 1992 بمرور خمسمائة عام على إقتلاع الإسلام من إسبانيا..
ومن أشهر الوسائل التى استخدمها الفلاسفة والعلماء لمحاربة عصر الظلمات ما يعرف باسم "الكتابات السرية " التي كان يتم تداولها سرا كمخطوطات، بعد ان أطبقت الكنيسة يدها على المطبعة والمطبوعات بالخطب الرسولية ولم يعد من الممكن طباعة أى كتاب إلا بموافقتها ! ومن أشهر هذه الكتابات "وصية الأب جان ميلييه" (J.Mesliers)، و "دراسة الدين " للفيلسوف دى مارسيه Du Marsais))،و"موعظة الخمسون" للفليسوف الأديب الساخر فولتير.
3 ـ عصر التنوير:
عبارة عصر التنوير تعنى إختصارا الحركة الفكرية والثقافية والفلسفية التى سيطرت على أوروبا عامة، وخاصة فى فرنسا، فى القرن الثامن عشر، وإن كانوا يحددونها أساسا فيما بين عام 1685 و 1815. وقد تركزت جهودهم لمحاربة القهر والطغيان الكنسى المتواصل، بل لقد تمخض عن هذا التيار التنويرى عبارة "معاداة الإكليروسية " Anti-clericalism )) التي صارت مذهبا ممتدا حتى يومنا هذا.
ومن أشهر العبارات التى أُطلقت آنذاك، ما قاله الأديب الفرنسى( ةmile Zolaإميل زولا) 1840-1904: " إن الحضارة لن تصل إلى كمالها حتى يسقط آخر حجر من آخر كنيسة على آخر قسيس " (الأناجيل الأربعة، 1899)..
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1199738186200px-emile_zola_2.jpg
صورة للشاعر الفرنسي إميل زولا
وأول ما يجب تحديده هنا هو عدم جواز إطلاق عبارة "عصر التنوير" على أي مجال إسلامي، فالإسلام لم يعرف في حياته "عصر الظلمات" التى مارستها المؤسسة الكنسية لكى يتحرر المسلمون من هذه الوصمة، مثلما يقول البعض أو يطالب بالتنوير فى البلدان الإسلامية !! فقد مارست المؤسسة الكنسية عصر الظلمات بالفعل بينما بدأ الإسلام بفعل أمر " إقرأ "، كما فرض العلم والتعليم ونشره على كل مسلم ومسلمة.
ومن أهم ما أعلنه ديكارت فى فرنسا أن النهضة الفلسفية يجب أن تكون عِلمانية، أي قائمة على العلم والمنطق وبعيدة عن الدين ورجاله، رافضا أن تكون الفلسفة مجرد "خادمة للاهوت" ـ فكثيرا ما تم استخدام الفلاسفة حتى يفلسفوا ويمنطقوا ما لا فلسفة ولا منطق له.. والظروف الخاصة بفرنسا ومركزيتها وكاثوليكية الدولة وعدم التسامح الديني، وموقفها من حركة الإصلاح الدينى ومحاولة إقتلاع البروتستانت، جعلت من الفلسفة فى ذلك البلد فلسفة معادية للكنيسة بصفة عامة، خاصة بعد تقدم العلوم اللغوية ودراسة النصوص الدينية وترجماتها.
وبخلاف التقدم فى العلوم فإن أهم ما اتى به عصر التنوير هو دراسة هذه النصوص الدينية ومقارنة الترجمات التى تمت عن اللغة اليونانية، المكتوب بها كل النصوص الإنجيلية والتراثية، واكتشافهم عمليات التغيير والتبديل والتحريف، وأخطاء الترجمة المتعمدة والتى بُنيت عليها عقائد متعددة، كما قاموا بعمل حصر للتناقضات الواردة بالأناجيل، كالتناقض في موعد ومكان ميلاد يسوع، واختلاف مدة تبشيره، واختلاف شجرة العائلة وإمتداها، وعدد الحواريين، وإختلاف يوم وموعد صلبه وبعثه بين الأناجيل، الخ.. ولا يسع المجال هنا لمزيد من الأمثلة، لكنهم أثبتوا أنها بالآلاف. كما أثبتوا أن التاريخ الكنسي مليء بالأساطير والخرافات، لذلك تضافرت جهود الكثير من العلماء لإعادة صياغته. وهو ما نجم عنه محاولات البحث عن يسوع التاريخى والفصل بينه وبين يسوح الإيمان أو كما تقدمه الكنيسة ! وهو التيار الذى واصل أعماله معهد "ويستار" وندوة عيسى Jesus Seminar)) التي أقيمت في مطلع التسعينات من القرن الماضى بأمريكا وأثبتوا فيها أن 82 %من الأقوال المنسوبه لعيسى لم يتفوه بها، و86 %من الأعمال المنسوبة إليه لم يقم بها !.
ولا تزال أعمالها تتواصل لإثبات صحة الأماكن التى تنقّل بينها.
ويعد القس ريشار سيمون (1638ـ1712) أشهر من إرتبط إسمه بهذا المجال فى فرنسا، إذ أرسى قواعد نقد النصوص الإنجيلية وكيفية إقرار درجة مصداقيتها وأصالتها بعيدا عن أية تأثيرات، بل لعله أول من أثبت أن موسى ليس هو كاتب أو مؤلف الأسفار الخمسة خاصة إنه يتحدث عن وفاته ودفنه !!.. ومن مؤلفات ريشار سيمون: "تاريخ نقد العهد القديم" (1678)، و "تاريخ نقد العهد الجديد" (1689)، و"دراسة ترجمات العهد الجديد" (1690)، و "تعليق على العهد الجديد" (1693). كما قام بالفحص الدقيق للوثائق مشيرا إلى عمليات التعديل والتبديل التى تمت وعدم التوافق التاريخى بين الأحداث المذكورة والأحداث الفعلية.
ومن أهم ما اثبته العلماء الدارسين لنصوص العهد الجديد أن معاداة السامية ترجع إلى الأناجيل وأعمال الرسل وخاصة إلى بولس. وهو ما كانت له آثاره فى القرون التالية. ومع تزايد الإعتراضات البروتستنتية والسوسينية، أتباع سودزينى، اللذين رفضوا تأليه المسيح، وان مريم " أم الله "، و الأسرار الكنسية، وخاصة الإفخارستيا وفكرة أن المناولة أو قطعة البسكويت " تتحول إلى لحم ودم المسيح فعلا وحقا " واستبعدوا أية قيمة للتراث الكنسي. وكان الفيلسوف سْبينوزا (http://quran-m.com/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=924)، منذ عام 1670، قد قام بمهاجمة المعجزات والأسرار ومناقشة مصداقية النصوص ليصل إلى " أن المسيحية ليست سوى ظاهرة تاريخية مرتبطة بحقبة زمانية معينة "..
وتمثل "الموسوعة" الفرنسية وما واكبها من معارك (1751ـ1766) أهم سلاح تم إستخدامه فى عصر التنوير، بتضافر جهود العديد من العلماء والفلاسفة، لنشر العلوم الحديثة للقارىء فى مختلف مجالاتها، والإطاحة بالأفكار المسيحية التى لا يتقبلها العقل وكل ما يفرضه الدين من أساطير ومفاهيم لا علاقة لها بالعقل والمنطق، و خاصة عدم التسامح والاستبداد. مما تولد عنه تيار الإلحاد فى أوروبا والأزمة المعروفة بإسم " أزمة المعتقد ". فالإلحاد لم يكن معروفا فى فرنسا قبل النصف الثانى من القرن السادس عشر. والبنيان السياسى والأخلاقى والدينى فى القرن السابع عشر كان قد تصدع من جراء هذه الأزمة وأدت بالفلاسفة وقطاع كبير من طبقة المثقفين برفضهم كلية للحلول اللهوتية وسلطة الكنيسة.
وهنا لا بد من توضيح أنه يجب الفصل بين معنى عبارتى " مقاومة الإكليروس" و " الإلحاد ": فالأولى تعنى رفض الفكر الكنسي ومحاولة رجال الدين السيطرة على المجتمع، بينما الثانية تعنى إنكار وجود الله.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1199738596250px-the_first_council_of_nicea1.jpg
لوحة تمثل مجمع نيقية الأول
وقبل الربط بين هذه الإشارات التوضيحية و خطاب ال138 مسلما إلى البابا، لا بد من الإشارة إلى المجامع الكنسية فى عجالة، والفرق بين مسمى مجمع عادى، أي ينعقد لرأب أية مشكلة خاصة بالدين والأتباع، وهى تقريبا خاصة بكل كنيسة على حدة، وبين المجامع المسكونية، أي العالمية، بمعنى أنها ملزمة لكافة الكنائس والملوك والرؤساء المسيحيين، بموجب اعتراف الجميع بسيادة بابا روما.
ومن أهم هذه المجامع "مجمع ترانت" الذى بدأ عام 1545 وإمتد إجتماعه 18 عاما على 25 دورة، وتتالى عليه ثلاث بابوات، وتنقل بين ثلاث مدن، وانتهى عام 1563. ومجرد إلقاء نظرة على التواريخ ندرك مواكبته لأية أحداث وأهمها محاربة البروتستنتية. ومن أهم قراراته فرض أن الكتاب المقدس منزل وأن " الله هو المؤلف الوحيد له " ! وأصر على تأكيد الخطيئة الأولى والأسرار السبعة و فرض "حلول المسيح فعلا وحقا" فى الإفخارستيا، كما فرض "أن ممتلكات الكنيسة هى ملكية شخصية لله "!! ورفض مطلب البروتستانت ليكون من حق الجميع الحصول على نسخة من الإنجيل وقراءته بلغة كل شعب.. وهو ما يكشف إلى أى عهد كان محرّما على الأتباع قراءة الأناجيل حتى لا يكتشفوا ما تم بها من تغيير أو متناقضات..
وقد انعقد مجمع الفاتيكان الأول[URL="http://en.wikipedia.org/wiki/Vatican_I"] (1869- 1870) للإحتجاج على تقليص "الممالك البابوية" و إدانة الأخطاء العصرية والعلمانية والتقدم العلمى أوالمطالبة بالحريات وكل ما هو ناجم عن الثورة الفرنسية، كما أقر رئاسة بابا روما على كافة الكنائس، معصوميته من الخطأ بأثر رجعى بما أنه "الممثل الرسمى لله " على الأرض !!.
أما مجمع الفاتيكان الثانى (1963ـ1965) فهو يعد أول مجمع هجومى فى التاريخ ، وجعل "مريم أم ألله " و "أم الفادى "، وبصفتها "أم المنقذ" فهى تساهم فى عملية الفداء مثلها مثل إبنها ! ـ وهو ما يخالف عقيدة أن المنقذ الوحيد لخلاص البشر هو المسيح وفقا للأناجيل، وطالب بمحاصرة الإلحاد، وتجديد الخطاب الدينى، وغرس الإنجيل فى كل بلدان العالم إعتمادا على الغرس الثقافي، واقتلاع اليسار ولاهوت التحرر فى أمريكا اللاتينية، واقتلاع الإسلام !
وترد عبارة تنصير المسلمين بوضوح لا لبس فيه، في قرارات الدورة الخامسة، البند السادس عشر، إذ يقول النص: " إلا أن هدف الخلاص يتضمن أيضا الذين يعترفون بالخالق، ومن بينهم أولا وأساساً المسلمين، الذين بممارستهم إيمان أبراهام، يعبدون معنا الإله الواحد، الرحيم، الذي سيحاكم الناس آخر يوم ".. وهى الجملة التى صيغت عليها وثيقة " فى زماننا هذا "، والتي استبعد فيها الفاتيكان المسلمين من سلالة سيدنا إبراهيم ووضع الإسلام ضمن عقائد جنوب آسيا !!
بعد هذا التحايل على الدين لتبرأة اليهود من دم المسيح وفقا لما يرد فى أكثر من مائة آية، هل سيتم سحب كل هذه الآيات من الأناجيل؟ هل سيتم رفع طريق الآلام من الكنائس ؟ هل سيقال للكاثوليك أن الكنيسة خدعتكم منذ عشر قرون لتدافع عن مصالح دولة غازية مستعمِرة ومغتصبة لأرض فلسطين ؟ هل سيتم الإعتراف لهم بأن المسيحية الكاثوليكية الرومية هى إستمرار للعديد من الوثنيات القديمة ؟ وخاصة هل سيقال لهم أن عقيدتهم قد تم إنشاؤها بعد عام 70 وهدم المعبد، وأن من أنشأها هم اليهود، وأن العهد القديم كُتب فى المدرسة الماسّورية عام 930 م، وأن المسيحيين فى القرن الأول وما بعده لم يكن لديهم أية دراية عن يسوع المصلوب وكانوا يعبدون الإله آتيس ـ بدليل أن مجمع نيقية الأول عام 325 لم يذكر فى عقيدة الإيمان عملية صلب يسوع وإنما ذُكرت فى مجمع خلقيدونيا عام 351 ؟!..
مثل كل هذا التلاعب بالدين مطلوب من المسلمين أن يقوموا به فى الإسلام، وأن يحذفوا ما يشاء البابا بنديكت من القرآن، ويلغوا التوحيد بالله لنعبد معه "ربنا يسوع المسيح " الذى تم تأليهه فى مجمع نيقية عام 325، و " نُحب القريب " الذى أجبرنا على إقتلاع ديننا ونشكره على " الخلاص" منه، وللبابا الحمد !!!
وللعلم: إن القرار السادس من قرارات مجمع الفاتيكان الثاني، في البند الثالث من الفصل الأول يقول: "يسوع المسيح أُرسل إلى العالم كوسيط بين الله والبشر. وبما أنه الله فإن كل الكمال الإلهى يسكن فيه جسديا " ! فهل ذلك هو ما يؤمن به المسلمون، يا أيها الموقعون على أننا نعبد نفس الإله ؟!.
لقد أعلن الكاردينال وولتر كاسبار فى المؤتمر الذى عقدته منظمة سانت إجيديو، وهى أكبر منظمة تبشيرية تابعة للفاتيكان، من 21 إلى 23 أكتوبر، فى المدة بين تقديم ذلك الخطاب المشبوه وإنتظار رد البابا، قائلا: "فيما يتعلق بالمسلمين إن القيام بعمل تفسير وتعديل للقرآن بناء على مواقف تاريخية وثقافية، دون التخلي عن المضمون الأساسي، ليست مسألة مغلقة بل على العكس مفتوحة ومتاحة، وهو نفس رأى البابا قبل وبعد خطابه فى راتسبون ".. وهو ما يعنى ضمناً أن خطابه هناك كان متعمدا مقصوداً، وأن سبّه للإسلام وللنبى عليه صلوات الله كان متعمداً..
والأمر مرفوع إلى كل من يجد فى نفسه بقية من إيمان، في جميع المؤسسات الإسلامية، وكل المسلمين أينما كانوا، للدفاع عن الإسلام.. فلقد تم تحديد موعد لقاء أعضاء "النخبة المختارة"، التى حظيت برضاء الفاتيكان للإجتماع باللجنة الكنسية الموقرة التي ستتدارس معهم كيفية تنفيذ قرارات " قداسة البابا " لعمل تفسير جديد للقرآن بعد تعديله وحذف ما لا يروقه فيه، وذلك فيما بين أواخر فبراير 2008 وأوائل مارس، أي قبل سفر قداسته إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليعلن فى الخطاب الرسمى الذى اختار وحدد أن يلقيه فى "جراوند زيرو"، أى مكان الثلاثة أبراج التى نسفوها فى الحادي عشر من سبتمبر 2001 ليتلفعوا بشرعية دولية لإقتلاع الإسلام، وهو ما يدور حاليا بصورة لايجروء أى إنسان على إنكارها !..
وحسبى الله ونعم الوكيل..
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذ الحضارة الفرنسية
يمكن مراسلة المؤلفة :
[email protected]
القلب الحزين
12-12-2013, 03:51 PM
شبهة حول الإعجاز الغيبي في الكتاب المقدس
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
أولاً: عرض ونقد نصوص الإعجاز الغيبي المزعومة
نص الشبهة
" لا يخفى أن الكتاب المقدس يشتمل على قسم كبير من النبوات التي تمّ أكثرها،والباقي لا بد من أن يتمّ في حينه، وقد سبق الله فأنبأ بفم أنبيائه الكرام بحصول حوادث متعددة من قيام ملوك وسقوط آخرين،وخراب مدن عظيمة،وانقراض أمم شادت لنفسها عزاً باذخاً،ولم تكن لتحلم بما حل بها من الفناء قبل حصوله،
فناحوم النبي تنبأ بصراحة بخراب نينوى قصبة الأشوريين،المدينة العظيمة التي كان ارتفاع أسوارها مئة قدم،ومحيطها ستين ميلا، وعليها ألف وخمس مئة برج،ارتفاع كل منها مئتا قدم في حالة عظمتها، وقد تم هذا حرفياً، وإشعياء وإرميا تنبأا بخراب بابل قصبة الكلدانيين،وهي في حال سمو مجدها وعظمة اقتدارها وزهوها،فلم يمض مئة وستون سنة من تاريخ النبوة حتى خربت بابل العظيمة حسب النبوءة، وقد ذكر هيرودتس وزنفون المؤرخان كيفية خرابها مما يطابق أشد المطابقة ما أنبأ به النبيان، ومن النبوات الكتابية أيضاً نبؤة [الصواب: نبوءة] حزقيال عن مدينة صور حيث نرى الحقائق التالية التي أثبتها وشهد لها التاريخ، في الأصحاح 26 عدد - 8 - يخرب نبوخذ نصر هذه المدينة، وفي العدد - 3 - يقول النبي تقوم دول كثيرة عليها وفي - 4 - تصبح صخرة عارية وفي - 25 - يبسط الصيادون شباكهم على موقعها و- 12 - تلقى أنقاضها في البحر وفي - 14 - ولن تقوم للأبد و- 21 - تقرير وتأكيد زوالها، وبعد نبوة حزقيال بثلاث سنوات حاصر ملك بابل صور مدة 13 سنة حتى استسلمت له وقبلت شروطه - 585 573 ق،م - ولما اقتحمها اكتشف أن سكانها قد هجروها بالسفن إلى جزيرة جديدة في عرض البحر على بُعد نصف ميل من صور،، فقام بتخريب صور كما أشار النبي حزقيال في 26:8، وجاء الاسكندر الكبير، فحاصر المدينة الجديدة العاصية مستخدماً أنقاض القديمة كممر بحري إلى الجديدة بعد 60 متراً واستولى عليها، كما أشار حزقيال في 26:3 و12 وأضحت صخرة عارية كما تقول النبوة في عددي 4 و5".
الجواب:
أولاً: مناقشة النبوءات المزعومة:
1. نبوءة ناحوم: ناقضها ما ورد في سفر يونان (يقولون إنه يونس u).
فقد تحدث سفر يونان عن توبة أهل نينوى، بعد التقام الحوت ليونان. بينما ورد في سفر ناحوم ـ الذي توفي بعد يونان ـ أن نينوى لم تُعرَف إلا بالشرور والكذب.
انظر مثلاً [ناحوم 3/1]: " ويل لمدينة الدماء كلها ملآنة كذباً وخطفاً ".
و[3/19]: " جرحك عديم الشفاء. كل الذين يسمعون خبرك يصفقون بأيديهم عليك ".
2. نبوءة إشعيا:
لا يوجد دليل على صحة نسبة الموجود في سفر إشعيا إليه؛ نقل رحمة الله الهندي عن أبرز علماء النصارى قولهم: " لا يمكن أن يكون الباب الأربعون وما بعده إلى الباب السادس والستين من كتاب إشعيا من تصنيفه"، فسبعة وعشرون باباً ليس من تصنيف إشعيا ".
ثم ذكر خطأً تاريخياً فيه ـ عزاه النصارى لخطأ المترجِم ! ـ: " في الآية الثامنة من الباب السابع من كتاب إشعيا هكذا ترجمة عربية سنة 1671م وسنة 1831م: "وبعد خمسة وستين تفنى أرام أن يكون شعباً " ترجمة فارسية سنة 1838م (بعد شصت وبنج سأل فرائم شكته خواهدشد) وهذا غلط يقيناً لأن سلطان أسور تسلط على افرائم في السنة السادسة من جلوس حزقيا كما هو مصرح في الباب السابع عشر والثامن عشر من سفر الملوك الثاني، ففنيت أرام في مدة إحدى وعشرين سنة وقال (وت رنكا) وهو من علماء المسيحية: "وقع الغلط في النقل ههنا، وكان الأصل ست عشرة وخمس وقسم المدة هكذا من سلطنة أخذ ست عشرة سنة ومن سلطنة حزقيا خمس سنين"، وقوله وإن كان تحكماً صرفاً لكنه معترف بأن العبارة الموجودة الآن في كتاب إشعيا غلط وحرف مترجم الترجمة الهندية المطبوعة سنة 1843م في الآية الثامنة المذكورة هداهم اللّه لا يتركون عادتهم القديمة ".
3. نبوءة أرميا:
ويقول رحمة الله الهندي عن صحة نسبته إليه أيضاَ: " (وكتاب أرميا) الباب الثاني والخمسون منه ليس من تصنيف أرميا قطعاً، وكذلك الآية الحادية عشرة من الباب العاشر ليست منه، أما الأول فلأن آخر الآية الرابعة والستين من الباب الحادي والخمسين هكذا ترجمة فارسية سنة 1838م: (كلمات يرميا تابدينجا اتمام بدرفت) ترجمة فارسية سنة 1845م (كلام يرميا تابدينجاست) ترجمة عربية سنة 1844م (حتى إلى الآن كلام أرميا) وأما الثاني فلأن الآية المذكورة في اللسان الْكسْدي وسائر الكتاب في اللسان العبراني، ولم يعلم أن أي شخص ألحقهما، والمفسرون المسيحيون يقولون رجْماً بالغيب: لعل فلاناً أو فلاناً ألحقهما، قال جامعو تفسير (هنري واسكات) في حق الباب المذكور: "يعلم أن عزرا أو شخصاً آخر ألحق هذا الباب، لتوضيح أخبار الحوادث الآتية التي تمّت في الباب السابق ولتوضيح مرتبته"، وقال هورن في الصفحة 195 من المجلد الرابع: " أُلحِقَ هذا الباب بعد وفاة أرميا، وبعد ما أُطلق اليهود من أسر بابل، الذي يوجد ذكره قليلاً في هذا الباب" ثم قال في المجلد المذكور: " إن جميع ملفوظات هذا الرسول بالعبري إلا الآية الحادية عشرة من الباب العاشر فإنها بلسان الكسدينر، وقال القسيس (ونما) إن هذه الآية إلحاقية ".
في الباب الخامس والعشرين من كتاب أرميا هكذا: " القول الذي كان لأرميا عن جميع شعب يهوذا في السنة الرابعة ليواقيم بن يوسيا ملك يهوذا، وهي السنة الأولى لبختنصر ملك بابل، (11) ويكون كل هذه الأرض قفراً وتحيراً وتعبد جميع هذه الأمم لملك بابل سبعين سنة، (12) وإذا تمت سبعون سنة افتقد على ملك بابل وعلى تلك الأمة يقول الرب بإثمهم وعلى أرض الكلدانيين وأجعلها قفراً أبدياً "
وفي الباب التاسع والعشرين من الكتاب المذكور هكذا: "وهذه هي أقوال الكتاب الذي أرسل به أرميا النبي من أورشليم إلى بقايا مشيخة الجلاء وإلى الكهنة وإلى الأنبياء وإلى كل الشعب الذي سباه بختنصر من أورشليم إلى بابل(2) من بعد خروج يوخانيا الملك والسيدة والخصيين ورؤساء يهوذا وأورشليم والصناع والحاضر من أورشليم (10) هكذا يقول الرب إذا بدأت تكمل في بابل سبعون سنة أنا أفتقدكم وأقيم عليكم كلمتي الصالحة لأردكم إلى هذا المكان"..
وفي الباب الثاني والخمسين من الكتاب المذكور هكذا " (28) هذا هو الشعب الذي أخلاه بختنصر في السنة السابعة ثلاثة آلاف وثلاثة وعشرين يهوديا (29) في السنة الثامنة والعشرين لبختنصر من أورشليم ثمانمائة وثلاثين نفساً (30) في السنة الثالثة والعشرين لبختنصر أجلى بنور زادن قائد الجيش سبعمائة وخمسة وأربعين نفساً، فجميع النفوس أربعة آلاف وستمائة ".
فعلم من هذه العبارات ثلاثة أمور:
1. أن بختنصر جلس على سرير السلطنة في السنة الرابعة من جلوس يواقيم. وهو الصحيح، وصرح به يوسيفس اليهودي المؤرخ أيضاً في الباب السادس من الكتاب العاشر من تاريخه فقال: " إن بختنصر صار سلطان بابل في السنة الرابعة من جلوس يواقيم" فإن ادعى أحد غير ما ذكرنا يكون غلطاً ومخالفاً لكلام أرميا u، بل لا بد في اعتبار السنين أن تكون السنة الأولى من جلوس بختنصر مطابقة للسنة الرابعة من جلوس يواقيم.
2.أن أرمياء أرسل الكتاب إلى اليهود بعد خروج يوخانيا الملك ورؤساء يهودا والصناع.
3. أن عدد الأسارى في الإجلاءات الثلاثة كان أربعة آلاف وستمائة وكان الإجلاء الثالث في السنة الثالثة والعشرين. فأقول: ههنا ثلاثة أغلاط:
الغلط الأول: أن جلاء يوخانيا الملك ورؤساء يهودا والصناع كان قبل ميلاد المسيح، على ما صرح المؤرخون بخمسمائة وتسع وتسعين سنة، وصرح صاحب ميزان الحق في الصفحة 60 من النسخة المطبوعة سنة 1849م بأن هذا الإجلاء كان قبل ميلاد المسيح بستمائة سنة، وكان أرميا أرسل كتابه إليهم بعد خروجهم، فلا بد أن يكون إقامة اليهود في بابل سبعين سنة، وهو غلط لأنهم أطلقوا بحكم قورش سلطان إيران قبل ميلاد المسيح بخمسمائة وست وثلاثين سنة، فكان إقامتهم في بابل ثلاثاً وستين سنة، لا سبعين، وأنقل هذه التواريخ من كتاب مرشد الطالبين إلى كتاب المقدس الثمين المطبوع سنة 1853م في بيروت، وهذه النسخة تخالف النسخة المطبوعة سنة 1840م في أكثر المواضع على العادة الجارية في المسيحيين، فمن شاء تصحيح النقل فعليه أن يقابل النقل بعبارة النسخة المطبوعة سنة 1862م وهذه النسخة موجودة في كتبخانة جامع بايزيد بالأستانة، فأقول: في الفصل العشرين من الجزء الثاني في جدول تاريخي للكتاب المقدس من هذه النسخة المطبوعة سنة 1852 هكذا
السنة قبل المسيح
سنة العالم
599
كتابة أرمية لليهود المأسورين هناك أي في بابل
3405
536
وفاة داريوس المادي خال قوش وخلافة قورش مكانه على مادي وفارس وإطلاقه اليهود وإذنه لهم بالرجوع إلى اليهودية
3468
الغلط الثاني: أن عدد الأسرى في الإجلاءات الثلاثة أربعة آلاف وستمائة، وقد صرح في الآية الرابعة عشرة من الباب الرابع والعشرين من سفر الملوك الثاني أن عشرة آلاف من الأشراف والأبطال كانوا في الإجلاء الواحد، والصناعون كانوا زائدين عليهم.
والغلط الثالث: أنه يُعلم منه أن الإجلاء الثالث كان في السنة الثالثة والعشرين من جلوس بختنصر، ويعلم من الباب الخامس والعشرين من سفر الملوك أنه كان في السنة التاسعة عشرة من جلوسه ".
أما عن صحة نسبة أسفار الأنبياء إليهم، فهي قضية شائكة عند علماء اللاهوت. وقد عقد د. منقذ السقار فصلاً بعنوان: " إبطال نسبة أسفار الأنبياء إليهم " ومما جاء فيه:
" - سفر إشعيا:
وينسب السفر للنبي إشعيا في القرن الثامن قبل الميلاد، فقد عاصر الملك عزيا ثم يوثام ثم أحاز ثم حزقيا، ولكن السفر يتحدث عن الفترة الممتدة بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد مما يؤكد أن ثمة كاتباً أو كاتبين قد كتبوا ذلك بعد إشعيا، ومن أمثلة ذلك حديثه عن بابل الدولة العظيمة وتنبؤه بانهيارها.
وأيضاً حديثه عن كورش الفارسي الذي ردّ اليهود من السبي (انظر 44/28 - 45/1).
كما يتحدث عن رجوع المسبيين والشروع في بناء الهيكل في الإصحاحات 56 – 66، لذا يقول العالم الألماني أستاهلن: " لا يمكن أن يكون الباب الأربعون وما بعده حتى الباب السادس والستين من تصنيف إشعيا".
- سفر إرمياء:
أما سفر إرمياء فإن تقاليد الكنيسة تنسبه للنبي إرمياء، ولا تصح هذه النسبة، إذ هو من عمل عدة مؤلفين، بدليل تناقضه في ذكر الحادثة الواحدة، ومن ذلك تناقضه في طريقة القبض على إرمياء وسجنه (انظر: إرمياء 37/11 - 15 و38/6 – 13).
كما يحمل السفر اعترافاً بزيادة لغير إرمياء ففيه [36/33] " فأخذ إرمياء درجاً آخر، ودفعه لباروخ بن نيريا الكاتب، فكتب فيه عن فم إرميا، كل كلام السفر الذي أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا بالنار، وزيد عليه أيضاً كلام كثير مثله ".
وفي موضع آخر [51/64] " إلى هنا كلام إرمياء "، ومع ذلك يستمر السِّـفر، فمن الذي أكمله؟ ".
فبنقض نسبة الأسفار إلى الأنبياء، لا يكون للإعجاز التاريخي فيها أي معنى.. فما المانع من أن تكون نصوصه كتبت بعد حصول تلك الحوادث ؟!
4. نبوءة حزقيال:
ما نسب إلى حزقيال من نبوءة صادقة فهو كلام مغلوط، بحسب التفصيل التالي:
ملخص في الباب السادس والعشرين من كتاب حزقيال هكذا: "وكان في السنة الحادية عشرة في أول الشهر فكان إلى قول الرب: ها أنا ذا أجلب على صور بختنصر ملك بابل، مع خيل ومراكب وفرسان وجيش وشعب عظيم، وبناتك التي في الحفل يقتلهن بالسيف، ويحاصرك ويرتب حولك مواضع للمناجق، ويرفع عليك الترس، ويضرب بالمنجنيق أسوارك وبروجك يهدمها بسلاحه ويدوس جميع شوارعك، ويقتل شعبك بالسيف ومناصبك الشريفة إلى الأرض، وينهبون أموالك ويسلبون تجارتك، ويهدمون أسوارك وبيوتك العالية ويخربونها، وحجارتك وخشبك وغبارك يلقونهن في وسط المياه، وأعطيتك لصخرة صفية وتصير لبسط الشباكات ولن تبنى" اهـ ملخصاً.
وهذا غلط، لأن بختنصر حاصر صور ثلاث عشرة سنة، واجتهد اجتهاداً بليغاً في فتحها، لكنه ما قدر ورجع خائباً ولما صار هذا الخبر غلطاً احتاج حزقيال إلى العذر، وقال في الباب التاسع والعشرين: "وكان في السنة السابعة والعشرين قول الرب إلى أن بختنصر استعبد جيشه عبودية شديدة في ضد صور، بحيث صار كل رأس محلوقاً، وكل كتف مجرداً وأجره لم يرد عليه، ولا بجيشه من صور، فلهذا أعطيت بختنصر أرض مصر يأخذ جماعتها ويسلب نهبها ويخطف أسلابها ويكون أجراً لجيشه والعمل الذي تعبد به ضدها فأعطيته أرض مصر من أجل أنه عمل لي" انتهى ملخصاً.
وفيه تصريح بأنه لما لم يحصل لبختنصر ولعسكره أجر بمحاصرة صور، وعد اللّه له مصر، وما علمنا أن هذا الوعد كان بمثل السابق، أم حصل له الوفاء، هيهات هيهات!! أيكون وعد اللّه هكذا أيعجز اللّه عن وفاء عهده؟
الفرق بين نبوءة سورة الروم وما نسب إلى حزقيال فرق كبير:
1. فسيدنا محمد rحاضر لتلك النبوءة، بيان النبوءة كان في حياته، وكذلك تأكيدها في حياته أيضاً. فلم يتراجع عنها أو يؤولها وهذا أشد ثباتاً.
2. نبوءة القرآن الكريم أدق في تحديد موعدها، فالآية الكريمة حددته ببضع سنين، بينما نص سفر حزقيال كان عامَّـاً.
3. درجة الصعوبة أشد لبعد مكان حرب الفرس والروم، وجهل العرب ببيئة كل طرف، وحالته الاقتصادية والعسكرية.
4. لا يوجد ما يقطع بصحة موعد كتابة سفر حزقيال، فلا مانع من كتابتها بعد سقوط صور.
5. كثير من نبوءات سفر حزقيال لم تتحقق.. ومنها:
- يقول إن الله وعد نبوخذ نصر الوثني وعداً لم ينجز فهو من الأغلاط ولا ريب، فقد وعده أن يملكه على مدينة صور، ثم لم يتحقق له ذلك، فوعده بأرض مصر، ولم يتحقق ذلك أيضاً، فدل ذلك على أن هذا الوعد ليس من الله، لأن الله قادر على إنجاز وعده، فقد جاء في سفر حزقيال [26/7-14] : " قال السيد الرب: هاأنذا أجلب على صور نبوخذ راصر ملك بابل من الشمال، ملك الملوك، بخيل وبمركبات وبفرسان وجماعة وشعب كثير، فيقتل بناتك في الحقل بالسيف، ويبني عليك معاقل، ويبني عليك برجاً، ويقيم عليك مترسة، ويرفع عليك ترساً، ويجعل مجانق على أسوارك، ويهدم أبراجك بأدوات حربه، ولكثرة خيله يغطيك غبارها، من صوت الفرسان والعجلات والمركبات تتزلزل أسوارك عند دخوله أبوابك كما تدخل مدينة مثغورة، بحوافر خيله يدوس كل شوارعك، يقتل شعبك بالسيف، فتسقط إلى الأرض أنصاب عزك، وينهبون ثروتك، ويغنمون تجارتك، ويهدّون أسوارك، ويهدمون بيوتك البهيجة، ويضعون حجارتك وخشبك وترابك في وسط المياه.. لا تُبنين بعد، لأني أنا الرب تكلمت ".
لكن هذا الوعد لم يتحقق، إذ استعصت صور على ملك بابل، ولم يدخلها، ولم يغنم منها غنيمة، فوعد بأرض مصر بدلاً عنها، يقول السفر [29/17-20]: " كلام الرب كان إليّ قائلاً: يا ابن آدم، إن نبوخذ راصر ملك بابل استخدم جيشه خدمة شديدة على صور، كل رأس قرع، وكل كتف تجردت، ولم تكن له ولا لجيشه أجرة من صور لأجل خدمته التي خدم بها عليها، لذلك هكذا قال السيد الرب: هاأنذا أبذل أرض مصر لنبوخذ راصر ملك بابل، فيأخذ ثروتها، ويغنم غنيمتها، وينهب نهبها، فتكون أجرة لجيشه، قد أعطيته أرض مصر لأجل شغله الذي خدم به، لأنهم عملوا لأجلي".
ولم يتحقق ذلك الوعد إذ لم يملك نبوخذ نصر أرض مصر أبداً، وإن وصلت جيوشه إلى حدود مصر سنة 605 ق.م، حين هزمت قواته المصريين في معركة قرقميش، لكن بقيت مصر تحت حكم الأسرة السادسة عشر من حكام الفراعنة.
ولم تتحقق تلك الوعود التي استمرت الأسفار تعرضها في أربعة إصحاحات من سفر حزقيال، ومما جاء فيها [29/8-15] " لذلك هكذا قال السيد الرب: ها أنذا أجلب عليك سيفاً، واستأصل منك الإنسان والحيوان. وتكون أرض مصر مقفرة وخربة.. وأجعل أرض مصر خِرباً خربة مقفرة، من مجدل إلى أسوان إلى تخم كوش، لا تمر فيها رجل إنسان، ولا تمر فيها رجل بهيمة، ولا تُسكن أربعين سنة. وأجعل أرض مصر مقفرة في وسط الأراضي المقفرة، ومدنها في وسط المدن الخربة تكون مقفرة أربعين سنة، وأشتت المصريين بين الأمم، وأبددهم في الأراضي، لأنه هكذا قال السيد الرب: عند نهاية أربعين سنة أجمع المصريين من الشعوب الذين تشتتوا بينهم، وأرد سبي مصر، وأرجعهم إلى أرض فتروس، إلى أرض ميلادهم، ويكونون هناك مملكة حقيرة، تكون أحقر الممالك، فلا ترتفع بعد على الأمم، وأقللهم لكيلا يتسلطوا على الأمم".
ويمضي السفر فيقول [30/6 – 10]: " قال الرب: ويسقط عاضدو مصر وتنحط كبرياء عزتها من مجدل إلى أسوان يسقطون فيها بالسيف. يقول السيد الرب: فتقفر في وسط الأرض المقفرة، وتكون مدنها في وسط المدينة الخربة فيعلمون أني أنا الرب.. قال السيد الرب: إني أبيد ثروة مصر بيد بنوخذ نصر ملك بابل ".
" قال السيد الرب: سيف ملك بابل يأتي عليك، بسيوف الجبابرة أسقط جمهورك، كلهم عتاة الأمم، فيسلبون كبرياء مصر، ويهلك كل جمهورها، وأبيد جميع بهائمها عن المياه الكثيرة، فلا تكدرها من بعد رجل إنسان، ولا تعكرها أظلاف بهيمة، حينئذ أنضب مياههم، وأجري أنهارهم كالزيت.
يقول السيد الرب: حين أجعل أرض مصر خراباً، وتخلو الأرض من ملئها عند ضربي جميع سكانها يعلمون أني أنا الرب " [حزقيال 32/11 – 15]، وكل من هذه الوعود لم يتحقق، وعدم تحققه يدل على أن هذا من أغلاط الكُتّاب، وهو دليل بطلانه وكذب كاتبيه.
وغيرها كثير...
كان ينبغي لكاتب سفر حزقيال أن يتواضع كما تواضع يسوع الذي أنكر علمه للغيب ـ رغم أنه إله معبود عندهم ـ فقد جاء في إنجيل مرقص [13: 32] أن المسيح بعدما سئل عن موعد الساعة قال: " وأما ذلكَ اليومُ وتلكَ الساعة فلا يعرفهما أحد، لا الملائكة الذين في السماء ولا الابن، إلا الآبُ ".
ثانياً: نبوءات أخرى لم تتحقق في الكتاب المقدس:
- من هذه الوعود، قول التوراة أن الله قال لإبراهيم: " وأما أنت فتمضي إلى آبائك بسلام، وتدفن بشيبة صالحة، وفي الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا" (أي فلسطين). (التكوين 15/15-16).
والواقع التاريخي يكذب هذا النص فقد كان الجيل الثالث والرابع من إبراهيم وهم الأسباط وأبناؤهم، كانوا هم الداخلين إلى مصر، لا الخارجين منها، وأما الخارجون منها فهم الجيل السادس من أبناء إبراهيم.
ومن هذه الوعود الزائفة ما زعمه كاتب سفر الأيام، حين قال بأن الله وعد إسرائيل بقوله لناثان النبي: " وعينت مكاناً لشعبي إسرائيل، وغرسته، فسكن في مكانه، ولا يضطرب بعد، ولا يعود بنو الإثم يذلونه كما في الأول " (الأيام الأول 17/9).
ولم يتحقق هذا الوعد الذي زعموا أن الله وعده، فقد ذل بنو إسرائيل على يد بختنصر، وأخرجوا من ديارهم، ولم يتحقق ما قيل لناثان: " متى كملت أيامك، واضطجعت مع آبائك أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك، وأثبت مملكته، هو يبني بيتاً لا سمي، وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد " (صموئيل الثاني 7/10 - 13).
- وأيضاً من الوعود التي لم تتحقق: حديث إرميا عن نسل داود فيقول: " كما أن جند السماوات لا يعد، ورمل البحر لا يحصى، هكذا أكثر نسل داود عبدي، واللاويين خادمي " (إرميا 33/22).
لكن الواقع يكذب ذلك، فاليهود أقل أهل الأرض عدداً، إذ لا يبلغ تعدادهم في الأرض كلها ستة عشر مليوناً، أكثرهم غير ساميي الأصل.
في المقابل: لم يكن احتمال انتصار الروم على الفرس في غضون سنوات قليلة أمراً يتوقعه أي إنسان. وما كان محمد rليعلن هذا صراحة ويتحدى العالم بأنه سيكون بعد بضع سنين، فما الذي ألزمه تلك المغامرة غير معلومة العاقبة، لو لم يكن متأكداً 100% ، وأنى له ذلك التأكد بحسب مقاييس الدنيا، ولكنه الوحي الصادق.. إنها النبوة.
[1]
[2]المرجع ذاته، 1/ 44. وفيه أيضاً 1/76: " قال آدم كلارك في المجلد الرابع من تفسيره ذيل الآية الثانية من الباب الرابع والستين من كتاب أشعيا: "المتن العبراني محرف كثيراً ههنا والصحيح أن يكون هكذا: "كما أن الشمع يذوب من النار.. في تفسير هنري واسكات. "الرأي الحسن أن المتن العبري محرف"، وآدم كلارك ذيل عبارة أشعياء نقل أولاً أقوالاً كثيرة وردها وجرحها ثم قال: "إني متحير ماذا أفعل في هذه المشكلات غير أن أضع بين يدي الناظر أحد الأمرين: إما أن يعتقد بأن اليهود حرفوا هذا الموضع في المتن العبراني والترجمة اليونانية تحريفاً قصدياً، كما هو المظنون بالظن القوي في المواضع الأخر المنقولة في العهد الجديد عن العهد العتيق، انظروا كتاب أَوْ وِنْ من الفصل السادس إلى الفصل التاسع في حق الترجمة اليونانية، وإما أن يُعتقد أن بولس ما نقل عن ذلك الكتاب، بل نقل عن كتاب أو كتابين من الكتب الجعلية، أعني مِعْراج أشعياء، ومشاهدات إيلياء اللذين وُجدت هذه الفقرة فيهما، وظن البعض أن الحواري نقل عن الكتب الجعلية، ولعل الناس لا يقبلون الاحتمال الأول بسهولة فأنبه الناظرين تنبيهاً بليغاً على أن جيروم عدّ الاحتمال الثاني أسوء من الإلحاد ".
[3]إظهار الحق، رحمة الله الهندي 1/27.
[4]إظهار الحق، رحمة الله الهندي 1/45.
[5]هل العهد القديم كلمة الله ؟، د. منقذ السقار، ص29.
[6]انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي 1/45. وفي الكتاب أدلة كثرة على ذلك التحريف.
[7]ليس توقع زوال أمة من الأمم، أو اندثار حكومة دولة ما ـ فضلاً عن قرية صغيرة ـ، عجيبة من الأعاجيب، فتلك سُنة كونية ثابتة. جاء في مقدمة ابن خلدون، ص170، تحت عنوان: " الفصل الرابع عشر: في أن الدولة لها أعمار طبيعية، كما للأشخاص ": اعلم أن العمر الطبيعي للأشخاص ـ على ما زعم الأطباء والمنجمون ـ مائة وعشرون سنة.. الدولة ـ في الغالب ـ لا تعدو أعمار ثلاثة أجيال.. ".
إظهار الحق، رحمة الله الهندي 1/ 27.
[8] انظر: هل العهد القديم كلمة الله ؟ د. منقذ السقار، ص99-112
القلب الحزين
12-12-2013, 03:54 PM
دراسة نقدية للإعجاز العلمي المزعوم في الكتاب المقدس
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
زعمت بعض مواقع الإنترنت التنصيرية الإعجاز العلمي في الكتاب المقدس !!! ومن أشهر تلك المزاعم .. اختارت صفحة (تساؤلات حول القرآن) أكثر آيات الإعجاز العلمي شهرة وأثراً في غير المسلمين، وهي الآيات المتعلقة ببداية خلق الكون، وتكون الجنين في بطن أمه. فعقدت مقارنة بين ما ورد في القرآن الكريم، وكتبهم المقدسة حول هذين الموضوعين:
أولاً: بدء خلق الكون:
" يقول الدكتور النجار عن الإعجاز العلمي للقرآن تحت عنوان "الآيات الكونية" أن: " قضية خلق السموات والأرض التي يتحدث عنها القرآن الكريم في ست آيات محدودة، تحكي قصة الخلق والإفناء، وإعادة الخلق بالكامل في إجمال وشمول ودقة مذهلة على النحو التالي:
1ـ "فلا أُقْسِمُ بمواقعِ النجومِ. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم" (الواقعة 75و76)
2ـ "والسماء بنيناها بأيدٍ وإنَّا لموسعون" (الذاريات 47)
3ـ "أو لم ير الذين كفروا أن السمواتِ والأرضَ كانتا رَتْقا ففتقناهما " (الأنبياء30)
4ـ "ثم استوى إلى السماء وهي دخَان..." (فصلت1)
5ـ "يوم نطوِي السماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ للكتب، كما بدأنا أولَ خلقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً علينا إنا كنا فاعِلين" (الأنبياء104)
6ـ "يومَ تُبَدَّلُ الأرضُ غيرَ الأرضِ والسمواتُ" (إبراهيم48)
ويعلق الدكتور النجار على ذلك قائلا: (قصة خلق الكون يجمعها القرآن الكريم بدقة متناهية في ست آيات تلخص خلق الكون، وإفنائه، وإعادة خلقه من جديد في إجمال ودقة وإحاطة معجزة للغاية، لم يستطع الإنسان أن يصل إلى تصور شيء منها حتى أواخر القرن العشرين) كتاب (من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ص 45)
وإني لأعجب كل العجب من كلام عالم يُفتَرَضُ فيه الأمانةُ العلمية في البحث، والتدقيقُ في التعبير. فكيف يعمم هذا العالم أنه: لم يستطع الإنسان أن يصل إلى تصور شيء منها حتى أواخر القرن العشرين!!!
لماذا لم يبحث في الكتاب المقدس، وفي تاريخ علم الفلك، وهو الباحث الحاصل على درجة الدكتوراة، التي تقرر بأنه قد وضع قدمه على سلم البحث العلمي الموثوق به. أين هي الثقة التي أولتها له الجامعة التي حصل منها على هذه الدرجة العلمية. هل عدم بحثه في الكتاب المقدس وكتب الفلك، ناتج عن الجهل بهما؟ إن كان كذلك فهذه مصيبة!!! وإن كان عدم بحثه فيهما ناتج عن تجاهُلِهما، فالمصيبة أفدح!!!
ماذا يفعل هذا العالم الجليل عندما يكتشفُ سامعوه وقارؤوا [الصواب: قارئوا] كتبِه، الحقيقةَ التي تعمد إخفاءها عنهم، فيجدوها واضحة جلية في الكتاب المقدس الذي كُتِبَ قبلُ الإسلام بآلاف السنين، وتحدثت عنها كتب علم الفلك التي تعود إلى الحضارات الموغلة في القدم أي قبل الإسلام بآلاف السنين أيضا ؟؟؟؟ ".
وبدأت بعدها بنقاش تفصيلي لسبق آيات القرآن الكريم في بيان خلق الكون، كما ذكر الدكتور زغلول النجار، مقارنةً ذلك بنصوص كتابهم المقدس:
" لذلك دعنا نناقش هذه الآيات القرآنية على ضوء ما جاء بالكتاب المقدس وعلم الفلك القديم.
الآية الأولى: "فلا أُقسِمُ بمواقعِ النجومِ. وإنَّه لقَسَمٌ لو تعلمون عظيمٌ" (الواقعة 75و76)
يعلق الدكتور النجار على هذه الآية تعليقين، إذ يقول: "يعجب الإنسان من القسم المغلظ بمواقع النجوم، والنجوم من أعظم خلق الله في الكون" (من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ص 38)
وعن هذا يقول سيادته: قصة خلق الكون يجمعها القرآن الكريم بدقة متناهية في ست آيات تلخص خلق الكون، وإفنائه، وإعادة خلقه من جديد في إجمال ودقة وإحاطة معجزة للغاية، لم يستطع الإنسان أن يصل إلى تصور شيء منها حتى أواخر القرن العشرين) كتاب (من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ص 45)
الإيضاح: ينقسم ردنا على كلامه بخصوص هذه الآية إلى أربعة أقسام: 1ـ قصةُ خلقِ الكونِ. 2ـ النجوم والكواكب. 3ـ لماذا أقسم الله بمواقع النجوم؟ 4ـ رؤية مواقع النجوم، لا النجوم ذاتها.
القسم الأول: قصة خلق الكون:
قصة خلق الكون التي يقول عنها سيادته: لم يستطع الإنسان أن يصل إلى تصور شيء منها حتى أواخر القرن العشرين) ويقول عنها: (قصة خلق الكون يجمعها القرآن الكريم بدقة متناهية في ست آيات تلخص خلق الكون...)
أقول لسيادته هل قرأت قصة الخلق في أكثر دقة وسلاسة في سفر التكوين الذي كتب قبل الإسلام بحوالي 2000 سنة؟ اسمع ما يقوله الكتاب المقدس في أول صفحة منه، أي في الإصحاح الأول من سفر التكوين: "في البدء خلق الله السمواتِ والأرضَ. وكانت الأرضُ خربةً وخاليةً وعلى وجهِ الغمرِ ظلمةٌ، وروح الله يرف على وجه المياه... وقال الله لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل وتكون لآياتٍ وأوقات وأيام وسنين. وتكون أنواراً في جلد السماء لتنير على الأرض. وكان كذلك. فعمل الله النورين العظيمين. النور الأكبر لحكم النهار، والأصغر لحكم الليل. والنجوم جعلها الله في جلد السماء لتنير على الأرض، ولتحكم على النهار والليل، ولتفصل بين النور والظلمة" (سفر التكوين إصحاح 1ـ 19)
هل وجدت يا عزيزي، دقة وسلاسة نظير هذا الكلام. أرجوك أن تقرأ الكتاب المقدس، أي التوراة والإنجيل لتستزيد علما، وأعيد عليك قول رسولك عنهما[1]: "قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه" (سورة القصص 49)
القسم الثاني: النجوم والكواكب:
النجوم مذكورة بكل دقة في الكتاب المقدس. ففي سفر أيوب الذي كُتِبَ قبل الإسلام بحوالي 2600 سنة نجد ذكرا لأسماء لكثير من النجوم والكواكب لم يذكر القرآن الكريم ـ مع احترامنا له ـ شيئا نظيرها:
ففي (أيوب 7ـ9) يقول: "الآمر الشمس... و(الذي) يختم على النجوم. الباسط السموات وحده... صانع النعش والجبار والثريا ومخادع الجنوب" (وهي أسماء ومواقع لبعض النجوم)
وفي (أيوب 3/ 31و32) يقول الله لأيوب النبي ليظهر ضعفه: "هل تربط أنت عُقْدَ الثُّرَيًّا أو تفك رُبُطَ الجَبَّارِ، أتُخْرِجُ المَنَازِلَ في أوقاتها، وتَهدِي النَّعُشَ مع بَنَاتِه، هل عرفت سنًنَ (أي قوانين) السموات أو جعلت تسلطها (أي تحكمها) على الأرض؟" (وذلك أيضا أسماء ومواقع لبعض النجوم تتوافق مع المعروف في علم الفلك) ولكن دعنا نناقش ذلك بأكثر تدقيق:
(1) ما هو عُقدُ الثريا؟
1ـ عُقْدَ: مجموعة منتظمة من النجوم كالعِقد.
2ـ أما الثريا: فيقول عنها (قاموس الكتاب المقدس ص 234): (الثريا إسم مجموعة من النجوم، وموقعها في عنق برج الثور، وتظهر في أوائل الربيع. كما أنه يمكن رؤية ستة أو سبعة من نجومها بالعين المجردة... ولقد كان العبرانيون الأول والساميون عامة (أي من قديم الزمن) يعنون عناية خاصة بدراسة الفلك)
وهذا الكلام يتفق تماما مع العلم الحديث الذي قال عن الثريا: (هي عنقود في كوكبة الثور يحتوي على بضع مئات من النجوم أبعادها 325 إلى 350 سنة ضوئية، ولكن يظهر منها للعين ستة فقط، أطلق عليها اسم الشقيقات السبع... وكانت قديما أكثر لمعانا بحيث أنها كانت تبدو للعين المجردة (الموسوعة العربية الميسرة ص 579)
(2) ما هو الجبار؟ جاء في سفر أيوب من الكتاب المقدس (3/31) " أو تفك رُبُطَ الجَبَّارِ" وأيضا في سفر (عاموس 8) "الذي صنع الثريا والجبار"
جاء في (قاموس الكتاب المقدس ص 245) الجبار اسم لأحد الأبراج "أوريون" وهو مجموعة من الكواكب تحتوي على 1000 كوكب ويرى بالتلسكوب... ويشبه الجبار بإنسان عظيم القوة... وترى هذه المجموعة بقرب (الدب الأكبر)
وهذا يتفق مع ما جاء (بالموسوعة العربية الميسرة ً610) (الجبار كوكبة يمثلها الأقدمون بصورة محارب، وتحتوي على سبعة نجوم براقة...
(3) أما عن المنازل التي قيل عنها في أيوب "أتخرج المنازل"؟ المنازل هي البروج، فالبرج في اللغة هو المنزل المبني على الحصن (المعجم الوسيط الجزء الأول ص 47)
وجاء عنها في (قاموس الكتاب المقدس ص 968): (المنازل هي الكواكب الإثني عشر، وكان القدماء الوثنيون يعبدونها، حتى يهود القدس أنفسهم عبدوها زمن الملك يوشيا الذي أبطل عبادتها (2مل2 5)
وقد جاء عنها (بالموسوعة العربية الميسرة ص 1507) (هذه الكواكب الإثني عشر موجودة حول دائرة البروج (الكوكبات البروجية)
(4) وماذا عن النعش المذكور في (أيوب 9) "صانع النعش والجبار والثريا" وفي (أيوب3 31) "وتهدي النعش مع بناته؟"
وجاء عنها في (قاموس الكتاب المقدس ص 972) (النعش كوكب كبير ذات نور قوي أسماه اليونان والرومان الدب الأكبر
وجاء عنها في (الموسوعة العربية الميسرة ص 782) (الدب الأكبر كوكبة شمالية... أطلق عليها أسماء قديمة، مثل المحراث، والعربة (أي النعش)...
(5) وبناته (أي بنات النعش) تقول (الموسوعة العربية الميسرة ص 782): (ويظهر مع كوكبة الدب الأكبر (النعش) أربعة نجوم تمثل المغرفة، وثلاثة تمثل اليد...)
(6) وماذا عن "مخادع الجنوب": هي كواكب الجنوب، فبعد أن ذكر كواكب ونجوم الشمال ذكر أيضا بقية كواكب السماء في الجنوب.
ثم إلى جوار ما أعلنه الكتاب المقدس منذ آلاف السنين كما أوضحنا، هل يعلم سيادة الدكتور العالم أن علم الفلك ودراسة الأجرام السماوية شغلت عقول الناس منذ أقدم العصور وبلغوا فيها شأوا عظيما وسبروا أغوار عميقة في معرفة أسرار الكون، فليسمع الحقائق التالية:
1ـ عن النجوم: يذكر (قاموس الكتاب المقدس ص 958) ما يلي: (استرعت النجوم انتباه الإنسان الشرقي منذ العصور الغابرة (أي من آلاف السنين) (تك2/1ا7) ومن هنا قام علم الفلك الذي ازدهر ازدهارا عظيما في حضارات ما بين النهرين (القرن الرابع قبل الميلاد) وتأثرت به باقي حضارات الشرق.
ويذكر أيضا (قاموس الكتاب المقدس ص 234) "لقد كان العبرانيون الأول والساميون عامة (أي من القرن الخامس قبل الميلاد) يعنون عناية خاصة بدراسة الفلك) وهذا واضح من قول إشعياء النبي: " ليقف راصدوا الأفلاك، الناظرون في نجوم السماء المنبئون عند رأس كل شهر" (أش4/ 13)
أوَلا يدري سيادته ما جاء في (الموسوعة العربية الميسرة ص 1311) عن علم الفلك وقِدَمِ أيامه (أي أنه يعود إلى آلاف السنين) إذ تقول هذه الموسوعة: (علم الفلك هو علم دراسة الأجرام السماوية... وتكشِفُ آثار بابل والصين والهند (الحضارات القديمة من آلاف السنين قبل الميلاد) معرفة فلكية، وكان الفلك عند قدماء المصريين تطبيقيا كعمل الخرائط النجومية، وصنع الآلات لرصد النجوم وتسميتها بأسماء خاصة. وقد عرفوا النظر في النجوم منذ أبعد عهدهم بحياة الاستقرار (أي قبل الميلاد بآلاف السنين)... فرصدوا جري القمر، وجري الشمس... والمصريون القدماء عرفوا كسوف الشمس وخسوف القمر وسجلوا بعض أحداث السماء، كظهور جرم في جنوب السماء ذي ذنب طويل... وعرفوا بروج القمر، والنجوم الزهر، والنجوم الخنس (زحل والمشترى والمريخ والزهرة وعطارد (المعجم الوسيط ص 259))، وتركوا لنا في قبر سيتي الأول (1290ق م) خريطة فلكية، وفي معبد دندرة دائرة فلكية.. إن معرفة قدماء المصريين بالفلك لم تكن ضئيلة.
وتواصل أيضا الموسوعة فتقول وقد نهض علماء اليونان (قبل الميلاد بمئات السنين) بالناحية النظرية، ومن بينهم طاليس (540 ق م) وفيثاغورس (500 ق ب) وأرسطورخوس (القرن 3 م أي قبل الإسلام بـ 9 قرون) الذي اتخذ الشمس مركزا للكون... وينقسم علم الفلك إلى عدة أقسام: منها الفلك الديناميكي: ويبحث في الحركات الذاتية للنجوم والمجموعة الشمسية.
وتواصل الموسوعة الحديث قائلة وكان التقسيم عند القدماء، وخاصة العرب (قبل زمن محمد) ثلاثة أقسام نظري وعملي وتنجيم... ومن أهم المراجع التي اعتمدوا عليها: كتاب السندهند وهو في الحقيقة خمسة مؤلفات هندية قديمة... وكذلك على كتاب لبطليموس عالم الاسكندرية (323 ق.ب)، وهو في الحقيقة الدستور الذي الذي سار على هديه فلكيو العرب) (معنى هذا أن العرب قبل محمد كان لهم معرفة بالفلك والنجوم).
القسم الثالث: لماذا أقسم الله بمواقع النجوم؟ [...]
الواقع أن محمدا في بداية دعوته أراد أن يجذب سكان الجزيرة لدعوته بالتقرب إلى النصارى واليهود وأتباع المعبودات الأخرى الموجودة في الجزيرة العربية.
ومما يثبت هذا الرأي، أنه جاء في هذه السورة نفسها (سورة النجم 19و20) قوله: (أفرأيتم اللاتَ والعُزَّى، ومناةَ الثالثةَ الأخرى) وهي معبودات من الأصنام، وأضاف كلاما ذكر عنه الإمام النسفي والجلالان ما يلي:
(1) الإمام عبد الله ابن أحمد النسفي المتوفي سنة 710هـ: "إنه uكان في نادي قومه (أي في مجلسهم) يقرأ سورة "والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم (أي محمد) وما غوى" فلما بلغ قوله: (أفرأيتم اللاتَ والعُزَّى، ومناةَ الثالثةَ الأخرى) جرى على لسانه (أي أضاف) "تلك الغرانيق العلى (أي: الرائعة الجمال، العالية المقدار) وإن شفاعتهن (أي وساطتهن) لترتجى" قيل: فنبهه جبريل u، فأخبرهم أن ذلك كان من الشيطان... (تفسير النسفي الجزء الثالث ص161)
(2) وقد جاء في تفسير الجلالين: أنه عندما قرأ النبي rفي سورة النجم بمجلس من قريش، بعد الكلمات "فرأيتم [الصواب: أفَرَأَيْتُمُ] اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" ما ألقاه الشيطان على لسان الرسول من غير علمه، r: "تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى" ففرحوا بذلك. ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه، فحزن، فسُلِّىَ (تعزى) بهذه الآية.[2]
ألا تدرك معى أيضا محاولة الرسول استرضاء القبائل العربية بالجزيرة بتعظيم معبوداتهم تماما مثلما قال عن الصابئة وهم أيضا عباد النجوم والكواكب (المعجم الوسيط للمجمع اللغوي الجزء الأول ص 505) إذ قال: في (سورة المائدة 69) "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخِر وعمل صالحا فلا خوفُ عليهم ولا هم يحزنون" وأيضا: في (سورة البقرة 62)
فمواقع النجوم يقصد بها الأماكن التي يعبدون فيها النجوم. وقد تهرب من القسم بالنجوم حتى لا يتهم بأنه يعبدها نظيرهم.
القسم الرابع: رؤية مواقع النجوم، لا النجوم ذاتها:
أما محاولة الدكتور زغلول النجار أن يلبس هذا اللفظ ثوب الاكتشافات العلمية الحديثة ليرقى بها إلى حد التنبؤ والإعجاز العلمي!! بقوله: "إن الإنسان من فوق سطح هذه الأرض لا يمكن له أن يرى النجوم على الإطلاق، ولكنه يرى مواقع مرت بها النجوم" (من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ص 39)
ظانا أن هذه الحقيقة العلمية كان أول من تكلم عنها هو القرآن الكريم. نقول له: لقد تكلم الكتاب المقدس علة حركة النجوم الدائمة بصورة بلاغية رائعة إذ قال إنها "نجوم تائهة" (يهوذا آية13)
وبالرغم من وجود كل تلك الحقائق في الكتاب المقدس قبل القرآن الكريم بستة قرون إلا أننا لم ولن ندعي [الصواب: ندَّع] أن الكتاب المقدس فيه إعجاز علمي. ولكننا نركز دائما على أن الكتاب المقدس هو كتاب روحي يقدم للإنسان ما يحتاج إليه من غذاء روحي، وإرشاد لمسيرته الروحية نحو الله المحب ".
الرد على الشبهة :
فرق في أن تتحدث عن اسم ظاهرة طبيعية كالكسوف وشروق الشمس، أو ما تقع عليه العين من مخلوقات كالجبل والنجم... وأن تخبر عن علتها وما جهله الناس من خصائصها (وهو الإعجاز العلمي).
فلم يقل أحد من علماء الإعجاز العلمي أن قوله تعالى: " وَاَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى " [النجم: 49] إعجاز علمي لأن الله تبارك اسمه قد ذكر اسم النجم باسم الشعرى، فهذا الاسم مشهور يعرفه الناس لمخلوق يرونه.
والمتأمل لما ذكِر من إعجاز علمي في كتبهم المقدسة، يجد أنها لا تتعدى كونها مشاهدات سطحية لأشخاص رأوها بمنظار علم ذلك العصر..
وللمقارنة بين قصة بدء خلق الكون في القرآن الكريم وكتبهم المقدسة ـ كما طلب ـ ينبغي بسط الموضوع للإحاطة به من جميع جوانبه كما يلي:[3]
" جاءت قصة خلق العالم في التوراة في روايتين من سفر التكوين، أولاهما تسمى الرواية الكهنوتية التي كتبت بواسطة الكهنة في عصر المنفى. والثانية رواية (يَهَوِيَّة) ـ أي من بين النصوص التوراتية التي تستخدم لفظ (يهوه) للتعبير عن اسم الإله ـ وهي أقدم تاريخياً من الرواية الأولى، وإن جاءت في النصوص تالية لها، على النحو التالي[4]:
الرواية الأولى:
(( في البدء خلق الله السموات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور[5]. ورأى الله النور أنه حسن [!!]، وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهاراً والظلمة دعاها ليلاً. وكان مساء وكان صباحٌ يوماً واحداً.
وقال الله ليكن جلداً في وسط المياه. وليكن فاصلاً بين مياه ومياه. فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد ـ وكان كذلك ـ ودعا الله الجلد سماء. وكان مساء وكان صباح يوما ثانياً.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
12-12-2013, 03:55 PM
يتبــع الموضوع السابق
دراسة نقدية للإعجاز العلمي المزعوم في الكتاب المقدس
وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد ولتظهر اليابسة ـ وكان كذلك ـ ودعا الله اليابسة أرضاً. ومجتمع المياه دعاه بحاراً. ورأى الله ذلك أنه حسن [!!] وقال الله لتنبت الأرض عشباً وبقلاً يبزر بزراً وشجراً ذا ثمر يعمل ثمراً كجنسه بزره فيه على الأرض ـ وكان كذلك ـ فأخرجت الأرض عشباً وبقلاً يبزر بزراً كجنسه وشجراً يعمل ثمرا بزره فيه كجنسه. ورأى الله ذلك أنه حسن [!!]. وكان مساء وكان صباح يوماً ثالثاً.
وقال الله لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل. وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين. وتكون أنواراً في جلد السماء لتنير على الأرض ـ وكان كذلك ـ فعمل الله النورين العظيمين. النور الأكبر لحكم النهار والنور الأصغر لحكم الليل. والنجوم وجعلها الله في جلد السماء لتنير على الأرض ولتحكم على النهار والليل ولتفصل بين النور والظلمة. ورأى الله ذلك أنه حسن [!!] وكان مساء وكان صباح يوماً رابعاً.
وقال الله لتفض المياه زحّافات ذات نفس حية وليطر طير فوق الأرض على وجه جلد السماء. فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الأنفس الحية الدبابة التي فاضت بها المياه كأجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه. ورأى الله ذلك أنه حسن [!!]. وباركها الله قائلاً: أثمري وأكثري واملأي المياه في البحار. وليكثر الطير على الأرض. وكان مساء وكان صباح يوماً خامساً.
وقال الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها. بهائم ودبابات ووحوش أرض كأجناسها. وكان كذلك. فعمل الله وحوش الأرض كأجناسها والبهائم كأجناسها وجميع دبابات الأرض كأجناسها. ورأى الله ذلك أنه حسن [!!]. وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض. فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكر وأنثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم أثمروا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض. وقال الله إني قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزراً على وجه الأرض وكل شجر فيه ثمر شجر يبزر بزرا. لكم يكون طعاماً. ولكل حيوان الأرض وكل طير السماء وكل دبابة على الأرض فيها نفس حية أعطيت كل عشب أخضر طعاماً. وكان كذلك.
ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً [!!!]. وكان مساء وكان صباح يوماً سادساً. فأكملت السماوات والأرض وكل جندها. وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل. فاستراح في اليوم السابع[6] من جميع عمله الذي عمل. وبارك الله اليوم السابع وقدسه. لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقاً )).
الرواية الثانية:
(( هذه مبادئ السموات والأرض حين خلقت. يوم عمل الرب الإله الأرض والسموات كل شجر البرية لم يكن بعد في الأرض وكل عشب البرية لم ينبت بعد. لأن الرب الإله لم يكن قد أمطر على الأرض. ولا كان إنسان ليعمل الأرض. ثم كان ضباب يطلع من الأرض ويسقى كل وجه الأرض. وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض. ونفخ في أنفه نسمة حيوة. فصار آدم نفسا حية. وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً. ووضع هناك آدم الذي جبله. وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل ))..
يتفق النص القرآني مع الرواية التوراتية في مسألتين فقط:
1ـ عدد أدوار الخلق الستة.
2ـ جعل النجوم مصدر النور.
أما وجوه الاختلاف فكثيرة يمثل كل منهما خطأ علمياً وقعت فيه الرواية التوراتية، وتأكيداً علمياً على صحة النص القرآني، وهذه الوجوه هي:
1ـ انفراد القرآن ببيان كيفية نشأة الكون من الكتلة الأولية التي تفتقت بفعل انفجار كبير يطلق عليه العلم الحديث نظرية الانفجار العظيم The Big Bang[7].
2ـ المراحل الست في القرآن مراحل زمنية مديدة وليست ستة أيام بشرية بحساب تعاقب شروقين أو غروبين، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ(5) " [السجدة].
وهذا ما يؤكده علماء الفيزياء الكونية من أن انفصال الأرض عن الشمس كان منذ خمسة آلاف مليون سنة تقريباً، وأن الأرض ظلت مئات الألوف من السنين كى يبرد سطحها[8].
ويقابل هذا المفهوم القرآني لمراحل الخلق الستة، حصر توراتي خاطئ للمراحل الست في ستة أيام بشرية تبدأ بالأحد وتنتهى بالجمعة ويعقبها يوم السبت المقدس يوم الراحة الذي استراح الله [حاشاه سبحانه وتعالى ] فيه من عملية الخلق، وباركه وقدسه.
ويفسر جيمس فريزر عالم الديانات المقارنة الشهير أسباب وقوع الرواية التوراتية في هذا الخطأ العلمي الشنيع، بأن رواية خلق العالم في التوراة لم تكن سوى تمهيد من الكهنة لخلع القداسة على يوم السبت يوم العبادة والراحة لدى اليهود[9]. وكان المصدر الذي استقى منه الكهنة تقديس اليوم السابع من أيام الخلق هو ملحمة خلق العالم البابلية (انوما ايليش)[10].
وقد ترتب على هذا الخطأ في رواية الخلق التوراتية خطأ آخر وقعت فيه روايات العهد القديم وكذلك العهد الجديد كما يبدو في تصور إنجيل لوقا لشجرة أنساب المسيح، ألا وهو حساب عمر الإنسان على الأرض بأنه بدأ في التاسعة صباح يوم الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول عام 4004 قبل الميلاد[11]. أي قبل ستة الآف سنة من عامنا هذا.
3ـ إشارة القرآن إلى حالة غازية في بداية عملية الخلق " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ " [فصلت: 11].
وهى تتطابق مع معطيات العلم الحديث[12]؛ فالقشرة الأرضية احتاجتملايين السنين حتى بردت قشرتها. بينما ذكرت الرواية التوراتية، أن الماء كان في اليوم الأول من خلق الأرض.
4ـ وجود العوالم الوسطية التي أخبر القرآن الكريم بخلقها بين السموات والأرض يسميها العلم الحديث بالبواقي أو المادة الكونية المنتشرة بين النجوم، ويصفها بأنها ذات كتل هائلة[13].
5 ـ اشتمال رواية العهد القديم ـ منفردة ـ على الأخطاء التالية [14]
ـ الإشارة إلى وجود المياه في المرحلة الأولى من مراحل الخلق.
ـ ذكر النور في اليوم الأول قبل أن تخلق النجوم.
ـ ذكر الليل والنهار في اليوم الأول قبل وجود الأرض ودورانها حول الشمس.[15]
ـ وجود العالم النباتي في اليوم الثالث قبل خلق الشمس في اليوم الرابع، رغم أن النبات يحتاج ضوء الشمس لإكمال عملية البناء الضوئي (الكلوروفيلي).
ـ خلق الشمس والقمر بعد خلق الأرض، وذلك يناقض المعلومات الأساسية عن تشكل النظام الشمسي.
ـ خلق العشب قبل وجود الشمس.
ـ الإشارة إلى عالم الحيوان والطيور في اليوم الخامس مع أن وجود الطيور تال لوجود عالم الحيوان ".
طلبت صفحات الإنترنت التنصيرية مقارنة قصة بدء الخلق بين القرآن الكريم وكتابهم المقدس من الناحية البيانية، فلهم ذلك:
- (في البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الأرض ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه).
هكذا بدأ وأنشأ الله السماوات والأرض جميعاً دفعة واحدة، ولم يذكر أي شيء عن بدء خلق الماء.
تعبير ساذج وتفكير وثني، لا يفهم إلا الشيء المتجسد ؛ أين كان الله إن كانت روحه ترف وتحوم حول الماء ؟ أكان بلا روح، أم هو الذي تجسد فصار هذا الحيز الضئيل كالحمامة ؟ خلق الكون كله وهو جزء صغير منه.
- (وقال الله: ليكن نور. فكان نور، ورأى الله النور أنه حسن) !
لم يكن يعرف أنه سيكون حسناً، ولكن لما ظهر له أعجبه. عمل من طريق الصدفة البحتة، وتجربة نجحت وجاءت بشيء جميل.
أهذه هي البلاغة ؟! لا فصاحة تعبيرية ولا حقيقة علمية.
ونقرأ بقية هذه البداية فنجد: أن
- (الله فصل بين النور والظلمة، وسمى النور نهاراً والظلمة ليلاً، وقال لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد، ولتظهر اليابسة. ودعا اليابسة أرضاً).
وهكذا يمضي سفر التكوين مضطرباً في الكلمات القليلة التي بدأ بها.
في البداية خلق السماوات والأرض وكانت الأرض خربة، وبعد ذلك خلق وسط الماء شيئاً جامداً أسماه أرضاً، وسمى بعضاً منه سماء.[16] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn16)
كل هذا يبين الفرق بين الحق الراسخ في القرآن الكريم، بعكس مخالفة ما سواه لبدهيات العلم والمنطق.
ثانياً: مراحل تكون الجنين:
يناقش فيه قول المسلمين إن: " القرآن الكريم في إعجازه العلمي هو أول كتاب يتكلم عن خلقة الإنسان وأطوار الجنين في بطن أمه. وقد ذكر ذلك في آيات عديدة.
الرد: أقول لك هذه الآيات القرآنية، أليست هي: سورة المؤمنون 12 ـ 14 "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة (المني أي الحيوان المنوي) في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة (قطعة الدم التي يتكون منها الجنين) فخلقنا العلقة مضغة (قطعة من اللحم) فخلقنا المضغة عظما فكسونا العظم لحما ثم أنشأناه خلقا آخر..." وسورة النحل 4 "خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين" وسورة الحج 5 "... فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مُخَلَّقَةٍ لنبين لكم، ونُقر في الأرحام ما نشاء، إلى أجل مسمى، ثم نخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشُدَّكُم.." وسورة القيامة37 "ألم يك نطفة من مًنِيِّ يُمنَى" والواقع يا عزيزي أن القرآن ليس أول من ذكر أطوار خلقة الإنسان، وإليك الحقيقة:
1ـ من الكتاب المقدس: (في سفر أيوب 1 / 8ـ12) "يداك كونتاني وصنعتاني كلي... إنك جبلتني كالطين... ألم تَصُبَّني كاللبن [السائل المنوي]، وخثرتني كالجبن [أي صار كياني مثل قطعة الجبن]، كسوتني جلدا ولحما، فنسجتني بعظام وعصب، منحتني حياة ورحمة، وحفظت عنايتك روحي". {كتب سفر أيوب بما يزيد عن (2000) ألفين [الصواب: ألفي] سنة قبل الميلاد أي قبل الإسلام بما يزيد عن 2600 سنة}
(مز139/ 13ـ16) "... نسجتني في بطن أمي، أحمدك لأنك صنعتني بإعجازك المدهش، لم تختفِ عنك عظامي حينما صنعتُ في الرحم، أبدعتني هناك في الخفاء رأتني عيناك عَلَقَةً وجنينا وقبل أن تخلق أعضائي كُتِبَتْ في سفرك يوم تصورتها" {كتبت المزامير بما يزيد عن 500 سنة قبل الميلاد أي قبل الإسلام بما يزيد عن 1100 سنة}
2ـ من علم الطب: (الموسوعة العربية الميسرة ص 1149و1150) [تشير الآثار على نشوء مهنة الطب لدى السومريين والبابليين (قبل الميلاد ببضعة قرون). وقد أحرزت المدنيات القديمة في الصين، والهند، ومصر، وفارس درجات متفاوتة في التقدم في المعلومات التشريحية... كما وجدت بردية بالفيوم تحتوي على معلومات في الطب التشريحي، وفيها جزء خاص بأمراض النساء والحمل... يرجع تاريخها إلى حوالي سنة 1800 ق.م (أي ما يزيد عن 2400 سنة قبل الإسلام)... وتحتوى على وصف لأجزاء الجسم. وقد ساهم العرب على وجه ملحوظ في علم الطب... فترجموا الكتب المصرية واليونانية القديمة... في الطب]
ألا ترى معي أن الإسلام لم يأت بجديد، بل أخذ عن الكتاب المقدس ما قاله قبل القرآن بما يزيد عن 2600 سنة ؟؟!! ".
الجواب: قام القمص زكريا بطرس (كاتب صفحة تساؤلات حول القرآن) بتحريف في النص الذي استشهد به من سفر أيوب (كعادته !!).
وحتى تتكون نظرة متكاملة للموضوع، سيتم نقل النص من العهد القديم:
فالنص من المزامير [139/13-16] كما يلي: " (13) لأنك أنت اقتنيت كليتيّ. نسجتني في بطن أمي.(14) أحمدك من اجل أني قد امتزت عجبا.عجيبة هي إعمالك ونفسي تعرف ذلك يقينا.(15) لم تختف عنك عظامي حينما صنعت في الخفاء ورقمت في أعماق الأرض.(16) رأت عيناك أعضائي وفي سفرك كلها كتبت يوم تصورت إذ لم يكن واحد منها ".
أين عبارة: " صنعتني بإعجازك المدهش " ؟ وأيضاً: " الرحم " ؟ وأيضاً: " علقة " ؟ وأيضاً: " جنيناً " ؟
كيف يتجرأ رجل دين ـ يعِظ الناس على الفضائيات يومياً ـ على التحريف والزيادة على كلام ربه وتحوير الكلام فيضيف تلك الكلمات ؟
ما وجه الشبه بين التخثير (كالجبن) والثابت علمياً من قضية تكون الجنين في رحم الأم ؟
لقد قام بذلك التحريف؛ ليصرف الانتباه عن اتفاق النص المذكور أعلاه، والفكرة المغلوطة حول الجنين القزم.[17] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn17)
ألم يقرأ ما ورد في سفر العدد [12/12] " فلا تكن كالميت الذي يكون عند خروجه من رحم أمه قد أكِلَ نصف لحمِهِ " ؟! ما رأيه بالتشبيه هنا ؟
ولا عجب في ذلك، فالأخطاء العلمية في كتبهم المقدسة كثيرة جداً. منها ما ذكره العهد القديم (التوراة المحرفة) أن الأرنب من الحيوانات المجترة، كما نص سفر التثنية [14/7]: " الجمل والأرنب والوبر لأنها تجترّ، لكنها لا تشق ظلفاً، فهي نجسة لكم ".
وسفر التثنية [11/20-23] أكد وجود طائر خرافي له أربعة أقدام: " وكل دبيب الطير الماشي على أربع فهو مكروه لكم. إلا هذا تأكلونه من جميع دبيب الطير الماشي على أربع.. لكن سائر دبيب الطير الذي له أربع أرجل فهو مكروه لكم ".
ولا يخلو الإنجيل المحرف من معلومات تناقض حقائق العلم ومنها:
1- نجم يتمشى على سطح الأرض: تحدث متى عن قصة المجوس الذين جاءوا للمسيح عند ولادته وسجدوا له فقال [2/1-10]: " ولما ولد يسوع في بيت لحم في أيام هيرودوس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين. أين هو المولود ملك اليهود ؟ فإننا رأينا نجمة في المشرق وأتينا لنسجد له.. ذهبوا إذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء، ووقف فوق حيث كان الصبي، فلما رأوا النجم فرحوا فرحاً عظيماً جداً.. ".
من المستحيل أن يشير نجم يبلغ حجمه أضعاف حجم الشمس بلايين المرات إلى موضع ولادة شخص في حظيرة حيوانات. وهذا يدل على جهل كتبة الإنجيل وعدم معرفتهم بحجم وطبيعة النجم ؟
2- رؤية الشمس والقمر ! يقول كاتب سفر الرؤيا [6/12]: " ونظرت لما فتح الختم السادس وإذا زلزلة عظيمة حدثت والشمس صارت سوداء كمسح من شعر والقمر صار كالدم، ونجوم السماء سقطت إلى الأرض كما تطرح شجرة التين سقاطها إذا هزتها ريح عظيمة ".
بما أن الشمس ستصبح سوداء ـ أي ظلاماً دامساً ـ فالجزء المحيط كفراغ جوي حول الكرة الأرضية، سيصبح أسود دامساً حالكاً في السواد.. فكيف إذاً سنرى الشمس أولاً ؟ ثم كيف يمكننا رؤية القمر ثانياً ـ ولونه كالدم بحسب زعم النص ـ حال كون الشمس ظلمة أو سوداء ؟ خصوصاً ونحن نعلم أن القمر إنما يستمد نوره من الشمس فهو كالمرآة يعكس ضوء الشمس، فإذا كانت الشمس سوداء فكيف للقمر أن يصبح دماً أو كالدم ؟
وذاك ينفي زعمهم كون القمر يستمد ضوءه من الشمس اعتماداً على ما ورد في سفر أيوب [25/5]: " هو ذا نفس القمر لا يضيء والكواكب غير نقية في عينيه ".فالكتاب المقدس يؤكد إن نور القمر مستقل بذاته، تلك حقيقة لا ينكرها من يقرأ عباراته. وانظر أيضاً: حزقيال32/7، وإشعيا 13/10 و30/26، ومرقص13/24، ومتى24/29. بينما العبارة المذكورة في سفر أيوب تبين أن القمر كان يراه الناس مضيئاً، ثم صاروا لا يرونه كذلك بتعبير أدبي شاعري..
3- للأرض زوايا أربعة !!!
لا يمكن لأحد أن يفكر أن للكرة الأرضية زوايا ذلك لأن الأشكال الهندسية ـ عدا الدائرية ـ فقط هي التي لها زوايا، إلا أن الكتاب المقدس يدعي بأن للأرض أربعة زوايا !
وهذا طبقاً لما جاء في سفر الرؤيا [7/1]: " ورأيت بعد ذلكَ أربعة ملائكَة واقفين على زوايا الأرض الأربع، يحبسون رياح الأرض الأربع، فلا تهب ريح على بر أو بحر أو شجَر ".
ومثله في سفر حزقيال [7/2]: " النهاية قد أزفت على زوايا الأرض الأربع ".
وهي مسطحة بحسب الإصحاح الرابع من سفر دانيال: " فرؤى راسي على فراشي هي اني كنت ارى فاذا بشجرة في وسط الارض وطولها عظيم. (11) فكبرت الشجرة وقويت فبلغ علوها الى السماء ومنظرها الى اقصى كل الارض. (12) اوراقها جميلة وثمرها كثير وفيها طعام للجميع وتحتها استظل حيوان البر وفي اغصانها سكنت طيور السماء وطعم منها كل البشر ". كيف يراها الكل، إذا كانت الارض كروية؟!
ومثلها دليل آخر على كون الأرض غير كروية في الكتاب المقدس: ما كتب متى في إنجيله [4/ 8] عن تجربة الشيطان للمسيح: " ثم أخذه إبليسُ أيضاً إلى قمة جبلٍ عالٍ جداً، وأراه جميعَ ممالك العالم وعظمتها، وقال له: أعطيك هذه كلها إنْ جثوت وسجدتَ لي ". فكيف رأى جميع الممالك ؟!
4- يقول بولس: " أحب المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها ". [أفسس 5/ 26] وهذا الكلام خطأ لأنه لم تكن هناك كنائس في زمن المسيح، ولم يأت المسيح بدين جديد، والكنائس بنيت بعد المسيح بعشرات السنين.
5- قال متى في إنجيله [27/51 - 54] عند موت المصلوب: " (51) واذا حجاب الهيكل قد انشق الى اثنين من فوق الى اسفل. والارض تزلزلت والصخور تشققت. (52) والقبور تفتحت وقام كثير من اجساد القديسين الراقدين. (53) وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين. (54) واما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جدا وقالوا حقا كان هذا ابن الله ".
هذه الحكاية كاذبة ويدل على كذبها عدة وجوه:
أولاً: هذا الحدث مناقض للموجود في أعمال الرسل [26/23]: " أن المسيح يتألم ويكون أول من يقوم من بين الأموات ". فلو صح قيام القديسين من قبورهم، لم يكن المسيح أول قيامة الأموات، وأي الأمرين أخذت به لزمك تكذيب ما سواه.
ثانياً: كيف كان حال هؤلاء الموتى بعد قيامهم من قبورهم؟ ولمن ظهروا ومع من تكلموا؟ وأين بقيت أكفانهم، وهل كانوا حفاة عراة بين أهالي أورشليم، وماذا حدث لهم بعد ذلك، وهل بقوا أحياء أم رجعوا إلى قبورهم ؟!
ثالثاً: أن هذه الأمور العظيمة، لما كانت ظاهرة ومشهورة، يستبعد جداً أن لا يكتبها أحد من مؤرخي ذلك الزمان، وإن امتنع المخالف عن كتابتها لأجل سوء الديانة والعناد، فلا بد أن يكتبها الموافقون، لا سيما لوقا الذي وعد في الاصحاح الأول من إنجيله أنه يكتب كل شيء بتتبع وتدقيق.
رابعاً: أن اليهود ذهبوا إلى بيلاطس في اليوم الثاني من الصلب قائلين: يا سيد قد ذكرنا أن ذلك المضل قال في حياته أني أقوم بعد ثلاثة أيام، فمر الحارسين أن يضبطوا القبر إلى اليوم الثالث وقد صرح متى أن بيلاطس وامرأ ته كانا غير راضين بقتله فلو ظهرت هذه الأمور ما كان يمكن لهم أن يذهبوا إليه والحال أن حجاب الهيكل منشق والقبور مفتوحة والأموات حية لأن بيلاطس لما كان غير راض من أول الأمر ورأى هذه الأمور أيضاً لصار عدواً لهم وكذبهم، وكذا كان ألوف من الناس يكذبونهم.
خامساً: هذه الأمور آيات عظيمة، فلو ظهرت لآمن كثير من اليهود والروم على ما جرت به العادة ألا ترى أنه لما نزل روح القدس على الحواريين وتكلموا بألسنة مختلفة تعجب الناس وآمن نحو 3000 آلاف رجل كما هو مصرح في الإصحاح الثاني من سفر أعمال الرسل. وهذه الأمور أعظم من حصول القدرة على التكلم بألسنة مختلفة.
لا يمكن مقارنة ما في القرآن الكريم من حقائق علمية، كانت سبب رفعة العرب بعد جاهليتهم. بأغلوطات علمية كانت سبباً في تأخر النصارى، الذين لم يتقدموا قبل لفظها وراء ظهورهم، بعد الثورة الفرنسية.
القلب الحزين
12-12-2013, 04:00 PM
تعقيب على تعليقات هستيريا تنصير العالم
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/11963499005656.jpgبقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
نظرا لعدد الردود والتعليقات التى وصلتنى حول مقال "هيستريا تنصير العالم"، فل "هيستريا تنصير العالم"، فقد آثرت دمج أهم ما ورد بها فى رد واحد علّه يفيد أكبر عدد ممكن من الذين راسلونى أو علقوا على نفس المواقع التى نشر بها.
وأكثر ما أدهشنى فى هذه التعليقات المعترضة على المقال هو: ضحالة مستوى المعلومات العامة لكاتبيها وجهلهم الشديد حتى فيما يتعلق بالمسيحية التى يدينون بها وبتاريخها، سواء القديم أو المعاصر، وعدم متابعتهم للأحداث، وحشر موضوعات متعددة لا شأن لها بموضوع المقال، إضافة إلى انهم لم يفهمو المقصود من الموضوع الذى تناولته. أى انهم بدوا كأناس لا يقرأون، وإن قرأوا فلا يُدركون تماما معنى ما يقرأونه. فالمقال كان يدور أساسا حول الهَوَس الذى يقود به الفاتيكان عملية تنصير العالم، إعتمادا على نصوص فنّدها العلماء، وعلى أقوال لم ينطق بها يسوع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تساؤل حول وضع اليهود، الذين اعترف لهم الفاتيكان بدولة لا حق لهم فيها بكل المقاييس، وعن وضعهم من عملية التنصير العالمية هذه؟ هل سيتم تنصيرهم أم إن الفاتيكان هو الذى سيتهوّد ؟!
ونظرا للخلط والتداخل الشديد بين العناصر التى تناولوها، وكلها تقريبا خارج أو على هامش الموضوع، فسوف أتناول كل منها على حدة حتى يعوا تماما ما أقول وعلها تفيدهم كمعلومات عامة:
* التهجم على المسيحية: إن الاستشهاد بالحقائق العلمية التى بدأت تتوالى منذ عصر التنوير فى الغرب، والثابتة تاريخياً، بأسلوب علمي موضوعي، لا يسمّى "تهجما على المسيحية " إلا فى نظر من لا يعرف هذه الحقائق أو يعتم عليها لعدم إنتشارها..
* التشكيك فى ثوابت المسيحية: إن ما كُتب حول هذه النقطة، منذ عصر التنوير حتى يومنا هذا، وكثير من هذه الأبحاث بأقلام لاهوتيين، وأغلبه أتى تحت بند "التحريف فى المسيحية"، إذ أن تلك هى السمة الرئيسية لها، أصبح من أبجديات المعلومات العامة. وإثبات وانتشار هذه الحقائق المُرّة هو الذى أدى بالغرب إلى الإلحاد والإبتعاد عن ذلك الدين، وليس طغيان المادة كما يردد بعض المدافعين.
* الزعم بوجود آلاف المتناقضات: لو طالع أي قارئ الموسوعة البريطانية لعرف أن هناك أكثر من 150 الف تناقض وتحريف وأخطاء ترجمة عن النص اليوناني المكتوب في القرن الرابع ويسمى "الفولجات". وهذا النص كتبه القديس جيروم، الذى أعترف في مقدمة هذه النسخة أنه قام بالتوفيق والتغيير والتبديل اللازم، بين عشرات الأناجيل، لتخرج "الفولجات" فى الشكل الذى هي عليه. وهو النص الرسمى الذى فرضته الكنيسة لأكثر من الف عام على ان الله "هو المؤلف"، ثم تراجعت عن ذلك ! وقد رفع العلماء حديثا رقم هذه الآلاف إلى الضعف، أي إلى أكثر من عدد كلمات العهد الجديد نفسه..
* إتهامى بزعم أن إضافات كثيرة أضيفت: لو أن القراء الأجلاء قد تابعوا أعمال معهد ويستار (Westar Institute) بأمريكا، وما قام به من أبحاث تحت عنوان "ندوة يسوع" jesus seminar 200، الذي بدأ نشر نتائج أبحاثه منذ عام 1992، وهى أبحاث ساهم فيها أكثر من مائتين عالم متخصص فى اللاهوت والتاريخ الكنسي واللغوي، وخرجوا منها بأن 82 % من الأقوال المنسوبة ليسوع لم يتفوه بها، وإن 86 % من الأعمال المنسوبة إليه لم يقم بها، لو أنهم يقرؤون ويتابعون تاريخ عقيدتهم لما كتبوا هذه العبارة أو إتهموني بالتهجم على المسيحية !
* مجمع الفاتيكان الثانى (1965): عار علي كل مسيحي تفضل بالرد عليّ عدم متابعة المجامع المسكونية خاصة، أي العالمية، والتي تعد قراراتها مُلزمة لجميع المسيحيين بمختلف توجهاتهم ومشاربهم التى وصلت فى أمريكا، التي يتغنون بها، إلى أكثر من 33.000 طائفة، وعدم معرفة قرارات هذا المجمع تحديداً، إذ تم وصفه فى الغرب المسيحي بأنه "أول مجمع هجومي في التاريخ". وذلك لأن كافة المجامع السابقة كانت تلفيقية، بمعنى: محاولة رأب أي صدع جديد قبل أن يتسع. وقرارات هذا المجمع الفاتيكانى الثاني صدرت في عدة وثائق، موجودة في إصدارات الفاتيكان وغيره من المكتبات، و يمكنكم مطالعتها إن شئتم.. وأبادر بتلخيص أهم هذه القرارات، وهي:
1 ـ تبرأة اليهود من دم المسيح، رغم وجود أكثر من مائة آية تتهمهم صراحة في الأناجيل. وهذا القرار وحده من الأسباب الرئيسية الحديثة لتباعد الكثير من الأتباع في الغرب، فالتلاعب بالنصوص صارخ إلى درجة لا يمكن إغفالها. والأناجيل لديكم وإقرأوها.
2 ـ إقتلاع اليسار في عقد الثمانينات، هو ولاهوت التحرر في أمريكا الجنوبية. وهو ما تم تنفيذه فعلاً، سواء بإسقاط الإتحاد السوفييتى أو بإخراس الأسقف ليوناردو بوف (Leonardo Boff) وأتباعه.
3 ـ إقتلاع الإسلام في عقد التسعينات حتى تبدأ الألفية الثالثة والعالم كله قد تنصر.
4 ـ توصيل الإنجيل لكافة البشر، وهي الصيغة المضغمة الأولى التى أعلنوا بها قرار تنصير العالم، أملاً في تمرير القرار دون ردود أفعال تُذكر.
5 ـ توحيد كافة الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما ـ علماً بأن الخلافات بينها عقائدية. وذلك يعنى أن تتنازل الكنائس الأخرى عن عقائدها، وهو ما بدأ تنفيذه فعلاً، وما عليكم إلا المتابعة ! ومنذ ثلاثة أيام، أي في 23 نوفمبر الحالي، في اجتماع الكرادلة، أكد البابا بنديكت السادس عشر أنه لا تراجع فى عملية توحيد الكنائس بمعنى اقتلاعه لفرض كاثوليكية روما..
6 ـ فرض عملية التبشير على كافة الأتباع الكنسيين منهم والعلمانيين أو المدنيين. وهو ما يمثل الهَوَس الدائر حالياً على الصعيد العالمي.
7 ـ إستخدام الكنائس المحلية فى عملية التبشير ( وآخر نقطتين 6 و7 تضعان الأقليات المسيحية فى موقف عدم الأمانة بالنسبة للبلدان الإسلامية التى يعيشون فيها).
8 ـ إختلاق بدعة الحوار مع الديانات غير المسيحية ـ فالحوار فى كافة الكتابات الخاصة به، في الوثائق الفاتيكانية، يعنى: " فرض الإرتداد والدخول فى سر المسيح ".
9 ـ إنشاء لجنة للحوار.
10 ـ إنشاء لجنة لتوحيد الكنائس وكل من هاتين اللجنتين برئاسة أحد الكرادلة.
وفى عام 1982 أعلن البابا يوحنا بولس الثانى ضرورة تنصير العالم صراحة، وهو ما عبّرت عنه جريدة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية قائلة آنذاك " أنه يمشى على الإسلام بشاحنة من حجارة " ! وفى عام 1995 أصدر نفس ذلك البابا خطاباً رسولياً بعنوان: "عشية الألف الثالثة" وهو ما وصفته الصحافة الفرنسية عند صدوره بأنه "بمثابة الخطة الخمسية لتنصير العالم ".. كما يمكن للأخوة الأفاضل الإطلاع، على الأقل، على أعمال "معهد أبحاث تنصير العالم" فى لوزان بسويسرا، ليروا المبالغ التى تُعد بالتريليونات من أجل التنصير، وأنه يوجد أكثر من 45 مؤسسة كنسية رسمية عالمية من أجل تنصير الشعوب، ومنها منظمة "سان إيجيديو" (SantEgidio)، و"فوكولارى" (Foccolari) وكل منها يتبعها عشرات بل مئات المنظمات الفرعية..
* مؤسسة الفاتيكان: دفاع بعض الأخوة عن هذه المؤسسة ساذج إلى درجة الهزل ! فما من إنسان أصبح يجهل اليوم ما يمتلكه الفاتيكان من مؤسسات ترويعية، وأولها محاكم التفتيش التى تغير إسمها في مجمع الفاتيكان الثانى (1965) إلى "لجنة عقيدة الإيمان"، ومحاكم التفتيش هذه لا تزال سارية، وسارية المفعول القمعي، وكان يترأسها فى آخر أربع وعشرين سنة الكاردينال راتزنجر، المعروف حاليا تحت اسم البابا بنديكت السادس عشر. ولا أقول هنا شيئا عن منظمة "أوبس داي" (Opus Dei) ولا عن مدى تدخلها فى القيادات العليا للمنظمات الدولية والسياسية والإجتماعية على مستوى العالم، وتكفى الإشارة إلى ما قامت به حديثا من أعمال وملاحقة، للحد من وقع رواية "شفرة دافنشى" والفيلم المأخوذ عنها على الأتباع. وللعلم: إن الفيلم لم يُمنع من العرض إلا فى البلدان التى بها أقليات مسيحية على الصعيد العالمي ! ويمكن مراجعة المقالات الثلاث التى كتبتها حول هذا الموضوع..
* الألعاب الأولمبية و استخدامها فى التبشير: لو أن كاتب هذه الملاحظة قد تابع نشاط الفاتيكان حاليا ولجان التنصير لها له ما يعدّونه من الآن للدورة الأولمبية القادمة عام 2008 التى ستنعقد فى الصين، والقول صراحة: " يقينا أن الوضع الدينى فى البلد لن يصبح كما كان عليه قبلها " وقد تم تعيين أسقفا جديدا فى الصين والعمل جارى على قدم وساق من أجل زيادة إيقاع عملية تنصير الصينيين !..
* الإنجيل لم ينتشر أبداً بالقتل والغزو: من أكثر الأمور التى باعدت الأتباع فى الغرب عن الكنيسة كل ما تكشف من أهوال حتى باتت عناوين من قبيل "الصفحة السوداء للكنيسة" أو "الصفحة السوادء للمسيحية" من أكثر الكتب التى تناولت الأهوال القمعية التى قامت بها المؤسسة الكنسية على مدى تاريخها، ولا أذكر هنا إلا على سبيل المثال لا الحصر: ما قام به الإمبراطور شارلمان وذبحه للآلف يومياً لرفضهم التنصير، وتنصير الأوربيين بالسيف، أوالحروب الصليبية التى لم ترسلها الكنيسة إلى المسلمين وحدهم وإنما إلى كل من خالفها من الشعوب المسيحية مثل الفودوا والكاتار والبوجوميل الذين أبادتهم عن بكرة أبيهم لأنهم يدينون بالأريوسية الرافضة لتأليه المسيح. وهى البدعة التى تمت فى مجمع نيقية سنة 325 م. ومحاكم التفتيش، وحرق الناس أحياء، وفرض الف عام من الظلمات والتعتيم، وإقتلاع السكان الأصليين للأمريكتين، ومنع قراءة الأناجيل حتى لا يكتشف أحد القراء ما يتم بها من تعديل وتغيير.. ولا أقول هنا شيئا عما كالته الكنيسة لليهود بغرسها معاداة السامية منذ صياغتها للأناجيل، وهم يتفننون حاليا فى كيفية أن يُشربوها نفس الكأس، بالتدريج، حتى يتمكنوا تماما ـ وكله تاريخ مكتوب ومُعاش، وتصل أرقام قتلاه إلى عشرات بل مئات الملايين، فكيف تجهلونه ؟!
* حمل الجنود الأمريكيين للكتاب المقدس: إن تكرار هذه الملاحظة لدى أكثر من معلق يجعلنى أقول: قسما بالله أنا خجلة لمستوى معلوماتكم العامة ولمتابعكم الأحداث القريبة ولا أقول حتى التاريخية، ولطريقة لىّ الحقائق.. وإن كنتم طلبة عندى فى الجامعة لأعدتكم إلى المرحلة الإبتدائية ! ففضيحة إقحام المبشرين والأناجيل مع العتاد الحربى للغزو الأمريكى فى أفغانستان وخاصة فى العراق، وعبارات جيرى فالويل المتعصبة وغيره من المبشرين تناولتها الصحافة الغربية ومجلاتها، باسهاب بالصور والأرقام، قبل أن تتناولها الصحافة العربية أو المحلية. إن لىّ الحقائق وتحريفها لا يقلل من شأنها أبدا وإنما يمس بمصداقية من يقوم بذلك وبأمانته الموضوعية..
* بناء كنائس فى السعودية: في حدود مستوى معلومات كاتب هذه الملاحظة، لعله لا يعرف أن ارض السعودية بكلها أرض حَرَم، بقول الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز فيها بناء أى دور عبادة اخرى غير الإسلام، وإستشهاده بالمسجد المبني قرب المطار فى روما، وليس "قرب الفاتيكان" كما زعم، إستشهاد فى غير مكانه، إلا إن كان يرى أن يسمح الفاتيكان ببناء مسجد داخل أرضه التى هى 0.44 كم مربع، عندها يحق له الكلام والإقتراح، ورغمها، فالآرض الحَرَم فى الإسلام لا مساس بقدسيتها.
* إنكار مجهودات الغرب في الحد من الفقر والتى لا ينكرها إلا كل مخادع: أبدأ بقول إن إسقاط عملية "الخداع" علىّ غير مجدية فكل كلمة أقولها أو أكتبها فى هذا المجال موثقة علمياً ولا يمكن تفنيدها ! أما تلك المجهودات التى يعنيها من طرح هذه الملاحظة، فكلها مرتبطة يقينا و بلا إستثناء بعمليات التنصير، وما عليه إلا مراجعة الوثائق الرسمية للمؤسسات التبشيرية العالمية ذاتها، وعددها أكثر من ثلاثمائة، وفقا لبيانات معهد التنصيرالسالف الذكر فى لوزان، وإلى توجيهات الفاتيكان ومساعيه حتى في هيئة الأمم وغيرها من المنظمات الدولية، بل ولدى الملوك والرؤساء ـ على حد قول البابا يوحنا بولس الثاني في كتاب " الجغرافيا السياسية للفاتيكان ".
* لم يسمع أحدهم عن مجرد عملية توزيع كتيب أو إنجيل !: من الغريب أن رجل الأعمال الأمريكي دوج بيري، فى كانزاس سيتى، قدم تقريرا هذا الأسبوع، عن حالة الفساد التى تعم منظمات التبشير التى تنفق أكثر من 1.1 مليارا من الدولارات سنويا على كتيبات الدعاية التبشيرية بثلاثة آلاف لغة مختلفة، ورغمها لم يتنصر العالم بعد ! ويمكن قراءة التقرير فى نفس معهد لوزان للتنصير، وهذا الموقع ملىء بالمعطيات التى تفيدكم كمعلومات عامة وكثير مما يتم لتنصير العالم..
* تبرع بيل جيتس ووارين بوميت: لا شك فى أنهما قد حازا بتقدير وإعجاب كل من طالع الخبر، لكن، لكي نكون أمناء، لقد أغفل كاتب هذا التعليق في عرضه للموضوع أن الضرائب هناك تصاعدية، وأن التبرعات تخصم من الوعاء الضريبي.. أو لعله لا يعرف هذه المعلومة البدائية أيضا ؟ وهذا لا يقلل من قيمة عملهم الخيرى.
* مهاجمتي للعقيدة المسيحية وأننى "أتخفى وراء هكذا خطابات وهكذا عناوين" أو تعليق القارىء الآخر "بأنها الطريقة المثلى الآن للترقى والحصول على المكاسب والمناصب": سبق و أوضحت أننى لن أتدنى إلى مستوى بعض العبارات السوقية الواردة فى هذه التعليقات، فأنا لا أهاجم العقيدة المسيحية وإنما أنتقد تصرفات بعض المسؤلين عنها ومحاولتهم إقتلاع الآخر وتنصير العالم، والفرق شاسع بينهما. فالمؤسسة الكنسية التى دأبت على مهاجمة وإقتلاع العقائد الأخرى منذ بداية الإعتراف بها كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية فى القرن الرابع، وحتى الآن، هى التى لا تعرف معنى للتسامح أو لوجود الآخر.
وللعلم: إن إيمان المسلم لا يكمل إلا لو آمن بكل الرسل والأنبياء السابقين ومنهم السيد المسيح عليه الصلاة والسلام. وكلنا كمسلمين نؤمن به ونجلّه كنبى من الأنبياء وليس كإنسان تم تأليهه فى مطلع القرن الرابع وأدى إلى ما أدى إليه من مجازر.. ولو رجعتم إلى الأناجيل الحالية رغم ما تم بها من تعديل وتبديل ستجدون أن السيد المسيح بفرّق بينه وبين الله عز وجل، وانه فى زمنه كان يُعد "إنسا نبيا مقتدرا " بين قومه، ـ رغم أن أسرته كانت تتهمه بالجنون ! وهذه من ضمن التناقضات الموجودة والتى أغضبتكم الإشارة إليها ! ومن الواضح أنكم لا تقرأون حتى الأناجيل التى تتبعونها.
أما عن المناصب والمكاسب، وله كل العذر بمستوى معلوماته كاتب هذه العبارة، فلعله لا يعرف أننى كنت أشغل منصب أستاذ للحضارة ورئيس قسم اللغة الفرنسية وآدابها، وتقدمت بمعاش مبكر لأتفرغ للبحث العلمى والدفاع عن دينى بكشف موقف الغرب من الإسلام. ونظرا لحساسية الموضوع الذى تفرغت له وكرست له حياتى، وخاصة فى نظر من هم فى مستواكم المعلوماتى، فأنا لا أكتب كلمة إلا وكانت وثيقتها العلمية عندى. وبالمناسبة، لى حوالى عشرين كتابا بالعربية والفرنسية فى هذا المجال، آخرها: "المساومة الكبرى، من مخطوطات قمران إلى مجمع الفاتيكان الثانى".. ويوم يمكنكم الإطلاع عليها وعلى كشف المراجع الموجودة بكل منها، وكلها مراجع أجنبية، واستيعاب ما بها، عندئذ فحسب يمكنكم مناقشتى فيما كتبت، وليس بالمستوى العلمى والمعلوماتى بل والأدبى الذى أنتم عليه الآن.
يمكن مراسلة المؤلفة على الإيميل التالي:
[email protected] (
[email protected])
القلب الحزين
12-12-2013, 04:01 PM
التبشير أجباري بأمر من البابا
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1198325594600px-flag_of_the_vatican_city.svg_%28custom%29.jpg
علم الفاتيكان
أستاذة الحضارة الفرنسية
فى الرابع عشر من ديسمبر 2007 أصدرت لجنة عقيدة الأيمان " مذكرة توضيحية حول بعض ملامح التبشير "، تؤكد فيها أن عملية التبشير التى يقودها الفاتيكان ( بهيستريا جامحة فى كافة الإتجاهات فى العالم )، هى ضرورة لا بد منها ولا نقاش فيها، وأنها حق موكل إليها من الرب يسوع مباشرة، على أنها الكنيسة الوحيدة بين كافة الكنائس التى تتمتع بهذا الإمتياز الخاص ـ إذ أن باقى الكنائس ناقصة أو معيبة وفقا لما أعلنه البابا فى يوليو الماضى !
وهذه المذكرة هى ثمرة جهود مضنية بدأت منذ عدة سنوات، عندما كان رئيس اللجنة هو الكاردينال راتزنجر، البابا الحالي الذى يترأس الفاتيكان. وفى هذه الوثيقة تعيد الكنيسة الكاثوليكية تأكيد حقها فى تنصير العالم، وترفض بموجبها كل الإتهامات التى وجهها إليها ألكسيس الثاني، باتريارك الروس الأرثوذكس، اعتراضاً على عمليات التبشير التى يقودها الفاتيكان فى روسيا، لتحويل الأرثوذكس إلى كاثوليكية روما، وذلك منذ ان تم غرس أربعة أسقفيات كاثوليكية فى روسيا عام 2002.
ففي 12/2/2002 كانت الكنيسة الكاثوليكية قد قامت برفع درجة إدارتها الرسولية في الأراضي الروسية إلى درجة أسقفيات. مما أدى آنذاك إلى إعتراضات عنيفة من جانب الباترياركية الأرثوذكسية فى موسكو. وعند عدم إستجابة الفاتيكان لاعتراضاتها، قرر ألكسيس الثاني تجميد العلاقات الرسمية بينه وبين الكرسي الرسولى. فبالنسبة للمسؤلين الأرثوذكس الروس إعتبروا محاولات التبشير التى يقودها الفاتيكان لتحويلهم إلى الكاثوليكية، " عمليات إستفزازية و محاولة لإقتلاعهم من عقيدتهم ".
وبخلاف الكنائس الشرقية، التي تعترف بسيادة السلطة البابوية فى روما، فإن "الاتهام الموجه من جانب الكنيسة الأرثوذكسية فى موسكو ضد عمليات التبشير التى يقودها الفاتيكان تسمم العلاقات بين روما وموسكو منذ فترات بعيدة ". بل لقد تسببت هذه الإتهامات من جانب الكنيسة الروسية إلى إفساد أعمال اللجنة المشتركة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية إلى درجة أدت إلى وقف المناقشات خلال إجتماع لهم فى مدينة بلتيمور بالولايات المتحدة عام 2000، ولم يتم إستئنافها إلا عام 2006.
ولا يكف المسؤلون عن باترياركية موسكو عن الإحتجاج بانتظام ضد عمليات محاولة إقتلاع الأرثوذكس الروس عن عقيدتهم لصالح كاثوليكية روما. وفى اللقاء الذى تم يوم 7/12/2007 بين البابا بنديكت السادس عشر وسيريل سْمولنسك Smolensk، رئيس أساقفة الروس المسؤل عن العلاقات الخارجية للكنيسة الروسية، قد أوضح أنه لكى تكون العلاقات طيبة بين الكنيستين، الروسية والفاتيكانية، فإنه يتعين على الفاتيكان التخلى عن الأسقفيات التى أنشأها فى الأراضى الروسية ويكتفى بإعادتها إلى ما كانت عليه، أى إلى مجرد إدارات رسولية لا يحق لها ممارسة أى نشاط تبشيرى,
وفى 14 ديسمبر الحالي، عندما قام الفاتيكان بالإعلان عن تلك " المذكرة التوضيحية حول بعض ملامح التبشير"، فإنه قد تمت مراعاة عدم ذكر أن هذه الوثيقة بمثابة رد واضح صريح لرفض إتهامات موسكو، والاكتفاء بقول: " إن هذه الوثيقة قد تمت صياغتها قبل الإتهامات الحديثة التي أعلنتها الكنيسة الأرثوذكسية " !.
والمعروف أن الكاردينال وليم جوزيف ليفادا، رئيس لجنة توحيد الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما، لم يحضر حفل الإعلان عن هذه المذكرة، وأنه كان قد أعرب رسميا يوم 23 نوفمبر الماضي عن " ضرورة تحسين طريقة تقديم الوثائق العقائدية للكرسي الرسولي، خاصة عندما تكون هذه الوثائق قد تؤدى إلى جرح مشاعر المسيحيين الآخرين " !! وعلى الرغم من عدم موافقته على أسلوب المذكرة، فمن الواضح أن البابا قد مررها اعتماداً على باقي الأعضاء متخطيا رئيس اللجنة وإحتجاجه..
فالمذكرة تنص على " أن التبشير يتم أيضا فى بلدان يعيش فيها مسيحيون غير كاثوليك، خاصة في البلدان التي لها تراث وثقافات مسيحية قديمة "، إشارة إلى البلدان التى بها أرثوذكس، وأن ذلك " يتطلب إحترام تراثهم وضرورة إيجاد روح التعاون بينهم".. احترام، لكنه لا يمنع عملية إرتدادهم ! لذلك تشير المذكرة بنفس الأسلوب الملتوي، الشبيه بتلك النكتة التى تكشف عن الديمقراطية والحرية في عالم الحيوان، حينما يسأل الأسد ضحيته : " أكلك مسلوق ولا مشوى ؟! " .. إذ تنص المذكرة قائلة بوضوح :
" إذا تقدم أحد المسيحيين غير الكاثوليك، لأسباب ترجع إلى ضميره وقناعته بالحقيقة الكاثوليكية، طالبا التحول إلى الكاثوليكية، فلا بد من إحترام رغبته على إنها من عمل الروح القدس !.
كما تشير المذكرة إلى الميزة العقائدية للكنيسة الكاثوليكية، مستشهدة بأحد اقوال البابا بنديكت السادس عشر : " إن التبشير بالمسيحية والإعلان عن الإنجيل هي الخدمة الأولى التي يمكن للمسيحيين أن يقدمونها لكل إنسان وإلى الإنسانية جمعاء، بما أن ذلك مطلوب منهم للتعبير عن حب الله الذي تكشّف كلية فى ابنه، فالفادي الوحيد للعالم هو: يسوع المسيح " !!.
ولم أتناول هذه هذه الجزئية من المذكرة وما تحتويه من عبارات تؤكد أن عملية تبشير وتنصير العالم وفقا لكاثوليكية روما، بناء على قرارات مجمع الفاتيكان الثانى (1965)، هي مسألة محسومة ولا رجعة فيها ولا نقاش، إلا لأوضح للذين ينفونها مندهشين أو لا يتصورون إمكانية حدوثها، أو لا يستعقلونها، فهذا القرار من جانب الفاتيكان هو أمر واقع لا محالة، وغني عن القول الإشارة إلى ما يدور اليوم من عمليات تنصير إستفزازية فى كافة بلدان العالم الإسلامي، وهو ما يضع أمانة الإخوة المسيحيين تجاه البلد محل نظر !. وإذا أخذنا فى الإعتبار بعض العبارات الواردة بهذه المذكرة على سبيل المثال، وغيرها كثير:
" أن التبشير بالإنجيل لا يعنى المطالبة بتغيير الدين وإنما هو واجب كنسي، وإن التعبير عن الإيمان المسيحى والإعلان عن الإنجيل لا يعنى أنه القيام بعملية تبشير غير مشروعة، وإنما هي من صميم حق المسيحية " ! وإن "دعوة الشخص بصورة أمينة، مع مراعاة ذكاءه وحريته، لأن يذهب طواعية للقاء المسيح وإنجيله، ليس تدخلاً في غير مكانه فى حقه، وإنما هي خدمة شرعية وجليلة تقَدَم له بحيث تجعل العلاقات بين البشر أكثر ثراء " !!. أو أنه " لا بد من الفهم بوضوح أن الإنضمام كاملا إلى المسيح، الذي هو الحق، والدخول في كنيسته، لا يقلل من الحرية الإنسانية وإنما يرفع من شأنها" ! و " أن كل النشاط الكنسي له بُعد تبشيري أساسي ولا يمكن فصله أبداً عن الالتزام بمساعدة كل البشر على لقاء يسوع فى الإيمان ".. وأن المسيحية هي " الحقيقة الوحيدة التى يجب أن تنغرس فى قلوب البشر "، أو:" إن الإعلان عن المسيح، ابن الله الذي تجسد بشرا، وأنه المنقذ الوحيد، بصراحة وإخلاص تبشيري، دون خشية مخاوف لا أساس لها، إعتمادا على قوة الحق الناجم عن الرب شخصيا سيساند الحقيقة الوحيدة التى يجب أن تنغرس فى قلوب البشر " ..
وإضافة إلى ذلك فإن المذكرة توجز عملية التبشير " بأنها واجب لا يمكن للمسيحيين التخلي عنه، وفى نفس الوقت أنها أحد حقوقهم التى لا نقاش فيها، وتعبير عن الحرية الدينية التي لها أبعادها الموازية للقيم الأخلاقية الإجتماعية والسياسية، وأن أية شهادة مسيحية تظل عاجزة ما لم يمكنها الإعلان بوضوح وبلا مواربة عن ربنا يسوع " . أى إن المسيحي الذى لا يشارك فى عملية التبشير، التى فرضها مجمع الفاتيكان الثانى على كافة الأتباع، يعد إيمانه بمسيحيته ناقصا !
ومن ناحية أخرى، إذا أخذنا فى الإعتبار الخطاب الذى سعى الفاتيكان إلى أن يكتبه بعض أعوانه من المسلمين، ووقّع عليه 138 مسلما من جميع أنحاء العالم، سواء ثقة أو حرجا ممن قدمه أو جهلا بكل تلك الخلفيات، لأدركنا فداحة الموقف : فقد إعتبره قادة الفاتيكان أنه يمثل إجماعا من المسلمين !.
وما هو مطلوب من المسلمين بموجب هذا الخطاب المشبوه هو : الإعتراف بأن الإرهاب من الإسلام، وبناء عليه لا بد من حذف آيات الجهاد من القرآن، وأننا نعبد نفس الإله الذى هو بالنسبة للمسيحيين "ربنا يسوع المسيح"، وبناء عليه لا بد من حذف كل الآيات التى تشير إلى الشرك بالله وتدين عملية تأليه المسيح وإختلاق الثالوث، وكلها آيات تعادل ثلث القرآن الكريم تقريبا !!
وما اقوله ليس ادعاءات على من كتبوه، فالخطاب منشور وله موقع على الإنترنت، لكنني أجزم بأنه مكتوب باسلوب غير أمين كمن يقول " لا تقربوا الصلاة " ويقسم بأن ذلك قرآنا، ويسقط باقي نفس الآية القائلة : " وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " ! ويتضمن بصورة ملتوية عملية التمهيد لتنفيذ كل مطالب البابا بنديكت السادس عشر الرامية إلى إقتلاع الإسلام !! مثلما سبق للفاتيكان وتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية، أيام ريجان، بالتعاون مع جورباتشوف لإقتلاع اليسار ولاهوت التحرر ـ وفقا لقرارات مجمع الفاتيكان الثانى التى تم تنفيذها فعلا، فكلنا عاصرنا إقتلاع اليسار ورأينا كيف تغوَّلت وفحشت تلك السياسة التى يتبعها البيت "الأبيض" !
ولقد تعمدت فى هذا المقال إبراز السبب الحقيقى الذى أدى إلى كتابة هذه المذكرة التفسيرية، لحسم موقف الخلاف بين كنيستين مختلفتين، ليرى المهروِلون من المسلمين كيف أن حتى الطوائف المختلفة من نفس العقيدة المسيحية يصعب عليها التخلى عن معتقداتها، فما بالنا نحن، المسلمون، المطلوب منا إقتلاع الإسلام بأيدينا و تواطؤنا، ـ علما بأن الإسلام جاء أساسا لتصويب ماتم فى رسالة التوحيد فى المسيحية من تبديل وتعديل وتحريف وشرك بالله، فكيف نطيح بأدينا بكل ما أنزله الله سبحانه وتعالى إرضاءً للفاتيكان وتواطؤا معه ؟! إن النفس لتجذع اشمئزازا وغضبا من مجرد تصور هذا الهوان على بعض المسلمين !.
ولا يسعنى إلا أن أعرض هذه الوثائق والمعلومات على كافة المؤسسات الإسلامية فى جميع أنحاء العالم، وخاصة إلى اولئك الذين يساهمون فى عمليات الحوار المشبوه، المعروف بالحوار بين الأديان، والذي بات الغرض منه معلن بصريح العبارة، فتنصير العالم بات أمرا مفروغ منه فى نظر البابا بنديت السادس عشر !
إتقوا الله، أيها المسلمون، وأفيقوا من ثباتكم للدفاع عن الإسلام.
يمكن مراسلة المؤلفة على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
12-12-2013, 04:03 PM
الإساءة الدنماركية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1204364710moshref.jpgد. علي بن عمر بادحدح
دكتوراه في أصول الدين ـ جامعة أم القرى
حب النبي صلى الله عليه وسلم إيمان تخفق به القلوب، ودم يجري في العروق، و ذكرٌ تلهج به الألسنة لأن الله جعل له المقام الأرفع والمكان الأسمى { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ }[ الشرح:1-2] وهو عليه الصلاة والسلام نبي الرحمة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] وهو رسول الصدق صلى الله عليه وسلم { والذي جاء بالصدق وصدّق به } [الزمر:33] وهو صاحب المقام المحمود {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا }[الإسراء:79]
إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم أصل من أصول الإيمان، يقول الله سبحانه وتعالى { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [التوبة:24]، فالله جل وعلا جمع في هذه الآية كل محبوبات الدنيا، وكل متعلقات القلوب، وكل مطامع النفوس ووضعها في كفةٍ وحب الله وحب رسوله في كفةٍ.
وفي الحديث الصحيح المشهور قوله: ( لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (1).
ومعلوم أن من لوازم حبه صلى الله عليه وسلم الذبّ عن عرضه ، والغيرة على سنته ، والحمية له إزاء ما قد يوجه إلى جنابه الكريم من إساءةٍ لا تضر مقامه ولا تنقص من قدره قطعاً ويقيناً لكنها تؤثر في قلوب محبيه وتشعل في نفوسهم من الغيرة ما يحركهم للانتصار لنبيهم صلى الله عليه وسلم.
تكررت الإساءة الدنمركية بالرسوم الكرتونية وعاد الحديث مرة أخرى عن الإساءة والنصرة وهذه وقفات مهمة أقدّم لها بأن تصرفاتنا محكومة بأمرين:
الأمر الأول: أن تكون ابتغاء وجه الله وقصد مثوبته والتجرد لمرضاته وفق مراده وأمره.
والأمر الثاني: أن تراعي تحقيق المصلحة الشرعية للأمة الإسلامية. فليس من هدي الإسلام القيام بعمل بمجرد العاطفة المتقدة أو الحماسة المشتعلة فإن أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم قالوا له في بيعة العقبة الثانية ( لو شئت أن نميل على أهل هذا الوادي ميلة واحدة لفعلنا ) فقال: ( كلا إنا لم نؤمر بذلك) ولما جاء الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحماسته وغيرته في يوم صلح الحديبية أجابه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: (إني رسول الله وإنه لن يضيعني).
الوقفة الأولى: غضبنا جميعاً وسنغضب دائماً من كل من يسيء إلى رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم لأن حبه صلى الله عليه وسلم يستولي على قلوبنا، ولأن قدره هو الأرفع في نفوسنا ولأن ذلك يمس صميم ديننا ولكن دعوني ألفت النظر إلى غضب آخر من خلال القصة الشهيرة لإسلام عمر الفاروق رضي الله عنه يوم ذهب متوجهاً بغضبه وشدته وثورته يريد قتل النبي صلى الله عليه وسلم فاعترضه أحد المسلمين ولما عرف قصده غيّر مساره بذكاء وفطنة قال: اذهب أولاً إلى بيت أختك فإنها قد تبعت محمداً صلى الله عليه وسلم ، ولسان حاله يقول له: قبل أن تقاوم الأطراف الخارجية قاوم صفوفك الداخلية. فرجع عمر إلى بيت أخته وكان ما كان من إسلامه ورجع عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً محباً متبعاً بعد أن توجه سابقاً إليه كارهاً مبغضاً مقاتلاً.
نحن اليوم نتوجه للغيرة والغضب وذلك حق مشروع تفرضه علينا حقيقة الإيمان والغيرة لله عز وجل والحب والانتصار للرسول صلى الله عليه وسلم ، لكننا بحاجة إلى من يردنا إلى الجبهة الداخلية فيقول لنا: أين أنتم من غياب سنة وهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم في بيوتكم؟ أين أنتم من غفلتكم عن العيش مع رسولكم صلى الله عليه وسلم بالإطلاع على سيرته والقراءة لسنته والمعرفة لأحكامه والإتباع لهديه ؟ إن علينا جميعاً أن نراجع أنفسنا ونحن ننصر نبينا صلى الله عليه وسلم في مدى قيامنا بلوازم إيماننا بحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو إيمان إقرار وتسليم، ومحبة وتعظيم وإتباع واقتداء هكذا ينبغي أن يكون.
لقد أساء القول لنبينا وهم غير مؤمنين به.
لكن ما شأن إساءة بعض المسلمين عندما يُخالفون هدي النبي صلى الله عليه وسلم فترى منهم تشجيع تبرج النساء ومتابعة القنوات والأفلام التي تعرض الفسق والمجون. وتبادل السباب والشتائم وهم يعلمون أن نبيهم صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا سباباً ولا طعانا.
أين موقفنا ممن يستهزئ بأحكام الشريعة من الحجاب وغيره من شعائر الإسلام. لماذا لم نغضب لذلك كله؟
لماذا لا نغضب ونلوم أنفسنا على تقصيرنا الكبير والكثير في حق نبينا صلى الله عليه وسلم ؟
لماذا لا ننتقل من الغضب العاطفي إلى العمل المثمر والإصلاح المؤثر لنغير واقع أمتنا ونزيل أسباب التطاول على ديننا ونبينا صلى الله عليه وسلم.
الوقفة الثانية: إن هدف الغضب هو التغيير ، فنحن نغضب ونريد إزالة ما سبب غضبنا ؛ ومن هنا فإن علينا أن نعمل ما يمنع تجدد الإساءة بل يحولها إلى إشادة ، نعم علينا أن نحول إساءة القوم إلى ثناء وتقدير، ولنسأل أنفسنا:
منذ أن حدثت الإساءة الأولى، ماذا قدمنا؟
كم كتاباً طبعنا أو ترجمنا للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم وسنته وسيرته وهديه؟
كم فلماً أنتجنا للتعريف بالأخلاق والمحاسن التي اشتملت عليها السيرة؟ كم جهداً دعوياً بذلنا؟ كم حواراً علمياً ومنهجياً أقمنا؟
لكي يكون لغضبنا ثمرة فلنحوله إلى طاقة ، ولكي يكون لغيرتنا أثر فلنجعلها دعوة.
إن نجاحنا الأعظم وانتصارنا الأكبر يوم نصل إلى تحويل شعوب العالم إلى شعوب تعترف بعظمة نبينا ، وتشيد بأخلاقه ، وتقر خيره وفضله على البشرية ، وأعظم من ذلك أن نحوّل المسيئين إلى مسلمين.
الوقفة الثالثة: إن ديننا العظيم يوجهنا إلى مراعاة المصالح الشرعية في تصرفاتنا ولذلك قال سبحانه: { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام:108] قال ابن عباس في سبب نزول الآية: " كان المسلمون يسبون آلهة الكفار فسبوا بذلك الله سبحانه وتعالى وهو إله المسلمين فنهوا عن ذلك " وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره عن سب آلهة الكافرين قال: " يقول تعالى ناهيا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين، وهو الله لا إله إلا هو "..
وذكر القرطبي في تفسيره عن حكمة هذا النهي قال: " فنهى سبحانه لمؤمنين أن يسبوا أوثانهم، لأنه علم إذا سبوها نفر الكفار وازدادوا كفرا " وقال أيضاً: " وفيها دليل على أن المحق قد يكف عن حق له إذا أدى إلى ضرر يكون في الدين " وهذه من الحكم الشرعية في مراعاة المصالح والمفاسد وكما قال بعض المفسرين أيضاً: " إن حقيقة النهي هو النهي عن ترك الدعوة إلى الشتم - كيف - قال كأن الله يقوم لا تتركوا دعوتهم ومحاجتهم بالحجة والبرهان إلى سب آلهتكم فتمتنع الدعوة ويحصل النفور" وذلك من الأمر المهم البارز الظاهر وقال القرطبي في هذه الآية: " إن حكمها مستمرٌ " وقال: " فمتى ما كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام وأن يسب القرآن وأن يسب رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يمتنع من ذلك " وهذا الأمر مهمٌ جداً فإنه لا يجوز كما قال بعض أهل العلم أن يفعل بالكفار ما يزدادون به كفراً لأننا أمة دعوة ولذا نغضب ولكن دون أن نُحدث ما يزيد الإساءة.
الوقفة الرابعة: لابد أن ندرك أن القوم هناك لا يوقرون نبيناً مطلقاً ولا يقيمون لدينٍ وزناً لأن واقع أمرهم أنهم لا ينتمون حقيقةً إلى دينٍ وإن كانوا ينتمون اسماً وعليه فلا يكفي أن ننتقدهم ونذم فعلهم ونقف موقفاً يدركون منه عظم إساءتهم.
وهناك حقيقة أخرى وهي وجود فئات عنصرية حاقدة على الإسلام والمسلمين وهؤلاء يعملون على تأجيج الصراع بين المسلمين والمجتمعات التي يعيشون فيها وغرضهم عزل المسلمين وتشويه صورتهم بل ومضايقتهم لإخراجهم بكل الطرق وهؤلاء يعرفون باسم "النازيون الجدد ".
إلا أنه والحق يقال فإن جمهوراً كبيراً من شعوب تلك المجتمعات لا يعبر عن هذا الاتجاه كما قال تعالى: { لَيْسُوا سَوَاءً } [آل عمران:113]. وهذه الشريحة الأكبر في المجتمعات الغربية هي التي يجب أن نستهدفها بالجهود التي تبرز عظمة الإسلام وإعجاز القرآن ومكانة النبي صلى الله عليه وسلم ليقر هؤلاء بعد ذلك بحقنا كمسلمين في المحافظة على ديننا والغضب لرسولنا صلى الله عليه وسلم، ولا يتأثروا بما يبثه أولئك النازيون المتطرفون لأن هذه الإساءات لا تمثل حريةً حقيقية وإنما تمثل عنصريةً مخفية.
قد نعجب عندما نقرأ قوله تعالى: { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [آل عمران:186]. إنها آية تجسد ما نحن فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة فوجد منا اليهود والمشركين في المدينة أنواعاً من الأذى لكنه صلى الله عليه وسلم لم يلتفت إلى ذلك وانطلق يقيم دعائم دولته ويؤسس قواعد المجتمع المسلم ولم يُقِم لتلك الأقوال وزنا حتى لا يحدث شرخاً في المجتمع الذي يعيش فيه دون أن يكون في ذلك تحقيقٌ للمصلحة الكبرى.
وما لبثت تلك الألسنة المؤذية أن خرست، وأُخرج اليهود من المدينة بسبب تتابع غدرهم وقبح أعمالهم.
والعمل بهذه الآية واجب علينا، فالصبر المأمور به في الآية يمنع من رد الإساءة بالإساءة، والتقوى تحفظ الإيمان في القلب وتبقي جذوة الغيرة مشتعلة لتنير الطريق إلى عمل مثمر مستمر في الدعوة إلى دين الله وليس هذا بالأمر الهين بل هو من عزائم الأمور كما قال الله عز وجل: { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [آل عمران:186] " أي من صواب التدبير الذي لا شك في ظهور الرشد فيه ، وهو مما ينبغي لكل عاقل أن يعزم عليه ، فتأخذ نفسه لا محالة به " (2).
وعليه فقد آن الأوان لكي نقوم بالجهد المطلوب في دعوة البشرية وتعريفها بسيد الإنسانية نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم بكل جهدٍ علمي مدروس وبكل وسيلة حضارية تقنية وبكل منهجية حوارية دعوية حتى ننتصر لنبينا صلى الله عليه وسلم انتصاراً يتحول فيه العدو الذي كان مبغضاً لرسول الله إلى مؤمنٍ محبٍ له كما انتصر النبي صلى الله عليه وسلم وحقق المعجزة يوم حول الذين كفروا به وسبوه وآذوه إلى الذين فدوه بدمائهم وأرواحهم وجعلوا صدورهم تقيه سهام الأعداء.
لن نترك الغضب والحمية لنبـينا لكننا نريد أن نجمع إليها ما يترجمها بالصورة العظيمة المثلى التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عملاً بوصية القرآن { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [الأعراف:199] فالجاهلون الذين لا يقيمون وزناً لشيء قد يكون من الحكمة ترك الرد المباشر عليهم لتأتيهم بما هو أجل وأعظم ليتحولوا من الكفر إلى الإيمان، ومن الإساءة على الإحسان وما ذلك على الله بعزيز.
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]
----------------
الهوامش:
(1) صحيح البخاري، حديث رقم [14] صحيح مسلم، حديث رقم [63].
(2) تفسير الرازي – [ج 5 / ص 3].
القلب الحزين
12-12-2013, 04:04 PM
الزوجان متساويان غير متماثلين
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/120345242727984nazmee.jpgفي حوار ونقاش طويل بين المساوين للرجل بالمرأة مع الاحتفاظ بالفوارق في التشريعات الشرعية في الميراث وغيره، وبين الرافضين تمامًا لمساواة المرأة بالرجل، توصل الفريق الأول إلى أن المرأة والرجل متساويان في الحقوق العامة كالأصل الواحد، وحق الحياة، وحق الحرية، وحق الكرامة، والذمة المالية المستقلة، وحق فض الحياة الزوجية بالتطليق من جانب الرجل والخلع من جانب المرأة، والحق في المشاركة في الحياة العامة وفق الضوابط الشرعية، والحق في العمل خارج البيت وفق الضوابط الشرعية أيضًا، والحق في التعليم وعدم التمييز في الحب والمعاشرة الزوجية، وعدم التمييز بين الزوج والزوجة في النشوز، وعلاجه إلى غير ذلك من الحقوق الممكنة للمرأة في الحياة الكريمة، والمعاملة الإنسانية الكريمة والحق في الاحترام والتكريم وغير متطابقين في الأحكام الشرعية.
وكل هذا مفصل في كتب تمكين المرأة في الشريعة الإسلامية ومنها كتابنا تمكين المرأة في الشريعة الإسلامية المطبوع عام 2007م بواسطة جمعية الشورى الإسلامية في مملكة البحرين ويوزع مجانًا.
وفي أثناء الحوار: استند المؤيدون لمساواة المرأة بالرجل إلى العديد من الآيات القرآنية، والأحاديث والسيرة النبوية مثل قوله تعالى: " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " البقرة (228)، وقول ابن عباس أنه يتزين لزوجته كما يحب أن تتزين له لهذه الآية وقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: " إنما النساء شقائق الرجال "، وهو حديث صحيح، وتمكين المرأة في جميع مناحي الحياة. إما المعارضون فيستندون إلى قوله تعالى: " وليس الذكر كالأنثى " آل عمران (36)، وما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، والنساء ناقصات عقل ودين، و(الرجال قوامون على النساء) النساء (34)، وميراث البنت نصف ميراث الابن، وحق الرجل في ضرب المرأة. وقد ثبت أن هناك خلط في فهم هذه الآيات وتولي المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف في مصر الرد على هذه الشبهات من قبل علماء أفذاذ في كتاب متميز بعنوان: حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين الطبعة الثالثة 2005م.
وفي هذا المقال أود أن أبين أن المرأة والرجل متساويان في الحقوق العامة وغير متطابقين في بعض الأحكام الشرعية التي ثبت أن غير التماثل هذا كان في صالح المرأة وليس تمييزًا للرجل عليها. وحتى نقرب المسألة إلى الأذهان نقول أن في حساب المثلثات هناك المثلثان المتساويان في المساحة غير المتطابقين في الشكل، والموظفان المعينان على نفس الدرجة ونفس اليوم في أقسام المؤسسة الواحدة متساويان في الدرجة والراتب وغير متماثلين في نوعية العمل والمسؤوليات. وهكذا المرأة والرجل في الإسلام متساويان في الحقوق والواجبات العامة غير متماثلين أو غير متطابقين في بعض الأحكام الشرعية، فالمرأة ترث نصف الرجل في أربع حالات فقط، وتتساوى معه أو تزيد عنه في ثلاثين حالة أخرى، والأخت ترث نصف الأخ ميراثًا ماديًا خالصًا ولا تدفع مهرًا أو تؤثث بيتًا، ولا تلزم بالإنفاق على الأسرة، وتأخذ المهر خالصًا مخلصًا ( نحلة ) كما قال الله تعالى " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " النساء (4)، والرجل يوفر السكن ويؤثثه، وينفق على الزوجة حتى ولو كانت غنية، وعليه حمايتها والإنفاق عليها في عدة الطلاق وفي الرضاعة، وينفق على أمه وأخته، وجدته، وعمته، إن احتجن إلى الإنفاق، والخلاصة أن المرأة مكرمة في شرع الله تكريمًا بالغًا لن تبلغه أي امرأة في العالم، وأن ما نراه من ظلم للمرأة وعدم تمكينها في الحياة السياسية، والاقتصادية والتعليمية، والتربوية، والاجتماعية، وكل ذلك يعود إلى الخلط بين العادات الاجتماعية الجاهلية التي جاء الإسلام بالقضاء عليها، وبين الأحكام الشرعية، وتأثر معظم المشرعين بهذه العادات والتقاليد، والذين يميزون الرجل على المرأة حاليًا هم أتباع الفهم الخاطئ للوضع الشرعي الصحيح للمرأة، والذين يساوون المرأة بالرجل، ويميزونها عليه في العديد من مناحي الحياة يستندون إلى الفهم الشرعي المتخلص من الفهم الخاطئ والمتجرد من خلط العادات والتقاليد المنافية لشرع الله بشرع الله، وكما قلنا سابقًا فالمرأة والرجل متساويان في حقوق الإنسان الواردة في الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان والمتضمنة للحقوق الأساسية، والحقوق السياسية وحقوق الأسرة، وحق الانتماء والجنسية وحقوق التعليم والتربية، وحقوق العمل والضمان الاجتماعي، حق التقاضي، وحق التنقل واللجوء السياسي. هذا الإعلان الذي اتخذ من قول الله تعالى: " يا أيها الناس إننا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم " [الحجرات: 13] والصادر عن أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي، والذي أسهب الدكتور محمد الزحيلي حفظه الله في شرحه ومقارنته بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في كتابه المتميز حقوق الإنسان في الإسلام دراسة مقارنة مع الإعلان العالمي والإعلان الإسلامي بحقوق الإنسان 1997م، وهناك دراسة متميزة صادرة عن جامعة الكويت عام 1997م للدكتور عبد العزيز مخيمر عبد الهادي بعنوان حقوق الطفل بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي دراسة مقارنة, وأصدر أ.د. صلاح الدين سلطان دراسة فقهية متميزة بعنوان امتياز المرأة على الرجل في الميراث والنفقة بين فيها أن المرأة ترث مثل الرجل أو أكثر منه في ثلاثين حاله.
الخلاصة كما قلنا وحلا للإشكاليات بين المؤيدين لحقوق المرأة المسلمة والمعارضين لها من المسلمين هو أن المرأة والرجل متساويان في الحقوق والواجبات العامة وغير متطابقين في بعض الأحكام الشرعية والخصائص الخلقية (فتح الخاء وتسكين اللام) والأدوار الاجتماعية وهذا اختلاف تنوع وتكامل ورحمة وليس اختلاف إذلال وتسلط من طرف على طرف.
ونحن ضد مساواة المرأة والرجل في الميراث على الإطلاق، وفي الأحكام الشرعية المفرقة بينهما في دين الله.
فالمسلم لا ينكر معلومًا من الدين بالضرورة، ولا يحكم بغير ما أنزل الله، ويرضى بحكم الله ويسلم له تسليمًا، وهناك فارق بين حكم الله واختلاف فهم الإنسان للآيات الظنية الدلالة التي فتحت الباب واسعًا للاجتهادات العلمية والشرعية للعلماء والفقهاء وهي اختلافات أدب وسعة ورحمة، وهذا من صلاحية شرع الله لكل زمان ومكان، ومن مراعاة الشريعة لمصالح العبد، والحفاظ على دينه وبدنه وعقله وماله ونفسه، وهو ما يعرف بالكليات الخمس أو المقاصد العامة للشريعة الإسلامية.
فالمراة والرجل متساويان كما قال تعالى: " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " البقرة (228)، وغير متماثلين كما قال تعالى: " وليس الذكر كالأنثى " آل عمران (36).
أما الفريق الثالث الذي يساوي بين المرأة والرجل في كل شيء فهؤلاء يتبعون منهاجًا ماديًا أباح زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة وهذا ما تأباه معظم الحيوانات في كل بقاع الأرض حتى الصراصير والجرذان تأباه.
أ.د. الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى
www.nazme.net
القلب الحزين
12-12-2013, 04:07 PM
الرد على شبهة تأليف القرآن
بقلم http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1200515473274798914_85f4f76579_m.jpgد. غازي عناية
نص الشبهة:
إنّ القرآن من تأليف محمد. صاغه بأسلوبه، وعبّر عنه ببيانه، ونمّقه ببلاغته، وزخرفه بتهيؤاته، ودعمه بمعجزاته، ثم نسبه إلى خالقه، وادعى أنه وحيه، ليكسيه هالة قدسية، جذباً لاحترام، وثقة الناس فيه، ليصبو به إلى مآربه الدنيوية في التسلط، والسيادة، والحكم، والزعامة.
ـ تفنيد هذه الشبهة:
أولاً: إذا كان القرآن من تأليف محمد، فحديثه الأضعف منه بلاغة، وفصاحة، وبياناً، يكذب ذلك. ولكان الأولى ألا ينسب لنفسه حديثاً، وأن يجعل كل كلامه قرآناً فالتمايز بين القرآن، والحديث النبوي على درجة من الشدة، والوضوح، بحيث لا يخفى على أحد، وعلى الأخص على فطاحل اللغة العربية. فالقرآن في أسلوبه، ونمطه، وبيانه وتناسقه، وخصائصه الأخرى تجعله فريداً في نوعه، مميزاً عن كلام البشر، حيث جاء معجزاً، متحدى به، لم يستطع أحد أن يعارضه، أو يقلده، أو يضاهيه، أو يعيبه، أو يأتي بمثله، أو حتى يحرّفه.
أما الحديث النبوي ـ وإن بلغ الذروة في فصاحته، وبيانه ـ فقد تناولته ألسنة المعارضة، والتقليد، والتحريف، فهو لم يجيء معجزاً، ولم يتحد به، ولذا فقد مسّته شواهد التحريف، فكان منه الحديث الصحيح، والحسن والضعيف، والموضوع. وأما ادعاء أعداء الإسلام أن لكلام محمد ضربين: الأول: وهو أن القرآن جاء به على انتظار، وتمهل، وترتيب، وتحضير، فأكسبه مزيداً من التهذيب، والتنميق، والتحبير. والثاني: وهو الحديث النبوي، فعبر عنه دون تريث، أو تفكير، أو تمهل، فجاء محرراً من كل تنميق، أو تخبير. ويرد عليهم: بأن هذا الادعاء يفقد كل أساس مسوغ لصحته. فالقرآن الكريم نزل معظمه مفاجأة، وعلى غير انتظار، أو تمهل، أو تريث، فجاء منمقاً، مهذباً، سامياً في لغته، وأسلوبه، وإعجازه. ونفس الشيء بالنسبة للحديث النبوي: فمنه ما جاء على انتظار، وتمهل وتريث، ومنه ما جاء على غير ذلك، ومع ذلك فكلاهما ورد بنفس الأسلوب، والنمط، والخصائص. وقلما نجد تفاوتاً بينهما، وإنما يبقى التفاوت واضحاً بين القرآن، والحديث في الأسلوب، والنمط، والبيان، والخصائص، ويبقى بينهما كالتفاوت بين مقدور الخالق، ومقدور المخلوق لا يقلل من هذا التفاوت زعم، أو باطل، أو ادعاء، وإلى قيام الساعة.
ثانياً: إن القرآن الكريم لو كان من تأليف محمد، لكان قد نسبه إلى نفسه، ولادّعى الألوهية فضلاً على النبوة، فيحيطه بهالة أكثر قدسية، فيكسب مزيداً من ثقة الناس فيه، فتزيد قداسته فيهم، وبالتالي تتقوى زعامته فيهم، ويشتد تسلطه عليهم. فلو كان القرآن من تأليف محمد لكان الأولى ألا يفرق بينه وبين الحديث، ولا ينتظر أن ينسبه غيره إليه ولكن (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) فالمؤكد تماماً حتى عند أدعياء الكفر أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يدع جاهاً، ولا زعامة، ولا دنيا، وهو الذي قال لأعرابي عندما هالته عظمة النبوة: «هوّن عليك، فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة». ومن الثابت أيضاً حتى بالنسبة لأدعياء الكفر أنه لم يدّع كتاباً، أو علماً من عنده، وما هذه الشبهات إلا من قبيل الكفر، والكفر عناد. والرسول (صلى الله عليه وسلم) هو الذي قال فيه ربه في سورة العنكبوت: (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون) آية 48.
ثالثاً: إن القرآن الكريم لو كان من تأليف محمد لاستطاع أئمة الفصاحة، والبلاغة، والبيان من العرب أن يكتشفوا ذلك، وكان سهلاً عليهم، فيدحضوا به زعم محمد أن القرآن يوحى إليه من عند الله من جهة، ويقلدونه ـ وهم قد عجزوا عن ذلك ـ من جهة أخرى. فالقرآن الكريم ـ وهم أهل الفصاحة، والبيان ـ أعجزهم في لغتهم، وغزاهم في عقر بلاغتهم، وتحداهم، وبأطلق لسان فيهم، وأعرب لغة بينهم، أن يجاروه، ولو بأقصر سورة منه تتكون من ثلاث آيات، وهي سورة الكوثر، ولكن هل استطاعوا؟ ... قال تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين) سورة البقرة آية 23 وقال تعالى: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا مَن استطعتم من دون الله إن كنت صادقين) سورة يونس آية 38. (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) سورة الطور آية 34. ولكن هل استطاع هؤلاء العرب ـ وهم أصحاب الصناعة البيانية، والبلاغية الفائقة ـ أن يجاروا هذا القرآن، أو يعارضوه، أو يقلدوه؟ ... وهل قبلوا التحدي، وهم ملاك النباهة، والحسّ والذوق الأدبي الرفيع؟ الجواب على ذلك أبداً: فقد عجزت أقلامهم، وخرست ألسنتهم، وسقطت شبهاتهم، وفنّدت ادعاءاتهم، فهم المتقولون مصداق قوله تعالى: (أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون) سورة الطور آية 33. وهم الخراصون، مصداق قوله تعالى: (إن هم إلا يخرصون) سورة الزخرف آية 20. وقوله تعالى: (قتل الخرّاصون) سورة الذاريات آية 10. وهم المجادلون مصداق قوله تعالى: (ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق) سورة الكهف آية 56.
رابعاً: إن القرآن الكريم لو كان من تأليف محمد، لكان أسرع الناس في الرد على مَن حاجّهُ في ادعائه، أو افترى على زعمه، أو اعتدى على حرماته. فهذه قصة الإفك التي نالت من شرف زوجته عائشة، ومن كرم نبوته، فقد تأخر نزول الوحي بالقرآن تبرئة لها حوالي الشهر ذاق هو، وزوجته الأمرين طيلة هذه المدة، فلو كان القرآن من تأليفه، فما الذي يمنعه من الرد السريع القاطع لألسنة المتقولين في شرفه؟ ... ولكن، وأنّى لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يتقول على الله، أو يتقول على الناس وإن فعل ـ وحاشا لله أن يفعل ـ فحكمه إلى الله مصداق قوله تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين) سورة الحاقة الآيات 44 ـ 47.
وهذه قصة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، حيث صلّى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وصحابته حوالي ستة عشر شهراً نحو بيت المقدس بقي طيلة هذه المدة يقلب وجهه في السماء راجياً من الله تعالى أن يحول القبلة إلى المسجد الحرام بمكة، فاستجاب له، مصداق قوله تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينّك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام) سورة البقرة آية 144. فلو كان القرآن من تأليفه فما الذي منعه من تحويلها ـ أي القبلة ـ من أول الأمر!!.
وهذه قصة أصحاب الكهف، والذين سئل عنهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأبطأ عليه الوحي حوالي مدة أربعين يوماً بقي طيلتها في حرج من يهود حيث سألوه عنهم، فلو كان القرآن من عنده فما الذي يمنعه من سرعة الرد عليهم؟!!.
خامساً: إن القرآن الكريم لو كان من تأليف محمد، فكيف نفسر عتاب الله له في القرآن، وفي أكثر من موضع؟!! فهذا عتاب الله له في قبوله لأعذار المنافقين، وإذنه لهم بالتخلف عن غزوة تبوك، مصداق قوله تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) سورة التوبة آية 43. فمن خلل الرأي، وفساد العزيمة، ونقص الادعاء أن يعتب مدع، أو صاحب فرية على نفسه، وبقوله الذي يدعيه. ولو صحت دعوى نسبة القرآن لنفسه، لما عاتب نفسه، ولما خطأ رأيه، لأن هذا من قبيل التناقض الذي يتحاشاه أصحاب الافتراءات، والرسول (صلى الله عليه وسلم) كان أحوج إلى ادعاء الصحة في أقواله وتصرفاته، جذباً للناس حوله، ولاعتناق قرآنه، وليس تنفيرهم، وليس بأن يناقض نفسه، وأن يعيب كتابه. إذن فلو كان القرآن من عنده لما كانت هناك ضرورات لأن يعاتب نفسه أكثر من مرة. وأيضاً هذا عتاب الله له في قبوله الفداء من أسرى بدر، مصداق قوله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) سورة الأنفال آية 67 ـ 68. فمن شطحات الأفكار، وتجنب الصواب أن يعتب صاحب فرية على نفسه في تصرف سلكه، أو في رأي أبداه، أو في حكم قرره، وأن يخطئ نفسه، وينذرها بالعذاب العظيم، ومن غيره. وأيضاً هذا عتاب الله له في تولّيه عن أعمى هو عبدالله بن أم مكتوم جاءه يسأله عن دينه، فتولى عنه اهتماماً بأكابر من قريش كان يرجو أن يهديهم الله إلى الإسلام، وهم له كارهون، مصداق قوله تعالى: (عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكّى * أو يذكر فتنفعه الذكرى * أما مَن استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك ألا يزكى * وأما مَن جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه تلهى * كلا إنها تذكرة) سورة عبس آية 1 ـ 11.
القلب الحزين
12-12-2013, 04:08 PM
شبهة سجود الشمس تحت العرش
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1196265219546507237_62a7a839cb_m.jpgبقلم عبد الله بن سعيد الشهري
ماجستير علم اللغة النفسي - جامعة نوتنغهام
[email protected]
روى البخاري رحمه الله في بدء الخلق عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس أتدري أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم.
الشبهة: هذا الحديث يقول إن الشمس تدور حول الأرض.
الجواب: كل العلماء الذين قالوا بدوران الأرض حول الشمس يعلمون بهذا الحديث الشريف، ولم يشكل عندهم أي شبهة تنفي ذلك.
فالمقصود ( كما تبدو للناظر )
ولكن كيف تسجد الشمس، وهل تقف لتسجد ثم تسير ؟
1. هذا الحديث من الغيب ولا يجوز قياس الغيب بذات المقاييس التي نقيس بها الأمور المحسوسة.
2. كل مخلوق من مخلوقات الله تعالى يسبح الله تعالى ويخضع له بما يتناسب مع حاله.. فمن معاني السجود في اللغة الخضوع كما ذكره ابن منظور وغيره. وعليه يُحمل ما في هذا الحديث وهو المقصود في قوله تعالى في آية الحج: " ألم تر ان الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فماله من مكرم إن الله يفعل ما يشاء"
قال ابن كثير رحمه الله : " يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعا وكرها وسجود كل شيء مما يختص به " ا.هـ.
فسجود الشمس مما يختص بها ولا يلزم ان يكون سجودها كسجود الآدميين كما أن سجودها متحقق بخضوعها لخالقها وانقيادها لأمره وهذا هو السجود العام لكل شيء خلقه الله كما في آية الحج السابقة إذ كل شيء من خلق الله تعالى يسجد له ويسبح بحمده، قال تعالى في آية النحل: " ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون " والشمس داخلة في دواب السماء لأن معنى الدبيب السير والحركة والشمس متحركة تجري لمستقر لها كما هو معلوم بنص القرآن وكما هو ثابت بالعقل
" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ " (النور: 41)
وفي سورة الحشر: " هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(24) ".
وفي الإسراء: " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا(44) ".
كما لا نفقه تسبيحها لا نفقه سجودها
3. ولكن هل تكون الشمس ساجدة تحت العرش مادامت الحياة الدنيا ؟
الراجح أن الشمس لها سجدتان: سجود عام مستديم وهو سجودها المذكور في آية النحل والحج مع سائر المخلوقات وسجود خاص يتحقق عند محاذاتها لباطن العرش فتكون ساجدة تحته وهو المذكور في الحديث وفي كلا الحالتين لا يلزم من سجودها أن يشابه سجود الآدميين لمجرد الاشتراك في لفظ الفعل الدال عليه. ومن أمثلة ذلك من واقعنا أن مشي الحيوان ليس كمشي الآدمي وسباحة السمك والحوت ليست كسباحة الإنسان وهكذا مع انهم يشتركون في مسمى الفعل وهما المشي والسباحة.
4. لا تظن أن سجود الشمس كسجودنا، لذلك لما كان يلزم من سجودنا التوقف عن الحركة لبرهة من الزمن وهو الإطمئنان الذي هو ركن في الصلاة فإنه لا يلزم بالمقابل أن يتوقف جريان الشمس لتحقيق صفة السجود. لأننا رأينا دلالة عموم لفظ السجود من آيتي الحج والنحل ومن شواهد لغة العرب على ان السجود هو مطلق الخضوع للخالق سبحانه. ومن المعلوم أن السجود عبادة والله قد تعبد مختلف مخلوقاته بما يناسب هيئاتها وصفاتها وطبائعها فكان الإنحناء والنزول للآدميين وكان غير ذلك من كيفيات السجود لسائر الكائنات والمخلوقات مع اشتراكهما في عموم معنى السجود الذي هو الخضوع لله تعالى طوعا او كرها.
ومثال ذلك طواف الرجل حول الكعبة إذ لايلزمه أن يقف عند الحد الممتد من الحجر الأسود ليتحقق حساب طواف كامل إذ أنه حتى لو طاف وواصل مسيره وتجاوز الحد دون الوقوف لإستلامه فإنه يتحقق له شوط كامل ويكون قد قضى جزءا من شعيرة الطواف دون ان يقف عند الحد الذي ذكرنا، وكذلك الشمس تجري في الفلك ونراها تشرق وتغرب دائبة ومع ذلك لها سمت او منتهى يقابلها على وجه الأرض تسجد عنده لله تعالى ويكون ذلك السمت او الحد مقابلاً في تلك اللحظة لمركز باطن العرش كما أشار إلى ذلك ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية.
وكذلك صلاة الرجل وهو في الطائرة...... الخ
5. من الأدلة على القوة العلمية للحديث الشريف فائدتان:
الفائدة الأولى في قوله عليه الصلاة والسلام: " فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش " عند البخاري وغيره. ولم يقل عليه الصلاة والسلام أنها " تغرب تحت العرش " أو " حتى تغرب تحت العرش " وهذا فهم توهمه بعض الناس الذين أشكل عليهم هذا الحديث وهو فهم مردود لأن ألفاظ الحديث ترده. فقوله: "تذهب " دلالة على الجريان لا دلالة على مكان الغروب لأن الشمس لا تغرب في موقع حسي معين وإنما تغرب في جهة معينة وهي ما اصطلح عليه الناس باسم الغرب والغروب في اللغة التواري والذهاب كما ذكره ابن منظور وغيره يقال غرب الشيء أي توارى وذهب وتقول العرب أغرب فلان أي أبعد وذهب بعيداً عن المقصود.
أما الفائدة الثانية فهي في قوله صلى الله عليه وسلم: " فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا " والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يستنكر الناس منها شيئا ".وكأن في هذا دلالة ضمنية بأن هناك من الناس ممن يبلغه هذا الحديث من قد يستشكله فيتوهم أن الشمس تقف أو تتباطأ للسجود فينكر الناس ذلك ويرهبونه. إلا أنه صلى الله عليه وسلم أشار في الحديث إلى جريان الشمس على عادتها مع انها تسجد ولكنه سجود غير سجود الآدميين ولذلك تصبح طالعة من مطلعها تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً ويتضح من كلامه صلى الله عليه وسلم مفهوم المخالفة الدال على عدم استنكار الناس رغم سجود الشمس واستئذانها وكما قدمنا فإن سجود الشمس لا يستلزم وقوفها وهو اللبس الذي أزاله صلى الله عليه وسلم بقوله: " فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا " كما أن العقل يدل على ذلك إذ أن فرق المسافة التي يقطعها الضوء القادم من الشمس إلى الأرض يبلغ حوالي ثمان دقائق وهذا يعني انه لو حدث خطب على الشمس أو فيها فإننا لا نراه إلا بعد ثمان دقائق من حصوله وعليه فلا يمنع أن تكون الشمس ساجدة في بعض هذا الوقت ولو بأجزاء من الثانية لله تعالى تحت عرشه ونحن لا نعلم عن ذلك لغفلتنا وانشغالنا بضيعات الدنيا. ولهذا يقول الله تعالى: " وكم من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون " والإعراض صور متعددة منها الغفلة واللهو عن تدبر الآيات كونية وشرعية ولذلك فإن البعض ممن ساء فهمهم لبعض الآيات و الأحاديث إنما أوتوا من قبل أنفسهم بعدم إمعان النظر في آيات الله الكونية وبهجرهم لتدبر كتاب الله وإعراضهم عن التفقه في سنة رسول الله مع عزوفهم عن الاستزادة من العلوم الدنيوية النافعة في هذا الباب.
والخلاصة أن سجود الشمس على المعنى الذي ذكرناه غير ممتنع أبدا وبما ذكرنا يزول الإشكال إن شاء الله ولا يخالف الحديث صريح العقل إنما قد يخالف ما اعتاد عليه العقل وألفه وهذا ليس معياراً تقاس بها الممكنات في العقل فضلاً عن الممكنات في الشرع لأن الله على كل شيء قدير ولأن العادة نسبية باعتبار منشأ الناس واختلاف مشاربهم ومجتمعاتهم وعلمهم. والسامع مثلاً لما تخرج به علينا فيزياء الكم من العجائب والأسرار كنظرية ريتشارد فينمان و مبدأ اللاحتمية لهايزنبرج وغيرها من السنن والظواهر في هذا الكون مما يحير عقول العلماء يوقن بأن لله حكمة بالغة يطلع من يشاء عليها ويستأثر بما يشاء عنده، قال تعالى: " ويخلق ما لا تعلمون " ، وقال تعالى: " والله يعلم وأنتم لا تعلمون "، وقال: " وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ". والإنسان الأصل فيه الضعف والجهل، قال تعالى: " وخلق الإنسان ضعيفا " وقال في آية الأحزاب: " إنه كان ظلوما جهولا " ولذلك فابن آدم يسعى على الدوام لدفع ذلك عن نفسه بطلب ضديهما وهما القوة والعلم. قال تعالى في صفة طالوت لما بعثه ملكا: " وزاده بسطة في العلم والجسم " فجمع له بين القوة العلمية والقوة الجسمية.
القلب الحزين
12-12-2013, 04:13 PM
لماذا نقبل الاسلام و نرفض ما عداه
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/11914295441181186900untitled_resize1.jpgبقلم الأستاذ هشام طلبة
الباحث في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
قال الله تعالى :"الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور * والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات * أولائك أصحاب النارهم فيها خالدون" (البقرة 257).
· سألنى شاك ومضلل لماذا تكون عقيدة الاسلام هى الصحيحة لا غيرها ؟
· فرددت عليه بأن الانسان لا يملك الهروب من اتخاذ قرار بالإيمان. لأن مسألة اختيار العقيدة هي أهم مسألة فى حياة الإنسان. و يكون السؤال كالتالى :
· هل من الرشد اتباع المسيحية ؟ هل من الممكن قبول الاسلام ؟
· و الرد فى بابى هذا المقال .
1- بالنسبة للمسيحية :
أ - تضارب نصوص الكتاب المقدس:-
الكتاب المقدس عند النصارى كتب على مدى أكثر من ألف سنة , مسئول عنه عشرات المؤلفين متفاوتى الكفاءة (راجع فى ذلك دائرة المعارف البريطانية باب bible ) كما أن نصوص الكتاب المقدس تختلف من ملة لأخرى . فطبعة الكاثوليك تزيد خمسة أسفار عن طبعة البروتوستانت. فأى الطبعات صحيح؟ هل طبعة الكاثوليك أم طبعات البروتوستانت أم السريان. بل إن الطبعات المتتالية للملة الواحدة تختلف . هناك فصول كاملة هنا لاتجدها هناك والعكس بالعكس. ثم هناك المخطوطات المكتشفة حديثا والتى تختلف مع كل ذلك. مثل مخطوطات البحر الميت ومخطوطات نجع حمادى وإنجيل يهوذا. كل هذه المخطوطات وغيرها تستخدم فى علم يسمونه"علم نقد النصوص" أى استخدام المخطوطات المكتشفة للوصول إلى نص كتابى أقرب ما يكون إلى النص الأصلى المفقود . (راجع فى ذلك مقدمة الكتاب المقدس – طبعة الآباء اليسوعيين بلبنان).
*كما أن الكتاب المقدس هذا ليس هو ما كان عليه بالأمس.
فقد عقدت مجامع مسكونية (عالمية ) لعلماء دين للنصارى منذ القرن الرابع الميلادى لتحديد أى الكتب يعتبر مقدسا(يدخل ضمن قانون الكتاب المقدس – أى الكتب التى يتعبد بها ) أم لا . مثل مجمع "قرطاجنة" عام 381م . الذى أقر أغلب الكتب الحالية عدا مجمع "جامنية" فى القرن الأول عند اليهود (المرجع
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/9/Judas_Gospel1.JPG
صورة لمجلة ناشيونال جوجرافيك التي أوردت خبر إنجيل يهوذا
السابق) . وحذفت العديد من الكتب التى اعتبرت مقدسة طويلا ً, وكانت هناك " كتابات حائرة " أى تارة تعتبر مقدسة وتارة أخرى ينزعوا عنها القداسة !!!
مثل سفر " إستر" و" رسالة برنابا" و " الراعى هرمس". (المرجع السابق ).
بل إن بعض هذه الكتب كان يتداول عند النصارى أكثر من الأناجيل الأربعة الحالية. (نقلا عن مجلة "ناشيونال جيوجرافيك " زائعة الصيت).
"In ancient times , some of these alternative versions may have circulated more widely than the familiar four gospels."
(national geographic – may 2006).
*كما أن العديد من الكتب المقدسة تكتشف من آن لآخر ولم تكن معلومة من قبل , ولازلنا نكتشف المزيد . بل إن الدورية سالفة الذكر ذكرت أننا على يقين أنه مازال هناك العديد من الكتب المقدسة المخفية . وأننا لانعلم كم فقد من تلك الكتب حتى تم تشكيل الكتاب المقدس!!we cannot know how many books were lost as the bible took shape , but we do know that some were hidden away. (المرجع السابق).
ب -الكتب المخفية :-
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1191429213apocrypha_l.gif
الأبوكريفا apocrypha
بمناسبة أن هناك كتب مخفية عند علماء النصارى يسمونها الأبوكريفا apocrypha, إعلم أن القرآن الكريم تكلم عنها وأظهر بعضها " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير ." قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين " (المائدة 15). فمن أعلم محمداً صلى الله عليه وسلم بذلك ؟
قبل أن أنهى كلامى عن كتب النصارى المقدسة , أذكر أن موثوقيتها شديدة التهافت. بدليل أن الكنيسة الكاثوليكية فى انجلترا أصدرت وثيقة فى أكتوبر عام 2005 مفادها أن الكتاب المقدس يجب ألايؤخذ بصدق كل كلامه.
(the catholic church no more swears by truth of the bib
وهو قريب مما ذكره بابا روما "بيندكت" فى كتابه "يسوع النصارى" حيث طالب أتباعة ألا يروا الكتاب المقدس منزل من الله بل فقط مستوحى من الله . وهذا الكلام ذكر كاتبة مجلة "نيوزويك" الأمريكية فى عدد (562007) بإعلان توماس جيفرسون أنه يمكن تمييز كلمات يسوع الحقيقية مثل جواهر فى كومة قمامة!!
- ثم إنك ترى أن هناك براهين على عقيدة النصارى .
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/119142928351ewmyrtthl._aa240_.jpg
كتاب العقائد المسيحية المفقودة "lost Christianitie
ج- تعدد عقائد النصارى :-
فأية عقيدة من عقائدهم صحيح ؟ هل العقيدة الحالية (التثليث)؟ لنعلم أن العقيدة الحالية لم تكن سائدة حتى مجمع نيقية عام 325م. واستخدام القيصر قسطنطين
لسلطانه فى فرض التثليث مع أنه لم يكن الرأى السائد فى ذلك المؤتمر . وحظرت كتب واجتماعات الموحدين (national geographic .may 2006 ). نفس المرجع السابق ذكر فى عنوان جانبى.
(forgotten Christianities) (العقائد المسيحية المنسية )!! وهو ما ذكره عالم اللاهوت الأمريكى الكبير "بارت إرمان" فى كتاب اسمه " العقائد المسيحية المفقودة" "lost Christianities" حيث ذكر أن الكنيسة المسيحية فى القرن الأول كانت فوضى من العقائد (chaos of beliefs) فمنهم من يعبد إلها أو اثنين أو ثلاثة , بل منهم من عبد اثنا عشر إلها (المرجع السابق)!!
المخلص ليس واحدا :
قد يتكلم نصرانى عن اعجابه بعقيدة الخطيئة الأصلية.. ألا يعلم أن هذه العقيدة (عقيدة الإله ابن العذراء المقتول فداءً للبشر وقبره وبعثه ) موجودة فى ست
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/11914292490887621457.01.lzzzzzzz.jpg
كتاب المسيح الوثني لكاتبه توم هاربر
عشرة عقيدة!! (
فلماذا يكون يسوع هو المخلص لا" كريشنا" أو "بوذا" أو "حورس" أو غيرهم ؟ هذا ما انتبه إليه أيضاً اللاهوتى الأمريكى "توم هاربر" فى كتابه " المسيح الوثنى" (the pagan Christ)
*قد يقول قائل لماذا يخترع المسيحيون تلك العقيدة غير المنطقية ؟ هم لم يخترعوها , كما ترى . هم نقلوها عن غيرهم . وهذا ما كشفه القرآن الكريم فى قوله تعالى بعد ذكر النصارى أن عيسى ابن الله "... يضاهئون قول الذين كفروا من قبل .." (التوبة 30).
أى أن النصارى إقتبسوا ذلك من عقائد الوثنيين. ولقد ذكرت مجلة (ناشيونال جيوجرافيك) مايو 2006 أن المسيحية فى القرون الأولى كانت تحاول أن تجد نفسها!!(1)
*ولماذا يرهق المسيحيون أنفسهم فى منطقية هذه العقيدة. إن قديس النصارى أوغسطين يقول :" أؤمن بالمسيحية لأنها دين غير منطقى "!! كما أن" كيرك جارد " مؤسس الأرثوذكسية الجديدة فى أوائل القرن العشرين , كتب عن " سخافة الإيمان المسيحى ". (راجع تاريخ الكنيسة جزء(5) للقس جون لوريمر). ولاننسى قول " ديديرو" ( من كبار رجال عصر النهضة): "إن الديانة المسيحية أسخف وأشنع ماتكون فى عقائدها.." ( المصدر السابق ).
كما أن هناك جماعة "ندوة يسوع" jesus seminar 200( عالم لاهوت أمريكى )ينكرون قدسية كتبهم . وكذلك علماء لاهوت.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1191429351a52b124128a03a57c4275010._aa240_.l.jpg
كتاب خرافة تجسد الرب
جامعة برمنجهام فى ثمانينات القرن العشرين . الذين كتبوا كتاب "خرافة تجسد الرب" the myth of god incarnate .
إذ قالت " فرنسيس يونج" :" إن المسيحيين الجدد الناطقين باليونانية هم الذين حولوا يسوع المسيح اليهودى من فلسطين إلى كائن إلهى متجسد.
لقد فضح القرآن تهافت ألوهية المسيح المزعومة إذ قال :"لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يا بنى إسرائيل اعبدوا الله ربى وربكم..." (المائدة 72) .أي كيف تقولون أن المسيح هو الله مع أن المسيح عيسى قال أن الله ربه ورب أتباعه. وهذا ما نجده حتى الآن فى إنجيل يوحنا (12:20) "إنى سأصعد لأبى وأبيكم وإلهى وإلهكم ."فهل كان سيصعد إلى إله الإله؟
د- مسألة الصلب!!
هل يعلم النصارى أن الصليب لم يكن مسلم به فى القرون الأولى ؟ فطوائف "الكربوكراتيين " و"المارسيونيين" و"الإبيو نيين" ترى أن سمعان القيروانى قتل بدلاً من المسيح الذى وقف يضحك من غباوة اليهود. ومن الكتب المقدسة قديما ً كتب رفضت الصلب , مثل كتاب "حديث شيث الأكبر " و " إنجيل يهوذا " المكتشف حديثا ً والذى يرى أن الحوارى يهوذا صلب بدلا من المسيح فداءً له وأنه لم يكن خائناً.
* قد يقول قائل: أن عقيدة الصلب والفداء والمخلص حققت له النجاة من الخطيأة , لأن آيات العذاب فى القرآن أخافته ونفرته وقنتته. كأنه لم يسمع بقوله تعالى: " قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنتوا من رحمة الله . إن الله يغفر الذنوب جميعا ً إنه هو الغفور الرحيم ." (الزمر 53) وكأنه لم يقرأ "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم. إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض و إذ أنتم أجنة فى بطون أمهاتكم .."(النجم 32).
* قبل أن ننهى كلامنا عن العقيدة المسيحية لا بد أن نذكر أننا لا نقرأ فى أية إنجيل ألوهية المسيح أو البنوة المزعومة له أو التثليث . إنما كان ذلك استنتاج من مؤسس المسيحية بولس الذى استنتج بنوة عيسى الالهية بقيامته من الموت (رسالة روما ) !!! و هى عقيدة قد تقررت فى المجامع المسكونية بعد بولس .
لهذا لا أقبل المسيحية لعدم منطقيتها . و لأنها ليست موحاه من الله إلى رسول , بل هىاستنتاج بشرى .
2- بالنسبة للإسلام :
لماذا نؤمن بالقرآن والإسلام؟
ونرد لهذه الأسباب
1- منطقية العقيدة :-
فالله واحد فى ذاته لا قسيم له واحد فى صفاته لاشبيه له , واحد فى أفعاله لاشريك له,لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. كل الأديان تدعى التوحيد , لكن الإسلام هو الدين الوحيد الذى توحيده لاشائبة فيه.
2- موثوقية القرآن :-
لأنه الكتاب الوحيد الذى لم يتغير عبر 14 قرنا من الزمان . مسئول عنه شخص واحد , هو النبى محمد صلى الله عليه وسلم .
لا يحتاج إلى مجامع مسكونية تقرر المقدس من غيره. ولايحتاج إلى علم نقد النصوص.
3- منطقية القرآن:-
لأننا لا نقرأ فيه أن الله يستريح (تثنية2:2) أو ينام أو يصارع انساناً ويقدر ذلك الإنسان (تثنية 32:22-32). ولا نقرأ أن جبريل عادى بنى إسرائيل (التلمود) أو أن سليمان قد كفر أو أن لوطا جامع إبنتيه أو أن هارون صنع العجل الذهب لبنى إسرائيل . بل نقرأ : " سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد الله رب العالمين " ( الصافات 180-182).
فميلاد القرآن إذن بتنقية ما اعتقده السابقون فى الذات الإلهية . كما أنه ميلاد براءة لجميع المرسلين من الملائكة والنبيين. القرآن إذن لم يكتف بعدم ذكر الأخطاء فى تلك الكتب بل صححها , وهذا من هيمنته على تلك الكتب.
4- تسامح القرآن :-
فلا نقرأ فيه ما نقرأه فى التوراة الحالية (سفر يشوع21:6) والعدد (31: 13-18) من دعوة للقضاء بحد السيف على الرجال والنساء والأطفال بل والبقر والغنم والحمير , وعدم استبقاء نسمة حية!! بل نقرأ: " الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ..."(الحج 41).
5-الاعجاز العلمى فى القرآن : -
ولنقرأ فى ذلك الباب فى موقع و فى غيره . كيف يذكر ساكن للصحراء منذ أربعة عشر قرناً مراحل تكوين الجنين وكروية الأرض وأنواع الجبال وهيئتها فى أعماقها (الأوتاد) , وبداية الكون ونهايته (big bang) , وتكوين المعادن فى ترسيبات الأنهار , وشكل السحب الركامية الممطرة (كالجبال ) وأنها فقط يخرج منها البرد والبرق , وظلمة البحار , وأمواج البحار الداخلية . ووجود حاسة للتفكير فى القلب , وغير ذلك كثير.
لنقارن ذلك يا جاسم بذكر التوراة الحالية ( سفر التكوين ) أنه خلق النبات ثم الشمس !! ثم الطيور والأسماك ثم الحيوانات !! .
6- الاعجاز الغيبى فى القرآن : -
مثل ذكر القرآن لانتصار الروم على الفرس وتحديده لمدة ذلك ( بضع سنين ) فى وقت كانت هى أبعد ما تكون عن التحقيق . ولو لم تتحقق لانتهت الدعوة الإسلامية ( أوائل سورة الروم ) .
كذلك ذكر القرآن لتفاصيل فى كتب أهل الكتاب لم نعلمها إلا مؤخرا فى مخطوطاتهم . مع أنه صلى الله عليه وسلم كان أميا يسكن الصحراء , وعدد هذه الكتب كان كبيرا جدا بينما عدد النسخ من الكتاب الواحد كان قليلا . وكتبت بلغات مختلفة تتبع طوائف عدة . ولم تكتشف فى مكان واحد ولا فى زمن واحد , وكان أغلبها مخفيا ( أبوكريفا ) . هذه الكتب بها العديد من الأخطاء لماذا لم يذكرها القرآن ؟ "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " (النساء82 )
7- النبؤات عن القرآن ونبيه فى كتب أهل الكتاب :
لنرجع فى ذلك إلى العديد من الماقع على الانترنت لنجد العديد من المقالات تتحدث عن وجود نبؤات ستعجب حين تجدها أوضح من الشمس فى كبد السماء عن الكعبة والكوثر والقرآن وخاتم النبوة بين كتفى نبى آخر الزمان والمصطلح إسلام . كما ستجد نبؤات قاطعة عن تاريخ ميلاد وصفات وألقاب , بل واسم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
8- الاعجاز البيانى فى القرآن:-
وأخيرا وليس آخرا, نؤمن بالإسلام للاعجاز البيانى فى القرآن الكريم . فتجد من إعجاز فى ذلك (مما تجده فى البيانى المقدس) عدم التكرار والاختصار (قارن ذلك بقصص سفر التكوين)و التقديم والحذف والمجاز واختيار لفظ بعينه , فترى كل لفظة وقعت موقعها بحسب ما يناسب كل حالة , وكأنما ينتظرها مكانها . " فالنعمة" ليست "نعيما" , و" الوالد" ليس "أبا" , ولفظ "امرأة " فلان لايكون "زوجة" ...لفظ "أخرج " لايكون "استخرج " , كذلك "استطاعوا " و"استطاعوا "
**القرآن لم يترتب ترتيبا تاريخيا كالتوراة الحالية (وحتى ذلك لم يكن دقيقا ولا علمياً).
بل رتب ترتيباً موضوعياً مثل لآلئ العقد الواحد .. سورة بعد سورة ... وآية بعد آية. فتجد رابطة عجيبة بين أواخر السورة وبداية لاحقتها فى المصحف, إما فى سمات الألفاظ أو الموضوع. ( راجع فى ذلك كتاب "خصائص التعبيرالقرآنى " للدكتور :-عبد العظيم المطعنى , و كتب د. فاضل صالح السامرائى)
** من ذلك أيضا استخدام القرآن لثلث ألفاظ اللغة العربية , منهم 371 جذر كلمة , كل جذر يرد فى القرآن مرة واحدة (23%من جذور ألفاظ القرآن) هذا ثراء لغوى لم يحدث لأية كتاب يمثل أية لغة . ولاننسى أن عدد صفحات القرآن ليس كبيراً.
( و ) انتشار الإسلام :-
للأسباب سالفة الذكر ينتشر الاسلام هذه الأيام بقوة .فقد أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية فى يوليو2007م أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا فى أمريكا , مما حدى ببوش بالإجتماع مع الاعلاميين الأمريكيين المعادين للإسلام لبحث هذا الأمر !! والعجيب أنه كلما هاجم أعداء الإسلام الإسلام زاد انتشارا . فهذا بابا روما يسب الإسلام فيسلم أربعة أضعاف ما يسلم فى بلده ألمانيا (2).
كذا ذكرت مجلة السياسة الخارجية الأمريكية (3) فى آواخر عام2006م أن المسلمين سيشكلون 30% من الفرنسيين خلال عشرين عاما .
أما إنجلترا فقد فقد بلغ الحجاج الانجليز فى آخر موسم حج ثلاثون الفا أغلبهم من الشباب . كما أن أعداد المسلمين الذين يمارسون الطقوس ستفوق خلال بضعة عقود أعواد نظرائهم المسيحيين . كما أن 10% من كنائس انجلترا صنفت زائدة عن الحاجة.
فى روسيا : المسلمون الآن يشكلون أكثر من 15% من سكانها , كما أن خمس سكان موسكو من المسلمين . وقد توقعت مجلة " الاكونوميست " أن يصل تعداد المسلمين إلى نصف تعداد روسيا خلال 25 عاما .
أما هولندا فخلال ثلاثون عاما سيصبح المسلمون أغلبية . كما ذكرت مجلة " دير شبحيل الألمانية , عدد28/5/2005/ " أن الإسلام ينتشر بسرعة بين الهنود الحمر خاصة فى جنوب المكسيك .
وأخيرا وليس آخر ذكر تقرير كتبه الباحث القبطى كمال فريد عن انقراض القباط فى مصر خلال مائة عام لثلاثة أسباب أولها التحول إلى الإسلام !!
· وهكذا يمضى الإسلام فى انتشاره بقوة خاصة بعد أحداث 11سبتمبر , وبعد كل إساءة من الغرب لنا . فبعد إساءة الدنمارك الأولى بلغت مبيعات المصاحف فى فرنسا 38% ولن يفلح فى إيقاف هذا الإنتشار إساءة مسيئ أو ارتداد مرتد أو انتحار قسيس احتجاجا على عدم فعل الكنيسة شيئا إزاء انتشار الإسلام فى أوروبا , كما فعل ذلك القس الألمانى فى بلدته الصغيرة .
· " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام . ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد فى السماء . كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون " الانعام 125 صدق الله العظيم
ونحن في انتظار رسائلكم وتعليقاتكم
يمكن التواصل مع المؤلف:
جمهورية مصر العربية ـ مصر ـ القاهرة
الهاتف: 0020127793747 من داخل مصر : 0127793747
الإيميل :
[email protected] (
[email protected])
الهوامش:
(1)Christianity trying to find its style
(2)نقلا عن مجلة " دير شبيجيل الألمانية " عدد15/1/2007م
(3) foreign policy
القلب الحزين
12-12-2013, 04:26 PM
تكون الجنين / دراسة مقارنة بين القرآن الكريم والعهد القديم
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1189451788fetus1.jpg
صورة لجنين بشري وهو في بطن أمه
إعداد: د. عبد الرحيم الشريف
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم
ملخص البحث:
أول ما يخطر ببال المسلم حين يدعو غير المسلم ـ مستخدماً وسيلة الحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ـ هو بيان سبق القرآن الكريم في تحديد مراحل تكوُّن الجنين، بدقة ودون أي خطأ.
لكنه قد يُفاجأ بمن يزعم أن هذا الإعجاز مسبوق في الكتب المقدسة لليهود والنصارى، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد أخذ ذلك عنهم.
من هنا جاءت هذه الدراسة لعرض تلك الشبهة وبيان ضعفها، والله ولي التوفيق.
مقدمة:
يُقصَد بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم: اشتماله على إشارات تدل على معارف إنسانية اكتشفت حديثاً، وحقائق كونية لا يُتصَوَّر أن يتوقعها بشر من ذاته؛ لأنها اكتشِفت في عصور متأخرة.[1]
ولما كان بيان أوجه إعجاز القرآن الكريم، والكشف عن آياته البديعة، من أهم واجبات الأمة الإسلامية[2]، كان الدفاع عنها له الحكمُ ذاته، إن لم يكن أوجب.
فمنذ بداية التحدي بالقرآن الكريم، أخذ أعداء الإسلام يوجهون سهامهم إلى المحتوى المعجز للقرآن الكريم، محاولين النيل من هيبته في نفوس المؤمنين به ـ ومن يفكر في الإيمان به ـ بشتى الطرق.
ويُعَدُّ محتوى القرآن الكريم ـ سبب عزة الأمة العربية الإسلامية ونهضتها ـ شوكةً في حلق كل من تسول له نفسه التشكيك بإلهية مصدره، وتميز أسلوبه.. فكان ـ ومازال وسيبقى ـ الكتاب السماوي الوحيد الذي يحمل دليل صدقه بين دفتيه.
عرض الشبهة:
من الأمثلة على ما سبق، مقارناتٍ تُعقَد ـ بين حين وحين ـ بين أوجه الإعجاز الثابتة في القرآن الكريم ومزاعم إعجاز سبقت في كتب السابقين. وفي هذه الدراسة تحليل ونقد لما ورد في أحد مواقع الإنترنت الناطقة بالعربية حول أشهر دلائل الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وهو: سبقه في تحديد مراحل خلق الجنين بدقة، بحسب محاضرات شهيرة لعالم الأجنة (كيث مور) عام 1404 هـ بعنوان: " مطابقة علم الأجنة لما في القرآن والسنة "، عُقِدت في ثلاث كليات طبية بالمملكة العربية السعودية، ومما جاء في ذاك الموقع التنصيري:
" وقعت على موقع إسلامي يسمي نفسه باسم " الإعجاز العلمي في القرآن " وكان يعرض المعجزة العلمية في قوله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاماً، فكسونا العظام لحما) سورة المؤمنون،12 ـ14
ومن أجل التفسير العلمي الأكاديمي، الذي لا يقبل الشك، فقد استقدم الموقع (أحد أكبر أساتذة علم الأجنة من أمريكا) والذي تقول الرواية، أنه " ذُهل " عندما علم أن هذه الحقائق العلمية ..
والواقع أن النص القرآني[3] (الذي حمله الفقهاء أكثر مما أراد الله نفسه) لم يورد أية معلومة جديدة، بل خاطب الناس بالمعلومات المتوافرة في عصرهم، ليبين لهم قدرة الله، وليس ليمنحهم معلومات في علم الأجنة، فمعلومة أن الجنين يوجد كاملا في نطفة الرجل، معلومة معروفة منذ زمن التوراة، وقد وردت في سفر أيوب على النحو التالي: ألم تصبني كاللبن، وخثرتني كالجبن، كسوتني جلداً ولحما، فنسجتني بعظام وعصب، سفر أيوب 10/12 ".
نـقـد الشـبهة:
والرد على تلك الشبهة من وجوه:
- الوجه الأول:
بيان نظرة الكتاب المقدس لليهود والنصارى إلى أصل الجنين:
في العهد الذي جُمِعت فيه أسفار العهد القديم، كانت نظرية " الجنين القزم " أقوى النظريات الفلسفية حول أصل ونشوء الجنين، وهي تزعم أن الإنسان حينئذٍ يكون كامل الخِلقة ولكنه ينمو باضطراد كما تنمو الشجرة الصغيرة إلى أن تكبر.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1189451824sperm8.jpg
نظرية الجنين القزم كانت ترى أن الإنسان يكون على شكل إنسان مصغر في نطفة الرجل (جنين قزم) ثم ينموا في داخل رحم المرأة
لكن الفلاسفة تنازَعوا في شأنها وانقسموا إلى مذهبين:
هل الإنسان يوجد كاملاً في الحيوان المنوي للرجل ؟ أم كاملاً في دم حيض المرأة يشتد عُودُه بعد أن ينعقد بسبب ماء الرجل ؟
فبحسب الأول: الإنسان يكون كامل الأعضاء قزماً في الحيوان المنوي، ولكن الجنين صغير الحجم، لا ينمو إلا في تربة خصبة (الرحم).
أما الثاني: الإنسان يكون كامل الأعضاء قزماً في دم الحيض، لكنه ينتظر المني ليقوم بمهمة عقدِ الجنين وتغليظ قوامه.
كما تفعل الإنفحة[4] بالحليب (اللبن)، فتعقده وتحوله إلى جبن.. فليس للمني دَورٌ سوى أنه ساعد كمساعدة الإنفحة للحليب (اللبن) في صنع الجبن (التخثير كالجبن).
وعند البحث في كتب التاريخ، نجد أنه لم يقل أحد من علماء الغرب الموثوق بعلمهم، إن الجنين ناتج عن التقاء الحيوان المنوي للرجل مع بويضة المرأة قبل سنة 1775م. وتم تأكيد هذه النظرية في بداية القرن العشرين عند اكتشاف الكروموسومات.[5]
بينما القرآن الكريم سبق إلى تقرير ذلك، بأن أكد أن الجنين يتكون بسبب النطفة الأمشاج (المختلطة)[6] بين نطفة الرجل، وبويضة المرأة. قال تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ" نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) [الإنسان: 2]. وبيَّن أنه ينتقل من طَور إلى طَور: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا"، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ) [نوح: 13، 14]، لا جنيناً قزماً.
مصداقاً لقوله تعالى في سورة الحج: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا (5).
وفي سورة المؤمنون: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) .
وقد كانت نظرية الجنين القزم ـ بشقيها ـ راسخة كأنها حقيقة ثابتة لا جدال فيها، لكن ذلك لم يمنع علماءنا الكرام من تقديم النص القرآني عليها، ومنهم:
- ابن حجر في مقدمة شرحه لكتاب القدر في صحيح البخاري: " وزعم كثير من أهل التشريح: أن مني الرجل لا أثر له في الولد، إلا في عقده. وأنه إنما يتكون من دم الحيض، وأحاديث الباب تُبطِلُ ذلك ".[7]
- وابن القيم: " الجنين يُخلق من ماء الرجل وماء المرأة، خلافاً لمن يزعم من الطبائعيين، أنه إنما يخلق من ماء الرجل وحده ".[8]
- والقرطبي: " بَيَّنَ الله تعالى في هذه الآية [يقصد قوله تعالى في سور الحجرات: إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ (13) ] أنه خلق الخلق من الذكر والأنثى.. وقد ذهب قوم من الأوائل، إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده، ويتربى في رحم الأم ويستمد من الدم الذي يكون فيه.. والصحيح: أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة؛ لهذه الآية، فإنها نصٌّ لا يحتمل التأويل ".[9]
فــائـدة:
من هنا يتبين أن علماء الإسلام يُقدِّمون الثابت القطعي من النصوص، على الظني من النظريات العلمية. كما يدل على قوة رأي علماء التشريح ـ في ذلك الزمان ـ الذين قالوا بنظرية الجنين القزم.
لكن قوة ذلك الرأي، لم تمنع علماءنا من تقديم النص القطعي على النظرية العلمية الظنية.. وفي ذلك درس بليغ لمن يتصدى للبحث في الإعجاز العلمي، فالأولوية للنص القرآني ولابد أن العلم سيكشف أن النص القرآني هو الأحكَم والأعلم.(َلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].
ومن المخالفات العلمية المنهجية في موقع الإنترنت التنصيري الذي أثار تلك الشبهة: عدم الرد العلمي لما ورد في المحاضرة الشهيرة لعالم الأجنة (كيث مور) ومنه:
" لم تضِف في العصور الوسطى معلومات ذات قيمة في مجال تخلق الجنين، ومع ذلك فقد سجل القرآن الكريم في القرن السابع ـ وهو الكتاب المقدس عند المسلمين ـ أن الجنين البشري يتخلق من أخلاط تركيبية [أمشاج] من الذكر والأنثى..
وأول من درس جنين الدجاجة باستخدام عدسة بسيطة هو (هارفي) Harvey عام 1651 م، ودرس كذلك أجنة حيوان (الأيل). ولصعوبة معاينة المراحل الأولى للحمل، استنتج أن الأجنة ليست إلا إفرازات رحمية.
وفي عام 1672م اكتشف (جراف) Graaf حويصلات في المبايض ما زالت تسمى باسمه Graafian Follicles ، وعاينَ حجيراتٍ في أرحام الأرانب الحوامل تماثلها، فاستنتج أن الأجنة ليست إفرازات من الرحم وإنما من المبايض.
وفي عام 1675م عاين (ملبيجي) Malpighi أجنة في بيض دجاج ظنه غير محتاج لعناصر تخصيب من الذكر، واعتقد أنه يحتوى على كائن مصغر ينمو ولا يتخلق في أطوار.
وباستخدام مجهر أكثر تطوراً اكتشف (هام) Hamm و(ليفنهوك) Leeuwenhoek الحوين المنوي للإنسان للمرة الأولى في التاريخ عام 1677م ولكنهما لم يدركا دوره الحقيقي في الإنجاب، وظنا أيضاً أنه يحتوي على الإنسان مصغراً لينمو في الرحم بلا أطوار تخليق [ الجنين القزم].
وفي عام 1759م افترض (وولف) Wolff تطور الجنين من كتل أولية التكوين ليس لها هيئة الكائن المكتمل.
عام 1775م انتهى الجدل حول فرضية الخلق المكتمل ابتداءً، واستقرت نهائياً حقيقة التخليق في أطوار. وأكدت تجارب (إسبالانزاني) Spallanzani على الكلاب على أهمية الحوينات المنوية في عملية التخليق.. وقبله سادت الفكرة بأن الحوينات المنوية كائنات غريبة متطفلة، ولذا سميت بحيوانات المني Semen Animals.
عام 1827م ـ بعد حوالي 150 سنة من اكتشاف الحوين المنوي ـ عاينَ (فون بير) von Baer البويضة في حويصلة مبيض إحدى الكلاب.
عام 1839م تأكد (شليدن) Schleiden و(شوان) Schwann مِن تكوُّن الجسم البشري من وحدات بنائية أساسية حية ونواتجها، وسميت تلك الوحدات بالخلايا، وأصبح من اليسير لاحقاً تفهُّم حقيقة التخلق في أطوار من خلية مخصبة ناتجة عن الاتحاد بين الحوين المنوي والبويضة..
عام 1878م اكتشف (فليمنج) Flemming الفتائل الوراثية Chromosomes داخل الخلايا.
عام 1883م اكتشف (بينيدن) Beneden اختزال عددها في الخلايا التناسلية.
وفي القرن العشرين تم التحقق نهائياً من احتواء الخلية البشرية الأولى Zygot على العدد الكامل من تلك الأخلاط الوراثية من الذكر ومن الأنثى وعُرِفَ عددها " .[10]
وهذا ما أكده د. عدنان الشريف بقوله: " إذا استثنينا علماء المسلمين الذين شرَحوا تكون الجنين، من خلال شرحهم الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تطرقت إلى هذا العلم، فلقد ظلت الإنسانية حتى أواسط القرن التاسع عشر تأخذ بمعلومات خاطئة عن تكون الجنين. لقد كتب أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد ـ وهو الذي ظلت كتبه وآراؤه مقدسة في الأوساط العلمية حتى القرن السابع عشر ـ أن الجنين يتخلق من اتحاد المني مع دم الحيض.. ويكفي [لنقده] التذكير بقوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) [البقرة: 222]..
وكتب الطبيب (مَلبيجي) Malpighi في سنة 1675م أن البويضة تحمل الجنين بصورة مصغرة، وأن السائل المنوي لا وظيفة له إلا تنشيط البويضة. واعتقدَ العالمان (هام وهوك) ـ مكتشفا المجهر والحيوان المنوي ـ أن الجنين موجود بصورة مصغرة جداً في الحيوان المنوي، ولا وظيفة للبويضة إلا في تغذيته وتنشيطه ".[11]
- الوجه الثاني:
سَبْق القرآن الكريم في بيان أن نطفة الرجل هي التي تقرر جنس الجنين: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) [النجم: 45، 46].
كما أشار القرآن الكريم إلى أن غدد الذكر الجنسية المنتجة للخصيتين تنشأ من منطقة الظهر: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ).. [الأعراف: 172].
إضافة إلى السبق في دقة وصف وترتيب كل مرحلة من مراحل خلق الجنين: النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة، ثم العظام، ثم كسو اللحم العضلات، ثم الإنشاء خلقاً آخر.[12]
قال تعالى في سورة المؤمنون: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ..(14)).
أين هذا الإعجاز الفريد مما جاء من تخيلات وأفكار مغلوطة في كتب الأقدمين ؟!
- الوجه الثالث:
التحريف الواضح المقصود في النقل عن العهد القديم:
من يراجع النص المذكور سابقاً من العهد القديم، يتأكد له التحريف وعدم صدق النقل. كما يؤكد استمرار التحريف المقصود: ما زعمَ القمُّص[13] زكريا بطرس في موقع إنترنت تنصيري آخر:
" أقول لك هذه الآيات القرآنية، أليست هي: سورة المؤمنون 12 ـ 14 "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" ، ثم جعلناه نطفة (المني أي الحيوان المنوي) في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة (قطعة الدم التي يتكون منها الجنين) فخلقنا العلقة مضغة (قطعة من اللحم) فخلقنا المضغة عظما فكسونا العظم لحما ثم أنشأناه خلقا آخر..." وسورة النحل 4 "خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين" " وسورة الحج 5 "... فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مُخَلَّقَةٍ لنبين لكم، ونُقر في الأرحام ما نشاء، إلى أجل مسمى، ثم نخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشُدَّكُم.." وسورة القيامة37 "ألم يك نطفة من مًنِيِّ يُمنَى" والواقع يا عزيزي أن القرآن ليس أول من ذكر أطوار خلقة الإنسان، وإليك الحقيقة:
من الكتاب المقدس: (في سفر أيوب 1 / 8ـ12) "يداك كونتاني وصنعتاني كلي... إنك جبلتني كالطين... ألم تَصُبَّني كاللبن (السائل المنوي)، وخثرتني كالجبن (أي صار كياني مثل قطعة الجبن)، كسوتني جلدا ولحما، فنسجتني بعظام وعصب، منحتني حياة ورحمة، وحفظت عنايتك روحي". {كتب سفر أيوب بما يزيد عن (2000) سنة قبل الميلاد أي قبل الإسلام بما يزيد عن 2600 سنة}
(مزمور 139/ 13ـ16) "... نسجتني في بطن أمي، أحمدك لأنك صنعتني بإعجازك المدهش، لم تختفِ عنك عظامي حينما صنعتُ في الرحم، أبدعتني هناك في الخفاء رأتني عيناك عَلَقَةً وجنينا وقبل أن تخلق أعضائي كُتِبَتْ في سفرك يوم تصورتها" {كتبت المزامير بما يزيد عن 500 سنة قبل الميلاد أي قبل الإسلام بما يزيد عن 1100 سنة}..
ألا ترى معي أن الإسلام لم يأت بجديد، بل أخذ عن الكتاب المقدس ما قاله قبل القرآن بما يزيد عن 2600 سنة ؟؟!! ".
الجواب:
قام القمص زكريا بطرس بتحريف في النصوص الذي استشهد بها، وحتى تتكون نظرة متكاملة للموضوع، سيتم نقل النص من العهد القديم:
أولاً: سفر أيوب [10/8-13]: يزعمون أن أيوب أخذ يعاتب ربه (!!) بما يلي:
" (8) قد كوَّنتني يداك وصنعتاني بجُمْلتي، والآن التفتَّ إليَّ لتسحقني! (9) اذكر أنك جبلتني من طين، أترجعني بعد إلى التراب؟ (10) ألم تصبني كاللبن، وخثرتني كالجبن؟ (11) كسوتني جلداً ولحماً، فنسجتني بعظام وعصب (12) منحتني حياة ورحمة، وحفظت عنايَتُك روحي (13) لكنك كتمت هذه في قلبك ".
بربط النص الصحيح من سفر أيوب بما سبق بيانه في الوجه الأول من نقد الشبهة، يتبين المقصود بعبارة " التخثير كالجبن "، وعلاقتها بنظرية " الجنين القزم ".
أي: دم الحيض سائل، وحين يلتقي به الحيوان المنوي يخثِّره كما تخثِّر الإنفحةُ الحليبَ (اللبن) فتجعله جبناً.
وكما أن المادة الرئيسة في تكوين الجبن هي الحليب (اللبن)، وما الإنفحة إلا كعاملٍ مساعدٍ في التخثير. فإن الحيوان المنوي ـ بحسب تلك النظرية المغلوطة ـ ليس له إلا دَور ثانوي في تكوين الجنين.
لكن الحق المجمع عليه أن لكل من الحيوان المنوي والبويضة دور مشيج (خليط) في تكوُّن الجنين، فكل منهما يحمل ثلاثة وعشرين زوجاً من الصبغيات (الكروموسومات)، بل للحيوان المنوي الدور الرئيس في تحديد جنس الجنين.[14]
وحين تسأل علماء أهل الكتاب عن تفسير عبارة " التخثير كالجبن " الواردة في سفر أيوب، تجد كتاب " التفسير التطبيقي للكتاب المقدس " ملتزماً الصمت !
بينما جاء في موسوعة " ينبوع الحياة " تحت عنوان : " خثر " ما يلي:
" الكلمة بالعبرية: קָפַּא : جَعْلُ السائلِ جامداً ".
وأكدت ذلك " دائرة المعارف الكتابية " تحت مادة " خثر " : " خثر اللبن خثرًا وخثورًا: غلظ. وتضاف خميرة المنفحة إلى اللبن؛ ليتخثر وليصنع منه الجبن. ويقول أيوب:" ألم تصبني كاللبن وخثرتني كالجبن ؟ " ".
ثانياً: المزامير [139/13-16]: يزعمون أن داود أخذ يناجي ربه بما يلي:
" (13) لأنك أنت اقتنيت كليتيّ، نسجتني في بطن أمي (14) أحمدك من أجل أني قد امتزت عجباً، عجيبة هي أعمالك ونفسي تعرف ذلك يقيناً (15) لم تختف عنك عظامي حينما صنعت في الخفاء ورقمت في أعماق الأرض (16) رأت عيناك أعضائي وفي سفرك كلها كتبت يوم تصورت إذ لم يكن واحد منها ".[15]
أين: " صنعتني بإعجازك المدهش " ؟ و " الرحم " ؟ و " علقة " ؟ و " جنيناً " ؟
لقد قام بذلك التحريف؛ ليصرف الانتباه عن اتفاق النص المذكور أولاً (من سفر أيوب)، مع الفكرة المغلوطة حول الجنين القزم.
خاتمة البحث:
كلام البشر يعتريه النقص والخلل، فهو مبني على تجارب الناس وعلومهم، وفي هذه الدراسة مثال على الفرق بين الكلام الإلهي المحكم الذي لا يأتيه الباطل من لدن عليمٍ حكيم، وبين كلام البشر الذي يعتريه ما يعتري البشر من نقص في العلم.
كما تثبِت أنه لا كتاب كاملٌ سوى القرآن الكريم، كلام الله المعجز الذي لا يأتيه الباطل، بعكس ما سواه من الكتب التي تدخلت يد الناس لإصلاح أخطائها.
كيف لا ؟ والحق : " أنه لا يكتب إنسان كتابه في يومِه، إلا قال في غدِه: لو غيِّر هذا لكان أحسن، ولو زِيدَ لكان يُستحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو ترِك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العِبَر، وهو دليل على استيلاء النقص على جُلة البشر".[16]
وفي الختام:
نصيحة توجه لمن يلجأ إلى المغالطة والتحريف في كتبه المقدسة؛ ليستر عورتها وليقينه بضعفها:
أنتم أحرار في نظرتكم إلى كتبكم والتعديل عليها وفق أهوائكم، لكن ابتعدوا عن توجيه سهامكم نحو القرآن الكريم؛ حرصاً عليكم لأنها سترتد إليكم يقيناً.
وصدق الله العظيم في وصفهم: (وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُم وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [آل عمران: 69].
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ عَلَينا وَتَسكينَةٍ شاهِدُ"
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ [17]
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ" مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ..) [الحج: 54].
للتواصل:
د. عبدالرحيم الشريف
[email protected]
[1] انظر: مباحث في إعجاز القرآن، أ.د. مصطفى مسلم، ص158.
[2] قال القاضي الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن ص22: " ومن أهم ما يجب على أهل دين الله كشفه، وأولى ما يلزم بحثه، ما كان لأصل دينهم قواماً، ولقاعدة توحيدهم عماداً ونظاماً، وعلى صدق نبيهم r برهاناً، ولمعجزته ثبتاً وحجة. لا سيما والجهل ممدود الرواق، شديد النفاق، مستولٍ على الآفاق. والعلم إلى عفاء ودروس، وعلى خفاء وطموس، وأهلهم في جفوة الزمن البهيم، يقاسون من عبوسه لقاء الأسد الشتيم [كريه المنظر]. حتى صار ما يكابدونه قاطعاً عن الواجب من سلوك مناهجه، والأخذ في سبيله ".
قلت: إن كان ذلك كلام الباقلاني المتوفى سنة (403هـ) عن حال العلم في مجتمعه، وتلك استغاثته بعلماء ذلك الزمان، مع أنه كان للإسلام دولة تنتصر له، وعلماء أكفاء يذودون عن حياضه، لا يخافون لومة لائم.. فكيف بنا في هذا الزمان ؟
[3] يُكثر الكُتاب العرب العلمانيون المتتلمذون على أيدي المنصرين والمستشرقين من إطلاق عبارة " النص القرآني " على آيات القرآن الكريم، ويزعمون بذلك أن: " النص تدوين لروح العصر من خلال تجارب فردية وجماعية في مواقف معينة متعددة متباينة، فهو عمل إنساني خالص؛ لأنه يتحدث بلغة إنسانية نسبية، فالوحي على ذلك تأنسَنَ عندما تحول عبر الرسول إلى كلمة إنسانية. إن النصوص الدينية تأنست منذ تجسدت في التاريخ واللغة، وتوجهت بمنطوقها ومدلولها إلى البشر في واقع تاريخي محدد، وإنها محكومة بجدلية الثبات والتغير، فالنصوص ثابتة في المنطوق متغيرة في المفهوم ".
انظر عرض ذاك الزعم ونقده في كتاب: موقف الفكر العربي العلماني من النص القرآني / دعوى تاريخية النص نموذجاً، أحمد إدريس الطعان الحاج، أطروحة دكتوراه، جامعة القاهرة، 2003م.
[4] قال ابن منظور في لسان العرب 2/622: " إِنْفَحة الجَدْي وإِنْفِحَتَه وإِنْفَحَّتُه ومِنْفَحَتُه: شيءٌ يخرج من بطنه أَصفر يُعصر في صوفة مبتلة في اللبن، فيغلظ كالحُبْن ".
[5] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص98-130.
[6] قال الآلوسي في تفسيره روح المعاني 10/190: " أمشاج .. أي: أخلاط، جمع خلط بمعنى: مختلط ممتزج. يقال: مشجت الشيء، إذا خلطته ومزجته فهو مشيج وممشوج، وهو صفة لنطفة، ووصفت بالجمع ـ وهي مفردة ـ؛ لأن بها مجموع ماء الرجل والمرأة ".
[7] فتح الباري11/480.
[8] تحفة المودود، ص272.
[9] الجامع لأحكام القرآن 16/342.
[10] للاطلاع على النص الكامل لمحاضرة العالِم (كيث مور) انظر موقع: موسوعة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة ( www.quran-m.com ).
[11] مِن علم الطب القرآني، د. عدنان الشريف، ص33-34.
[12] للتفصيل والصور التوضيحية، انظر: المرجع السابق، فصل: أطوار الجنين، ص49-70.
[13] القُمُّص (Higoumen): لقب تمنحه الكنيسة القبطية لبعض الكهنة. انظر: معجم الإيمان المسيحي، الأب صبحي حموي، ص 383. وزكريا بطرس أحد أشهر المنصرين في القنوات الفضائية التنصيرية ومواقع الإنترنت.
[14] انظر مقال: نسبة النوع عند الولادة، د. كريم حسنين، مؤتمر الإعجاز العلمي السابع، ص6.
[15] جاء في كتاب: " التفسير التطبيقي للكتاب المقدس " تفسير تلك العبارة بما يلي: " إن طبيعة الله تتغلغل في كيان كل شخص. فعندما تشعر بضآلتك، أو عندما تبدأ تكره نفسك، اذكر أن روح الله، لديه الاستعداد في أن يعمل فيك ليجعل طبيعتك منسجمة مع إرادة الله. فالله يفكر فيك دائماً، فيجب أن يكون لدينا احترام لذواتنا، مثل ما لدى خالقنا من احترام نحونا ". وهذا التفسير يزيد التأكيد أنْ لا إعجاز في النص أعلاه البتة!
[16] قاله القاضي الفاضل عبدالرحيم البيساني في رسالة للعماد الأصفهاني، معتذراً عن كلام استدركَه عليه. انظر: كشف الظنون، حاجي خليفة1/14. وأبجد العلوم، القنوجي 1/70.
[17] البيتان لأبي العتاهية، انظر: ديوانه، د. شكري فيصل، ص 104.
القلب الحزين
12-12-2013, 04:29 PM
الرد على شبه المشككين في تكريم الإسلام للمرأة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1187736297islamic_woman.jpgبقلم / أحمد حسين خليل أبو جامع
ليسانس الدراسات الإسلامية و العربية – جامعة الأزهر
** مكانة المرأة في الإسلام
لقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه ؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال ، وخير الناس خيرهم لأهله ؛ فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قرة العين ، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها.
وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة، التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة.
وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها.
وإذا كانت أماً كان برُّها مقروناً بحق الله-تعالى-وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، و والفساد في الأرض.
وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها.
وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار كان له حق الإسلام العام من كف الأذى ، وغض البصر ونحو ذلك .
وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية ، مما جعل للمرأة قيمة واعتباراً لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة .
ثم إن للمرأة في الإسلام حق التملك ، والإجارة، والبيع ، والشراء، وسائر العقود ، ولها حق التعلم ، والتعليم، بما لا يخالف دينها ، بل إن من العلم ما هو فرض عين يأثم تاركه ذكراً أم أنثى .
بل إن لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون الرجال، أو بما يختصون به دونها من الحقوق والأحكام التي تلائم كُلاً منهما .
ومن إكرام الإسلام للمرأة أن أمرها بما يصونها، ويحفظ كرامتها، ويحميها من الألسنة البذيئة ، والأعين الغادرة ، والأيدي الباطشة ؛ فأمرها بالحجاب والستر، والبعد عن التبرج، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب ، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها.
ومن إكرام الإسلام لها : أن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها.
بل ومن المحاسن-أيضاً-أن أباح للزوجين أن يفترقا إذا لم يكن بينهما وفاق، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشة سعيدة؛ فأباح للزوج طلاقها بعد أن تخفق جميع محاولات الإصلاح، وحين تصبح حياتهما جحيماً لا يطاق.
وأباح للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالماً لها، سيئاً في معاشرتها، فلها أن تفارقه على عوض تتفق مع الزوج فيه، فتدفع له شيئاً من المال، أو تصطلح معه على شيء معين ثم تفارقه.
ومن صور تكريم الإسلام للمرأة أن نهى الزوج أن يضرب زوجته بلا مسوغ، وجعل لها الحق الكامل في أن تشكو حالها إلى أوليائها، أو أن ترفع للحاكم أمرها؛ لأنها إنسان مكرم داخل في قوله-تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (1)
وليس حسن المعاشرة أمراً اختيارياً متروكاً للزوج إن شاء فعله وإن شاء تركه، بل هو تكليف واجب.
قال النبي- صلى الله عليه و سلم -: " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها " (2)
فهذا الحديث من أبلغ ما يمكن أن يقال في تشنيع ضرب النساء ؛ إذ كيف يليق بالإنسان أن يجعل امرأته - وهي كنفسه - مهانة كمهانة عبده بحيث يضربها بسوطه، مع أنه يعلم أنه لا بد له من الاجتماع والاتصال الخاص بها.
ولا يفهم مما مضى الاعتراض على مشروعية ضرب الزوجة بضوابطه، ولا يعني أن الضرب مذموم بكل حال؛ فلا
يطعن في مشروعية الضرب إلا من جهل هداية الدين ، وحكمة تشريعاته و مرونته .
تعالوا بنا لنرى كيف اتخذ أعداء الإسلام أحكام الدين وسيلة للوصول لغاياتهم الدنيئة ، هؤلاء الذين يتظاهرون بتقديس النساء والدفاع عن حقوقهن ؛ فهم يطعنون في هذا الحكم، ويتأففون منه، ويعدونه إهانة للمرأة .
وما ندري من الذي أهان المرأة ؟ أهو ربّها الرحيم الكريم الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ؟
أم هؤلاء الذين يريدونها سلعة تمتهن وتهان ، فإذا انتهت مدة صلاحيتها ضربوا بها وجه الثرى ؟
والذين يولعون بالغرب، ويولون وجوههم شطره يوحون إلينا أن نساء الغرب ينعمن بالسعادة العظمى مع أزواجهن .
ولكن الحقيقة الماثلة للعيان تقول غير ذلك ؛ فتعالوا نطالع الإحصاءات التي تدل على وحشية الآخرين الذين يرمون المسلمين بالوحشية.
أ- نشرت مجلة التايم الأمريكية أن ستة ملايين زوجة في أمريكا يتعرضن لحوادث من جانب الزوج كل عام، وأنه من ألفين إلى أربعة آلاف امرأة يتعرضن لضرب يؤدي إلى الموت، وأن رجال الشرطة يقضون ثلث وقتهم للرد على مكالمات حوادث العنف المنزلي. (3)
ب- ونشر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي عام 1979م أن 40% من حوادث قتل النساء تحدث بسبب المشكلات الأسرية، وأن 25% من محاولات الانتحار التي تُقْدم عليها الزوجات يسبقها نزاع عائلي. (4)
ج- دراسة أمريكية جرت في عام 1407هـ-1987م أشارت إلى 79% يقومون بضرب النساء وبخاصة إذا كانوا متزوجين بهن.
وكانت الدراسة قد اعتمدت على استفتاء أجراه د.جون بيرير الأستاذ المساعد بقسم علم النفس بجامعة كارولينا الجنوبية بين عدد من طلبته .
وقد أشارت الدراسة إلى أن استعداد الرجال لضرب زوجاتهم عالٍ جداً، فإذا كان هذا بين طلبة الجامعة فكيف بمن هو دونهم تعليماً ؟
د- وفي دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي للصحة النفسية جاء أن 17% من النساء اللواتي يدخلن غرف الإسعاف ضحايا ضرب الأزواج أو الأصدقاء، وأن 83% دخلن المستشفيات سابقاً مرة على الأقل للعلاج من جروح وكدمات أصبن بها كان دخولهن نتيجة الضرب.
وقال إفان ستارك معد هذه الدراسة التي فحصت (1360) سجلاً للنساء: إن ضرب النساء في أمريكا ربما كان أكثر الأسباب شيوعاً للجروح التي تصاب بها النساء، وأنها تفوق ما يلحق بهن من أذى نتيجة حوادث السيارات، والسرقة، والاغتصاب مجتمعة.
وقالت جانيس مور-وهي منسقة في منظمة الائتلاف الوطني ضد العنف المنزلي ومقرها واشنطن: إن هذه المأساة المرعبة وصلت إلى حد هائل؛ فالأزواج يضربون نسائهم في سائر أنحاء الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى دخول عشرات منهن إلى المستشفيات للعلاج.
وأشارت إلى أن الأمر المرعب هو أن هناك نساء أكثر يُصبن بجروح وأذى على أيدي أزواجهن ولكنهن لا يذهبن إلى المستشفى طلباً للعلاج، بل يُضمِّدن جراحهن في المنزل.
وقالت جانيس مور: إننا نقدر بأن عدد النساء اللواتي يُضربن في بيوتهن كل عام يصل إلى ستة ملايين امرأة، وقد جمعنا معلومات من ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالية، ومن مئات الملاجئ التي توفر المأوى للنساء الهاربات من عنف وضرب أزواجهن. (5)
هـ - وجاء في كتاب ماذا يريدون من المرأة لعبد السلام البسيوني ص36-66 ما يلي:
- ضرب الزوجات في اليابان هو السبب الثاني من أسباب الطلاق.
- 772 امرأة قتلهن أزواجهن في مدينة ساوباولو البرازيلية وحدها عام1980م.
- يتعرض ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين من الأمريكيات للإهانة المختلفة من أزواجهن وعشاقهن سنوياً.
- أشارت دراسة كندية اجتماعية إلى أن ربع النساء هناك-أي أكثر من ثمانية ملايين امرأة- يتعرضن لسوء المعاملة كل عام.
- في بريطانيا تستقبل شرطة لندن وحدها مائة ألف مكالمة سنوياً من نساء يضربهن أزواجهن على مدار السنين الخمس عشرة الماضية.
- تتعرض امرأة لسوء المعاملة في أمريكا كل ثمان ثوان.
- مائة ألف ألمانية يضربهن أزواجهن سنوياً، ومليونا فرنسية.
-60% من الدعوات الهاتفية التي تتلقاها شرطة النجدة في باريس أثناء الليل-هي نداءات استغاثة من نساء تُساء معاملتهن.
وبعد فإننا في غنى عن ذكر تلك الإحصاءات؛ لعلمنا بأنه ليس بعد الكفر ذنب.
ولكن بعض من يسمون أنفسهم بالمثقفين - وهم غير قليل - لا يقع منهم الدليل موقعه إلا إذا نسب إلى الغرب ؛ فها هو الغرب تتعالى صيحاته من ظلم المرأة؛ فهل من مدكر؟
إذا لم يكن للمرء عين صحيحة *** فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر
ومن صور تكريم الإسلام للمرأة أن أنقذها من أيدي الذين يزدرون مكانها، وتأخذهم الجفوة في معاشرتها؛ فقرر لها من الحقوق ما يكفل راحتها، وينبه على رفعة منزلتها، ثم جعل للرجل حق رعايتها، وإقامة سياج بينها وبين ما يخدش كرامتها.
ومن الشاهد على هذا قوله-تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (6)
أما الحضارة المعاصرة فلا تكاد تعرف شيئاً من تلك المعاني ، وإنما تنظر للمرأة نظرة مادية بحتة ، فترى أن حجابها وعفتها تخلف ورجعية، وأنها لابد أن تكون دمية يعبث بها كل ساقط؛ فذلك سر السعادة عندهم .
وما علموا أن تبرج المرأة وتهتكها هو سبب شقائها وعذابها.
وإلا فما علاقة التطور والتعليم بالتبرج والاختلاط وإظهار المفاتن ، وإبداء الزينة، وكشف الصدور، والأفخاذ، وما هو أشد ؟
وهل من وسائل التعليم والثقافة ارتداء الملابس الضيقة والشفافة والقصيرة ؟
ثم أي كرامة حين توضع صور الحسناوات في الإعلانات والدعايات ؟
ولماذا لا تروج عندهم إلا الحسناء الجميلة، فإذا استنفذت السنوات جمالها وزينتها أهملت ورميت كأي آلة انتهت مدة صلاحيتها ؟
وما نصيب قليلة الجمال من هذه الحضارة ؟ وما نصيب الأم المسنة، والجدة، والعجوز ؟
إن نصيبها في أحسن الأحوال يكون في الملاجىء، ودور العجزة والمسنين؛ حيث لا تُزار ولا يُسأل عنها.
أما المرأة في الإسلام فكلما تقدم السن بها زاد احترامها، وعظم حقها، وتنافس أولادها وأقاربها على برها لأنها أدَّت ما عليها، وبقي الذي لها عند أبنائها، وأحفادها، وأهلها، ومجتمعها.
أما الزعم بأن العفاف والستر تخلف ورجعية-فزعم باطل ، بل إن التبرج والسفور هو الشقاء والعذاب، والتخلف بعينه، وإذا أردت الدليل على أن التبرج هو التخلف فانظر إلى انحطاط خصائص الجنس البشري في الهمج العراة الذين يعيشون في المتاهات والأدغال على حال تقرب من البهيمية ؛ فإنهم لا يأخذون طريقهم في مدارج الحضارة إلا بعد أن يكتسوا .
ويستطيع المراقب لحالهم في تطورهم أن يلاحظ أنهم كلما تقدموا في الحضارة زادت نسبة المساحة الكاسية من أجسادهم ،كما يلاحظ أن الحضارة الغربية في انتكاسها تعود في هذا الطريق القهقرى درجة درجة حتى تنتهي إلى العري الكامل في مدن العراة التي أخذت في الانتشار بعد الحرب العالمية الأولى، ثم استفحل داؤها في السنوات الأخيرة.
إن من أعظم النعم التي كرم اللَّه بها عباده المؤمنين أن شرع الله لهم شريعة قويمة وملة حنيفية، تنظم الإنسان والكون والحياة، تخاطب القلب والعقل والروح ، وتحقق رغبات البدن دون تمادي إلى شهوانية حيوانية ، أو دون حرمان الرهبانية ، فهذا الدين هو دين الفطرة قال تعالى " فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ" (7)
وهكذا تبين لنا عظم منزلة المرأة في الإسلام، ومدى ضياعها وتشردها إذا هي ابتعدت عن الإسلام
قال تعالى : " وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِِهِِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (8)
يمكن التواصل مع المؤلف على البريد التالى :
[email protected]
الهوامش
(1) الإسراء / 70 .
(2) متفق عليه .
(3) دور المرأة المسلمة فى المجتمع – إعداد لجنة المؤتمر النسائى الأول صـ 45 ، و انظر الرابط : http://www.almokhtsar.com/html/best/5/254.php
(4) المرجع السابق صـ 46 .
(5) انظر من أجل تحرير حقيقي ص16-21 وانظر المجتمع العاري بالوثائق والأرقام ص56-57.
(6) البقرة 188 .
(7) الروم 30 .
(8) الأنعام 153 .
موضوعات ذات صلة :
** الرد على شبه المشككين فى الميراث .
** الرد على شبه المشككين فى تعدد الزوجات .
** الرد على شبه المشككين فى الطلاق .
القلب الحزين
12-12-2013, 04:30 PM
الرد على شبه المشككين فى الطلاق
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1184605058563732680_e1bf7beba511.jpgبقلم / أحمد حسين خليل
كلية الدراسات الإسلامية و العربية جامعة الأزهر
أولاً : مقصد الشارع الحكيم من تشريع الطلاق ، والحكمة الإلهية من ذلك .
مما لاشك فيه أن ديننا الإسلامي قد جعل الطلاق في أضيق الحدود، وفي حالة استحالة العشرة بين الزوجين ، وبما لا تستقيم معه الحياة الزوجية ، وصعوبة العلاج إلا به وحتى يكون مخرجاً من الضيق وفرجاً من الشدة في زوجية لم تحقق ما أراده الله ـ سبحانه وتعالى ـ لها من مقاصد الزواج التي تقوم على المودة والسكن النفسي والتعاون في الحياة .
كما أن الطلاق ظاهرة عامة وموجودة في كل المجتمعات وبنسب متفاوتة وهو أمر عرفته البشرية من قديم الزمان ، وكانت له طرق وأشكال تختلف من بيئة إلى بيئة ، ومن عصر إلى عصر ، وقد أقرته جميع الأديان كلٌ بطريقته ، كما عرفته عرب الجاهلية لأنه كان شريعة إبراهيم وإسماعيل –عليهما السلام-، ففي حديث البخاري أن سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ قال لزوجة ولده إسماعيل التي شكت حاله قولي له : " يغير عتبة داره " ، ففهم إسماعيل من ذلك أنه ينصحه بطلاقها، فطلقها(1).
وعندما جاء الإسلام كان امتداداً لدين إبراهيم كما قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾(2). فأقر الإسلام الطلاق ونظمه تنظيماً دقيقاً مراعياً في ذلك استقرار الأسرة وسعادتها من ناحية وحفظ كيان المجتمع البشري بأكمله من ناحية أخرى ، يقول الله تعالى: ﴿ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ (3)
ولو وضع الإسلام أو المشرع قانوناً يُحرم الطلاق لصاح الناس: هذا ظلم مبين ، وهذا ما فطن إليه الفيلسوف الإنجليزي (بنتام) في كتابه "أصول الشرائع"، فقال: "لو ألزم القانون الزوجين بالبقاء ـ على ما بينهما من جفاء ـ لأكلت الضغينة قلوبهما، وكاد كلٌ منهما للآخر، وسعى إلى الخلاص منه بأية وسيلة ممكنة ، وقد يهمل أحدهم صاحبه ، ويلتمس متعة الحياة عند غيره ، ولو أن أحد الزوجين اشترط على الآخر عند عقد الزواج ألا يفارقه، ولو حل بينهما الكراهية والخصام محل الحب والوئام لكان ذلك أمراً منكراً مخالفاً للفطرة ومجافياً للحكمة ، وإذا جاز وقوع هذا بين شابين متحابين ، غمرهما شعور الشباب فظنا ألا افتراق بعد اجتماع ، ولا كراهة بعد محبة ، فإنه لا ينبغي اعتباره من مشرع خير الطباع ، ولو وضع المشرع قانوناً يُحرم فض الشركات ويمنع رفع ولاية الأوصياء ، وعزل الشركاء ومفارقة الرفقاء ، لصاح الناس : هذا ظلم مبين. وإذا كان وقوع النفرة، واستحكام الشقاق والعداء ليس بعيد الوقوع فأي الأمرين خير ؟ ربط الزوجين بحبلٍ متين ، لتأكل الضغينة قلوبهما، ويكيد كلٌ منهما للآخر؟ أم حل ما بينهما من رباط وتمكين كلٌ منهما من بناء بيت جديد، على دعائم قويمة، أو ليس استبدال زوج بآخر خير من ضم خليلة إلى امرأة مهملة ، أو عشيق إلى زوج بغيض ؟ "(4).
والحقيقة أن الإسلام كره الطلاق ونفَّر منه والرسول ـ صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق" (5) ، واعتبر الحياة الزوجية لها قدسية خاصة لابد من احترامها، وأن هدمها ليس بالأمر السهل ، فهي ميثاق غليظ ينبغي عدم نقضه بسهولة، والقرآن الكريم يقول فيه :
﴿ وَأَخَذْنَا مِنكُم مِيْثَاقَاً غَلِيْظَاً ﴾ (6)
وقد ذكر (الكاساني) في "بدائع الصنائع" أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له عرش الرحمن" (7)
وهذا دليل على أن الإسلام صان قداسة الزوجية من العبث بها ، لما يترتب على ذلك من أضرار تقع على الأسرة وعلى المجتمع الإسلامي بأكمله ، فوضع العقبات في طريق الطلاق ليمنع وقوعه أو يؤخره، وحبَّذ التريث في معالجة ما ينشب بين الرجل وامرأته لعل الأمور تعود إلى طبيعتها وهذا ما أوضحته آية الطلاق: ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾ (8)، وذلك لأن الطلاق هو موقف مؤقت لعلاقة لم تتحقق فيها مقاصد الزواج كما ذكرت، ولكنها أيضاً ليست حسماً صارماً، ومن هنا لا يرتضي الإسلام هذه الكلمة في كل وقت بل جعل لها أوقاتاً خاصة عند استحالة العشرة ، بل واستبقى مجالاً للحياة الزوجية بعد الطلاق لعل مشاعر الحب تعود بينهما مرة أخرى أو يتدخل أهل الخير في جو هادئ لإصلاح الصدع بينهما وأولى الناس بهذه المهمة أقارب الزوجين، يقول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً ﴾(9).
ولكن في الآونة الأخيرة كانت ظاهرة الطلاق أمراً مزعجاً لدى الأسرة المسلمة لما طرأ عليها من ارتفاع قد تكون نتيجة الظروف الراهنة التي تواجه المجتمعات الإسلامية أو التفكك الذي يعيش فيه العالم الإسلامي اليوم أو التقصير في الحقوق الزوجية سواء كانت مادية أو معنوية أو اجتماعية الأمر الذي جعل كثيراً من المهتمين والمتخصصين والغيورين على الدين الإسلامي إفراد الأبحاث والمؤتمرات لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة على بناء وكيان الأسرة المسلمة وإيجاد الحلول المناسبة للحد منها.
وقد قرأتُ رأياً للدكتورة/ هبة إبراهيم عيسى أستاذة الأمراض النفسية والعصبية في كلية الطب ، جامعة عين شمس ملفتاً للانتباه ويؤكد خطورة ظاهرة الطلاق على بناء وكيان المجتمع الإسلامي ، وبينت الآثار الخطيرة المترتبة عليه ، فهي ترى أنه "كثيراً ما يختلف الزوجان في خلافات حادة ، ويكون فيها الطلاق حتمية مؤكد، وفي حالات أخرى يكون الطلاق نتيجة للعناء الذي قد يصل إلى كثير من التوتر بين طرف العلاقة وقد يؤدي إلى أعراض نفسية قد تصل إلى أمراض كالاضطرابات النفسية الجسمية كالقيء المتكرر أو ارتفاع ضغط الدم أو الصداع المزمن أو ظهور طفح جلدي . وقد يذبل الطرف الذي يعاني القلق و الإكتئآب، ويصاب بفقدان الشهية مع كسل شديد وعدم الاهتمام بأي شيء وفقدان الوزن" (10). فمثل هذه النتائج الخطيرة تستدعي منا فعلاً الوقوف بتأني أمام ظاهرة الطلاق والعمل على الحد منها بكل الحلول والوسائل المتاحة .
ومن هنا أرى أن يسر الشريعة الإسلامية قد بان ووضح ، فى الحكمة الإلهية العظيمة من تشريع الطلاق .
ثانياً : لماذا وضع الطلاق فى يد الرجل ؟
و أقول: إذا كانت الشريعة قد جعلت الطلاق في يد الرجل ، فقد أعطت المرأة في المقابل حق الخلع . وعندما جعل الطلاق في يد الرجل ألزمته الشريعة بالتكاليف المالية الإجبارية ، فليس من العدل أن يكلف بالمهر والنفقة والسكن والكسوة ونفقة الأولاد ثم لا تعطى له صلاحية مناسبة لما أعطي من مسئوليات.
ولا يختلف اثنان اليوم على استخدام أكثر الرجال للجانب الأيسر من المخ ، وأقوى ما فيه الواقعية والعقلانية، واستخدام أكثر النساء للجانب الأيمن من المخ وأقوى ما فيه الخيال والإبداع والعاطفة، فالشارع راعى الفروق الفردية بين الجنسين عندما جعل قرار الطلاق بيد الرجل، ومع ذلك أعطى للمرأة حقها بطرق ووسائل تناسب طبيعتها العاطفية .
حدث في تونس أن أعطيت المرأة حق الطلاق بنفس وسائل الرجل وطرقه، فزادت نسبة الطلاق في تلك السنة أضعافاً مضاعفة ثم تم تعديل القانون وتبين أن أكثر النساء اللاتي أوقعن الطلاق كان تطليقهن لأزواجهن بسبب ردة فعل عاطفية .
ومن المعروف إدارياً أنه لا بد أن يكون هناك تناسب بين الصلاحيات والمسؤوليات.
الطلاق في الإسلام ليس نزوة عارضة ولا غضباً إنما هو حل مناسب في حالة استفحال المرض واستعضال الداء وليس صراعاً من أجل البقاء . لا بد أن نفرق بين جمال النظام وعدالته وسوء الاستخدام .
دعونا نتصور حالة زوجة مع زوج لا يحترمها ولا يحترم العلاقة الزوجية ولا يؤدي لها حقوقها بل يؤذيها ويضرها، ألا يكون الطلاق حلاً مناسباً لها، أم أننا بقانون الأحوال الشخصية نتركها تقاسي وتعاني وتتعذب دون طلاق مع هذا الرجل الذي لا يحسن عشرتها .
لو وقع الطلاق فالشريعة تعطي للمرأة تعويضاً نفسياً ومالياً وهو نفقة العدة . وقد أدركت الدول الغربية التي كانت تحرم الطلاق وتمنعه خطأها فيسرت الحصول على الطلاق، وكان آخر هذه الدول إيطاليا، حيث أباحته عام 1971م ويكفي أن نعلم أنه ما إن أقر الطلاق في إيطاليا حتى قدم إلى المحاكم أكثر من مليون طلب طلاق .
من المفارقات كما يقول الغزالي: "في الوقت الذي تحتج فيه المرأة المصرية على الطلاق تحتج المرأة الإنجليزية على أبدية الزواج"
إضاءات :
رغم التحسن في الأوضاع الاقتصادية للعمال في أوروبا إلا أن الوضع الاقتصادي للمرأة هناك لا يزال حرجاً، فالمرأة لا تزال تأخذ نصف أجر الرجل، كما أن عليها إذا أرادت الزواج أن تتنازل عن اسمها واسم أبيها لتصبح تابعة لزوجها حتى في الاسم ، كما أنها تفتقد في كثير من الأحيان حقها في التصرف في أموالها إلا بعد إذن زوجها ، والرجل غير مسؤول عن نفقتها أفلا نحمد الله على ما من به علينا ؟
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]
ملحق الهوامش
(1) الأسرة تحت رعاية الإسلام ، الشيخ/ عطية صقر، ج6، ص275 .
(2) سورة النحل – آية 122
(3) البقرة / 199 .
(4) أصول الشرائع، المجلد الأول، ص161-166، ترجمة: فتحي باشا زغلول .
(5) فيض القدير، ج10، رقم الحديث: 7794، سنن أبو داود، ج2، رقم: 2177
(6) النساء 21 .
(7) حقوق الإنسان في الإسلام، علي راضي، ص98 .
(8) الطلاق / 1 .
(9) النساء / 35 .
(10) من مقالة لها على شبكة الإنترنت بمجلة الثقافة النفسية ، العدد 47 ، المجلد 12 لسنة 2001 ، ارجع إلى الرابط / http://www.psyinterdisc.com/ala3dadsab08.html
القلب الحزين
12-12-2013, 04:31 PM
أكذوبة الفرقان الحق
1
بقلم الباحث: ياسر الأقرع
بعد أن حزم مسيلمة حقائبه ورحل موسوماً بصفة الكذاب، يطالعنا العصر الحديث بمحاولة جديدة لتقليد النص القرآني لفظاً ومعنىً وأسلوباً وصياغة... معترفة – دون أن تدرك – أنها تعدُّ القرآن غاية البلاغة ومنتهاها.
ومن هذه المحاولات ما سمِّي بالفرقان الحق، وسوف نتناول آية مزعومة من السورة التي أسموها "سورة الحق" وفي أول "آية" منها يقولون:
"وأنزلنا الفرقان الحقَّ نوراً على نور محقاً للحقّ ومزهقاً للباطل وإن كره المبطلون"، لنتأمل هذه الأخطاء الغزيرة في الحروف والكلمات والأفعال والأسماء، وحتى في اسم هذا الكتاب !
أخطاء في الحروف
يبدأ هذا النص ( بالواو ) والواو على تعدد أنواعها ( أحد عشر نوعاً ) فإنها لا تأتي في هذا الموضع إلا على احتمالين:
إما أن تكون استئنافية، أو تكون عاطفة .
وفي كلا الحالين لابد من كلام قبلها ، لنستأنف بالواو ما بدأناه ، أو نعطف بها على جملة سبقتها . فلابدّ إذاً من تقدير جملة محذوفة ( منويّة ) قبل الواو ، غير أنْ لا بد للمحذوف من كلام يدلّ عليه أو يشير إليه ، وليس فيما يلي الواو ما يدلّ على معنى سابق مقدّر ، فما الحاجة إليها إذاً وهي لم تُفِدْ شيئاً ، ولم تضف معنى ؟ بل يمكن الاستغناء عنها ، أو إبدالها حرف توكيد ، حيث تتأتى من ذلك فائدة ليست في وجود الواو في هذا الموضع .
أخطاء في الكلمات
ثم يلي ذلك ، الفعل ( أنزلنا ) فالإنزال من أعلى إلى أدنى فعَلامَ ذُكر الإنزال في نصّ مكتوب من إنسان أو مجموعة من الناس إلى أقرانهم من البشر ولماذا لا يكون ( قدّمنا ـ كتبنا ـ أرسلنا ـ ألّفنا ... ) أو مثل ذلك وهو كثير . وهذه الـ ( نا ) الدالة على الفاعلين ، على من تعود ؟ ذلك أنَّ الضمير لا يؤدي غايته إلا إذا كان معروفاً لدى المتكم والسامع على حدّ سواء ، أو كان مفهوماً من السياق ، أو سبقت الإشارة إليه، وليس من ذلك شيء هاهنا .
الفرقان( الذي يفرق بين الحق والباطل ) : الفرقان اسم معرف بأل وهذه الـ ( أل ) تفيد في أحد أمرين فإما أن يكون المتكلم والمخاطب متفقين على المعرّف بحيث تدل هذه الـ (أل) على ما تعارفا عليه كقولك لمن وضعت عنده كتاباً ( أين الكتاب ؟ ) فيناولك إياه .
أو تفيد الكمال أي تقول ( هذا الكلام ) أو ( هذا الرجل) وتقصد الكلام الكامل كما يجب أن يكون والرجولة الكاملة كما يجب أن تكون .
أخطاء في الصفات
والفرقان هو ما يَفْرِقُ بين الحقّ والباطل ، والفرقان بذكره معرّفاً بأل يفيد الكمال أي كمال التفريق بين الحق والباطل ومن هنا فلا يضيف وصفه بـ ( الحقّ ) إلى معنى الفرقان جديداً ، فتنعدم بذلك الفائدة من الصفة .
فلو قيل ( الفرقان ) دون وصفه لكان المعنى الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل بشكله الكامل الذي لا نقص فيه فهو ( الحقّ ) .
وثمة احتمال آخر وهو أن يكون ثمة فرقان آخر هو الباطل وهذا الفرقان هو الحق . فالصفة تفرّق بين اسمين مشتركين في اللفظ فتقول (مررت بزيد القائم ) وهذا يقتضي وجود رجل اسمه زيد وهو غير قائم .
لكن كلمة الفرقان وحدها تكفي لتفند دعاوى من يدّعي باطلاً بأنه فرقان ، ومن يكون حقاً فرقاناً ، فلو ادّعى مجموعة أشخاص بأن كلاً منهم هو حكم أو عادل ، ثم أشرت إلى رجل وقلت (هذا الحكم ) أو ( هذا العادل )، لكفاك ذلك في دحض دعاوى غيره بأنهم الحكام أو العادلون .
أخطاء في الأسماء
ثم تأتي كلمة ( نوراً ) وهي اسم جامد بمعنى المشتق، فالمقصود ( منوّراً ) وهذا ما يؤكده ما جاء بعدها من أحوال ( محقاً ـ مزهقاً ) إذاً فكلمة ( نوراً ) جاءت في الجملة حالاً ، فكيف جاء الفرقان الذي هو يفرّق بين الحق والباطل نوراً على نور وقد كان ثمة نزاع أو خصام بين حق وباطل فهو نور نزل على ظلام .
ولو قيل : هو ( نور على نور ) في ذاته فليس المقصود إنزاله نوراً !! لكان الجواب : إن ذلك ممكن لو جاء على غير حالة النصب التي جاء عليها. فلو قيل أنزلنا الفرقان الحق وهو نور على نور محقاً ... إلخ ، لكان يفهم من ذلك أنه نور على نور في ذاته، أما كونه حالاً فإنه لا يؤدي معنى الثبات.فليس المقصود إذاً أنه نور على نور في ذاته، بل إنه جاء نوراً على نورٍ، وكونه جاء ليفرق بين حقٍّ وباطل كائنين قبل نزوله ، فليس فيما هو كائن قبل نزوله نور إذاً .
ثم تأتي (محقّاً ) وهذا اسم فاعل من الفعل ( أحقَّ ) والفعل ليس رباعياً وإنما هو ثلاثي فهو ( حقق ) كما ورد في المعجم ( انظر : لسان العرب/ ج10 / ص49-58 )، ومن ثمَّ فصياغة اسم الفاعل من الثلاثي المبني للمعلوم تكون على وزن فاعل فيقال ( حاقّ ) ولو كان الفعل ( أًحَقَّ ) أي رباعياً لما صح أن تكون صيغة التفضيل منه ( أحقّ ) لأنَّ هذه الصيغة تصاغ من الثلاثي لا من الرباعي .
ثم تأتي كلمة ( مزهقاً ) وأصل الفعل ثلاثي مبني للمعلوم ( زَهَقَ ) واسم الفاعل منه ( زاهق ) وليس ( مُزهقاً )
أخطاء في استعمال الكلمات
و(زاهق) على وزن فاعل غير أنه يدل على الثبات، فهو صفة مشبهة وليس اسم فاعل، وكذلك قولنا ( زهوق ) فهي صفة مشبهة وليست مبالغة من اسم الفاعل . ثم إنَّ الفعلين ( حقق ) و ( زهق ) فعلان لا يتعديان بـ(اللام) فأنت تقول ( حققت الحقَ وزَهَقْتُ الباطل ) ولا تقول (حققت للحق وزهقت للباطل ).
وجاءت هنا ( محقاً للحق ومزهقاً للباطل ) فما الفرق بين ( محقّ الحقّ ) و ( مُحقّ للحق )
َ يقول النحاة: إن اسم الفاعل إذا نصب مفعولاً كان دالاً على الحال أو الاستقبال ومثال ذلك ، أما إذا دخلت اللام على المفعول به أفاد الإطلاق، فقولك ( أنت منصف خالداً ) هذا يدل على حالتك الآن أو لما سيأتي ، وقولك ( أنت منصف لخالد ) دليل على الإطلاق أي أن الأمر كائن ،ماضياً وحاضراً و مستقبلا.ً فكيف يكون إنزال النص محقاً للحق ومزهقاً للباطل وهذا الأمر يدل على الإطلاق. فالنص محقّ الحق مزهق الباطل ماضياً ( قبل الإنزال ) وحاضراً ومستقبلاً .
فإن صلح ذلك حاضراً ومستقبلاً فكيف يحق الحق ويزهق الباطل قبل نزوله، ومنه فيجب أن تكون ( محقّ الحقّ مزهق الباطل ).
أخطاء في البلاغة
ثم يأتي القول : ( محقاً للحق ومزهقاً للباطل )
إنَّ من البلاغة حذف الواو في هذا الموضع لما فيه من الإيجاز ، ذلك أن إثباتها يقتضي تغاير المعطوف والمعطوف عليه ، فإذا حُذِفَت أَشْعَرَ ذلك بأن الكلَّ كالشيء الواحد ، وهنا من يحق الحق ويزهق الباطل واحد، وهو الفرقان حسب ما جاء في النص .
فمن البلاغة أن تأتي الواو بين الصفات المتباعدة المتناقضة في الظاهر، حيث يبعد في الذهن اجتماع هذه الصفات في ذات واحدة ، فأنت تقول : فلان مهندس وموسيقي وشاعر ، فهذه الصفات تعود لذات واحدة غير أنها متباعدة ، فأتت الواو لتقرر الأمر وتحققه ، وليس في وصف الفرقان ( الذي في اسمه تفريق بين الحق والباطل) بـ( محق الحق مزهق الباطل ) ما يدل على تباعد الصفات أو تناقضها في الظاهر.
بعد أن درسنا النص بلاغياً على مستوى المفردات والتراكيب التي تضمَّنها، علينا أن ننظر إليه نظرة كلية ، بوصفه نصّاً ( وهو جزء من بنية نصية أكبر ) ، ذلك أن الدراسة البلاغية تعنى بالكليات قدر عنايتها بالجزئيات.
إذا كانت البلاغة هي بلوغ المرء بعبارته كنه ما في نفسه مع الاحتراز من الإيجاز المخل، والتطويل المملّ ، فهل خلا النص مما يعد إطالة لا جدوى منها ولا فائدة ؟!
أخطاء حتى في التسمية!
أليس في اسم ( الفرقان ) معرفاً بـ ( أل ) ما يغني عن وصفه بـ ( الحق ) .
وهذا الاسم الذي يتضمن معنى التفريق بين الحق والباطل ألا يغني عن وصفه بـ ( محق الحق ومزهق الباطل ) وعليه فإن هذا الكلام لم يأتِ بجديد .
إذاً في النص كثير كلام لقليل معنى فيمكن والحالة هذه إيجازه وتكثيفه .
ولعل منتهى البلاغة إنما تكمن في الجديد الذي يأتي به النص أسلوباً ونظماً ومعنىً، وهذا النص هو محاولة تقليد للنص القرآني يستخدم ألفاظه ، ويكرّر معانيه ، ويقلّد أسلوبه ، وهو بذلك يعدّ الأصل غاية البلاغة ومنتهاها لذا سعى إلى الصوغ على منواله والسير على نهجه .
الباحث: ياسر الأقرع
ماجستير في اللغة العربية
حمص – سورية
يمكن التواصل على العنوان التالي:
[email protected]
القلب الحزين
12-12-2013, 04:32 PM
أكذوبة الفرقان الحق ج2
بقلم: ياسر محمود الأقرع
استكمالاً لما بدأناه من دراسة بلاغية لما سمي " سورة الحق " من الكتاب المسمى ( الفرقان الحق ) نتناول هنا بالبحث والدراسة الآيتين الثانية والثالثة من السورة المذكورة، وهذا نصّ الآيتين :
2 - ففضحَ مكر الشيطان الرجيم ولو تنزّل بوحي ملك رحيم
3- وأبطل فرية رسله الضالين، ولو نطقوا بما أعجز الأميين
الفاء في صدر الآية
2 - ففضحَ مكر الشيطان الرجيم ولو تنزّل بوحي ملك رحيم
تبدأ الآية الثانية ـ كما نلاحظ ـ بالفاء، وللفاء، حسب ما يرى النحاة، ستة أوجه، وقد جاءت هنا حرف عطف، وهي عندما تكون حرف عطف فإنها تفيد الترتيب والتعقيب .
فقولنا : جاء خالد فأحمد :
يعني مجيء خالد أولاً ويليه أحمد ( الترتيب )
دون أن يكون بينهما فارق زمني يذكر ( التعقيب ) .
فهل جاءت الفاء هنا في موضعها الملائم !! لنتذكر معاً الآية التي سبقت هذه الآية ترتيباً في السورة ذاتها : تقول الآية السابقة :( وأنزلنا الفرقان الحقَّ نوراً على نور محقاً للحقّ ومزهقاً للباطل وإن كره المبطلون )المعنى الذي تقوم عليه الآية كما نرى هو إنزال فرقان يفرق بين حق وباطل .والفرقان المنزل : كتاب ، فهو نصّ أولاً وأخيراً ، والنص لا يفرق بين الحق والباطل بفعل البطش والقوة، وإنما بسلطان العقل والمنطق وإقامة الحجة والبرهان، وصولاً إلى فضح مكر الشيطان ( أي حيلته ) في طمس معالم الحق وإظهار الباطل.
هذا كله فيما نعلم يقتضي وجود مدة زمنية تفرضها طبيعة الحوار والجدل وتقديم البراهين لإثبات ما جاء به الكتاب على أنه حق و دحض ما جاء به دعاة الباطل .....
فكيف جاء العطف بالفاء وهي التي تكاد تلغي الفارق الزمني بين إنزال الفرقان وبين فضح مكر الشيطان، مما يوحي بأنه بمجرد إنزال الفرقان حق الحق وزهق الباطل وسلّم بذلك من آمن به ومن كفر على حد سواء، وقد تم ذلك كله في وقت لا يكاد يذكر !؟
فأين تبعات إنزال الفرقان من جدل وحوار وإقامة حجة ودحض رأي ... وغير ذلك !؟
أو َلَيس الأمر منافياً لواقع الحال ومنطق العقل إذاً .... !؟
رجم الشيطان قبل إقامة الحجة عليه
أما المعطوف بالفاء فهو جملة ( فضحَ مكرَ الشيطان الرجيم )، والضمير المستتر في ( فضح ) يعود على ( الفرقان )، فالفرقان إذاً فضح مكر الشيطان الرجيم.
وبما أن الفاء التي عطفت هذه الجملة على سابقتها تدل على الترتيب كما بيّنا، فهذا يعني أن إنزال الفرقان جاء أولاً ، وبعد ذلك فضح مكر الشيطان الرجيم، والرجيم تعني ( المرجوم ) كقولنا ( القتيل ) ونعني ( المقتول )...
فكيف وصف الشيطان في هذا الموضع بالمرجوم !؟
إذ بذلك تصبح الجملة: ففضح مكر الشيطان المرجوم، فأيّ مكر هذا للشيطان إن كان مرجوماً!؟ بل ما حاجتنا لفضح من هو مفضوح أصلاً ، فمرجوم معناه: أنه مفضوح الصفات، مكشوف المكر، ظاهر الذنب ... ولذلك رُجم جزاء له، واقتصاصاً منه.
ولنتأمل تتمة الآية مع التذكير بأولها " ففضحَ مكر الشيطان الرجيم ولو تنزّل بوحي ملك رحيم"
والمقصود من ( ولو تنزل ) هو مكر الشيطان
والسؤال لماذا يكون الأمر ( تنزيلاً ) ؟
ومن قال إن الشيطان في الأعلى حتى يتنزل مكره تنزيلاً إلى من هم في الأسفل ..؟؟
رسول الشيطان ... ملك رحيم !!
أما القول ( بوحي ملك ) فإنه يعني بأن الوحي مُلْكٌ للمَلَك، والمَلَك ليس هو صاحب الوحي حتى نضيف الوحي إليه، فنقول وحي مَلَك، وإنما هو حامل الوحي ، ذلك أن المَلَك أصلاً موحى إليه ، وعندما يوحي الإله إلى الرسل يكون المَلَك هو حامل الوحي أي حامل الرسالة وليس صاحبها.
ثم كيف يوصف المَلَك الذي تنزل بوحي الشيطان ومكره بـ " الرحمة " ؟؟
وهل يوصف مبعوث الشيطان، ومروِّج أفكاره، وناشر ضلاله .. بالرحمة وهو الذي يحمل الباطل والزيف ...؟
كيف يرضى هذا الرحيم أن يكون رسولاً للشيطان ويكون أداة لإهلاك الناس وإفسادهم ومن ثم هلاكهم ...؟
ربما لو جاءت صفة هذا الملك لتدل على إكراه الشيطان له للقيام بالأمر لكان في الأمر كلام آخر.
الشيطان يستغني عن خدمات بني جنسه !!
ولننتقل الآن إلى الآية الثالثة :
3 - وأبطل فرية رسله الضالين ، ولو نطقوا بما أعجز الأميين
والضمير المستتر في أبطل عائد على ( الفرقان ) والهاء في رسله تعود على ( الشيطان ) وهكذا تصبح الجملة :
وأبطل الفرقان فرية رسل الشيطان الضالين ...........
نلاحظ أن اللجوء إلى الضمائر عوضاً عن الأسماء الظاهرة يخلق التباساً في ردّ الضمائر إلى أصحابها ، فيظنّ السامع أن الهاء في ( رسله ) عائدة على من يعود عليه الضمير المستتر في
( أبطل ) وهو الفرقان .... على أية حال دعونا من هذا ، ولنتأمل الحلقات الثلاث التالية :
شيطان ماكر ملك رحيم رسل ضالين
الوحي إلى
انظروا إلى حال هذا الملك الذي يمثل خيراً بين شرّين، فهو ـ والأمر كذلك ـ واحد من اثنين :
إما أنه يدري بأنه يحمل ضلالاً ويبلغه إلى الرسل الضالين لإيصاله إلى الناس ، وهو بذلك لا يوصف بالرحمة في هذا الموضع .
ولو قيل: هو مكره على ذلك، لقلنا بأية سلطة يستطيع الشيطان أن يفرض على الملك حمل رسالة الضلال! ؟
ولنفترض جدلاً أنه مكره ، أليس من الأولى أن يوجد في الجملة ما يدل على ذلك دفعاً للتناقض الظاهر بين صفة المَلَك وطبيعة مهمته .
هذا إن كان يدري أنه يحمل ضلالاً ....
فإن لم يكن يدري ( فالمصيبة أعظم ) إذ كيف يبلغ الرسل ما فيه غواية للناس وشقاء لهم وهو لا يدري ! ؟ أيةسذاجة هذه وأي غباء ! ؟
وهل يصلح مثل هذا ليكون حاملاً لرسالة أو وحي ؟؟
وهل الشيطان الموصوف ـ هنا ـ بالمكر أغبى من أن يستطيع انتقاء من هو أكثر فطنة وذكاءً لأداء المهمة الموكلة إليه ؟؟
ثم هل يحتاج الشيطان إلى ملك ليبث ضلاله وإغواءه !؟
ولماذا لا يلجأ إلى أحد أبناء جنسه من الشياطين وهم على شاكلته وطبيعته من المكر وحب الإساءة، وإشاعة الغواية والضلال ...؟
لماذا يغادر هؤلاء إلى مَلَك يتصف بالرحمة ؟
هل يريد الشيطان أن يرحم من يودّ تضليلهم و أشقاءهم ؟؟؟؟
ثم تختتم الآية بالقول
( ولو نطقوا – ويقصد الرسل الضالين - بما أعجز الأميين )
فأما أن يعجز الرسلُ الأميين من الناس بالنطق ، فتلك مسألة ليست ذات أهمية لسببين :
أولاً :إن تعجيز الأميين أمر سهل. و ليس موضع افتخار أن يفضح الفرقان من أعجز الأميين . ولو كان الرسل قد أعجزوا أصحاب البلاغة والفصاحة والعلم والمعرفة لكان فضح الفرقان لهؤلاء الرسل أكثر أهمية وأشدّ أثراً ولكان موضع فخر واعتزاز لفرقان فضح زيف وادّعاء من استطاع التأثير على كبار العلماء والبلاغيين ! ؟
ثانياً :بماذا أعجز الرسل الأميين ... بما نطقوا ؟
النطق أحياناً يعجز المثقفين والعلماء لا الأميين فحسب ، فمن لا يعجز أمام نطق أعجمي لم يسمع به من قبل سواء أكان من يسمع عالماً أو أمّياً !!!
فالنطق يعني اللفظ باللسان والشفتين وهو مجال مفتوح للتعجيز ...
ولو قيل" جاؤوا بما أعجز العلماء " لكان الأمر أكثر دقة وأجدر بأن يكون مجال فخر واعتزاز .
إعجاز ..!!
لنتأمل الآيتين الثانية والثالثة بالنظر إلى سابقتهما .
إذا كانت الآية الأولى تتحدث عن إنزال الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل ثم يزهق الباطل وينتصر الحق على الرغم من المعارضة وعدم القبول ... وكل هذا يدل على بلوغ الغاية من الكتاب وإنزاله فما القائدة إذاً من ذكر فضح مكر الشيطان وذكر الوحي .؟
أو ليس من الأولى أن تأتي الآيتان الثانية والثالثة قبل سابقتهما فيكون الكلام عن فضح الشيطان وذكر وحيه ورسله الضالين وغير ذلك ... ثم يؤول الكلام إلى أن إنزال الكتاب زهق هذا الباطل وحق الحق رغم الجدل وعدم القبول !!؟
أم نقرأ السورة من الأسفل إلى الأعلى ... لعل هذا هو الإعجاز في السورة !!!!!
بقلم: ياسر محمود الأقرع
يمكن التواصل على البريد الإلكتروني:
[email protected]
القلب الحزين
12-12-2013, 04:35 PM
أكذوبة الفرقان الحق (3)
قبلاً كنا تحدثنا من وجهة بلاغية عن الآية الأولى من السورة المسماة بـ ( سورة الضالين ) من الكتاب المدعو ( الفرقان الحق ) ، وها نحن الآن نتناول بالدراسة الآية الثانية في السورة المزعومة من الكتاب المفترى.
والآية الثانية في هذه السورة ، يقول نصّها :
فأنا الملك الجبار المتكبر القهار القابض المذل المميت المنتقم الضّار المغني
فإياي تعبدون وإياي تستعينون
ولنقصر دراستنا في هذه الآية على حرف الفاء الذي جاء في موضعين منها :
للفاء حسب ما يرى النحاة ستة أوجه ، وقد جاءت في الآية مرتين ، وهي في كلا الحالين لا تخرج عن كونها استئنافية أو تعليلية .
الفاءان استئنافيتان
إذا كانت الفاء التي صُدِّرت بها الآية استئنافية: ( فأنا الملك الجبار ... )
فهذا يعني ارتباطها بالفاء الواردة في ختام الآية في عبارة:( فإياي تعبدون وإياي تستعينون) فما الوجه البلاغي في الارتباط بين مقدمة الآية وخاتمتها مع وجود فاءين افترضنا – مبدئياً – أنهما استئنافيتان .
جاء المبتدأ ( أنا ) في صدر الجملة وتلته صفات عشر للمتكلم ( أنا ) جاءت كلها أخباراً لهذا المبتدأ. ولو تأملنا تلك الصفات لوجدناها صفات قوة وشدة وجبروت ( الملك – القهار – الجبار .... ) .
باستثناء صفة ( المغني ) التي تعني المنح والعطاء أي : الرحمة .
ثم تختتم الآية بالجملتين: فإياي تعبدون وإياي تستعينون .
إذاً هناك تقسيم في نهاية الآية بين العبودية والاستعانة .
1- أما العبودية فتفرضها صفات القوة والتحكم بحياة المستعبَدين مما يضطرهم للإذعان والطاعة والرضوخ لمشيئة المعبود وقدرته .
إذاً : هذه الجملة تتوافق مع الصفات التسع التي حملت معنى القوة في صدر الآية .
2- وأما الاستعانة ( طلب المعونة ) : وهي المعنى الذي تقوم عليه الجملة الثانية فإنها تتفق مع صفة المغني ، الذي يصف نفسه بالإعانة ، أي الرحمة .
فالجملة الأولى ( إياي تعبدون ) جاءت متوافقة مع تسع صفات .
بينما الجملة الثانية ( إياي تستعينون ) جاءت متوافقة مع صفة واحدة .
وهذا ينفي التوازن بين القوة والرحمة، وبغير هذا التوازن لا تستقيم شخصية هذا الـ ( أنا ) إذ غلبت عليه صفات البطش والقوة وتضاءلت مساحة الرحمة والرأفة .
الفاءان تعليليتان
تعال نتأمل هاتين الفاءَين فيما لو عددناهما تعليليتين ...
في هذه الحالة لا بد من ارتباط جملة ( فأنا الملك ... ) وهي مطلع الآية الثانية ، بالآية التي سبقتها كون ما بعد الفاء علة لما قبلها. ولنتذكر الآية السابقة: ( وألبس الشيطان الباطلَ ثوب الحقّ وأضفى على الظلم جلباب العدل ، وقال لأوليائه أنا ربكم الأحد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي منكم كفواً أحد)
والآية كما هو واضح فيها ادّعاء من الشيطان بأنه رب أوليائه الأحد ، وقلنا إن الربوبية على اختلاف معانيها تتضمن معاني الرحمة والتربية والإنعام ...
فكيف إذاً يكون الحديث في الآية الأولى عن الرحمة والمنح والعطاء والرعاية ... ثم تتضمن الآية الثانية صفات القوة والجبروت والبطش ( المذل – المنتقم – المميت ) .
أية بلاغة تلك تجمع بين الربوبية بمعانيها وصفات الشدّة بأنواعها في سياق واحد !!؟
أَوَليس من البلاغة أن تأتي صفات كالمنعم والمعطي والرحيم بعد الحديث عن الربوبية !؟.
أما الفاء التي تصدّرت جملة ( فإياي تعبدون وإياي تستعينون ) .
إن كانت تعليلية فهذا يعني : كوني الملك الجبار ... تعبدونني وتستعينون بي
وجملة (إياي تعبدون ) وكذلك جملة ( إياي تستعينون ) :
1- إما أن تكونا جملتين خبريتين : أي أنتم تفعلون ذلك الآن وقائمون عليه ( عبوديتي والاستعانة بي ) كوني المتحكم بحياتكم ومصائركم وأرزاقكم ...
2- وإما أن تكونا إنشائيتين بمعنى الأمر: أي : بحكم ما امتلكه من صفات القوة فيجب أن تعبدوني وتستعينوا بي .
فإن كانتا خبريتين فقد بطل معنى ما جاء قبلهما، إذ لا أهمية لما قيل ما دام القائل معبوداً مستعاناً به والأمر كما يحب ويريد .
وإن كانتا إنشائيتين بمعنى الأمر .. فالأمر هنا فاسد كون المطلوب أمراً قلبياً
فإن ألزمت شخصاً ما بطقوس الطاعة والاحترام فأنت لا تستطيع أن تفرض عليه احترامك ومحبتك في نفسه ، أو الاستعانة بك في حوائجه .
وهنا إن كان المتكلم يستطيع فرض طقوس العبادة ، فأنى له أن يفرض على من يخاطبهم أن يستعينوا به .
فالمُكَرهُ على الأمر يعمل بحدود ما يُكره على فعله دون أن يزيد عليه أو يتجاوزه .
وهكذا فإنّ ثمة خللاً بلاغياً واضحاً في النص ، فالجمل لا تعدو كونها نظماً تركيبياً توليفياً لا يقوم على روابط معنوية متينة أو ضوابط بلاغية صحيحة .
بقلم: ياسر محمود الأقرع
يمكن التواصل على البريد الإلكتروني:
[email protected] (
[email protected])
القلب الحزين
12-12-2013, 04:37 PM
أكذوبة الفرقان الحق حـ 4
بقلم: ياسر محمود الأقرع
قبلاً كنا تحدثنا من وجهة بلاغية عن الآية الأولى من السورة المسماة بـ ( سورة الضالين ) من الكتاب المدعو ( الفرقان الحق ) ، وها نحن الآن نتناول بالدراسة الآية الثانية في السورة المزعومة من الكتاب المفترى.
والآية الثانية في هذه السورة ، يقول نصّها :
فأنا الملك الجبار المتكبر القهار القابض المذل المميت المنتقم الضّار المغني
فإياي تعبدون وإياي تستعينون
ولنقصر دراستنا في هذه الآية على حرف الفاء الذي جاء في موضعين منها :
للفاء حسب ما يرى النحاة ستة أوجه ، وقد جاءت في الآية مرتين ، وهي في كلا الحالين لا تخرج عن كونها استئنافية أو تعليلية .
الفاءان استئنافيتان
إذا كانت الفاء التي صُدِّرت بها الآية استئنافية: ( فأنا الملك الجبار ... )
فهذا يعني ارتباطها بالفاء الواردة في ختام الآية في عبارة:( فإياي تعبدون وإياي تستعينون) فما الوجه البلاغي في الارتباط بين مقدمة الآية وخاتمتها مع وجود فاءين افترضنا – مبدئياً – أنهما استئنافيتان .
جاء المبتدأ ( أنا ) في صدر الجملة وتلته صفات عشر للمتكلم ( أنا ) جاءت كلها أخباراً لهذا المبتدأ. ولو تأملنا تلك الصفات لوجدناها صفات قوة وشدة وجبروت ( الملك – القهار – الجبار .... ) .
باستثناء صفة ( المغني ) التي تعني المنح والعطاء أي : الرحمة .
ثم تختتم الآية بالجملتين: فإياي تعبدون وإياي تستعينون .
إذاً هناك تقسيم في نهاية الآية بين العبودية والاستعانة .
1-أما العبودية فتفرضها صفات القوة والتحكم بحياة المستعبَدين مما يضطرهم للإذعان والطاعة والرضوخ لمشيئة المعبود وقدرته .
إذاً : هذه الجملة تتوافق مع الصفات التسع التي حملت معنى القوة في صدر الآية .
2-وأما الاستعانة ( طلب المعونة ) : وهي المعنى الذي تقوم عليه الجملة الثانية فإنها تتفق مع صفة المغني ، الذي يصف نفسه بالإعانة ، أي الرحمة .
فالجملة الأولى ( إياي تعبدون ) جاءت متوافقة مع تسع صفات .
بينما الجملة الثانية ( إياي تستعينون ) جاءت متوافقة مع صفة واحدة .
وهذا ينفي التوازن بين القوة والرحمة، وبغير هذا التوازن لا تستقيم شخصية هذا الـ ( أنا ) إذ غلبت عليه صفات البطش والقوة وتضاءلت مساحة الرحمة والرأفة .
الفاءان تعليليتان
تعال نتأمل هاتين الفاءَين فيما لو عددناهما تعليليتين ...
في هذه الحالة لا بد من ارتباط جملة ( فأنا الملك ... ) وهي مطلع الآية الثانية ، بالآية التي سبقتها كون ما بعد الفاء علة لما قبلها. ولنتذكر الآية السابقة: ( وألبس الشيطان الباطلَ ثوب الحقّ وأضفى على الظلم جلباب العدل ، وقال لأوليائه أنا ربكم الأحد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي منكم كفواً أحد)
والآية كما هو واضح فيها ادّعاء من الشيطان بأنه رب أوليائه الأحد ، وقلنا إن الربوبية على اختلاف معانيها تتضمن معاني الرحمة والتربية والإنعام ...
فكيف إذاً يكون الحديث في الآية الأولى عن الرحمة والمنح والعطاء والرعاية ... ثم تتضمن الآية الثانية صفات القوة والجبروت والبطش ( المذل – المنتقم – المميت ) .
أية بلاغة تلك تجمع بين الربوبية بمعانيها وصفات الشدّة بأنواعها في سياق واحد !!؟
أَوَليس من البلاغة أن تأتي صفات كالمنعم والمعطي والرحيم بعد الحديث عن الربوبية !؟.
أما الفاء التي تصدّرت جملة ( فإياي تعبدون وإياي تستعينون ) .
إن كانت تعليلية فهذا يعني : كوني الملك الجبار ... تعبدونني وتستعينون بي
وجملة (إياي تعبدون ) وكذلك جملة ( إياي تستعينون ) :
1-إما أن تكونا جملتين خبريتين : أي أنتم تفعلون ذلك الآن وقائمون عليه ( عبوديتي والاستعانة بي ) كوني المتحكم بحياتكم ومصائركم وأرزاقكم ...
2-وإما أن تكونا إنشائيتين بمعنى الأمر: أي : بحكم ما امتلكه من صفات القوة فيجب أن تعبدوني وتستعينوا بي .
فإن كانتا خبريتين فقد بطل معنى ما جاء قبلهما، إذ لا أهمية لما قيل ما دام القائل معبوداً مستعاناً به والأمر كما يحب ويريد .
وإن كانتا إنشائيتين بمعنى الأمر .. فالأمر هنا فاسد كون المطلوب أمراً قلبياً
فإن ألزمت شخصاً ما بطقوس الطاعة والاحترام فأنت لا تستطيع أن تفرض عليه احترامك ومحبتك في نفسه ، أو الاستعانة بك في حوائجه .
وهنا إن كان المتكلم يستطيع فرض طقوس العبادة ، فأنى له أن يفرض على من يخاطبهم أن يستعينوا به .
فالمُكَرهُ على الأمر يعمل بحدود ما يُكره على فعله دون أن يزيد عليه أو يتجاوزه .
وهكذا فإنّ ثمة خللاً بلاغياً واضحاً في النص ، فالجمل لا تعدو كونها نظماً تركيبياً توليفياً لا يقوم على روابط معنوية متينة أو ضوابط بلاغية صحيحة .
بقلم: ياسر محمود الأقرع
يمكن التواصل على البريد الإلكتروني:
[email protected] (
[email protected])
القلب الحزين
12-12-2013, 04:37 PM
أكذوبة الفرقان الحق (5)
بقلم: ياسر محمود الأقرع
متابعة لما بدأناه من دراسة بلاغية لما يسمى " الفرقان الحقّ " ، نقف على الآية الأولى من السورة التي حملت اسم " سورة الفاتحة " .
والسورة هي الأولى ترتيباً في الكتاب ، فهي " حسب التسمية " فاتحته والمدخل إليه .
و{ براعة الاستهلال } كما يسميها البلاغيون تقتضي أن تحوي فاتحة الكتاب عبارات موجزة وإشارات دالة يستطيع القارئ بواسطتها أن يفهم مضمون الكتاب المقدم على قراءته . وفاتحة الكتاب (مقدمته ) يجب أن تتميز بالتركيز والإيجاز والاعتماد على اللمحة الدالة والإشارة الموحية تمهيداً لما يطرحه من فكر وما يحويه من موضوعات ، وما يتضمنه من معان .
فلنتأمل الآية الأولى في فاتحة هذا الكتاب ويقول نصها :
هو ذا الفرقان الحق نوحيه فبلغه للضالين من عبادنا
وللناس كافة ولا تخش القوم المعتدين
هذا الكتاب ... حضور وغياب !!
أول ما يطالعنا في عبارة "هو ذا الفرقان الحق" الضمير " هو " وهو ضمير منفصل يستخدم للدلالة على الغائب .
ثم تأتي " ذا " وهي اسم إشارة يستخدم أحياناً مقترناً بهاء التنبيه فنقول هذا وأحياناً من غير هذه الهاء فنقول ذا وهو اسم يستخدم للإشارة للقريب .
والإشارة لا تكون إلا لأمر كائن موجود يشار إليه ، فكيف اتفق مجيء " هو " وهو ضمير للغائب مع " ذا " وهو اسم إشارة لموجود قريب ؟!
ولربما قيل : إن الضمير" هو " في هذا الموضع هو ما يسمى " ضمير الشأن " ، كقولنا: هو خالد قادم أي : الشأن خالد قادم ، أو الأمر خالد قادم .
وفيه إضمار لسؤال من يسأل : ما الأمر ؟ أو ما الشأن ؟
فتجيبه : الشأن كذا ... أو الأمر كذا ...
وهنا يمكن القول:
إن ضمير الشأن يفيد التفخيم والتعظيم ، وهذا وارد في معرض تفخيم الفرقان وتعظيمه ، ولكن جاء بعد ضمير الشأن هذا اسم الإشارة ( ذا ) وهو للإشارة إلى قريب " كما قلنا " ، هذا يعني أن المشار إليه دانٍ من أيدينا ، قريب منها ، سهل المتناول ...
ومقام التفخيم والتعظيم كان يستدعي – بلاغياً – أن نضيف إلى " ذا " لام البعد التي تفيد السمو والعلو والرفعة فيقال ( ذلك ) ....!!!
قضية الوحي
ثم تأتي عبارة " نوحيه فبلِّغه "
والوحي معجمياً: هو الكتاب والإشارة والكناية والرسالة والإلهام والكلام الخفي.
وتقول : وحيت إليه وأوحيت: إذا كلمته بما يخفى عن غيره.
وقضية الوحي المباشر " دون وسيط " تتألف من أركان ثلاثة :
الموحي - الموحى إليه - الموحى ( الرسالة ) .
وفي عبارة ( نوحيه فبلِّغه) ضمائر تعود على الأركان الثلاثة
فـالفعل: " نوحيه " فيه ضميران :
1- ضمير مستتر " نحن " وهو فاعل الفعل نوحي ، فهو " الموحي "
2- ضمير متصل " الهاء " ويعود على الفرقان أي " الموحى ( الرسالة )
وفي الفعل " فبلّغه "
1- ضمير مستتر ( أنتَ ) وهو الموحى إليه
2- ضمير متصل( الهاء) ويعود أيضاً على الفرقان ( الموحى )
فإذا كان الموحى هنا (الفرقان) معلوماً بالقول ( هو ذا الفرقان الحق )
فإنَّ طرفي قضية الوحي الآخرين ( الموحى والموحى إليه ) مجهولان
إذ لا يُعْلَم مِن الفعل :" نوحيه " ( مَنْ نحن )
ولا يُعلَم مِن الفعل : " فبلّغه " ( من أنتَ )
إلا إذا عنى ذلك أن الخطاب موجّه لكل قارئ للنص، وعليه تبليغ ما يوحى إليه....!!!
وهذا يتناقض مع معنى كلمة الوحي ( كلام يقال لأحدٍ من الخلق ويخفى على غيره ).
معبود محدود الصلاحية
لمن سَيُبَلَّغ هذا الفرقان حسب ما ورد في النص/ ...؟؟؟
للضَّالين من عبادنا وللناس كافة
إن كلمة ( عبادنا ) جاءت على لسان المعبود، غير أن هذا المعبود محدود الصلاحية، فله عباد منهم ضالون وآخرون غير ضالين، وهناك أيضاً ( الناس كافة ) وهم لا يدخلون، حسب ظاهر القول، تحت تسمية ( عبادنا ) و إلا لما أفردهم المتكلم بالذكر بعد قوله ( عبادنا ).
والواو العاطفة في عبارة ( للضالين من عبادنا وللناس كافة ) تفيد المشاركة في الحكم، فالتبليغ إذاً ( للضالين من العباد ) و (للناس كافة ) وهما فريقان ....!!
وهل الضالون من العباد لا يندرجون تحت اسم ( الناس كافة )...؟؟
أولم تكن عبارة ( الناس كافة ) تغني عن ذكر الضالين منهم ، انطلاقاً من أن هذه العبارة أكثر اتساعاً وشمولاً ...!!
الضالون و المعتدون
ثم تختتم العبارة بالقول: " ولا تخش القوم المعتدين "
هذا صنف آخر إذاً يضاف إلى الضالين من العباد والناس كافة .
و لربما قيل: إن القوم المعتدين هم الضالون أنفسهم ....!!
هنا لا بدَّ أن نتذكر أنّ الضلال في مجمل معانيه ( الضياع والهلاك – ضد الهدى – عدم الاهتداء إلى المقصود ) هو مسألة ذاتية لا يتعدى ضررها ذات الضال إلى الآخرين ما لم يقترن هذا الضلال بعمل .
أما الاعتداء فضرره يتجاوز ذات المعتدي ليطال الآخرين .
فما بال هذا الفرقان إذاً يُبَلَّغ للضالين ، وللناس كافة ، ثم يطمئن الموحى إليه أن ( لا تخش القوم المعتدين ) .
إن تبليغ الضالين يقتضي ذكر ما بعد التبليغ فإما الهداية أو الإصرار على الضلال ..!!
وتبليغ الناس كافة معناه أيضاً وجود من يهتدي ومن يعرض عما بُلِّغ به ...!!
ومسألة التبليغ لا تتعدى إيصال ما يطلب تبليغه، دون إكراه أو جبر، ألا ترى أحدنا إذا أراد نقل رسالة بطريقة سلمية تجنبه مغبة الاصطدام استشهد بقول الله سبحانه وتعالى( وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) .
فكيف جاءت مسألة التبليغ بوصفها مقدمة مع الاعتداء بوصفه نتيجة، في سياق نصّي واحد..؟
إنّ ما جاء في ختام العبارة من ذكر الاعتداء بوصفه (نتيجة) وارد لو أن مقدمة العبارة حملت دلالات تتعدى مسألة التبليغ بوصفه (مقدمة) تتمخض عنها النتيجة المذكورة !!!!
بقلم: ياسر محمود الأقرع
يمكن التواصل على البريد الإلكتروني:
[email protected] (
[email protected])
القلب الحزين
12-12-2013, 05:16 PM
الردّ على منكري الإعجاز في سورة الروم
بقلم: عبد الدائم الكحيل
الحمد لله الذي جعل كتابه مليئاً بالمعجزات، الحمد لله الذي أودع في هذا الكتاب العظيم دلائل وبراهين تؤكد إعجازه الخالد على الرغم من محاولات المشككين لإطفاء نور الله ويأبى الله ذلك، الحمد لله الذي نبّأنا بما سيفعله هؤلاء من محاولات لإخماد نور الحق والإيمان فقال: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التوبة: 31-33].
فهؤلاء الذين جعلوا من رسولهم المسيح عليه السلام إلهاً-تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً- لم يكتفوا بذلك، بل يحاولون أن يشككوا المسلمين بعقيدتهم وإيمانهم وكتاب ربهم. ولكن الله الذي أنزل القرآن سوف يسخِّر لهذا الكتاب من يدافع عنه ويُظهر معجزته وعجائبه التي حدثنا عنها الرسول الكريم عليه وعلى آله وأصحابه الصلاة والتسليم.
هذا قولهم بأفواههم...
ومن هذه المحاولات ما قرأته على أحد المواقع والذي يسمي نفسه "الردّ على الإسلام"! إنهم لا يدركون خطورة أقوالهم، فهم عندما يردُّون على الإسلام فكأنما يردون على الله قوله-سبحانه وتعالى. ولذلك فلن تنجح خططهم ولن يحصدوا إلا الخيبة والخسران.
يقولون في نقد الإعجاز في قوله تعالى:(غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ)[الروم: 2-3]:
”درج المفسرون على تفسير أدنى بمعنى الأقرب. وأيضا القرآن نفسه يستعمل أدنى بمعنى أقرب. ولكن طلع علينا السيد الزنداني بفتوى أن أدنى هي أخفض. بينما لا نجد مشكلة في القرآن لاستعمال "أخفض" ككلمة.
وحيث أن أدنى بحسبه تعني أخفض فيجب أن تكون المعركة تمت بالقرب من القدس كي تكتمل المعجزة. من غير دليل على أن الآية تشير إلى معركة الفرس والرومان سوى إشارة أخفض الأرض. والتي يجب أن تكون القدس.
الملفت للنظر بأن المسلمين لم يهتموا بدراسة تاريخ تلك الحقبة لتحديد تلك المعركة التي انتصر فيها الفرس على الروم. ولكن صانعوا المعجزات لا يجدون غضاضة في تجاهل التاريخ وعدم البحث عن الحقيقة طالما وافقت هواهم" (1).
هذا ما قرأته على موقعهم، وسوف نستمع الآن إلى قول القرآن العظيم وأن المعجزة ثابتة ولا يمكن لإنسان عاقل أن يتجاهلها أو يشكِّك في مصداقيتها.
أدنى الأرض
يحدثنا القرآن في عصر لم يكن باستطاعة أحد أن يقيس أخفض نقطة على سطح اليابسة من الأرض، يحدثنا عن هذه المنطقة بالذات، وأن معركة وقعت فيها وكانت نتيجتها انتصار الفرس على الروم. يقول تعالى: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)[الروم: 1-7].
لقد حدَّدت هذه الآيات موقع المعركة في (أدنى الأرض) فما هو معنى هذه العبارة؟ وهل يمكن أن نفهمها بأنها تعني فقط (أقرب الأرض) كما فسَّرها المفسِّرون الأوائل رحمهم الله تعالى أم أن هنالك معاني أخرى؟ وهل هنالك معجزة في هذه الآية الكريمة؟
رحلة من التأملات
لقد تأملت هذا النص الكريم طويلاً واطلعتُ على تفاسيره فوجدتُ أن المفسرين يفسرون قوله تعالى (أدنى الأرض) بأقرب الأرض (2) أي أقرب أرض الروم إلى أرض العرب وهي أغوار البحر الميت أي المنطقة المحيطة بهذا البحر.
ولكن الذي لفتَ انتباهي هو أن عبارة (أدنى الأرض) عامة وليست خاصة بأرض العرب، أي أن القرآن في هذه الآية يطلق صفة (أدنى) على الأرض دون تحديد أرض معينة، ولذلك فقد فهم المفسرون أن الأدنى هو الأقرب بسبب أنهم لم يتصوّروا أن هذه المعركة قد وقعت في أخفض منطقة على وجه اليابسة.
وهذه هي عظمة القرآن أن المعجزة تبقى مختفية قروناً طويلة على الرغم من المحاولات الكبيرة لفهمها إلا أن الله تعالى يُظهرها في الوقت المناسب لتبقى آيات الله مستمرة وقائمة إلى يوم القيامة، ولو أن المفسرين استطاعوا تفسير القرآن كله إذن سوف تتوقف المعجزة! والله تعالى قد تعهّد بأنه سيرينا آياته وينبغي علينا ألا ننكرها، يقول تعالى: (وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ) [غافر: 81].
ثم تأملتُ قوله تعالى عن المسجد الأقصى وهو مسجد يقع في مدينة القدس التي لا تبعد سوى عشرين كيلو متراً عن منطقة البحر الميت حيث دارت المعركة، يقول تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الإسراء: 1]. وبدأت التساؤلات: كيف يصِف الله تعالى منطقة البحر الميت بأنها "أقرب الأرض"، ثم يعود ويصِف المسجد الموجود هناك بأنه "المسجد الأقصى" أي الأبعد؟؟
ثم تأملتُ في الخرائط الجغرافية فوجدتُ بأن المنطقة التي وقعت فيها المعركة وهي التي سماها القرآن بـ (أدنى الأرض) تبعد عن مكة أكثر من ألف ومئتي كيلو متراً، فكيف تكون هذه الأرض هي "الأقرب" وهي تقع على هذه المسافة الكبيرة؟ وكيف يكون المسجد الأقصى هو "الأبعد" وهو يقع على نفس المسافة من مكة المكرمة حيث نزلت هذه الآيات؟
ثم تساءلتُ: لو أن الله تعالى يقصد كلمة (أقرب) فلماذا لم يستخدم هذه الكلمة؟ إذن كلمة (أدنى) هي المقصودة وهي الكلمة التي تعطي المعنى الدقيق والمطلوب وهذا ما سنراه يقيناً.
معاني متعددة للكلمة
نعلم بأن الله تعالى قد خلق سبع سماوات طباقاً وسمى السماء السفلى أي أخفض سماء سمَّاها (السماء الدنيا)، فقال: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)[فصلت: 12]. وهنا كلمة (الدنيا) جاءت بمعنى الأقرب من الأرض، ولكن تتضمن معنى آخر وهو الطبقة السفلى بين طبقات السماء السبعة. وسُمِّيت بالدنيا لدنوِّها من الأرض(3).
ويقول أيضاً: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[السجدة: 21]. ويفسر المفسرون كلمة (الأدنى) هنا بمصائب الدنيا وأمراضها. وهنا لا يمكن أن تكون (الأدنى) بمعنى الأقرب بل (الأصغر) لأن الله تعالى يقارن في هذه الآية بين نوعين من أنواع العذاب:
1- (الْعَذَابِ الْأَدْنَى)
2- (الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ)
إذن في هذه الآية نحن أمام مقياسين هما (الأدنى) و(الأكبر) أي الأصغر والأكبر، كما نعبر عنه في مصطلحاتنا اليوم بالحدّ الأدنى والحد الأعلى، ونقصد الأصغر والأكبر.
يقول تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)[المجادلة: 7].وهنا جاءت كلمة (أدنى) بمعنى أقلّ لأنها قد أُتبعت بكلمة (أكثر). ونرى أن كلمة أدنى تُستخدم هنا مع الأعداد (4).
كيف نفهم الآية؟
إذن من معاني كلمة (أدنى) لدينا: الأقل والأصغر والأقرب، فما هي المنطقة على سطح الكرة الأرضية والتي تتصف بهذه الصفات الثلاث؟ إنها منطقة البحر الميت، فهي:http://www.quran-m.com/images/daem/3.jpg
1- الأقرب: حيث هي أقرب أرض للروم إلى أرض العرب.
2- الأصغر: فهذه المنطقة مساحتها صغيرة جداً ولا تتجاوز الكيلو مترات المعدودة، وذلك مقارنة بمساحة سطح الأرض والتي تزيد على ملايين الكيلو مترات المربعة.
3- الأقلّ: فهذه المنطقة هي الأقل ارتفاعاً على سطح اليابسة، فهي تنخفض عن سطح البحر بمقدار 400 متراً تقريباً، ولا يوجد في العالم كله أدنى من هذه النقطة إلا ما نجده في أعماق المحيطات.
ولذلك فإن فهمنا لهذه الآية على هذا النحو لا يتعارض مع القرآن وكذلك لا يتعارض مع معطيات العلم، ثم إنهم يعترضون على أن كلمة(أدنى) تفسرها المعاجم اللغوية على أنها (أقرب)، وأن هذه المعاجم لم تورد كلمة (أخفض) ضمن معاني الكلمة.
ولكننا نجد المعاجم تورد معنى الأسفل أو الوادي ضمن معاني هذه الكلمة، فعلى سبيل المثال لدينا في القاموس المحيط في معنى كلمة (دنا): تقول العرب الأدنيان وهما واديان (5). وفي لسان العرب : والأَدْنَى: السَّفِلُ، فالعرب لا تستغرب أن يكون ضمن معاني هذه الكلمة هو الأسفل أو الوادي (6).
ولكننا نجد هؤلاء القوم يأخذون من المعاني ما يتفق مع حججهم الواهية، ويتركون المعاني التي لا تروق لهم.
هل القرآن تابع للمعاجم اللغوية؟http://www.quran-m.com/images/daem/2.gif
وهنا نود أن نقول: هل نحن ملزمون بأن نفهم القرآن كله على ضوء المعاجم؟ ولو كان هذا صحيحاً إذن لأمكن تفسير القرآن بالكامل ولم يعد هالك حاجة للمفسرين والمجتهدين! ولنفرض أننا لم نعثر على معنى كلمة ما في المعاجم، فهل هذا يعني أن القرآن غير صحيح؟! مثلاً كلمة (الم) و(الر) و(كهيعص) هذه الكلمات غير موجودة في المعاجم، فهل هذا يعني أنها غير صحيحة؟
طبعاً كلام الله تعالى هو الأساس الذي يجب أن ننطلق منه وليس المعاجم اللغوية، وذلك لأن هذه المعاجم تم وضعها بعد نزول القرآن بمئات السنين، وكذلك التفاسير. وتجدر الإشارة إلى أن معظم الانتقادات التي يوجهها هؤلاء لكتاب الله يعتمدون فيها على الفهم القديم للآية وعلى فهم المفسرين لها، وينسون أن هنالك معجزة متجددة للقرآن تتجلى في كل عصر من العصور بما يتناسب مع علوم العصر.
فمثلاً عندما فهم المفسرون من قوله تعالى: (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)[الغاشية: 20] أن الأرض ليست كروية بل مسطحة، وذلك حسب معطيات عصرهم، فهل نتابعهم على هذا الفهم ونخالف حقائق العلم؟ أم أننا نتدبر القرآن لنجد أنه لا تناقض بين القرآن والعلم! لأن كلمة (سُطِحَتْ)تعني أن الله قد مهَّدها وجعلها صالحة للحياة، بعكس القمر الذي نجد سطحه مليئاً بالمرتفعات والوديان مما يجعله غير مسطح وغير قابل للحياة. وهذا يعني أن الله تعالى قد جعل للكرة الأرضية سطحاً ممهداً.
فمثلاً إذا قلنا "انظر إلى هذه القبة كيف أن الذي صمَّمها وصنعها جعل لها سطحاً رائعاً" لا يعني هذا الكلام أن القبة أصبحت مستوية، بل جميع الأجسام تملك سطحاً.
إن هذه الدقة العلمية في استخدام الكلمات القرآنية هي ما نجده في قول الحق تبارك وتعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].
إن هذه الآية تقرر أننا إذا ما تدبرنا القرآن سوف لن نعثر فيه على أية تناقضات وهذا دليل كاف على أنه كتاب الله تعالى. إن كتب البشر نجدها تتحدث عن نظرية علمية ثم يأتي عصر يثبتُ فيه خطأ هذه النظرية ورفضها تماماً، بينما نجد القرآن صالحاً لكل زمان ومكان وميسّر الفهم.
إنهم دائماً يعترضون على الإعجاز العلمي للقرآن لأنه يخاطبهم بلغة قوية هي لغة العلم، ولذلك فإنهم يلجؤون إلى الكتب القديمة حيث كان متعذراً وقتها فهم هذه الآيات كما نفهمها في ضوء المعارف الحديثة. ونقول لهم: لماذا تلزموننا بفهم القرآن كما فهمه المفسرون قبل مئات السنين، ولا تلزمون أنفسكم بفهم الكتاب المقدس كما فهمه القسيسون قبل عشرات السنين فقط عندما حددوا عمر الكون بسبعة آلاف سنة ثم ثبُت يقيناً أن عمره بلايين السنوات!! (7).
خاتمة
إن ميزة القرآن الكريم أن البدوي في الصحراء كان لا يجد مشكلة في فهمه والتعامل مع كلماته ومعانيه، وعالم الذرة يفهمه أيضاً ولا يجد مشكلة في تدبره مهما تطور العلم، وعالم اللغة يفهم منه أشياء قد لا يفهمها غيره، وعالم الفلك قد يرى فيه حقائق لم يرها أحد من قبله، وهكذا هو كتاب شامل كامل لجميع البشر ولجميع العصور.
ونقول لكل من يظن أن النبي الكريم عليه صلوات الله وسلامه هو من وضع القرآن، أن يعود للكتب السماوية السابقة والصحيحة ليجد فيها الحقيقة الإلهية المتمثلة بدعوة الحق تعالى لهؤلاء ليؤمنوا برسالة الإسلام، يقول عز وجل: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[يونس: 157-158].
للمراسلة على البريد الإلكتروني
[email protected] (
[email protected])
الهوامش
(1)http://answering-islam.org/Arabic/Quran/Science/index.html
(2)انظر مثلاً تفسير الطبري أو تفسير ابن كثير لقوله تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ).
(4)انظر تفسير فتح القدير للإمام الشوكاني في تفسير قوله تعالى:(ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاَّ هو معهم) أي: ولا أقلّ من العدد المذكور: كالواحد والاثنين، ولا أكثر منه كالستة والسبعة إلاّ هو معهم يعلم ما يتناجون به لا يخفى عليه منه شيء.
(5)انظر القاموس المحيط في معنى كلمة (دنا): وقوله: "والأَدْنَيانِ: وادِيانِ".
(6)انظر لسان العرب في معنى كلمة (دنا): "ويقال: دَنَا و أَدْنَى و دَنَّى إِذا قَرُبَ، قال: و أَدْنى إِذا عاش عَيْشاً ضَيّقاً بعد سَعَةٍ. و الأَدْنَى: السَّفِلُ".
(7)انظر كتاب موريس بوكاي: دراسة الكتب المقدسة.
ملاحظة
يرجى الاطلاع على بحث مهم حول هذا الموضوع بعنوان: "انتصار الروم البيزنطيين" إعداد الأستاذ فراس نور الحق. المقال متوفر على الرابط:
http://quran-m.com/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=39
تعليق لغوي بقلم الباحث ياسر محمود الأقرع
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ )
اتفق المفسرون على أن كلمة أدنى الواردة في الآية ( 3 ) من سورة ( الروم ) هي بمعنى: أقرب. وذلك انطلاقاً مما حملته معاجم اللغة من معان لهذه الكلمة لا تكاد تخرج عن معنى القرب والدنوّ.
وظل مفسرو القرآن ودارسوه يتحدثون عن الإعجاز الغيبي في هذه الآية، ذلك أن الله أخبرنا بها أن الروم سيهزمون الفرس في بضع سنين ( من ثلاث إلى تسع سنوات ) وهذا ما شهده معاصرو نزول الآية بعد نزولها بتسع سنوات.
ثم طالعنا بحث جديد يؤكد أن أهم مراحل الحرب التي أسفرت عن هزيمة الروم وخسارتهم كانت في أكثر مناطق العالم انخفاضاً، في حوض البحر الميت الذي يقع في منطقة تتقاطع فيها كل من سورية والأردن وفلسطين، ويبلغ مستوى سطح الأرض في هذه المنطقة ( 395 ) متراً تحت سطح البحر، وهذا يعني أنها أدنى منطقة في الأرض.
ويذهب البحث إلى أن كلمة " أدنى " الواردة في قوله تعالى ( غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ) لها معنى آخر هو ( أخفض ) إضافة إلى المعنى الذي تعارف عليه المفسرون وهو ( أقرب ). وقد أنكر بعض من قرأ البحث هذه النتيجة مؤكداً أن كلمة " أدنى " تعني من الوجهة اللغوية ( أقرب ) ، وليس ثمة رأي آخر يدل على أنها قد تأتي بمعنى ( أخفض ) .
في هذا الموضوع نقول : إن معاجم اللغة _ لمن يتأملها _ بنيت على أساس تراكمي ، إذ أخذ كل معجم مادته ممن سبقه في هذا المضمار، وقلما زاد الأخير على سابقيه شيئاً ، إلى درجة يصعب معها اكتشاف الفروق بين معجم وآخر في تناول معاني الكلمة الواحدة .
وهذا ما نلحظه بالرجوع إلى مادة " دنا " أو " دنو " في المعاجم اللغوية، إذ نجد أنفسنا أمام معان معينة، وكلام معاد ، وشواهد مكررة، تناقلها أصحاب المعاجم، الواحد عن الآخر.
فقد أجمعت المعاجم اللغوية على أن كلمة " دنا " بمعنى اقترب .
أما إن جاءت بالهمز " دنأ " فهي من الدناءة أي : الخسة والوضاعة .
وإذا كان معنى كلمة دنا مقتصراً ـ من الناحية اللغوية ـ على ما ذكرناه ، فماذا نقول إذاً في قوله تعالى في الآية ( 7 ) من سورة المجادلة:
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
وكذلك في قوله تعالى في الآية ( 20 ) من سورة المزمل:
( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ .... )
نلاحظ أن كلمة أدنى في الآيتين السابقتين جاءت بمعنى " أقل " ولا يستقيم المعنى إذا نحن أوّلناها على أنها " أقرب " نزولاً عند معطيات المعاجم اللغوية.
في سورة المجادلة جاءت " أدنى " بمعنى " أقل " مرتبطة بدلالة عددية فالأدنى من العدد ثلاثة هو العدد اثنان.
وفي سورة المزمل جاءت كلمة ( أدنى ) بمعنى " أقل " مقترنة بدلالة زمنية ( أدنى من ثلثي الليل )، والأدنى من ذلك: نصفه أو ثلثه أو ربعه أو ....
إذاً جاءت كلمة " أدنى " التي بمعنى أقل ذات دلالة عددية في سورة المجادلة، وذات دلالة زمنية في سورة المزمل، وفي الدلالات العددية أو الزمنية هنالك ما هو أدنى " أقل " وما هو" أكثر" ولكن في الحديث عن الأرض ما هي دلالة كلمة " أدنى " إن كانت بمعنى "أقل" ..!؟
ما هو أدنى الأرض أو " أقلها " جيولوجياً ..!؟
أدنى الأرض معناها أقلها سماكة، وحيث تكون الأرض أقل سماكة تكون أخفض.
وكلمة أدنى بمعنى أخفض، ( والانخفاض ضد العلو) وردت كثيراً في الشعر العربي. كما في قول ابن قيم الجوزية:
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فإن تفعل رجعت بذلة وهوان
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحـ ـرم ذا وذا يا ذلة الحرمانِ
فنحن نلاحظ في البيتين السابقين ( الطباق ) بين كلمتي: الأدنى والأعلى، وورودهما على أنهما متضادتين من حيث المعنى.
ويقول( أبو عدي النمري):
تهامية الأدنى حجازية الذرى كأن عليها من عُمان شقيقها
على الرغم من أن الشاعر في معرض الحديث عن النسب ، القريب منه والبعيد ، إلا أنه يختار للتعبير عن ذلك كلمتين متضادتين معنوياً من وجهة نظره. وهما: الأدنى ـ الذرا
الذرا : أكثر الأماكن علوّاً.
الأدنى: أكثر الأماكن انخافضاً.
لنعد قليلاً ولنتناول عبارة " أدنى الأرض " على أنها " أقرب الأرض " كما اتفق عليها المفسرون . والقرب والبعد مسألة نسبية. ومن ثم فهي أقرب الأرض إلى مَنْ !؟.
قيل في تفسير الآية: إنها أقرب أرض الروم إلى فارس. ونحن نلاحظ أن كلمة الأرض في الآية جاءت معرفة بـ( أل ) العهدية. وأل العهدية هذه تضعنا أمام احتمالين:
إما أن تكون كلمة الأرض ـ هناـ مختصة بمنطقة معينة وموقع محدد. أي تواضع عليها كل من المرسل والمتلقي، فهي معهود ذهني بينهما.
أو تكون عامة. أي الأرض كلها دون تخصيص، وهي معهود ذهني عام.
فأما الاحتمال الأول: فهو ما حملته لنا كتب مفسري القرآن ودارسيه من أن الأرض المذكورة هي أقرب أرض الروم إلى فارس.
ويبقى الاحتمال الثاني وهو ما يجيز لنا أن نعدَّ كلمة الأرض في الآية لفظاً عاماً أريد به الأرض كلها.
وفي هذه الحالة يصبح أدنى الأرض بمعنى أكثرها انخفاضاً أمراً ممكناً، بل لعله يكون بهذا المعنى أقرب إلى الدقة، وإن كان لا ينفي الاحتمال الأول من الوجهة اللغوية.
القلب الحزين
12-12-2013, 05:17 PM
شبهة أن القرآن الكريم ابتدعه فكر سيدنا محمد
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في التفسير وعلوم القرآن
شبهة أن القرآن الكريم ابتدعه فكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعبقريته وهواه، لينال بذلك المجد والشهرة، ويبرر بعض شهواته ( المزعومة ) وتسهل سيطرته على أتباعه، ترغيباً وترهيباً.
الجواب عنها:
إن الزعم بأن القرآن الكريم من اختراع أهواء وتخيلات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، من أضعف شبهاتهم. فهل عجزت أمهات ملايين العرب أن يلدن مثله؟ وهل كانت كل ظروف حياته تؤهله ليكون مرتاح البال، هانئاً، جالساً على أريكته.. ممسكاً ورقة وقلماً يكتب آيات من القرآن الكريم؟! إن ما يستطيعه آحاد البشر، يستطيعه مجموع البشر بالضرورة. فلماذا لم يقوموا بذلك إذاً؟
كما أن هنالك عدة ردود على ذلك الزعم، منها:[1]
1. الفرق في الأسلوب بين القرآن الكريم والحديث الشريف، فمن المؤكد أن الشخص الواحد مهما كان أديباً عبقرياً يستحيل أن تصدر عنه جمل مختلفة في أسلوبها في الوقت ذاته. فرسول الله صلى الله عليه وسلم بشر، يغضب ويفرح ويحزن ويتألم.. ولكنك تجد الفرق واضحاً بين ما صدر عنه من حديث نبوي شريف، وما أخبرنا أنه قرآن كريم.
فلو كان مصدر القرآن والحديث واحد، لكان من العسير جداً التفريق بين أسلوبيهما ونظمهما.
ولماذا لم يدَّعِ محمد صلى الله عليه وسلم أن أحاديثه آيات رغم أنها كذلك موحىً بها من عند الله جل جلاله .[2]
ولا يمكن القول أن لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم أسلوبان فيما يصدر عنه من كلام، أسلوب منمق مزخرف هو القرآن الكريم، وأسلوب أقل منه هو الحديث الشريف. لأن أكثر القرآن الكريم نزل فجأة دون انتظار منه صلى الله عليه وسلم ، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أكثر الناس كرها للتنميق في الكلام، ولا ننسى أننا نتحدث عن العصر الذهبي للعربية، الذي سلمت في أذواق العرب وسليقتهم من أي مظهر من مظاهر اللحن.
هاتوا لنا إنساناً له موهبة أن يقول قولاً، وسجلوا له ميزات أسلوبه. ثم اسألوه أن يغير الأسلوب إلى أسلوب آخر، ثم سجلوا له الأسلوب الآخر. ثم قولوا له نريد أسلوباً ثالثاً.. فإنه لا يستطيع أن يبرأ من أسلوبه الأول أبداً؛ لأن الأسلوب هو الطريقة اللازمة للشخص في أداء المعنى. وما دامت له طريقة في أداء المعنى، فإن الأداء سيأخذ تشخيصاً لا يمكن أن يبرأ صاحبه نفسه منه..[3]
2. من تتبع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يرى مقدار خشيته من الله تعالى، وورعه. فيستحيل أن يترك الخداع والكذب على الناس، ويكذب فيما ينسبه إلى الله جل جلاله.
3. ماذا يريد الإنسان من دعوى النبوة إن كان كاذباً؟ إنه لا يريد أكثر من الجاه والمال. وقريش عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقصى ما يتمناه خيال أي عربي في ذلك الزمان، من مال وجاه ونساء.. ولكنه ترك ذلك كله، وكان ينام على حصير أثر على جنبه الشريف صلى الله عليه وسلم ، وتعرض لعدة محاولات لاغتياله. وحارب المشركين.. رغم أنه كان يمكنه المكوث في عز وهناء، لو ترك الدعوة إلى دين الإسلام.
4. وجوه إعجاز القرآن الكريم المختلفة من بياني وعلمي وغيبي وتشريعي.. لم يأتِ بشرٌ بمثلها.
5. خلو القرآن الكريم من تسجيل حوادث مهمة في حياته، وأسماء أحبائه وأقرب المقربين إليه (والديه، أبنائه، السابقين إلى الإسلام، نسائه..) بل لم يذكر اسمه في القرآن الكريم إلا أربع مرات فقط.
6. وجود آيات العتاب في القرآن الكريم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
7. كانت تمر على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الملمات الكثيرة، والقضايا العديدة التي تتطلب جواباً سريعاً كحقيقة حادثة الإفك، والثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك.. وتوفيت زوجه خديجة رضي الله عنها، وعمه أبو طالب، وابنه إبراهيم دون أن يذكر القرآن الكريم من ذلك شيئاً يواسيه.
وتزوج من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها دون أن يسطر ذلك في القرآن الكريم، بينما زواجه من أم المؤمنين زينب رضي الله عنها فقد تحدث القرآن الكريم عنه؛ لكونه ذا صلة بالتشريع.
8. لم يجعل لاجتهاداته الشخصية أي تشريع ملزم للصحابة: كحادثة تأبير النخل[4]، واستشاراته المتكررة للصحابة في شتى الأمور تدل على ذلك أيضاً.
9. صرّح القرآن الكريم بأن الأمر لو كان لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لكان هواه ألا يُلقى إليه أي آية من ذلك القول الثقيل. قال تعالى في سورة القصص: " وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ..(86) ". نعم إنه قول ثقيل عليه صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى في سورة المزمل: " إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا(5) ".
بل لو كان الأمر بيده لأنزل كلاماً بحسب الطلب، ولكن لا ينبغي له ذلك. قال تعالى: " وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " [الأعراف: 202]. نعم، عدم استجابة محمد صلى الله عليه وسلم لطلباتهم ليكونوا على بصيرة، وليهتدوا، ورحمة بهم..؛ ليتأكد لهم أنه صلى الله عليه وسلم ليس مصدر الوحي.
وسبحان من يجعل في شبهاتهم دليلاً عليهم !
10. نزول القرآن الكريم منجماً في ثلاث وعشرين عاماً، ثم ترتيب ما نزل في نظم بديع محكم لا خلل فيه ولا تناقض ولا تغير في بلاغته. وذلك كله يستحيل أن يصدر عن بشر طبيعته النقص.
11. إن هذا القول مبني على وجود علم مدخر في العقل الباطن لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن أين سيكون قد حصل على ذلك العلم السابق؟ لقد سبق مناقشة نقض احتمال أن يكون مصدر ذلك من الإنس أو الجن.
12. ما جاء في القرآن الكريم من عبادات شاقة، وتحريم ملذات يتوق إليها أي إنسان، ولم يكن لقريش أي غضاضة للقيام بها. لا يعقل أن يكون هواه قد أجبره على قيام أكثر الليل، وعلى الوصال في الصوم.. وأن يكون حرم عليه الخمر، والربا، ولبس الذهب والحرير، وقبول الصدقة، وتوريث أبنائه..
13. قد يستطيع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تخويف الصحابة ـ إن افترضنا أنه ألف القرآن الكريم لتلك الغاية ـ ولكن.. هل هنالك إنسان في العالم يخوف نفسه من عذاب النار، أو يلقي بيده إلى التهلكة بصرف الحراس عنه وهو يعيش في وسطٍ مليء بأعداءٍ، المستترون فيه أكثر من الظاهرين؟ انظر مثلاً إلى قوله تعالى في سورة المائدة: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(67) ".
هذا الصدق مع النفس، انبثق عنه صدق مع الآخرين.. بينته سورة يونس: " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ[5]مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(16)فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ(17) ".
بهذا يتبين استحالة تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بزعم أن يكون لمحتوى القرآن الكريم أي مصدر من المخلوقات (إنساً أم جناً)، بل هو مصداق قوله تعالى في سورة الشورى: " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52) ".
ولكن عمى البصيرة يحجبها عن ذلك، قال تعالى (في سورة الفرقان): " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا(4)وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(5)قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(6) ".
بالإضافة إلى الحسد، الذي تحدثت عنه سورة البقرة: " وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) ".
[1] انظر: قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية، د. فضل حسن عباس، ص208. ومدخل لدراسة القرآن الكريم، محمد أبو شهبة، ص98. ومناهل العرفان، الزرقاني، 1/62.
[2] روى البخاري في الحج باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج 1789: عن يعلى بن أمية t" أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْخَلُوقِ ـ أَوْ قَالَ صُفْرَةٌ ـ فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَسُتِرَ بِثَوْبٍ وَوَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. فَقَالَ عُمَرُ: تَعَالَ، أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْوَحْيَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ ـ وَأَحْسِبُهُ قَالَ كَغَطِيطِ الْبَكْرِ ـ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْعُمْرَةِ؟ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ عَنْكَ، وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ ". والشاهد هنا، أن الوحي ينزل بالقرآن لفظاً وبالحديث معنىً. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يخلط بين الحديث والقرآن الكريم.[3] انظر: شبهات وأباطيل خصوم الإسلام، والرد عليها، محمد متولي الشعراوي، ص38. [4] روى مسلم في الفضائل باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً.. 2363: " عن أنس tأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ [النخل] فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ. قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا. فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: مَا لِنَخْلِكُمْ ؟ قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ ". والشيص: هو التمر الذي لا يشتد نواه ويقوى، أو لا يكون له نوىً أصلاً. انظر: النهاية في غريب الحديث، ابن الجزري 2/518 شيص. وذكر الرازي أن التمر يتشيَّص إذا لم تلقح النخل. انظر كتابه: مختار الصحاح، ص148 ش ي ص. [5] تحدث الزمخشري في الكشاف 2/111 عن تعليل ذلك الطلب من كفار قريش بكلام طويل، منه: " أما اقتراح التبديل والتغيير فللطمع ولاختبار الحال. وأنه إن وجد منه تبديل: فإما أن يهلكه الله، فينجون منه. أو لا يهلكه، فيسخرون منه، ويجعلوا التبديل حجة عليه، وتصحيحاً لافترائه على الله ".
القلب الحزين
12-12-2013, 05:18 PM
حول شبهة دلالة كأنما يصعد في السماء
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
بيان الشبهة باللفظ حرفياً:
"{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}....(الأنعام: 125) حيث يدعي الاعجازيون ان هذه الاية قد اخبرت بالحقيقة العلمية أنه كلما ارتفع الإنسان في السماء انخفض الضغط الجوي وقلّت كمية الأكسجين مما يتسبب في حدوث ضيق في الصدر وصعوبة في التنفس...حيث أن التغير الهائل في ضغط الجو الذي يحدث عند التصاعد السريع في السماء، يسبب للإنسان ضيقاً في الصدر وحرجاً
تعالوا لنرى حقيقة ما تقوله الكلمة محل الادعاء: (يَـصّـَـعّــَدُ فِي السَّمَاءِ) هل فعلا تعني الصعود إلى أعلى؟
الحقيقة هي ان (يَـصّـَـعّــَدُ فِي) معناها ليس ما يحاول أن يلصقها بها العالم الكبير..... يصعد بتشديد الصاد -- ملحقة ب:"في كذا" -- تعني محاولة -على مشقة- في عمل شيء صعب أو مستحيل...و لك أن تطالع ما تقوله المعاجم في ذلك:
(تَصَعَّدَ) يتصعَّد، ويَصَّعَّد: تَصاعدَ. و- في الشيءِ: مضى فيه على مشقة. وفي التنـزيل العزيز:كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ في السَّمَاءِ. و- النَّفَسُ: صَعُبَ مَخْرَجُهُ. و- الشيءُ الرَّجلَ: جَهَده وبلغ منه فالمراد من الاية هنا هو تشبيه ضيق صدر الكافر نتيجة كفره بضيق الشخص الذي يحاول الصعود في السماء فلا يستطيع لأستحالة هذا (!) [...]
الحقيقة لا اعرف فعلا...هل وصلت جرأة الكذب بالاعجازيين الى درجة التغيير في معنى لغوي لكلمة يمكن لأي شخص التأكد منها من المصادر المتاحة ؟؟؟ كما رأينا فمعنى اللفظ (يَـصّـَـعّــَدُ فِي) كذا، لا علاقة له إطلاقاً بالصعود وإنما المحاولة على مشقة في عمل شيء مستحيل".
الجواب: لا يُعَد فهم عالم ما في زمن ما، حُجة على فهم باقي المسلمين لمعاني القرآن الكريم. بل لا يشترط لتحقق الإعجاز القرآني، أن يقول به كل علماء الإسلام.
فالأفهام والنظرات إلى الأمور تتغير بتغير الثقافة وآفاق النظر إلى الآيات تختلف، فهناك من ينظر إلى الآيات من الزاوية الأخلاقية فيخرج بفهم ما، وهناك من ينظر إليها من حيث الإعجاز البياني، وهنالك من ينظر إليها بحسب ما يستنبط منها فقهياً.. وكل ذلك صواب، مأجور عليه، مأمور به.. لا يعيب من سلك إحداها منهم على الآخرين، كما لا يعيبون عليه.
والحَكَمُ هو النص القرآني المعجز، لا كلام العلماء.
أما عن الصعود في كتب اللغة:
ـ " صعد السطح، وصعد إلى السطح، وصعد في السلم وفي السماء، وتصَّعَّد وتصاعد، وصَّعَّد في الجبل، وطال في الأرض تصويبي وتصعيدي. وأصَّعَّدَ في الأرض: ذهب مستقبل أرض أرفع من الأخرى ".[1]
ـ " وصعَّدَ في الجبل وعليه وعلى الدرجة: رقي ".[2]
ـ " صَعَّد في الجَبَلِ وصَعَّد عليه تَصْعيداً، كاصَّعَّدَ اصِّعَّاداً، بالتشديد فيهما.. أَصْعَد في الجَبَل، وصَعَّد في الأَرض: رَقِيَ مُشْرِفاً ".[3]
ـ " صعد: إذا ارتقى، واصَّعَّد يَصَّعَّدُ إصّعّاداً فهو مصَّعَّد: إذا صار مستقبل حدور أو نهر أو وادٍ أو أرض أرفع من الأخرى. وصعّد في الوادي إذا انحدر.. والاصِّعَّاد عندي مثل الصُعُود؛ قال الله تعالى: " كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ". [الأنعام: 125] يقال: صَعَدَ واصَّعَّدَ واصَّاعَدَ بمعنى واحد ".[4]
والتفسير العلمي لسبب ذلك هو: زيادة الضغط الجوي، وقلة الأكسجين.. فالمعنيان يكملان بعضهما.
ومن هنا يتبين أن العرب استعاروا معنى الصعود ليدل على المشقة (لازمُ الصعودِ). وهذا من الأساليب المعهودة في العربية وهي استعارة لازم الصفة للدلالة على معانٍ تشبهها.[5]
فالمشقة لازمة لصعود الجبال، فلا تنافي بين الأمرين، فأحدهما مسبَّب عن الآخر، والثاني أصل له.
فالأصل: الصعود، ولازمه: المشقة.
جاء في معجم مقاييس اللغة: " الصاد والعين والدال أصلٌ صحيحٌ، يدلُّ على ارتفاعٍ ومشقّة. من ذلك الصَّعُود ـ خلاف الحَدُور ـ ويقال صَعِدَ يَصْعَد.
الإِصعاد: مقابلة الحَدُور من مكانٍ أرفع. والصَّعود: العقَبة الكَؤود، والمشقّة من الأمر ".[6]
شرح الإعجاز العلمي في الآية الكريمة:[7]
الآية الكريمة تعبِّر عن التغيير الكبير في الضغط الجوي المصاحب للصعود السريع إلى السماء، مما يؤثر في الإنسان وخاصة دورته الدموية وخاصة أهم جزء منها (القلب) الموجود في الصدر..
ووجه آخر للإعجاز العلمي في الآية الكريمة وهو لفظ يصَّعَّد (وأصله: يتصَعَّد) وهو من التفعُّل، أي كلما زاد الفعل، زاد أثره.. فكلما زاد الصعود، زاد الضيق (الحرج).
ثالثاً: دلالة : " أدنى الأرض " على كون البحر الميت، أخفض منطقة في العالم:
بيان الشبهة حرفياً:
" ادعاء اخر في منتهى السذاجة...وهو الادعاء بأن لفظ "ادنى الأرض" في سورة الروم يعني "اخفض منطقة في الأرض"...
رغم عدم الحاجة للتأكد من المعنى اللغوي لكلمة "أدنى" حيث ان اي طفل يعرف ان ادنى يعني أقرب وهي عكس أبعد...ذهب كالعادة للتأكد من المعاني في المعاجم المختلفة
القاموس المحيط: (و دَنا): دُنُوًّا ودَناوَةً قَرُبَ (كأدنَى ودَنَّاه تَدْنِيَةً وأدْناهُ) قَرَّبَه
لسان العرب: دَنا من الشيء دنُوّاً ودَناوَةً قَرُبَ... وبينهما دناوة أَي قَرابة. والدَّناوةُ القَرابة والقُربى. ويقال: ما تَزْدادُ منِّا إلا قُرْباً ودَناوةً ; فرق بين مصدرِ دنا ومصدر دَنُؤَ، فجعل مصدر دَنا دَناوةً ومصدر دَنُؤَ دَناءَةً [8]
فكل المعاجم اتفقت على ان المعنى الوحيد لأدنى هو "أقرب"..
و لم أسمع في حياتي عن أن ادنى تعني اخفض[9]..أو ارى [الصواب: أرَ] مرجعا لغويا واحدا يقر بذلك".
الجواب: ليس كما قال؛ فأصل الدنو: الانخفاض.. ولهذا نقول الحياة الدنيا: أي أنها دون الآخرة..
جاء في معجم مقاييس اللغة: " الدال والنون أصلٌ واحد يدلّ على تطامُنٍ وانخفاض. فالأدَنُّ: الرجل المنحنِي الظَّهر. يقال منه قد دَنِنْتَ دَنَناً. ويقال بيتٌ أدنّ، أي متطامِنٌ. وفرسٌ أدَنّ، أي قصير اليدين. وإذا كان كذلك كان منْسجُهُ منْخفضاً ومن ذلك الدَّنْدَنَة، وهو أنْ تُسمَع من الرَّجل نَغْيَةٌ لا تُفْهَم، وذلك لأنّه يخفِض صوتَه بما يقوله ويُخفيه. ومنه الحديث: "فأمَّا دَنْدَنَتُكَ ودندنةُ مُعاذٍ فلا نُحْسِنُهُمَا " ".[10] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn10)
والمشتق من (الدنو) كله يعود على القرب والانخفاض والصغر..
جاء في المفردات: " الدنو: القرب بالذات، أو بالحكم، ويستعمل في المكان والزمان والمنزلة. قال تعالى: " وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ" [الأنعام: 99]، وقال تعالى: " ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى" [النجم: 8]، هذا بالحكم. ويعبر بالأدنى تارة عن الأصغر، فيقابل بالأكبر نحو: " وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ " [المجادلة: 7]. وقرأ الحسن (ولا أكبر) وهي قراءة شاذة، وهي محل الاستشهاد، وتارة عن الأرذل فيقابل بالخير، نحو: " أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ " [البقرة:61]، وعن الأول فيقابل بالآخر، نحو: " خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ " [الحج: 11]، وقوله: " وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ " [النحل: 122]، وتارة عن الأقرب، فيقابل بالأقصى نحو: " إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى " [الأنفال: 42].. وخص الدنيء بالحقير القدر، ويقابل به السيئ؛ يقال: دنيء بيِّن الدناءة ".[11]كما يعبَّر عن الرجل الدنيء: بالسافل، منحط القدر. وقنوان النخل: الدانية القريبة، لأنها المنخفضة.
ومدح عليَّ بن أبي طالب t رجلٌ فأفرط فقال عليّ tـ وكان يتّهمه ـ: " أنا دُونَ ما تقول، وفوقَ ما في نفسك ".[12]
والمقصود بالإعجاز العلمي في الآية الكريمة: وقوع بعض مراحل القتال الحاسمة بين الفرس والروم ـ الذي استمر عدة سنوات، في عدة أماكن ـ وتأثير نتيجته في تلك البقعة من الأرض، التي تعد أخفض بقعة في العالم.[13] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn13)
فإن فسرت الأدنى بالأخفض، فهي أخفض مكان على الأرض.
وإن فسرتها بالأقرب، فهي أقرب مكان على سطح الأرض إلى نواتها ومركزها (أصلها).
رابعاً: هل الجبال تمنع " مَيَدان الأرض " كما يقول القرآن، أم سبب الزلازل كما يقول العلم ؟
نص الشبهة حرفياً:
" خصص د. بوكاى صفحات 206 - 208 من كتابه [القرآن الكريم والتوارة والإنجيل والعلم]ليتحدث عن (تضاريس الأرض) وناقش الآيات القرآنية التى تحدثت عن الجبال، وقال: (يصف علماء الجيولوجيا الحديثون تعرجات الأرض بأنها تثبت الأجزاء البارزة التى تتراوح أبعادها من الكيلومتر إلى عشرة كيلومترات، ومن ظاهرة التعرج هذه ينتج ثبات القشرة الأرضية). ويقتبس من سورة الأنبياء 21: 31 (وهى من العهد المكى الوسيط) (وجعلنا فى الأرض رواسى أن تميد بهم) ومن سورة النحل16: 15 (من العهد المكى المتأخر) (وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم) ومن سورة لقمان 31: 10 (من العهد المكى المتأخر) (وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم) ومن سورة النبأ 78: 6 و7 (من العهد المكى المبكر) (ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا) ويقول:والأوتاد المشار إليها هنا هى تلك التى تستخدم فى تثبيت الخيام فى الأرض) (ص 208). ويقتبس من سورة الغاشية 88: 19 و20(.. وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت).وتقول هذه الآيات إن الله أرسى الجبال فى الأرض كأوتاد خيمة ليحفظها من أن تميد أى تميل وتضطرب).
ويعلق د. دافيد يونج على ما اقتبسناه من د.بوكاى فى مطلع كلامنا هنا بالقول: (صحيح أن سلاسل جبال كثيرة تكونت من صخور متعرجة، ولكن ليس صحيحا أن هذه التعرجات تثبت الأجزاء البارزة. بل إن وجود هذه التعرجات دليل على عدم ثبات أديم الأرض).وهذا يعنى أن الجبال لا تحفظ الأرض من أن تميل، بل إنها تجعل سطح الأرض يهتز! وتقترح النظريات الجيولوجية الحديثة أن أديم الأرض الصلد مكون من أجزاء أو طبقات تتحرك مع بعضها ببطء، بسرعة تعادل سرعة نمو الأظافر. وتنفصل الطبقات أحيانا. ويعتقد معظم الجيولوجيين أن هذا يوضح انفصال أمريكا الشمالية والجنوبية عن قارتى أوربا وأفريقيا. وفى بعض أنحاء الكرة الأرضية تتصادم هذه الطبقات وتنبعج وتتغضن وتنزلق فوق بعضها. وتجد هذا فى الشرق الأوسط حيث كان تحرك شبه الجزيرة العربية نحو إيران سببا فى ظهور سلسلة جبال زاجروس، وجبال أطلس فى المغرب، وجبال الألب التى تكونت بسبب تحرك الطبقات الأرضية".
الجواب: قوله هذا ناشئ عن عدم فهم وجه الإعجاز العلمي في وظيفة الجبال كما بينها القرآن الكريم.
وقد ذكر الدكتور زغلول النجار أن إرساء (تثبيت) الجبال للأرض ما هو إلا إرساء لأمرين:
" أ. تثبيت الجبال لألواح الغلاف الصخري للأرض:
في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين، تمت بلورة مفهوم تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض, فقد اتضح أن هذا الغلاف ممزق بشبكة هائلة من الصدوع، تمتد لعشرات الآلاف من الكيلومترات، لتحيط بالكرة الأرضية إحاطة كاملة، بعمق يتراوح بين65 و150 كيلومتراً. فتقسمه إلى عدد من الألواح الصخرية، التي تطفو فوق نطاق الضعف الأرضي، وتتحرك في هذا النطاق من نطق الأرض التيارات الحرارية، على هيئة دوامات عاتية من تيارات الحمل، تدفع بألواح الغلاف الصخري للأرض؛ لتباعد بينها عند أحد أطرافها, وتصدمها ببعض عند حوافها المقابلة لحواف التباعد, وتجعلها تنزلق عبر بعضها عند الحافتين الأخريين.
ويتعين على تسارع حركة ألواح الغلاف الصخري للأرض، دوران الأرض حول محورها أمام الشمس, كما يتعين على ذلك، اندفاع الصهارة الصخرية بملايين الأطنان عبر الصدوع الفاصلة بين حدود الألواح المتباعدة عن بعضها, فيتكون بذلك باستمرار أحزمة متوازية من الصخور البركانية التي تتوزع بانتظام حول مستويات الصدوع الفاصلة بين الألواح المتباعدة، في ظاهرة تعرف باسم: ظاهرة اتساع قيعان البحار والمحيطات,. وتتكون الصخور الأحدث عمراً حول مستويات التصدع المتباعدة, باستمرار وتدفع الصخور الأقدم عمراً في اتجاه اللوح المقابل عند خط الاصطدام. وهنا يهبط قاع المحيط تحت القارة، إذا كان اللوح المقابل يحمل قارة بنفس معدل اتساع قاع المحيط، في كل جهة من جهتي الاتساع، حول مستوى تصدع وسط المحيط، الذي تتكون حوله سلاسل من الجروف البركانية، تمتد فوق قاع المحيط لعشرات الآلاف من الكيلومترات، وتعرف باسم حواف أواسط المحيطات.
وينتج عن هبوط قاع المحيط تحت اللوح الصخري الحامل للقارة، تكوُّن أعمق أجزاء هذا المحيط على هيئة جُبٍّ عميق، يعرف باسم: الجب البحري. ونظراً لعمقه، يتجمع في هذا الجب كم هائل من الرسوبيات البحرية، التي تتضاغط وتتلاحم مكونة تتابعات سميكة جداً من الصخور الرسوبية, ويتبادل مع هذه الصخور الرسوبية ـ ويتداخل فيها ـ كم هائل من الصخور النارية، التي تعمل على تحول أجزاء منها، إلى صخور متحولة. وتنتج الصخور البركانية عن الانصهار الجزئي لقاع المحيط المندفع، هابطاً تحت القارة,. وتنتج الصخور المتداخلة جزئيا عن الصهارة الناتجة عن هذا الهبوط, وعن الإزاحة من نطاق الضعف الأرضي بدخول اللوح الهابط فيه.
هذا الخليط من الصخور الرسوبية والنارية والمتحولة، يكشط باستمرار من فوق قاع المحيط بحركته المستمرة تحت اللوح الصخري الحامل للقارة, فيطوى ويتكسر,. ويضاف إلى حافة القارة مكوناً سلسلة أو عددا من السلاسل الجبلية ذات الجذور العميقة، التي تربط كتلة القارة بقاع المحيط فتهدئ من حركة اللوحين، وتعين على استقرار اللوح الصخري الحامل للقارة، استقراراً ـ ولو جزئياً ـ يسمح بإعمارها.
وتتوقف حركة ألواح الغلاف الصخري للأرض بالكامل، عندما تصل دورة بناء الجبال إلى نهايتها حين تتحرك قارتان مفصولتان بمحيط كبير، في اتجاه بعضهما. حتي يستهلك قاع المحيط كاملاً بدخوله تحت إحدى القارتين حتى تصطدما. فيتكون بذلك أعلى السلاسل الجبلية ارتفاعاً، كما حدث عند ارتطام اللوح القاري الحامل للهند، باللوح الحامل لقارتي آسيا وأوروبا، وتكوَّنت سلسلة جبال الهيمالايا.
من هنا اتضح دور الجبال في إرساء ألواح الغلاف الصخري للأرض وتثبيتها, ولولا ذلك ما استقامت الحياة على سطح الأرض أبداًً؛ لأن حركة هذه الألواح كانت في بدء خلق الأرض على درجة من السرعة والعنف لا تسمح لتربة أن تتجمع, ولا لنبتة أن تنبت, ولا لحيوان أو إنسان أن يعيش. خاصة وأن سرعة دوران الأرض حول محورها، كانت في القديم أعلى من معدلاتها الحالية بكثير, لدرجة أن طول الليل والنهار معاً عند بدء خلق الأرض، يقدر بأربع ساعات فقط, وأن عدد الأيام في السنة كان أكثر من2200 يوماً, وهذه السرعة الفائقة لدوران الأرض حول محورها، كانت ـ بلا شك ـ تزيد من سرعة انزلاق ألواح الغلاف الصخري للأرض فوق نطاق الضعف الأرضي. وهي تدفع أساساً بظاهرة اتساع قيعان البحار والمحيطات, وبملايين الأطنان من الصهارة الصخرية، والحمم البركانية المندفعة عبر صدوع تلك القيعان.
وبتسارع حركة ألواح الغلاف الصخري للأرض، تسارعت الحركات البانية للجبال. وبتسارع بنائها هدأت حركة هذه الألواح, وهيأت الأرض لاستقبال الحياة. وقبل مقدم الإنسان كانت غالبية ألواح الغلاف الصخري للأرض قد استقرت, بكثرة تكون السلاسل والمنظومات الجبلية, وأخذت الأرض هيأتها لاستقبال هذا المخلوق المكرم الذي حمله الله تعالي مسئولية الاستخلاف في الأرض.
ب. تثبيت الجبال للأرض كلها ككوكب:
تساءل العلماء عن إمكانية وجود دور للجبال في اتزان حركة الأرض ككوكب وجعلها قراراً صالحا للحياة، وجاء الرد بالايجاب؛ لأنه نتيجة لدوران الأرض حول محورها، فإن القوة الطاردة المركزية الناشئة عن هذا الدوران، تبلغ ذروتها عند خط استواء الأرض, ولذلك فإن الأرض انبعجت قليلاً عند خط الاستواء حيث تقل قوة الجاذبية, وتطغى القوة الطاردة المركزية. وتفلطحت قليلاً عند القطبين، حيث تطغى قوة الجاذبية، وتتضاءل القوة الطاردة المركزية. وبذلك فإن طول قطر الأرض الاستوائي يزداد باستمرار، بينما يقل طول قطرها القطبي ـ وإن كان ذلك يتم بمعدلات بطيئة جداً ـ إلا أن ذلك قد أخرج الأرض عن شكلها الكروي إلى شكل شبه كروي.
وشبه الكرة لا يمكنها أن تكون منتظمة في دورانها حول محورها, وذلك لأن الانبعاج الاستوائي للأرض يجعل محور دورانها يغير اتجاهه رويداً رويداً في حركة معقدة، مردها إلى تأثير جاذبية أجرام المجموعة الشمسية ـ خاصة الشمس والقمر ـ على الأرض, وتعرف هذه الحركة باسم الحركة البدارية ـ أو حركة الترنح والبدارية ـ.
وتنشأ هذه الحركة عن ترنح الأرض في حركة بطيئة تتمايل فيها من اليمين إلى اليسار، بالنسبة إلى محورها العمودي الذي يدور لولبياً، دون أن يشير طرفاه الشمالي والجنوبي إلى نقطة ثابتة في الشمال أو في الجنوب. ونتيجة للتقدم أو التقهقر، فإن محور دوران الأرض يرسم بنهايته دائرة حول قطب البروج، تتم في فترة زمنية قدرها نحو 26.000 سنة من سنيننا.
ويتبع ترنح الأرض حول مدارها، مسار متعرج بسبب جذب كل من الشمس والقمر للأرض, وتبعاً للمتغيرات المستمرة في مقدار واتجاه القوة البدارية لكل منهما. ويؤدي ذلك إلى ابتعاد الدائرة الوهمية التي يرسمها محور الأرض أثناء ترنحها، وتحولها إلى دائرة مؤلفة من أعداد من الأقواس المتساوية, التي يبلغ عددها في الدورة الكاملة1400 ذبذبة (أو قوس). ويستغرق رسم القوس الواحد 18.6 سنة، أي أن هذه الدائرة تتم في (26040) سنة، وتسمى باسم: حركة الميسان (النودان أو التذبذب). وقد أثبتت الدراسات الفلكية أن لمحور دوران الأرض عدداً من الحركات الترنحية، التي تستغرق أوقاتاً مختلفة، يبلغ أقصرها عشرة أيام, ويبلغ أطولها 18.6سنة من سنيننا.
ووجود الجبال ذات الجذور الغائرة في الغلاف الصخري للأرض, يقلل من شدة ترنح الأرض في دورانها حول محورها, ويجعل حركتها أكثر استقراراً وانتظاماً وسلاسة، تماماً كما تفعل قطع الرصاص التي توضع حول إطار السيارة لانتظام حركتها, وقلة رجرجتها, وبذلك أصبحت الأرض مؤهلة للعمران ". ا. هـ
الآية الكريمة لا تتحدث عن مساحات صغيرة من الكرة الأرضية ـ أو إقليماً تقوم الجبال بحفظه من الاهتزازات ـ لا تكاد تقاس بالنسبة إلى عِظَمِ حجمها، بل الآية الكريمة تتحدث عن نفع جنس الجبال بشكل عام، لمجمل الكرة الأرضية.. وسبحان منزل القرآن !
[1] أساس البلاغة، الزمخشري، 2/92 ص ع د.
[2] المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده، 1/285أبواب العين مع الصاد .
[3] تاج العروس، الفيروزآبادي 2/397 صعد.
[4] انظر: لسان العرب، ابن منظور، 3/253 صعد، وانظر معنى صَعَّدَ: المعجم الوسيط، د. إبراهيم أنيس، ص514.
[5] استعارت العرب لفظ يَصَّعَّد ليدل على المشقة، ولا يمنع من أن يكون على المعنى الأصلي للصعود وهو الارتقاء، وهذا مما تعرفه العرب. خذ مثلاً كلمة المجد فأصلها: امتلاء بطن الدابة بالعلف، ثم استعير ليدل على الرِّفعة.. لأنه دليل على امتلاء الإنسان بالخصال الحميدة، فأخذت الاستعارة لازم المجد وهو الامتلاء، ولا يُخطئ من عبَّر به عن امتلاء بطن الدابة؛ لأنه ذكر أصلها.. انظر: المعرب في القرآن الكريم، د. محمد بلاسي، ص13.
[6] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس 3/221 صعد وأطال في ذكر ما اشتق من هذا الأصل، وتفرع عنه.
[7] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص347-349.
[8] لقد قام ببتر النص كعادتهم.. وما حذفه هو: " ومصدر دنأ دناءة كما ترى ابن السكيت يقال لقد دنأت تدنأ أي سفلت في فعلك ومجنت وقال تعالى: " أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ " [البقرة: 61]. قال الفراء: هو من الدناءة، والعرب تقول: " إنه لدني "، في الأمور ـ غير مهموز ـ يتبع خساسها وأصاغرها.. ". انظر: لسان العرب، ابن منظور1/78 دنأ.
[9] صدق فيه قول أبي نواس: فَقُل لِمَن يَدَّعي في العِلمِ فَلسَفَةً حَفِظتَ شَيئاً وَغابَت عَنكَ أَشياءُ
ويُقال له: بم تفسر دون في قوله تعالى في سورة الأعراف: " وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ.. 168 ". وفيها: " وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ205 " ؟ وسبحان من أنزل القرآن ليرد عليهم دون الحاجة إلى الرجوع إلى كتب المعاجم !
[10] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس 2/196 دن والحديث رواه أبو داود في الصلاة باب في تخفيف الصلاة 792. وابن ماجه في إقامة الصلاة باب ما يقال بعد التشهد.. 910 وابن خزيمة في صحيحه في الصلاة باب الاستغفار بعد التشهد 725 عن أبي هريرة t. قال الكناني في مصباح الزجاجة 1/112: " إسناده صحيح ورواته ثقات "، وانظر: صحيح سنن أبي داود للألباني1/210.
[11] المفردات، الراغب الأصفهاني، ص172.
[12] البيان والتبيين، الجاحظ، 2/87. وموضع الشاهد هنا: استخدام فوق مقابل دون.. إلا إن زعم ذاك الملحد كاتب تلك الصفحة أعلاه ـ ولقبه في منتديات الحوار الديني: الختيار ـ أنه أفصح من علي بن أبي طالب tوالجاحظِ ناقلِ الحكاية !!
[13] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص269-272 وأطلس القرآن، د. شوقي أبو خليل، ص164. وملحق: 4.
القلب الحزين
12-12-2013, 05:21 PM
شبهة نزول الحديد من السماء
إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
نص الشبهة حرفياً:
" لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحديد: 25).
يدعي الاعجازيون بأن القرآن قال ب"الحقيقة العلمية" أن الحديد أنزل من السماء الى الأرض والدليل قول القرآن "أنزلنا".
و يقولون ان الحديد لم يتكون في المجموعة الشمسية بل جاء اليها من الخارج! ويدعون ان المجموعة الشمسية لم يكن بها ما يكفي من طاقة لظهور عنصر الحديد... لتفنيد هذا الادعاء..سأتناوله من وجهين:
أولا: هل فعلا الحديد لم يكن من العناصر المكونة لكوكب لأرض ؟؟
حقائق:
1- عنصر الحديد أكثر العناصر انتشارا في الارض..و يشكل حوالي 35% من العناصر...
7http://www.arc.losrios.cc.ca.us/~jacksoh/Yuba/Lecture
ونفس الشيء في كواكب المجموعة الاخرى حيث ينتشر عنصر الحديد انتشارا كبيرا بها......كيف يمكن ان يكون عنصر بهذه الكثرة والانتشار لم يظهر في الأرض الا عن طريق هبوطه من الخارج عن طريق النيازك ؟؟
2- اللب الداخلي للأرض يحتوي على الحديد
http://www.ldgo.columbia.edu/press_releases/song/basic-facts.html
كيف يستوي هذا مع عدم ظهوره في كوكب الأرض الا عن طريق هبوطه بالنيازك ؟؟
و الحقيقة انني بحثت كثيرا في المراجع العلمية عن هذا الادعاء ولم ار ما يدعمه ابدا..
ثانيا: بغض النظر عن كون الموضوع حقيقة علمية ام لا، تعالوا نبحث الموضوع.. من الناحية اللغوية والدينية...
يستند الاعجازيون في هذه الاية على كلمة انزلنا بمعنى انها تعني "هبوط" الحديد من الخارج الى الأرض...
و لكن هل تعني ذلك حقا؟ لغويا وسياقيا؟
تعاول نرى مواضع اخرة جائت [الصواب: تعالوا نرَ مواضع أخرى جاءت] فيها نفس الكلمة بمعنى الخلق
تقول سورة الزمر الآية 6: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج
يقول أبن كثير في تفسير الآية: وقوله تعالى "وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج" أي وخلق لكم من ظهور الأنعام ثمانية أزواج وهي المذكورة في سورة الأنعام ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين.
هل هبطت الأنعام أيضا على ارضنا من الخارج؟
بدون حتى النظر الى التفسير، فواضح لأي شخص ان الكلمة "أنزلنا" عند اتيانها في الحديث عن نعمة أو شيء مخلوق للأنسان..وهو الشيء المشترك بين الايات الثلاث... تعني "خلقنا" أو "جعلنا"...
اية اخرى جاءت بنفس السياق: الأعراف 26 " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً "
و بطبيعة الحال تؤكد جميع التفاسير معنى الخلق لكلمة "انزلنا" في هذه الاية ايضا..كما يؤكده منطق أي شخص عاقل...
و بالرجوع الى التفسير حول الاية الاصلية محل الحديث المتحدثة عن الحديد...يتأكد لنا نفس الشيء..
هل هبط اللباس علينا من الخارج أيضا؟
باختصار....قوله "انزلنا" لا تعني الا بكل بساطة: " جعلنا " أو " خلقنا "...
كل هذه الامثلة من الغش في معاني اللغة وتحريف الكلمات الى معاني مختلفة تماما عن الحقيقة يوضح لنا كم الكذب والتدليس الذي احترفه مرتزقة العلم هؤلاء...الذين اكاد اجزم انهم لا يؤمنون بحرف واحد مما يلوثون به عقول البسطاء من الناس.
متى نفيق من هذه الأوهام ونعلم انفسنا علما حقيقيا يلحقنا بمؤخرة ركب التطور ؟ ".
الرد على الشبهة:
كل كتب الإعجاز العلمي التي تناولت هذا الموضوع تحدثت عن نسبة الحديد إلى الأرض، وعن وجوده في لب الأرض أكثر بكثير من قشرتها.. ولكنهم لتدليسهم وبترهم للنصوص لا يذكرون ذلك !!
ولتوضيح الإعجاز العلمي في الآية الكريمة بصورة واضحة، سيتم نقل رأي الدكتور زغلول النجار مطولاً في ذلك.
قال الدكتور زغلول النجار: " بينما لا تتعدى نسبة الحديد في شمسنا 0.0037%، فإن نسبته في التركيب الكيميائي لأرضنا تصل إلى35.9% من مجموع كتلة الأرض، المقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن. وعلى ذلك فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بأكثر من ألفي مليون مليون مليون طن. ويتركز الحديد في قلب الأرض, أو ما يعرف باسم لب الأرض, وتصل نسبة الحديد فيه إلى90% ونسبة النيكل (وهو من مجموعة الحديد) إلى9%. وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلى الخارج باستمرار حتى تصل إلى5.6% في قشرة الأرض.
وإلى أواخر الخمسينيات من القرن العشرين لم يكن لأحد من العلماء إمكانية التصور(ولو من قبيل التخيل) أن هذا القدر الهائل من الحديد قد أنزل إلى الأرض من السماء إنزالاً حقيقياًً !!
كيف أنزل؟ وكيف تسني له اختراق الغلاف الصخري للأرض بهذه الكميات المذهلة؟ وكيف أمكنه الاستمرار في التحرك بداخل الأرض حتى وصل إلى لبها ؟ وكيف شكل كلاً من لب الأرض الصلب، ولبها السائل على هيئة كرة ضخمة من الحديد والنيكل، يحيط بها وشاح منصهر من نفس التركيب, ثم أخذت نسبته في التناقص باستمرار في اتجاه قشرة الأرض الصلبة ؟
في أواخر القرن العشرين ثبت لعلماء الفلك والفيزياء, الفلكية أن الحديد لا يتكون في الجزء المدرك من الكون إلا في مراحل محددة من حياة النجوم تسمي بالعماليق الحمر, والعماليق العظام, والتي بعد أن يتحول لبها بالكامل إلى حديد تنفجر علي هيئة المستعرات العظام, وبانفجارها تتناثر مكوناتها بما فيها الحديد في صفحة الكون، فيدخل هذا الحديد بتقدير من الله Yفي مجال جاذبية أجرام سماوية تحتاج إليه مثل أرضنا الابتدائية التي وصلها الحديد الكوني, وهي كومة من الرماد.
فاندفع إلى قلب تلك الكومة ـ بحكم كثافته العالية وسرعته المندفع بها ـ فانصهر بحرارة الاستقرار في قلب الأرض وصهرها, ومايزها إلى سبع أرضين!! وبهذا ثبت أن الحديد في أرضنا, بل في مجموعتنا الشمسية بالكامل قد أنزل إليها إنزالاً حقيقيا.
1) إنزال الحديد من السماء:
في دراسة لتوزيع العناصر المختلفة في الجزء المدرك من الكون، لوحظ أن غاز الإيدروجين هو أكثر العناصر شيوعاً إذ يكون أكثر من 74% من مادة الكون المنظور, ويليه في الكثرة غاز الهيليوم الذي يكون حوالي24% من مادة الكون المنظور, وأن هذين الغازين وهما يمثلان أخف العناصر وأبسطها بناء يكونان معا أكثر من98% من مادة الجزء المدرك من الكون, بينما باقي العناصر المعروفة لنا وهي(103) عناصر تكون مجتمعة أقل من2% من مادة الكون المنظور.
وقد أدت هذه الملاحظة إلى الاستنتاج المنطقي أن أنوية غاز الإيدروجين، هي لبنات بناء جميع العناصر المعروفة لنا، وأنها جميعا قد تخلقت باندماج أنوية هذا الغاز البسيط مع بعضها في داخل النجوم بعملية تعرف باسم عملية الاندماج النووي تنطلق منها كميات هائلة من الحرارة,. وتتم بتسلسل من أخف العناصر إلى أعلاها وزنا ذريا وتعقيدا في البناء.
فشمسنا تتكون أساساً من غاز الإيدروجين الذي تندمج أنويته مع بعضها لتكون غاز الهيليوم وتنطلق طاقة هائلة تبلغ عشرة ملايين درجة مئوية, ويتحكم في هذا التفاعل(بقدرة الخالق العظيم) عاملان هما: زيادة نسبة غاز الهيليوم المتخلق بالتدريج, وتمدد الشمس بالارتفاع المطرد في درجة حرارة لبها. وباستمرار هذه العملية، تزداد درجة الحرارة في داخل الشمس تدريجيا, وبازديادها ينتقل التفاعل إلى المرحلة التالية التي تندمج فيها نوي ذرات الهيليوم مع بعضها منتجة نوى ذرات الكربون12, ثم الأوكسجين16 ثم النيون20, وهكذا.
وفي نجم عادي مثل شمسنا ـ التي تقدر درجة حرارة سطحها بحوالي ستة آلاف درجة مئوية, وتزداد هذه الحرارة تدريجيا في اتجاه مركز الشمس حتي تصل إلى حوالي15 مليون درجة مئوية, ـ يقدر علماء الفيزياء الفلكية، أنه بتحول نصف كمية الإيدروجين الشمسي تقريباً إلى الهيليوم، فإن درجة الحرارة في لب الشمس ستصل إلى مائة مليون درجة مئوية, مما يدفع بنوي ذرات الهيليوم المتخلقة إلى الاندماج في المراحل التالية من عملية الاندماج النووي، مكونة عناصر أعلى في وزنها الذري مثل الكربون. ومطلقة كمَّاً أعلى من الطاقة, ويقدر العلماء، أنه عندما تصل درجة حرارة لب الشمس إلى ستمائة مليون درجة مئوية، يتحول الكربون إلى صوديوم ومغنيسيوم ونيون, ثم تنتج عمليات الاندماج النووي التالية عناصر الألومنيوم, والسيليكون, والكبريت، والفوسفور, والكلور, والأرجون, والبوتاسيوم, والكالسيوم على التوالي., مع ارتفاع مطرد في درجة الحرارة، حتى تصل إلى ألفي مليون درجة مئوية، حين يتحول لب النجم إلى مجموعات التيتانيوم, والفاناديوم, والكروم, والمنجنيز والحديد (الحديد والكوبالت والنيكل).
ولما كان تخليق هذه العناصر يحتاج إلى درجات حرارة مرتفعة جداً لا تتوافر إلا في مراحل خاصة من مراحل حياة النجوم ـ تعرف باسم العماليق الحمر والعماليق العظام، وهي مراحل توهج شديد في حياة النجوم ـ فإنها لا تتم في كل نجم من نجوم السماء. ولكن حين يتحول لب النجم إلى الحديد فانه يستهلك طاقة النجم بدلاً من إضافة مزيد من الطاقة إليه، وذلك لأن نواة ذرة الحديد هي أشد نوى العناصر تماسكاً,.
وهنا ينفجر النجم علي هيئة ما يسمي باسم: المستعر الأعظم ـ من النمط الأول أو الثاني حسب الكتلة الابتدائية للنجم ـ وتتناثر أشلاء النجم المنفجر في صفحة السماء، لتدخل في نطاق جاذبية أجرام سماوية تحتاج إلى هذا الحديد. تماماً كما تصل النيازك الحديدية إلى أرضنا بملايين الأطنان في كل عام.
ولما كانت نسبة الحديد في شمسنا لا تتعدى0.0037% من كتلتها ـ وهي أقل بكثير من نسبة الحديد في كل من الأرض والنيازك الحديدية التي تصل إليها من فسحة الكون ـ ولما كانت درجة حرارة لب الشمس لم تصل بعد إلى الحد الذي يمكنها من إنتاج السيليكون, أو المغنيسيوم ـ فضلاً عن الحديد ـ كان من البديهي استنتاج أن كلاً من الأرض والشمس قد استمد ما به من حديد، من مصدر خارجي عنه في فسحة الكون, وأن أرضنا حينما انفصلت عن الشمس لم تكن سوى كومة من الرماد المكون من العناصر الخفيفة, ثم رجمت هذه الكومة بوابل من النيازك الحديدية التي انطلقت إليها من السماء، فاستقرت في لبها بفضل كثافتها العالية وسرعاتها الكونية فانصهرت بحرارة الاستقرار, وصهرت كومة الرماد وما يزنها إلى سبع أرضين: لب صلب علي هيئة كرة ضخمة من الحديد(90%) والنيكل(9%) وبعض العناصر الخفيفة من مثل الكبريت, والفوسفور, والكربون(1%) يليه إلى الخارج, لب سائل له نفس التركيب الكيميائي تقريباًً, ويكون لب الأرض الصلب والسائل معا حوالي31% من مجموع كتلة الأرض, ويلي لب الأرض إلى الخارج وشاح الأرض المكون من ثلاثة نطق, ثم الغلاف الصخري للأرض, وهو مكون من نطاقين, وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلى الخارج باستمرار حتي تصل إلى 5.6% في قشرة الأرض وهي النطاق الخارجي من غلاف الأرض الصخري.
من هنا ساد الاعتقاد بأن الحديد الموجود في الأرض والذي يشكل35.9% من كتلتها لابد وأنه قد تكون في داخل عدد من النجوم المستعرة من مثل العماليق الحمر, والعماليق العظام. والتي انفجرت علي هيئة المستعرات العظام، فتناثرت أشلاؤها في صفحة الكون، ونزلت إلى الأرض على هيئة وابل من النيازك الحديدية.
وبذلك أصبح من الثابت علمياً أن حديد الأرض قد أنزل إليها من السماء, وأن الحديد في مجموعتنا الشمسية كلها قد أنزل كذلك إليها من السماء, وهي حقيقة لم يتوصل العلماء إلى فهمها إلا في أواخر الخمسينيات, من القرن العشرين..
2) البأس الشديد للحديد:
الحديد عنصر فلزي شديد البأس, وهو أكثر العناصر ثباتاً؛ وذلك لشدة تماسك مكونات النواة في ذرته التي تتكون من ستة وعشرين بروتوناً, وثلاثين نيوتروناً, وستة وعشرين إلكتروناً,. ولذلك تمتلك نواة ذرة الحديد أعلى قدر من طاقة التماسك بين جميع نوي العناصر الأخرى, ولذا فهي تحتاج إلى كميات هائلة من الطاقة لتفتيتها، أو للإضافة إليها.
ويتميز الحديد وسبائكه المختلفة بين جميع العناصر والسبائك المعروفة بأعلى قدر من الخصائص المغناطيسية, والمرونة(القابلية للطرق والسحب وللتشكل) والمقاومة للحرارة ولعوامل التعرية الجوية, فالحديد لا ينصهر قبل درجة1536 مئوية, ويغلي عند درجة3023 درجة مئوية تحت الضغط الجوي العادي عند سطح البحر, وتبلغ كثافة الحديد7.874 جرام للسنتيمتر المكعب عند درجة حرارة الصفر المطلق.
3) منافع الحديد للناس:
للحديد منافع جمة وفوائد أساسية لجعل الأرض صالحة للعمران بتقدير من الله, ولبناء اللبنات الأساسية للحياة التي خلقها ربنا(تبارك وتعالى)، فكمية الحديد الهائلة في كل من لب الأرض الصلب, ولبها السائل تلعب دورا مهما في توليد المجال المغناطيسي للأرض, وهذا المجال هو الذي يمسك بكل من الغلاف الغازي والمائي والحيوي للأرض, وغلاف الأرض الغازي يحميها من الأشعة والجسيمات الكونية ومن العديد من أشعات الشمس الضارة, ومن ملايين الأطنان من النيازك, ويساعد علي ضبط العديد من العمليات الأرضية المهمة من مثل دورة كل من الماء, والأوكسجين, وثاني أكسيد الكربون, والأوزون وغيرها من العمليات اللازمة لجعل الأرض كوكبا صالحا للعمران.
ومادة الحديد لازمة من لوازم بناء الخلية الحية في كل من النبات والحيوان والانسان إذ تدخل مركبات الحديد في تكوين المادة الخضراء في النباتات(الكلوروفيل) وهو المكون الأساسي للبلاستيدات الخضراء التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي اللازمة لنمو النباتات, ولانتاج الأنسجة النباتية المختلفة من مثل الأوراق والأزهار, والبذور والثمار والتي عن طريقها يدخل الحديد إلى أنسجة ودماء كل من الانسان والحيوان, وعملية التمثيل الضوئي هي الوسيلة الوحيدة لتحويل طاقة الشمس إلى روابط كيميائية تختزن في أجساد جميع الكائنات الحية, وتكون مصدرا لنشاطها أثناء حياتها, وبعد تحلل أجساد تلك الكائنات بمعزل عن الهواء تتحول إلى مختلف صور الطاقة المعروفة(القش, والحطب, والفحم النباتي, والفحم الحجري, والغاز الفحمي والنفط, والغاز الطبيعي وغيرها), والحديد يدخل في تركيب بروتينات نواة الخلية الحية الموجودة في المادة الحاملة للشفرة الوراثية للخلية(الصبغيات) كما يوجد في سوائل الجسم المختلفة, وهو أحد مكونات الهيموجلوبين وهي المادة الأساسية في كرات الدم الحمراء, ويقوم الحديد بدور مهم في عملية الاحتراق الداخلي للأنسجة والتمثيل الحيوي بها. ويوجد في كل من الكبد, والطحال والكلي, والعضلات والنخاع الأحمر, ويحتاج الكائن الحي إلى قدر محدد من الحديد إذا نقص تعرض للكثير من الأمراض التي أوضحها فقر الدم والحديد عصب الصناعات المدنية والعسكرية فلا تكاد صناعة معدنية أن تقوم في غيبة الحديد ". انتهى
بهذا يتبين أن الآية الكريمة في إشارات كثيرة في الإعجاز العلمي، لم يذكرها في نقده.. لماذا ؟
أما عن اختلاف النزول مع نزول الأنعام واللباس (وهي بمعنى الخلق) فجواب ذلك إن لفظ النزول تكرر في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة. ليس كلها بمعنى الخلق.. بل أكثرها بمعنى النزول.
ولا مانع في أن تكون نوعاً من البلاغة ـ مجازاً مرسلاً علاقته السببية ـ فيكون: " تفسير إنزال أزواج الأنعام في قوله تعالى: " وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ " [الزمر: 6]،بإنزال الماء على وجه الأرض؛ لأنها لا تعيش إلا بالنبات، والنبات لا يقوم إلا بالماء، وقد أنزل الماء فكأنه أنزلها " [1]... وكذا قوله تعالى: " وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا " [غافر: 13]أي مطراً هو سبب الرزق، وقوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا " [النساء: 10] ".أي: ما يسبب دخولهم النار.
[1] انظر: الإيضاح في علوم البلاغة، القزويني، ص412. وقال: ابن فارس في الصاحبي في فقه اللغة، ص106: " جاز أن يقول: " أنزل " ؛ لأن الأنعام لا تقوم إِلاَّ بالنبات، والنبات لا يقوم إِلاَّ بالماء، والله جلّ ثناؤه ينزل الماء من السماء. قال: ومثله "قَدْ أنْزِلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسَاً " [الأعراف: 26] وهو جلّ ثناؤه إنما أنْزَلَ الماء، لكن اللباس من القطن، والقطن لا يكون إِلاَّ بالماء. قال: ومنه قال جلّ ثناؤه "وليَسْتَعْففِ الَّذِين لا يجدون نكاحاً " [النور: 33] إنما أراد ـ والله أعلم ـ الشيء يُنْكَحُ بِهِ من مَهْر ونَفقة، ولا بد للمتزوج بِهِ منه ".
القلب الحزين
12-12-2013, 05:24 PM
حول شبهة إدراك الشمس للقمر
الدكتور عبد الرحيم الشريف
نص الشبهة حرفياً:
" يس (لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {40}) واضح أنهلكي يمكن فرضا للشمس ان تدرك القمر ينبغي منطقيا أن يكونا أولاًمتحركين (يسبحون تعنى الحركة اى ان الشمس تتحرك) ثانيا أن يكون تحركهما على الأقل في مدارين متقاربين بحيث يمكن تصور إمكانية حدوث هذا الإدراك الذي تنفيه الآية.. اما إذا كان هذا الإدراك هو امر مستحيل حدوثه أصلا ولا ينفع حدوثه بأي حال من الأحوال فان الآية تصبح لا معنى لها وضربا من ضربات الهزيان [الصواب: الهذيان] .. لأنها في هذه الحالة الافتراضية تنفى وقوع حدث لا يمكن أصلا وقوعه.. أين هو الأعجاز الذي يتكلمون عنة ؟؟؟؟
جاء فى سورة الرعد (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ {2} وإبراهيم (وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ[1]وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ {33} والكهف (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ[2]وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً {86}ولقمان. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {29} وفاطر. يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ {13} والزمر (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ {5} والرحمن (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ {5} والانعام (فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{96} يس (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {38 } يس (لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {40}والبقرة قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {258} فهذه إحدى عشر آية كاملة تؤكد بما لا يدع ذرة من الشك أن القران يؤمن إيمان كامل [الصواب: إيماناً كاملاً] ان الشمس والقمر هما كائنان متحركان باى حال من الأحوال..وهذا ضد علم الفلك والعلم الذي غزا الفضاء وصور رواد الفضاء كل شيء وتم التأكد ان الأرض هي المتحركة تدور حول الشمس.. لكن الشمس لا تشابه الأرض فى جريانها وتشبه الآيات القرآنية عملها انه مثل نفس حركة القمر(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَان)[3]والعلم أكد على اختلاف نهائي ان تكون الشمس مشابهة للقمر فى الجريان (يفسر الجلالين بحسبان تعنى الجريان).. ٍ القران يصور الشمس هي التي تطلع (راجع الكهف 90 } حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْراً {90} (وطة 130)(وسورة ق 39) } فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ {39}ان القران فى جميع الآيات السابقة يؤكد ان الشمس تجرى وتطلع[4]وهذا ما كذبته كاميرات رواد الفضاء وأبحاث كبار العلماء وهى أشياء ليس فيها غش فالعلم لا ديانة لة وهو يبحث عن الحقيقة اينما كانت".
الرد على ا لشبهة
أولاً: جريان الشمس والقمر:
عبّر القرآن الكريم عن هذا الجريان بالسباحة في الأفلاك.. أي كلٌّ من الكواكب والكويكبات والنجوم والمذنبات.. له فلك خاص به يسبح فيه.
وبما أن لكل منها فلكه الخاص ـ الذي لا يتداخل مع فلك غيره ـ فإن أحدها لن يدرك الآخر فيصدم به مما يحدث خللاً في نظام الكون فيؤثر سلباً على الحياة على الأرض.
ووجد علماء الفلك أن الشمس ـ مع كواكبها السائرة في فلكها ـ تسبح في الفضاء متنقلة بين النجوم، بسرعة قدرت بثلاثين كيلومتراً في الثانية وهي تتجه نحو نجم يدعى (الجاثي على ركبته).
والشمس في حركتها السنوية تمر ببروج ـ وهي مناطق ممتدة على جانبيها ـ قسموها إلى اثني عشر قسماً، كل شهر تمر ببرج منها.[5]
كل ما في الكون يدور[6]، ولكل من الشمس والقمر والأرض... مدار خاص، وسرعة دوران مختلفة، كل هذا يمنع أحدها، عن إدراك الآخر والاصطدام به.
" " كُلٌّ ": للعموم، فكأنه أخبر عن كل كوكب في السماء سيار ".[7]
وقد قدر علماء الفلك أن الشمس ـ وتوابعها ـ أكملت ثماني عشرة دورة حول المجرة، وبدورها هذه المجرة تدور حول مجموعة من المجرات تسمى (كدس المجرات). وكدس المجرات يجري نحو ما يسمى (كدس المجرات العملاق).[8]
ثانياً: كروية الشمس: لو قال القرآن إن الشمس مربعة أو مثلثة أو أي شكل غير الدائري ـ الكروي، إن أخذنا أبعاده الثلاثة ـ لما آمن إنسان على وجه الأرض.
والذي أوقعه في هذا الخطأ، جهله بأن المقصود بالتكوير هو الجمع والضم واللف.. فالمعلوم أن: " الكاف والواو والراء أصلٌ صحيحٌ يدلّ على دُوْرٍ وتجمُّع. من ذلك الكوْر: الدَّور. يقال كار يَكُورُ، إذا دار. وكَوْرُ العمامة: دَوْرُها. والكُورَةُ: الصُّقْع [أي: المنطقة السكنية]، لأنَّه يدُور على ما فيه من قُرىً. ويقال: طعَنَه فكَوَّرَه، إذا ألقاه مجتمِعاً. ومنه قولُه تعالى: " إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ " [التكوير: 1]، كأنَّها جُمِعَت جَمْعاً ".[9]
أما الإعجاز العلمي في الآية الكريمة، فهو كما يلي مختصراً:
ما للشمس من وهج، يتكون من اندماجٍ داخل باطن الشمس لذرتين من الهيدروجين مما ينتج الهيليوم.. ونفاد الأكسجين من باطن الشمس ووفرة الهيليوم بعد سنين لا يعلمها إلا الله Y، يحدث اضطراب وعدم توازن في جسم الشمس؛ لأن الهيليوم أثقل من الهيدروجين بأربع مرات، عندها تلجأ الشمس إلى حركة تعيد توازنها فينتفخ الجزء الخارجي من الشمس ويتقلص لبها.
وعندها يكون اللب أضعف من أن يُسند الجزء الخارجي من الشمس، فينهار جسم الشمس على بعضه ـ بسبب جاذبية أجزاء بعضها لبعضها الآخر ـ فتنكمش الشمس انكماشاً سريعاً مفاجئاً فتتقارب الذرات تقارباً شديداً حتى تكاد تتداخل وهذا هو التكوير.
ولكن قوة التنافر بين الذرات تحافظ على مسافة بينها تمنع الالتحام، فتتعادل قوى التنافر الكهربائي مع قوى الجذب الناتج عن التكوير، عندها يحصل شيء من التوازن في الشمس وتسمى تلك المرحلة علمياً بمرحلة (القزم الأبيض).. فلا يبقى من نورها إلا ضوء خافت واهن.
وقد لاحظ العلماء ـ الذين يراقبون ولادة وموت النجوم ـ أن النجوم التي أكبر من شمسنا بمرة ونصف تصل إلى مرحلة التكوير ثم تتلاشى وتنفجر دون أن تتوازن فلا تصل إلى حالة (القزم الأبيض).
بينما النجوم التي تقارب حجم شمسنا فإنها تؤول إلى حالة مستقرة تماماً مع انخفات ضوئها.. وهذا يمكن أن يكون تفسير المستقر في قوله تعالى: " وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ " [يس: 38]. [10] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn10)
[1] قال الراغب في المفردات، ص174: " الدأب: إدامة السير، دأب في السير دأبا. قال تعالى: " وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ " [إبراهيم: 33]. [2] سبق الرد عليها في الفصل الأول من هذا الباب، المبحث الثاني.[3] الرحمن:5. بل معنى حسبان: حساب.. أو جمع حساب كقولك: شهاب: شهبان. وهذا مذكور في كتب غريب القرآن والمعاجم. قال النحاس في معاني القرآن2/36: " المعروف في اللغة، أن الحسبان والحساب واحد ". والمقصود في هذه الآية الكريمة دقة الحساب.. قال سيد قطب في الظلال: " الشمس تبعد عن الأرض باثنين وتسعين ونصف مليون من الأميال. ولو كانت أقرب إلينا من هذا لاحترقت الأرض أو انصهرت أو استحالت بخارا يتصاعد في الفضاء. ولو كانت أبعد منا لأصاب التجمد والموت ما على الأرض من حياة. والذي يصل إلينا من حرارة الشمس لا يتجاوز جزءاً من مليوني جزء من حرارتها. وهذا القدر الضئيل هو الذي يلائم حياتنا. ولو كانت الشعرى بضخامتها وإشعاعها هي التي في مكان الشمس منا لتبخرت الكرة الأرضية, وذهبت بددا.ً وكذلك القمر في حجمه وبعده عن الأرض. فلو كان أكبر من هذا لكان المد الذي يحدثه في بحار الأرض كافيا لغمرها بطوفان يعم كل ما عليها. وكذلك لو كان أقرب مما وضعه الله بحسابه الذي لا يخطئ مقدار شعرة. وجاذبية الشمس وجاذبية القمر للأرض لهما حسابهما في توازن وضعها, وضبط خطاها في هذا الفضاء الشاسع الرهيب ". [4] ما فتئ الناس ـ في شتى الشعوب والثقافات ـ لغاية الآن يقولون: طلوع الشمس، غروب الشمس.. وهم متيقنون أن الأرض هي التي تدور حول الشمس. والأولى به أن ينظر في كتابه المقدس، فقد صرح في سفر إشعيا [38/8] أن الرب أوقف الشمس لأجل حزقيا، بل أرجعها عشر درجات !! " ارجع ظل الدرجات الذي نزل في درجات احاز بالشمس عشر درجات الى الوراء فرجعت الشمس عشر درجات في الدرجات التي نزلتها ". وانظر ما جاء سفر يونان 4/ 8: " وحدث عند طلوع الشمس أن الله أعدّ ريحاً شرقية ". وفي أول سفر الجامعة: " والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق ". وسفر أيوب 9/ 7 " الآمر الشمس فلا تشرق.. ". وفي سفر ناحوم 3/17: " تشرق الشمس فتطير ولا يعرف مكانها أين هو ". وقد قام الباحث بإحصاء ما يزيد عن ثلاثين موضعاً في كتابهم المقدس بهذا المعنى.[5] موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص306.[6] حتى السائل الحي في الخلية السيتوبلازم وأصغر مادة في الكون الذرة تدور الإلكترونات حول النواة.. والعجيب أن كل ما في الكون يدور بعكس عقارب الساعة كطواف الطائفين حول الكعبة. انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص350-352. نقلاً عن أ.د. أحمد فؤاد باشا، نائب رئيس جامعة القاهرة.[7] مفاتيح الغيب، الرازي 26/71.[8] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص368,[9] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس 5/114.[10] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص356. عن أبحاث لعالم فلك اسمه شاندرا سيخار. ونقل ص:369 عن الموسوعة الأمريكية أن علماء الفلك قدروا أن ما تملك الشمس من طاقة يكفيها لمدة خمسة بليون سنة أخرى ثم تنتهي كنجم قزم، وتبقى مستقرة على تلك الحالة. والله تعالى أعلم.
القلب الحزين
12-12-2013, 05:25 PM
شبهات حول رجع السماء
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
نص الشبهة حرفياً:
" "و السماء ذات الرجع" تتحدث عن الدورة المائية !!
لنرى [الصواب: لنرَ] ما قيل حول هذه الاية !
قال الرازي في تفسيره للآية: قال الزجاج: الرجع المطر لأنه يجيء ويتكرر، واعلم أن كلام الزجاج وسائر أئمة اللغة صريح في أن الرجع ليس اسماً موضوعاً للمطر بل سُمّي رجعاً على سبيل المجاز ولحسن هذا المجاز وجوه:
أحدها: قال القفال: كأنه من ترجيع الصوت وهو إعادته ووصل الحروف به، فكذا المطر لكونه عائداً مرة بعد أخرى سُمّي رجعاً.
وثانيها: ((أن العرب كانوا يزعمون أن السحاب يحمل الماء من بحار الأرض ثم يرجعه إلى الأرض.))
وثالثها: أنهم أرادوا التفاؤل فسموه رجعاً ليرجع.
ورابعها: أن المطر يرجع في كل عام
ركزوا معي في ثانيا هذه..
لأنها تهدم ادعاء الاعجاز من اساسه في كون هذه "حقيقة لم تعرف الا في العصر الحديث"..فهي تؤكد ان العرب كانوا يعرفون حقيقة
ان السحاب يحمل بخار الماء من البحار ليعود اليه في صورة امطار...و هذا يوضح لنا كذب الاعجازيين وتدليسهم عندما يصورون العرب قبل الاسلام على انهم كانوا في جهل انسان الكهف بكل جوانب الحياة !!
و أيضا يجب ان نأخذ في الاعتبار التأويلات الاخرى التي تحتملها الاية والمقنعة جدا ايضا..
باختصار....ادعاء اعجاز هذه الاية فاسد من جميع النواحي... ".
الجواب:الرجع في هذه الآية الكريمة لفظ عام، كل رجع من السماء (كل ما علاك) إلى الأرض. ولم يُخصص بالمطر فقط. وتخصيص بعض المفسرين له بالمطر، هو من التفسير بالرأي المحمود الذي يسع الجميع ـ بحسب ما توفر لهم من معرفة توافق عصرهم ـ فلم يقل أيٌّ من المفسرين إن رأيه هو الصواب فقط وما سواه خطأ..
بل ظهرت حالياً عدة تفسيرات تحمل إشارات في الإعجاز العلمي، للآية الكريمة تحتملها اللغة وسياق الآيات ولا تتعارض مع أحكام الإسلام ومنها:
ما ذكره د. زغلول النجار ـ بعد أن بين معنى كلمتي (رجع، والسماء) في اللغة العربية، وتتبع تكرارها ومدلولاتها في القرآن الكريم، ـ تحت عنوان من صور رجع السماء:
باعتبار المقصود من السماء في الآية الكريمة والسماء ذات الرجع هو الغلاف الغازي للأرض نجد الصور التالية من رجع السماء.
(1) الرجع الاهتزازي للهواء(الأصوات وصداها):
تحتوي الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض(نطاق التغيرات الجوية) علي75% من كتلة ذلك الغلاف. ويتكون أساسا من غاز النيتروجين(78% حجماًً), والأوكسجين(21.95% حجماًً) وآثار خفيفة من بخار الماء, وثاني أكسيد الكربون, والأوزون, وبعض هباءات الغبار, وآثار أقل تركيزا من الإيدروجين, الأرجون, الهيليوم, وبعض مركبات الكبريت.
وكل من التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائية لهذا النطاق أساسي لوجود الحياة الأرضية, ومهم للاهتزازات المحدثة للأصوات وصداها, فعندما تهتز أحبالنا الصوتية تحدث اهتزازاتها ضغوطا في الهواء تنتشر على هيئة أمواج تتحرك في الهواء في كل الاتجاهات من حولنا, فتتلقي طبلة الأذن لأفراد آخرين تلك الاهتزازات فيسمعونها بوضوح, ولولا التركيب الكيميائي والصفات الفيزيائية المحددة لذلك النطاق ما سمع بعضنا بعضا، ولاستحالت الحياة.
فالصوت لا ينتقل في الفراغ, وذلك لعدم وجود جزيئات الهواء القادرة علي نقل الموجات الصوتية وتتحرك الموجات الصوتية في الهواء بسرعة1200 كيلومتر في الساعة، عند مستوى سطح البحر, وتزداد سرعة الصوت كلما زادت كثافة الوسط الذي يتحرك فيه, وتقل بقلة كثافته, ففي الماء تتضاعف سرعة الصوت أربع مرات تقريبا عنها في الهواء, وفي النطق العليا من الغلاف الغازي للأرض تتناقص حتى لا تكاد تسمع؛ ولذلك يتخاطب رواد الفضاء مع بعضهم بعضاً بواسطة الموجات الراديوية التي يمكنها التحرك في الفراغ، وعندما تصطدم الموجات الصوتية بأجسام أعلى كثافة من الهواء, فإنها ترتد على هيئة صدى للصوت الذي له العديد من التطبيقات العملية.
والرجع الاهتزازي للهواء على هيئة الأصوات وصداها، هو أول صورة من صور رجع السماء, ولولاه ما سمع بعضنا بعضا وما استقامت الحياة على الأرض.
(2) الرجع المائي: يغطي الماء أكثر قليلا من71 % من المساحة الكلية للكرة الأرضية, وتبلغ كميته1.36 مليار كيلومتر مكعب منها97.2% في المحيطات والبحار,2.15% على هيئة جليد حول القطبين وفي قمم الجبال,0.65% في المجاري المائية المختلفة من الأنهار والجداول وغيرها, وفي كل من البحيرات العذبة وخزانات المياه تحت سطح الأرض.
وهذا الماء اندفع كله أصلا من جوف الأرض عبر ثورات البراكين, وتكثف في الأجزاء العليا من نطاق التغيرات الجوية والتي تتميز ببرودتها الشديدة, فعاد إلى الأرض ليجري أنهارا علي سطحها, ويفيض إلى منخفضاتها, ثم بدأ في حركة دائبة بين الأرض والطبقات الدنيا من الغلاف الغازي حفظته من التعفن ومن الضياع إلى طبقات الجو العليا.
وماء الأرض يتبخر منه سنوياً380000 كيلومتر مكعب أغلبها(320000 كم3) يتبخر من أسطح المحيطات والبحار والباقي(60000 كم3) من سطح اليابسة, وهذا البخار تدفعه الرياح وتحمله السحب إلى الطبقة الدنيا من الغلاف الغازي للأرض, حيث يتكثف ويعود إلى الأرض مطراً أو ثلجاً أو برداً, وبدرجة أقل على هيئة ندى أو ضباب.
وحينما ترجع أبخرة المياه من الجو إلى الأرض بعد تكثفها، يجري قسم منها في مختلف أنواع المجاري المائية علي اليابسة, وتصب هذه بدورها في البحار والمحيطات, كما يترشح جزء منها خلال طبقات الأرض ذات النفاذية ليكون المياه تحت السطحية, وهناك جزء يعاود تبخره إلى الجو مرة أخرى.
والمياه تحت السطحية ذاتها في حركة دائبة حيث تشارك في تغذية بعض الأنهار والبحيرات والمستنقعات, وقد تخرج إلى سطح الأرض علي هيئة ينابيع, أو ينتهي بها المطاف إلى البحار والمحيطات.
وماء المطر يسقط علي المحيطات والبحار بمعدل284000 كيلومتر مكعب في السنة, وعلى اليابسة بمعدل96000 كيلومتر مكعب في السنة وذلك في دورة معجزة في كمالها ودقتها, ومن صور ذلك أن ما يتبخر من أسطح المحيطات والبحار في السنة يفوق ما يسقط فوقها، وأن ما يسقط من مطر على اليابسة سنويا يفوق ما يتبخر منها، والفارق في الحالتين متساو تماماً، فيفيض إلى البحار والمحيطات ليحفظ منسوب المياه فيها عند مستوى ثابت في الفترة الزمنية الواحدة.
هذه الدورة المعجزة للمياه حول الأرض هي الصورة الثانية من صور رجع السماء, ولولاها لفسد كل ماء الأرض, ولتعرض كوكبنا لحرارة قاتلة بالنهار, ولبرودة شديدة بالليل.
(3) الرجع الحراري إلى الأرض وعنها إلى الفضاء بواسطة السحب:
يصل إلى الأرض من الشمس في كل لحظة شروق كميات هائلة من طاقة الشمس, ويعمل الغلاف الغازي للأرض كدرع واقية لنا من حرارة الشمس أثناء النهار, كما يعمل لنا كغطاء بالليل يمسك بحرارة الأرض من التشتت.
فذرات وجزيئات الغلاف الغازي للأرض تمتص وتشتت وتعيد إشعاع أطوال موجات محددة من الأشعة الشمسية في كل الاتجاهات.
ومن الأشعة الشمسية القادمة إلى الأرض يمتص ويشتت ويعاد إشعاع53% منها بواسطة الغلاف الغازي للأرض, وتمتص صخور وتربة الأرض47% منها, ولولا هذا الرجع الحراري إلى الخارج لأحرقت أشعة الشمس كل صور الحياة علي الأرض, ولبخرت الماء وخلخلت الهواء.
وعلى النقيض من ذلك، فإن السحب التي ترد عنا ويلات حرارة الشمس في نهار الصيف هي التي ترد إلينا أشعة الدفء بمجرد غروب الشمس(98%). فصخور الأرض تدفأ أثناء النهار بحرارة الشمس بامتصاص47% من أشعتها، فتصل درجة حرارتها إلى15 درجة مئوية في المتوسط، وبمجرد غياب الشمس تبدأ صخور الأرض في إعادة إشعاع حرارتها على هيئة موجات من الأشعة تحت الحمراء، التي تمتصها جزيئات كل من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون فتدفيء الغلاف الغازي للأرض, كما تعمل السحب على إرجاع غالبية الموجات الطويلة(98%) إلى سطح الأرض، وبذلك تحفظها من التجمد بعد غياب الشمس.
ولو لم يكن للأرض غلاف غازي، لتشتتت هذه الحرارة إلى فسحة الكون وتجمدت الأرض وما عليها من صور الحياة في نصف الكرة المظلم بمجرد غياب الشمس.
وهذا الرجع الحراري بصورتيه إلى الخارج وإلي الداخل مما يحقق صفة الرجع لسماء الأرض.
(4) رجع الغازات والأبخرة والغبارالمرتفع من سطح الأرض: عندما تثور البراكين تدفع بملايين الأطنان من الغازات والأبخرة والأتربة إلى جو الأرض الذي سرعان مايرجع ذلك إلى الأرض, كذلك يؤدي تكون المنخفضات والمرتفعات الجوية إلى دفع الهواء في حركة أفقية تنشأ عنها الرياح التي يتحكم في هبوبها(بعد إرادة الله تعالى) عدة عوامل منها مقدار الفرق بين الضغط الجوي في منطقتين متجاورتين, ومنها دوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق, ومنها تنوع تضاريس الأرض والموقع الجغرافي للمنطقة.
والغالبية العظمي من المنخفضات الجوية تتحرك مع حركة الأرض(أي من الغرب إلى الشرق) بسرعات تتراوح بين20 و30 كيلومتراً في الساعة وعندما تمر المنخفضات الجوية فوق اليابسة تحتك بها فتبطئ حركتها قليلا وتحمل بشيء من الغبار الذي تأخذه من سطح الأرض, وإذا صادف المنخفض الجوي في طريقه سلاسل جبلية معترضة، فإنه يصطدم بها مما يزيد على إبطاء سرعتها ويقوى من حركة صعود الهواء إلى أعلى, ولما كان ضغط الهواء يتناقص بالارتفاع إلى واحد من ألف من الضغط الجوي العادي عند سطح البحر إذا وصلنا إلى ارتفاع48 كيلومترا فوق ذلك السطح, وإلى واحد من مائة ألف من الضغط الجوي إذا وصلنا إلى ارتفاع ألف كيلومتر فوق سطح البحر فإن قدرة الهواء علي الاحتفاظ بالغبار المحمول من سطح الأرض تضعف باستمرار مما يؤدي إلى رجوعه إلى الأرض، وإعادة توزيعه على سطحها بحكمة بالغة, وتعين على ذلك الجاذبية الأرضية.
(5) رجع الأشعة فوق البنفسجية بواسطة طبقة الأوزون:
تقوم طبقة الأوزون في قاعدة نطاق التطبق بامتصاص وتحويل الأشعة فوق البنفسجية القادمة مع أشعة الشمس بواسطة جزيئات الأوزون(O3) وترد نسباً كبيرة منها إلى خارج ذلك النطاق.
(6) رجع الإشارات الراديوية بواسطة النطاق المتأين:
في النطاق المتأين(بين100 و400 كم فوق مستوي سطح البحر) تمتص الفوتونات النشيطة القادمة مع أشعة الشمس من مثل الأشعة السينية فتؤدي إلى رفع درجة الحرارة وزيادة التأين, ونظراً لانتشار الإليكترونات الطليقة في هذا النطاق فإنها تعكس الإشارات الراديوية(ذات الأمواج الطويلة) وتردها إلى الأرض فتيسر عمليات البث الإذاعي والاتصالات الراديوية وكلها تمثل صورا من الرجع إلى الأرض.
(7) رجع الأشعة الكونية بواسطة كل من أحزمة الإشعاع والنطاق المغناطيسي للأرض:
يمطر الغلاف الغازي للأرض بوابل من الأشعة الكونية الأولية التي تملأ فسحة الكون فتردها, إلى الخارج: كل من أحزمة الإشعاع والنطاق المغناطيسي للأرض فلا يصل إلى سطح الأرض منها شيء ولكنها تؤدي إلى تكون أشعة ثانوية قد يصل بعضها إلى سطح الأرض، فتؤدي إلى عدد من ظواهر التوهج والإضاءة في ظلمة الليل من مثل ظاهرة الفجر القطبي.
والأشعة الكونية بأنواعها المختلفة، تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض، والتي تنحني لتصب في قطبي الأرض المغناطيسيين, وذلك لعجزها عن عبور مجال الأرض المغناطيسي, ويؤدي ذلك إلى رد المزيد من الأشعة الكونية القادمة إلى خارج نطاق الغلاف الغازي للأرض وهي صورة من صور الرجع.
هذه الصور المتعددة لرجع الغلاف الغازي للأرض لم تعرف إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين, ووصف السماء بأنها ذات رجع في القرآن الكريم من قبل ألف وأربعمائة من السنين هو شهادة صدق بأن القرآن الكريم كلام الله الخالق وأن سيدنا محمداًr الذي تلقي هذا الوحي الحق هو خاتم أنبياء الله ورسله صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين، وأنه r كان موصولاً بالوحي ومعلماً من قبل خالق السماوات والأرض ". انتهى.
فالله تبارك وتعالى ذكر رجعاً عاماً للسماء ولم يخصصه بمطرٍ أو غيره، فلو كان كلام بشرٍ لخصَّه بما لديه من معارف وعلوم كسبية متوافقة مع زمنه، ولهذا من الظلم تضييق الواسع بلا مسوغ.
ولا يُستبعَد أن يكشف العلم مزيداً من الرجع من السماء إلى الأرض، وكله يدخل تحت عموم الرجع في الآية الكريمة.
القلب الحزين
12-12-2013, 05:28 PM
رد على شبهة كن فيكون
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
قال تعالى سورة آل عمران: " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(59) ". ولكن... أليس الأفصح أن يقول: كن فكان ؟
الجواب:هذا من التعبير بصيغة المضارع، لحدث في الماضي من باب استحضار الصورة.[1] حكاية للحال التي يُتَصَور يكون عليها آدم u حين خلقه الله Y.
وذلك تعرفه العرب، وتعده من البلاغة.[2]
ويجوز أن يكون على بابه من الاستقبال، بمعنى: " فيكون كما يأمر الله أن يكون ". فأفعال الله Y منزهة عن التعلق بالزمان كالمخلوقات.
أما لو عبَّر عنه بالماضي كما يقترحون (فَكَانَ) فإن اللفظ سيكون قاصراً عن المراد بالمعنى؛ لأن دلالة الماضي الأصل فيها الانقطاع عن الوجود المستمر، فالماضي: ما دل على حدث وقع وانقطع قبل زمن التكلم.
وهذا غير مراد في حكاية الله كيفية خلقه لآدم، لأنه لو قيل: كن فكان. لصَدَقَ هذا التعبير عن وجوده لحظة واحدة من الزمن.
ولكنه لم يفد استمراره وتكراره، والعناية به بعد خلقه.
فالفعل الماضي يعني أنه خلقه، حتى لو كان قد مات لحظة خلقه.
أما " كن فيكون " فدلالتها استمرار وجوده حتى أنجب مَنْ أنجب من ذكور وإناث، وما بث منهما من آباء البشر وأمهاتهم، كما قال عز وجل: ".. وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً.. " [النساء: 1].لأن دلالة المضارع تبدأ من الحال، وتستمر في الاستقبال. فالمقصود بالآية الكريمة إظهار فضل الله جل جلاله على الإنسان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد عبر القرآن الكريم عن الإعجاز في خلق المسيح بقوله في سورة آل عمران " قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ {47} ".
وعبر بتعبير آخر... " إنما الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ " (النساء:171) .
ألقى كلمته: وهي كلمة (كن)، " أي خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل عليه السلام إلى مريم، فنفخ فيها.. فكان عيسى بإذنه عز وجل، وكانت تلك النفخة التي نفخها في جيب درعها، فنزلت حتى ولجت فرجها، بمنزلة لقاح الأب والأم. والجميع مخلوق لله عز وجل، ولهذا قيل لعيسى: إنه كلمة الله وروح منه؛ لأنه لم يكن له أب تولد منه، وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له بها: " كن "، فكان ".[3]
- خلقه كخلق آدم عليه السلام : لأنه وُلد اعتماداً على كلمة (كن) فقط دون الأسباب المادية الدنيوية المعهودة.
وتشبيه خلق سيدنا عيسى عليه السلام بخلق سيدنا آدم عليه السلام لا يقتضي أن يكون كل منهما يشبه الآخر في كل شيء، وإلا لكانا شخصاً واحداً. بل التشبيه يحصل هو في وجه شبه واحد عادة.
مثلاً: إن قال لك شخص إنك كالأسد في الشجاعة، لا يجوز أن تغضب وتقول: أنا لست حيواناً، أنا بلا ذيل، أنا لا آكل الميتة... الخ
وهنا ينبغي الإشارة إلى شبهة تتردد كثيراً في منتديات الحوار الديني، ألم يكن من الأبلغ أن يشبه القرآن الكريم خلق عيسى عليه السلام بخلق حواء ؟ فوجه الشبه بينهما أقرب، حيث ولد كل منهما بغياب أحد الوالدين، وكذا بالنسبة لإسحق ويحيى عليهما السلام، على اعتبار أن الزوجة العاقر العقيم كأنها غير موجودة.
الجواب: من الثابت علمياً أن الحيوان المنوي للرجل يحمل زوجاً فيه نوعين مختلفين الصفات المورثة وتدعى الكروموسومات وهما: (X ,Y) والمرأة الزوج واحد متشابه: (X , X).. فإن التقى (Y) من الرجل مع (X) من المرأة كان المولود ذكراً. وإن التقى (X) من الرجل مع (X) من المرأة تكون المولودة أنثى.[4]
انظر الشكل التالي:
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1/ferrr.jpg
وعلى هذا، فإن الخلق بكلمة (كن) وحدها دون تدخل أي عامل آخر لن يتحقق إلا في خلق آدم وعيسى عليهما السلام.
لأن كل منهما ذكر، والذكر يحتاج (Y) من الأب (فقط) حتى يكون ذكراً، لأن الحصول عليه من الأم مستحيل.. والأب في كل من حالتي آدم وعيسى عليهما السلام غير موجود.
فلو كان المولود لمريم أنثى لما تحقق الإعجاز الأعظم، لأن العلم أثبت بأن الحصول على الكروموسوم (X) كافٍ لتكوين جنين ـ حتى لو كان مشوهاً ـ ويرمز له بالرمز XO)[5] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?edit_bottom_news=1&id=36&tab_name=rodod&cat_name=%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%AF%20%D9%88%D8%B4%D 8%A8%D9%87%D8%A7%D8%AA&up=1#_ftn5)). ولا يوجد دليل علمي على أن الكروموسوم (Y) كاف لتكوين جنين حتى لو كان مشوهاً، فلا يوجد ما يسمى (YO).
تلخيص ما سبق:
خلق الله جل جلاله كل من الكروموسوم (Y)و(X) في كل من آدم وعيسى ـ عليهما السلام ـ بكلمة " كن " فقط.
أما حواء: فقد حصلت على (X) من آدم عليه السلام .
وكذا بالنسبة لإسحق ويحيى عليهما السلام، فقد حصلا على (Y) من أب كل منهما ـ عليهم السلام ـ.
خلقُ كل منهم الخمسة (آدم عليه السلام ، حواء، إسحق عليه السلام ، يحيى عليه السلام ، عيسى عليه السلام ) معجز في حد ذاته. ولكن، لا يُقارَن الإعجاز في خلق آدم وعيسى ـ عليهما السلام ـ، بلا أب. بكل من الإعجاز في خلق حواء (الأنثى) بلا أم، والإعجاز في خلق إسحق ويحيى ـ عليهما السلام ـ من أب كبير السن، وأم عقيم، أصبحت ولوداً بقدرة الله تعالى.
بهذا يتبين أن كلمة " كن " في خلق كل من آدم وعيسى ـ عليهما السلام ـ استقلت عن أي مؤثر آخر تدخل في خلقهما، فكان الأنسب أن يكون وجه الشبه بينهما هو الأقرب.
وسبحان منزل القرآن !
ولكن ...
كيف يكون المسيح عليه السلام كلمة الله جل جلاله وروح منه ؟
تحرير محل الشبهة: يستشهدون بقوله تعالى: " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ " [النساء: 171]. على ما يلي: " هذا المسيح النازل من السماء لم يأت من زرع بشر ونتاج الشهوة بل جاء من الله فهو كلمة الله وروحه، وقد تجسد في شكل إنساني بمعجزة فريدة من نوعها, وأصبح صورة الله غير المنظور وليجعله منظوراً في شخصه المبارك, ولن يستطيع أحد من البشر أن يتوصل لمعرفة الله إلا بالمسيح لأنه هو والله واحد ".
الجواب:
أولاً: إن " كلمة الله " مركبة من كلمتين: " كلمة " و " الله ". فهي مركبة من مضاف ومضاف إليه؛ وإذا كان الأمر كذلك، فإما أن نقول: إن كل مضاف لله تعالى هو صفة من صفاته، أو نقول: إن كل مضاف لله ليس صفة من صفاته. وبعبارة أخرى، إما أن نقول: إن كل مضاف لله مخلوق، أو إن كل مضاف لله غير مخلوق.
وإذا قلنا: إن كل مضاف لله صفة من صفاته، وهو غير مخلوق، فإننا سنصطدم بآيات في القرآن، وكذلك بنصوص في الإنجيل، يضاف فيها الشيء إلى الله، وهو ليس صفة من صفاته، بل هو مخلوق من مخلوقاته، كما في قوله تعالى: " نَاقَةُ اللَّهِ" [الأعراف:73] وكما نقول: " بيت الله "، و " أرض الله ".. وغير ذلك.
وإذا عكسنا القضية وقلنا: إن كل مضاف لله مخلوق، فإننا كذلك سنصطدم بآيات ونصوص أخرى؛ كما نقول: " علم الله "، و "حياة الله "، و " قدرة الله ".. إذن لا بد من التفريق بين ما يضاف إلى الله جل جلاله ؛ فإذا كان ما يضاف إلى الله جل جلاله شيئًا منفصلاً قائمًا بنفسه، كالناقة والبيت والأرض فهو مخلوق، وتكون إضافته إلى الله تعالى من باب التشريف والتكريم؛ أما إذا كان ما يضاف إلى الله شيئًا غير منفصل، بل هو صفة من صفاته، فيكون من باب إضافة الصفة إلى الموصوف. ومن البديهي أن يكون هذا غير مخلوق، إذ الصفة تابعة للموصوف ولا تقوم إلا به، فلا تستقل بنفسها بحال .
وإذا عدنا إلى الجزء الذي معنا هنا فإننا نجد أن (كلمة الله) هي من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، فـ (الكلمة) هي صفة الله تعالى، وليست شيئًا خارجًا عن ذاته حتى يقال إن: المسيح هو الكلمة، أو يقال: إنه جوهر خالق بنفسه كما يزعم النصارى .
فخلاصة هذا الوجه أن (كلمة الله) صفة من صفاته، وكلامه كذلك، وإذا كان الكلام صفة من صفاته فليس هو شيء منفصل عنه، لما تقرر آنفًا من أن الصفة لا تقوم بنفسها، بل لا بد لها من موصوف تقوم به. وأيضًا فإن ( كلمة الله ) ليست هي ـ بداهة ـ جوهر مستقل، فضلاً عن أن تتجسد في صورة المسيح، كما يزعم النصارى .
ثانياً : إن أبى المعرضون ما سبق، وقالوا: بل المسيح هو (الكلمة) وهو الرب، وهو خالق وليس بمخلوق، إذ كيف تكون الكلمة مخلوقة ؟ فالجواب: إذا سلمنا بأن المسيح هو (الكلمة) وهو الخالق، فكيف يليق بالخالق أن يُلقى ؟! إن الخالق حقيقة لا يلقيه شيء، بل هو يلقي غيره، فلو كان خالقًا لَمَا أُُلقي، ولَمَا قال الله تعالى: " وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا " ؟ .
ثالثاً: إن المراد من (كلمة الله) يشتمل على معنيين، كلاهما صحيح، ولا يعارض أحدهما الآخر:
الأول: أن قوله: " وَكَلِمَتُهُ " الكلمة هنا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف؛ ومعنى الآية على هذا: أن كلمة الله - التي هي صفته - ألقاها إلى مريم عليها السلام لتحمل بعيسى عليه السلام، وهذه الكلمة هي الأمر الكوني الذي يخلق الله به مخلوقاته، وهي كلمة: " كن" ولهذا قال تعالى في خلق آدم: " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " [آل عمران:59] كما أن آدم عليه السلام خُلِق بكلمة: " كن" فكذلك عيسى عليه السلام ، فـ(الكلمة) التي ألقاها الله إلى مريم هي كلمة: " كن". وعيسى عليه السلام خُلق بهذه (الكلمة) وليس هو (الكلمة) نفسها.
المعنى الثاني: أن قوله (كلمته) هو من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فـ (الكلمة) هنا عيسى، وهو مخلوق، لأنه منفصل، وقد بينا سابقًا أن إضافة الشيء القائم بذاته إلى الله، هو من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فيكون المراد بـ (الكلمة) هنا عيسى، وأضافه الله إلى نفسه تشريفًا له وتكريمًا. فإن قلتم: كيف يسمي الله تعالى عيسى (كلمة) والكلمة صفة لله ؟ فالجواب: أنه ليس المراد هنا الصفة، بل هذا من باب إطلاق المصدر، وإرادة المفعول نفسه، كما نقول: " هذا خلق الله "، ونعني: هذا مخلوق الله؛ لأن خلق الله نفسه فعل من أفعاله، لكن المراد هنا المفعول، أي المخلوق، ومثل ما تقول أيضًا: " أتى أمر الله "، يعني المأمور، أي ما أمر الله به، وليس نفس الأمر، فإن الأمر فعل من الله تعالى .
والمعنى الثاني للآية راجع ـ عند التحقيق ـ إلى المعنى الأول؛ فإننا إذا قلنا: إن عيسى (كلمة الله) بمعنى أنه نتيجة (الكلمة) ومخلوق بـ (الكلمة) فهذا يدل على (الكلمة) أساسًا، وهو فعل الله، ويدل على عيسى عليه السلام ، وهو الذي خُلق بـ (الكلمة).
فحاصل هذا الجزء من الآية أن (كلمة الله) تعالى ألقاها الله إلى مريم، وكانت الكلمة هي أمر التكوين، أي قوله: " كن" فكان عيسى عليه السلام ، ومن هنا صح إطلاق الكلمة على عيسى من باب إطلاق المصدر على المفعول، وكما يسمى المعلوم علمًا، والمقدور قدرة، والمأمور أمرًا، فكذلك يسمى المخلوق بالكلمة كلمة .
هذا جواب ما يتعلق بالجزء الأول من الآية، أما الجزء الثاني، وهو قوله تعالى: " وَرُوحٌ مِنْهُ " فليس فيه أيضّا دلالة على ألوهية المسيح أو بنوته، وبيان ذلك فيما يلي:
أولاً: إن قول الله سبحانه: " وَرُوحٌ مِنْهُ " ليس فيه ما يدل على أن عيسى جزء من الله تعالى، أو أن جزءًا من الله تعالى قد حلَّ في عيسى؛ وغاية ما في الأمر هنا أننا أمام احتمالين لا ثالث لهما: فإما أن نقول: إن هذه (الروح) مخلوقة، وإما أن نقول: إنها غير مخلوقة؛ فإذا كانت الروح مخلوقة، فإما أن يكون خلقها الله في ذاته ثم انفصلت عنه، ولهذا قال عنها: " منه " أو خلقها الله في الخارج؛ فإذا كانت هذه الروح غير مخلوقة، فكيف يصح عقلاً أن تنفصل عن الله تعالى لتتجسد في شخص بشري ؟ وهل هذا إلا طعن في الربوبية نفسها، لتجويز التجزء والتبعض على الخالق جل وعلا؛ وإذا كانت الروح مخلوقة، وخلقها الله في ذاته ثم انفصلت عنه، فهذا معناه تجويز إحداث الحوادث المخلوقة المربوبة في ذات الإله سبحانه، وهذا عين الإلحاد والزندقة، أما إذا كانت الروح مخلوقة وخلقها الله في الخارج، فهذا يدل على أن الله تعالى خلق الروح، ونفخها في مريم، ليكون بعد ذلك تمام خلق عيسى عليه السلام ومولده، وهذا هو عين الصواب، أما ما سوى ذلك فهو مجرد ترهات تأباها الفِطَر السليمة، فضلاً عن العقول المستقيمة.[6]
ثانيًا: ما دمتم تقرِّون أنه ليس ثمة أحد يحمل صفات الألوهية أو البنوة لله تعالى إلا المسيح عليه السلام ، وتستدلون على ذلك بقوله تعالى: " وَرُوحٌ مِنْهُ " فحينئذ يلزمكم أن تقولوا: إن آدم أحق بالبنوة من عيسى ـ عليهما السلام ـ، حيث قال الله في آدم عليه السلام : " سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي" [الحجر:29] ولا شك أن القول بهذا حجة عليكم لا لكم؛ فإذا كان قوله سبحانه: " مِنْ رُوحِي " في حق آدم معناه الروح المخلوقة، وأن هذه الروح ليست صفة لله عز وجل، فهي كذلك في حق عيسى، إذ اللفظ واحد، بل إن الإعجاز في خلق آدم بلا أب ولا أم أعظم من الإعجاز في خلق عيسى بأم بلا أب، وحسب قولكم يكون آدم حينئذ أحق بالبنوة والألوهية من عيسى، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا .
ثالثاً: لو سلمنا بأن الروح في الآية هي جزء من الإله، فهذا يقتضي أن يكون في الإله أقنومان - حسب اعتقاد النصارى - أقنوم الكلمة، وأقنوم الروح، وفي هذا تناقض في موقف النصارى، إذ إنهم لا يقولون إلا بأقنوم (الكلمة) ولا يقولون بأقنوم (الروح).
رابعاً: لو كان معنى " مِنْهُ " أي: جزء من الله جل جلاله ، لكانت السماوات والأرض وكل مخلوق من مخلوقات الله جزءاً من الله سبحانه وتعالى؛ ألم يقل الله تعالى: " وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ " [الجاثية:13] وقال تعالى: " وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ " (النحل:53) ؟
إن معنى " مِنْهُ " وفق السياق القرآني، أي: منه إيجادًا وخلقًا، فـ " من" في الآية لابتداء الغاية، وليس المعنى أن تلك الروح جزء من الله تعالى عما يشركون علواً كبيراً ".
والحمد لله رب العالمين
[1] عبّر عن ذلك الزمخشري في الكشاف1/395 بقوله: حكاية حال ماضية.
[2] ومن ذلك قول تأبط شراً يصف ضربه لغولة: " فَأَضرِبُها بِلا دَهَشٍ فَخَرَّت صَريعاً لِليَدَينِ وَلِلجِرانِ ". انظر: الإيضاح في علوم البلاغة، جلال الدين القزويني، ص149 وقال معلقاً عليه: " قال: " فأضربها " ؛ ليصور لقومه الحالة التي تشجع فيها على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها، ويتطلب منهم مشاهدتها، تعجيباً من جراءته على كل هول، وثباته عند كل شدة. ومنه قوله تعالى: " إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " إذ قال كن فيكون دون كن فكان، وكذا قوله تعالى: " وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ " [الحج: 31] ".
[3] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ص 497.
[4] Biology,by Claude A. Villee, CBS college publishing, NY. 1985, p.220
[5] يُقصَد بهذا الرمز XO : وجود الكروموسوم X ، مع عدم وجود أي كروموسوم آخر ـ لا Y ولا X ـ وهذا يسمى علمياً: Turner syndrome . وتجدر الإشارة إلى أن الكروموسوم Y لا يحمل إلا الصفات الجنسية المحددة لجنس الجنين: الذكورة بينما الكروموسوم X يحمل بعض الصفات الجسمية كالصلع وعمى الألوان.. انظر:
Biology,by Claude A. Villee, CBS college publishing, NY. 1985, p.267-270.
[6] يعرف العهد القديم إضافة الروح إلى الرب إضافة تشريف، انظر مثلاً النصين التاليين: " يا ليت كل شعب الرب كانوا أنبياء، إذا جعل الرب روحه عليهم" [سفر العدد 11/29]. " يقول الله: ويكون في الأيام الأخيرة إني أسكب من روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماً " [سفر الأعمال 2/17].
القلب الحزين
12-12-2013, 05:29 PM
شبهة حول ومن كل شيء خلقنا زوجين
ورد السؤال التالي من أخ كريم أثاره أحد النصارى
ورد في الآية" وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَازَوْجَيْنِ" الذاريات 49
هل تخالف هذه الآية حقيقة علميةفي أن البرامسيوم وبعض الأوليات تتكاثر لا تزاوجياً وكذلك دودة الأرض الخنثى والتيلا يوجد لها ذكر وأنثى هل يكونون بذلك مخالفين لوجود زوجين في كل شئ كما تنص الآية؟
الإجابة عن السؤال السابق :
توجهنا بالسؤال إلى الأستاذ الدكتور نظمي خليل أبو العطا الذي أحالنا إلى كتاب علم الحيوان للدكتور محمود البنهاوي وآخرين الناشر دار المعارف بمصر الطبعة الأولى 1980 ص 277،.
حيث وجدنا ما يلي :
" التكاثر في البرمسيوم Paramecium:
يتكاثر البارامسيوم بكلا الطريقتين اللاجنسية (بالأنشطار الثنائي العرضي) والجنسية (بالأقتران أو التزاوج الذاتي) .
وجاء في التكاثر التزاوجي ما يلي:
الأقتران Congugation
تتضمن هذه العلمية المراحل التالية:
يلتصق فردان بعضهما ببعض بسطحيهما الفمويين وتتكون قنطرة بروتوبلازمية، ويسمى كل فرد منهما حينذاك بالمقترن Congugat.
وجاء في كتاب اللافقاريات تأليف عبد العزيز محمود وآخرون الناشر دار الأنجلوا المصرية 1990م ص 59 .
التكاثر في البرمسيوم :
يتكاثر البرميسوم بإحدى الطريقتين الانقسام الثنائي أو الأنشطار والأقتران التزاوج الذاتي والأختلاط الذاتي .
الأقتران Congugation
ويتم بالتصاق فردين عند سطحيهما البطنيين وتتكون قنطرة بروتوبلازمية بينهما ثم بتدأ النواة الكبيرة في كل فرد في التلاشي، أما النواة الصغيرة فتنقسم مرتين متتاليتين لتكون أربع أنوية في كل فرد وتتلاشى ثلاثة من هذه الأنوية وتنقسم الرابعة انقساماً واحداً لتكون نواة مذكرة وأخرى مؤنثة وتمر النواة المذكرة من كل فرد إلى الآخر عن طريق القنطرة البروتوبلازمية وتخصب النواة المؤنثة هناك ثم ينفصل الفردان المقترنان.
وتنقسم نواة الزيجون في كل فرد ثلاث مرات متتالية مكونة ثمانية أنوية تنمو 4 منها إلى أنوية كبيرة وتكون الأربعة الأخرى أنوية صغيرة ثم ينقسم كل فرد مرتين متتاليتين مكوناً 4 براميسيومات بكل منها نواة كبيرة وأخرى صغيرة وينمو كل فرد حتى يصبح حيواناً كاملاً.
دودة الأرض:
أما بالنسبة إلى دودة الأرض فقد جاء في كتاب علم الحيوان المرجع السابق ص (398) : وتتكاثر دودة الأرض تكاثراً جنسياً على مدار السنة تقريبا وبالرغم من أحتوائها على جهاز تكاثري خنثوي إلا أن التلقيح فيه دائماً تلقيح خلطي Cross fertilization. http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1/worm.jpg
وتخرج الديدان من جحورها في أثناء الليل للتزاوج، وتتضمن هذه العلمية تبادل الحيوانات المنوية بين دودتين، تنفصلان عن بعضهما البعض بعد ذلك، وتكون كل منهما فيما بعد شرنقة يتم بداخلها إخصاب البويضات والتكوين الجنيني للأجنة.
وعند التزاوج يتقابل السطحان البطنيان للجزأين الأماميين من جسم الدودتين ويتثبتان في هذا الوضع بمساعدة الأشواك، وبحيث يتجه رأساً الدودتين في اتجاهين متعاكسين، ويقع سرج كل منهما في مقابل منطقة ثقوب المستودعات المنوية للدودة الأخرى، ثم تفرز البشرة كمية كبيرة من المخاط حتى يصير الجزء الأمامي لكل دودة مغلقاً تماماً بأنبوبة مخاطية. ثم تدفع الحيوانات المنوية خارجاً من خلال الثقوب التناسلية الذكرية لكل من الدودتين، وتمر إلى الخلف عبر ميازيب طولية مؤقتة حتى تصل إلى منطقة السرج حيث يدفع بها إلى داخل المستودعات المنوية للدوة الأخرى.
ملحوظة مهمة :
لقد ثبت أن البكتيريا أيضاً تتكاثر تكاثراً تزاوجياً بين خليتين مختلفتين يصل بينهما قنطرة تزاوج، والفطريات تتكاثر جنسياً وفيها السالب والموجب والفيروسات بداخلها الحامض النووي DNAالذي يتكون من خيطين ملتفيين ينفكان ثم يتكاثران، كما أن فيها خيط RNAحتى لا يلبس عليكم أحد ويقول أن الفيروسات تحتوي خيط واحد بل منها أنواع كثيرة تحتوي خيط واحد من DNAأرجع إلى موضوع من النبات أزواج كتاب الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى المنشور على نفس الموقع.
وعلى المسلمين أن يتيقنوا أن القرآن كتاب الله العليم الخبير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق (أي يبلى) عن كثرة الرد وفي القرآن حقائق وإشارات كونية لا نعلمها إلى الآن.
فلا يلبس عليكم أحد دينكم من دون علم .
القلب الحزين
12-12-2013, 05:30 PM
نقد شبهة أن علماء الإعجاز ( يسرقون جهود ) علماء الغرب وينسبونها للإعجاز القرآني
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
هذا القول يتردد كثيراً على لسان الطاعنين بالإعجاز العلمي ... وللرد العلمي عليهم ...
لنتأمل ماذا قال علماء الإسلام في بعض أشهر مظاهر الإعجاز العلمي.. حين آمنوا بما دل عليه القرآن الكريم من مظاهر علمية خالفت ما تعارف عليه أشهر علماء غير المسلمين.. إن وجدوا !!
1. كروية الأرض:
بالإضافة إلى ما سبق بيانه قبل عدة أسابيع ..
- جاء في معجم البلدان 2/379 بتعريف خط الاستواء: " خط الاستواءَ من المشرق إلى المغرب وهو أَطولُ خط في كرة الأَرض".
- بل السماء كروية، وكل ما فيها يدور.. وهو لا خلاف فيه
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 25/195: " وقال الامام ابو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي من اعيان العلماء المشهورين بمعرفة الآثار والتصانيف الكبار فى فنون العلوم الدينية من الطبقة الثانية من أصحاب احمد لا خلاف بين العلماء ان السماء على مثال الكرة وانها تدور بجميع ما فيها من الكواكب كدورة الكرة".
- والإيمان بدوران الأرض حول الشمس، أدى إلى التفسير الصحيح لظاهرتي الكسوف والخسوف
قال الغزالي في كتاب تهافت الفلاسفة: " خسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوئه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس من حيث أنه يقتبس نوره من الشمس والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب فإذا وقع القمر في ظل الأرض انقطع عنه نور الشمس. كقولهم إن كسوف الشمس معناه وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس وذلك عند اجتماعهما".
2. القرآن أول من نقض نظرية الجنين القزم.. التي ذكرها فلاسفة اليونان والعهد القديم..
وقد سبق بيان تلك النظرية في موضوع
لقد كانت تلك النظرية راسخة كأنها حقيقة ثابتة لا جدال فيها. وهذا لم يمنع العلماء الأكارم من تقديم النص القرآني عليها.
- قال ابن حجر في مقدمة شرحه لكتاب القدر في صحيح البخاري: "وزعم كثير من أهل التشريح: أن مني الرجل لا أثر له في الولد، إلا في عقده. وأنه إنما يتكون من دم الحيض، وأحاديث الباب تبطل ذلك ". انظر: فتح الباري13/311.
- وقال ابن القيم: " الجنين يُخلق من ماء الرجل وماء المرأة، خلافاً لمن يزعم من الطبائعيينأنه إنما يخلق من ماء الرجل وحده ". انظر: تحفة المولود1/272.
- وقال القرطبي: "بَيَّنَ الله تعالى في هذه الآية [يقصد قوله تعالى: " يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ " (الحجرات 13) ] أنه خلق الخلق من الذكر والأنثى.. وقد ذهب قوم من الأوائل، إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده، ويتربى في رحم الأم ويستمد من الدم الذي يكون فيه.. والصحيح: أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة؛ لهذه الآية، فإنها نصٌّ لا يحتمل التأويل " انظر: الجامع لأحكام القرآن 16/342.
3. ما أشار إليه الأخ عبد الدائم الكحيل حول وجود سبع طبقات للأرض كما للسماء.
قال تعالى في سورة الطلاق: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12) ".
قال الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب 30/26 " خلق سبع سموات بعضها فوق بعض مثل القبة، ومن الأرض مثلهن في كونها طباقا متلاصقة". ثم ذكر أن العلماء الطبيعة في زمنه لم يثبتوا للأرض إلا ثلاث طبقات.
وانظر إلى تفسير المفسر الكبير الطاهر بن عاشور الذي توفي قبل أقل من ثلاثين عاما وسأذكر نص كلامه بطوله لتعلموا كيف أن المفسرين يثبتون الإشارة العلمية في القرآن الكريم وإن خالفت ما عليه العلماء الطبيعيون في زمانهم. فتصديق القرآن مقدم على تصديق الطبيعيين...
يقول في تفسيره التحرير والتنوير 18/4471 " والسبع السماوات تقدم القول فيها غير مرة، وهي سبع منفصل بعضها عن الآخر لقوله تعالى في سورة نوح (ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا)
وقوله (ومن الأرض مثلهن) عطف على (سبع سماوات) وهو يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون المعطوف قوله (من الأرض) على أن يكون المعطوف لفظ الأرض ويكون حرف (من) مزيدا للتوكيد بناء على قول الكوفيين والأخفش أنه لا يشترط لزيادة (من) أن تقع في سياق النفي والنهي والاستفهام والشرط وهو الأحق بالقبول وإن لم يكن كثيرا في الكلام، وعدم الكثرة لا ينافي الفصاحة، والتقدير: وخلق الأرض، ويكون قوله (مثلهن) حالا من (الأرض).
ومماثلة الأرض للسماوات في دلالة خلقها على عظيم قدرة الله تعالى، أي أن خلق الأرض ليس أضعف دلالة على القدرة من خلق السماوات لأن لكل منهما خصائص دالة على عظيم القدرة.
وهذا أظهر ما يؤول به الآية.
وفي إفراد لفظ (الأرض) دون أن يؤتى به جمعا كما أتي بلفظ السماوات إيذان بالاختلاف بين حاليهما.
الوجه الثاني: أن يكون المعطوف (مثلهن) ويكون قوله (ومن الأرض) بيانا للمثل فما صدق (مثلهن) هو(الأرض). وتكون (من) بيانية وفيه تقديم البيان على المبين، وهو وارد غير نادر.
فيجوز أن تكون مماثلة في الكروية، أي مثل واحدة من السماوات، أي مثل كوكب من الكواكب السبعة في كونها تسير حول الشمس مثل الكواكب فيكون ما في الآية من الإعجاز العلمي الذي قدمنا ذكره في المقدمة العاشرة.
وجمهور المفسرين جعلوا المماثلة في عدد السبع وقالوا: إن الأرض سبع طبقات فمنهم من قال هي سبع طبقات منبسطة تفرق بينها البحار. وهذا مروي عن ابن عباس من رواية الكلبي عن أبي صالح عنه، ومنهم من قال هي سبع طباق بعضها فوق بعض وهو قول الجمهور. وهذا يقرب من قول علماء طبقات الأرض الجيولوجيا، من إثبات طبقات أرضية لكنها لا تصل إلى سبع طبقات.
وفي الكشاف قيل ما في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع إلا هذه اه. وقد علمت أنها لا دلالة فيها على ذلك.
وقال المازري في كتابة المعلم على صحيح مسلم عند قول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الشفعة: (من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه من سبع أرضين يوم القيامة).
كان شيخنا أبو محمد عبد الحميد كتب إلي بعد فراقي له هل وقع في الشرع عما يدل على كون الأرض سبعا، فكتبت إليه قول الله تعالى " الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن " وذكرت له هذا الحديث فأعاد كتابه إلي يذكر فيه أن الآية محتملة هل مثلهن في الشكل والهيئة أو مثلهن في العدد". انتهى كلام ابن عاشور
لقد خالف الإمام ابن عاشور ما صرح به علماء الجيولوجيا في القرن العشرين من أن طبقات الأرض فقط ثلاث ...
وأكد أن الأرض مثل السماء في كرويتها وعدد طبقاتها ... وهذا ما تحتمله اللغة وسياق الآية ... وكل من أوَّل النص بغير ذلك، إنما صدر منه التأويل لعدم معرفته باللغة وخوفه من مخالفة الآية لما قرره علماء الطبيعيات في زمنهم.
ومن كان شجاعاً ـ مثل ابن عاشور ـ أثبت ما يدل عليه ظاهر النص القرآني بدون تأويل ...
لهذا من الظلم أن يُقال: إن تفسير الطبقات السبع للأرض فيه تكلف ولا تحتمله الآيات ... أو القول إن علماء الإعجاز العلمي لا يقولون بالظاهرة المكتشَفة أنها معلومة لدى المفسرين قبل اكتشاف الغرب لها.
ويؤكد هذا ... ما قال البيضاوي في تفسيره 3/184: " (خلق سبع سماوات) مبتدأ وخبر (ومن الأرض مثلهن)أي وخلق مثلهن في العدد من الأرض ".
وفي إعراب القرآن للزجاج ص235 : " خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن، أي ومثلهن من الأرض ".
والآن التساؤل المحق هنا ... لماذا علماء الغرب هم الذين يكتشفون الغالبية العظمى من مظاهر الإعجاز القرآني لماذا لسنا نحن بما أن القرآن بين يدينا ؟؟
والجواب نجده في نفس الآيات التي جاء فيها التطابق بين العلم والقرآن، فهذه الآيات موجهة أساساً للملحدين الذين لا يؤمنون بالقرآن، خاطبهم بها الله تعالى بأنهم هم من سيرى هذه الحقائق الكونية وهم من سيكتشفها. لذلك نجد البيان الإلهي يقول لهم: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53].
فالآية قالت: سنريهم ولم تقل سنريكم
فلو كانت الاكتشافات على يد علماء مسلمين ... لشكك بها علماء الغرب وقالوا انها غير صحيحة بل قالها المسلمون ليثبتوا صحة قرآنهم...
والآن ..
أليس قوله تعالى: " (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53].
من الإعجاز الغيبي في القرآن ؟؟؟!!!
وسبحان من كلامه القرآن
عبد الرحيم الشريف
[email protected]
القلب الحزين
12-12-2013, 05:33 PM
شبهة سجود الشمس تحت العرش.
بقلم عبد الله بن سعيد الشهري
ماجستير علم اللغة النفسي - جامعة نوتنغهام
[email protected]
روى البخاري رحمه الله في بدء الخلق عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس أتدري أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم
الشبهة:هذا الحديث يقول إن الشمس تدور حول الأرض.
الجواب:كل العلماء الذين قالوا بدوران الأرض حول الشمس يعلمون بهذا الحديث الشريف، ولم يشكل عندهم أي شبهة تنفي ذلك.
فالمقصود ( كما تبدو للناظر )
ولكن كيف تسجد الشمس، وهل تقف لتسجد ثم تسير ؟
1. هذا الحديث من الغيب ولا يجوز قياس الغيب بذات المقاييس التي نقيس بها الأمور المحسوسة.
2. كل مخلوق من مخلوقات الله تعالى يسبح الله تعالى ويخضع له بما يتناسب مع حاله.. فمن معاني السجود في اللغة الخضوع كما ذكره ابن منظور وغيره. وعليه يُحمل ما في هذا الحديث وهو المقصود في قوله تعالى في آية الحج: " ألم تر ان الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فماله من مكرم إن الله يفعل ما يشاء"
قال ابن كثير رحمه الله : " يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعا وكرها وسجود كل شيء مما يختص به " ا.هـ.
فسجود الشمس مما يختص بها ولا يلزم ان يكون سجودها كسجود الآدميين كما أن سجودها متحقق بخضوعها لخالقها وانقيادها لأمره وهذا هو السجود العام لكل شيء خلقه الله كما في آية الحج السابقة إذ كل شيء من خلق الله تعالى يسجد له ويسبح بحمده، قال تعالى في آية النحل: " ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون " والشمس داخلة في دواب السماء لأن معنى الدبيب السير والحركة والشمس متحركة تجري لمستقر لها كما هو معلوم بنص القرآن وكما هو ثابت بالعقل
" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ " (النور: 41)
وفي سورة الحشر: " هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(24) ".
وفي الإسراء: " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا(44) ".
كما لا نفقه تسبيحها لا نفقه سجودها
3. ولكن هل تكون الشمس ساجدة تحت العرش مادامت الحياة الدنيا ؟
الراجح أن الشمس لها سجدتان: سجود عام مستديم وهو سجودها المذكور في آية النحل والحج مع سائر المخلوقات وسجود خاص يتحقق عند محاذاتها لباطن العرش فتكون ساجدة تحته وهو المذكور في الحديث وفي كلا الحالتين لا يلزم من سجودها أن يشابه سجود الآدميين لمجرد الاشتراك في لفظ الفعل الدال عليه. ومن أمثلة ذلك من واقعنا أن مشي الحيوان ليس كمشي الآدمي وسباحة السمك والحوت ليست كسباحة الإنسان وهكذا مع انهم يشتركون في مسمى الفعل وهما المشي والسباحة.
4. لا تظن أن سجود الشمس كسجودنا، لذلك لما كان يلزم من سجودنا التوقف عن الحركة لبرهة من الزمن وهو الإطمئنان الذي هو ركن في الصلاة فإنه لا يلزم بالمقابل أن يتوقف جريان الشمس لتحقيق صفة السجود. لأننا رأينا دلالة عموم لفظ السجود من آيتي الحج والنحل ومن شواهد لغة العرب على ان السجود هو مطلق الخضوع للخالق سبحانه. ومن المعلوم أن السجود عبادة والله قد تعبد مختلف مخلوقاته بما يناسب هيئاتها وصفاتها وطبائعها فكان الإنحناء والنزول للآدميين وكان غير ذلك من كيفيات السجود لسائر الكائنات والمخلوقات مع اشتراكهما في عموم معنى السجود الذي هو الخضوع لله تعالى طوعا او كرها.
ومثال ذلك طواف الرجل حول الكعبة إذ لايلزمه أن يقف عند الحد الممتد من الحجر الأسود ليتحقق حساب طواف كامل إذ أنه حتى لو طاف وواصل مسيره وتجاوز الحد دون الوقوف لإستلامه فإنه يتحقق له شوط كامل ويكون قد قضى جزءا من شعيرة الطواف دون ان يقف عند الحد الذي ذكرنا، وكذلك الشمس تجري في الفلك ونراها تشرق وتغرب دائبة ومع ذلك لها سمت او منتهى يقابلها على وجه الأرض تسجد عنده لله تعالى ويكون ذلك السمت او الحد مقابلاً في تلك اللحظة لمركز باطن العرش كما أشار إلى ذلك ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية.
وكذلك صلاة الرجل وهو في الطائرة...... الخ
5. من الأدلة على القوة العلمية للحديث الشريف فائدتان:
الفائدة الأولى في قوله عليه الصلاة والسلام: " فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش " عند البخاري وغيره. ولم يقل عليه الصلاة والسلام أنها " تغرب تحت العرش " أو " حتى تغرب تحت العرش " وهذا فهم توهمه بعض الناس الذين أشكل عليهم هذا الحديث وهو فهم مردود لأن ألفاظ الحديث ترده. فقوله: " تذهب " دلالة على الجريان لا دلالة على مكان الغروب لأن الشمس لا تغرب في موقع حسي معين وإنما تغرب في جهة معينة وهي ما اصطلح عليه الناس باسم الغرب والغروب في اللغة التواري والذهاب كما ذكره ابن منظور وغيره يقال غرب الشيء أي توارى وذهب وتقول العرب أغرب فلان أي أبعد وذهب بعيداً عن المقصود.
أما الفائدة الثانية فهي في قوله صلى الله عليه وسلم: " فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا " والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يستنكر الناس منها شيئا ".وكأن في هذا دلالة ضمنية بأن هناك من الناس ممن يبلغه هذا الحديث من قد يستشكله فيتوهم أن الشمس تقف أو تتباطأ للسجود فينكر الناس ذلك ويرهبونه. إلا أنه صلى الله عليه وسلم أشار في الحديث إلى جريان الشمس على عادتها مع انها تسجد ولكنه سجود غير سجود الآدميين ولذلك تصبح طالعة من مطلعها تجري لا يستنكر الناس منها شيئاً ويتضح من كلامه صلى الله عليه وسلم مفهوم المخالفة الدال على عدم استنكار الناس رغم سجود الشمس واستئذانها وكما قدمنا فإن سجود الشمس لا يستلزم وقوفها وهو اللبس الذي أزاله صلى الله عليه وسلم بقوله: " فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا " كما أن العقل يدل على ذلك إذ أن فرق المسافة التي يقطعها الضوء القادم من الشمس إلى الأرض يبلغ حوالي ثمان دقائق وهذا يعني انه لو حدث خطب على الشمس أو فيها فإننا لا نراه إلا بعد ثمان دقائق من حصوله وعليه فلا يمنع أن تكون الشمس ساجدة في بعض هذا الوقت ولو بأجزاء من الثانية لله تعالى تحت عرشه ونحن لا نعلم عن ذلك لغفلتنا وانشغالنا بضيعات الدنيا. ولهذا يقول الله تعالى: " وكم من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون " والإعراض صور متعددة منها الغفلة واللهو عن تدبر الآيات كونية وشرعية ولذلك فإن البعض ممن ساء فهمهم لبعض الآيات و الأحاديث إنما أوتوا من قبل أنفسهم بعدم إمعان النظر في آيات الله الكونية وبهجرهم لتدبر كتاب الله وإعراضهم عن التفقه في سنة رسول الله مع عزوفهم عن الاستزادة من العلوم الدنيوية النافعة في هذا الباب.
والخلاصة أن سجود الشمس على المعنى الذي ذكرناه غير ممتنع أبدا وبما ذكرنا يزول الإشكال إن شاء الله ولا يخالف الحديث صريح العقل إنما قد يخالف ما اعتاد عليه العقل وألفه وهذا ليس معياراً تقاس بها الممكنات في العقل فضلاً عن الممكنات في الشرع لأن الله على كل شيء قدير ولأن العادة نسبية باعتبار منشأ الناس واختلاف مشاربهم ومجتمعاتهم وعلمهم. والسامع مثلاً لما تخرج به علينا فيزياء الكم من العجائب والأسرار كنظرية ريتشارد فينمان و مبدأ اللاحتمية لهايزنبرج وغيرها من السنن والظواهر في هذا الكون مما يحير عقول العلماء يوقن بأن لله حكمة بالغة يطلع من يشاء عليها ويستأثر بما يشاء عنده، قال تعالى: " ويخلق ما لا تعلمون " ، وقال تعالى: " والله يعلم وأنتم لا تعلمون "، وقال: " وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ". والإنسان الأصل فيه الضعف والجهل، قال تعالى: " وخلق الإنسان ضعيفا " وقال في آية الأحزاب: " إنه كان ظلوما جهولا " ولذلك فابن آدم يسعى على الدوام لدفع ذلك عن نفسه بطلب ضديهما وهما القوة والعلم. قال تعالى في صفة طالوت لما بعثه ملكا: " وزاده بسطة في العلم والجسم " فجمع له بين القوة العلمية والقوة العملية.
القلب الحزين
13-12-2013, 03:56 PM
شبهة سرقة إعجاز الحاجز بين المياه العذبة والمالحة:
بعد كتابة موضوع: " شبهة وجود الأحجار الكريمة في المياه العذبة " (http://quran-m.com/firas/arabic/index.php?page=show_det_bot&id=38&select_page=rodod)
جاء رد من أحد الإخوة ينقد الإعجاز العلمي في قوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا " [الفرقان: 53]. بحجة أن الإعجاز مسروق من الكتاب المقدس: " في سفر التكوين 6 وقال الله ليكن جلد في وسط المياه.وليكن فاصلا بين مياه ومياه. 7 فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد.وكان كذلك. فهل الأصل هو الاعجاز ام نسخة النقل؟ ".
جواب الشبهة:
من عجائب أولئك الناس أنهم يقلبون الأخطاء العلمية في كتابهم المقدس، جاعلين منها إعجازاً علمياً ! فمن يدرس شروح الكتاب المقدس، ويبحث في تاريخ علاقة الكنيسة مع العلم وعلماء الطبيعيات.. يعلم أن النص الذي استشهد به كان من أفدح الأخطاء العلمية للكتاب المقدس.
وما كان له زعمَ وجود إعجاز علمي فيه، والإقناع بما ذَهَبَ إليه من تفسير مغلوط، بدون اللجوء إلى أسلوب غير علمي معهود منهم، ومتكرر كثيراً، وهو بتر النص وتحريفه.
فالمقصود بـ(الجَلَد) ـ بحسب الكتاب المقدس ـ هو السماء، أو: إن ما نشاهد لونه أزرقاً حين ننظر إلى أعلى، هو عبارة عن حاجز يمنع المياه الفوقية، عن الاختلاط بمياه الأرض.. ولا يوجد من يفسر مقصود الكتاب المقدس، خيراً من النص الصريح لكاتب الكتاب المقدس. ففي الإصحاح الأول من سفر التكوين: " (6) وقال الله ليكن جلد في وسط المياه، وليكن فاصلاً بين مياه ومياه (7) فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد[1]، وكان كذلك (8) ودعا الله الجَلَد سماء... ".
الجَلَد ـ بما يمثله من قساوة ويبوس ـ الذي يفصل بين السماء والأرض، هو تفسير بدائي لسقف السماء. حين كانوا يظنون أن ذلك الأزرق، ما هو إلا حاجز شفاف يفصل بين الماء الموجود في الأعلى، وأن المطر يحدث نتيجة ثقوب فيه مصممة خصيصاً لذلك. ففَصَلَ ذلك الجَلَد[2] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn2) بين مياه السماء (الأمطار)، ومياه البحار والأنهار والينابيع الموجودة على الأرض.
وهنالك ثقوب أخرى في السماء، أكبرها ما اتخذ شكلاً دائرياً كبيراً نسبياً يدور حول الأرض (الشمس). وأخرى عبارة عن ثقوب كثيرة متناثرة ( القمر والنجوم). ودليل ذلك ما جاء في الإصحاح الأول من سفر التكوين عند الحديث عن بدء الخلق: " (14) وقال الله لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل، وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين (15) وتكون أنواراً في جلد السماء لتنير على الارض، وكان كذلك (16) فعمل الله النورين العظيمين، النور الأكبر لحكم النهار والنور الأصغر لحكم الليل، والنجوم (17) وجعلها الله في جلد السماء لتنير على الارض ".
إذاً نصَّ الكتاب المقدس أن الشمس والنجوم والكواكب التي ترى بالليل، ليست أجراماً سماويةً، وإنما ثقوب موجودة في الجَلَد (السماء)، تنير الأرض.[3] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn3)
ودليلهم الذي لا يحتمل التأويل، ما ورد في سفر دانيال [12/3]: " والفاهمون يضيئون كالجَلَد.. ".
إذاً: الجلد مضيء بذاته، لا أن الضياء بسبب النجوم، بل بسبب فتحات في السماء (الجَلَدَ)، تلك الفتحات خماسية الأضلاع سداسية سباعية..
بما أن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، ينبغي توضيح صورة السماء في أذهان كتَبَة سفر التكوين، جاء في المعجم اللاهوتي الكتابي: " وإذا كان الإسرائيلي يتأثر ببناء السماء ويتوق إلى نورها، ويعجب بنقائها [انظر: سفر الخروج24/10]، إلا أن صلابة جَلَد السماء الراسخة، لها وقعٌ خاص على نفسه [انظر: سفر التكوين1/18]. إنه يعتبر السماء بناء لا يقل عن الأرض متانة.. ومزوداً بخزائن للمطر والثلج والبَرَد والرياح.. ".[4]
أين النص القرآني الواضح من خطأ علمي واضح ؟!!!
أخوكم: عبد الرحيم الشريف
[email protected] (
[email protected])
[1] النصُّ في متن: " التفسير التطبيقي للكتاب المقدس " ص7: " ليكن جَلَدٌ يحجز بين مياه ومياه، فخلقَ الله الجلد وفرَّق بين المياه التي تحملها السحب، والمياه التي تغمر الأرض.. ". والعجيب أن مجموعة اللاهوتيين الذين ألفوه لم يفسروا معنى: " الجَلَد "، بل تجاوزوا تفسير أعداد الإصحاح الأول من (3-24) في سفر التكوين مستعيضين عن ذلك بكلام عام عن قدرة الله في الخلق ! كما تجاوَزوا تفسير المزمور [148/4] ونصُّه: " سبحيه يا سماء السماوات، ويا أيتها السحب التي فوق الجَلَد ". انظر: ص1276.
[2] حتى لا يقول أحد إن معنى (جَلَد) يحتمل تأويله بـ (غازات)، فالعودة إلى التفسير الحرفي للنص العبري تبين الصواب. والنص العبري الحرفي للكلمة هو: ( רק'ע ) ويعني: " رقيع ". أي: الصفحة المطروقة الممتدة.. انظر: دائرة المعارف الكتابية، مجموعة من اللاهوتيين 2/554 (جَلَد).
وفسره اللاهوتيون الذين كتبوا : " تفسير الكتاب المقدس " 1/146: " (جَلَد): هو شيء منبسط ممتد، وهو يُرينا خلق الجو ". وقبل ذلك ـ بأسطر قليلة ـ مهَّدوا بمقدمة يعتذرون فيها عن أخطاء كتابهم المقدس.. جاء فيها: " الإنسان الذي اختبر شخصياً عن طريق قبول المسيح، حين يقرأ هذا الإصحاح، يؤمن في الحال بكل ما كُتِبَ فيه. لكن الأمور التي يصفها هذا الإصحاح تُعَد عجيبة جداً. وبالتالي: تفوق وسائل البحث العلمية، مما يجعل البعض يرَون فيها صعوبة عظمى ".
قلت: هذا اعتراف منه بوجود خطأ علمي.. ولكن، كيف يكون الخطأ العلمي، إعجازاً علمياً ؟
[3] لغاية القرن السابع عشر، كان اليهود والنصارى يظنون أن الشمس والنجوم ثقوباً في سقف السماء تمرر الضوء. حتى بيّن العالم الدنماركي (أولاف ريمر) خطأ العهد القديم، فقدم بحثاً إلى أكاديمية باريس بتاريخ 22/11/1675م وبيَّن أن ضوء الشمس يستغرق ثمان دقائق وثمان عشرة ثانية ليصل الأرض. انظر: التوراة كتاب مقدس أم جمع من الأساطير ؟ ، ليوتاكسيل، ص8.
[4]المعجم اللاهوتي الكتابي، بإشراف: الأب فاضل سيداروس اليسوعي، ص429-430 (سماء).
القلب الحزين
13-12-2013, 04:01 PM
حديث خلق العالم
بقلم الدكتور كارم السيد غنيم
أستاذ دكتور في علوم الحشرات جامعة الأزهر
لقد ثارت الزوابع ـ ولا تزال ـ حول حديث خلق الكون الأرضي، المروي في صحيح مسلم، هذا على الرغم من أنه حديث صحيح. وقد درس د/سعد المرصفي هذا الحديث وناقش قضيته بعد أن جمع بين أطراف النقاش المحتدم، وذلك في بحثه القيم (مشكل الحديث)[1].
ولما كان الموضوع جد خطير، وجدنا أنه من الضروري أن نثبت هنا موجز ما توصل إليه صاحب البحث، وذلك في الفقرات القليلة القادمة.
روى مسلم في صحيحه قال: حدثني سريح بن يونس، وهارون بن عبد الله، قالا: حدثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: (خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة، في آخر الخلق، في ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل. قال إبراهيم: حدثنا البسطامي(وهو الحسين بن عيسى)، وسهل بن عمار، وإبراهيم بن بنت حفص، وغيرهم، عن حجاج، بهذا الحديث، وهذا سند مسلم ولفظه. ورواه أحمد باختصار، وابن معين، وابن منده، والدولابي الثقفي، والبيهقي.
قال ابن كثير عند تفسير قول الله تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام )[سورة الأعراف]، هذا الحديث من غرائب صحيح مسلم وقد تكلم عليه ابن المديني، والبخاري، وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة، فجعلوه مرفوعاً، وقد حرّر ذلك البيهقي.
وقال البخاري في التاريخ: وقال بعضهم عن كعب، وهو أصح، يعني أن هذا الحديث مما سمعه أبو هريرة وتلقاه من كعب الأحبار، فإنهما كانا يصطحبان للحديث، فهذا يحدثه عن صحفه، وهذا يحدثه بما يصدقه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان هذا الحديث مما تلقاه أبو هريرة عن كعب عن صحفه، فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأكد رفعه بقوله: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي..).
وفي متن هذا الحديث غرابة شديدة، فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر خلق السماوات، وفيه قصة خلق الأرض وما فيها من سبعة أيام، وهذا خلق القرآن، لأن الأرض خلقت في أربعة أيام، ثم خلقت السموات في يومين من دخان(وهو ما يفهم من ظاهر اللفظ في بعض الآيات).
وزعم صاحب (تفسير المنار) أن هذا الحديث من الإسرائيليات، فقال: قد ورد في الأخبار والآثار أن هذه الأيام الستة هي من أيام دنيانا، واقتصر عليه بعض مفسرينا، وذكر الحديث، وقال: وهذا ظاهر في أن الخلق كان جزافاً ودفعة واحدة لكل نوع في يوم من أيامنا القصيرة.
فالجواب : إن كل ما روي في هذه المسألة من الأخبار والآثار مأخذ من الإسرائيليات لم يصح فيها حديث مرفوع، وحديث أبي هريرة هذا ـ وهو أقواها ـ مردود بمخالفة متنه لنص كتاب الله .. وأما سنده فلا يغرنك رواية مسلم له، فهو قدر رواه ـ كغيره ـ عن حجاج بن محمد الأعور المصيصي عن (ابن جريج، وهو قد تغير في آخر عمره، وثبت أنه حدّث بعد اختلاط علقه، كما في قول " تهذيب التهذيب" وغيره. والظاهر أن هذا الحديث مما حدّث به بعد اختلاطه(أي : اختلال عقله واضطراب قوة حافظته).
وجاء أبو رية[2]فكذَّب هذا الحديث، ووصفه بأنه افتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلمن وقد قضى أئمة الحديث بأن هذا الحديث مأخوذ عن كعب الأحبار، وأنه مخالف للكتاب العزيز. وقال: وقد بلغ من دهاء كعب الأحبار واستغلاله لسذاجة أبي هريرة وغفلته، أن كان يلقنه ما يريد بثه في الدين الإسلامي من خرافات، حتى إذا رواها أبو هريرة، عاد هو فصدّق أبا هريرة، وذلك ليؤكد هذه الإسرائيليات، وليمكن لها من عقول المسلمين، كأن الخبر قد جاء عن أبي هريرة، وهو في الحقيقة عن كعب الأحبار.
وقال د/محمد أبو شهبة: هذا الحديث قد تنبه إليه المحدّثون من قديم الزمان، وأعلّوه، وتكلموا فيه. فمنهم من قال: إنه غير ثابت، لأن إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى، وإبراهيم لا يُحتج به، فقد سئل عنه علّي بن المديني (شيخ البخاري) فقال: وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم ابن يحيى.
وإبراهيم لا يُحتج به، فقد سئل عنه علّي بن المديني (شيخ البخاري) فقال: وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم ابن أبي يحيى.
وإبراهيم بن أبي يحيى هذا قال فيه الإمام أحمد بن حنبل: كان قدرياً متعزلياً جهمياً، كل بلاء فيه، ترك الناس حديثه، وكان يضع (أي يختلق الأحاديث ويؤلفها). وقال فيه ابن معين، أيضاً: كذّب رافضى. وعلى هذا، فإن السند لا يُثبت متن الحديث.
ومنهم من أنكر رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أبا هريرة إنما أخذه من كعب الأحبار، وأن بعض الرواة وهم في رفعة، والأصح وقفه على كعب، وإلى هذا ذهب إمام الأئمة البخاري فقال: (رواه بعضهم عن أبي هريرة عن كعب الأحبار، وهو الأصح)، ووافقه على هذا العلامة ابن كثير.
ومهما يكن من شيء، فأبو هريرة برئ مما غمزه به أبو رية ولمزه واتهمه من رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمن والكذب عليه، حتى صار يتهكم بأبي هريرة ما شاء له هواه أن يتهكم، ويزيد في ذلك ويعيد، لأنه إن كان الأمر كما قال ابن المديني ومن تابعه، فيكون أبو هريرة برئ كل البراءة من تبعة هذا الحديث، ويكو كل ما نسب إلى أبي هريرة في الحديث من لفظة ومن سماعه، وقوله : (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي) غير ثابت، ولا يعدو أن يكون مجرد افتراء، قصد به الواضع التلبيس والتمويه وإظهار الباطل المزوّر في صورة الحق الثابت المؤكد.
وكما دافع د/أبو شهبة، دافع د/محمد السماحي، وردّ على أبي رية في تهكمه على هذا الصحابي الجليل، فقال: لم يكن أبو هريرة بحاجة إلى أن يحدّث عن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يحمل ما عنعنه أبو هريرة على أنه عن كعب، وأبو هريرة قد غش بذلك الأمة، وانخدع به الصحابة، وكبار التابعين، ونقلوا عنه ما رواه عن كعب على أنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوقع العلماء بعد ذلك في هذا اللبس. إن الذي قرره العلماء أن الصحابة، إذا قال : قال رسول ، أو عن رسول الله، وأوقع العلماء بعد ذلك في هذا اللبس. إن الذي قرره العلماء أن الصحابة، إذا قال : قال رسول الله، أو عن رسول الله حمل على السماع ما لم يصرح أو تقم قرينة على أنه رواه عن صحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد قام جماعة من العلماء بتصحيح هذا الحديث، ومنهم الشوكاني، وبينّوا أنه لا تعارض بينه وبين نص القرآن، فإن القرآن ذكر أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وخلق الأرض وحدها في يومين، والحديث إنما بيّن أن الله تعالى خلق السماوات والأرض جميعاً في ستة أيام، يحتمل أن تكون هذه الأيام السبعة غير الأيام الستة التي ذكرها الله تعالى في خلق السماوات والأرض، وحينئذ لا تكون معارضة، وإنما الحديث فصّل كيفية السماوات والأرض، وحينئذ لا تكون معارضة، وإنما الحديث فصّل كيفية الخلق وحدها والله أعلم.
وفي الختام يورد د/سعيد المرصفي ـ صاحب البحث الأصلي قول الله تعالى : (وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون)[سورة الحج]، (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)[سورة المعارج]، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)[سورة الإسراء]. ثم يقول: ويسعنا ما وسع الصحابة الأعلام حينما سمعوا الأحاديث المشكلة وصدّقوا ولم يطعنوا لمجرد أن العقل لا يستطيع أن يدرك المعنى.
ويسعنا، أيضاً، أن لا نكون ممن يردُّون ما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله، وأن لا نخالف إجماع المسلمين، سلفاً وخلفاً، في تصديق أبي هريرة رضي الله عنه وفي عدم الخوض في المتشابه ما دام قد صح سنداً ومتناً، وهذه الأيام التي خلق الله عزّ وجلّ فيها هذا الخلق، غيب لم يشهده أحد من البشر.
ثم يأتي التحقيق العلمي لهذا الحديث النبوي الصحيح حديثاً جداً:
فلقد تناول صاحب (موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي) ـ الجزء الثاني[3] ـ هذا الموضوع وقدّم محاولة عظيمة لإزالة،وقدّم محاولة عظيمة لإزالة التعارض (الظاهري) بين هذا الحديث النبوي (الذي يتحدث عن خلق العالم في سبعة أيام) وبين آيات سورة فصلت(التي تتحدث عن خلق العالم ـ بما فيه السماء ـ في ستة أيام أو ثمانية أيام، بحسب العدّ المتعجل للأرقام المذكورة في الآيات.
بدأ صاحب الموسوعة تحقيقه بذكر رواية مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة، في آخر الخلق في ساعة من النهار، فيما بين العصر إلى الليل).. ثم قال:
ذكر الحديث النبوي الشريف ترتيب ظهور المخلوقات على الأرض من قبل أن يعلم العلماء عنها شيئاً بأربعة عشر قرناً من الزمان مما يعد إعجازاً علمياً عظيماً، ومما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوحي إليه في كل أمر من أمور الحياة الدنيا، وليس في أمور العبادات والشرعيات فقط. يقول العلماء: إن البكتريا النباتية هي أول النباتات وساعدت تلك النباتات الأولية على إنتاج غاز الأوكسجين في جو الأرض، وبذلك مهدت لظهور الحشرات والكائنات الحية الدقيقة.
وانقضت نحو (1600) مليون سنة قبل ظهور النباتات ذات السيقان، وظهرت الأعشاب البحرية في العصر الديفوني (منذ نحو 400مليون سنة)، وفي هذا العصر كانت النباتات ذات السيقان قد بدأت الظهور على اليابسة .. وفي العصر الكربوني (منذ نحو 300مليون سنة) ظهرت النباتات ذات الأوراق الحقيقية. وفي نهاية العصر الكربوني (منذ 240 مليون سنة) ظهرت السراخس ذات البذور، التي منها تكونت الأحافير الفحمية فيما بعد. ويقول العلماء: إن السراخس الشجرية التي تنمو حاليا في المناطق الاستوائية تشبه إلى حد كبير السراخس التي ظهرت في العصر الكربوني منذ (300) مليون سنة مضت.
وكانت الأرض في أول خلقها كرة من النار.. ومرت مئات الملايين من السنين حتى بردت قشرتها الخارجية بسبب هطول الأمطار الغزيرة عليها.. ولكن البراكين الثائرة ظلت منتشرة على سطح الأرض في أعداد هائلة جداً، ومن هذه البراكين تكونت الجبال البركانية.
ومعها تكونت الجبال الرسوبية وأنواع الجبال الأخرى. ومن الجبال نشأت منابع النهار .. وما أن توفرت مياه الأمطار والأنهار والآبار حتى ظهرت النباتات .. ومرت مئات الملايين من السنين، حتى ظهرت النباتات ذات السيقان والتي تحمل الثمار. وارتفع مستوى الأوكسجين في جو الأرض... وما أن تهيأت الحياة لظهور الدواب حتى خلق الله الدواب، فوجدت رزقها أمامها متوافراً.. وأخيراً ظهر آخر المخلوقات وهو (الإنسان).
العلماء يؤكدون اليوم بناء على دراساتهم في علم طبقات الأرض وعلم الأحياء أن كل ما على الأرض ظهر على مراحل.. أو الخلق كانت التربة، ثم تكونت الجبال فنشأت الأنهار، فظهرت النباتات، وبذلك أصبحت الأرض مهيأة لظهور الدواب عليها. وأخيراً ظهر الإنسان، الساكن الجديد لهذه الأرض.لم يكن هذا الترتيب في ظهور المخلوقات على الأرض معروفاً قبل عصور العلم الحديثة.. وما خلق الله تعالى الإنسان إلا بعد أن خلق الأرض ووفر فيها الماء والنبات والدواب، وسخر كل ذلك للإنسان.
أخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال صلى الله عليه وسلم : (خلق الله عزّ وجلّ التربة يوم السبت، وخلق الأرض يوم الأحد، وخلق الجبال وما فيهن من منافع يوم الاثنين، وخلق الأنهار يوم الثلاثاء، وخلق الشجر يوم الأربعاء).
ولقد أثبتت الدراسات العلمية في عصر العلم الحالي هذه التسلسل في ظهور المخلوقات على هذه الأرض.. الأرض خلقت أولاً، ثم ظهرت البراكين فتكونت الجبال، ومن الجبال نبعت الأنهار، فما من نهر إلا وينبع من جبل، وما أن توفرت المياه العذبة حتى ظهرت النباتات، وبظهور النباتات توفر الغذاء، وتوفر غاز الأوكسجين في الجو، وبذلك اكتملت كل أسباب الحياة للدواب، فخلق الله الدواب.. وبعد ذلك بزمن طويل خلق الله تعالى (الإنسان) آخر المخلوقات. لم يكن ذلك التسلسل في الخلق معروفاً قبل عصرنا الحالي، إلا أن الحديث النبوي الشريف الذي أخرجه ابن جرير والحاكم وابن مردويه والبيهقي، ذكره تفصيلاً .. كما نجد في رواية مسلم للحديث النبوي نفس الترتيب في ظهور المخلوقات على الأرض، الذي اكتشف العلماء حديثاً: التربة ثم الجبال ثم النباتات ثم الدواب ثم الإنسان، مما يُعدُّ إعجازاً علمياً كبيراً.
وبذلك أصبحت الأرض مهيأة لظهور الدواب عليها. وأخيراً ظهر الإنسان الساكن الجديد لهذه الأرض.. لم يكن هذا الترتيب في ظهور المخلوقات على الأرض معروفاً قبل عصور العلم الحديث.. وما خلق الله تعالى الإنسان إلاّ بعد أن خلق الأرض ووفر فيها الماء والنبات والدواب، وسخر كل ذلك للإنسان.
أخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال صلى الله عليه وسلم: (خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق الأرض يوم الأحد، وخلق الجبال وما فيهن من منافع يوم الاثنين، وخلق الأنهار يوم الثلاثاء، وخلق الشجر يوم الأربعاء).
ولقد أثبتت الدراسات العلمية في عصر العلم الحالي هذا التسلسل في ظهور المخلوقات على هذه الأرض.. الأرض خلقت أولاً، ثم ظهرت البراكين فتكونت الجبال، ومن الجبال نبعت الأنهار، فما من نهر إلا وينبع من جبل، وما أن توافرت المياه العذبة حتى ظهرت النباتات، وبظهور النباتات توفر الغذاء، وتوفر غاز الأوكسجين في الجو، وبذلك اكتملت كل أسباب الحياة للدواب، فخلق الله الدواب. وبعد ذلك بزمن طويل خلق الله تعالى (الإنسان) آخر المخلوقات.. لم يكن ذلك التسلسل في الخلق معروفاً قبل عصرنا الحالي، إلا أن الحديث النبوي الشريف الذي أخرجه ابن جرير والحاكم ابن مردويه والبيهقي، ذكره تفصيلاً، كما نجد في رواية مسلم للحديث النبوي نفس الترتيب في ظهور المخلوقات على الأرض، الذي اكتشف العلماء حديثاً: التربة ثم الجبال ثم النباتات ثم الدواب ثم الإنسان، مما يعد إعجازاً علمياً كبيراً.
[1] د/سعد محمد محمد الشيخ المرصفي :مرجع سابق.
[2] ما لم يذكر الباحث هو أن محمود أبو رية قد نشر مقالة في مجلة الرسالة (المصرية) بعددها رقم (633) الصادر في شهر رمضان 1364هـ (أغسطس 1945م) تحت عنوان (الحديث المحمدي) ضمّنه آراءه في بعض الأحاديث، ثم أضاف إليه ونشره كتاباً بعنوان (أضواء على السنة المحمدية) في عام 1377هـ (1958م) . وقد أحدث هذا الكتاب بلبلة في الأفكار عند من لم يتعمقوا في السنة. وقد قام د/محمد محمد أبو شهبة بتفنيد هذه الآراء ودحضها سوءا على صفحات مجلة الأزهر أم في كتاب (دفاع عن السنة وردّ شبهة المستشرقين والكتّاب المعاصرين).
[3] د أحمد شوقي إبراهيم: موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، دار نهضة مصر (القاهرة) 2003.
القلب الحزين
13-12-2013, 04:03 PM
دراسة في كتاب ( برنابا ) المدعو ( إنجيل برنابا)
بقلم الدكتور وديع أحمد (شماس مصري سابقاً)
قرأت كتاب إنجيل بر نابا الذي نشره / محمد رشيد رضا – عليه رحمة الله، و من أمانة الناشر إعتمد علي علي مترجم نصراني / خليل سعادة ، الذي كتب مقدمة كبيرة ينتقد فيها هذا الإنجيل و من أمانة النشر أيضا أنه نشر مقدمة المترجم النصراني كاملة . ولقد وجدت الكثير من الأدلة علي تلاعب المترجم النصراني في الترجمة لكي يثبت فيها بعض عقائد النصارى و يفسد الكتاب و يجعل المسلمين أيضا يرفضونه .
ويتضح من هذه المقدمة أن أصل هذا الكتاب - عثر عليه راهب بالصدفة في مكتبة بابا الفاتيكان – كان باللغة الإيطالية ، ثم قام رئيس كهنة (مطران ) إنجليزي بترجمته إلي الإنجليزية ومن هذه الترجمة الإنجليزية ترجم ( خليل سعادة ) إلى اللغة العربية، و أري انه من المستحيل أن يقوم نصرانيان بترجمة مثل هذا الكتاب المناهض لعقيدتهما بدون التلاعب فيه ، كما أنهم اعتادوا علي تغيير كلام كتبهم في كل عصر .
ومن أدلة تلاعب المترجم النصراني في ترجمة هذا الكتاب ( وهم أكثر من 50 دليل ) :
1- انه ذكر في الهوامش انه ترجم من الأصل الإيطالي والأصل الأسباني لهذا الإنجيل بينما هو قام بالترجمة من النسخة الإنجليزية، بينما الأصل الأسباني مطموس وناقص باعتراف المترجم في المقدمة – بل وقال انه لا وجود له وكذلك الأصل الإيطالي لا وجود له بعد أن أخذه الراهب الذي أسلم بعد أن قرأه ( كما ذكر المترجم في المقدمة أيضاً ).
2- اعتراف المترجم في الهوامش – مراراً عديدة – أنه غير كلام النسخة الأصلية عند الترجمة – بحجة عدم وضوح الأصل – وفي هامش فصل 199 كتب المترجم ( وجرينا على ذلك في هذه الترجمة ) أي أنه فعل ذلك كثيرا وغير كل ما لا يعجبه .... ( هذه عدم أمانة ) .
3- ترجم كلمات كثيرة بأسلوب غريب لتشويه معاني الكتاب . مثل : بدلا من القسم ( بالله الحي ) كما جاء في التوراة يكتب ( لعمر الله) وكتب ( غناء الله ) بدلا من ( غني الله ) ...و غير ذلك الكثير .
ويعترض النصارى على ذلك الكتاب زاعمين أن مؤلفه مسلم . لعدة أسباب منها :
1- لأنه أكد مراراً و تكراراً على أن المسيح عبد الله ورسوله و أنه قال أنه يخشى الله ويخضع لدينونة الله يوم القيامة .
2- لأنه كتب شهادة المسيح للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وللإسلام والمسلمين .
3- لأنه قال أن بولس مؤسس المسيحية ضال ومضل، بينما المسيحيين يحترمون كلام بولس أكثر من كلام المسيح.
حقائق عن كتاب برنابا :
1- كاتبة لم يدعي انه كتب بالوحي الإلهي كما يدعى كل من كتبوا كتب النصارى وخاصة بولس الذي حول النصرانية إلى المسيحية.
2- اعترف كاتب ( برنابا ) أنه ينسى بعض الكلمات وبعض الأحداث ( فصل 217 ) أي أنه يكتب سيرة المسيح وقصة حياته وأعماله وتعاليمه وليس ( إنجيلاً منزلاً ) .
3- كما أن الكاتب كتب هذا الكتاب بعد عدة سنوات من إصعاد المسيح عليه السلام حيث قال أنه كتبه بعد ضلال بولس والذي دخل النصرانية بعد الإصعاد بعدة سنوات ثم ظل تلميذا لبرنابا عدة سنوات ثم ضل وعبد المسيح .
4- كما أن الكاتب ( برنابا ) عاشر بولس الضال وكل النصارى يعلمون أن ( المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة ) فتأثر برنابا بتعاليم بولس وظهر ذلك في بعض كلام برنابا في بعض أجزاء من هذا الكتاب.
من هو برنابا :
قال برنابا عن نفسه في هذا الكتاب انه من أوائل التلاميذ ( الحواريين ) اللذين اختارهم المسيح عيسى عليه السلام، لكن في الأناجيل الأربعة تم حذف اسمه عمداً لأن كتابه هذا يكشف زيف الأناجيل كما سأشرح. ولكن جاء ذكر برنابا كثيرا في كتاب النصارى في العهد الجديد وفي كتاب (أعمال الرسل ) ويعنون بالرسل ( التلاميذ اللذين أرسلهم المسيح ) وجاء في هذا الكتاب :
1. ( أعمال 4 ) " ويوسف الذي دعي من الرسل – برنابا – الذي معناه ( ابن الوعظ ) وهو لاوى ( أي رجل دين يهودي ) قبرصي الجنس إذ كان عنده حقل باعه وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل " أي تبرع بكل ماله للفقراء .
2. ( أعمال 11 ) بعد أن ترك بولس اليهودية وانضم إلى النصارى خاف منه تلاميذ المسيح فجاء برنابا وأقنع التلاميذ أن يقبلوه فوافقوا لأنهم يثقون فى صدق برنابا .
3. ( أعمال 11 ) التلاميذ رأوا أن ( برنابا رجلا صالحا وممتلئا من الروح القدس والإيمان ) والروح القدس هو الجزء الثالث من الثالوث الذي يعبده النصارى، فقام التلاميذ بإرسال من أورشليم إلى إنطاكية ( فى آسيا الصغرى ) حيث كلمهم عن المسيح فآمن جمع غفير .
4. ثم ذهب برنابا إلى طرسوس فى آسيا الصغرى ليبحث عن بولس حيث كان يختبىء خوفا من اليهود وجاء به إلى أنطاكية وهناك اخترع بولس لقب ( المسيحيين ) بدلا من ( النصارى ) أو ( المؤمنين) برسالة المسيح .
5. ( أعمال 11 ) برنابا – وبولس قاما بجمع معونات من إنطاكية للتلاميذ فى أورشليم .
6. ( أعمال 12 ) التلاميذ اعتبروا برنابا ( نبيا ومعلما كبيرا ).
7. ( أعمال 13 ) ( الروح القدس ) يأمر التلاميذ بإرسال ( برنابا وبولس) للتبشير فى قبرص فسافرا ومعهما (مرقص) خادما ، ومرقص هو كاتب الإنجيل المعروف .
8. وهناك أخذا يبشران بين اليهود فقط، ثم ذهبا إلى أنطا كية وهاجما كفر اليهود فطردوهما ، فذهبا إلى بلد ( أيقونية) حيث كلما اليهود فقط ، فكاد اليهود أن يرجموهما فهربا إلى مدينة (لسترة) حيث الناس يعبدون الأصنام، وهناك اعتبروا أن برنابا هو (زفس) كبير الآلهة، وبولس هو ( هرمس)، ثم رجموا بولس وخافوا من برنابا، ولكن للأسف عاش بولس لأن اصابته لم تكن خطيرة . ثم تنتهى قصة برنابا فى كتاب ( أعمال ) حين يخترع بولس للمسيحيين القساوسة، ويتنازعان حين يقوم بولس بتعليم الناس أن يتركوا فرض (الختان) ويتركوا التمسك بشريعة الله لعبده موسى عليه السلام وذلك بزعم أن المسيح نسخها وألغاها بالكامل. فتشاجر برنابا مع بولس وذهب كل منهما إلى طريق مختلف . وانتهى ذكر برنابا تماما من كتاب النصارى واستمر باقى الكتاب لذكر بولس وحده وكأنه هو الوحيد الذى يفعل كل شىء وكأنه لا يوجد أي واحد من تلاميذ المسيح يفعل أي شيء.
ومن أدلة وجود هذا الكتاب من قبل الإسلام بمئات السنين
ويقول مترجم كتاب ( انجيل برنا ) – الأستاذ/ خليل سعادة (النصراني) فى مقدمته التي يهاجم فيها هذا الكتاب ليثبت زيفه : " إن الموسوعة الفرنسية أثبتت وجود انجيل برنابا من قبل الإسلام بمئات السنين وهذه الموسوعة كتبها مسيحيون متشددون جداً ومتعصبون جداً ضد الإسلام كما شهد المترجم النصراني لهذا الكتاب قائلا عنه : ((هذا الكتاب قد أتى على آيات باهرة من الحكمة وطراز راق من الفلسفة الأدبية وهو يرمى إلى ترقية العواطف البشرية إلى آفاق سام آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر داعيا الإنسان إلى التضحية ))
وكذلك قال العلامة المسيحي القس صموئيل مشرقي رئيس الطائفة الإنجيلية فى مصر والشرق وهو بمثابة( البطرك) عند الأرثوذكس(والبابا ) عند الكاثوليك قال فى كتابه الصادر سنة 1988
( عصمة الكتاب المقدس واستحالة تحريفه ) فى صفحة 20 : إن انجيل برنابا كان موجودا سنة 325 م . وكتب يقول ( أما نحن من جانبنا فنقول من باب الترجيح أن بعض أتباع المسيح قد بدأوا فى كتابة هذه الأناجيل عن المسيح عن طريق جمع مجموعات من أقواله وأفعاله لاستعمالهم الشخصي فى البداية، وهنا بدأت القصص التي تروى يسوع تجمع فى كتب كبيرة كانت نواة لعدة أناجيل بلغت مائة انجيل وكان على الكنيسة ( يعنى قادتها من البطاركة والرهبان ) أن تمحص هذه الأناجيل وتمت الموافقة على هذه الأناجيل الأربعة فقط (يعنى كذبوا أكثر من 96 أنجيلا) بعد أن ثبت قانونيتها ؟ وتم الاعتراف بقدسيتها ؟ ( يعنى اعترفوا بأنها وحى من عند الله ؟ ) التي تأكدت بما أحاط بها من براهين داخلية وخارجية. ورفضت الكنيسة الاعتراف بغيرها من الأناجيل مثل ( انجيل توما ) المكتوب باللغة العربية فى الجزيرة العربية ( وانجيل برنابا ) وغيرهما ، بعد أن ثبت أن الكثير مما تحتويه من أقوال دخيل ومزور؟ ومن ثم لم يتقرر وحيها ( أي أن الوحي يحتاج لتصديق البطاركة والرهبان ) وتم وضع هذه الكتب كلها فى قائمة واحدة فى مجمع ( نيقية ) سنة 325م، ومازال بعض هذه الكتب المرفوضة موجودا مثل ( انجيل المصريين ) و ( انجيل العبرانيين ) و ( انجيل توما ) و ( انجيل برثلماوس ) و ( انجيل متياس ) و ( انجيل تلاميذ المسيح ) وفيها الكثير من الأخطاء التاريخية والجغرافية والعقائدية، وما يتعارض مع ما ذكره أنبياء العهد القديم ورسل العهد الجديد .
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
13-12-2013, 04:04 PM
يتبــــــع الموضوع السابق
دراسة في كتاب ( برنابا ) المدعو ( إنجيل برنابا)
- وهذان الدليلان يؤكدان وجود هذا الإنجيل من قبل ظهور الاسلام بأكثر من قرنين من الزمان، وهذا ينفى أن أصله كاتب مسلم .
- وكيف يرفضون أكثر من 96 إنجيلا لأجل خطأ تاريخي أو جغرافي ؟؟
- و أضيف أن كتاب برنابا صحيح – إلا من بعض التغييرات المفتعلة والتي لا ذنب للكاتب فيها بالأدلة الآتية :
1- هذا الكتاب يحتوى على كل ما ذكرته الأناجيل الأربعة- مجتمعة – عن المسيح ، ماعدا تأليه المسيح فقط.
وأسلوبه أوضح من الأناجيل، وكتب الأحداث والتعاليم بالتفصيل أكثر منها بكثير.
2- ذكر حقائق عن المسيح عليه السلام أخطأت فيها الأناجيل الأربعة ثم جاء علماء المسيحية ليؤكدوا صحة ما جاء فى برنابا وخطأ الأناجيل الأربعة ومنها :
أ- قال برنابا أن المسيح أرسل (72) تلميذا- فى (فصل 97) بينما قال ( انجيل لوقا ) انهم كانوا (70) فقط وذلك في الطبعة القديمة الصادرة باسم ( الكتاب المقدس ) , وجاءت الطبعة الحديثة باسم ( كتاب الحياة ) سنة 1982 لتؤكد كلام برنابا وتنفي كلام لوقا .
ب- قال برنابا إن ( سالوما ) هي شقيقة ( مريم ) أم المسيح (فصل 209) بينما قالت الاناجيل انها قريبتها ,وذكر المترجم النصراني ان علماء النصارى اكدوا صدق برنابا .
ج-ذكر برنابا – استشهاد المسيح بروايات جاءت في كتب يهودية حذفها النصارى من كتابهم المقدس عندهم من القرن الرابع بزعم عدم صحتها ( فصل 50 ، 167 ) , وفي سنة 1972 اعترف علماء النصارى بصحة هذه الكتب وأضافوها لكتابهم تحت اسم ( الإسفار القانونية ).
د-قصة الزانية الموجودة في انجيل يوحنا ذكرها برنابا بصورة مختلفة تماما ( فصل 201) و أكد المؤرخون صدق ما قاله برنابا بالحرف وتم تصويرها في فيلم حياة المسيح كما ذكرها برنابا وليس كما ذكرها يوحنا .
3- كما شرح برنابا كلاما ذكرته الأناجيل الأربعة بطريقة غير مفهومة مثل: -
أ- أن اليهود هتفوا أمام المسيح قائلين ( أوصنا لابن داوود ) وترجموها فيما بينهم بمعني (خلصنا ) فلا يستقيم المعنى ( خلصنا لابن داوود ) ؟؟؟ أما برنابا فقال أنهم قالوا (فصل 200) ( مرحبا بابن داود) .
ب- قالت الأناجيل أن المسيح قال " من قال لأبيه قربان فلا يلتزم" ؟؟؟ بينما قالها برنابا ( فصل 32) " إذا طلب الآباء من أبنائهم نقوداً يقول الأبناء: لا إن هذه النقود نذر لله ولا يعطون لآبائهم) . أيهما أوضح ؟؟
ج- كذلك ما جاء فى ( انجيل لوقا 14) على لسان المسيح " من لا يبغض أباه وأمه فلا يستحقنى" وهذا تحريض صريح على كراهية الأب والأم بينما جاءت فى برنابا فى ( فصل 26) " إن كان أبوك وأمك عثرة لك فى خدمة الله- فانبذهم ) ولا تنسى فضل المترجمان النصرانيان فى ترجمة كلمة فانبذهم وما شابهها- وان كان معناها أخف بكثير من كلمة يبغض والفارق بين الجملتين كبير جدا.
4- برنابا صحح أحداثا تناقضت فيها الأناجيل الأربعة تناقضاً كبيراً، واحتار فى تفسيرها علماء النصارى , وأوضح مثال هو قصة المرأة التي بكت أمام المسيح وسكبت العطور علي قدميه ( فصل 129 مع فصل 192 , فصل 205 ) وإليك اختلافات الأناجيل الأربعة في هذه القصة :
قال انجيل متى: حدث قبل عيد الفصح بيومين فى مدينة بيت عنيا عند سمعان الأبرص أن امرأة سكبت الطيب (العطر) على رأس المسيح فاغتاظ تلاميذ المسيح منها لأن العطر كان غالى الثمن.
وقال انجيل مرقص: نفس القصة وقال إن قوماً من الجالسين مع المسيح اغتاظوا من المرأة.
وانجيل لوقا : قال إن الحادثة وقعت قبل عيد الفصح بزمن طويل فى مدينة (كفرنا هوم) عند (فريسى) أي معلم دين كبير فجاءت امرأة خاطئة فسكبت الطيب على قدمي المسيح فاغتاظ الفريسى وقال " لو كان هذا نبيا لعلم أنها خاطئة " أي يرفض أن تلمسه هكذا.
وانجيل يوحنا: قال انها مريم ظاخت لعازر التى دهنت الرب بالطيب ومسحت رجليه بشعر رأسها؟؟ يعنى حدث هذا فى بيت لعازر وأن يهوذا تلميذ المسيح اغتاظ لأجل ثمن الطيب الباهظ لأنه كان سارقا يسرق ما يتبرع به الناس للفقراء.
واحتار الصحيحة موجودة فى برنابا فقال: كل علماء النصارى فى الجمع بين هذه الروايات وتضاربت التفاسير، بينما القصة الصحيحة موجودة فى برنابا فقال:" إن هذه المرأة المومسة هى(مريم المجدلية) وهى أخت لعازر وأن الحادثة تكررت مرتين فى بيت ( سمعان) الذى كان أبرصا ثم شفاه المسيح ، فى المرة الأولى جاءت تائبة تبكى عن زناها- فقال لها المسيح
" الرب الهنا يغفر لكي فلا تخطيء بعد ذلك" وفى المرة الثانية سكبت الطيب على رأس المسيح وملابسه فاعترض يهوذا الذي كان عنده صندوق جمع التبرعات للفقراء لأنه كان يسرق من الصندوق.
5- ذكر برنابا ‘أن المسيح كان يغتسل قبل الصلاة بحسب أمر الله فى توراة موسى وكان يصلي باستمرار فى أوقات ثابتة (الفجر- الظهر – العشاء) ويصوم فى أوقات محددة ، كما ذكر أن التلاميذ كانوا دائماً يصلون مع المسيح بانتظام ويصومون ويبكون متأثرين بتعاليم المسيح، وكذلك مريم أم المسيح كانت دائما تصلى لله وتبكى ( فصل 209) . وكانت دائما تتابع أخبار المسيح إذا سافر بعيدا عنها، كما ذكر بالتفصيل صلوات المسيح لله .
أما الأناجيل الأربعة فلم تذكر أي شيء من هذا بل ذكرت عكس ذلك مثل: أن التلاميذ
يخافون من المسيح ( مرقص 9: 32) وأنهم لا يصلون ولا يصومون (مرقص 16:12 ) لدرجة أن اليهود انتقدوهم بسبب ذلك فقام المسيح بالدفاع عن تلاميذه وشتم من ينتقدهم (مرقص19:2 ) .
6- ذكر برنابا تعاليما هامة للمسيح لم يذكرها أى انجيل من الأربعة ومنها:
- نجاسة الخنازير ( فصل 32)
- نجاسة عبادة الأصنام وتحريمها (فصل 33)
- فضل شريعة الختان (فصل 22)
- ما هو الكبرياء ( فصل 29)
- تعليم جميل عن الصلاة وسنة الصلاة (36،84)
- أنواع عبادة الأصنام فى العصر الحديث ( فصل 33)
- من هو المرائى ( فصل 45)
- حق الطريق والعدل ( فصل 49)
القضاء العادل (فصل 50)
- ابتلاءات الله للناس والأنبياء خاصة ( 99)
- الصدقة ( 125)
- الجحيم ودركاته ( 135)
- الجنة ودرجاتها ( 71)
- موعظة الموت والدفن (196-198) وغيرها الكثير...
هل يتخيل قارىء أن هذه الأناجيل الأربعة التى لم تذكر كلمة واحدة عن كل هذه الموضوعات الهامة وغيرها هى الصحيحة الصادقة وأن برنابا الذي ذكر كل هذه المواضيع وأكثر بالتفصيل هو الكاذب وأنه اخترعه شخص مسلم ؟؟!!
ومع ذلك فان المسيحيين يصدقون الأربعة ويكذبون برنابا مع (95) انجيلا آخر بدون أن يقرأوا منهم ورقة واحدة؟؟!! تماما كما كذبوا بالقرآن الكريم بدون أن يقرؤه ويسألوا عن معانيه.
وهناك أدلة أخرى كثيرة جدا وتوجد دراسة مقارنة كاملة بين برنابا والأربعة مع القرآن الكريم والإسلام فى أكثر من مائة صفحة-(مع الرأفة) – كلها تؤكد صحة وصدق برنابا وكذب وزيف الأربعة . والحمد الله على نعمة الاسلام والتوحيد.
وأنهى كلامي بشهادة المترجم النصراني لانجيل برنابا / خليل سعادة حيث كتب فى مقدمة هذا الإنجيل عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعن صحابته الكرام عليهم رضوان الله يقول:
" نهض نهضة مادت لها الجبال الراسيات،ونفخ فى قومه تلك الروح التي وقف لها العالم متهيبا ذاهلا، وجرى ذكره على كل شفة ولسان، وأتى من عظائم الأمور ما كان حديث الركبان، وخلفاؤه الذين دوخوا ممالك العالم وبسطوا مجدهم عليه .."
نقلاً عن : موقع الدكتور وديع أحمد (شماس مصري سابقاً).ب
http://wade3.jeeran.com/story.html
القلب الحزين
13-12-2013, 04:05 PM
شبهات وردود حول بعض القضايا القرآني
إعداد رشيدة مقيوش
منذ ظهور الإسلام والأعداء يحاولون التصدي لهذا الدين الجديد ومحاربته، وبالتالي الوصول إلى تشويه القرآن وتحريفه كباقي الكتب السماوية، لكن الله تعالى أفشل محاولاتهم وثبطها بأن أوكل إليه حفظ القرآن وأوكل إلينا العمل به قائلا(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)[الحجر9]، وقوله(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ {فصلت/41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [ فصلت42]وبما أن الله تعالى سد عليهم باب العبث في كتابه، وتطويعه لهوى أنفسهم، بدأوا يشككون فيه، يعارضونه تارة ويكذبونه أخرى، فقالوا عنه كتاب من صنع البشر لأنه مليء بالتناقضات فنسبوه إلى محمد(صلى الله عليه وسلم) لكن الله سبحانه أبى إلا أن ينصر هذا الدين بأعدائه حيث قدم هؤلاء خدمة كبيرة للإسلام فأثبتوا بكفرهم صحة القرآن وآياته وهم لايعلمون .
ومن بين ما ناقشه هؤلاء المستشرقون، القضايا التالية:
1) خلق السماوات والأرض
قال الله تعالى(ما أشهدتهم خلق السماوات ولاخلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا) [الكهف 51] فهذا إعجاز غيبي بليغ يخبرنا أن أهم قضية سيتناولها هؤلاء المضلون هي قضية خلق السماوات والأرض فسبحان الله العليم القدير.
* قالوا إن القرآن الكريم أخبرنا في عدة سور أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وفي سورة فصلت أن أيام الخلق ثمانية فقالوا إنها هفوة بشرية ونسيان لكنهم لم يفهموا دقة بلاغة القرآن وإعجازه.
*نرد عليهم فنقول:
قال الله تعالى في سورة [الأعراف54] (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) وكذلك قال في سورة يونس والفرقان أن خلقهما كان في ستة أيام أما قوله في سورة[ فصلت9-11] (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين* وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسا ئلين* ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أوكرها قالتا أتينا طائعين* فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها)
إذن إذا أحصينا أيام الخلق في سورة فصلت نجد ها ثمانية: يومين لخلق الأرض؛ أربعة أيام قدر فيها رزقها وبارك فيها، أيام الخلق هذه ستة أيام، ويومان آخران لخلق السماوات، إذن فهي ثمانية أيام، لكننا لو دققنا في الآية الكريمة لوجدنا بدايتها تختلف عن الآيات السابقة، فالآية بدأت بمخاطبة الكافرين الذين يجعلون لله أندادا ويجادلون فيه، أي أن الله أراد أن يخبرنا أن الذي يستخدم هذه الآية في التشكيك في القرآن هم أولئك الكافرون، الذين يريدون أن ينشروا ويذيعوا الكفر بين الناس، ويريدون أن يجعلوا لله أندادا، ثم خاطب هنا أولئك الذين سيأتون بعد قرون عديدة ليشككوا في القرآن مستخدمين هذه الآية في محاولة التشكيك، فالله تعالى يتحدث بعد ذلك عن إتمام خلق الأرض ثم يعطينا تفصيل الخلق فيقول خلق الأرض في يومين، فجعل فيها رواسي وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام، إن الله تعالى بين لنا أن مدة الخلق كلها بالنسبة للأرض هي أربعة أيام وليست ستة ولنضرب مثلا لذلك ولله المثل الأعلى؛ عندما نقول وضعت أساس العمارة في ثلاثة أشهر وأتممت بناءها في عام، هل معنى ذلك أن العمارة استغرقت عاما وثلاثة أشهر، لا، لقد أتممتها في عام ولكن جزء الأساس استغرق ثلاثة أشهر من عام البناء هنا تحدثت بالتفصيل والجزء من الكل ليس منفصلا ولا زائدا عنه لأن المرحلة الأولى جزء من الكل، إذن تفصيل الخلق جاء في سورة (فصلت) لأنه في باقي الآيات جاء مجملا ، فتحدث عن الأرض خلقها في يومين ،ثم أتم الخلق فيها بأن جعل فيها رواسي وبارك فيها أقوتها في أربعة أيام، يعني استغرقت الأرض وما فيها أربعة أيام، ثم خلق السماوات في يومين فأيام الخلق كلها ستة أيام .
2) قضية الود.....والمعروف
* قوله تعالى(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم) [المجادلة 22 ] ثم قوله (وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) [ لقمان15]فهنا يقول المستشرقون أن الله تعالى ينهانا عن أن نود من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءنا، وفي الآية الثانية يقول لا تودهم وصاحبهما بالمعروف فكيف يستقيم أمران مختلفان في نفس الشئ .
نرد عليهم فنقول :
إن المعروف يفعله الرجل لمن يحبه بقلبه ومن لايحب، كأن تساعد إنسانا في الطريق على الركوب أو تعطي مالا لشخص سرق منه ماله في الطريق وأنت لا تعرفه، فهنا أسديت معروفا عسى الله أن يجزيك عنه ولكن المودة مكانها القلب، انك لا تود إلا من تحب، فالمعروف لا يمس القلب ولكن المودة تمس القلب وفي المودة يكون القلب حاضرا، أما في المعروف لا يكون معه، والله لا يجعل لك قلبين في صدرك مصداقا لقوله (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) إنما امتداد المعروف هو رضاء الله تعالى، أما استعمال كلمة الود في الآية الأولى فلا تجد مثلا إنسانا مؤمنا يحب إنسانا يحارب الله ورسوله حتى ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم فالحب من داخل القلب ومن داخل النفس، فيأتي بمسألة الوالدين وينهانا أن نستخدم العنف ضدهما لأنهم في هذه الحالة يكونون في سن كبيرة ضعفاء اقتربوا من نهاية العمر، هؤلاء الذين قدموا لنا المعروف بأنهم قاموا بتربيتنا وبالسهر علينا فيأمرنا الله بأن نحتفظ لهم بالود إن كانوا مؤمنين، أما إن حاولوا أن يدخلوا الشرك إلى قلوبنا يطالبنا الله بألا نطيعهما، ولكن نصاحبهما في الدنيا معروفا، إرضاء لله تعالى وإرضاء للجميل، ولكن القلب لا يودهم فالمعروف لمن تحبه ومن لا تحبه، أما الود فلمن تحب فقط.
ثم يمضي المستشرقون في لغوهم وإعراضهم عن القرآن الكريم :
فيقولون : في سورة[الأحقاف15]يقول الله تعالى(ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها)و في سورة[لقمان14]يقول (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن)
إن الله تعالى أوصى بالوالدين ثم ذكر الأم وحدها دون الأب ولم يوصي بالأب.
نرد عليهم قائلين :
إن الله تعالى اختص الأم بالتوصية لأنها تقوم بالجزء الغير المنظور في حياة الابن أو غير المدرك عقلا لأن الطفل وهو صغير في الرضاعة وفي الحمل والولادة وحتى يبلغ ويعقل؛ الأم هي التي تقدم كل شيء هي التي تسهر ترضعه، وهي التي تحمل، وتلد، أما إذا كبر وعقل.. من الذي يجد أمامه..؟أباه ، طبعا إذا أراد شيئا فان أباه هو من يحققه له، إذا أراد مالا أو شراء شيء، كل هذا يقوم به الأب، إذن فضل الأب ظاهرا أمامه، أما فضل الأم فهو مستتر، لهذا وصى الله تعالى بالأم أكثر من الأب لأن الطفل حينما يحقق له أبوه كل رغباته يحس بفضل أبيه علبه، ولكنه ناذرا ما يقدر التعب الذي تعبته أمه، لذلك وصى الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بصحبة الأم في السفر قائلا (أمك، أمك ، أمك، ثم أبوك) .
3) (أتى أمر الله فلا تستعجلوه..)
يقولون أن الله تعالى يقول في سورة[النحل1] (أتى أمر الله فلا تستعجلوه )كيف يمكن أن يقول الله سبحانه وتعالى أتى، ثم يقول لا تستعجلوه، أتى فعل ماض لأنه حدث، ولا تستعجلوه مستقبل،
كيف يمضي هذا مع ذلك
نرد عليهم فنقول :
أنت حين تتحدث عن الله تعالى فيجب أن تضع في عقلك وذهنك وتفكيرك أن الله ليس كمثله شيء، أتى هذه في علم الله حدث وتم وانتهى في علم الله سبحانه، في علم اليقين، ولكن الأشياء تخرج من علم الله سبحانه إلى علم البشر بكلمة كن، الذي هو الأمر الذي يحمل التنفيذ، فالله سبحانه وتعالى عنده علم الساعة ومادام قد تقرر فليس هناك في الدنيا قوة تستطيع أن تمنع حدوثه، فلا تطلبوه بكلمة كن وأنتم في عجلة .لماذا ؟ لأن المؤمن الحقيقي إذا كان يخشى شيئا فانه يخشى يوم الساعة ويوم الحساب، يخشى عدل الله سبحانه الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها (ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) الكهف 49] فالإنسان المؤمن يخاف يوم الحساب ويخشاه مهما كان إيمانه، ويرتعد من هول ذلك اليوم، أما الكافر المتحدي لا يعرف معنى الآخرة والحساب فهو يستعجل لذلك ، قال الله تعالى (أتى أمر الله ) أي أن الساعة تقررت وانتهى أمرها، ثم الأمر فلا تستعجلوه، أي لا تتعجلوا يوم الحساب لأنكم تجهلون ما فيه من أهوال فهي بالنسبة لله تم وانتهى، ولكنه بالنسبة لي أنا مستقبل، فليس هناك أي تناقض بين استخدام الماضي والمستقبل حينما يقول الله تعالى كلمة كن وينفخ في الصور، لا يملك إنسان أن يمنع الله تعالى من تنفيذ أمر قدره مادام قد قال أتى، لا أحد يملك مقومات الغد ولكن الذي يملكها هو الله، إذن فقد تم فعلا ولكنه محجوب عني لذلك قال الله تعالى (فلا تستعجلوه ) .
4) هل رأى محمد ..؟؟؟
في قوله تعالى ( ألم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) [ الفيل 1]يقول المستشرقون أن محمدا ولد عام الفيل فكيف يكون التعبير (ألم تر ) وهو لم ير شيئا .
نرد عليهم بقولنا :
إن هذه قضية من قضايا الإيمان ما يقوله الله سبحانه للإنسان المؤمن هو رؤيا صادقة فعندما يقول الله *ألم تر* معناها الرؤيا مستمرة لكل مؤمن بالله، لان الرؤيا هنا معجزة كبرى، والله يريدها أن تثبت في عقولنا لأن قضية الإيمان الكبرى هنا هي أن الله سبحانه في معجزة قد خلق من الضعف قوة ،وهذه لا يستطيع أن يفعلها إلا الله لأن الله تعالى استخدم أضعف مخلوقاته ليهزم خلقا من أقوى مخلوقاته، وهذه معجزة لا يمكن أن تتم إلا على يده سبحانه، فشكك المستشرقون في هذه القضية وادعوا أن الذي فتك بجيش أبرهة هو الأمراض والجراثيم، لكن عام الفيل حدث عند مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعث عليه السلام في سن الأربعين، وكان في ذلك الوقت من هم في سن الخامسة والخمسين، والسبعين، ممن رأوا عام الفيل رأي العين، فلو لم تأت هذه الطير، ولم تلق بحجارة من سجيل، ولم تجعل الجيش كعصف مأكول، لقام هؤلاء الناس وأثبتوا أن ذلك لم يقع وكذبوا محمد عليه السلام، لكنهم عاشوها وعاصروها، إن كلام الله تعالى بالنسبة للمؤمن هو يقين بمثابة الرؤيا الدائمة، لذلك قال الله تعالى (ألم تر ) ولم يقل رأيت أو علمت (ألم تر) حاضر متجدد مستمر يحدث وسيحدث على مر السنين إلى يوم الساعة، انه قضية الحق ينصر الله المظلوم على الظالم مهما كانت قوة الظالم ومهما كان ضعف المظلوم.
5) من هم الكاذبون ..؟؟؟
قوله تعالى (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) [ المنافقون1] يقول المستشرقون إن المنافقون قد شهدوا أن محمدا رسول الله وأن الله يعلم أن محمدا رسوله ويعلم أيضا أن المنافقون كاذبون كيف يكون المنافقون كاذبون وهم شهدوا بما شهد الله، كيف تكون الشهادتان متفقتين في أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك يكون المنافقون كاذبين، مع اتفاق ما شهدوا به مع علم الله، مع أن الكذب هو عدم مطابقة الكلام للواقع، فهل كلام المنافقين بأن محمدا رسول الله ليس مطابقا للواقع ؟ هذا تناقض هكذا يقول المستشرقون .
نرد عليهم فنقول :
التكذيب يقع هنا على كلمة (نشهد) لأنهم قالوا نشهد أنك لرسول الله، فالتكذيب وارد على كلمة (نشهد) لأن معنى الشهادة: أننا نقول بألسنتنا ما في قلوبنا، والله يعلم أن ما في قلوبهم يخالف ما يقولونه بألسنتهم إذن فقولهم (نشهد أنك ) كلمة نشهد، هم كاذبون فيها، كاذبون في أمر الشهادة لأنهم لا يشهدون ولا يؤمنون أن محمدا لرسول الله، إنما جاءوا لينافقوا بهذا الكلام لاعن صدق، ولكن عن نفاق، محمد رسول الله لا تكذيب فيها، ولكن التكذيب منصب على كلمة نشهد، وهنا فرق بين الشاهد والمشهود به، فرق تكذيب الشهادة وليس تكذيب المشهود به، والمشهود به أنك رسول الله صحيح مائة بالمائة ولكن شهادة المنافقين هي المكذبة .
6) السؤال ليس للعلم :
إن الله تعالى يقول في الرحمان (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه انس ولاجان ) [ الرحمان39] ويقول في [الصافات 24] (وقفوهم إنهم مسؤولون) فيقول المستشرقون أن هناك تناقض، في الأولى نفي للسؤال، وفي الثانية إثبات للسؤال إذن محمد نسي .
نقول لهم :
إنكم لا تعلمون أنواع السؤال: فهو نوع تسأله لتعلم، ونوع تسأله ليكون المسؤول شاهدا على نفسه، فالتلميذ حين يسأل أستاذه يسأله ليعلم ليعرف العلم، ولكن حين يسأل الأستاذ تلميذه لا يسأل للعلم، ولكن يسأله ليكون شهيدا على نفسه، لا يستطيع أن يجادل أو يقول لقد حفظت وهو لم يقرأ حرفا، فأسئلة الامتحانات التي تضعها الوزارة لا تضعها لأنها تريد أن تتعلم من الطلبة، ولكن ليكون الطالب شاهدا على نفسه فورقة الإجابة موجودة وهي شاهدة على درجة الطالب سواء (ممتاز أوضعيف ) فالآية الأولى (فيومئذ لايسأل عن ذنبه انس ولا جان ) فهي تنفي السؤال للمعرفة والله أعلم بذنوبهم فهو غير محتاج لأن يسأل للعلم، أو ليعرف منهم لأنه أعلم منهم، ولأن السائل أعلم من المسؤول، أما الآية الثانية (وقفوهم إنهم مسؤولون ) أي إنكم ستسألون لتقروا الحقيقة والواقع في الحساب لا لتقولوا شيئا لا يعلمه الله، لتكونوا شهداء على أنفسكم،
فأين هو التناقض فالله سبحانه يتحدث عن الكافرين والمكذبين، قال تعالى (وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين* هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون *احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون* من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم* وقفوهم إنهم مسؤولون) فالسؤال هنا ليكونوا شهداء على أنفسهم هذا الذي كنتم به تكذبون ،هذا ما عبدتم من دون الله ،هاهو وقت الحساب لتكونوا شهداء على أنفسكم .
تحذير وتنبيه
إن الله تعالى حفظ كتابه من تدليس الأعداء، فجعله معجزة خالدة ترد على الشبهات العالقة به، لهذا لم يستطيعوا دس سمومهم فيه، ولكنهم لكامل الأسف استطاعوا الوصول إلى كتب التفسير، والسيرة فحشوها بالإسرائيليات، مغتنمين انتهاء عهد المخطوطات، وظهور عهد المطبوعات، فالمكتبات الإسلامية تعج بالكثير من هذه الكتب المشبوهة، التي تضل فكر المسلم، وتعمي بصيرته، لهذا على العلماء والمفكرين الإسلاميين، تنقية الثرات الإسلامي من كل الشوائب، وتحري الدقة والتحقيق في ذلك.
المصادر والمراجع
1) القرآن الكريم
2) معجزة القرآن الكريم لمحمد متولي الشعراوي
لمراسلة المؤلف :
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 04:08 PM
اللـه جل جلاله واحــد أم ثلاثــة ؟
اللـه جل جلاله
واحــد أم ثلاثــة ؟
د. منقذ بن محمود السقار
فهرس موضوعات الكتاب
المسيح في معتقد المسلمين
عقائد الفرق المسيحية
أدلة النصارى على ألوهية المسيح
أولاً : نصوص نسبت إلى المسيح الألوهية والربوبية
ثانياً : نصوص بنوة المسيح لله
ثالثاً : نصوص الحلول الإلهي في المسيح
رابعاً: نصوص نسبت صفات الله إلى المسيح
خامساً: نصوص نسبت أفعال الله إلى المسيح
سادساً : دلالة معجزات المسيح على ألوهيته
النصوص الكتابية المناقضة لألوهية المسيح
مبررات تجسد الابن
هل المسيح هو الله؟
استدلال النصارى بآيات من القرآن على ألوهية المسيح
ألوهية الروح القدس
أدلة النصارى على عقيدة التثليث
نقد عقيدة التثليث
نشأة التثليث في النصرانية
التوحيد في التاريخ النصراني
مصادر القول بألوهية المسيح
ألوهية المسيح عقيدة منحولة من الوثنيات القديمة
العبادات الوثنية في النصرانية
أولاً : تأليه مريم عند الكاثوليك
ثانياً : عبادة الصليب والصور والتماثيل
ثالثاً : العشاء الرباني
يمكن تحميل الكتاب
أضغط هنا لتحميله
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/icon/rar_2.jpg.jpg (http://www.quran-m.com/words/allah.rar)
القلب الحزين
13-12-2013, 04:10 PM
ردود على شبهات حول مكانة المرأة في الإٍسلام
الحمد لله نحمده و نستعينه و نستهديه و نسترشده و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد و من يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ..
اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و فقهاً في الدين ، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ..
مكانة المرأة في الإسلام
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)) .[2]
((وما أكرم النساء إلا كريم ، ولا أهانهن إلا لئيم يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم)) ، وفي زيادة: ((وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً)) .[3]
وقال عليه الصلاة والسلام موجهاً الخطاب إلى النساء ، قال لإحداهن : ((اعلمي أيتها المرأة ، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله)) .[4]
كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته كان بسَّاماً ضحاكاً ، وقد وصف النساء فقال : إنهن المؤنسات الغاليات ...[5]
يروي ابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه : ((ما من مسلم له بنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه ، أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة)) [6].
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ كَانَ لَهُ ثلاثُ بَنَاتٍ، أَوْ ثلاثُ أَخَوَاتٍ ، أَوِ ابْنتانِ ، أَوْ أُخْتانِ ، فَأَحْسَنَ صُحْبَتهُنَّ ، وَاتقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنة)) .[7] وفي رواية تضاف إلى هذا الحديث: ((فأدبهنَّ ، وأحسن إليهنَّ ، وزَوَّجهنَّ فلهُ الجَنة)) .
فهذا هو الدين و هذه نظرة الإسلام للمرأة ، و لكن ... ظهرت مؤخراً الكثير من الدعاوى لتحرير المرأة و مساواتها مع الرجل ، و عابوا على الإسلام أنه أعطى للرجل ما لم يعطه للمرأة فقالوا أن المرأة ترث نصف الرجل و القوامة في البيت للرجل و يعيبون على النبي الكريم بعض أحاديثه مثل قوله عن النساء أنهن(( ناقِصَات ُعقل و دِين ))[8] أو قوله (لَنْ يُفلِحَ قَومٌ وَلّوا أَمْرِهُمْ امْرَأَة )[9] و طالبوا بإلغاء هذه التشريعات من الإسلام و مساواة المرأة مع الرجل في كل شيء ؛ في الميراث ، و العمل ، و أن لا يكون للرجل عليها قوامة و مؤخراً تطالب بعض النساء بحقها في الإمامة في صلاة الجمعة و الأذان والصلاة بالرجال....
و للنظر معاً في الأشياء التي جعل الله سبحانه و تعالى المرأة فيها مساوية للرجل في التكليف و التشريف :
* المساواة في الثواب و العقاب :
لقوله تعالى : (( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )) [10]
لو أن الله سبحانه وتعالى قال : إن المسلمين ، والمؤمنين والقانتين والصادقين والصابرين والخاشعين إلى آخر الآية لكانت هذه الآية تشمل الرجال والنساء ، ولكن الله أراد أن يؤكد ، وأن يبين ، وأن يزيل اللبس من أن المرأة كالرجل مساوية له تماماً في التكاليف الشرعية ، وفي أركان الإيمان ، وفي أركان الإسلام .
و قوله تعالى : (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )) [11]
و قال تعالى : (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )). [12]
و قال سبحانه : (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)) [13]
* المساواة في حق الحياة :
قال سبحانه و تعالى : (( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ )) [14]
وفقهاء الشريعة الإسلامية يقررون أن الرجل يُقتل بقتل المرأة ، فكرامتها من كرامته ، وكرامته من كرامتها .
* المساواة في التشريف :
جعل الذين يرمون المحصنات الغافلات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء جعل قصاصهم أن يُجلدوا ثمانين جلدة ، وألا تُقبل لهم شهادة أبداً ، حتى لو تابوا لابد من أن يُجلدوا ثمانين جلدة ، فعقاب الدنيا لا يسقط بالتوبة ، لذلك ورد في الأثر: ((قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة)) .
* و لعل من أهم الأدلة على المساواة بين الرجل و المرأة في الإسلام قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )) [15] فجعل التفاضل بين كل الناس سواء كانوا رجالاً أم نساءً ، بيضا ً أم سودا ً ، عربا ً أم عجما ً بالتقوى وحدها
* و المرأة مساوية للرجل تماماً في الأقارير (أي جمع إقرار) ، والعقود والتصرفات . يعني بإمكانها أن تشتري ، وأن تبيع ، وأن تقرَّ بيعاً أو شراءً ، فالتبر ، والصدقة ، والدين ، والوقف ، والبيع ، والشراء والكفالة ، والوكالة كلها ، المرأة فيها مساوية للرجل تماماً .
هذه بعض الأشياء التي ساوى الإسلام فيها بين الرجل و المرأة و ليست كلها ، و لكن الشيء الجدير بالذكر في هذا الموضع أن كلمة مساواة بين الرجل و المرأة مجحفة بحق المرأة و هي ليست من الإسلام و إنما أدخلها علينا الحاقدون على ديننا و المطالبون بهدم شرائعه فهذه الكلمة توحي بأن المرأة أقصى ما يمكن أن تصل إليه هو مساواتها مع الرجل و لكن الإسلام لا يقول هذا فكم من نساء سبقن الرجال بالتقوى و بالعلم و في كافة مجالات الحياة ؟!!
فهذه السيدة عائشة التي يقول فيها سيدنا عروة بن الزبير ((ما رأيت أحداً أعلم بفقه ، ولا بطب ، ولا بشعر من عائشة رضي الله عنها)).
و السيدة خديجة التي بشرها النبي صلى الله عليه وسلم ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه و لا نصب[16]
فعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى جِبْرِيلُ النبي - صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتتكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هي أَتتكَ فَاقرَأ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ في الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ.[17]
وأول امرأة شهيدة قُتلت في الإسلام : سمية وزوجها ياسر قتلا دفاعاً عن عقيدتهما ، وعن تمسكهما بهذا الدين القويم ، فالمرأة أيضاً تدعو إلى الله ، وتنشر هذا الدين في الحقل الذي يناسبها ، وفي الحدود التي يسمح لها به .وكثيرة جداً الأحاديث التي روتها أمهات المؤمنين ، وكثيرة جداً تلك الأقوال المنسوبة إليهن في التفسير ، وفقه الحديث ، وكثيرات جداً النساء اللواتي حفظن كتاب الله ، أو حفظن كثيره[18].
و بعد هذا كله يأتي من يدعي أن المرأة لم تتساو مع الرجل في ظل الشريعة الإسلامية !! و يتفوهون بأشياء نستحيي - نحن المسلمون - أن نرد عليها لشدة تفاهتها فيقولون - أو فيقلن - : ( لماذا لم يخاطب الله سبحانه في قرآنه إلا الرجال في أغلب الآيات فيقول جل و علا : يا أيها الذين آمنوا .. و لا يقول سبحانه : يا أيتها اللواتي آمن َّ ..)
ونحن نقول لهؤلاء لماذا لم ينزل الله سبحانه وتعالى سورة الرجال؟؟
إن الله سبحانه و تعالى لحكمته المطلقة خاطب الرجال في أكثر الآيات لأن اللغة العربية تقتضي تغليب الذكر في الخطاب و ليرجع من يشك في هذا إلى كتب اللغة ليجد أن جميع الخطب التي كانت موجهة للنساء و الرجال على حد سواء تأتي فيها صيغة المذكر بشكل كبير فهل هذا يعني أن النساء غير معنيات بالأمر ؟؟؟
و إذا كان هذا صحيحاً فيجب على الجن أن يعترضوا لأن أغلب آيات القرآن تقول( يا أيها الناس ... ) و لم تأتِ ( يا معشر الجن والإنس..) إلا في آيات قليلة ، و لذلك الله سبحانه و تعالى يعلم الغيب و أخفى و يعلم ما في الصدور فعلم أن سيخرج من ينتقد على قرآنه العظيم قلة ذكره للنساء و الجن في الخطاب الرباني فأنزل سبحانه سورة كاملة أسماها سورة النساء و سورة أسماها سورة الجن .. فيال عظم حكمته و تقديره .
و نتيجة لضعف نفوسنا ، و قلة ثقتنا بربنا و دينه ، و قلة علمنا ، أثار الكثير من المغرضين الحاقدين على هذا الدين عدداً من الشبهات و الأوهام المضحكة ، و للأسف الشديد تمكنوا من إقناع الكثير من المسلمين بها ، لذلك فالمطلوب منا تجاه هذه الشبهات أولاً مزيد ٌ من الثقة بربنا و بحكمته - خفية ً كانت أو ظاهرة - في كل حكم شرعي و في كل خلقه ..و ثانياً : يجب علينا ألا نقلق على هذا الدين لأنه دين الله و لله دين يحميه ، و لكن علينا أن نقلق فيما إذا سمح الله لنا بأن نكون جنود دينه أم لم يسمح ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا .. آمين.
شبهات حول آيات قرآنية كريمة عن المرأة
قوله تعالى (( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ )) [19]
قوله تعالى (( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ..))[20]
قوله تعالى (( الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..))[21]
قوله تعالى (( واللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا))[22]
قوله تعالى (( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ))[23]
· قوله تعالى (( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ )) [24]
يتخذ البعض من قول تعالى (( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ )) [25] قاعدة مطردة نافذة في حال كل رجل وامرأة يلتقيان على قسمة ميراث..و يكفينا للرد عليهم أن نقول لهم انظروا إلى بداية الآية إن الآية تبدأ بقول الله تعالى: (( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ )) إذن فبيان الله تعالى يقرر هذا الحكم في حق الولدين أو الأولاد. ، و يجب أن لا ننسى أن المرأة في بعض الأحيان ترث بقدر ما يرث الرجل و أحياناً أخرى ترث أكثر منه و كمثال على كل من الحالتين نذكر هاتين القاعدتين الفقهيتين :
إذا ترك الميت أولاداً وأباً وأماً، ورث كل من أبويه سدس التركة، دون تفريق بين ذكورة الأب وأنوثة الأم، وذلك عملاً بقوله تعالى: (( وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما السُّدُسُ ))[26].
إذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها، فإن ابنتها ترث النصف، ويرث والدها الذي هو زوج المتوفاة، الربع، أي إن الأنثى ترث هنا ضعف ما يرثه الذكر.
والحكمة في هذا التفاوت ، في هذه الحالة بالذات - الحالة التي تثار حولها الشبهة -: هي أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى ـ هي زوجه ـ مع أولادهما.. بينما الأنثـى الوارثة أخت الذكر إعالتها ، مع أولادها ، فريضة على الذكر المقترن بها.. فهي ـ مع هذا النقص في ميراثها بالنسبة لأخيها ، الذي ورث ضعف ميراثها ، أكثر حظًّا وامتيازاً منه في الميراث.. فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ، لجبر الاستضعاف الأنثوي ، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين..[27]
· قوله تعالى (( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ..))[28]
وأما الشهادة، فقد كانت هي الأخرى دليلاً آخر على ظاهرة اللامساواة بين الرجل و المرأة، وأساس ذلك عندهم قول الله تعالى: (( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ..)) [29].
و نرد باختصار : أن الشروط التي تراعى في الشهادة، ليست عائدة إلى وصف الذكورة أو الأنوثة في الشاهد، ولكنها عائدة في مجموعها إلى أمرين اثنين:
أولهما : عدالة الشاهد وضبطه..
ثانيهما : أن تكون بين الشاهد والواقعة التي يشهد بها صلة تجعله مؤهلاً للدراية بها والشهادة فيها.
إذن فشهادة من خدشت عدالته، أو لم يثبت كامل وعيه وضبطه، لا تقبل، رجلاً كان الشاهد أو امرأة.. كذلك لابدّ من أن يتحقق القدر الذي لابد منه من الانسجام بين شخص الشاهد والواقعة التي يشهد فيها، وإلاّ ردّت الشهادة رجلاً كان الشاهد أو امرأة، وإن تفاوتت العلاقة بين المسألة التي تحتاج إلى شهادة وأشخاص المتقدمين للشهادة، كانت الأولوية لشهادة من هو أكثر صلة بهذه المسألة وتعاملاً معها.
وانطلاقاً من هذه القاعدة، فإن الشارع يرفض شهادة المرأة على وصف جناية ما وكيفية ارتكاب الجاني لها، إذ أن تعامل المرأة مع الجرائم وجنايات القتل ونحوها، يكاد يكون من شدة الندرة معدوماً، والأرجح أنها إن صادفت عملية سطو من هذا القبيل، فستفر من هذا المشهد بكل ما تملك، وعلى العكس من ذلك شهادة المرأة من أمور الرضاعة والحضانة والنسب.. فإن الأولوية فيها لشهادة المرأة ، إذ هي أكثر اتصالاً بهذه الأمور من الرجل، بل ذهب الشعبي إلى أن هذه الأمور مما لا يصح فيها إلا شهادة النساء[30].
· قوله تعالى (( الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..))[31]
قال تعالى : ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم ))[32] و هذه الدرجة هي درجة القوامة ، و قال تعالى : (( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً * ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان و الأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيداً * الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..)) [33]
نلاحظ من الآيات الكريمة أن الله سبحانه و تعالى قرن بين المساواة بين الرجل و المرأة و قوامة الرجل فهذه القوامة درجة تكليف لا تشريف فالإسلام كرّم المرأة أيما إكرام ففرض على الرجل أن يؤمن لها كل ما تحتاجه و هي جالسة في بيتها و تعيش عيشة الملوك ! و فرض عليه أن يعاملها كما يحب أن تعامله(( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) قال ابن عباس حبر الأمة ، الذي دعا له رسول الله عليه الصلاة و السلام أن يفقهه الله في الدين : ((إنني لأتزين لامرأتي ، كما تتزين لي ، لهذه الآية ))[34] و فرض عليه أن يشاورها في أموره كلها كما سن لنا رسول الله عليه الصلاة و السلام فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل يوم صلح الحديبية على أم سلمة يشكو إليها أنه أمر الصحابة أن يتحللوا وينحروا هداياهم ويحلقوا رؤوسهم فوجموا ولم يفعلوا، فقالت: يا رسول الله، أتحب ذلك؟.. اخرج ولا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلق لك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل ما قالته أم سلمة [35]، وقد أوضح الحسن البصري ما يؤخذ من هذه الواقعة، من شرعية استشارة النساء، فقال: إنَّ رسول الله كان في غنى عن مشورة أم سلمة، ولكنه أحب أن يقتدي الناس في ذلك، وأن لا يشعر الرجل بأي معرة في مشاورة النساء.
و القوامة التي أخبر الله عنها هي قوامة إدارة ورعاية، لا قوامة تحكّم بل إن كلمة ((قوامة)) لا تصلح في مدلولها اللغوي لهذا الوهم الثاني فقط ، و الله عز وجل نفى أن يكون للرجل ولاية على المرأة، ولم يجعل لرجولته سلطاناً يبرر ذلك.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
13-12-2013, 04:11 PM
يتبـــــــــع الموضوع السابق
ردود على شبهات حول مكانة المرأة في الإٍسلام
وأثبت الله عز وجل في مكانها ما لم يعرفه أي قانون وضعي إلى اليوم، وهو ما نعبر عنه في الشريعة الإسلامية بالولاية المتبادلة، فقال: ((الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ))[36] فإذا أسقط البيان الإلهي ولاية الرجل على المرأة بهذا القرار الواضح الجلي، فأي معنى بقي إذن للقوامة التي أخبر في هذه الآية عنها؟.. المعنى الباقي لها هو الإدارة والرعاية، ومصدر استحقاق الرجل للأولى، كونه هو المنفق عليها والقانون الدولي يقول: من ينفق يشرف، أما مصدر رعايته لها، فما قد قضى به الله الفاطر الحكيم من أن سعادة كل من الرجل و المرأة، في أن تكون المرأة في كنف الرجل، لا أن يكون الرجل في كنف المرأة، وإن واقع الدنيا كلها أفصح بيان ينطق بذلك.[37]
· قوله تعالى (( واللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا))[38]
إن الله سبحانه و تعالى أمر بهذا الأمر بعد عدة وسائل لإصلاح الزوجة و حفظ البيت المسلم من الانهيار و هي الوعظ الكلامي ثم الهجر الذي يعد من العقوبات النفسية و إذا لم تنجح كل هذه الطرق فعليه - أي الزوج - أن يلجأ لعقوبة نفسية أشد من الهجر و هي الضرب غير المبرح فهو لا يقصد به الإيذاء أبداً و إنما هو كضرب الرجل ابنه لا يعدو أن يكون تأديباً ..
فإذا قيل فلماذا يكون حق التأديب حكراً على الرجال دون النساء ؟ فإن الجواب على هذا يكون بأننا اتفقنا أن الرجل هو القوام على المرأة و أن المرأة تعيش تحت كنفه و في رعايته فلهذا يكون هو الرئيس و المدير العام لشؤون البيت و أي خطأ يرتكبه أفراد البيت فيجب عليه هو القيام بمهمة التأديب ، و أما إذا جعلنا كلاً من المرأة و الرجل رئيسين لمؤسسة واحدة فلا يجتمع - كما يقال - ديكان على مزبلة ، و لن تؤدي هذه المؤسسة التي تصنع للمجتمع أفراده مهمتها العظيمة الموكولة إليها.
كما أننا عندما نبحث في تشريع الضرب للمرأة الناشز و التي لم تنفع معها عدة وسائل بعد تجريبها فيجب علينا ملاحظة عدة نقاط :
1. مع تشريع الضرب تم تحديد نوعيته وماهيته فهو ليس ضرب انتقام وتشفي ، و إنما الحكمة منه توصيل رسالة بعدم الرضى ، وقال ابن عباس وعطاء: ( الضرب غير المبرح بالسواك، ويتجنب الوجه، وأن لا يترك الضرب أثراً على الجسد ).
2. مع تشريع الضرب كوسيلة إلا أن هناك أحاديث كثيرة نهت عنه مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (( لاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا في آخِرِ الْيَوْمِ )) . [39]
3. وفي بعض حالات الانحراف السيكولوجي لا تجدي مع المصاب إلا وسيلة الضرب، ويطلق علماء النفس على هذا الانحراف اسم " الماسوشزم " ، وصاحب هذا المرض لا يتعدل مزاجه إلا بعد معاملة قاسية حسياً ومعنوياً، وهذا النوع من الانحراف كما يقرر علم النفس أكثر ما يصيب النساء، إذ يصاب الرجل بانحراف " السادزم" وهو التمتع باستعمال العنف أما في الحالات الأخرى التي لا تصل إلى مرتبة المرض، فلا يجوز استعمال الضرب،إذ لا ضرورة له ولا يجوز المبادرة إليه ، ولعل ذلك يصلح مع بعض حالات الناس.
4. أعطى الإسلام المرأة عدة وسائل لعلاج انحرافات الرجل منها النصح و الإرشاد كما يجوز لها الهجر في المضجع في بعض الحالات كأن يطلب منها زوجها أن يجامعها في الدبر أو في المحيض ... مع ابتعاد المرأة عن وسيلة الضرب لأنها لو ضربت الرجل فسوف يتحول إلى وحش كاسر و يحطمها ، و لكن يجوز لها أن تطلب من وليها - أو القاضي - أن يضرب زوجها إذا أساء إليها بحيث يكون الولي رجلاً يتحمل مقاتلة الرجال .
5. كذلك فإن المرأة التي ارتضت قوامة الزوج عليها أن ترضى تأديبه لها بالمعروف إذا نشزت .. [40]
والمتمحص في أمر الإسلام و شرعته يجد منه تركيزاً شديداً على أمور الإمارة فقد قالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ. قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ كَيْفَ قَالَ « يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بهداي وَلاَ يَسْتَنُّونَ بسنتي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثْمَانِ إِنْسٍ ». قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ « تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ » [41].
و عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أطاعني فَقَد أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عصاني فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ الأَمِيرَ فَقَدْ أطاعني وَمَنْ عَصَى الأَمِيرَ فَقَدْ عصاني وَالأَمِيرُ مِجَنٌّ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ إِذَا وَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَكُمْ وَإِنْ صَلَّى قَاعِداً فَصَلُّوا قُعُوداً »[42]
فلذلك أمر الضرب لم يكن مقصوراً على علاقة الرجل بالمرأة في عقد الزواج و إنما هو في كل حالات الإمارة (( تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ )).
و في نهاية الرد على هذه الشبهة الباطلة أقدم نصيحة لمن يتحذلقون بهذه الشبهة من الغربيين و العلمانيين أن الذي بيته من زجاج فلا يجدر به أن يرمي الناس بالحجارة
يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي : تنتشر في أمريكا اليوم ملاجئ كثيرة من نوع خاص، لاستقبال النساء اللائي أتيح لهن الفرار من وابل الضرب والتحطيم، من قبل الأزواج أو الأصدقاء، وتحيط بهذه الملاجئ ديكورات مزخرفة للتمويه، ابتغاء قطع السبيل إلى معرفة هذه الأماكن التي يأوي إليها هذا القطيع الكبير من النساء المنكوبات، كي لا يلاحقهن الأزواج أو الأصدقاء بالضرب والأذى إلى المأمن الذي التجأن إليه!..
وقد كتب (صلى الله عليه وسلمicha rd. F. Jones) الأستاذ في معهد القبالة وأمراض النساء في أمريكا مقالاً عن هذه الظاهرة الوبائية المخيفة بعنوان:( Voices be Heard Domestic Violence Let Our) افتتح مقاله بقوله: هناك وباء يجتاح بلادنا، إنه لشنيع، وإنه غير قابل للتجاوز عنه. ثم قال الكاتب: إنه في كل (12) ثانية امرأة تضرب إلى درجة القتل أو التحطيم، من قبل صديق أو زوج. وفي كل يوم نرى نتائج هذا الضرب وآثاره في مكاتبنا في غرف الطوارئ لدينا، وفي عياداتنا!..
· قوله تعالى (( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ))[43]
قال تعالى : (( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)) [44]
أولاً : اشترط الله سبحانه في تعدد الزوجات العدل فقال سبحانه (( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً )) و قال سبحانه :(( وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا )) [45]
ثانياً : الإسلام اشترط عدم القرابة بين الزوجتين حتى لا يكون الحقد بينهما فنهى أن يجمع الرجل بين البنت و أختها أو عمتها أو خالتها .
ثالثاً : الإسلام أباح تعدد الزوجات ، و لم يوجبه ، و لم يشجع عليه ، لذلك فاللجوء إليه يكون في حالات الضرورة كأن تكون الزوجة الأولى مريضة مرضاً يمنعها من القيام بوظائفها الأساسية في الحياة الزوجية ، أو عاقراً ، و يبرز دور التعدد في حالات الحروب الطويلة الأمد ، حيث يموت الكثير من رجال الشعب و يبقى الكثير من النسوة ، فهنا ؛ و مع الحاجة الماسة لرجال يقفون في وجه الأعداء و لبنات تستمر الحياة بهن َّ يتزوج الرجل الواحد - من الرجال الباقين - بأكثر من امرأة فينجب عدداً أكبر من الأولاد الذين سيستمر بهم نسل هذه الأمة .
رابعاً : و هو الأهم أننا إذا أمعننا النظر في آية تعدد الزوجات قال الله تعالى: (( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة...)) [46].
فسوف نلاحظ أنها جاءت لحماية حقوق الأيتام ، والنصّ الكريم مؤلف ـ كما قال الإمام القرطبي في تفسيره ـ من جزأين ؛ شرط هو: (( إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى)) وجوابه: ((فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)) , إذاً فهناك علاقة قوية بين إعطاء الأيتام حقوقهم و بين تعدد الزوجات فلا يكفي أن تنشئ الدول دوراً للأيتام و ذلك لأنه في دور الأيتام تقدم كافة الحاجات الجسدية و النفسية تقريباً للأطفال و في المقابل يحرم الطفل في هذه الحالة من أهم ما يملكه طفل و هو الشعور بحنان الأمومة و الشعور بحنان الأبوة و الشعور بوجود الأخوة ، أما في نظام تعدد الزوجات الرباني فنجد أنه حينما تكون امرأة مطلقة أو أرملة و لديها أولاد فيتزوجها رجل متزوج فيضم أولادها إلى أولاده و تنصهر كل الفوارق بينهم حتى أنه يصبح - أي الطفل - محرماً عليه الزواج من بنات زوج أمه ، كما يحرم على زوج الأم أن يتزوج ربيبته ( ابنة امرأته من زوج سابق )... ، فهل هناك من حفظ حقوق المطلقة و الأرملة و اليتيم أكثر ممن شاء لهم أن يكونوا كما شاء ؟؟.. فسبحانه الملك الحق تعالى عما يشركون ...
المصادر :
· حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين - النموذج الإسلامى لتحرير المرأة – الجمهورية العربية المصرية – وزارة الأوقاف المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية –http://www.awkaf.org
· موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية – الدكتور محمد راتب النابلسي http://www.nabulsi.com
· قالوا عن الإسلام – الندوة العالمية للشباب الإسلامي
· غداً عصر الإيمان – الشيخ عبد المجيد الزنداني
· الإعجاز العلمي في الإسلام السنة النبوية لمحمد كامل عبد الصمد
· www.buti.com موقع الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي .
· www.almutawa.info موقع الأستاذ جاسم المطاوع .
· محاضرة للأستاذ الداعية : عمرو خالد بعنوان ( مكانة المرأة في الإسلام ) http://www.amrkhaled.net (http://www.amrkhaled.net/)
المراجع : للمزيد حول هذا الموضوع
· رسائل إلى العقل الغربي الأمريكي والأوروبي الإسلام وحقوق المرأة ( 2 ) - بقلم أ . د . عبد الصبور مرزوق الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية – القاهرة ، عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة
· شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام – د . نهى قاطرجي
· المرأة في الإسلام 1/2 : المساواة بين الذكور والإناث . خطبة جمعة عادية للأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
· مقالات متنوعة أرجو ممن يريد المزيد من المقالات و الكتب المتعلقة بهذا الموضوع مراسلتي و سأقوم إن شاء الله بتزويده بما عندي mailto:
[email protected] (
[email protected])
[1] 164 مليار دولار ميزانية التنصير في العالم لعام 1990 24580 عدد المنظمات التنصيرية في العالم منها 20700 منظمة في مجال الخدمة و 3880 منظمة تبعث منصرين متخصصين في مجالات التنصير والإغاثة98720 معهدا تنصيريا 273770 عدد المنصرين المتفرغين للعمل خارج إطار المجتمع النصراني (خارج المقال: هذا غير المنصرين من صانعي الخيام أو غيرهم .. )1900 إذاعة تبث إلى أكثر من 100 دولة وبلغاتهاأكثر من 150 مليار دولار مجموع التبرعات التي حصل عليها المنصرون خلال عام واحد المصدر : كتاب التنصير - د علي النملة ، و قد أخذته من صيد الفوائد منhttp://www.awkaf.org
[2] [أخرجه الترمذي وابن ماجه والدارمي][3] [ابن عساكر عن علي ، انظر الجامع الصغير][4] [أخرجه البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية][5] حديث 17837 - حديث عقبة بن عامر الجهنى - مسند أحمد.[6] ابن ماجه ( 3801)[7] [أخرجه الترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه] [8]رواه البخاري كتاب الحيض (304) و مسلم (250)[9] رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود والإمام أحمد[10] (35) سورة الأحزاب[11] (97) سورة النحل[12] (38) سورة المائدة[13] (2) سورة النــور[14] (8) سورة التكوير[15] (13) سورة الحجرات[16] البخاري ( 1792- 3819)[17] صحيح مسلم.45 - كتاب فضائل الصحابة[18] موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية . خطبة جمعة حول مكانة المرأة في الإسلام [19] النساء : 11[20] البقرة :282[21] البقرة : 34[22] النساء :34[23] النساء :3[24] النساء : 11[25] النساء:(11)[26] النساء:(11)[27] •حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين - النموذج الإسلامى لتحرير المرأة[28] البقرة :282[29] البقرة: :282[30] ردود على أوهام حول حقوق المرأة في الإسلام موقع الدكتور البوطي WWW.BUTI.COM
[31] البقرة : 34[32] سورة البقرة (228)[33] سورة النساء (32-34)[34] كتاب القسم و النشوز سنن البيهقي[35] البخاري 2581[36] سورة التوبة (71)[37] موقع الدكتور البوطي بتصرف WWW.BUTI.COM محاضرة بعنوان : ردود على أوهام حول حقوق المرأة في الإسلام[38] النساء :34[39] رواه البخاري (5204)[40] موقع الأستاذ جاسم المطاوع : http://WWW.ALMUTAWA.INFO
[41] حديث 4891 - الإمارة - صحيح مسلم. [42] حديث 9252 - مسند أبى هريرة - مسند أحمد. [43] النساء :3[44] (3) سورة النساء[45] (129) سورة النساء[46] النساء(3)
القلب الحزين
13-12-2013, 04:13 PM
شبهات حول أحاديث نبوية شريفة عن المرأة
قوله صلى الله عليه و سلم عن النساء (( ناقصات عقل و دين ))[47]
قوله صلى الله عليه و سلم (( ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ))[48] .
قوله صلى الله عليه و سلم (( لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا))[49]
· قوله صلى الله عليه و سلم عن النساء أنهن خلقن من ضلع أعوج
قوله صلى الله عليه و سلم عن النساء (( ناقصات عقل و دين ))[50]
في العهدين المملوكي و العثماني حاول بعض الناس إضفاء الشرعية على نظرتهم الدونية للمرأة من خلال التفسيرات المغلوطة لبعض الأحاديث النبوية وذلك بعد عزل هذه الأحاديث عن سياقها وتجريدها من ملابسات ورودها و الأمر المؤسف أن كل هذا كان باسم الإسلام و الإسلام بريء منه فالإسلام حرر المرأة و كرمها أيما تكريم ! فالسيدة خديجة رضي الله عنها كان عام وفاتها عام حزن المسلمين ورسول الإسلام ودعوة الإسلام.. وطليعة شهداء الإسلام كانت سيدتنا سمية بنت خياط كما شاركت في العمل العام السياسي منه ، والفقهي ، والدعوي ، والأدبي ، والاجتماعي. بل والقتالي - كما تجسدت في كوكبة النخبة النسائية التي تربت في مدرسة النبوة..
فبعد أن بلغ التحرير الإسلامي للمرأة هذه الآفاق.. أعادت العادات والتقاليد المرأة أو حاولت إعادتها إلى أسر وأغلال منظومة من القيم الغريبة عن الروح الإسلامية.. حتى أصبحت المفاخرة والمباهاة بأعراف ترى : أن المرأة الكريمة لا يليق بها أن تخرج من مخدعها إلا مرتان: أولاهما: إلى مخدع الزوجية.. وثانيتهما:إلى القبر الذي تُدفن فيه !.. فهي عورة ، لا يسترها إلا " القبر " ! أو كما يقول البحتري :
وَمِن نِعَمِ اللَهِ لا شَكَّ فيهِ بَقاءُ البَنينَ وَمَوتُ البَنـــاتِ
لِقولِ النَبِيِّ عَلَيهِ الســَلا مُ دَفنُ البَناتِ مِنَ المَكرُماتِ
- و لا يعلم أحد من أين أتى البحتري بهذا الحديث الذي يؤيد مبدأ الوأد الذي وأده الإسلام !!
والأكثر خطورة من هذه الأعراف والعادات والتقاليد إبان مرحلة التراجع الحضاري ، هي التفسيرات المغلوطة لبعض المرويات الإسلامية بحثاً عن مرجعية إسلامية وغطاء شرعي لقيم التخلف والانحطاط التي سادت عالم المرأة في ذلك التاريخ..
لقد كان الحظ الأوفر في هذا المقام للتفسير الخاطئ الذي ساد وانتشر لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم عن نقص النساء في العقل والدين.. وهو حديث رواه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: (( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فِطْر إلى المصلى فمرّ على النساء ، فقال: - " يا معشر النساء ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ".
- قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟.
- قال: " أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل " ؟.
- قلن: بلى.
- قال: " فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم ؟ ".
- قلن: بلى.
- قال: " فذلك من نقصان دينها )) .
هذا الحديث الشريف ينطلق منه المتغربون والعلمانيين في دعوتهم إلى إسقاط الإسلام تحرير المرأة من حساباته، وطلب هذا التحرير في النماذج الغربية الوافدة..
و للرد على هذه الشبهة نأخذ النقاط التالية :
أولاها: أن الذاكرة الضابطة لنص هذا الحديث قد أصابها ما يطرح بعض علامات الاستفهام.. ففي رواية الحديث شك من الرواة حول مناسبة قوله.. هل كان ذلك في عيد الأضحى ؟ أم في عيد الفطر؟.. وهو شك لا يمكن إغفاله عند علماء الحديث.
وثانيتها: أن الحديث يخاطب حالة خاصة من النساء ، ولا يشرّع شريعة دائمة ولا عامة في مطلق النساء..فهو يتحدث عن "واقع " والحديث عن " الواقع " القابل للتغير والتطور شيء ، والتشريع " للثوابت" عبادات وقيمًا ومعاملات شيء آخر.. فعندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (( إنا أمة أُمية ، لا نكتب ولا نحسب )) [51]. فهو يصف " واقعاً " ، ولا يشرع لتأييد الجهل بالكتابة والحساب ، لأن القرآن الكريم قد بدأ بفريضة " القراءة " لكتاب الكون ولكتابات الأقلام ((اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم)) [52]
وثالثتها: أن مناسبة الحديث ترشح ألفاظه وأوصافه لأن يكون المقصود من ورائها المدح وليس الذم.. فالذي شهد له المولى سبحانه و تعالى بخلقه العظيم ((وإنك لعلى خلق عظيم)) [53] والذي جعل من " العيد " الذي قال فيه هذا الحديث " فرحة" أشرك في الاستمتاع بها مع الرجال كل النساء ، حتى الصغيرات بل وحتى الحُيَّض و النفساء !..و الذي يقول: ((رفقاً بالقوارير))[54] ، ويوصي بهن حتى وهو على فراش المرض يودع هذه الدنيا.. و قوله (( ما من مسلم له بنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة ))[55] . فالذي يقول هذه الأقوال و هو صاحب الخلق العظيم ، لا يمكن تـَصوره صلى الله عليه وسلم ذلك الذي يختار يوم الزينة والفرحة ليجابه كل النساء ومطلق جنس النساء بالذم والتقريع والحكم المؤبد عليهن بنقصان الأهلية ، لنقصانهن في العقل والدين !..
فالحديث يشير إلى غلبة العاطفة والرقة على المرأة ، وهى عاطفة ورقة صارت " سلاحاً " تغلب به المرأة أشد الرجال حزماً وشدة وعقلاً.. وإذا كانت غلبة العاطفة إنما تعنى تفوقها على الحسابات العقلية المجردة والجامدة ، فإننا نكون أمام عملة ذات وجهين ، تمثلها المرأة.. فعند المرأة تغلب العاطفة على العقلانية ، وذلك على عكس الرجل ، الذي تغلب عقلانيته وحساباته العقلانية عواطفه.. وفى هذا التمايز فقرة إلهية ، وحكمة بالغة ، ليكون عطاء المرأة في ميادين العاطفة بلا حدود وبلا حسابات..! فنقص العقل الذي أشارت إليه كلمات الحديث النبوي الشريف هو وصف لواقع تتزين به المرأة السوية وتفخر به ، لأنه يعنى غلبة عاطفتها على عقلانيتها المجردة.. ولذلك ، كانت " مداعبة " صاحب الخـٌلق العظيم الذي آتاه ربه جوامع الكلم للنساء ، في يوم الفرحة والزينة ، عندما قال: لهن: ( إنهن يغلبن بسلاح العاطفة وسلطان الاستضعاف أهل الحزم والألباب من عقلاء الرجال ، ويخترقن بالعواطف الرقيقة أمنع الحصون " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ".
و المراد " بنقص الدين " هو الآخر وصف الواقع غير المذموم ، بل إنه الواقع المحمود والممدوح !.. فعندما سألت النسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقصود من نقصهن في الدين ، تحدث عن اختصاصهن " برخص " في العبادات تزيد على " الرخص " التي يشاركن فيها الرجال.. فالنساء يشاركن الرجال في كل " الرخص " التي رخّص فيها الشارع 00 من إفطار الصائم في المرض والسفر.. إلى قصر الصلاة وجمعها في السفر.. إلى إباحة المحرمات عند الضرورات.. الخ 00ثم يزدن عن الرجال في " رخص" خاصة بالإناث ، من مثل سقوط فرائض الصلاة والصيام عن الحيَّض و النفساء.. وإفطار المرضعة ، عند الحاجة ، في شهر رمضان.. الخ وإذا كان الله سبحانه وتعالى يحب أن تـُؤتـَى رخصه كما يحب أن تـُؤتـَى عزائمه ، فإن التزام النساء بهذه الرخص الشرعية هو الواجب المطلوب والمحمود ، وفيه لهن الأجر والثواب.. و في نهاية التعقيب على هذا الحديث الشريف ما من عاقل يصدق أن يعهد الإسلام ، وتعهد الحكمة الإلهية بأهم الصناعات الإنسانية والاجتماعية صناعة الإنسان ، ورعاية الأسرة ، وصياغة مستقبل الأمة إلى ناقصات العقل والدين ، بهذا المعنى السلبي .
· قوله صلى الله عليه و سلم (( ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ))[56] .
إن " الولاية " بكسر الواو وفتحها هي " النُّصْرَة "..فلا مجال للخلاف على أن للمرأة نصرة وسلطاناً في كثير من ميادين الحياة..
فالمسلمون مجمعون على أن الإسلام قد سبق كل الشرائع الوضعية والحضارات الإنسانية عندما أعطى للمرأة ذمة مالية خاصة ، وولاية وسلطاناً على أموالها مثلها في ذلك مثل الرجل سواء بسواء.. والولاية المالية والاقتصادية من أفضل الولايات والسلطات في المجتمعات الإنسانية والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية على نفسها ، تؤسس لها حرية وسلطانا ً في شؤون زواجها ، عندما يتقدم إليها الراغبون في الاقتران بها ، وسلطانها في هذا يعلو سلطان وليها و هذه مجموعة من الأحاديث الصحيحة التي تبين ذلك :
· ((عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْىَ ثَيِّبٌ ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَدَّ نِكَاحَهُ))[57]
· ((عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ إِنَّ أَبي زوجني ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بي خسيسته وَأَنَا كَارِهَةٌ،قَالَتِ اجلسي حَتَّى يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَتْهُ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا فَدَعَاهُ فَجَعَلَ الأَمْرَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِى وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أعلم أللنساء من الأمر شيء)).[58]
· ((عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « آمِرُوا النِّسَاءَ في بَنَاتِهِنَّ )).[59]
والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية ورعاية وسلطاناً في بيت زوجها ، وفى تربية أبنائها.. لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فصّل أنواع وميادين الولايات:(( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع عليهم وهو مسؤول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى مسئولة عنهم ، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) [60]
لكن قطاعاً من الفقهاء قد وقف بالولايات المباحة والمفتوحة ميادينها أمام المرأة عند " الولايات الخاصة" ، واختاروا حجب المرأة عن " الولايات العامة "، التي تلي فيها أمر غيرها من الناس خارج الأسرة وشؤونها..
ونرى بوضوح من وقائع تطبيقات وممارسات مجتمع النبوة والخلافة الراشدة مشاركات النساء في العمل العام بدءاً من الشورى في الأمور العامة.. والمشاركة في تأسيس الدولة الإسلامية الأولى. وحتى ولاية الحسبة والأسواق و التجارات ، التي ولاها عمر بن الخطاب رضي الله عنه " للشِّفاء بنت عبد الله بن عبد شمس وانتهاء ً بالقتال .
و ملابسات قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، لهذا الحديث تقول:(( إن نفراً قد قدموا من بلاد فارس إلى المدينة المنورة ، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: - (( من يلي أمر فارس )) ؟ قال [ أحدهم ]: امرأة. فقال صلى الله عليه وسلم (( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ))[61].
فملابسات ورود الحديث تجعله نبوءة سياسية بزوال ملك فارس- وهي نبوءة نبوية قد تحققت بعد ذلك بسنوات - أكثر منه تشريعاً عاماً يحرم ولاية المرأة للعمل السياسي العام .. ثم إن هذه الملابسات تجعل معنى هذا الحديث خاصاً " بالولاية العامة " أي رئاسة الدولة وقيادة الأمة..
و لقد تحدث القرآن الكريم عن ملكة سبأ - وهى امرأة - فأثنى عليها وعلى ولايتها للولاية العامة ، لأنها كانت تحكم بالمؤسسة الشورية لا بالولاية الفردية ((قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون))[62] .. وذم القرآن الكريم فرعون مصر - وهو رجل لأنه قد انفرد بسلطان الولاية العامة وسلطة صنع القرار((قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ))[63] فلم تكن العبرة بالذكورة أو الأنوثة...
ولا خلاف بين جمهور الفقهاء باستثناء طائفة من الخوارج على اشتراط " الذكورة " فيمن يلي " الإمامة العظمى " والخلافة العامة لدار الإسلام وأمة الإسلام.. أما ماعدا هذا المنصب بما في ذلك ولايات الأقاليم والأقطار والدول القومية والقطرية والوطنية فإنها لا تدخل في ولاية الإمامة العظمى لدار الإسلام وأمته.. لأنها ولايات خاصة وجزئية ..و الحكمة من تحريم قيادة المرأة العامة لدولة الإسلام هي أن قسماً كبيراً من المهام التي يقوم بها وليّ أمر المسلمين في المجتمع الإسلامي، دينية محضة كصلاة الجمعة وخطبتها والأعياد، وصلاة الاستسقاء والكسوف.. إلخ. ومن المعلوم أن المرأة لا يتأتى لها النهوض بهذه الشعائر العبادية بشكل شخصي في كل الأوقات، فضلاً عن أن تنهض بها على مستوى القيادة للآخرين.
وبقطع النظر عن هذه المعذرة الخاصة، فإن الواقع التاريخي منذ أقدم العصور كان ولا يزال متفقاً مع هذا الذي قررته شريعة الإسلام. تأمل في أسماء من نصبوا ملوكاً أو رؤساء لدولهم منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا، ستجد أن النساء اللائي تبوّأن هذا المركز لايزدن على عدد أصابع اليدين..وها هي ذي الولايات المتحدة التي تهيب بنساء العالم أن يطالبن بحقوقهن، لم نسمع عن امرأة واحدة تولت الرئاسة فيها، منذ فجر ولادتها إلى اليوم، بل لم نسمع عن امرأة رشحت نفسها للرئاسة فيها.[64]
· قوله صلى الله عليه و سلم (( لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا))[65]
قال صلى الله عليه وسلم : (( لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَمَرَ امْرَأَةً أَنْ تَنْقُلَ مِنْ جَبَلٍ أَحْمَرَ إِلَى جَبَلٍ أَسْوَدَ وَمِنْ جَبَلٍ أَسْوَدَ إِلَى جَبَلٍ أَحْمَرَ - لَكَانَ نَوْلُهَا أَنْ تَفْعَلَ )).[66]
لا جرم أن الكثيرين ممن يسمعون هذا الحديث لأول مرة سيدهشون من أن المصطفى صلى الله عليه وسلم المعصوم يقول كلاماً كهذا بل سنتعجب أكثر حينما نسمع الحديث التالي الذي يصب في نفس المعنى (( لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الشَّامِ سَجَدَ للنبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا هَذَا يَا مُعَاذُ »،قَالَ أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ فَوَدِدْتُ في نفسي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَلاَ تَفْعَلُوا فإني لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤَدِّى الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّىَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِىَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ ))[67].
و قال صلى الله عليه و سلم : (( لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا والذي نفسي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةً تَنْبَجِسُ بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحَسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ )).[68]
و في هذا الحديث - الأخير - يتبين لنا عظم خطأنا حين استغربنا و أنكرنا على المعصوم هذا الحديث فالحكمة من هذا القول واضحة جلية في قوله (( مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا )) و عظم حقه عليها آتٍ من عظم حقها عليه وإليكم بعض هذه الحقوق :
1. النفقة : و هي تأمين كل ما تحتاجه من طعام و شراب و لباس و غيرها من الحاجات الضرورية .... قال سبحانه و تعالى : (( وعلى المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف)) [69]
2. المعاشرة بالمعروف ، و عدم الإساءة لها ، و الصبر عليها إن خالفت هواه لقوله تعالى : ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)) [70].
3. و يجب عليه استشارتها كما فعل الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين أم سلمة ، وكان ذلك في يوم ثقيل الوطأة النفسية على الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين .
ذلك أن المسلمين ـ بقيادة الرسول الأعظم كانوا قد خرجوا قاصدين البيت الحرام بمكة المكرمة لأداء العمرة .
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
13-12-2013, 04:15 PM
يتبـــــع الموضوع السابق
شبهات حول أحاديث نبوية شريفة عن المرأة
وعندما كانوا على مسافة 23 كيلو مترًا من مكة بمنطقة تسمى " الحديبية " وعلمت قريش بقدومهم فأعلنت أنها ستمنعهم من دخول مكة بقوة السلاح ـ مع أن المسلمين كانوا قد ساقوا معهم " الهدي " -وهو مجموعة من الإبل تنحر عند البيت - دليلاً على أنهم قدموا مسالمين يريدون زيارة البيت ولا يريدون القتال .
وأوفد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة زوج ابنته " عثمان بن عفان " . لكي يتفاوض مع أهل مكة ويؤكد لهم أن المسلمين ما جاءوا للقتال ولكن للعمرة بدليل أنهم ساقوا معهم الهدي ولا يحملون أي سلاح .
وتأخر عثمان في العودة إلى المسلمين المنتظرين عند الحديبية ثم أُشيع أنه قتل.
واشتد الموقف تأزمًا وأخذت الحميّة ببعض الصحابة وقرروا أنهم لا يمكن أن يعودوا من حيث أتوا إلا بعد زيارة البيت الحرام ولو أدى الأمر إلى القتال ، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فكان من رأيه أن يعود المسلمون في العام القادم الذي حددته لهم قريش وأهل مكة بأن يسمحوا لهم بالزيارة .
وازداد الموقف تأزمًا وصعوبة على نفس الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يرى بعض أصحابه ولأول مرة يخالفون عن أمره ويرون غير ما يرى .
وهنا : كان الموقف الكريم الذي سجله التاريخ للمرأة وللإسلام الذي وضعها في مكانة رفيعة .. مكانة أن تدلي برأيها في كيفية إنهاء الأزمة .
وهنا كانت المشورة ـ مشورة المرأة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم ( السيدة أم سلمة) التي قالت للرسول صلى الله عليه وسلم : إذا أردت أن ينزل المسلمون على رأيك في الرجوع عن زيارة البيت هذا العام فاخرج فتحلل من إحرامك ( تغيير الزي الخاص بالحج والعمرة ) وحين يرى الصحابة أنك قد فعلت شيئًا سيتابعونك جميعًا ، وخرج الرسول وفعل ما أشارت به المرأة (السيدة أم سلمة ) وما أن رآه الصحابة يفعل حتى قاموا جميعًا وتحللوا من إحرامهم حيث وقع في خواطرهم أنه لم يفعل ذلك إلا لأنه قد نزل عليه الوحي وهو أمر لا تجوز مخالفته .
وانتهت واحدة من أصعب الأزمات التي عاشها الرسول والمسلمون معه بمشورة " المرأة " ( السيدة أم سلمة ) رضى الله عنها وبقى هذا الموقف في ذاكرة التاريخ يسجل للإسلام أنه الدين الذي أَحَلَّ " المرأة " هذه المكانة الرفيعة التي كان مجتمع الجاهلية قبل الإسلام يعتبر مجرد مولدها عارًا يجب التخلص منه بدفنها في التراب وهى حية .
4. كما يجب عليه ملاطفتها و الحديث معها كما كان صلى الله عليه وسلم يسابق السيدة عائشة رضي الله عنها و يحادثها و تحادثه كما في حديث أم زرع[71] .
5. مساعدتها في أعمال المنزل فَعنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ في بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ في مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِى خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ .[72]
6. الحفاظ على أسرارها و جعل العقوبة الشديدة لمن أفشى سراً أسرته له زوجته ؛ فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (( إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وتفضي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا )).[73]
7. المحافظة على دينها و سمعتها قال تعالى :(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ و َأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ...)) [74] وعَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلاً يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ.[75]
8. التزين لها قال ابن عباس (( إنني لأتزين لامرأتي ، كما تتزين لي )) .
و الكثير من الحقوق التي يفرضها الإسلام على الزوج تجاه زوجته ،و التي لا يتسع المجال لذكرها ...
و قد ركز الإسلام في تشريعاته على موضوع الوفاء بالعهد كثيراً فهذا الرجل الذي يتعب ليطعم زوجته و أولاده ، و يدفع مهراً لزوجته كي تقبل أن تعيش معه ، و يجب عليه أن يكرمها و يلاطفها و يعاشرها بالمعروف لا بد أن يكون له حق عظيم يوازي حق الوالدين ، و لكن إذا كان الرجل مهملا ً لزوجته أو مقصراً في حقوقها فهذا لا يعني أن تقصر هي فكلٌ مأمور ، و كلٌ محاسب هذا و الله سبحانه و تعالى أعلم.
· قوله صلى الله عليه و سلم عن النساء أنهن خلقن من ضلع أعوج
قال صلى الله عليه وسلم :
(( وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شيء في الضِّلَعِ أَعْلاَهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا )) .[76]
و من الواضح لآي عاقل ينظر لهذا الحديث بعين التأمل و التدبر أن كلمة أعوج الواردة في الحديث لا تدل مطلقاً على الإهانة أو التجريح فهذا ليس من النبي صلى الله عليه و سلم في شيء
و ليس من خلقه العظيم في شيء أن يجابه جنس النساء بأجمعه بكلام مقذع و تجريح مؤلم لعدة أمور أهمها :
1. أن أي إنسان - و ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط - لا يمكن له أن ينطق بكلمة على جنس النساء إلا ناله منها حظه فحينما يقول أي شيء عن النساء فهو إنما يتكلم عن أمه و أخته و زوجته و ابنته ...
2. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بداية الحديث (( وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا )) و قال في نهايته ((فاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا)) فليس من المعقول أن يضع في منتصف الحديث شتيمة للنساء اللاتي أوصى بهن َّ .
3. أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن خلق المرأة من ضلع أعوج و قصد بها أمنا حواء - عليها السلام- و نحن نعرف أنها خلقت من ضلع أبينا آدم عليه السلام و الضلع هو عظم من عظام القفص الصدري و طريقة اعوجاجه صُمِّمَت من قبل أحسن الخالقين ليحمي القلب فهذا الضلع له أهمية عظيمة فلولاه لتسببت أي صدمة - مهما خفت - للقلب نزيفاً و بالتالي موتاً محتماً إذن فالله حينما خلقها من هذا الضلع كرمها أولاً - لأهمية الضلع - و علمها وظيفتها في هذه الحياة ألا و هي حفظ القلب و حمايته و ذلك من خلال قيامها بأدوارها المختلفة في الأسرة فهي أم تربي أطفالها فتحمي بذلك قلوبهم و عقولهم من الانحراف و الضلال و هي زوجة يتوجب عليها حماية قلب زوجها و إعانته على القيام بوظيفته التي كلفه الله بها و علمه إياها بنفس الطريقة فلما خلقه من تراب الأرض - من أديم الأرض- أشار له إلى وظيفته في إعمار الأرض من خلال الزراعة و الصناعة و ...[77]
المصادر :
· حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين - النموذج الإسلامى لتحرير المرأة – الجمهورية العربية المصرية – وزارة الأوقاف المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية –http://www.awkaf.org
· موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية – الدكتور محمد راتب النابلسي http://www.nabulsi.com
· قالوا عن الإسلام – الندوة العالمية للشباب الإسلامي
· غداً عصر الإيمان – الشيخ عبد المجيد الزنداني
· الإعجاز العلمي في الإسلام السنة النبوية لمحمد كامل عبد الصمد
· www.buti.com موقع الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي .
· www.almutawa.info موقع الأستاذ جاسم المطاوع .
· محاضرة للأستاذ الداعية : عمرو خالد بعنوان ( مكانة المرأة في الإسلام ) http://www.amrkhaled.net (http://www.amrkhaled.net/)
المراجع : للمزيد حول هذا الموضوع
· رسائل إلى العقل الغربي الأمريكي والأوروبي الإسلام وحقوق المرأة ( 2 ) - بقلم أ . د . عبد الصبور مرزوق الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية – القاهرة ، عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة
· شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام – د . نهى قاطرجي
· المرأة في الإسلام 1/2 : المساواة بين الذكور والإناث . خطبة جمعة عادية للأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
· مقالات متنوعة أرجو ممن يريد المزيد من المقالات و الكتب المتعلقة بهذا الموضوع مراسلتي و سأقوم إن شاء الله بتزويده بما عندي mailto:
[email protected]
[49] سنن الترمذي (1192) قال و هو حسن غريب
[50] رواه البخاري و مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
[51] رواه البخاري و مسلم
[52] العلق (1-5 )
[53] القلم (4)
[54] رواه البخاري و مسلم و اللفظ في سنن الحميدي
[55] رواه ابن ماجه و قال الترمذي حديث غريب
[56] رواه البخاري و النسائي و الترمذي
[57] البخاري (5138 -5139 ) و الترمذي و أحمد و النسائي
[58] النسائي (3282) و أورده الإمام أحمد "...أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء " (25785 )وابن ماجه ( 1947 )
[59] أبو داود (2097) و روى قصته أحمد (5018)
[60] البخاري (893 )
[61] رواه البخاري و الترمذي و النسائي و البيهقي
[62] النمل (32)
[63] (غافر (40/29)
[64] WWW.BUTI.COM محاضرة بعنوان : ردود على أوهام حول حقوق المرأة في الإسلام
[65] سنن الترمذي (1192) قال و هو حسن غريب
[66] حديث 1192 - الرضاع - سنن الترمذى.
[67] حديث 1926 - النكاح - سنن ابن ماجه.
[68] حديث 12949 - مسند أنس بن مالك - مسند أحمد.
[69] (233) سورة البقرة
[70] (19) سورة النساء
[71] البخاري ( 5189 ) مسبلم ( 6458 )
[72] حديث 676 - الأذان - صحيح البخارى.
[73] حديث 3615 - النكاح - صحيح مسلم.
[74] (6) سورة التحريم
[75] حديث 5078 - الإمارة - صحيح مسلم.
[76] حديث 5186 - النكاح - صحيح البخارى.
[77] محاضرة للأستاذ عمرو خالد بعنوان مكناة المرأة في الإسلام .
القلب الحزين
13-12-2013, 04:17 PM
شبهات حول قضية النسخ
الشيخ : فوزي سعيد
مقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ به تعالي من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه من يهدِ الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد ، فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هديُ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :
شبهات حول قضية النسخ في الكتاب والسنة
(1) مقدمة : لقد جاء الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبينات ، أي بالمعجزات والآيات الدالات علي صِدْقِه وأكبر مُعْجِزَاته : هو كتابه وهو القرآن العظيم الذي أنزله الله بِعِلْمِه ، أي متضمناً لِعِلمٍ لا يعْلَمُه إلا الله من أسرار الخلق وما كان وما سيكون إلي يوم الدين ، قال تعالي ( قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا )) الفرقان . فإذا أكتشف الإنسان شيئاً من أسرار وحقائق المخلوقات في الآفاق أو في الأنفس ، في الفَلَكَ أو في البحار أو في علوم الأرض أو في الكيمياء أو في أطوار خلق الإنسان أو غير ذلك مما لا يحصى ، ثم وجد أن ذلك العلم مسطور ومكنون في القرآن بذكر تلك الحقائق والأسرار التي لم تكن معروفة من قبل ، فحينئذ يَسْتَيْقن جميع العقلاء أن هذا القرآن مُنَزَّل من العليم الخبير خالق كل شيء ، والذي يعلم السِّرَّ في السماوات والأرض . ولا يزال ذلك الأمر مستمرا ومتجددًا إلي يوم القيامة حتى يَسْتَيْقنَ جميع الأجيال إلي يوم الدين أنه الحق من رب العالمين . هذا بخلاف وجوه الإعجاز الأخرى التي يختص بها طلاب العلم . ومِنْها انعدام التَّنَاقض ( الاختلاف ) ، ولا يزال الذين في قلوبهم زيغ يبحثون في القرآن عن شيءٍ من التَّناقض يَخْرجُون به علي الناس ، كما قال تعالي ( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ )) آل عمران . ولم ولن يتوقف أعداء الإسلام عن البَحْث والتَّلْفيق لَعلَّهم يَجدون شيئا ، ويتعاون شياطين الجن والإنس في هذا السَّبِيل ليصدُّوا الناس عن الحق ، فَيُقَيِّضُ اللهُ عز وجل من العلماء من يتلقَّى شُبُهَاتِهم فيفنِّدَها ويبطلَها ، وَيَرُدَّ كيْدَهم في نحورهم بالحَّجةِ والبيان والبرهان ، فيظهر لأصحاب العقول دليل جديد علي أنه الحقُّ من عند الله فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ، وأَمَّا الذين في قلوبهم مرض ، فقلوبُهم فيها من الجهل والظلم والمرض ما يَسْمحُ بدخول الشبهات وزُخْرُف القولِ ، فتزداد شَكَّا وَرَيْبًا ورجْسًا إلي رِجْسِهم . وبهذا يتميزُ الصَّادِق من الكَاذِب ، وهذه سنة ربَّانية علي مَرِّ العصور لا تتبدَّل ولا تتحول ، حيث يجعل الله للحق عَدُوَّا يدفع بالأباطيل والشبهات ، فيتصدَّى لهم أهل الحق بالحجة والبرهان فََيُدْمَغ البَاطِلُ فإذا هو زاهق ، علاوة علي تميز الصَّادق من الكاذب ، وازدياد الذين آمنوا إيمانا ، وازدياد الذين في قلوبهم مرض رجسا إلي رجسهم ، قال تعالي ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ )) الأنبياء . وقال ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )) العنكبوت . وقال ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ )) الأنعام . وليْس هذا موضع شرح هذه الآيات ، والمقصود هنا بيان أَنَّ القرآن لا يتناقض أبدا ، مع أنَّ الله ضَرَب فيه من كل مثل ، وما فرَّط فيه من شيء يلزم الناس إلي يوم الدين ، فلو كان من قول البشر وتصانيفهم لامتلأ تناقضا واختلافا ، لا سِيَّما وقد اشتمل علي كل علم يحتاج إليه الإنس والجن بما في ذلك أنباء الأولين والآخرين ويوم الدين وشرع رب العالمين . قال تعالي ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا )) النساء . فإذا تَبيَّن ذلك للعاقل فآمن به ، فليس له أن يقول : أقْبَلُ بعضَه وأرفض بعضه ، أو يقول : إنَّ في صَدْرِي لحرجًا من قضية كذا ( النسْخ مثلا ) أو آية كذا ، بل يقول كما يقول الراسخون في العلم ( آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا )) آل عمران . قال تعالي ( كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ )) الأعراف . فإذَا كُنَّا قد آمنَّا أنه منزَّلٌ من عند الله فقد لزمنا أن نقول سمعنا وأطعنا ، فإذا اشتبه أو أشكل علينا فهم شيء من قضاياه أو آياته أو أسراره وحكمته وأمثاله ، فقد وجب علينا أن نسأل أهلَ الذكر ، وهم علماؤه ، فَإنْ فَعَلْنَا : فقد زال الاشتباه ، وتَميَّز الحق من الباطل ، وتكشَّفَتْ من أسْرارِه ما نَزْداد به إيمانا .
وكمثال علي ذلك : قضَيَّة النسخ في الكتاب والسُّنَّة ، وسوف يتضح - بعد بيان بعض حكمة النَّسخ وبعض أسراره - أن هذه القضية قد تُعَدُّ من وجوه الإعجاز عند العقلاء ، لكن كثيرا من أهل الكتاب دَأَبُوا عَلَي التَّهجُّم علي القُرْآنِ بِسَبب هَذِه القضية وغيرها ، مستغلين جهل أكثر المسلمين بدينهم بعامة ، أو جهلهم بأمثال هذه القضايا بخاصة .
ومن عجبٍ أنَّ هؤلاء المُتَهَجِّمين نَسُوا أنَّ بَيْتهم من زجاج . فكان عليهم ألا يقذفوا الناس بالحجارة ، كما يقول المثل ( الِّلي بيته من زجاج .. ) لأن الناس لو رَدُّوا عليهم بالمثل لَهدَّمُوا بَيْتَهم عليهم بسهولة .
إنني لأشعر باستعلاء الإيمان ، وبنعمة الله بإنزال القرآن ، عندما أجد فيه كروية الأرض ودورانها حول نفسها أمام الشمس لإحداث الليل والنهار ، ودورانها حول الشمس لإحداث الفصول الأربعة ، وغير ذلك من الحقائق المفصلة ، حيث الوصف القرآني في المتناهي في الدقة والإحكام ، باللغة العَربيَّة المتناهية في البيان ، في زمن إنزال القرآن حيث لم يكن أحدٌ يعرف عن ذلك شيئا أو يتخيله ، ثم جاءت المعارف البشرية الحديثة بالحقائق الفَلَكية عن الأرض كما أودعها الله كتابه العظيم .
ثم أعود فأشعر بالعَجَب العُجَاب من هؤلاء الذين يَتَّبعُون ما تشابه من القرآن لِيِتَهجَّموا عليه ويشككوا في نسبته إلي الله ، أعجب عندما أنظر في كتابهم فأجد صورة للأرض وهي ثابتة علي ماء . فلا هي كرة ولا هي تدور ولا هي تتحرك ، وهذه الصورة رسمها شراح كتابهم علي أنهم يشرحون كلام الله فيه ، وكل دارس للتاريخ يعلم ماذا فعلوا بجاليليو وغيره ممن بدءوا الحديث عن كروية الأرض وحركتها منذ حوالي أربعة قرون !!
فكيف يكون هذا الكلام مَنْسوبًا إلي الله !؟ وكيف يكون هذا التخريف مُنَزَّلاً من الله !؟ حاشا لله عز وجل ، ثم كتابهم هذا يستطيع الدارس له أن يعثر علي آلاف التَّنَاقضات ، فكيف يكون مُنَزَّلاً من الله !؟ إن الله تعالي لم يتعهَّد بحفظه مثل ما تَعهَّد بحفظ القرآن ، فلما أخبر القرآن أن الله أنزل الزبور والتوراة والإنجيل آمنا بها كما أُنْزِلت بلا تحريف ، كما آمنا بالقرآن وأنه مُهَيْمن علي ما سبقه من الكتب ، أيْ شاهد مؤتمن ، فإذا حُرِّفَت وظهر فيها الاختلاف والباطل ، كان القرآن مقرًّا لما فيها من الحق والصدق ، مكذِّبًا لما فيها من التحريف والباطل .
إن خاصة العقل لا تقبل أبدا نسبة كتاب إلي الله إن كان فيه أي نوع من أنواع الخطأ ، لأن الله تعالي لا يخطئ ولا يضل ولا يَنْسَي – سبحانه وتعالي – وعلي ذلك لا يمكن إثبات أن كتبهم الموجودة بأيديهم الآن أنها من عند الله ، ولكن يبقي القرآن هو الشاهد الوحيد علي أن أصلها منزل من الله ، هذا إن نَحَّينا جانبا تقليد الآباء واتباع الأهواء .
فما لهؤلاء المتهجِّمين يحاولون هدمَ الشاهدِ الأمين الوحيد علي أن أصل كتابهم منزل من عند الله عز وجل !!!
- اليهود والنسخ -
اليهود لا يقرُّون بالنسخ في شرائع الله زاعمين أن النسخ يستلزم البداء ، والعلم بعد الخفاء وذلك لا يجوز علي الله . وقصدهم في ذلك خبيث سيئ وهو ألاّ يؤمنوا بشريعة أخري تعْد التَّورَاة تَنسَخُها ، وبالتالي فلا إيمان بعيسي ومحمد عليهما الصَلاة وَالسَلام ، وبذلك يُحَرِّفون التَّورَاة بما يُناسِب أهْواءَهم إلي يوم القيامة ، ولا أحد يكشِفُهُم أو يعكّر عليهم .
ــ والجواب عليهم من وَجْهَيْن :
(1) ما من نَبّي بعث إلي قوم إلا وهو ينسخ شريعة الذي سبقه ، لأن شرائع الأنبياء جاءت مختلفة تبعا لاختلاف الأزمنة والأمكنة ، وجاءت بسُنَّة التدَرُّج في الأحكام ، لأنها بِمَثابَة الأدوية للأبْدَان ، وما يصلح لأمة لا يصلح لأخرى ، وما يكون منها في وقت مصلحة قد يكون في وقت آخر مَفْسَده وكل ذلك مبني علي الحكمة ، فالمنسوخ في وقته وحاله أصلح وأنفع ، والنَّاسِخ في وقته وحاله أصْلَحُ وأنْفَع . فَلَيْس في النسخ بداء وإنما هو مقتضى الحِكمة ومعلوم أنَّ البداء هو ظهور الشّيء وبُدُوُّه بعد أن كان خافيا .
(2) لقد أبْطَل الله مَكْرهُم وكشفَ سِترهُم بما يلي :-
قال تعالي ( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )) آل عمران . فتضمنت هذه الآيات بيان كذب اليهود كذبًا صَريحا في إبْطالِهم النَّسخ ، وذلك أنَّ النَّسخ عندهم في التَّوْرَاة لا يَخْفي عليهم ، فالطعام كله كان حلالا لِبَني إسرائيل إلا ما حَرَّم إسرائيلُ ( يعقوب ) عليه السلام علي نَفْسِه ، بإحْلاَلِ اللهِ له في شَريعة يَعْقوب والأنبياءِ من بَعْده إلي حِين نزولِ التَّورَاة ( إلا لحوم الإبل وألبانها حيث حَرَّمها يعقوب علي نفسه وفاء لنذر أو لسبب آخر لا يتَّسع المقام هنا لذكرها ) ثم جاءت التَّوْراة بتحريم كثير من المآكل عليهم بعد أن كانت حلالا لهم ، وهذا هو محض النسخ ، وهو موجود في التوراة بوضوح (( قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )) آل عمران . فإن لم تجدوا أن يعقوب لم يحِّرم إلا لحْم الإبل وألبانها ثم حرَّمت التوراة كثيرا من الطَّعَام ، فقد ظهر كذِبُكم وافترائكم في إنكار نسخ الشرائع ، والحجر علي الله تعالي في نَسْخِها ، وإذن فالنَّسْخ ثابت في التوراة حتى بعد التحريف ، فكيف ينكرونه بعد ذلك !! والحقيقة أنهم يَعْرِفُون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما يعْرِفُونَ أبنَاءَهم ، ولكنهم مَغْضوبٌ عليهم يعرفون وينكَرون .
والأمْر لا يَقْتصر علي نسخ حِلِّ كثير من الأطعمة ، بل عند اليهود أمثلة من النسخ لا تقبل إلا الإنكار كما يلي :
(1) أُمِرَ آدم عليه السلام بتزويج بناته من بَنيه ( حيث لم يكن وقتها إلا ذلك ، فكان الأصلح وإلاّ توقف التَّناسُل ) ثم صار ذلك حَرَاما بالاتِّفاق .
(2) كان التسرِّي علي الزوجة مباحا في شريعة إبراهيم عليه السلام ، ولقد تسرِّي إبراهيم عليه السلام بِهَاجر ، ثم حُرِّم مثل ذلك في التوراة .
(3) كان الجمع بين الأختين سائغا وقد فعله يعقوب عليه السلام ، ثم حرِّم ذلك في التَّوْراة وهذا هو النسخ الذي لا يُقِرون به .
(4) أُبيحَ لنوح عليه السلام بعد خروجه من السَّفينة أكل جميع الحيوانات ثم نُسِخ حِلُّ بعضها .
(5) أُمِرَ إبراهيم بذبح ولده إسماعيل ثم نسخ قبل الفعل .
(6) أُمِرَ جمهور بني إسْرَائيل بِقتْل من عَبَدَ العجْلَ منهم ثم دفع عنهم القتل كيلا يستأصلهم ذلك .
(7) ما في كتبهم من البشارة بالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فإنه لا يفيد وجوب متابعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه لا يُقْبَلُ عمل إلا علي شريعته التي تنسخ ما قبلها .
فمن كذب علي الله من بعد كل ذلك ، وَأدَّعي أن الله شَرع لهم السَّبْت والتَمسُّك بالتوراة دائما ، وأنه تعالي لم يبعث نبيَّا آخر .. إلي آخر ما يقولون ، فأولئك هم الظالمون .
ولقد جاءهم المَسِيحُ عيسي ابنُ مريم بإحْلال بعض الذي حُرِّم عليهم ، فمن آمن بالمسيح أنه رَسُولٌ من رَبِّ العَالمين ، فقد لزمه أن يؤمن بأن ما في الإنجيل نسَخ بعض ما في التوراة ويَلْزَمه الإقرار بالنسْخ .
أما عند النصارى فالأمر عجب العجاب ، حيث يزعم رؤسَاؤُهم أَنَّ المَسِيح فوَّض إليهم التَّحليلَ والتحريم وتشريع الأحكام بحسب المصلحة ، وأنَّ ما حَلَّلُوه وحرَّموه فقد حَلَّلُه هو وحَرَّمه في السَّماء ، يعني هم يَنْسخون أحْكَام الله ويبدِّلُونها كما يشاءون وبتفويض من المسيح الذي هو الله عندهم - تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا - ثم هم يتهجَّمُونَ علي القُرآن بأنه لَيْس كلامَ الله لأن فيه نسْخًا .
فأيُّ الأمريْن أفْضل : أشرعنا الذي سنَّ الله لنا حدوده بِنَفْسِه ، ونسخ منه ما أراد بعلمه ، وأتَّمه بحيث لا يستطيع الإنس والجنّ أن ينقصوا حرفا منه لانطبَاقِه علي كل زمان ومكان ، وعدم مجافاته لأية حالة من حالات الإنسان ؟ أم شرائع دِينيه أخري حرَّفها كهانها ، ونسخ الوجود أحكامها - بحيث يستحيل العمل بها لمنافاتها لمقتضيات الحياة البشرية من كل وجه ؟! .
عَوْدٌ إلى قضية النسخ من أساسها ، والهدف هنا دَفْعُ شُبُهَاتِ الخُصُوم وكشْفُ زَيْفِهم ورَدّ اباطَيلهم ، وليس الهدف بيان التفاصيل الأصولية والفقيهة فبيانها في كتب الأصول والفقه .
أولاً: حول معنى النسخ : هو رفع ( إزالة ) حكم دليل شرعي أو لَفْظِة بدليل من الكتاب والسنة . ( وسيتضِحُ معناه بالأمثلة من خلال ذكر أقسام النسخ كما يلي ) :
أ ـ باعتبار المنسوخ : (1) ما نُسِخ حكمه وبقي لفظه . ( وهو الأكثر في القرآن ، ومن أمثلته : حكم المصابرة في القتال ، وحكم الصِّيام ) .
* المصابرة : قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )) الأنفال ، وبيان ذلك في نقاط كما يلي : -
* أخبر الله تعالى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه حسْبهم إلى يوم الدين ، وكافيهم مهما كان عدوهم ، والشرط هو الإيمان واتِّباع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
* أمَرَ اللهُ نَبيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَثِّ المؤمنين وتحريضهم على القتال ومصابرة العَدُو ، أي يُكون صبرُهم أكثر من صبر العدو حتى لو كان عدد عدِّوهم عشرة أضعاف عددهم . لا يسوغ ولا يجوز لهم الفرار أمام العدو ، فواجب على المؤمن أن يصبر ويثبت لمقاتلة العشرة ، والمائةَ لمقاتلة الألف وهكذا ، وجاءت البشارة بغلبة المؤمنين بتأييد الله لهم طالما التزموا شرط المصابرة المأمور به كما تقدم ، فهنا أمران : الأول: البشارة بالنصر ، والثاني : الأمر بثبات المؤمنين لعشرة أمثالهم ( لأنه خَبَر بمعنى الأمر) ، وذلك يتطلب إيمانًا عاليًا ، وقلبًا قويًا ، وشجاعة إيمانية ، وإعْدادًا للعدة وتدرُّبا على المصابرة ، وتخلصًا من آثار الذنوب والسيئات ، وغير ذلك مما كان عليه الصدر الأول من الصحابة ، فتحققت البشارة لهم ولمن تبعهم ، ولا تزال تتحقق متى تحققت الأوصاف والشروط السابقة . غير أن الأمر قد شق على بعضهم ، وعَلِمَ علام الغيوب بما سيكون إلى يوم القيامة من ضعف الإيمان وضعف الصبر وضعف الشجاعة والقلوب ، فخفف عن المسلمين برحمته ، ونسخ الحكم الأول ( مصابرة الواحد لعشرة ) بالحكم الناسخ وهو مصابرة الواحد للإثنين ، والمائة للمائتين ، وهكذا ، ودليل النسخ قوله تعالى ( الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ )) ، ولكنه تعالى ثبَّت البشارة لمن أراد أن يغتنمها فحقَّق أسبابها أو لمن اضطر إليها ، ولقد أثْبَت التاريخُ ذلك كثيرًا .
هذا عن العدد ، أما عن العتاد الحربي ووسائله المتطورة فهذا له شأن خر .
* فإذا قال قائل : إذا كان الحكم الواجب الذي يعلم الله أنه سيسْتَقِرِّ إلى يوم الدين هو مصابرة الواحد للاثنين ، فلماذا لم يجعله الله حكمًا واحدًا منذ البداية ، ولا داعي للنسخ الذي يستغله خصوم الإسلام !!
فالجواب : هذه بشارة لم تُنْسَخ ، وامتنان من الله عظيم على المؤمنين إلى يوم الدين ( غلبة الواحد لعشرة كفار ) إذا فَرَضَت الظروف قتالاً بين المؤمنين وعشرة أمثالهم من الكافرين أو أكثر من ذلك بكثير ، فَصَابروا فالنصر حليفهم بهذه البشارة . وإنما الذي نُسِخ هو الحكم للتخفيف كما تبين ، حيث لو وَجَد المؤمنون عَدُوًّا أكثر من مِثْلَيهم ، فلهم أن يتحوزوا عن القتال ، ولهم أن يفرُّوا ، لا يُلْزمهم الله بمصابرة الواحد لعشرة ، لكن إن فعلوا واضطروا إلى القتال بمصابرتهم ذكر من مثليهم فالبشارة حاضرة ، والواقع التاريخي يؤيد ذلك تمامًا ، فالذي أنزل القرآن هو علام الغيوب ، وهو الذي يُقَلِّب الليل والنهار ، وهو الذي يُقَدِّر الأحداث كما يشاء ، وسأذكر بعد قليل أمثلة على ذلك ليعلم القارئ أنَّ قضية النسخ في القرآن تمثل وَجهًا من وجوه الإعجاز فيه الدالة على أنه كلام العليم الحكيم .
وأيضًا فالأصحاب الذين عاصروا الحكم الأول قبل النسخ ، قد صابروا لذلك وأثبتوا صدقهم ، وأن قوة المؤمن أساسًا في قلبه ، وأنه بهذا القلب القوي يستطيع المصابرة لعشرة وبالتالي غلبتهم ، وضربوا بذلك المثل والقدوة والأسوة لجميع الأمة ونالوا بذلك أعلى الأجر وأرفع الدرجات .
وأيضًا : فإن حق الله كبير ، ومن حقّه أيضًا أن يصابر المؤمن لعشرة ، وأن يعد العُدَّة لذلك ، وأن يتحمل في الله أقصي ما يستطيع ، والله تعالي عَفوّ ، يحب العفو ، ويسقط كثيرا من حقه لدي عباده ، ومن ذلك هذا الحق الذي نسخه بمصابرة الواحد للاثنين تخفيفا عنهم ، وفي ذلك بيان عفوه عن عباده بهذا النسخ كما مضي ، والله يحب لعباده الإقرار بنعمه وشكرها .
وكلما قرأ المسلم هذه الآيات تذكر هذه المعاني وأكثر . ومن أمثلة الغزوات والمعارك التي انتصر فيها المؤمنون على عشرة أمثالهم وأكثر ما يلي : -
في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
1] سرية سيف البحر رمضان 1 هـ .
30 مقاتل من المسلمين بقيادة حمزة بن عبد المطلب مقابل 300 من المشركين فيهم أبو جهل .
2] سرية رابغ 1 شوال ا هـ .
60 مقاتل من المسلمين بقيادة عبيدة بن الحارث أمام 200 بقيادة أبي سفيان بن حرب .
3] غزوة بدر رمضان 2 هـ .
314 صحابي بقيادة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقابل 950 من المشركين بقيادة أبي جهل .
4] غزوة أُحد شوال 3 هـ .
700 صحابي بقيادة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقابل ثلاثة آلاف من المشركين بقيادة أبي سفيان وفيهم 200 فارس 700 دارع .
5] غزوة حمراء الأسد 670 من المسلمين بقيادة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مقابل 3000 من المشركين .
6] غزوة الخندق شوال 5 هـ .
عدد المسلمين ثلاثة آلاف في مقابل عشرة آلاف من المشركين .
7] غزوة خيبر محرم 7 هـ .
عدد المسلمين 1400 مقاتل بقيادة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
8] فتح مكة رمضان 8 هـ .
عدد جيش المسلمين عشرة آلاف أمام قريش بأسرها .
9] غزوة اليرموك 13 هـ .
عدد المسلمين 40 ألف مقاتل بقيادة خالد بن الوليد ، وجيش الروم 460 ألف مقاتل وانتصر المسلمون .
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
13-12-2013, 04:19 PM
يتبــع الموضوع السابق
شبهات حول قضية النسخ
* الصيام : قال الله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )) البقرة .
* في ابتداء فرض الصيام كان إذا أفطر أحدهم إِنَّما يحل له الأكْل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء فقط ، إلا إذا نام قبل ذلك ، فإذا نام أو صلى العشاء فقدْ بدأ صومه إلى الليلة التالية ، فوجدوا في ذلك مشقة كبيرة ، لان الرجل لو كان صائمًا فنام المغرب قبل أن يفطر فقد حُرِّم عليه الأكل والشرب والجماع إلى الليلة التالية كصيام أهل الكتاب ، وقد وقع ذلك لأحد الصحابة حيث كاد أن يهلك من الجوع والعطش ، ووقع لآخر أن أتى امرأته بعد أن نامت (وذلك لا يحل) حيث قال في نفْسه إِنَّها لم تَنَمْ ولكنها تتعلل ، فغلبته نَفْسُه وشَهْوَتُه على عقله ودينه ، مُبَرِّرةً ومُسَوَّلة ومُطَوِّعة له ذلك بأن الزوجة لم تنم ، فكأن النفس اجتهدت في إخفاء المخالفة على العقل والوازع الديني حتى يوافقها صاحبها ويفعل ما تهواه وتشتهيه ، وهذا هو اختيان النفس ، في قوله تعالى ( عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ )) البقرة لأن لفظ الخيانة لا يستعمل إلا في المخالفة التي تخفى على المَخُون ، والنفس هنا هي الخائنة ، وصاحبها هو المخون ، والمعني : تختانكم أنفسُكم ، وعبارة القرآن أبلغ ، وهي التي يستعملها الناس في حياتهم ، كالمريض الذي يتناول الممنوعات عليه ويجتهد في ا لتبرير والتهوين وتنويم ضميره ، فيقول له الطبيب : أتخون نفْسَك ـ أو : أَتَغُشُّ نفسك ، أو : أتضحك على نفسِك ، وهكذا . والمراد هنا أنَّ الأمر قد شق عليهم حتى وقع بعضُهم في اختيان النفس ، لكن الصحابي الجليل ذهب بعد ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً : يا رسول الله : أعتذر إلى الله من نفسي هذه الخائنة .. وحكى ما حدث منه ، وجاء آخرون أيضًا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكروا مثل ذلك من الأكل أو الشرب أو الجماع ، وكلهم يريد الاعتذار والتوبة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ، لا اعتراضًا على شدة الحكم ، لأن حق الرب الملك الإله أن يحكم ما يريد ، وأن تُبذل الأموال والأنفس في سبيله . فأنزل الله هذه الآية بهذه الرخصة بإحلال الأكل والشرب والجماع (الرَّفث) إلى الفجر (بدلاً من العشاء) بلا تأثير للنوم في ذلك ، فجاء هذا الحكم ناسخًا ورافعًا للحكم الأول ، ودليل النسخ قوله تعالي ( فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ )) فقبل الآن كان الحكم المنسوخ ، والآن جاء الحكم الناسخ المستقر إلى يوم القيامة .
ولفتةٌ جميلةٌ في قوله تعالى ( وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ )) إذ أن ليالي رمضان - وخصوصًا العَشْر الأواخر - مَغْنَمٌ للمؤمنين ، فإذا كان الله قد أباح لكم مباشرة أزواجكم ليلة الصيام ، فلا يشغلكم ذلك عن الخير الذي كتبه الله لكم من القيام والاعتكاف واغتنام ليلة القدر ، علاوة علي ابتغاء الذرية الصالحة التي تعبد الله لا تشرك به شيئًا ، وابتغاء الآجر الذي يكتبه الله على مباشرة الأزواج .
سؤال : يردده السفهاء ابتغاء فتنة الجهلاء والضعفاء من المسلمين :-
* هل كان الحكم الأول مُشَدّدًا لتجربة احتمال المسلمين واختبار طاقتهم ، فلما تَبيَّن شدة الحكم ومشقة الأمر عليهم تم نَسْخُه بالحُكْمِ الثاني المُخفَّف ؟ بمعنى : هل بَدَا للمشرع من حال الناس ما كان خافيًا عليه ، ولم يكن باديًا له فاضطر إلى تعديل الأمر ليناسب أحوال الناس ؟ ، وإذا كان كذلك فلا يمكن للقرآن أن يكون كلام الله الذي يعلم كل شيء عن الخلق إلى يوم الدين وما بَعْده ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فالبداء عليه محال ، وكان الأيسر : الابتداء بالحكم الثاني ، والثبات عليه بلا نسخ .
الجواب سأجعله في نقاط مركزة :-
* الله تعالى هو الرب المالك الذي له ملك كل شيء ، وكل الخلق مماليكه ، فيأمر بما يشاء وينهى عما يشاء ، ويثبت ما يشاء وينسخ ما يشاء بما يشاء ، ولا يفعل شيئًا من ذلك إلا لحكمة بالغة ، فما من حُكْمٍ إلا وهو تابع للحِكْمةِ ، والحكمةُ تختلف باختلاف الناس وزمانهم ومكانهم ومصلحتهم ، لا باختلاف علم الحاكم حاشا لله عَزَّ وَجَلَّ .
* فترة الرسالة ثلاث وعشرون سنة ، ابتدأت بقوم على الجاهلية الجهلاء وانتهت بكمال الدين وتمام النعمة بما يسع جميع الناس في كل بقاع الأرض على مدار القرون إلى يوم الدين ، وبما لا يجافي أية حالة من حالات الإنسان ، فلن تحدث قضية إلا ولها مَثَلٌ في الكتاب والسنة ، وانتهت الرسالة والأمَّة في غاية الرقيّ الإنساني ، وغاية الكمال البشري ، وإنما تم ذلك بالتربية التدريجية ، والتدرج في الأحكام بمراعاة الأصلح والأنفع لكل حال ولكل ظرف ، مع ما يناسب قابلية الناس في سنوات الرسالة ليقدِّموا القدوة اللازمة لجميع الدرجات للناس كافة إلى آخر الزمان .
* الله تعالى يحب أن يتعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته ، ويَمْتَنُّ عليهم بمقتضياتها ، ومقتضى العفو في الآية ظاهر في قوله تعالى ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ )) ، وحق الله علينا كبير لا نبلغه ولا نستطيعه ، ولا حل لهذه المعضلة إلا عفوُه عَزَّ وَجَلَّ ، حيث ترك أكثر حقه لدينا ولم يطالبنا إلا بما جاء به الشرع ، ففي هذه المسألة فرض علينا الصيام بالحكم الأول المشدَّد الذي شق على الأصحاب وهم خير القرون ، فجاء التخفيف بالحُكْم الناسخ ، وذلك بمقتضى العفو أيضًا ، ثم إذا نسينا أو أخطأنا سألناه عفوًا آخر مقابلاً للخطأ والنسيان وهكذا أنواع من العفو ، وأيضًا فالتخفيف هو من مقتضى الرحمة والحِكْمة وأيضًا توبة الله عليهم بعد هذا الظرف من الشدة إنما هي فضل من الله يرفعهم بها درجات عنده لأنهم صادقون كما تبين ، حيث بصدقهم صار اختيانهم لأنفسهم في هذه الشدة كان سببا قدره الله لتوبته عليهم ، كما قال تعالى ( لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )) التوبة .
* عندما يقرأ المسلم آية الصيام في ليالي الصيام وهو يتنعم بالمآكل والمشارب ومباشرة زوجه مع عمله بما كان قبل النسخ ، فما أجدره أن يشكر نعمة الله في عفوه هذا الذي لا ينسى ، كما أنه إذا تعرض لظروف شديدة طارئة في ليالي وأيام الصيام ، فما أجدره أن يذكر الاقتداء بهؤلاء الصادقين ويصبر ويستعين بالله .
* فإذا تبينت هذه الفوائد والحِكم ، وهي قليل من كثير ، علمنا أن قضية النسخ في القرآن ليست قادحة في نسبته إلى الله ، بل مثبتة لأنه كلام الحكيم العليم ، قال تعالى ( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ )) النمل ، وعلمنا أيضًا أن هؤلاء المعترضين سفهاء لا يفرقون بين البداء أو العلم بعد الخفاء وبين الأحكام التابعة للحكمة التي تختلف باختلاف الناس ، حيث الحاكم عَزَّ وَجَلَّ يعلم أن هذا الحكم في هذا الزمان أو لهذه الأمة مناسب ، وفي زمن آخر أو لأمة أخرى غير مناسب ، ولهذا كان النسخ من مقتضى الحكمة والعلم لا مخالفًا لهما .
(3) ما نُسَخَ لفظه وبقي حكمه : وقع ذلك في آية واحدة : هي آية الرَّجْم نسخ لفظها وبقي حكمها ، فرجم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ورجم الخلفاء بعده ، وما زال حكم الرجم باقيًا إلى يومنا هذا وسيبقى إلى يوم القيامة . وهو حكم الزاني المحصن (أي الذي سبق له زواج ، وجامع امرأته في نكاح صحيح) ، أما دليل آية الرجم أنها كانت في القرآن ، فهو ما ثبت في الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وهو عَلَى الْمِنْبَرِ يخطب الناس قال ( فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا ، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ! فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ ))
فإعلان عمر رضي الله عنه ذلك على المنبر والصحابة جالسون ساكتون يدل على أنه محل إجماع بينهم أن هذا كان مما نزل من القرآن ، وأن حكم الرجم ثابت لم ينسخ لأن الخلفاء رَجَمُوا بعد موته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والنَّسخ لا يكون إلا بالوحي في حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وعمر - رضي الله عنه هو المحدث الملهم - يقول ( فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ )) . وأزماننا هذه والتي قبلها قد وقع فيها ما توقَّعه عمر رضي الله عنه ، ووجدنا أناسًا أنكروا الرجم بحجة أنه ليس ثابتًا في القرآن الآن ( لأنه نُسِخ ) بل وَجْدنا من يقول بوحشية الرجم موافقًا ومجاريًا ومتأثرًا بكلام المُلْحِدين والدُّعَّار ، فلا حول ولا قوة إلا الله العلي العظيم .
سؤال : إذا كان حكم الآية ثابتًا وباقيًا إلى نهاية الدنيا ، فلماذا نسخ لفظ الآية ؟ ألم يكن الأولى أن تظل باقية فلا تكون فتنة ، ولا يجترئ أحد على إنكار الحكم !؟
الجواب : (1) الله تعالى له كمال الملك والعلم والقدرة والحكمة ، فيثبت ما يشاء وينسخ ما يشاء بمقتضى علمه وحكمته وقدرته وملكه ، والمؤمنون مُسَلِّمون لَهُ سبحانه في ذلك وفي كل شيء ، سواء علموا من تلك الحكمة أو لم يعملوها ، ولا يمنعهم ذلك من سؤال المسترشد المستنصح المستفهم ، أما غيرهم فيسال سؤال المعترض المتِّبع لما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، فيتبيَّن الذين صدقوا ، ويتميَّز عنهم الكاذبون والمرتابون .
قال تعالى( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا )) الإسراء ، وقال ( مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )) آل عمران ، وقد سبق بيان ذلك في المقدمة ، فقضية النسخ هي مما يختبر ويمتحن به الناس ، وبالتالي لا وجه لقول السائل : (ألم يكن الأوْلى إبقاء لفظ الآية) لأن نسخ الَّلفظ أمُرٌ يراد ، وكم كشف الله به من أمر الكاذبين والمُدِّعين .
(2) الكتاب والسُّنَّة أصْلان عظيمان لا يفترقان ، ولا يُغْني أَحَدُهُما عن الآخر فإذا كان لفظ الآية قد رُفِع ، فإنَّ السُّنَّة القولية والعملية تغني وكذلك الإجماع ، فلا تأثير لرفع لفظ الآية في ثبوت الحكم والعمل به إلى يوم القيامة .
والمؤمنون الصادقون لم يزدادوا بهذا النسخ إلا إيمانًا ورسوخًا على سنة نبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
(3) هذا المسلك من المؤمنين بِالعمل بنص منسوخ لَفْظُه هو مما يبين أفضلية هذه الأمةِ الوَسَط ، في مقابلة مسلك أخبث الأمم أمة اليهود مع آية الرجم الثابتة عندهم في التوراة لم تنسخ لفظًا ولا حكمًا ومع ذلك اجتهدوا في كتمانها والتحيل في إلغاء حكمها من حياتهم ، لقد حاولوا كتمه لما كثر الزنا في أشرافهم ، قالوا كيف نرجم الأشراف ؟ فأحدثوا لهم عقوبة ، وهي أن يُسوَّد وجه الزاني والزانية ، وأن يركبا على حمار أحدهما وجهه إلى وجه الحمار والثاني وجهه إلى دبر الحمار ، ويطاف بهما في السوق ، ويقال هذان زانيان ، وقالوا : فإذا طفنا بهم في السوق ورجعنا بهم إلى البيت اغتسلا بصابون ومزيل للسواد ثم عادا على حالهما ، وانتهى الأمر ، ولكن مع ذلك كانوا في قلق من هذا ، وليسوا مطمئنين ، فلما هاجر النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووقع الزنا بين رجل منهم وامرأة قالوا : اذهبوا إلى هذا الرجل لعلكم تجدون في شرعه حدًا دون الرجم ، فجاءوا إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحكم عليهم بما في التوراة ، فجاءوا بالتوراة يتلونها فوضع الرجل يده على آية الرجم ، ولكن كان عندهم الحبر عبد الله بن سلام رضي الله عنه وهو حبر من أحبار اليهود فقال له : ارفع يدك فلما رفع يده فإذا بآية الرجم تلوح بيِّنةَ فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجمهما فَرُجما ، فانظر إلى أمة عملت بنص مفقود لفظه ثابت حكمه ، وإلى أمة حاولت كتم نَصِّ موجود في التوراة وإماتة حكم الله فيه يتبين لك خيريَّة هذه الأمة ، وحكمة نسخ لفظ آية الرجم ، وأن النسخ في القرآن هو أحد وجوه الإعجاز فيه .
* سؤال فرعي عن حكم الرجم : لماذا جاء حَدُّ الزانية أو الزاني المحصن رجمًا بالحجارة المتوسطة الحجم حتى الموت ، وذلك من أشنع القتل ، لأنه قتل مع تعذيب مشهود أمام الناس ، حتى إن من خصوم الإسلام من يتهجم عليه في الرجم واصفًا إياه بالبشاعة والوحشية ومُجَافاة الآدمية ، فضلاً على أن يكون تنزيلاً من الرحمن الرحيم ؟ .
الجواب : - هذا مما يقال عمومًا على العقوبات الشرعية والحدود كالقصاص ، وقطع يد السارق وقتل المرتد ، ورجم الزاني المحصن ، وجلد غير المحصن مائة جلدة ، وجلد شارب الخمر أربعين جلدة ، وحد القذف وحد الحرابة وما شابه ، ولقد صُنِفْت في ذلك الكتب والرسائل ، وهنا لا يتسع المجال إلا لنقاط جامعة بإذن الله .
(1) إن قاعدة العقوبات حتى عند مشرِّعي القوانين الوضعية هي أن قَسوْة العقوبة إنما تحددها خطورة الجريمة فلا بد من التلاؤم بينهما ، وجريمة الزنا في الإسلام هي من أخطر الجرائم التي تعصف بالدين والعرض والنسل والنفس ، والمحصن قد عرف سبيل الإحصان وتمكن منه وذاقه ، بخلاف البكر الذي لم يحصن بعد ، فالرجم متناسب جدًا مع الجريمة وخطورتها .
أما عند خصوم الإسلام ، فالزنا حرِّيةٌ شخصية وليس جريمة فطالما أنه بالتراضي فهو قائم على الحب والتلذذ بلا مفاسد ، سواء بحمل أو بغير حمل ، وقول الخصوم هذا إنما هو ظلم وجهل كما قال تعالى ( وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا )) الأحزاب .
(2) نقول لهم : هذا شرع الله المنزل ومعه دليله أنه منزل من عند الله ، فهل أنتم أعلم وأرأف !!! .
وسأكتفي بهذه الأمثلة الثلاثة (آيتا المصابرة ـ أيةُ الصِّيَام ـ آية الرجم) لأنها تكفي في بَيَان مَعْنَى النَّسْخ وحِكْمته وأنه أحد وجوه الإعجاز القرآني ، وسنوجز الباقي دون تفصيل .
3 ـ ما نُسٍخَ حُكْمُه ولفظه :
قَالَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ (عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ )) .
أقسام النَّسْخ باعتبار الناسخ :-
1 ـ نسخ القرن بالقرآن ، ومثاله : آيتا المصابرة والصيام كما سبق .
2 ـ نسْخ السُّنَّة بالقرآن ، ومثاله : نسخ استقبال بيت المقدس الثابت بالسُّنة باستقبال الكعبة الثابت بقوله تعالى( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ .. الآية )) البقرة ، وهذا أول نسخ وقع في القرآن ، ولأهميته سُنِطيلُ الكلام فيه .
3 ـ نسخُ السُّنَّة بِالسُّنَّة ، ومثاله قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا )) .
4 ـ نسخُ القرآنِ بالسُّنَّة : وهذا لم نَجِدْ له مثالاً سَليمًا ، والذي وجدناه أن الحديث يتَّفق مع الآية الناسخة ويُبْيِّنُها ، ولا ينفرد بالنسخ .
القلب الحزين
13-12-2013, 04:19 PM
يتبــع الموضوع السابق
شبهات حول قضية النسخ
(( حكمة النسْخ ))
ذكرت من حكمة النَّسْخ في الأمثلة الثلاثة السَّابقة ما يكفي لكل مثال بخصوصه ، وسأذكر بيان الحكمة العامة إتمامًا للفائدةِ :
(1) مراعاة مصالح العباد بتشريع ما هو أنفع في دينهم ودنياهم : -
الأحكام تابعة للمصالح ، والمصالح تختلف من حال إلى حال ، ومن زمان ومكان إلى زمان ومكان . ولذلك في النَّسْخ العَام يأتي النبيُّ إلى قومه فَيَنْسخ شَريعَة الذي سَبَقه كما قال تعالى( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا )) المائدة حتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَسخت شريعته الخاتمة جميع الشرائع لأن كل شريعة تتناسب زمانها ومكانها وقومها ، والخاتمة تناسب الناس كافَّة في كل الأرض إلى يوم القيامة ، ولا يقدر على ذلك إلا الله ، حيث لا تحدث مسألة في كل ذلك إلا وحَلُّها في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستنبطه العلماء الراسخون في العلم ، ومن ثم نعلم أن شريعة كهذه لا يصلح فرضها على العرب دفعة واحدة وهم في أوَّل أمْرهم من الجاهلية والظُّلُمات . نحن الآن عندما يريد الطالب أن يدرس تلك الشريعة فإن عليه أن يُتْقِنَ علوم الآلة أولاً : (اللغة العربية ـ أصول الفقه ـ علم المصطلح ، وهكذا) وقد يَسْتَغْرِقُ في ذلك عِدَّة سَنَوات ، حَتَّى يستطيع أن يتابع الفُقَهاء ويفهم . إِنَّهَا شريعة أحْكِمَت ثُمَّ فُصِّلت لكل الخلق مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خبير علامٍ للغيوب ، سبحانه وتعالى ، ومن ثم كان النَّسْخُ الخاص داخل الشريعة الواحدة ـ خصوصًا في هذه الشريعة ـ إحدى الدَّعائم الأساسية حتى تَسْتَقِر الشريعة على ما استقرت عليه من الكمال والرُّقيّ كما تبيَّن في الأمثلة السابقة ، ويوضح ذلك أكثر ما يلي : -
2) التطور في التشريع حتى يبلغ الكمال :
فلم تجب الصلاة إلا قبل الهجرة بنحو ثلاث أو خمس سنوات على الأكثر ، وكانت ركعتين ، فلما هاجر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد في صلاة الحضر ، وكذلك الزكاة وجبت في السنة الثانية للهجرة ، أو بُيِّنَتْ مقاديرها وأنواعها ، والصوم وجب في السَّنَة الثانية للهجرة ، والحج في التاسعة ، وهكذا .
والخمر هي اشهر وأبْرَز مثال على مراعاة المصالح وعلى التَّطَوُّر في التَّشريع ، حيث كان الناسُ يألفونها ويتلذذون بها ، ولم يكن عندهم من قوة الإيمان ما يتقبلون به التحريم ، ولا كان إيمانهم ودينهم تَامًّا بحيث لم يبق فيه نقص إلا ما يحصل بشرب الخمر ، بل قضايا الإيمان والاعتقاد أهم وأولى بكثير من قضية الخمر ، فلو نزل التحريم مرَّة واحدة لكان شاقًا عليهم ، وربَّما لا يتمكنون من الانتهاء عنه فورًا ، ولهذا جاء التدرج كما يلي : أ ـ الإباحة كما كانت عادتهم .
ب ـ مرحلة التَّعْريض كما قال تعالى ( قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا )) البقرة ، فالعاقل يتركها ولكنه يرى في نَفْسهِ أنه في حل إن فَعَلَهُما .
جـ ـ التوقيت كما قال تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ )) النساء ، وذلك يستلزم ألا يسكر المسلم حين أوقات الصلاة ، وإلا وقع فيما نهى الله عنه فهذا يُخَفِّف من شُرْبها .
د ـ مَرْحَل التأبِيدُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) المائدة ، حيث حُرِّمت الخمر وصارت خبيثةً كلها بهذا التحريم وذلك في وقت ازدياد الإيمان وقبول التحريم والتنفيذ الفَوْري بإراقة الخمور على الأرض في شوارع المدينة ، ولم يتم التحريم إلا في السنة السادسة للهجرة ، أي بعد 19 سنة من البعثة ، وكان تقبُّل الناس للتحريم آية وعلامة على النظام الإسلامي المحكم .
3 ـ اختبار المكلفين بقيامهم بوظيفة الشُّكر إذا كان النسخ إلى أخَفَّ ، وبوظيفة الصبر ، إذا كان النسخ إلى أثقل حيث يقول سمعنا وأطعنا ولا يكون متبعًا لهواه بل يتَّبع الهدى .
4 ـ اختبار المكَلَّفين باستعدادهم لقبول التحول من حكم لآخر ورضاهم بذلك ، فإذا قيل للمؤمنين هذا حلال : فعلوه ، وإذا قيل بعد ذلك هذا حرام أمْسَكُوا عنه وليس لهم الخِيَرةُ من أمرهم ، أمَّا ضعفاء الإيمان وَالذين في قلوبهم مرض فلا يرضون بذلك التحول في الأحكام : أحيانا كذا وأحيانا كذا ما هذا ّ!!! فيكبر الأمر عليهم وتعظم عليهم المحنة وقد يرتد بعضهم كما حدث في مسألة القبلة .
= ما يَمْتَنِع نَسْخُه =
(1) الأخبار : لأن نسْخ أحد الخبرين يستلزم أن يكون أحدهما كذبًا أو وهما ، وذلك محال في حق اللهِ ورَسُولِه ، إلا أن يكون الحكم أتى بصورة الخبر فلا يمتنع نسخه لأن النسخ مَحِلُّه الحكم .
(2) الأحكام التي تكون مصلحة في كل زمان ومكان مثل التوحيد وأصول الإيمان وأصول العبادات ومكارم الأخلاق من الصدق والعفاف والكرم والشجاعة ونحو ذلك ، وكذلك النهي عن القبائح مثل الكفر والشرك ومساوئ الأخلاق من الكذب والفجور والبخل والجبن ونحو ذلك .
((تحويل القبلة))
لكل أمة من الأمم قبلة يتوجهون إليها في صلاتهم ، ومن لم يستقبل قِبْلَتَهم فليس منهم ، سواء كانت قبلتهم بوحي من الله أو كانت باصطلاح رؤسائهم وتحريفهم ، فأمَّا قبلة اليهود فليس في التوراة أمرٌ باستقبال الصَّخرة البَّتة ، وإنما كانوا ينصبون التابوت ويصلون إليه من حيث خرجوا ، فإذا قَدِمُوا إلى القدس نصبوه على الصخرة وصلَّوا إليه ، فلما رُفع واخْتَفى عنهم صلَّوا إلى موضعه وهو الصخرة ، وتلك قصة قبلتهم ، لا نعلم فيها وَحْيًا من الله ، بل الذي يترجح عند كثير من علماء المسلمين أنَّ الكعبة هي قبلة جميع الأنبياء ، خصوصًا أنبياء بني إسرائيل وهم أبناء إبراهيم عليه السلام الذي بنى الكعبة وهي قبلته فهم أولى الناس به ، قال تعالى(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا .. الآية )) آل عمران .
فكيف لأبْناء الأنبياء يخالفون قبلة أبيهم ، إلا أن يكون بأمْر من الله ، وذلك لا يَثْبُت بِنَصٍّ في التَّوراة ولا في غيرها ، بل أخبرنا الله عَزَّ وَجَلَّ بأنَّ الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم ، أي ليعلمون أن قبلة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستستقر على الكعبة وأنها قبلة الأنبياء .
2 ـ قال تعالى( وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) البقرة ، والمعنى : ولله الجهات كلها فأينما تتوجهوا وتستقبلوا فثم قبلة الله وَوْجهَتُه ، لكن الشأن أن تكون القبلة بأمر الله بالوحي حيثما وجَّهَنا تَوْجَّهْنا امتثالاً لأمره .
ومعلوم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا صلى النافلة على ظهْر دابته ، وجَّهَهَا إلى القبلة في تكبيرة الإحرام ثم يدعها تسير في اتجاهها حسب الطريق ، وفي ذلك نزلت تلك الآية (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ )) البقرة فيما رواه أحمد ومسلم .
3 ـ ذكر المفسرون عن ابن عباس رضي الله عنه كان أول ما نُسِخَ من القرآن القبلة ، وذلك أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما هاجر إلى المدينة وكان اكثر أهلها اليهود ، وأمره الله أن يستقبل بيت المقدس ، ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بضعة عشر شهرًا (16 أو 17) شهرًا ، وقال اليهود : يخالفنا محمد في ديننا ويتبع قِبْلَتنا ، ولولا ديننا لم يدر أين يتوجه في صلاته ، فكره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البقاء علي قبلتهم ، وكان يحب قبلة إبراهيم عليه السلام فكان يدعو الله وينظر إلى السَّماء ، فأنزل اللهُ قوله( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ )) البقرة فاستغلها اليهود وقالوا ( مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا )) البقرة فقال تعالى( قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )) البقرة .
روي البخاري عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوْ صلاة صَلَّاهَا ( إلي البيت ) صَلَاةَ الْعَصْرِ ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ قَالَ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ . وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )) .
4 ـ لقد علم الله عَزَّ وَجَلَّ ما سيقول خصوم الإسلام من اليهود والمنافقين والمشركين في تحويل القبلة ، فقال تعالى(سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )) البقرة ، وحدث ما اخبر به علام الغيوب حيث قالوا :
ـ إن كانت القبلة الأولى حقًا فقد تركتم الحقَّ ، وإن كانت باطلاً فقد كنتم على باطل .
ـ لو كان نبيَّا ما ترك قبلة الأنبياء قبله (بزعمهم أن الصخرة كانت قبلة الأنبياء) .
ـ لو كان نبيًّا ما كان يفعل اليوم شيئًا وغدا خلافه .
ـ وقال المشركون في مكة وغيرها : قد رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم .
وعظمت بذلك المحنة على ضعاف الإيمان فارتاب بعضهم وارتد بعضهم ، قال تعالى( وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ )) البقرة .
ولقد أجاب الله عَزَّ وَجَلَّ بجواب شافٍ بعد أن قَدَّم له بمقدِّمات تقرِّرُهُ وتوضِّحه ، واستغرقت الإجابة والمقدمات من الآية 104 إلى الآية 150 من سورة البقرة ، والتَّعليقُّ على هذه الآيات لبيان بدائعها وروائعها يحتاج إلى رسالة خاصة لا يتَّسع المقام لذكرها هنا ، وسنكتفي بتوجيهات وتنْبِيهات سريعة على الآيات ، وينبغي للقارئ أن يتابع الآيات في المصحف لكي يستوعب ، ويَأخُذ الكتاب بقوة .
ـ سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ (وهم اليهود أساسًا) مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا (وهي بيت المقدس) قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ (فليس جهة من الجهات إلا وهي ملك لله عَزَّ وَجَلَّ ، وبيت المقدس والكعبة جهتان مملوكتان لله يوليهم هذه أو تلك ، فَمَرّدُّ الأمْرِ إلى مشيئْته) يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (فالاتجاه إلى بيت المقدس كان الأصلح والأنفع في وقته وكان هو الصراط المستقيم ، والاتجاه إلى المسجد الحرام هو الأصلح والأنفع في وقته وهو الصراط المستقيم ، ولله في كل ذلك حكم نعلم بعضها ونجهل أكثرها ، فَمَرَدُّ الأمْر إلى ملكيته للجهات وإلى مشيئته التي تكون بحكمته واختياره الأنفع والأصلح دائمًا) .
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا (أعدل الأمم وأخيرها في كل أمور الدين ، وَسَطًا في الأنبياء بيْن من غُلا فيهم كالنصارى وبين من جفاهم كاليهود ، أما المسلمون فقد آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك ، ووسطًا في الشريعة ، لا تشديدات اليهود وأحبارهم ، ولا تهاون النصارى ، ووسطًا في باب الطهارة والمطعام ، لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بيعهم وكَنَائِسهم ، ولا يطهرهم الماء من النجاسات ، وقد حُرِّمت عليهم الطيبات عقوبة لهم ، ولا كالنصارى الذين لا يُنَجِّسون شيئًا ولا يحرِّمون شيئًا ، بل أباحوا ما دَبَّ وَدَرَج ، فلهذه الأمة من الدين أكمله ، ومن الأخلاق أجَلَّها ، ومن الأعمال أفضلها) . لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ (بسبب عدالتهم وحكمهم بالقسط ، فَيحْكُمُون على الناس من سائر أهل الأديان ، ومن ذلك ما يكون يوم القيامة إذا سأل الله تعالى المرسلين عن تَبْلِيغهم ، والأمم المكذبة عن ذلك فأنكروا أنَّ الأنبياء بلَّغتهم ، عندئذ يَسْتَشهدُ الأنبياء بهذه الأمة لما عندها من الكتاب المُهَيْمن على ما سبقه من الكتب ، وإِخْبَارِه عن بلاغ الأنبياء كما أُمِرُوا) وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (فيزكي شهادة أمَّته التي هي أكمل الأمم وأجْوَدُها وأتمها إخلاصًا ومتابعة) . وهنا سؤال : لماذا لم يستقر الأمر منذ البداية على المسجد الحرام فيكون أبعد للمسلمين عن الفتن والريبة والقيل والقال وما كان من الرِّدَة وغيرها ، لا سِيَّمَا والكعبة هي أفضل بقاع الأرض ، وجهتها أفضل الجهات ، والمسجد الحرام أفضل من الأقصى وغيْره ؟ .
والجواب من الله تعالى ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ )) فالمُرَاد هو اختبار الناس وامتحانهم في إيمانهم كما سبق ، فيتميّز بذلك الراسخ في الإيمان المُسَلِّم للرسول المُنْقَاد له ممن يَعْبد اللهَ على حرف فينقلبُ بأدنى شبهة ، فيعلم الله معلومه الغيبي عيانًا مُشاهدًا ، علمًا يتعلَّق به الثواب والعقاب ويقوم به عدل الله عَزَّ وَجَلَّ حيث لا يؤاخذهم إلا بما كان منهم فعلاً لا لمجرَّد علمه تعالى . ولقد تَبَيَّن أنّ اليهود فرحوا باستقبال النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقِبْلَتِهم ومع ذلك لم يتبعوه بل كانوا أشد المحاربين له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كما أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن مُتَّبعًا قبلتهم ، بل كان متجهًا إلى الأقصى بأمر الله تعالى ، فقال ( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ .. الآية )) البقرة ، ثم قال : (( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )) ، قال عبد الله بن سلام وكان واحدًا من أحبار اليهود قبل أن يسلم ، فقال : لقد عرفته حين رأيته كمعرفتي لابْنِي ومعرفتي لمحمَّدٍ أشد . ولكن فريقًا منهم ليكتمون الحقَّ الذي يعلمونه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستقباله للكعبة كما سبق بيانه في قوله تعالى( وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ )) البقرة فالضمير في أنه لم يذكر له مُفَسِّرٌ إلا ما في السِّيَاق وهو قوله ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )) البقرة ، ثم قال تعالى( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا )) البقرة أي مُوَلِّيها وجْهَه ، ووجهتكم الكعبة ((فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ )) ، فاغتنموا أنتم أيها المسلمون هذا الخير وكونوا فيه سابقين ولا تترددوا فيه ، ثم جاء الأمر مكررًا مرتين خلاف المرة الأولى ، وهو الأمر باستقبال المسجد الحرام تفخيمًا له وتعظيمًا وبيانًا بأنه من أركان المِلَّة ، وأنه من فضل الله على الأمة الوسط ، وأن الله تعالى جعل الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس ، فإذا هدمت الكعبة فقد انتهى قيام الناس في الأرض ، وتقوم القيامة .
أما التَّمْهِيد والمقدمات لتحويل القبلة الذي هو أمر كبير وتعظم به الفتنة ، فقد جاء ابتداء من الآية 104 من السورة كما يلي : -
* نهى الله المؤمنين عن التَّشبُّه بأهْل الكتاب في سوء أدبهم على الرسول وعلى ما جاء به ، فقال ( لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا )) وأخْبر تعالى أنهم لحسدهم ما يودُّون أنّ الله ينزل علينا شيئًا من الكتاب والحكمة ، فقال ( مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )) البقرة ، فَبَيَّن اللهُ نعمته على المؤمنين وأنها لن تَنْقُص بل تزداد ، فإذا كان قد نسخ بعض القرآن أو أنْسِيَ بَعْضُه ، فإنه تعالى يأتي بخير من ذلك أو مثله ، فلا يزال المؤمنون في نعمة من الله سبحانه ((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا )) البقرة ، وهذه الخيرية والأفضلية من وجهين : وجه لازم حيث تكون الآية في نفسها أفضل من الآية المنسوخة (كفضل آية الكرسي وفاتحة الكتاب وسورة الإخلاص على غيرها من الكتاب) . وَوَجْهٌ عارِض بحيث تكون الآية الناسخة أو البديلة أفضل في وقتها وتكون المنسوخة افضل في وقتها . على أنّ هذه الآية (( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا .. الآية )) تحتاج في بيان كنوزها إلى إطالة الكلام لاسْتيفَاء أقوال العلماء فيها ، واستيفاء معنى القراءة الثانية (( أو نَنْسأها )) لكني لا أريد أن أشق على عامة الناس فسأكتفي فيها بما ذكرت .
ثم بَيَّن اللهُ أن ذلك النسخ والإنساء والإتيان بخير منه أو مثله ، أنه على الله يَسير لأنه تعالى على كل شيءٍ قدير ، إذ أن الأنفع والأصلح والأنسب منذ الرسالة وإلى يوم الدين على امتداد الزمان واتساع المكان في كل بقاع الأرض واختلاف الناس وأجناسهم وألسنتهم وظروفهم وبيئاتهم وأحداثهم والصراعات التي لا حصر لها ، والتطورات التي لا حدود لها وما شابه ، فتقدير الآية الأصلح لكل هذا لا يقدر عليه إلا الله العليم الحكيم الخبير القدير الذي لا منازع له في ملكه ، بل له ملك السماوات والأرض ، وهو الذي يُقَدِّر الأحداث إلى يوم القيامة بما يشاء ، ويُنزِّل من الكتاب ما هو الأنسب لكل هذه الأحداث ، لا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وهم يُسْأَلون . قال تعالى: (( .. نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ )) من وَلِيٍّ يَجْلِبُ لكم منفعة ولا نصير يدفع عنكم مضرة ، وإنما المنافع والمصالح كلها ودفع المضار بيد الله وحده ، فسلَّموا لله ورسوله ، ولا تنازعوا في شيء من النَّسخ وغيره (ومن ذلك القبلة) ، وإلا فهل تريدون أن تعترضوا وتسألوا رسول الله تَعَنُّتًا كما سُئل موسى من قبل : (( أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ * وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ .. الآية )) ، فهم يَعْلَمُون الحَقّ وأنَّ الرسُولَ حَق في كل ما جاء به (ومن ذلك القبلة) لكنهم لِحَسَدِهم يُرِيدُونَ وَيَوَدُّون أنْ يستعصي المؤمنون على رَسُول اللهِ (في القِبْلة وغيرها) فَيْرتدُّوا بعد إيمانهم كافرين ، وعلى ذلك ينبغي الحذَرُ منهم وألا يُسْمَع منهم ، ولا يُقْبل قولُهم (لا في القبلة ولا في غيرها) كما ينبغي معرفة أنهم لَيْسُوا على شيء بإتهام بعضهم لبعض ، وقال تعالى(وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) وسبق بيانها وهي أساسية في المقَدَّمَة لِتحويل القبلة ، وقال تعالى: ((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى .. الآية )) ، وهذه واضِحَةٌ تَمامًا في قَطْع الأَمَل في إِرْضَائِهم إلاَّ باتَّبَاع مِلّتهم والعِياذُ بالله ، فَلاَ الْتِفَات إليهم في اعتراضهم على القبلة ولا في غيره ، وتَسْتِمرُّ الآيات في التتابع ، حيث ذكر اللهُ البَيْتَ الحَرّام وتَعْظِيِمَه وحرمته وذكر بَانيه وأثنى عليه وأوجب اتباع مِلَّتَه ، فقرَّرَ في النُّفُوس بذلك تِوجُّهَهَا إلى البيْت بالتَّعظيم والمَحبَّة ، وإلى بَانيه بالاتِّباع والموالاة والمُوَافقة ، وأَخْبر أنه جعل البيت مثابةً للناس يثوبون إليه ولا يقضون منه وَطَرًا ، فالقلوب دائمة الاشتياق إليه متوجهة إليه حيث كانت ، كما أخبر أنه أَمر إبراهيم وإسماعيل بتطهيره للطائفين والقائمين والمصلين وأضافه إليه بقوله : ((أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ)) ، وهذه الإضافة هي التي أسكنت في القلوب من مَحَبَّته والشوق إليه ما أسْكَنَت ، وَهِيَ التي أَقْبَلت إليه بِأَفئدة العالم إليه ، فلمَّا استقَرَّت هذه الأمور في قلوب أهل الإيمان ، وذُكِّروا بها فكأنها نادتهم أن اسْتَقْبَلُوه في الصَّلاَةِ ، لكن توقَّفَتْ على وُرُودِ الأمْرِ مِنْ رب العالمين ، ووَرَدَ الأمر بعد هذه المقدمات ، لأن تحويل القبلة أمر عظيم كما سَبَق . ولولا الإِطالة لذكرتُ تَفَاصيل الآيات لِيَعْلم الناسُ شيئًا عن عظمة القرآن لكنَّ أهْلَ الزمان دائمًا على عجالة .
ونكتفي بهذا القدر وفيه كفاية .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
ملحوظة : من أراد أن يُرسل ملحوظة أو تعليق للشيخ فليرسله علي هذا الإيميل وسوف يصله إن شاء الله .
[email protected]
كتب فضيلة الشيخ فوزي سعيد – فك الله أسره - علي موقع صيد الفوائد (www.saaid.net (http://www.saaid.net))
القلب الحزين
13-12-2013, 04:24 PM
حوار لا صراع .... حوار مع البابا
بقلم الدكتور حسين اللبيدي
طبيب وباحث إسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
تطفح بين الحين والحين طعون توجه للدين العالمي الخالد ( الإسلام ) إما بجهالة أو بهدف وغاية، وقد نشطت تلك الطعون لتواكب جيوش الحملة الصليبية وتتزاوج معها، بهدف ضرب الجسم والقلب معا حتى يتحول المسلم إلي حطام لا مقاومة له يسهل سرقة ثرواته واستعباده.
وكان ممن وصل إلينا أخيرا هجوم البابا في قوله عن الإسلام :
1- انه دين يتصادم مع العقل .
2- انه دين يحض علي العنف من خلال آيات الجهاد .
ومن خلال إشادته بالفكر المسيحي وكتابه المقدس نعلم أن المقصود بالقول بان الدين الحق هو المسيحية والكتاب الحق هو النسخة الحالية من الكتاب المقدس المتمثلة في عهديه القديم والجديد .
أما بخصوص القرآن والإسلام فهما منتج بشري وضعه البدوي الطموح الساعي للسلطة الزمنية محمد.
ولأن البابا يدعوا للحوار العقلي ويحترم العقل كما يقول، ولأننا لا يهمنا في البابا إلا أفكاره بمعني فكر البابا ( ف ) فأن حوارنا سيكون مع فكر ( ف ) البابا وليس شخصه، فهيا بنا فى حوار مع فكر البابا وكل بابا ( وماما ) ينهج منهاجه .
مع التنبيه علي ما يأتي:
إننا نحن المسلمين نؤمن بأن التوراة حق والإنجيل حق وكل ما نزل من عند الله حق ، ونؤمن بعيسي وموسي وكل الأنبياء والمرسلين ، ونقدر مريم الطاهرة ونعلم انه لا إكراه في الدين .
الحـــــوار
1- سؤال موجه إلى ( ف ) البابا: هل تؤمن بالله وما له من صفات الكمال ؟
أجاب ( ف ) البابا : بلا شك وهل يسأل البابا هذا السؤال البديهي، عليك أن تعتذر لذلك
2- هل توقن أن الله تابع المكلفين من عباده بإرسال الرسل تحمل رسالات السماء ؟
أجاب ( ف ) البابا : بلا شك فهاهو العهد القديم وبعده جاء العهد الجديد غير الكتب الإلهامية وأعمال الرسل.
3- هل يمكن أن يرسل الله الرحيم الحكيم عدة رسالات مختلفة لعباده ؟
أجاب ( ف ) البابا : بالطبع لا لأن الرسالات المختلفة تعني ضلال عباده واختلافهم وصراعهم وحاشا للحكيم الرحمن الرحيم أن يكون منه ذلك، إنها رسالة واحد تشكل عامل مشترك يتوحد عليه عباد الرحمن.
4- إذا كنت تؤمن بتتالي الرسالات، بمعني انك تؤمن بأن التوراة هي ( العهد القديم ) والإنجيل هو ( العهد الجديد ) فلماذا لا تؤمن بأن القرآن هو ( العهد الأخير) ؟
أجاب ( ف ) البابا : لا داعي لذلك لأن الرسالة قد ختمت بالعهدين وأي شيء آخر فهو باطل ومنتج بشري لهدف دنيوي وللوصول إلي السلطة الزمنية باسم الدين.
5- ما الذي جعلك توقن أن القرآن ليس هو كتاب الله الخاتم المحفوظ ؟
أجاب ( ف ) البابا : لأن هناك تناقض بين العقل والقرآن ، فمنهاج القرآن والإسلام يحض على العنف وسفك الدماء وهو يخالف منهاج الله الرحيم الذي قتل ومات لأجلنا فالله محبة .كما أن منهاج القرآن لا يتوافق مع العقل والحرية.
والإسلام لم ينتشر بالإقناع والحب بل بالقهر وسفك الدماء، وهاهي مدرسة الإسلام الأصولية تفرز اخطر صور الإرهاب العالمي.
6- وهل لديك دليل من الكتاب يؤكد ذلك ؟
أجاب ( ف ) البابا نعم ، فالرسول عندما كان ضعيفا دعا إلى السلم ( لا إكراه في الدين ) وعندما قويت شوكته دعي إلى القتل وسفك الدماء بفرض آيات الجهاد .
7- وهل تعتبر قتال الكفار المحاربين والمجرمين والمضللين للإنسانية الساعين في ارض الله فسادا وتكفيرا ، هل تعتقد أن قتال هؤلاء الطغاة إرهاب وسفك دماء ، أم أن قتالهم يسد مداخل الإرهاب وسفك الدماء ، هل القضاء على الأجسام الممرضة خطر أم الإبقاء عليها ؟
أجاب ( ف ) البابا : عندنا في ديننا لامكان للحرب حتى مع الأعداء ، فالذي يضربك على خدك ادر له الآخر ، والذي يلعنك باركه !!
وماذا يا بابا فيما جاء علي لسان المسيح ( بأنه لم يأتي ليلقي سلاما على الأرض بل سيفا ) ثم ماذا فيما جاء فى سفر اللآويين 25 / 29 – 46[ وأما عبيدك وإماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم ، منهم تقتنون عبيداً وإماءً ، وأيضاً أبناء المستوطنين لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك ، تستعبدونهم أبد الدهر ، وأما إخوتكم بنوا إسرائيل فلا يتسلط على أخيه بعنف] .
وفي سفر التثنية 20-16 [حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح فإن أجابت وفتحت لك أبوابها فكل الشعب الموجود فيها يكونوا لك للتسخير ويستعبد لك ] . [وأما من هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبق منهم نسمة ]ومعنى نسمة في الترجمة الإنجليزية للكتاب المقدس = أي شيْ يتنفس
هنا يقول النص المقدس : كل الشعوب المخالفة لكم ليس لها إلا أحد الخيارين : إما الاستعباد التام كعبيد ملك يفعل بها سيدها ما يشاء بما فيها التعذيب حتى الموت ، أو الإبادة الجماعية لكل شيء يتنفس .
[ لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك ، إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعباً أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض]
وفي سفر التثنية إصحاح 23 [ للأجنبي تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا لكي يباركك الرب إلهك ]
هذا غير النصوص الأخرى التي تدعوا إلى الإبادة للأطفال والشيوخ والنساء والزرع والضرع واغتصاب نساء المخالفين.
هذا ما جاء في كتبك ودينك وقد تحول إلى واقع عملي في كل الحروب الصليبية القديمة والحديثة وفى البوسنة واندنوسيا وصبرا وشاتيلا وغيرها .
* وفى الإسلام مازال ( لا إكراه في الدين ) ولكن الجهاد فقط للكفار المحاربين والطغاة الساعين في الأرض فسادا وتكفيرا وهذه لقطة من الحرب في الإسلام :
هدف الحرب في الإسلام تحرير الإنسان من ظلمات عبودية الطواغيت والشياطين إلى الحرية في العبودية لله رب العالمين بلا إكراه في الدين .
ومن أخلاقيات الإسلام في الحرب أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بما يأتي :[ لا تقتلن امرأة ولا صغيراً ضرعا ( ضعيفاً ) ولا كبيراً فانياً ، ولا تغرقن نخلاً ، ولا تقلعن شجراً ، ولا تهدموا بيتاً ] ولقد وصى صلى الله عليه وسلم على الأسير فقال [ أحسنوا آسرهم، وقيلوهم واسقوهم، ولا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السلاح ]. وهذا من خلق القرآن الذي جعل من حسن معاملة الأسري عبادة لله كما جاء في سورة الإنسان في قوله: ( ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) .
قارن يا بابا بعقلك العالمي بين خلق الحرب في الإسلام وبين حروبكم الصليبية بقنابلها الذرية وأسلحة الدمار الشامل والعنصرية والتي تتخذ من النصوص المحرفة مبررا في اغتصاب الشعوب وسرقتها وتدميرها.
* أما ما يحدث من بعض التجاوزات ممن ينتسبون للإسلام من المظلومين فبسبب مؤامرات وخدع استغلت فيها الشياطين حالة الإكتئاب التي أفرزتها الحضارة العالمية الظالمة.
فبالله عليك يا فليسوف ويا من تعرف الله أو حتى تعرف معني الإنسانية ماذا يحدث لو تعرض إنسان حر مؤمن بالله ومؤمن بكل رسل الله ويحترم عيسي وموسي ومريم الطاهرة، ماذا لو تعرض هذا الإنسان للاغتصاب في أرضه وعرضه ؟ ماذا يفعل لو وجد أمه أو زوجته تغتصب ؟ ماذا يفعل لو وجد أرضه تسرق ويلقي صاحبها في الشتات ؟ ماذا يفعل لو وجد دينه الحق يمتهن ؟
هل إذا جاهد ودافع ذلك المظلوم المكتئب يعتبر مجرم ؟ أم المجرم الذي اغتصب أرضه وعرضه وثرواته وامتهن دينه الحق ؟
أيها البابا ذو القلب الرحيم والدين الذي يطفح حبا والعقل الفيلسوف بدلا من نقد المغتصبين المظلومين المسروقين من عباد الله الذين يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله ويحترمون مريم ويجلونها ، والذين حافظوا على أرواح المخالفين لهم وعلي أعراضهم وأموالهم وحفظوا لهم حرية التدين وابقوا على كنائسهم ومعابدهم
أكثر من ألف عام وحني الآن ، بدلا من تظلمهم ، توجه لهداية قائد الحرب الصليبية المدمرة التي أبادت البشر والشجر والزرع والضرع وسممت البيئة وهتكت الأعراض باسم المقدس .
قل لهم أن كل بترول العالم لن يساوي ساعة في نار جهنم ، وأن الملك الحكم العدل لا يحب الظلم والدمار واللصوصية باسم المقدس .
الست أنت البابا الملهم والقلب الكبير والفليسوف المعلم الداعي إلى العقل والحوار ، أذن هيا بنا بالعقل والمنطق بعيدا عن التعصب والعصبية نتفكر ساعة ونتساءل : أن أمام العقل الحر الآن عدة كتب يطلق عليها جميعا كتاب الله الوحيد الخالد المحفوظ ويدعي صاحب كل كتاب أن كتابه هو الحق الوحيد الذي يجب أن يتبع ويقود ، وأن بين هذه الكتب تقارب في بعض المواضع ، كما أن بينها اختلاف خطير في مواضع أخري .
فهاهو الإسلام من خلال القرآن يرفض التثليث ، ويكفر تجسيم الله ووصف عيسي بأنه الله ، وهاهو دينكم يؤكد التثليث والتجسيد وألوهية عيسي ويكفر بل يستبيح دم من ينكر ذلك ، وهاهو القرآن يصف الله بصفات الكمال ، وهاهي كتبكم الحالية تنسب إليه ما لا يليق بكماله ، وهاهو القرآن يصف رسل الله بصفات الكمال البشري ، وهاهي كتبكم الحالية تتهم رسل الله بألذنا حتى ببناتها وقتل الأبرياء والسكر والسجود للأصنام .
وهاهو القرآن والإسلام يرفض العنصرية ويسوى بين عبيد الله ( لا فضل لعربي علي عجمي إلا بالتقوى ) ( لا عدوان إلا علي الظالمين ) ، وهاهي نصوصكم تأمر بالعنصرية والإبادة الجماعية للمخالفين .
وهاهو القرآن يخاطب العقل بل يأخذه في رحلة في عالم الشهود ليطل في نهايتها إلي عالم الغيب وكأنه يراه (إنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأَرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ (190) الَذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وقُعُوداً وعَلَى جُنُوبِهِمْ ويَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السماوات والأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (191) ( آل عمران )
وهاهو القرآن يخاطب العقول المتخصصة بحقائق علمية لم تعرف إلا بعد نزول القرآن بأكثر من ألف عام جعلت موريس بوكاي أستاذ الجراحة الفرنسي الشهير يخر ساجدا أمام عظمة القرآن ويشهر إسلامه ، ويؤلف كتابه الشهير ( القرآن والتوراة والإنجيل والعلم ) وهو مترجم بعدة لغات ، وجعلت كث المور الكندي وهو من اشهر علماء الأجنة يخر ساجدا ويدخل الإسلام ، ويقدم برنامج في التلفزيون الكندي ، عن علم الأجنة في القرآن والسنة يؤكد فيه أن ما جاء في القرآن من وصف لمراحل الجنين تتطابق مع ما اكتشف حديثا من حقائق في علم الأجنة ، ودراسة دستور القرآن العالمي جعلت الدكتور/ مراد هوفمان المتحدث الإعلامي لمنظمة حلف شمال الأطلنطي يقول إمام أعضاء المنظمة أن الإسلام طوق النجاة للحضارة العالمية المهددة ويشهر إسلامه ، بعد أن درس الإسلام فوجد فيه دستور عالمي يحق العدل والتوازن بين الإنسان ونفسه وبين الإنسان وأخيه الإنسان وبين الإنسان والكون من حوله . والكثير والكثير .
والقرآن معالي البابا العالم الفليسوف بلا منافس في كل ذلك ، والإسلام بلا بديل .
معالي البابا خذ نسخة حديثة من القرآن من عدة بلدان ، ونسخة أخري عمرها 500 سنة من عدة بلدان ، وثالثة مخطوطة عمرها ألف سنة ، وقارن بينها ستجد المطابقة كلمة كلمة ، وطبق ذلك علي كتبك الحالية وتسائل لماذا ؟
هل عرفت فخامة البابا أين الكتاب الوحيد الخالد الباقي المحفوظ وأين الدين العالمي الخاتم طوق النجاة للحضارة العالمية ( أم علي قلوب أقفالها ) .
قداسة البابا ادعوك إلي أن تجمع كل النصوص المقدسة المتاحة عندك ، وتقارن بينها وبين نص موثق للقرآن في القضايا الآتية :
1- قضية الألوهية : لتري أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي ينزه الله مما لا يليق بكماله من أول كلمة إلي آخر كلمة فيه .
2- قضية الرسل : لتري أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي ينزه رسل الله -حملة رسالاته – من كبائر الإثم والفواحش وانظر في نصوصكم بماذا تصف أنبياء الله ورسله التي اختارها لتحمل رسالاته .
3- قضية حقوق الإنسان : لتري كيف صانها القرآن والإسلام في جميع جوانبها الاقتصادية والأمنية والمادية والنفسية حني مع الأعداء المحاربين .
4- قضية السلام والأمن والأمان العالمي : لتري كيف صانها الإسلام حني انه يشكل طوق النجاة للحضارة بكل المقاييس .
5- قضية خطاب العقل : لتري أن القرآن والإسلام لم يلجأ للشعوذة والأساطير والكهانة والدجل بل خاطب العقل بكل مستوياته ، خاطب عقل البدوي البسيط كما خاطب عقل البروفيسور المتخصص ، فهو دائما يأخذ بالعقل في رحلة فكرية في عالم الشهود ليطل به إلي عالم الغيب وكأنه يراه فيوقن العقل بالله وكتبه ورسله ويوم الحساب .
معالي البابا يمكنك الاستعانة بأبن بلدك ( مراد هوفمان ) أستاذ القانون والمتحدث الإعلامي السابق لمنظمة حلف شمال الأطلنطي ، أو بزميلتك الفليسوفة العالمية ((زيجريد هونكه )) وغيرهم الكثير من العلماء والمفكرين .
معالي البابا حتما ان معاليكم يعرف عالمة الفلسفة زميلتكم الألمانية (زيجريد هونكه ) التي درست الإسلام وتاريخه وأيقنت صدقه وأنه ظلم بفعل التعصب فقالت في كتابها الشهير ( الله ليس كذلك ) فيما ملخصه : إن البابا ( أوربان الثاني ) أراد أن يحقق أهداف سياسية وأطماع دنيوية خسيسة وظالمة تبدأ بتوحيد الكنائس المنشقة في الشرق ثم الانقضاض بها على ديار المسلمين الغافلين والمسالمين ، فأخذ يصيح أمام الجنود من الشباب العاطل وا مصيبتاه أن المسلمون الكفار في الشرق يهدمون قبر المسيح ويخربون كنيسة القيامة ويضطهدون إخوانكم المسيحيين ويقتلونهم ويغتصبونهم ، فحي على الجهاد لتطهير مقدساتكم ونجدة إخوانكم وتطهير الأرض المغتصبة من هؤلاء الأجلاف الكفار المجرمين ، ولقد كان البابا مجرما ومغرضا ، فلقد كانت العلاقة طيبة بين المسلمين وغيرهم يسودها الاحترام والتواصل - محفوظة أرواحهم وممتلكاتهم وأعراضهم وكانت ترمم معابدهم وتحفظ مقدساتهم والتي كانت مفتوحة الأبواب أمام حجاجهم ، وفعلا نجح الكهنة المجرمون فتحركت الجيوش لتبيد كل من أمامها من أطفال وشيوخ ونساء ولتغرق الأرض في بحار من دماء المسلمين وتحتل أرضيهم . وسنتناول ذلك بالتفصيل في الملحق المطول .
ولقد بينت عالمة التاريخ الألمانية ( زيجريد هونكه ) التمهيد النفسي الذي اخترعه البابا – المخادع - لإنجاح جرائمه الفائقة الحد والوصف ، بأنه كلف الكهنة المتحركين النشطين بإشاعة أن المسلمين مجرمين إرهابيين كفار يخربون قبر المسيح ويهدمون الكنائس ومغتصبين للأرض والعرض ويضطهدون آهل الصليب ، وفى نفس الوقت كان يستصرخ الشباب العاطل هيا إلى جهاد الكفار وانصروا الرب وطهروا الأرض من الكفار .
وهذا ما يدور الآن تماما حملات عسكرية صليبية يقودها الكهنة وحملات تشكيك وتشويه فى كتاب الله الحق وفى رسوله الخاتم بل وسب في آل البيت ، وحملات مستمرة تهدف إلى لصق تهمة الإرهاب بالإسلام تمهيدا لشن حرب عالمية عليه أو كسب التأييد العالمي لذلك ، وفى نفس الوقت صيحات كاذبة تقول : النجدة المسيحيون يقتلون ويغتصبون ويضطهدون وتحرق كنائسهم ، وكل ذلك باطل لدرجة أن بعض المفكرين عبر بأن حال الأقلية أفضل من حال الأغلبية من الناحية المادية والعلمية وحقوق الإنسان ، حتى أن هناك نكتة ترددت بأن الأغلبية المسلمة سترفع شكوى لتسويتها بالأقلية المميزة .
معالي البابا بقلبك الكبير وعقلك الراقي افعل كما فعلت زميلتك في الفلسفة الألمانية (زيجريد هونكه ) ، بأن درست الإسلام من مصادره وقارنت بين كتابه المحفوظ والنصوص المحرفة ، ثم انطق بالحق كما فعلت ، وتذكر أن كل تيجان الدنيا وذهبها وكراسيها لا تساوي دقيقة فى نار جهنم ، وقريبا ستقف أمام الديان فتسأل .
إنني أقول ذلك حبا وتقديرا لعقلك الفلسفي وقلبك الرقيق وطلبك للحوار .
، وللمزيد من البينة ادعوك لقراءة البحث المطول التالي ضمن كتاب ( حوار مع البابا ) ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والحساب على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون .
د/ حسين رضوان اللبيدى
( مدير مستشفى ) وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة سابقا
وعضو جمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بالقاهرة وجنوب الوادي
مصر 0127580446
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 04:25 PM
زكريا بطرس يتهم المسلمين ورسولهم بحب الجنس والشذوذ الجنسي
تركي الظفيري
يخرج علينا المدعو زكريا بطرس من خلال قناة الحياة، وهي قناة عربية تنصيرية، تعلن مهاجمة الإسلام وتدعو لتنصير المسلمين، تبث على القمر الأوربي من قبرص على مدى 24 ساعة ، وهي موجهة للناطقين باللغة العربية في كل من البلاد العربية ،وشمال أفريقيا، وأوروبا . بدأت بثها في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول 2003م.
وقد أخذت هذه القناة على عاتقها مهمة بث الشبهات والافتراءات حول العقائد والشرائع الإسلامية، ورفع راية الحرب على دين الإسلام؛لزعزعة الإيمان في قلوب المسلمين؛ولتثبيت الإيمان في قلوب النصارى.
وخطورة هذه الشبهات والافتراءات تأتي من عدة أمور :
1. تبسيطها للمشاهدين، وتيسير فهمها بلهجة عامية وبكلمات يفهمها كل من يشاهد البرنامج .
2. العديد من الناس لا يقرأ مثل هذه الأكاذيب والشبهات من كتب المستشرقين، وهذه القناة تريد إخراجها ليراها الجميع فيبدأ الشك يخترق القلوب المريضة.
3. لا يسمح بالرد والمناقشة في هذا البرامج، فكل الرسائل التي تصلهم يقرؤون بدايتها ثم يستمرون في موضوعهم دون إكمالٍ لرد المرسل عليهم ، ولا يفتح مجال للرد على الشبهات وهذا يجعلهم يتحكمون فيما يطرح دون مراعاة لأحد يناقشهم أو يرد عليهم .
ويقوم على هذه الهجمة القمص زكريا بطرس من خلال عدة برامج مليئة بالكذب والافتراءات، فكانت مهمته الرئيسة أخذ الشبهات والافتراءات من كتب المستشرقين والمنصرين وتقريبها لأذهان المشاهدين. وفي إحدى حلقات برنامجه: أسئلة عن الإيمان تحدث عن نعيم الجنة، وركز على ما أسماه بالجنس عند المسلمين، واتهم الرسول-صلى الله عليه وسلم- بحب الجنس وأن عشرات الآلاف من الأحاديث جنسية، وزعم أن المسلمين يريدون الجنة لأجل الحور العين فقط، بل ويزعم أن الهدف من الولدان المخلدين في الجنة هو الشذوذ الجنسي،وينقل هذا الكلام عن كاتب مسلم بالغ في شذوذه، وبطرس بدوره يصور للمشاهدين أن هذا الكتاب يعبر عن رأي المسلمين متجاهلاً كل أقوال المفسرين وشراح الأحاديث المعتبرين عند المسلمين.
وكثيراً ما يؤكد هذا الرجل على أن مصدر ما يقول من كتب المسلمين، وهو بهذا يموه على المشاهدين، وقد تأملت كثيراً في استدلالاته ووجدت أنه يعرض الدليل من كتاب أو سنة ثم يذكر شرح الأئمة له، ثم يدس سمومه في أثناء حديثه ، وكأنه يريد أن يجعل لكلامه مصداقية، مع أن الأئمة لم يذكروا ما قال، ولم يشيروا إليه في معرض شرحهم ، فمثلاً : لما اتهم المسلمين بالشذوذ الجنسي في الجنة ذكر أن هذا الأمر يتفق مع كلام ابن القيم – رحمه الله- في حادي الأرواح : " فمن ترك اللذة المحرمة لله استوفاها في القيامة أكمل ما تكون " ، فانظر إلى هذا الربط الذي لا يراد منه إلا التشكيك والتشكيك فقط . فهل الشذوذ المخالف للفطرة لذة أصلاً، بل هو انتكاسة فطرية، عاقب عليها الإسلام أشد العقوبة ، وجريمة عظيمة تستحق عقوبة القتل الشنيع، فالإسلام لا يرى الشذوذ لذة مرغوبة، بل هو قذارة مكروهة ، ونقرأ في كتاب ربنا قصة قوم لوط وكيف استحقوا العقوبة بسبب فعلتهم فقال تعالى: ((فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ{82} مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ )) (هود:82-83) ، ثم هل من ترك القتل والسرقة والظلم في الدنيا سينالها في الآخرة؟، وهل تكون لذة بهذا الاعتبار؟. وعند النظر في هذه الاتهامات نجدها بعيدة عن المنهج العلمي، ولم يستطع زكريا بطرس أن يقيم دليلاً واحداً صحيحاً على ما يقول، فكل الافتراءات التي أوردها بعيدة كل البعد عن المنهج العلمي.
نحن بحاجة ماسة لإيقاف هذه المهزلة التي يتغنى بها زكريا بطرس من خلال برامجه في قناة الحياة، أو من خلال غرفة البالتوك التي يشرف عليها، ويجب على أهل العلم الرد على هذه الافتراءات الهزيلة حتى لا تستشري بين أوساط المسلمين، ويجب علينا كمسلمين المطالبة بإيقاف الهجوم السافر على الإسلام والمسلمين -الذي تتبناه قناة الحياة الفضائية- بالطرق المشروعة كرفع الدعاوى القضائية، أو الضغوطات السياسية والاقتصادية، أو المسيرات السلمية، فطرق الدفاع المشروع عن الإسلام كثيرة جداً ، فهل نكون على قدر المسؤولية في دفاعنا عن مقدساتنا، فنقوم بما تبرأ به ذممنا؟ اللهم اجعلنا من أنصار دينك.
نقلا :عن موقع صيد الفوائد: http://www.saaid.net (http://www.saaid.net/)
القلب الحزين
13-12-2013, 04:26 PM
الرد على شبه المتنصرين في الميراث
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/117771463154.jpgإعداد أحمد حسين خليل حسن
كلية الدراسات الإسلامية – جامعة الأزهر
لقد كرم الإسلام المرأة أيما تكريم وشملها في جميع تشريعاته بعطف كريم ورعاية رحيمة وخفض لها جناح الرحمة وجعلها ترقى إلى منزلة سامقة ودرجة عالية رفيعة لم تبلغها المرأة في أمة من الأمم قديمها وحديثها ، وقد سوّى بينها وبين الرجل في أغلب شئون الحياة , ولم يفرق الإسلام بين الرجل والمرأة إلا حيث تدعو إلى هذه التفرقة طبيعة كل من الجنسين ومراعاة للصالح العام، وصالح الأسرة والمجتمع، بل وصالح المرأة نفسها ، فقد ظهر الإسلام والمرأة في حالة لا تغبط عليها ، وكانت محرومة من أبسط حقوقها الأساسية وفي مقدمة ذلك حق الميراث وحق الحياة ، فحق المرأة في الحياة لم يكن محترماً أو مصوناً فقد كان للأب أن يئد ابنته أنفة واستكباراً، كما كان له أن يقتل أولاده خشية الإملاق أما حق الميراث فقد كانت الحالة الحربية السائدة في المجتمع العربي إذ ذاك تحرم البنت من حقها في الميراث، وتقصر حق الإرث على الذكور القادرين على ركوب الخيل وحمل السلاح والدفاع عن العشيرة، فضلاً عن أن وضع المرأة داخل الأسرة كان وضعاً شاذاً يثير الدهشة والاشمئزاز، فلم يكن هناك تعادل أو ما يقرب من التعادل في حقوق المرأة والرجل . فجاء الإسلام وحرر المرأة من هذا الرق ، جاء و أبطل هذه العادات الجاهلية وسن سنناً ووضع نظاماً يكفل للمرأة السعادة في الدنيا والآخرة ، وبالغ في تكريم المرأة وجعل لها شخصية استقلالية محترمة، وقرر لها ميراثاً معلوماً وضحته الشريعة الغراء ونزل به القرآن الكريم كما حافظ الإسلام على حياتها التي كانت مهددة بالقتل والوأد فحرم بذلك الوأد والقتل خشية الإملاق فرد بذلك للمرأة حقها المسلوب في الحياة الطبيعية كما أمر نبي الإسلام بإكرام المرأة خير إكرام ومعاملتها برقة وإحسان ومراعاة لمشاعرها الرقيقة وإحساسها المرهف . ورغم ذلك كله نسمع كثيراً فى هذا الزمان عبارات تتردد مفادها أن الإسلام ظلم المرأة ؛ حيث جعل نصيبها نصف نصيب الرجل . ونحن المسلمين نؤمن بثوابت راسخة من صفات الله تعالى تجعل تلك الشبهة لا تطرأ على قلب أى مسلم أو مسلمة ، وتتمثل تلك الثوابت فى أن الله ـ سبحانه ـ حكم عدل ، وعدله مطلق ، وليس فى شرعه ظلم لبشر أو لأى أحد من خلقه " وَلَاْ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً "(1) ، " إِنَّ الَّلهَ لَاْ يَظْلِمُ مِثْقَاْلَ ذَرَّةٍ "(2) ، " وَ أَنَّ الَّلهَ لَيْسَ بِظَلَّاْمٍ لِلْعَبِيْدِ "(3) وقضية المواريث فى الفقه الإسلامى لا يراعى فيها الجنس إطلاقاً ، فالفروق فى أنصبة المواريث و التى هى أساس تلك القضية لا تختلف طبقاً للنوع ؛ وإنما تختلف طبقاً لثلاثة معايير :
أولاً : درجة القرابة بين الوارث والمورث :ذكراً كان أو أنثى، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، وكلما ابتعدت قل النصيب في الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين ، فنرى البنت الواحدة ترث نصف تركة أمها ( وهى أنثى ) بينما يرث أبوها ربع التركة ( وهو ذكر ) وذلك لأن الابنة اقرب من الزوج فزاد الميراث لهذا السبب ثانياً : موقع الجيل الوارث : فالأجيال التى تستقبل الحياة، وتستعد لتحمل أعبائها عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة و تتخفف من أعبائها ، بل تصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها ، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات . فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ وترث بنت المتوفى أكثر من أبيه كذلك في حالة وجود أخ لها.
ثالثاً : العبء المالي : وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتاً بين الذكر والأنثى ، لكنه تفاوت لا يفضى إلى أي ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها ، بل ربما كان العكس هو الصحيح . ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في العاملين الأولين ( درجة القرابة ، وموقع الجيل ) ـ مثل أولاد المتوفى ذكوراً وإناثاً ـ يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث ؛ ولذلك لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين ، وإنما حصره في هذه الحالة بالذات ، والحكمة في هذا التفاوت ، في هذه الحالة بالذات، هي أن الذكر مكلف بإعالة أنثى ـ هي زوجة ـ مع أولادهما ، بينما الأنثى الوارثة ـ أخت الذكر ـ إعالتها مع أولادها فريضة على الذكر المقترن بها . فهي مع هذا النقص في ميراثها بالنسبة لأخيها الذي ورث ضعف ميراثها ، أكثر حظاً وامتيازاً منه في الميراث فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ، لجبر الاستضعاف الأنثوي ، و لتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات ، وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين ، ومن أعباء الرجل المالية نذكر منها :
1- الرجل عليه أعباء مالية في بداية حياته الزوجية وارتباطه بزوجته ، فيدفع المهر ، يقول تعالى " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة "(4) ، والمهر التزام مالى يدفعه الرجل للمرأة من تشريعات بداية الحياة الزوجية ، والمرأة تتميز عن الرجل ؛ حيث ليس من حقه أن يطالب بمهر من المرأة إذا ما أرادت أن تتزوج منه .
2- الرجل بعد الزواج ينفق على المرأة وإن كانت تمتلك من الأموال ما لا يمتلكه هو ، فليس من حقه أن يطالبها بالنفقة على نفسها فضلاً عن أن يطالبها بالنفقة عليه ؛ لأن الإسلام ميزها وحفظ مالها ، ولم يوجب عليها أن تنفق منه .
3- الرجل مكلف كذلك بالأقرباء وغيرهم ممن تجب عليه نفقتهم ، حيث يقوم بالأعباء العائلية و الإلتزامات الإجتماعية التى يقوم بها المورث باعتباره جزءاً منه ، أو امتداداً له ، أو عاصباً من عصبته . هذه الأسباب وغيرها تجعلنا ننظر إلى المال أو الثروة نظرة أكثر موضوعية ، وهى أن الثروة أو المال أو الملك مفهوم أعم من مفهوم الدخل ، فالدخل هو المال الوارد إلى الثروة ، وليس هو نفس الثروة ؛ حيث تمثل الثروة المقدار المتبقى من الواردات والنفقات . وبهذا الإعتبار نجد أن الإسلام أعطى المرأة فى بعض الحالات نصف الرجل فى الدخل الوارد ، وكفل لها الإحتفاظ بهذا الدخل دون أن ينقص سوى من حق الله كالزكاة ، أما الرجل فأعطاه الله الدخل الأكبر وطلب منه أن ينفق على زوجته وأبنائه ووالديه إن كبرا فى السن ، ومن تلزمه نفقتهم من قريب وخادم وما استحدث فى عصرنا هذا من الإيجارات والفواتير المختلفة ؛ مما يجعلنا نجزم أن الله فضل المرأة على الرجل فى الثروة ؛ حيث كفل لها حفظ مالها ، ولم يطالبها بأى شكل من أشكال النفقات .
ولذلك حينما تتخلف قضية العبء المالى كما هى الحال فى شأن توريث الإخوة و الأخوات لأم ؛ نجد أن الشارع الحكيم قد سوى بين نصيب الذكر والأنثى فى الميراث ، قال تعالى " وَ إِن كَاْنَ رَجُلٌ يُوْرَثُ كَلَاْلَةً أَوْ امْرَأَةً وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاْحِدٍ مِنْهُمَاْ الْسُدُسُ فَإِن كَاْنُوْا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاْءُ فِىْ الْثُّلُثِ "(5) فالتسوية هنا بين الذكور و الإناث فى الميراث ؛ لأن أصل توريثهم هنا الرحم ، وليسوا عصبة لمورثهم حتى يكونوا امتدادا له من دون المرأة ، فليست هناك مسئوليات أو أعباء تقع على كاهله بهذا الإعتبار . و باستقراء حالات ومسائل الميراث انكشف لبعض العلماء والباحثين حقائق قد تذهل الكثيرين ؛ حيث ظهر التالى : أولاً : أن هناك أربع حالات فقط ترث المرأة نصف الرجل . ثانياً : أن أضعاف هذه الحالات ترث المرأة مثل الرجل . ثالثاً : هناك حالات كثيرة جدا ترث المرأة أكثر الرجل . رابعاً : هناك حالات ترث المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال . ، وتفصيل تلك الحالات فيما يلى :
أولاً : الحالات التى ترث المرأة نصف الرجل :
1 البنت مع إخوانها الذكور ، وبنت الإبن مع ابن الإبن .
2- الأب و الأم ولا يوجد أولاد ولا زوج أو زوجة .
3- الأخت الشقيقة مع إخوانها الذكور .
4- الأخت لأب مع إخوانها الذكور .
ثانياً : الحالات التى ترث المرأة مثل الرجل :
1- الأب والأم فى حالة وجود الإبن .
2- الأخ والأخت لأم .
3- أخوات مع الإخوة و الأخوات لأم .
4- البنت مع عمها أو أقرب عصبة للأب ( مع عدم وجود الحاجب ) .
5- الأب مع أم الأم و ابن الإبن .
6- زوج و أم و أختين لأم وأخ شقيق على قضاء سيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ فإن الأختين لأم و الأخ الشقيق شركاء فى الثلث .
7- انفراد الرجل أو المرأة بالتركة بأن يكون هو الوارث الوحيد ، فيرث الإبن إن كان وحده التركة كلها تعصيبا ، والبنت ترث النصف فرضاً و الباقى رداً . و أيضاً لو ترك أبا وحده فإنه سيرث التركة كلها تعصيباً ولو ترك أما فسترث الثلث فرضاً و الباقى رداً عليها .
8- زوج مع الأخت الشقيقة ؛ فإنها ستأخذ ما لو كانت ذكراً ، بمعنى لو تركت المرأة زوجا وأخا شقيقا فسيأخذ الزوج النصف ، والباقى للأخ تعصيباً .ولو تركت زوجاً وأختاً فسيأخذ الزوج النصف والأخت النصف كذلك .
9- الأخت لأم مع الأخ الشقيق ، وهذا إذا تركت المرأة زوجا وأما وأختا لأم و أخا شقيقا ؛ فسيأخذ الزوج النصف والأم السدس , والأخت لأم السدس ، والباقى للأخ الشقيق تعصيبا وهو السدس .
10- ذوو الأرحام فى مذاهب أهل الرحم ، وهو المعمول به فى القانون المصرى فى المادة 31 من القانون 77 لسنة 1943، وهو إن لم يكن هناك أصحاب فروض ولا عصابات فإن ذوى الأرحام هم الورثة وتقسم التركة بينهم بالتساوى كأن يترك المتوفى ( بنت بنت ، وابن بنت ، وخال ، وخالة ) فكلهم يرثون نفس الأنصبة .
11- هناك ستة لا يحجبون حجب حرمان أبدا وهم ثلاثة من الرجال ، وثلاثة من النساء ، فمن الرجال (الزوج ، و الإبن ، والأب) ن ومن النساء ( الزوجة ، والبنت ، والأم ) .
ثالثا : حالات ترث المرأة أكثر من الرجل :
1- الزوج مع ابنته الوحيدة .
2- الزوج مع ابنتيه .
3- البنت مع أعمامها .
4- إذا ماتت امرأة عن ستين فدانا و الورثة هم ( زوج وأب وأم وبنتان ) فإن نصيب البنتين سيكون 32 فداناً بما يعنى أن نصيب كل بنت 16 فداناً ، فى حين أنها لو تركت ابنين بدلاً من البنتين لورث كل ابن 12ونصف فداناً ؛ حيث أن نصيب البنتين ثلثا التركة ونصيب الإبنين باقى التركة تعصيباً بعد أصحاب الفروض .
5- لو ماتت امرأة عن 48 فداناً والورثة ( زوج ، وأختان شقيقتان ، وأم ) ترث الأختان ثلثى التركة بما يعنى أن نصيب الأخت الواحدة 12 فداناً ، فى حين أنها لو تركت أخوين بدلاً من الأختين لورث كل أخ 8 أفدنة لأنهما يرثان باقى التركة تعصيباً بعد نصيب الزوج والأم .
6- ونفس المسألة لو تركت أختين لأب ؛ حيث يرثان أكثر من الأخوين لأب .
7- لو ماتت امرأة وتركت ( زوجاً ،وأباً ، وأماً، وبنتاً ) ، وكانت تركتها 156 فداناً ، فإن البنت سترث نصف التركة وهو ما يساوى 72 فداناً ، أما أنها لو تركت إبنا بدلاً من البنت فكان سيرث 65 فداناً ؛ لأنه يرث الباقى تعصيباً بعد فروض الزوج و الأب والأم .
8- إذا ماتت امرأة وتركت ( زوجاً وأماً وأختاً شقيقة ) ، وتركتها 48 فداناً مثلاً ، فإن الأخت الشقيقة سترث 18 فداناً ، فى حين أنها لو تركت أخاً شقيقاً بدلاً من الأخت سيرث 8أفدنة فقط ؛ لأنه سيرث الباقى تعصيباً بعد نصيب الزوج والأم ،ففى هذه الحالة ورثت الأخت الشقيقة أكثر من ضعف نصيب الأخ الشقيق.
9- لو ترك رجل ( زوجة وأما وأختين لأم وأخوين شقيقين ) وكانت تركته 48فداناً ، ترث الأختان لأم ـ وهما الأبعد قرابة ـ 16فداناً ، فنصيب الواحدة 8أفدنة ، فى حين يرث الأخوان الشقيقان 12 فداناً بما يعنى أن نصيب الواحد 6أفدنة .
10- لو تركت امرأة ( زوجاً وأختاً لأم و أخوين شقيقين )، وكانت التركة 120 فداناً ، ترث الأخت لأم ثلث التركة ، وهو ما يساوى 40 فداناً ، ويرث الأخوان الشقيقان 20 فداناً ، بما يعنى أن الأخت لأم وهى الأبعد قرابة أخذت أربعة أضعاف الأخ الشقيق .
11- الأم فى حالة فقد الفرع الوارث ، ووجود الزوج فى مذهب ابن عباس ـ عليه السلام ـ ، فلو ماتت امرأة وتركت ( أباً وأماً وزوجاً ) فللزوج النصف وللأم الثلث ، والباقى للأب وهو السدس ، أى ما يساوى نصف نصيب زوجته . 12- لو تركت امرأة (زوجاً وأماً وأختاً لأم وأخوين شقيقين ) ، وكانت التركة 60 فداناً ، فسترث الأخت لأم 10 أفدنة ، فى حين سيرث كل أخ 5أفدنة ؛ بما يعنى أن الأخت لأم نصيبها ضعف نصيب الأخ الشقيق ، وهى أبعد منه قرابة .
13- ولو ترك رجل ( زوجة وأباً وأماً وبنتاً وبنت ابن ) وكانت التركة 576 فداناً ، فإن نصيب بنت الإبن سيكون 96 فداناً ، فى حين لو ترك ابنَ ابنٍ لكان نصيبه 27 فداناً فقط .
14- لو ترك المتوفى ( أماً وأم أم وأم أب ) وكانت التركة 60 فداناً مثلاً فسوف ترث الأم السدس فرضاً والباقى رداً ، أما لو ترك المتوفى أباً بدلاً من أم ، بمعنى أنه ترك ( أباً وأم أم وأم أب ) فسوف ترث أم الأم ولن تحجب السدس وهو 10أفدنة والباقى للأب 50 فداناً ، مما يعنى أن الأم ورثت كل التركة 60فداناً ، والأب لو كان مكانها لورث 50 فداناً فقط .
رابعاً : حالات ترث المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال :
1- لو ماتت امرأة وتركت ( زوجاً وأباً وأماً وبنتاً وبنت ابن ) وتركت تركة قدرها 195 فداناً مثلاً ، فإن بنت الإبن سترث السدس وهو 26 فداناً ، فى حين لو أن المرأة تركت ابن ابن بدلاً من بنت الإبن لكان نصيبه صفراً ؛ لأنه كان سيأخذ الباقى تعصيباً ولا باقى ، وهذا التقسيم على خلاف قانون الوصية الواجبة الذى أخذ به القانون المصرى رقم 71 لسنة 1946 ، وهو خلاف المذاهب ، ونحن نتكلم عن المذاهب المعتمدة ، وكيف أنها أعطت المرأة ولم تعط نظيرها من الرجال .
2- لو تركت امرأة ( زوجاً وأختاً شقيقة وأختاً لأب ) وكانت التركة 84 فداناً مثلاً ن فإن الأخت لأب سترث السدس ، وهو ما يساوى 12 فداناً ، فى حين لو كان الأخ لأب بدلاً من الأخت لم يرث ؛ لأن النصف للزوج و النصف للأخت الشقيقة والباقى للأخ لأب ولا باقى .
3- ميراث الجدة : فكثيراً ما ترث ولا يرث نظيرها من الأجداد ، وبالإطلاع على قاعدة ميراث الجد والجدة نجد الآتى : الجد الصحيح ( أى الوارث ) هو الذى لا تدخل فى نسبته إلى الميت أم مثل أبى الأب أو أبى أبى الأب وإن علا ، أما أبو الأم أو أبو أم الأم فهو جد فاسد ( أى غير وارث) على خلاف فى اللفظ لدى الفقهاء أما الجدة الصحيحة فهى التى لا يدخل فى نسبتا إلى الميت جد غير صحيح ، أو هى كل جدة التى لا يدخل فى نسبتها إلى الميت أب بين أمين ، وعليه تكون أم أبى الأم جدة فاسدة لكن أم الأم وأم أم الأب جدات صحيحات ويرثن .
4- لو مات شخص وترك ( أبا أم وأم أم ) فى هذه الحالة ترث أم الأم التركة كلها ، حيث تأخذ السدس فرضاً والباقى رداً ، وأبو الأم لا شيئ له لأنه جد غير وارث . 5- كذلك لو مات شخص وترك ( أب أم أم ، وأم أم أم ) تأخذ أم أم الأم التركة كلها فتأخذ السدس فرضاً والباقى رداً عليها ، ولا شيئ لأبى أم الأم ؛ لأنه جد غير وارث . إذن فهناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل ، أو أكثر منه ، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال ، فى مقابل أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل . تلك هى ثمرات استقراء حالات ومسائل الميراث فى علم الفرائض ، فأرى أن الشبهة قد زالت بعد هذه الإيضاحات لكل منصف صادق مع نفسه(6) . إضــاءة : كثير ما نسمع أن في دول أوروبية أنه توفي أحدهم وله من الثروات والمقدرات لا حصر لها تركها لقطة أو لكلب كان يربيه صاحب المال ، أو تذهب النقود كلها لخادمة أو لجمعية ما سواء ويحرم كل الأبناء منها , فأين العدالة في توزيع الإرث ؟ ...
أما في الإسلام فقد أعطى الحرية للتصرف في الإرث فقط في حد الثلث ولا وصية لوارث ولا تجوز الوصية لجهة ممنوعة أو لكلب مثلا .. الإرث إجباري في الإسلام بالنسبة إلى الوارث والموروث ولا يملك المورث حق منع أحد ورثته من الإرث ، والوارث يملك نصيبه جبرا دون اختيار. الإسلام جعل الإرث في دائرة الأسرة لا يتعداها فلابد من نسب صحيح أو زوجة، وتكون على الدرجات في نسبة السهام الأقرب فالأقرب إلى المتوفى.
أنه قدر الوارثين بالفروض السهام المقدرة كالربع والثمن والسدس والنصف ما عدا العصبات ولا مثيل لهذا في بقية الشرائع. جعل للولد الصغير نصيبا من ميراث أبيه يساوي نصيب الكبير وكذلك الحمل في بطن الأم فلا تميز بين البكر وغيرهم من الأبناء. جعل للمرأة نصيباً من الإرث فالأم والزوجة والبنت وبنت الابن والأخت وأمثالهن يشاركن فيه، وجعل للزوجة الحق في استيفاء المهر والصداق إن لم تكن قد قبضتهم من دون نصيبها في الإرث فهو يعتبر دين ممتاز أى الأولى في سداده قبل تقسيم الإرث ولا يعتبر من نصيبها في الميراث .
أخيراً : نسأل الله العناية والرعاية والحمد لله رب العالمين .
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]
(1) الكهف : 19 . (2) النساء : 41 . (3) الحج : 10 . (4) النساء/ 4 . (5) النساء 12 . (6) بتصرف ، البيان لما يشغل الأذهان لفضيلة الأستاذ الدكتور/ على جمعه ، مفتى الديار المصرية ، ط/ المقطم للنشر والتوزيع .
القلب الحزين
13-12-2013, 04:27 PM
لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله
الـســؤال
أود أن أستفسر عن بعض الأمور التي أفكر فيها كثيراً، ولا أجد لها جواباً، ومنها سؤالان هما:
الأول: قال تعالى: "ويجعل من يشاء عقيماً" فقد فكرتُ في هذه الآية، وخطر على بالي موضوع العمليات التي تجرى اليوم وثبت نجاحها، وهي ما يسمى بـ(عمليات أطفال الأنابيب)، فهل من كان عقيماً يستطيع إجراء هذه العملية المذكورة آنفاً، وبالتالي يكون له أطفال، مع أن هذا الأمر (العقم) قدَّره الله عليه؟
ثانياً: قال تعالى: "ويعلم ما في الأرحام". عندما نظرت في هذه الآية تذكرت أن العلم الحديث استطاع معرفة ما في رحم الأم هل هو ذكر أم أنثى، فطالما أن الآية أفادت أن علم ما في الأرحام يختص به الله وحده سبحانه، فكيف يعلم الأطباء –اليوم- ما في رحم المرأة هل هو ذكر أم أنثى؟ أرجو أن ترشدوني.
يجيب عليه:
الدكتور محمد دودح
الباحث العلمي في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي
في القران والسنة برابطة العالم الإسلامي مكة المكرمة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
فأقول مستعينا بالعلي القدير –سبحانه- القادر وحده على كل شيء:
في قوله تعالى: "لِلّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذّكُورَ أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ" [الشورى:49-50]؛بيان بنفاذ مشيئة الله في كل شيء وطلاقة قدرته تعالى, والعقم اصطلاحاً: حالة لا أمل في علاجها كما في حال الفشل الدائم للخصيتين أو المبيضين, أما إذا عولجت الحالة فلا تسمى حينئذ عقما أصلاً، وإنما ضعفاً في الخصوبة لأسباب يمكن بوسيلة أو أخرى علاجها, فإن شفيت حالة فهي ضعف في الخصوبة, وأما العقم فلا علاج له.
ومن أصول الإيمان اليقين بأنه لا يقع شيء إلا بقدر الله وفق ما يشاء تعالى, فإن تقدم الطب وتمكن من معرفة بعض الأسباب المانعة للحمل وتمكن من علاجها فهو بقدر الله تعالى, وإن لم يتمكن الطب من علاج بعض حالات غير ممكنة العلاج أو مجهولة الأسباب فهو بقدر الله تعالى, وليس لأحد أن يدعي العلم بقدر الله تعالى.
وتتكون جميع بويضات المرأة عندما تكون جنينا ثم تنضج بويضة كل شهرين من كل مبيض بالتتابع عند البلوغ, ويستمر نضوج بويضة شهريًّا خلال فترة خصوبة المرأة حتى تستنفذ رصيدها من البويضات عند بلوغ سن اليأس, ولذا ينقطع الأمل في الإنجاب بكِبر الزوجة، بينما لا ينقطع بكِبر الزوج.
والعجيب أن يفرّق الذكر الحكيم بين عدم إنجاب المرأة مع الأمل بسبب كِبر الزوج بلفظ "عاقر"،وبين انقطاع الأمل بسبب كِبرها هي بلفظ "عقيم"؛ فلم يَحِد عن وصف حال زوجة زكريا -عليهما السلام- عند كِبره بلفظ "عاقر",يقول تعالى: "ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّآ إِذْ نَادَىَ رَبّهُ نِدَآءً خَفِيّاً قَالَ رَبّ إِنّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّي وَاشْتَعَلَ الرّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبّ شَقِيّاً وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراًفَهَبْ لِي مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً يَا زَكَرِيّآ إِنّا نُبَشّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَىَ لَمْ نَجْعَل لّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً قَالَ رَبّ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراًوَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبّكَ هُوَ عَلَيّ هَيّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً" [مريم:2-9]،ويقول تعالى: "هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيّا رَبّهُ قَالَ رَبّ هَبْ لِي مِن لّدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعَآءِ فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي الْمِحْرَابِ أَنّ اللّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَـىَ مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ اللّهِ وَسَيّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مّنَ الصّالِحِينَ قَالَ رَبّ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ" [آل عمران:38-40]،ومع اليأس من الحمل وانقطاع الأمل لكِبر الزوجة عدل في وصف حال زوجة إبراهيم -عليهما السلام- إلى التعبير بلفظ "عقيم",يقول تعالى: "هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَىَ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرّةٍ فَصَكّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبّكِ إِنّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ" [الذاريات:24-30]،فالفارق أن زوجة إبراهيم"عجوز" بينما لم يمثل كِبر الزوجين فارقا, يقول تعالى: "وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىَ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَىَ قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنّ هََذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوَاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنّهُ حَمِيدٌ مّجِيدٌ" [هود:69-73].
والتمييز بين اللفظين على لساني زكريا وامرأة إبراهيم -عليهم جميعا السلام- إنما هو في علم البشر، بينما قضت مشيئة الله تعالى لكليهما بالذرية, وإذا غابت مشيئة الله تعالى عن مدارك هؤلاء على فضلهم وفاجأهم قضاؤه فكيف يدعي اليوم من هو دونهم العلم بالغيب، ويتوهَّم أن الله حكم بالعقم على شخص فنجح طبيب في علاجه معارضًا المشيئة العلية!, وهل يُعارض قدر الله تعالى أحد!.
وفي قوله تعالى: "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ" [الأنعام:59]؛قصرت الآية الكريمة العلم التفصيلي المسبق بكل مقدر الحدوث قبل وقوعه على الله –تعالى- وحده، وجعلته غيبا عن علم البشر.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/9/hdc_0001_0003_0_img0277.jpg الشكل التالي يبين رحم المرأة
وذكر القرآن خمسا تتعلق بحياة الإنسان ومصيره؛ يقول تعالى: "إِنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ"[لقمان:34]،أطلق التعبير (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ)على الله فشمل كل مغيب عن مشروع الإنسان المقبل ومستقبله ومصيره بعد الحساب مما ليس بمقدور بشر إدراكه فضلا عن الإحاطة بتفاصيله.
ولا يعارض القرآن إذن معرفة الطب حالياً ببعض أحوال الجنين، لأن المحجوب هو العلم المحيط به قبل أن يخلَّق.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: كيف نوفق بين علم الأطباء الآن بذكورة الجنين وأنوثته، وقوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ)؟فأجاب بقوله: "قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته؛ لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً, فإذا تبين ذلك فقد قيل: إنهم الآن توصلوا بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام، والعلم بكونه أنثى أو ذكراً، فإن كان ما قيل باطلاً فلا كلام، وإن كان صدقاً فإنه لا يعارض الآية، حيث إن الآية تدل على أمر غيبي هو متعلق علم الله تعالى في هذه الأمور الخمسة، والأمور الغيبية في حال الجنين هي: مقدار مدته في بطن أمه وحياته وعمله ورزقه، وشقاوته أو سعادته، وكونه ذكراً أم أنثى قبل أن يخلَّق، أما بعد أن يخلق فليس العلم بذكورته أو أنوثته من علم الغيب؛ لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة، إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاث التي لو أزيلت لتبين أمره.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/11/stem_blastocyst.jpg صورة للجنين في مرحلة العلقة بعد التلقيح
ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى.. قال ابن كثير رحمه الله..: (وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه).., وإذا كانت الآية لا تتناول ما بعد التخليق، وإنما يراد بها ما قبله فليس فيها ما يعارض ما قيل من العلم بذكورة الجنين وأنوثته.., ولا يمكن أن يناقض صريح القرآن الكريم أمراً معلوماً بالعيان" [مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح بن العثيمين].
وعندما يُصَب المني في المجاري التناسلية للمرأة ينقبض الرحم ويغور للداخل بسبب مادة منوية تسمى بروستاجلاندين (Prostaglandin) ويعينها تقلص لا إرادي يقع للمرأة يصاحب نشوة الجماع(Orgasm), وبهذا يعمل الرحم عمل المضخ(pumpaction) بطريقة تماثل عمل شفاطة لبن الثدي المطاطية التي تنقبض لتدفع الهواء، ومع الانبساط يقل الضغط داخلها فتشفط اللبن, وبالمثل ينبسط الرحم لاحقا فيعين الحيوانات المنوية على بلوغ البويضة قرب نهاية قناة الرحم, ولذا لا يقل دوره هذا أهمية عن دوره في حفظ الحمل على طول مراحله، حيث يزداد حجما بما يتناسب ومتطلبات الجنين, وتحمل البويضة نصف عدد الفتائل الوراثية (الكروموزومات)، ويحمل الحوين النصف الآخر, وتتسابق الحيوانات المنوية وتعلو في المجاري التناسلية للمرأة ليحقق الفوز في بلوغ البويضة وإخصابها إما حيوان يحمل شارة الذكورة كروموزوم بهيئةY فيكون الجنين المرتقب ذكراً -بإذن الله- وإما حيوان يحمل شارة الأنوثة كروموزوم بهيئةX فيكون الجنين أنثى بإذن الله, والبويضة الملقحة (Zygot) أشبه ما تكون بقطيرة أو "نطفة"لكنها تعرض لمن يمكنه القراءة كتابا بمشروع الجنين, وقبل تلقيح البويضة وتشكل الخريطة الوراثية وتخلَّق الجنين لا يمكن الحديث طبيًّا عن جنسه أو صفاته الجسدية, وبتلقيحها تتضاعف الفتائل الوراثية، وبالانقسام تتزايد الخلايا وبنمو الجنين يزداد الرحم، ولذا يعتبر الحمل كله وجوها من الازدياد.
وفي قوله تعالى: "اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلّ أُنثَىَ وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ" [الرعد:8-9]،أكدت الآية الكريمة قصر العلم التفصيلي المسبق بكل مقدر الحدوث قبل وقوعه على الله تعالى وحده، لكنها جمعت لله تعالى وحده ما هو بالنسبة للبشر غيب لم يقع بعد، فضلا عما هو شهادة متحقق الحدوث, وراعت ترتيب علم الله تعالى بالغيب بالنسبة للبشر ليناظر غيض الأرحام وترتيب العلم بالشهادة ليناظر زيادتها, ويعرف هذا الأسلوب عند اللغويين باسم "اللف والنشر" ويعني أن الأرحام تغيض قبيل تخلّق الجنين وازديادها, وبالفعل ينقبض الرحم ويغور للداخل قبل وقوع الإخصاب، وتشكل الخريطة الوراثية، ولا يمكن لأحد حينئذ سوى الله تعالى وحده العلم بخصائص الجنين أو ذكورته وأنوثته.
وفعل (تَغِيضُ)منسوب ابتداء في الآية الكريمة إلى (الأرْحَام)،وفي مقابل الازدياد خاصة يفيد كما في اللغة الغور والنقصان, وكذلك في القرآن؛ يقول تعالى: "وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ" [هود:44]،ويقول تعالى: "أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً" [الكهف:41]،ويقول تعالى: "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مّعِينٍ" [الملك:30]، وفي لسان العرب: "غاض الماء يغيض غيضا.. نقص أو غار" [لسان العرب (7/201)]
والخلاصة أن الله تعالى يعلم بمستقبل ومصير الإنسان المقبل الذي لم يتخلق بعد حال غيض الأرحام تماما كما هو حال زيادتها بعد تخلقه.
ويأتي الحديث مؤيداً نسق القرآن الكريم في قصر الغيب المطلق عن علم البشر على حال غيض الأرحام قبل تخلق الجنين دون حال ازديادها بعد تخلقه؛ففي الحديث الذي رواه البخاري وغير واحد: "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله)"[صحيح البخاري (6/2687), (4/1733), تفسير ابن كثير (2/503), تفسير الثوري (1/239), الدر المنثور (3/277), صحيح ابن حبان (1/273), السنن الكبرى (6/370), عمدة القاري (18/313), (25/86).
قال ابن كثير: "هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها فلا يعلمها أحد.. فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب.. وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله، ولكن إذا أمر به علمته الملائكة، ومن يشاء الله من خلقه، وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر علمته الملائكة، ومن شاء الله من خلقه، وكذا لا تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت.. وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس مفاتيح الغيب"[ تفسير ابن كثير (3/454)].
وقد ورد في الحديث أن الملائكة تعلم بحال الجنين منذ بدء تكون النطفة, ففي الحديث الذي رواه البخاري وغير واحد: عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة. فإذا أراد أن يقضي خلقه، قال: أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمه". [صحيح البخاري (1/121), (3/1213), (6/2433), وصحيح مسلم (4/2038), مسند أحمد (3/116), (3/148)].
يقول فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني: "وإذًا هناك نصوص قد بينت بجلاء أن الأمر المحجوب عن علم غير الله إنما هو في مرحلة ما قبل تكون الجنين، فعلمنا أن الأرحام قبل أن تزداد حتى يراها كل المحيطين بالحامل تعاني من حالة تقلص وانكماش وغور ونقصان, وفي تلك الفترة حال الجنين المرتقب محجوب عن علم غير الله تعالى.., (فهو) مفتاح من مفاتيح الغيب يفتح على أبواب مغلقة، ولا يملكه دون الخالق سبحانه أحد.. وأما حمل الغيض على دم الحيض (أو السقط) فلا يتفق مع كونه مفتاحا للغيب لأنه لن ينشأ منه جنين, وبإجماع علماء المسلمين مفتاح الغيب متعلق بالإنسان الذي سيخلق وقد تقرر في علم الله تعالى أن له مستقبلا مغيبا وليس دم الحيض (أو السقط) كذلك.
وفي مرحلة الغيض يستحيل على إنسان أن يعرف صفات الجنين المقبل.. ولو جئت بصفين؛ وقلت: أنا سأصنع من هذه الأحجار بناء هل سيعلم أحد السامعين يقينا أيكون من الصفين مدرسة أم مستشفى؟ فيلا أم عمارة ؟ هكذا الجنين في مرحلة الغيض لا يعلم أحد -غير الله تعالى- بما سيكون عليه حاله" [من مقالات الشيخ عبد المجيد الزنداني].
ولو افترضنا جدلا إذن إمكان قراءة الخريطة الوراثية عند تخلق الجنين ومعرفة صفاته وجنسه فلن ينقض هذا نصوص الوحي.
يمكن مراسلة الدكتور محمد دودح (http://quran-m.com/firas/arabic/index.php?page=pro_alem&id=30&select_page=allem) على الإيميل التالي
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 04:28 PM
ملخص دراستي للعقيدة المسيحية
إعداد أخوكم ساري فرح (أبو مريم)
http://quran-m.com/firas/ar_photo/12736702840333333333.jpg
لوحة زيتية تزعم صلب المسيح ووهومخالف للعقيدة الاسلامية التي تذكر ان الله رفع المسيح عيسى بن مريم إلى السماء
السلام عليكم بحكم خبرتي في المسيحية ودراستي لعقائدها ونصوصها فإنني ألخص نتيجة أبحاثي في أمرين:
1- أن عقائد المسيحية التي نعرفها اليوم من تثليث وتأليه للمسيح وصلب وفداء ليست مقبولة عقلاً
2- أن نصوص العهدين القديم والجديد من كتابهم المقدس لا تؤيد إطلاقاً عقائدهم المزعومة، بل تثبت عكس ذلك. أما فيما يتعلق بقدرة الله (عندما يقول المسيحيون بأنه لا مانع من أن يكون الله ثالوثاً أو أن يتجسد فيكون إنساناً لأن الله على كل شيء قدير) فإن قدرته سبحانه وتعالى لا تقاس على المستحيلات ولا على العبث.
من المستحيلات: أن يكون شيء واحد في مكانين في الوقت نفسه، أن يكون هناك رجل أعزب ومتزوج في آن واحد، أن تكون هناك دائرة مثلثة الأضلاع، أو مثلث ذو خمسة زوايا. لا يصح عقلاً أن نسأل إذا كان الله قادراً على أن يخلق أي من هذه المستحيلات المذكورة، أو أن يقول أحدهم: هل يقدر الله أن يخرجني من مُلكه؟
وهل هناك أصلاً مكان آخر غير ملك الله؟
بل يستطيع أن يفنيه ولكن الأكوان وما فيها كلها من ملك الله ولا مكان آخر لا يقع في مُلكه سبحانه. أما العبث فمثاله أن نسأل: هل يستطيع بابا روما أن يلبس ملابس راقصة شرقية ويؤدي وصلة استعراضية في مقهى شعبي؟ أو هل يقدر رئيس فرنسا أن يضع أصبعه داخل أنفه في مؤتمر صحفي؟ فهذا كله عبث، والعبث يتنزه عنه العقلاء.
فحتى إن كان العاقل في مقدوره أن يفعل شيئاً ما ولكنه يتنزه عنه إن كان ذلك عبث.
والسؤال هنا: ما الحكمة من تجسد الله في شخص المسيح؟
إن أجابوا بأنه يريد أن يمر بالتجربة البشرية، فهل الله يجهل معنى تلك التجربة؟ فإن صانع التلفاز يعلم جيداً أجزاء جهازه وتقنيته وكيفية عمله، فهو ليس بحاجة لأن يصبح تلفازاً ليعرفه، بل يطبع كتيباً توضيحياً ويرفقه مع جهاز التلفاز الذي أنتجه، ولله المثل الأعلى. وإن قيل بأنه جاء ليضحي بنفسه على الصليب، فسبحان الله!
الله يقتل نفسه لتُغفر ذنوب العباد؟ فقد قال أحدهم بأن موجز العقيدة المسيحية في أن الله قتل الله ليرضي الله! أين العقول؟
ولا توجد نصوص مسيحية تشير إلى تلك العقائد الفاسدة عقلاً وإنما توجد الكثير من النصوص المسيحية التي تتعارض مع تلك المزاعم العقدية وتثبت عكس ذلك من توحيد وبشرية المسيح والخلاص من خلال اتباع الشريعة. وسأورد هنا بعضاً من تلك النصوص الكفيلة بإثبات ما أشرت إليه:
لقد دعا المسيح عليه السلام إلى التوحيد ولم يذكر التثليث إطلاقاً:
جاء في إنجيل مرقس (12 / 28 ـ 32) أن أحد اليهود الكتبة سأل المسيح فقال: " أيةُ وصيَّةٍ هي أوّل الكلّ؟ فأجابه يسوع: إن أول كل الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد، و تحب الرب إلهك من كل قلبك و من كل نفسك و من كل فكرك و من كل قدرتك، و هذه هي الوصية الأولى. و الثانية مثلها و هي: تحب قريبك كنفسك.
ليس وصية أخرى أعظم من هاتين. فقال له الكاتب: جيدا يا معلم قلت: لأن الله واحـد و ليـس آخـر سواه..."
”ولكن اذهبي الى اخوتي وقولي لهم اني اصعد الى ابي وابيكم والهي والهكم“) يوحنا 17:20 ( ”وفي تلك الايام خرج (المسيح) الى الجبل ليصلّي.وقضى الليل كله في الصلاة لله.“ لوقا 6: 12
”ولكنكم الآن تطلبون ان تقتلوني وانا انسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله“ (يوحنا 40:8)
انا لا اقدر ان افعل من نفسي شيئا . كما اسمع ادين (في ترجمة: أَحْكُمُ) ودينونتي عادلة لاني لا اطلب مشيئتي بل مشيئة الآب الذي ارسلني (يوحنا 30:5)
”لاني لم اتكلم من نفسي لكن الآب الذي ارسلني هو اعطاني وصية ماذا اقول وبماذا اتكلم. وانا اعلم ان وصيته هي حياة ابدية.فما اتكلم انا به فكما قال لي الآب هكذا اتكلم“ يوحنا 12: 49-50
أما فيما يتعلق بالقول بأن المسيح ”ابن الله“ حقيقة، فإننا نجد أن عدداً لا يحصى من الناس قد نالوا اللقب نفسه في أسفار الكتاب المقدس، مما يدل على أن هذه العبارة مجازية وليست حقيقية. وهو جائز عند العامة بأن يقول الكبير لمن يصغره سناً ”يا بني“ وهو ليس أباه حقيقة.
إليكم الأدلة النقلية على ذلك:
”... بن آدم ابن الله“ لوقا 3: 38 ”ان ابناء الله رأوا بنات الناس انهنّ حسنات.فاتّخذوا لانفسهم نساء من كل ما اختاروا... وبعد ذلك ايضا اذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم اولادا...“ التكوين 6: 2-4 ”... هكذا يقول الرب : إسرائيل ابني البكر.“ الخروج 4: 22 ”لاني صرت لاسرائيل ابا وافرايم هو بكري.“ إرمياء 31: 9 ”قال (الرب) لي (داود) انت ابني.انا اليوم ولدتك“ المزامير 2: 7
”لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله“ رومية 8: 14
”طوبى لصانعي السلام لانهم أبناء الله يدعون“ متى 5: 9
وأما عن قولهم بأن المسيح هو الله لأنه قال "أنا والاب واحد" في إنجيل يوحنا 10: 30 فالرد عليهم في ”20 ولست اسأل من اجل هؤلاء فقط بل ايضا من اجل الذين يؤمنون بي بكلامهم. 21 ليكون الجميع واحدا كما انك انت ايها الآب فيّ وانا فيك ليكونوا هم ايضا واحدا فينا ليؤمن العالم انك ارسلتني. 22 وانا قد اعطيتهم المجد الذي اعطيتني ليكونوا واحد كما اننا نحن واحد. 23 انا فيهم وانت فيّ ليكونوا مكملين الى واحد وليعلم العالم انك ارسلتني واحببتهم كما احببتني“ يوحنا 17.
فإذا أخذنا كلامه حرفياً فهذا يعني بأن كل الحواريين آلهة أيضاً! ولكنه لم يقصد وحدة الذات، وسياق الفقرة التي يستشهدون بها يؤكد ذلك. وهنا بعض ما قيل في عقيدة التثليث:
وتقول دائرة المعارف الأمريكيةEncyc*opedia Americana : "لقد بدأت عقيدة التوحيد كحركة لاهوتية بداية مبكرة جداً في التاريخ أو في حقيقة الأمر فإنها تسبق عقيدة التثليث بالكثير من عشرات السنين".
وتقول دائرة معارف لاروس*arousse الفرنسية : "عقيدة التثليث وإن لم تكن موجودة في كتب العهد الجديد ولا في عمل الآباء الرسوليين ولا عند تلاميذهم المقربين إلا أن الكنيسة الكاثوليكية والمذهب البروتستنتي يدَّعيان أن عقيدة التثليث كانت مقبولة عند المسيحيين في كل زمان… وهنا بعض ما قيل في عقيدة لاهوت المسيح:
يقول بطرس قرماج في كتابه " مروج الأخبار في تراجم الأبرار "عن بطرس ومرقس: "كانا ينكران ألوهية المسيح".
ويؤكد ذلك ما جاء في العهد الجديد: ”ايها الرجال الاسرائيليون اسمعوا هذه الاقوال. يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما انتم ايضا تعلمون.“ أعمال الرسل 2: 22 أما عن الصلب والفداء، فدحضها فيما يلي: يؤمن المسيحيون بأن الله قد أرسل ابنه الوحيد (المسيح) ليموت من أجل ذنوب البشر.
ويستند هذا الزعم على اعتقادهم بتوارث الخطيئة الأصلية origina* sin التي ارتكبها آدم وحواء وتوارثها كل البشر من بعدهما.
إن القائل بتوارث الخطيئة هو بولس، أما المسيح فقد قال في أناجيلهم ما يناقض ذلك:
”اما يسوع فدعاهم وقال دعوا الاولاد يأتون اليّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله.“ لوقا 18: 16 لقد أكد المسيح عليه السلام - وفق ما جاء في الأناجيل - على أهمية اتباع الشريعة لنيل الخلاص:
جاء في إنجيل متى الإصحاح الخامس: "17 لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء . ما جئت لانقض بل لاكمّل. 18 فاني الحق اقول لكم الى ان تزول السماء والارض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. 19 فمن نقض احدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى اصغر في ملكوت السموات. واما من عمل وعلّم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات“ حتى يكون الكل: قد تكون إشارة إلى اكتمال الدين بالبعثة المحمدية ونزول القرآن ”اليوم أكملت لكم دينم...“
دليل آخر على أهمية الشريعة:
إنجيل متى (19 / 16 ـ 17( " وإذا واحد تقدم و قال: أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحيوة الأبدية؟ فقال (المسيح) له: ولماذا تدعوني صالحا؟ ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله. ولكن إذا أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا " (ومثله أيضا في إنجيل مرقس: 10 / 18، و إنجيل لوقا: 18 / 18 - 19.)
لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخرى: " لا تموت الآباء لأجل البنين، ولا البنون يموتون لأجل الآباء، بل كل واحد يموت لأجل خطيته " ( أيام (2) 25/4 ).
وأيضاً في سفر حزقيال 18/20 "النفس التي تخطئ هي تموت الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون" .
أما بولس! فقد أبطل العمل بالشريعة وعلم الناس كذلك. إن أبرز ما يلحظه الدارس لعقيدة الفداء اقترانها ببولس منذ نشأتها، وقد أراد بولس منها أن تكون ذريعة لإلغاء الشريعة والناموس، حيث جعل الخلاص بالإيمان فقط من غير حاجة للعمل الصالح، فأضحى الفداء ليس مجرد خلاص من الذنوب، بل هو خلاص حتى من العمل الصالح! وقد أكثر بولس من التجريح للشريعة الموسوية ومن ذلك قوله: " فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها، إذ الناموس لم يكمل شيئاً، ولكن يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب إلى الله " ( عبرانيين 7/18 - 19)
ويتجنى بولس على شريعة الله فيعتبرها سبباً للخطيئة فيقول: " لم أعرف خطيئة إلا بالناموس، فإني لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس: لا تشته... لأن بدون الناموس الخطيئة ميتة.. لما جاءت الوصية عاشت الخطيئة فمت أنا " (رومية 7/7 - 9 ).
ويسمى الشريعة لعنة فيقول: " المسيح افتدانا من لعنة الناموس اذ صار لعنة لاجلنا لانه مكتوب ملعون كل من علّق على خشبة " ( غلاطية 3/13 )
ويعتبر ادعاء بولس باطلاً للأسباب التالية:
جاء في سفر التثنية " ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها " ( التثنية 27/26 ) .ويؤيد هذا النص ما ذكرناه مما نُسِبَ إلى المسيح حول أهمية اتباع الشريعة أو الناموس.
* وقد جاء نص في الأناجيل المزعومة ذكر فيه أن المسيح عليه السلام دعا ربه لكي يخلصه من الصلب:. متى 26: 39 " ثم تقدم قليلا وخرّ على وجهه وكان يصلّي قائلا يا ابتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكاس .
ولكن ليس كما اريد انا بل كما تريد انت" (ويقصد بالكأس هنا كأس الصلب أو كأس العذاب.) -وهنا دليل آخر على أن إرادة المسيح عليه السلام مختلفة عن إرادة الله-. فهل يخذل الله المسيح عليه السلام ويسلمه لأعداءه؟
وفق رواية الأناجيل، فإن الذي كان على الصليب صرخ: ”إلهي إلهي لم تركتني!“ متى 27: 46 فهل هذا القول يصدر عمن جاء ليموت فداءً لذنوب الناس؟
إضافة إلى ذلك، ما النفع الذي يقدمه الصلب والفداء للبشرية؟ إن الإنسان بحاجة إلى نظام حياة يتبعه كي يحصل على الخلاص، وإن موت أي أحد فداءً لذنوبه لن يساعده ليتقرب إلى الله ولن يعالج مشاكل البشرية. وإليكم بعض ما قيل في عقيدة الصلب والفداء:
وقال شيخ الإسلام مصطفى صبري (رحمه الله): "وزادَ في الفسادِ فساداً –في عقيدة النصارى- تضحيةُ الله بنَفسِه في قتلِ المسيح تَوصُّلاً بها إلى العَفوِ عن ذنوبِ البشر. واللهُ مُتَعالٍ عن أن يَكونَ لهُ مَثَلُ ضَلالِ المُعتَقِدين لَهُ هذه التضحية –كما أنَّ عقيدة الدِّين الأصلي المنزل من عند الله على سيدنا المسيح عليه السلام براءٌ من هذه السخافات الطَّارِئة على المسيحية بعد رَفعِهِ إلى السماء, بأيدي المُحَرِّفين المُسرِفين في التحريفِ إسرافاً ليسَ وراءَه إسرافٌ- فَجَعْلُ الله من نَفسِه كبشَ الفِداءِ لمصلحةِ المُذنِبين مِن عِبادِهِ كأنَّهُ هو المُذنِب والمُذنبون هم العافونَ عن ذنبهِ بَدَلاً مِن ذنوبهم واللهُ الذي يملِكُ العَفوَ عن الذنوبِ ماتَ في عقيدةِ التضحيةِ فليسَ هناك من يَتَولَّى العَفوَ عن المذنبينَ غيرَ المذنبينَ أنفسهم, وليس هناك من يُحيي الله الذي ماتَ, فلو قُلنا أن إحياءَ اللهِ بعد موته كان بيده لم تكُن التضحيةُ تضحيةً!"
• وقصة النصارى في الخطيئة والفداء والشريعة يشبهها الأستاذ محمد حسن عبد الرحمن في كتابه "براهين تحتاج إلى تأمل في ألوهية المسيح" ، يشبهها بقصة ملك تمرد عليه شعبه، فأرسل إليهم رسلاً يدعونهم إلى الخير والرجوع لسلطانه والإذعان لقوانين العدل والسلام التي وضعها.
• لكن هؤلاء قتلوا رسله واستهزءوا بهم، وزادوا عتواً، فزاد غضب الملك عليهم، ثم ما لبث الملك أن أصدر قراراً بأنه سيبعث ابنه الوحيد ليضربوه ويقتلوه ويهينوه كفارة عن معاصيهم، فمن صدق ذلك فهو عنده الكريم المغفور له.
• كما أصدر أمراً آخر بإلغاء كل قوانين العدل والرخاء السابقة.
• وأصدر أمراً باعتبار الرضا بالقرارات السابقة كافياً للحكم على الراضي بأنه مواطن صالح مهما ارتكب من آثام وموبقات وجرائم.
• وقد كانت حيثيات هذا القرار: أن الملك عادل، ومن عدله يقتص من المجرمين المخربين المفسدين في مملكته، ولكنه حباً لهم، وحتى لا يهلك كل من في المملكة رضي بأن يقتص من ابنه الوحيد البريء، الذي يعدل القصاص منه كل جرائم شعبه، وأمر بأن يعذب ثم يصلب فما رأي النصارى بهذا الملك ؟
• ومثل هذا الملك لا يقال في حقه عادل أو ظالم، وإنما الأليق به أن يقال عنه: إنه غبي سفيه معتوه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أخوكم ساري فرح (أبو مريم)
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 04:28 PM
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ
http://quran-m.com/firas/ar_photo/1270049137220px-gottlieb-jews_praying_in_the_synagogue_on_yo
لوحة قديمة تعود إلى القرن التاسع عشر تصور يهود الأشكناز في أوربا
وردنا السؤال التالي:
أعتقد أن من المسائل التي ينبغي بحثها والرد على من يطرحها كشبهة من قِبل النصارى على وجه الخصوص ، وهي مسألة تثار في كثير من المنتديات العربية والأجنبية على حد سواء ألا وهي : عن عزير الذي قالت عنه اليهود إنه ابن الله والملاحظ دوماً هو عجز كل المسلمين المشاركين عن الرد وعجزهم عن إقناع أي مسيحي ان اليهود قالت : عزير ابن الله .
رد عليه فضيلة الدكتور عبد الرحيم الشريف أستاذ التفسير في جامعة الزرقاء الأهلية في الأردن:
أولاً: بمراجعة الآية الكريمة نجد أن الله سبحانه وتعالى يقول:
( ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ )[التوبة: 30].
أي وببساطة لم يقول الله عز وجل أنها في كتبهم ولكنه يقول إن هذا زعمهم بأفواههم أي لم تخرج عن إطار الزعم الشفوي، فلم يقل عز وجل مثلا [ وقالت اليهود عزير بن الله الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ] ولكنه قال:
( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ )[التوبة: 30].
وهذا بحد ذاته يجيب علي تساؤلات النصارى حول هذه النقطة.
ولا ننسي أن نذكر دقة اللفظ القرآني هنا ( ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ )[التوبة: 30]. والكلام هنا يعود علي النصارى واليهود في زعم بنوة عزير والمسيح لله فإن كان لا يوجد بكتب اليهود ما يقول ببنوة عزير لله فأيضا لن يجد القارئ لكتب النصارى ما يؤيد زعمهم بأن المسيح ابن الله بل أن هناك ما يثبت عبودية المسيح عليه السلام لله إذ يقول يوحنا في الإنجيل المنسوب إليه:
[ 17: 3 و هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك و يسوع المسيح الذي أرسلته ]
حيث نجد بكل وضوح أقرار المسيح بأن الله هو الإله الحقيقي وحده وأن يسوع ما هو إلا رسول خلت من قبله الرسل. بل أن المسيح نفسه لم يدعي هذا يخبرنا كاتب إنجيل لوقا:
22: 70 فقال الجميع افانت ابن الله فقال لهم انتم تقولون إني أنا هو
لم يقل المسيح نعم أنا ابن الله ولكنه قال لهم أنتم الذين تقولون. وكاتب إنجيل يوحنا يقول:
( قال لهم يسوع: لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم، ولكنكم تطلبون أن تقتلوني، وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله).
يقول هنا المسيح بكل وضوح أنه إنسان يبلغهم الحق من ربه وربهم.
أما لفظة ابن الله فهي لفظة مجازية وليست حقيقة ولم يدعي بها المسيح وحده بل هناك أكثر من شخص آخر دعي بنفس اللقب ابن الله وهذا نجده في سفر الأيام الأول العدد 17: 11-14 حيث يقول الرب لداوود:
[ ويكون متى كملت أيامك.. أني أقيم بعدك نسلك.. أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً ].
وهذا على سبيل المثال لا الحصر لإثبات أن كلا من اليهود والنصارى إنما يقولون هذا بأفواههم ولم تقله كتبهم
ولكننا لن نتوقف عند هذا الحد بأمر الله بل سوف ننتقل لنقاط أخري تبطل هذا الزعم.
ثانيا:
لا يوجد أي وجه لللإستغراب في إدعاء اليهود بأن عزير ابن الله فمن قتل الأنبياء مثل زكريا ويوحنا على سبيل المثال ومن عبد العجل الذهبي ورمال البحر المنشق بأمر الله وأمام أعينهم لا زالت عالقة بقدمه لا يستغرب منه أن يدعي للرحمن ولداً بل ونقول للنصارى هل يصعب تصديق هذا على من قتل ربكم بحسب زعمكم.
ثالثا:
يجهل النصارى أن في علوم القرآن ما يعرف بأسباب النزول وأسباب نزول هذه الآية وحده كفيل بدحض الشبهة ففي كتاب الروض الأنف نجد الرواية التالية لأسباب نزول هذه الآية الكريمة:
[ قال ابن إسحاق: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفى أبو أنس ومحمود بن دحية وشأس بن قيس، ومالك بن الصيف، فقالوا له كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا، وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله ؟ فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )[التوبة: 30].
وهذه الآية لا تتحدث عن اليهود بصفة عامة بل عن يهود المدينة فقط فقد كانوا هم من انتشر فيهم هذا القول الفاسد بنسب عزير لله كما أن زعم أنصارى بأن المسيح ابن الله لا محل له عند العديد من الطوائف الأخرى إذ يخطئ من يتصور أن كل المسيحيين تقول ببنوة المسيح لله فعلى سبيل المثال في العصر الحديث هناك شهود يهوه ينكروا بنوة المسيح لله وألوهيته المزعومه وقديما بقدم الأرثوذكسية والكاثوليكة يوجد الناسطرة نسبة إلي نسطور الذي يرى (أن اتحاد اللاهوت بعيسى الإنسان ليس اتحاداً حقيقياً، بل ساعده فقط، وفسر الحلول الإلهي بعيسى على المجاز أي حلول الأخلاق والتأييد والنصرة. وقال في إحدى خطبه:
"كيف أسجد لطفل ابن ثلاثة أشهر؟" وقال: "كيف يكون لله أم؟ إنما يولد من الجسد ليس إلا جسداً، وما يولد من الروح فهو روح. إن الخليقة لم تلد الخالق، بل ولدت إنساناً هو إله اللاهوت".).
ويقول عنه المؤرخ ساويرس ابن المقفع في كتابه "تاريخ البطاركة": " إن نسطور كان شديد الإصرار على تجريد المسيح من الألوهية إذ قال: إن المسيح إنسان فقط. إنه نبي لا غير".
وهذا لا يعطي أي مصداقية لصاحب السؤال لأنه لا يوجد عقيدة واحدة لدى كل يهود العالم كما لا توجد عقيدة نصرانية واحدة لدي كل نصارى العالم فكل أتخذ إلهه هواه أو حمل النصوص مالا تحتمل من أجل أثبات ما يوافق هواه.
أما قوله تعالى في نهاية الآية:
(ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ )[التوبة: 30].
فيشير الله سبحانه وتعالى أن اليهود والنصارى إنما يفترون على الله الكذب ويقولون بأفوههم أكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان مثلهم مثل من سبقوهم إلى الكفر كالبوذيين القائلين بأن بوذا هو أبن الله أو من قالوا بأن كريسنا أبن الله من العذراء ديفاكي.
وأختتم الرد بقوله تعالي:
(قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون ) [يونس: 68].
يمكن التواصل مع الدكتور عبد الرحيم الشريف
[email protected]
المصادر:
موقع سبيل الإسلام
القلب الحزين
13-12-2013, 04:29 PM
الخالق يتجلى والملحدون يتخبطون
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1265920550180px-musca_domestica_portrait.jpg
صورة لرأس ذبابة المنزل أنظر إلى قدرة الله
بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا
أستاذ علوم النبات في الجامعات المصرية سابقاً
يحلم الدارونيون والملحدون أن ينتزعوا الإيمان بالله الخالق العليم الخبير مدبر الأمر من نفوس المؤمنين الموحدين، لذلك نراهم يحاولون محاولات مستميتة في إثبات إمكانية خلق جزئ حيوي ودب الحياة فيه، وهذه المحاولات بدأت منذ أن ظن الفلاسفة أنهم قادرون على تحويل التراب إلى ذهب، ووجدوا أن الأمر في منتهى الصعوبة، والأمر مستحيل مع الكائنات الحية، فقد ينجح الإنسان في تكوين جزئ بروتين من خاماته الأولية كما فعل (ميلر) منذ عشرات السنين، وقد يستطيعون بناء غشاء صناعي شبه منفذ، وقد يستطيعون بناء بعض القواعد النيتروجينية كالموجودة في جزئ الحمض النووي (DNA) , وهذا أمر وارد وغير متعذر , ولكن المستحيل والمتعذر أن تدب الروح في هذا الجزيء، وأن تجعل الغشاء الصناعي شبه المنفذ تجعله اختياريا إراديا كما هو الحال في غشاء الخلية الحية الذي يختار ما تحتاج إليه الخلية من الوسط الخارجي ويدخله إلى الخلية ضد ممال التركيز، لأن هذه العملية تحتاج إلى خلية حية وطاقة حيوية والدليل على ذلك أنه بمجرد موت الخلية الحية يفقد الغشاء الخلوي النفاذية الإختيارية فتدخل المركبات والمواد إلى الخلية وتخرج منها من دون حسيب أو رقيب من الخلية وتموت الخلية، وهذا ما تفعله المطهرات والمعقمات الكيمياوية وغيرها فإنها تعمل على إتلاف النفاذية الإختيارية لغشاء الخلية الحية فتموت الخلية. لذلك نحن لا ننبهر من خلق الجزيئات وتكوينها، ولا نشك في عقيدتنا عندما يفعل الباحثون ذلك , ففي تاريخ علوم الحياة آلاف التجارب القادرة على فعل ذلك فمضادات الحيوية الصناعية تقليد لمضادات الحيوية الناتجة من الكائنات الحية، والروائح الصناعية تقليد للروائح الحيوية التي ينتجها النبات والحيوان والكائنات الحية الدقيقة، ولذلك يقول الله تعالى: (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{14}) (المؤمنين/14).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1265920577350px-dna_chemical_structure.svg.png
الشكل التالي يبين طريقة تركيب جزيء DNA
فالخلق الآخر هنا هو دب الروح في الجنين وهذه هي العملية الفاصلة بين خلق الله أحسن الخالقين وبين خلق البشر للأشياء والمركبات والجزيئات الكيمياوية والفيزيائية، وقد فطن علماء الخلية لهذه الحقيقة العلمية منذ فجر التاريخ الحقيقي في مجال علم الخلية فقالوا: (إن الحياة لا تتولد إلا من الحياة) يعني لا نستطيع دب الحياة والروح في أي جزئ ميت إلا إذا أخذناه من خلية حية، كأن تولد نوعا جديدا من البكتيريا بخلط جينات أنواع مختلفة منه، ومن دون استخدام الخلية الحية لن يستطيع أحد أن يدب الحياة الحقيقة في أي جزئ ميت، هذه بدهيات العلم وأسس علم الأحياء التي دَرسناها ودرّسناها لطلابنا عشرات السنين , والتي عملنا وتعاملنا معها في بحوثنا في مجال الكائنات الدقيقة عشرات السنين لتخليق جزيئات حيوية ومضادات للحياة جديدة من الكائنات الحية الدقيقة.
أما قول المرجفين كما ورد في مقال لأحد الشيوعيين نقلا عن الدكتور (فينتر): (كثير من الناس يستنكرون مثل هذا المخطط لأنه الخطوة النهائية للعلماء ليلعبوا دور الإله) انتهى , هذا كلام لا يمت للعلم بصلة فهل مجرد ترتيب محتويات القواعد الوراثية (الأدنين والجوانين والثيمين والسيتوسين) هي الخطوة النهائية ليلعبوا دور الإله؟ أنظروا إلى الجهل في كلمة (الخطوة النهائية) إنه التدليس العلمي فبدلا من أن يقول هي الخطوة الأولى يقول هي الخطوة النهائية، الله سبحانه وتعالى يتحداهم ويعجزهم ويقول لهم: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ{73} ) (الحج/73).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1265920649250px-housefly_on_a_leaf_crop.jpg
الله سبحان وتعالى تحدى الخلق كلهم أن يخلقوا ذبابة واحدة
و( لَن ) في الآية السابقة جازمة وقاطعة فالذين يظنون من الشيوعيين العرب أنهم سيحفظون عليهم ماء وجوههم بعد فشل الشيوعية الإلحادية لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له من كل أنحاء العالم، لم يقل الله لن يخلقوا جزيئا ولكن قال ذبابا تدب فيه الحياة ويتوالد بالجزيئات الوراثية وهذا التحدي قائم إلى يوم الدين في كتاب الله، الله سبحانه وتعالى يتحداهم أن يخلقوا ذبابا ونحن نتحداهم أن يخلقوا ذبابا لأننا نثق في الخالق وفي كتاب الله المعجز وفي حدود المخلوق وقدرة الخالق سبحانه وتعالى. اسمعوا إلى الكلمات غير العلمية الواردة في مقال أحد الشيوعيين العرب الذي يحاول زرع الشك في نفوس الناس أن للكون خالقا عليما خبيرا مدبرا قال: (ولنقرأ معا على سبيل المثال بعض ما جاء في المجلات والدوريات العلمية والانترنت) وعندما نقرأ الهوامش التي استند إليها الكاتب تجد العجب العجاب وهو الغياب شبه التام للمجلات والدوريات العلمية وقد ذكر موقع BBC وجرائد الجارديان والعلم اليومية وكلها مصادر لا ترقى إلى مستوى المصادر العلمية المحكمة والمعتمدة في عالم العلوم. أما محاولته الإيهام بأن نظرية التطور صحيحة فيكفي أنها منذ عشرات السنين لازالت وستظل نظرية حائرة تبحث عن دليل علمي ويلفق لها أنصارها الأدلة ولكن للأسف ولدت هذه الفكرة ميتة، وقد ماتت منذ زمن بعيد، ومحاولة إلباسها ثوب العلمية محاولة أخرى فاشلة فالنظرية تقوم على المصادفة والعشوائية في الخلق والتطور بالطفرة (وهي عشوائية أيضا). والانتخاب الطبيعي وهو خرافة فلسفية والجزيء الوراثي DNA قائم على الحكمة والتدبير والإتقان والتنظيم والإبداع، وهي صفات في حد ذاتها تقضي على نظرية المصادفة والعشوائية الداروينية وهذا ما فندناه منذ ثلاثين عاما في كتابنا (نظرية التطور بين المؤيدين والمعارضين) وما فندته أيضا عشرات الأدلة والكتابات العلمية
الداحضة لنظرية المصادفة والعشوائية الداروينية. يقول الكاتب الشيوعي إن الباحثين يقولون: (نحاول خلق نظام جديد للحياة) وعندما نقرأ كل المحاولات الواردة في المقال نجدها محاولات تقليد فاشلة لجزيئات الحياة مثل الجزيء الوراثي والريبوسومات والأغشية الخلوية والتكاثر الحيوي وكلها موجودة في الحياة منذ بدء الخليقة فأين نظامهم الجديد في الحياة؟ وقد امتلأ المقال بكلمات: (محاولات، يعتقدون، نحاول) وكلها عبارات غير علمية وغير قاطعة. أما تهليل الكاتب بقول الباحثين بكلمة تركيب نفسها بنفسها في الريبوسومات وقال: (لاحظوا: نفسها بنفسها أي من دون تدخل أي قوة ميتافيزيقية خارجية) وإذا كان الكاتب لا يؤمن بوجود خالق عليم خبير مدبر للكون فعليه أن يعلم أننا نؤمن بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر والجنة والنار والموت والبعث والحساب وكما قال تعال: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ{77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ{78} قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ{79}) (يس/77-79) ثم يتبع الله تعالى الآيتين السابقتين بحقيقة علمية غاية في الإعجاز والإبداع فقال سبحانه: (الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ{80} أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ{81} إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{82} فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{83}) (يس/80-83). وقد أثبت العلم الحديث أن الخضر أو اليخضور أو الكلوروفيل في النبات هو المصدر الحيوي للنار على الأرض , وفي هذا إفحام علمي للدارونيين والشيوعيين ولكن أكثرهم لا يعلمون. مازلت أتحدى كل الشيوعيين والملحدين أن يأتوا بدليل علمي واحد وقاطع يثبت نظرية التطور، والتحدي مازال قائما بإذن الله، لا نريد نظريات ولا نريد محاولات وفلسفات ولكن نريد أدلة علمية قاطعة , ومطلوب أيضا أن يلزم كل كاتب تخصصه وما يفهم فيه حتى يكون علميا يفهم حقيقة ما يكتبه، أما محاولات النقل الأعمى من المواقع الالكترونية من دون خلفية علمية أكاديمية يغرق الإنسان بها بين الغث والسمين، والعلم والخرافة والصحيح والخاطئ، فهذا لا يليق بأهل العلم والعلماء , والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحذرنا من ذلك فيقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من الناس ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) رواه البخاري ومسلم والترمذي.
فالذي يتكلم في غير تخصصه العلمي الدقيق وبغير علم ودراية ضال ومضل وفي الحديث السابق تقدير للعلماء والعلم والتخصص ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فمتى نتعلم ألا نكتب إلا فيما نفهم، ولا نعلم إلا ما نتقن؟!
أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى
(http://www.nazme.net/)www.nazme.net (http://www.nazme.net/)
القلب الحزين
13-12-2013, 04:30 PM
شبهة الرسول صلى الله عليه وسلم يســـب ويلعـــن
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12649688632332218333_b358aff358_1.jpg
لجأ بعض المضللون إلى القول بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتطاول (وحاشا لله أن يكون كذلك) بلسانه على المسلمين فكان يسبهم ويلعنهم وهذا يعد مخالفا لما أمر به أصحابه من عفة الألسن وصيانتها.
دليل الشبهة عن عَائِشَةَ قالت: دخل على رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي ما هو فَأَغْضَبَاهُ فَلَعَنَهُمَا وَسَبَّهُمَا فلما خَرَجَا قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ من أَصَابَ من الْخَيْرِ شيئا ما أَصَابَهُ هَذَانِ قال وما ذَاكِ قالت قلت: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا قال صلى الله عليه وسلم: " أَوَ ما عَلِمْتِ ما شَارَطْتُ عليه رَبِّي قلت اللهم إنما أنا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أو سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ له زَكَاةً وَأَجْرًا " [أ]
الـــــرَّد علـــى الشبهــــــة
بالنظر فى تلك الشبهة فإنه يفوح منها رائحة تعمد الفهم الغير صحيح لسيرته وسلوكه صلى الله عليه وسلم.
الحكم على الحديث هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة فقد بينا فى تأصيله أنه من الأحاديث التى أخرجها الإمام مسلم رضي الله عنه وكذلك ورد فى عدة روايات أخرى [1] ولذا فإن الحديث صحيح
معنى الحديث تحكى لنا السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها موقفا من عشرات المواقف التى قصتها لنا من حياته صلى الله عليه وسلم وكيف وأنه قد دخل عليه رجلان لم تعرف فيما أتيا له صلى الله عليه وسلم وتقول وأغضباه أى أن الرجلين أتيا بكلامهما أو بفعلهما أمرا أغضب النبى صلى الله عليه وسلم فسمعته يسبهما ويلعنهما فلما خرجا من عنده سألته فى ذلك فقال لها صلى الله عليه وسلم إنه قد عاهد الله تبارك وتعالى بعهد ألا وهو أن أى إنسان سبه النبى صلى الله عليه وسلم أو شتمه من المسلمين فإن ذلك يقع مغفرة من الله على من وقع عليه هذا السب أو الشتم وذلك بشرط كونه مستحقا لهذه المغفرة والرحمة
سبابه ليس كسبابنا أمر بديهى أن يفكر أى إنسان فى هذا الأمر كيف يكون النبى صلى الله عليه وسلم سبابا أو لعانا ولكن ألا تفكر أولا فى كيف كان سبابه صلى الله عليه وسلم ومتى كان يفعل ذلك. ولو أن أحدهم فتح كتب السنة أو اطلع على أحد كتب شروح الحديث لعلم أن عادة العرب قديما اعتادت السب بألفاظ لا تعد فى عصرنا هذا سبابا بالمرة ولم يكن الغرض منها السباب بالمفهوم العصرى وإنما كان الغرض منها الحث على فعل أمر أو النهى عنه وكانوا يستعملون ألفاظا معينة لذلك ولنضرب على ذلك أمثلة
تربت يداك وهو لفظ يقصد به الحث على فعل أمر من الأمور وإن لم يفعله صاحبه أصيب بالفقر مثلا .
ثكلتك أمك لفظ يقال عندما يسأل السائل سؤالاً غريبا غير معتاد ما كان يجب له أن يسأل مثله وهذا ما نقل عن عياض رضى الله عنه فى تأويل هذا الحديث النبوى الشريف[2]
الأمثلة من السنة
1- عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ " [3]
وجه الدلالة بين الحبيب صلى الله عليه وسلم الصفات التى تنكح من أجلها المرأة وأن أهم معول عليه فى الاختيار هو التدين أما قوله صلى الله عليه وسلم تربت .
قول صاحب فتح البارى: يقول صاحب فتح الباري:"تربت يداك قصد به لصقتا بالتراب وهي كناية عن الفقر وهو خير بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته وبهذا جزم صاحب العمدة زاد غيره أن صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه [4].
2- عن عِكْرِمَةَ قال صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً فقلت لابن عَبَّاسٍ إنه أَحْمَقُ فقال ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ سُنَّةُ أبي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم [5]
وجه الدلالة أن عكرمة صلى هو وعبد الله بن عباس رضى الله عنهما خلف شيخ فى مكة فزاد هذا الشيخ فى عدد التكبيرات فى صلاته فاعترض عليه عكرمة وقال لابن عباس رضى الله عنهما إنه أحمق أى ما كان له أن يفعل ذلك
وأما عن قوله ثكلتك أمك فيقول صاحب فتح البارى فكأنه دعا عليه أن يفقد أمه أو أن تفقده أمه لكنهم قد يطلقون ذلك ولا يريدون حقيقته [6] ومما سبق يتضح لنا أن الألفاظ التى كانت تستعمل عند العرب لم يكن المقصود منها السباب فى حد ذاته ولم تكن كتلك التى فى عصرنا هذا وحتى الغرض من هذه الألفاظ يختلف عما يحدث الآن فالغرض من تلفظ العرب بهذه الألفاظ لا يخرج إلا عن كونه زجرا أو حثا أو منعا من أمر من الأمور
شهادة أنس إن أولى الناس بالشهادة على خلق إنسان ما هم المجاورون والملازمون له فترة من الزمان وهذا أنس بن مالك رضى الله عنه يسجل شهادة تبقى إلى أن تقوم الساعة فى حق خير البرية وإليك بيانها عن أَنَسِ بن مَالِكٍ قال: " خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ والله ما قال لي أُفًّا قَطُّ ولا قال لي لِشَيْءٍ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَهَلَّا فَعَلْتَ " [7]
وجه الدلالة يتضح من هذا الحديث النبوى الشريف أن النبى صلى الله عليه وسلم وعلى طوال فترة عشر سنين لم يعقب على خادمه أنس بن مالك رضى الله عنه بأى تعقيب فيما كان يأتى به من تصرفات وليس من المعقول أن يظل الخادم كل هذه الفترة بلا أخطاء يستحق عليها اللوم ولكن لو كان النبى صلى الله عليه وسلم سبابا كما زعمتم لتحدث أنس بموقف أو موقفين من الأمور التى دارت بينه وبين النبى صلى الله عليه وسلم ولكنه لما تحدث أثنى على مخدومه صلى الله عليه وسلم خير الثناء
البيان الثانى عن انس " عن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال لم يَكُنْ النبي صلى الله عليه وسلم سَبَّابًا ولا فَحَّاشًا ولا لَعَّانًا كان يقول لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ ما له تَرِبَ جَبِينُهُ [8]
وجه الدلالة ها هو أنس بن مالك رضى الله عنه يسجل شهادته مرة أخرى وينفى فيها عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان سبابا أو فحاشا وكان الله تبارك وتعالى قيد هذه الحقيقة على لسان أنس رضى الله عنه ليسجلها أصحاب السنن لتكون لنا سيفا ندافع به وباستماتة عن الحبيب صلى الله عليه وسلم
لم يسب من سبه قد ثبت إذا أن النبى صلى الله عليه وسلم قد فعل ما فعل توبيخا وتأديبا للرجلين اللذان كانا عنده ولا بد أن نذكر هنا موقفا منه صلى الله عليه وسلم ينفى عنه أنه كان يسب ويلعن كما يدعى هؤلاء عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ يَهُودَ أَتَوْا النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ فقالت عَائِشَةُ: " عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمْ الله وَغَضِبَ الله عَلَيْكُمْ قال مَهْلا يا عَائِشَةُ عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ قالت أو لم تَسْمَعْ ما قالوا قال أو لم تَسْمَعِي ما قلت رَدَدْتُ عليهم فَيُسْتَجَابُ لي فِيهِمْ ولا يُسْتَجَابُ لهم فِيّ [9] .
وجه الدلالة يوضح هذا الحديث النبوي الشريف أن بعضا من اليهود مروا على النبى صلى الله عليه وسلم بدلا من أن يحيوه بقولهم السلام عليكم قالوا له السام عليكم أى الموت عليكم فدعت عليهم السيدة عائشة بأن يكون الموت عليهم وأن يصيبهم غضب من الله فنهاها الحبيب صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمرها بالترفق ونهاها عن العنف والفحش وأخبرها بأن ما يقوله هؤلاء لا يؤثر فى الحبيب صلى الله عليه وسلم بل هو مردود عليهم
نهى عن السب وهذه آخر نقطة أضعها فى الرد على هذه الشبهة ذلك لأني فقط أردت أن أبين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن مساوئ الأخلاق وأنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم خالف قوله فعله بل كان التطابق منه صلى الله عليه وسلم فى الظاهر والباطن أمر حتمى فهو قدوة الناس أجمعين إلى جنة رب العالمين ولذا فإنه صلى الله عليه وسلم ينهى عن الكلام الذى لا خير فيه
وإليك الدليل عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " من كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أو لِيَصْمُتْ "[10]
وجه الدلالة جعل الحبيب صلى الله عليه وسلم من توابع الإيمان بالله ومقتضياته عدداً من الأمور من بينها قوله صلى الله عليه وسلم ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت فكيف يمكن القول بأنه كان سبابا وعموم الأدلة تثبت عكس ذلك
--------------------------------------------------------------------------------
[أ] ـ صحيح مسلم جـ 4 صـ 2007 حديث رقم 2600 وهذا سنده حدثنا زُهَيْرُ بن حَرْبٍ حدثنا جَرِيرٌ عن الْأَعْمَشِ عن أبي الضُّحَى عن مَسْرُوقٍ
[1] ـ راجع فى ذلك فتح البارى جـ 11 صـ 171 [2] ـ فتح البارى جـ 11 صـ 171 وما بعدها [3] ـ صحيح البخارى جـ 5 صـ 1958 حديث رقم 4802 وهذا سنده حدثنا مُسَدَّدٌ حدثنا يحيى عن عُبَيْدِ اللَّهِ قال حدثني سَعِيدُ بن أبي سَعِيدٍ عن أبيه [4] ـ فتح البارى جـ 9 صـ 137 [5] ـ صحيح البخارى جـ 1 صـ 272 حديث رقم 755 وهذا سنده حدثنا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ قال أخبرنا هَمَّامٌ عن قَتَادَةَ [6] ـ فتح البارى جـ 2 صـ 272 [7] ـ صحيح مسلم جـ 4 صـ 1804 حديث رقم 2309 وهذا سنده حدثنا سَعِيدُ بن مَنْصُورٍ وأبو الرَّبِيعِ قالا حدثنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ عن ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ [8] ـ صحيح البخارى جـ 5 صـ 2243 حديث رقم 5684 وهذا سنده حدثنا أَصْبَغُ قال أخبرني بن وَهْبٍ أخبرنا أبو يحيى هو فُلَيْحُ بن سُلَيْمَانَ عن هِلَالِ بن أُسَامَةَ [9] ـ صحيح البخارى جـ 5 صـ 2243 حديث رقم 5683 وهذا سنده حدثنا محمد بن سَلَامٍ أخبرنا عبد الْوَهَّابِ عن أَيُّوبَ عن عبد اللَّهِ بن أبي مُلَيْكَةَ [10] ـ صحيح البخارى جـ 5 صـ 2240 حديث رقم 5672 وهذا سنده حدثنا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ حدثنا أبو الْأَحْوَصِ عن أبي حَصِينٍ عن أبي صَالِحٍ
القلب الحزين
13-12-2013, 04:30 PM
أوروبا: - لا لمآذن المساجد... نعم لأبراج الكنائس -... الدوافع الحقيقية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1259782133index_2.jpg
صورة لرسم في سويسرا يصور مآذن المساجد على شكل صورايخ دموية
إعداد / هشام محمد طلبة
كاتب وباحث إسلامي
لم يتسع صدر سويسرا بلد اتفاقيات جنيف والصليب الأحمر والحياد الدولي لأربع مآذن تعلو أربعة مساجد في كل سويسرا من أصل مائتي مسجد ( على أقصى تقدير ) لا يرفع فيها الأذان ؛ قد لا ترتفع هذه المآذن عن أمتار قليلة. وأغلب الظن أن الاستفتاء الذي أ ُقيم في سويسرا في التاسع والعشرين من نوفمبر لحظر بناء المآذن - في إجراء سيتطلب تعديلا دستوريا عقب اجراء الحظر - لو تم في بقية أوروبا لكانت النتيجة واحدة رغم اعتراض الفاتيكان ومنظمة العفو الدولية والحكومة السويسرية نفسها والبرلمان وأغلب الصحف الغربية لدرجة أن صحيفة " دي فيلت " الألمانية وصفت نتيجة الاستفتاء بأنها تلقي بسويسرا إلى مستوى أدنى من عصر الأنوار والتسامح الذي بلغته أوروبا بشق الأنفس. إلا أن اليمين المتطرف المتصاعد في أوروبا بوسعه تأجيج المشاعر الأكثر انحطاطا ؛ حسب وصف جريدة " لو سوار دو بلجيك " البلجيكية حيث تنبأت بنفس النتيجة في بلجيكا لو تم استفتاء مماثل.
كما تلقف اليمين المتطرف الهولندي الخبر ودعا لاستفتاء مماثل عندهم بل ودعا إلى حظر المصاحف أيضا وتنبأ بنفس النتيجة في بلاده. كما تلقفته الأحزاب شديدة التطرف في إيطاليا والدانمارك والنمسا ودعوا إلى إجراء مماثل عندهم. وقد سبق هذا الاستفتاء حملة في يوليو 2009 للحزب المسيحي الديموقراطي التشيكي – الذي كان رئيسه وزيرا للخارجية إبان أزمة الرسوم الدانماركية التي أيدها - مناهضة لبناء المساجد في التشيك. بل إن الأمر تعدى أوروبا إلى أمريكا حيث صودرت مساجد في واشنطن ونيويورك وهيوسن وكاليفورنيا تابعة لمؤسسة خيرية إسلامية قبل أسبوعين فقط من الاستفتاء السويسري.
هل هذا العمل يندرج تحت بند العداء للإسلام ؟
لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من الربط بين هذا العمل العدواني وبين مواقف مشابهة في عداء جهات عديدة في الغرب للإسلام. فانزعاج السويسريين من أربع مآذن قصار في كل سويسرا يذكرنا بالقانون الفرنسي الذي شُرِّع من أجل 367 فرنسية منتقبة في كل فرنسا ( حسب وصف جريدة " لوموند " الفرنسية ) !!.
كما لا نستطيع أن نأخذه خارج سياق قانون حظر الحجاب في المدارس الفرنسية، كما منعت إحدى المدن البلجيكية الموظفات من ارتداء الحجاب. ومنع بطلة رياضية سويسرية من ارتداء الحجاب مما دفعها للاعتزال ومنع لباس البحر الكاسي للجسم للسيدات ( البوركيني ) في فرنسا والسماح فقط لشبه العاريات. و كذلك تدنيس 500 ضريحا ً لمسلمين في فرنسا في مايو2009.بل إن الأمر وصل إلى منع طفل مسلم من الظهور في قناة " جولي " الفرنسية لأنه يحمل إسم " إسلام " !. كما لانستطيع أن نأخذه خارج سياق الإساءات للإسلام في تصريحات قادة الغرب من بوش الصغير إلى " برليسكوني" و"بنيدكت" و"آشكروفت"، ثم القساوسة الإنجيليين ؛ " بات روبرتسون "،" جيري فالويل " وغيرهما، وصولا ً إلى الرسوم الدانماركية وتدمير العراق وأفغانستان وفظائع معتقلات "جوانتانامو" و"باجرام" و" أبو غريب "، ومحاولات تفتيت السودان واليمن وباكستان وبذر الفتن في سائر بلاد العرب والمسلمين. وأخيرا ً قصر المناصب الدولية الهامة عندهم على المعادين للإسلام كوضع " راسموسن " رئيس وزراء الدانمارك إبان أزمة الرسوم المسيئة ( وقد دافع عنها ) على رأس حلف ال " ناتو " وتعيين " رومبوي " الذي كان قد صرح قبل ذلك بأن تركيا ليست جزءا من أوروبا ولن تكون وأن القيم الأوروبية في الأساس مسيحية وهوما تفتقده تركيا، ليؤكد تصريح رئيس المفوضية الأوروبية الأسبق " جاك ديلور " بأن للهوية الأوروبية ثلاثة عناصر: 1- المسيحية. 2- القانون الروماني. 3- الفلسفة اليونانية.
لا نستطيع أن نأخذ كل هذا خارج السياق لكنا لن نقول أن هذا هو الدافع الوحيد والحقيقي لأنهم يتهموننا بأننا ضحايا فكر المؤامرة حتى يخدروننا لإتمام مشروعهم.
الكيل بمكيالين:
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12597820691_955662_1_23.jpg
صورة لأحد أئمة المساجد في سويسرا أمام أحد المراكز الإسلامية(الجزيرة . نت)
من نفل القول أن نقول أن هذا كيل بمكيالين وعنصرية ونفاق وتمييز وعدم تسامح. وليس هذا الوصف من عندي بل وصف جرائد ؛ " دي فيلت" الألمانية و"ليبراسيون" الفرنسية و" لو سوار دو بلجيك " البلجيكية، و" كوشنير " وزير الخارجية الفرنسي. فقد رُفضت في السنوات الأخيرة كل طلبات بناء المآذن للمسلمين في سويسرا وهم يشكلون أكثر من 5% من السكان ( 400 ألف من اصل 7،7 مليون سويسري ) بينما قبُلت طلبات بناء معابد لبضعة أفراد من السيخ www.arabic.euronews.net (http://www.arabic.euronews.net/) مع أن هذه المعابد مرتفعة وذات أبراج ضخمة لا تخفى على الناظر في حين تعد مساجد المسلمين هناك شديدة البساطة والصغر في الحجم.
كما لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من مقارنة حظر المآذن المتواضعة حجما وارتفاعا والتي لا يسمح لها بإعلان الأذان في سويسرا بأبراج الكنائس الضخمة في بلاد المسلمين والتي لاينقطع فيها دق الأجراس. مع العلم أن تعداد المسلمين في سويسرا ( أكثر من 5% ) يقترب من تعداد النصارى في مصر ( 6% ). ولا ننسى أن سويسرا دولة متقدمة علميا ً ذات حكم ديموقراطي حقيقي مما نفتقده في بلادنا.
ولا يفوتنا أن نذكر أن بناء المساجد في أوروبا ليست بالمسألة السهلة، فالعاصمة اليونانية " أثينا " مثلا لا يوجد بها مسجد واحد حتى اليوم. وحين طلبت اللجنة الأولمبية من السلطات بناء مسجد للاعبين المسلمين في دورة الألعاب اكتفت بنصب خيمة يصلون فيها رفعت بعد ذلك !! لماذا لا نقارن ذلك باستفهام مطران المعصرة في مصر: ما الذي يضير المسلمين أن يكون في كل شارع كنيسة ؟ !
والسؤال لماذا يريد بناء كنائس لا يحتاجونها. فالمسلمون علاوة على أنهم كثرة يستخدمون بيوت عبادتهم خمس مرات يوميا ً.
الدوافع الحقيقية:
إذا ً ليس الدافع الحقيقي هو مجرد إغاظة المسلمين وإخراج الألسنة لهم برغم العداء. وليس الدافع كما قال أصحاب الإساءة بديهة ادعاء الخوف " فوبيا " من التطرف الإسلامي أو أن المسلمين يستخدمون المآذن لإظهار السيطرة. الدافع الحقيقي هو ما ذكره " غاسباري " رئيس مجموعة تحالف " سيلفيو بيرليسكوني " الإيطالي تعليقا ً على استفتاء سويسرا بأن الصدر السويسري سئم الهجرة والإسلام !!. أو ما ذكره " تيري جونز " واضع لافتة: ( الإسلام من الشيطان ) أمام كنيسة في ولاية فلوريدا الأمريكية من أن دافعه لذلك هو النمو الهائل للإسلام في الوقت الحالي.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1259782106islam_normal.jpg
صورة لقميص متظاهرة أمريكية مكتوب عليه عبارة (الإسلام من الشيطان)
أو انتحار قسيس ألماني حرقا ً عام 2006 احتجاجا ً على انتشار الإسلام وعدم فعل الكنيسة شيئا ً حيال ذلك !!. كما ذكرت" لو فيجارو " الفرنسية عام 2008 أن ثلث سكان " بروكسل " حاليا ً مسلمون وأن الإسلام سيصبح الديانة رقم واحد في بلجيكا خلال عشرين عاما، بل إن جريدة " لاليبر بلجيك " البلجيكية خفضت ذلك التاريخ إلى 15 عاما. وهي المدة التي يتوقع أن يصبح المسلمين الروس خلالها رُبع السكان ( حاليا 15% ويشكل المسلمون خُمس سكان موسكو ) أما أمريكا فقد ذكر موقع محطة NBC الشهيرة أن التحول إلى الإسلام قد تضاعف في أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ( من 10000 إلى 20000 سنويا ً) في الوقت الذي تتحول فيه كنائس عدة في بلجيكا إلى مساجد كما ذكرت جريدة " ديلي تلجراف ". أما الدانمارك فقد سمح للكنائس المغلقة أن تتحول إلى أية نشاط إلا التحويل إلى مساجد !.
في إنجلترا عُدَّت 1600 من كنائسها ( 10% ) لا نشاط لها وعرض بعضها للبيع، منها ما حول إلى مطاعم مثل مطعم " زيزي " للبيتزا حيث يوجد فرن البيتزا مكان مذبح الكنيسة القديم !.
هولندا تحولت إحدى أعرق كنائسها إلى ملهى ليلي غنت فيه نجمة الإغراء " مادونا " ! أما فرنسا والتشيك فلا يدخل كنائس الأولى إلا 5% من المسيحيين والثانية 3% !. ( في أيرلندا انخفضت نسبة الحضور في الكنائس إلى النصف خلال 25 عاما ). )مستخلص من مقال بالنيوزويك بعنوان: وظائف أخرى للكنائس Remodeling the churches , by William Underhill عام 2007 ).
• من المشاكل التي تعانيها الكنيسة كذلك حاليا قضية الفضائح الجنسية، خاصة الكنيسة الكاثوليكية التي أجبرت " بنيدكت " على السفر عام 2008 إلى امريكا لدفع تعويضات لأهالي الأطفال المعتدى عليهم !.
الكنيسة البروتوستانتية لم تسلم فلازلنا نذكر فضيحة القس " جيبهارت " رئيس " معسكرات يسوع " المتطرفة صديق بوش الصغير ومواعدته لداعر – حسب اصطلاح النيوزويك وقتها. حتى الكنيسة الأرثوذكسية لم تسلم من ذلك، فقد ذكرت النيوزويك ( عدد 27-5-2008 ) في مقال بعنوان: إغلاق باب الكنيسة، أن فضائح المخدرات والجنس والتدخل في القضاء من الكنيسة اليونانية أطلقت دعوات إعادة النظر في مكانة الديانة في الحكومة.
• من المشاكل التي تعانيها المسيحية كذلك ارتداد عدد من رموزها للإلحاد مثل الأم " تيريزا " ( Timesonline ) و " بارت إرمان " عالم اللاهوت الشهير بجامعة نورث كارولينا ". • قضية موثوقية الأناجيل مشكلة ملحة كذلك، خاصة بعد اكتشاف آلاف الخلافات بين المخطوطة السينائية والطبعات الحالية للكتاب المقدس.
• إذا ًالدافع الحقيقي لهذه التحرشات بالإسلام سببها "... في حين يصبح الإسلام أكبر فأكبر من العالم الديني في أوروبا يزداد انتشار العلمانية أيضا بين المسيحيين.... بوجود 16 مليون مسلم يعيشون الآن في الاتحاد الأوروبي ومع تضاؤل أعداد الحضور في الكنائس... " ( إغلاق باب الكنيسة، النيوزويك 27-5-2008 ). • أي إن انتشار الإسلام وتراجع المسيحية عند أهلها مع تزايد هجرة المسلمين وزيادة نسلهم في حين يتضاءل تعداد الأوروبيين هو السبب الحقيقي لهذه الهجمة. والمآذن كالحجاب والنقاب واللحية إظهار للإسلام المراد التعتيم عليه. كما أن الإسلام دين يستعصي على الهيمنة وأتباعه لهم طريقتهم في الحياة المخالفة للغرب، ثم إن الإسلام جهة ممانعة تدعو لمقاومة الهيمنة والاحتلال. لا نستبعد كذلك أن تكون الإهانة مقصودة – كما ذكر الشيخ علي جمعة- استمرارا لحملات إهانة المقدس عندنا حتى لا يصبح مقدسا فتفرض علينا قيم الثقافة الغربية.
سبل الرد:
لا ينبغي أن نكتفي بتعديد تجاوزات الغرب تجاهنا ونفاقه وعنصريته فهذا أمر ليس بجديد. هناك عدة محاور يجب أن نتحرك فيها. أولاً: المحور السياسي: وهذا بيد الحكام إن أرادوا نصرة دينهم. فكلنا نذكر كيف تصرفت ليبيا مع سويسرا حين اعتقل هانيبال القذافي هناك يومين. سحبت ليبيا استثماراتها من سويسرا وأوقفت تصدير الغاز واتخذت عدة إجراءات أجبرت الرئيس السويسري على الذهاب إلى ليبيا وتقديم إعتذار !!.
إذا ً هناك أدوات مؤثرة تحت أيدينا إن توفرت الإرادة. ثانيا: المحور العلمي الدعوي: وهو استغلال الحدث لعرض الإسلام الذي بات الغرب في حالة تشوق لمعرفته نتيجة هذا الحدث وأمثاله. وحسنا فعلت المراكز الإسلامية هناك من فتح أبوابها لغير المسلمين والالتقاء بهم. كما يجب التواصل مع الجهات الرسمية في الغرب ودعوتهم للتعرف على الإسلام للتعرف عليه فقد جهلوه. ولماذا لا يطالب المسلمون في سويسرا أن يعطى مصحف لكل شرطي هناك ليقرأه فقد قامت الشرطة الهولندية بذلك بنفسهاعقب إساءة عضو البرلمان " فيلدرز " للإسلام. ثالثا: المحور التشريعي: وهو محاولة استصدار قانون دولي لعدم الإساءة للإسلام على غرار قانون " معاداة السامية " الذي يستفيد منه اليهود.
فوائد الحدث:
• لا شك سيدفع هذا الحدث كغيره العديد من غير المسلمين في الغرب إلى القراءة عن الإسلام ومن ثم يدخل العديدون منهم في دين الله لأنه الفطرة والإعتقاد السليم. وقد علمتنا التجربة كيف أن أحداث سبتمبر تسببت في مضاعفة أعداد الداخلين في دين الله كما أسلفنا. • دائما ما تدفع هذه الحوادث المسلمين في الغرب إلى التمسك بدينهم أكثر لأنهم يشعرون بالاستهداف فيرجعون إلى هويتهم. • كشف الحدث كيف أن الغرب ليس كله معاد لنا، فكما قال ربنا: " ليسوا سواءً ". استهدافنا دفع شريحة من المنصفين في الغرب إلى التعاطف معنا، ولعلهم كانوا مخدوعين من قبل.
• تعقيب أخير:
ماذا لو تم في مصر استفتاء على أبراج الكنائس ؟
" إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا. والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا. "
“لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور” (آل عمران).
إعداد / هشام محمد طلبة
كاتب وباحث إسلامي
يمكن إرسال تعليقاتكم على المقال على الإيميل التالي:
[email protected]
http://albesharat.net (http://albesharat.net/)
القلب الحزين
13-12-2013, 04:31 PM
زوجات لا عشيقات التعدد الشرعي ضرورة العصر
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12564635913448151681_8334f824d8_%28custom%29.jpgبق لم الأستاذ حمدي شفيق
تعدد الزوجات من النظم التي تعرضت لهجمات المستشرقين الشرسة في إطار حملات مسعورة لم تتوقف أبدا للطعن في الإسلام العظيم و رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام، يتناول هذا الكتاب تعدد الزوجات بشيء من التفصيل من خلال الفصول التالي:( تعدد الزوجات قبل الإسلامي، عشيقات الزعماء، شبهات واهية، حديث السيدة فاطمة بنت الرسول، حديث الأرقام، ضوابط التعدد، عدم الزيادة عن أربع، القدرة على التعدد، العدل بين الزوجات، القسم بين الزوجات، زوجات الرسول، قالوا عن التعدد).
لتحميل الكتاب أضغط هنا (http://www.quran-m.com/words/wife.rar)
ترسل التعليقات على الكتاب على الإيميل التالي:
[email protected] (
[email protected])
ملاحظة : الكتاب عبارة عن ملف ورد مضغوط على برنامج winrar
القلب الحزين
13-12-2013, 04:32 PM
علم الكيمياء.. ينقض نظرية التطور
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1255031971185px-peptide_bond.png
الشكل يبين ترتيب النيكلوتيدات في جزيء البروتين الذي يدل تعقيدها وحسن ترتيبها على استحالة التطور
أورخان محمد علي
كاتب عراقي مقيم في استانبول
كان من الضروري لأنصار فرضية التطور شرح وإيضاح كيفية ظهور الحياة على سطح الأرض، أي كيفية ظهور الخلية الحية الأولى، حسب هذه الفرضية التي تدعي أن جميع المظاهر الرائعة لهذه الحياة على سطح الأرض وجميع أنواع الجمال والدقة والنظام المذهل الذي يزخر به هذا الكون الرائع أثر من آثار المصادفات العمياء.
وإذا استثنينا قلة نادرة فهذا هو الاتجاه العام لدى التطوريين؛ لهذا كانت فرضية التطور هي الفرضية العلمية الوحيدة تقريبًا التي تمهد للإلحاد وتيسر له السبيل، مدعية أنها تقدم تفسيرًا علميًّا للحياة والكون دون الحاجة إلى الخالق.
وعملاً بالمقولة الشهيرة "لا يفل الحديد إلا الحديد"، فسننقض العلم بالعلم. وبعد أن قدمنا نقض علم الفيزياء لنظرية التطور سنقدم نقد علم الكيمياء للنظرية نفسها. ولكي نحيط بأطراف الموضوع فسنورد الفرضيات التي يقدمونها في هذا الخصوص، ثم نشرح الحقائق العلمية التي تنقضها.
يقول التطوريون: إن الخلية الحية الوحيدة ظهرت في ظروف لم تَعُد الآن موجودة. فالغلاف الجوي في بداية عمر الأرض لم يكن مثل الغلاف الجوي الحالي، والأرض مرت بمراحل مختلفة في هذا الصدد حتى تم ظهور الحياة. والسبب الكامن وراء تأكيدهم على هذا الأمر هو أن الغلاف الجوي الحالي للأرض لا يسمح بالفرضيات التي يقدمونها لظهور الحياة، لكونه محتويًا على الأكسجين.
المراحل المفترضة لنشوء الحياة
المرحلة الأولى: أي المرحلة المبكرة من عمر الأرض. كان الغلاف الجوي للأرض في هذه المرحلة -على حد زعم التطوريين- متكونًا من غازات مختزلة، وكان معظمها من الميثان (CH4) والأمونيا (NH3) والهيدروجين (H2) وبخار الماء (*)
وهذا ما يجعلك تتساءل عن الدليل الذي يقدمه هؤلاء لإثبات هذا التكوين المفترض للغلاف الجوي. في الحقيقة هم لا يقدمون أي دليل! لأنهم يتصورون أن هذا الخليط هو الخليط المثالي لفرضيتهم. هذا سبب، والسبب الآخر: كي يتجنبوا الاعتراف بوجود أي مقدار من غاز الأكسجين في الغلاف الجوي إبان تلك المرحلة؛ لأن ذلك سيهدم جميع فرضياتهم حول ظهور الخلية الحية الأولى من الأساس.
المرحلة الثانية: نتيجة للتفريغ الكهربائي للبرق، ونتيجة للأشعة فوق البنفسجية والجزيئات ذات الطاقة العالية المنهمرة من الفضاء الخارجي على الغلاف الجوي "الخالي من الأكسجين"، تحولت الأرض إلى المرحلة الثانية. وهي المرحلة التي تكونت فيها جزيئات عضوية صغيرة كجزيئات السكر والأحماض الأمينية والنيوكلوتيدات Nucleotides (اللبنات الأساسية لجزيئات DNA ولجزيئات RNA).
المرحلة الثالثة: وعبر ملايين السنين اتحدت الجزيئات الصغيرة مكونة جزيئات كبيرة منتجة النشا والكربوهيدرات والبروتينات والأحماض النووية DNA و RNA. وهذه "المنتجات" هي المواد الأولية المكونة للخلية وللحياة.
المرحلة الرابعة: في هذه المرحلة اتحدت الجزيئات التي تشكلت في المرحلة الثالثة وكونت مواد هلامية تُدعى (Coacervates) أو كريات صغيرة، وافترضوا أن هذه المواد كان لها قابلية جذب جزيئات أصغر منها لتشكل معًا بنى ما يمكن تسميته بالخلايا البدائية (Protocells).
المرحلة الخامسة: في هذه المرحلة ظهرت الخلية الحية الأولى بعد أن قامت الخلية البدائية بامتصاص الجزيئات التي تحتاجها للقيام بالتكاثر ذاتيًّا (Self Reproduction)، وعاشت هذه الخلايا الأولية في البداية على الجزيئات التي كانت متوفرة في المراحل السابقة.
ولكنها سرعان ما تطورت إلى خلايا تستطيع القيام بالتمثيل الضوئي (Photosynthetic )، وقامت هذه الخلايا بطرح غاز الأكسجين ناتجًا من عملية التمثيل الضوئي إلى الجو. وقام الأكسجين هذا بتحطيم وتدمير جميع الخلايا البدائية والأولية التي تكونت في المراحل السابقة. أي أنه ما إن ظهرت الحياة على الأرض بهذه الطريقة حتى دمرت وأقفل الباب أمام ظهورها ثانية بنفس الطريقة، وذلك بسبب ظهور "الأكسجين".
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12550326801858685882_35f2f01bca.jpg
نظرية التطور تزعم أن أصل الإنسان هو قرد وتضرب بعرض الحائط بجميع القوانين الكيمائية لتسير سبل الإلحاد بالله سبحانه
المصادفات لا تنشئ حياة
إن نظم الحياة (Living Systems) نظم دقيقة ومعقدة جدًّا، وتعتمد على جزيئات تدعى الإنزيمات. وهي جزيئات من البروتينات متكونة من سلاسل معقدة من الأحماض الأمينية ذات أشكال مختلفة تقوم هذه الإنزيمات بتسريع التفاعلات الكيميائية الجارية في الجسم بمعدل ألف ضعف سرعة التفاعل عند عدم وجود الإنزيم وأحيانًا عدة آلاف ضعف.
تقوم الإنزيمات أحيانًا ببدء التفاعلات أيضًا ولكل منهم تفاعله الخاص. وقد تجتمع وتشترك عدة إنزيمات على التتابع لإكمال إحدى العمليات الحيوية. فمثلاً هناك العديد من الإنزيمات المهمة في خلايا عضلاتنا لإطلاق الطاقة الضرورية.
فهل تستطيع المصادفات العمياء والعمليات العشوائية تكوين مثل هذه الجزيئات البروتينية الكبيرة والمعقدة؟ لقد قام العلماء بحساب نسبة وجود مثل هذا الاحتمال باستخدام قوانين الاحتمالات، فأظهر هذا الحساب أن الكون ليس كافيًا لا من ناحية الحجم ولا من ناحية الزمن لتكوين جزيئة واحدة من البروتين عن طريق المصادفات العشوائية.
أي لو أن الكون كان مليئًا بالعناصر المكونة لجزيئات البروتين، (النيتروجين والهيدروجين والأكسجين والكربون) ولم يكن هناك أي عنصر آخر، (عدد العناصر المكتشفة حتى الآن جاوز مائة عنصر)، وحدثت تفاعلات عشوائية بين هذه العناصر بسرعة خيالية، (مليون تفاعل في الثانية الواحدة) لما كان عمر الكون المقدر بـ 15 – 20 مليار سنة ولا حجمه كافيين لتكوين جزيئة واحدة من البروتين.
وكما هو معلوم فهناك عشرون نوعًا مختلفًا من الأحماض الأمينية والبروتين الاعتيادي يحتوي في المتوسط على 300 – 500 حامض أميني في سلسلة واحدة، فإذا قمنا بحساب عدد الأشكال المختلفة لمائتين فقط من الأحماض الأمينية وأنواع البروتينيات التي يمكن تشكيلها منها نجدها مساوية لعدد هائل هو رقم عشرة مرفوعًا لقوة 260 (10 260).
رقم واحد وأمامه 260 صفرًا، ولكي ندرك مدى ضخامة هذا الرقم فلنقارنه بعدد الذرات الموجودة في الكون بأجمعه وفق تقدير العلماء برقم واحد وأمامه 80 صفرًا وليست جميع هذه البروتينيات صالحة للحياة بل عدد قليل منها فقط. ولو افتضرنا أن عمر الكون عشرين مليار سنة، وقمنا بتحويل هذا العمر إلى ثوان لحصلنا على رقم واحد وأمامه عشرون صفرًا فقط.
ولو افترضنا أن جزيئة بروتين واحدة تتشكل في كل ثانية من عمر الكون فإن فرصة تشكل جزيئة واحدة وبروتين صالح للحياة تبقى مساوية للصفر تقريبًا؛ لأنها تكون مساوية لـ (1 × 10 140)، أي رقم واحد مقسوم على عدد واحد وأمامه 140 صفرًا وهو عدد يفوق عدد الذرات الموجودة في الكون ببلايين البلايين من المرات. ويُعَدّ رقم واحد مقسومًا على رقم واحد أمامه 50 صفرًا في الرياضيات مساويًا للصفر من الناحية العملية أي أن هذا الاحتمال غير وارد مطلقًا.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1255032881alexander_oparin.jpg
البيوكيمائي الروسي أوبارين Alexander Oparin الذي يُعَدّ أبو نظرية التطور الكيميائي
لذلك نرى العالم البيوكيمائي الروسي أوبارين Alexander Oparin الذي يُعَدّ أبو نظرية التطور الكيميائي يقول: "إن التشكيل التلقائي لمثل هذه المنظومات الذرية في جزيئة البروتين تبدو مستحيلة، تمامًا كاستحالة الحصول على ديوان شعر لفركل أنلك - وهو شاعر ملحمي لاتيني - من مجرد الترتيب العشوائي للحروف.
لنفرض المستحيل ونقول بأن تطور الجزيئات الموصوفة في المرحلة الثانية قد تحقق فعلاً، إذن فتحقق المرحلة الرابعة يكون سهلاً. ففي هذه المرحلة تتكون كريات شبيهة بالهلام (gel like glebs) تدعى Concavervates وكان من رأي أوبارين أن هذه الكريات الصغيرة لو تركت مدة كافية في مكان صالح وفي شروط ملائمة لاستطاعت امتصاص مواد كيميائية أخرى وزاد تعقيد تركيبها. كما قال: "من الجائز أن الخلية الحية الأولى ظهرت للمرة الأولى للوجود بهذه الطريقة"، وأجرى أوبارين تجارب شاهد فيها أنه يستطع إعطاء بعض الإنزيمات إلى هذه الكريات وأن نشاطها الكيميائي استمر.
حقائق علمية
ولكن علينا ألا ننسى الحقائق العلمية الآتية:
1- هذه الكريات ليست مستقرة بل قلقة وتنحل بسرعة كبيرة وبسهولة.
2- تشكل هذه الكريات ليس اختياريًّا ولا يمكن السيطرة عليه حسب قاعدة معينة أو حسب هدف معين؛ إذ يتم هنا اتحاد أي مادة شحنتها موجبة مع أي مادة ذات شحنة سالبة.
3- يتم امتصاص الإنزيمات الموجودة حول الكريات بشكل عشوائي؛ لذا تدخل الإنزيمات الضارة بجانب الإنزيمات النافعة.
4- الإنزيمات وغيرها من الجزيئات النشطة من الناحية البيولوجية الموجودة في هذه الكريات المسماة coacervates ليست مرتبة ومنظمة كالتنظيم الموجود في الخلية الحية.
5- لا يوجد غشاء حول هذه الكريات كالغشاء الموجود حول الخلية الحية، وغشاء الخلية الحية ليس غشاء عاديًّا، بل له تركيب معقد وهو جزء هام وحيوي جدًّا وله دور ومهمة خطيرة في الخلية.
6- إذا تم امتصاص إنزيم هادم للبروتينيات إلى هذه الكريات مثل إنزيم Proteolytic فإنه يقوم بمضغ كل بروتين موجود والقضاء عليه.
7- مثل هذه الكريات لا تملك قابلية للتكاثر، أي إنه لا فرصة لإدامة بقائها.
أمام هذه الحقائق العلمية هل يمكن وجود أي احتمال أو فرصة لتحقق فرضيات التطوريين في ظهور الخلية الحية الأولى حسب السيناريوهات الموضوعة من قبلهم! نترك الجواب للقارئ.
القلب الحزين
13-12-2013, 04:34 PM
الزنداني: نظرية دارون باتت خرافة
عبده عايش
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12549144771_820285_1_23.jpg
الزنداني: نظرية دارون لا يقبلها عاقل (رويترز)
قال الداعية الإسلامي الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس جامعة الإيمان باليمن إن نظرية دارون باتت خرافة لا يقبلها عاقل، مؤكدا أن "أنصار دارون اليوم يتراجعون ويندحرون".
واعتبر في حديث للجزيرة نت أن الكشف العلمي الجديد عن أن أصل الإنسان ليس قردا حسب نظرية دارون من خلال هيكل عظمي سمي أردي يعتبر دليلا إضافيا على أن الإنسان خلق خاص من خلق الله، ويسقط نظرية الصدفة والتطور.
وقال الزنداني "لو أن الإنسان جاء نتيجة لتطور ما لاستمرت عوامل هذا التطور حتى اليوم، ولكن هذا هراء، وليس هناك دليل واحد على إنسان كان نتيجة عملية تطور من قرد إلى إنسان".
وأضاف "لنفترض أن أول إنسان تحول من قرد إلى إنسان، وكان امرأة مثل هذه الحفرية أدري، وبالطبع هذه المرأة ستموت وبدون نسل، وبالتالي ينقرض نسلها، وبذلك لا يمكن أن يكون هذا التطور المزعوم مقبولا ومعقولا".
وكان فريق عالمي بأميركا من علماء أصول الجنس البشري من جامعتي كين ستيت وكاليفورنيا كشفوا النقاب عن أقدم أثر معروف للبشر على وجه الأرض، وهو هيكل عظمي إثيوبي يبلغ عمره حوالي أربعة ملايين
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1254914528fossilhuman_zoom.jpg
صورة لما يعتقد أنه أقدم عظام لهيكل بشري مكشف لحد الآن عمره أربعة ملايين وأربعمائة ألف سنة أطلق عليه اسم "أردي". "
وأربعمائة ألف سنة أطلق عليه اسم "أردي".
وأعلن العلماء أن اكتشاف "أردي" (http://en.wikipedia.org/wiki/Ardipithecus) يثبت أن البشر لم يتطوروا عن أسلاف يشبهون قردة الشمبانزي، مبطلين بذلك الافتراضات القديمة بأن الإنسان تطور من أصل قرد.
واعتبروا في تقريرهم بمجلة ساينس أن "أردي" واحدة من أسلاف البشر، وأن السلالات المنحدرة منها لم تكن قردة شمبانزي ولا أي نوع من القردة المعروفة حاليا. [/URL]
تفنيد ورد وتحدث الشيخ الزنداني عن جهود علماء المسلمين طوال القرنين الماضيين في تفنيد نظرية دارون والرد عليها، ورأى أن الاكتشاف الجديد يضاف إلى الأدلة الداحضة لنظرية التطور والنشوء والارتقاء.
وأشار إلى أن "القوى الاستعمارية التي كانت تحكم بلاد المسلمين كانت تريد أن تشكك المسلمين في دينهم، وكانت تروج لهذه النظرية وتقدمها بصور تجعل الناس يقتنعون بها، وتعطيها للطلاب بالمدارس الثانوية وهم لا يعرفون ما وراء الأكمة، لكن العلماء تصدوا لها ودحضوا هذه الأكاذيب".
وأضاف أن الكثير من أنصار نظرية دارون كانوا يقولون إن الأدلة غير كافية ولذلك لم يسموها نظرية وإنما فرضية، وهي أقل درجة من النظرية، وتتالت الاكتشافات العلمية حتى أصبحت كلمة "نظرية" دارون في الخمسين عاما الماضية عند العلماء تعتبر من أخبار "كان يا ما كان" ومن الأشياء الخرافية.
وتطرق الزنداني إلى مسألة الخلية، حيث كان يقول دارون إن الحياة تبدأ من الخلية، وكان يقول إن تفاعلات طبيعية وكيماوية أنتجت الخلية، ولكن العلماء وجدوا أن أصغر خلية هي أكبر من مدينة هائلة منظمة غاية في التنظيم، وأصبح بذلك القول إن الصدفة هي التي خلقت الخلية يعتبر كلاما فارغا، ولا يقبله عاقل.
وقال "إن فرضية دارون كانت تستغل في إطار معترك سياسي واستئصالي بين قادة العلوم الحديثة، والكنيسة في أوروبا التي أرادت أن تستأصل العلم لأنه خطيئة آدم الأولى، كما يزعمون".
وبعد انتصار قادة العلوم الحديثة -يضيف الزنداني- قاموا بفرض العلمانية وحصروا الكنيسة والنشاط الذي يمكن أن تمارسه، ومنعوها من التدخل في الشأن العام للناس، وأقاموا دولا علمانية، وفصلوا الدين عن الدولة.
المصدر: الجزيرة
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/542459BD-6DB4-405F-82AA-A7D4E28727CF.htm (http://www.sciencemag.org/ardipithecus/)
مجلة العلوم الأمريكية
[URL]http://www.sciencemag.org/ardipithecus/
القلب الحزين
13-12-2013, 04:34 PM
القرآن من الله تعالى وليس من البشر
إعداد عبد العزيز البوحجله
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1254471881quran.jpg
أما بعد يا إخواني فقد كثر الحديث والقول بان القران الكريم ليس بكلام الله عز وجل
فالبعض يقول انه كلام محمد صلى الله عليه وسلم، والبعض الآخر يقول أنه من عند الشيطان ( أوحاه لمحمد )، والبعض يقول أنه من عند الجان، وآخرون يقولون أنه من تأليف كتبة القرآن نفسهم من جمع القران.
أما أنا كمسلم فأقول أن القران الكريم من عند الله عز وجل، وسأثبت هذا إن شاء الله في هذه المقالة.
1-القرآن من محمد : وهذا من أكثر الأقوال جدلا عند غير المسلمين ولذلك سيكون الشرح فيه أطول من غيره من الأقاويل.
أ- لو كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو من ألف القران الكريم لما وضع كلمة ( قل ) في الآيات الموجهة إليه مباشرة مثل {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }التوبة105 فلو كنت مكانه لقلت ( اعملوا فسيرى الله عملكم ) وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أن الله هو من يلقن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول له في تفسير الآية ( يا محمد قل للناس أن يعملوا ما شاؤا فاني سأحاسبهم بأعمالهم ).
ب- لماذا لم يتم دمج الأحاديث النبوية مع القران الكريم في كتاب واحد مادام النبي هو من ألف القران الكريم فلو اطلعنا على الإنجيل لرأينا انه سيرة متكاملة عن أقوال وأفعال النبي عيسى ( الذي تعتبرونه إلاههم ) مع أن قراننا منعزل تماما عن أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وحتى لو كان فيه آيات تتحدث عن النبي فهي تتحدث إما عن حديث الله للرسول وعن قومه وإعطائه العقائد والتشريعات للدين الإسلامي أو تتحدث عن أمور قد حدثت مع النبي وقومه لإعطاء العبر لما يليهم من أقوام.
ج- لا يوجد أي شخص يكتب كتابا ويعاتب نفسه في ذلك الكتاب مثل ما هو موجود في القران في سورة عبس {عَبَسَ وَتَوَلَّى }عبس1، وحتى لو سلمنا جدلا انه ( النبي ) هو من وضع هذه الآية فلماذا يأتي بصيغة المجهول، يعني لو كنت مكانه لقلت ( عبست وتوليت ).
د- يقول البعض انه كان لمحمد صلى الله عليه وسلم مدّة 23 عام ليؤلف القران الكريم مع انه وفي بعض الأوقات كانت تنزل آيات على موقف مباشر مثلا عندما يأتي اليهود ليسألوا سيدنا محمد عن أمور تاريخية، أو عند بعض الغزوات، أو عند أمور الأفراد مثل {عَبَسَ وَتَوَلَّى }عبس1 أو {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }البقرة219، أو {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً }الكهف83.
ه- لو كنت مكان النبي لكرّمت بعض أصحابي وذكرتهم في القران مثل ( أبوبكر وعمر وعثمان وعلي ) رضوان الله عليهم ولكن لم يأتي ذكر أي من هؤلاء في القران مع أنهم أقوى أصحاب النبي وهم من ساندوه في رسالته الشريفة.
2- القران من الشيطان : وهذا من أكثر الأقاويل المضحكة ويدل على جهل صاحبه.
أ- لو كان الشيطان هو من ألف القران فلماذا اذا يسبّ ويشتم نفسه فيه.
ب- ولماذا أيضا يمجّد الله عزّ وجلّ.
ج- لو كنت مكان الشيطان لما ذكرت الحادثة عندما طلب مني الرب أن أسجد لأدم ورفضت من ثم طردني {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ }الأعراف11
3- القران من الجان :
أ- ما هي مصلحة الجان ليكتب كتابا يوجه به الناس.
ب- ولو فرضنا أن له مصلحة فلماذا تزامن هذا الكتاب مع محمد بالذات.
ج- ما علاقة الجان بالتشريعات داخل القران الكريم مثل الصلاة والصوم والزكاة وتفصيل الزنا وتفصيل الطلاق وأمور كثيرة.
4- القران من الكتبة نفسهم :
أ- لو كان الذين جمعوا القران هم أصلا من كتبه فمن المفروض أن يكون مثل الإنجيل ( يجمعوا كل قول وفعل للرسول الكريم ) مع أنهم فصلوا القران ( بعض الكلام ) عن السنة.
ب- ولو أنهم هم من ألفوه ونسبوه للإسلام وللنبي فلماذا لم يذكروا أي شيء لهم، فلو كنت مكانهم لوضعت أحدى السّور بأسمي أو أدخلت أسمي داخل الآيات أو على الأقل ذكرت أوصافي فيه حتى يتذكرني الجيل التالي.
ج- لو كنت مكان الذين جمعوا القران لما كتبت سورة عبس بصيغة المفرد ( عَبَسَ وَتَوَلَّى{1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى{2} وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى{3} ) عبس. فمن الطبيعي والبديهي أن أكتب بصيغة الجمع لأني لا أتحدث إلى شخص واحد وإنما أتحدث إلى أمة كاملة, ولذلك سوف أكتبها ( وما يدريكم لعله يزّكى ).
ومن هنا يا أخوان يتضح لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤلف القران بنفسه وإنما أوحي له به وأيضا لا الشيطان ولا الجان ولا حتى من جمع القران هم من كتبوه وإنما هو الله الذي لا اله إلا هو.
لمراسلة المؤلف:
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 04:35 PM
اللغة العامية.. والأماني الاستعمارية
إعداد الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسىhttp://www.quran-m.com/firas/ar_photo/125042469165658656.jpg
أستاذ علوم النبات في الجامعات المصرية
المبدأ الاستعماري القديم هو "فرّق تسد"، أي اجعل هناك خلافات بين الناس والشعوب لتفرّقهم فيسهل عليك سيادتهم واستعمارهم واستغلالهم وإذلالهم، ولتحقيق هذا المبدأ الاستعماري الخطير وضع الاستعمار الحدود الجغرافية كما هو الحال في اتفاقية (سايكس - بيكو) وتعمد إيجاد مناطق حدودية غير محددة المعالم لتصبح موضعا للشقاق والتنازع والفشل.
ومن أساليبه الاستعمارية إحياء النعرات والخلافات القبلية والمذهبية، وتدعيم العصبية الجاهلية، وإحياء اللهجات العامية واللغات المحلية لفصل الناس عن بعضهم بعضا، وقد دعا "سلامة موسى" من قبل إلى استخدام اللهجة العامية المصرية وتحويلها إلى لغة عامية رسمية تكتب بها المناهج والكتب وتستخدم في المراسلات والبحوث والدراسات بهدف فصل المصريين عن اللغة العربية والقرآن الكريم وباقي الدول العربية، ودعا "عبدالعزيز فهمي " إلى استخدام الحروف اللاتينية في كتابة اللغة العربية واللهجة المصرية، وقد فعل "كمال أتاتورك" ذلك مع الأتراك ما فصلهم عن تراثهم التركي الإسلامي المكتوب بالحروف العربية. وقد فشلت دعوتا سلامة موسى وعبدالعزيز فهمي وظلت مصر عربية إسلامية.
والآن توجد دعوة خبيثة على موسوعة "ويكبيديا" للكتابة باللغة العامية، ومن يفعل ذلك ويشجع عليه ويستخدمه يفصل نفسه عن لغة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ويصعب عليه بعد ذلك القراءة والكتابة باللغة العربية.
وتقوم المدارس الأجنبية الخاصة (مدارس اللغات) بنفس الدور الخبيث مع أطفالنا وأبنائنا في التعليم العام خاصة في مراحله الأولى التي يتم فيها تهذيب اللسان وتعويده إخراج الحروف العربية من مخارجها الصحيحة , كما تقوم بعض المحطات الفضائية والمواقع الإلكترونية بنفس الدور الخبيث والحاقد على اللغة العربية والإسلام .
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12504248286993.jpg
صورة لقسم اللغة العامية المصرية في الويكي بيديا (الموسوعة الحرة العالمية)
على شبابنا بالذات التنبه لما يحاك لنا في الخفاء، خاصة من غير المسلمين، والعَلمانيين (بفتح العين)، والصهاينة المسيحيين، والمحافظين الجدد، من التخطيط لتضييع اللغة العربية وتفريقنا بتحويل اللهجات المحلية إلى لغة للكتابة في الصحف وفي الإذاعات والفضائيات والمناهج الدراسية.
اللغة العربية أقوى لغة في تاريخ البشرية، اختارها الله سبحانه وتعالى لمعجزته المكتوبة والمقروءة (القرآن الكريم) وللسنة النبوية الصحيحة، وهي لغة جميلة ميسرة غنية وثرية.
علينا استخدام لغة عربية ميسرة في رسائلنا القصيرة (اس إم اس)، وفي كتاباتنا الصحفية، وفي مناهجنا الدراسية، والبعد عن الكلمات والعبارات العامية والمؤامرة الاستعمارية
اليهود أحيوا اللغة العبرية الميتة وكتبوا مناهجهم بها، ويستخدمونها في مؤتمراتهم الصحفية، وفي كتابة أسماء الشوارع ولافتات المدن والمرور، فمن العيب علينا أن نخضع بأيدينا لمخططات أعدائنا، أعداء الإسلام بالذات، ونحارب لغتنا العربية الجميلة، لغة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ولغة أهل الجنة بإذن الله.
غير المسلمين ليس عندهم معجزة كالقرآن بلغتهم، وخاصة في ديارنا العربية، لذلك يريدون منا أن نتخلى عن هويتنا ولغتنا العربية ونهبط إلى درك اللغة العامية ليكون اسم الله (القادر) الآدر والجادر، واسم الله (القهار) الأهار، واسم (السوق) السوء، و(المحبة) المهبة، و(الأنجال) الأندال، و(الجهال) اليهال، وهكذا تضيع لغتنا العربية بهذه اللغة العامية غير القابلة للفهم لغيرنا من العرب. هذا مخطط صليبي - صهيوني استعماري خطير علينا التنبه إليه والتحذير منه. "أبو أحمد"
أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى
www.nazme.net (http://www.nazme.net/)
القلب الحزين
13-12-2013, 04:36 PM
تحريف الكتاب المقدس
بقلم أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12495797385456334545454.jpg (http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12495796905454545454.jpg) ( صفحة من الكتاب المقدس وعليها كمّ لافت للنظر من الشطب والتعديل والتغيير والإضافات... فهل يمكن لمثل هذا العبث أن يوصف بأنه منزّل من عند الله ؟! ) أضغط على الصورة لتكبيرها
في السادس من شهر أكتوبر عام 2008 نشر موقع البى بى سى (http://news.bbc.co.uk/2/hi/uk_news/magazine/7651105.stm)، التابع لهيئة الإذاعة البريطانية، مقالا حول مخطوطة الكتاب المقدس المعروفة بإسم "السيناوية" – نسبة إلى سيناء، حيث تم العثور عليها في دير سانت كاترين منذ مائة وستين عاماً تقريبا، وللتمييز بينها وبين المخطوطة الأخرى التى ترجع أيضا إلى القرن الرابع والمعروفة باسم "الفاتيكانية".
وهما أقدم مخطوطتان معروفتان للكتاب المقدس وإن كانتا مكتوبتان باليونانية، أي أنهما ليستا النسخة الأصلية لذلك الكتاب المفترض فيه أن يكون مكتوبا بالآرامية، على الأقل فيما يخص العهد الجديد، أي بلغة يسوع..
وبخلاف الإشارة إلى كمّ التصويبات والتعديلات الموجودة على المخطوطة وفى كل صفحة منها، وهو ما يثبت يقينا أن ذلك النص لا يمكن أن يكون كلام الله، على حد قول رودجر بولطون كاتب المقال، الأمر الذي سوف يصدم العديد من الأتباع الذين يتصورون أن الكتاب المقدس الحالي، الذي بين أيديهم، منزّل من عند الله، فإن المقال كان يُعلن عن قرب إفتتاح الموقع الخاص بهذه المخطوطة، في الصيف المقبل، لتكون متاحة لكل من يريد الدراسة والاستزادة من معرفة كيفية صياغة وتكوين النصوص "المقدسة" عبر العصور ..
وبالفعل، كما كان معلناً في أكتوبر الماضي، تم افتتاح الموقع الخاص بمخطوطة سيناء فى شهر يوليو 2009، ورابطه هو:
www.codex-sinaiticus.net (http://www.codex-sinaiticus.net/)
وفى السادس والسابع من نفس الشهر أقيم بالمكتبة البريطانية مؤتمر علمي حول أصول مخطوطة الكتاب المقدس بعد تجميع أجزاؤها من أربعة أماكن مختلفة هي : المكتبة البريطانية، المكتبة القومية في روسيا، دير سانت كاترين بسيناء، ومكتبة جامعة لايبزج. ويبدو أن الالتزام بموعد الافتتاح طغى على إمكانية إتمام كل محتويات الموقع سواء فى عدد اللغات المعلنة أو فى ترجمة جميع النصوص.
وما يقال حول كيفية اكتشاف هذه المخطوطة وقصة انتقال أجزاؤها في تلك الأماكن الأربعة يتضمن بعض الغموض وشيء من اللا معقول – أي أن هناك ما يوجد بين السطور وما خلفها و.. ما يقال عليها، وذلك مثل كل ما يتعلق بكيفية نشأة وأصول المسيحية الحالية ! واختصاراً، يقولون أنه فى عام 1844 توجه أحد الباحثين الألمان، ويدعى قسطنطين فون تيشندورف C. Von Tischendorff المرسل إلى مصر فى مهمة إستطلاعية من قِبَل فريدريك أغسطس ملك ساكسونيا، ليزور دير سانت كاترين الأرثوذكسي... وفي تجواله في غرفة أحد الرهبان وقع نظره على سلة مهملات بجوار المدفأة، بها مخطوطات كانت فى طريقها لإعلاء سعير نيرانها ... وهذه الجزئية تحديداً ليست بغريبة فما أكثر المخطوطات التى استخدمها الرهبان للتدفئة، فهُم أول من يعلم بحقيقة قيمتها ... فمد الباحث يده من باب الفضول وإذا به يمسك بمائة تسع وعشرين صفحة مخطوطة من العهد القديم، المعروفة باسم السبعينية. فأخذها وأودعها مكتبة جامعة لايبزج.
وفى زيارة أخرى عام 1853 عثر على جزئين آخرين من العهد القديم، وفى زيارة ثالثة عام 1859 أخبره الراهب بما يحتفظ به لنفسه، وإذا به العهد الجديد كاملا .. إلا أن الراهب رفض أن يعطيه له، فسافر تيشندورف إلى القاهرة، إلى دير يتبع نفس الملة، وطلب استحضار المخطوطة من عند الراهب لإهدائها إلى القيصر الذي كان يقوم بتمويل الحفائر فى الموقع، وهو ما تم له فعلا ... وفى عام 1869 قام القيصر بإهداء سبعة آلاف روبيل لكل دير منهما، في القاهرة وفي سانت كاترين، مع بعض الهدايا العينية .. ولا يزال بدير سانت كاترين 33 الف مخطوطة، تعد أكبر مجموعة مخطوطات مسيحية خارج الفاتيكان.
وتكشف هذه الجزئية من تاريخ مخطوطة سيناء عن عدة مآخذ، أولها خطورة عمليات التنقيب عن الآثار التى تشرف عليها بعثات أجنبية ؛ سرقة الآثار والمخطوطات وسهولة الخروج بها من خلال المؤسسات الكنسية أو الدبلوماسية ؛ إهمال القساوسة وعدم إدراكهم لأهمية ما بين أيديهم من وثائق – فما أكثر ما ضاع وإبتلعته النيران أو فرّطوا فيه من أجل حفنة عملات على مر التاريخ، وهذه ليست بمعلومة جديدة وما أكثر من أشاروا إليها من المؤرخين والعلماء ..
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1223545523300px-katharinenkloster.jpg
صورة لدير سانت كاترين في سيناء
ومع تناثر أجزاء مخطوطة سيناء فى أربعة بلدان، يقال أنه فى عام 1933 قامت السلطات السوفييتية ببيع ما لديها من المخطوطة أو جزء منها إلى بريطانيا، بمبلغ مائة ألف جنيه إسترليني، وأودعت في المكتبة البريطانية. وفى شهر مارس عام 2005 تم الإتفاق بين المؤسسات الأربع لتجميع الأجزاء المتناثرة فى مكان واحد وعمل موقع لها وتصويرها رقمياً والقيام بعمل ترجمة علمية لنصوصها بالأربع لغات.
وأهم ما تكشف عنه مخطوطة سيناء هذه أن العهد الجديد كان يتضمن كتباً أو أسفاراً لم تعد توجد في العهد الجديد الحالي ومنها خاصة وجود إنجيل برناباً كاملاً وإنجيل الراعي هيرماس، اللذان تم إستبعادهما بعد ذلك؛ كما تكشف عن تغيير ترتيب الأسفار المعروفة حالياً..
وبخلاف إضافة أو إستبعاد بعض النصوص، فإن هذه المخطوطة تُسقط بكل تأكيد مصداقية هذه النصوص "المقدسة" : إذ بها كمّ لا تغفله عين من الطمس والإضافات والتغيير والتبديل فى كل صفحة – كما هو واضح في الصورة بأول المقال !. بينما يعلق دكتور سْكوت ماكّندريك ( Sc. Mckendrick) قائلاً في جريدة "لوموند" الفرنسية: "هذه المخطوطة تفتح نافذة واسعة على بدايات المسيحية وتقدم أدلة من الدرجة الأولى حول كيفية إنتقال الكتاب المقدس وصياغته من جيل إلى جيل"... ذلك لأن المخطوطة مليئة بالتصويبات المنتشرة فى كل صفحة من صفحاتها، وهى تصويبات قام بها ما لا يقل عن عشرة مصححون، والكثير من هذه التغييرات يقال أنه تم خاصة فى القرن السادس والسابع وإمتد حتى القرن الثانى عشر !
ويقول جون بورجن ( J. Burgon) عميد كلية وستمينستر: "إن عدم نقاء النص المتعلق بمخطوطة سيناء أو مخطوطة الفاتيكان ليس مجرد قضية رأي، وإنما هي حقيقة واقعة، فمخطوطة الفاتيكان تغفل كلمات أو جمل بأسرها فى أكثر من 1491 موضع، ومخطوطة سيناء مليئة بالأخطاء الظاهرة للعين المجردة ... أو بمعنى أدق: مخطوطة الفاتيكان تحذف 2877 كلمة، وتضيف 536 كلمة، وتبدّل معنى 935 كلمة، وتغيّر موضع 2098 كلمة، وتعديل 1132 كلمة، وهو ما يؤدى إلى 7578 اختلافاً حقيقياً في النص ؛ ومخطوطة سيناء أكثر فساداً إذ أنها تتضمن أكثر من 9000 إختلاف وتناقض "!!
وحتى القرن الرابع لم تكن المؤسسة الكنسية قد إستقرت بعد على إختيار الأناجيل التى ستحتفظ بها، من بين عشرات الأناجيل المتداولة، لذلك تم إنعقاد مجمع نيقية الأول عام 325، لتحديد هذا الإختيار وترسيخ عقيدة الإيمان بعد تعديلها لتأليه يسوع عليه السلام.. واستبعاد إنجيل برنابا بعد ذلك من العهد الجديد الحالي لا يرجع إلى أنه يتهم اليهود بقتل المسيح كما قيل، وليس الرومان، فذلك هو ما تؤكده رسائل بولس وأعمال الرسل التى تم الإحتفاظ بها، وإنما إستُبعد برنابا لأنه يشير صراحة إلى مجئ سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام – وهذه قضية أخرى ..
وإذا نظرنا إلى العهد الجديد عن قرب، فى مخطوطة سيناء، لوجدنا أنها تكشف أحياناً عن عكس ما يقوله يسوع فى الأناجيل الحالية ؛ كما لا توجد قصة المرأة الزانية التى كانت سترجم وأنقذها يسوع؛ ولا توجد العبارة التى قالها يسوع وهو على الصليب : "يا أبتاه إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا 23 : 34 ) ؛ كما لا تذكر المخطوطة شيئاً عن صعود المسيح إلى السماء، وبغياب هذا الدليل الذى يُعد من أسس الإيمان المسيحي ندرك إلى أي مدى تم نسج هذه الأناجيل وهذه العقيدة على مر العصور...
ومن أهم ما تكشف عنه هذه الآيات الغائبة عن هذا النص السيناوي، أن نهاية إنجيل مرقس كانت تقف عند العدد 8 من الإصحاح 16 التي تقول : " فخرجن سريعا وهربن من القبر لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن ولم يقلن لأحدٍ شيئاً لأنهن كن خائفات" !! وهذا يعنى أنهن لم يبلّغن عن وجود القبر خاوياً، وبالتالي فما من أحد قد علم بأن يسوع قد صحا من الموت أو أنه قد بُعث حياً كما تزعم المؤسسة الكنسية، فوفقا لما يقوله الإنجيل فى هذه المخطوطة التى ترجع لأواخر القرن الرابع، "لم يقلن لأحدٍ شيئاً لأنهن كن خائفات" ..
ومن الواضح أن الأعداد من 9 إلى 20 التى تمثل النهاية الحالية لإنجيل مرقس قد أضيفت لاحقا لتتمشى مع الإضافة التى تمت لإنجيل متّى وما بها من فرية أن يسوع قال : " إذهبوا وكرزوا كل الأمم باسم الآب والإبن والروح القدس"، فالثالوث لم يتم تأليفه وفرضه على الأتباع إلا فى مجمع القسطنطينية عام 381.. كما أن وجود الإشارة إلى الثالوث تؤكد أن مخطوطة سيناء ترجع إلى ما بعد عام 381 وليس إلى منتصف القرن الرابع ..
وهناك ملاحظة أقل أهمية فى إنجيل يوحنا : فهو ينتهي في المخطوطة بالإصحاح 21 عدد 24، أي إن مقولة العدد 25 غير موجودة، ومجرد الإطلاع على صياغتها فى الأناجيل الحالية يدرك القارئ إلى أى مدى المبالغة هى الأساس فى الدعوة إلى هذه العقيدة، ويقول العدد غير الوارد فى المخطوطة : " وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة. آمين" !!
كما أن النهاية الأصلية لهذا الإنجيل تكشف أن يوحنا المزعوم ليس كاتب هذا الإنجيل المعروف بإسمه، بدليل قول من كتبه : "هذا هو التلميذ الذى يشهد بهذا وكتب هذا ونعلم أن شهادته حق" ( يوحنا 21 : 24).
لذلك يقول أندريه بول فى موسوعة "أونيفرساليس" الفرنسية فى فصل الكتاب المقدس : " أن الكتاب المقدس قد تم تكوينه على مراحل، فهو مجموعة من الكتب المصاغة فى فترات مختلفة وتم تجميعها عبر تسعة قرون، بناء على روايات شفهية يتم تعديلها وتصحيحها وفقا للأحداث الجديدة ... وبفضل إكتشافات مخطوطات قمران تبيّن أن الكتاب المقدس ليس مجرد تراكمات عبر الزمان، وإنما هو نتيجة إختيارات إنتقائية لبعض النصوص وإستبعاد لبعضها الآخر " .. ولذلك أيضا يؤكد بارت إرمان ( B. Ehrman) عالم اللاهوت وأستاذ تاريخ الأديان بالولايات المتحدة قائلا: "أن الكتاب المقدس الذى بين أيدينا حالياً لا يمكن أن يكون كلام الله"...
والمتأمل فى الصورة المرفقة، وهى مجرد نموذج واحد لكل صفحة من صفحات مخطوطة سيناء، لا يملك إلا أن يُصدم من جبروت المؤسسة الكنسية، ومن كمّ الظلم والقهر الذى مارسته فى مسيرتها على مدى الفي عام، ولا نقول شيئاً عن قتل ملايين وملايين البشر لتفرض عقيدة محرّفة، مزورة بوضوح، نسجتها بالفريات على مر العصور، وها هى، مجرد مخطوطة تظهر إلى الوجود لتهدم فريات تلك المؤسسة بمجرد نظرة واحدة !
لذلك لا يسعنى إلا أن أقول بلا أى تجريح أو مؤاخذة، لكل الذين يساهمون عمداً أو عن جهل فى عمليات التنصير، الجارية حالياً في جميع أنحاء العالم الإسلامى، فما من واحد منهم مسئول عمّا تم فى مسيحيته من تحريف وفريات منذ نشأتها وعلى مر العصور : إتقوا الله فى الإسلام والمسلمين، فالدين عند الله هو الإسلام، التوحيد الحق، الذي نراه بكل وضوح فى سورة الإخلاص، التي كشفت وأدانت بتلك الآيات أهم ما تم فى المسيحية من تحريف وشرك بالله : " قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد "
إتقوا الله، بدلاً من إشعال الفتن، لفرض عقيدة لم يعد بخفى كيف نُسجت وكيف فُرضت ..
5 /8 / 2009
تستقبل الدكتورة زينب عبد العزيز رسائلكم وتعليقاتكم على المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 05:05 PM
جواب شائعة نيبيرو
د. محمد دودحhttp://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12486252351111111111111.jpg
الباحث العلمي بالهيئة العالمية
للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
[email protected]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
حول صحة شائعة كارثة عالمية بعد ثلاث سنوات لاقتراب كوكب نيبيرو يوم 21 أو 23 ديسمبر عام 2012 أو تكهنات سواه كعام 2022 أو 2029 قد أشاعها المنجمون وأنكرها الفلكيون؛ أقول مُستعينًا بالعلي القدير سائله تعالى العون والتسديد:
(1) شائعة ركيكة العبارة تفتقد للحبكة وتخالف العلم:
تصدق توقعات علم الفلك Astronomy (http://en.wikipedia.org/wiki/Astronomy) كموعد الكسوف لأنه يرصد أحداثا دورية تشهد للفطين بالعلم والاقتدار والإرادة والقصد وسبق التقديرPredestination ؛ وإلا ما وُجِدَ نظام Order, ولذا هو علم بريء من أوهام التنجيم Astrology, وليس الحساب الفلكي لموعد دوري كمولد الهلال سوى تسجيل قائم على مشاهدات وأرصاد سابقة لحركة دورية بانتظام, وفي صياغة ركيكة حوت جملة أخطاء علمية تكفي الفطين للقناعة بالافتعال شاع الخبر بأن ساعة خراب العالم التي خطها القدر ولا تأتي إلا بغتة بلا سابق معرفة أو إنذار ولا يعلم بموعدها بشر قد خرق المنجمون الحُجُب وعرفوا بموعد الوصول, ولم تكفهم خيبة الأمل في التكهن بالحدث عام 2003؛ وقد مر ولم يقع شيء فأعادوا ضرب الوَدَع لعله يصدقهم القول ولو مرة واحدة!.
وقد احتشدت الشائعة بجملة عبارات لا تمت للعلم اليوم بصلة تكشف فرية أو اغترار والوقوع ضحية لخديعة وتضليل؛ ومنها: "ظهور كوكب يعادل حجم الشمس.. ذو قوة مغناطيسية هائلة تعادل ما تحمله الشمس", وغفلت المبالغة عن المعرفة بأن كتلة الشمس تعادل أكثر من 99 (99.98)% من كل توابعها مجتمعة؛ فكيف إذن يُقارن بها أحد توابعها لو وُجِد!, ومنها: "الكوكب Nibiru سوف يمر بالقرب من الكرة الارضية على مسافة تمكن سكان شرق آسيا من رؤيته بكل وضوح عام 2009"؛ ونحن الآن عام 2009 ولا توجد في سلة الفلكيين أية معلومة عن اقتراب مذنب مدمر فضلا عن كوكب, ومنها: "القطب المغناطيسي الشمالي سيصبح هو القطب المغناطيسي الجنوبي والعكس صحيح.. وهذا ما يفسر طلوع الشمس من مغربها"؛ وفي التاريخ الجيولوجي شواهد على انعكاس القطبين المغناطيسيين سابقًا بغير انعكاس اتجاه دوران الأرض, ومنها: "هذا الكوكب يستغرق في دورانه 4100 سنه لإكمال دورة واحدة حول الشمس, أي أنه قد حدث له وأن أكمل دورته السابقة قبل 4100 سنة, وهذا ما يشرح لنا سبب إنقراض الديناصورات والحيوانات العملاقة قبل 4100 سنة.. وإنفصال القارت عن بعضها البعض (ما عرفناه بالانفجارالكبير)", وهنا قد بلغ الخلط والابتعاد عن ساحة الكشوف العلمية مدًى بعيد, فالمعلوم أن عمر الكون يُقارب 15 بليون سنة ولا يقل عن 10 بليون سنة وأن أم القارات كانت منذ حوالي 250 مليون سنة وأن انقراض الديناصور منذ حوالي 65 مليون سنة؛ فأين كل هذا من تاريخ بآلاف يسيرة دون عمر الحضارات!, ويكفي هذا القدر من الأخطاء العلمية لاستبعاد تلك الشائعة كليًّا عن ساحة العلوم التجريبية وقد خالفتها في مواضع جوهرية.
(2) الكوكب نيبيرو فرضية استبعدتها الكشوف العلمية:
يُعتبر الجرم المسمى إيريس Eris أكبر كوكب قزم Dwarf planet في النظام الشمسي ويبلغ قطره 2500 كم وتزيد كتلته وحجمه قليلاً عن بلوتو Pluto، وقد اكتشفه مايك براون Mike Brown وفريقه في 5 يناير عام 2005 في مرصد بالومار Palomar Observatory، ويتبعه قمر واحد قطره أقل من 150 كم ويسمى ديسنوميا Dysnomia، وإيريس أحد ألمع أربعة أجرام بعيدة في حدود منطقة حزام كوبر Kuiper belt من المذنبات، والثلاثة الأخرى هي بلوتو وماكيماك Makemake وهوميا Haumea، واختار الإتحاد العالمي للفلكيين International Astronomical Union IAU في 24 أغسطس عام 2006 اعتبار إيريس من الكواكب الأقزام بالإضافة إلى الأجرام سيرس Ceres وهوميا وماكيماك، وأيدت وكالة ناسا NASA مكتشفيه في اعتباره الكوكب العاشر في النظام الشمسي، وهو يبعد عن الشمس حوالي ثلاث مرات بُعد بلوتو، وباستثناء أسراب المذنبات يعتبر إيريس أبعد جرم معروف حتى الآن في النظام الشمسي, وعلى ذلك فإنَّ الكوكب العاشر الذي احتملوا وجوده سابقًا منذ عام 1983 قد رُصِدَ بالفعل وعُرِفَت مواصفاته الفلكية، ولم يَعُد مجال للكوكب المفترض والذي سمي نيبيرو Nibiru نسبه إلى المعبود في العقائد الوثنية لحضارات ما بين النهرين أو الكوكب إكس X باعتباره مجهول الهوية، وقد حاك البعض حوله جملة توقعات منها تدمير الأرض, وفاتهم أن تلك أوصاف مذنب إن صح الحدث وليس كوكبًا، واختير لساعة الخراب يوم 21 أو 23 ديسمبر عام 2012, وعند بعضهم عام 2022 وعند غيرهم عام 2029؛ والاختلاف سمة التكهنات, وتلمسوا تبريرات منها التوفيق مع نهاية دورة في معتقدات الكهنة والمنجمين عند
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1248625305172998main2_david-morrison.jpg
صورة البروفيسور ديفيد موريسون
الماياMaya , ودورات تغير الأحوال عندهم متعددة؛ منها كل 260 سنة و520 سنة و26 ألف سنة و104 ألف سنة, فلم إذن الاستناد لقيمة دون سوها!, وبناء على تلك التكهنات استلهم الروائي باتريك جيريل Patrick Geryl روايته حول نهاية الحضارة، وفيها سينعكس الاتجاه المغناطيسي للأرض باقتراب نيبيرو وتحل الكوارث المدمرة كالأعاصير والفيضانات والزلازل والبراكين وتقع المجاعة وقد تُنتزع قشرة الأرض فقدَّم مادة ثرية لوسائل الدعاية والإثارة، وبالمثل عملت صناعة الأفلام على إضفاء شيء من الواقعية على القصة لإثارة الفضول وإشاعة هوس عارم طلبًا للثراء, وخطر الرجم النيزكي وسقوط فُتات المذنبات مُحتمل في كل وقت؛ ولكن ادعاء معرفة الموعد باليوم بلا سندٍ علمي يكشف غرضًا خفيًّا؛ مما أثار شكوك المحققين خاصة مع نفي وكالة ناسا للشائعة.
(3) وكالة ناسا للفضاء كذبت الشائعة:
التوقعات الفلكية لعام 2012 معلومة كمواعيد الاقتران والكسوف والخسوف وليس منها اقتراب كوكب
نيبيرو المزعوم, قال البروفيسور ديفيد موريسون David Morrison أحد علماء ناسا في 31 يناير 2008: "لم تُعلن وكالة ناسا عن اكتشاف كوكب سمته نيبيرو على الإطلاق، إنه مختلق وملفق وزائف Fake، ولا يوجد دليل علمي على وقوع حدث فلكي غير اعتيادي قائم على الحسابات الفلكية عام 2012 فضلا عن تدمير الأرض، إنه ليس إلا أسطورة قديمة، ولا غرض منه سوى إفزاع الناس بقصص مختلقة ليس لها أساس في الواقع"، ووصفه في 7 فبراير 2008 أنه: "مريب Fishy وخدعة Hoax وإشاعة Buzz تعتمد على التنجيم وترتبط بالمعبود الوثني ماردوك Marduk الذي يرمز غالبًا عند السومريين والبابليين إلى المشتري Jupiter"؛ ويؤيده تكذيب التاريخ لسبق إعلان دمار الأرض بكوكب نيبيرو المزعوم هذا عام 2003 ولم يقع شيء، وشهادة الواقع برهان قاطع, ولا يَملك مُغرض أن يُجادله ويُعارضه؛ فهو الذي يكشف الدَّجَل والخِدَاع ويُعلن الحقيقة سَاطعةً.
(4) شائعة مشبوهة:
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12486252682.jpgالصهيونية والجماعات العنصرية الداعمة تنتظر بفارغ الصبر حدثًا كونيًًّا يهز أركان المسجد الأقصى ليحل محله هيكل سابق التجهيز, ويبدأ تقويم عالمي جديد يعقب الإجهاز يوم الصفر Zero Day على الخصوم؛ الممانعين والمستسلمين على سواء, ومع رفع علم الحكومة العالمية يُفرض النظام العالمي الجديد, هكذا يستريب جملة من المراقبين ويعتبرون الأحداث إرهاصات حملة عنصرية بافتعال ذرائع مزيفة تفضحها أقدمية المخططات ضد شعوب مسالمة معتقدها الإسلام, وبديهي أن تستريب نظرية المؤامرة تلك بتحديد موعد اقتراب كوكب لا تؤيده الأرصاد وكأن الحدث فلكي مبني على أرصاد, وتُغالب المستريبين الشكوك: أهو حقا كوكب منتظر أم إرهاصات الدجال المنتظر!, وتذهب مخاوفهم إلى أن الإبادة الجماعية للهنود الحمر واحتلال أراضي الشعوب باسم الصليب وبزعم نشر الحضارة والحرية والديمقراطية والسلام ليست نهاية أماني الطامعين, فالأعور المُنتظر ذي العين الواحدة على قمة هرم الدجل والتضليل وضعوه شعارًا على كل دولار, وما زال يتربص بالعالم كله ويترصد الأحداث ليفترس كل الأرض تعجزه المفاجآت, وليس الاعتداء اليوم على بلاد الإسلام مجرد ردة فعل كما تشهد للفطين عبارة كتبت دون شعار الماسون؛ هي: "النظام الجديد لكل العصور", فالعبارة المكتوبة باللاتينية NOVUS ORDO SECLORUM تعني بالإنجليزية New Order of the Ages , أي "النظام الجديد لكل العصور", وهو نفس مضمون المصطلح الحديث: النظام العالمي الجديد New World Order, ويؤيدها القلق من تزايد عدد المسلمين حتى قيل: "إن المسلمين سيشكلون حوالي نصف عدد سكان العالم عام 2012", وأماني الطامعين تُغريها غيبة استعداد الغافلين, ولكن التاريخ ينتظر مفاجأة؛ فكم صنعت القدرة العلية بالطغاة من غرائب الانتقام, وكم يُخفي المجهول من عجائب قدرة الله تعالى وخفي تدبيره مع المستكبرين.
(5) تفويض أنباء الغيب أسلم طريق:
على غير سابقة في أي كتاب آخر يُنسب للوحي يعلن القرآن الكريم في جملة مضامين بأن الأخطار تُحيط بالإنسان من كل جانب وأن وقوع الكوارث لا يُستبعد في أي وقت إلى أن تحل ساعة نهاية البشرية فيحل الدمار بالكوكب وتخرب الأرض, ولذا يستحيل قبل اكتشاف المناظير وتقدم المعارف أن تكون تلك النظرة العلمية الشاملة للعالم كله في الكتاب العزيز قول بشر, ومع تفرد الكتاب العزيز بالتحدي بالعلم بخفايا التكوين وفيضه بدلالات علمية لا يمكن أن ترد على خاطر بشر زمن التنزيل قد حجب ساعة خراب الأرض وجعل الأحداث الكونية البعيدة من الغيب الذي لا يطلع عليه أحد فأضاف لدلائل الوحي مأثرة؛ ولو كانت أطراف الكون في تقارب وقوى الدمار ساعية نحو الأرض بأقصى سرعة مقدرة للانتقال فلن تصل إلا بغتة, فلو انفجرت الشمس مثلا فلن يدرك الحدث بشر وسيظل يعاينها مدة حوالي ثمان دقائق ساطعة كما هي حتى يبلغه الحدث فجأة, وصدق القائل: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ الأعراف 187, فتأمل الروائع خاصة في بيئة بدوية لا يتجاوز أفق ثقافتها حدود بيئتها وغاية مخيلتها إمكان بلوغ السماء بسلم, فالمستند الوثيق إذن هو الكتاب العزيز توافقه حقائق التكوين كما كشفها العلم حمايةً للنابهين من الاغترار بأكذوبة أو الوقوع فريسة لتضليل.
ومع رواج قصة نيبيرو يَتَعَجَّل البعض ويفسر المأثور باقترابه فيفترض تباطؤ حركة الأرض حول نفسها، أو انعكاسها لتشرق الشمس من مغربها ثم تعود تدريجيًّا فيصبح اليوم كسنة ثم كشهر ثم كأسبوع حتى يكون طوله كأيامنا المعتادة، ويصرح بأنَّ النهاية على الأبواب كخروج الدجال ملك اليهود ليصنع مملكة يمتد سلطانها إلى كل الأرض بعد حرب عالمية ثالثة وشيكة قد تكون بداية خيبة أمل الطامعين وفشل مؤامرة فرض نظام عالمي جديد استمر إعدادها قرون؛ حتى قال أحد الفضلاء: "متى يحل يوم الغضب.. ومتى تُفك قُيود القدس؟، إن كان تحديد دانيال صحيحًا بأن الفترة بين الكرب والفرج هي 45 عاماً؛ فنقول.. ستكون النهاية أو بداية النهاية: (سنة 1967 تَغَلُّب إسرائيل) + 45 = 2012"، وجعلها غيره سنة 2022 أو 2029، ولكن هل يملك بشر الجزم بموعد تحقق الأنباء!؛ فلا يعلم الغيوب وما تُخفيه الأيام من تقلبات إلا مُدَبِّر الأمر علام الغيوب وحده تعالى، والأسلم إذن هو التفويض والتسليم بلا تكييف ولا إنكار حتى تتحقَّق الأنباء في الواقع وتفسرها الأيام, وفي رواية الشيخين لنا عبرة في قوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن موعد الساعة: "وماذا أعددت لها؟".
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 05:07 PM
إشارات الحيوان بين القرآن الكريم والكتاب المقدس
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1244741310180px-jumpingrabbit.jpg
التوراة تحرم الأرنب لأنه مجتر وهذا غير صحيح فالأنب حيوان غير مجتر د.عاطف الهندي – الأردن
أفضل الكلام كلام الله وخير ما أبتدئ به كلامي قوله سبحانه وتعالى:{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }الفرقان33، وقوله :{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فصلت42 يُقرأ القرآن في مشارق الأرض ومغاربها فلا تجد له تبديلاً أو تحويلاً أو غريباً {قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الزمر28، ولا تجد من يقول أين الحقائق العلمية الواردة في القرآن فباعتراف العالم وبالتحديد الغرب وبالأخص المشاهير الذين أسلموا فقد أجمعوا على أن القرآن هو دافعهم للإسلام ولقد أجمعوا على أنه الكتاب الديني العلمي الوحيد الذي يتكلم عن الحقائق العلمية ويعطي أجوبة لأسئلة كثيرة حيرت البشرية كمثل أساس الكون وأساس وتطور الخلق وغير ذلك الكثير.
هل تتصورون كيف أن عالِماً غربياً غير مسلم يحصل على جائزة نوبل في وضع نظرية لتفسير الانفجار العظيم الذي أوجد الكون وتكون هي نفس نظرية الرتق والفتق الواردة في القرآن ثم يأتي علينا من جلدتنا من يقول لنا لماذا هم القلة عدداً والأكثرية في جوائز نوبل وغيرها وكأنه جعل على بصره غشاوة أو كأن في أذنيه وقر لا سمح الله! ألم يدري أن القلة الذين سمح لهم بأخذ جوائز نوبل من العرب أو المسلمين هم ممن داروا في فلكهم وألقوا محاضرات في جامعاتهم أو ممن دافعوا عنهم وأحبوا طريقتهم التي لم ولن تكن يوماً المثلى.
في هذا المقال أتناول بعض الإشارات الحيوانية في الكتاب المقدس وأقارنها بما جاء فيها من القرآن الكريم :يوجد نصان في الكتاب المقدس(بالتحديد في العهد القديم أو التوراة) يقولا أن سبب تحريم الأرنب لأنه يجتر ولأنه غير مشقوق الظلف( أو غير مظلف) والنصوص هي:
1 وَالأَرْنَبَ لأَنَّهُ يَجْتَرُّ لَكِنَّهُ لاَ يَشُقُّ ظِلْفاً فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ.(لاويين 11: 6)
2 الجَمَلُ وَالأَرْنَبُ وَالوَبْرُ * لأَنَّهَا تَجْتَرُّ لكِنَّهَا لا تَشُقُّ ظِلفاً فَهِيَ نَجِسَةٌ لكُمْ.(تثنية14: 7)
* : الوبر في النسخة الإنكليزية للكتاب المقدس كتبت coney وهو الأرنب الأوروبي حسب معجم المورد (هل عرفت التوراة أوروبا من قبل وهي التي سطرت أحداثها في الشرق الأوسط لا غير ) وفي النسخة العبرية للتوراة كتبت ( שפן) وتلفظ (شافان) وبحثت في المعاجم اليهودية عن الشافان فلم أجد المذكور.
تعرّف المجترات (Ruminants (http://en.wikipedia.org/wiki/Ruminants)) بأنها هي حيوانات عديدة المعدة (multigastric) وهذا هو السبب الذي يسمح لها بتخزين الطعام ومن ثم باجتراره (أي باسترجاعه وطحنه من جديد) وقت راحتها وتضم - في مفهومنا الإسلامي - الأنعام (الضأن والماعز والبقر والإبل) والغزلان وكثير من الحيوانات البرية العاشبة (التي تأكل العشب).
وعند الحديث عن تصنيف الأرنب فإنها فزيولوجياً تعتبر وحيدة المعدة (Monogastric (http://en.wikipedia.org/wiki/Monogastric)) وليست من المجترات أبداً.
وكان القرآن أصدق تعبيراً في بيان سبب تحريم الأرنب عند اليهود نسخاً عن التوراة الحق فقال: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ }الأنعام146
أما الإبل فقد جاء في تحريمها : الْجَمَلَ لأَنَّهُ يَجْتَرُّ لَكِنَّهُ لاَ يَشُقُّ ظِلْفاً فَهُوَ نَجِسٌ لَكُمْ..(لاويين 11: 4) حقيقة ًالإبل يعتبر شبه مشقوق فهو مشقوق من أمام لكن غير كامل يعني شق قدمه ليس لأعلى. ولكن لماذا لم يشق الله له ظلف تماماً وجعل له بدلاً من ذلك وسادة الخف ؛معروف! لكي يستطيع السير على رمال الصحراء.
ويوجد سبب آخر لتحريم اليهود للإبل أنهم اقتدوا بالنبي يعقوب (إسرائيل) عليه السلام الذي نذر على نفسه أن يحرمها من أطيب الطعام عنده وهو لحم الإبل فحرّم على نفسه ذلك واتبعه اليهود في ذلك وتكفّل النساخون والمحرفون في وضع نصوص التحريم لذلك {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }آل عمران93.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1244741493240px-07._camel_profile,_near_silverton,_nsw,_07.0
التوراة تحرم لحم الجمل لأنه ليس له ظلف
وإليك هذا النص: (وَلَمَّا رَجَعَ بَعْدَ أَيَّامٍ لِيَأْخُذَهَا مَالَ لِيَرَى رِمَّةَ الأَسَدِ, وَإِذَا جَمَاعَةٌ النَّحْلِ فِي جَوْفِ الأَسَدِ مَعَ عَسَل)ٍ.(قضاة 14: 8) فالنحل يتخذ من جوف رمة الأسد بيوتاً قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ }النحل68 وجعل بناء بيوت النحل وحياً وليس غريزة ولا حتى عقلاً أو تفكيراً فبناء النحل لبيوته يكون في شيء أعلى من الأرض كالجبال والأشجار وما يعرشه البشر من سقوف وغيره من المناحل الخشبية ولا تبني النحل بيوتها في شيء ساقط أرضي ونتن كجوف رمِّة أسد.
وإليك هذه النصوص: 20 وَكُلُّ دَبِيبِ الطَّيْرِ* الْمَاشِي عَلَى أَرْبَعٍ. فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَكُمْ. 21 إِلَّا هَذَا تَأْكُلُونَهُ مِنْ جَمِيعِ دَبِيبِ الطَّيْرِ الْمَاشِي عَلَى أَرْبَعٍ: مَا لَهُ كُرَاعَانِ فَوْقَ رِجْلَيْهِ يَثِبُ بِهِمَا عَلَى الأَرْضِ. 22هَذَا مِنْهُ تَأْكُلُونَ الْجَرَادُ عَلَى أَجْنَاسِهِ وَالدَّبَا عَلَى أَجْنَاسِهِ وَالْحَرْجُوانُ عَلَى أَجْنَاسِهِ وَالْجُنْدُبُ عَلَى أَجْنَاسِهِ. 23 لَكِنْ سَائِرُ دَبِيبِ الطَّيْرِ الَّذِي لَهُ أَرْبَعُ أَرْجُلٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَكُمْ. 24 مِنْ هَذِهِ تَتَنَجَّسُونَ. كُلُّ مَنْ مَسَّ جُثَثَهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ 25 وَكُلُّ مَنْ حَمَلَ مِنْ جُثَثِهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ.(لاويين 11: 20-25).
في النسخة الإلكترونية وردت كلمة (دبيب الطير) لتعبر عن (حشرة) واللفظ (كراعان فوق رجليه ) لكن في الكتاب المقدس النسخة العربية وردت كلمة (حشرة) والنص (ما له ساقان أطول من يديه) بدل الكراعان فوق رجليه وفي الكتاب المقدس النسخة الإنكليزية رواية الملك جيمس وردت كلمة( fowl) بمعنى دجاجة أو طائر والنص(have legs above their feet) بمعنى من له ساقين فوق القدمين وفي النسخة العبرية وردت كلمة (שצץ) وتلفظ (شيريتس) بمعنى حشرة وورد النص (לא כרעים ממעל לרגליו) وتلفظ (لــَ كُرعيم ممعل لرغلـِـو) بمعنى له كراعان أعلى رجليه و(الكراع) باللغة العربية بضم الكاف وفتح الراء هو الساق الحديث في كل النسخ باختلاف الألفاظ عن الحشرات التي لها أربع أرجل ولا نعلم أين هذه الحشرات ؟! فكل من يصنف حشرة يكون لها 6 أرجل وعليه لا يعتبر العنكبوت حشرة لأنه لديه 8 أرجل- ليس موضوعنا.
وإذا كان الحديث عن الطيور(fowl) فأين الطيور التي لها أربع أرجل ؟!
انظر للنص المقابل في القرآن الكريم: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }النور.45
وكأن النص الملاصق لأربع (يخلق الله ما يشاء) يقول هناك أكثر من أربع بل هو كذلك فهناك ستة أرجل للحشرات وثمانية للعناكب والأخطبوط وهناك الأربعة والأربعين وهناك المئة.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12447417842602335813_f3d4a5e427.jpg
التوراة تدعو إلى أخذ الفراخ من تحت الأم لترويعها
وإليك هذا النص: إِذَا اتَّفَقَ قُدَّامَكَ عُشُّ طَائِرٍ فِي الطَّرِيقِ فِي شَجَرَةٍ مَا أَوْ عَلى الأَرْضِ فِيهِ فِرَاخٌ أَوْ بَيْضٌ وَالأُمُّ حَاضِنَةٌ الفِرَاخَ أَوِ البَيْضَ فَلا تَأْخُذِ الأُمَّ مَعَ الأَوْلادِ. 7أَطْلِقِ الأُمَّ وَخُذْ لِنَفْسِكَ الأَوْلادَ لِيَكُونَ لكَ خَيْرٌ وَتُطِيل الأَيَّامَ.(التثنية 22: 6-7).
تخيل النص " والأم حاضنة الفراخ أو البيض.....وخذ لنفسك الأولاد" ! أين جمعيات الرفق بالحيوان وجمعيات المحافظة على الطبيعة والأحياء البرية من هذا النص وانظر في المقابل المشرق لهذا النص في سنتنا الشريفة: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ فَجَاءَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا ».(من سنن أبي داوود).
لقد حرم الإسلام فجع الأم بفراخها وقت التفريخ ومنع عموم أنواع الصيد في وقت الحج (وتصادف هذه الأوقات في الأشهر الحرم).
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ }المائدة95.
وإليك هذا النص : (وَإِذَا نَطَحَ ثَوْرُ إِنْسَانٍ ثَوْرَ صَاحِبِهِ فَمَاتَ يَبِيعَانِ الثَّوْرَ الْحَيَّ وَيَقْتَسِمَانِ ثَمَنَهُ. وَالْمَيِّتُ أَيْضاً يَقْتَسِمَانِهِ). (الخروج 21: 35).
كيف يُقسّم الميت هل بالثمن أم بالأكل وفي كلا الحالتين لا يجوز الانتفاع بالميتة لا في الطعام ولا في البيع لتذهب علف حيواني : لأن من يأكل من شيء طيب يصير إلى طيب ومن يأكل ميتة باختلاف الأمم (وأقصد البشر وغيرهم من الحيوانات) يصير إلى شخصية ضارية جارحة غير طيبة وعدائية تصل إلى السعار قال تعالى :{وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ{ الأنعام 139 وانظر لأصناف اللحوم المتردية المحرمة المفصلة في هذه الآية وخاصة النطيحة }.
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3 .
وإليك هذه النصوص : (إِذَا سَرِقَ إِنْسَانٌ ثَوْراً أَوْ شَاةً فَذَبَحَهُ أَوْ بَاعَهُ يُعَوِّضُ عَنِ الثَّوْرِ بِخَمْسَةِ ثِيرَانٍ وَعَنِ الشَّاةِ بِأَرْبَعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ. 2 إِنْ وُجِدَ السَّارِقُ وَهُوَ يَنْقُبُ فَضُرِبَ وَمَاتَ فَلَيْسَ لَهُ دَمٌ. 3 وَلَكِنْ إِنْ أَشْرَقَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَلَهُ دَمٌ. إِنَّهُ يُعَوِّضُ. إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يُبَعْ بِسِرْقَتِهِ. 4 إِنْ وُجِدَتِ السِّرْقَةُ فِي يَدِهِ حَيَّةً ثَوْراً كَانَتْ أَمْ حِمَاراً أَمْ شَاةً يُعَوِّضُ بِاثْنَيْنِ. 5 إِذَا رَعَى إِنْسَانٌ حَقْلاً أَوْ كَرْماً وَسَرَّحَ مَوَاشِيَهُ فَرَعَتْ فِي حَقْلِ غَيْرِهِ فَمِنْ أَجْوَدِ حَقْلِهِ وَأَجْوَدِ كَرْمِهِ يُعَوِّضُ. (الخروج 22: 1-5)
1. بالنسبة للسرقة قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }المائدة 38 فلا يجوز التعويض عن السرقة بأضعافها وتترك عقوبة الردع في حق السرقة وأين العدل في ربا السرقات(التعويض)؟ لقد منع الفاروق عمر حد السرقة في وقت المجاعة !
2 في العبارة الأخيرة يوجد حكم توراتي بتعويض الزروع بالأضعاف أيضاً ولقد ورد في قصص القرآن في مثل هذه الحالات حكماً مغايراً أكثر حكمة ورأفة ودين {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ 79 فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } (الأنبياء78 -79) حيث قال سليمان الحكيم بأن ينتفع صاحب الحرث بدرها ونسلها وصوفها ذلك العام إلى أن يعود الحرث كما كان بإصلاح صاحب الغنم الحرث المصاب(الذي ينتفع به ذلك العام) ومن ثم يردها إليه أعطني نص سبقي لأي كتاب ديني أو علمي على وجه الأرض من عهد الديناصورات وحتى وقتنا هذا يشابه هذا النص :{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ }النحل66 فلو توقف القرآن عند (مما في بطونه) لتهجم من تهجم أين شراب البطون ولكن عندما أكمل بأن اللبن الخالص السائغ يأتي مُصنّعاً ،مُدمَجاً ومُحضّراً بتجانس ومُكثـّف (بدون استعمال مواد التكثيف أو الاستحلاب أو التثبيت أو المواد الحافظة) من مواد ناتجة عن تخمر الفرث (محتوى الكرش عند الأنعام) فقال النص القرآني أنها موجودة بين الفرث والتي تعبر إلى دم الحيوان عبر جدار الكرش وأيضاً من مواد في الدم موجودة بالأصل جاءت من امتصاص المواد الغذائية كالسكر والدهن والبروتين.
وانظر لهذا النص عن صنع شراب النحل {ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }النحل69
1 فالعسل يصنع في بطون النحل ويخرج كذلك من بطونها
2. للنحل بطون وليس بطن واحد فالجهاز الهضمي عبارة عن 3 بطون مفتوحة على بعض يمثل العلوي منه ما يشبه المريء والوسطي ما يمثل المعدة والأخير هو المعي.
3. تفرز النحل شراب مختلف ألوانه (وقد تكون ألوانه بمعنى ضروبه من عسل وغذاء ملكي وشمع).
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 05:09 PM
الكفن المقدس .. وستة قرون من الخداع
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1241147879hb_suaire.jpg
صورة للمؤرخ الفرنسي هنري بروخ
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
تحت هذا العنوان الكاشف أعرب المؤرخ الفرنسي هنري بروخ Henri BROCH لد[1]،في كتابه حول ظواهر ما وراء الطبيعة الصادر عام 1989، عن رأيه العلمي في تاريخ وخبايا ما يُطلق عليه "الكفن المقدس" أو "كفن تورينو" (نسبة إلى مدينة تورينو الإيطالية حيث يوجد محفوظا بكاتدرائيتها حاليا)، ويقصد به الكفن الذي تم فيه تكفين يسوع بعد صلبه كما يقولون.. وهو ليس بالكفن العادي لأنه عبارة عن قطعة نسيج طولها أربعة أمتار وثلث تقريبا، مطبوع عليها صورة جثمان يسوع من الأمام والخلف، ويقدمونها للأتباع على إنها تحمل الأثر الحقيقي أو الطبعة الحقيقية لجثمانه وأنها الدليل القاطع على موته ودفنه وبعثه – بما إنهم وجدوا القبر خالياً من صاحبه والكفن مطوياً على الأرض ! ومجرد هذه المعلومة الإنجيلية تستوجب التساؤل حول كيفية قيامه من الموت وفك أربطة الكفن بنفسه، وهو مكبّل به، وطيه ووضعه جانبا .. ثم : من أين له بالثياب التي خرج بها ليظهر للناس فكل القبور خالية حتما من الثياب، بل ولا توجد بها أية ملابس ولو من باب الاحتياط ؟؟!
ولا شك في أن قصة ذلك الكفن من النماذج الصارخة الدالة على مدى الصراع الذي تخوضه المؤسسة الكنسية من أجل تثبيت عقائد المسيحية الحالية التي نسجتها على مر التاريخ. فما من أثر تاريخي قد دارت حوله المعارك مثل ذلك الكفن.. ولا يزال، فالمسلسل متواصل – وفقا لما أعلنه الفاتيكان، حتى عام 2010 كما سنرى..
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12411485962020107252.jpg
صورة لغلاف كتاب ما وراء الطبيعة لهنري بروخ
وترجع قصة "الكفن المقدس" إلى منتصف القرن الرابع عشر، عند أول ظهور له في التاريخ عندما قامت صاحبته، أرملة الفارس جوفروا الأول من شارنى، بعرضه سنة 1357 في الكنيسة التي بناها له زوجها الفارس الراحل في بلدة ليرى. وفى عام 1360 قام أسقف مدينة طروادة بمنع عرض هذا الكفن على أنه مزيّف حيث أن الأناجيل لا تذكره.. وفى عام 1389 فرض البابا كليمنت السابع عرض الكفن على الجمهور، إلا أن المسودّة المكتوبة في 6 يناير 1390 يشير فيها إلى انه لا يمثل يسوع. لكن هذه العبارة قد اختفت من النص النهائي، الصادر في أول يونيو 1390، حيث أعلن البابا انه سيمنح الغفران لكل من يزور الكنيسة التي تضم الكفن في بلدة ليرى ويتبرك به.. وفرض عقاب الصمت على أسقف طروادة وهدده بالحرمان والطرد من الكنيسة.. ولأول مرة يعلن البابا كليمنت السابع رسميا عن أن وجه يسوع مطبوع على الكفن !. والطريف أن الأقوال تتضارب حتى في هذه النصوص ما بين "المنديل" الذي عليه طبعة وجه يسوع أو "الكفن" الذي عليه آثار طبعة جثمانه كاملا من الأمام والخلف !. غير أن كفّة "الكفن المقدس" هي الأربح في خضم هذه المعارك.
بينما يوضح كلا من ك. أ. ستيفنصن وج. ر. هابرماس في كتاب لهما عن "الحقيقة حول كفن تورينو" الصادر عام 1981، أن أرملة الفارس جوفروا استطاعت الحصول على الموافقة بعرضه أيام الأعياد.. مما أثار غضب أسقف طروادة فاشتكى إلى الملك شارل السادس الذي أمر بمصادرة الكفن.. ومع عدم توقف المحاولات لإعادة عرضه، قام الأسقف بكتابة مذكرة لبابا روما ليحيطه علما بأن كافة القائمين على إبراشيته يعلمون أن هذا الكفن مزيّف، موضحا أن الأسقف الأسبق، هنرى دى بواتييه، كان قد أكد له أن الكفن مزيّف، وأن أحد الفنانين قد قام بتزويره لجلب الجماهير والتكسب من هباتها، مضيفا: "بعد تحقيق دقيق وتحليل لمختلف الوقائع والأحداث تبيّن ان ذلك الكفن عبارة عن عملية تزوير، فقد تم رسمه بمهارة، أى أنه من صنع البشر وليس بمعجزة" .. وقد تكون هذه العبارة هى التى جعلت البابا يفرض عليه عقوبة الصمت، (صفحة 134) ..
وفى عام 1449 قام الأب توما من دير السستريين والأب هنرى بيكل بالإعلان رسميا قائلين : " أن الخطوط الخارجية لأطراف يسوع مرسومة بمهارة فنية عالية" .. أي انه معروف منذ البداية أنه مزوَّر.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مشوار المؤسسة الكنسية مع التزوير والتحريف معروف على مدى التاريخ، نذكر منه على سبيل المثال : وثيقة هبة قسطنطين، فتاوى إيزدورا، ودستور سيلفستر، ومرسوم جراسيان، وكمّ لا حصر له من الوثائق المزوّرة الأخرى وكل واحدة منها تكشف عن محاولة سيطرة روما على أحد الملوك أو على مزيد من الأراضي والامتيازات.. ومنها أيضا بدعة "صناعة" وعبادة القديسين، و"فبركة" آثارهم للتبرك، وهى بدعة لم تبدأ تاريخيا إلا فى القرن الخامس الميلادى!.
ورغمها، تزايدت عروض "الكفن المقدس" في باريس بصور احتفالية صاخبة أدت بالبابا يوليوس الثاني (1503-1513) بتحديد يوم 4 مايو عيدا رسميا للكفن المقدس ..
وفى مساء 4/12/1532 شب حريق ضخم بالكنيسة التي تضم الكفن وتم إنقاذ الصندوق الفضى الذي يحتوى علي الكفن بينما الفضة قد بدأت تنصهر .. ولا تزال حواف طيات الكفن تحمل أثر الحريق. ومنذ عام 1578 تم حفظ الكفن المقدس في كاتدرائية مدينة تورينو التي احترقت في 11/4/1997 وقام أحد رجال الإطفاء بإنقاذ الكفن. وفى عام 1983 قام آخر ملك لإيطاليا بإهدائه للفاتيكان .
ولم تتوقف محاولات عرضه أو فرضه على العقول.. ففى عام 1950 أقيم أول مؤتمر دولى لدراسة الكفن المقدس علميا لتخرج النتائج مشيرة إلى أن الدراسة التشريحية لتلك الصورة المطبوعة تكشف عن أخطاء واضحة في التشريح، إذ أن الأصابع شديدة الطول بصورة مبالغ فيها، والذراع الأيمن أطول بكثير من الذراع الأيسر بحيث انه يصل إلى ركبة يسوع ! فتم إنشاء معهد ستورب STURP)) وهو اختصار لعبارة "مشروع دراسة كفن تورينو"، وهى أول دراسة علمية شاملة يعترف الفاتيكان بها لأن نتائجها تمادت لدرجة زعم وجود آثار للدماء ولمختلف وسائل التعذيب التى تعرض لها واستبعدت إمكانية رسمه بالألوان !!.. وتزايدت المعارك بين أنصار العلم وأنصار الكنيسة.
وفى شهر اكتوبر عام 1978 تم عرض "الكفن المقدس" على الجمهور لمدة خمسة أسابيع دون الإشارة إلى أصالة الكفن أو تزييفه ..وفى هذه الأثناء قام فريق من ثلاثين عالم ومعهم ستة أطنان من المعدات لتحليل نسيج الكفن، وزايدت وكالات الأنباء وخاصة الأمريكية فى محاولة إثبات أصالته والنيل من المعارضين الكاشفين لتزييفه.. وارتفع سعير المعارك الضارية بين أنصارالفريقين ..
أما الضربة القاضية على الأكاذيب المنتشرة حول ذلك التزوير فأتت عام 1988 حين تم اخذ بعض العينات وتوزيعها على ثلاثة معامل احدها فى سويسرا والثانى فى إنجلترا والثالث فى أمريكا بمعامل الناسا، وتوافقت النتائج بينها لتعلن ثلاثتها رسميا : "أن تحليل الكربون 14 أثبت أن نسيج ذلك الكفن المقدس تم صنعه فيما بين عامى 1260 و 1390"، وهى الفترة التى ظهر فيها الكفن فى السوق !. وفى حديثه مع مجلة "ريفورم" فى 7/7/2005 قال جاك إيفين J. Evin)) مدير ومؤسس معمل التأريخ بالكربون 14 لإسكات اعتراضات الكنسيين : "إن التقنيات التى تم استخدامها والسياق وكافة الإجراءات تؤكد دون أى شك ممكن أن الكفن المقدس من صناعة القرون الوسطى، ولا أقر الإلتواءات التى يلجأ اليها البعض، وأنا كمسيحي أعتبره نوع من النصب الدينى" !. ونتائج تحليل كربون 14 لم يعترض عليها أى عالم متخصص بمجال تحليل كربون 14، ولا أى مؤسسة علمية ولا أى جامعة أو معمل علمى، وإنما بعض الأفراد المنتمون الى اليمين الكنسى المتطرف.
وإلى هذه النتائج الحاسمة أضيفت أبحاث عدد من الأخصائيين فى المنسوجات الأثرية وتبيّن ان نسيج الكفن قد تم صنعه على آلة نسج بأربعة أمشاط وهى آلة إخترعها الصينيون فى القرن السادس الميلادي وبعده بدأت تنتشر في العالم.. ثم تأتى أبحاث العالم الكيمائى والتر ماكّرون الذى أثبت وجود آثار لألوان بمادة وأكسيد الحديد على الوان الكفن، وهو ما يثبت انه من صنع فنان حِرَفى ماهر، إذ تعتمد التقنية على وضع نسيج مبلل على سطحٍ ما ويتم دعكه بالأوان مع إضافة قليل من الجلاتين (الجيرتين)، وهى تقنيّة معروفة منذ القرن الثانى عشر ويمكن لأى مزوّر محترف ان يستخدمها..
ومع استمرار تزايد الأصوات التابعة للمؤسسة الكنسية، قام المتحف القومى لتاريخ العلوم فى باريس، بترتيب استعراض علني أمام الجمهور يوم 21 يونيو 2005 : ووقف المؤرخ بول-إيريك بلانرو بعمل نسخة مماثلة للكفن المقدس بأن أحضر لوحة من الحجر عليها نحت بالبارز وقطعة نسيج مبللة وراح يضغط عليها بمادة أوكسيد الحديد والجلاتين بحيث تأخذ شكل الوجه المنحوت، وأثبت عمليا كيف تم صنع ذلك "الكفن المقدس" قائلا : ويقال أن هذا الكفن دليل مادي-كيماوي على بعث يسوع !.. لقد أردنا إثبات كيف يمكن للأهواء ان تطغى على العلم ..
ورغم كل هذه الإثباتات العلمية الفاضحة والدامغة، تواصل المؤسسة الكنسية العتيدة محاولاتها المستميتة لاستغلال ذلك الكفن وفرض تأثيره على الأتباع .. ففى يوم الأحد 24/5/1998 ألقى البابا السابق يوحنا بولس الثاني خطابا عند افتتاح معرض للكفن فى بلدة تورينو، جاء فيه، من باب التحايل على العقول : "وبما أن الموضوع متعلق بالإيمان، فالكنيسة ليست مختصة علمياً حول هذه المسائل وتوكل للعلماء مهمة مواصلة الأبحاث حتى ينجحوا فى التوصل إلى الإجابات المناسبة المتعلقة بهذا الكفن، الذى هو وفقا للتراث، قد احتوى على جسد مخلصنا حينما أُنزل من على الصليب" .. أى أنه يطلب من العلماء إثبات ما زوّره التراث الكنسى على أنه حقيقة !.
وتتواصل اللعبة، ففى يوم السبت 22/7/2006 تم إفتتاح معرض دائم فى مدينة القدس تحت عنوان "من الشخص صاحب الكفن ؟ " في مقر المبنى البابوي .. وقد تم صنع تمثال من البروز يعيد شكل يسوع فى هيئة ثلاثية الأبعاد بحجمه كما هو واضح على الكفن، إضافة إلى صورة رقمية للكفن . والمتحف مفتوح للحجاج من الإثنين إلى السبت : من 9.30 إلى 12.30 صباحا ومن 4 إلى 8 مساءً .. ثم تبيّن أن الغرض من هذا المعرض إستخدامه فى محاولة توحيد الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما.
وقبل الانتقال إلى الفترة الزمانية الحالية نتناول باختصار نصوص الأناجيل حول ذلك الكفن المقدس، لنلاحظ ان كلمة "كتان" لا تظهر فى نصوص الطبعة الفرنسية الرسمية الصادرة عن الفاتيكان عام 1989 ولا حتى فى الترجمة المسكونية المعروفة باسم TOB بينما نطالعها فى الترجمات العربية الحديثة ما عدا إنجيل يوحنا. أما طبعة 1671 العربية فترد كلمة كتان فى إنجيل لوقا ويوحنا فقط. والملاحظة الأهم من حيث الإختلاف، هى أن الأناجيل الثلاثة المتواترة تتحدث عن ان يوسف من الرامة قد لفّه أو كفّنه بالكتان، بينما يستخدم يوحنا فى الترجمات الحديثة "بأكفان"، وكان أصلها فى طبعة 1671 "لفائف كتان" ! واللفائف عبارة عن أشرطة تقمّط بها الجثة مثلما فى الحضارات القديمة، وقد أعادت الترجمة المسكونية عبارة "لفائف" كما كانت.. أي أن يسوع، وفقا لإنجيل بوحنا، قد تم لفه بلفائف أو أشرطة وليس بكفن من قطعة واحدة.. مما يكشف أن المسألة بكلها عبارة عن تلاعب بالنصوص وعملية إنتقائية مغرضة، وأن المؤسسة الكنسية تأخذ من النصوص ما يساعدها على فرض احتياجاتها من أجل ترسيخ ما تريده من عقائد و معتقدات أو فريات..
ونعود للأيام الحالية : ففى عام 2000، تم عرض "الكفن المقدس" للجمهور لمدة ثلاثة أسابيع وزاره أكثر من ثلاثة ملايين نسمة نتيجة الدعاية المواكبة له.. وذلك بمناسبة ألفية الكنيسة الكاثوليكية.. وفى الثانى من شهر يونيو 2008 أعلن البابا الحالى بنديكت 16 أن "الكفن المقدس" سوف يتم عرضه رسميا عام 2010 فى مدينة تورينو لجمهور الحجاج ..
وإذا ما تأملنا الموقف لرأينا من جهة : أن المؤسسة الكنسية تعلم منذ البداية ان "الكفن المقدس" مزيّف، كما أن الأبحاث العلمية وخاصة تحليل كربون 14، وإثبات كيفية نسج القماش بنول تم اختراعه فى القرن السادس، و وجود أكسيد الحديد بالكتان وغيرها من الأدلة القاطعة قد أثبتت أن النسيج يرجع قطعا إلى ما بين القرن الثالث عشر و الرابع عشر الميلادي، وتم الإعلان علميا ورسميا " أنه من صنع مزيّف ماهر وليس بمعجزة إلهية ".. وإذا ما تأملنا التواريخ والأحداث لرأينا أنه يتم استغلاله في المناسبات الدينية والاحتفالية لتأجيج مشاعر السذّج من الأتباع .. ولأغراض أخرى.
أما إذا تأملنا تاريخ سنة 2010 الذي أعلنه بنديت 16 والذي سيعاد فيه عرض "الكفن المقدس"، وحاولنا ربط بعض الأحداث المتعلقة بذلك العام، لوجدنا ان سنة 2010 تمثل نهاية هذا العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، والذي كان قد حدده مجلس الكنائس العالمي للإدارة الأمريكية لاقتلاع "محور العنف أو الشر" الذي هو الإسلام فى نظرهم، حينما فشلوا في اقتلاعه سنة 2000 وفقا للخطة الخمسية التي كان يوحنا بولس الثاني قد أعلنها .. كما يمثل عام 2010 نهاية الاحتفالية المقامة لمدة عام في الفاتيكان، منذ يونيو الماضي، لبولس الرسول "مبشّر الأمم" كما يلقبونه.. وإذا أضفنا الخطاب الذي قاد الفاتيكان عملية "إخراجه" ليحصل من 138 شخصية عالمية مسلمة عبارة " أننا نعبد نفس الإله "، وهى أكبر فرية أو أكبر عملية تزوير يقوم بها من خلال بدعة حوار الأديان، وإصراره على تنصير العالم والإعلان عن ذلك وكأنها قضية مفروغ منها.. أو إرسائه مبدأ التدخل الدولي عن طريق هيئة الأمم لفرض حرية العقيدة يوم 18/4/2008 عند زيارته لأمريكا .. أو ما قاله القس رضا عدلى فى مؤتمر الصلاة والعبادة السنوي، المنعقد في وادي النطرون من 19 إلى 21 مارس 2009 : " أن عام 2010 سوف يكون عاماً كرزايا ليس في مصر فقط ولكن في كل الوطن العربي " .. لأدركنا ما يتم الإعداد له لاقتلاع الإسلام والمسلمين ..
إليكم صور للكفن المقدس المزعوم
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1241146256torino03.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1241146501shrdbig2.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1241146390tom6.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1241146170shroud_smpl_pts.gif
ولا يسع المجال هنا لإضافة ما يتم الترتيب له حاليا من محاولات وضغوط لاقتلاع الهوية الإسلامية من البلد، وحذف البند الثاني من الدستور أو أن القرآن هو المصدر الرئيسي للتشريع وإلغاء خانة الديانة، الخ .. الخ.. لكن من المؤكد أن الوضع الراهن يستوجب عبارة :
أفيقوا أيها المسلمون ..
أفيقي أيتها الشعوب المسلمة في كل مكان فالخضوع للضغوط السياسية الأمريكية والفاتيكانية قد وصل بنا إلى حافة الهاوية ..
( 29/4/2009 )
تستقبل الدكتورة زينب عبد العزيز رسائلكم وتعليقاتكم على المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]
يمكن تحميل آخر كتاب للدكتورة زينب عبد العزيز
بالضغط على الغلاف في الأسفل
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1241320450268918188.jpg (http://www.4shared.com/get/76353966/d4c6d55a/_____.html;jsessionid=14FC89228D40635E6338D9E5E394 2CD6.dc138)
القلب الحزين
13-12-2013, 05:11 PM
قيامة يسوع أو بعثه
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1239993332resurrection_of_jesus.privat_collection. usa.jpg
لوحة زيتية تصور بعث يسوع المزعوم
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
في كتاب بعنوان "عن الحقيقة في المسيحية" ، الصادر عام 1866 ، كتب شارل رويل (Ch. Ruelle)ب، أحد أساتذة التاريخ في فرنسا قائلاً: "لا يمكن استبعاد أو محو عملية قيام يسوع من الأناجيل دون أن ينهدم كل شيء في المسيحية".. وحينما أعرب عن هذه الحقيقة لم يكن أول من قالها وإنما كان قد سبقه العديد من علماء عصر التنوير الذين اعتمدواهم أيضاً على التقدم العلمي واللغوي لإعادة النظر في مصداقية النصوص الإنجيلية. ومن المعروف أن بولس هو أول من ركّز كرازته على قيام يسوع من الموت دون الإهتمام بأهم أحداث حياته، وهو ما يؤكده في الرسالة الأولى الى أهل كورنثوس(12:15-17).
ويوضح ميشيل كينيل M. Quenelleب في كتابه عن "تاريخ الأناجيل" قائلاً: "لولا قيامة يسوع لما كانت هناك أناجيل ولا كنيسة، إذ أن عيد الفصح هو الحدث الذى تحولت به حياة يسوع، التي إنتهت بالفشل، إلى طريق لللآمال".. وفي واقع الأمر أن قيام يسوع بعد موته ودفنه كما يزعمون، يمثل أكثر من مجرد منحنى في الأحداث: إنه الدعامة الأساسية التي تقوم عليها المسيحية الحالية، وإنهيار هذه الدعامة يؤدي قطعاً إلى إنهيار المسيحية برمتها! لذلك تتمسك المؤسسة الكنسية بترسيخ تلك العقيدة المختلقة بشتى والوسائل والإمكانيات..
وفكرة قيام الآلهة من الموت بمثابة قاسم مشترك أعظم بين كل الآلهة الهللينية القديمة، فكلهم يموتون وبعد ثلاثة أيام يقومون ويتم الإحتفال بقيامهم دون محاولة معرفة المزيد من التفاصيل .. وإذا كانت قصة أوزيريس، الإله المصري القديم، قائمة على فكرة البعث أو القيام بعد الموت، فهي متكررة أيضا لدى الإله أدونيس والإله أتيس والإله ميثرا. فكلٌ منهم يموت ثلاثة أيام ، ينزل خلالها إلى الجحيم، ثم يُبعث أو يقوم.. ومن المسلّم به أنه ما من أحد قد شاهد أو حضر عملية قيام هذه الآلهة ، ولا حتى قيام يسوع، باستثناء بعض تفاصيل متعلقة بتكفينه. فما من أحد قد شاهد خروجه من القبر، وكل ما هو وارد بالأناجيل أن أحد الملائكة (وفقا لمتّى 8 : 2) أو ملاكان (وفقا ليوحنا 20 : 12) قد عاوناه على إزاحة الحجر من على باب المقبرة. الأمر الذي أثار سخرية سيلسيوس في القرن الثانى الميلادي قائلاً في كتابه المعنون: "الخطاب الحق" : "هل إبن الله لم يكن لديه القوة ليفتح مقبرته بنفسه وكان بحاجة إلى أن يأتى أحد ويدحرج له الحجر ؟!".
ورغم كل ما تقدمه الأناجيل حول هذه العقيدة فإن قيام يسوع مبني على اكتشاف المقبرة خاوية !. ولا يمكن لهذا المعطى أن يكون كافياً كدليل تاريخى على قصة البعث أو قيام يسوع، فما من أحد قد شاهده وهو يخرج من القبر. ونترك الكلمة لعالم اللاهوت الفرنسى شارل جينيوبير Ch. Guignebert قائلا: "إن التناقضات الواردة في نصوصنا الإنجيلية فيما يتعلق بقصة قيام يسوع تناقضات عديدة ولا تُحتمل. فمن الواضح ، من الوهلة الأولى، فيما يتعلق بالتأكيد العام، إن المقبرة التي وُضع فيها يسوع مساء يوم وفاته قد وُجدت خاوية صبيحة اليوم التالي! وبدأت المعطيات تنسج تدريجياً بغية تحقيق تلك المقولة.. ولشدة التناقض والإختلاف بين هذه التفاصيل فإن جميعها مشكوك فيها" (وارد في كتابه عن "يسوع" صفحة 608 ).
ولكى يدرك القارىء مدى التناقض في سرد أحداث قيامة يسوع نورد تلخيصاً شديداً لكل منها كما هي واردة في الأناجيل :
1 - وقائع ظهور المسيح في إنجيل متّى : يظهر يسوع مرتين بعد بعثه : لسيدتين بجوار القبر قرب القدس في نفس يوم البعث ؛ والثانية ظهوره لأول وآخر مرة للحواريين وهم مجتمعون في الجليل، دون تحديد لمكان ولا يذكر اسم أي حواري..
2 - وقائع ظهور المسيح في إنجيل مرقس : يظهر يسوع ثلاث مرات : لسيدة بمفردها ؛ ولإثنين من الحواريين ؛ وللأحد عشر مجتمعين حول المائدة دون تحديد زمان أو مكان .. وظهوره لمريم المجدلية لا يتضمن أية إشارة الى زمان أو مكان ، ونفس الشيء بالنسبة للحواريَيْن. ولا يقال في أي مكان أو بلد تم رفع يسوع: هل على جبل في الجليل كما يبدو في متّى، أو في القدس، أو بالقرب منها كما سيرد في انجيل لوقا وفي أعمال الرسل التى يقال أنها لنفس الكاتب ..
3 - وقائع ظهور المسيح في إنجيل لوقا : ترد هنا ثلاث وقائع لظهور يسوع ويبدو أنها وقعت في نفس اليوم : ظهوره يوم بعثه للتلميذين على طريق عمواس وامتد لبعد الظهر واختفى يسوع بعده فجأة حين تعرفا عليه ؛ وظهوره لسمعان بطرس دون تحديد مكان أو زمان ؛ وظهوره للحواريين مجتمعين في القدس يوم البعث مساءً. وامتد ظهوره للحواريين إلى اللحظة التي "رفع فيها إلى السماء".. ولا يذكر لوقا ظهوره لأي سيدة، ولا لتلقى الحواريين الأمر بالذهاب إلى الجليل، ولا أنهم قد ذهبوا ..
4 - وقائع ظهور المسيح في إنجيل يوحنا : يورد إنجيل يوحنا أن يسوع قد ظهر أربع مرات: مرة واحدة لمريم المجدلية عند القبر يوم البعث وليس عند زيارتها الأولى للمقبرة ؛ وثلاث مرات للحواريين : مرة يوم البعث مساءً وصبيحة يوم السبت والحواريون مجتمعين في القدس في مكان أبوابه مغلقة وتوما غائب ؛ والثانية بعد ذلك بثلاثة أيام ، أي بعد بعثه بثمانية أيام وصبيحة يوم السبت والحواريون مجتمعين في نفس المكان ومعهم توما، ولا أحد يعرف كيف دخل يسوع إلى الغرفة وبابها مغلق بإحكام وفقا لتحديد النص ، إلا إن كان دخل على أنه روح فرضا وتسلل عبر الحائط ، لكن الروح لا تأكل مثلما أكل يسوع مع حوارييه !؛ والثالثة في الجليل بلا تحديد زمان، على شاطىء بحيرة طبرية، ويقال تحديداً أن هذا هو الظهور الثالث بالنسبة للحواريين منذ البعث..
5 - وقائع ظهور يسوع في أعمال الرسل : بغض الطرف عن كل ما بأعمال الرسل من تناقضات مع ما ورد بالأناجيل المتناقضة أصلا فيما بينها حول قيام يسوع ، فإن أهمها أنها لا توضح في أي وقت ارتفع يسوع أمام حوارييه ، كما لا تذكر وجود أي شاهد يكون قد رأى يسوع وحوارييه أو سمع كلامه ، وأنها تؤكد أنه حيّ، دون أن تذكر أي ظهور له إلى إمرأة ما، وخاصة التأكيد على أنه قد ظل على الأرض بعد بعثه لمدة أربعين يوماً ! وهو ما لا يرد في أي إنجيل من الأناجيل ، فمن أين لأعمال الرسل بفترة تلك الأربعين يوماً وظهوره لخمسمائة شخص إلا إن كانت عمليات مزايدة متتالية من أجل ترسيخ هذه العقيدة المختلقة ؟!. وأهم ما نخرج به من ملاحظات، أنه لا يوجد أي وصف في الأناجيل لعملية البعث أو قيامة يسوع ، وأنه لم يشاهدها أي مخلوق ، وأن الدليل الوحيد عليها هو "وجود القبر خالياً" بناءً على نصوص مشكوك في مصداقيتها بل ولا يوجد حولها أي إجماع بين الأناجيل .. فإذا نظرنا إلى عملية البعث هذه بصورة موضوعية لرأينا أن ما تقدمه النصوص يقول إجمالاً : أن يسوع قد مات ودُفن يوم الجمعة مساءً وأنه قد بُعث فجر السبت أو الأحد – أي أنه لم يبق في القبر ثلاثة أيام كما يصرون؛ وأنه ظهر لحوارييه عدة مرات ثم صعد إلى أبيه حيث يجلس عن يمينه.. إلا أن تأمل الوثائق عن قرب يكشف عن كمّ لا حصر له من الطبقات المتراكمة بمتناقضاتها ، إضافة إلى ما يلى :
• يقوم مرقس بوصف عملية دفن يسوع متناسياً أنه يوم الإستعداد لعيد الفصح الذي يفرض الراحة الإجبارية ويحرّم القيام بأي شىء طوال يوم السبت تحريماً قاطعاً..
• ثابت من الأناجيل أن اليهود هم الذين قتلوا يسوع وهم الذين أنزلوه من على الصليب وهم الذين وضعوه في القبر. وأن الذي دفنه شخص ظهر فجأة واختفي فجأة من على مسرح الأحداث ! أنه يوسف من الرامة، المقرّب إلى بيلاطس وواحد من أعضاء المحكمة العليا التي أدانت يسوع بكامل هيئتها.. فكيف يقوم هذا اليوسف بإتهام يسوع وإقرار الحكم عليه ثم يسعى لتسلم جثته لدفنها ؟!
• وأن يوسف من الرامة وزميله نيقوديمس، وكان رئيساً لليهود، حضر ومعه نحو مائة منّا من العطور، والمنّا تساوي نصف كيلوجرام تقريباً، أي أنهما قد أحضرا حوالي خمسون كيلوجرام من العطور لتطييب جسد يسوع ! – وهو ما يكفي لتطييب ما يزيد عن جسد فيل من الأفيال الضخمة بكثير ! بل كيف أمكنهما حمل كل هذه الكمية وحمل الأكفان إضافة إلى حمل جسد يسوع في نفس الوقت والسير بها خلسة في ظلام الليل ؟!.
• بغض الطرف عن التناقض الوارد في وصف القبر، فالبعض يقول "حفرة" بدليل أن بطرس إنحنى ليراه، وآخر يقول منحوت في الجبل، بدليل أن البعض دخل ورأى .. أما يوحنا فيقول أنه صُلب في بستان والبستان به قبر جديد لم يوضع فيه أحد قط .. بينما يقول مرقس أنه وُضع في قبر كان منحوتاً في صخرة ودحرج حجراً على باب القبر .. وما هو ثابت تاريخياً أن كل فترة المسيحية الأولى لم تعرف ليسوع قبراً حتى القرن الميلادي الرابع ، حينما تنبهوا لغياب أية آثار تدل على وجوده ، فقامت والدة الإمبراطور قسطنطين ببناء ما هو معروف حالياً بإسم "الآثار التاريخية ليسوع" !!.
• من المحرج قراءة آية من قبيل : "فأخذوا الفضة وفعلوا كما علّموهم. فشاع هذا القول عند اليهود إلى يومنا هذا" (متّى 28 : 15)، فهى عبارة تؤكد أن من كتبها ليس يهودي على الإطلاق، وليس من الحواريين، وإلا لما قال "عند اليهود" فكلهم كانوا يهود.. وهي من الأدلة اللغوية التي تثبت أن هذه الأناجيل ليست بأقلام الحواريين كما يدّعون فهناك المئات من مثل هذه الهفوات اللغوية .
• من اللافت للنظر أن ظهور يسوع بعد بعثه المزعوم يتفاوت من عدة ساعات ، وفقا للوقا، إلى أربعين يوماً وفقا لأعمال الرسل .. فهل يمكن الإعتماد على مثل هذا الخلط والتفاوت في أي تقييم حقيقى أمين للأحداث ؟!.
• من الصعب فعلاً حصر كمّ المتناقضات في رواية بعث يسوع هذه ، ونذكر منها على سبيل المثال: تناقض بين الأماكن التى ظهر بها، وحول عدد مرات ظهوره، وفيما قاله أو فعله خلال فترات ظهوره ، وكذلك في المكان والتاريخ المتعلق بصعوده ، وبين ظهوره لشخص أو لإثنى عشر أو لخمسمائة.. إضافة إلى أنه حدث لم يشهده أي مخلوق.
• كما أن عمليات التردد والخوف والشك التي اعترت الأتباع توضح أنهم لم يتقبلوا فكرة البعث ولم يستوعبوها على الرغم من أن الأناجيل تقول أن يسوع كان قد أعلن لهم عن خبر ظهوره بعد الموت!. وهو ما يضع علامات إستفهام حول حقيقة موقف الحواريين وحول مدى إيمانهم بكلام يسوع ، وحول مصداقية يسوع في نظرهم !.
لذلك لا يمكن الإعتماد على مثل هذه النصوص من الناحية التاريخية، فمن الواضح أن "قصة هذه القيامة قد تم إختلاقها وصياغتها لتأكيد الوجود الكنسي وتدعيم سلطانه" على حد قول شارل جينيوبير الذي يؤكد: "أن دراسة أقدم النصوص المتعلقة بظهور يسوع تنفي اكتشاف المقبرة الخالية من التراث القديم ومن التاريخ، وتؤكد أن الإيمان ببعث يسوع يعتمد على ظهوره الذي لا دليل عليه" .. بينما يقول جيزا ڤيرمس (Geza Vermes) ، أحد كبار المؤرخين الحاليين، "إن عملية بعث يسوع كما توردها الأناجيل لا تزال تمثل لغزاً محبطا لأية محاولة لفهم الأحداث بصورة منطقية.
والروايات الإنجيلية تحاول فرض مصداقية الحدث الوارد بمثل هذه الحجج الجوفاء التى تناقلتها نسوة مذعورات (...) والأغرب من هذا وذاك تشكك الحواريين أنفسهم في عملية البعث، بينما يحاول يوحنا الإصرار على شهادة الجند بوفاة يسوع، وذلك لإخماد تعليق كان سائداً منذ ذاك الوقت ويشرئب بانتظام حتى وقتنا هذا، أن يسوع لم يمت فعلاً على الصليب وإنما كان حياً وعاش بعد ذلك طويلاً.. واختصاراً ، من المحال العثور على الخطوات أو المراحل الحقيقية لهذا المعتقد الديني الذى تدرج من اليأس المطلق والرفض الواضح المشوب بالشك إلى عملية تأكيد مطلق لبعث يسوع". ("البحث عن هوية يسوع" صفحة 176). ومن أهم الأدلة التي تنفي إستحالة حدوث البعث بعد موت امتد ثلاثة أيام ، ما يقوله جى فو (Guy Fau) : "إذا أمكن الإيمان بقيام الأجساد وبعثها جسمانياً ، فإن بعث المخ سوف يمثل أكبر مشكلة : فالإنسان بلا عقل وبلا ذاكرة وبلا فكر يفتقد كل ما يمكنه أن يجذبنا إليه ، إذ أن بعث خلايا المخ مستحيل تماماً لأن تلك الخلايا هى الخلايا الوحيدة التي لا تتجدد أثناء حياة الإنسان الأرضية، وتلفها يعد نهائياً . ولا يوجد أي طبيب يمكنه أن يعتقد في بعث العقل ، وإذا ما أكد ذلك فهو واقع تحت وهْم مؤكد ".. ("المسيحية بلا يسوع" صفحة 151) . أما ميشيل كوكيه (Michel Coquet) فيؤكد: "أن المؤسسة الكنسية قد اخترعت قصة البعث والصعود، فلم يرد ذكرها إلا في مطلع القرن الخامس عندما قام كل من يوحنا كريزوستوم أو فم الذهب وأغسطين مدّعين أن لها أصل رسولي" !.. ("كشف أسطورة يسوع" صفحة 358). ورغم كل هذه الحقائق العلمية التي تفنّد حقيقة تلك القيامة، وهي جد نماذج قليلة على سبيل المثال لا الحصر، من الغريب أن يُعلن بنديكت 16 يوم الأحد 12/4/2009 في خطابه الرسمي لعيد الفصح هذا قائلاً بإصرار لتأكيد بدعة لم يشهدها أي مخلوق: "إن البعث ليس نظرية وإنما حقيقة تاريخية كشفها يسوع المسيح (...) إنه ليس اسطورة، ولا حلماً، ولا رؤية، ولا يوتوبيا، ولا خرافة، وإنما هو حدث متفرد ونهائي : يسوع الناصرة بن مريم الذي اُنزل من على الصليب مساء الجمعة ودُفن، قد خرج منتصراً من القبر"!.
( 13 ابريل 2009 )
تستقبل الدكتورة زينب عبد العزيز رسائلكم وتعليقاتكم على المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 05:13 PM
اعترافات قس إسباني
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1232999988180px-bartolomedelascasas.jpg
لوحة قديمة تظهر القس الإسباني وهو يكتب مشاهداته
بقلم: أورخان محمد علي
التاريخ القريب والبعيد لأوروبا تاريخ بشع من الناحية الإنسانية والأخلاقية إلى درجة لا تصدق، فهو طافح بالمذابح الجماعية الرهيبة وبالتطهير العرقي الظالم.
والغريب أنهم يتناسون تاريخهم القريب الحافل بالاستعمار والمظالم والمذابح، وينسون تاريخهم البعيد الحافل بكل أنواع القسوة الوحشية التي تتجاوز الخيال الإنساني، ولا يتورعون عن اتهام المسلمين بإيقاع المذابح، مثلما يتم الآن اتهام الدولة العثمانية بأنها قامت بعملية تطهير عرقي للأرمن في أثناء الحرب العالمية الأولى.
وهو اتهام باطل تاريخياً وقد قامت الحكومة التركية الحالية بدعوة الأرمن والدول الأخرى التي تزعم وقوع مثل هذا التطهير إلى تأليف لجنة عالمية لبحث هذا الموضوع بحثاً علمياً مستنداً إلى الوثائق التاريخية والكف عن جعل هذه القضية لعبة سياسية في يد اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وفي دول أوروبية أخرى ولا سيما قبيل الانتخابات البرلمانية في هذه البلدان.
سنقوم في هذه المقالة بشرح موجز لكتاب تاريخي قديم كتبه رجل دين إسباني في أواسط القرن السادس عشر وكان شاهداً على المذابح التي قام بها الإسبان بعد اكتشافهم قارة أمريكا على يد (كريستوف كولومبس)، والكاتب هو القس الإسباني بBrartolomede de Las Casas (http://en.wikipedia.org/wiki/Bartolom%D8%A3%C2%A9_de_Las_Casas) واسم الكتاب، (مذبحة الهنود الحمر).
ولد الكاتب في مدينة (سويلا Sevilla) في إسبانيا عام 1484م. وعندما بلغ الثامنة عشر من عمره أبحر مع الإسبان إلى (العالم الجديد) وهناك شاهد بأم عينيه المذابح الوحشية التي أوقعها الإسبان بالسكان المحليين في قارة أمريكا، أي بأصحاب تلك الأرض، وارتاع من شدة ما رآه هناك من فظائع يندى لها جبين الإنسانية، فكتب كتابه هذا عام 1542م وأهداه إلى الملك فيليب الثاني لكي يطلعه على ما حدث هناك من وحشية، ترجم الكتاب إلى معظم اللغات العالمية ومنها اللغة التركية، حيث طبع أربع طبعات، مات هذا القس الرحيم في عام 1576م في بلده إسبانيا.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1233000888fdezoviedo_libro_p.jpg
غلاف كتاب مذبحة الهنود الحمر
يصف الكاتب السكان المحليين فيقول:
( الناس في منطقة (هاسبانو) (أي هايتي اليوم) أناس بسطاء وطيبون إلى درجة كبيرة صبورون ومتواضعون وساذجون جداً ومطيعون... بعيدون عن الشرور وعن الحيل والخداع... وهم يبدون التزاماً كبيراً بتقاليدهم ويطيعون الإسبان... ولا يتنازعون ولا يتقاتلون، ولا يحملون حقداً على أحد... ولا تجد عندهم مشاعر الانتقام والحقد والعداء... هم فقراء جداً، ولكنهم لا يحملون مشاعر الطمع والحرص والنهم... يسير أكثرهم عراة إلا ما يستر عورتهم، ويلفون حول أجسادهم قطعة صغيرة من القماش ).
حدثت هذه المجازر الوحشية التي سنأتي على شرحها بعد اكتشاف كريستوف كولومبس للقارة الأمريكية، أي اكتشافه للعالم الجديد حسب تعبير تلك الأيام، فقد نهبوا الأوروبيون – ولا سيما الإسبان – ثروات الأقوام التي كانت تسكن قارة أمريكا وقتلوا معظم السكان المحليين فيها، ونقلوا عشرات الأطنان من الذهب إلى إسبانيا.
لنعد إلى القس الإسباني وما شهده هناك ورآه رأي العين. يقول:
( ما أن رأى الإسبان هذا القطيع الوديع من السكان المحليين حتى هجموا عليهم هجوم الذئاب المسعورة الجائعة، وهجوم النمور والأسود التي لم تذق طعم اللحم من مدة طويلة على قطيع الغنم، ولم يتوقف هذا الهجوم فيما بعد بل استمر على المنوال نفسه حتى اليوم، لم يقم الإسبان هناك بشيء إلا بقتل وتقطيع أوصال السكان المحليين وتعذيبهم وظلمهم).
والآن لنأت إلى الأرقام التي يعطيها هذا الشاهد الإسباني عن المجازر التي قاموا بها:
( عندما احتل الإسبان جزيرة (هيسبانولا Hispaniola) - أي جزيرة هاييتي كما تدعى اليوم – كان عدد نفوس السكان المحليين فيها 3 ملايين نسمة تقريباً، أما اليوم فلا يعيش منهم سوى 200 فرد . أما جزيرة كوبا فهي في حالة يرثى لها، ولا يمكن العيش فيها، مثلها في ذلك مثل جزر (بورتوريكا) و (جامايكا)).
ثم يقول:
( نتيجة للظلم الذي اقترفه المسيحيون هناك خلال أربعين عاماً، والمعاملة غير الإنسانية مات أكثر من 12 مليون شخص بينهم العديد من النساء والأطفال حسب أكثر التخمينات تفاؤلاً، أما تخميني الشخصي الذي أراه أكثر صواباً فهو موت 15 مليون شخص ولي أسبابي المعقولة في هذا الخصوص).
هل يستطيع إنسان أن يشترك في قتل كل هذا العدد من الناس وهم مثله في الإنسانية ؟ ماذا كانوا يتصورون ؟ أكانوا يقتلون ذباباً أم صراصيراً ؟
يقول القس الإسباني بأن الإسبان لم يكونوا ينظرون إلى السكان المحليين نظرهم إلى إنسان، بل كانوا يعدونهم أدنى حتى من الحيوان:
( يا ليت الإسبان عاملوا هذا الشعب الساذج المطيع والصبور معاملتهم للحيوان! لم يعاملوهم حتى كحيوانات برية ووحشية، بل عاملوهم وكأنهم قاذورات متركمة في الشوارع . لم تكن لهؤلاء السكان المحليين أدنى قيمة في نظرهم . لقد سار الملايين من هؤلاء إلى الموت دون أن يعرفوا ربهم (1) بينما كان هؤلاء السكان المطيعون يعتقدون بأن الإسبان جاءوا من الجنة وذلك قبل أن يصدموا بظلمهم وقسوتهم ).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1232997824duran3.jpg لوحة قديمة تظهر بعض الأسبان وهم يبقرون بطن رجل من الهنود الحمر سكان أمريكا الجنوبية
ويشرح هذا القس أشكال التعذيب والقتل التي مارسها هؤلاء الوحوش فيقول:
( دخلوا مناطق سكناهم بالقوة وقتلوا كل من شاهدوه أمامهم... قتلوا الأطفال والشيوخ والنساء الحوامل، وحتى النساء اللائي ولدن حديثاً، وذبحوهم وقطعوا جثثهم، وبقروا بطونهم مثلما تبقر بطون الغنم، وبدأوا يتراهنون: هل يستطيع أحدهم أن يشق رجلاً إلى نصفين بضربة سيف واحدة ؟ أم هل يستطيع أي واحد منهم بقر بطن أحدهم وإخراج أحشائه بضربة فأس واحدة ؟
أخذوا الأطفال الرضع من أحضان أمهاتهم، وأمسكوا بأرجل هؤلاء الأطفال وضربوا رؤوسهم بالصخور، وبينما كان بعضهم يقوم بهذا كان الآخرون يضجون بالضحك ويتسلون. رموا الأطفال إلى الأنهار وهم يصيحون: اسبح يا ابن الزنا! ).
هكذا إذن تصرف الأوروبيون المتحضرون !!!
أما طرق تعذيبهم فتشيب من هولها الأبدان. وهو يشرح كيفية وتعذيبهم لزعماء وقادة هؤلاء السكان فيقول:
( كانوا يثبتون قطعتين خشبيتين كبيرتين على الأرض، ثم يصنعون (شواية) معدنية ويثبتونها عليهما، ويأتون بأحد الزعماء أو بأكثر من واحد يضعونهم على هذه الشواية ويوقدون تحتها ناراً ضعيفة، ويتركونهم يموتون ببطء وهم يئنون ويطلقون صرخات الألم . وقد شاهدتهم مرة وهم يشوون أربعة أو خمسة من الزعماء المحليين، وعندما أفسدت صرخاتهم نوم القائد في الليل أصدر أمره بخنقهم حالاً ليسكتهم، ولكن رئيس فريق التعذيب – الذي كان من أشد الظامئين إلى سفك الدماء – لم يشأ قطع لهوه ولهو أصحابه بتعذيب هؤلاء وتمتعه بمنظرهم (وقد تعرفت على أقرباء له في مدينة Sevilla فيما بعد) لذا قام بوضع قطع خشبية بيديه في أفواه هؤلاء ليمنع صدور أي صوت منهم، ثم زاد من حدة النيران، لأنه كان يريد قتلهم في الوقت الذي يرغب فيه.
لقد شاهدت جميع هذه الفظائع بعيني، وعندما بدأ بعض السكان المحليين بالهرب من ظلم ووحشية هؤلاء القتلة إلى الجبال قام هؤلاء القتلة بتدريب كلاب الصيد لتعقبهم . كانت هذه الكلاب عندما تصل إلى أحدهم تهجم عليه وتفترسه . لقد اشتركت هذه الكلاب بحصة كبيرة في مثل هذه المذابح ).
لا شك بأن القراء يشعرون بالقرف من قراءة هذه السطور مثلما أشعر أنا بالقرف من كتابتها ولكن لنتابع شهادة هذا القس الإسباني:
( في إحدى المرات عثرت مجموعة من الجنود الإسبان في إحدى الجبال على جماعة من السكان المحليين الذين كانوا قد تركوا قراهم وهربوا من ظلم الإسبان، ونزل هؤلاء الجنود من الجبل ومعهم 70 – 80 امرأة وشابة بعد أن قتلوا جميع الرجال، وما أن سمع رجال القرى هذا النبأ حتى لحقوا بالجنود لاستعطافهم والتوسل إليهم ليتركوا النساء ليرجعن إلى أقربائهن، ولكن الجنود لم يترددوا كثير إذ غرزوا سيوفهم في بطون النساء وبقروا بطونهم أمام أنظار هؤلاء الرجال الذين صرخوا من الألم:
آه .. أيها الوضيعون !!.. أيها المسيحيون القساة !!.. لقد قتلهم نساءنا ).
هذا المثال واحد فقط من آلاف أمثلة الوحشية والظلم والقسوة التي يحفل بها التاريخ الملوث للغرب.
ولكن الغريب أنهم بتاريخهم الملوث – القريب منه والبعيد – لا يخجلون من اتهام المسلمين بالإرهاب وبالتطهير العرقي، وبأن الإسلام (حسب الكذبة الشنيعة للبابا الحالي) قد انتشر بالسيف.
وصدق الشاعر حين قال:
حكمنا فكان العدل منا سجية فلما حكمتم سال بالدم أبطح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح
(1) أي لم يتحولوا إلى المسيحية ولم يعرفوا المسيح.
المصدر: موقع التاريخ (http://www.altareekh.com/)
القلب الحزين
13-12-2013, 05:14 PM
عيد ميلاد يسوع
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1230928175_m.jpgبقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
يمثل عيد ميلاد " يسوع " نموذج واضح المعالم متكامل الأركان، من حيث أنه يجمع مختلف وسائل التحريف والتزوير والإستحواذ على العقائد السابقة .. مما يوضح كيفية قيام المؤسسة الكنسية بنسج عقائد المسيحية الحالية، التى لا يعرف عنها يسوع شيئا، وتبعد كل البعد عن الرسالة التى أتى بها كأحد أنبياء الله المرسلين، كما نطالعه فى الأناجيل، إذ يقول عيسى عليه الصلاة والسلام: " أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذى سمعه من الله " (يوحنا 8: 40)، وكما يقول معاصروه: " يسوع الناصرى الذى كان إنساناً نبياً مقتدراً فى الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب" (لوقا 24: 19).
وتتناقض الأناجيل فى مختلف مكونات عيد الميلاد من حيث المكان والسنة واليوم . ونبدأ بتحديد مكان مولده: فى بيت لحم بمنطقة اليهودية جنوباً أو فى الناصرة بمنطقة الجليل شمالا، إذ يقول متّى: " ولما وُلد يسوع فى بيت لحم اليهودية فى أيام هيرودس.." (2: 1)، أما لوقا فيقول: " فصعد يوسف أيضا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داود التى تدعى بيت لحم لكونه من بيت داود وعشيرته" (2: 4)، أى أنه إنتقل من الناصرة حيث وُلد إلى بيت لحم حيث يتم التعداد .. والمفروض ان يقول الكاتب الذى من الواضح أنه يجهل جغرافية بلده: أن يوسف "نزل" وليس "صعد"، فبيت لحم تقع جنوبا فى منطقة اليهودية !.. بينما يقول مرقس: "وفى تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل وإعتمد من يوحنا فى الأردن" (1: 9). وهنا لا بد من أن يتساءل القارىء: هل يمكن "لإله" أن يكون بحاجة إلى التعميد ؟ ومِن مَن ؟ من الذى يقول عن نفسه أنه ليس أهلا ان ينحنى ويحل سيور حذائه ؟! (مرقس 1: 7) .. وبالمناسبة: لم تكن هناك أيام يسوع "أحذية" وإنما كانت نعال تربط بالسيور..
كما يقول متّى أن يسوع وُلد قبل موت هيرودس الكبير، وهيرودس الكبير مات سنة 4 ق. م. (راجع متّى 2: 1-20) .. وجاء فى إنجيل لوقا أن يسوع قام بالدعوة فى عام 15 من حكم القيصر تيبريوس وكان فى الثلاثين من عمره، وتيبريوس حكم سنة 765 من تأسيس مدينة روما، أى ما معناه أن يسوع وُلد سنة 749 من تأسيس مدينة روما، أى أنه وُلد سنة 4 ق. م.
ولو أوجزنا تواريخ سنة ومكان ميلاد يسوع نرى أنه من الجليل وطنه (متّى 2: 23؛ 13: 54-55) ومن اليهودية وطنه (يوحنا 4: 43-44)؛ وولد أيام هيرود الملك (متّى 2: 1) حوالى عام 6 ق. م.، و ولد حينما كان كيرنيوس واليا على سوريا (لوقا 2: 1-7) حوالى عام 7 ميلادية أى بعد أحد عشر عاما! أو بقول آخر: يسوع وفقا لإنجيل متّى كان فى الحادية عشر حينما وُلد يسوع وفقا لإنجيل لوقا فى نفس الظروف والملابسات..
والإنجيل وفقا للوقا وحده هو الذى يصف مولد يسوع بشىء من التفصيل، أما الإنجيل وفقا لمتّى فيشير إليه بأن كتب شجرة عائلة يسوع، بينما كل من مرقس ويوحنا فيهملان بداية نشأته. وهنا تجب الإشارة إلى أن كتابة شجرة عائلة ل "ربنا يسوع"، كما جعلته المؤسسة الكنسية، يتنافى مع فكرة ربوبيته ..
لذلك " أوضح البحث التحليلى والتاريخى أنه يجب إعتبار مولد يسوع فى بلدة بيت لحم كعنصر من عناصر قصة كونتها المسيحية الأولى من الناحية الأدبية "، على حد قول كلاوس بايبرشتاين (K. Biberstein) فى كتابه "الأزمنة الأولى للكنيسة" (2002). ولذلك أيضا يقول القس السابق إرنست رينان (E. Renan)فى كتابه عن "حياة يسوع" (1863): " أن يسوع وُلد فى الناصرة، وهى بلدة صغيرة بالجليل، ولم يكن لها أى شهرة من قبله، وطوال حياته عُرف يسوع بالناصرى، ولم يفلحوا فى جعله يولد فى بيت لحم إلا بالتحايل المحرج"، والإحراج هنا ناجم عن ان يسوع لا يمكن أن يولد فى وقت واحد أيام هيرود وأيام إحصاء التعداد والفرق بين الحدثين أحد عشر عاما، ولا يمكن ان يولد فى بلدة لم تكن موجودة فى عهده، فما تقوله الوثائق وكتب التاريخ أن الصليبيين هم الذين بنوها !..
ويقول شارل جينيوبير (Ch. Guignebert): "رغم تكرار فكرة أن يسوع من الناصرة، فى عشرات الآيات، فما من نص قديم، سواء أكان وثنيا أو يهوديا، يذكر مدينة الناصرة (راجع: "يسوع" صفحة79)... ثم يتناول تفسير ما نلخصه بأن هناك عملية تحريف وتلاعب بين كلمة النذير (Nazoréen)، أى الذى نذره أهله او نذر نفسه للسلك الكهنوتى، وهى الموجودة فى النصوص القديمة، وبين كلمة "الناصرى" (Nazaréen)، نسبةً إلى مدينة الناصرة التى تم إختيارها، إذ كيف يمكن لإله أن يُنذر نفسه لسلك الكهنوت ؟!.
أما عن يوم ميلاد يسوع فما من نص مسيحى واحد يحدده، وما يُفهم من الأناجيل أنه وُلد فى بداية فصل الخريف أو الربيع مجازا، حيث أن الرعاة كانوا يباتون فى العراء "يحرسون حراسات الليل على رعيّتهم" (لوقا 2: 8)، وليس فى ديسمبر تحديداً نظرا لإستحالة ذلك فى جو قارس البرودة أوالثلوج المتساقطة .. كما أن عيد الميلاد المحدد بيوم 25 ديسمير لم يكن من الأعياد المسيحية الأولى ولا يرد إسمه فى قوائم الأعياد التى نشرها كل من إيرينى أو ترتوليان (راجع موسوعه أونيفرساليس الفرنسية Universalis والموسوعة الكاثوليكية الأمريكية). ونطالع فى الموسوعة الفرنسية تحديدا: " أن عيد الميلاد لا يمثل عيد مولد يسوع بمعنى الكلمة لأن تاريخ مولده مجهول" (ط 1968 ج19 صفحة 1360) ..
وتؤكد مارتين برّو (M. Perrot) الباحثة بمعهد البحوث القومى فى باريس فى كتاب حول "أصول عيد الميلاد" (2000): "أن الكنيسة قد أقامت عيد الميلاد على إحتفال وثنى وفى مكانه، واستعانت بكثير من التفاصيل الوثنية كالشجرة، و الكعكة على شكل حطبة، ونبات الدبق، والهداية، إلخ "... أى أن المؤسسة الكنسية استحوذت على عيد وثنى وقامت بتنصيره لترسيخ عقائدها بين الشعوب التى تقوم بتنصيرها!.
وقد تم تحديد تاريخ 25 ديسمبر لعيد ميلاد يسوع فى منتصف القرن الرابع. وقبل ربطه بذلك اليوم، فكروا فى تثبيته فى عدة تواريخ منها 6 يناير الذى كان يرمز لعيد تعميده بينما كان يوم أول يناير يرمز لعيد ختانه الذى ألغته الكنيسة لتضع مكانه عيد "القديسة مريم أم الله " !. لكنهم استقروا على يوم 25 لأنه كان يمثل الإحتفال بعيد الشمس التى لا تقهر (Sol Invectus)، وعيد الميلاد الخاص بالإله ميثرا الشديد الإنتشار آنذاك بين الشعب والجيش الرومانى خاصة بعد أن قام الإمبراطور أورليان (270-275) بإعلانه "الإله الحامى الأساسى للإمبراطورية" وجعل من 25 ديسمبر، صبيحة مدار الشتاء، عيدا رسميا.
وكان الإمبراطور قسطنطين الأول، الذى سمح للمسيحيين بممارسة عقيدتهم، من أتباع هذا الإله وله أيقونات وعملات تمثله مؤلها ورأسه محاط بآشعة الشمس، إذ لم يتم تعميده وفقا للعقيدة المسيحية إلا وهو على فراش الموت وعلى مذهب الأريوسية الرافض لتأليه يسوع.
وبناء على توصيات القديس أغسطين، كان على الذين تم تنصيرهم حديثا، فى الإمبراطورية الرومانية، ألا يعبدوا الشمس فى ذلك اليوم وإنما "ربنا يسوع" . وبذلك تم فرضه حتى يسهل على الذين تم تنصيرهم حديثا أن يحتفلوا به بعد أن أدخله البابا ليبريوس سنة 354 م فى روما، وهو الذى حدد الإحتفالات الأولى لإمتصاص الإحتفالات الوثنية.
وتعد هذه المعلومة من الحقائق الأبجدية المسلّم بها فى الغرب، فعندما سألوا البابا السابق يوحنا بولس الثانى، يوم 22 ديسمبر1993، عن رأيه فى هذا الخلط والإستحواذ التاريخى، أقره قائلا: " أيام الوثنيين القدامى كانوا يحتفلون بعيد الشمس التى لا تقهر، والطبيعى بالنسبة للمسيحيين أن يستبدلوا هذا العيد لإقامة عيد الشمس الوحيدة الحقيقية وهى: يسوع المسيح" !. ومثل هذه "الحقائق" والآلاف غيرها هى التى كانت قد جعلت البابا بيوس الثانى عشر يقول فى احد المؤتمرات التاريخية الدولية عام 1955 ما سبق وقاله من قبل: "بالنسبة للكاثوليك، ان مسألة وجود يسوع ترجع إلى الإيمان أكثر منها للعلم " !!
ومن الغريب ان نرى البابا بنديكت 16 يواصل عملية ترسيخ هذه الفريات .. ففى يوم 21 ديسمبر 2008 راح يؤكد فى خطابه الأسبوعى، من نافذته بالفاتيكان، ليربط مولد يسوع المسيح بمدار الشتاء وتوضيح اهمية معنى مولده فى الخامس والعشرين من ديسمبر!!.
وتتوالى المفاجآت عبر السنين لتتبلور فى معطيات تمس بالعقائد وكيفية نسجها، ومنها الخطأ الذى وقع فيه القس دنيس القصير (Denys le Petit)، المتوفى عام 545، والذى عدّل التقويم الميلادى إبتداء من مولد يسوع، ولم يدرك انه بجعل ميلاد يسوع فى ديسمبر 753 من تأسيس روما يتناقض مع تواريخ هيرودس الأكبر المتوفى سنة 750، كما فاته إحتساب عام صفر بين التقويمين، فأول عام ميلادى يُحتسب عدداً من العام التالى لميلاد يسوع ! والطريف أن جميع المؤرخين والتقويميين فى الغرب يعرفون ذلك وما من أحد يجرؤ على المطالبة بالتعديل لعدم إضافة مزيد من الأدلة على عمليات التحريف ..
وفى عام 2001 صدر كتاب الباحثة أوديل ريكو (Odile Ricoux) الذى تقدمت به كرسالة دكتوراه فى جامعة فالنسيان، شمال فرنسا، تحت عنوان " يسوع وُلد فى شهر يوليو"! وقد اقامت الكاتبة بحثها على العديد من الدراسات التى سبقتها إعتماداً على ذلك التيار الجديد، لذى يربط علم الفلك بالعلوم الإنسانية، الدائرة خاصة فى جامعة ستراسبور بفرنسا. وقد إعتمدت على ضوء الشِّعْرَى اليمانية وعلى مكانتها فى الديانة المصرية القديمة وعلى كل ما انتقل منها إستحواذاً أو تحريفاً إلى العقائد المسيحية..
وفى 9/12/2008 نشرت جريدة "تلجراف" البريطانية موضوعا تحت عنوان: علماء الفلك يعلنون: "يسوع وُلد فى يونيو" ! ففى أبحاثهم الفلكية إستطاعوا إستعادة تكوين شكل السماء والنجوم يومياً نزولا لبضعة آلاف من السنين، وببحثهم فى صور السماء منذ الفى عام وجدوا أن هناك نجم سطع فوق سماء بيت لحم فى 17/6 وليس فى 25/12، وان ذلك النجم الساطع كان إلتقاء واضح لكوكبى الزهراء والمشترى اللذين كانا قريبين من بعضهما فى يونيو سنة 2 ق م لدرجة يبدوان فيها نجما واحدا.
ويقول ديف رينيكى (Dave Reneke) عالم الفلك الأسترالى والمحاضر الأساسى فى مرصد ميناء ماكوارى: " لا نقول أن هذه هى النجمة الدالة على عيد الميلاد يقينا، لكنها أقوى تفسير علمى يمكن تقديمه" ثم أضاف قائلا: "ان شهر ديسمبر هو شهر إفتراضى تقبلناه جدلا لكنه لا يعنى انه يشير الى تاريخ الميلاد حقا " ..
وسواء أكانت الأبحاث تدور فى مجال علم مقارنة الأديان، أو ربط علم الفلك بالعلوم الإنسانية، أو الأبحاث الفلكية البحتة، أو حتى إعادة النظر فى النصوص التى هُريت بحثا، فإن كل الأبحاث العلمية الحديثة تشير إلى بطلان حدوث عيد الميلاد فى شهر ديسمبر وتؤكد أن يسوع وُلد فى الصيف، وهو ما قاله القرآن الكريم منذ أكثر من الف وأربعمائة عام حين قال بوضوح:
" وهزّى إليك بجذع النخلة تساقط عليكِ رطبا جنيا "، (25/ مريم).
والمعروف أن الرطب والبلح والتمر بكافة أنواعه لا يوجد إلا فى فصل الصيف !. وصدق ربى، رب العزة سبحانه عما يُشركون ..
مع تحيات الدكتورة زينب عبد العزيز
http://dr-z-abdelaziz.com/
القلب الحزين
13-12-2013, 05:17 PM
المتناقضات في الأناجيل ــ 1
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1202553201428px-family-bible.jpg
صورة لإنجيل أمريكي يعود إلى 1859م
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
عادة ما يغضب بعض المسيحيين من الإشارة إلى المتناقضات فى الأناجيل أو فى الكتاب المقدس، التى باتت تُعد بالآلاف، ويتهمون قائلها بأنه يعتدى على "قدسية" نصوص منزّلة !.. بل لقد أضيف إلى عبارة الغضب هذه رد صادر عن المؤسسة الفاتيكانية، للتمويه على الحقائق العلمية، بأن هذه المتناقضات ليست بمتناقضات، وإنما هى آيات تكمّل بعضها بعضا ! وذلك هو ما قاله أيضا الأب رفيق جريش، فى المداخلة التى قام بها، ردا على ما أشرت إليه بهذا الصدد، فى برنامج "90 دقيقة" على قناة المحور، يوم 14 يناير الماضى..
وفى واقع الأمر، أن هذه "القدسية" المزعومة قد إعتدى عليها الفاتيكان فعلا ثلاث مرات: المرة الأولى فى مجمع ترانت، سنة 1546، حينما فرضها على الأتباع قهرا فى الدورة الرابعة، يوم 8 أبريل، قائلا أن "الله هو المؤلف الوحيد للكتاب المقدس"، وهى العبارة الواردة فى وثائق ذلك المجمع، مع فرض "اللعنة على كل من يتجرأ ويسأل عن مصداقية أى شىء" ! (المجامج المسكونية، الجزء الثالث صفحة 1351، طبعة لوسير 1994).
والمرة الثانية، مع تقدم العلوم والدراسات التاريخية واللغوية، حينما تراجع الفاتيكان عن عبارة أن "الله هو المؤلف"، ليقول فى مجمع الفاتيكان الأول سنة 1869 : "أن الله قد ألهم الحواريين عن طريق الروح القدس" !..
أما المرة الثالثة، ففى مجمع الفاتيكان الثانى المنتهى سنة 1965 . فمن أهم ما ناقشه : الدراسات النقدية التى أطاحت بمصداقية الكتاب المقدس بعامة، وبالعهد الجديد بصفة خاصة.. فبعد مداولات متعددة لدراسة كيفية صياغة الإعلان عن هذا التراجع المطلوب، المناقض لكل ما تم فرضه قهرا لمدة قرون، على أنها نصوص منزّلة، تم التوصل إلى محاولة للتخفيف من وقعه على الأتباع، عبر خمس صياغات مختلفة، واقترعوا على الصيغة النهائية، بأغلبية 2344 صوتا مؤيدا، ضد 6 أصوات معارضة..
ويقول النص الصادر عن الفاتيكان : "أن هذه الكتب وإن كانت تتضمن الناقص والباطل، فهى مع ذلك تُعد شهادات لعلم تربية إلهى حقيقى" .. ويعنى النص بالفرنسية :
"Ces livres, bien qu'ils contiennent de l'imparfait et du caduc, sont pourtant les témoins d'une pédagogie divine" !..
وفى العدد رقم 137 من مجلة "عالم الكتاب المقدس" سبتمبر- أكتوبر 2001، والذى يتصدر غلافها موضوع رئيسى بعنوان : "من كتب الكتاب المقدس ؟ "، نطالع فى المقال الذى بقلم جوزيف موان J. Moingt، الأستاذ المتفرغ بكليات الجزويت بباريس، والذى يشير فيه إلى صعوبتين فيما يتعلق بالكتاب المقدس قائلا:
" أولا أن الكتاب المقدس ليس كتابا بالمعنى المفهوم وإنما مكتبة بأسرها، مجموعة متعددة من الكتب والأنواع الأدبية المختلفة، بلغات مختلفة، ويمتد تأليفه على عشرات القرون، وأنه قد تم تجميع كتبه فى شكل كتاب بالتدريج، إبتداء من مراكز صياغة ونشر متنوعة. ثانيا كل كتاب من هذه الكتب لم يتم تأليفه دفعة واحدة، بقلم نفس الكاتب، وإنما صيغ كل كتاب منها إعتمادا على العديد من التُراث الشفهية المتناثرة وكتابات جزئية متفرقة ناجمة عن مصادر شتى بعد أن تمت إعادة كتابتها وصياغتها وتبديلها على فترات طويلة قبل أن تصل إلى ما هى عليه".. ويوضح هذا الإستشهاد كيف أن مثل هذه المعلومات، فى الغرب، باتت من المعلومات الدارجة التى يتم تناولها على صفحات الجرائد والمجلات ..
وإذا أضفنا إلى ما تقدم، كل ما توصلت إليه "ندوة عيسى"، (http://quran-m.com/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=1615&select_page=23) بمعنى أن 82% من الأقوال المنسوبة ليسوع لم يتفوّه بها، وأن 86 % من الأعمال المسندة إليه لم يقم بها، لأدركنا فداحة الموقف، من حيث الهاوية التى تفصل الحقائق التى توصل إليها العلم والعلماء، وكثير منهم من رجال اللاهوت، والإصرار الأصم على تنصير العالم، بأى وسيلة وبأى ثمن - رغم كل الشعارات الطنانة والمتكررة التى يعلنونها بإحترامهم أصحاب الأديان الأخرى !
ولا أتناول هذا الموضوع من باب التجريح أوالإنتقاص من أحد - فما من إنسان فى هذا الزمن مسؤل عما تم فى هذه النصوص من تغيير وتبديل، عبر المجامع على مر التاريخ، لكننى أطرحه كقضية عامة تهم كل المسلمين، أينما كانوا، والذين باتت تُفرض عليهم عملية تنصير لحوحة وغير إنسانية، مدعومة بالضغوط السياسية وبما يتبعها من تنازلات .. لذلك أناشد كافة الجهات المعنية التصدى لهذه المهزلة المأساوية الكاسحة !..
كما أنها تهم كل القائمين على عمليات التبشير والتنصير، التى تدور رحاها بذلك الإصرار الغريب، حتى يدركوا فداحة ما يتسببون فيه حقيقة، على الصعيد العالمى، من ضغوط وإنفجارات .. ضغوط وإنفجارات ناجمة عن إصرارهم على إقتلاع دين الآخر، ونحن جميعا فى غنى عنها ـ خاصة وأنها تدور قهرا، بجيوش مجيشة من العاملين فى هذا المجال، من أجل فرض نصوص وعقائد أقرت قياداتها العليا، منذ أجيال عدة، بأنها تتضمن "الناقص والباطل" كما رأينا..
وقد قامت نفس هذه القيادات بالتمويه على ما بها من متناقضات، جلية لكل عين لا تتعمد فقدان البصر والبصيرة، باختلاق بدعة أنها تعبّر عن تعددية الرؤية والتعبير، أوأنها تكمل بعضها بعضا !.. لذلك أصبحوا يقولون "الإنجيل وفقاً لفلان"، وليس "إنجيل فلان" .. وهو ما يحمل ضمناً الإعتراف بوجود مساحة من الشك والريبة غير المعلنة ..
وإذا ألقينا بنظرة على بعض هذه المتناقضات، التى قالت عنها الموسوعة البريطانية فى مداخلة "الكتاب المقدس" أنها تصل إلى 150,000 تناقضا، وقد رفعها العلماء مؤخرا إلى الضعف تقريبا، لأمكن لكل قارىء ـ أيا كان إنتماؤه، أن يرى بنفسه ويقارن مدى مصداقية مثل هذه النصوص، أومدى إمكانية إعتبارها نصوص منزّلة ! ونورد ما يلى على سبيل المثال لا الحصر:
* التكوين 1 : 3-5 فى اليوم الأول الله خلق النور ثم فصل النور عن الظلمة
* التكوين 1 : 14-19 تم ذلك فى اليوم الرابع
* التكوين 1 : 24-27 خلق الحيوانات قبل الإنسان
* التكوين 2 : 7 و19 خلق الإنسان قبل الحيوانات
* التكوين 1 : 31 اُعجب الله بما خلق
* التكوين 6 : 5-6 لم يعجب الله بما خلق وحزن وتأسف ..
* التكوين 2 : 17 كتب على آدم أن يموت يوم يأكل من شجرة المعرفة، وقد أكل
* التكوين 5 : 5 آدم عاش 930 سنة !
* التكوين 10 : 5 و20 و31 كل قبيلة لها لغتها ولسانها
* التكوين 11 : 1 كانت الأرض كلها لسانا واحداً ولغة واحدة
* التكوين 16 : 15 و21 : 1-3 إبراهيم له ولدان إسماعيل وإسحاق
* العبرانيين 11 : 17 إبراهيم له ولد واحد وحيده إسحاق (وتم إستبعاد إسماعيل)
* التكوين 17 : 1—11 الرب يقول عهد الختان عهداً أبدياً
* غلاطية 6 : 15 بولس يقول ليس الختان ينفع شيئا (وبذلك تعلوكلمة بولس على كلمة
الرب) !..
* خروج 20 : 1-17 الرب أعطى الوصايا العشر لموسى مباشرة بلا وسيط
* غلاطية 3 : 19 أعطاها الرب مرتبة بملائكة فى يد وسيط
* الملوك الثانى 2 : 11 صعد إيليا فى العاصفة إلى السماء
* يوحنا 3 : 13 لم يصعد أحد إلى السماء إلا إبن الإنسان (يسوع)
* متى 1 : 6 – 7 نسب يسوع عن طريق سليمان بن داوود
* لوقا 3 : 23 -31 نسب يسوع عن طريق ناثان بن داوود
* متى 1 : 16 يعقوب والد يوسف
* لوقا 3 : 23 هالى والد يوسف
* متى 1 : 17 جميع الأجيال من داوود إلى المسيح ثمانية وعشرون
* لوقا 3 : 23 -28 عدد الأجيال من داوود إلى المسيح أربع وثلاثون
* متى 2 : 13 – 16 يوسف أخذ الصبى (يسوع) وأمه وهربوا إلى مصر
* لوقا 2 : 22 – 40 عقب ميلاد يسوع يوسف ومريم ظلا فى أورشليم ثم عادوا إلى
الناصرة ! أى أنهم لم يذهبوا إلى مصر بالمرة، بل ولا يرد ذكر ذبح الأطفال بأمر هيرود
* متى 5 : 17 – 19 يسوع لم يأت لينقض الناموس
* أفسوس 2 : 13 – 15 يسوع قد أبطل الناموس بجسده !
* متى 10 : 2، ومرقس 3 : 16 – 19، ولوقا 6 : 13 – 16، وأعمال الرسل 1 : 13
تختلف بينها أسماء وأعداد الحوايرين ..
* متى 10 : 34 جاء يسوع ليلقى سيفا وليس سلاما
* لوقا 12 : 49 – 53 جاء يسوع ليلقى ناراً وإنقساما
* يوحنا 16 : 33 جاء يسوع ليلقى سلاما ! بينما يقول يسوع :
* لوقا 19 : 27 أما أعدائى أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فاْتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامى !!
* متى 16 : 18ـ19 يسوع يقول أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابنِ كنيستى وأبواب الجحيم لن تقوى عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات ..
* متى 16 : 23 فالتفت يسوع وقال لبطرس إذهب عنى يا شيطان أنت معثرة لى لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس !.. وكررها مرقس كاتبا : " فانتهر بطرس قائلا إذهب عنى يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس" (8 : 33) ! فكيف يمكن لكنيسة أن تقوم على شخص يعتبره السيد المسيح شيطانا ومعثرة ولا يهتم بما لله ؟!.
* مرقس 14 : 44-46 علامة خيانة يهوذا ليسوع أن يقبله
* لوقا 22 : 47-48 يهوذا دنا من يسوع ليقبله
* يوحنا 18 : 2-9 يسوع خرج وسلم نفسه ولا ذكر لقبلة يهوذا الشهيرة
* متى 27 : 5 يهوذا طرح الفضة (النقود) أرضا ثم انصرف
* أعمال الرسل 1 : 18 يهوذا يقتنى حقلا بأجرة خيانته
* متى 27 : 5 يهوذا خنق نفسه
* أعمال الرسل 1 : 18 يهوذا يسقط على وجهه وانشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها
* متى 27 : 28 ألبسوا يسوع رداءً قرمزيا (علامة على الإهانة) ! ..
* مرقس 15 : 17 البسوه رداءً أرجوانيا (علامة على المَلَكية) !..
* متى 27 : 32 سمعان القيروانى سخّر لحمل صليب يسوع
* يوحنا 19 : 17 خرج يسوع حاملا صليبه
* متى 27 : 46 – 50 كانت آخر كلمات يسوع "إيلى إيلى لما شبقتنى، أى إلهى إلهى لماذا
تركتنى " ..
* لوقا 23 : 46 كانت آخر كلمات يسوع " يا أبتاه فى يدك أستودع روحى" ..
* يوحنا 19 : 30 كانت آخر كلماته " قد أكمل " ونكس رأسه وأسلم الروح ..
* لوقا 23 : 43 قال يسوع للص المصلوب بجواره : الحق أقول لك إنك اليوم تكون معى فى الفردوس !..
* أعمال الرسل 2 : 31 تقول الآية أنه ظل فى الجحيم حتى بُعث (فى طبعة 1831)، وفى طبعة 1966 تم تغيير عبارة "الجحيم" وكتابة "الهاوية" !..
وتغيير الكلمات أو العبارات من علامات التلاعب بالنص المتكررة، وليست فقط فى الآية السابقة وتعد بالمئات، فعلى سبيل المثال نطالع فى طبعة 1671، فى سفر إشعيا 40 : 22 عبارة "الذى يجلس على دايرة الأرض وسكانها هم مثل جراد : الذى يمد السموات كلا شىء ويبسطهن كمخبأ للمسكون "، نجدها قد تحولت فى طبعة 1966 إلى : " الجالس على كرة الأرض وسكانها كالجندب الذى ينشر السموات كسرادق ويبسطها كخيمة للسكن " ! وأهم فارق يشار إليه فى هذا التغيير هو حذف عبارة " دايرة الأرض" التى تشير إلى أن الأرض مسطحة حتى وإن كانت مستديرة الشكل، وكتابة " كرة الأرض" لتتمشى مع التقدم العلمى الذى أثبت أن الأرض كروية وتدور حول الشمس، وهى القضية التى تمت محاكمة جاليليو بناء عليها، ومن الواضح أن التغيير قد تم بعد ثبوت كلام جاليليو!
وهناك آيات جد محرجة فى معناها، إذ تكشف عن حقيقة موقف أهل يسوع وأقرباؤه، كأن نطالع : " ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا أنه مختل . وأما الكتبة الذين نزلوا من أورشليم فقالوا إن معه بعلزبول وأنه برئيس الشياطين يُخرج الشياطين. " (مرقس 3 :21-22).. وهوما يؤكده يوحنا، إذ يقول : " فقال له اليهود الآن علمنا أن بك شيطانا" (8: 52 ) بل يضيف يوحنا : " لأن إخوته أيضا لم يكونوا يؤمنوا به" ( 7 : 5 ) !. فهل يجوز لمثل هذا الإنسان الذى يصفه أقرباؤه بالمختل، ويرى فيه اليهود أن به شيطانا، وان إخوته لم يكونوا يؤمنوا به ان يكون إلاها ويصبح "ربنا يسوع المسيح" الذى يجاهد التعصب الكنسى لفرض عبادته على العالم ؟!
أما مسألة يسوع وإخوته فما هو مكتوب عنها يؤكدها تماما، إذ يقول لوقا : " فولدت إبنها البكر وقمّطته وأضجعته فى المزود إذ لم يكن لهما موضع فى المنزل " (2 : 7) .. وعبارة "الإبن البكر" تعنى يقينا أن له إخوة وأخوات كما هو وارد فى متى (13 : 55 – 56 )، وأن يسوع، عليه الصلاة والسلام، هو أكبرهم، أى الإبن البكر ..
وهو ما يؤكده متى حينما يورد الحلم الذى رآه يوسف النجار :"فلما إستيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره الرب وأخذ إمرأته. ولم يعرفها حتى ولدت إبنها البكر ودعا إسمه يسوع" (1 : 24 -25 ).. وعبارة "لم يعرفها حتى ولدت" تعنى أنه لم يعاشرها جسدا حتى وضعت إبنها البكر. وهذا تأكيد على صحة عبارة الإخوة والأخوات المذكورين بأسمائهم فى مرقس (6 : 3) . خاصة وأن النص اليونانى للإنجيل يحمل عبارة "أدلفوس" adelfos أى أخ شقيق، وليس "أنبسوى" anepsoi، أى أولاد عمومة كما يزعمون كلما اُثيرت هذه المشكلة التى تمس بألوهية يسوع ..
وهناك العديد من الوقائع التى لم يشهدها أحد فكيف وصلت لكتبة الأناجيل، ومنها السامرية التى قابلها يسوع، رغم العداء الشائع بين اليهود والسامريين، إضافة إلى أن هذه السامرية بها من المحرمات الدينية والشرعية ما يجعله يبتعد عنها، فهى متزوجة خمس مرات وتحيا فى الزنا مع آخر، ورغم ذلك نرى يسوع عليه السلام، يبوح لها فى إنجيل يوحنا بما لم يقله لمخلوق ( 4 : 26 )، بأنه هو المسيح المنتظر !! فاي عقل أو منطق يقبل مثل هذا القول؟
وهناك تناقضات تشير إلى عدم صلب يسوع، عليه السلام، بالشكل المعترف عليه الآن، فالنص يقول أنه عُلق على خشبة ! وهو ما يتمشى مع الواقع، فالصليب بشكله الحالى لم يكن معروفا فى فلسطين آنذاك .. وتقول الآيات :
"إله آبائنا أقام يسوع الذى أنتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة" ( اع 5 : 30 ) ؛ " ..الذى أيضا قتلوه معلقين إياه على خشبة" ( اع 10 : 39 ) ؛ " ولما تمموا كل ما كتب عنه أنزلوه عن الخشبة ووضعوه فى قبر" ( اع 13 : 29 ) ؛ " المسيح إفتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من عُلق على خشبة" (رسالة بولس إلى أهل غلاطية 3: 13) ؛ وهو ما يؤكده بطرس فى رسالته الأولى إذ يقول : " الذى حمل هو نفسه خطايانا فى جسده على الخشبة" (2 : 24 ) .. فأية آيات نصدق فى مثل هذه الأناجيل ؟!. ولا تعليق لنا على إعتبار السيد المسيح عليه الصلاة والسلام " لعنة " و" ملعونا " والعياذ بالله !
وليس كل ما تقدم إلا مجرد شذرات، مقارنة بعددها الفعلى، فلا يسع المجال هنا لتناول تلك الآلاف من المتناقضات الثابت وجودها فى النصوص الدينية، لكنا نشير إلى حقيقة أن هذه النصوص، بالشكل التى هى عليه، ليست منزّلة – بإعتراف قادة المؤسسة الكنسية الفاتيكانية، والعديد من الباحثين . وإنما هى قد صيغت وفقا للأغراض والأهواء السياسية والدينية، وبالتالى فانه لا يحق لأى "إنسان" أن يحاول فرضها على المسلمين اوغير المسلمين !
ليؤمن بها من شاء من أتباعها وليكفر بها من شاء من أتباعها، لكن فرضها على العالم أجمع، وخاصة على العالم الإسلامى الموحد بالله الواحد الأحد الذى لم يلد ولم يولد، فهوأمر مرفوض بكل المقاييس . فالآيات التى يتذرعون بها لتنصير الشعوب والتى تقول : "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس" (متى 38 : 19) قد تمت صياغتها فى مجمع القسطنطينية، سنة 381، بإختلاق بدعة الثالوث وإقحامها فى الأناجيل التى بدأت صياغتها فى أواخر القرن الأول .. فبأ عقل يمكن للدارس أوحتى للقارىء العادى أن يضفى أية مصداقية على ذلك الكم من المتناقضات ؟!..
يمكن مراسلة المؤلفة :
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 05:18 PM
المتناقضات فى الأناجيل 2
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12266717439652.jpg صورة لمخطوط قديم للإنجيل
أستاذ الحضارة الفرنسية
أدهشنى ما أثاره بعض إخواننا المسيحيين من تعليقات تستنكر ما نشرته فى مقال سابق حول تحريف الأناجيل، لذلك لا يسعنى إلا تقديم بعض النماذج الأخرى حتى وإن كانت مسألة تحريف "الكتاب المقدس" برمته محسومة بين العلماء بل واقرها الفاتيكان فى مجمعه الثانى سنة 1965 وليست بحاجة إلى مزيد من الأمثلة..
ورغمها، لن أتناول هنا إلا خمسة نماذج فقط من هذه المتناقضات، التى تُعد باللألاف، وكلها متعلقة مباشرة بيسوع عليه السلام. ويسوع المسيح يُعد أهم شخصية فى المسيحية بكل إنقساماتها وفرقها التى تعدت الثلاثمائة سبع وأربعين الأعضاء بمجلس الكنائس العالمى. ويقولون إن كل ما هو مكتوب عن يسوع فى هذه الأناجيل صحيح تماماً و"منزل من عند الله".. ليرى القارىء بنفسه ما تقدمه المؤسسة الكنسية من نصوص، عانت فعلا على مر التاريخ من شتى أنواع التلاعب والتغيير والتبديل، إلى درجة تمس تعاليم العقيدة نفسها من جهة، ومن جهة اخرى، ان هذه المؤسسة الكنسية تسعى لفرضها على العالم أجمع بدأً بالمسلمين، لذلك يتعيّن علينا كمسلمين أن نفهم ما بها..
وكل ما أرجوه من إخواننا المسيحيين هو ان يفتحوا أناجيلهم ليراجعوا فيها الآيات الواردة منها هنا أو فى أى مقال آخر كتبته. علما بأننى أستعين بطبعة 1966، لا لقلة ما لدىّ من نسخ متفاوتة التواريخ، بدأً من تسة 1671، ولكن لأنها النسخة التى لم تطلها التعديلات الجديدة بعد مجمع الفاتيكان الثانى المنتهى عام 1965، مع الأخذ فى الإعتبار بأن جميعها تختلف فعلا من طبعة لأخرى. وهذه الآيات من المفترض أنها كافية لإقناع أى قارىء بوجود متناقضات.. وابدأ بمن هو مفترض جد يسوع:
1 - الإختلاف فى والد يوسف:
يقول إنجيل متّى: "ويعقوب وَلَد يوسف رجل مريم التى وُلد منها يسوع الذى يُدعى المسيح " (1: 16). ويقول إنجيل لوقا: "ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ما كان يُظن إبن يوسف إبن هالى" (3: 23)، فأيهما والد يوسف: يعقوب أم هالى؟ فمن المحال ان يكون له أبّان بيولوجيان، والحديث هنا عن إنسان، بشر عادى، وليس عن إنسان تم تأليهه ويطلقون عليه "ربنا يسوع المسيح" !.
2 – الإختلاف فى شجرة نسب يسوع:
توجد شجرة نسب يسوع ابن مريم فى إنجيل متّى (1: 6-16)، كما توجد فى إنجيل لوقا (3: 23-31). إنجيل متّى يبدأ من سيدنا إبراهيم نزولا إلى يسوع، ولوقا يبدأ من يسوع صعودا إلى آدم، والإسم الوحيد المشترك بين هاتين القائمتين، من داود ليسوع، هو يوسف.. فكيف يستقيم كل ذلك التفاوت ؟! بل والأدهى من ذلك كيف يمكن أن يكون ليسوع شجرة عائلة مثبوتة بالإسماء، وإن إختلفت، والكنيسة تؤكد أنه أتى من الروح القدس وأنه إبن الله ؟. بغض الطرف هنا عن ان الروح القدس – كما تؤكد الكنيسة أيضا، هو جزء من الثالوث الذى لا يتجزأ فالثلاثة واحد وهو ما يُفهم منه ان يسوع قد أنجب نفسه، لكى لا نكرر أقوال بعض العلماء فى الغرب من ان ذلك يمثل حالة زنا إذا ما أخذنا والعياذ بالله بأن مريم "ام الله" كما يقولون، حملت من الروح القدس أى من إبنها !.
3 – الإختلاف فى مولد يسوع:
تورد الأناجيل مرة ان يسوع وُلد أيام هيرودس (متّى 2: 1)، ومرة أيام كيرينيوس (لوقا 2: 2).. والثابت تاريخيا أن هيرودس مات سنة 4 قبل الميلاد، بينما كيرينيوس قد تم تعيينه والياً على منطقة سوريّة فى عام ستة ميلادية ! أى ان الفرق الزمنى بين التاريخين قدره على الأقل عشر سنوات لتحديد تاريخ ميلاد يسوع، فهل هذا معقول ؟ بل والثابت تاريخيا أيضا أنه لم تحدث أية مجزرة للأطفال أيام هيرودس ! وما يكشف عن إختلاف آخر أن إنجيل مرقس يقول أنه وُلد فى الناصرة، بالجليل، بينما يقول كل من متّى ولوقا انه وُلد فى بيت لحم بمنطقة اليهودية: فأيّهم أصدق، وجميعهم رسل وقديسين ؟!. وهنا لا بد من الإشارة إلى قول العالم الفرنسى إميل بويخ (E. Puech) مدير المعهد القومى للأبحاث العلمية (CNRS) فى فرنسا مؤكدا: "يجب علينا أن نعترف بأمانة أننا لا نمتلك حتى الآن أى نص من شهود عيان عن يسوع"، وذلك لأن كل ما كتب عنه كتب بأثر رجعى وبعد أجيال وقرون...
4 – الإختلاف فى معرفة يسوع إبن من ؟!:
يقول إنجيل لوق أنه عندما تخلّف الصبى يسوع فى المعبد وهو فى الثانية عشر " وكان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم فى عيد الفصح" (2: 41) ضل عنهما الطفل يسوع، وبعد ثلاثة أيام من البحث وجدا الصبى فى الهيكل جالسا وسط المعلمين فلما أبصراه إندهشا: " وقالت له أمه يابنىّ لماذا فعلت بنا هكذا. هو ذا أبوك وأنا كنّا نطلبك معذّبين" (2: 48).ويزداد الأمر خلطاً حينما يجيبها الطفل يسوع قائلا: " لماذا كنتما تطلبانى ألم تعلما أنه ينبغى أن أكون فى ما لأبى. فلم يفهما الكلام الذى قاله لهما" (2: 39-50) أى ان مريم وزوجها والد الطفل يسوع ( كما تقول هى فالمفترض أنها أدرى ممن أنجبت إبنها) وأيضا كما يقول إنجيل لوقا، المهم ان الإثنين لا يعرفان أى شىء عن رسالة يسوع، وهو ما يخالف ما ورد بنفس الإصحاح فى الآية 19 حينما راح ملاك الرب يخبر الرعاه بمجىء الرب يسوع المخلّص، ثم ذهب الرعاة يخبروا بالكلام الذى قيل لهم عن هذا الصبى: "وأما مريم فكانت تحفظ هذا الكلام متفكرة به فى قلبها".. فكيف تعرف مريم هذا الكلام عن ظهر قلب وحينما يحدثها ذلك الرب، الذى هو إبنها، لا تفقه منه شيئا ؟؟. بل والأكثر من ذلك ان كل ما ورد بإنجيل لوقا حول واقعة المعبد يتناقض تماما مع قصة نزوح العائلة المقدسة إلى مصر..
وعملية تفنيد حضور العائلة المقدسة الى مصر تناولها فى الغرب العديد من المؤرخين والباحثين ولن أشير هنا سوى الى ميشيل كوكيه ( M. Coquet ) القس السابق وكتابه "إزالة الخدع عن حياة يسوع" الصادر عام 2003، وتقول الفقرة:
"أقر المؤرخون ولله الحمد ان هروب العائلة المقدسة الى مصر، كما يصفها لنا إنجيل متّى لا مصداقية لها. فعبور الصحراء الشديدة الحر نهاراً والشديدة البرودة ليلا، مسافة خمسمائة كيلومترا، فى منطقة مليئة باللصوص وبالحيوانات المفترسة، على ركوبة لا يمكنها ان تحمل على ظهرها المياة والأكل اللازم لمثل هذه الرحلة، تبدو عملية مستحيلة التنفيذ بالنسبة لزوجين وطفل رضيع. والأكثر من ذلك، إذا سار يوسف على قدميه بواقع خمسة عشر كيلومتراً فى اليوم، فسيأخذ منه ذلك حوالى شهرا فى ظروف شديدة القسوة. فالطريق الذى سار فيه بدأ من بيت لحم الى الخليل. ومن غزة كان على العائلة المقدسة ان تتبع قرب الشاطىء الى القنطرة والإسماعيلية واخيرا القاهرة. وفى واقع الأمر، ليس لدينا أى دليل على هذه الرحلة، حتى وإن قامت الكنيسة القبطية بنشر خط السير هذا (بمساعدة وزارة السياحة المصرية !) (الأقواس وعلامة التعجب من الكاتب)، إعتمادا على بردية من القرن الخامس مكتوب عليها خط السير الذى سلكته العائلة المقدسة، بل ويحددون ان الإقامة إمتدت لمدة ثلاث سنوات وأحد عشر شهراً, والقرن الخامس بكل سوء حظ هو القرن الذى إنتهوا فيه من إستكمال إختلاق قصة يسوع. وبعد قرن من الحفائر الأثرية فى الأرض المقدسة لم يتم العثور على أى دليل لهذا الهروب" (صفحة 266).. واللهم لا تعليق !
5 – الإختلاف حول إنجيل يسوع:
يقول القديس بولس، الذى افرَدَت له مؤسسة الفاتيكان عاما بأسره، من 28/6/2008 الى 29/6/2009 للإحتفال به، نظراً لأهميته اللاهوتية وفى الدعوة وسط الأمم، يقول هذا الرسول القديس إلى أهل رومية: "... حتى انى من أورشليم وما حولها إلى الليريكون قد أكملت التبشير بإنجيل المسيح" (15: 19)، وفى نفس الرسالة فى الآية 29 يقول "... وأنا أعلم انى اذا جئت اليكم سأجى فى ملء بركة إنجيل المسيح"، وفى الرسالة الثانية الى أهل كورنثوس يقول: "... إنجيل مجد المسيح الذى هو صورة الله" (4: 4)، وفى نفس الرسالة يقول: "فإنه إن كان الآتى يكرز بيسوع آخر لم نكرز به أو كنتم تأخذون روحا آخر لم تأخذوه أو إنجيلا آخر لم تقبلوه فحسنا كنتم تحتملون" (11: 4)، وإلى أهل غلاطية يقول: " إنى أتعجب أنكم تتنقلون هكذا سريعا عن الذى دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر. ليس هو آخر غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون ان يحوّلوا إنجيل المسيح " (1: 3-6)..
و ما نخرج به من هذه الآيات الصادرة عن أهم الحواريين فى نظر الكنيسة، وبوضوح لا لبس فيه، ان السيد المسيح كان له إنجيلا يكرز به، وهو ما لا أثر له فى التراث الكنسى الحالى بكله وإن كان يتفق تماما مع ما يثبته القرآن الكريم من أن الله عز وجل قد أوحى الإنجيل إلى عيسى بن مريم..
ومن ناحية أخرى، من المفترض ان رسائل بولس هذه صيغت سنة 54 ميلادية كما يقول المختصون الكنسيون.. وهنا يمكن الجهر بكل ثقة للمؤسسة الكنسية بكامل هيئاتها وبناءً على أقوال بولس الرسول: ان السيد المسيح كان له إنجيلا يبشر به فأين هو ؟! فرسائل بولس وأعمال الرسل هى أول نصوص كتبت فى المسيحية وتؤرخونها بعام 54، وكل ما يقال فى الوثائق الكنسية ان صياغة الأناجيل تمت من سنة 70 الى 95. فإذا اضفنا أعمار الحواريين الى هذه التواريخ لأدركنا انهم كانوا فى حوالى المائة سنة سناً أو أكثرً، وهو ما لا يتمشّى مع نسبة متوسط الأعمار من الفين سنة مضت – بغض الطرف عن مخالفة هذه المعلومة للواقع، إذ ان صياغة الأناجيل إمتدت حتى أواخر القرن الرابع بإعتراف القديس جيروم نفسه، فهو الذى كوّن هذه الأناجيل الأربعه وعدّل وبدّل فيها كما قال فى المقدمة التى تتصدر ترجمته.. فكيف يتحدث بولس ويحذّر الأتباع من الإلتفات إلى أى إنجيل آخر سوى إنجيل يسوع الذى كان يبشّر به ؟!.
وأغض الطرف هنا أيضا عن إن هذا القول من بولس يتضمن إتهاما لباقى الحواريين، إتهام بالكذب وتحريف الرسالة، فلم يكن آنذاك اى فرد آخر يقوم بالتبشير سوى الحواريين الذين يتهمهم بولس صراحة بأنهم كذبة..
فهل يحتاج الأمر بعد ذلك إلى مزيد من الأدلة على التناقضات فى الأناجيل ؟ ولا يسعنى إلا أن أضيف بكل هدوء إلى إخواننا المسيحيين بكل فرقهم: إقرأوا أناجيلكم بدلا من الإنسياق فى التعاون مع الذين فرضوا عليكم المساهمة فى عملية تنصير العالم، فوثيقة "إلى العلمانيين" المخجلة، الصادرة عن مجمع الفاتيكان الثانى، التى يفرض فيها لأول مرة فى التاريخ على كافة المسيحيين، الكنسيين منهم والمدنيين، العمل على إقتلاع الإسلام والمسلمين لتنصير العالم، موجودة ومنشورة ضمن قرارات ذلك المجمع.
إقرأوا أناجيلكم بإمعان، وافهموا ما بها، فما من عاقلٍ أمين مع نفسه يمكنه قبول مثل هذه المتناقضات أو الإيمان بها لسبب بسيط هو: هل يمكن لمثل هذا الخلط والتناقض أن يكون منزّلا من عند الله ؟!..
قال الله تعالى في في كتابه الكريم: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) صدق الله العظيم.
13/11/2008
يمكن التواصل مع الدكتور زينب على الإيميل التالي:
[email protected]
يمكن زيارة موقع الدكتورة زينب لقراءة المزيد من المقالات
http://dr-z-abdelaziz.com/
القلب الحزين
13-12-2013, 05:19 PM
حوار الأديان فى هيئة الأمم
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12273888521_795750_1_34.jpg جانب من حوار الأديان الذي عقد في الأمم المتحدة
يتسم مؤتمر حوار الأديان الذى أقيم فى هيئة الأمم يومى 12 و13 نوفمبر الحالى (2008) بأكثر من مغزى: فهو من ناحية يمثل تتويجاً لمساعى البابا بنديكت 16، وإصراره على غرس أرض الحرمين الشريفين بالأناجيل والكنائس وفرض قبول مبدأ الإرتداد عن الإسلام رسمياً، وذلك ضمن مسيرته الرامية إلى تنصير العالم ؛ ومن ناحية أخرى يمثل عملية تطبيع رخيصة الشكل والثمن مع الكيان الصهيونى المحتل لأرض فلسطين؛ إضافة إلى المعنى المغيّب للدور الذى تقوم به منظمة هئية الأمم فى الموضوعين .. كما ان هذا المؤتمر يضع خادم الحرمين الشريفين علناً فى مأزق الإختيار بين: التمسك بقول رسول الله، عليه الصلاة والسلام، بعدم جواز وجود شرك بالله فى هذه الأرض الطاهرة، أو ينصاع لمطلب البابا ويبنى كنائس لعقائد تشرك فعلا بالله عز وجل، و فقا لما ورد بالقرآن الكريم و وفقا لما تتضمنه نصوص الأناجيل!!.
ولو تتبعنا مسيرة المؤسسة الكنسية فى العامين الماضيين فقط، منذ ان تعمّد بنديكت 16 سب الإسلام والمسلمين فى جامعة راتسبون عام 2006، و"أحزنه رد فعل المسلمين"، فهو لم يعتذر عن ذلك الإستشهاد الكاشف لموقفه الذى تعمده، وإنما أسِفَ لرد فعل المسلمين الذين هبوا دفاعا عن الدين. ونقول تعمّده لسبب بسيط هو: ان الإستشهاد لا يقفذ وحده داخل النص وإنما يختاره الكاتب إما لتأييد رأيه أو لتفنيد ذلك الإستشهاد بالرد عليه. وما فعله بنديكت آنذاك هو مراوغة غير أمينة لا تليق بمن فى مركزه العلمى والدينى، وطلب من الكاردينال جان لوى توران، رئيس لجنة الحوار، محاصرة الموضوع .. وما كان من ذلك الكاردينال إلا اللجوء إلى من يعلم أنه يمكنه الحصول منهم على ما يبتغيه من تنازلات .. وبذلك توّلد الخطاب-الفضيحة الذى تقدم به 138 عالما مسلما ووقعوا عليه، جهلا أو عن عمد، وصيغت فيه الآيات والأحاديث مبتورة حتى تتمشى مع مطالب الفاتيكان بأننا "نعبد نفس الإله" – ويالها من مغالطة فادحة يقوم بها مسلمون ! إذ كما تقول المؤسسة الفاتيكانية دوما فى تقديم الموضوع: لقد خاف المسلمون من قول البابا وكشفه لحقيقة الإسلام فطلبوا منه ومن كافة الكنائس قائلين "تعالوا إلى كلمة سواء" ..
ومنذ ذلك الخطاب، شكلا، تواكب خطان متوازيان فى تلك السلسلة الإجرامية فى حق الدين: خط تطلق عليه المؤسسة الفاتيكانية " الإجماع"، بناء على خطاب ال 138 الذى سعت فى ان تكون التوقيعات عليه من جميع أنحاء العالم الإسلامى ؛ وخط ثانى تقوده مع خادم الحرمين الشريفين. وفى كلا الإتجاهين لا تكف عن كشف أو تجريح من يرضخون لها - حتى وإن كان بصيغة المدح!. ففى الرابع والعشرين من شهر مارس 2008، حينما أعلن خادم الحرمين عن إقامة مؤتمر لحوار الأديان فى مكة المكرمة، علّق الفاتيكان على ذلك قائلا: " ان جلالة الملك لم يتضامن مع من انتقضوا تنصير مجدى علام (قبلها بيومين) وأعلن عن عمل مؤتمر للحوار" !. وهو ما كان قد تم الإتفاق عليه عند زيارته المؤسفة للفاتيكان ..
وأقول: منذ ذلك الخطاب "شكلا"، لأن هذه الموجة الحديثة والمستمية لإقتلاع الإسلام قد بدأت منذ عام 2001، بأكثر من خط متوازى أيضا. أحدهما كنسي والآخر مع البيت الأبيض، وغيره مع هيئة الأمم، ورابع مع هيئة اليونسكو.. فحينما فشل الفاتيكان فى تنصير العالم عشية الألف الثالثة، وفقا لما كان البابا السابق يوحنا بولس الثانى قد أعلنه رسميا عام 1982 فى مدينة شانت يقب باسبانيا، بناء على قرار مجمع الفاتيكان الثانى (1965)، قرر الفاتيكان تخصيص العقد الحالى 2001-2010 لما أطلق عليه " عقد إقتلاع العنف "، الذى هو الإسلام والمسلمين. فقام مجلس الكنائس العالمى فى شهر يناير 2001 بإسناد هذه المهمة للولايات الأمريكية لتتولى الجانب العسكرى فيها، وفى سبتمبر من نفس العام إختلقت السياسة الأمريكية مسرحية 11/9 للتلفع بشرعية دولية لمحاربة "الإرهاب" فيما اطلق عليه جورج بوش "حرب صليبية لإقتلاع محور الشر" الذى هو الإسلام والمسلمين تمشياً مع الخط الكنسى.. و واصلت المؤسسات الكنسية مجامع خاصة بالتبشير والتنصيروأخرى خاصة بتوحيد الكنائس المنشقة لتتكاتف جميعها للتصدى لما يطلقون عليه "المد الإسلامي" !. بينما تتوالى فى نفس الوقت مؤتمرات الحوار مع المسلمين .. أما هيئة الأمم فقد تضامنت بتخصيص نفس ذلك العقد من أجل "الحوار والتفاهم والتعاون بين الأديان والثقافات لخدمة السلام"، بناء على قرار الجمعية العامة رقم (221/61)، الذى تستكمل معلوماته ما قدمه المدير العام لمنظمة اليونسكو فى تقريره السنوى حول تفعيل "العقد العالمى لثقافة السلام وعدم العنف لصالح أطفال العالم" (راجع 97/62/A). الأمر الذى يكشف كيف تتضافر جهود قوى الشر الحقيقية، فى الغرب المسيحى المتعصب، فى منظومة واحدة تجمع بين المؤسسة الكنسية والسياسة الأمريكية وهيئة الأمم ومنظمة اليونسكو لتعمل كل منها فى مجالها وبإمكانياتها .. وكلها وثائق ومستندات منشورة، لكننا بكل أسف لا نقرأ ولا نتابع بل نهرّول تلبيةً ونتنازل من أجل فتات زائلة ..
وهنا لا بد من الإشارة إلى زيارة ينديكت 16 للولايات الأمريكية المتحدة (15-21/4/2008) وخطابه يوم 18 فى هيئة الأمم، حيث أرسى مبدأ التدخل الدولى رسميا وصراحة لحماية حرية المعتقد وحرية العقيدة، معتبراً "أن ذلك لا يمثل تدخلا فى شؤن الدول" – على حد تعبيره ! لذلك قام بتوجيه مجريات الأحداث لينعقد هذا المؤتمر رسميا فى هيئة الأمم، وان يكون شكلا بناء على طلب خادم الحرمين الشريفين، لتبدو التنازلات وكأنها بمطلب من المسلمين وخاصة من قياداتهم الدينية العليا وليست من الاعيب المؤسسة الكنسية وضغوطها !. كما أعلن البابا فى خطابه أمام ممثلو الديانات المختلفة، فى نفس الزيارة، قائلا: " ان المسيحية تقترح يسوع المسيح على الجميع (...) فهو الذى ستقدمه فى ندوة الحوار الخاص بالأديان " .. وكأن البابا والكنيسة لا دخل لهما بذلك، فالمسيحية وحدها وبمحض إرادتها هى التى "ستقترح" على المسلمين قبول ربنا يسوع المسيح !.. كما تجب الإشارة هنا أيضا إلى ما نشره الفاتيكان فى مواقعه وصحفه على لسان بيير أوبرى وغيره إستكمالا لهذه الجزئية: " أن الإسلام سيفقد وقاحة كبريائه السياسى الدينى بحرب يخسرها ويُفرض عليه التنصير جماعة " .. والفارض هنا بكل تأكيد ستكون الخوزات الزرق مثلما سبق ووقفت لحماية مذبحة القتل العرقى لمسلمى البوسنا والهرسك ..
وإذا ما استعرضنا بعضا من الكلمات التى قيلت فى مؤتمر نيو يورك للحوار لأدركنا فداحة الموقف .. وأبدأ بالأحاديث التى حاولت تبرأة السعودية من دعوة شيمون بيريزوالوفد المرافق له، إذ ان ما قاله خادم الحرمين الشريفين من ترحيب "بكل الأصدقاء الذين لبّوا دعوته" التى تحملت المملكة كافة نفقاتها، وقد قاربت الستمائة مليون دولار، وفقا لما نشرته الصحافة الغربية، تُخرس أى تعليق وتُوقف العبارات فى الحلق ألماً، حينما نذكر ان ذلك البيريز قد أمر عشية المؤتمر بوقف كل شحنات الوقود للقطاع ومواصلة الحصار القاتل لأكثر من مليون ونصف فلسطينى.. أما إسهابه فى الحديث عن "احترام حقوق الإنسان"، متناسيا ان لديه أحد عشر الف اسير فلسطينى فى معتقلات حكومته واربعة آلاف شهيد واربعين الف جريح سقطوا باسلحة سفّاحيه منذ إتفاقية أسلو وحدها !! ولا نقول هنا شيئا عن مبادرة السلام العربية التى تقدمت بها المملكة والتى لا تتضمن ذكر لعودة اللاجئين الفلسطينيين وعددهم اكثر من أربعة ملايين نسمة هم جزء من أصحاب الأرض الحقيقيين .. ومن الغريب ان يتحدث بيريز، بعملية إسقاط واضحة، حينما يقول عن الفلسطينيين، أصحاب الحق، أنهم "يذبحون الناس وكأنهم شياه" ويطالب بالتصدى لهم .. التصدى لأصحاب الأرض ومنعهم من الدفاع عن حقوقهم !..
أما كلمة شيخ الأزهر فهى لا تقل فداحة عما تقدم، حين يقول متحدثا عن الأديان: "ان أى خلاف بينها إنما هو فى الفروع وليس فى الأركان والأصول" !. فتتساوى بذلك عبادة العجل، بعبادة ربنا يسوع المسيح، بعبادة الله الواحد الأحد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، تتساوى بالطبع بما أننا جميعا "نعبد نفس الإله" !.. ويا لها من مصيبة لا توصف بأية عبارات، حتى وإن وُضع الكلام على لسان "عقلاء الأمة" كما قال فى سبعة من الأمثلة التسعة التى ذكرها !..
ومن الكلمات الدالة على الأكاذيب و الخلط فى المفاهيم، كلمة جورج بوش التى أعرب فيها عن "حمايته للمسلمين فى بلدان مثل كوسوفو والعراق وأفغانستان"، متناسيا حربه الصليبية التى إقتلعت الألاف بل الملايين من مسلمى هذه البلدان، تارة بقتلهم تحت حماية الخوذات الزرق، وتارة باليورانيوم المخضب واسلحة الدمار الشامل المحرم إستخدامها، بل والتى بحجتها غزى العراق بكل جبروت وهو يعلم يقينا أنها أكاذيب من إختلاق إدارته، وتارة أخرى بمرتزقة "البلاك ووترز" الذين لا زالو يرتعون فى العراق وفى باقى البلدان الإسلامية التى غزاها ودمرها واحتلها بلا أى حق، بما يطلق عليه " حربه الإستباقية" لفرض الديمقراطية التى يتشدق بها، بل ويفرض مواصلة إحتلال تلك البلدان رسميا لسنوات أخرى !! أو تأكيده على " ان الحرية الدينية عنصر محورى فى السياسة الخارجية للولايات المتحدة وان أفضل سبيل للنهوض بها هو الديمقراطية" !.. ولو أفردنا كتباً لتلك "الديمقراطية" التى يحصد بمقتضاها ملايين المسلمين لما وفيناها حقها من النفاق والأكاذيب !!.
أما كلمة الأمين العام للأمم المتحدة فى تقديم البيان الختامى: "إن التحدى الذى نواجهه الآن هو التحرك فيما بعد الكلمات القوية والإيجابية التى سمعناها خلال اليومين الماضيين، وأنا أتعهد بدعمى الكامل لهذه الجهود، ربما سيأخذ وقتا لنرى النتائج إلا إننى اعتقد ان هذا الإجتماع كان خطوة هامة للأمام" .. أو عبارة أخرى من قبيل: "أن الدول المشتركة فى الإجتماع أكدت رفضها لإستخدام الدين لتبرير قتل الأبرياء أو لإرتكاب الأعمال الإرهابية أو العنف والإكراه"، فهى كلمة تكشف عما سيتم خاصة أنه، بعد تأكيد جورج بوش والأمين العام للأمم المتحدة، سارع مستشارو الرئيس الأمريكى المنتخب باراك أوباما بالإعلان عن أنه سيعمل على تطبيق مبادرة السلام وأنه سيلقى بثقله وراء المبادرة .. والمنشور سابقا كان يشير إلى ان أوباما كان قد أعلن قبل فوزه "أن أمن إسرائيل مقدس وأن القدس عاصمة لإسرائيل وبلا أى تقسيم" .. كما وعد "بالحفاظ على السيادة العسكرية الإسرائيلية لتتصدى لأى تهديد من غزة أو من طهران"، و وعد إسرائيل بمنحها ثلاثين مليار دولار مساعدات إضافية.. وهو ما سوف يطوى آخر صفحة من صفحات الحزن الأسود على القضية الفلسطينية لتتحول فلسطين الى "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" كما أعلنها الصهاينة منذ البداية ونجحوا فى تنفيذها بفضل تفريط المسلمين فى قضاياهم وفى دينهم، فالأحداث التاريخية ما زالت عالقة بالأذهان ..
أما الجانب الدينى فى هذه السلسلة من مؤتمرات حوار الأديان الرامية إلى إقتلاع الإسلام، فقد حصلت المؤسسة الفاتيكانية بتحايلاتها الملتوية وبتنازلاتنا، على أننا نعبد نفس الإله بإجماع المسلمين، وأن الإرهاب والعنف متأصل فى الإسلام، لذلك يتعين حذف تلك الآيات من القرآن بإجماع المسلمين أيضا، وأن حرية العقيدة تحتم بناء كنائس فى أرض الحرمين الشريفين – علما بأن كافة مواطنى هذه الأرض مسلمون، ومَن بها من مسيحيين فجميعهم من العمالة المؤقتة، والعمالة المؤقتة لا تسرى عليها حقوق المواطنين، إضافة إلى أنه لا يوجد أى نص دينى يفرض على المسيحيين الصلاة فى كنيسة .. كما حصلت على فرض حرية الإرتداد عن الإسلام وخاصة على حرية التبشير والتنصير فى البلدان الإسلامية دون أن يتعرض لها أى إنسان، إذ أنها سوف تحمى ذلك بتدخل الدول الكبرى الغربية رسميا بحروبها الكاسحة وبخوزاتها الزرقاء، فما نعيشه من واقع مرير ليس بحاجة إلى الأدلة والبراهين ..
وبعد كل ما تقدم، وهو جد قليل من غثاء كثير، هل سيواصل مسؤلونا بكل مستوياتهم ومختلف مجالاتهم، إسهاماتهم المؤدية إلى إقتلاع الإسلام بأيدى المسلمين، أم سيخشون الله عز وجل وتصحوا ضمائرهم لتعديل المصار، قبل أن يصل بنا المطاف إلى مرحلة التحرك "فيما بعد الكلمات" ؟ .. فعلى حد قول بان كى مون، أمين عام هيئة الأمم، إنها ليست ببعيدة، بناءً على وعده وتصريحاته أمام الجميع: بتقديم دعمه الكامل لتنفيذ هذه المطالب التدميرية، خاصة وأن هذا التخلص يجب أن يفرغوا منه فى هذا العقد، المنتهى سنة 2010، وفقا لما حددته هذه الجهات الرسمية العالمية الأربعة فى برامجها، بكل ما تحمله من مؤسسات تنفيذية عاتية !!..
19/11/2008
يمكن زيارة موقع الدكتورة زينب لقراءة المزيد
http://dr-z-abdelaziz.com/
القلب الحزين
13-12-2013, 05:21 PM
بنديكت 16،الصهاينة، والإسلام
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/122544206964152+2+52.jpg بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذ الحضارة الفرنسية
على الرغم من كم التنازلات التى لم يكف بنديكت 16 عن تقديمها للصهاينة فهو يواجه حاليا واحدة من اعنف التحديات وأكثرها إحراجا، التي اعترت طريقه من جانبهم، منذ توليه كرسى البابوية.. فإن كانت المواقف السابقة يتم التعتيم عليها نسبيا فى وسائل الإعلام الغربي، فهذه المرة الضغوط التي تواجهه علنية وعلى صفحات الجرائد، ولم يتمكن الفاتيكان من اخفائها خاصة وان عواقبها لا تزال تتوالى .. وذلك لأنها جلجلت في بداية إنعقاد سينودس الأساقفة الثانى عشر الذى انعقد في روما من 5 إلى 25 اكتوبر 2008 ..
لقد انعقد المجمع بحضور 253 اسقفا و41 خبيرا فى اللاهوت و37 مستمعا من جميع أنحاء العالم، تحت عنوان "كلام الله فى الحياة وفى رسالة الكنيسة". وذلك بهدف التوصل إلى أفضل الوسائل لجذب الأتباع إلى الكتاب المقدس، ولتدارس أفضل السبل لكيفية تقديم تفسير للأناجيل بصورة يقبلها العقل والمنطق، فى مواجهة الموجة العاتية التي تقودها الفرق البروتستانتية والإنجيلية، إذ ان كثير من التفاسير قد أدت بالفعل إلى الإطاحة بتاريخية يسوع المسيح، أي بالصورة التاريخية التي نسجتها المؤسسة الكنسية، وأكدت أن الأناجيل غيرمنزّلة من عند الله .. إضافة الى تدارس كيفية إعادة فرضها على العالم المسيحي الذي تباعد عن الدين بعد أن أدرك ما بها من تناقضات وغاص فى الإلحاد، وخاصة كيفية غرسها فى البلدان الإسلامية وغير المسيحية ..
ومن أهم الأسئلة المطروحة للدراسة، بخلاف ما يخص العقيدة، والتي أوردتها الصحف والمواقع الفاتيكانية، نورد منها ما يلي:
* كيفية إمكان تفعيل الوحدة بين المسيحيين والحوار مع اليهود ونصوص الأناجيل ؟
* كيف يمكن التوفيق بين ممارسة الحوار بين الأديان وفى نفس الوقت تأكيد عقيدة أن المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والبشر ؟
* أية المعايير والسبل يمكن الاستعانة بها لتفسير النص الإنجيلي لضمان وتأكيد غرس الرسالة الإنجيلية فى مختلف الشعوب ؟
وهو ما يجب أن يلتفت إليه أولئك الذين يهرولون الى لقاء حوار الأديان بعد عدة أيام فى عقر دار الفاتيكان ..
وقد تواكبت مع هذا السينودس إحتفالية ابتدعها بنديكت 16، الا وهى ما أطلقت عليه الصحف الغربية "ماراثون قراءة الكتاب المقدس" .. قراءة متتالية بلا توقف ليل او نهار، تناوب عليها 1200 قارئا تم اختيارهم بعناية فائقة من قِبل البابا، من بين مائة الف متطوع تقدموا لهذة البدعة لمجرد إثبات ان ذلك الكتاب، الذى لا يكاد الأتباع يقرؤونه، يمكن قراءته والتمسك بما جاء به كالقرآن الكريم !!
كما تواكبت مع هذا السينودس محاولة لم يتم الإلتفات إليها بالقدر الكافي، ألا وهى: إنفراد جريدة "لاكروا" المسيحية، من يوم 13 أكتوبر الحالى، بتخصيص مساحة لمدة خمسة أسابيع يتناوب الكتابة فيها العديد من رجال اللاهوت حول الحوار الإسلامي-المسيحى، لطرح الأراء والعقبات التى يمكنها ان تصادف مؤتمر الحوار الذى سوف ينعقد من 4 إلى 6 نوفمبر القادم (2008) فى الفاتيكان، لمواصلة ما تمخض عنه الخطاب-الفضيحة الذى وقّع عليه فى البداية 138 من علماء المسلمين، وانتهى الموقف آنذاك بإعلان بنديكت 16 أنه يتعيّن على المسلمين أن يقوموا بتغيير النص القرآنى وتعاليمه مثلما فعلت الكنيسة بنصوصها تحت ضغوط عصر التنوير !!
وقبل إفتتاح السينودس ذهب البابا يوم السبت 4 أكتوبر لزيارة جورجيو نابوليتانو، رئيس الدولة الإيطالى، وأعرب له قائلا: "أنه لا يوجد ما يخشاه من ان تتدخل الكنيسة ورجالها فى شؤن الدولة، وأنهم ينتظرون مقابل ذلك أن تمنحهم الدولة حرية العقيدة" – وفقا لما أعلنته الصحف الفرنسية والإيطالية فى حينها.. وهى عبارة تطرح العديد من التساؤلات حول الوضع الدينى والتدخلات الفاتيكانية في إيطاليا، وحول ما يمكن ان يتمحض عنه ذلك السينودس من قرارات معلنة وغير معلنة !
ولأول مرة فى تاريخ مثل هذه المجامع ضم السينودس أسقف من كندا واسقف إفريقي من كنشاسا، وثلاث فئات من الكنائس الشرقية الكاثوليكية، وأسقف القسطنطينية البطريارك بارتولوميوس الأول المؤيد لفكرة توحيد الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما، إضافة إلى سابقة هى الأولى فى تاريخ المؤسسة الفاتيكانية ألا وهى: دعوة حاخام حيفا شير ياشوف كوهين، الذى فجر موقفا لم يكن فى الحسبان، وهو ما أغضب كلا من الكاردينال برتونى و ممبارتى، من أمانة دولة الفاتيكان اللذان أعربا عن ندمهما لدعوته، إذ ان الموقف سيكشف عمن له الكلمة العليا فى الأمور الكنسية الفاتيكانية: البابا أم الصهاينة !..
أما الموقف الذى فجّره الحاخام كوهين فى المداخلة التى القاها يوم 6/10 فهي رفض اليهود إضفاء صفة القداسة على البابا بيوس 12 المعاصر "للمحرقة"، إذ بدأ مداخلته قائلا: "نحن معترضون على إضفاء صفة القداسة على بيوس 12 فلا يمكننا ان ننسى صمته أيام المحرقة ، و لا يمكننا أن ننسى الواقعة الأليمة لعدة كبار الشخصيات بما فيهم كبار الزعامات الدينية، صمتهم وعدم قيامهم بإنقاذ إخواننا وآثروا الصمت (...) لا يمكننا ان نغفر ولا ان ننسى ذلك ونرجو ان تتفهموا موقفنا (...) بل ونأمل الحصول على معاونتكم كمسؤلين دينيين لحماية دولة إسرائيل والدفاع عنها من أيدى أعدائها، فهى الدولة الوحيدة والمتفردة ذات السيادة من بين أهل الكتاب" !..
وذلك فى الوقت الذى كان فيه البابا يستعد لتوقيع قرار تطويب بيوس 12، وهى الخطوة الأخيرة اللازمة لإضفاء لقب قديس عليه. وما اكثر التصريحات التى كان بنديكت قد أشاد فيها بمواقف بيوس 12 التى تستوجب تقديسه وخاصة ذلك القداس الذى أقامه يوم 9/10 أى بعد مداخلة الحاخام كوهين بثلاثة أيام، بمناسبة مرور خمسين عاما على رحيل بيوس 12 والإعلان عن مواقفه "البطولية السرية" !.. ومن الصعب إن لم يكن من المحال حصر كم الكتابات التى تدين وتتهم تواطوء ذلك البابا وصمته أيام الحرب العالمية الثانية وأحداثها، ولا نقول شيئا عن كل الذين يتناولون الدفاع عنه .. واللافت للنظر أن الفاتيكان يرفض فتح ارشيفه السرى الخاص المتعلق بتلك الفترة للمؤرخين والباحثين ..
وفى يوم الجمعة 17/10 قام المجلس الممثل للمؤسسات اليهودية فى باريس بالإفصاح عن رأيه فى مشروع بنديكت لإضفاء صفة القداسة على بيوس 12، موضحا أن ذلك "سيؤدى إلى ضربة حاسمة للعلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والعالم اليهودى" .. ويضيف البيان الذى أذاعته وكالة الأنباء الفرنسية قائلا: "إن الأغلبية العظمى من المؤرخين الأحرار لا تؤيد فكرة النشاط الذى لا يكل للبابا من أجل حماية اليهود سرا آنذاك" – وهو ما كان يردده بنديكت 16 فى دفاعه عن البابا المتهم ..
وفى 18/10 أعلنت جريدة "لا كروا" المسيحية أن بنديكت 16 لن يقوم بالتوقيع على قرار تطويب بيوس 12 لعدم إغضاب اليهود ولكى يظل على علاقة طيبة بهم – وذلك وفقا لما أعلنه يوم السبت الأب بيتر جومبيل P. Gumpel)) المسؤل عن عملية تطويب بيوس 12 و الذى أوضح أن هذه الأوراق منتهية منذ عام ونصف ولم يكن ينقصها سوى توقيع بنديكت 16.. بينما علق فدريكو لومباردى، المتحدث الرسمى باسم الفاتيكان، قائلا: " ان البابا لم يوقع على هذه الأوراق لأنه بحاجة إلى فترة تأمل" .. ويوضح الأب جومبيل ان التعليق المكتوب تحت صورة البابا الراحل فى المتحف التاريخى للمحرقة، فى ياد فاشيم، والذى يتهم بيوس 12 بأنه لم يرفع صوته ضد لمحرقة يمثل فضيحة بالنسبة للكاثوليك !.. ولم يكن ذلك التعليق هو الوحيد الذى أغضب الأب جومبيل، وإنما راح يذكّر بموقف اليهود قديما من يسوع، عليه السلام، وإتهامه بأنه "ابن زانية وجندى رومانى" !.. وهو ما تناقلته عدة صحف ومجلات .. ورضخ بنديكت 16 لمطلب الصهاينة وكأن شيئا لم يكن ..
وفى 24/10 أعلن احد مواقع الفاتيكان ملخص بيان السينودس الذى بدأ بآيتين من رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوث قائلا: "إلى كنيسة الله التى فى كورنثوس المقدسين فى المسيح يسوع المدعوين قدّيسين مع جميع الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح فى كل مكان لهم ولنا. نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح" ( 1: 2-3 ) .. وقد آثرت نقل الآية ليدرك الذين سيشاركون فى حوار الأديان ان "ربنا يسوع" و"الرب يسوع المسيح" هو ما تؤمن به حقيقة تلك المؤسسة الكنسية وأتباعها، رغم تحايلها واللعب بالألفاظ اثناء اللقاءات، وان ذلك هو ما سوف يُفرض عليهم لقبوله ضمن التنازلات التى تنتظرهم فى لقاء من 4 الى 6 نوفنبر المقبل ..
أما نفس ملخص البيان فينص على تأكيد "ان يسوع المسيح هو الله، الذى أرسل إبنه وتعذّب وبُعث حياً"، وتأكيد أهمية دور الكنيسة ودور الإفخارستيا، وتأكيد أن يسوع قد قال، "إذهبوا وكرزوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس" (متى 28: 19-20)، متناسين ان بدعة الثالوث قد تم اختلاقها فى القرن الرابع، فى مجمع القسطنطينية سنة 381، فكيف توجد فى نص يقولون انه تمت صياغته فى أواخر القرن الأول ؟ وهو مجرد تناقض من آلاف المتناقضات !..
كما قرر البيان لختامي ضرورة استخدام كافة وسائل الإعلام والإنترنت لإدخال الكتاب المقدس في كل الأسرات وان يتم إدخاله فى المدارس والأوساط الثقافية والفنية والأدبية والموسيقية والفكرية، وخاصة أن يتم توصيله وتطبيقه على من لم يدخلوا المسيحية بعد ويتّبعون ديانات أخرى .. وقد أعلن المجتمعون أنهم أقروا "مواصلة الحوار مع المسلمين فى نطاق إحترام حقوق الإنسان والمرأة" كما أقر ان "تكون المعاملة بالمثل، وان حرّية العقيدة والعبادة ستكون نقطة هامة فى هذا الحوار"، والمقصود بها بناء كنائس فى أرض الحرمين الشريفين ورشقها بالآناجيل – وفقا لما كان قد أعلنه البابا السابق يوحنا بولس الثانى ويحاول بنديكت 16 تنفيذه ..
وإذا ما أخذنا فى الإعتبار مقولة الحاخام كوهين من أن "اسرائيل هى الدولة الوحيدة والمتفردة ذات السيادة من بين أهل الكتاب"، وما تمخض عنه السينودس من قرارات وإعلانه ان "ربنا يسوع المسيح" هو المخلّص الوحيد للبشر والذى يجب فرضه على العالم أجمع، وما قامت به جريدة "لاكروا" لفتح باب المناقشات إعدادا لمؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي، من جهة، وكل ما تم فرضه سياسيا على المسلمين من محاولات تمهيدية لاقتلاع الإسلام بأيدى المسلمين، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قبول إلغاء مادة الدين من التعليم كمادة أساسية للنجاح والسقوط، وقبول " تعديل" المناهج الدينية وتغيير الآيات فى المناهج الدراسية بدلا من شرح وتفسير أسباب نزولها، وإسناد المعاهد الأزهرية إلى التربية والتعليم أو تحويلها إلى مرافق أخر، و" تعديل " الخطاب الديني، وإغلاق المساجد بين الصلوات، وتضييق نطاق بناء المساجد، و تحويل ما لم تُقم فيه الشعائر بعد إلى مرافق أخرى، بل وهدم ما تم بنائه قبل إستخراج تصاريح البناء، وهنا لا يسعني إلا أن أسأل: هل يمكن لنفس هؤلاء المسؤلين والوزراء القيام بنفس التصرف حيال الكنائس؟! فما اكثر ما تم بناؤه بلا تراخيص، بل ما أكثر الأراضي التي أُخذت بوضع اليد ولم يتحرك أحد، وما اكثر الكنائس التى تضخّم حجمها فى مكانها الى درجة الإنبعاج الفظ معماريا وكأنها على وشك الانفجار!.. بل لقد خرج الأزهر عن تعاليم الدين ووصايا الرسول عليه الصلاة والسلام بالتهاون فى مسألة الحجاب فى فرنسا، وبتسليم وفاء قسطنطين بدلا من حمايتها، كما غض الطرف عن الدفاع عن الإسلام وعن نبيه الكريم فى مهزلة مسرحية كنيسة الإسكندرية، بإحالتها إلى عالم الصمت والنسيان ببضعة عبارات مرتعدة جوفاء، والصمت حينما أهانت السلطات القمعية الأمريكية المصحف الشريف فى جوانتنامو وغيرها، وخاصة ذلك الصمت الغريب حينما تم إعلان عيد ميلاد "ربنا يسوع" عطلة رسمية في الدولة يوم 7 يناير، وكان من الأكرم لهم أن يوضحوا ما بهذا الإجراء من مساس بعقيدة المسلمين، الموحدين بالله، والذين يمثلون الأغلبية الساحقة في مصر وفى البلدان الإسلامية !. وكيف أن مثل هذه الإجراء يخرج عن حدود التسامح ليسهم او ليمهد لعمليات التبشير الدائرة ! بل وقام بعض رجاله بالتوقيع على إتفاقية بين الأزهر والفاتيكان والكنيسة الأنجليكانية بالموافقة على أن يقوم المبشرون بالتبشير فى مصردون أن يتعرض لهم أي شخص !؟ وكان ذلك فى 18 ابريل 2005.. وهو ما تم تطبيقه في البلدان الإسلامية الأخرى .. ولا نقول شيئا عن عمليات التنصير المواكبة لحروب الاحتلال الدائرة في فلسطين وأفغانستان والعراق ..
إذا ما استعرضنا كل هذه النقاط، وغيرها كثير، لأدركنا ما سوف يتم فرضه خلال اللقاء الشؤم القادم، الذي سينعقد من 4 الى 6 نوفمبر 2008، أي بعد بضعة أيام في الفاتيكان .. إنها صيحة موجهة لكل من فى يده الدفاع عن الدين، ايا كان مركزه، فما يتم الإعداد له فة تلك المؤسسة العاتية الجبروت بحاجة إلى وقفة صادقة من كافة المسلمين.
يمكن التواصل مع الدكتور زينب على الإيميل التالي:
[email protected]
كما يمكن زيارة موقع الدكتورة زينب عبد العزيز
http://dr-z-abdelaziz.com/
كتب مجانية للتحميل حول الموضوع:
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225443054a645.jpg (http://al-maktabeh.com/a/books/A645.zip)
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225443183a632.jpg (http://al-maktabeh.com/a/books/A632.zip)
المؤيد القرأني... حل لغز البارقليط و المؤيد
الارهاب بين التوراة و القرآن
الرائد المتقاعد شاكر الحاج
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225443469a626.jpg (http://al-maktabeh.com/a/books/A626.zip)
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225443584a616.jpg (http://al-maktabeh.com/a/books/A616.zip)
ولكن شبه لهم جمال الدين الشرقاوي
الكتاب المقدس كلمة الله ام كلمة البشر؟ و يليه لغز الثالوث المقدس بنوة المسيح عليه السلام علي خان جومال
ترجمة رمضان الصفناوي
ملاحظة : الكتب عبارة عن ملفات PDF مضغوطة على zip يمكن تحميلها بالضغط على الصور وبعد التحميل نرجو فك ضغط الملفات وفتحها بواسطة برنامج Acrobat Reader (http://www.adobe.com/products/acrobat/readstep2.html)
مصدر الكتب موقع المهتدي (http://al-maktabeh.com/a/index.htm)
http://al-maktabeh.com/a/index.htm
القلب الحزين
13-12-2013, 05:23 PM
نظرية التطور بين المؤيدين والمعارضين
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/122504002627984nazmee.jpgأ.د. نظمي خليل أبو العطا موسى
أستاذ علوم النبات في جامعة عين شمس ـ مصر
مدير مركز ابن النفيس للخدمات التقنية والعلمية ـ البحرين
أوردنا في المقال السابق على موقعنا (http://www.nazme.net/) بعض ما قاله المؤيدون لنظرية الصدفة والعشوائية والطفرة في نشأة الحياة وتطورها، حيث كتب دارون في مذكراته أنه ينكر تمامًا وجود الله سبحانه وتعالى، وأن الحياة خلقت بلا هدف ولا غاية، وفي هذا المقال والمقالات التالية في نفس الموضوع سوف نورد بعض أدلة المعارضين للنظرية وهي تنقسم إلى أدلة عقلية وأدلة علمية وأدلة شرعية.
بعض أدلة المعارضين لنظرية التطور
سبق أن كتبنا أنه لا توجد نظرية في التاريخ البشري أثرت في الحياة البشرية مثلما أثرت نظرية التطور، وهنا نقول: وأيضاً لا توجد نظرية عرفتها البشرية تعرضت للنقد والهدم والتجريح مثلما تعرضت له نظرية التطور، وأمامي الآن العديد من الكتب التي صدرت عن جهات علمية كبيرة كلها تنتقد النظرية نقدًا علميًا لا شك فيه وفيما يلي نورد بعض هذه الانتقادات.
أولاً: الأدلة العقلية ضد النظرية التطورية
يقول التطوريون: أن الكون وجد بدون موجد وأنه لا يوجد أدلة على ذلك وليس بالضرورة أن يكون للكون موجد طالما هو موجود.
1- قال الأعرابي البسيط صاحب الفطرة النقية:
" البعرة تدل على البعير... والقدم يدل على المسير... أسماء ذات أبراج... وأرض ذات أفجاج أما تدل على اللطيف الخبير ".
هذا دليل عقلي على أن لكل فعل فاعل وأن الفعل يتناسب مع فاعله قوة وضعفًا وأثرًا فإذا كانت البعرة في الطريق تدل على البعير والقدم يدل على المسير فماذا تدل تلك الأبراج في السماء والمجرات والكواكب والنجوم ؟ عقلاً: تدل على حكمة بالغة وتدبير عظيم وخالق مبدع. وكما قال الشاعر:
تأمل في رياض الأرض وانظر إلى آثــار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصــات بأحداق من الذهب السبيك
على قُضُب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شــريك
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225036152darwin_ape.jpg
يزعم دارون كاذبا أن جد الإنسان كان قرد
2- شرد جمل من أعرابي فأخذ ينادي جملي جملي فقابله أعرابي آخر وقاله له:
- جملك هذا أبتر ( أي مقطوع الذيل ) ؟
- قال صاحب الجمل: نعم.
- فقال له الرجل: جملك هذا أعور ؟!
- قال صاحب الجمل: نعم.
- فقال له الرجل: جملك أعور العين اليمنى ؟!
- قال صاحب الجمل: نعم.
- فقال له الرجل: أبحث عن جملك فإنني لم أره.
- فقال صاحب الجمل أنت سرقت جملي ودليلي تلك الصفات التي وصفتها له.
- فقال الرجل إني لم أرى جملك ولكني استدليت على صفاته بآثاره كما يلي:
أولاً: الجمل ذو الذيل دائمًا يفرق بعراته بذيله، ولكني لاحظت أن هذه البعرات متجمعة فاستنتجت أن هذا الجمل أبتر.
- ورأيت العشب قل أكل بطريقة تنم عن عدم كمال الرؤية من الحيوان الراعي للعشب فاستنتجت أن هذا الجمل أعور، ثم رأيته يأكل العشب من الناحية اليسرى تاركًا العشب في الناحية اليمنى فاستنتجتت أن هذا الجمل أعور العين اليمنى.
• هذه أدلة عقلية تنم على أن الفعل لابد له من فاعل، وأن الفعل يتناسب مع صفات الفاعل.
وهذا ما يتبعه الباحثون الجنائيون حينما يستدلون على الفاعل للجريمة بتحليل آثار فعله.
إذًا السماء ذات الأبراج والأرض ذات الفجاج تدل على حكمة بالغة للموجد سبحانه وتعالى. فلا مكان للصدفة والعشوائية في الكون البديع والمنظم.
3- قال العالم لورين إيسلي في كتاب فجر الحياة لجوزيف هارولد رش صفحة (37) مفندًا الصدفة والعشوائية وعدم التدبير في الخلق:
قال: " لو أن المادة الميتة ( الطبيعة ) قد أنشأت المناظر العجيبة للصراصير العازفة، والعصافير الشادية، والبشر المفكرين، فيجب أن يكون واضحًا لأكثر الطبيعيين تعصبًا أن تلك المادة ( الخالقة ) التي نتكلم عنها تنطوي على قوى مذهلة إن لم تكن مروعة ".
أي أنه يقول: هل يعقل أن الطبيعة الصماء بالصدفة والعشوائية تستطيع خلق الصراصير التي تعزف الأصوات الجميلة باحتكاك جناحها بأرجلها, والعصافير التي تعزف أعذب الألحان وأجملها، والبشر المفكرين ؟!!
ثم يستنتج عقلاً أن تلك المادة لابد أن تكون عاقلة وقوية ومذهلة ومروعة, أي أن في الخلق حكمة وتدبير وعلم وإبداع.
4- قال دارون نفسه متناقضًا مع نظريته:
" إن الصدفة لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تفسير هذه الاختلافات الكثيرة الموجودة بين أنواع الصنف الواحد والاختلافات بين مجموعات النوع الواحد ". أ. هـ.
إذ كيف للصدفة والعشوائية أن تفسر الاختلاف بين أنواع نبات التين Ficus مثلاً من تين براق إلى تين مطاط وتين بنغالي وبين أجناس نباتات العائلة البقولية مثلاً ؟ََ!
أو أنواع نبات النخيل وأصنافه واختلاف أُكله.
5- يقول التطوريون:
" إن التغيرات الخارجية كالكوراث هي التي تصنع التغير والتطور والتحسين ".
• يقول العقلانيون:
هذا معناه أننا لو أمطرنا طائرة مروحية بوابل من الرصاص بمدفع أوتوماتيكي ( آلي ) فإن محرك هذه الطائرة تلقائيًا وبفعل هذه الكارثة الخارجية وبالصدفة والانتخاب الطبيعي يتحسن المحرك فتصبح الطائرة من النوع الذي تفوق سرعته سرعة الصوت ( Supersonic ) !!!
• ويقول العقلانيون أيضًا:
حسب نظرية الكوارث فإن حوادث المرور نفسها بدون تدخل الإنسان هي التي تحسن نوع السيارات.
هذه أدلة عقلية على فكرة أن الكوارث هي التي تطور الحياة.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/122503710795822.jpg
حسب نظرية الكوارث فإن حوادث المرور نفسها بدون تدخل الإنسان هي التي تحسن نوع السيارات
6- يقول التطوريون:
إن في الكون خلية بدائية وحيدة تقوم بجميع الوظائف الحيوية ( تغذية - تنفس - إخراج - تكاثر.. ) وخلية متطورة هي وحدة صغيرة جدًا من جسم كائن حي كبير متطور.
• يرد عليهم أصحاب الدليل العقلي بقولهم:
هل المتطور عقلاً جهاز صغير جدًا ومن خلية واحدة يقوم بكل العمليات والوظائف أم جهاز كبير جدًا وضخم ومعقد يقوم بنفس الوظائف ؟!
هل الراديو الصغير أقل تطور من الراديو الكبير ؟!
إن مسألة خلية بدائية وخلية متطورة هي خرافة دارونية وسيتضح ذلك جليًا في الأدلة العلمية الدالة على بطلان نظرية التطور.
7- يقول الدارونيون: " إن الأشياء غير مخلوقة لحكمة وأنها نشأت صدفة وبعشوائية تامة ".
• يرد عليهم العقلانيون بقولهم:
هذه خرافة عقلية إذ لو كان الأمر كذلك ما كان التفاح شكله جميلاً ولا جذابًا، ولو كان التفاح غير مخلوق للإنسان لاكتفت شجرة التفاح بعمل بذورها ووضعها في غلاف سميك ثم تقع البذور على الأرض بحركة الرياح وتنبت من جديد كما هو الحال في شجرة الصنوبر وشجرة أبو المكارم.
- ولكن التفاح فاكهة لذيذة، وموضوعة داخل غلاف جذاب و بها فيتامينات بقدر الحاجة اليومية للآكلين، فلو فرضنا أن تفاحة قالت أنا دارونية ( كما يقول بعض البشـر ) وأنني لم أخلق للإنسان لردت عليها تفاحة من المعارضين لنظرية التطور قائلة لها: أنت تكذبين لأنك تحتوين على مقدار كذا من فيتامين (س) وعلى كمية من الحديد. وكربونات كالسيوم تعادل حموضة معدة الآكلين وتساعدهم على الهضم مثلما تفعل المياه الغازية.
إذًا التفاح خلق للإنسان وليس صدفة وعشوائية كما يقول الدارونيون.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1225037339505506941_400c171dd7_m.jpg
ألوان التفاح الزاهية وطعمه اللذيذ اكبر دليل على بطلان نظرية التطور
8- يقول التطوريون:
إن التغيرات العشوائية ( الطفرات ) والخلل في الوظائف العادية تؤدي إلى تكامل وتحسين الأنواع ( الكائنات الحية ).
• يرد عليهم العقلانيون بقولهم:
- عقلاً نجد أن الطائرة أو الصاروخ قد يسقطا بسبب خلل فيهما كأن تسقط صامولة أو مسمار.
ولكننا لم نشاهد حتى الآن أن التغيرات العشوائية ( الأخطاء ) في صنع الطائرة قد أدت تلقائيًا إلى تحسين مستوى تلك الطائرة.
ولم يسمع عاقل واحد أن الخطأ في طباعة أي كتاب أدى تلقائيًا إلى تحسين هذا الكتاب.
9- يقول دارون والتطوريون:
فقدنا بعد الدراسة الإحساس بالجمال وقال دارون في مذكراته كما سبق أن كتبنا في النقطة رقم (7) من أقواله ( فإنا الآن " بعد الدراسة " أشبه شخصًا مصابًا بعمى الألوان ).
• يقول العقلانيون:
كما ستبقى البقرة أو الجاموسة التي يأخذها الراعي إلى إحدى السفوح الجميلة منشغلة عن هذا الجمال بقضم العشب ومضغه دون التفات أو اهتمام بالمناظر الجميلة من حولها، كذلك يبقى الإنسان الذي أعمته نظريته عن الجمال حوله، فاعتقاده في الطفرة والعشوائية والصدف العمياء في الخلق عميت عيناه حتى أصبح كالأنعام بل هم أضل.
10- يقول الدارونيون: إن الصدفة أوجدت الأحياء.
• فيقول لهم العقلانيون:
لو أحضرنا حاوية 6 x 6 م2 ووضعنا فيها أعدادًا ماهولة من أحرف اللغة العربية ثم خلطناها بشدة ورمينا محتوياتها عشوائيًا في مساحة واسعة جدًا قد نجد كلمات مثل خالد أحمد ولد أب أم ولكن هل نجد أي سورة من سور القرآن مرتبة بنفس الطريقة أو نجد قصيدة نهج البردة لأحمد شوقي ؟!!
• ويقول لهم العقلانيون أيضًا:
هل لو خلطنا مكونات الأدوية وخامات الدواء في إحدى الصيدليات عشوائيًا وخلطناها بشدة نجد أدوية الفيبراميسين والتتراسيكلين والبنسلين، والبنادول، والأساكول وكبسولات فيتامينات مركبة ؟!!
هذه كانت بعض الأدلة العقلية في الرد على الاعتقاد بالعشوائية والصدفة في نشأة الحياة وتطورها ولو تركنا للعقل العنان ما انتهى من ضرب الأمثلة ولكن نكتفي بذلك.
وفي المقال القادم بإذن الله نقدم بعض الأدلة العلمية الدالة على بطلان النظرية الدارونية العشوائية في النشأة للخلق.
أ.د. نظمي خليل أبو العطا موسى
www.nazme.net (http://www.nazme.net/)
للإطلاع على كامل مقالات الدكتور على موقعنا اضغط هنا (http://www.google.com.sa/custom?hl=ar&inlang=ar&client=pub-2724045530647717&cof=FORID:1;GL:1;L:http://www.quran-m.com/firas/arabic/images/fouk_06.jpg;LH:50;LW:56;LBGC:336699;LC:#0000ff;VLC :#663399;GFNT:#00)
القلب الحزين
13-12-2013, 05:24 PM
أكتشاف مخطوط في دير سانت كاترين يشير إلى وجود تحريف في الأناجيل
إعداد محمد حارس
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1223545490_45076850_biblecloseup466pa.jpg
صورة لمخطوط الإنجيل المكتشف في دير سانت كاترين في سيناء
استاذ فيزياء نظرية في الجامعة اللبنانية
كتب الكاتب البريطاني المعروف Roger Bolton بتاريخ 6 أكتوبر الماضي، مقالة على موقع BBC التابع لهيئة الإذاعة والتلفزة البريطانية مقال مهم حول تحريف الإنجيل بعنوان The rival to the Bible أحببنا ترجمته كاملاً كما هو بدون زيادة ليطلع عليه أكبر عدد ممكن من الناس.
يمكن الإطلاع على النص الإنكليزي للمقالة على موقع BBC على الرابط التالي:
http://news.bbc.co.uk/2/hi/uk_news/magazine/7651105.stm (http://news.bbc.co.uk/2/hi/uk_news/magazine/7651105.stm)
الترجمة :
منافس الكتاب المقدس:
إن ما يعتقد أنه أقدم كتاب مقدس معروف تتم معالجته رقميا و تجميع قطعه المبعثرة لأول مرة منذ اكتشافه منذ 160 سنة. و هو مختلف إلى درجة ملحوظة عن نظيره الحالي. ما الذي بقي إذا؟؟
بدأت معالجة الكتاب المقدس الأقدم في العالم.
لمدة 1500 سنة, بقيت مخطوطات سيناء مخفية في كنيسة سيناء إلى أن اكتشفت, أو سرقت, كما يقول أحد الرهبان في 1844 وتوزعت بين مصر, روسيا, ألمانيا وبريطانيا.
الآن يتم تجميع هذه القطع المبعثرة , و ابتداء من تموز المقبل سيكون بإمكان أي شخص من الوصول إليها عبر شبكة الانترنت و يطالع النص الكامل وترجمته.
لمن يعتقدون أن الكتاب المقدس هو كلمة الرب الغير المبدلة والغير المحرفة سيكون عليهم الاجابة على الكثير من الأسئلة المزعجة. فالمخطوطات تظهر آلاف من الاختلافات مع الكتاب المقدس الحالي.
المخطوطات والتي يعتقد أنها أقدم كتاب مقدس موجود, تحتوي على كُتب (أسفار) غير موجودة في الكتاب المقدس الموجود بين أيدي المسيحيين اليوم, و هي لا تحتوي على نصوص و إصحاحات مهمة جدا بالنسبة لقيامة المسيح.
الكتابات المعادية للسامية
مجرد نجاة هذا الكتاب يُعد معجزة:
قبل اكتشافه في أواخر القرن التاسع عشر من قبل أحد أهم المستكشفين في عصره, بقي هذا الكتاب مخفي في دير السيدة كاترين منذ أواخر القرن الرابع.
و يعود سبب نجاته إلى المناخ الصحراوي الذي يُعد مثاليا للحفظ, ولأن الدير, المتواجد على جزيرة مسيحية في منطقة مسلمة بقي سليما وعلى حاله تماما, ودون أن يتعرض لأي غزو.
اليوم يوجد ثلاثون راهباً أرثوذكسي, متفانين في صلاتهم, يتعبدون هناك, وهم يتلقون المساعدة كما منذ عصور خلت, من بدو مسلمين. هذا المكان مقدس للأديان العظمى الثلاث: اليهودية, المسيحية, و الإسلام, حيث لا تزال تستطيع رؤية الشجرة المقدسة حيث كلم الرب موسى .
الدير نفسه يملك أعظم مكتبة للمخطوطات خارج الفاتيكان, تضم حوالي 33000 مخطوطة بالإضافة إلى مجموعة رموز.
ليس من المفاجئ أن ينتمي هذا المكان اليوم للتراث العالمي, وهو الذي أتى بكنوز روحية سلمت عبر القرون المتقلبة. بالنسبة لكثير من الناس الكنز الحقيقي يقبع في المخطوطات المكتوبة في زمن الإمبراطور المسيحي الأول قسطنطين.
عندما سوف يتم تجميع القطع رقمياً في العام القادم, يمكن لأي شخص مقارنة المخطوطات مع العهد القديم.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1223545523300px-katharinenkloster.jpg
صورة لدير سانت كاترين في سيناء
أولا المخطوطات تحتوي على كتابين (سفرين) من العهد الجديد غير موجودتين في العهد الجديد الحالي.
أولهما هو "الراعي هرمس" ,الغير المعروف, مكتوب في روما في القرن الثاني , أما الآخر فهو "رسالة برنابا".الذي يظهر يظهر الاختلاف عبر الادعاء بأن من قتل المسيح هم اليهود وليسوا الرومان, بالإضافة إلى أنه مليء بالتعابير المعادية للسامية .
التناقضات
مع بقاء هذا في النسخ اللاحقة, "كان من الممكن أن تكون معانات اليهود في القرون المتتالية أسوء" كما يقول الباحث المميز في للعهد الجديد البروفيسور "بارت ايرمان"
مع أنه الكثير من الاختلافات الآخرة هي صغيرة, إلى أنها قد تحتاج الى تبرير من الذين يعتقدون أن كل كلمة تأتي من الرب .
مع وجود نصوص مختلفة: أيها الأصلي الموثوق؟
السيد ايرمان ولد مسيحيا انجيليا يؤمن بالكتاب المقدس حتى قرأ النصوص اليونانية الأصلية ولاحظ بعض الفروقات.
الانجيل الذي نستخدمه اليوم لا يمكن أن يكون كلمة الرب الغير المبدلة يقول الاستاذ "ايرمان" لأنه ما لدينا اليوم ما هي أحيانا الا كلمة مضلة نسخت من كتابات قابلة للخطأ
عندما يسألني الناس هل الكتاب المقدس هو كلمة الرب أن أجيبه "أي كتاب مقدس منهم"
المخطوطات و الكتابات القديمة لا تذكر شيئا عن صعود المسيح إلى السماء, و أسقطت دليل مهم جدا للقيامة والصعود, وهو ما يعتبره بعض الأساقفة الأساس في الإيمان المسيحي.
بعض الاختلافات الآخرة تتعلق بتصرفات المسيح. في أحد المقاطع من المخطوطات, يظهر المسيح على أنه غاضب عندما شفى أحد الأشخاص, أما الكتابات الحديثة فتظهر أنه يشفي بلطف.
و كذلك نجد اختفاء قصة المرأة الزانية التي كادت ترجم لولا نطق المسيح بجملته الشهيرة "من كان منكم بلا خطية فليرجمها"
كذلك لا نجد أثر لما قاله المسيح على الصليب "أبي سامحهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون
من يعتقد بأن كل كلمة في الكتاب المقدس هي حقيقية, قد يجد بأن هذا الاختلافات غير مطمأنة.
ولكن الصورة معقدة, حيث يجادل البعض بأن المخطوطات الفاتيكانية هي أقدم. و يوجد نصوص أقدم لمعظم الإصحاحات, ولكن لم يتم جمعها سويا
الكثير من المسيحيين اعتقدوا طويلا بأن الكتاب المقدس هو كلمة الرب المجزوم بها, ولكن اليد البشرية لطالما ارتكبت الأخطاء.
"يجب أن يعامل على أنه نص حي, شيء يتغير باستمرار مع تعاقب الأجيال التي تحاول فهم ما يفكر به الرب"كما يقول دايفد باركر, مسيحي يعمل على معالجة المخطوطات رقمياً.
أما بعضهم فقد يأخذ هذا كدليل بأن الكتاب المقدس هو كلمة الإنسان, لا الرب.
قال الله تعلى في كتابه العزيز : (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13(المائدة).
يمكن التواصل مع معد المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 05:25 PM
التحرير والتنوير في القرآن الكريم
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1221135188421561548_7ec69c3022_o_%28custom%29.jpgب قلم الأستاذ الدكتور نظمي خليل أبو العطا
أستاذ العلوم جامعة عين شمس
يدعي العَلمانيون (بفتح العين) والدروانيون المستغربون من بني جلدتنا أنهم دعاة التنوير في الديار العربية والإسلامية , ويصل بهم غرورهم إلى وصف المتدينين من المسلمين بالظلاميين وهذا افتراء على دين الله والمتدينين , فالإسلام هو الذي حرر الإنسان من الأهواء وعبودية المادة وأخرجه من ظلمات الشرك والجاهلية إلى نور التوحيد والهداية الإلهية كما قال تعالى: " اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " { البقرة 257}.
فبعد أن بين الله تعالى في الآية السابقة لهذه الآية التي قال الله تعالى فيها: " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " (البقرة/256)، وقال تعالى: " اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ " (البقرة/257).
فأخبر تعالى أن الذين آمنوا بالله، وصدقوا أيمانهم، بالقيام بواجبات الإيمان، وترك كل ما ينافيه، أنه وليهم، يتولاهم بولايته الخاصة، ويتولى تربيتهم، فيخرجهم من ظلمات الجهل (والجاهلية) والكفر والمعاصي والغفلة والإعراض إلى نور العلم واليقين، والإيمان، والطاعة والإقبال الكامل على ربهم وينور قلوبهم بما يقذفه فيها من نور الوحي والإيمان، وييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى.
أما الذين كفروا، فإنهم لما تولوا غير وليهم، ولاهم الله لأنفسهم وخذلهم ووكلهم إلى رعاية من تولاهم، ممن ليس عندهم نفع ولا ضر، فأضلوهم وأشقوهم، وحرموهم هداية العلم النافع والعمل الصالح، وحرموهم السعادة، وصارت النار مثواهم خالدين فيها مخلدين. (تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبدالرحمن بن السعدي رحمه الله).
هذا هو التنوير الحقيقي لأنه نور الله المؤدي إلى طاعة الله، وتحكيم شرع الله في الحياة وما عدا ذلك ففي ضلال مبين وظلام دامس ظلام الأهواء والشهوات بقيادة الشيطان الذي زين لهم الكفر والفسوق والعصيان فسعروا الشهوات واتخذوا المراة سلعة يحررونها من دين الله ليتاجروا في بدنها وعرضها ويتخذوها مطية لأغراضهم (الدنيئة) فأصبحت المراة عندهم سلعة تباع وتشترى باسم الفن، وباسم الحرية، وباسم الإعلام المتحرر من شرع الله وضوابطه، أصبحت المرأة سلعة لها وقت انتهاء صلاحية، فصلاحيتها تنتهي بتقدم سنها وأفول نضارتها وذهاب حيويتها، وأطلقوا لشهواتهم العنان فأباحوا المثلية في المعاشرات الجنسية، وأباحوا الإجهاض، والزنا، ومعاشرة الحيوان، كما أباحوا الربا، وأكل الميتة، وشرب الخمر، ولعب القمار والميسر، ومخادنة المحارم، ومن جهلهم وكذبهم سموا ذلك التنوير، كما قال الله تعالى عنهم: " وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (الأنعام/39).
أنهم كما قال الله عنهم: " وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ " (محمد/12)، فهم يتفننون في التمتع في الحياة الدنيا ويأكلون كما تأكل الأنعام , وفي النهاية مأواهم النار. وقد قال الله تعالى: " اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " (النور/35)، وقال أبي بن كعب: مثل نوره في قلب المسلم وهذا هو النور الذي أودعه الله في قلب عبده من معرفته ومحبته والإيمان به وذكره وهو نوره الذي أنزله إليهم فأحياهم به وجعلهم يمشون به بين الناس، وأصلة في قلوبهم، ثم تقوى مادته فتزداد حتى تظهر على وجوههم وجوارحهم وأبدانهم، بل ثيابهم، ودورهم، يبصره من هو من جنسهم، وإن كان سائر الخلق له منكرا، فإذا كان يوم القيامة برز ذلك النور، وصار بأيمانهم يسعى بين أيديهم في ظلمة الجسر حتى يقطعوه وهم فيه على حسب قوته وضعفه في قلوبهم في الدنيا (التفسير القيم للإمام ابن القيم).
وكما قال ربعي بن عامر لرستم (أن الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله , ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام) (أنظر التاريخ الإسلامي مواقف وعبر، عبدالعزيز الحميدي طبعة دار الدعوة) (1988) (ج،10 –ص 414).
هذا هو التنوير الحقيقي، وهذا هو التحرير الحقيقي، وما عداه وهم مآله إلى الزوال كما زالت الشيوعية والدروينية والفرويدية وكل هذه الظلمات التي يقود أهلها الشيطان ومن لا مولى لهم.
أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى
www.nazme.net (http://www.nazme.net/)
القلب الحزين
13-12-2013, 05:25 PM
التحلل الذاتي لفكر جمال البنا
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12191719151168778980.jpg
صورة لجمال البنا
من نعم الله على البشرية أن وضع قانون التحلل الذاتي للبكتيريا والفطريات والفيروسات الممرضة، ولولا ذلك لاستمرت تلك الممرضات في النمو حتى تقضي على الحياة على الأرض، فهذه الجراثيم تمر في حياتها بمرحلة الانبات، والنمو السريع، ثم ثبات النمو، ثم هبوط النمو، فالتحلل الذاتي، وهذا من لطف الله، والأفكار والنظم والنظريات الفاسدة والمفسدة تحمل في طياتها عوامل فنائها بتحللها الذاتي ، وهذا المنحى العلمي الرباني ينطبق على الفكر العَلماني (بفتح العين) المتصادم مع دين الله، وثوابت الآيات القرآنية القطعية الدلالة، وثوابت الأحاديث النبوية الصحيحة، فمن يحاول بفكره السقيم التصادم مع هذه الثوابت الإلهية كتب الله عليه الفشل والفناء، فالذين أعملوا عقولهم الفاسدة بعد موت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومنعوا الزكاة بحجة أنهم كانوا يؤدونها لرسول الله في حياته، ولن يدفعوها بعد وفاته، حاربهم المسلمون واختفى فكرهم من الوجود. والخوارج الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله عنه بتأويلاتهم الباطلة والفاسدة للآيات القرآنية أرسل الإمام علي إليهم من جادلهم بالسنة النبوية المطهرة، وقال له لا تجادلهم بالقرآن، فالقرآن حمال أوجه، وبعد الحوار رجع منهم خلق كثير، واختفى فكرهم الفاسد لأنه كان يحمل في طياته عوامل فساده وتحلله الذاتي، والذين رفعوا شعار التكفير للمسلمين في العصر الحديث إن لم ينضموا إلى جماعتهم(جماعة التكفير والهجرة) باعتبارها جماعة المسلمين , تحللت جماعتهم ذاتيا لأنها كانت تحمل في فكرها عوامل تحللها الذاتي، فلم تصمد أمام الفهم الصحيح للإسلام , والذين قالوا بانتهاء عمر أمة الإسلام استنادا إلى فهمهم السقيم للحديث النبوي الصحيح , جاء ميعاد الفناء ولم تفن الأمة وبقيت الأمة بخير والحمد لله، والذين رفعوا شعار الاصلاح والتنوير في الوطن العربي والبلاد الإسلامية على أساس عَلماني ( بفتح العين ) وصلت خططهم إلى الفشل والتحلل الذاتي لأن مبادئ إصلاحهم تتصادم مع ثوابت الاسلام، وبذلك حملت عوامل فشلها وتحللها الذاتي في طياتها.
والذين نادوا بالسفور والعري وإخراج المراة المسلمة من دينها باءت خططهم بالفشل، وضاعت جهودهم الإعلامية والثقافية والتعليمية التي بذلوها في مائة عام , وعادت المرأة المسلمة إلى دين الله , واختفى التبرج والسفور الجماعي الذي كان سائدا في سيتينيات القرن العشرين الميلادي في الوطن العربي، وقد قالت إقبال بركة في قناة الرسالة في إحدى حلقات الوسطية عن لباس المرأة المسلمة قالت: (ماذا حدث؟ بعد أن تخلصنا تماما من الحجاب، ضاعت كل جهودنا وعاد الحجاب وملأ الشوارع والمدارس والجامعات والمؤسسات ويا أسفاه على جهودنا السابقة.)
والمنحى التحللي الذاتي نفسه ينطبق على فكر جمال البنا الشاذ والخارج عن الثوابت القرآنية والسنة النبوية الصحيحة , وقد تحلل فكر جمال البنا أسرع مما كان يتصور، فقد أفتى بحل التدخين في نهار رمضان، وقد قوبل هذا الرأي الفاسد بالاستهجان والرفض حتى من المدخنين أنفسهم , وأفتى بحل الأحضان والقبلات العلنية بين البنين والبنات من المسلمين , وعندما سألوه أترضى هذا لبناتك؟ قال الحمد لله أنا ليس عندي بنات، وهنا ضحك الحاضرون واستخفوا بمنطقه العقيم والسقيم.
الله تعالى يحرم النظر للمحرمات بقوله تعالى: " قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ{30} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{31} " (النور/30/31).
الله تعالى يقول غضوا أبصاركم عن المحرمات , وجمال البنا يقول مادمتم يا شباب تحتاجون إلى تقبيل البنات وأحضانهن، ويقوم البعض منكم بهذا العمل سرا، فلماذا لا تتخلصون من القيود والضوابط الاجتماعية والدينية وتقبلوا بعضكم بعضا علانية؟؟ وبذلك يأمل أن يراهم يقبلون بعضهم في الشوارع , ويحضنون بعضهم علانية، من دون حياء , كما هو الحال في شوارع أوروبا وأماكنهم العامة.والله تعالى يقول " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{19} " ( النور / 19 )
لقد سمعت جمال البنا يقول أن الزنية الأولى، والزنية الثانية من اللمم والله تعالى يقول: " الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى{32} " (النجم/32) واللمم صغائر الذنوب كما ورد في كلمات القرآن للشيخ حسنين مخلوف رحمه الله، والزنى من الفواحش كما قال تعالى: " وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً{32} " (الإسراء/32).
جمال البنا يقول : دخنوا في نهار رمضان , قبلوا , احضنوا , ازنوا , , مادمتم تحتاجون إلى ذلك ولستم بقادرين على الزواج، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لغير القادرين على الزواج من الشباب (عليكم بالصوم فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج)، وعندما طلب شاب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يأذن له في الزنى. قال له: (أترضاه لأختك؟) قال: لا، قال: (أترضاه لأمك؟) قال: لا قال له صلى الله عليه وسلم: (وهكذا الناس لا يرضونه لأخواتهم وأمهاتهم).
الله تعالى يقول: " َيا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{59} " (الأحزاب/59).
وقد أجمع المفسرون والفقهاء على أن في هذا دليلا على تغطية الشعر والرأس والخلاف فقط على الوجه والكفين، وجمال البنا يقول بجواز كشف الشعر , وهذا يستتبع ما نراه الآن من المتبرجات من الذهاب إلى صالونات الحلاقة لقص الشعر وصبغه , وبعضهن يكشفن نحورهن وصدورهن وسيقانهن وأذرعهن اتباعا لهذه الأفكار الفاسدة في لباس المرأة المسلمة.
جمال البنا يرفض السنة النبوية المطهرة والأحاديث الصحيحة التي أجمع علماء الأمة من أهل الاختصاص على صحتها، والله تعالى يقول: " مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{7} " (الحشر/7) وجمال البنا يقول ما آتاكم الرسول فارفضوه , واضربوا به عرض الحائط فهذا كله هراء وكذب، ويسقط جمال البنا الحدود في الإسلام ويقول إن الإسلام قائم على أساس الإسلام والهداية وليس على أساس العقوبات أو وجود قانون العقوبات وتطبيق حد الردة( كما أوردت إحدى المدافعات عن جمال البنا في إخبار الخليج يوم الجمعة 11/7/2008م)، فماذا نفعل في عقوبات الزنى والسرقة والحرابة الواردة في القرآن الكريم وغيرها من العقوبات؟
لا يوجد نظام سليم في العالم لا يخلوا من قانون للعقوبات، وإلا لأصبحت الحياة فوضى، النظام المتميز يحتاج إلى قانون عقوبات متميز يحميه ويحمي حقوق الناس فيه، نحن ننادي بالفتوى الجماعية، وبالمجامع الفقهية المتخصصة حماية للمسلمين من الأهواء والفتاوى الفردية الفاسدة أمثال فتاوى جمال البنا وغيرها من الفتاوى الجاهلة الصادرة عن غير المختصين، العجيب أن ينادي العلمانيون (بفتح العين) بالتخصص في كل شئ إلا في الفقه والفتوى، والتفسير والحديث، فإنه يريدون ذلك كلأ مباحا لكل من هب ودب، ولكل من يدعي العلم، ويتصادم مع أهل الاختصاص والعلم والذكر، والله تعالى يقول: " فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{43} " (النحل/43) وأهل الذكر كما قال المتخصصون هم أهل العلم والتقوى فأين جمال البنا من هؤلاء؟.
إن فكر جمال البنا ولد ميتا لأنه يحمل عوامل موته في طياته وجيناته وتوجهاته.
جمال البنا كالعربة الطائشة التي يلعب بها العلمانيون، وسيلحق بالمعلم يعقوب عميل الحملة الفرنسية وبنوال السعداوي وتسلمية نسرين وسلمان رشدي ونصر حامد، وخليل عبدالكريم، وغيرهم من المنبوذين من الشعوب الإسلامية والعربية, وأهل الذكر والاختصاص في الشريعة الإسلامية منهم.
يمكن إرسال تعليقاتكم حول المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]
مع تحيات
الدكتور نظمي خليل أبوالعطا موسى
www.nazme.net (http://www.nazme.net/)
القلب الحزين
13-12-2013, 05:26 PM
الجذور المسيحية لأوربا
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12162324465465_%28custom%29_%28custom%29.jpgبقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
فى زمن تمت فيه شيطنة الإسلام والمسلمين حتى الغثيان، من جهة، ومن جهة أخرى تتم عملية تنصير العالم بصورة هيستيرية وبإلحاح أكمه، إعتمادا على عبارة "الجذور المسيحية لأوروبا"، بغية تكوين إتحاد أوروبى طائفى متعصب، باستبعاد ثمانية قرون من الإسهام الحضارى الإسلامى الذى لا شك فيه ـ فلولاه لما خرجت أوروبا من عصور الظلمات، والعمل على إستبعاد الوجود الإسلامى الحالى للمسلمين، فمن المنطقى بداهةً إلقاء نظرة خاطفة على هذه الجذور المسيحية المزعومة ومكوناتها ..
وما من أحد يجهل إلى اى مدى يكشف الكتاب المؤسس لدين ما ويحدد، فى نفس الوقت، تصرفات الأمة وهويتها.. لذلك من المفيد تأمل بعض النماذج الرئيسية التى يحتوى عليها الكتاب المقدس بعهديه لتوجيه أتباعه:
* " (...) وصعد الشعب إلى المدينة كل رجل مع وجهه وأخذوا المدينة وحرّموا كل ما فى المدينة من رجل وإمرأة. من طفل وشيخ. حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف ". (يشوع 6:20ـ21).
* " وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها فى خزانة بيت الرب " ( يشوع 6:24 ).
* " يفرح الصدّيق إذا رأى النقمة. يغسل خطواته بدم الشرير" ( مزامير 58:10)، وفى الطبعة الفرنسية لسنة 1986 الصادرة عن الفاتيكان نطالع:" يفرح العادل برؤية الإنتقام:ويغسل أقدامه فى دم الكافر"، أما فى الطبعة العربية لسنة 1671 فكانت:"يفرح الصدّيق اذا ما أبصر الإنتقام، ويغسل يديه بدم الخاطىء " ! وسواء غسل يديه أو غسل أقدامه فذلك يكشف عن مدى الفرحة والتشفى بقتل الآخر ..
* " فالآن إذهب واضرب عماليق وحرّموا كل ما له ولا تعف عنهم بل إقتل رجلا وإمرأة. طفلا ورضيعا. بقراً وغنما. جملا وحماراً " (صموئيل أول 15:3 ).
* " وقال لأولئك فى سمعى أعبروا فى المدينة وراءه واضربوا. لا تشفق أعينكم ولا تعفوا. الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء إقتلوا للهلاك " (حزقيال 9:5).
* فالآن إقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل إمرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر إقتلوها. لكن جميع الأطفال من نساء اللواتى لم يعرفن مضاجعة ذكر ابقوهن لكم حيّات " (عدد 31:17-18 ).
* " كل من وُجد يُطعن وكل من انحاش يسقط بالسيف. وتحطم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم ونساءهم " (إشعياء 13:15-16). وهو ما يطبقة الصهاينة بجدارة فى حق الفلسطينيين ومرتزقة الجى آيز فى العراق !
أما يسوع المسيح، الذى يصر البابا بنديكت 16 على فرضه كإله، على العالم أجمع، وفرض مسيحية لا يعرف المسيح عنها شيئا، فمن الغريب أن نرى البابا يوم 6/7/2008 يستشهد فى إحدى مواعظه بصورة إنتقائية ليتغنى " بطيبة قلب يسوع وتواضعه الجمّ "، بينما الأناجيل التى صاغتها مؤسسته تجعله يقول:
* " أما أعدائى أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا وإذبحوهم قدامى " ( لوقا 19:27 ) !
ويا لوحشية العبارة التى تجعل من أحد أنبياء الله شخصا إنتقاميا قاسيا يستمتع بالنظر إلى ذبح أعدائه أمام عينيه !
وبخلاف هذه الأمثلة المأخوذة عشوائيا، هناك استشهادات تكشف عن معطيان فى آن واحد، هما:مدى القسوة فى التعامل مع من يغزون بلده أو يحتلونه، وعملية تحريف النصوص "المقدسة"، كما يبدو من الآية التالية كنموذج صارخ:
* " والشعب الذين كانوا فيها أخذهم ونشرهم بالمناشير وداسهم بنوارج حديد وقطعهم بالسكاكين وأجازهم بقمين الآجاجر كذلك صنع بجميع قرى بنى عمون " (صموئيل ثانى 12: 31، فى طبعة الانسخة المطبوعة فى رومية سنة 1671 ) .. وقد تم تعديل الآية للتخفيف من بشاعتها اللا إنسانية لتصبح فى طبعة 1966 كالآتى:"واخرج الشعب الذى فيها و وضعهم تحت مناشير ونوارج حديد وفئوس حديد وأمّرهم فى آتون الأجُر وهكذا صنع بجميع مدن بنى عمون "، ومن الواضح التمويه على عمليات التعذيب .. أما فى طبعة بايار الفرنسية لعام 2001، فقد تحول النص إلى ما يلى:" وأخذ غنائم كثيرة من المدينة واستأذن سكانها ليعملوا على المناشير والنوارج والفئوس لتعيينهم على قمائن الطوب " !! أى أنهم من ضحايا يتم نشرهم بالمناشير ودهسهم بموارج الحديد وتقطيعهم بالسكاكين وحرقهم فى قمائن الطوب، تم تحويلهم إلى عمال وموظفين بعد إستئذانهم !!
فهل من الممكن التعامل بنصوص تم فرضها حتى مجمع ترانت فى القرن السادس عشر على أن " الله هو المؤلف الوحيد لها " وتم فرض هذا القرار حتى مجمع الفاتيكان الثانى الذى أعلن أن بتلك النصوص "ما هو قديم وبالى" .. أى أن بها ما هو غير صالح ؟!.
وهناك آيات أكثر كشفا لهؤلاء القوم حينما نرى الإله يهوا يدفع أتباعه إلى ألا يقتلوا فحسب وإنما إلى أن يتحولوا إلى أكلة لحوم بشر ! وذلك هو ما قامت به فعلا فرق "جنود المسيح" فى الحروب الصليبية، وفقا لما قاله المؤرخ الفرنسى لانونيم الذى كان معاصرا للحملة الصليبية الأولى. وتقول الآية:" وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما فى المدينة كُلْ غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التى أعطاك الرب إلهك " (تثنية 20:14-16). وكلمة " غنيمة " هنا فى النص العربى طبعة 1966 محرفة للتخفيف من بشاعتها، إذ كانت فى طبعة 1671 " كُلْ من سلب أعدائك "، أى يأكل من الأعداء الذين أسَرَهُم، أما النص الفرنسى فنجد كلمة:dépouilles، وتعنى جثث الموتى، أى كُل من جثث موتى أعدائك الذين ضربتهم بحد السيف !
وهو ما توارثته المؤسسة الكنسية التى تبدو مصّرة على إضفاء صورة سادية على من قامت بتأليهه فى القرن الرابع، فإن كنا نطالع فى الأناجيل المتواترة صياغة مضغمة يطالب فيها يسوع حوارييه بأكل لحمه وشرب دمه، ففى إنجيل يوحنا نطالعها بوضوح لا ريب فيه:
* " فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه فى اليوم الأخير. لأن جسدى مأكل حق ودمى مشرب حق. من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فىّ وأنا فيه " ( 6:53-56 ) ـ ولا نملك إلا التعجّب لفارق صورته فى القرآن الكريم، حيث نراه نبيا مفوضا أمره لرب العزة، مبلّغا رسالة التوحيد بالله، كسائر الأنبياء والرسل !
وما من أحد يجهل اليوم مدى المجازر التى يحتوى عليها الكتاب المقدس بصورة مرعبة الوحشية مصحوبة بأوامر الهدم والتدمير والإبادة أو إقتلاع السكان، وهى مجازر لا إنسانية، لا يضاهيها أو لا يتفوق عليها إلا ما يفعله جنود المارينز الأمريكان فى أفغانستان والعراق ليفرضوا ما يطلقون عليه " الديمقراطية "، بمساعدة المبشرين الذين يواكبونهم!. وذلك يتم على مرأى ومسمع من المجتمع الدولى، المتحضر، لكن يبدو أن ذلك المجتمع قد تشرب تعاليم نصوصه المقدسة حتى الثمالة.. فبضعة الأصوات التى ترتفع للإحتجاج تتوقف عند ذلك فحسب، فقد تشبعوا بالشيطنة الإعلامية للإسلام والمسلمين حتى النخاع، وكأنهم يحتجّون كلاما لمجرد راحة ضمائرهم، ولكن ما من قرار حاسم فعّال يصدر يمكنه وقف هذه المجازر طالما من يُحصدون هم مسلمون تمت شيطنتهم مع سبق الإصرار !..
وهناك مثال أكثر وضوحا من تلك النصوص ويشهد على الجذور المسيحية لأوروبا، وهى كنيسة سدليتس فى كوتنا هورا بالجمهورية التشيكية. أنها كنيسة مزدانة بعظام أكثر من أربعين ألفا من القتلى فى معارك الحروب الدينية. و الذين يعرفون التاريخ، تكفيهم الإشارة إلى تلك الحقيقة الدامغة التى تكشف إلى أى مدى تم فرض المسيحية فى أوروبا وفى العالم بحد السيف. وذلك إضافة إلى كل ما تضمه الكتب التاريخية أو النقدية من صفحات وقرون دامية ..
وسواء أكانت عظاما لمسلمين جلبها الصليبيون معهم، كما يقول البعض، أو عظاما لبروتستانت نتيجة لحروب الإبادة التى خاضتها الكنيسة ضد أتباع يان هسّ، فهى جثث لآدميين تم حشّهم فعلا بحد السيف ! وقد كان يان هسّ عميدا لكلية اللاهوت فى براغ، ويرفض صكوك الغفران التى كانت الكنيسة تبيعها لتكفير الذنوب، ويرفض الإفخارستيا، والبزخ الصارخ فى زى البابوات والكادر الكنسى، ويتهم الكنيسة بالإبتعاد عن تعاليم يسوع.. فأدين فى مجمع كونستانس عام 1414 وتم حرقه حيا على أنه هرطقى وابادوا الآلاف من أتباعه آنذاك ..
ويا لها من نصوص وقصص تاريخية فاضحة تلك الجذور المسيحية لأوروبا، والتى تمخضت كل محصلتها عن الآلة الكنسية-السياسية-الأمريكية الحالية، القائمة على اقتلاع الآخر بوحشية لا مثيل لها فى التاريخ، ويفخرون بذلك، كما أعربت وزيرة الخارجية الأمريكية فى يوليو 2008، لتعلن فخرها بأنهم إحتلوا العراق وذبّحوا أهله باليورانيوم المخضب والقنابل العنقودية وكافة أسلحة الدمار الشامل بدلا من حد السيف ! وياله من فخر وضيع النفس والمعنى ..
ألم يحن الوقت، بعد ألفا عام تقريبا من التاريخ الدامى لفرض المسيحية، أن تترك الشعوب فى حالها، دون محاولة إقتلاعها من أرضها ومن دينها، وليفهم هؤلاء القادة المتعصبون أن يسوع، كما تقول الأناجيل، لم يأت إلا من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة (متّى 15:24)، وليس لتنصير العالم .. وأن الثالوث المزعوم الذى يستخدمونه كتبرير لتنصير العالم قد تم تأليفه وفرضه فى مجمع القسطنطينية عام 381، وأن نجده مكتوبا فى نصوص يقولون أنها كُتبت فيما بين أعوام 70 و120م، فإن ذلك يصرخ ويجأر بالتزوير والتحريف وبالأكاذيب التى ألفوها ..
ويا لها من جذور يتمسكون بها ويقتلعون من أجلها ملايين المسلمين !
صور لكنيسة في تشيكوسلوفاكيا تم تزيينها بعظام حوالي 40.000شخص من ضحايا محاكم التفتيش الكنسية في أوربا
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1209485402kostnice_2.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1209485506kostnice_3.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1209485652kostnice_4.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1209485891kostnice_5.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1209485968kostnice_6.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1216231319clip_2.jpg
يمكن التواصل مع الدكتور زينب على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 05:28 PM
لماذا شغل حجاب المرأة كل هذا الاهتمام في الداخل والخارج
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1213358759new_picture.jpgلم أقرأ مقالاً أو أشاهد برنامجًا أو أسمع تعليقًا واحدًا على المرأة الهندية، أو الراهبة المسيحية، أو السافرة الأوروبية، ولكن حجاب المرأة المسلمة أصبح الشغل الشاغل للساسة والمعلقين والصحفيين، وتجاوزت هذه التعليقات كل حد، سواء في الخارج أو في الداخل، وكان آخرها هذه التصريحات التي أثارها وزير الثقافة المصري فاروق حسني الذي اعتبر فيها الحجاب أحد أسباب تخلف المرأة .
وقد اعتبر أعضاء البرلمان المصري تصريحات الوزير إساءة للنظام لأنه خاض في أحد الثوابت الدينية، وأهان المسلمين والإسلام متجاوزًا بذلك كل الخطوط الحمراء حين أعلن اعتراضه على أصول العقيدة الإسلامية، وطالب الأعضاء بسحب الثقة منه وإقالته من المنصب الوزاري الذي ظل شاغلاً له مدة تزيد على عشرين عامًا .
وإذا كان البعض يرى أن تصريحات وزير الثقافة تعبر عن رأي شخصي، فإنه لا يجوز إبداء الآراء الشخصية فيما هو معلوم بالضرورة من أمور الدين، فلا اجتهاد مع نص قطعي الدلالة، وهناك فارق كبير بين حرية التعبير والتطاول على الشرائع السماوية، والإسلام لا يمنع أي شخص من التعبير عن رأيه في كل قضايا الحياة، شريطة ألا يفتي في الأمور التي لا خلاف عليها والتي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية والتي يجب أن تترك لمن هم أهل لها حفاظًا على هويتنا الثقافية ومرجعيتنا الدينية، ومن ثم فلا يحق لأحد أن يتحدث بغير علم مستغلاً المبادئ السمحة للدين الإسلامي الذي لا يعرف العنف والتطرف، ويقبل الرأي والرأي الآخر بعيدًا عن الغلو والانفعال .
وهذا يعني أننا يجب ألا نترك الحبل على الغارب لكل من هب ودب لكي يفسر آيات القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم كما يحلو له لأن الأخذ بأسباب التقدم ليس معناه الانفلات والخروج على الثوابت والأصول .
وفي الحقيقة إن الحرب على الحجاب هي جزء من الحرب على الإسلام التي لم يسلم منها القرآن الكريم والرسول الأمين، وقد واجه الدين الإسلامي سلسلة من الاستباحات على مستوى العقيدة والمقدسات التي بدأت بسب الإسلام والمسلمين في معتقل جوانتنامو الأمريكي وتقطيع المصحف الشريف وإلقائه في دورات المياه ودوسه بأقدام الجنود الأمريكان، ولا تزال الافتراءات على الإسلام تتزايد يومًا بعد يوم .
وقد تلاقى النهج السياسي والعسكري مع الهوج العقائدي الذي مثله بابا الفاتيكان بندكيت السادس عشر حينما أطلق كلماته الحاقدة والمسمومة ضد الإسلام في رحاب الجامعة الألمانية وهي الكلمات التي رفض الاعتذار عنها، ويسير المخطط المنظم والمدروس في الحرب على الإسلام على قدم وساق من الولايات المتحدة إلى أوروبا حينما استباحت الصحافة الدنماركية شخص الرسول صلى الله عليه وسلم على يد رسامين هناك، رسموه في أوضاع مشينة، ثم تكرر المشهد من جديد عندما قامت منظمة الشبيبة التابعة لحزب الشعب الدنماركي بعمل مسابقة في مخيم صيفي للشباب، وكان الفائز في هذه المسابقة هو الذي يقدم أبشع صورة للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أقيم احتفال كبير على شرف هذه الصورة التي قدمها المتسابق الذي فاز .
وفي باريس أصبح التطاول على الإسلام ورموزه مستباحًا حيث دأب الكتاب الفرنسيون على السخرية من الرسول، ووصفوه بأنه رجل مزواج، ومتعطش للدماء، وكرر الصحفيون في جريدة فرانكفورتر الألمانية هذه الاتهامات، وسرت العدوى في كثير من وسائل الإعلام الأخرى ومواقع الإنترنت حتى أصبح سب الإسلام، والتشكيك في القرآن وتحريف آياته، أمرًا عاديًا، وامتدت هذه الحملة إلى دور العرض السينمائي والأوبرا لي والمسرحي، ووجد الكتاب الغربيون سعادتهم في النيل من هذا الدين.
بقلم: أ.د. محي الدين عبد الحليم
أخبار الخليج – إسلامي
الجمعة 4 شعبان 1428هـ - 17 أغسطس 2007م
القلب الحزين
13-12-2013, 05:28 PM
المسيحية والمؤرخــــــــــون الــقدامى 1/4
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1212743902200px-philon.jpg
صورة للمؤرخ الروماني فــيلون السكندري (http://en.wikipedia.org/wiki/Philo)
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
من أهم ما يعاب على تاريخ نشأة المسيحية إختفاء أية أصول ووثائق قديمة وعدم الإحتفاظ إلا بما صاغته الأيادي العابثة، وهو ما ضمنته الأناجيل الأربعة، وما أطلقت عليه كتب وتراث الآباء، وبخلاف ذلك لا أثر لتلك النشأة بصورة علمية موثقة، وهو ما سوف نعرضه من خلال أربعة مقالات لهذه الجزئية، أى لدى المؤرخون القدامى بمختلف أحقابهم، وهم المؤرخون اليهود، والمؤرخون الوثنيون، والمؤرخون اليونان، والإمبراطور جوليان لأنه يمثل نقطة فارقة أو علامة كاشفة سنراها فى حينها. ونبدأ بالبند الأول:
1– المؤرخــــون اليــــهــود:
فــيلون السكندري (http://en.wikipedia.org/wiki/Philo) (13 -20 ق.م -54 م ) Philo of Alexandria
فيلسوف ومثـقـف، ولــد أيــام هيـرود الأكـبر، وتـوفى عـام 54م، أي أنه فرضاً يُعـد معاصراً تماماً ليسوع، وهـو شـديـد الإلمام بكل ما يتعلق باليهود , وتتضمن أعماله 57 عملاً، منها كتاب بعنوان "عصر بيــلاطس " وهـو كتاب لو استطاع أن يضمنه شيئاً عن يسوع المسيح لـوجـد عشرات الإمكانيات، لكنه لم يـذكر يسـوع مـُطلقاً.
ويُعـد فيـلون من كبار مـثـقـفي عصره وأنه شـديد الأمانه الموضوعية ومشهود له بأنه لا يغــفل كبيرة ولا صغيرة في الموضوع الـذي يتناوله. وذلك ما إتبعه في كل كتاباته المتعلقة بالطوائف الدينية المتعـددة، لذلك لا يملك المرء إلا أن يتساءل: لماذا لا يـذكر شيئاً عن يسوع وحـواريـيه، خاصة وأن شعبية يسوع – وفـقاً للوثـائق الرسمية – كانت تـفوق الآفـاق، وأنها تعـدت سـوريا، وأنهم أحضروا كل المرضى ليشفيهم، ولا يـذكر شيئاً عن ألاف الأشخاص الـذيـن إتبعوه وأطعمهم بمضاعـفة الخبز والسمك.. خاصة لا يـذكر فيلون شيئاً عن عملية "صـلب " المسيح ولا عـن تلك القـيامة المتـفردة بين الأمـوات، أو عن أولئك الموتى الذين عـادوا إلي الحياة وراحـوا يتجولون في المدينه ! وكلها أحـداث لا يمكن لمـؤرخ بمثل دقـة فـيلون أن يغفلها أو ألا يــذكر عنها سيئاً.
بل المعروف أن فـيلـون كان من الشجاعة بحيث أنه سـافـر إلي رومــا لمقابلة الإمبراطور الـرومـاني كاليجـولا دفـاعاً عن اليهود ضحايا الإضطهاد الـدامي سنة 39 في الأسكندرية. فاستقبله كاليجولا لكنه لم يستجب لمطلبه.. وبعد عـودته إلي الإسكندرية راح يواصل كتابة أعماله التي لا يـرد بها أي ذكـر ليسـوع أو لجماعة المسيحـيين السكندريين ومنهم المـدعـو أبـوللونيـوس الطـواني، الذي يـُقال عنه أنه كان منافساً أو شبيهاً ليسوع الرسـول.
وكان فـيلون تـلميذاً لأفـلاطـون، صاحب نظـرية "اللوجس" أو "الكلمة" وما أكثر ما كتبه عنها وعن العـلاقة بين الله العــالِم بكل شيئ وبين تلك الـدنيا بنواقـصها. وسرعان ما جعل من "الكـلمة" كائناً مستـقلاً قـد خـلق كل شيئ لأنه يحتوي على الصفات الإلهية، وكل المخلوقات نتجت عنه وهـو غير مخلوق ومنبثق من الله ذاتـه.. وما أشبه بذلك ببـداية إنجيل يوحنا الذي يـبدأ بعبارة : " وفي البدء كانت الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " (1:1 ).
أي أن فكرة "الكلمة" كانت واردة في الـفكر الفلسفي ولم يضـف إليها إلاعبارة "التجـسد" التي أضيفـت في القرن الثاني.
والأكثر من ذلك أن القـس الإيطالي ليـوجي كاتشيولي الذي خـرج عن سلك الرهبنه، وهو من مـواليد عـام 1934 م، يـؤكد في كتابه المعنون : " مهـزأة المسيح " أن فيلون السكندري كان ينتمي إلي جماعة الأسينيين، ورغمها " لايـذكر أبـداً أي شيئ عن يسوع أو المسيحيين، بل بالعكس تماماً، نــراه يستبعدهم من أعماله المكتوبه فيما بين سنة 50 و 60م، ويتحدث عن ( لوغـوس) لا يزال سوف يأتي روحياً، وبذلك فهو ينكر أي مجيئ ليسوع في شكل مادي " (صفحة 109 ).
فـلافــيوس جوزيف (حوالي 37م -100) Flavius Joseph
وُلــد جوزيف عــام 37م من أسـرة يهودية ميسورة الحـال وتـم تعيينه حاكماً على الجلـيل في بـداية ثورة 66، وقـد تـولى قيادة المحاربين ضد الـرومان. ثــم إعتقله الإمبراطور فـسبـازيـان وسـرعان ما إنـقلب موقـف فـلافيوس جـوزيف، إنقـاذاً لحياته، ليصبح متعـاوناً بحماس مع الرومـان، الأمُـر الــذي سمح له بالحصول على الجنسية الــرومانية، إلا أن ذلك لا يمنع من أنه من كبار مـؤرخي عصره، ومن أهــم مـؤلفـاته:"حـرب اليهـود ضـد الــرومـان" من سبعة مجـلـدات، و "الأثــار اليهودية "أو"التاريخ القـديم لليهـود" من عشرين مجلداً، إضافة إلي مـؤلف "ضـد أبـيـون" من جزئين وسيرته الذاتية.
وفي كل هـذا الكم المستفيض خاصة في كتابه آثــار اليهود، وقــد ضمنها منذ عصر سـفر التكوين حتى حرب اليهود مع الرومان سنة 66م، لايوجد سوى فـقرة من بضعة أسطر تقول:
"وفي نـفس العصر آتى يسوع، إنه رجـل عـاقـل، إذا كان يجب أن نطلق عليه رجـلاً. لأنه كان صانع مُعجزات وسيد الرجال الذين يتلقـون عنه الحقيقة بسعادة. وقــد جــذب إليه العـديد من اليهود والهلليـنين، أنه كان المسيح، وعندما حكم عليه بيــلاطس بالصلب بناء على وشاية من مواطنينا الأوائل، لم يكف الذين كانوا يحبونه عن الإعجاب به لأنه ظهر لهم بعد ثـلاثة أيــام، لقد قام، إذ كان الأنبياء الـقدامى قـد أعلـنوا ذلك وآلاف الأشياء الأخـرى بشأنه. والجماعة التي يطـلق عليها المسيحيين لم تخـتف بعـد"!
ولو كانت هــذه الفـقرة نصاً أصلياً لكانت حاسمة، إلا أن كافة العلماء يجمعون على أنها إضافة تحريفية لاحـقة. فهي من ناحية، لم تكن موجـودة في أقــدم نسخة من "أثــار اليهـود" تلك التي كان يمـتلكها أوريجـين في مطلع القـرن الـثالث والـذي كان يـؤكد أن فيلافيوس جـوزيف كان يرفض "الإعتـقاد بالمسيح" ومن المعروف أن فـيلافيوس جـوزيف كان شـديد التمسك باليهودية الفاريسية، وهو ما يبدو في كل أعماله، خاصة في سيرته الذاتية وفي الكتاب الهجومي الذي ألفه "ضد أبيون".
ويــؤكد الأب جيليـيه أمين مكتبة سانت جنـفيـيف ومـترجم أعمال فـيلافيوس جوزيف سنة 1756: "أن التناقضات والتحريف يتـولد أمامي في كل خطوة. إنني مضطر إلي القول بأن كتاباته قـد تــم تعــديلها بحيث أصبح يتناقض مع نفسه، وأخشى من تكرار ذلك القـول وأثــره غير الحميد على أعماله ".
ويـوضح روجــيه بـترينيـيه (Roger Peytrignet) إن "المسيحيين قــد إستولوا على أعمال جــوزيف، إذ أن مـواطنيه قــد تباعـدوا عنه، لإنضمامه إلي صفـوف الرومان، وراحــوا يحرفـونها وفـقاً لهــواهـم"،( " يـسوع المســيح أسطـورة أم شخص تـاريخي " صـفحة 29 ).
ويـؤكـد كل من ألفاريك وكوشو، في كتابه لهما حول "مشكلة يسوع وأصول المسيحية"، إستحـالة أن ينطق فـلافـيوس جـوزيف بمثل هـذا القــول "لأنه لو كان قـد قاله حقاً لكان مسيحياً. إلا أنه كان شـديد التعلق بيهوديته الفـاريسية، وهو ما نُــطالعه في مؤلفــاته اللاحـقة ".
وإجماع أخــر من كافة الباحثين على أن تلك الفــقرة أضيفت بفعل فاعل يوضح أن الجـزء الذي أضيفت فيه لا يتـفـق وسـياق الكلام، حيث إن جــوزيف كان يتحدث عن المصائب التي لحقت بمواطنيه أيام بـيلاطس. وأنه إذا ما حـذفت تلك الفـقرة فإن سياق الكلام يتواصل بموضوعية واضحة !
أما أنـدريه فـوتــييه Andre Vautier، فيوضح في كتابه عن " لـُغـز يسوع" أن فـيلافيوس جوزيف قد كتب عـدّة ترجمات "لحـرب اليهود" وأن النص الآرامــي له يرجع إلي عــام 75م. والنص اليـوناني إلي 79م.وأن هـــذه الترجمة اليونانية لا تتضمن أية إشــارة إلي يسوع إلا أن الأبحـاث قــد دلت على أن الجــزء الأول والأجــزاء من ثــلاثة إلي سبعة رائعة الصياغة والمضمون الـدقيق، إلا أن الجــزء الثاني الذي يقص الأحــداث التي تتوافق والفترة التي عـاش فيها يسوع رديئة الصياغة وغيـر متناسقة المضمون. وذلك دليل قاطـع على أن هـذا الجــزء قــد تــم التلاعب فيه بأيــدي النـّساخ المسيحيون، وهنا يوضح : "يجب علينا ألا ننسى أن القساوسة وحدهم هــم الذين كانوا يُجيدون القــراءة والكتـابة، وأن الأجزاء المتعلقة بيسوع وبيوحنا المعمدان قـد قــاموا بإلغائها من النسخ التي عملوها للنص اليوناني اليوناني ".
لذلك يـؤكـد أنـدريه فـوتـييه بإصرار واضح:"أن كتاب (حـرب الـيهود ) والجزء الثامن عـشر من كتاب (الـتاريخ القـديـم لليهود) اللذان يتناولان أحـداث القرن الأول الميلادي" تتضمن آثــاراً شـديدة الوضوح للتغـييروالتبديل، والنصوص المدسوسة، والنصوص المحذوفة.
ويُشير فــوتيــيه في الفصل الثالث من كتابه إلي أن مقـدمة كتاب "حرب اليهود ضد الرومان": " النص اليوناني يتضمن ملخصاً لما سوف يتناوله الكتاب، وفي هذه المقدمة، فإن الكتاب في وضعه الراهن، ينتقل فجأة من حكم الإمبراطور أغسطس إلي السنة الثانية عشرة من حكم الإمبراطور نيرون " !.
أي أنها فجـوة تشتمل على حوالي ستين عاماً " ومن اللافت للنظر أن هـذه الفجوة هي الفترة التي تحتوي على نشاطات كل من يوحنا المعمدان، ويسوع الناصري، وبولس الطرسوسي".
ومن الواضح أنه لايمكن لواحــد في مثل دقـة فـلافـيوس جـوزيف أن يقـفز متغاضياً عن مثل هـذه الحـُقبة بكل ما فيها من أحــداث مصيرية. وهنا لايمكن لأي دارس أمين إلا أن يـُشير بأصابع الإتهام إلي الأيـادي العابثة في الكنيسة التي من الواضح أنها قامت، منذ لحظاتها الأولى، على عبثيات الغـش والتحريف والتزويــر.
لذلك يقــول لويجي كاتشيولي:"إن الكنيسة قـد حرفت الفـقرات الواردة في مؤلفات فلافيوس جوزيف، وإختلـقت حـريق روما الذي نسبته إلي نيـرون حتى يمكن إعتبار الضحايا أو الشهداء الأسينيين أنهم شـهداء مسيحيين والعــديد من الأكاذيب التي لايكفي مجلداً لإستيعابها، إنها أكاذيب ما أن يكتشفها القــارئ حتى تــؤدي إلي نتيجة عكسية لما أراده المزيفون. وتكفي الإشارة هنا إلي كم التحريف الذي قام به يوسبيوس، أسقف القيصرية (314 -340)، والذي أطلق عليه المـؤرخون لقب "الـمـزوِّر " لنـرى ما الــذي قــام به المسيحيون لمواجهة نقـص الوثـائق ولمحاولة إثبات الوجــود التاريخي للشبح الذي أطلقوا عليه اسـم يسوع " (" مهــزأة المسـيح" صفحة 111).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12127439874110pjpx7vl._sl500_bo2,204,203,200_pisit b-dp-500-a
صورة لكتاب خرافة المسيح
ويورد العالم القس السابق جـي فــو Guy Fau في كتابه المعنون "خـرافة يسـوع المسيـح" "أن النصوص المتعلقة بيسوع المسيح ظهـرت لأول مـرة في القـرن الرابع في أعمال يـوسبيـوس ولم تكن قـد وجــدت بعــد في كتاب " الأثـار العبرانيـة" في عهد أوريجــين (185 – 254)، بما إنه هـو بنفسه يــؤكد في كتابه المعنون " ضـد سلسـيوس" أن فـلافـيوس جــوزيف لم يتحدث أبداً عن يسوع يُـدعى المسيح. إن الــتزوير لشديد الوضوح لدرجة أن الكنيسة نفسها لم تعــد تــدافع عن تلك الفقرة المدسوسة في أعمال فـلافـيوس جـوزيف".
جــوست من طـبرية Juste de Tiberiade
يُعــد جــوست الطبري، أو من مــدينة طبرية، مــؤرخاً معاصراً لفـلافـيوس جـوزيف ومنافساً له.. وقد كتب هو أيضاً كتاب بعنوان " تـاريـخ اليـهود" وقـد إخـتفى هـذا الكتاب من الوجود حالياً وإن كان قـد ظل حتى القـرن التاسع. ونعلم من فـوسيوس، بطريارك القسطنطينية أنه لم يـذكر يسـوع بكلمة واحــدة، إذ دون في يــومياته قــائـلاً: "جــوست لا يــقول شيئاً عن مجيئ المسيح ولا عن وقائــع حـياته ولا عن المعجزات التي قــام بها "
وهنا يؤكد روبير بـترينييه:" إذا كانت قـــد تمت محاكمة يسوع بالظروف الــوارد ذكرها في الأناجـيل، لاضطر الحاكم أن يكتب تـقـريراً رسمياً إلي رئيسه وفـقاً لما تـقتضيه القـواعـد المتبعة ولكان قـد تــم حفظه في الأرشيف الإمبراطوري. ويـزعـم الفيلسوف القـديس جوستان ( القرن الثاني الميلادي) أنه قـد شاهــد هـذا المحضر شخصياً وكان أول من رآه، ولابد من وجوده في أرشيف الدولة، ولابـد من أن يكون محتواه موافـقاً تماماً لكل ما ورد بالأناجيل"!.
إلا أن مثل هـذا التـأكيد الصادر عن أحــد الـقـديسين المشهود لهم بالــولاء للكنيسة لدرجـة أنها قامت بإضفاء صفة القــداسة عليهم، هـل يمكن أن تـؤخـذ في الإعتبار ؟! فـالمعروف أنها حرقت كل من عارضها وقامت بإضفاء صفة القـداسة على الذين تعاونوا معها في أغراضها.
الــــتــلمـــود
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1212743948300px-talmud_set.jpg
صورة لنسخة من التلمود
التلمود كلمة عبرية تعني " التعـاليــم ". وهـو يتضمن التعليمات والتعليقات المتعلقة بنصوص التوراة أو العهد القديم. ويُعد التـلمود تكملة للشرع المكتوب وتـقنيناً للشرع الشفهي مؤكداً العـقيدة التوراتية "للشعب المختار".
وقد تمت صياغة الجزء العقائدي فيه في الـقرن الثالث الميلادي بحيث يـؤكد سيادة الدين اليهودي. ويـزخـر التـلمود بالإتهامات ضد المسيحيين، الأمـر الذي أدى إلي إدانته رسمياً في الغـرب في القـرون الوسطى.
ومن الصور الساخرة التي يحتوي عليها سخرية لاذعة ضد الأناجيل وضد من يطلقون عليه:" الإبن المزعوم لله، غير الطاهر المولد، إذ أن والدته عاهرة يهودية اسمها مريم وجندي روماني من جنود الإحتلال اسمه بانتيرة ". ويصف الـتلمود المعجزات التي قام بها المسيح "بأعمال من السحر مأخـوذة من عبادة الشياطين ولذلك حُكم عليه بالموت لمحاولته إغـراء الشعب اليهـودي وحثه على الـثورة ".
ووفـقاً للتـلمود فإن المسيح لم يُصلب وإنما تم رجمه ثم عُلق على شجرة. وبورد بيير دي جرانميزون Pierre de Grandmaison في كتابه عن " يسـوع المسـيح " نصاً أخر يقـول:"وأخيراً تمت محاكمته في ليـدّا وإتهامه بالسحر والإرتـداد. وقـد وُضع على عمود التـشهيد طوال الأربعين يوماً التي سبقت موته، وكان المنادي يعلن بصوت عال: هذا الشخص سيـُرجم لأنه مارس السحر وأضل إسرائيل. وأي شخص يعرف شيئاً لتبرأته ليتقدم بشهادته ويعلنها. لكن أحداً لم يتقدم وتم إعدامه يوم الإستعـداد لعيد الفصح. ويقول أخــرون أنه تم رجمه"!.
وهنا لابد من الإشارة إلي موقف اليهود من المسيحية، فعلى الرغم من كل ما قدمه الفاتيكان من تنازلات تخرجه تماماً عن نصوص الأناجيل وعقائد المسيحيين بتبرأة اليهود من دم المسيح في مجمع الفاتيكان الثاني، وذلك رغم 35 إشارة في إنجيل يوحنا وحده تتهم اليهود بقتل المسيح، فإن اليهود لم يغيروا من موقفهم ولا من نصوصهم التي تـتهم مولد السيد المسيح بالسفاح والعياذ بالله.
المـــشــــناه:
والمشناه هي مجموعة من 63 بحثاً لليهود وتعليق على الــتوراة وتــدوين للشرع الشفهي وتمثـل القـاعـدة الأساسية للتلمود إضافة إلي تعليقين أخــرين. وقــد عـثر هـيلل Hillel الـبابلي، وهـو أحــد علماء الحخامات، على نسخة من المشناه سنة 40 ق.م، في منطقة طبرية قـرب بحــر الجليل حيث دارت أحــداث حياة يسوع، ومع ذلك فــلا تتضمن المشناه أي شيئ مُطلقاً عن يسوع أو الحواريين رغــم أنها تتناول كل "الهـرطقات "التي تعرضت للمحكمة العليا اليهودية منذ 40 ق.م حتى حوالي سنة 237 م.
وتعد المشناه بمثابة أو أشبه ما تكون بيوميات لأعمال المعبد اليهودي وتاريخ الفاريسيين الـذيـن تـم إتهامهم بقتل يسوع – كما يقـولون – فكيف لا يحــاول أي حخام أن يستبعد مثل هـذه التهمة ؟ إنه صمت يفسره بعض العلماء الحــداث على أن يسوع قـد وجـد قـبل التاريخ الذي بــدأ فيه تـدويـن المشناه.
يمكن التواصل مع الدكتور زينب على الإيميل التالي:
[email protected]
المراجع
L. Cascioli: La Fable du Christ, Viterbo, 2001
Fau, G.: Le christianisme sans Jésus, France-Quercy, 1995
Peytrignet, R.: Jésus-Christ, Mythe ou personnage historique, Reflexion, 2002
Vautier, A.: Le secret de Jésus,
كتب مجانية للتحميل حول الموضوع:
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1212744019a462.jpg (http://al-maktabeh.com/a/books/A462.zip)
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1212744041a466.jpg (http://al-maktabeh.com/a/books/A466.zip)
الهرطقة في المسيحية ...تاريخ البدع الدينية المسيحية ج. ويلتر تعريب جمال سالما
إنجيل يوحنا في الميزان
الدكتور محمد علي زهران
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1212744059a494.jpg (http://al-maktabeh.com/a/books/A494.zip)
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1212744085a496.jpg (http://al-maktabeh.com/a/books/A496.zip)
اليهودية بين الوحي الالهي و الانحراف البشري
الدكتور فرج الله عبد الباري
الاديان الوضعية في مصادرها المقدسة و موقف الاسلام منها الدكتور ابراهيم محمد ابراهيم
ملاحظة : الكتب عبارة عن ملفات PDF مضغوطة على zip يمكن تحميلها بالضغط على الصور وبعد التحميل نرجو فك ضغط الملفات وفتحها بواسطة برنامج Acrobat Reader (http://www.adobe.com/products/acrobat/readstep2.html)
مصدر الكتب موقع المهتدي (http://al-maktabeh.com/a/index.htm)
http://al-maktabeh.com/a/index.htm
القلب الحزين
13-12-2013, 05:29 PM
توجيهات من أجل حوار بين المسيحين و المسلمين، للكاردينال موريللا..
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1211376557271030-18med.jpg(15/6/69 19– روما )
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
الكاردينال موريللا Morella من الذين ساهموا فى أعمال مجمع الفاتيكان المسكونى الثانى (1962-1965)، وقد تم إختياره يوم 19 مايو 1964 ليترأس أمانة سر لجنة الحوار مع غير المسيحيين، التى تفرعت منها بعد ذلك اللجنة البابوية للحوار مع المسلمين. وفى 15 يونيو 1969 أصدر وثيقة تتضمن توجيهاته للعاملين الكنسيين فى الحوار مع المسلمين جاء فيها ما يلى – علّها تعاون المسلمين المشاركين فى لجان ذلك الحوار المنبت على رؤية الوجه الآخر للعبة الحوار الكنسى مع المسلمين :
• ضرورة التواجد الكامل مع الآخــر، وهـذا التواجد يتطلب أن نعيش معهم نفسياً في عالمهم دون أن نكـف عن أن نكون مخلصين لأنفسنا ولعقيدتنا.
• ضرورة تغيير موقفنا الماضي القـائــم علي التحــقير و الإزدراء.
• لابــد من معرفة ثقـافة المسلم ووسطه الإجتماعي – الثقـافي، وتاريـخه، أفــراحه وأحزانه.
• علينا أن نعمل على تغــيير عقليتنا كمسيحين في تناول هـذه المهمة وإلا لأصبحت مستحيـلة.
• علينا أن نسمع من المسلم رأيه في الإسلام عــبر العصور حتي في الأوساط التي نــزع عنها الإسلام، وأن نتعلم الإستماع إليه.. فــقد يعارضنا الإسلام على تطهيـر إيماننا وعقيدتنا وأن نكتسب وعياً أكـثر حيويه بــوجود الله في حياتنا.
• هناك موقــفان لابــد منهما أثناء الحوار: أن نكون صرحاء وأن نــؤكد مسيحيتـنا وفقاً لمطلب الكنيسة.
• أخطر ما يمكن أن يوقّــف الحوار : أن يكتشف من نُــحاوره نــيتنا في تنصيره، فإذا ما قـد تم إستبعاد هــذا الموقف بين الكاثوليكي وغير الكاثوليكي فإنه لم يُستبعد بعد بين المسيحي والمسلم ؛ وإذا ماتشكك من نــحاوره في هــذه النيه علينا بوقـف الحـوار فـوراً مؤقتا ً، وهــذا التوقف المؤقت لا يعـفينا من تأكيد مواقــفنا بوضوح.
• سيفـقد الحوار كل معناه إذا قــام المسيحي بإخفاء أو التقليل من قيمة معتقداته التي تختلف مع القــرآن.
• علينا معرفة لماذا الإسلام يرفض أو يــدين ســر الخلاص وفــقاً لما تعلنه الكنيسة.
• علينا أن نفهم تماماً أن الإسلام دين وأمة وثقافة وحضارة، وأياً كان تنوع حصاد الإسلام علينا التعرف على خاصيته الحقيقية، ذلك لأن "أمة النبي" مازالت تمثل مرجعاً روحياً يلتف حــوله الجميع، ولكن لايجب أن نغفل أن في يومنا هــذا كثير من الشباب يــود كسر هـذا القـيد ولا يعني ذلك أنه يرفض الأمة أو الدين برمته..
• إن الحضارة التقنية تُــهـدد الإسلام اليوم أكثر من أي وقت مضى، وعلينا أن ننـتـقد في الإسلام ما يمـثل مساساً بالـحرية الشخصية.
• إن القرآن بالنسبة للمسيحي يتضمن الفكرة التي وضعها فيه مُحـمد على أنها من الله وأن عليه تبليغها، وهذه الفكرة مـرتبطة بمفاهيم وحــقبه زمانية محـددة وخاصة ما يعكسه القــرآن من معرفه بالحقائق المسيحية.. ولدينا فِــهم الـقرآن للتوحيد وهو فِهـم يمكن أن يتـقبل عــدّة تفسيرات جـديدة، وعلى المسلمين أن يتوصلوا إليها عبــر الحـوار مع المسيحـين.
• لايجب على المسيحي أن ينـاقـش مصداقية أو أصالة الحـديث النـبوي فـلن يستمع إليه أي أحـد.
• أن عــدم ممارسة المسلم لأركان الــدين الخمسه لا تعني أنه لا يتمسك بـدينه.
• أن القــرآن يؤكـد من جهـه أن الله له مطــلق الحرية على الإنسان، ومن جـهه أخـرى يؤكـد أن للإنسان مطلـق الحـرية على أفعاله – وكل علــم الــدين الإسلامى يتـأرجح بين هـذين القـطبين، ومن ذلك يجب ألا ننسى خضوعه لله.
• يجب تـفادي الــدخول في مناقشات حــول ما يــرد في القــرآن بشأن المسيح والمسيحيه، ولنترك المسلم يتساءل عنها كيفما شاء وعلينا أن نـتذكر أن قبولنا لســر المسيح يُمثل سر إيماننا.
• على جمـيع المسيحين تفـادي الحــديث عن مُـحمد أثنـاء الحـوار بأي إستخفاف وعـدم كشف أنهم يحـقرون الإسلام أو ما يحيطون به مـُحمد من تبجــيل.
• علينا بعـدم التـوغـل في خـلافــات الـمذاهب الإسلامية وألا نـفاضل بينها فالكنيسة هي التي تقـدم بذلك من خـلالنا وبواسطتنا.
• يـجب ألا نـنسى أن أكثــر مـن ثـلاثـة أربــاع العـالم الإسلامي يـقع خــارج نـطاق اللغة العـربية.
• أن العـالم الإسـلامي في كل البلدان يسير نحـو الحداثة ويبحث عـن نماذجه في الغرب الأوروبي أو الأمريكي، وهـذا البحث عـن الثقافه الغربية وأنماطها خـير أرضية للحـوار ؛ وأول فئة يجب التركيز عليها هـم الطلبة الـذين يـدرسون بالخارج إذ عادة ما يكونوا قـد بـدأوا يتحررون من إسلامهم، فعلينا إحتضانهم ومعاونتهم على العثور على الإيمان بالله دون أي إنتقادات.
• كما يـوجد حالياً كثير من المسلمين الـذين يحـاولون تهميش إسلامهم نظراً لتكوينهم وتشربهم الثقافه الغـربية، وهؤلاء أكثر مما نتخــيل.
• إذا ما إلتقينا ببعض هؤلاء الـذين تشربوا مختلف أشكال المادية الغربية لايجب علينا أن ننتـقـدهم على أنهم غير مبالون أو ملاحده.
• علينا إدراك أن الفكـر الإسلامي شـديد التوغــل في عقلية المسلم فهـو يبحث عن العصريه وليس عن رفـض الـدين كليه.
• من أهــم عقبات الحـوار ما قـمنا به في الماضي ضد الإسلام والمسلمين، وهذه المرارات عادت للصحوة حالياً، وقد أُضيفت الآن قضية إسـرائيل وموقف الغرب منها، ونحن كمسيحين نعرف ما هي مسئوليتنا حيال هـذه القضية وعلينا أن نبحث دائماً عن توجه إنساني خاصة أن حـل هـذه المشكلة ليس في أيدينا.
• أن الموقف الحيادي هو دائماً أسلم المواقف إلي جانب الصراحه.
• لايكفي أن نقترب من المسلمين بل يجب أن نصل إلي درجة إحترام الإسلام على أنه يُمثل قيمه إنسانية عـاليه وتقدماً في التطور الديني بالنسبه للـوثنية.
• علينا بعدم تكرار أفكارنا المسبقه عن الإسلام أثناء الحوار، ومنها أن الإسلام دين قدري ( المكتوب) ؛ أو أن الإسلام دين الخوف، أو أنه لا توجد قيم أخلاقية في القرآن أو أنه لا تو جد قيم أخلاقية أسرية، أو أن الإسلام دين مُتعصب قد إنتشر بالسلاح، أو جمــود الإسلام.
• على المسيحين الإستماع إلي ما يتم في الإسلام حالياً من تحديث بلا تعليق ومتابعة ما يتم في مجال التحديث للمجتمع المدني – وذلك ما يسعدنا.
• علينا مراعاة تصور المسلم عن المسيحية ورأب خلافاتنا العقائدية التي كثيراً ما إستغلها المسلمون، لذلك يجب تفادي المناقشات حول الخلافات والتمسك بالنقاط المشتركة والتوغل منها.
• مراعـاة سوء فهم المسلم للعقيدة المسيحية لأن العبارات الواردة في القـرآن عن المسيحية تشوهها فهم ينفون التثليث وتجسد الله في المسيح،وأي حـوار في هذا المجال سيواجه بالفشل ما لم يغيـر المسلم من موقـفه.
• في أي حـوار يجب على المسيحي أن يقـنع المسلم بأن المسيحية قـائمة على التـوحيد وألا يناقش أية تفاصيل فـأي كـلام سيقوله المسيحي تبريـراً للعقيدة لن يمكنه أن يقنع به المسلم الـذي لا يـرى في الثالوث إلا المساس بالتوحيد، ويستند في ذلك إلي صورة التوحــيد.
• وقـد أعـطى الكاردينال كـونج محاضرة في الأزهــر في 31 مـارس 1965 حول الطابع المطلق للتوحيد في المسيحية وإنـه إلــه واحــد، وكــم كانت دهشة الحاضرين كبــيرة وسعادتهـم أكبر وهــم يسمعون أحــد كبار كــرادلة الكنيسة يــؤكـد ذلك، ولا يجب فهم هـذا الموقف على إنه إنكار للعـقيدة المسيحية أو أن المسيحي عليه أن يتـناسى عقيدته وأسـرارها وخاصه أسـرار الخلاص : إن ذلك ليس إلا تكتيـكاً يـخدم أغـراضنا لأن الله واحــد لـكنه واحــد في ثلاثـة أقـانيم، وهـكذا سيقوم المسلم بفـهم الكنيسة وتقبلها.
• ضرورة القيام بفصل المسيحية في حــد ذاتها عن العالم الغربي ومواقفه المُعادية ومواقفه الإستعمارية فالمسلم لم ينس ذلك بعد.
• على من يقوم بالحوار من المسيحيين فصل ما هو دنيوي عما هو ديني في المواقف السابقة للكنيسة والغرب من الإسلام والمسلمين والبحث عن نقاط مشتركة.
• أفضل وسيلة لشرح طبيعة الكنيسة هــو وضعها في إطــار عـالميتها ومطالبتها بـوحـدة الناس جميعاً لخـدمة الله وهكـذا فإننا نقترب من مفهوم المجتمع الفاتيكاني الثاني.
• مازال المسلم يشك للآن في نــوايا المسيحي، وهــى أصعب نقطة في الحوار لذلك لا يجب على المسيحي أن يُعرب عن عـدم إكتراثه بذلك فحسب وإنما عليه أن يستمع إلي نقاط الإعتراض، مع تمسكه في قــرارة نفسه بكل عقائده الكنسية.
• أن الناس جميعاً مـا زالت تبحث عن إجـابات لأسئلة من قبـيل من نحن ؟ وما المصير؟ وما جـدوى الإنسان ؟ إلـــخ .. ويجب إدارة الـحـوار بحيث تـقــدم خـلاله إجابات لهـذه التساؤلات.
• يجب الإعتماد على الغرس الثقافي، ولا يجب إغفال الدور الذي يقوم به الغرب في العالم الثالث من تغيير حضاري.
• لقد سبق لمثل هـذا الحوار بين العــرب المسيحين والمسلمين أن بدأ في الماضي، في دمشق (القرن الثامن) وقـرطبه (القرن الثانى عشر) وأقـرب من ذلك في الشرق الأوسط ( في القرن التاسع عشر) وهـو مازال يتواصل ونأمل أن يـزداد في كل مكان تتواجد فيه المسيحيه و الإسلام، ولن نكُف أبـداً عن تأكيد أهمية الحـوار الثقافي.
• لابد من إشتراك الجميع في هذا الحوار وليس العاملون في الكنيسة وحدهم.
• الإعتماد على تقـارب وجهات النظـر والنقاط المشتركة مع العمـل على طمس خـلافات الماضي.
• يجب تـوضيح أن من ضمن رسالة يسوع المسيح فـادي البشر، رسالة نبويه ( كما يقول المسلمون ) كمرشد للإنسانيه جمعاء لتحقيق ملكوت الـرب، وأنه "النبي" المنتظر الذي سيأتي ليحـكم العـالـم.
• المسلمون يبجلون مــريــم العـذراء أم يسـوع، وعلينا أن نقبـل ذلك، وإن كنا لا نتوقف عند هــذا الحــد في أم الله.
• أهمية الصلاة كمدخل للآب والمسيح و الروح القـُـدس، ويجب مراعاة الإمتناع عن الصلاة مع المسلمين بصلاتهم هــم.. وإن كان من الممكن التواجد في صلوات تلقائية كتحقيق الهــدف الواحــد الذي هــو أن نصبح جميعاً مؤمنين (أى مسيحيين).
وبعد كل ما تقدم من لؤم وخديعة فى التعامل من أجل تنصير المسلمين، لا يسعنى إلا أن أتساءل عن جدوى ذلك الحوار، ولماذا لا يوقفه المسلمون، أو على الأقل لماذا لا يفضحون نواياه المعلنة بكل صراحة وصلف بدلا من المشاركة فيه وتقديم التنازلات التى تمس الإسلام والمسلمين ؟!
يمكن التواصل مع الدكتور زينب على الإيميل التالي:
[email protected]
مصدر المعلومات: كتاب P .Marella , Cardinal " Orientations pour un dialogue entre Chrétiens et musulmans " éd . Ancona , Roma , 1991 .
كتب مجانية للتحميل حول الموضوع:
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1211375016a012.jpg (http://al-maktabeh.com/a/books/A012.zip)
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1211375526a051.jpg (http://al-maktabeh.com/a/books/A051.zip)
اللقاء بين الاسلام و النصرانية
للدكتور الشيخ احمد حجازي السقا
مناظرة بين الاسلام و النصرانية - لمناقشة العقيدة الدينية بين مجموعة من رجال الفكر من الديانتين الاسلامية و النصرانية.
ملاحظة : الكتب عبارة عن ملفات PDF مضغوطة على zip يمكن تحميلها بالضغط على الصور وبعد التحميل نرجو فك ضغط الملفات وفتحها بواسطة برنامج Acrobat Reader (http://www.adobe.com/products/acrobat/readstep2.html)
مصدر الكتب موقع المهتدي (http://al-maktabeh.com/a/index.htm)
http://al-maktabeh.com/a/index.htm
القلب الحزين
13-12-2013, 05:30 PM
الفاتيكان، الولايات المتحدة وهيئة الأمم، المخطط الثالوثى الجديد
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1210447522_44581849_popeun_300_getty.jpg
صورة لبابا الفاتيكان في الأمم المتحدة
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
تنبىء رحلة بنديكت 16 إلى الولايات المتحدة (15-21 أبريل 2008)، و التى تم الترويج لها إعلاميا على الصعيد العالمى، عن مؤامرة ثالوثية ضد الإسلام والمسلمين، هى بمثابة الطوفان القادم.. فالخطوط العريضة لهذا المخطط اللاإنسانى تشهد على ذلك سواء أكان قبل أوأثناء أو بعد الرحلة. ولقد سبق لهذا التضافر أن تم فى الثمانينيات، إعتمادا على العملاء المحليين أيضا، لإقتلاع الشيوعية بنفس المكونات تقريبا وإن كان بأفراد آخرين.
وبمتابعة بعض هذه المعلومات المذكورة هنا على سبيل المثال، نرى أن هناك عبارات تتكرر كالإسطوانة المشروخة، لتتهم دوما ما يطلقون عليه " الإرهاب الإسلامى ":
ففى 10 يونيو 2007 إستقبل البابا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وخلال المحادثات استعرضا أهم الموضوعات السياسية العالمية، " متوقفين عند الوضع المقلق فى العراق والظروف الصعبة التى تعيشها الجماعات المسيحية " !
إن القلق على مصير بضعة مئات من المسيحيين العراقيين لابأس به، لكن ما القول عن الصمت المطبق حول اغتيال مليون ونصف من المسلمين العراقيين، فى حرب غير مشروعة هى عبارة عن مجزرة فعلية، وخمسة ملايين من الجرحى والمعاقين او النازحين الفارين من الجحيم ؟ إن ذلك لا يعنى قداسة البابا بالمرة ! ولا نقول شيئا عن القتل العرقى للفلسطينيين، الذى يتم على مرأى ومسمع من العالم، ولا أحد يتحرك، لأن من يقومون به هم الصهاينة الذين "لا يمكن المساس بهم"، ومن يُغتالون هم المسلمين الذين تم وصمهم بالإرهابيين !
وقبل ذهابه إلى الفاتيكان، فى زيارته للرئيس الإيطالى جيورجيو نابوليتانو، أعرب الرئيس الأمريكى عن " إعترافه بالجميل " لإيطاليا لمساهمتها فى الحملة ضد الإرهاب الدولى!
وهو ما يوضح طبيعة الصلة التى تربط قطبى السياسة الأمريكية-الفاتيكانية، أو تلك الرغبة اللحوح فى إقتلاع الإسلام، بعد ان أدانوه ووصفوه ظلما وبهتانا بالإرهاب والإرهابيين، غير عابئين بكل الإتهامات التى تثبت يقينا أن أحداث 11/9 صناعة أمريكية !
وفى يوليو 2007، أعلن مدير المكتب الإعلامى للكرسى الرسولى أن الفاتيكان يدرس الدعوة التى تقدم بها أمين عام هيئة الأمم المتحدة، بان كى مون، مضيفا: " من بين الأحداث الواردة فى البرنامج لمدينة نيو يورك، فإن البابا يأمل فى إقامة قداس فى السنترال بارك، وأن يوجه خطابا فى كاتدرائية القديس باتريك، وأن يصلى فى موقع الهجوم الإرهابى ضد البرجين التوأمين الذى وقع فى هذه المدينة سنة 2001 " !
ترى هل هو فقدان ذاكرة أم مجرد تعنت شرس لمهاجمة الإسلام والمسلمين ؟ كيف أمكن لقداسته أن ينسى البرج الثالث، مبنى المخابرات المركزية، الذى إنهار مع البرجين لكنه إختفى من الإعلام بعد الحدث بيومين هو وخبر تغيّب أربعة آلاف من اليهود الذين أصيبوا جميعهم بنزلة برد فى نفس ذلك اليوم ؟!
وفى 12 نوفمبر 2007، أعلنت مدينة الفاتيكان (وهى آخر ما تبقى من وثيقة " هبة قسطنطين " ) أن البابا سوف يزور " جراوند زيرو" (إسم موقع البرجين) والبيت الأبيض، حيث سوف يستقبله جورج دابليو بوش، وسوف يلقى بخطاب فى هيئة الأمم. ثم يضيف البيان: " إن سبب هذه الزيارة هو التضامن مع أولئك الذين شهدوا زويهم يموتون فى الهجوم الإرهابى، فهو معهم يصلى كل يوم من أجل إنهاء العنف فى العالم أجمع " !
أى بقول آخر: أنها رحلة الغرض منها التأكيد على إستمرارية الإتهام المسبق للمسلمين، لكى لا نقول ليزيد من إشعال النيران عن عمد !
وفى 13 نوفمبر 2007، أعلنت وكالة الأنباء الفرنسية: أن البابا سيذهب فى إبريل إلى الولايات المتحدة، فى واقعة هى الأولى من نوعها بعد فضيحة القساوسة الشواذ. وبعد وصف البرنامج تقول الوكالة: " فى 19 أبريل، وبمناسبة مرور ثلاث سنوات على إنتخابه، سيقيم البابا قداسا فى كاتدرائية القديس باتريك، قبل أن يتوجه للصلاة فى موقع " جراوند زيرو "، حيث كان يرتفع برجا التجارة العالمية اللذان تهدما فى الهجوم الإرهابى فى 11 سبتمبر 2001. وسوف يذهب البابا إلى ذلك الموقع تضامنا مع الضحايا وأهاليهم ومع كل الذين يودون التخلص من العنف لإقامة السلام ".
وفى نفس اليوم، الثلاثاء 13 نوفمبر 2007، أعلن المونسنيور سامبى تأكيد الرحلة والبرنامج، مشيرا فيما يتعلق بيوم 20 أبريل: " أن البابا سيذهب إلى " جراوند زيرو " فى الموقع الذى إنهار فيه البرجين التوأم للتجارة العالمية يوم 11 سبتمبر 2001 "..
وفى 18 فبراير 2008، أوضح الفاتيكان أن البيت الأبيض حدد فى الإعلان الرسمى للقاء قائلا: بنديكت 16 فى البيت الأبيض يوم 16 أبريل القادم: أن الزيارة ستكرث للحوار " حول أهمية الإيمان والعقل، وهى إهتمامات مشتركة بين الإثنين" كما إن الرئيسان "سيواصلان المناقشات التى بدءاها أثناء زيارة الرئيس الأمريكى للفاتيكان، فى يونيو 2007، حول تعلقهما المشترك بأهمية الإيمان والعقل للتوصل إلى الأهداف المشتركة، والتى تتضمن تحريك عملية السلام فى الشرق الأوسط وفى مناطق صعبة أخرى، وتفعيل التفاهم بين الأديان وتدعيم حقوق الإنسان والحرية، خاصة حرية العقيدة، فى العالم أجمع " !
وحرية العقيدة بالنسبة لقداسته هى تلك الرسالة الواضحة التى أعلنها للكافة بتعميده شخصيا، بصورة إستعراضية وغير مألوفة فى المجال الكنسى، للمدعو مجدى كريستيانو علام. وهو ما يأمل فى فرضه على كافة المسلمين، بكل وضوح.. لذلك يلجأ إلى الأمم المتحدة كما سنرى.
وفى 17 مارس 2008 أعلنت وكالة الأنباء ميشنا المسيحية، أن البابا سيقابل ممثلا هاما للأمم المتحدة، ثم تضيف باقى الموضوعات ومنها: الحوار بين الأديان، وإصلاح هيئة الأمم، وترابط الحضارات ودور مساندة الفاتيكان فى إطار الحوار بين الأديان الذى ترغبه هيئة الأمم !
وإصلاح هيئة الأمم ليس من إختصاص البابوات، خاصة حينما يكون الإصلاح فى مفهوم ذلك البابا يعنى إعادة إدخال ما تم إستبعاده عند الصياغة النهائية لميثاق المنظمة وهو: حماية حرية العقيدة. وهى رغبة تم التعبير عنها فى نصوص عدة مواقع فاتيكانية.
وفى 4 أبريل 2008، قام واحدا من أهم المواقع الفاتيكانية بتحليل الموقف، موضحا أن البابا يتخذ أمريكا نموذجا بالنسبة لأوروبا الكاثوليكية، محددا: أنه سوف يقدم أحد عشر خطابا، لكن إثنان منها شديدة الإثارة، منذ أن أوضح فى محاضرة راتسبون أمام العالم أجمع بأية جثارة يمكنه التصرف ! ونقصد خطاب 17 أبريل فى واشنطن أمام ممثلو اليهودية والإسلام وديانات أخرى، وخطاب 18 أبريل، فى نيو يورك، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. ثم يشير الموقع إلى فقرة من الخطاب الذى ألقاه البابا عند إعتماده أوراق مارى-آن جليندون، سفيرة أمريكا لدى الفاتيكان، إذ قال آنذاك: " لا يمكننى ألا أشير إلى عرفانى بالجميل إلى الأهمية التى تضفيها الولايات المتحدة على الحوار بين الأديان وبين الثقافات كقوة حاسمة لخدمة السلام. إن الكرسى الرسولى مقتنع بالأهمية الكبرى الروحية التى يمثلها هذا الحوار، خاصة فيما يتعلق بتفعيل عدم العنف ورفض المذهب الذى يحرّف ويشوه الأديان لأغراض سياسية ويبرر العنف باسم الله " !
ومن الغريب أن نرى كيف تتضافر الأطراف الثلاثة المعنية بهذه المؤامرة وهم يهنؤن أنفسهم، ويتبادلون التشجيع وتوزيع الأدوار و الأمنيات بنجاح مخططهم !
وإذا ما كانت كنيسة روما قد تخلّت تقريبا عن إنتقاداتها للولايات المتحدة، بعد إدانتها بشدة للتدخل العسكرى ضد العراق لحماية أتباعها، فهى حاليا لم تعد تطلب إنسحاب القوات الأمريكية وإنما تطالب ببقائها حماية للأقليات المسيحية !
وهذا التغيير فى الموقف لم يتم إلا حينما رفعت السياسة الأمريكية راية فضيحة الشواذ عاليا، وهى الفضيحة التى تلطخ سمعة الكنيسة الكاثوليكية تماما. أنها الجرائم التى بسببها قامت الكنيسة الأمريكية بدفع أكثر من ثلاثة مليارات من الدولارات للضحايا الذين يتعدى عددهم أربعة عشر ألفا (جريدة الفيجارو 17/4/2008 ) ! ثم بعد ذلك تلاقت وجهتى النظر للرئيسان نحو تنصير العالم من خلال المهزلة الأخرى المسماه " الحوار بين الأديان وبين الثقافات"، كوسيلة لإقامة السلام، بما أن الهدف النهائى منها ليس إلا التنصير الإجبارى تحت مسمى "حرية العقيدة " بدعم عسكرى من هيئة الأمم !
ولم تختلف تطلعات البابا فى كل خطبه عن هذا السيناريو، حتى تكرار تهمة الإدانة للمسلمين بالإشارة إلى برجى التجارة باستمرار !
ففى 16 أبريل، فى البيت الأبيض، تم الإعلان عن تصريح مشترك عقب اللقاء بين الرئيسين، أعرب فيه الرئيس الأمريكى عن كل أمانيه بنجاح خطاب البابا فى هيئة الأمم المتحدة، وتقديره للزيارة التى سيقوم بها إلى "جراوند زيرو" فى نيويورك. وقد أعرب الإثنان عن رفضهما التام للإرهاب ولتحريف الدين لتبرير أفعال لا أخلاقية وعنيفة ضد الأبرياء. كما أعربا عن الحاجة إلى مواجهة الإرهاب بكافة الوسائل المناسبة التى تحترم الإنسان وحقوقه، ثم أعربا عن قلقهما المشترك بالنسبة لوضع الأقليات المسيحية فى لبنان ومجمل المنطقة. ويأملان نهاية العنف وإيجاد حل سريع وشامل للأزمات التى تتهدد المنطقة. وهذا الحل السريع والشامل أعلنته المؤسسة الفاتيكانية فى مواقعها قائلة عدة مرات: إن الكبرياء الوقح للمسلمين سوف يتم الحط من قدره بفضل حرب تُفرض عليهم ويخسرونها أو ان يقبلوا التنصير جماعة !!
وفى 17 أبريل، فى المركز الثقافى يوجنا بولس الثانى، "الذى تم إنشاؤه لنشر الإيمان المسيحى والتفاهم بين أتباع مختلف الديانات"، قام البابا بعرض قبول يسوع المسيح على المسلمين والاديانات الأخرى قائلا: " فى مواجهة المسائل العميقة التى تتعلق بأصل ومصير الإنسانية، فإن المسيحية تقترح يسوع المسيح للجميع (...) فهو الذى سنقدمه فى الفورَم الخاص بالحوار بين الأديان (...) ولا يحق لنا أن نخاف (...) فنحن قادرون على رؤية أن السلام هو هبة من السماء ويدفعنا إيماننا إلى تطابق تاريخ الإنسانية للأمر الإلهى " !
وكما هو واضح، فإن الفورَم أو منتدى الحوار الإسلامى المسيحى المزمع إقامته فى شهر نوفمبر القادم، قد تم وضعه مسبقا تحت راية التنصير والإرتداد، إذ لا يوجد أما م المشاركين سوى حل واحد ونهائى هو يسوع المسيح والتنصير. وقداسته ليس بحاجة فعلا لأن يخاف ويخشى بما أنه أصبح مدعّما بالخوذات الزرقاء !!
وفى 18 أبريل، فى هيئة الأمم وتحت أعين بان كى مون، وقف البابا يتأمل ويصلى أما النصب التذكارى الذى أقيم تخليدا لسبعة عشر من جنودهم ماتوا يوم 19/8/2003 فى بغداد. وهو ما يوضح مدى التغير الواقع على المؤسسة الفاتيكانية بالنسبة للحرب غير المشروعة ضد العراق. وهو ما علق عليه الأمين العام قائلا: "إن الأمم المتحدة لا تقوم فحسب بعمل ما، وأنما بمهمة هى فى كثير من الأوجه مرتبطة بمهمة البابا "، لاعبا بذلك على معنى كلمة "مهمة" التى تعنى بالفرنسية "تبشير" أيضا. وأيا كان الوضع فمهمة الخوذات الزرقاء فى مذبحة سريبرينتشا، التى اقتُلع فيها ثمانية آلاف مسلما تحت حمايتهم ومباركتهم لم تنسى بعد، كما لم يتم إعتبارها قتل عرقى لكى لا يتم تعويض العائلات المسلمة !
أما الخطاب نفسه والذى لخص فيه البابا المذهب الكاثوليكى فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، فلم يتضمن عبارات صادمة أو أمثلة بعينها. وإنما ارسى به مبدأ التدخل الدولى فى البلدان التى تكون حقوق الإنسان فيها مهددة، مشجعا التدخل الدولى متعدد الأطراف لحل الصراعات، مصراً على حماية حرية العقيدة، مضيفا: " إذا كانت الدول غير قادرة على ضمان مثل هذه الحماية، فإن المجتمع الدولى يجب أن يتدخل بالأساليب القانونية الواردة فى ميثاق الأمم المتحدة ونصوص أخرى من القانون الدولى" ! وهو ما كرره عدة مرات فى هذا الخطاب.
وبذلك يكون تم الإعلان تماما عن هدف الرحلة.. وهذا النوع من التدخل الفاضح لا يُعد تدخلا فى الشئون الداخلية فى نظر البابا، الذى سارع بإضافة: " ولا يجب أبدا تفسير ذلك على أنه تدخلا او حركة تعسفية ولا تحديا لسيادة الدولة " !! ولا نعرف كيف يمكن إذن تسمية مثل هذا التدخل السافر، إستعراضا عسكريا أم عرضا للأزياء العسكرية ؟!
وإن لم يقم إلا بتكرار مفهوم المسؤلية والحماية، مؤكدا حق مجلس الأمن فى التصرف "سلميا" بوسائل دبلوماسية وإنسانية، لحماية الشعوب ضحايا القتل العرقى وجرائم الحرب والتطهير العرقى والجرائم ضد الإنسانية، فقد كان من الأكرم والأكثر إنسانية الإصرار على ان يكون مثل هذا التدخل فى فلسطين، لحماية الفلسطينيين الذين يعانون من كافة وسائل الإقتلاع فى آن واحد، بدلا من إعفاء اليهود من الإرتداد والتنصير، وذلك بزعم أنهم " ليسو بحاجة إلى ذلك من أجل خلاصهم " – والفاتيكان هو القائل ! لماذا إذا يجب تنصير المسلمين بما أن الخلاص يمكن الحصول عليه بالنسبة لليهود بلا إرتداد ؟؟ إن حق الحياة، حتى وإن كان بنفس أهمية حق الإيمان، فهو يتخطاه بكثير، وهؤلاء الفلسطينيين وكافة الشعوب الإسلامية التى تساق أمام أعينكم إلى الإبادة العرقية وجرائم الحرب والتطهير العرقى والجرائم ضد الإنسانية، من حقها أن تحيا وتعيش. فبدون الحياة لا توجد وسيلة للإيمان !
ويوم الأحد 20 أبريل، فى الصباح الباكر، تم الإعداد للحفل الخاص بموقع "جراوند زيرو" بحيث يعطى أكبر تأثير عالمى للحدث من خلال إخراج مسرحى مؤثر، وموسيقى باخ الحزينة فى الخلفية. وقام الحبر الأعظم بالصلاة من أجل تحول قلوب العصاة قائلا: " أعد إلى طريق محبتك أؤلئك الذين يحترق قلبهم وروحهم من الكراهية " !
وإذا لم نأخذ فى الإعتبار سوى خطابى 17 و 18 أبريل، اللذان إقترح فيهما البابا على المسلمين قبول إتّباع يسوع المسيح صراحة، وطلب بلا مواربة تدخل الأمم المتحدة لتنفيذ ذلك، نرى بوضوح ما ترمى إليه هذه الرحلة التى تكشف عن التضافر الحالى بين محور قوى الشر الحقيقي والمؤامرة التى يعدّونها..
أهو مجرد نشاز فاتيكانى وتحريف سياسى-إعلامى، يهدف إلى التعتيم على إجراءات غير إنسانية وسط موجة من الهتافات ؟ هناك شىء واحد مؤكد هو: تلك الكراهية الراسخة ضد الإسلام والمسلمين والتى لا تكف عن التزايد منذ أربعة عشر قرنا بوسائل متزايدة الحدة.
وإذا كان الوضع أيام حزب تضامن قد أدى إلى إختفاء البضائع من كافة الأماكن فى لحظة، لكى لا يجدها البولنديون إلا على أبواب الكنائس وهم خارجون منها بعد تأدية الصلاة، فحاليا يشهد العالم عملية مفتعلة لرفع الأسعار إلى مستويات مذهلة بالنسبة للدخول شبه المنعدمة لشعوب العالم الثالث التى يعد معظمها من المسلمين، والذين لا يصل دخلهم اليومى إلى فتات من الدولار. مما يكشف عن أبعاد هذه المؤامرة الجديدة التى تحاك إلى جانب الإقتلاع العرقى الذى يتم منذ قرون ويتواصل حاليا، دافعا بنظرية الجزرة والعصا إلى مداها بعد أن تحولت صراحة إلى " الإرتداد أو تدخل الخوزات الزرقاء " !
بينما بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن طرد المسلمين من أوروبا، ويشيرون إلى الأحزاب السياسية المعادية للهجرة والتى تتزايد إدانتها للإسلام والمسلمين. ولا نذكر هنا إلا الأمريكى رالف بيترز، فى جريدة "نيو يورك بوست"، الذى راح يتحدث عن سيناريو تصور فيه " بوارج المارينز الأمريكية وهى راسية أمام الموانىء بينما تنزل جنودها فى برست وبرمرهافن أو فى بارى لضمان ترحيل المسلمين من أوروبا" وراح يمجد " الشر الراسخ فى الأوروبيين " الذين " وصلوا إلى درجة الكمال فى القتل الجماعى والتطهير العرقى ".. لذلك يتحدث عن الأيام المعدودة للمسلمين فى أوروبا.
وبدلا من هذه الفضيحة المذرية الواضحة، والتى لا تهدف إلا إلى إقتلاع الإسلام والمسلمين، أليس من الأعقل تأمّل الصفحات السوداء للمسيحية على مدى تاريخها، والتى تحتوى على عدد ما اقتلعته هذه المؤسسة التى تعد ضحاياها بعشرات الملايين، لتدرك أنه قد حان الوقت لأن توقف عمليات التبشير الإجبارية المدعمة بالقوى العسكرية ؟
وبدلا من مواصلة شيطنة الإسلام والمسلمين لتسهيل عملية إقتلاعهم، أليس من الإنسانية تكريث كل هذه الجهود وكل هذه النفقات لإقتلاع مآسى الإستعمار، ومساوىء التنصير، ونهب المواد الأولية، والحروب غير العادلة وغير المشروعة، والقتل العرقى المتعمد، والفقر والمجاعات الطبيعية أو المفتعلة، و القيام بإقتلاع الأسباب الحقيقية للإرهاب، الذى ليس هو فى الواقع إلا إختراع أمريكى-فاتيكانى ؟؟
إن تأمل ما يدور فى العالم، وما يتم الإعداد له، سواء فى كواليس الفاتيكان، أو البيت الأبيض أو الغرب المسيحى برمته، لا يمكن إلا أن يؤكد حقيقة مؤسفة واحدة، وهى: أن المسلمين ليسو هم الذين تحترق قلوبهم وأرواحهم بالكراهية، وإنما كل من يدبّرون هذا الإجرام وإلصاقه بالآخر..
يمكن التواصل مع الدكتور زينب على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 05:30 PM
رســــــــــالة الفــــــــادي
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1209883681429px-coat_of_arms_of_the_vatican.svg.jpgد. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
يـُعد الخطاب الرســولي المعنون " رســالة الفـــادي " من أهم الخطب التي أصدرها البابا يوحنا بولس الثاني، إذ أنه يلقي مزيداً من الضوء على ما يدور حالياً من أحداث في مجال تنصـير العالم.. وتكمن أهمية هذا الخطاب الصادر عام 1990 في نقطتين أساسيتين: فهو من ناحية يُعرب عن موقف البابا من الديانات غير المسيحية، وخاصة من الإسلام ؛ ومن ناحية أخرى يتضمن ما أخفاه البابا من تحريف جـديد لمعنى ما يطلقون عليه " فــداء المســيح" وربطه بين ذلك " الفــداء" وبين كل فرد في العالم وبلا إستثناء (البند 14) !.
و الخطاب الرسولي عبارة عن رسالة دورية يقوم البابا في الفاتيكان بتوجيهها إلي مجمل الكنائس، وفقاً لضرورة الموقف، بموجب رعايته العليا للتعليم والتوجيه الديني. وأكثر ما يميز هذه الرسائل البــابــاوية هي أنها تحمل عــلامة عصرها أكثر من أي نص أخر، كما تشير إلي الظروف التي أدت إلي كتابتها أو الضرورة التي إقتضتها وتتناول الرد عليها، ويتفاوت طول الخطاب الرسولي هذا من عشرات الصفحات إلي ما يتعدى المائتي صفحة، وهو مـُـلزم لكل البنيان الكنسي ولكل الخاضعين للعقيدة المسيحية من ملوك ورؤسـاء وأتباع..
وتقع " رســالة الفـــادي " التي نحن بصددها، في مائة وأربع وأربعين صفحة، وتتكون من ثمانية فصول، تشتمل على واحد وتسعين بنداً. وإن لم يكن موقـف المؤسسة الكنسية من الإسـلام بجــديد، فإن مغـزى الإضافة الجـديدة التي أجراها البابا على ما يطلقون عليه " فــداء المســيح" أي تضحيته بنفسه من أجل التكفير عن المسيحين من ذنب "الخطيئة الأولى"، يُمثل تحديا لا سابقة له فيما يتعلق بموقف الفاتيكان من المسلمين: إذ أنه أفصح البابا عن أحد قرارات مجمع الفاتيكان الثانى، الذى كان يتم تداوله سرا و تعتيما، وأعلن رسميا فرض المساهمة في عملية التنصير على كافة المسيحين، وبذلك لـم تعــد قـاصرة على رجال الاكليروس وفــرق المبشـرين...
وقــد قــال أحـد المعلقين البروتستانت وهو أمريكي الجنسية، يُدعى جيرلي أندرسون،"أن هذا الخطاب يمثل نقطة تحول جديدة، بل إنه يعد أكثر نقطة إنطلاق محملة بالأمال لمستقبل اللاهوت الكاثوليكي وللإرساليات التبشيرية "، وهذه الأمال تعتمد على إستخدام كافة المسيحين في عملية التنصير. إذ نُطالع في البند 2: "إن الرسالة تعني المسيحين جميعاً والابرشيات والرعايا والمؤسسات والمجمعات الكنسية كلها ". ولا يقتصر فرض البابا على هذا النحو، وإنما نطالع في نفس بقية البند، من الخطاب: "إلزام كل الكنائس الخاصة، وحتى الكنائس المحلية على إستقبال المرسلين وإرسالهم لطمأنة غير المسيحين وبخاصة السلطات المدنية في البلدان التي يتوجه إليها النشاط الرسولي، إذ إن غايته واحدة، هي خدمة الإنسان بإظهار محبة الله التي في يسوع المسيح". وبعد هذا القناع نطالع في (البند 3 ): -
إن عدد الذين يجهلون المسيح ولا ينتمون إلي الكنيسة يزداد يوماً بعد يوم ؛ حتى أنه تضاعف منذ إختتام المجمع (1)... إن الله يفتح أمام الكنيسة أفاقاً بشرية أكثر إستعدادا ً لتقبل بذر الإنجيل و أستطيع القول أن الوقت قد حان لأن تلتزم كل القوى الكنسية في التبشير الجديد بالإنجيل.. "فما من أحد يؤمن بالمسيح وما من مؤسسة في الكنيسة يمكنه أن يتنصل من هذا الواجب المقدس وهو واجب تبشير كل الأمم بالمسيح".
وهــذا التبشير الذي فــرضه الـــبابا على جميع الأتباع، قــائم على فكرة أن المسيح هــو المخلـّص الـوحيد للبشر والوسيط الوحيد بينهم وبين الله ؛ (بند 6)... "وأن شـمولية الخــلاص لا تعني أنه لا يُـمنح إلا للــذين يؤمـنون بالمسـيح إيـماناً صريحاً والذين قـد دخــلوا الكنيسة ؛ وإنما الخلاص مقـــّدر للجميع وعـليه أن يقــدم للجميع فعــلاً" ( البند 10).... " ولا تستطيع الكنيسة أن تعفي نفسها من الإعلان عن أن يســوع قـد جـاء ليـظهر وجــه الله ويحصل بالصليب والـقيامة على الخــلاص للبشر أجمـعين " (البند 11)..
ثم يتحدث الــبابـا في الفصل الـثاني عـن دور الكنيسة وأهميــته، موضحاً أن "الربــاط الخاص القائم بين الكنيسة وملكوت الله و المسيح الذي هي مرسلة للتبـشير به وتأسيسه بين الشعوب جميعاً " ( البند 18 ) هو دور لا رجــعة فيه..
ويختتم الفصل الثالث قائلاً:" على الكنيسة أن تواجه اليوم تحديات أخرى في مسيرتها نحو حدود جديدة بالنسبة للإرساليات الأولى إلي الأمم أو بالنسبة للتبشير بالإنجيل. إن شعوباً بأسرها قد قبلت بشرى المسيح، والمطلوب اليوم من جميع المسيحين ومن الكنائس الخاصة ومن الكنيسة الأم نفس الشجاعة التي كانت تنعش رسل الماضي ونفس روح الإستعداد للإصغاء إلي الـــروح القــدس " (البند 30 ).
ويبدأ الفصل الرابع المعنون : " أفاق الرسالة إلي الأمم غير محدودة " ويقول البند 31: ".... إن نشاط الكنيسة الأساسي هو التبشير. إنه نشاط جوهري لا يكلّ ولا يهدأ أبداً، والكنيسة لا يمكن أن تتغاضى عن رسالتها الدائمة التي هي حمل الإنجيل إلي جميع الذين لا يعرفون بعد المسيح فـــادي الإنسان... وهم ملايين كثيرة من الرجال و النساء.. تلك هي مهمة الإرسالية الأكثر أهمية والتي وكـّـلها يسوع لكنيسته ولا يزال يوكـّـلها إليها كل يوم "...
أما عن النشاط الخاص بالارســاليات فيقـول البابا: " إن النشاط الإرســالي المميز أو الرسالة إلي الأمــم يتوجه إلي الشعوب والجماعـات البشرية التي لم تـؤمن بعد بالمسيح، حيث لم تمتد إليهم بعد جــذور الكنيسة، وإلي الــذين لم تنطبع ثـقافتهم بعد بالإنجـيل، ويتميز هذا النشاط عن النشاطات الأخرى للكنيسة في أنه يتوجه إلي تجمعات وأوساط غير مسيحية لأن البشارة بالإنجــيل وحضور الكنيسة ليسا متوفرين فيها أو هما غير كافين... إن خاصية هــذه الرسالة إلي الأمــم تكمن في أنها تتوجه إلي غير المسيحين " (البند 34 )...
أما البند التالي، أي ( رقم 35) فهو يؤكد أن هذه الرسالة موجهه إلي كل الشعوب رغم " الصعوبات التي تظهر وكأنها لا يمكن تخطيها، بل لقد كانت تدفع إلي اليأس لو أن الأمر كان متعلقاً بالعمل البشري وحده. إذ أن بعض البلدان تمنع المرسلين من الدخول إليها، والبعض الأخر لا يحـّرم التبشير فقط، بل يحـّرم الإهتداءات { أي الإرتداد عن الإسلام } وأعمال العبادة المسيحية، وفي أماكن أخرى تكون الحواجز على صعيد ثقافي حيث يظهر نقل الرسالة عـديم الفائدة أو غير مفهوم و يعتبر إهتداء المرء تخلياً عن عشيرته وثقافته " !!.
ويواصل البـــابـا في الــبند 37 موضحاً "يجب ألا ننخــدع بتكاثـر الكنائس المحلية الفتية في الأونــه الأخيرة فــفي الحـقــول الشاسعة الموكـّـلة إلي تلك الكنائس ولا سيما في أسيا وأفــريقيا و أمريكا اللاتينية و أوقيانيا هناك مناطق واسعة لـم تبـّـشر بعد: شعوب بكاملها ومساحات ثـقــافية كبيرة الأهــمية، في عــدد كبير من الأمــم لم تبلغها بعد بشارة الإنجيل. إن تلك الــبلدان لا تحتاج إلي تبشير جــديد فحسب وإنما إلي تبــشير أولــّي".
وينتهي الفصل الرابــع بالبند 40 الذي نطالع فيه : " إن النشاط الرســولي يمثل اليوم أيضاً أكبر التحديات أمـام الكنيسة ؛ وعلى الرغم من أننا نقترب من نهاية الألفية الثانية للــفداء، إلا أنه مازال يظهر بوضوح أكبر أن الأمم التي لم تتلقى بشارة السيد المسيح الأولى بعد تمثل القسم الأكبر من البشرية .... إن الرسالة إلي الأمم ليست إلا في بدايتها. إذ أن شعوباً جديدة تدخل على المسرح العالمي ومن حقها هي أيضاً أن تتلقى بشــارة الخـلاص ، إن النمو الديمــوغـرافي في الجنوب والشرق وفي البلدان غير المسيحية يرفع بإستمرار عـدد الأشخاص الذين يجهلون الفــداء الذي حققه المسيح ، لذلك يجب توجيه الإنتباه الرســولي نحو المساحات الجغرافية و الأوساط الثقـافية التي لا تزال بعيدة عن تـأثير المسيح ".
ويـدور الفصل الخــامس حــول " طـــرق الرســالة " وكيف أن البـشرى الأولى يجب أن تكون بالمسـيح مُخلــّص البشــرية، عن طــريـق التــوبـة والتعمــيد، وأن الكنيسة عليها أن " تــدعــو العــالم كـله إلي هــذه الــتوبة " (بند 46 ). ثـم يتطرق إلي ضرورة تـأسيس الكنائس المحلية وكيف أن " هـدف الرســالة إلي الأمـــم هــو تأسيس جماعات مسيحية والبــلوغ بالكــنائس إلي إكتــمال نضجها، هـذا هـو الهــدف الأول والخاص للنــشاط الرســولي ، ولا يمكن القــول بـأنــنا قــد حقــقناه مـادمنا لـم ننجـح فـي تــشييد كنيسة محــلية جــديـدة تحـيا حـــياة عـاديـة في إطــارها الطــبيعي " (البــند 48).
ثم يوضح في البند 49 كيف أنه " من الضروري قبل كل شيئ السعي لإنشاء جماعات مسيحية في كل مكان ؛ فتكون علامة حضور الله في العالم، وتنمو حتى تصبح كنائس، فعلى الرغم من إرتفاع عدد الأبرشيات، توجد أيضاً مناطق شاسعة تغيب عنها الكنائس المحلية كلية أو هي غير كافية لإتساع الأراضي و الكثافة السكانية فيبقى علينا عمل هام لزرع الكنيسة وتطويرها، وهذه المرحلة من التاريخ الكنسي التي نطلق عليها زرع الكنائس لم تـنتـه بعــد، بل لا يزال من الواجب إنشاؤها في كثير من التجمعات البشرية، وتقع مسئولية هذه المهمة على عاتق الكنيسة الأم وعلى الكنائس المحلية وعلى كل أفراد شعب الله وعلى القوى الإرسالية كافة "!.
ومـن أهــم النقـاط التي تـناولـها الــبابــا في هــذا الفصل الخــامس توضيح كيفية "تجسيد الإنجيل في ثــقافات الشعوب، قائـلاً في البند 52: " إن الكنيسة بممارستها نشاطها الرســولي بين الشعوب تـدخل في إتصال مباشر مع مختلف الثـقافات وتجد نفسها داخلة في عملية الإندماج الــثقافـي ... إن مسار إدخال الكنيسة في ثقـافات الشعوب يتطلب الكثير من الوقت : فليس المطلوب مجــرد ملائمة خارجية، إذ أن الإنـدماج الثقافي يعني تحويلاً من الداخل للـقيم الثقافية الحقيقية بـدمجها في المسيحية وغـرس المسيحية في مختلف الثـقافات البشــرية... وبالإنــدماج الثـقافي تـقـوم الكنيسة بتجسيد الإنجـيل في مختلف الثـقافـات وفي نـفس الـوقت تـقوم بإدخـال الشعـوب بثـقافـاتها في جماعـاتها الخـاصة ".
وبعد ذلك ينتقل البابا إلي أهــم ما يعنينا في هــذا الخطاب، وهو ما وضعه عنــواناً لذلك الجــزء المســمى : " الحــوار مــع الأخــوة في ديـانـات أخــرى ".. ويبدأ البـند 55 بتـوضيح " إن الحــوار بين الديــانات يشكــّل جـزءاً من رســالة الكنيسة التبـشيرية . فهو بإعــتباره طـريقة للمعرفة والإثــراء المتبادل، لا يتعارض مع الرسالة إلي الأمــم، بل بالعكس أنه مــرتبط بها بصفة خاصة ويـعـد تعبـير عنها، لأن هــذه الرسالة موجهة إلي إنــاس لا يعرفــون المسيح ولا إنجيله، وهـم في أكثريتهم الساحــقة ينتمون إلي ديانات أخرى ... مع أن هذه الديانات تحتوي على ثغرات وشوائب وأخطاء ؛ ولقد نـّـوه المجمع وتعاليم السلطة اللاحقة له باسهاب عن ذلك كله مؤكداً بثبات على أن الخلاص يأتــي من المسيح و أن الحــوار لا يعـفي من التبشير بالإنجيل، وفي ضـوء المخطط للخلاص فإن الكنيسة تــرى أنه لاتناقض بين البشارة بالمسيح و الحــوار بين الديـانات ". وهو ما يؤكد إرتباط الحوار الدائر بين الفاتيكان والإسلام بالتنصير..
ثم يوضح البابا في نفس البند كيف أنه كتب مؤخراً إلي آساقفة آسيا قائلاً: "مع أن الكنيسة تعترف عن طيب خــاطر بكل ما هــو حــق ومقــدس في التقاليد الدينية عند الــبوذية و الهــندوسية والإســلام على أنه إنعكاس للحقيقة التي تـُـثير البشر جميعاً، إلا أن ذلك لا يخفف من واجبها وعــزمها على الإعــلان بــدون تـردد أن يســوع المسيح هـو الطريق و الحق و الحياة... وقد أكد لنا في الـوقـت نفسه ضرورة الكنيسة التي يـدخلها الناس بالتعميد الذي هو الباب، فعلى الحـوار أن يوجه وينمـّى عن طريق الإقتناع، فكرة أن الكنيسة هى الطـريق العـادي للخــلاص وأنها وحـدهـا تمـلك كـافـة وسـائـل الخــلاص".
ونطالع في البند 56 أن " الحوار ليس نتيجة إستراتيجية أو منفعة بل إنه نشاط له دوافعه ومتطلباته وكرامته الخاصة ... إذ تــريد الكنيسة من خـلال الحـوار أن تكتشف بـذور الكلمة وأشعة الحقيقة التي تـُـنير الناس جميعاً.. إن الديانات الأخرى تطرح تحدياً إيجابياً في مواجهة كنيسة اليوم إذ تدفعها إلي إكتشاف أيات تواجد المسيح وعمل الروح القدس والإعتراف بها... كما يرمي الحوار إلي التطهير والإهتداء الذاتيين اللذان إذا ما تمّا في خضوع أتت ثمارها الروحية ".
وينهي البــابا هذه النقطة الخاصة بالحــوار قائلاً: "أن المؤمنين جميعاً وكافة الجماعات المسيحية مــدعـوون لممارسة الحـوار حتى وإن لم يكن بنفس المستوى أو بأشكال متباينة، وأن إسهام العلمانيين في هـذا الحــوار لأمر ضروري إذ أنهم يستطيعون من خلال حياتهم وعملهم أن يقـوموا بتحسين العلاقات بين أتباع الديانات المختلفة، فضلاً عن أن البعض منهم بوسعه الإسهام بالأبحاث والدراسات "... ثم يختتم هـذه الفقرة قائلاً للعلمانيين الذين فـرض عليهم المشاركة في عملية التنصير قـــائلاً: " أرغـب في أن أشجعهم ليثابروا بإيمان ومحبه، حتى عندما لا تلــقى جهودهم الإهتمام ولا التجاوب فالحوار هو الطريق إلي الملكوت وهو بالتأكيد سيعطي ثماره حتى وإن كانت الأزمنة والأوقات في علم الغيب ".
ويقــول الــبابـا في الجـزء المعـنون " جمـيع العــلمانيين مـرسلـون للتـبشير بحكم تعميدهـم " ما يلى:
"إن الرسـالة التي يتم تحقيقها بأشكال متنوعة هي واجب المؤمنين جميعاً... إن إشـتراك العلمانيين في نــشر الإيمان يظهر بـوضوح مـنذ الأزمنة الأولى للمسيحية بفضل عـمل الأفـراد والعـائلات وبفضل عمل الجماعة كلها... لقد ثبـّت المجمع الفاتيكاني الثاني هــذا التقـليد مسلطاً الأضواء على الطـابع الإرســالي كله وبخاصة عــلى رســالة العـلمانـيين مـشيراً إلـي الإسهـام المـمـيّز الـذي يتعيـّن عليهم تـوفيـره للنشاط الإرســالي.
"إن ضرورة إشـتراك المؤمنين جميعاً في هـذه المسئولية واجب قائم على ما حصلوا عليه من التعميد الذي يعطي مشاركة العلمانـيين في وظيفة يسوع التثليثية التي هي الكهنوتية والنبوية والملكـوتية، من أجـل ذلك عليهم أفـراداً وجماعات أن يعمـلوا لكي يعرف الناس جميعاً وتــتقبل الأرض كلها رسالة الخــلاص الإلهية، وتكون هذه الفريضة أشـد إلحاحاً عندما لا يستطيع البشر سماع الإنجيل ومعرفة المسيح إلا بواسطته" ( البند 71 ).
وينتهي الفصل السابع بالنص على أن " الناس الذين ينتظرون المسيح لا يــزالون في أعداد لا تحصى: فالأوساط البشرية والثقافية التي لم تصل بعد بشارة الإنجيل إليها أو تلك التي يــندر فيها حضور الكنيسة شــديدة الإتساع بحيث أنها تستـلزم توحيد كل القــوى، إن الكنيسة في تأهبها للإحتــفال بـيوبيل سنة ألــفين هي اليوم أكثر إلتــزاماً بميلاد تبشيري جـديد، وعلينا أن نغـذي فينا الشوق الإرسالي لننقل للأخرين نــور الإيــمان وفــرحه، وعلينا أن ننشئ عـلى هـذا المنوال شعب الله بآسـره.
" ولا يمكن أن يرتاح بالـنا ونحن نفـكر في الملايين من أخوتنا وأخواتنا الذين هم أيضاً قد إفتداهم المسيح بدمه وهم يعيشون جاهلين حب الله.
"إن قضية الرسالة بالنسبة لكل فـرد مسيحي كما بالنسبة للكنيسة جمعاء يجب أن تحتل المكان الأول لأنها تتعلق بمصير البشر الأبدي وتتجاوب مع مقصد الله الخفي الرحيم " (البند 86).
ولا يسعنا فى نهاية هذا العرض الموجز، لواحدة من أكثر الرسائل الرسولية إستفذاذا للمسلمين، إلا أن نقول للبابا يوحنا بولس الثانى ولكل مبشريه ولكل من سوف يتبعونه من بابوات:أن المسلمين لا يعانون من عقدة الفداء التى إبتدعتها المؤسسة الكنسية، وأن آدم وحواء قد حصلا على جزائهما بالطرد من الجنة.. فالخطيئة لدينا لا تورّث، لا بالأقدمية ولا بأية قرارات مجمعية، خاصة وأننا كمسلمين موحدين بالله نحن لا نعبد "ربنا يسوع المسيح " النبى الإنسان الذى تم تأليهه فى مجمع نيقية عام 325، وإنما نعبد الله والواحد الأحد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
يمكن التواصل مع الدكتور زينب على الإيميل التالي:
[email protected]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- المقصود بعبارة المجمع طوال النص المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني.
القلب الحزين
13-12-2013, 05:31 PM
تمخَّض بنديكت فعمَّد علَّامًا
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207746681vatican120082017311.jpg
صورة لبابا الفاتيكان بندكت السادس
بقلم الأستاذ هشام طلبة
باحث إسلامي مصري
• في خطوة استفزازية جديدة تجاه الإسلام، أقدم بابا روما بندكت على تعميد ( تنصير ) مصري مغترب في إيطاليا بنفسه أمام أعين العالم أجمع خلال قدَّاس عيد الفصح 2008م.والحق أن وصف هذه الخطوة بالاستفزاز ليس من عندي إنما هو لمجلة "نيوزويك" الأمريكية في عددها الصادر بتاريخ 8 / 4 / 2008م " مستفزون مسيحيون واعتدال إسلامي " وكذلك الـ "واشنطن بوست" في عدد أبريل 2008م حيث ذكرت أن هذا الأمر سيجدد الأزمة بين الفاتيكان والعالم الإسلامي.
• وقد علقت صحيفة الفاتيكان "أوسيرفاتوري رومانو" على ذلك بقولها : (( عمادة علام شددت على الحرية الدينية بصورة هادئة !! وواضحة )) ثم أشاروا إلى أن بندكت كان يجهل أن هذا العمل سيغضب المسلمين ! - تمامًا كما قال وقت خطابه المسيء للإسلام قبل عامين – ثم قالوا إنه كان يجهل أن الإعلام يصوِّر الحدث !! كأنما صور بالكاميرا الخفية!.
• بالطبع ليست هذه أولى إساءات بندكت ؛ فالكل يذكر محاضرته السيئة منذ عامين – أي 2006م- التي وصم فيها الإسلام بالعنف وعدم المنطقية !! ثم طالب المسلمين في اجتماعه مع مجلس وزراء الفاتيكان في مطلع عام 2007م بأن يغيروا في الإسلام كما فعل النصارى بإدخالهم من الفلسفة اليونانية في دينهم!!.
تاريخ بندكت قبل البابوية:
ولد "جوزيف راتزنجر" – اسمه الأصلي- كما هو معلوم في ألمانيا لأبٍ كان يعمل ضابطًا في شرطة "بافاريا" وأمٍّ "ماريا" كانت تعمل نادلة في أحد البارات، وقد عمل أستاذًا للاهوت في عدة جامعات ألمانية كان مشهورًا فيها بآرائه المتشددة، لدرجة أن طلبته أطلقوا عليه لقب "الكاردينال المدرع"، ثم تدرج في السلم الكهنوتي حتى صار مقربًا لبابا روما الراحل، وفي عام 1981م أصبح رئيسًا للجنة "عقيدة الإيمان" – الاسم المعاصر لمحاكم التفتيش سيئة السمعة - وبذلك حاذ على لقب "المفتش الأكبر"(1)، ثم دفع بابا روما الراحل إلى اتخاذ تدابير لسحق حركة "لاهوت التحرير" في أمريكا الجنوبية المتعاطفة مع الفقراء(2).
موقفه من الإسلام:
والحق إن مواقف الرجل السلبية تجاه الإسلام لم تبدأ مع استسلامه لكرسي بابوية روما، فقد كان وراء مواقف سلفه "يوحنا بولس الثاني" السيئة تجاه الإسلام خاصةً تبرئة اليهود من دم المسيح عيسى- حسب زعمهم -.
ثم تعليقاته السيئة : (( تركيا قامت على الإسلام ولا زالت تعتنقه )) – لذا يرفض دخولها الاتحاد الأوربي-... (( أوربا قارة ثقافية وليست جغرافية ))..
(( مع تغافل أوربا عن جذورها المسيحية هناك صحوة للإسلام )) – يـخيف أوربا من الإسلام -.
موقفه تجاه الإسلام ينسحب على كل شيء غير كاثوليكي حتى لو نصراني، فيقول عن سائر فرق النصارى : (( أرى أنها في موقف ضعيف وخطير مقارنةً بالذين تتوافر لديهم كل سبل الخلاص في الكنيسة... كنائسهم ليست كنائس بالمعنى الفعلي )) ؛ بل إنه قسَّم الكاثوليك إلى مؤمنين حقيقيين وكاثوليك يعتنقون بعض عناصر الإيمان.
لماذا الإساءات؟
كما أسلفنا إساءة بندكت هذه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وقد سبقها وصاحبها إساءات عدة مثل : إعادة نشر رسوم الدانمارك المسيئة، وعرض فيلم "فتنة" لبرلماني هولندي..لماذا هذه الإساءات؟ ولماذا تتزامن؟ أتواصوا بذلك ؟!!.
الإجابة نجدها عند كلٍّ من :
1 - "جايمس بتراس" أستاذ الاجتماع الأمريكي في كتابه القيم "سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة " : (( الحط من قدر المقدس هو مقدمة لمحاولات تهدف إلى فرض مجموعة جديدة من المعتقدات التي تؤدي أكثر من غيرها إلى الخضوع والاستغلال ))(3).
أي إن الجهات المعادية في الغرب تريد أن تحاصرنا بالإساءات لمقدساتنا حتى نألف ذلك مما يساعد تلك الجهات – باستخدام عملائهم من بين أظهرنا - أن تحل أفكارًا وثقافةً غربية ؛ كقبول الشذوذ وتقبل الجنس خارج الإطار الشرعي – كما دعا لذلك مفتي القبلات- فتصبح ربع مراهقاتنا مصابات بمرض جنسي معدٍ(4) أو نجد شبكات دعارة من فتيات في عمر 13عامًا(5)!! أو نجد رجلًا صار حاملًا في طفل كما قرأنا عن المجتمع الأمريكي في شهر واحد؟
كما أنه يسهل ضرب ثقافة الجهاد والاستشهاد المتأصلة في الإسلام فيسيطر الغرب علينا بلا أدنى مقاومة.
2 – غراهام إي فوللر(6) في مقاله "عالم بدون إسلام" بمجلة " Foreign Policy " : (( في عالم من دون الإسلام، كان من الأسهل على الإمبريالية الغربية أن تقوم بتقسيم الشرق الأوسط وآسيا وغزوهما والسيطرة عليهما... )).
• الرد على تعميد علام:
الحق أن الرد هنا ينقسم إلى عدة محاور..
أولًا : الزفة الإعلامية المصاحبة:
إذا كان مجدي علام قد تنصر اقتناعًا فلماذا لم يتركه بندكت يفعلها في كنيسة دون ضجيج؟
لماذا بابا روما بنفسه ؟ لقد قال الأسقف "بول هيندر" (أحد من حضروا الحدث) (( إن مسيحيين محليين أخذوه إلى جهة جانبية خلال مراسم قداس الفصح وسألوه لماذا توجب أن تتم العمادة بهذا الشكل غير الاعتيادي؟ )).
لماذا كل هذا إذا لم يكن المقصد هو الاستفزاز وتسجيل النقاط؟
العجيب أن الفاتيكان عقب هذا الاستعراض ( show ) دعا لاستئناف الحوار!!.
ثانيًا: تاريخ مجدي علام:
- كانت والدة علام تعمل في بيوت بعض الإيطاليين في القاهرة الذين اهتموا بولدها مجدي ثم دخل معهدهم المتوسط في روض الفرج، قبل ذلك وفي صيف عام 1967م – كان عمره وقتها 15عامًا!!- تعرف على فتاة يهودية واتهم بالتجسس لصالح إسرائيل(7)، بعد ذلك وفي سن العشرين سافر إلى إيطاليا وبدأ يكتب في صحف إيطالية، وشرع يهاجم الإسلام فترقى إلى أن وصل إلى منصب نائب رئيس تحرير جريدة " كوريري ديلا سيرا" وتزوج بإيطالية وأنجب منها ثلاثة أطفال عُمدوا كاثوليك، بعد ذلك شرع في مديح دولة إسرائيل فأعلن عن اعتزامه تأليف كتاب "تحيا إسرائيل"Viva Israel ( لم يصدر بعد ).
- في عام 2006م تلقى علام من إسرائيل مليون دولارًا(8) – هي قيمة جائزة " دان ديفيد".
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1207746580127245.jpg
صورة تبين عملية تعميد مجدي علام
- هذا هو مجدي علام الجاسوس الانتهازي الوصولي، نصف المتعلم، حقير الأصل.
ثالثًا : المرتدون من المسلمين في الغرب هم حثالتهم:
كما وجدنا شخصية هذا المتنصر الذي وصفوه بالصحفي الأكثر شهرة!! نكرة، متوسط التعليم، انتهازي وصولي.
كذلك ستجد من سلكوا مسلكه:
* كارلوس منعم رئيس الأرجنتين السابق ( الفاسق ) ترك الإسلام إلى الكاثوليكية ؛ لأن دستور الأرجنتين يحتم أن يكون رئيسها كاثوليكيًّا.
* أيان هرسي عضو البرلمان الهولندي السابقة الملحدة، كانت لاجئة صومالية تفتقد المأوى ولقمة العيش.
* وفاء سلطان التي اشتهرت ببذاءتها تجاه الإسلام، خرجت من بلدها سوريا – كما ذكرت – ولم تجد من يطعمها وبناتها إلا في الغرب.
* نوني درويش صادرت حركة يوليو في مصر ثروة عائلتها، فذهبت إلى الغرب حاقدة على كل ما هو شرقي.
* محمد حجازي، المصري الذي أثار ضجة بإثبات تنصره رسميًّا، كان يبتز من حوله ليدفعوا له إيجار شقته إلى أن وجد جهة تدفع له!!.
- هؤلاء هم المرتدون عن الإسلام من جهلة إلى منتفعين إلى فاسقين [ ولا يفوتنا هنا أن نذكر الـ ( 103) طفلًا تشاديًّا مسلمًا الذين اختطفتهم منظمة "خيرية " - أرش دو زوي- فرنسية لتنصيرهم أو بيعهم رقيقًا(9) مثل أطفال البوسنة والهرسك إبان الحرب].
• بالطبع لا نغفل من تنصر لضيق ذات اليد من مسلمي أفريقيا وآسيا، خاصةً أن بوش الصغير يحارب بقسوة المنظمات الخيرية الإسلامية لتحل محلها المنظمات التبشيرية في القارتين سالفتي الذكر، وما حدث لمؤسسة الحرمين السعودية ببعيد.هذا في نفس الوقت الذي أبرز فيه دور الجمعيات الخيرية الدينية ( المسيحية ) في مكافحة الإيدز ( في أفريقيا )(10) كما ذكر موقع الخارجية الأمريكية على شبكة الإنترنت.
رابعًا : الداخلون في الإسلام في الغرب هم صفوته:
قبل أن نتكلم عن نوعية الداخلين في الإسلام في الغرب نذكر مدى انتشاره الآن :
* أعلنت كوندوليزا رايس – التي لا يمكن أن توصف بالمتعاطفة مع الإسلام – في أواخر 2007م أن الإسلام هو أكثر الأديان انتشارًا في أمريكا، وهو ما أعلنه بيل كلينتون في أواخر عهده.
* عرضت محطة "NBC " ذائعة الصيت عام 2007م فيلمًا وثائقيًّا بعنوان : " عشرون ألف أمريكي يتحولون إلى الإسلام سنويًّا"(11).
* عرض التليفزيون الهولندي في عام 2007م فيلمًا وثائقيًّا بعنوان : " الإسلام أسرع الديان انتشارًا بين شباب الألمان "(12).
* " توقع غالبية مسلمة في روسيا " – عنوان مقال للصحفي الأمريكي " دانيال بايبس " على الإنترنت(13).
* " نمو الإسلام في روسيا " عنوان مقال عام 2005م في " نيويورك تايمز"(14).
* في صيف 2007م عرضت محطة " فوكس " الأمريكية الشهيرة - وهي المعادية للإسلام – فيلمًا وثائقيًّا بعنوان : " شباب أمريكا المسيحيين يتحولون إلى الإسلام "
Youth Christian Americans Turning To ISLAM.
أما عن نوعية الداخلين في الإسلام:
فمنهم " كيث إليسون "عضو الكونجرس الأمريكي، " مراد هوفمان " سفير ألمانيا السابق في المغرب، المبشر الأمريكي السابق " يوسف إستس "، رئيس الجابون " عمر بونجو "، عالم الأجنة الأمريكي : " كيث مور "، الأكاديمي الفرنسي " موريس بوكاي "، الفيلسوف الفرنسي : " روجيه جارودي " , عضو جهاز المخابرات الروسي ( قُتِلَ ) " ألكسندر ليتفيننكو "، قنصل أمريكا الأسبق في الفلبين " محمد وب "، المطرب الإنجليزي الشهير " يوسف إسلام " ( كات ستيفنز )، المطرب مايكل جاكسون وأخوه , لاعب الكرة الفرنسي الشهير "أنيلكا ", لاعب الكرة الفرنسي الأشهر " فرانك ريبرِّي "، مدرب الكرة الفرنسي الشهير " فبليب تراوسي "، الملاكم الأمريكي الشهير " محمد على كلاي "، الكندية الأكاديمية " إنجريد ماتسون "، وغيرهم كثير، لنرجع في ذلك على سبيل المثال إلى موقع موسوعة Wikipediaب(15).
• نلحظ مما ذكرناه آنفًا أن الغرب يرسل للإسلام فضلاءه بينما يستقطب من المسلمين حثالتهم.
خامسًا : المشاكل العديدة لبندكت والكاثوليكية :
يتعجب المرء حين يعلم مدى المشاكل المحاصرة لبندكت ومذهبه.. لماذا يهاجم هذا الرجل الإسلام ولا يتفرغ لحل مشاكله ؟ والتي منها :
1 – انتشار الإسلام بين الكاثوليك والمسيحيين عامة، خاصةً في أوربا لدرجة أن :
* ثلث سكان " بروكسل " حاليًا مسلمون ويتوقع أن يصبحوا أغلبية خلال عشرين عامًا..
* ربع سكان موسكو حاليًا مسلمون ويتوقع أن يصبح المسلمون أغلبية في روسيا عام 2050م..
* خلال ثلاثون عامًا سيصبح أغلب سكان هولندا وفرنسا مسلمين..
* 4000 ألماني يسلمون سنويًا...
* انتشار الإسلام بين الهنود الحمر في المكسيك..
* أحرق كاهن ألماني نفسه منذ عامين احتجاجًا على انتشار الإسلام في أوربا وعدم تحرك الكنيسة تجاه ذلك..
وقد صاحب ذلك قلة خصوبة رهيبة للكاثوليك خاصةً في أسبانيا وإيطاليا.
2 – ضربات رجال الدين المجددين مثل " ندوة يسوع " Jesus Seminar (http://www.quran-m.com/firas/arabic/?page=show_det&id=1668&select_page=23) التي ترى أن 80% من الأناجيل غير صحيح.. ومثل وثيقة أساقفة إنجلترا الكاثوليك المقرة بالتحريف في الكتاب المقدس عام 2005م(16).
3 – ضربات الليبراليين الغربيين، لعل أقواها صدور رواية وفيلم " شفرة دافنشي ".. ومثل اكتشاف ونشر إنجيل يهوذا الذي يهدم فكرة صلب المسيح وعقيدة المخلص.. وأخيرًا الفيلم الأمريكي الـمُعادي للكنيسة لكاتب إنجليزي ملحد (بولمان) بعنوان " Golden Compass".
4 – الفضائح الجنسية لكهنته، وقد رأى بندكت في ذلك مؤامرة مدبرة، مثل أسقف ولاية " ماساتشوستس " الأمريكية الشاذ جنسيًّا، والكاهن الأسترالي الذي مارس الجنس مع ابنتيه عشر سنين، ومثل رئيس إحدى اللجان في الفاتيكان(المونسنيور "ستينيكو") الذي عرض له التلفزيون الإيطالي شريطًا صُوِّر خفية يبين كيف يغوي شابًا ويقول له : (( ممارسة الجنس المثلي ليست خطيئة يا ولدي! ))، ثم يهدد بعد ذلك بفضح " حلقة الشواذ في الفاتيكان"!!(17) بل إن محطة الـ BBC الشهيرة قد أنتجت فيلمًا وثائقيًا بعنوان : " جرائم الجنس في الفاتيكان "!! فى سبتمبر 2006(18).ومن ينس أن الكنيسة الكاثوليكية في أمريكا قد أُجْبرت على دفع عشرات الملايين من الدولارات نتيجة حكم قضائي لتعويض الأطفال الذين مارس الكهان الجنس معهم ؟!
العجيب أن بندكت لم يهمل هذه الكارثة فحسب بل إنه تعمد إخفاء تلك الحقائق حين عرضت عليه حتى من قبل أن يصبح بابا لروما (حسب ما ذكرت جريدة "بانوراما" الإيطالية فى عدد 1 / 6 /2007م).
5 – إلحاد العديد من مشاهير القساوسة والرهبان ؛ لعل من أشهرهم على الإطلاق قنبلة إلحاد الأم " تريزا " ذائعة الصيت قبل وفاتها.. وقد أورد موقع جريدة التايمز www.timesonline.co.uk (http://www.timesonline.co.uk/) هذا الخبر في 24 / 8 / 2007 ، ومنهم عالم اللاهوت الأمريكي الشهير " بارت إرمان " في كتابه " العقائد المسيحية المفقودة" "lost Christianities ".
6 – ابتزاز اليهود، لعل من الواضح أن هذا الرجل واقع تحت ضغط ابتزاز يهودي، فقد كان وراء قرار سلفه ( يوحنا بولس ) بتبرئة اليهود من دم المسيح – حسب زعمهم – ودشَّن من قبله علاقة الفاتيكان بإسرائيل، ثم غيَّر صلاة مسيحية تتلى منذ أمد بعيد لأنها تدعو اليهود إلى " الهداية " إلى المسيحية!! – حسب ما أوردته جريدة نيـويورك تايمز في عددها الصادر في 19 / 1/ 2008م(19).
بل إن القضية التي نحن بصددها في مقالنا ( تنصير علام ) من صميم إرضائه لليهود لأن علامًا عميل وجاسوس قديم لإسرائيل منذ عام 1967م.
• فهل سر الابتزاز هو تهديد اليهود بإخراج مخطوطات ( من بقايا مخطوطات البحر الميت ) فيها ما يقطع ببطلان المسيحية، كما قالت بذلك من قبل د. زينب عبد العزيز أستاذ الحضارة؟!!.
* هكذا لم يسجل بندكت نقاطًا على الإسلام بتعميده هذا ( العلام ) , ليس ذلك نصرًا على الإطلاق، فقد أثبت بذلك إفلاسًا خطيرًا.
إن كان هذا هو آخر ما في جعبته من سهام... فقد تمخض الجبل - وليس بندكت بجبل - فولد فأرًا.
يمكن التواصل مع المؤلف:
الإيميل :
[email protected] (
[email protected])
الهوامش:
(1) مجلة "النيوزويك" الأمريكية ص 24 ، عدد 3 / 5 / 2005م.
(2) المصدر السابق.
(3) سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة ص299.
(4) www.americainarabic.com (http://www.americainarabic.com/) "تنامي ظاهرة دعارة المراهقات في أمريكا" ، ودراسة: "واحدة من كل أربع مراهقات أمريكيات مصابة بمرض جنسي".
(5) المصدر السابق.
(6) غراهام إي فوللر ، سابقًا نائب الرئيس المسؤول عن التخطيط الإستراتيجي الطويل الأمد في مجلس الاستخبارات الوطني بوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) وهو حاليًا أستاذ مساعد في التاريخ في جامعة سايمون فريجر في فانكوفر.
,"A conversion in Italy: Magdi Cristiano Allam"WWW.telospress.com (7)
WWW.CNN.com, Europe, "prominent Muslim becomes Catholic on Easter". (8)
WWW.Arabic.CNN.com (9)
Usinfo. State. gov. WWW (10)
NBC News : 20000 Americans Convert To ISLAM Each Year – (11)
WWW.Youtube.com.
Holland TV:ISLAM fastest growing Faith among Youth Germans– (12)
WWW.Youtube.com.
(13) predicting on majority of islam in Russia . www.danielpipes.org
(14) www.nytimes.com
(15) lists of converts to islam
(16) www.islamonline.co.uk...catholic church no more swears by truth of the bible .
WWW.CNN.com / Europe . (17)
WWW. bbc.co.uk / *** Crimes and the Vatican. (18)
.Nytimes.com….vatican city : prayer on jews may change . WWW (19)
القلب الحزين
13-12-2013, 06:21 PM
الرد على العلمانيين المشككين... في شهادة المرأة في القرآن الكريم
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12057058381181186900untitled_resize.jpg
صورة للمؤلف
بقلم الأستاذ هشام طلبة
كاتب وباحث إسلامي من مصر
كأن الطعنات التي تلقاها الإسلام من أعدائه في الغرب – خاصةً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر – لم تكن كافية للعلمانيين العرب فشرعوا يتشاطرون رشق الإسلام مع إخوانهم في الغرب.
فبعد سلسلة طويلة من إساءات الغرب للإسلام كدين – وليس فقط المسلمين – [ بدأً من تصريحات قساوسة التليفزيون الأمريكي ووزير العدل الأمريكي الأسبق ( أشكروفت )، وتدنيس المصاحف في معتقلات جوانتانامو وأبي غريب، ووصم بوش الصغير للإسلام بالفاشية، وتصريحات بابا روما بنديكت المسيئة، وإصدار الفرقان الحق المحرف للقرآن، والرسوم الدانماركية القبيحة، وقرب عرض فيلم عضو البرلمان الهولندي ( فيلدرز ) الذي يدعو فيه إلى حظر القرآن ] بعد كل ذلك استلم المارينـز العرب من الصحفيين الراية؛ فمنهم من دعانا إلى تجاهل ذلك وكتب مقالًا بعنوان : " لأجل النبي لا تدافعوا عن النبي" وأن الإساءة طيش فنان !! – يقصد في إعادة نشر رسوم الدانمارك – بل إن مستشارًا سابقًا لشيخ الأزهر قال : إن هذه الإساءة – الرسوم - بعيدة عن سوء النية فقد جاءت نتيجة غياب الفهم الثقافي بين الشعوب!!.
التغيير في الإسلام :
فهل هناك تنسيق بين الفريقين ؟!
بعد تفجيرات السابع من يوليو في لندن أعلن " توني بلير " – رئيس وزراء بريطانيا آنئذ – أنه يجب " التغيير في الإسلام " !! Change With Islam، بل أنشأت الخارجية الأمريكية إدارة لتغيير أفكارنا تشرف عليها ( ليز تشيني ).
بعد ذلك بقليل أصدر القس الأمريكي " سوروس " بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية تحريفاً للقرآن الكريم سماه الفرقان الحق !!، تزامن مع ذلك إنشاء وزارة الدفاع الأمريكية في عهد " رامسفلد " (إدارة التضليل الإعلامي ) التي تهتم باجتذاب إعلاميين عرب لصالح أمريكا ثم كتبت موظفة الخارجية الأمريكية - زوجة ( زلماي خليل زاد ) - تقريرًا بعنوان : ( الإسلام المدني الديمقراطي ) الذي من أهم بنوده دعم الحداثيين العرب!! هل هذا يفسر خروج هذه الجوقة فجأة في مصر وسوريا والمغرب خاصةً؟
ولكن لماذا إهانة مقدساتنا ؟
* [ الحط من قدر المُقَدَّس هو مقدمة لمحاولات تهدف إلى فرض مجموعة جديدة من المعتقدات التي تؤدي أكثر من غيرها إلى الخضوع والاستغلال ] (1).
وما دور غلاة العلمانيين العرب ؟
* هم أهم أدوات تحقيق ذلك، وتسكين المسلمين لقبول إهانة المُقَدَّسات ؛ بدليل تقرير " الإسلام المدني الديمقراطي " و"إدارتا التضليل الإعلامي وتغيير الأفكار " الأمريكيتين.
* غلاة العلمانيين والحداثيين العرب؛ سواء منهم العملاء أو طلاب الشهرة مهما كان الثمن [ كالكاتب الطبيب المنهزم الذي يرى أن حظائر المواشي في أوربا أنظف من بيوتنا، والكاتبة الطبيبة التي تدعو إلى أن ينتسب المرء لأمه لا لأبيه، ومنكر السنة الطاعن في السن الذي لا يرى حرمة في قبلات الرجال والنساء !! ].
* هؤلاء وهؤلاء يتلقفون ما يقوله الغرب ثم يكسبونه زخماً بنقله فعلاً ومحاولة تطبيقه على الأرض عندنا.
* تحرم فرنسا الحجاب عندها مثلًا ثم يأتي هؤلاء ليسوقون للسفور، وحين ترفض مدرسة "الراهبات الفرنسيسكانيات" في القاهرة تنفيذ حكم قضائي بدخول طالبات محجبات لا يحركون ساكنًا.
* يسب اقتصادي مصري - مصاحب لأمريكا في غزواتها – الدين لمسلم في التليفزيون الحكومي بعد طعنه في الحجاب استجابةً لطلبات المحرضين ؛ لبث عدم الاستقرار في البلاد... فلا يذكر كاتب واحد من العلمانيين هذه الواقعة.
* تتندر مجلة " فوربس" الاقتصادية الشهيرة على الدعاة وثروات بعضهم من برامجهم أو كتبهم... فيثني على ذلك ويفعله في بلادنا أول الصحفيين المتشيعين في مصر، ويسخر من حسن هيئتهم وامتلاكهم سيارات وزواج بعضهم بأكثر من واحدة – كما قال الشرع -، متناسيًا أن جريدته أُولى جرائد العري، والدعوة إلى الفساد في البلاد؛ كأن الداعية يجب أن يكون شحاذًا مثلًا ؛ وكأن هذا سيحل مشاكل مصر المستعصية الاقتصادي منها والاجتماعي فضلًا عن السياسي.
* أستاذ فلسفة مغربي يتكلم على عدم قدسية النص القرآني فتفرد له مجلة " النيوزويك الأمريكية " صفحاتها.
* وهكذا يتكامل ويتعاون الطابور الخامس من الحداثيين مع موجهيهم بالريموت كنترول من أعداء الإسلام في الغرب.
الهدف إذًا : ضرب الثوابت وتسكين الأمة لقبول إهانة المُقَدَّس تمهيدًا لإحلال غيره به.
" الدعوة إلى جعل شهادة المرأة تعدل شهادة الرجل " :
* في إطار ما أظنه يخرج عن ذلك، وفي تزامن غريب مع إعادة نشر رسوم الدانمارك وظهور بدعة " القرآن الشعبي " الذي ابتدعه القس زكريا بطرس ويتداوله أقباط المهجر؛ وفيه يبدل كلمات الله؛ فاللات مكان الله، والرجيم مكان الرحيم، وتزامن أيضًا مع مجيء الكاردينال الفاتيكاني " توران " إلى مصر لا للاعتذار عن إساءة بابا روما أو إعادة نشر الرسوم الدانماركية ولكن للحديث مع وزرائنا عن حقوق الأقباط المهضومة (كما زعم)!!.
** في إطار كل ذلك خرجت علينا برلمانية في دولة عربية مركزية، وفي هذا التوقيت المريب، وفي جلسة برلمانية يرأسها مستشارًا غير مسلم، تدعو فيها إلى مساواة شهادة المرأة بالرجل وادَّعت أنها بذلك لا تمس ثوابت الشريعة!! مع علمها بوجود النص القرآني : { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى... } [البقرة:282]، ثم تقول : إن هذا يظهر الوجه الصحيح للإسلام !! أي أن تمسكنا بالنص سيظهر وجهًا قبيحًا للإسلام.
وقد ذكرني ذلك بما قامت به حكومة الولايات المتحدة من إقامة صلاة الجمعة في إحدى وزاراتها تؤم فيها امرأة (أمينة داود) الرجال!!.
وأخيرًا قبل تصريحات هذه البرلمانية مباشرةً السماح لمأذونة (امرأة ) تعقد قِران المسلمين!! فهل نتوقع بعد ذلك مفتية أو شيخة أزهر؟!.
إنها محاولات طمس الهوية...
والإسلام يدعونا دومًا إلى عدم اتباع سنن من قبلنا والاستقامة على المنهج النبوي كما قال تعالى في كتابه العزيز : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [هود:112] ؛ أي لا تطغوا باتباعكم هديًا غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
* الرد على ادعاء هذه البرلمانية:
لن أقول لها : أنتِ تخالفين نصًّا قاطعًا في كتاب الله، وأن القرآن لا يتغير على عكس الكتب المقدسة عند أهلها من غير المسلمين فلا يحتاج لمجامع مسكونية من العلماء تقرر الصحيح منها وغير الصحيح ولا يحتاج إلى علم " نقد النصوص " للوصول إلى نص أقرب ما يكون للنص الأصلي المفقود ؛ فالقرآن هو الكتاب الوحيد الذي لم يتغير منذ أربعة عشر قرنًا... لن أقول لها ذلك، ولكن أقول..
* إن العلم الحديث في هذا يؤكد ما ذهب إليه النص القرآني منذ أربعة عشر قرنًا..
فقد ذكر موقع News: CBC الأمريكي تحت عنوان :
Mild Iron Deficiency Harms Woman’s Memory.
" نقصان الحديد المعتدل (وليس الحاد) يؤذي ذاكرة المرأة"
إن فريقًا طبيًّا في كلية طب جامعة ولاية بنسلفانيا في أمريكا قد أصدر دراسة عقب تجارب على 149 امرأة من سن 18 سنة إلى 35 سنة ( أي شباب ) أن نقصان الحديد المعتدل يبطئ من تفكير المرأة وذاكرتها – فما بالنا بالنقصان الحاد ( الأنيميا ).
بل إن النساء قيد التجربة احتجْنَ إلى جرعات من الحديد لمدة أربعة أشهر يوميًّا لتتحسن ذاكرتهنَّ!!، ثم ذكرت أن 20% من نساء العالم المتقدم و40% من نساء العالم الثالث لديهنَّ نقصٌ شديد في الحديد، فما بالنا بما يعانين نقصًا معتدلًا!!.
* كما ذكر مقال للأستاذ / فراس نور الحق مدير موقع : موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن أن موقعي : CNN , BBC نشرتا دراسة ( أسترالية ) بعنوان : ( الحمل يجعل الذاكرة أقل ) (http://quran-m.com/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=1619&select_page=2)
pregnancy does cause memory loss , study says.
الخلاصة
أي أن دراستين علميتين غربيتين إحداهما في أستراليا والأخرى في أمريكا تجزمان بضعف ذاكرة المرأة سواء للحمل أو نقصان الحديد المتوسط. وصدق الله العظيم : { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى... } [البقرة:282].
فعسى أن يعتبر المعتبرون،{ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ فصلت:40].
يمكن إرسال تعليقاتكم على الإيميل التالي:
[email protected] (
[email protected])
القلب الحزين
13-12-2013, 06:22 PM
الرد على الادعاءات الدانماركية والغربية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/12051420541965170994_cec6d22e4d_m.jpgتحدثنا في مقال سابق عن الدوافع الحقيقية وراء الإساءة الدانماركية وسبل الرد عليها. وذكرنا أن الدافع الحقيقي وراء تلك الإساءة هو جرجرة أوربا إلى جانب الولايات المتحدة في حربها على الإسلام المسماة الحرب على الإرهاب. وذكرنا أن..
• أعضاء المخابرات الدانماركية يغادرون إلى إسرائيل كل ثلاث سنوات لحضور ندوات يقيمها الموساد ، طبقًا لما ذكر عميل الموساد السابق أوستروفسكي في كتابه ( عن طريق الخداع ).
• فليمنج روز الصحفي الدانماركي الذي تولى الدعوة للرسومات السيئة ونشرها أصله يهودي أوكراني ، كما ذكر جايمس بتراس أستاذ الاجتماع الأمريكي في كتابه ( سطوة إسرائيل ).
• ونضيف كذلك أن الدافع الثاني لهذه الإساءة هو " الحط من قدر المقدس عندنا مقدمة لمحاولات تهدف إلى فرض مجموعة جديدة من المعتقدات التي تؤدي أكثر من غيرها إلى الخضوع والاستغلال ". كما ذكر حرفيًّا العالم الأمريكي سالف الذكر.
أي طمس هويتنا الثقافية بقبول الإهانة لمقدساتنا تدريجيًّا.
• أما الدافع الثالث لهذه الإساءة فهو الحد من انتشار الإسلام الذي وصل إلى حد يقلق صناع القرار في الغرب. وإن كان هذا قد أدى إلى نتائج عكسية تمامًا.
• ولعل توقيت إعادة نشر هذه الإساءة متزامنًا مع شريطين وثائقيين هولندي وأمريكي هو تمهيد لعمل عسكري ضد دولة إسلامية.
وفي مقالنا هذا نركز على الرد على ادعاءات أصحاب هذه الإساءة
• بم نرد على ادعاءات أصحاب السقطة:
يتعلل أصحاب تلك الإساءة بأنها من قبيل حرية الرأي. والحق أنها كلمة حق يراد بها باطل. ففي يوم 20/2/2006 (أي في نفس تحجج الغرب بحجة حرية التعبير) حكم علي المؤرخ البريطاني "ديفيد إيرفنج" في النمسا بالسجن لثلاث سنوات لإبدائه رأيه منذ ستة عشر عامًا في محرقة اليهود وهو أنها مبالغ فيما أعلن عن عدد ضحاياها !!! وذلك بعد تخفيف الحكم عليه وقد ناهز السبعين من عمره ، مثل ما فعل من قبل بالمفكر الفرنسي روجيه جارودي وقد تخطى الثمانين من العمر. والحق أنهم يعلمون أن تلك الحجة كاذبة. فقد ذكر سكرتير عام منظمة "صحفيون بلا حدود" (روبرت مينارد) ، كما نقرأ في عدد 2/2/2006 في الهيرالد تربيون، ذكر روبرت هذا أنه يعلم أن المسلمين سيصدمون من هذه الرسوم ، غير أن يصدموا هو جزء من ثمن أن يعرفوا !!!! ومما يدحض إدعاء حرية التعبير كذلك مقولة "فولتير" الشهيرة.. "أنا مستعد أن أموت في سبيل أن تعبر أنت عن رأيك..." كما أنهم دائماً يقولون حريتي تنتهي حين تبدأ حرية غيري.
فالحرية ليست فوضى. ثم لماذا لم ينتقدوا الدستور الدانماركي الذي ينص على مساندة الدولة للكنيسة اللوثرية. بل لقد تحداهم الصحفى الشهير (روبرت فيسك) أن يرسموا رسما لحاخام يهودى يعتمر قنبلة كالتى رسموها لرسول الله صلى الله عليه و سلم.
ماذا كشفت الأزمة:
1) مما كشفت عنه تلك الأزمة تأخر رد فعل المسلمين. فقد كانت الإساءة الأولى يوم 30/9/2005 ولم يبدأ رد الفعل الحقيقي قبل أواسط يناير !!! وذلك ليس فقط لبطء تحركنا ولكن لضعف متابعتنا لما يكتب عنا. فحتى كتابة هذه السطور لا توجد مكتبة عربية واحدة بها مرصد لرصد وتحليل ما يكتب عنا في وسائل الإعلام الأجنبية. الحرب الحقيقية الحديثة علي الإسلام بدأت عام 1992 بالبوسنة والهرسك. ولو كان المسلمون حينها قاطعوا البضائع الروسية (حامية الصرب) لاختلف الأمر إلى الآن.
2) كذلك تذكرنا هذه الحادثة بأحداث أخرى مشابهة كسن فرنسا لقانون الرموز الدينية الذي هو في حقيقته قانون دفع مسلمي فرنسا لتركها أو الذوبان فيها. حينها قال شيخ الأزهر : إن هذا شأن داخلي فرنسي ، وهى نفسها الحجة التي رددها بعض الدانمركيين بل إن تعبير بوش بأن رد فعل المسلمين العنيف مبالغ فيه كان هو نفس رد الأنبا موسى على مظاهرات مسلمي مصر وقت فتنة مسرحية كنيسة الإسكندرية الشهيرة.
مما يعطي انطباعًا بأن هناك خيطاً يجمع إساءة الدانمارك مع إساءة مسرحية كنيسة الإسكندرية (وقت الإساءة الأولى) مع قانون حجاب فرنسا وأمثاله في ألمانيا وبلجيكا. وكذلك تسريب صور أبو غريب وجوانتانامو وتدنيس المصاحف، إصدار الفرقان الحق، تصريحات مسؤولين ضد الإسلام، قضية وفاء قسطنطين (زوجة المطران المصرى التى أجبرت على ترك الإسلام بعد اعتناقه طواعية )... معتقلات أمريكا السرية... التنصت علي مسلميها... خطف المخابرات الأمريكية لمسلمين وتعذيبهم... تعذيب صبية العراق... احتلال أفغانستان والعراق.. وصم بوش للإسلام بالفاشية..تهديد سوريا وإيران.. العبث باستقرار لبنان... طلب وزير داخلية ألمانيا من صحف بلاده المشاركة فى نشر الرسوم السيئة.. تصريحات بابا روما بنيدكت السيئة عن الإسلام.. هذه حرب استفزاز ضد المسلمين.. التعبير الأخير ليس من عندي بل هو تعبير السياسي الألماني الشهير "هانز ديتريش جنشر".
3) كشفت تلك الأزمة كذلك مدى صلف واستعلاء فريق كبير من مثقفي الغرب وعدم قبولهم للآخر على عكس ما يدعون. ومحاولة فرض الثقافة الغربية، بدليل تمسك رئيس وزراء الدانمارك بعدم الاعتذار عن الإساءة الأولى بحجة أنه لا سلطة له على الصحيفة في حين نسي المسؤولية الأدبية (وإن كان " راسموسن " ضالعًا فى هذا الأمر). وهو ما دفع رئيسي وزراء فنلندا والنرويج للاعتذار. بل إن الكنيسة الإنجلكانية اعتذرت لمسلمي إنجلترا عن خطأ بلير بغزو العراق رغم عدم مسؤوليتها بل معارضتها لها. ومن ينس اعتذار المفوضية الأوربية لإسرائيل عن الإحصاء الذي أظهر أن 59% من الأوربيون يرونها خطر على العالم كذلك اعتذار رئيس وزراء كندا إبان أحداث سبتمبر للمسلمين عن اعتداءات عليهم من غوغاء. أما العجيب فكان اعتذار بعض الساسة الدانماركيين مثل " هيرلوف هانسن " الذى اعتذر كمواطن دانماركى، بل قام بجولة على حسابه الخاص لهذا الغرض.
4) من أهم ما كشفت عنه تلك الأزمة مدى جهل الغرب بالإسلام.
فقد ذكرت صحيفة " فرانس سوار " في صدر عددها الذي أعادت فيه نشر الرسوم الأولى : "لنا الحق في انتقاد إلههم" أي أنهم يظنون أن المسلمين يعبدون محمدًا (صلى الله عليه وسلم) مثلما يعبد المسيحيون المسيح! وهذا قريب مما قالته صحيفة ليبرو الإيطالية. بل إن ذلك يذكرنا بسقطة الـ BBC في يوليو 2004 حين أذاعت فيلمًا وثائقيًّا ذكرت فيه أن القرآن يشجع المسلمين على جعل فتيات البيض حوامل لزيادة نسل المسلمين !.
5) المثقف الغربي كذلك يجهل كما أسلفنا أن المسلمين ظلوا لمدة ثمانية قرون أسياد العالم ولولا اختلاطهم بهم في الأندلس لما وصلت أوربا لتقدمها هذا.
6) الغربيون يجهلون كذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي أساءوا إليه مكتوب عندهم في كتبهم المقدسة – وسيتعجب القوم حين يجدون نبؤات أوضح من الشمس في كبد السماء عن الكعبة والكوثر والقرآن وخاتم النبوة بين كتفي نبي آخر الزمان والمصطلح " إسلام " كما سيجدوا نبؤات قاطعة عن تاريخ ميلاد وصفات وألقاب بل واسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الكتب القانونية وأكثر منها في المخطوطات المكتشفة حديثًا مثل مخطوطات البحر الميت ومخطوطات نجع حمادي.
7) أهل الغرب يجهلون حقيقة دينهم نفسه. فمن منهم يعلم حقيقة تأثير المجامع المسكونية في تشكيل العقيدة المسيحية ؟ وحقيقة علم نقد النصوص لاختيار نصوص أقرب ما تكون للنص الأصلي المفقود؟ بل ودور القديس جيروم في القرن الرابع في تشكيل الأناجيل الحالية من بين حوالي خمسين إنجيلًا، كما تقول د. زينب عبد العزيز أستاذ الحضارة. لقد صدر أخيرًا كتاب في أمريكا اسمه " الأناجيل الخمسة " قام به مائتي عالم لاهوت أمريكي ذكروا في مقدمته أن 82% من التفاصيل المذكورة في الأناجيل الأربعة المعتمدة لم يقلها أبدًا سيدنا عيسي !! وكم منهم يعلم أن أساقفة الكاثوليك في إنجلترا وويلز وسكوتلاندا أصدروا وثيقة يقولون فيها أن الكتاب المقدس غير كامل الدقة وأنه به أخطاءً علمية وتاريخية عديدة بل وتفاصيل تبرر العنف تجاه الآخر (راجع جريدة التايمز 5/10/2005). بل إن بابا روما نفسه (بنيدكت) قد طلب من أتباعه عدم الأخذ بحرفية كتابهم المقدس لأنه ليس مقدس حرفياً !
8) كشفت الحادثة كذلك ازدواجية المعايير الغربية ففى الوقت الذى يتمتع فيه اليهود بقانون معادات السامية حُرم المسلمون من قانون مشابه.
هل لهذه الحادثة فوائد :
يقول الله تعالي : " لا تحسبوه شرًّا لكم بل هو خير لكم " (النور 11)
وقد تبين بالفعل أن في هذه المحنة العديد من المنح:
أولًا : أثبتت قدرة الأمة على الوحدة على أمر يجمعها وكذلك قدرتها على المقاومة. فمن كان يتوقع تلك الصحوة. وما أجمل أن يصبح من يهاجم الأمة أمثولة لمن بعده.
ثانيًا : هذه فرصة عظيمة لعرض الإسلام. فلا بد أن هذا الأمر لفت أنظار غير المسلمين الذين لا يعلمون عن الإسلام شيئًا إليه فشرعوا يقرؤون عنه لدرجة أن تشكل مبيعات المصاحف 38% من مبيعات الكتب الحالية في فرنسا. كما زاد الإقبال على الإسلام خاصة في الدانمارك. ولو أننا استغللنا الحدث استغلالًا جيدًا لعرض حقائق الإسلام الواضحة لانقلب
السحر على الساحر. ففى بدايات العام 2008 ذكرت محطة ان بى سى الأمريكية أن عدد الأمريكيين المتحولين إلى الإسلام سنوياً 20000 ! كما ذكرت مجلة (دير شبيجل) الألمانية عقب إساءة بنيدكت أن عدد الألمان المتحولين للإسلام قد تضاعف أربع مرات !
ثالثًا : كشف المرجفين من أبناء جلدتنا. من أهم ما تمخضت عنه تلك الأزمة كشف " المارينز العرب" أو الطابور الخامس من الإعلاميين الذين يسعون إلى تثبيط الهمم وبذر بذور اليأس في النفوس. فمرجف في جريدة تابعة لوزارة الثقافة يذكرنا بقول أبي بكر الصديق : " من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات " وكاتبة أخرى تكتب في بلاد الإنجليز تقول : " لماذا تصنعون من الحبة قبة فهذا شأن داخلي دانماركي. أما رجل المنظمات الأجنبية الأول فيقول : إن ما يفعله إرهابيونا أسوأ آلاف المرات من صاحب الرسوم !! وأن المسلمين يستعرضون عضلاتهم على الدانمارك الضعيفة وآخرون يسعون لإضعاف معنوياتنا بالتقليل من قيمة المقاطعة الاقتصادية فيذكر كاتب يرأس جريدتي معارضة أن صادرات الدانمارك للعرب 1% من إجمالي صادراتها ثم يتبين أنها 6% وأن شركة دانماركية واحدة تخسر ما يقرب من المليوني دولار يوميًّا. بل إن " الواشنطن بوست " وصفت تلك المقاطعة على الإساءة الأولى بأنها كابوس على الشركات الدانماركية. فشركة نوردكس مثلًا خسرت 20% من مبيعاتها، وأخرى يشكل الشرق الأوسط 70% من مبيعاتها، حسب قول نفس الصحيفة. هذا خلال الإساءة الأولى. أما فى الثانية فقد سرحت شركة (آرلا) العديد من موظفيها.
ثم يسخر من قولنا : إن الاعتذار لم يكن بصيغة مرضية ويقول هل المطلوب أن تدخل الدانمارك في الإسلام ؟ ثم يذكر هذا الصحفي أن هذه الإساءة وإعادتها هي مجرد طيش فنان وأنه عمل فردي يعود بالخسارة والذنب على صاحبه. وأن الحل عنده هو التجاهل و( حب آل البيت والصلاة والتسليم عليهم ) !! و الصبر حتى تنهض الأمة و تصبح متقدمة ! (من يعيش؟) و كأنه يسكن الأمة.
ويرفض صحفي آخر يرأس مركز دراسات كبير فكرة المقاطعة أساسًا ويقول : إنها تحولت إلى حالة جهادية !! كأن الجهاد سبة... ورئيس تحرير آخر يستضيف " راسموسن " رئيس وزراء الدانمرك ، ليلمعه أمامنا. أما الكاتب " المنهزم " فوجدها فرصة للهجوم على السنة النبوية واعتبارها سبب تخلفنا الذي يجب أن يكون هو ما نقاطعه مع " فقرنا الفكري " على حد تعبيره. ثم يكتب محامي بالنقض أننا ننمط غيرنا وأن لا جدوى من المقاطعة وقد أقمنا الدنيا ولم نقعدها وأن ثقافتنا في التعامل مع هذه القضية ثقافة القطيع !! ثم يكتب كاتب نكرة بجريدة معارضة صفراء أن حملة المقاطعة منا حملة شعــــــــوذة وكان ينبغي أن نقبل أسف الجريدة لأن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون !!
أما أسوأ ما قرأت في هذا الباب فرأي بعض من يوصفوا بالمفكرين الإسلاميين. مثل د. طارق رمضان الأكاديمي السويسري مصري الأصل الذي ذكر لجريدة " دير شبيجل " أن رد فعل المسلمين مبالغ فيه وحاد للغاية ! ثم أثار حفيظة الدانماركيين من وفد مسلمي بلدهم الذي جاء مصر لعرض قضيتهم وخونهم.
علاوة على كل هذا الغثاء تجرأت قناة تليفزيونية جزائرية وبعض صحف عربية وإسلامية في اليمن والأردن وماليزيا على نشر الرسوم الأولى ؛ بل لقد تم مصادرة أربعون ألف نسخة من عدد لجريدة قومية مصرية بها الرسوم المسيئة. بل أقمنا في الإساءة الأولى منتدىً فكريًّا بيننا وبين أمريكا كان قد دعي إليه حثالة القوم من منكري السنة إلى أمينة داود التي أمت الناس في صلاة الجمعة في أمريكا من قبل.
الغريب أن بعض الكتاب وكبار المثقفين المشهورين بعلمانيتهم كانت لهم مواقف ممتازة. فنجيب محفوظ رحمه الله مثلًا أيد المقاطعة الأولى وقال : إنها السلاح الوحيد لدينا الآن. وقد حذا د. زويل حذوه سابقًا وكانت له كلمات مضيئة في لقاء في الأوبرا مع الشباب. بل لقد علق أحد العلمانيين على تلك الإساءة تعليقًا لم يقله إسلامي حيث ذكرنا عبد الله السناوي بكلمة "هاملت" في مسرحية شكسبير الشهيرة حين قال : هناك شيء عفن في الدانمارك.
أما الأشد غرابة فكانت المواقف المشرفة للعديد من رموز الثقافة الغربية مثل الكاردينال الفاتيكاني " مارتينو " الذي صرح بأن ما حدث ما هو إلا استفزاز مقصود ولا يعبر إلا عن غطرسة وقحة لا يمكن قبولها.. وقد صرح بذلك في ذات الجريدة الألمانية " دي فيلت " التى أعادت نشر الرسوم المسيئة يوم 8/2/2006. مثل ذلك قاله الأديب الألماني الحائز على جائزة نوبل " جونتر جراس " لجريدة الباييس الأسبانية يوم 9 فبراير الذي زاد على ذلك تفهمه لاستخدام بعض المسلمين للعنف لأن الغرب هو الذي بدأ بالعنف بل وألمح إلى أن هناك مؤامرة وراء الرسوم للتخطيط للاستفزاز رغم تحذير خبراء الشؤون الإسلامية للصحفي. كما قال الأديب البرتغالي الحائز على جائزة نوبل " خوزية زاراماجو " كلامًا مثل ذلك. أما السياسي الألماني العتيد " هانز ديترش جنشر " فدعى الغرب إلى تأمل أن كل صور الحرب والإذلال والتعذيب تتم للمسلمين فقط وأخذ يعدد الأمور منذ احتلال العراق وأفغانستان إلى أبي غريب وجوانتانامو وتعذيب صبية العراق وغير ذلك.. ومن ينسى مقالة روبرت فيسك في الإندبندنت " خطورة الرسوم الكرتونية الدانماركية " حيث ذكر أن المسلمين يعترضون على تصويرنا الاستفزازي والمهين للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ثم طالب الغرب بتقبل حقيقة أن المسلمين يعيشون ديانتهم (التى حافظوا عليها خلال تقلبات تاريخية كثيرة) على عكس ما يفعل أهل الغرب الذين فقدوا دينهم. منذ زمن اعتبروا أنبياءهم وقديسيهم مجرد شخصيات تاريخية تتناقض مع تقدمهم وحريتهم وحقوق الإنسان.... ثم ذكرهم بمن أضرم النار في السينما التى كان يعرض فيها فيلم آخر إغراءات المسيح"..... بعد ذلك تساءل لو كان الرسم لحاخام قبعته على شكل قنبلة ما سيكون رد الفعل ؟ ثم أنهى مقالته بقوله : وكذلك فقد صورت الإسلام وكأنه دين عنف، الإسلام ليس كذلك، أم إننا نريد أن نجعله كذلك ؟
والله من وراء القصد؛
هشام محمد طلبة
جمهورية مصر العربية ـ مصر ـ القاهرة
الهاتف: 0020127793747 من داخل مصر : 0127793747
الإيميل :
[email protected] (
[email protected])
القلب الحزين
13-12-2013, 06:24 PM
حقيقة التنصير في العالم الإسلامي
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1180894143tanseer10.jpgبقلم الأستاذ عماد المهدي
شماس مسيحي سابق
إن التنصير في العالم الإسلامي يتخذ أساليب ملتوية، وأوضح على سبيل المثال وليس الحصر أسلوب التنصير في إندونيسيا، فقد ورد في كتاب (حقائق التبشير) للأستاذ (عماد شرف ) ما يلي (ص 63):
الهيئات التنصيرية
* يصل عدد الهيئات التنصيرية – التي لها فروع في إندونيسيا فقط – 23 هيئة وهي:
1- هيئة خدمات المعونة الكاثولويكية:
ويتبعها قطاع للأغذية والمنتجات الزراعية وقطاع للشؤون الصحية – وتقوم الحكومة الأمريكية بتقديم المواد الغذائية لها بينما يقوم مجلس الإرساليات الطبية الكاثوليكية بتقديم الأدوية والمستحضرات الطبية – وتتولى أسقفية إندونيسيا مهمة النقل الداخلي، وقد بدأ نشاطها هناك سنة 1962م.
2- هيئة خدمات الكنيسة العالمية:
ويتبعها قطاع فني لمشروعات الأغلبية والإنتاج الزراعي وقطاع للشؤون الصحية، ويدعم هذه الهيئة من الخارج اتحاد الكنائس العالمي – وقسم المعونات الكنسية – ووكالة الإغاثة واللاجئين الدولية، ومن الداخل مجلس اتحاد الكنائس الإندونيسي – وجنة مينونيت المركزية، وكانت بداية تنفيذ برامج الهيئة في إندونيسيا سنة 1953م.
3- إرسالية الآباء كروسير:
ويتبعها قطاع للتعليم الفني وقطاع للمعدات والمساعدات المادية.
-وقد بدأ تنفيذ برامج الهيئة بإنشاء المدارس في إيريان الغربية سنة 1957م.
4- هيئة كنيسة إيفا نجليكال كوفينانت الأمريكية:
ويتبعها قطاع للشؤون الصحية وتتعاون معها كنيسة إيفا إنجيلي وكنيسة الإخوة بأمريكا وبدأ نشاطها سنة 1957م.
5- هيئة جرايل:
وتقوم هذه الهيئة بنشاطها في القطاع التربوي الاجتماعي – ويشارك الطلبة الأمريكيون الذين يدرسون في إندونيسيا في نشاط الهيئة بإعداد المكتبات ومراكز الإعلام وقاعات المطالعة وبدأت نشاطها سنة 1962 م.
6- لجنة منيونيت المركزية:
ويشمل نشاطها الشؤون التربوية بتقديم المنح الدراسية وإدارة مراكز للتدريب والتعاون بين الجامعات – كما يتبعها قطاع للشؤون الصحية يقدم المعدات الطبية والأدوية وتتعاون معها هيئة خدمات الكنيسة العالمية.
7- كنيسة الميتوديست:
ويتركز نشاطها في الشؤون التعليمية بتوفير إمكانيات إنشاء المدارس الابتدائية ورياض الأطفال وتقديم المساعدات المادية لها.
8- إرسال الزمالة للطيران:
وتختص بالمواصلات الجوية حيث تملك طائرات لثمان ركاب وأخرى لستة وأربعة ركاب وتستخدمها لتغطية حاجة المواصلات للبعثات التنصيرية في المناطق النائية وإيريان الغربية – ويتعبها شبكة مواصلات لاسلكية لتنسيق أعمال الإرساليات – وللاتصالات السرية الضروية، وتتبعها مطارات خاصة، وتتعاون معها ست هيئات تنصيرية عاملية.
9- هيئة الآباء منتفورت:
وتتعاون هذه الهيئة الأمريكية مع الرهبان الهولنديين في مجال الشؤون التعليمية بإنشاء المدارس والشؤون الصحية بإقامة العيادات والصيدليات وقد بدأ نشاطها مبكراً سنة 1939/.
10- إرسالية الزمالة فيما وراء البحار:
وتقوم بالتدريب على أعمال الترجمة للكتب والمنشورات وتشجع الكتاب والمؤلفين، كما تمنح مكافآت للمدرسين المختصين في تدريس فن الصحافة والنشر واللغة الإنجليزية في الجامعات، كما أن لها نشاطاً في مجال الشؤون الصحية بإنشاء عيادات متنقلة وقد بدأ نشاطها سنة 1955م.
11- جيش الخلاص:
وهو منظمة أمريكية تقدم المعونات للمنظمات العالمية العاملة في حقل التنصير في مجالات الطب وإدارة المستشفيات والرعاية الاجتماعية.
12- هيئة البابتست الجنوبية:
ويتركز نشاطها في الشؤون الصحية والإشراف على المستشفيات والصيدليات ومدارس التمريض والعيادات الخارجية وبدأ نشاطها سنة 1954.
13- هيئة كنيسة برستريان المتحدة – بأمريكا:
وتمارس عملها بمساعدة مجلس الكنائس الإندونيسي في مجالات التنمية ومراكز التأهيل، وإمداد الجامعات المسيحية هناك بأبحاث تطورات الموسيقى والمسرح – كما تشترك في مختلف مجالات الطب والعلاج وكافة نشاطات البروتستانت في إندونسيا – وبدأت نشاطها سنة 1965 م.
14- الاتحاد الروماني لراهبات أورسلين:
ويختص الاتحاد بشؤون التعليمية بإدارة المدارس الابتدائية والكليات التابعة فيها.
15- منظمة المعونة العالمية:
وتقدم المساعدات المالية والمعدات الفنية – كما تقوم بتنفيذ برامج خاصة لتقديم المواد الغذائية والملابس والأدوية لمنكوبي الكوارث الطبيعية وللفقراء في مناطق التنصير الاستراتيجية.
16- الهيئة العالمية إفانجليز كروساد:
ويتبعها قطاع للتعليم وإدارة المدارس – كما تباشر الأعمال الطبية من عيادات خارجية إلى المستشفيات بالتعاون مع الكنيسة الإندونيسية، وقد بدأت نشاطها عام 1949م.
17- البعثة الطبية الكاثوليكية:
وتقوم بتوزيع المساعدات الغذائية والأدوية والمعدات الطبية على الأطباء الكاثوليك – كما تقدم العلاج مجاناً إلى جانب إدارة المستشفيات والعيادات المتنقلة – التي تخصصت فيها ومراكز الإساف. ويتعاون معها كل من هيئة خدمات المعونة الكاثوليكية ولجنة المساعدات الخارجية الأمريكية ومشروع هاند كلاسب.
18- الاتحاد المسيحي لإرساليات التنصير:
ويتولى الاتحاد مشروعات تعليمية بإنشاء المدارس الابتدائية ذات الناظم الموحد، وهذه المشروعات يتم التوسع فيها باستمرار.
19- اللجنة العالمية لتعليم الصغار الأدب المسيحي:
وتقوم بأعمال النشر لمختلف الموضوعات الثقافية والفلسفية والأدبية والدينية وكتب الأطفال – كما تقدم المعونات الخاصة بدراسة فنون النشر للكتب الدينية، ويتعاون معها مجلس الكنائس الألماني ومجلس الكنائس الهولندي، وبدأ نشاطها سنة 1950م.
20- مؤسسة المعونة المباشرة:
وتنشط المؤسسة في مجال الطب والشؤون الصحية بتقديم الأدوية والمعدات الطبية للمستشفيات التابعة للإرساليات التنصيرية وتتعاون معها في شؤون النقل البحري منظمة المعونة العالمية.
21- هيئة معونة لوثر العالمية:
وتقدم الأدوية والمستحضرات الطبية للمستشفيات التابعة للهيئات التنصيرية وبدأت نشاطها سنة 1956 م.
22- هيئة الأدوية الإندونيسية:
وتقدم المعونات الطبية والأدوية للمستشفيات واللبن المجفف وألبان المدارس الابتدائية وبدأ برنامج الهيئة سنة 1961م.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـع
القلب الحزين
13-12-2013, 06:25 PM
يتبــع الموضوع السابق
حقيقة التنصير في العالم الإسلامي
(الإذاعات التنصيرية وتأثيرها )
وورد في كتاب الإذاعات التنصيرية للدكتور / كرم شلبي، صفحة 80 المعلومات التالية:
* إذاعة حول العالم: Rransworld Radio –Twr:
إذاعة دينية مسيحية دولية تملك محطات للبث واستديوهات لإنتاج البرامج في أ:ثر من خمسين دولة، وتوجه إرسالها على الموات المتوسطة والقصيرة بأكثر من خمس وثلاثين لغة من بينها اللغعة العربية (منذ عام 1954م).
* إذاعة راديو الفاتيكان – Radio Vaticana:
وهي الإذاعة الدولية المسيحية التي تملك أقوى أجهزة على مستوى العالم، تأسست عام 1931م، تذاع الآن بأكثر من سبع وأربعين لغة ولهجة من بينها اللغة العربية بطبيعة الحال.
* محطة – Kgel:
الدولية الدينية المسيحية التي تبث إرسالها من كالفورنيا على مدى 300 ساعة أسبوعياً وتقدم برامجها بأكثر من ثلاثين لغة، وتمتلك محطات للتقوية في الفلبين واكيناوا باليابان وإندونيسيا.
* شركة الشرق الأقصى
– أقوى الإذاعات الدولية في القارة الآسيوية – تملك 25 محطة دينية مسيحية تبث برامجها إلى مناطق في آسيا والباسفيكي والاتحاد السوفياتي، وتقدم برامجها المسيحية بست وأربعين لغة ولهجة.
* في إفريقيا يتصدر راديو صوت الإنجيل “Rvog” Raddio Voice Of the Gospel
كافة الإذاعات الدينية المسيحية في القارة، يبث إرساله من أديس أبابا وعلى مدى 180 ساعة أسبوعياً، ويذيع برامج بثلاث عشرة لغة على الموجتين المتوسطة والقصيرة إلى غرب وجنوب إفريقيا.
* وفي إفريقيا ويليها أيضاً، المحطة الدينية المسيحية Elewa:
تبث باللغة الإنجليزية والليبرية على مدى 280 ساعة أسبوعياً، وتقدم برامج تنصيرية بخمس وثلاثين لغة أخرى إلى كافة بلاد إفريقيا.
* وهناك أيضاً محطتان في كل من أنجولا وموزنبيق:
تذيع الأولى برامجها بست لهجات محلية، وتذيع الأخرى بكل اللهجات المحلية إلى جانب اللغة البرتغالية.
بعض معاهد التنصير في العالم
هناك معاهد وجامعات وهيئات في أنحاء العالم وكلها مرتبطة بالكنيسة وعلى سبيل المثال وليس الحصر ما يلي:
1- معهد بونتيفيكو للدراسات العربية:
ومقره روما في إيطاليا.. وهو معهد تشرف عليه الكنيسة الكاثوليكية، وأنشيء ليكون أداة من أدوائها في سعيها نحو المسلمين، ومن ثم يهتم المعهد بتوفير كافة الدراسات التي تتعلق بالإسلام، ومن ثم يهتم المعهد بتوفير كافة الدراسات التي تتعلق بالإسلام، والتي تصلح كقاعدة للمعلومات اللازمة للحوار النصراني الإسلامي ( تزود النصارى بالمعلومات الضرورية التي تعينم وتساعدهم في هذا الحوار الذي يطالبهم به ويسعون له منذ سنوات تحت شعار التقارب بين النصرانية والإسلام ) وغلى جانب ذلك فإن مهمة المعهد تمتد أيضاً إلى إعداد دعاة للكتاب المقدس يعملون بين المسلمين، وليس مجرد خبراء في اللغة العربية والدراسات الإسلامية.
أما بالنسبة للبرنامج الدراسي والذي أعد ليناسب الدارسين من النصارى شبه المتخصصين وبصورة أساسية رجال الدين والمتدينين عامة ممن يجمعون بين التعليم العام وبعض التدريب اللاهوتي فإن الدراسة تستمر لمدة ثلاث سنوات، وتشمل اللغويات والدراسات الإسلامية وحلقات دراسية خاصة بالمهم التي يضطلع بها راعي الإيراشية.
ويصدر المعهد دورتين لخدمة أغراضه تختص واحدة منهما في التمهيد والدعوة إلى الحوار الذي ينادون به بين المسيحيين والمسلمين.
2- معهد الآداب العربية
مقره تونس، وترعاه جمعية (الآباء البيض الكاثوليك ) ويقوم بإجراء الدراسات والبحوث وتوفير المواد والمعلومات الخاصة بالمشكلات والموضوعات الثقافية والاجتماعية للعالم الإسلامي، أما هدف المعهد من ذلك فهو إعداد المتخصصين في اللغة العربية والإسلاميات، وتزويدهم بخلفية ثقافية عامة في كل ما يهم العالم العربي ) لأن دراسة هذه المشكلات يمكن أن تكون واحدة من أكثر الأشكال الأساسية للمحبة التي تقود إلى معرفة أفضل بين شخص وآخر ).
ويضم هذا المعهد عدداً من الأساتذة (القساوسة) الذين خدموا في تونس لسنوات طويلة ومن ثم يرتبطون بعلاقات وثيقة مع الناس فيها، كما يضم مكتبين إحداهما على مستوى طلبة الجامعة وتضم حوالي 25000 كتاب، والأخرى على مستوى تلاميذ المدارس، كما يصدر دورية وعدداً من النشرات والكتب التنصيرية.
3- المركز النصراني لدراسات شمال إفريقيا:
كان مقره الجزائر وقد أغلقته الحكومة الجزائرية عام 1969م.
4- مركز دراسات العالم العربي الحديث:
وهو مركز يتبع جامعة سان جوزيف (القديس يوسف) في بيروت، ترعاه الكنيسة الكاثوليكية والجمعية اليسوعية ويتخصص في إجراء الدراسات والبحوث التي تعني بالتغييرات الاجتماعية والثقافية في العالم العربي، مع التركيز على المظاهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتحديث وأثر ذلك على الإسلام، كما يقوم المركز إلى جانب ذلك بإجراء مراجعات منهجية للصحافة العربية في الشرق الأوسط، وتحليل وتوثيق مستوى الدراسات العربية الحديثة ويخصص المركز لهذه الأغراض مجموعة من الباحثين والأساتذة الكاثوليك ( من العرب وغير العرب ) إلى جانب تكليف بعض الباحثين للتفرغ لإعداد بحوث معينة عند الحاجة إلى ذلك.
5- معهد الشرق الأدنى للاهوت:
ومقره بيروت في لبنان وترعاه عدة طوائف نصرانية وقد أنشيء هذا المعهد ( لمساعدة النصارى في الشرق الأوسط خاصة على فهم الإسلام ومعرفته والقدرة على الاتصال مع المسلمين ) … ويضم ستة أقسام من بينها قسم الإسلاميات، أما برنامجه الدراسي فيشتمل على تعليم وتدريس اللغة العربية والإسلاميات وإجراء البحوث الخاصة بشكل وأقوال (يسوع النصارى ) على ضوء ثقافة الشرق الأوسط الذي هو جزء منها – ولأن غالبة الدارسين في المعهد من العاملين في مال التنصير، فإن فلسفة الدراسة فيه تقوم على أساس ( أن الكشف عن يسوع في الشرق الأوسط الأصيل، يمكن المسلمين من التعامل معه بصورة جدية ) …
ويُصدر المعهد العديد من المطبوعات والدراسات عن الإسلام إلى جانب دورية ( المجلة اللاهوتية).
6- مركز دراسات الإسلام في أفريقيا:
… ومقره نيروبي في كينيا، وترعاه عدة طوائف نصرانية … وقد أنشئ خصيصاً لتقديم خدماته إلى ( الكنائس في إفريقيا ) وتوفير المعلومات للمنصرين والعاملين في هذه الكنائس لتساعدهم على فهم أحوال الإسلام والمسلمين في هذه المناطق، ولهذا فإنه يضم عدداً من الخبراء الإقليميين الذين يقدمون الاستشارات، ويعقدون المؤتمرات المحلية والإقليمية، فضلاً عن إجراء البحوث والدراسات الخاصة بالشؤون الإسلامية، وتحديد الأساليب المثلى للوصول إلى المسلمين.
7- المركز النصراني للدراسات:
… ومقره روالبندي في باكستان، وتشرف عليه عدة طوائف مسيحية، وقد أنشئ (لمساعدة الكنيسة في باكستان على ممارسة دورها في نشر تعاليم الإنجيل ) كما يعني بإجراء الدراسات والبحوث في العقيدتين الإسلامية والنصرانية، والدعوة إلى التقارب بين الإسلام والنصرانية، ويضم المركز مكتبة ضخمة تضم عدداً هائلاً من المراجع والدراسات، كما يقوم بتنظيم المحاضرات والحلقات الدراسية والبرامج التدريبية والمشاركة في (الحوار النصراني الإسلامي) ويُصدر العديد من المطبوعات، ودورية تطبع باللغتين الإنجليزية والأوردية.
8- معهد هنري مارتن للدراسات الإسلامية
مقره حيدر أباد في الهند … وهو معهد ترعاه عدة طوائف نصرانية، وقد أنشئ بعد أن راى المنصرون أن آسيا تضم أكبر مجموع ة إسلامية في العالم، ورغم ذلك فإن ( الكتاب المقدس لا يبلغ إليهم بصورة كافية ن ولا يعرفون شيئاً عن محبة الرب المتجسدة في يسوع المسيح ) ومن ثم فقد فتح هذا المعهد أبوابه لكل من له اهتمام بالعمل التنصيري وكل من يعمل في وسط المسلمين – وكل علماء النصارى والمسلمين ولجمهور المسلمين أيضاً، انطلاقاً من أن ذلك يعد خير عون للكنيسة في تحقيق وإنجاز واجبها التنصيري فضلاً عن إمكانية اتلتقريب بين المسلمين والنصارى وخلق وهات نظر وفهم مشترك بينهم. ولهذا فإن نشاط المعهد يتنوع تنوعاً هائلاً فيشتمل على إقامة برامج تدريبية في الكنائس والمعاهد، وعقد دورات دراسية بالمراسلة للنصارى والمسلمين، وإجراء ندوات وحلقات دراسية مشتركة، فضلاً عن دعوة المسلمين لإلقاء المحاضرات وإجراء حوار ومناقشات واسعة معهم.
9- مركز أبحاث دانسلان:
… ومقره مدينة (اليجان) في الفلبين، وتراه كلية (دانسلان) التابعة لكنيسة المسيح الموحدة، وقد أنشئ هذا المعهد خصيصاً لدراسة المسلمين الفلبينيين وثقافتهم أساليب تقارب وهات النظر بين المسلمين والنصارى، وإمكانية نجاح (التقارب النصراني الإسلامي).
من ثم يعني بإجراء البحوث والدراسات المتعلقة بالإسلام والمسلمين في الفلبين، وتعميم هذه المعلومات وتنظيم المؤتمرات والحلقات الدراسية وتنظيم دورات صيفية لمدرسي المدارس واقتراح المشروعات المتعلقة بتقديم الخدمات الاجتماعية إلى جانب إصدار عدد من المطبوعات الدورية والنشرات.
10- مركز دنكان ماكدونال لدراسة الإسلام، والعلاقات النصرانية الإسلامية:
وترعاه مؤسسة (هارتفورد النصرانية بالولايات المتحدة الأمريكية وكان هاذ المركز من قبل واحداً من أقسام مدرسة كينيدي للأعمال التنصرية، وسمي باسم (مادونالد) أحد أهم الباحثين المتخصصين في الدراسات الإسلامية وقاموا بتدريسها في أقسام اللاهوت بالجامعات والمعاهد الأمريكية.
وقد أنشئ المركز لتحقيق غرض مزدوج هو الدراسات الأكاديمية للإسلام وتنمية العلاقات النصرانية الإسلامية، ويدخل في هذا المجال الاهتمام بالجوانب التاريخية واللاهوتية للعلاقات وتشمل البعد التنصيري ووجهات النظر المختلفة حول الموضوع.. ومن ثم تتعدد أنشطة المركز وتتنوع على النحو التالي:
- عقد المؤتمرات والحلقات الدراسية والمحاضرات حول الإسلام والعلاقات النصرانية الإسلامية الإسلامية، تلبية لطلب المجموعات والمنظمات النصرانية والإسلامية المختلفة والكنائس والجامعات.
- إجراء البحوث والدراسات.
- إصدار مجلة (العالم الإسلامي) التي تُعد أهم المطبوعات الدورية في مجال التنصير.
- يقدم المركز بالتعاون مع مؤسسة هاتفورد النصرانية وجامعة ماكجيل في مونتريال برنامجاً للحصول على الماجستير والدكتوراة في الدراسات الإسلامية.
- إعداد دورات توجيهية قصيرة في العلاقات النصرانية الإسلامية، للأشخاص الذين يريدون قضاء بعض الوقت في العالم الإسلامي، أو الذين يهتمون بموضوع الحوار (المسيحي الإسلامي).
- الاتصال بالكنائس والمؤسسات الإسلامية في البلدان الأجنبية.
- عقد دورات تعليمية بالمراسلة.
- إصدار المطبوعات وإنتاج المواد التعليمية والإعلامية المسموعة، والمسموعة المرئية.
11- معهد زويمر للدراسات الإسلامية:
بالرغم من أن (رولاند ميلر) لم يأت في حثه السالف بأية إشارة عن (معهد زويمر ) ولم يأت ذكره ضمن النماذج التي أوردها لهذه المعاهد ومراكز البحوث والدراسات إلا أننا نرى ضرورة الإشارة إلى هذا المعهد ودوره الحيوي والمؤثر بل والخطير في هذا المجال، ويمكننا القول دون استطراد في كثير من التفاصيل أن هذا المعهد يحمل اسم القسيس ( زويمر ) الذي كان رئيساً لإرسالية التبشير العربية في البحرين، والذي كان وراء فكرة عقد مؤتمر عام يجمع إرساليات التبشير البروتستانية للتفكير في مسألة نشر الإنجيل بين المسلمين ثم اختير رئيساً لهذا المؤتمر الذي انعقد في القاهرة بالفعل يوم الرابع من شهر إبريل عام 1906م.
وفي ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية يوجد معهد زويمر للدراسات الإسلامية، وينطلق هذا المعهد في أهدافه وخططه من فكرة تحريضية يشير إليها في كافة مطبوعاته قائلاً:
(واحد من كل خمسة من الناس في العالم مسلم، ومن المفجع أن يوجد فقط مبشر واحد من أمريكا الشمالية بين كل مليون من المسلمين... المسلمون يعرفون الله ويحبونه، لكنهم لا يعرفون المسيح، ولقد خصص معهد زويمر لإيقاظ الكنائس إلى هذا المجال التبشيري والواسع... إن الوصول إلى المسلمين بالمسيحية ليس مستحيلاً، إنه يحدث اليوم... وإنما بالحقول قد استوى وحان قطافه، والله قد لمس قلوب الكثيرين للاستعداد لهذا القطاف).
يمكن التواصل مع المؤلف العنوان التالي:
[email protected]
من داخل مصر :0123552410 ومن خارج مصر 0020123552410
القلب الحزين
13-12-2013, 06:25 PM
معسكرات الحقد الديني ـ معسكرات يسوع
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1200258656405px-jesus_camp.jpgشاهدت على مدى جزأين مطولين في قناة الجزيرة الوثائقية فيلمًا رهيبًا عن معسكرات يسوع أو (المسيح) في أمريكا، وشاهدت كيف يخطط الكبار في أمريكا والغرب لزرع الحقد على البشرية في نفوس الأطفال البريئة، وكيف (يصهينونهم) ويعطونهم المطارق والشواكيش لتحطيم الأكواب الفخارية الجميلة في هستيريا تحفيزًا لهم على تكسير رؤوس مخالفيهم أعداء يسوع.. وشاهدتهم كيف يزرعون العدوانية والحقد في نفوس أبنائهم بطريقة علمية تربوية مدروسة ومنظمة مخيفة، وكيف يدفعون الأطفال إلى التشنج والعنف وكراهية الرحمة واللين إرضاء للرب يسوع، حتى يرضى عليهم يسوع ويطعمهم ويسقيهم ويقويهم ويحميهم من أعدائهم.
ثم فجأة أعطوهم العصي الغليظة وطلبوا منهم بعد أن حمسوهم أن يضربوا في الهواء بشدة لتحطيم رؤوس الأعداء، وفجأة يقول أحد الأطفال: أنا عندما أرى طفلاً غير مسيحي أشعر بالغثيان والاشمئزاز ولا أطيق الجلوس بجواره.
وفي الفيلم شاهدت كيف ركزوا على أشد الأطفال تشنجًا وظلوا يحمسونه ويحمسونه ويحمسونه، والدم يحتقن في وجهه حتى كاد أن يغمى عليه من شدة التحريض، والكل يصفق ويصفق ويصفق له، إنهم يحرضونهم على العالم، كل العالم، ويقولون لهم: يسوع يطلب منكم ذلك، يسوع خالقكم يطلب منكم ذلك، علينا أن نعمل بكل شيء في الإنجيل لأن الرب يسوع يريد ذلك، ثم أتوا لهم بصورة بالحجم الطبيعي لبوش الصغير وقالوا لهم: هذا رئيسنا، هذا خادم بلادنا، هذا محقق أحلامنا في العالم، هذا بعثه يسوع ليخلصنا من غير المسيحيين أعداء الله يسوع.
يالها من كلمات رهيبة , وتربية مخيفة.. تلك الكلمات والسلوكيات التي سمعتها وشاهدتها وهم يلقنونها للأطفال الأبرياء والبنات يصرخن ويتشنجن والبنون يصرخون ويتشنجون والمعلمون والمعلمات يصرخون ويتشنجون ويقولون لهم: (أنتم مبعوثوا المسيح لتغيير العالم، يسوع الإله يطلب منا ذلك , فعلينا تغيير صورة العالم، وجعل أمريكا موحدة تحت راية المسيح وسلطة يسوع ورئيسنا المطيع ليسوع ).. ثم دربوا طفلاً ليقدم درساً للوعظ كرر نفس العبارات بحماس عجيب، وسلك نفس الطريقة، وظل الجميع يتهكم على طريقة الوعظ المؤدبة والرقيقة والهادئة التي كانت تؤدي في الكنيسة سابقًا.
ياللهول، ماذا سيصنع أبناؤنا مع هذا الجيل الأمريكي الدموي الأعمى المتعصب والمتشنج ؟!!، ماذا سيفعل أبناؤنا عندنا يركب أحد هؤلاء الطائرة ليقصفنا بصفتنا من أعداء يسوع ومن أتباع الشطان ؟!!.. لقد علمت لماذا كان الجنود الأمريكان يلتذذون وينتشون بتعذيب المسلمين في العراق وأفغانستان وجوانتنامو، وكيف كانو يفرحون ويرقصون على صراخ النساء والأطفال والرجال.هذه هي التربية الإرهابية الحقيقية التي تهدد العالم، وهذا هو الطريق الشيطاني لتدمير العالم بأيدي هؤلاء الأطفال الذين زرعوا الحقد في جيناتهم.
أين المحبة التي جاء بها المسيح عليه السلام ؟ أين الرحمة التي أودعها الله تعالى في نفوس مخلوقاته ؟ وأين دعاة الحرية والديمقراطية والتسامح في العالم ؟!!
ما شاهدته شيء مخيف مخيف مخيف.. العالم مهدد بمخرجات معسكرات يسوع في أمريكا والغرب، تلك المعسكرات التي تدمج العنف وتؤصله في النفوس لينتقل بمرور الأجيال إلى الجينات، ليتلذذ الواحد منهم بتعذيب كل مخالف له في العقيدة ويدمر العالم مادام ذلك يرضي الرب يسوع الذي ضحى بحياته ليخصلهم من خطيئة أبيهم آدم وأمهم حواء الأفعى الشريرة.
الإرهاب يُزرع في نفوس هؤلاء ليكون سلوكًا مألوفًا.. إنها تربية محاكم التفتيش، وتربية سجون الصهاينة، وتربية تدمير مدرسة بحر البقر في مصر على رؤوس الأطفال، وتربية تدمير ملجأ العامرية في العراق وجنوب لبنان وقانا وقتل الأسرى المصريين عام 1967م.. إنها التربية الدموية التي يمهد لها الصهاينة والصليبيون الجدد في أمريكا ومن يتطابق معهم ويلف لفهم في العالم.. إنها التربية التي يحاول العلمانيون (بفتح العين) العرب والليبرالييون العرب تمهيد بلادنا للانهزام أمام مخرجاتها. إنها المؤامرة على كل خلق عظيم وكل سلوك قويم.. إنها المؤامرة التي يمهد لها مركز ابن خلدون للدراسات الاجتماعية، ومعظم الجمعيات المدنية الممولة من أعدائنا، جمعيات التحريض على الدين واوحدة الوطنية والعفة ومواطن القوة في أجيالنا.. إنها المؤامرة التي يصف فيها بعض كتابنا كل إسلامي بأنه طالباني وتكفيري وظلامي وإرهابي.. كل هؤلاء يحرثون ويمهدون الأرض في ديارنا تمهيدًا للانهزام أمام الجيل الشيطاني الذي يُربى الآن في معسكرات يسوع في أمريكا، كفانا الله وإياكم شر هؤلاء الذين يخططون لإبادتنا ومحونا من الوجود، وساعدنا الله على نشر الرحمة والمحبة والصدق والإخلاص بالحكمة والموعظة الحسنة في نفوس الناس أجمعين , آمين يا رب العالمين يا أرحم الراحمين.
بقلم الدكتور: نظمي خليل أبو العطا " أبو أحمد "
www.nazme.net (http://www.nazme.net/)
يمكن مراسلة المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]
المصادر:
قناة الجزيرة في قطر
http://en.wikipedia.org/wiki/Jesus_Camp
http://www.jesuscampthemovie.com/
http://www.youtube.com/watch?v=y_EKHK1C2IE
العدد (10745) - الجمعة 11 شعبان 1428هـ - 24 أغسطس 2007م
أخبار الخليج – منتدى الجمعة
القلب الحزين
13-12-2013, 06:34 PM
أضواء على العقيدة المسيحية ( 1 )
بقلم الأستاذ محمد الصيرفيhttp://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1186166815250px-echmiadzin-hripsime.jpg
بكالوريوس تجارة جامعة عين شمس المصرية
مديرا بالتأمينات الاجتماعية بمصر ـ سابقاً
نعرض فيما يلي بحثا موجـــزا نقـــدم فيه الأسس التى تقوم عليها العقيدة المســــيحية والرد عليهـــــا في نقاط .
ولسنا نسـتهدف من هذا البحث النيل من المسـيحيين، لأنهم أهل كتاب وقـد أمرنــا اللـه تبارك وتعــالى أن نتحــــاور معهم بالحسـنى ، وهم أقرب إلى المســـلمين من أيعقيدة أخرى.
ولقد راعيـنا عرض أسس العقيدة في حيــــاد كامل كما وردت في الكتب المســــيحية
ذاتها وبلا أي تدخل من جانبنا ، ثم عرجـنا إلى الرد على هــــذه العقـــيدة من واقع راجع عدة تنـــاولت هذه العقيدة بالشــــرح والتحليل والتفنيد وذلك كلـه بهــدفإيضاح الحقيقة المجردة وحـــدهــا دون ســــواها.
إننا نتقدم بهذا البحث المتواضع إلى كــــل من المسيحي والمسـلم.
فهـــــو للمسيحي لتبصرته بأن العقيدة تدعـــى الباطـــل على الله ســبحانه وتعالى،وإيضاح الحقيقة واضحة كل الوضــوح أمامه ليختار الطريق الصحيح قبل فــــوات الأوانوقبــل أن نقف جميعا للحساب أمام الله تبارك وتعالى.
وهـــو للمســــلم للاســـتزادة ولمعرفة القيمة الحقيقية لدينه القويم الذى أعــــــــزناالله تبــارك وتعــــالى بـــه .
نســـأل الله سبحانه وتعــالى الهداية وبأن يفتح وينير طريق الحق أمــامنا جميعـــا.
بســــم اللــــه الرحمـــن الرحــــيم
• قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به
شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بـــــأنا
مســــلمون ... ( 64 آل عمران ) .
• إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ( 59 آل عمران )
• لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيـــئا إنأراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض ومابينهما يخلق مايشاء والله على كل شيء قدير ( 17 المائدة ).صـــــدق الله العظــــيم
أولا : عقـــيدة الفـــداء والصـــلب والخـــلاص
** أساس العقيدة :
*********
لما خلق الله آدم وقال له (( اسكن أنت وزوجك الجنة )) وأمره وزوجته بعدم الاقتراب من الشجرة ،عصى آدم وزوجته ربهما بالأكل من الشجرة . وبذلك يكون كلا منهما وذريتهما ـ أي كل البشر ـ واقعـين تحت تأثير هذه الخطيئة ويستحقون هلاك الأبد وعقاب الآخرة ( أى جهنم ) ... وهذا هو ناموس العـــدل .
ولكن ناموس الرحمة يستوجب العفو .. فتطلب الأمر شيئا يجمع بين العدل والرحمة ، فكانت ( الفـــدية )التى يلزم أن تكون طاهرة غير مدنسة ... وليس في الكون ماهو طاهر بلا دنس إلا الله . فأوجبت المشيئة أن يتخذ جسدا يتحد فيه اللاهوت والناسوت ... أي جسدا إلهيا بشريا في ذات الوقت ... فاتحدا في بطـــن العذراء مريم . فيكون بذلك الولد الناتج عن هذا الاتحاد ( إنسانا كــاملا ) ، والذي في الجســد (إلـــــــها كـــاملا ) . وقد تمثل هذا كله في المسيح الذي أتى ليكون ( فدية ) ... وهـــــذا هو ( الفــــداء ) .
ثم احتمل الإله الكامل والإنسان الكامل أن يقدم نفسه ( ذبيحة ) لإعفاء البشر من جريمة الخطــــيئة ...
وهــذا هو ( الصـــلب ).
وكان احتماله لذلك كفارة لخطايا البشر وتخليصهم من ناموس الهلاك الأبدي ... وهذا هو ( الخلاص ).
ولمــا كان البشر كلهم خطاة بخطيئة أبيهم آدم وأمهم حواء فهم هالكون هـــلاكا أبديـــا ، ولا ينجـــــيهم
سوى إيمانهم بالمســـــيح الفـــادى
** الرد على عقيدة الفداء والصلب والخلاص :
***************************
1 ـ كيف يقبل العقل ( وماأنزلت الأديان على البشر إلا لمخاطبة عقولـــهم ) أن يقدم الله نفســـــه ( فــدية ) لخطيئة لم يرتكبها الله بل تكفيرا لخطيئة عبد مخلوق له ؟ ... وهل يعجز الله الخالق أن يتنـــــازل أو يعفو عن آدم بدلا من أن يرضى لنفسه الذبح والصلب؟؟؟.
2 ـ كيف يقبل العقل ـ أو العدل ـ أن يتوارث بلايين البشر إثم خطيئة لم يرتكبها منهم أحد ، ثم يلقى بهــــــم بعد ذلك في نار جهنم بغير ذنب ارتكبوه ؟؟؟ . هذا ... ويؤكد الكتاب المقدس بعهديه القديم ( التوراة ) والجديد ( الإنجيل ) ـ وهما في صلب العقيدة جزء واحد لا يتجزأ ـ أن الخطيئة لا تورث .
ففي ( سفر التثنية ) جاء النص : (( لا يقتل الآباء عن الأولاد ، ولا يقتل الأولاد عن الآباء ، كــــــــلإنسان بخطيئته يقتل )). فكيف يمكن القول بعكس ذلك في خطيئة آدم ؟؟؟ .
3 ـ كيف يقبل القول بأن يتجسد الله في صورة مخلوق، وأن يبصق في وجهه اليهود وغيرهم ويلقون على رأسه الشوك والأتربة ثم يربط في السلاسل ليعلق على صليب ويدقوا المسامير في يديه ؟؟؟ ... ...
إن هذه إهانة بالغة لأي شخص عادى ... فكيف بالله ذو الجلال والكمال المطلق ؟؟؟ .
4 ـ لو أن الذبح أو الصلب كانا لآدم الخاطىء لقلنا أن الله يفعل في ملكه وخلقه مايشاء ... أما أن يكــــــون المقتول أو المصلوب هو (الله) جل شأنه ، وفى خطيئة وقعت منذ آلاف السنين قبل ولادة المسيح ...
ثم يطلق على ذلك ( فدية ) و ( خلاصا ) و ( تكفيرا ) فهذا مالا يمكن لأي عقل أن يقبله ... بل ولـم ينزل على أي نبي قبل ذلـــــك .
5 ـ إذا كان المسيح يعلم ( باعتباره إلها كاملا ) بأنه سيكون ( فدية ) وأنه سوف يذبح تكفيرا لخطيئــة آدم فلماذا صرخ بأعلى صوته ـ عند القبض عليه ـ يطلب النجدة من الأقنوم الأب قائلا : (( إيلى إيلى لمــاذا شبقتنى )) ؟؟ ... أي : لماذا يارب تركتني لهؤلاء اليهود الظلمة ؟ .. ولماذا طالب حوارييه بشــــراء السيوف للدفاع عندما شاهد هذه القوة الغاشمة للنيل منه ؟؟ ... وأين عنصر ( الطواعية ) الــــلازم
لتحقق مبدأ ونظرية ( الفداء ) ؟؟ ... إذ من المتفق عليه في روايات الأناجيل كلها أن المسيح قـــــــد قبض عليه عنوة وأهين إهانات بالغة ، ولم يتقدم بنفسه طــواعيــة للصلب بحجة الفداء لتكفير خطايا البشر كما هو فى صلب العقيدة.
6 ـ إن تصور الخلاص بواسطة تقديم أحد الآلهة نفسه ذبيحة فداء عن الخطيئة .. قديم العهد جدا عنــــد
الهنود الوثنيين وغيرهم ... ... وفيما يلي بعض الأمثلة : ـ
أ ـ يسمى البوذيون ( بوذا ) بـ ( المسيح ) و ( المولود الوحيد ) و ( مخلص العالم ) ، ويقولون أنه إنسان كامل وإله كامل تجسد بالناسوت وقدم نفسه ( ذبيحة ) ليكفر ذنوب البشر ويخلصهم مـــن ذنوبهم فلا يعاقبوا عليها.
كما يقولون عن الإله ( أندرا ) الذى يعبدونه أنه سفك دمه بالصليب وثقب بالمسامير كي يخلص البشر من ذنوبهم .
ب ـ كان المصريون القدماء يعتبرون ( أوزوريس ) أعظم مثال لتقديم النفس ( ذبيحة ) لينال النــــاس الحياة. وكانوا يتحدثون عن كيفية ظهوره على الأرض وموته وقيامه بين الأموات وأنه سيكــون ديان الأموات فى يوم الدينونة .
كما كانوا يدعون ( حورس ) بـ ( المخلص ) و ( إله الحياة ) و ( الواحد الأبدى ) و ( المولـــود الوحيد ) و( الولد الوحيد المخلص ).
ج ـ كان الفــرس يدعون الإله ( مترا ) بـ ( الوسيط بين الناس ) و ( المخلص الذى بتألمه خلص الناس وفداهم ) .
د ـ عبد المكسيكيون إلها مصلوبا يدعى ( المخلص ) و ( الفادى ) و ( ابن الله ).
وكل هذه الأمثلة كانت قبل ظهور المسيح بقرون كثيرة ، مما يؤكد أن المسيحية الحاضرة هي صـــورة مكررة لـ : براهما و بوذا و كريشنا و أوزوريس وجميع الآلهة الوثنية المعروفة في بلاد الشرق الأقصى وبلاد أخرى.
7 ـ إن أصول المسيحية القائمة حاليا مطابقة تماما لعبادات الشمس التى كانت موجودة فى الامبراطوريــة الرومانية وأقطار كثيرة من توابعها ... وأمثلة ذلك كثيرة جدا ... منهـــــا :
أ ـ الاله ( إيتس ) فى آسيا الصغرى : ولد من عذراء وكان يسمى ( الابن الأوحد المولود والمخـــلص ) ويعتقد عابدوه أن دمه جددخصوبة الأرض ومنح البشر حياة جديدة وأنه قام من الموت . ويحتفلون بهذه ( القيامة ) وسط ابتهاج عام . ومن أبرز مناسك عبادتهم : تقديم وجبات مقدسة والتعميـــــــــد بالدم .
ب ـ الإله ( أدونيس أو تموز ) : كان يعبد في سوريا وكان يسمى بـ ( المخلص المولود من عذراء ) وقد عانى الموت ليفدى البشرية لكنه قام منه فى الربيع . وكان عابدوه يحتفلون بـ ( قيامته ) في مهرجان كبير .
ج ـ الاله ( ديونيس أو باكوس ) : كان يعبد فى اليونان ، وهو الابن الأوحد المولود لجوبيتر كبير الآلهـة من العذراء ديمتير فى الخامس والعشرين من شهر ديسمبر (( نفس تاريخ ميلاد عيســــى عنـــــــــد المسيحيين الغربيين )) ، وهو يوصف بـ ( الفادى و المحرر و المخلص ) . وقد قتل من أجل فــــداء البشرية ويسمى بـ ( المذبوح أو حامل الخطايا أو الفادى ) . وكان أتباعه يحتفلون كل عام بتمثـــــيل موته ونزوله إلى الجحيم ثم قيامته .
د ـ الإله ( أوزوريس ) : كان يعبد عند قدماء المصريين ، وقد ولد من عذراء وقتل بعد أن تعرض لخيانة ومزق جسده وبعد دفنه مكث فى الجحيم يومين أو ثلاثة وثلاث ليـال ثم عاد للحياة ( نفس عقــــــــيدة المسيحيين الحالية فى قيامة المسيح ).
هـ ـ الإله ( ميثراس أو ميثرا ) : وهو إله الشمس عند الفرس المولود من عذراء ... وهو يمثل الأصـــــل الذي أخذت منه أسطورة تأليه المسيح ، وكان يوم ميلاده فى الخامس والعشرين من ديسمبر ( نفس تاريخ ميلاد عيسى عند المسيحيين الغربيين ) وتأسست لعبادته كنيسة وكان الميلاد والفصح أهـــــم احتفالاتها . كما كانت الاحتفالات تتضمن : التعميد والتثبيت والعشاء الربانى ( أى نفسعقـــــــــيدة القربان المسيحية الحالية ).
و ـ أن عيد دخول المسيح الى الهيكل وتطهير العذراء الذى يقع فى يوم 2 فبراير من كل عام هو من أصل مصرى ، فقد كان المصريون القدماء يعيدون إجلالا وتعظيما للعذراء ( نايت ) .. وفى ذات اليوم يعيـد المسيحيون هذا العيد.
ز ـ ان ماجاء عن ولادة ( مرها ) والدة الإله ( ياخوص ) عند الرومانيين يشابه تمام المشابهة ماجاء فى انجيل متى ( الاصحاح الأول ـ من عدد 18 الى عدد 25 ) . وقد فسر القديس جيروم اسم ( مرهــــــا ) باسم ( مريم ) وكانوا يلقبونها ( آلهة البحر ) ويلقبون مريم والدة المسيح الآن ( نجمة البحر ) .
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
13-12-2013, 06:38 PM
يتبـــــع الموضوع السابق
أضواء على العقيدة المسيحية ( 2 )
8 ـ كل احتفال رئيسى فى التقويم المسيحى هو استمرار لتقاليد أرستها المعتقدات الوثنية السابقة ، وقـــــــد
قامت الكنيسة بتبنى هذه المعتقدات وحولتها الى عقيدتها . وفيما يلى بعض الأمثلة :
أ ـ عيد الميلاد : يعتقد المسيحيون أن يوم ميلاد المسيح يقع فى الخامس والعشرين من شهر ديســـمبر وهذا اليوم هو نفسه تاريخ مولد الشمس فى التقويم اليوليوى ويرتبط بالانقلاب الشتوى للشــــــمس الذى كان يطلق عليه أتباع عبادتها ( مولد ) الشمس . وقد ولد العديد من آلهـــــــة الشمس فى العالم القديم فى ذلك التاريخ . .. فضلا عن كونه منقولا عن احتفالات مولد كل من الإلهين ( باكـــوس ) و(ميثرا ) كما فى البند السابق .
ب ـ يوم الأحـــد :هو يوم الشمس ، وهو اليوم المقدس لإله الشمس ( أبولو ) وهو الإلــــه الجـــــــامع للإمبراطورية الرومانية خلال عهد الإمبراطور قسطنطين .
ج ـ الرهبان والراهبات : كان لهذا النظام مكانة فى عبادة إله الشمس ( ميثرا ) حيث لجأ الرهبان إلى حلق دائرة في وسط شعر الرأس تمثل قرص الشمس .ومن يراقب احتفالات الكنيسة الكاثوليكية يلاحـــــــظ ذلك على رهبانها حتى الآن.
د ـ الصـــليب : لم ينشأ هذا الرمز مع النشأة الأولى للمسيحية ، وكان أول من جعله رمزا للمســـــــيحية الإمبراطور قسطنطين الذي قال أنه رآه في المنام . وكان الصليب ذا مكانة بين عباد الشـــــــمس في الإمبراطورية الرومانية كرمز للحياة .
وهناك صليب مصري سابق على المسيحية محفوظ في المتحف البلدي بالإسكندرية ، كذلك عثــــر على صليب من عهد قبل المسيحية في أيرلندا .
9 ـ ان ( بولس ) الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للمسيحية والذي نشأ في بيئة وثنية عريقة يقرر ( أنه قـــبل
كثيرا من العقائد الوثنية ليقرب بين أتباع هذه العقائد وبين أتباع الديانة المسيحية ) . وقال بالحرف فـى
سفر كورنثوس الأول : (( استعبدت نفسي للجميع لكي أربح الكثيرين . صرت لليهودى كيهودى لكي أربح اليهودى، وللناموسيين كالناموسيين ، ولغيرهم كأنى بغير ناموس )) ... أي أنه بدلا من أن يغير كل طائفة أصبح يتغير هو من أجل أن يربحهم ، بل ويغير التعاليم السماوية فى سبيل إرضائهم .
وكانت النتيجة أن اختلطت الوثنية بالوحى الالهى بغية اكتساب مزيدا من أتباع لهذه العقيدة .
10 ـ إن عقيدة الصلب والفداء والخلاص تؤدى حتما إلى مفسدة الأخلاق والتواكل وتحض على الرذيلة .. ..
لأن الذي يعتقد أن الإله صلب من أجل أن يكفر خطيئته وأن الإله القادر يحبه إلى هذا الحد فإنه لا يعمل الصالحات بعد ذلك ولا يعترف بأداء الواجبات الدينية . فإذا كان الإله قد صلب نفسه وضحى بنفســـــه ليخلص ( أتباعه ) من الموبقات ... فأى ضرر على الإنسان وأى خوف عليه من ارتكاب الموبقـــــــات بعد ذلك ؟؟؟ . ثـــم : إن القادر الذي قتل نفسه رحمة بى ... أفلا يكون من المعقول أن أتوكل عليـــــه
فى أن يرسل لي كل ماأشتهيه بعد ذلك وأنا نائم في منزلى ؟؟؟ . إن الإله الذى صلب لكى يخلص مــــن آمنوا به قد مهد لهم السبيل الى الإباحة المطلقة لأن يزنوا ويلوطون ويقامرون ويسرقون ويقتلون ولا يبالون . ألم يصلب ليخلصهم من خطاياهم ؟ فلا خوف إذن على من آمن بصلب المسيح من جـــرير مطلقا .
ونظرة سريعة على المجتمعات الغربية المؤمنة بهذه العقيدة وما ينتشر فيها من زنا وكل أنـــــــــواع الفواحش من سرقة وقتل وزواج المثل وإقرارها من قبل الحكومات وانتشار العرى والقنوات الإباحيــــة الفضائية ... كل ذلك نماذج حية ناتجة عن خلاصهم من ذنوبهم بموجب هذه العقيدة .
11 ـ ان الذات الإلهية الواجبة الوجود والمجردة عن المواد لا تتأثر حتماً بشيء مما تتأثر به الأجسام البشرية من عوارض اللذة والألم وإلا صارت ممكنة كسائر الممكنات .
ومن الغريب أن تنص العقيدة على أن ( تألم ) المسيح لم يكن فى جسده فقط بل كان أيضا فى ذهنـــــه وروحه ( لأن حزنه على خطايا الناس كسر قلبه المحب ) ... ومعنى ذلك أن الآلام لم تقف عند جســــــد عيسى بل تعدته إلى لاهوته . وإذا كان الإله قد ابتلى بمثل هذه البلوى فهل يصح فى العقــول البشـــرية أن يرتجى لدفع ملمة ... أو يقصد لنفع أو ضــــر ؟؟؟؟؟
12 ـ لنفرض أن العقيدة بالكامل صحيحة وأن الإله قد مات وذاق مر العذاب ودخل الجحيم من أجل خلقه ...
فهل هذا من أجل كل الناس ( حتى الذين صلبوه ) ؟ أم من أجل فئة المؤمنين به فقط ؟؟ ... فإن قــــيل للمؤمنين به فقط فإن المسعى قد خاب والتضحية لم تحقق هدفها ولم يفد صلب الإله شيئا ولـــم يشـــف غليلا لأن الخطيئة التى انقلبت الطبائع الإلهية من أجلها لا تزال موجودة إلى الآن فى أبشع صورها في كل المجتمعات المسيحية التى تؤمن بهذه العقيدة .
13 ـ لنفرض ثانية أن العقيدة صحيحة وأن المسيح ـ وهو الله ـ نزل الى كوكب الأرض ليفتدى البشر تكفيرا عن خطاياهم التى تعود الى أول خطأ ارتكبه أبوهم آدم ـ وتوارثوه ـ بأكله من الشجرة . إلا أن السـؤال
الواجب هو : ما ذنب البشر الذين آمنوا بالله فى ظل الأديان السابقة ( منذ أول رسول أرسل الـــــــــى البشرية حتى عيسى عليه السلام ) وماتوا قبل أن يروا المسيح ويؤمنوا بهذه العقيدة ؟ ... ولمـــــــاذا تختص أمة بعينها برحمة ومغفرة الله ( إذا آمنت بالصلب والفداء والخلاص ) ولا تعود هذه الرحمـــة إلى من سبقها من الأمم ممن لم تنزل عليهم هذه العقيدة كتشريع سماوى ؟؟؟ .
ولنضرب لذلك مثلا : لو افترضنا شخصان آمنا بالله الواحد وبكل كتبه ورسله واليوم الآخر أحدهما فى زمن موسى والآخر فى زمن عيسى ، وكل منهما ارتكب كبائر كثيرة ( زنا ـ قتل ... الخ ) فـــــإن الأول سوف يعذب لارتكابه الكبائر طبقا لشريعة موسى وأحكام التوراة ، في حين يدخل الآخر الجنـة بغير حساب وسوف لا يعذب لمجرد إيمانه بعقيدة الصلب والفداء والخلاص . والنتيجـــــة : أن الأول سوف يعتبر ( مظلوما ) لأن الشريعة السماوية قد حابت وانحازت لأمة لاحقة بعينها فأدخلتها الجنة بلا حساب، وتجنت على ماسبقها من عشرات الأمم فأدخلتها النار عقابا لها على ارتكابها لكبائر الذنوب .
إن هذه العقيدة تنسب الظلم الى الله تعالى والتفرقة بين عباده وشرائعه ، ومحال أن يكون الله ظالما .
14 ـ ان فكرة سفك الدم كضرورة لإطفاء سخط الله دخلت المسيحية من تصورالانسان البدائى عن اللـــــه ، وتصورات بنو اسرائيل بأنه (( إله غيور ، نار آكلة ، يحمى غضب الرب إلهكم عليكم فيبيدكم عــــن وجه الأرض )) .. ( سفر التثنية ـ 6 : 15 ) . هذه التصورات هى دلالات قوية على مزج كلام اللــــه بشعائر دخيلة من أمم الشعوب الوثنية . لهذا ابتعث الله عيسى بن مريم لتنقية التوراة مما دخل عليها
فصرح قائلا : (( لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس والأنبياء ، ماجئت لأنقض بل لأكمل )) ... ...
( متى 5 : 17 ) .
ان فكرة ( الاستعاضة ) أو ( الضحية العوضية للمغفرة ) غير معقولة ولا معنى لها بل وظالمة.
ونحن لا نجد أى ارتباطات بين الخطيئة والدم ، وأن ماهو ضرورى لتطهير الانسان من الخطيئة ليس هو الدم ولكن التوبة الصادقة وتأنيب الضمير والمثابرة على الجهاد ضد الميول الشريرة وتنميــــــــة الشعور بالرحمة أكثر نحو الجنس البشرى والتصميم على إنجاز إرادة الله .
إن المنهج المسيحى للخلاص ليس فقط لاأخلاقيا ولا منطقيا ومعتلا ... بل أيضا لا سند له فى كلمات
المسيح .
ولهذا ... فان عقيدة الكفارة مختلة للأسباب الآتية :
أ ـ ان الانسان لم يولد بالخطيئة .
ب ـ ان الله لم يطلب ثمنا ليغفر للخطاة .
ج ـ ان فكرة الاستعاضة أو الذبيحة العوضية ظالمة وقاسية .
د ـ وأن خطيئة الانسان لا تؤذى الله حتى أنه أرسل ابنه للفداء ولتكفير خطايا البشر ، ولكن هذه الخطيئة
تؤذى الانسان ذاته .
ان وصمة الخطيئة في أنفسنا يمكن محوها ليس بعذاب أو بموت إنسان آخر سواء كان الأخير راضيا أو
غير راض ، ولكن بتوبتنا الشخصية والابتعاد كلية عن فعل الشر والمثابرة على فعل الخير ... وهذا مايأمــر
به الإسلام .
وهكذا ـ عندما عصى آدم ربه ندم وتاب وأذعن ذاته كلية لله فغفرت خطيئته . فلا توريث إذن لخطـــــيئة
آدم لأولاده ، ولا تتطلب عذاب الموت للمسيح للمغفرة . إن عقيدة الكفارة والخلاص والفداء إنتهاكا لعدالـــة
الله ورحمته لأنها تنسب له توريث خطيئة لم يرتكبها أحد .
إن الإسلام يعد بالخلاص ( بمعنى : تحقيق الاقتراب إلى الله وتنمية الأعمال الصالحة في الإنسان ) وذلك لجميع الذين يؤمنون بالله ويعملون أعمالا صالحة .
(( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) . ( سورة البقرة / 112 )
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـع
القلب الحزين
13-12-2013, 06:40 PM
يتبـــــع الموضوع السابق
أضواء على العقيدة المسيحية ( 3 )
ثانيــــــاً: عقـــيدة الثـــالوث
** أساس العقيدة :
*********
تتلخص العقيدة فى أن الله مركب من ثلاثة أقانيم ( أى ثلاثة حقائق ) كل أقنوم متميز عن الآخر بوجوده
الخاص ، وهو ( ذات ) لا ( صفة ) ولكل أقنوم أوصاف تميزه عن الآخر . فأحدها يقال له ( الأقنوم الأول )
وهو أقنوم الأب ويعتبر أصل الأقانيم . يليه الأقنوم الثانى وهو أقنوم الابن وهو صــــــدر عن الأقنوم الأول
كما يلى : ان للأقنوم الأول عقلا وتفكيرا ففكر فى لاهوته ( ذاته الالهية ) فتولد من ذلك التفكير أقنوم الابن
وهذا الأقنوم مماثل لأقنوم الأب تماما وطبيعتهما واحدة كالصورة التى تنطبع في المرآة فتكون ممــــــــاثلة
لأصلها من جميع الوجوه... إلا أن له وجودا خاصا به . ويسميه البعض ( صورة عقل الأقنوم الأول ) لأنـه
تولد من تفكيره فكان صورة لعقله ، كمـــا يسميه آخرون ( كلمة الأقنوم الأول ) لأن التفكير يعبر عنــــــــه
بالكلام ، ويسميه آخرون ( ابنــــــا ) لأن الابن يصدر عن الأب وفيه بعض الشبه ... أما هذا فإنه مثل الأب
من جميع الوجوه .
أما الأقنوم الثالث فقد صدر عن الأب والابن معا بفعل الارادة والمحبة لا بفعل العقل . فالاله الممتزج من
الأب والابن أحب ذاته فتولد من ( هيجـــان ) الحب أقنوم ثالث مســــاو في طبيعته للآخرين .... ويســمى
( روح القدس ) .
فالاله الواحد مركب من ثلاثة أقانيم يتميزون عن بعضهم البعض ، ومتساوون أيضا مع بعضهم البعض
ولا يسبق أحدهم الآخر فى الزمن أو القدرة وإنما هم جميعا أزليون وقادرون لأن لهم نفس القدرة الإلهيــة .
والايمان الجـــامع هو عبادة ( إلها واحدا في ثالوث ، وثالوثا في وحدانية ) .
ولقد اتحد أقنوم الابن مع دم مريم فتجسد وظهر في جسد المسيح . فالمسيح من حيث كونه أقنوما ...
إله كامل ، ومن حيث كونه جسدا بشريا ... إنسان كامل .
** الرد على عقيدة الثالوث :
****************
1 ـ تملكت العقيدة المسيحية نفوس معتنقيها تحت تأثير أنها فوق العقل ومادام أتى بها كتاب مقدس فينبغى
الإذعان لها حتى ولو كانت بديهة العقل تقتضى بطلانها ، مع أن الأديان ماجاءت إلا بما ينطبق علـــــى
العقول السليمة . فمحال أن يأتى رسول يدعو الناس إلى إله واحد ثم يقول لهم أن هذا الواحد مركــــــب
من ثلاثة حقائق متماثلة متميزة متحدة ومع ذلك هو واحــــد . ولو قال لهم الرسول أن التناقض الظاهر
لكم فوق عقولكم ... لما آمن له أحد ، ولفضلوا عبادة الأوثان التى لا تعقيد فيها عن هذه العبادة التــــى
تخالف بديهة العقل وتصدم الحس .
ويقول ( المانفســـتو ) الكاثوليكى لأتباع الكنيسة : (( إننا لا نستطيع فهم هذه الحقيقة ( أى حقيقــة
الثالوث ) بالكامل لأنه ســـر غيبى ، وفى الآخرة سيكون هناك فهما أكثر لهذه الأسرار ولكن لن يكــون
فهما تامـــا وأبديـــا )) . فكيف يطلب من أحد الايمان بعقيدة غير مفهومة ولن تفهم فى الدنيـــــــا ولا
فى الآخرة ؟؟؟؟؟ . فإذا كانت المسيحية ليست بهذه البساطة فمعنى هذا أنها دين خاص للفلاسفــــــة ،
ومن ثم فلا شأن لهذا الدين بالبسطاء من الناس وهم الأغلبية الســـــــــاحقة ممن يخاطبون بأي عقيدة
لاعتناقهــــا والايمان بها .
وإذا كانت هذه العقيدة تعلو على فهم العقـــل فذلك يعنى إخراج كل عاقل ومفكر من دائرة الإيمان
الذى لا يقبله العقل أو الفكر . فإذا كان البسطاء من الناس ، وإذا كان العقلاء والمفكرون لا يفهــــــمون
هذه العقيدة ... ... فلم جاءت ، ولمن جاءت ؟؟؟
2 ـ فى صلب العقيدة : لا يمكن القول أن المثلين يمكن اتحادهما بحيث يكون أحدهما عين الآخر . فإذا حدث
هذا الاتحاد زالت شخصيتهما معا ، فإذا زالت لابد أن تحل بعد زوالهــا شخصية أخرى وحينئذ فلن يكون
هذا الاتحاد قائما . أما إذا بقيت شخصية كل منهما ولم تزل فلا يكونان متحدين . وإذا انعدمت شــخصية
أحدهمــــا ولم تنعدم الأخرى لا يتأتى الاتحـــاد ... إذ لا اتحاد بين الموجود والمعدوم .
3 ـ لا يصح القول أن أجزاء الشىء عينه . فلو كان الإله مركبا من أجزاء لكان كل جزء من أجزائه مقدما
عليه فى الوجود بالضرورة ، لأن الجزء مقدم على الكل عند جميع العقلاء . ولو كان الجزء مقدمـــــا
لكانت مرتبته فى الألوهية مقدمة .. فكان هو أحق بأن يكون إلها من الكل . فنظرية التثليث مستحيلـة
الوقوع بالنسبة للإله والمخلوقات على الســـواء .
4 ـ أن القول بوجود ثلاثة أقانيم ( متميزة ) يسوق حتما إلى القول بتعدد الآلهة لأن ( التميز ) يعنــــــــــى
( المغايرة ) و ( الانفصال ) و ( اختلاف الشىء عن شيء آخر وانفصاله عنه ) . فلا يمكن أن يستقيم
القول بأن الأقانيم الثلاثة إله واحد .
5 ـ تتضمن العقيدة أن المسيح هو ( الابن الوحيد للرب وولده البكر ) . .. بينما تناقض كتب المســــيحيين
وأسفارهم هذه العقيدة ... وفيما يلى بعض الأمثلة :
أ ـ ورد فى انجيل لوقا بالاصحاح الثالث أن آدم ( ابن الله ) .
ب ـ ورد فى العهد القديم ( التوراة ) عن النبى يعقوب : (( هكذا يقول الرب: اسرائيل ابنى البكر )) .
ج ـ ورد فى التوراة ـ المزمور التاسع والثلاثين : (( يقول الله عن داود: هو يدعوننى أبا وأنا أيضا
أجعله ابنى )) ... ثم يترنم داود فرحا بهذه البنوة فيقول : ( قال لى أنت ابنى ، أنا اليوم ولدتك ) .
د ـ جاء فى أخبار الأيام الأولى على لسان الله عز وجل عن سليمان : ( هو يكون لى ابنا وأنا له أبا ) .
هـ ـ أطلق لوقا الاسم نفسه على الملائكة فقال : ( لأنهم مثل الملائكة وهم أبناء الله ) .
و ـ فى سفر التثنية بالتوراة أطلق هذا الاسم على البشر جميعا فقال : ( أنتم أولاد للرب إلهكم ) .
فكيف ـ إذن ـ يطلق على المســيح ـ بعد هذا كله ـ أنه ( ابن الله الوحيد ) و ( ابن الله البكر ) بينمـا
له كل هؤلاء الأشـــقاء والإخوة من الأنبياء والبشر والملائكــــة ؟؟؟
6 ـ تنص العقيدة على أن الأقانيم الثلاثة ( لا يسبق أحدها الآخر فى الزمن ) .. كما تنص أن ( الأقنـــــوم
الأول وهو أقنوم الأب فكر في لاهوته فتولد من ذلك التفكير أقنوم الابن ، ثم أحب الاله الممتزج مــــن
الأقنومين ذاته فتولد من هيجان الحب أقنوم روح القدس ) . ولو قارنا النصين لوصلنا حتما الـــــــــى
وجود سابق لأقنوم الأب على أقنوم الابن ، لأن معنى العقيدة أن أقنوم الأب كان قبل وجود أقنوم الابن
الذى نتج عن تفكير أقنوم الأب فى ذاته ... فكيف يمكن القول بأن أيا منهما لا يسبق الآخر فى الزمن ؟
وكذلك الحال فى أقنوم روح القدس الذى كان نتاجا لمحبة الأقنومين الأول والثاني ، إذ يؤدى ذلك إلى
القول بأن الأقنوم الثالث صدر بعد وجود الأقنومين الآخرين وإلا لما كان نتاجا لهما .
وبمعنى آخر : كيف يمكن إطلاق اسم ( الأب ) على أقنوم بينما هو موجود في نفس اللحظة التي
وجد فيها أقنوم ( الابن ) ووجد فيها أقنوم ( روح القدس ) ؟؟؟
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـع
القلب الحزين
13-12-2013, 06:43 PM
يتبـــــع الموضوع السابق
أضواء على العقيدة المسيحية ( 3 )
7 ـ ان التفسير السابق فى كيفية وجود الأقانيم يستلزم أن تكون مرتبة الأب أعلى من مرتبة الإبن وذلــــك
يستدعى أن يكون الأقنوم الثانى ( أثرا ) للأقنوم الأول . فمن يطلع على كتب المسيحيين يرى أنهــــــم
يجمعون على أن الأب ( ينبوع ) الابن وأن الابن صادر عن تفكير الأب فيكون بالتالى ( أثر إلـــــــه )
حــــــتما .
وخلاصــــة القــــول : إذا وجدت ثلاثة حقائق قائمة بنفسها مجردة عن المادة أزلا ، وكل واحـــــد
منها تقتضى ذاته الوجود فلا معنى لهـــذا إلا ( وجود ثلاثة آلهـــة كاملـــة ) لأن الذى ذاته تقتضـــى
الوجود يكون إلهـــا كاملا من جميع الوجوه . ومتى ثبت أن هذه الصفات يجب أن تكون كاملة فإنـــــه
يستحيل اتحـــادها لأن معنى الاتحــاد فناء إحـــدى الصفات فى الأخرى ... والعقيدة تقول بغير ذلك .
8 ـ ان لفظة ( الثالوث ) لم ترد فى الأناجيل عدا انجيل متى ، كما لم ترد آية واحدة فى التوراة تصــــــرح
بالثالوث ، وإنما وردت هذه الكلمة فى مؤلفات المسيحيين الأولين مما يدل على أنهم فهموا الأناجــيل
من هذه الحيثية . كما أن بعض هذه الآيات قابلة لتفاسير مختلفة . وقد ابتدأ الجدال فى اللاهوت فــــى
العصر الرسولى وأول من استعمل كلمة ( الثالوث ) هو ترتليانوس . والغريب أن يسلم المســـيحيون
بأن المسيح لم يقل لهم أنه إلـــه أو إبن إلــــه ولم يبين لهم هذه العقيدة .
والحقيقة أنالأبيونيون كانوا يعتقدون أن المســـيح إنســـان محض . والســـابليون كانوا يعتقدون
أن الأب والابن والروح القدس صور مختلفة أعلن اللـــه بها نفسه للناس . والأريوسيون كـــــــانوا
يعتقدون أن الابن ليس أزليا كالأب بل هو مخلوق منه وهو دون الأب . والمكدونيون أنكروا كـــــون
روح القدس أقنوما . ثم جـــاء المجمع النيقاوى سنة 325 للميلاد ومجمع القسطنطينية ســنة 381
وقررا العقيدة الحالية للمســـيحيين .فالمسألة ليست مســـالة كتاب مقدس وإنما هى مسألة جمـاعة
يقررون مايشـــاءون ويحكمون بما يريدون .
والســـؤال هو : هل مسائل الوحى الذى من عند الله تفصل فى أمره المجتمعات كما تفصـــل فى
الأمور السياسية ؟
9 ـ فى كل الأديان السماوية يعبد الانسان الله دون أن يراه ، ورغم ذلك فهو يؤمن إيمانا جازما بوجـوده
رغم أن حواس الانسان كلها لا تدركه إلا أن دلالات وجوده مؤكدة بلا أدنى شك .
فإذا كانت عبادة الله سبحانه وتعالى منذ خلق الله آدم عبادة غيبية ، فكيف تكون هذه العبـــــادة إذا
كانت مصحوبة برؤيته رأى العين؟... لاشك أن أسلوب العبادة سوف يختلف نظرا لوجود الخـــــالق
العظيم بين خلقه ( ومحال حدوث ذلك ) . ومما لاشك فيه أن الأمر سيكون معروفا لدى كل الخلق بأن
خالقهم يعيش بينهم ... ... ولنا أن نتصور كيف يتصرف العباد فى هذا الوقت . أليس من أبســط
الأمور أن يسجدوا ليل نهار لله الذى يقف أمامهم ويعيش بينهم ؟ ... أليس من أبسط الأمور أن تتناقل
الأخبار بين كل الأمم والشعوب فى كل بقاع الأرض بأن الله خالقهم قد نزل إلى هذا الكوكب فتنقــــلب
الدنيا ويأتى الخلق من كل فج لرؤية خالقهم وتتواتر الأخبار عن عبادته عبادة مباشرة لا عبــــــادة
غيبيــــــة ؟؟ . ورغم أن كل هذا بديهى ومنطقى ولا يمكن حدوث سواه فلم يرد فى الأناجيل أو فــــى
الآثار المنقولة مايفيد حدوث مثل هذا الأمر الجلل ، كما لم يرد فيها أن أحدا ـ حتى حواريو عيســـى
وهم الفئة المقربة إليه وكانت تعيش معه على الدوام ـ قد عبده عبادة مباشرة وعلى أى صورة .
وهذا يؤكد ماورد فى البند السابق من أن بداية إضفاء الألوهية على عيسى بدأت بعد رفعه ولــــم
تكن موجودة وقت وجوده ، وقد أضيفت إلى العقيدة بعد أكثر من ثلاثمائة عام على رفعه .
10 ـ يؤكد ماسبق ( صورة الحكم الجنائى الذى صدر ضد المسيح من المحكمة الرومانية التى حاكمته بناء
على طلب اليهود ) . وقد عثرت على هذه الوثيقة بعثة خاصة من الجيش الفرنسى أثناء حمــــــــــلة
نابليون على الشـــام وعكا وهى مكتوبة باللغة العبرية على صفحة من البرونز ضمن وعاء من الرخام
الأبيض ، وقد عثر عليها فى دير ( الكابوشيين ) بضواحى مدينة القدس .
وهــــــذا هـــو نـــص الحكــــم :
(( بيلاطس البنطى حاكم الجليل الأدنى، المتسنم رئاسة مجلس الشـــيوخ ...
يحكم على ( يســـوع الناصرى ) بالموت على الصليب ( بين لصين ) للأســــباب الآتية :
أولا : أن يسوع مضلل.
ثانيا : أنه عدو للشريعة.
ثالثا : أنه يدعى نبوة اللــــه باطلا.
رابعا : أنه ضــــــال.
خامسا : أنه يدعى ملك إسرائيل باطلا.
سادسا : أنه دخل الهيكل والجموع تتبعه بسعف النخل.
وبناء عليه : فإن بيلاطس يأمر ( كرينوس ) قائد المائة أن يقود المجرم إلى مكان العقاب . ويحظر
على أى شخص أن يسترحم السلطة بشأن هذا العقاب )).
ويدل هذا النص وحيثياته على أن جريمة المسيح الكبرى فى نظر اليهود والمحكمة هي مايلي :
أولا : أنه يدعى ملك اسرائيل .
ثانيا : أنه يدعى النبـــوة .
وبداهة لو كانت هناك اتهامات أخرى لوردت فى حيثيات الحكم التى كانت تتصيد كل شبهة .
وإذا كان ادعاء النبوة يستحق القتل والصلب ، فماذا يستحق ادعاء الألوهــــية ؟؟؟ وهل كان الحكم
سيتجاهل ادعاء الألوهية لو صدر عن عيســــى ؟؟؟
ان المسيح عليه السلام لم يقل بـ ( ألوهيته ) مطلقا ولم يحد عن دعوى ( النبوة ) مثقـــــــــــال ذرة واحـــــدة .
11 ـ تبين عقيدة الثالوث أن الله مركب من ثلاثة أقانيم ( متحدة ) وهى فى مجموعها إله واحد . والسؤال
هو : مادامت هذه الأقانيم متحدة فكيف يمكن القول بأن أقنوم الابن قد انفصــــل عن الأقنومــــــــين
الآخرين وحل فى جسد عيسى ؟ . وبمعنى آخر : كيف يمكن الجمع بين ( الاتحاد ) و ( الانفصـــــال
للحـــلول ) فى نفس الوقت رغم التعارض الكامل بينهما ؟؟؟ ... اللهم إلا إذا سلمنا بأنه نظرا لعدم
قابلية الانفصال فإن الحلول يكون حاصلا من الأقانيم الثلاثة وذلك يوجب بالبداهة أن الاله المتحد
بجسم عيسى بأقانيمه الثلاثة قد مات فى حال صلبه أى تعطلت روحه عن العمل .وحيث أن العقيـــدة
تقول بأن المسيح ( أى الله ) قد أدخل نفسه جهنم ثلاثة أيام لتكفير خطايا البشر ( خلقه وعبـــــاده )
فيكون بالتالى هذا الكون المتسع واللانهائى بلا رب يرعاه وبلا أيد قادرة تمسكه وتحفظه من الزوال
لأن الإله خالقه يعذب نفسه فى جهنم من أجل تكفير خطايا خلقه ... أليست هذه نتائج العقيدة ؟؟
12 ـ ان مصطلح ( الله والابن والروح القدس ) لم يرد بهذا الشكل إلا فى انجيل واحد فقط من الأناجيــــــل
الأربعة هو انجيل متى . وعبارة ( من رأى الابن رأى الأب ) وعبارة ( الأب والابن واحد ) لا نجـدها
إلا فى انجيل يوحنا فقط . فلماذا لا تتكرر هذه العبارات بين صفحات الأناجيل الأخرى وهى الأســـاس
فى العقيدة المسيحية ؟؟ وإذا كان يوحنا هو الشاهد الوحيد ( كما يعترف المسيحيون ) بين كتبــــــة
الأناجيل على ماجرى فى زمن المسيح باعتباره تلميذا له ... فلماذا لم ينص على هذه العقيدة صراحة
فى انجيله وعلى لسان المسيح نفسه ؟؟
إن تناقض الأقوال فى الأناجيل فى صلب العقيدة أو غموضها دليل قاطع على عدم إلهامية هـــــــذه
الكتب ، لأنها لو كانت من عند الله ماكان فيها تناقض لأن كلام الله لا يتناقض . وإذا تناقض إنجيـــلان
وقلنا باحتمال إلهامية الأول وعدم إلهامية الثانى فمادمنا لا نعرف الالهامى منهما فالشك ينسحب على
الاثنين . وإذا سلمنا بعدم الهامية الأناجيل فإن العقيدة التى تقوم عليها تكون باطلة لأنها ليست مـــــن
عند الله بل من عند البشر ، والبشر غير مؤهلين ولا مفوضين من قبل الله للقيام بهذه المهمة.
مراجع هذا البحث :
1 ـ كتاب حوار صريح بين عبد الله وعبد المسيح للدكتور عبد الودود شلبى طبعة 1993
2 ـ كتاب أدلة اليقين عبد الرحمن الجزيرى طبعة 1934
3 ـ كتاب الأناجيل ـ دراسة مقارنة أحمد طـــاهر طبعة 1991
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 06:43 PM
خطاب ال138 والفاتيكان
بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1197644910429px-coa_vatican.svg_%28custom%29.jpg
شعار دولة الفاتيكان
أستاذة الحضارة الفرنسية
إن هذا الموضوع أكبر بكثير من أن يعالج في مثل هذا الحيّز المحدود، ورياح الغدر والتواطوء تخيّم على الآفاق، وإن كان بيع أرض فلسطين قد بدأ بالخيانة وتواصل بالهرولة والتواطوء، فإن الأحداث تشير إلى أن نفس الكرّة تعاد في حق الإسلام !
ففي 29 نوفمبر 2007، أي بعد شهر ونصف تقريبا، أعلن البابا بنديكت السادس عشر ـ باسم أمين سر دولة الفاتيكان وليس باسمه، رده على خطاب ال138 مسلما الذين هروَلوا ـ جهلا أوعن عمد، استجابة للمساعي الخفية التي قادها رجال الفاتيكان، وبعض أعوانهم، لرأب الصدع الذي نجم عن محاضرة راتسبون، التي سب فيها البابا الإسلام والمسلمين وسيدنا محمد عليه صلوات الله، وربط فيها بين الإسلام والإرهاب. والمعروف أنه لم يعتذر للآن عن موقفه هذا، وفقا لمطلب القيادات الإسلامية، وإنما اعتذر عن رد فعل المسلمين وهمجيته !!
ورد البابا موجه إلى الأمير غازي بن محمد بن طلال، المسؤل عن مؤسسة آل البيت بالأردن، والذي تزعم تلك المبادرة التي انقاد إليها 138 مسلما من44 دولة بمختلف المراكز والألقاب والتوجهات..
ومن الغريب أن رد البابا موقع عليه يوم 19 نوفمبر، وأعلن يوم 29، مع إعلان خطابه الرسولى الثاني المعنون " بالآمال نحن منقذون"، ـ ولعل الحكمة في تأخير إعلان الرد ترجع إلى الرغبة في زجه تحت الظل اوأملا في أن تنصير المسلمين سوف ينقذه بتحقيق آماله ! فالإعلام كله في الغرب قد تناول خطابه الرسولى، ولا إشارة تذكر تقريبا لرده على أولئك المسلمين إلا في جرائده ومواقعه الفاتيكانية..
وقد أعرب البابا عن " تقديره العميق لهذه اللفتة وللروح الإيجابي الذي ألهم خطاب المسلمين".. وبعد تذكيره بالخلافات العقائدية بين المسيحيين والمسلمين"، أشار إلى أن ما يجمع هاتين العقيدتين (المسيحية والإسلام) هو: "الإيمان بالإله الواحد"، الذي " في نهاية الزمان سوف يحاكم كل إنسان وفقا لعمله".. وهى العبارة الواردة في وثيقة " في زماننا هذا" الناجمة عن مجمع الفاتيكان الثاني عام 1965، التي برأ فيها اليهود،ووضع فيها الفاتيكان آنذاك الإسلام بين ديانات الشرق الأقصى، وأبعد فيها المسلمين عن عمد عن نسبهم لسيدنا إبراهيم ! وقد تناولت تلك الوثيقة بالتفصيل في مقال سابق.
كما أعرب البابا عن رضاه من أن المسلمين قد اختاروا أن يكون موضوع " محبة الله ومحبة القريب"، التي كانت محور خطابه الرسولى الأول، هي نفسها محور خطاب المسلمين ! ثم راح يملى شروطه من أجل إمكانية عمل حوار مشترك، وهى : احترام كرامة كل إنسان، المعرفة الموضوعية لديانة الآخر، تقاسم التجربة الدينية "، وكلها عبارات مضغمة لمطالب معينة، وبعد تطبيق ذلك أوضح أنه يمكن التعاون : "في المجالات الثقافية والاجتماعية من أجل دعم العدالة والسلام " موضحا أن آفاق التعاون هي " ثقافية واجتماعية وليست لاهوتية "..
أي ما معناه أنه لا نقاش في العقيدة، التي هي الخلاف الأساس بين المسيحية والإسلام. وهو نفس الموقف الذي أتبعته من قبل لجنة الحوار الفاتيكانية وفرضت على أعضاء اللجنة في الأزهر أن يوقعوا على أنه لا نقاش في العقيدة !
ثم أوكل البابا إلى الدكتور عارف على النايض، الذي كان يعمل في المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية، اختيار وفدا من الموقعين على الخطاب للقائه، موضحا أن هذا الوفد سيمكنه الاجتماع بحوالي عشرة من الخبراء الكاثوليك، تحت قيادة المجلس البابوي للحوار الديني، برئاسة الكاردينال جان لوى توران، والجامعة البابوية الجريجورية، والمعهد البابوى للدراسات الإسلامية والعربية. والسيد توران هذا هوا لقائل " أن الخيط الموجِّه لعملي في الحوار سيكون وثيقة "في زماننا هذا"..
وفى الثلاثين من الشهر، أي ثاني يوم إعلان رد البابا، علّق الكاردينال جان لوى توران، الذي سيترأس الحوار، قائلا في حديث له مع جريدة "أفنيرى"(Avvenire) الإيطالية : "لدى المسلمين يمكننا تقدير حجم إعلائهم لله، وقيمة الصلاة والصوم، وشجاعة إعلانهم عن إيمانهم في الحياة العامة ". ثم أضاف قائلا: "ومن جانبهم يمكنهم أن يتعلموا منّا قيمة العلمانية الصحيحة ( !) وأنه يتعيّن على المسلمين أن يكتشفوا قيم عدم إجبار أوحرمان شخصا من ممارسة دين ما.. فما هو مباح لطرف يجب أن يكون مباحا للطرف الآخر، ومن هذا المنطلق إن كان من الصواب أن يكون للمسلمين مسجدا كبيرا وجميلا في روما، فمن الصواب أيضا ومن الضروري أن يكون للمسيحيين كنيستهم في الرياض"!
ثم أشار إلى "إن مبدأ المبادلة هذا يمكن أن يتم بصورة فعالة عبر الحوار البلوماسى والكرسى الرسولى وحكومات البلدان ذات الأغلبية المسلمة ".. ثم أوضح الكاردينال أنه لا حوار ممكن مع " إسلام يبشر ويمارس الإرهاب، الذي هو ليس إسلام أصلي وإنما تحريف للإسلام " ـ وهى عبارة مأخوذة من أحد تصريحات الدكتور عارف على النايض في حديثه مع إذاعة البى بى سى قائلا : " إن التعاليم الحقيقة للقرآن أيضا قد اختلطت بسبب انحلال وجمود داخلي للعالم الإسلامي، مما أدى إلى حدوث تحريفات للإسلام الشرعي، الشديد التسييس والخالي روحيا (...) ومن ضمن هذه التحريفات ذلك الانطلاق الحالي للإرهاب باسم الدين والذي يتعين على كل واحد منا الواجب الديني والأخلاقي لإدانته وطرده "..
أما الطامة الكبرى فهي مطلب البابا من ذلك الحوار الذي سيبدأ عما قريب : فهو يطالب الإسلام " أن يتبع نفس الطريق الذي سلكته وأتمته الكنيسة الكاثوليكية تحت ضغوط عصر التنوير. وأن حب الله وحب القريب يجب أن يتحقق في القبول التام لحرية العقيدة "، أي ما معناه الإقرار بأن نص القرآن ليس منزّلا وفتح الأبواب على مصراعيها لعمليات التبشير.
وكان البابا قد أعرب بأوضح الصور عن معنى الحوار الذي يريده مع الإسلام في الخطاب الذي ألقاه أمام الإدارة البابوية يوم 22 ديسمبر 2006، بمناسبة تقديمه التهنئة بأعياد الميلاد إلى أعضاء لجنة اللاهوت الدولية، حيث قام بشرح الوصايا العشر وأنها تمثل " أساسا لقيم أخلاقية عالمية" ويمكن تلخيصها في أهم نقطتين هما : حب الله وحب القريب، ثم أعرب عن رأيه في الحوار مع المسلمين قائلا : " في الحوار الذي يجب علينا تكثيفه مع الإسلام، علينا أن نضع أمام أعيننا واقع أن العالم الإسلامي يجد نفسه اليوم في حاجة ملحّة أمام مهمة شديدة الشبه بتلك التي تم فرضها على المسيحيين ابتداء من عصر التنوير والتي أتى لها مجمع الفاتيكان الثاني بحلول جذرية للكنيسة الكاثوليكية بعد أبحاث طويلة مضنية "..
وقبل أن نتناول التعليق على ما عرضناه بعالية، تجدر الإشارة إلى المناخ غير الصحي الذي تم فيه "طبخ " ذلك الخطاب الموقّع علية من 138 "مسلما " ! فمجرد إلقاء نظرة على مختلف الوثائق والردود التي واكبته، ندرك أن هناك ما يحاك في الخفاء : إذ توجد متناقضات في تاريخ تقديم الخطاب من 11 إلى 13 أكتوبر، وهناك إشارة إلى أنه تم تقديمه في أمريكا قبل تقديمه للبابا وباقي القيادات المسيحية، وهناك تعليقات على الخطاب بتاريخ 9/10، أي قبل تقديمه على الأقل بيومين ( ؟ ! )، من قبيل رد جامعة كمبريدج، ورد دكتور روان ويليامز، اسقف كانتربرى يوم 11، لوإفترضنا أن الخطاب تم تقديمه يوم 11وليس يوم 13 وانبثق الرد جاهزا في نفس اللحظة !..
وفى 13/10 أصدر الموقع التابع للفاتيكان تلخيصا رسميا للخطاب بقلم ساندروماجيستر، موضحا أن هذا الخطاب قد تم الإعداد له في مؤتمر بالأردن في سبتمبر 2007، وأن من أهم العاملين عليه الدكتور عارف على النايض، الذي كان يعمل بمعهد اللاهوت البابوى للدراسات العربية والإسلامية، وأنه هووغيره قد التقوا عدة مرات بقيادات في الإدارة الفاتيكانية قبل إصدار ذلك الخطاب ، الذي بدأ الإعداد له منذ عام تقريبا، وأن أهم ما يميّز هذه الوثيقة أنها غير جدالية، بمعنى أنها تجاوزت أوتناست الخلافات العقائدية.. إذ أن الوثيقة قائمة على عبارة " قل هوالله أحد الله الصمد " وتغاضت عن " لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " !..
ومما نخرج به في عجاله من موقف الجانب الفاتيكاني هو: حشر مصالحة مع اليهود اعتمادا على استشهاد الخطاب بالعهد القديم واعتبار أن الخطاب موجه إليهم أيضا، أن هذا الخطاب يمثل إجماع رأى المسلمين، ومطالبة المسلمين بإدانة العنف والإرهاب بتعديل نص القرآن اوإدانته، وأنه يتعيّن عليهم تعلم قيمة العلمانية الصحيحة من الفاتيكان (الذي قرر تنصير العالم !)، وإباحة التنصير وإلغاء حد الردة، المطالبة صراحة ببناء كنائس في السعودية بدأ بالرياض.. ومن الواضح أن الخطاب بكله يدور في محاور أقوال البابا ومطالبه، وأنه لا نقاش في العقيدة المسيحية !
وتبقى نقطتان أساسيتان تركتهما للآخر هما : مقولة أننا نعبد نفس الإله، وأنه مطلوب من الإسلام، أي الدين نفسه وليس المسلمين، أن يتبع نفس ما قامت به الكنيسة الكاثوليكية تحت الضغوط الشديدة التي مورست عليها منذ عصر التنوير، وخضعت لها في قرارات مجمع الفاتيكان الثاني !.. ويا لها من عبارة جبارة كاشفة، فهي من ناحية تمثل اعترافا من البابا بنديكت السادس عشر شخصيا بأن مجمع الفاتيكان الثاني قد خرج وحاد عن تعاليم المسيحية استجابة لضغوط عصر التنوير ـ الذي كشف ما تم في تلك العقيدة من تحريف منذ بداية مشوارها.. ومن ناحية أخرى، فهو يطالب المسلمين بالقيام بنفس الشيء في الإسلام، والخروج صراحة عن تعاليمه وتعديلها وتبديلها لتتواءم مع متطلبات العصر !!
وهنا تكفى الإشارة، مجرد الإشارة، إلى أهم ما قام به مجمع الفاتيكان الثاني، ومنها : تبرأة اليهود من دم المسيح، رغم وجود أكثر من مائة آية تتهمهم صراحة، الإقرار بأن الله ليس "مؤلف الأناجيل" كما فرضها مجمع ترانت سابقا، والإقرار بالتناقضات الواردة بها وأنها من باب تعددية الآراء، إضافة إلى تعديل الطقوس واقتلاع اليسار وتنصير العالم وتوحيد كافة الكنائس وتحميل التبشير على كل الأتباع، الخ الخ..
وقد أصدر ذلك المجمع الفاتيكاني الثاني العديد من النصوص في عدة كتب منها : أربعة قوانين أساسية، وثلاثة بيانات، وتسعة قرارات. والقرار السادس من هذه القرارات التسع بعنوان: "ربنا يسوع" (21 صفحة َA4 مقاس)، ويقول البند رقم 3 من الفصل الأول: " يسوع المسيح أرسل إلى العالم كوسيط بين الله والبشر. وبما أنه هوالله فإن كل الكمال الإلهي يسكن فيه جسديا ".. فهل ذلك هو ما يؤمن به المسلمون يا أيها الموقعون على أننا نعبد نفس الإله ؟!.
وعن نفس عبارة أننا نعبد نفس الإله الواحد، لا يسعني إلا أن أورد نص عقيدة الإيمان التي صيغت في مجمع نيقية الأول عام 325، عندما تم تأليه السيد المسيح ومساواته بالله عز وجل :
" نؤمن بإله واحد، الآب القدير، خالق كل الكائنات المرئية واللامرئية ؛ وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله، المولود من الآب، المولود الوحيد، أي أنه من نفس جوهر الآب، إله من إله، نور من نور، إله حقيقي من إله حقيقي، مولود وليس مخلوق، مشارك لطبيعة الآب، الذي به قد صُنع كل شيء، ما هو في السماء وما هو على الأرض، والذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا قد نزل وتجسد وجعل نفسه بشرا، وتألم وبُعث في اليوم الثالث، وصعد إلى السماوات وسيعود لمحاكمة الأحياء والأموات ؛ ونؤمن بالروح القدس. وملعون من لا يؤمن بذلك ".. (المجامع المسكونية، 3 أجزاء، دار نشر لوسير،1994 ).
ومن الواضح في هذا النص تأليه المسيح ومساواته بالله شكلا وموضوعا وقدرة، والإيمان، مجرد الإيمان بالروح القدس، الذي تمت مساواته بالله وبالمسيح في مجمع القسطنطينية الأول عام 381 وتكوين بدعة الثالوث التي لا يعرف عنها المسيح شيئا ! فهل ذلك هو ما يؤمن به المسلمون ؟! والسؤال موجه إلى أولئك الذين صاغوا ذلك الخطاب المشبوه، الذي يكشف يقينا عن أن ولائهم للإسلام محل نظر..
أما النقطة الثانية والتي لا تقل فداحة عن الأولى، فهي مطلب سيادة البابا بأن يتبع المسلمون نفس الخط الذي اتبعته الكنيسة الكاثوليكية رضوخا لمطالب عصر التنوير والتي قام بتنفيذها مجمع الفاتيكان الثاني بجهود مضنية !.
ومن المعروف أن ما فعله عصر التنوير هو دراسة النصوص المسيحية والكشف عن كل ما قامت به المؤسسة الكنسية من تبديل وتعديل في العقيدة، ومن تحريف في النصوص، ومن تزييف في التاريخ، وفرضها ألف عام من الظلمات على الأتباع، تخللتها محاكم التفتيش والحروب الصليبية واقتلاع كل ما ومن خالفها، ومنع التعليم إلا على رجال إكليروسها، بل ومنع الأتباع من قراءة الأناجيل.. لذلك سُمّى بعصر التنوير، في مواجهة عصور الظلمات، وفَرَض علي المؤسسة الكنسية مواجهة أعمالها بالوثائق، بعد مضاهاتها بما يطلق عليه الأصول، إذ لا توجد أصول أصلية حقا، وطالب بفصل الدين عن الدنيا وابتعاد الكنيسة عن مجال التعليم. بل لقد ذهب الفلاسفة إلى أبعد من ذلك برفضهم الحلول اللاهوتية وقاموا بنقد أساسيات التراث الكنسي والعقيدة، رافضين ذلك الإله-الإنسان ورافضين أي سلطان سوى العقل والمنطق، الذي اعتمدوا عليه لإعادة النظر في بدعة العقيدة القائلة بتجسد الله في المسيح، وفى العقائد الأخرى والأخلاق في المسيحية، مطالبينها بممارسة التسامح وإقامة الحرية وإلغاء التعسف الصارخ في الامتيازات الكنسية وبذخها غير المبررة..
فهل يوجد في الإسلام مثل هذا التاريخ الحافل بما لا يرضى الله والذي نبذه الغرب المسيحي وآثر الآحاد أوغاص في الماديات بعد أن رأى في دينه ما رأى ؟!
إن المطلوب من المسلمين في الحوار الذي سيدور في عقر دار الفاتيكان قريبا، بناء على ذلك الخطاب المشبوه : أن يقتلعوا الإسلام بأيديهم وأن ينسوا القرآن الكريم وكل ما به من آيات تستنكر تأليه المسيح والشرك بالله، وأن يعترفوا بأن الإرهاب من الإسلام بعد أن تم تحريفه ـ وأن يعملوا على إدانة الإرهاب الذي الصقته بالإسلام حديثا كل من المؤسسة الكنسية والإدارة الأمريكية..
وهو نفس ما أعلن أثناء المؤتمر الذي دعت إليه منظمة "سانت إيجيديو" للتبشير في نوفمبر الماضي بمدينة نابولي، فيما بين تقديم الخطاب وانتظار رد البابا، إذ أعلن الكاردينال وولتر كاسبار في حديثه عن نصوص الرسالات التوحيدية الثلاث، " أنه فيما يتعلق بالمسلمين أن القيام بعمل تفسير وتعديل للقرآن بناء على مواقف تاريخية وثقافية، دون التخلي عن المضمون الأساسي، ليست مسألة مغلقة بل على العكس مفتوحة ومتاحة.. وهو نفس رأى البابا قبل وبعد خطابه في راتسبون "..
لذلك بدأت بقول أن الموضوع أكبر من أن يُعالج في مثل هذا الحيّز المحدود، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ذلك الخطاب المشبوه قد تمت صياغته بمفهوم عبارة "لا تقربوا الصلاة" أى اعتمادا على بتر الآية، وذلك ليس في صورة الإخلاص وحدها وإنما في صور وأحاديث أخرى.. ومن هنا يجب توضيح : أن شبهة التبعية للفاتيكان تؤيد القول بتنسيق فيما بينهما، وكلمة "عار عليكم " تبدو هزيلة ضحلة بالمقارنة بفداحة الوضع ! وقد حددت قائلة: من صاغوا الخطاب، لأنه من المؤكد أن هناك من وقّع عليه ثقة فيمن عرضه، أو مجاملة، أو حتى جهلا بكل هذه الخلفيات..
وسؤال أتوجه به إلى علماء الأزهر ومؤسساته وإلى كل المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي: أين أنتم من كل ذلك الذي يدور في حق الإسلام ؟ أين أنتم حتى من الذين ينتمون إليكم اسما ويشاركون في مثل هذه المحافل الإجرامية في حق الدين ؟! ألم يحن الوقت أن تنفضوا عن كاهلكم ذلك الدور السلبي غير الكريم وتهبوا للدفاع عن الإسلام ؟.. أليس من الأكرم أن تشرحوا للعالم الغربي المسيحي المتعصب أسباب نزول آيات الجهاد الحربي في القرآن، بكل اللغات، بدلا من ذلك الصمت الغريب ؟!.
وكلمة أخيرة أتوجه بها للبابا بنديكت السادس عشر، باسمى وباسم كل الأمناء في أمة محمد، عليه صلوات الله، التي أعرف يقينا أنهم لن يرضوا بذلك الهوان : إن القرآن الكريم، الذي تسعى كل تلك المحاولات الحثيثة لتغييره وتبديله، هو النص الديني المنزّل الوحيد الذي لم يعرف التحريف، وكلها حقائق تعرفونها أكثر منى، فبدلا من القيام بمزيد من الإسقاطات على الإسلام، وإشعال الفتن والضغائن بين الشعوب بالإصرار على تنصير العالم، أعيدوا النظر في موقفكم من التسامح، الذي طالبكم به عصر التنوير، وأوضح لكم في العديد من النصوص أن الإسلام لا يعرف الأسرار والغياهب، وقائم على الاستقامة وأمانة علاقة الإنسان بربه.
لا يا سيادة البابا المبجل : نحن لا نعبد نفس الإله، وهذا الخطاب المشبوه لا يمثّل إجماع المسلمين، والإرهاب ليس من الإسلام وإنما من الضغوط التي تمارس على المسلمين لاقتلاعهم من دينهم الذي أتى مصوبا لكل ما قامت به مؤسستكم على مر التاريخ : نحن نعبد الله الذي ليس كمثله شىء، الله خالق السموات والأرض والكون بأبعاده وكل ما فيه، ونؤمن بالرسالتين التوحيديتين قبل تحريفهما والحياد عن تعاليمها، ونؤمن بجميع الرسل والأنبياء ومنهم عيسى عليه السلام، ونشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ونؤمن إيمانا يقينيا وقاطعا بكامل سورة الإخلاص القائلة :
" قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد "..
يمكن مراسلة المؤلفة على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 06:44 PM
أسئلة للنصارى تحتاج إلى إجابة
اhttp://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1177810385clip.jpgلشيخ عماد المهدي
إعلامي وكاتب إسلامي وشماس مسيحي سابق
هناك العديد من الأسئلة المحرجة يجب على النصارى الإجابة عليها وهي:
1- من المعروف أن الإنجيل أصلاً مكتوب باللغة اليونانية ثم ترجم بعد ذلك إلى جميع اللغات-كيف ذلك وقد كانت لغة المسيح وتلاميذه هي اللغة الآرامية؟!
2- إذا كان المسيح موجوداً منذ الأزل مع الله كما تقولون – فما هي طبيعة العلاقة بينهما ؟ وما هي كيفية التحول من الألوهية إلى مرتبة البشر في بطن امرأة مخلوقة ؟!
3- إذا كانت العذراء مريم والدة الإله فهل هي خالقة أو مخلوقة ؟ وما هو شأنها عند المسيح ؟
4- من المعروف لديكم أن (الأب ، والابن ، والروح القدس ، ثلاثة أقانيم متحدون ومتساوون في الجوهر ) مفردها أقنوم – كيف ذلك وكلمة أقنوم كلمة سريانية الأصل معناها : ( الذات الإلهية المستقلة ) ؟!!!!
5- ما هي العلاقة بين اللاهوت والناسوت على ضوء الحقائق التالية :
أ- ملء الجسد.
ب- لم ينفصل عنه.
ج- طبيعة واحدة ؟!!!
6- من المعروف أن المسيحي دائماً عندما يرسم الصليب يقول ( بسم الأب والابن والروح القدس إله واحد آمين ) . وهو يعتقد أنهما متحدون متساوون وأنهما واحد لا فرق بينهما !! فهل يجوز أن أقول : ( بسم الابن والأب والروح القدس إله واحد آمين ) أو ( بسم الإله الواحد والروح القدس والأب والابن ) وهكذا إلخ ... ؟!
7- لماذا الابن مولود والروح القدس منبثق ؟!!
8- من المعروف أن اللاهوت لم يفارق الناسوت لحظة واحدة ولا طرفة عين، فهل اللاهوت صلب مع الناسوت ؟ أم أن اللاهوت ترك الناسوت لحظة الصلب والموت على عود الصليب؟ وما الدليل من الإنجيل ؟!!!
9- من المعروف أن اللعنة من الله خروج من رحمته، كيف ذلك وقد كتب في الإنجيل رسالة إلى أهل غلاطية ( ملعون كل من علق على خشبة ) إصحاح (3) فقرة (13) وهل معنى ذلك أن المسيح ملعون ؟!
10- ما هو مفهوم القدرة الإلهية على مغفرة الذنب إذا كان مغفرة الذنب لا يتم إلاّ بصلب الابن الوحيد ؟
11- يوجد في قانون الإيمان لديكم أن المسيح بعد موته على خشبة الصليب دفن في القبر ثلاث أيام وثلاث ليال . فهل يوجد دليل من الإنجيل بذلك ؟!!!
12- ما هي المناسبة الزمنية بين خطيئة آدم ونزول المسيح لتحمل خطايا البشر ؟ وما هو مصيرمن كانوا قبل نزول المسيح ؟!!!
13- يوجد فقرة في الكتاب المقدس تقول: ( من رآني فقد رأى الأب ) وهذا يتناقض مع الفقرة التي تقول : (لا يستطيع أحد أن يرى الله ويعيش) .
14- من المعلوم أن هناك حكمة في الإسلام من تعدد الزوجات مع اشتراط العدل، فما هي الحكمة من عدم تعدد الزوجات في المسيحية ؟ وما هو دليلك من الكتاب المقدس ؟!!!
15- ما هي الحالات التي يجوز فيها الطلاق والزواج بزوجة ثانية ؟!!!
16- ماذا تفعل الزوجة إذا تركها زوجها لمدة عام أو أكثر ؟ هل تطلق منه أم تظل في انتظاره ولو عشر سنوات ؟ (وما هو دليلك من الكتاب المقدس) ؟
17- ما معنى إكليل ونصف إكليل وجبان يوت ؟ ، وهل هذه الطقوس التي تمارس من أجل تزويج اثنين موجودة في الكتاب المقدس ؟!!
18- هل يجوز جماع الرجل زوجته وهي في حالة الحيض أو الصوم ؟
19- هل يجوز صلاة الرجل في الكنيسة وهو جُنُب ؟ (وهل لديك دليل من الكتاب المقدس) ؟
20- هل يجوز صلاة المرأة في الكنيسة وهي حائذ ؟ ( وهل لديك دليل من الكتاب المقدس ) ؟
21- لماذا لا يستطيع الإرثوزوكسي الزواج من طائفة الكاثوليك والعكس أو أي طائفة أخرى ؟ (وهل لديك دليل من الكتاب المقدس ) ؟
22- هل هناك لبس محدد يجب أن تلبسه المرأة المسيحية – أم أن الأمر متروك لها ؟ (وهل لديك دليل من الكتاب المقدس ) ؟
23- هل يجوز للمرأة النصرانية أن تستضيف صديق زوجها لحين عودته من العمل ؟ (وهو ما يسمى بالخلوة ) ؟!!!
24- إذا مات رجل له زوجة وولد وبنت وقد ترك لهم عشرة آلاف جنيه مثلاً . كيف يقسمون المبلغ فيما بينهم ؟ ( وما دليلك من الإنجيل ) ؟
25- من ضمن الوصايا العشر: ( لا تزني – لا تسرق ) إذاً ما هو عقاب الرجل أو المرأة إذا ضبطا وهما يزنيان أو يسرقان ؟! مع ذكر الدليل من الكتاب المقدس .
26- لماذا لا تنطبق قاعدة ( من يجمعه الرب لا يفرقه إنسان ) علماً بأن مرحلة الخطوبة هي البداية الطبيعية للزواج؟!!
27- ماذا تعني الأسرار السبعة التي يحتفظ بها القسيس لنفسه وهي على حد علمي ( سر الكهنوت – سر التناول – سر الزيجة – سر عماد الأطفال – سر مسحة المرضى – سر الاعتراف – سر التثليث ) ... وأين هذه الأسرار في الكتاب المقدس ؟ ولماذا لا يعرفها الشعب ؟
28- لماذا يقام القداس الإلهي يومي الأحد والجمعة فقط من كل أسبوع ؟!
29- وهل القداس الإلهي بما يشمل طقوس موجود في الكتاب المقدس ؟ وأين هو ؟ بمثل هذه الصورة وهذه الكيفية .
30- هل الاعتراف للقمص قبل القداس موجود في الكتاب المقدس ؟ وأين هو؟
31- هل الصيام قبل التناول موجود في الكتاب المقدس ؟ وأين هو ؟
32- هل تناول جسد ودم المسيح موجود في الكتاب المقدس ؟ وأين هو ؟ وأن العشاء الرباني دليلاً على التناول كل يوم أحد أو جمعة بهذه الكيفية ؟!
33- هل لبس الكهنوت واللحية موجود في الكتاب المقدس ؟ وأين هو ؟
34- هل الصوم بالزيت موجود في الكتاب المقدس ؟ وأين هو ؟
35- هل عماد الأطفال موجود في الكتاب المقدس ؟ وأين هو ؟
36- هل تكريس حياة المسيحي للرب ( الرهبنة ) موجود في الكتاب المقدس ؟ وأين هو؟
37- هل الخمر محرم في المسيحية تحريماً باتاً ؟ وما دليلك من الكتاب المقدس؟
38- هل الربا محرم في المسيحية؟ وما هو تعريف الربا لديكم في الكتاب المقدس ؟
39- ما هي كيفية غسل وتكفين الميت وكيفية الصلاة عليه ؟!!! وهل هي مستمدة من الكتاب المقدس ؟ أم أنها من التقليد الكنسي ؟!!!
40- مطلوب توضيح لاختلاف أنساب المسيح رغم أن المسيح ليس له نسب .. متّى إصحاح (1) فقرة (1) ولوقا إصحاح (3) فقرة (23) ؟
41- من المعلوم لديكم أن الكتاب المقدس هو كلام الله فهل الكتاب المقدس (قديم أو مخلوق) ؟!!!
42- من المترجم من اللغة اليونانية إلى العبرية ؟ أو إلى اللغات الأخرى ؟ وأن المخطوطة اليونانية.
43- من المعروف أن المسيح في إنجيل متى إصحاح (4) فقرة (2) صام أربعين يوماً وليلة ثم جاع أخيراً . معنى ذلك أنه لو استمر في صومه أكثر من ذلك لكان مصيره الموت . إذاً لبطل الاتحاد بين اللاهوت والناسوت ، رغم أنه معروف أن اللاهوت لم يفارق الناسوت لحظة واحدة ولا طرفة عين ؟!
ملاحظة:نرجو نشر هذه الأسئلة في جميع المنتديات ولكم الأجر.
يمكن التواصل معه على العناوين التالية :
[email protected]
من داخل مصر :0123552410 ومن خارج مصر 0020123552410
القلب الحزين
13-12-2013, 06:46 PM
الدوافع الحقيقية لحملات التنصير والإساءة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1203976348denmark.jpgبقلم: حسن يوسف شهاب الدين
إنَّ ما نشهده اليوم من حملات التشويه والإساءة للإسلام ورموزه الحية المتمثلة بالقرآن الكريم ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة والعدالة والسلام, ما هي إلاَّ حملات تنصيرية موجهة ومنظمة تصدر من بعض كبار رجال الدين والسياسة والفكر في العالم عامة وأوربا والولايات المتحدة خاصة، والتي تدل على حقد دفين وكراهية قديمة وكأنها نار تحت الرماد تنتظر الفرصة المناسبة لتشتعل, وهي نار ستحرق من أشعلها بإذن الله تعالى.
فعندما وجدوا أن الإسلام في منهجه وتشريعه الخطر الذي يحوم حول مصالحهم, ويقوض طموحهم, رفعوا رايات التشويه والإساءة حفاظاً على علاقة العداء القديم وتمكيناً للحقد المتملك من قلوبهم, ليواصلوا ما بدأه أسلافهم من الأحبار والرهبان منذ نشوء هذا الدين العظيم الذي حمل رسالته نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن ما نشهده اليوم دليل واضح على صدق القرآن الكريم ودليل ٌ يشهد على نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم, حيث قال الله سبحانه تعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [ البقرة {120}].
وقال سبحانه: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [ البقرة {109} ].
ونحن نعلم أن هذه الحملات مستمرة لا تنتهي لأن حرف ( لن): يفيد نفي التأبيد في المستقبل وهي تنصب الفعل (ترضى) الذي جاء بصيغة المضارع زمن الحاضر والمستقبل, وبالتالي فإن قلوب أهل الكتاب ستبقى مليئة بالحقد والكراهية.
ونعلم أيضاً أن كل محاولات التشويه والإساءة ستبوء بالفشل, لأن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [ آل عمران{111} ].
وسيبقى دين الإسلام ظاهراً على كل الأديان, وسيبقى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً, فقال سبحانه وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [ الصف {9}].
تعريف التنصير: التنصير هو النشاط الذي تمارسه أفراد وهيئات ومنظمات أجنبية في الأراضي الإسلامية ضد العقيدة والمجتمع في الإسلام, ووظيفتها إخراج المسلمين عن دينهم وليس بالضرورة إدخالهم في النصرانية.[1].
أهم أهداف الحملة التنصِّيرية ضد الإسلام
(1) ـ صرف الأنظار بعيدًا عن القرآن
يعتقد هؤلاء القوم أنهم سيصلون إلى غايتهم إذا شككوا بكتاب الله تعالى المحفوظ من التحريف والتبديل, وأكدوا أن نجاح عملية تنصير المسلمين مرهونة بإبعادهم عن القرآن وصرف أنظارهم عنه، وقد تجلَّى انكشاف تلك الحقيقة في تأكيد غلادستون أحد موطدي دعائم الإمبراطورية البريطانية في الشرق الإسلامي: ( ما دام هذا القرآن موجودًا فلن تستطع أوربا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان).[2].
ومنهم المنصرّ وليم جيفورد بالكراف الذي قال : ( متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه)[3].
ويقصد بالطبع حضارته ذات المفهوم الغربي التي تتماشى مع نزواته وتلبي رغباته.
وكذلك قال المبشر وليم موير: ( إن سيف محمد والقرآن هما أكثر أعداء الحضارة والحرية والحقيقة الذين عرفهم العالم عنادًا حتى الآن).[4].
(2) ـ إبطال المعجزة القرآنية
أدرك المنصرون أن القرآن أقوى أسلحة المسلمين فعملوا جاهدين على إبطال فاعلية هذا السلاح، من خلال تحجيم قيمته, والتشكيك في مضمونه، ونفي أصالته، ليصلوا إلى غايتهم في سلب محمد صلى الله عليه وسلم شرف النبوة بحجة: (عدم وجود معجزة تؤيد نبوته).[5].
وجاء الواعظ التنصيري "جون تاكلي" ليقول: ( يجب أن نستخدم كتابهم وهو أمضى سلاح في الإسلام ضد الإسلام نفسه لنقضي عليه تمامًا, يجب أن يرى الناس أن الصحيح في القرآن ليس جديدًا وأن الجديد فيه ليس صحيحًا).[6].
وتحقيقاً لمطلب هذا التنصيري استخدمت وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة في شن الحملات التنصرية المسيئة لكتاب الله تعالى وإثارة الشكوك حول إعجازه من كل الجوانب, ولكننا نرى في هذه الحملات غيض من فيض إعجاز القرآن الكريم الغيبي.
(3) - الإساءة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم
يحيك أعلام التنصير المؤامرات ضد الحبيب المصطفى مشككين بنبوته ونفسيته, فقامت بعض الصحف بنشر الرسوم المسيئة, وذاعت وسائل الإعلام كلاماً لا يليق بشخصه الكريم متناسين شعور أكثر من مليار ونصف مسلم ترخص أرواحهم ودمائهم لنصرته.
فقال المتشدق المستشرق الفرنسي (كيمون) قاتله الله في كتابه الاستفزازيّ العدوانيّ: (باثولوجيا الإسلام): ( أعتقد أنه من الواجب إبادة خُمْس المسلمين، والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع قبر محمدٍ وجثته في متحف اللوفر) [7]. ولكني أقول له: أحب أن أرى جثته تحت أقدام المسلمين. وكتب القسيس فرانكلين جراهام كتاباً سماه الاسم ""The Name قال في ص71: ( الإسلام ... أسس بواسطة مجرد فرد بشري، مقاتل يسمى محمد، وفي تعاليمه ترى تكتيك نشر الإسلام من خلال التوسع العسكري، ومن خلال العنف إذا كان ضرورياً، من الواضح أن هدف الإسلام النهائي هو السيطرة على العالم).
(4) - شن الحرب على الدين الإسلامي
هذا الدين الذي كرم البشر ونشر العدالة والسلام ونصر المظلوم واقتص من الظالم وعالج النفس البشرية وأعطاها الحلول لترتقي وتعيش كما ينبغي لها أن تعيش وفق منهج وتشريع يحقق المجتمع الفاضل البعيد كل البعد عن آفات الحضارة المزيفة وشرورها, فزعم الإذاعي المتملق مايكل ميدفيد في أيلول 2006م أن: ( العنف وإراقة الدماء والرعب والبؤس... والسلوك المثير للاشمئزاز الشائع في العالم الإسلامي مبنية على بعض المشكلات في الإسلام نفسه) واصفاً إياه بالدين البدائي. [8].
إذا كان الدين الإسلامي دين بدائي كما يقول هذا المتملق أرجوا أن يقرأ عن العالم الفلكي غاليلو غاليلي الذي أعدمته الكنيسة لأنه أثبت كروية الأرض وهذا يخالف تعاليمها ومعتقداتها, وأن يقرأ عن إسهام العرب عامة والمسلمين خاصة في بناء الحضارة الغربية.
ويقول الدكتور ليندون هاريس وهو من أعلام التبشير في القارة الأفريقية: ( إن الإسلام هو الديانة الوحيدة التي تعد على الدوام (تحديًا) أو مناجزة لجهود التبشير والمبشرين).[9].
بالفعل سيبقى الإسلام سيفاً بتار, يُسلَّطٌ على رِقَابِ مَنْ يُسيءُ للإِسلام ونبيه المصطفى المختار صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه المنتجبين الأخيار.
أرجـو الدعـاء لـوالـديَّ
للمراسلة:
[email protected]
المراجع:
1 - التبشير والاستعمار, للدكتور: فروخ الخالدي، ، ص 39.ِ
2 - محمد أسد، الإسلام على مفترق الطرق، ص 41، دار العلم للملايين، بيروت، 1987م.
3 - جلال العالم، دَمِّرُوا الإسلام وأبيدوا أهله، ص 63، مكتبة الصحابة جدة ـ مكتبة التابعين، القاهرة. 1994م.
4 – الاستشراق. إدوارد سعيد، ، ص 168،
5 - وجود الخالق والدين القويم, تيودور أبو قرة، ص 85، بتحقيق: إغناطيوس ديك. بيروت 1982م.
6- مصطفى خالدي ـ عمر فروخ، التبشير والاستعمار في البلاد الإسلامية، ص 40.
7 - الفكر الإسلامي الحديث ص51.
8 - جريدة تشرين, العدد 9953 السبت 5 شعبان 1428هـ.
9 - الإسلام في أفريقيا الشرقية، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 65 – 66.
القلب الحزين
13-12-2013, 06:47 PM
تأملات فى بدء الخلق في القرآن الكريم وفى الكتاب المقدس ـ 1 ـ
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1202141732200px-hubble_ultra_deep_field.jpgالأستاذ الدكتور سلامه عبد الهادي
عميد كلية علوم الطاقة جامعة جنوب الوادي ـ أسوان
لواء أركان حرب سابق في الجيش المصري
الحلقة الأولى : خلق الكون
لنمضى فى رحلة للتأمل فى الإعجاز فى رواية القرآن الكريم لبدء الخلق، ثم نتابع نفس الرواية كما جاءت فى الكتاب المقدس، كي نرى من خلالهـا كيف يقدم لنا الخالق بداية الخلق التى لم يشاهدها أحد منا، طبقا لوصفين فى كتابين بعث الله بهما أنبياء له ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، إنها رحلة في القرآن وفى الكتاب المقدس ... سنرى من خلالهـا كيف صاغ الخالق بداية الخلق فى القرآن بكلمات تشهد أنها وحي من عند الله .. كما تشهد كلمات الكتاب المقدس أن هناك كتاب أنزل من عند الله، ولكن صياغة كلماته قد جاءت من خلال بشر ... قصرت عقولهم عن استيعاب معانيه التى أنزلهـا الله حقا إلى موسى، فلم تعبر بالصدق عما أنزل إليهم .. ولم تعطى الله قدره من التعظيم والتوقير اللائق بجلاله وعظمته .. وإن حوت بعض الحقائق التى أراد الله أن يبنهـا لعباده
تبدأ قصة خلق الكون فى القرآن الكريم بقول الحق :
مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف : 51]
هذا هوالحق، فلم يشهد أحد منا نحن بنى البشر خلق الله، ولا سبيل أمامنا كي نعلم عنها شيئا إلا من كتبه المنزلة على رسله، وفى الآيات التالية يقص علينا الخالق مراحل الخلق:
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوكَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ , فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت : 9 - 12]
هكذا جاء في القرآن كيف بدأ الخلق .. كلمات ترمز إلى الحق وعظمة الخالق وقدرته وحكمته وتنزيهه ..
تعالوا ننظر ما جاء فى الكتاب المقدس لنرى كيف جاء شرح نفس الحدث:
سفر التكوين الإصحاح الأول:
1. في البدء خلق الله السموات والارض
2. وكانت الارض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه
3. وقال الله ليكن نور فكان نور
4. وراى الله النور انه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة
5. ودعا الله النور نهارا والظلمة دعاها ليلا. وكان مساء وكان صباح يوما واحد
6. وقال الله ليكن جلد في وسط المياه.وليكن فاصلا بين مياه ومياه
7. فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد.وكان كذلك
8. ودعا الله الجلد سماء. وكان مساء وكان صباح يوما ثانيا
9. وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة.وكان كذلك
10. ودعا الله اليابسة ارضا.ومجتمع المياه دعاه بحارا.ورأى الله ذلك انه حسن
11. وقال الله لتنبت الارض عشبا وبقلا يبزر بزرا وشجرا ذا ثمر يعمل ثمرا كجنسه بزره فيه على الارض.وكان كذلك
12. فأخرجت الارض عشبا وبقلا يبزر بزرا كجنسه وشجرا يعمل ثمرا بزره فيه كجنسه.ورأى الله ذلك انه حسن.
13. وكان مساء وكان صباح يوما ثالثا
14. وقال الله لتكن انوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل.وتكون لآيات واوقات وايام وسنين
15. وتكون انوارا في جلد السماء لتنير على الارض.وكان كذلك
16. فعمل الله النورين العظيمين.النور الاكبر لحكم النهار والنور الاصغر لحكم الليل.والنجوم
17. وجعلها الله في جلد السماء لتنير على الارض
18. ولتحكم على النهار والليل ولتفصل بين النور والظلمة.ورأى الله ذلك انه حسن
19. وكان مساء وكان صباح يوما رابعا
20. وقال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس حية وليطر طير فوق الارض على وجه جلد السماء
21. فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الانفس الحية الدبّابة التي فاضت بها المياه كاجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه.ورأى الله ذلك انه حسن
22. وباركها الله قائلا اثمري واكثري واملإي المياه في البحار.وليكثر الطير على الارض
23. وكان مساء وكان صباح يوما خامسا
24. وقال الله لتخرج الارض ذوات انفس حية كجنسها.بهائم ودبابات ووحوش ارض كاجناسها.وكان كذلك. 25
25. فعمل الله وحوش الارض كاجناسها والبهائم كاجناسها وجميع دبابات الارض كاجناسها.ورأى الله ذلك انه حسن.
26. 26 وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا.فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض
27. . 27 فخلق الله الانسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرا وانثى خلقهم
28. وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدبّ على الارض
29. وقال الله اني قد اعطيتكم كل بقل يبزر بزرا على وجه كل الارض وكل شجر فيه ثمر شجر يبزر بزرا.لكم يكون طعاما
30. ولكل حيوان الارض وكل طير السماء وكل دبّابة على الارض فيها نفس حية اعطيت كل عشب اخضر طعاما.وكان كذلك
31. ورأى الله كل ما عمله فاذا هوحسن جدا.وكان مساء وكان صباح يوما سادسا
الإصحاح الثانى:
1. فأكملت السموات والارض وكل جندها
2. وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل.فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل
3. وبارك الله اليوم السابع وقدسه.لانه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا
4. هذه مبادئ السموات والارض حين خلقت.يوم عمل الرب الاله الارض والسموات 5
5. كل شجر البرية لم يكن بعد في الارض وكل عشب البرية لم ينبت بعد.لان الرب الاله لم يكن قد امطر على الارض.ولا كان انسان ليعمل الارض. 6
6. ثم كان ضباب يطلع من الارض ويسقي كل وجه الارض.
هكذا يصف الكتاب المقدس بدء الخلق، ولا شك أن هذا الوصف يحوى بعض الحقائق التي كما سنرى تتفق مع ما جاء فى القرآن الكريم أيضا من حقائق :
1. أن الله هوالخالق للسموات والأرض وما ومن فيهن
2. أن السموات والأرض كانتا ملتصقين فى البدء ففصلهما الله بحكمته
3. أن بدء الخلق جاء من الماء
4. أن الخلق جاء على ستة أيام
5. أن خلق النباتات والحيوانات كان سابقا عن خلق آدم والبشر أجمعين
ولكن ما نراه فى هذا الوصف، أنه لا تستشعر فيه عظمة الخالق الذى قدر ودبر كل شيئ مسبقا، فكيف ندعى أنه بعد أن يخلق الشيئ يكتشف أنه حسنا ... فلا شك أنه فى علم الحق ما خلقه من نور وظلام وأرض ويايسه ونباتات وكائنات ... فما رآه حسنا هى أشياء سابقة فى علمه كما أن ما جاء فى التوراة من وصف للنور والظلام يتعارض مع العلوم التى كشفت النور والظلام .. وأن النور يأتى من ضياء الشمس وتجليه بالنهار على نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس والليل يكون موجودا فى النصف الآخر فى نفس الوقيت .. وأن نور الليل يأتى من انعكاس ضوء الشمس على سطح القمر فى الليالى القمرية .. هذه الأخطاء العلمية فى سفر التكوين لا تليق بجلال الله وعلمه وتقديره .. فهووحده الذى يعلم مدى حسنهـا قبل خلقهــا ..
ثم ما جاء فى التوراة من أن روح الله كانت ترفرف على الماء .. هذا الوصف لا يليق أيضا بالله .. فالله ليس كمثله شيء .. والقول على لله روحا ترفرف على سطح يثير فى النفس خيالات لا تليق بعمة الله الذى ليس كمثله شيء .. ثم أن خلق آدم جاء على صورة الله .. ذكرا .. وصفا أيضا بعيد عن الحق .. فالله ليس كمثله أوعلى صورته شيء ... وآيات القرآن الكريم لا تتطاول إلى وصف الله أوصضع تخيلا لصورته .. إن الله من صفات السميع والبصير والقوى والمتين الحى والقيوم والرحمن والرحيم و... إنهـا صفات عليا أوأسماء حسنى لا تجعلنا نطمح بخيالاتنا إلى معرفة طبيعته أوصورته .. فعلومنا محدودة وز خيالاتنا قاصرة عن هذا
هكذا .. لا يليق أن نعتقد بما جاء فى التوراة من عبارات لا تدل على عظمة الخالق .. ولكنهـا آيات تشير إلى أنه كان هناك كتابا منزلا من عند الله .. ولم يستوعبه البشر الذين وصل إليهم .. فعبروا عما فيه طبقا لأفهامهم ولعلومهم فى عصورهم القديمة .. لهذا لا نرى الجلال والحكمة والعلم الذى نراه فى آيات القرآن الكريم، الذى جاء مناسبا لعصر تتجلى فيه العلوم والحقائق.
إننا نجد فى القرآن آيات كثيرة فى العديد من السور تأتى بتفاصيل متنوعة عن بدء الخلق، وفى كل مرة تطرق جانبا من جوانب الإعجاز العلمى فى بدء هذا الخلق الذى لم ندركه إلا فى عصرنا هذا ... هذا العصر الذى كشفت فيه العلوم عن معجزة الخلق والخالق .. إنهـا تفاصيل نستوعب منها بحسب قدراتنا وعلومنا وإدراك كل منا بحسب علمه ومعرفته : نرى مثلا الآيات التالية التى تعبر أنه فى بدء الخلق كانت السموات والأرض ملتصقتين وأن بدء الخلق جميعا جاء من الماء:
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ، وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ، وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ، وَهُوالَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء :30 - 33]
وفى الآية نرى أن خلق السموات والأرض جاء على ستة مراحل أوأيام، وكيف يتعاقب الليل والنهار، وأن خلق هذه السماوات وتنظيم كل ما يجري فى أفلك يتم بأمره:
إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف : 54]
وفى الآية التالية تبين لنا أن عرش الله كان على الماء، وليست روحه التى كانت ترفرف عليه، كما تبين الحكمة من الخلق:
وَهُوالَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ [هود : 7]
وفى الآيات التالية يبين لنا الخالق كيف أعد لنا الأرض بانبساطها ومائها ومطرها وزرعهـا:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة : 21 - 22]
أوفى هذه الآيات التى تبين عدد السموات وانتظامها وما قدر الله للأرض من رزق ونبات :
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ، وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ، فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، [المؤمنون : 17 - 19]
والآيات التالية تصف تتابع الخلق وصفا علميا يليق بجلاله، ويصف بيضاوية الأرض وحركتها فى أفلاك بيضاوية (راجع تأملات إيمانية فى سورة النازعات على نفس الموقع ):
أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا، رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا، وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا، أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا، وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا، مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [النازعات : 27 - 33]
والآية التالية توضح كروية الأرض وتتابع الليل والنهار من تكور الليل على النهار وتكور النهار على الليل، أى التفافهما حول بعضهما نتيجة لكروية الأرض:
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوالْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزمر : 5]
ويؤكد الخالق فى الآية التالية على أن وحدة الخلق دون تفاوت دليل على وحدانية الرحمن الذى خلقنا لحكمته العظيمة:
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ [الملك : 3]
هذه آيات القرآن فى وصف الخلق وبدايته وحكمته ... التى اشتملت على الحقائق التى جاء بها الكتاب المقدس، ثم فصلت الكثير من الجوانب الأخرى التى تشبع نهم البشر فى حب المعرفة، ونهم العلماء فى تقصي الحقائق، وجاء هذا التفصيل فى نهج علمى عظيم البلاغة، نهج يليق بعظمة الخالق وجلاله
والآن .. هل يمكن لرسول الله .. هذا النبى الأمى .. أن يأتى بهذا الوصف المعجز ... أى أن يترجم التوراة من العبرية إلى العربية، حيث لم تتم هذه الترجمة إلا بعد بعثة رسول الله بعدة قرون ... ثم يعالج ما بهـا من هذا القصور الذى نراه وعجزها أن تعطى هذا الانطباع بعظمة الخالق وجلاله .. ثم يضع هذه التفاصيل العلمية الدقيقة التى لم يشاهدها أحدا إلا الله ...، ولا يستطيع أن يصفها أحد بهذا الكمال والجلال إلا الله ... من يستطيع أن يدعى هذا الإفك ويزور هذه الحقائق الماثلة أمام الجميع؟
والآن .. ألا يجب على كل مؤمن .. يدعى أنه آمن بالكتاب المقدس بنهجة المتواضع، ألا يخشع قلبه لهذا الذكر الكريم الذى يليق برب العالمين، ويؤمن بعظمة منزل هذا القرآن .. طبقا لقول الحق فى الآية الكريمة:
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد : 16]
يسعدنا تلقي تعليقاتكم حول المقالة على الإيميل التالي:
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 06:47 PM
كتاب القاديانية
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/11972403481189873704_39406840_golam.jpg
صورة لغلام أحمد الذي أدعى النبوة كذباً
تناولت في هذه الدراسة فكر ومبادئ القاديانية تلك الفرقة التي مرقت عن الإسلام بادعاء صاحب الفرقة النبوة، وقد ختم الله تعالى الرسالات بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: {ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} [الأحزاب: 40] وفي هذه الدراسة ألقيت ضوءاً حول صلة القاديانية بالاستعمار الإنجليزي، وبينت مراحل القاديانية الفكرية من بداية ادعائه الإلهام والكشف، ثم مرحلة ادعائه أنه المهدي المنتظر، والمسيح الموعود، ثم ادعائه الوحي والنبوة، وفي مبحث آخر قمت بالرد على أفكار ومبادئ القاديانية ثم خصصت مبحثاً للحديث عن أسس مبادئ القاديانية وهي: الحلول والتناسخ، والتأويل الفاسد، وإلغاء فريضة الجهاد في الإسلام خدمة للمستعمر الإنجليزي وفي الختام بينت نشاط وأخطار أتباع القادياني بعد هلاكه كما أوضحت حكم الإسلام في القاديانيين.
وكل ما أرجوه من الله تعالى أن يجعل هذا العمل قربة من القُرَب إليه، وأن يكون من العلم الذي ينتفع به، والعمل الباقي بعد أن تنقطع الأعمار بالموت، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : علم ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له" [رواه مسلم].
اللهم اجعل هذا العمل خالصاً لوجك الكريم .. اللهم آمين.
أ.د/عامر النجار
لتحميل الكتاب كاملاً
أضغط هنا (http://www.quran-m.com/kadeeaneea.doc)
القلب الحزين
13-12-2013, 06:48 PM
العلم والإيمان متعة العقل والروح
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1193749790clip.jpg مما هو معلوم أن الحق عز وجل قد منح الإنسان القدرة على العلم والمعرفة والتمييز بين الأشياء، فخلق له الأدوات التي يتمكن بها من تحصيل العلم واكتسابه، وبعد أن قدر الله للإنسان أن يكون عاقلاً مميزاً عالماً مختاراً ومنحه أدوات العلم والتمييز، أمره ربه أن يسلك سبيل العلم وأن ينتفع بأدوات العلم لديه. وأن لا يتبع أمراً لا علم له به، وأنه سيكون مسؤولاً عن الانحراف . إذ لا عذر لإنسان بعد ذلك إن هو سلك طريق الضلال، قال تعالى: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ }(1)، وإذا كان الحق عز وجل هو الذي منحنا السمع والبصر والعقل، أفلا يجدر بهذا الإنسان أن يستخدم هذه الأدوات التي خلقها له في معرفة خالقه ورسوله أولاً،قبل أي معرفة أخرى؟ فيأخذ عقيدته بعلم ويقين، حتى يكون من أهل الإيمان الراسخ، الذي لا يتزلزل، وليكون من أهل العقول الذين أبصروا بالعلم حقائق الإيمان بالله ورسوله، وبذلك يتذوق ويتمتع بحلاوة العلم والإيمان .
وقد جعل الله تعالى الطريق للإيمان به وبرسوله يأتي عن طريق العلم وهو الطريق الموثوق للوصول إلى الغاية المقصودة، قال الحق عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ }(2)، إذن فالإيمان هو المنطلق الصحيح لتصرف الإنسان في هذه الحياة، المحقق للسعادة في الدنيا والآخرة . وكل تصرف ينطلق من غير الإيمان لا يثمر إلا الشقاء والخسران، ولهذا علق الله الفلاح والفوز به، وعلق الخسران والشقاء بفقده، كما قال تعالى:{ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(3) .
فالعلم من أجّل نعم الله تعالى على الإنسان، حتى أصبح جزءً من حياتنا اليومية نحتاجه في أعمالنا، ولا حديث في هذه الأيام إلا على التطورات التكنولوجية .! وهنا يطرح السؤال: إلى أي مدى يمكن أن نقدس العلم ونحترمه ؟ هل هو مطلوب لذاته ؟ وهل هو وسيلة أم غاية ؟ إن الناظر إلى واقع الحال سواء في البلاد الغربية أو العربية يجد عجباً، الناس يكاد أن يؤلهوا العلم، فتنة بما وصل إليه من تطورات مذهلة، فإن قلت لأحدهم يقول: الدين كذا وكذا يقاطعك قائلا: دعك من هذا، أو هذا أمر غيبي، وتجد كلاما كثيرا .. أما إن قلت قال العلم: كذا وكذا، فيسكت متقبلا كل الكلام الذي تقوله ومؤمنا به إيمانا راسخا لا يتزعزع . فالدين أو الإيمان في نظره غيبي وتخلف ورجعي، والعلم عنده تطور وحضارة ورقي، إذن فما الذي حدث، إن هذه الفكرة وليدة سلسلة أحداث تاريخية ترجع إلى القرون الوسطى، حيث كانت الكنيسة تحارب العلم، وحدث صراع كبير بين رجال الكنيسة ورجال العلم، وانتصر رجال العلم وكفروا بكل الغيبيات، وكان موقفهم هو معاداة الإيمان، وانطلقت النهضة العلمية المعاصرة من منطلق مادي صرف، معادي لكل معاني الروح، لا يقبل غير المادي، ونحن نعلم أن الكون الذي نحن فيه، الغيبيات فيه أكثر من الماديات، ولذلك انغمست هذه الحضارة في الماديات، مع العلم أن هؤلاء الغربيون، استخدموا المنهج القرآني، وهو المنهج العلمي التجريبي الذي أسسه علماء الإسلام، ولكنهم سخروه في المادة فقط، فبنوا الإنسان المادي، وغفلوا عن الجانب المهم في الإنسان وهو الروح، ونتجت عن ذلك الشقاء والفراغ الروحي، وسقوط القيم، وتحلل الأسر، وزيادة الأسلحة المدمرة التي تهدد الإنسانية بأكملها، وكل هذا من سمات هذا العصر الذي سمي بعصر التقدم العلمي .
وهكذا أصبح العلم أداة في يد الغربيين لزعزعة الإيمان عن طريق إقناع الشباب بأن العلم وحده كافي للتحضر والتقدم والمدنية ومن ثم الوصول إلى السعادة http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1193749831clip_2.jpgبعيدا عن قيود الدين، إذن فما مدى صحة هذه الرؤية، فهل صحيح أن العلم وحده كاف لسعادة الإنسان ؟ .
ففي قصة موسى عليه السلام، دلالة واضحة عن محدودية العقل، حيث برهن القرآن للعقليين بالتجربة الحسية ضعف العقل فقد طلب موسى عليه السلام الرؤية، فلما تجل الله للجبل اهتز وكاد أن يقتلع من جذوره، وأغمي على عقل موسى لأنه لم يستوعب الرؤية، والتعليل واضح أن العقل عاجز عن الوصول إلى كثير من الحقائق، قال تعالى: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } (4) . وهكذا يبقى العقل دائما عاجزا عن إدراك حقيقة الأشياء ما لم يستعن بالوحي، فالعلاقة بين العقل والوحي تأتي من خلال التعرف على كيفية تعامل العقل مع الوحي، أي كيف تتعاون مصادر العلم مع بعضها للوصول إلى الحقيقة، وفي بيان هذه العلاقة يقول الدكتور زغلول النجار: ( إن العقل لكي يقوم بدوره في تفهم الوحي لابد أن يعتمد أسساً تهديه إلى الفهم، وهي أسس راجعة في أغلبها إلى خصائص الوحي ذاته، أو إلى خصائص العقل، وانخرام أحد الأسس يؤدي إلى خلل في الفهم، وبالتالي إلى الانحراف في فهم المراد الإلهي ) (5) .
والقرآن لم يجيء ليعلمنا العلـوم، بل جاء ليحث العقول على تعلم العلـوم والنظر في الكون والإنسان، لتنكشف الأسرار الغامضة، على أن يتعاون الوحي مع العقل في استقراء الحقائق من الكتابين، فالقرآن كلام الله وكتابه المسطور، والكون خلق الله وكتابه المنظور والحقيقة مبثوثة فيهما . يقول الشيخ الشعرواي: (.. الكتاب لم يجيء كتابا كونيا، لم يجيء ليعلمنا العلوم .. الكتاب جاء يستحث عقولنا أن تتعلم .. ولكن أيمر على الحقائق وهي حقائق ؟ نقول له: قائل الكلام هو الله، وخالق الكون هو الله، وما دام قائل الكلام هو خالق الكون، فيجب ألا تتضارب حقائق القرآن مع حقائق الكون..)(6) .
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1193749907clip_3.jpgبقيت مسألة مهمة وهي لماذا بعض الناس دون غيرهم لديهم هوس بالعلم والإيمان وشغف بالتعمق في فيهما ؟ في حين نجد الأغلب ينفرون منهما ويركنون إلى حياة الخمول والجهل، طبعا الجواب مستمد من الملاحظة واستقراء الحال، وهو أن من تعود على البحث والقراءة والتعلم وحل المسائل والتفكر في مخلوقات الله تعالى المبثوثة في هذا الكون، يجد في نفسه متعة وراحة يعجز اللسان عن التعبير عنها، لأنه أمسى مدمنا على المعرفة، يحس بحلاوة الإيمان ويتمتع بالبحث العلمي، علماء الأعصاب قدموا لنا تفسيراً منطقياً وسهلاً لتأكيد أن ثمة متعة حقيقية تجتاح الدماغ، ويُحس بها الإنسان عندما يلتقط المعلومة، أو يفهم شيئاً جديداً. وأيضاً قدموا لنا الآلية التي يتم بها نشوء المتعة في الدماغ، وشبهوا الأمر بالإدمان على الأفيون. ولذا فإن مدمني الأفيون لا يحتاجون هذه المادة من الدماغ، ويغدون أشخاصاً كسولين وخاملين علمياً. أما تعليل الإدمان على المعرفة فقد وصف العلماء الإدمان بلغة بسيطة، وهو الاعتماد على شيء معين كمصدر للحصول على اللذة أياً كان نوعها. ولا تنشأ الحالة إلا لدى من تكرر استخدامه لهذا المصدر، وتعودت نفسه عليه، وأحس بالفرق حين حرمانه منه. وهو ما ينطبق على علاقة الدماغ بالمعرفة.
الباحثون من جامعة جنوبي كاليفورنيا يقولون أن الدماغ يأخذ مكافأة ذاتية عند التقاطه معلومة جديدة أو حله لمسألة ذهنية صعبة. والمكافأة هذه عبارة عن جرعة من مادة الأفيون!، تعمل على البدء بسلسلة من التفاعلات الكيميائية السريعة، وتنتج في نهاية الأمر دفقة من مادة طبيعية شبيهة في مفعولها على الدماغ بالأفيون، وذلك على حد قول بروفسور العلوم العصبية بجامعة جنوبي كاليفورنيا، الدكتور ايرفنغ بيدرمان الذي وضع فرضيته الجديدة في نتائج البحث المنشور في العدد الأخير من مجلة «العلماء الأميركيين».
ويوضح قائلاً، حينما يحاول أحدنا فهم نظرية أو معلومة صعبة، فالأمر غالباً شاق وليس مجرد مرح، لكن بمجرد فهمها والتقاط تلك المعلومة بشكل سليم، ينتاب الإنسان شعور عارم بالرضا والسعادة. ولذا فحاجة دماغ الواحد منّا إلى ما يعيد الهدوء والسكينة إليه، أو ما نصفه بالعامية «فلان يحتاج أن يعدل دماغه»، هي الدافع للناس كي يرفعوا إلى أقصى حد من قدرات الاستيعاب الذهني لديهم للمعلومات والمعرفة. ويعلق البروفسور بيدرمان قائلاً: مزاجنا الذهني مفتون بتجميع المعرفة في كل ثانية كما هو حال تجار القطع الأثرية في الحرص على اقتناء القديم والقيم منها.
وفرضية بيدرمان حول الإدمان المعرفي والعلمي لها قيمة تطورية قوية، ومرتبطة جداً بمستوى الإدراك الذكائي. ويحتاج الأمر إلى عناصر ضاغطة بشكل قوي، كالجوع مثلاً، كي يُؤجل الدماغ رغبته في البحث عن المعرفة. وعلى حد قوله فإن نفس الأمر ينطبق على تقدير الجمال الفني البصري والمتعة في التفاعل معه.
أساس الفرضية وفرضية البروفسور بيدرمان مستوحاة من نتائج بحث تم إهماله منذ ربع قرن حول مستقبلات المواد الأفيونية الطبيعية في خلايا الدماغ، أي نقاط جدار الخلية الدماغية التي تشبك وتعلق عليها مواد اللذة هذه، لتقوم حينها ببعث الشعور باللذة في الخلايا الدماغية. وهذه المستقبلات تكثر في الخلايا الدماغية لمنطقة «حزمة أعصاب الطريق البصري الجوفي»، وهي جزء من الدماغ معني بملاحظة وتحليل الصور وترجمة معانيها للذهن، وفق آليات غاية في التعقيد. والمستقبلات هذه مجمعة ومركزة بشدة في خلايا الحزمة العصبية في المناطق المعنية بفهم وإدراك معاني الصور المرسومة أو المكتوبة، ولا توجد في المناطق المعنية باستقبال الدماغ للصور المرئية في أول الأمر، أي أنها توجد في مناطق تعمل في مراحل متقدمة من عملية التحليل الذهني لمعاني الصور المشاهدة وتحديد مدلولاتها، فلا يثُيرها إلا ما يستدعي التحليل والفهم وليس مجرد الاستقبال الأولى المبدئي. ولذا فالباحثون يقولون كلما كثر النشاط العصبي في أثناء الجهد للتحليل والفهم في المنطقة الغنية بمستقبلات الأفيون، كلما كان الشعور باللذة أعظم عند نجاحها في الوصول إلى الفهم وحل الغموض.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1193749948clip_4.jpgوفي سلسلة من صور متفرقة لمناطق متنوعة من الدماغ بالرنين المغنطيسي لمتطوعين عرضت عليهم أنواع عدة من الصور،وجد فريق البروفسور بيدرمان أنهم فضلوا بشدة الصور التي أثارتهم بشكل ملفت لتحليلها وفهمها، وزادت من نشاط الإفراز في المناطق الغنية بمستقبلات الأفيون. كما ولاحظ البروفسور بيدرمان أن تكرار عرض الصور الجذابة للشخص في البداية يُؤدي إلى تدن تدريجي في إثارة مناطق إفراز المواد الشبيهة بالأفيون مع تكرار العرض، وبالتالي قلة إفراز المواد الكيميائية الباعثة على الشعور باللذة من فهمها. (7)
إذن فقراءة الكتب والإقبال على العلم والمعرفة تعني مزيدا من الإيمان، ومن ثم تتأكد متعة العقل والروح حيث يشعر الإنسان بحلاوة الإيمان، وهذا هو السر في مقولة المغني الأنجليزي الشهير الذي أسلم وسمي بيوسف اسلام حينما سئل عن شعوره بعد اسلامه فقال: يعجز اللسان عن وصف السعادة التي تغمرني والتي لا طالما بحثت عنها في جميع الأديان .
الأستاذ: العطري بن عزوز
باحث في الدراسات الإسلامية والإعجاز
تخصص عقيدة ومقارنة الأديان
[email protected]
الهوامش:
(1) سورة القيامة (14-15 ).
(2) سورة محمد (19 ).
(3) سورة العصر ( 1-4) .
(4) سورة الأعراف143
(5) عبد المجيد النجار، خلافة الإنسان بين الوحي والعقل، ص: 96
(6) محمد متولي الشعراوي، عقيدة المسلم، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة 1983، ص: 95
(7) http://www.balagh.com/thaqafa/uh0qwg6z.htm بالتصرف
القلب الحزين
13-12-2013, 06:49 PM
القاديانية، وحديث لا نبي بعدي
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1189873704_39406840_golam.jpg
صورة لغلام أحمد المدعي النبوة كذبا ومؤسس الجماعة الأحمدية
أولاً- قال النُّوَيْرِيُّ في( نهاية الأرب في فنون الأدب ):” ادَّعت امْرأةٌ النُّبُوَّة على عهد المأمون، فأُحضِرَتْ إليه، فقال لها: من أنت ؟ قالت: أنا فاطمةُ النَّبِيَّةُ. فقال لها المأمون: أتؤمنين بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: نعم. كلُّ ما جاء به، فهو حق. قال المأمون: فقد قال محمد صلى الله عليه وسلم:«لا نبيَّ بعدي ». قالت: صدق عليه الصلاة والسلام، فهل قال: لا نَبِيَّةَ بعدي؟ قال المأمون لمن حضره: أمَّا أنا فقد انقطعت، فمن كان عنده حُجَّةٌ، فليأتِ بها، وضحك حتى غطَّى وجهه “.
هذه المرأة، التي ادَّعت النُّبُوَّة على عهد المأمون لم تَتلقَّ وَحْيَ نُبُوَّتها من( لندن ) مَصْدَرِ الوَحْيِ، ومَنْبَعِه في العصر الحديث؛ كما تَلقَّى وَحْيَ نُبُوَّته منها المُتنبِّئُ ميرزا أحمد غلام القادياني؛ ولهذا لم تفهم معنى البَعدِيَّة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما فهمه هو، وأتباعه. ذلك الحديث، الذي نفى فيه عليه الصلاة والسلام، نفيًا جازمًا أن يكون نبيٌّ بعده إلى قيام الساعة؛ لأنه{ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ }؛ كما وصفه الله تعالى بذلك، ووصف هو به نفسه، في كثير من أقواله، المتواترة؛ كقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه حين خلَّفه في أهله في غزوة تبوك:«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؛ إلا أنه لا نبي بعدي ؟ ».
فجاء قوله عليه الصلاة والسلام:«إلا أنهلا نبيَّ بعدي »مفسِّرًا لقول الله تعالى:﴿ خَاتَم النَّبِيِّينَ ﴾. وهذا ما اعترف به المدَّعي النبوة غلام أحمد القادياني، وأقرَّه في تأليفه( عمامة البشر )، فقال بعد أن ذكر قوله تعالى:﴿وَلَكِنْ رَسُولَالله وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾، قال:”وفسَّره نبيُّنا صلى الله عليه وسلم في قوله:«لا نبيَّ بعدي»“. وقال في كتاب( البرية ):”كان الحديث:«لا نبيَّ بعدي»مَعروفًا، مُنتشِرًا بين الناس إلى حدٍّ، لا يمكن أن يشك في صحته أحدٌ “.
فهو يعترف بأن النبي محمدًا صلى الله عليه هو نبيُّه، وأن قوله:«لا نبيَّ بعدي» جاء مفسِّرًا لقوله تعالى:﴿وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾، وأنه معروف، ومنتشر بين الناس إلى حدٍّ، لا يمكن أن يشك في صحته أحدٌ.
فالمشكلة- إذًا- عند القادياني المتنبي أحمد غلام ليست في صحة الحديث، وعدم صحته، وإن اسشتهد على صحة ادِّعائه النُّبُوَّة بأحاديث ضعيفة، وموضوعة؛ وإنما المشكلة عنده هي أن الآخرين لم يفهموا الحقيقةَ، والسرَّ الكامنَ في مفهوم خَتْم النُّبُوَّة لـ{ خَاتَم النبيينَ }؛ كما فهمه هو. ولم يفهموا البَعْدِيَّة، المنصوص عليها في الحديث الشريف؛ كما فهمها هو وأتباعه.
أما عن مفهوم { خَتْم النُّبُوَّة }فقد أعلن حضرته أنهم يؤمنون بكون النبي صلى الله عليه وسلم { خاتم النبيين }بالبصيرة التامة، التي يعلمها الله.ويؤكِّد بأن الله تعالى كشفعليهم حقيقة{ خَتْمِ النُّبُوَّةِ }، بحيث يجدون من شراب المعرفة، الذي سُقُوا إياه، لذةً لا يتصوَّرها أحدٌ، إلا الذين سُقُوا من ذلك النبع.
ويعترف أتباعه أيضًا بأن الفعل{ ختم }،في اللغة، يعني: أنهى وأغلق؛ كما يعني أيضًا: طبع. أما { خاتَم }، أو{ خاتِم }في اللغة، فتعني: ما يوضع في الإصبع للزينة. وما يستخدم للختم أو التصديق، أو ما يستعمل للختم أو الإغلاق.
إنهم يعترفون بذلك؛ ولكنهم يقولون:”وإذا أضيف{ خاتَم }،أو{ خاتِم }،أو{ خاتِمة}إلى جمع العقلاء، فلا يكون معناه إلا الأفضل والأكمل، الذي جاء بما لم يأتِ، ولن يأتي أحد من قبله، أو من بعده بمثله. كذلك تعني مَنْ جَمَع أفضل ما كان للسابقين من أعمال وآثار ومحاسن، ومن ثمَّ صاغها في أزين صورة، ثم ترك أثره وطابعه فيمن جاء بعده. وبهذا يكون قد وصل الكمال فيما نُسِبَ إليه، بحيث لا يصل إلى مرتبته أحد ممَّن كان قبله، أو ممَّن جاء بعده “.
وبناء على ما سبق فإنهم يجدون أن مفهوم{ خاتم النبيين}يحدد ملامح النبوة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل واضح وجلي. وهذا المفهوم ما كان إلا لكي يبين علو شأن النبي بين الأنبياء من ناحية، واستمرار النبوة من بعده من ناحية أخرى وعدم انقطاعها. ولكنهم يقيِّدون النبوة بشروط، لم تكن موجودة سابقًا، ويحصرونها في الأمة الإسلامية. ويزعمون أن المتنبي غلام هو المسيح الموعود. وقد نقلوا عن حضرته في معنى{ خَاتَم النَّبِيِّينَ}قصة طريفة، لا تقل طرافة عن قصة المتنبية فاطمة مع المأمون، فقالوا:”يروي حضرة ميرزا طاهر أحمد- رحمه الله- الخليفة الرابع للإمام المهدي عليه السلام، أنه في سنوات دراسته الجامعية بـ( لندن ) كان له أستاذ مصري، يدرِّسه اللغة العربية. وفي إحدى المرَّات كتب حضرته في موضوع عن الدولة الأموية ما يلي:«كان مروان بن محمد خاتم خلفاء بني أمية». فقال له أستاذه: لا، هذا ليس بصحيح، اكتُبْ:«كان مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية». فابتسم حضرته، وقال لأستاذه: إذن لماذا تصرُّ على أن معنى{ خاتم النبيين }:هو آخرهم “.
ويضيف أتباعه قائلين:” بالمِثْل نستطيع أن نقول:«إن هارون الرشيد هو خاتم خلفاء بني العباس». وهذا القول سيكون مقبولاً من السامع، وسيلقى استحسانًا؛ لأن هارون الرشيد كان أعظم خلفاء بني العباس، وقد أرسى قواعد الدولة وتميز في نواح شتى؛ ولكن لو قلنا:«إن المستعصم كان خاتم خلفاء بني العباس»، بصفته آخرهم، فإن السامع لن يتقبل ذلك أبدًًا “.
ويظهر من أقوال هذه الجماعة الكافرة بإجماع المسلمين أنهم لم يختلفوا عن غيرهم ممَّن سبقهم، وكان على شاكلتهم. فهم يعتمدون الأحاديث الضعيفة، والموضوعة، وأقوال من سبقهم ممَّن يزعمون أنهم من علماء السلف الرَّبَّانيِّين، وصلحائهم- على حدِّ تعبيرهم- في دعم أفكارهم العفنة، ونشرها بين صفوف العامَّة، ويتلاعبون بالألفاظ، فيضعون لفظًا مكان آخر دون أن يفرقوا بينهما في المعنى، ويختارون من النصوص ما يوافق هواهم، ويدعم أفكارهم.
ثانيًا- وقد سبق أن بيَّنت في مقالي السابق( الرد على القاديانية، وخاتم النبيين ) أن الخاتَم- بفتح التاء- هو الطين الموضوع على الشيء المختوم. وأُطلِقَ على القالَبِ المنقوش فيه علامة، أو كتابة، يُطْبَعُ بها على الطين، الذي يُختَم به، بحيث لا يخرج منه شيء، ولا يدخل فيه شيء. وأن الخاتِم- بكسر التاء- هو فاعل الخَتْم على الشيء المختوم. وبهما قرىء قوله تعالى:﴿خَاتَِمَ النَّبِيِّينَ﴾. يقال: خَتَم الإناءَ، أو الجَرَّةَ، فهو خاتِم، بكسر التاء، والإناءُ مَخْتومٌ، والآلةُ، التي استعملها الخاتِمُ في الخَتْم، هي الخَاتَمُ. فالفرق بين{ الخَاتَم }، بفتح التاء، و{ الخَاتِم }، بكسر التاء، واضحٌ، لا يخفى إلا على الصُّمِّ العُمْيِ، و﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾.
وذكرت أيضًا أن حقيقةَ الخَتْمِ- في اللغة- هي السَّدُّ على الإناء، والغَلْقُ على الكتاب، بطين ونحوه، مع وضع علامة مرسومة في خَاتَم؛ لِيَمْنَعَ ذلك من فتْح المختوم. والختم على الإناء لا يكون إلا بعد الانتهاء من إتمامه. وإذا خُتِمَ لا يخرج منه شيء، ولا يزاد عليه شيء. ولإفادة هذا المعنى، قال تعالى:﴿خَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾، ولم يقل:{ آخَرِ النَّبِيِّينَ }؛ لأن الخَاتَم هو الطين، الذي يُخْتَمُ به، وهو الآلةُ، التي يَخْتِمُ بها الخَاتِمُ على الشيء عند الانتهاء منه، اسْتيثاقًا من ألاَّ يخرجَ منه شيءٌ، أو يدخلَ فيه شيءٌ؛ فلهذا كان قول{ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ}أبلغَ وأعمَّ من لفظ { آخَر النَّبِيِّينَ}، وأدقَّ منه في التعبير عن المراد؛ لأنه يجمع بين معنيين، فدل على أن كل{ خاتَم }هو { آخَر }، وليس كل { آخَر }هو { خاتَم }. وهذا يعني: أن لفظ{ آخر }لا يدل على معنى الخَتْم؛ كما يدلُّ عليه لفظ { خاتَم }،هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن{ الخَاتَمَ }اشتُقَّ اسمًا من الخَتْمِ؛ لِيُخْتَمَ به على الشيء، الذي يراد خَتْمُه، لا ليُتَزَيَّن به. هذا هو الأصل في المراد من اشتقاقلفظ{ الخَاتَم }، حتى الخَاطِبُ، الذي يضع{الخَاتَم }في أصبعه في أيامنا هذه؛ إنما يضعه؛ لِيَرْمُزَ به إلى انتهاء مرحلة من مراحل حياته، هي مرحلة العزوبة؛ وليبدأ بعدها مرحلة أخرى من مراحل حياته هي مرحلة الزواج؛ فكأنه خَتَمَ بهذا الخَاتَم، الذي وضعه في أصبعه على مرحلةٍ من مراحل حياته، لا يمكن أن تعود بعد دخوله المرحلة الثانية.
هذا وقد بيَّنتْ قِراءةُ بن مسعود رضي الله عنه:﴿ولَكِنْ نَبِيًّا خَتَمَ النَّبَيِّينَ ﴾المراد من قوله تعالى:﴿خَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾بيانًا لا لبس فيه، ولا غموض﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾؛ كما بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر، رواه مسلم، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:« فُضِّلْتُ على الأنبياء بستٍّ: أُعطيتُ جَوامعَ الكلِم، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وأُحِلَّتْ لي الغنائمُ، وجُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا وطهورًا، وأُرْسِلْتُ إلى الخلْق كافَّةً، وخُتِمَ بي النبيُّون».فكيف يُختَمُ به- عليه الصلاة والسلام- النبيون، إن لم يكن هو خَاتَمُهم، وآخر نبي فيهم ؟ وكيف لم يُغلَق بَابُ النُّبُوَّة، وقد ختمه الله تعالى بخاتَم النبيين ؟
بقي أن نعلم أن الخَتْمَ على الشيء لا يزول أبدًا إلا بأمر من الله تعالى؛ لأنه هو واضع الخَتْم سبحانه وتعالى. فليس للإنسان يدٌ في فضِّه، أو إزالته، خلافًا لمن يدَّعي ذلك؛ ولهذا ذكرت في مقالي السابق أن الخَتْمَ على القلوب يمنع من الإيمان منعًا تامًّا، بخلاف الطَّبْع؛ ولهذا أيضًا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق:«وخُتِمَ بي النبيُّون»، بالبناء للمجهول، فلا يُبعَث بعده نبيٌّ، ولا رسولٌ. ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد بن حُمَيْدٍ عن الحسن- رضي الله عنه- في قوله تعالى:﴿خَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾، قال:”ختم الله النبيين بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكان آخَر من بُعِثَ “.وقال البيهقي في(شعب الإيمان ):”والخاتم: الذي لا نبي بعده؛ كما ليس بعد خاتمة الأمر منه شيءٌ، وليس بعد ختْم الكتاب نشرٌ، وليس بعد ختْم الكيس إخراجُ شيء منه “.
ولهذا كله أقول: ليس لمدَّع بعد هذا البيان أن يدَّعي أن المراد بـ:﴿خَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾:زينة النبيين، أو أحسنهم، وأكملهم، وأفضلهم. وليس: آخَرهم، وأن باب النُّبُوَّة لم يُغلَق؛ إلا إذا كان المدَّعي مُتَنَبِيًا، قد تلقَّى علومه في جامعات لندن، وباريس، ونيويورك،؛ لأن تلك الجامعات هي مصدر الوحي والإلهام الرباني في العصر الحديث لمثل أولئك. ولعلها هي التي أوحت للقاديانيين أن { الخاتَِم }، إذا أضيف إلى جمع العقلاء فلا يكون إلا بمعنى: الأفضل والأكمل.
وليت شعري ماذا يقولون في إضافة لفظ { خَاتَم }إلى { ربِّ العالمين }في حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«آمين، خَاتَمُ رَبِّ العالمينَ على لسان عباده المؤمنين ». قال أَبو بكر معناه: أنه طابَعُ الله على عباده؛ لأنه يدفع به عنهم الآفات والبلايا، فكان كخَاتَم الكتاب، الذي يصونه، ويمنع من فساده، وإظهار ما فيه لمن يكره علمه به، ووقوفه على ما فيه !
ثالثًا- وأما البَعْدِيَّةالمنصوص عليها في قوله عليه الصلاة والسلام:«لا نبيَّ بعدي»فقد فهموا منها ما لم تفهمه فاطمة النَّبيَّة، التي ظهرت على عهد المأمون؛ لأنها لم تُسْقَ من شراب المعرفة، الذي سُقِيَ منه المتنبي غلام القادياني في( لندن ). ولهذا قالتللمأمون، لما احتجَّ عليها بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم، الذي تؤمن بأن ما جاء به حقٌّ، يقول:«لا نبيَّ بعدي ». فقالت:«صدق عليه الصلاة والسلام ! فهل قال: لا نَبِيَّةَ بعدي؟». أما المتنبي غلام وأتباعه فقد فهموا أن المراد بـ«لا نبيَّ بعدي»:{لا نبيَّ غيري }.
ثم يحتجُّون بأثرٍ مرويٍّ عن عائشة- رضي الله عنها- ينقضون به قولهم السابق، وهو قولها:«قولوا خاتم النبيين، ولا تقولوا لا نبي بعده »، وهو نصٌّ صريحٌ على البَعْدِيَّة الزمانية. وهذا الأثر ذكره السيوطي في الدُّرِّ المنثور، ونقلوه هم عنه، ثم عقَّبوا عليه بقولهم:” لماذا رأت عائشة- رضي الله عنها- حاجة إلى هذا الشرح والإيضاح ؟ من الواضح جليًّا أنها خشيت أن يسيء البعضُ فهمه، وكانت تعرف أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد من« لا نبي بعدي »أنه لن يكون بعده نبي من أي نوع “.
وقد ذكر الإمام السيوطي في تفسير قول الله تعالى:﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾عدة أحاديث صحيحة، مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، تدل دلالة صريحة على انقطاع الرسالة والنبوة، بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ومنها ما أخرجه أحمد، والترمذي، وصححه عن أبيٍّ بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارًا، فأحسنها وأكملها وأجملها، وترك فيها موضع هذه اللبنة، لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان، ويعجبون منه، ويقولون: لو تمَّ موضع هذه اللبنة ! فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة ».
ومنها: ما أخرجه ابن مَرْدَوَيْهِ، عن ثَوْبَانَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي».
ومنها ما أخرجه أحمد، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«في أمتي كذابون ودجالون: سبعة وعشرون، منهم أربع نسوة، وإني خاتم النبيين، لا نبي بعدي».
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
13-12-2013, 06:52 PM
يتبـــع الموضوع السابق
القاديانية، وحديث لا نبي بعدي
ومن العجيب أن المدَّعي النبوة غلام القادياني يمرُّ بهذه الأحاديث الصحيحة، التي لا مطعن فيها ولا غبار عليها، ولا يذكرها ولا يلتفت إليها؛ لأنها تخالف هواه. وإذا مرَّ بما رُوِيَ عن عائشة- رضي الله عنها- من قولها:« قولوا: خاتم النبيين، ولا تقولوا: لا نبي بعده »، عَضَّ عليه بالنواجذ، شأنُه في ذلك شأنَ من نزل فيهم قول الله تعالى:﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾(البقرة:85).
هذه الروايات، التي ذكرها السيوطي في تفسيره، هي غيضٌ من فيض، وقطرة من بحر؛ وإلا ففي دواوين السنة الصحيحة المعروفة لدى أهل العلم عدد كبير من الأحاديث، التي هي أقوى إسنادًا، وأكثر شهرة، ممَّا ذكره السيوطي، نذكر بعضًا منها؛ لزيادة العلم، وإقامة الحجة على من خالف ذلك، منها: ما أخرجه البخاري وغيره من أصحاب الكتب الستة من حديث طويل، وهو حديث الشفاعة، وفيه:« فيقولون: يا محمد ! أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء ».
وأخرج ابن حبانفي صحيحه عن العرباض بن سارية الفزاري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:« إني عند الله مكتوب بخاتم النبيين، وإن آدمَ لَمُنْجَدِلٌ في طينته وسأخبركم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي، التي رأت حين وضعتني، أنه خرج منها نورٌ أضاءت لها منه قصور الشام ». ومنجدل: مُلقًى على الجَدالَة، وهي الأرض.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام:« لا نبي بعدي » فرواه البخاري ومسلم مرفوعًا، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي، خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء، فيكثرون. قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: فُوْا ببيْعَةِ الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، الذي جعل الله لهم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم ».
وأخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:« لا يبقى بعدي من النبوة شيء إلا المبشرات. قالوا: يا رسول الله ! وما المبشرات ؟ قال الرؤيا الصالحة، يراها الرجل، أو تُرَى له ». ولفظ رواية أبي هريرة عند البخاري:« لم يبق من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات ؟ قال: الرؤيا الصالحة ». وفي رواية ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: ذلك في مرضه، الذي مات فيه:« يا أيها الناس ! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم، أو تُرَى له ».
وقد دلَّ حديث عائشة رضي الله عنها دلالة واضحة لا خفاء فيها على انقطاع النبوة بجميع أنواعها، ويؤيِّده ما رواه أبو هريرة، وبن عباس- رضي الله عنهم- من الأحاديث المرفوعة الصحيحة، التي أخرجها مالك، والبخاري، ومسلم، فلا بد من تقديم هذه الأحاديث على أثر عائشة رضي الله عنها، الذي تقول فيه:« ولا تقولوا لا نبي بعده »، من وجوه:
أحدها-إذا وقع التعارض بين الحديث الصحيح المرفوع، والأثر الموقوف، فالواجب تقديم المرفوع على الموقوف؛ لأن المرفوع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والموقوف من كلام الصحابي، ولا شك أن قول النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم يقدم على قول الصحابي.
وثانيها-إن الراوي، إذا خالف قوله ما روى من الحديث، فالواجب تقديم روايته على قوله، ورأيه؛ كما تقرر ذلك في مصطلح الحديث، وعلم الأصول.
وثالثها-أثر عائشة رضي الله عنها ذكره السيوطي في تفسيره، دون سند؛ ولكن قال: أخرجه ابن أبي شيبة، وابن أبي شيبة أخرجه في مصنفه في باب ( من كره أن يقول: لا نبي بعد النبي )، مرويًّا عن حسين بن محمد، قال: حدثنا جرير بن حازم، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:« قولوا: خاتم النبيين، ولا تقولوا: لا نبي بعده ». وجرير هذا لم يسمع من عائشة رضي الله عنها، فهو منقطع. ومن الواضح أن الأثر الموقوف على الصحابي، لا يقاوم الحديث المرفوع الصحيح، وكيف، إذا كان ذلك الأثر منقطعًا. ولا شك أن المنقطع من أقسام الضعيف.
وتعقيبًا على أثر عائشة قال الشيخ بكر أبو زيد في ( معجم المناهي اللفظية ):”وهذا الأثر منقطع، جرير بن حازم، لم يسمع من عائشة، رضي الله عنها “. وقال في موضع آخر، بعد أن ذكر نصَّ هذا الأثر:”فإلاَّ تكن ذهبت إلى نزول المسيح، فما أعرف له وجهًا؛ إلا أن تكون قالت: لا تغيِّروا ما سمعتم، وقولوا كما قيل لكم، والفظوا بمثله سواء “.
وجاء في تخريج هذا الأثر قول ابن قتيبة في( تأويل مختلف الحديث ):”وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول:« قولوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: خاتم الأنبياء، ولا تقولوا: لا نبي بعده ». وهذا تناقض. قال أبو محمد: ونحن نقول: إنه ليس في هذا تناقض، ولا اختلاف؛ لأن المسيح صلى الله عليه وسلم نبيٌّ متقدِّمٌ، رفعه الله تعالى، ثم ينزله في آخر الزمان علمًا للساعة. قال الله تعالى:﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾(الزخرف:61). وقرأ بعض القراء:﴿ وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِّلسَّاعَةِ ﴾. وإذا نزل المسيح عليه السلام، لم ينسخ شيئًا، ممَّا أتى به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتقدم الإمام من أمته؛ بل يقدمه، ويصلي خلفه. وأما قول عائشة رضي الله عنها:« قولوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: خاتم الأنبياء، ولا تقولوا: لا نبي بعده »، فإنها تذهب صلى الله عليه وسلم:« لا نبي بعدي »؛ لأنه أراد: لا نبي بعدي، ينسخ ما جئت به؛ كما كانت الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، تبعث بالنسخ. وأرادت هي: لا تقولوا: إن المسيح لا ينزل بعده “.
ومن العجيب أن أتباع المتنبي ميرزا غلام نقلوا من قول ابن قتيبة هذا ما يوافق هواهم، وأسقطوا الباقي؛ فقالوا:”ويورد الإمام ابن قتيبة رحمه الله قول عائشة رضي الله عنها، ويعلق عليه، ويقول:” وليس هذا من قولها ناقضًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:« لا نبي بعدي »؛ لأنه أراد: لا نبي بعدي، ينسخ ما جئت به “. ( كتاب تأويل مختلف الأحاديث/ ص: 127 / دار الكتاب العربي بيروت )
والأعجب من هذا أن أتباع المتنبي ميرزا غلام نقلوا هذا الأثر من الدر المنثور، ولم يلتفتوا إلى قول المغيرة، الذي ذكره السيوطي بعد أثر عائشة- رضي الله عنها- وكأنه تفسير لقولها، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، مرويًّا عن الشعبي رضي الله عنه، قال:”قال رجل عند المغيرة بن أبي شعبة: صلى الله على محمد، خاتم الأنبياء، لا نبيَّ بعده، فقال المغيرة: حَسْبُكَ، إذا قلت: خاتم الأنبياء، فإنا كنا نحدِّث أن عيسى عليه السلام خارج. فإن هو خرج، فقد كان قبله، وبعده “. ومعناه: أن من كره أن يقال: لا نبي بعده؛ إنما كره لأجل أنه قد ثبت بأحاديث صحيحة صريحة نزول عيسى بن مريم عليهما السلام، قبل يوم القيامة؛ كما ورد في الصحيح لمسلم. فما يدل عليه قول المغيرة من نزول عيسى عليه السلام صحيح ثابت، لا شك في ذلك، وفيه رد على القاديانية، الذين لا يؤمنون بنزوله عليه السلام؛ ولأجل ذلك لا يذكرون هذا الأثر في مؤلفاتهم.
رابعًا- وأما قولهم:” لا نبي غيري “، في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي كرَّم الله وجهه:« أنت مني بمنـزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي »فقد استدلوا عليه بقول ولي الله شاه المحدِّث الدهلوي في تفسيره، فقد قال- على حدِّ قولهم- ما تعريبه:” إن مدلول هذا الحديث إنما هو جَعلُ سيدنا علي رضي الله عنه نائبًا، أو أميرًا على المدينة أثناء غزوة تبوك فقط، وتشبيه استخلافه باستخلاف هارون عليه السلام لموسى لدى سفره إلى الطور. و{ بعدي }- هنا- لا تعني الـ{ بعد }، من حيث الزمن؛ بل تفيد:{ غيري }؛ كما في قوله تعالى:﴿ فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ ﴾(الجاثية:24). فقوله تعالى:{ مِنْ بَعْدِ اللهِ} يعني:{ من غير الله } “.
ثم قالوا:”ويضيف ولي الله الدهلوي، ويقول: وليس المراد- هنا- البَعْديَّة الزمنية؛ ذلك لأن هارون عليه السلام ما عاش بعد موسى عليه السلام حتى تثبت البعدية الزمنية، فيما قيل لسيدنا علي رضي الله عنه“. ويعقِّبون على ذلك بقولهم:” إن هذا العالم الجليل قد قدم قرينة، تؤكد أن { بعدي }- هنا- لا تفيد البعدية الزمانية مطلقًا، ليس فقط من خلال تتبع مناسبة هذا الحديث؛ وإنما أيضًا لأن هارون لم يعش بعد موسى عليهما السلام “.
أما القول بأن{ بعدي }في الحديث الشريف معناه:{ غيري }فهو قول لم يقل به أحد من العلماء. وأما القول بأن{ من بعد }في قوله تعالى:﴿ فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ ﴾معناه:{ من غير الله }فهو قول بعض المفسرين. فبعضهم ذهب إلى أن المعنى: من غير الله. وبعضهم ذهب إلى أن المعنى: من دون الله. وجمهور المفسرين على القول بأن معنى الآية: من بعد إضلال الله إياه. وحكى الألوسي القولين في تفسير الآية، فقال:”أي: من بعد إضلاله تعالى إياه. وقيل: المعنى: فمن يهديه غير الله سبحانه “.
والصواب هو القول الأول منهما؛ لأن الغيريَّة، أو الدونيَّة مفهومة من سياق الآية، وأنه لا فائدة في الإخبار عنها في الآية الكريمة. ألا ترى إلى قول الله تعالى:﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾(الأنبياء:22).
وكذلك يقال في الحديث الشريف:« لا نبي بعدي »، فلا يجوز أن يفسَّر بقولهم:{ لا نبي غيري }. أو بقولهم:{ لا نبي معي }؛ لأن ذلك معلوم لعلي رضي الله عنه، وللمسلمين جميعًا، فلا فائدة في الإخبار عنه، بخلاف قوله عليه الصلاة والسلام:{ لا نبي بعدي }. تأمل ذلك فيما روي عن عامر بن الطفيل بن صعصعة العامري من أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ! أمَا والله، لئنْ دخلتُ فى دينك، ليدخلنَّ مَنْ خلفي، ولئنْ امتنعتُ، ليمتنعنَّ مَنْ خلفي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« فما تريد »؟ قال: أتَّبعك على أن تجعل لي الوَبَرَ، ولك المَدَرُ. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لا شرك فى الإسلام ». فقال: فاجعل لي الخلافة بعدك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لا نبيَّ بعدي ». فقال: فأريد أن تفضلني على أصحابك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لا، ولكنك أخوهم، إن أحسنت إسلامك ». فقال : فتجعلني أخا بلال ، وخبِّابِ بْنِ الأَرَتِّ، وسلمان الفارسيٍّ.. قال:« نعم » !فغضب، وقال: أمَا، والله، لأثيرنَّ عليك ألفَ أشقرَ، عليها ألفُ أمردُ. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:« وَيْحَكَ ! تُخَوِّفُنِي» ؟
فلما طلب عامر بن الطفيلالشركة، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لا شرك فى الإسلام ». ولما طلب أن يخلفه في النبوة، قال عليه الصلاة والسلام:« لا نبيَّ بعدي ».فلو كان معنى:{ بعدي }: { غيري }، لقال له:{ لا نبي غيري }، ولو قال له ذلك، لكان خلفًا من القول، لا يتناسب مع ما أوتي عليه الصلاة والسلام من جوامع الكلم.. فليُتَأمَّلْ !
وإن جاز تفسير{ من بعد }بـ{ من غير }في آية الجاثية، فإنه لا يجوز في غيرها؛ كما في قوله تعالى حكاية عن بني يعقوب عليه السلام:﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِيقَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾(البقرة:133). وقوله تعالى:﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾(الصف:6).
وكذلك لا يجوز أن يفسَّر { لا نبي بعدي }في الحديث الشريف بقولهم:{ لا نبي غيري }؛ لأنه يفيد نَفْيَ النبوة عن جميع الأنبياء عليهم السلام، قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وبعده. وهذا ليس في صالحهم؛ وذلك لأن لفظ { غير }يدل على المغايرة، وإذا وقع خبرًا لـ{ لا }النافية للجنس، أفاد معنى حصر الاسم بعدها في الخبر، وأفاد الإثبات؛ لأنه مستلزم للنفي، ونفيُ النفْيِ: إثبات. فعلى هذا يكون معنى{ لا نبيَّ غيري }: { لا نبيَّ إلا أنا }. وهذا القول باطل، والنبي صلى الله عليه وسلم منزَّه منه. ومن المعلوم أن { لا }النافية للجنس تنفي جنس ما بعدها على سبيل الاستغراق والشمول؛ فإذا قيل: لا شاعر بعدي، أفاد نفيَ جنس الشعراء بعده، على سبيل الاستغراق والشمول والدوام؛ ولكنه لا ينفي وجود شعراء قبله؛ لأن لفظ { بعد }خلاف لفظ { قبل }. أما إذا قيل:{ لا شاعر غيري } فإنه يفيد نفيَ جنس الشعراء، قبله وبعده، على سبيل الاستغراق والشمول.. ولهذا لما أراد فرعون أن يخبر قومه عن تفرُّده بالإلهيَّة دون الله جل وعلا، قال لعنه الله:﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾(القصص:38)، فقال:{ من إله غيري }، ولم يقل:{ من إله بعدي، أو قبلي }.
فتأمَّل ذلك، ثم تأمل قول الله تعالى:﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَـهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ ﴾(الأنعام:46)، لعلك تعرف الفرق بين{ بعد }،{ غير }! ثم تأمل قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:« إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ». قالوا: يا رسول اللَّه ! كيف تأمُر مَنْ أدرك منَّا ذلك؟ قال:«تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ».( أخرجه مسلم في صحيحه عن جرير، عن الأعْمَشِ، عن زيد بن وَهْبٍ، عن عبد اللَّه ).
وأختم بالحديث، الذي أخرجه البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:« بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ». قال الرازي:”معناه:« لا نبي بعدي »؛ فإن زماني يمتد إلى قيام الساعة، فزماني، والساعة متلاصقان كهاتين، ولا شك أن الزمان زمانُ النبي صلى الله عليه وسلم. وما دامت أوامره نافذة، فالزمان زمانه، وإن كان ليس هو فيه؛ كما أن المكان الذي تنفذ فيه أوامر الملك مكان الملك، يقال له: بلادُ فلانٍ. فإن قيل: كيف يصِحُّ حمله على القُرْبِ بالمعقول، مع أنه مقطوع به ؟ قلت: كما صحَّ قولُه تعالى:﴿ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً ﴾(الأحزاب:63)؛ فإن { لعل }للترجي، والأمر عند الله معلوم، وفائدته: أن قيام الساعة ممكن، لا إمكانًا بعيدًا عن العادات؛ كحملِ الآدمي في زماننا حِمْلاً في غاية الثقل، أو قطعِه مسافة بعيدة في زمان يسير؛ فإن ذلك ممكن إمكانًا بعيدًا “.
وفي ذلك كفاية لمن أراد الهداية. أما الكافر الملحد فإنك لو ظلِلْتَ العمر كله تؤكد له الحقيقة، لبقي قلبه أغلفَ؛ كصخرة صماءَ، لا يؤثر فيه شيء؛ فذلك الذي﴿ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ﴾(الجاثية:23).
الأستاذ: محمد إسماعيل عتوك
الباحث
في الإعجاز اللغوي والبياني للقرآن
[email protected]
القلب الحزين
13-12-2013, 06:53 PM
القاديانية ـ الأحمدية ـ التاريخ والتأسيس
التعريف:
القاديانية حركة (*) نشأت سنة 1900م بتخطيط من الاستعمار(*) الإنجليزي في القارة الهندية، بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد(*) بشكل خاص، حتى لا يواجهوا المستعمر باسم الإسلام، وكان لسان حال هذه الحركة هو مجلة الأديان التي تصدر باللغة الإنجليزية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• كان مرزا غلام أحمد القادياني 1839ـ 1908م أداة التنفيذ الأساسية لإيجاد القاديانية. وقد ولد في قرية قاديان من بنجاب في الهند عام 1839م، وكان ينتمي إلى أسرة اشتهرت بخيانة الدين (*) والوطن، وهكذا نشأ غلام أحمد وفياً للاستعمار مطيعاً له في كل حال، فاختير لدور المتنبئ حتى يلتف حوله المسلمون وينشغلوا به عن جهادهم للاستعمار الإنجليزي. وكان للحكومة البريطانية إحسانات كثيرة عليهم، فأظهروا الولاء لها، وكان غلام أحمد معروفاً عند أتباعه باختلال المزاج وكثرة الأمراض وإدمان المخدرات.
ـ وممن تصدى له ولدعوته الخبيثة، الشيخ أبو الوفاء ثناء الله الأمرتستري أمير جمعية أهل الحديث في عموم الهند، حيث ناظره وأفحم حجته، وكشف خبث طويته، وكفره ، وانحراف نحلته. ولما لم يرجع غلام أحمد إلى رشده باهله الشيخ أبو الوفا على أن يموت الكاذب منهما في حياة الصادق، ولم تمر سوى أيام قلائل حتى هلك المرزا غلام أحمد القادياني في عام 1908م مخلفاً أكثر من خمسين كتاباً ونشرة ومقالاً، ومن أهم كتبه: إزالة الأوهام، إعجاز أحمدي، براهين أحمدية، أنوار الإسلام، إعجاز المسيح، التبليغ، تجليات إلهية.
• نور الدين: الخليفة الأول للقاديانية، وضع الإنجليز تاج الخلافة على رأسه فتبعه المريدون. من مؤلفاته: فصل الخطاب.
• محمد علي وخوجه كمال الدين: أمير القاديانية اللاهورية، وهما مُنَظّرا القاديانية وقد قدّم الأول ترجمة محرفة للقرآن الكريم إلى الإنجليزية ومن مؤلفاته: حقيقة الاختلاف، النبوة في الإسلام، والدين الإسلامي. أما الخوجة كمال الدين فله كتاب المثل الأعلى في الأنبياء وغيره من الكتب، وجماعة لاهور هذه تنظر إلى غلام أحمد ميرزا على أنه مجدد فحسب، ولكنهما يعتبران حركة (*) واحدة تستوعب الأولى ما ضاقت به الثانية وبالعكس.
• محمد علي: أمير القاديانية اللاهورية، وهو مُنَظِّر القاديانية وجاسوس الاستعمار (*) والقائم على المجلة الناطقة باسم القاديانية، قدم ترجمة محرفة للقرآن الكريم إلى الإنجليزية. من مؤلفاته: حقيقة الاختلاف، النبوة (*) في الإسلام على ما تقدم.
• محمد صادق: مفتي القاديانية، من مؤلفاته: خاتم النبيين.
• بشير أحمد بن الغلام: من مؤلفاته سيرة المهدي، كلمة الفصل.
• محمود أحمد بن الغلام وخليفته الثاني: من مؤلفاته أنوار الخلافة، تحفة الملوك، حقيقة النبوة.
• كان لتعيين ظفر الله خان القادياني كأول وزير للخارجية الباكستانية أثر كبير في دعم هذه الفرقة الضالة حيث خصص لها بقعة كبيرة في إقليم بنجاب لتكون مركزاً عالمياً لهذه الطائفة وسموها ربوة استعارة من نص الآية القرآنية (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين).[سورة المؤمنون، الآية: 50].
الأفكار والمعتقدات:
• بدأ غلام أحمد نشاطه كداعية إسلامي حتى يلتف حوله الأنصار ثم ادعى أنه مجدد وملهم من الله ثم تدرج خطوة أخرى فادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود ثم ادعى النبوة وزعم أن نبوته أعلى وأرقى من نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
• يعتقد القاديانيون أن الله يصوم ويصلي وينام ويصحو ويكتب ويخطئ ويجامع ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ـ.
• يعتقد القادياني بأن إلهه (*) إنجليزي لأنه يخاطبه بالإنجليزية !!!.
• تعتقد القاديانية بأن النبوة (*) لم تختم بمحمد صلى الله عليه وسلم بل هي جارية، والله يرسل الرسول حسب الضرورة، وأن غلام أحمد هو أفضل الأنبياء جميعاً.
• يعتقدون أن جبريل عليه السلام كان ينزل على غلام أحمد وأنه كان يوحى إليه، وأن إلهاماته كالقرآن.
• يقولون لا قرآن إلا الذي قدمه المسيح الموعود (الغلام)، ولا حديث إلا ما يكون في ضوء تعليماته، ولا نبي إلا تحت سيادة غلام أحمد.
• يعتقدون أن كتابهم منزل واسمه الكتاب المبين وهو غير القرآن الكريم.
• يعتقدون أنهم أصحاب دين (*) جديد مستقل وشريعة مستقلة وأن رفاق الغلام كالصحابة.
• يعتقدون أن قاديان كالمدينة المنورة ومكة المكرمة بل وأفضل منهما وأرضها حرم وهي قبلتهم وإليها حجهم.
• نادوا بإلغاء عقيدة الجهاد (*) كما طالبوا بالطاعة العمياء للحكومة الإنجليزية لأنها حسب زعمهم ولي الأمر بنص القرآن !!!.
• كل مسلم عندهم كافر حتى يدخل القاديانية: كما أن من تزوج أو زوج من غير القاديانيين فهو كافر.
• يبيحون الخمر والأفيون والمخدرات والمسكرات.
الجذور الفكرية والعقائدية:
• كانت حركة (*) سير سيد أحمد خان التغريبية قد مهدت لظهور القاديانية بما بثته من الأفكار المنحرفة.
• استغل الإنجليز هذه الظروف فصنعوا الحركة القاديانية واختاروا لها رجلاً من أسرة عريقة في العمالة.
• في عام 1953م قامت ثورة (*) شعبية في باكستان طالبت بإقالة ظفر الله خان وزير الخارجية حينئذ واعتبار الطائفة القاديانية أقلية غير مسلمة، وقد استشهد فيها حوالي العشرة آلاف من المسلمين ونجحوا في إقالة الوزير القادياني.
• وفي شهر ربيع الأول 1394ه الموافق إبريل 1974م انعقد مؤتمر كبير برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة وحضره ممثلون للمنظمات الإسلامية العالمية من جميع أنحاء العالم، وأعلن المؤتمر كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام، وطالب المسلمون بمقاومة خطرها وعدم التعامل مع القاديانيين وعدم دفن موتاهم في قبور المسلمين.
• قام مجلس الأمة في باكستان (البرلمان المركزي) بمناقشة زعيم الطائفة مرزا ناصر أحمد والرد عليه من قبل الشيخ مفتي محمود رحمه الله. وقد استمرت هذه المناقشة قرابة الثلاثين ساعة عجز فيها ناصر أحمد عن الأجوبة وانكشف النقاب عن كفر هذه الطائفة، فأصدر المجلس قراراً باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة.
• من موجبات كفر (*) الميرزا غلام أحمد الآتي:
ـ ادعاؤه النبوة (*).
ـ نسخه فريضة الجهاد (*) خدمة للاستعمار.
ـ إلغاؤه الحج إلى مكة وتحويله إلى قاديان.
ـ تشبيهه الله تعالى بالبشر.
ـ إيمانه بعقيدة التناسخ (*) والحلول (*).
ـ نسبته الولد إلى الله تعالى وادعاؤه أنه ابن الإله.
ـ إنكاره ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وفتح بابها لكل من هبَّ ودبَّ.
• للقاديانية علاقات وطيدة مع إسرائيل وقد فتحت لهم إسرائيل المراكز والمدارس ومكنتهم من إصدار مجلة تنطق باسمهم وطبع الكتب والنشرات لتوزيعها في العالم.
• تأثرهم بالمسيحية (*) واليهودية والحركات الباطنية (*) واضح في عقائدهم وسلوكهم رغم ادعائهم الإسلام ظاهرياً.
الانتشار ومواقع النفوذ:
• معظم القاديانيين يعيشون الآن في الهند وباكستان وقليل منهم في إسرائيل والعالم العربي ويسعون بمساعدة الاستعمار (*) للحصول على المراكز الحساسة في كل بلد يستقرون فيه.
• وللقاديانيين نشاط كبير في أفريقيا، وفي بعض الدول الغربية، ولهم في أفريقيا وحدها ما يزيد عن خمسة آلاف مرشد وداعية متفرغين لدعوة الناس إلى القاديانية، ونشاطهم الواسع يؤكد دعم الجهات الاستعمارية لهم.
• هذا وتحتضن الحكومة الإنجليزية هذا المذهب (*) وتسهل لأتباعه التوظف بالدوائر الحكومية العالمية في إدارة الشركات والمفوضيات وتتخذ منهم ضباطاً من رتب عالية في مخابراتها السرية.
• نشط القاديانيون في الدعوة إلى مذهبهم بكافة الوسائل، وخصوصاً الثقافية منها حيث أنهم مثقفون ولديهم كثير من العلماء والمهندسين والأطباء. ويوجد في بريطانيا قناة فضائية باسم التلفزيون الإسلامي يديرها القاديانية.
ويتضح مما سبق:
أن القاديانية دعوة ضالة، ليست من الإسلام في شيء، وعقيدتها تخالف الإسلام في كل شيء، وينبغي تحذير المسلمين من نشاطهم، بعد أن أفتى علماء الإسلام بكفرهم.
--------------------------------------------------------------
مراجع للتوسع:
ـ القاديانية، إحسان إلهي ظهير.
ـ القاديانية، أبو الحسن علي الحسني الندوي، أبو الأعلى المودودي، محمد الخضر حسين.
ـ تاريخ القاديانية، ثناء الله تسري.
ـ سوداء القاديانية، محمد علي الأمر تسري.
ـ فتنة القاديانية، عتيق الرحمن عتيق (قادياني ـ سابقًا).
ـ المذهب القادياني، إلياس برني.
القاديانية
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
القلب الحزين
13-12-2013, 06:53 PM
ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه أختلافاً كثيراً
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1186181723200px-galileo.arp.300pix.jpg
لوحة تمثل غاليلو غاليلي الفلكي الشهير
يقول الله تعالى في كتابه العزيز{ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا } [سورة النساء: 82].
سوف نتناول هذه الآية بشيء من التعليق والشرح:
ورد في فتح القدير للإمام الشوكاني ما نصه (تفاوتاً وتناقضاً، ولا يدخل في هذا اختلاف مقادير الآيات، والسور؛ لأن المراد اختلاف التناقض والتفاوت، وعدم المطابقة للواقع، وهذا شأن كلام البشر لا سيما إذا طال، وتعرّض قائله للإخبار بالغيب، فإنه لا يوجد منه صحيحاً مطابقاً للواقع إلا القليل النادر).
أما في تفسير الفخر الرازي : (أي لكان بعضه وارداً على نقيض الآخر، ولتفاوت نسق الكلام في الفصاحة والركاكة).
وورد في تفسير البيضاوي ما نصه:
({ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله } أي ولو كان من كلام البشر كما تزعم الكفار. { لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً } من تناقض المعنى وتفاوت النظم، وكان بعضه فصيحاً وبعضه ركيكاً، وبعضه يصعب معارضته وبعضه يسهل، ومطابقة بعض أخباره المستقبلة للواقع دون بعض، وموافقة العقل لبعض أحكامه دون بعض، على ما دل عليه الاستقراء لنقصان القوة البشرية. ولعل ذكره ها هنا للتنبيه على أن اختلاف ما سبق من الأحكام ليس لتناقض في الحكم بل لاختلاف الأحوال في الحكم والمصالح).
تفسير النسفي:
(أي تناقضاً من حيث التوحيد والتشريك والتحليل والتحريم، أو تفاوتاً من حيث البلاغة فكان بعضه بالغاً حد الإعجاز وبعضه قاصراً عنه يمكن معارضته، أو من حيث المعاني فكان بعضه إخباراً بغيب قد وافق المخبر عنه، وبعضه إخباراً مخالفاً للمخبر عنه، وبعضه دالاً على معنى صحيح عند علماء المعاني، وبعضه دالاً على معنى فاسد غير ملتئم ).
تفسير ابن عاشور
(أي إن القرآن لا يشتمل على كلام يوجب الريبة في أنه من عند الحق رب العالمين، من كلام يناقض بعضه بعضاً أو كلام يجافي الحقيقة والفضيلة أو يأمر بارتكاب الشر والفساد أو يصرف عن الأخلاق الفاضلة، وانتفاء ذلك عنه يقتضي أن ما يشتمل عليه القرآن إذا تدبَّر فيه المتدبرُ وجده مفيداً اليقين بأنه من عند الله والآية هنا تحتمل المعنيين فلنجعلهما مقصودين منها على الأصل الذي أصلناه في المقدمة التاسعة).
خلاصة التفاسير :
لو كان القرآن من عند غير الله أي قول بشر لكان فيه تناقضاً بين آياته وركاكة في عباراته وألفاظه وكان فيه الكثير من الأباطيل والأكاذيب التي تخالف العقل وتخالف الواقع.
لذلك أي كتاب يزعم أنه من عند الله يفترض أن يكون مليءً بهذه النقائص.
إذا أي كتاب يزعم أنه من عند الله يجب أن لا يكون مناقضاً لما صح من العلم ولا يناقض بعضه بعضاً.
مختصر القصة:
سوف نتحدث اليوم عن قصة مشهورة في تاريخ العلم في القرون الوسطى وهو حادث كان بين العلم الممثل بعالم الفلك الشهير (غاليليوا غاليلي) والكنيسة الكاثوليكية الممثلة في الفاتيكان حول قضية هل الأرض هي ثابتة أم هي جرم متحرك يدور حول الشمس.
من هو غاليلو:
جاليليو جاليلي عالم فلكي وفيلسوف وفيزيائي، ولد في بيزا في إيطاليا في 15 فبراير 1564 ومات في 8 يونيو 1642 أبوه هو فينسينزو جاليلي وامه هي جوليا دي كوزيمو أماناتي وأنجب نشر نظرية كوبرنيكوس ودافع عنها بقوة على أسس فيزيائية، فقام أولا بإثبات خطأ نظرية أرسطو حول الحركة، وقام بذلك عن طريق الملاحظة والتجربة.
ولد غاليليو ابنا لأب كان ماهرا في الرياضيات والموسيقى، لكنه كان رقيق الحال، لذلك اعتزم الأب ألا يعمل ابنه في أي عمل من الأعمال التي لا تكسب صاحبها مالا، ومن ثم أرسله إلى جامعة بيزا لدراسة الطب. ووصل غاليليو وهو ما يزال يطلب العلم لتحقيق أول مكتشفاته عندما أثبت أنه لا علاقة بين حركات الخطار - البندول - وبين المسافة التي يقطعها في تأرجحه، سواء طالت المسافة أو قصرت. وأهتم بعد ذلك بدراسة الهندسة إلى جانب الطب، وبرع فيها حتى بدأ يلقي المحاضرات على الطلاب بعد ثلاث سنوات فقط. وفي ذلك الوقت كان العلماء يظنون أنه لو ألقي من ارتفاع ما بجسمين مختلفي الوزن فان الجسم الأثقل وزنا يصل إلى الأرض قبل الآخر. لكن غاليليو أثبت بالنظرية الرياضية خطأ هذا الاعتقاد، ثم اعتلى برج بيزا وألقى بجسمين مختلفي الوزن فاصطدما بالأرض معا في نفس اللحظة.
وأوضح أيضا خطأ عدة نظريات رياضية أخرى. وانتقل غاليليو بعد ذلك إلى بادوا في البندقية وفي جامعتها بدأ يلقي محاضراته في الرياضيات، وكان في هذا الوقت قد نال نصيبه من الشهرة. وفي بادوا أخترع أول محرار - ترمومتر - هندسي.
هو أول من طبق الطرق التجريبية في البحوث العلمية. أدخل غاليليو مفهوم القصور الذاتي، وبحث في الحركة النسبية، وقوانين سقوط الأجسام، وحركة الجسم على المستوى المائل والحركة عند رمي شيء في زاوية مع الأفق واستخدام البندول في قياس الزمن.
في سنة 1609 بدأ غاليليو يصنع منظارا بوضع عدستين في طرفي أنبوبة من الرصاص، وكان أفضل بكثير من الذي صنعه ليبرشي. بعد ذلك انكب غاليليو على منظاره يحسن من صناعته، وراح يبيع ما ينتج منه بيديه، وصنع المئات وأرسلها إلى مختلف بلاد أوربا، وكان لنجاحه صداه في جمهورية البندقية، ففي تلك الأيام كان كل فرد يعتقد أن الأرض مركز الكون، وأن الشمس وغيرها من الكواكب تدور حولها، وكان الطريق اللبني يعتبر حزمة من الضوء في السماء، وأن القمر مسطح الشكل. ولكن عندما نظر غاليليو من خلال عدسات منظاره لم يجد شيئا من هذا كله صحيحا، فقد رأى أن في القمر مرتفعات، وأن الشمس تنتقل على محاورها، وأن كوكب المشتري له أقمار، مثلها مثل القمر الذي يدور حول الأرض، ورأى أن الطريق اللبني ليس مجرد سحابة من الضوء إنما هو يتكون من عدد لا حصر له من النجوم المنفصلة والسديم. وكتب كتابا تحدث فيه عن ملاحظاته ونظرياته، وقال أنها تثبت الأرض كوكب صغير يدور حول الشمس مع غيره من الكواكب.
غاليلوا والكنيسة:
شكا بعض أعدائه إلى سلطات الكنيسة الكاثوليكية بأن بعض بيانات غاليليو تتعارض مع أفكار وتقارير الكتاب المقدس التي تنص صراحة أن الأرض ثابتة لا تتحرك:
المزمور (93)(الرب قد ملك، لبس الجلال، لبس الرب القدرة، أئتزر بها، أيضاً ثبتت المسكونة، لا تتزعزع).
المزمور(96)(قولوا بين الأمم الرب قد ملك، أيضاً تثبت المسكونة فلا تتزعزع).
المزمور(104)(باركي يا نفسي الرب إلهي قد عظمت جداً مجداً وجلالاً لبست، اللابس النور كثوب الباسط السماوات كشقةٍ المسقف علاليه بالمياه الجاعل السحاب مركبة الماشي على أجنحة الريح الصانع ملائكته رياحاً وخدامهُ ناراً ملتهبة، المؤسس الأرض على قواعدها فلا تتزعزع إلى الدهر والأبد).
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1186181849galileo_facing_the_roman_inquisition.jpg
لوحة تمثل مثول غاليلو أما محكمة التفتيش للتراجع عن أفكاره
وذهب غاليليو إلى روما للدفاع عن نفسه وتمكن بمهارته من الإفلات من العقاب لكنه انصاع لأمر الكنيسة بعدم العودة إلى كتابة هذه الأفكار مرة أخرى، وظل ملتزما بوعده إلى حين، لكنه كتب بعد ذلك كتاباً آخر اسمه (حوار حول أثنين من نظم العالم ) الذي يتعلق ببطليموس الفلكي وكوبرنيكوس وذلك عام 1632م حيث برهن فيه على صحة نظرية كوبرنيكوس أي أن الأرض تتحرك وتدور حول الشمس بيع الكتاب خلال فترة قصيرة ولقي إقبالاً كبيراً مم حدا بالكنسية الكاثوليكية أن منعت الكتاب بحجة أنه يخالف تعاليم الكتاب المقدس وأمر غاليليو أن يسافر إلى روما للمثول أما محكمة التفتيش التي قامت بأمر من البابا أوربان الثامن بابا الفاتيكان وقتها.
بسبب مرضه تأخر مثلوه أمام المحكمة إلى عام 1633م حيث أرغم عن التراجع عن تأييده لنظرية كوبرنيكوس (الأرض تدور حول الشمس) خوفا ًمن أن ينفذ فيه حكم الإعدام بتهمة الزندقة.
حكم على غليلو أن يمتنع عن أبداء أي رأي يخالف تعاليم الكتاب المقدس طوال حياتي ووضع تحت الإقامة الجبرية في منزله طوال 40 سنة إلى أن مات في 1737م.
أوصى أن يدفن مع والده في مقبرة العائلة في كاتدرائية سانتا كروت ولكن أقاربه خافوا من أن يثير هذا غضب الكنسية حيث تم أخفاء جثمان وبعد ذلك تم دفنه في قبر متواضع من قبل السلطان المدينة على الرغم من معارضة الكنسية بأعتباره مات زنديقاً.
وفي عام 1992م في 31 تشرين الأول /أكتوبر أي بعد 350سنة ألقى بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني كلمة باسم الكنيسة الكاتوليكية أعترف فيها بأنه كان هناك أخطاء من قبل مستشاري اللاهوت في حق غاليلو وأعلن أنه تم إغلاق القضية لكنه لم يعترف بأن الكنسية كانت على خطأ لإدانة غاليلو بتهمة الزندقة بسبب اعتقاده أن الأرض كروية وأنها تدور حول الشمس.
المراجع:
الكتاب المقدس
http://www-groups.dcs.st-and.ac.uk/~history/Biographies/Galileo.html (http://www-groups.dcs.st-and.ac.uk/%7Ehistory/Biographies/Galileo.html)
http://en.wikipedia.org/wiki/Galileo_Galilei
القلب الحزين
13-12-2013, 06:59 PM
شبهة أن القرآن الكريم من اختراع سيدنا محمد
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1184232669389707551_cb6e8cbcec111.jpgبقلم عبد الرحيم الشريف
دكتوراه في علوم القرآن والتفسير
في بحثهم المتواصل لإيجاد مصدر بشري للقرآن الكريم، تفتقت تهيئات كثير من الناقدين للإسلام، عن فكرة وهي: القرآن الكريم اختراع سيدنا محمد rلأهداف ثلاثة:
1. تسهيل السيطرة على أتباعه.
2. تخويف المنافقين والكفار ومن يخرج عن أوامره.
3. إباحة ملذاته.
وللجواب عن تلك الشبهة نقول:
إن الزعم بأن القرآن الكريم من اختراع أهواء وتخيلات سيدنا محمد r، من أضعف شبهاتهم. فهل عجزت أمهات ملايين العرب أن يلدن مثله؟ وهل كانت كل ظروف حياته تؤهله ليكون مرتاح البال، هانئاً، جالساً على أريكته.. ممسكاً ورقة وقلماً يكتب آيات من القرآن الكريم ؟! إن ما يستطيعه آحاد البشر، يستطيعه مجموع البشر بالضرورة. فلماذا لم يقوموا بذلك إذاً ؟
كما أن هنالك عدة ردود على ذلك الزعم، منها:[1]
1. الفرق في الأسلوب بين القرآن الكريم والحديث الشريف، فمن المؤكد أن الشخص الواحد مهما كان أديباً عبقرياً يستحيل أن تصدر عنه جمل مختلفة في أسلوبها في الوقت ذاته. فرسول الله rبشر، يغضب ويفرح ويحزن ويتألم.. ولكنك تجد الفرق واضحاً بين ما صدر عنه من حديث نبوي شريف، وما أخبرنا أنه قرآن كريم.
فلو كان مصدر القرآن والحديث واحد، لكان من العسير جداً التفريق بين أسلوبيهما ونظمهما.
ولماذا لم يدَّعِ محمد rأن أحاديثه آيات رغم أنها كذلك موحىً بها من عند الله Y.[2]
ولا يمكن القول أن لمحمدٍ rأسلوبان فيما يصدر عنه من كلام، أسلوب منمق مزخرف هو القرآن الكريم، وأسلوب أقل منه هو الحديث الشريف. لأن أكثر القرآن الكريم نزل فجأة دون انتظار منه r، كما أن الرسول rهو أكثر الناس كرها للتنميق في الكلام، ولا ننسى أننا نتحدث عن العصر الذهبي للعربية، الذي سلمت في أذواق العرب وسليقتهم من أي مظهر من مظاهر اللحن.
هاتوا لنا إنساناً له موهبة أن يقول قولاً، وسجلوا له ميزات أسلوبه. ثم اسألوه أن يغير الأسلوب إلى أسلوب آخر، ثم سجلوا له الأسلوب الآخر. ثم قولوا له نريد أسلوباً ثالثاً.. فإنه لا يستطيع أن يبرأ من أسلوبه الأول أبداً؛ لأن الأسلوب هو الطريقة اللازمة للشخص في أداء المعنى. وما دامت له طريقة في أداء المعنى، فإن الأداء سيأخذ تشخيصاً لا يمكن أن يبرأ صاحبه نفسه منه..[3]
2. من تتبع سيرة النبي rيرى مقدار خشيته من الله تعالى، وورعه. فيستحيل أن يترك الخداع والكذب على الناس، ويكذب فيما ينسبه إلى الله Y.
3. ماذا يريد الإنسان من دعوى النبوة إن كان كاذباً ؟ إنه لا يريد أكثر من الجاه والمال. وقريش عرضت على رسول الله rأقصى ما يتمناه خيال أي عربي في ذلك الزمان، من مال وجاه ونساء.. ولكنه ترك ذلك كله، وكان ينام على حصير أثر على جنبه الشريف r، وتعرض لعدة محاولات لاغتياله. وحارب المشركين.. رغم أنه كان يمكنه المكوث في عز وهناء، لو ترك الدعوة إلى دين الإسلام.
4. وجوه إعجاز القرآن الكريم المختلفة من بياني وعلمي وغيبي وتشريعي.. لم يأتِ بشرٌ بمثلها.
5. خلو القرآن الكريم من تسجيل حوادث مهمة في حياته، وأسماء أحبائه وأقرب المقربين إليه (والديه، أبنائه، السابقين إلى الإسلام، نسائه..) بل لم يذكر اسمه في القرآن الكريم إلا أربع مرات فقط.
6. وجود آيات العتاب في القرآن الكريم لسيدنا محمد r.
7. كانت تمر على سيدنا محمد rالملمات الكثيرة، والقضايا العديدة التي تتطلب جواباً سريعاً كحقيقة حادثة الإفك، والثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك.. وتوفيت زوجه خديجة رضي الله عنها، وعمه أبو طالب، وابنه إبراهيم دون أن يذكر القرآن الكريم من ذلك شيئاً يواسيه.
وتزوج من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها دون أن يسطر ذلك في القرآن الكريم، بينما زواجه من أم المؤمنين زينب رضي الله عنها فقد تحدث القرآن الكريم عنه؛ لكونه ذا صلة بالتشريع.
8. لم يجعل لاجتهاداته الشخصية أي تشريع ملزم للصحابة: كحادثة تأبير النخل[4]، واستشاراته المتكررة للصحابة في شتى الأمور تدل على ذلك أيضاً.
9. صرّح القرآن الكريم بأن الأمر لو كان لسيدنا محمد rلكان هواه ألا يُلقى إليه أي آية من ذلك القول الثقيل. قال تعالى في سورة القصص: " وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ..(86) ". نعم إنه قول ثقيل عليه r، قال تعالى في سورة المزمل: " إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا(5) ".
بل لو كان الأمر بيده لأنزل كلاماً بحسب الطلب، ولكن لا ينبغي له ذلك. قال تعالى: " وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " [الأعراف: 202]. نعم، عدم استجابة محمد rلطلباتهم ليكونوا على بصيرة، وليهتدوا، ورحمة بهم..؛ ليتأكد لهم أنه rليس مصدر الوحي.
وسبحان من يجعل في شبهاتهم دليلاً عليهم !
10. نزول القرآن الكريم منجماً في ثلاث وعشرين عاماً، ثم ترتيب ما نزل في نظم بديع محكم لا خلل فيه ولا تناقض ولا تغير في بلاغته. وذلك كله يستحيل أن يصدر عن بشر طبيعته النقص.
11. إن هذا القول مبني على وجود علم مدخر في العقل الباطن لسيدنا محمد r، فمن أين سيكون قد حصل على ذلك العلم السابق؟ لقد سبق مناقشة نقض احتمال أن يكون مصدر ذلك من الإنس أو الجن.
12. ما جاء في القرآن الكريم من عبادات شاقة، وتحريم ملذات يتوق إليها أي إنسان، ولم يكن لقريش أي غضاضة للقيام بها. لا يعقل أن يكون هواه قد أجبره على قيام أكثر الليل، وعلى الوصال في الصوم.. وعلى تحريم ما تهواه النفس من شرب الخمر، والربا، ولبس الذهب والحرير، وقبول الصدقة، وتوريث الأبناء..
13. قد يستطيع سيدنا محمد rتخويف الصحابة ـ إن افترضنا أنه ألف القرآن الكريم لتلك الغاية ـ ولكن.. هل هنالك إنسان في العالم يخوف نفسه من عذاب النار، أو يلقي بيده إلى التهلكة بصرف الحراس عنه وهو يعيش في وسطٍ مليء بأعداءٍ، المستترون فيه أكثر من الظاهرين؟ انظر مثلاً إلى قوله تعالى في سورة المائدة: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(67) ".
هذا الصدق مع النفس، انبثق عنه صدق مع الآخرين.. بينته سورة يونس: " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ[5]مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(16)فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ(17)".
نعم، سيدنا محمد rصادق، فليس لمحتوى القرآن الكريم أي مصدر من المخلوقات (إنساً أم جناً)، بل هو مصداق قوله تعالى في سورة الشورى: " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52)".
إن النفس التواقة للبحث عن الحقيقة لتؤمن بذلك، وتوقنه بأدنى فكر وبحث.. ولكن الهوى وعمى البصيرة وشهادة الزور من الباحثين غير المنصفين.. يحجبها عن ذلك، قال تعالى (في سورة الفرقان): "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا(4)وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(5)قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(6) ".
بالإضافة إلى الحسد، الذي تحدثت عنه سورة البقرة: " وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) "
للتواصل مع المؤلف:
[email protected]
[1]انظر: قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية، د. فضل حسن عباس، ص208. ومدخل لدراسة القرآن الكريم، محمد أبو شهبة، ص98. ومناهل العرفان، الزرقاني، 1/62.
[2]روى البخاري في الحج باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج (1789): عن يعلى بن أمية t" أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ rوَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْخَلُوقِ ـ أَوْ قَالَ صُفْرَةٌ ـ فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ r، فَسُتِرَ بِثَوْبٍ وَوَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ rوَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. فَقَالَ عُمَرُ: تَعَالَ، أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى النَّبِيِّ rوَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْوَحْيَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ فَنَظَرْتُإِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ ـ وَأَحْسِبُهُ قَالَ كَغَطِيطِ الْبَكْرِ ـ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْعُمْرَةِ؟ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ عَنْكَ، وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ ". والشاهد هنا: أن الوحي ينزل بالقرآن الكريم لفظاً، وبالحديث معنىً. والرسول rلم يخلط بين القرآن الكريم والحديث الشريف.
[3]انظر: شبهات وأباطيل خصوم الإسلام، والرد عليها، محمد متولي الشعراوي، ص38.
[4]روى مسلم في الفضائل باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً.. (2363): " عن أنس tأَنَّ النَّبِيَّ rمَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ [النخل] فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ. قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا. فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: مَا لِنَخْلِكُمْ ؟ قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ ". والشيص: هو التمر الذي لا يشتد نواه ويقوى، أو لا يكون له نوىً أصلاً. انظر: النهاية في غريب الحديث، ابن الجزري 2/518 (شيص). وذكر الرازي أن التمر يتشيَّص، إذا لم تلقح النخل. انظر كتابه: مختار الصحاح، ص148 (ش ي ص).
[5]تحدث الزمخشري في الكشاف 2/111 عن تعليل ذلك الطلب من كفار قريش بكلام طويل، منه: " أما اقتراح التبديل والتغيير فللطمع ولاختبار الحال. وأنه إن وجد منه تبديل: فإما أن يهلكه الله، فينجون منه. أو لا يهلكه، فيسخرون منه، ويجعلوا التبديل حجة عليه، وتصحيحاً لافترائه على الله ".
القلب الحزين
13-12-2013, 07:00 PM
الرد على شبه المشككين من خلال قضية تعدد الزوجات
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1182009585229054675_47abde58c7_m.jpgبقلم الباحث الإسلامي / أحمد حسين خليل حسن
قسم الشريعة الإسلامية – كلية الدراسات الإسلامية و العربية – جامعة الأزهر.
****************************************
قال الله تعالى في كتابه العزيز(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )[النساء : 3].
يأبى الله جل وعلا إلا أن يظهر آيات قدرته ودلائل رحمته حينا بعد حين..
وإذا كان على المؤمن أن يخضع لحكم ربه ولو لم يدرك علة الحكم، فإن غير المؤمنين يكتشفون في كل حين من أسرار التشريع الإلهي وحكمته، ما يجعل المنصفين منهم ينحنون إجلالا للخالق العظيم..
والمثال الواضح هنا إباحة تعدد الزوجات..
ففي آخر الإحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالولايات المتحدة الأمريكية تبين أن عدد الإناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من ثمانية ملايين امرأة.. وفى بريطانيا تبلغ الزيادة خمسة ملايين امرأة، وفى ألمانيا نسبة النساء إلى الرجال هي 3: 1.. وفى إحصائية نشرتها مؤخرا جريدة (الميدان)الأسبوعية(1)أكدت الأرقام أنه من بين كل عشر فتيات مصريات في سن الزواج (الذي تأخر من 22 إلى 32 سنة ) تتزوج واحدة فقط، والزوج دائما يكون قد تخطى سن الخامسة والثلاثين وأشرف على الأربعين،حيث ينتظر الخريج ما بين 10 إلى 12 سنة ليحصل على وظيفة ثم يدخر المهر ثم يبحث عن نصفه الآخر.
وقالت الصحيفة: إن العلاقات المحرمة تزيد، وكذلك ظاهرة الزواج العرفي في ظل وجود ملايين من النساء بلا زواج.. وأكدت الباحثتان غادة محمد إبراهيم و داليا كمال عزام في دراستهما(2)تراجع حالات الزواج بين الشباب بنسبة 90 % بسبب الغلاء والبطالة وأزمة المساكن.
وتقول إحصائية رسمية أمريكية: إنه يولد سنويا في مدينة نيويورك طفل غير شرعي من كل ستة أطفال يولدون هناك [ صحيفة الأخبار المصرية عدد 2/ 7 / 1968 ]، ولا شك أن العدد على مستوى الولايات المتحدة يبلغ الملايين من مواليد السفاح سنويا.
وفى كل من العراق وإيران اختل التوازن العددي بين الرجال والنساء بصورة مفزعة بسبب الحرب الضارية التي استمرت بين البلدين ثماني سنوات.. فالنسبة تتراوح بين 1 إلى 5 في بعض المناطق ( رجل لكل خمسة نساء ) و 1 إلى 7 في مناطق أخرى.. والأمر شديد الغرابة والخطورة في جمهورية البوسنة والهرسك التي فرضت عليها حرب عنصرية قذرة طحنت البلاد أربع سنوات كاملة ( من عام 1992 حتى عام 1996 ).. فالنسبة في معظم أنحاء البوسنة والهرسك هي رجل لكل 27 امرأة، نعم 1 إلى 27، ولنا أن نتخيل حجم المأساة الاجتماعية التي يعيشها حاليا هذا البلد المسلم الذي فرضت عليه الشيوعية عشرات السنين، ثم تحرر من الشيوعية المجرمة ليقع بين أنياب صليبية أشد فتكا وإجراما.. فماذا تفعل الفتيات المسلمات اللائي لا يجدن أزواجا من المسلمين ؟ وهل نتركهن ليتزوجن من شباب الصرب الأرثوذكس أو الكروات الكاثوليك، لأن بعض المتنطعين و المتنطعات يأبون تعدد الزوجات ؟ أو أن هؤلاء يفضلون ويفضلن أن تتخذ الفتيات المسلمات عشاقا ( زناة من خلف الستار ) على النمط الغربي المنحل ؟
وفى تحقيق ساخن عن ( انفجار العوانس ) تذكر السيدة تهاني البرتقالي مراسلة الأهرام في الكويت ما حدث منذ سنوات عندما انتشرت ظاهرة إرسال مئات الخطابات من فتيات إلى زوجات كويتيات تطالب كل فتاة في رسالتها المرأة المتزوجة بقبول مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها لحل مشكلة العنوسة في المجتمع الكويتي والخليجي بصفة عامة.. ويقول التحقيق الذي نشرته مجلة الأهرام العربي في عددها الأول: إن عدد عوانس الكويت حوالي 40 ألف فتاة.
وهو عدد ليس بالقليل بالمقارنة بتعداد الشعب الكويتي ككل، وهو نصف مليون نسمة ( أي أن نسبة العوانس في الكويت تبلغ 16 % من عدد النساء في الكويت، الذي يزيد على الربع مليون نسمة ).
حرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها الجنسي.. فمتعة الإشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لدى المرأة.. بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تأثيرها أكثر بكثير، وتجعلها تنعم بالإشباع الجنسي.. هذا ما يؤكده الدكتور سعيد عبد العظيم –أستاذ الأمراض النفسية و العصبية بطب القاهرة –ويضيف أن الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق السريع إلى الانحراف أو البرود الجنسي، بالإضافة إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية وغيرها.. (3)
يقول الدكتور محمد هلال الرفاعى أخصائي أمراض النساء والتوليد:
عدم الزواج أو تأخيره يعرض المرأة لأمراض الثدي أكثر من المتزوجة، وكذلك سرطان الرحم والأورام الليفية.. وقد سألت كثيرا من المترددات على العيادة: هل تفضلين عدم الزواج أم الاشتراك مع أخرى في زوج واحد ؟
كانت إجابة الأغلبية الساحقة هي تفضيل الزواج من رجل متزوج بأخرى على العنوسة الكئيبة، بل إن بعضهن فضلت أن تكون حتى زوجة ثالثة أو رابعة على البقاء في أسر العنوسة.
وإذا كان هذا هو رأى العلم، فإن المرأة الطبيبة تكون أقدر على وصف الحال بأصدق مقال.. تقول طبيبة في رسالة بعثت بها إلى الكاتب الكبير أحمد بهجت( إنها قرأت إحصائية تقول: إن هناك ما يقرب من عشرة ملايين سيدة وآنسة بمصر يعشن بمفردهن.. وهن إما مطلقات أو أرامل لم ينجبن أو أنجبن، ثم كبر الأبناء وتزوجوا أو هاجروا، أو فتيات لم يتزوجن مطلقا..
وتقول الطبيبة: هل يستطيع أحد أن يتخيل حجم المأساة التي يواجهها عالم (النساء الوحيدات) ؟ إن نساء هذا العالم لا يستطعن إقامة علاقات متوازنة مع الآخرين، بل يعشن في حالة من التوتر والقلق والرغبة في الانزواء بعيدا عن مصادر العيون و الألسنة والاتهامات المسبقة بمحاولات خطف الأزواج من الصديقات أو القريبات أو الجارات.. وهذا كله يقود إلى مرض الاكتئاب، ورفض الحياة، وعدم القدرة على التكيف مع نسيج المجتمع.
وتدق الطبيبة ناقوس الخطر محذرة مما يواجه هؤلاء النسوة من أمراض نفسية وعضوية مثل الصداع النصفي و ارتفاع ضغط الدم والتهابات المفاصل وقرحة المعدة و الأثنى عشر والقولون العصبي واضطرابات الدورة الشهرية وسقوط الشعر والانحراف الخلقي.. ويضطر الكثير منهن للارتباط برجل متزوج. (4)
و الطريف أن بعض الدول الغربية التي تعانى من المشكلة المزعجة، وهى زيادة عدد النساء فيها على عدد الرجال، اضطرت إلى الإقرار بمبدأ تعدد الزوجات، لأنه الحل الوحيد أمامها لتفادى وقوع انفجار اجتماعي لا قبل لها بمواجهته، أو علاج آثاره المدمرة.حدث هذا في ذات الوقت الذي يرفع فيه بعض المسلمين –إسما فقط –راية الحرب على تعدد الزوجات وشرعيته.
يحكى الدكتور محمد يوسف موسى ما حدث في مؤتمر الشباب العالمي الذي عقد عام 1948، بمدينة ميونخ الألمانية.. فقد وجهت الدعوة إلى الدكتور محمد يوسف وزميل مصري له للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب العالمية الثانية.. وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة من المشاركين الغربيين، وانتهت إلى رفضها جميعا، لأنها قاصرة عن معالجة واحتواء المشكلة العويصة. وهنا تقدم الدكتور محمد موسى وزميله الآخر بالحل الطبيعي الوحيد، وهو ضرورة إباحة تعدد الزوجات..
في البداية قوبل الرأي الإسلامي بالدهشة و النفور.. ولكن الدراسة المتأنية المنصفة العاقلة انتهت بالباحثين في المؤتمر إلى إقرار الحل الإسلامي للمشكلة، لأنه لا حل آخر سواه.. وكانت النتيجة اعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي..
وبعد ذلك بعام واحد تناقلت الصحف ووكالات الأنباء مطالبة سكان مدينة ( بون) العاصمة الألمانية الغربية بإدراج نص في الدستور الألماني يسمح بتعدد الزوجات (5)وهكذا يتبين الحق ولو كره العلمانيون.
والأخذ بنظام تعدد الزوجات جنَّب المجتمعات الإسلامي شرورا ومصائب لا حصر لها.. وتكفى مقارنة بسيطة بين المجتمع السعودي مثلا ـالذي تندر فيه الجرائم الخلقية مثل الاغتصاب والدعارة ـوبين المجتمع الأمريكي الذي تكاد نسبة العشيقات فيه تزيد على نسبة الزوجات.. كما تبلغ نسبة الأطفال غير الشرعيين فيه أكثر من 45 % من نسبة المواليد سنويا، وتقول الإحصاءات الرسمية الأمريكية إن عدد الأطفال غير الشرعيين كان 88 ألف مولود سنة 1938، ثم ارتفع إلى 202 ألف عام 1957، ووصل إلى ربع مليون مولود من الزنا عام 1958.. ثم قفز الرقم إلى الملايين من ثمرات الزنا في التسعينيات، والأرقام الحقيقية تكون عادة أضعاف الأرقام الرسمية التي تذكرها الحكومات..
ولكل هذا تساءل الكاتب الشهير الفرنسي أتيين دينيه: هل حظر تعدد الزوجات له فائدة أخلاقية ؟ ويجيب بنفسه: إن هذا الأمر مشكوك فيه.. لأن الدعارة النادرة في أكثر الأقطار الإسلامية سوف تتفشى بآثارها المخربة، وكذلك سوف تنتشر عزوبة النساء بآثارها المفسدة، على غرار البلاد التي تحظر التعدد. (6)
أحبتي في الله: لا صلاح لنا و لا استقرار إلا بالرجوع إلى المنهج الحق، منهج الخالق القدير من هو أعلم بصناعته ، سبحانه أحسن كل شيء خلقه.
ملحق الهوامش
(1)عدد الثلاثاء 6 مايو 1997
(2)أعدت تحت أشراف أساتذة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية
(3)مجلة طبيبك الخاص عدد مايو 1997.
(4)صندوق الدنيا – الأهرام – عدد 13 مايو 1997 م.
(5)السيد سابق – فقه السنة – نظام الأسرة – المجلد الثاني – ط مكتبة المسلم – ص 104.
(6)كتاب محمد رسول الله، ترجمة المرحوم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق.
يمكن مراسلة المؤلف على الإيميل التالى
[email protected]
محمول /0181910904
القلب الحزين
13-12-2013, 07:01 PM
شبهة أخذ نبينا محمد عن اليهود المواضيع المعينة في تأليف القرآن
إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف
تعد شبهة أخذ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن اليهود المواضيع المعينة في تأليف القرآن الكريم، أقدم ما عُرِف من نشاطات المستشرقين. فكل من يؤرخ للنشاط الاستشراقي يؤكد أن أقدم دراسة استشراقية كانت بعنوان: " ماذا اقتبس محمد عن اليهودية ". [1]
توضيح تلك الشبهة:
يرى كثير من غير المسلمين أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان على دين اليهود، وأرسل اليهود لتدمير المسيحية التي تهدد كيانهم.. ومن ثم اقتبس عن كتبهم العقائد والشرائع والقصص.
وإن كان أكثرهم يخالف هذا الرأي ويزعم زعماً آخر وهو أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان مسيحياً من نصارى مكة، أعده ورقة بن نوفل بالتعاون مع الراهب بحيرا وحداد رومي اسمه يسار... لإعادة الروح إلى المسيحية في الجزيرة العربية. لكن محمداً صلى الله عليه وسلم خدعهم فأعجب بنفسه .... فادعى النبوة.
تلك الشبهة ملخصة.. وإليكم الرد عليها: [2]
1. من حكمة الله تعالى وتقديره، أنه لم يُعلم في مكة يهودي واحد، واليهود استقبلوا محمداً صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة بالعداوة صراحة. [3]
2. إن قريشاً أحرص من المنصرين على إثبات بشرية مصدر الوحي ولكنهم ـ وهم الأدرى بحاله وتحركاته ـ لم يرصدوا أنه ذهب إلى معلم كتابي واحد.. ولم يفضحه رفاقه في السفر بأنه التقى بأي حبر أو كاهن.. ومن غير الممكن أن يتردد سيدنا محمد إلى بيت معلم يعلمه دون أن يلاحظ ذلك أحد، فمكة المكرمة مدينة صغيرة المساحة، أحياؤها ـ بل بيوتها ـ معروفة لكل واحد من أهلها.
3. لم يكن في مكة أي كتاب ديني مدون، ولا مدرسة، ولا فلاسفة كما كانت عليه حضارات اليونان والصين وفارس والهند كما أنه لم يُعرف عن اليهود في كل الجزيرة العربية نبوغاً فكرياً ورقياً حضارياً، وفاقد الشيء لا يعطيه! [4]
ولم يكن النصارى أحسن حالاً منهم، بل كانوا لا يملكون حتى التميز بشعر خاص بهم ـ على الأقل ـ، وهذا ما يؤكده المستشرقون من أتباع دينهم. [5]
4. ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يعاشر إلا قومه، ولم يثبت أبداً أنه خرج من مكة قبل البعثة إلا مرتين فقط: مرة وهو صغير مع عمه أبي طالب ومرة في تجارة خديجة وكان مرافقاً له غلامها ميسرة. ولو كان تغيير الدين يحدث بتلك السهولة بسبب التجارة، لكان غالب أهل مكة من اليهود والنصارى. بينما الواقع التاريخي، يثبت أن لا أحد من أهل مكة في الجاهلية قد غير دينه بسبب ما اطلع عليه من ديانات أثناء رحلاته التجارية.
5. الغالبية العظمى من القصص القرآني كانت في السور المكية، أي قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة واحتكاكه باليهود.
6. لو كان للاتصال باليهود ذلك الأثر الكبير في دعوى النبوة، فلماذا لم ينتقوا أحداً من أهل يثرب أو رجلاً من القريتين عظيم، أو عبد الله بن أبي سلول ـ ليحمي دعوتهم بجاهه وماله؟
7. إن في القرآن الكريم قصصاً لأنبياء وسابقين لا يعرفهم أهل الكتاب، كقصة صالح وهود وشعيب عليهم السلام.. كما أن في القصص القرآني تفاصيل غير موجودة في كتبهم، كمعجزات سيدنا عيسى عليه السلام ونفنى رصلبه وقتله، وتبرئة الأنبياء مما افتروه عليهم من خطايا وقبائح. [6]
8. معجزاته صلى الله عليه وسلم وخاصة معجزة القرآن الكريم البلاغية التي عجز العرب عن مضاهاتها ـ يستحيل أن تكون من تعليم أعاجم.
9. من غير المستغرب أن يجلس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى حداد رومي [7] لبعض حاجات بيته الطبيعية، وليس من المنطق أن يكون القرآن الذي أعجز العرب بنظمه، قد ألقاه إليه ذلك الحداد في عجالة وهو جالس عنده في السوق.. وهل الجلوس عند الحداد فيه من الراحة والاستعدادات النفسية والذهنية ما يؤهله للتعلم، تعلم هذا القرآن العظيم ؟ [8]أليست مهنة التعليم لذلك الحداد، أيسر عليه من الحدادة ؟
10. أسباب النزول تنفي التعلم المسبق للنبي صلى الله عليه وسلم، فأين كان معلموه المفترضون حين نزل عليه القرآن في غزواته، وهو بين أصحابه يجيب عن أسئلتهم.. هل كانوا لا يُرَون إلا من قِبَل محمد صلى الله عليه وسلم؟
11. لا يمنع أن يوجد في القرآن الكريم ما يوافق ما سبق من كتب سماوية، فالقرآن الكريم لا يقول بأنها كلها محرفة 100% بل فيها تحريف وفيها ما نجا من التحريف [9].. ومثله ما نسب إلى كتب جهلة اليهود والهراطقة مما ليس موجوداً في الكتاب المقدس المعتمد حالياً.
فقد جعل النصارى من كتب بقايا النصارى الموحدين كتباً ممنوعة القراءة، بعد أن حكموا على رجالها بالهرطقة. بخاصة بعد مجمع نيقية الذي أقر التثليث ونبذ التوحيد.. فما المانع من أن تكون تلك الكتب هي الأقرب إلى الحق، وأن ما بين أيدينا من كتب اعترفت بها الكنيسة لاحقاً هي الباطل؟
12. مخالفة القرآن الكريم عقائد أساسية تميزت بها اليهودية والمسيحية.. كتفضيل الجنس اليهودي وتكريمه على الناس بقبول عبادته لله عز وجل، وكذلك أساس عقيدة النصارى من تثليث وفداء وخلاص.
إن الإسلام هو دين الله الحق، الذي لم ينزل من السماء سواه. إن الدين عند الله الإسلام، دينه الذي من ابتغى غيره سبيلاً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، فكل الأنبياء جاؤوا بالإسلام، ولم يسمِّ أحد منهم نفسه يهودياً ولا نصرانياً بل حنيفاً مسلماً من لدن آدم وحتى محمد صلى الله عليه وسلم [10].
وعلى هذا فلا يمكن القبول بزعم أن الإسلام ما هو إلا فرع من شجرة اليهودية أو النصرانية ـ المحرفة عن الإسلام ـ بل هي ذات الرسالة وعين العقائد والمبادئ العامة التي دعا إليها الإسلام.
ويُقال لهم: إن سلمنا معاً أن القرآن الكريم كلام الله جل جلاله، كالتوراة والإنجيل. فالتشابه بينه وبينها طبيعي لأن مصدرهما واحد. بل لو لم يكن هنالك اتفاق بين القرآن الكريم وتلك الكتب في جميع العقائد لقالوا: كيف يكون مصدرها واحداً وهي لم تتفق في أي عقيدة ؟!
فإن اتفق شيء مما تبقى من عقائد وشرائع الأنبياء السابقين مع الموجود في القرآن الكريم، فهو من أدلة وحدة مصدرها، وإن تفوق القرآن الكريم عليها بكونه كله قطعي الثبوت.
" أما المجاحدون من أهل الكتاب ـ لا سيما دعاة النصرانية في هذا الزمان ـ فهم يقولون فيما وافق القرآن به كتبهم، أنه مأخوذ منها بدليل موافقته لها. وفيما خالفها أنه غير صحيح بدليل أنه خالفها. وفيما لم يوافقها ولم يخالفها به أنه غير صحيح، لأنه لم يوجد عندنا، وهذا منتهى ما يُكابر به مُناظِر مناظراً، وأبطل ما يرد به خصم على خصم ". 11]
ولما كانت شبهة تعلم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمعلى يد بحيرا وورقة بن نوفل تشكل أعظم شبهاتهم، فالرد عليها ملخصه ما يلي: [12]
1. إن تلك الشبهة فيها اتهام للنصرانيين الناسكين المتعبدين بالكذب والخداع، ومن غير المعقول أن يكون أواخر عهد ناسكين متعبدين، تسهيل مهمة شخص مخادع يدعي أنه موحى له من عند الله عز وجل.
2. قصر الوقت الذي شاهدهما فيه، فما في القرآن من عقائد وشرائع وقصص تحتاج إلى فترة زمنية طويلة. بل المنطق يقول إن أي إنسان عادي، لن يستطيع تأليف قوانين وشرائع مماثلة لتلك الموجودة في القرآن الكريم، إلا بعد مكث سنوات طويلة من التعلم.
3. أين قريشاً منهما، ولماذا لم يحضروهما ليكونا دليلاً بين أيديهم على بشرية مصدر القرآن الكريم؟
4. لم يصدر عن أي من ملوك النصارى العرب، أو الروم، أو القبط، أو الأحباش.. الذين وصلتهم رسالة الإسلام، أن ما في القرآن الكريم مسروق من عندهم.
5. لماذا لم يستخدما رجلاً أغنى وأكثر جاهاً منه صلى الله عليه وسلم، ليسهل عليهم المهمة ؟
6. كان عمره صلى الله عليه وسلم عندما قابل بحيرا أول مرة تسعة أعوام، ولما تاجر لخديجة كان عمره خمسة وعشرين عاماً. وفي الأولى كان معه عمه، وفي الثانية ميسرة غلام خديجة. [13]
7. هل كان لدى ورقة بن نوفل أي حصيلة علمية أو معرفية، تؤهله ليكون مصدر القرآن الكريم؟ [14]
8. كيف يستطيع ورقة ـ وهو كبير السن ـ أن يصعد إلى الجبل الذي فيه غار حراء، رغم أن صعوده شاق على أشد الشباب قوة؟
9. لم يتهم أي مشرك محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه كان يقابل ورقة، رغم أن ذلك الزعم أقوى من اتهام حداد رومي.
10. لماذا تأخر ورقة في إعلان نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن بلغ من العمر عتياً، وهل كان يضمن أنه سيعيش ذلك العمر ؟
11. أين باقي تلاميذ بحيرا وورقة ؟ هل من المعقول أن لا يكون لهما إلا تلميذ واحد يتيم فقير؟ ولماذا لم تبعث قريش بفتيانها إليهما ليتعلموا ؟
12. هل رافق بحيرا وورقة محمداً صلى الله عليه وسلم في كل حركاته وسكناته ؟ إن في أسباب النزول رداً مباشراً على زعمهم.
13. قول ورقة بأن الوحي الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي نزل على موسى لا عيسى عليهما السلام، فلو كان نصرانياً لذكر سيدنا عيسى عليه السلام. وهذا اعتراف من ورقة على إلهية مصدر القرآن الكريم.
14. لو كان لورقة ذلك التأثير على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لكان أول من يذهب إليه صلى الله عليه وسلم بُعَيد نزول الوحي عليه وهو في غار حراء، قبل أن يعود إلى بيته.
15. لم يذكر التاريخ أن هنالك زيارات معتادة بين بيتي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وورقة، ولم يكن بينهما صداقة معروفة قبل البعثة كصداقته بأبي بكر tمثلاً.
16. كما لم يزر بحيرا مكة ولا المدينة قبل أو أثناء البعثة النبوية، فكيف له أن يعرف ظروف بيئة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحداثاً قبل الهجرة في مكة كموقف المشركين من الدعوة، وغيرها من أسباب نزول الآيات المكية. وبعد الهجرة: كالغزوات والعلاقة مع المنافقين.. وغيرها من أسباب نزول الآيات المدنية ؟
يمكن التواصل مع المؤلف على البريد التالي:
[email protected]
[1] كان ذلك عام 1134م على يد المستشرق اليهودي الألماني أبراهام جايجر، وقد نال عن دراسته تلك جائزة الدولة البروسية. انظر: المستشرقون والقرآن، عمر لطفي العالم، ص17.
[2] انظر: بذل المجود في إفحام اليهود، السموءل، ص147. وقضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية، د. فضل عباس، ص197. ووحي الله، د. حسن عتر، ص185.
[3] ذكر ابن هشام عن أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: " كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما، إلا أخذاني دونه. قالت: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلمونزل قباء.. غدا عليه أبي وعمي مُغلِّسين. قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس. ما التفت إليَّ واحد منهما، مع ما بهما من غم. قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله. قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت ". انظر: السيرة النبوية 2/123. وقولها: " مغلسين " أي وقت الغلس. والغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح. انظر: النهاية في غريب الحديث، الجزري، 4/377.
[4] لم يظهر بين يهود الجزيرة العربية من اشتهر بعلم أو فقه أو فلسفة.. وهذا يدل بالضرورة على عدم ازدهار الحركة الفكرية والثقافية عندهم، فهم آثروا البقاء منعزلين عن العالم، مكتفين بأبسط أنواع الحياة. انظر: العرب قبل الإسلام، د. جواد علي 6/8. ود. إسرائيل ولفنسون، تاريخ اليهودية في بلاد العرب، ص42.
[5] " ولا يختلف الشعر النصراني عن شعر الشعراء الوثنيين بشيء... من الصعب على الباحث أن يجد فرقاً كبيراً بين شعر الشعراء النصارى وشعر الشعراء الوثنيين. ولهذا ذهب بعض المستشرقين إلى ان من الصعب التحدث عن وجود شعر نصراني عربي له ميزات امتاز بها عن الشعر الوثني قبل الإسلام ". انظر: العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، الفصل166، 4/ 1311.
[6] انظر في سفر التكوين ما نسبوه إلى الأنبياء الكرام: نوح u 9/20-27ولوط u 19/30-38وإسحاق u 29.
[7] كي يتقن كفار قريش حبك فرية تلقي رسول الله صلى الله عليه وسلمالقرآن، وضعوا في معلمه شرطين: الأول: أن يكون من سكان مكة؛ ليتحقق زعمهم بتلقي القرآن عنه بكرة وأصيلاً. والثاني: أن يكون من غير قومهم وملتهم، ليُمكن عندها أن يُقال إن عنده علم ما لم يعلموا.. والتمسوا الشرطين فلم يجدوهما إلا عند حداد رومي. انظر: مدخل إلى القرآن، د. محمد دراز، ص134.قلت: لو تحقق الشرطان في ورقة ـ أو غيره من أحبار اليهود والنصارى ـ ، لما أوقعوا أنفسهم في فضيحة انتقاء الحداد معلماً مزعوماً.
[8] الجلوس عند الحداد ـ وخاصة في ذلك الزمان ـ لا يرتاح إليه أحد. وقد وصف ما ينتاب المرء نتيجة ذلك الجلوس، من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلمبأروع وصف حين قال: " مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ. لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ. وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً ". رواه البخاري في البيوع باب في العطار وبيع المسك 2101 . ولك أن تتخيل كيفية استماع القرآن الكريم لأول مرة، وأصوات مطارق الحدادين، ونار الكير، ناهيك عن الرائحة التي تصد حضور الذهن الضروري لأي تعليم.. فلو أراد حفظ نشيدٍ من أناشيد الأطفال في ذلك الجو، لكان متعذراً عليه !
[9] قال تعالى: " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " [الأنبياء: 105] وفي مزامير داود [37/11] " الأبرار يرثون الأرض ". فذكر ذلك بكل مصداقية، عكس متى الذي اقتبس تلك الفقرة ذاتها في إنجيله [5/5] دون الإشارة إلى اقتباسها.
[10] قال ابن تيمية: وجميع الأنبياء كانوا على دين الإسلام. انظر مجموع الفتاوى 27/370 وانظر الأدلة على كون كل الأنبياء دينهم الإسلام في: الخطاب الدعوي للأنبياء والدعاة في القرآن الكريم، عبد الرحيم الشريف، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة آل البيت، الأردن، 2001م، ص16-76.
[11] تفسير المنار، محمد رشيد رضا 3/249.
[12] انظر: الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، ص32-39 والقرآن ليس دعوة نصرانية، د. سامي عصاصة ص65-117. ووحي الله، د. حسن عتر، ص139-165.
[13] انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير، 1/23. والبداية والنهاية، ابن كثير، 2/295.
[14] كان ورقة يعبد الأصنام طيلة ستين سنة، ثم ذهب يبحث عن أفضل دين هو ومجموعة من أصدقائه، وترددوا بين الشرك والنصرانية واليهودية، ثم استقر رأيه ورأي أكثرهم على الحنفية. وكان عمر ورقة عند بعثة النبي مائة سنة. انظر: البداية والنهاية لابن كثير: 2/340 والسيرة الحلبية لعلي الحلبي 1/116، والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 2/616. فهو لا يملك ذلك العلم الواسع.
القلب الحزين
13-12-2013, 07:04 PM
الرد فاتحة الفرقان الحق المزعومة
عجز ... لا إعجاز !!!
بقلم: ياسر محمود الأقرع
رأينا في دراساتنا البلاغية للكتاب الموسوم بـ " الفرقان الحق " أن نقف على ما يدعى ( سورة الفاتحة) ونقوم بدراستها كاملة، نظراً لما تتضمنه عادة فاتحة الكتاب من أهمية تجعلها تحتل مكان الصدارة منه.
وكنّا بدأنا ـ انطلاقاً من ذلك ـ بدراسة الآية الأولى من السورة المذكورة ، وها نحن هنا نستكمل دراستنا البلاغية لما بقي منها كاملاً دون تجزئة ، وذلك لارتباط الآيات ( المزعومة ) المتبقية ارتباطاً معنوياً فيما بينها مما يدفعنا لدراستها مجملة، من غير تطويل مملّ أو إيجاز مخلّ وهذا نص الآيات المتبقية بدءاً من الآية الثانية :
( 2 ) مهيمن يحطم سيف الظلم بكف العدل ويهدي الظالمين
( 3 ) ويهدم صرح الكفر بيد الإيمان ويشيد موئلاً للتائبين
( 4 ) وينزع غلَّ الصدر شذى المحبة ويشفي نفوس الحاقدين
( 5 ) ويطهّر نجس الزنى بماء العفة ويبرئ المسافحين
( 6 ) ويفضح قول الإفك بصوت الحق ويكشف مكر المفترين
( 7 ) فيأيها الذين ضلّوا من عبادنا توبوا وآمنوا فأبواب الجنة مفتوحة للتائبين .
مهيمن ومهام أخرى !!!
تبدأ الآية الثانية بالاسم ( مهيمن ) وهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو يعود على ( الفرقان ) .
والمهيمن – حسب ما جاء في معاجم اللغة – هو الشاهد و الرقيب . ومن ثمّ فليس هنالك من مهمةٍ للشاهد أو الرقيب غير مهمة المراقبة والمشاهدة بغية إقامة الحجة والدليل على المراقَب أو المشاهَد.
غير أن المهيمن ( الرقيب ) في هذا النص يحطم ويهدي ويهدم ويشيد ويطهر ويُبرئ .. وليس في الأفعال الواردة في النص مما يناسب مهمة المهيمن غير فضح قول الإفك وكشف مكر المفترين على أنهما من نتائج المشاهدة والمراقبة .
وهذا يدل على فهم خاطئ لمعنى كلمة ( مهيمن ) فجاءت في النص مرادفة لكلمة المتحكم أو المسيطر وما في معناهما .
معادلة القوة والضعف
لو تأملنا العبارات الواردة في النص لأدركنا أنها تقوم على افتراض وجود ميزان بين قوى الشر وقوى الخير ، ولكن معادلة العلاقة بين الخير والشر تستند إلى وجود شر ذي قوة وبطش مزوَّد بأدوات تساعده على البقاء، وخير لين الجانب ، ضعيف، هزيل، مجرّدٍ من كل ما يمنحه القدرة على مناهضة الشر.
ومع هذا فإن الخير المجرد من وسائل القوة، الذي يحمله الفرقان الحق – حسب النص – قادر على هزيمة الشر مع ما يمتلكه الأخير من أدوات البقاء والسيطرة .
تأمل هذا الخلل الواضح في معادلة القوة والضعف :
كف العدل تحطم سيف الظلم
يد الإيمان تهدم صرح الكفر
صوت الحقيفضح قول الإفك
إن الصورة الفنية التي أُريد لها أن تُظهر قدرة الحق على الوقوف في وجه الباطل قدّمت المعنى على عكس ما أريد لها ، وعرّت الحق من معاني القوة التي يتضمنها فبدا ضعيفاً هزيلاً ليّناً .
أفلا يحتاج سيف الظلم المجرَّد ، وصرح الكفر المشيّد، إلى قوة تجابهه ؟ أم أنَّ يداً فارغة وكفّاً عارية قادرتان وحدهما على فعل ذلك !!؟
أرادت العبارات المذكورة إظهار ضعف الظلم فأمسكته سيفاً، وبيان هشاشة الكفر فأسكنته صرحاً، ووصفت ادعاء الكاذب بالقول، بينما منحت صاحب الحق صوتاً ...!!
أوَلم يكن من البلاغة أن يكون السيف للعدل، والصرح للإيمان، والقول للحق ( وفرق كبير بين القول والصوت سنأتي على ذكره بعد قليل ) ...؟؟
أفعال في غير موضعها
جاءت هذه السورة حافلة بالأفعال ، غير أن معظمها جاء استخدامه خالياً من البلاغة ... فانظر في هذه الأفعال وتأمل:
يحطم سيف الظلم:
والتحطيم هو تهشيم الأشياء الصلبة وتفتيتها، وهو مختلف عن الكسر الذي يحول المكسور إلى قطعتين وهو غير التكسير الذي يعني تحويل المكسور إلى قطع ... لكنه دون حدّ التفتيت والتهشيم.
والأَولى مع ذكر السيف استخدام الفعل (يَكسِر- يُكَسّر)، فالسيف فيما أعلم يُلوى أو يكسر أو يكسَّر !!
يهدي الظالمين:
والهداية للضّالين ، أما الظالمون فقد تم كسر شوكتهم واستئصال شأفتهم حسب ما جاء في العبارة السابقة: ( يحطم سيف الظلم ).
فهل يُستهدى الظالم بعد الحرب عليه، أم أن الدعوة إلى الهداية تسبق إعلان الحرب واللجوء إلى القوة ؟
أما أن تأتي الهداية بالقوة فهذا إكراه لا يناسب منهج العقائد التي تأتي بها الكتب وتدعو إلى تأملها العقول !!!
يهدم صرح الكفر ويشيد موئلاً للتائبين:
هنالك كفر وهنالك توبة ... فإذا كان الفرقان سيهدم صرح الكفر فأين هم التائبون ؟؟ هذا معناه أحد أمرين :
إما أن يكون التائبن جزءاً من صرح الكفر المتهدم وهم بذلك هالكون فلا توبة !!!
أو أن يكونوا خارج صرح الكفر فهم مؤمنون أساساً فلا حاجة للتوبة من الكفر .. إذ لا كفر !!!
ثم أليس الأَولى أن يُشاد موئل للتائبين من الكفر أوّلاً ثم يُستتابوا فإن لم يستجيبوا هُدم صرح الكفر بهم أوعليهم وأهلكوا...؟؟
ينزع غل الصدر شذى المحبة:
يأتي الفعل ينزع بعد الأفعال يحطم / يهدي / يهدم / يشيد . ويظنّ القارئ أن فاعل هذا الفعل هو ذاته فاعل الأفعال السابقة أي ( الفرقان ) لكنه يُفاجأ عند إكمال العبارة بكلمة ( شذى ) على أنها فاعل الفعل ينزع وهو فاعل مؤخر لمجيء المفعول به مقدماً عليه .
إذاً من ينزع غلَّ الصدر هو شذا المحبة وليس الفرقان.
وبسبب مجيء الفاعل المؤخر ( شذى ) منتهياً بحرف علة ، مما يعني تقدير الحركة على آخره تقديراً ، فإن الأمر قابل للالتباس ، فمن الممكن أن تكون الحركة المقدرة ( ضمة ) ويكون الاسم (شذى) فاعلاً ، أو ( فتحة ) ويكون بدلاً من غلّ ( وإن لم يستقم المعنى ) وتقتضي البلاغة دفعاً لهذا الالتباس أن يُقَدَّم الفاعل على فعله ( ينزع ) فيصير مبتدأ ، إشعاراً بأنّ الجملة غير معطوفة على الجملة الفعلية فليس من ينزع غل الصدر هو الفرقان وإنما شذى المحبة !!
فتصبح: وشذا المحبة ينزع غل الصدر ...
وشذى ( هكذا بالألف المقصورة ) حسب ما جاءت في النص، خطأ إملائي واضح ، فالأصل فيها أن تكتب بالألف الممدودة ( شذا ).
توبوا وآمنوا فأبواب الجنة مفتوحة للتائبين:
يا أيها الذين ضلوا توبوا وآمنوا ...
التائب من الضلال إلى الهدى ألا يعني أنه آمن ، فما الحاجة إلى الفعل آمنوا إذا كانت التوبة تتضمن معنى الإيمان أو العودة إلى الإيمان ؟؟
وإذا كان ثمة ضرورة لذكر التوبة والإيمان معاً، فأين جزاء الذين آمنوا على إيمانهم إذا كانت
( أبواب الجنة مفتوحة للتائبين ) ؟؟
الإضافة.. ارتباط لا بلاغي
لنتأمل العلاقة بين المضاف والمضاف إليه في العبارتين التاليتين :
- يطهِّر نجس الزنى :
إن هذا الفرقان يطهر نجس الزنى ، وليس نجس الزناة !!
ومعنى هذا الكلام أن للزنى نجساً ... فإن سكبنا ماء العفة على هذا النجس وأزلناه أصبح الزنى طاهراً لا نجس فيه ... والطاهر مباح !!؟؟ فهل بعد هذه البلاغة .. بلاغة !؟
- قول الإفك / صوت الحق :
القول كلام له معنى في ذاته. والصوت قد لا يحمل في ذاته معنى، فحروف المدّ أصوات قد لا تحمل دلالة بمفردها، وإنما تشكل لبنة في بنية أكبر تحمل دلالة وهي ( الكلمة ).
فكيف يكون للكذب قول واضح يحمل معنى، بينما يكون للحق صوت لا معنى له إذ يمكن أن يكون الصوت مجرد ضوضاء .
وبعد :
هذه فاتحة الفرقان الحق ... فإذا كانت فاتحة الكتاب على ما رأيناه من فهم خاطئ لبعض معاني المفردات ، وخلل في تركيب الصورة الفنية، وسوء في تلازم الكلمات وتعاقبها ( كما في الإضافة ) .
إذا كانت فاتحة الكتاب على هذا الشكل فأية لغة هشّة، وأية بلاغة عاجزة تلك التي يحملها هذا الكتاب؟؟
إنه عجز .. لا إعجاز !!
لمراسلة المؤلف:
[email protected] (
[email protected])
القلب الحزين
13-12-2013, 07:08 PM
شبهة مصدر القرآن الكريم هي الشياطين
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في تفسير القرآن وعلومه
ملخص الشبهة: لما علم الطاعنون في ألوهية مصدر القرآن الكريم، استحالة كونه من تعليم بشر، لو اجتمع كل البشر من شتى الشعوب والحضارات العالمية. توسلوا مصدراً غير بشري، لعلهم يجدون فيه ضالتهم... فتفتقت عبقريتهم عن مصدر مغاير تماماً.. لجأوا إلى الجن لعلهم يجدون فيهم المصدر المنشود للوحي.
شكلت خرافة الغرانيق [1] العمود الفقري لهذه الشبهة، وهي تستند أساساً على خرافة أن سيدنا محمداً rكان يصلي عند الكعبة جهراً !! ويقرأ سورة النجم، فألقى الشيطان على لسانه آيات يمدح بها آلهة المشركين فوصفها بأنها ذات شفاعة مرجوة: فقال: " تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى ". فسجد الرسول وسجد المشركون.
نقد تلك الخرافة المزعومة:[2]
أكثر المحققين من علماء المسلمين، قالوا: إن هذه الرواية باطلة موضوعة. واحتجوا على ذلك بالقرآن والسنة والمعقول والتاريخ.
أولاً: القرآن الكريم:
1. قال تعالى في سورة الحاقة: " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ 45 لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعنَا مِنْهُ الوَتِينَ 46 ".
2. وفي سورة يونس: " قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ 15 ".
3. وفي سورة الإسراء: " وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا 73 ". وكلمة كاد تفيد إن الأمر لم يحصل.
4. وفيها قوله: " وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا 74 ".
كلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره فدل على أن ذلك الركون، لم يحصل.
5. وفي سورة الفرقان: " كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا 32 ".
6.وفي سورة الشعراء نص قاطع ينفي ذلك بتاتاً: " وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ 210 وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ 211 ".
7. وفي سورة الحج: " فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 52 ". وذلك لأن إحكام الآيات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تبقى الشبهة معها فإذا أراد اللّه إحكام لئلا يلتبس ما ليس بقرآن بالقرآن، فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلا أولى.
8. وأختم بسورة النجم ـ موضع الشبهة ـ حيث قال تعالى: " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى 3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى 4 ".
فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية: تلك الغرانيق العلى، لكان قد ظهر كذب اللّه تعالى في الحال.
وجاء بعدها: " وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى 26 ".
هل الغرانيق شفاعتها ترتجى أكثر من شفاعة الملائكة المقربين ؟!
فسبحان من جعل في السورة موضع الشبهة، ردين عليها: الأول قبلها والثاني بعدها.
لقد أخطأ واضعوا تلك الفرية السورة، وعُمِيَت بصيرتهم عن نسفها لشبهتهم.. فلو فكروا ملياً، لاختاروا وضعها في سورة أخرى !
ثانياً: السنة النبوية:
1. لم يثبت ذلك بأي حديث صحيح مرفوع، كما أن روايات الغرانيق متضاربة لا يسلم أي منها من مطعن، في السند والمتن. [3]
2. طعنُ المحدثين بصحة هذه القصة:
سئل ابن خزيمة عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنادقة وصنف فيه كتابا.
وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم.
وبين القاضي عياض في الشفا أنه لم يوجد في شيء من الكتب المعتمدة بسند صحيح وقال إنه من وضع الزنادقة. وإن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل.
3. رُوي الحديث الصحيح حول سجود المشركين عند تلاوة سيدنا محمد rأوائل سورة النجم من طرق كثيرة، وليس فيها ألبتة أي ذكر للغرانيق. [4]
4. لا عبرة بما نقل في كتب القصاص، أو المفسرين المولعين بذكر غريب القصص والأخبار دون تثبت. بخاصة أنهم لم يلتزموا ذكر الصحيح وليسوا من المحدثين.
5. الأحاديث الكثيرة في عدم تمثل الشيطان بسيدنا محمد rلمن يراه أثناء النوم، [5] فيكون عدم قدرته التمثل بنبرة صوته من باب أولى.
6. تناقضات روايات تلك الفرية وهي ستة كما يلي:
الأولى: " تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى ".
الثاني: " الغرانقة العلا إن شفاعتهم ترتجى ".
الثالثة: " إن شفعتهن ترتجى ". دون ذكر الغرانيق.
الرابعة: " وإنها لهي الغرانيق العلا ".
الخامسة: " وأنهن لهن الغرانيق العلا، إن شفاعتهم لهي التي ترتجى ".
السادسة: " تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى ".
ثالثاً: المعقول:
1. من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعي الرسول rكان في نفي عبادة الأوثان وشفاعتها.
2. معاداتهم للرسول rكانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا على حقيقة الأمر، فكيف أجمعوا على أنه عظم آلهتهم حتى خروا سجداً مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم ؟
3. لو جوزنا ذلك لارتفع الأمان عن شرعه، وجوزنا في كل الشرائع أن تكون كذلك.
4. ليس من المعقول أن يعترف النبي rبشفاعة الغرانيق وهو يدعو إلى عبادة اللّه تعالى ويحارب الأصنام ولو كان الشيطان له سلطان عليه rبدرجة أنه يملي عليه ويحرك لسانه بالكفر، لكان ألعوبة له، ليس في هذه القصة فقط، بل في غيرها أيضا. والنبي معصوم من الشياطين بداهةً.
بل الاعتراف بشفاعة الأصنام كفر مخرج من الملة، ومن اعتقد بكفر رسول الله rفقد كفر..
رابعاً: التاريخ:
1. لم يرد في تاريخ العرب أبداً هذا التشبيه لآلهتهم بالغرنوق، ولم يعهدوه في جاهليتهم، ولم تأت أشعارهم على ذكر ذلك الوصف لآلهتهم. وهذا يؤكد أنها لفقت فيما بعد.
2. لو كانت صحيحة، لأحدثت أثراً سلبياً في نفوس من آمن حديثاً، وما نُسب إلى سيدنا محمد rلا يمكن أن يمر مرور الكرام.. فإن كان لحادثة الإسراء أثر سلبي في عقيدة بعض ضعاف الإيمان، [6] فتلك القصة ـ على فرض صحتها ـ من باب أولى.
وختاماً لقصة الغرانيق: إن قصة الغرانيق لهي من أدل الأدلة على إعجاز ثبوت القرآن الكريم القطعي، واستحالة أن يكون بشرياً من عند غير الله تعالى. فلو كان كذلك، لكان من اليسير على مختلقي قصة الغرانيق وضعها في موضع آخر غير سورة النجم التي تدور على معنى التوحيد والتهكم على من يعبدوا مجرد أسماء سموها لآلهة ليست موجودة إلا في خيال عابديها، وسبحان الله العظيم !
ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
وهناك شبهات متفرقة تدل على الأصل الشيطاني المزعوم للقرآن الكريم، أشهرها المزاعم التالية:
1. كثرة عدد مرات ذكر الشيطان في القرآن الكريم تكرر المشتق عن الجذر " شطن " 88 مرة .
2. أحرف فواتح السور مثل الم، كهيعص.. رموز شيطانية.
3. الله عاتب النبي لأنه لم يستمع إلى الشياطين أكثر في خرافة الغرانيق السابق نقدها .
4. إنزال الجن لآيات مثل آية الكرسي وسور مثل سورة الجن وسورة الأحقاف..
5. اتهام مشركي قريش بأنه ممسوس.
6. جعلوا من طريقة الوحي التي كان يتنزل بها القرآن الكريم على سيدنا محمد r، وحال النبي rعند استقبال الوحي دليلاً على صرعٍ كان يصيبه. ثم يتلو آيات من القرآن الكريم بعد أن يفيق منه.
وللإجابة على تلك الشبهات :
1. كثرة ذكر الشيطان في القرآن الكريم تأتي للتحذير من خطره الشديد، وهذا من بلاغة القرآن الكريم. فلا خطر على الإنسان أشد من وساوس الشيطان، والتكرار هنا في موضعه. كقولك لرجل يكاد يحترق: النار، النار !! ولا يقول لك عاقل عندها: لِمَ هذا التكرار المعيب ؟
والمسلم يتعبد الله Yبكثرة الاستعاذة به من الشيطان الرجيم، فذلك عليهم لا لهم. هل من المعقول أن يُنزل الشيطان ذمه في القرآن الكريم، وتحذير الناس من اتباعه، وطلب الاستعاذة بالله Yمنه ؟
ومن غير المعقول أن تأمر الشياطين بما جاء في القرآن الكريم من بر وتقوى وترك المحرمات..
كما أن استعاذة المسلم بالله من الشيطان الرجيم إن تلا آية بل جزءاً من آية، تؤكد ذلك. [7] فلو كان الشيطان مصدرها، لاستعاذ المسلم به، كما كان أهل الجاهلية يفعلون إن قطعوا وادياً. [8]
2. حروف فواتح السور ليس لها علاقة بما يدعونه طلاسم، فلم يجعل منها أي مشرك جاهلي ذريعة لعدم إيمانه. بل حروف فواتح السور مما اختص به القرآن الكريم وانفرد بها، فكان دليلاً من أدلة ألوهية مصدره. وقد كتبت في ذلك مئات الكتب وعشرات الأبحاث المحكمة، ولا تكاد تجد كتاباً في التفسير أوعلوم القرآن الكريم إلا وتناولها بالبحث والدراسة..
3. تعبيره عما ورد في سورة الجن بعدِّه علاقة بين القرآن والجن، تعبير مغلوط. فالجن في الآيات المذكورة هو الذي يستمع إلى القرآن الكريم لا العكس !! وليس لذلك أي علاقة بالنسخ، لكل ذي لب.
4. أما زعم كون الجن قد أنزل آيات من القرآن الكريم، فلنا أن نسأل: بأي لغة يتكلمون ؟ وما هي أداة إصدارهم ذلك الصوت؟ ولماذا لا يستجيبون للتحدي الأزلي بأن يأتوا بمثل القرآن الكريم ؟
وأين الدليل على تلك الدعوى ؟
هل نصوص الإنجيل التي تتحدث عن الشيطان تدل على أن الشيطان هو الذي أنزلها؟ هل التحدث في قضية من القضايا، يقتضي بالضرورة أن يكون المُتحدَّث عنه هو مصدر ذلك الحديث؟ فكيف سيتناول العلماء الحديث عن الحيوانات والحشرات المختلفة إذاً ؟
5. أما اتهام العرب المعاصرين له بذلك، فهو مخالف لأسس المنهج العلمي. كيف يقبل النصارى أن نحاججهم برأي اليهود بربهم ؟ [9]
بحسب منطقهم: يجب أن نعرف دقائق الاقتصاد الرأسمالي من شيوعي جاهل! ومن ثم نصدقه ونبني عليه أسساً وقواعد.. وهذا لا يرتضيه عاقل في الدنيا.
كيف يجوز لشخص يؤمن برسالة سماوية، تصديق كاذب، عابد للأوثان، يئد ابنته، في قضايا غيبية كهذه؟ كيف إن كان ذلك في خصم عجز عن مواجهته والقبول بتحديه المتكرر؟! كيف إن كان ذلك فيمن وصفوه بالصادق الأمين، وكانوا يأمنونه على حوائجهم ؟ [10]
وأختم الرد على هذه الشبهة، بما ختم به الطوفي [11] كتابه: " الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية ": يقال لهم: بمنطقكم هذا، تلزمكم مقالة اليهود في أنهم إنما تنقصوا المسيح لأنه ليس صادق.
فإن قالوا: اليهود كفار عاندوا الله.
قلنا: كذلك نحن نقول عنكم بالنسبة إلى تنقص محمد r.
فإن قيل: اليهود عاندوا بعد قيام الحجة عليهم بالمعجزات.
قلنا: بل جاءتكم معجزات أوضح وأجلّ، ولكنكم عاندتم أو جهلتم.. ولو أعطيتم النظر حقه لوفقتم ورشدتم. [12]
6. زعم أنه rبأنه كان يصاب بنوبة من الصرع ثم يخرج إلى أصحابه بالقرآن الكريم، فهي أولاً تنسف كل ما يقولونه في الشبهات السابقة، حول مصادر القرآن الكريم البشرية، وما ذلك إلا مزيداً من تخبطهم وتناقضهم.
فلا يعقل أن يكلف ورقة بن نوفل أو بحيرا.. أو غيرهما شخصاً يُصاب بالصرع عادة، بمهمة النبي العظيمة، التي لم يستطع هو ذاته القيام بها؛ وإلا افتضح أمره.
ثانياً: معروف لدى الأطباء أن المصروع لا يمكن أن يتذكر ما يحدث له أثناء صرعه، فكيف بحفظ القرآن الكريم ؟ فالمصروع قد يدمر ما حوله، وعندما يفوق من صرعه ويهدأ ينكر ذلك كله بحجة أنه لا يتذكر ذلك. وهذا العرض معروف للصرع. [13]
فكيف إن كان ما تذكره كلاماً أعجز كل من حوله ؟
ثالثا: ما عرف عنه سيدنا محمد rمن رجاحة في عقله وهدوء ومنطق وإقناع في حديثه.. يناقض ذلك.
رابعاً: لم يأت أي عربي مصروع بمثل ما جاء به سيدنا محمد r،بل ولم يتلفظ بحكمة أو بيت شعر ألهمه به عقله أثناء صرعه.
خامساً: الحالة المذكورة للنبي rحين ينزل الوحي عليه بالقرآن، حالة من حالتين. [14] فكيف يتسق ويتآلف ما سمعه في كل حالة مع الأخرى، فيتألف قرآن عظيم معجز في نظمه ؟
سادساً: لا يُعقل أن تسمح خديجة لزوجها أن يعتكف في غار حراء وحيداً، شهراً كاملاً كل عام وهو يُصرع عادة.
سابعاً: من المعلوم أن المشركين كانوا يضعون حوائجهم عند سيدنا محمد r،وبقيت عنده قبيل الهجرة النبوية، حين أبقى علياً tليردها إلى أصحابها.. فهل كانوا يضعونها عند مصروع ؟
وكذا كان تعاملهم معه قبل الجهر بالنبوة. [15]
ثامناً: المصروع لا يستطيع إدارة شؤون بيته، بل شؤونه الشخصية، فكيف بإدارة دولة مترامية الأطراف، يحيط بها الأعداء من الخارج، ويتغلغل فيها المنافقون أعداء الداخل. فكان واضع أول دولة جمعت شتات العرب، بأبرع تخطيط إداري، وحضاري، وعسكري، وزراعي.. مع قدرة لم يُسبَق إليها في الخطابة والإقناع.
لقد تعرض سيدنا محمد rإلى ظروف ومرت به أحداث ينوء عن حملها أشد الرجال.. لا يعقل أن يصبر رجل مصروع على فراق الوطن.. وفقد الولد.. وألم الأذى.. وشماتة العدو، وتنكر الصديق، وعقوق القريب، ونيل الحاسد، وتشفي الحاقد، وتألب الخصوم، وتكالب الأحزاب، وتكاثر المناوئين، وصولة الباطل، وقلة الناصر، وشظف العيش.. وغلبة الخصم، وقتل القريب، وأسر الحبيب، وتشريد الأصحاب، والتنكيل بالأتباع، والجراح في البدن، وفزع التهديد.. وجلافة الأعراب، وصلف الجهلة..
ويصبر على خيانات اليهود، ومراوغة المنافقين، ومجابهة المشركين، وبُطئ استجابة المدعوين. ثم يصبر على فرح الفتح، وسرور الانتصار، وجلبة إقبال الدنيا...
لا يصدر كل ذلك إلا عن أحلم الناس وأعقلهم.
وصدق الله العظيم في رد شبهتهم في سورة الصافات: " وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ 36 بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ 37 ".
تاسعاً: الآراء في صرع بولس ـ الذي حرَّف النصرانية ـ أدلتها أقوى من مزاعم صرع سيدنا محمد r، وجميع كتب الأمراض النفسية الغربية عندما تؤرخ لمرض الصرع والمشاهير المصابون به تذكر مرض بولس بالصرع بأدلة تاريخية ونصوص من العهد الجديد. [16] فالأصل بهم أن يحذروا من نسبة الصرع إلى سيدنا محمد r، لأنهم بذلك يؤكدون صرع بولس، وأن ما جاء به من تغييرات وثنية في الديانة النصرانية ما هو إلا نتيجة مرضه النفسي، وبهذا ينهار أساس ديانتهم !
واختم هذا المبحث بشهادة مستشرق [17] منصف يرد فيها على تلك الشبهة: " لو كان محمد يعاني منذ طفولته من مرض عضال حقاً، لما تخلى عن تلك الذريعة أبداً. بل من غير المعقول أن ينجز رجل مريض ما أنجز محمد، فقد كان تاجراً موهوباً هادئ الطبع، وقراراته عادة ما تصدر عن غريزة سياسية ذكية متبصرة.. وكان قائداً بعيد النظر للدولة ولمجتمع ديني نام على حد سواء، وهذه كلها تظهر بما لا يدع مجالاً للشك أنه كان سليماً معافى.. والذين يقولون بهذا الكلام [أي شبهة الصرع] لم يحلوا المشكلة بقدر ما زادوها تعقيداً، ويجب أن يساورنا الشك مستقبلاً في إمكانية أي ظاهرة خلل في سلوك محمد ".
[1] الغرنوق طائر أبيض من الطيور التي تعيش قرب الماء. وكني بذلك الشاب الأبيض الناعم. انظر: لسان العرب لابن منظور10/287.
[2] انظر: الشفا، القاضي عياض 2/288-289. وزاد المسير، ابن الجوزي5/441. والبحر المحيط، أبي حيان، 6/381. والفتوحات الإلهية، الجمل5/207-210. ومفاتيح الغيب، الرازي12/ 50-55. وأحكام القرآن، ابن العربي3/1299. وروح المعاني، الآلوسي 17/177. وفتح القدير، الشوكاني، 3/362. وأضواء البيان، الشنقيطي 5/727. وفي ظلال القرآن، سيد قطب 4/2431. ومحاسن التأويل، القاسمي 12/52. وقضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية، د. فضل حسن عباس، ص118. والإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، ص81. وعتاب الرسول في القرآن، د. صلاح الخالدي، ص101.
[3] انظر بحثاً للشيخ محمد ناصر الدين الألباني بعنوان: " نصب المنجانيق لنسف قصة الغرانيق ". وهو موجود على الإنترنت في الرابط التالي: http://www.alhakekah.com/churche/K.zip
[4] روى البخاري في الجمعة باب سجدة النجم 1070 : " أَنَّ النَّبِيَّ rقَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ بِهَا، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ إِلَّا سَجَدَ.. ". ورواه مسلم في المساجد 576 والنسائي في الافتتاح 959 وأبو داود في الصلاة 1406 .
[5] روى البخاري في العلم باب إثم الكذب على النبي r 110: ".. وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي " ورواه مسلم في الرؤيا 2266 والترمذي في الرؤيا عن الرسول r 2280.
[6] انظر: السيرة النبوية، ابن هشام 2/31.
[7] قال تعالى: " فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ". [النحل: 98].
[8] قال تعالى: " وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ". [الجن: 6].
[9] كان اليهود يعَرِّضون بشرف المسيح قائلين: " لسنا مولودين من زِنًى " [يوحنا: 8/42]، أنقول إن اليهود هم معاصوه والأعلم به ؟!
[10] قال تعالى: " قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ " [الأنعام: 33] قال القرطبي في بيان سبب نزول الآية الكريمة: " إن رسول الله rمر بأبي جهل وأصحابه فقالوا: يا محمد، والله ما نكذبك وإنك عندنا لصادق ولكن نكذب ما جئت به. فنزلت هذه الآية ". انظر تفسيره، 6/416.
[11] هو سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصري الحنبلي ت 716هـ ، ولد في قرية طوفى قرب بغداد، درس ببغداد على يد عدد من العلماء أبرزهم ابن تيمية الجد والحافظ المزي. وبعد أن نبغ، درس تقي الدين ابن تيمية على يديه النحو في دمشق. له عدة كتب في الرد على النصارى منها: " تعاليق على الأناجيل الأربعة " و" تعاليق في الرد على جماعة من النصارى ". وقد كتب هذا الكتاب [الانتصارات الإسلامية] رداً على كتاب ألفه أحد المنصرين بعنوان: " السيف المرهق، في الرد على المصحف ". انظر: مقدمة المحقق [د. سالم القرني] للكتاب 1/22-181.
[12] انظر: الانتصارات الإسلامية 2/757 الحجة العاشرة .
[13] أيضاً من الأمور المعروفة في الصرع، ولم يشاهد أحد أياً منها على رسول الله r.. أنه قبيل استيقاظه من نوبة الصرع: يستمر المريض بحالة تخليط ذهني، وعدم اهتداء.. مع اضطراب الذاكرة وحركات لا إرادية كفرك اليدين والمضغ غالباً يعض لسانه مع اضطرابات وحدانية متتالية: حزن، فرح، اكتئاب، خوف، تيه.. وبعد استيقاظه: يشعر بالإرهاق وتعب هائل في عضلاته، نتيجة حركاته المتسارعة تستمر لساعات وقد تدوم لأيام. انظر: المرجع في الأمراض العصبية وجراحتها، د. منصور الشحادات وآخرون، ص: 88-110.
[14] الحالة الأولى: أن يأتي الوحي سيدنا محمداً rوالوحي في حالته الملائكية، فينسلخ النبي rمن حالته البشرية، ويرتقي إلى ما يقارب الملائكية، فيكون مجيئه كصلصلة الجرس؛ كي لا يختلط مع الوحي أي صوت من البيئة المحيطة، ويكون النبي rحاضر الانتباه له كلياً انظر ما رواه البخاري برقم: 4800 . والحالة الثانية: يأتيه بصورة رجل، ـ كدحية الكلبي tـ انظر ما رواه مسلم برقم: 2333 . وانظر: الإتقان للسيوطي ص120. والمدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة ص60.
[15] وهذا سر براعة التعبير البياني المعجز في قوله تعالى: " وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ " [التكوير: 22], فمحمد rصحبكم منذ ولادته، وأنتم الأعلم بسيرته الخلقية والمرضية، فإن لم تشهدوا عليه جنوناً من قبل فكيف تزعمونه اليوم بلا دليل. وإن كانوا صدقوه عندما وقف على الصفا، وأنذرهم.. فقالوا له: " ما جربنا عليك كذباً " [السيرة الحلبية1/459]. لماذا لم يقولوا نحن لا نستمع إلى مجنون ؟ وقبلها أقروا بمشورته في وضع الحجر الأسود.. وكل تلك الحوادث تبين رجاحة رأيه، ونظرة القوم إليه rدون كذب وتحيز.
[16] انظر: موقف بولس من تعاليم عيسى u، رسالة ماجستير غير منشورة، من إعداد الطالب: عماد الدين عبد الله الشنطي، جامعة آل البيت، الأردن، ص89-91.
[17] هو المستشرق نورمان، نقلاً عن كتاب: المستشرقون والقرآن، عمر لطفي العالم، ص50.
القلب الحزين
13-12-2013, 07:12 PM
شبهة حول مد الأرض ودحوها وكرويتها
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في تفسير القرآن وعلومه
مقدمة:
لما كان بيان أوجه الإعجاز القرآن الكريم، والكشف عن آياته البديعة، من أهم واجبات الأمة الإسلامية[1]، كان الدفاع عنها له نفس الحكم إن لم يكن أوجب.
منذ بداية التحدي بالقرآن الكريم، أخذ أعداء الإسلام يوجهون سهامهم إلى المحتوى المعجز للقرآن الكريم، محاولين النيل من هيبته في نفوس المؤمنين به ـ ومن يفكر في الإيمان به ـ بشتى الطرق.
كان محتوى القرآن الكريم ـ سبب عزة الأمة العربية الإسلامية ونهضتها ـ شوكة في حلق كل من تسول له نفسه التشكيك بإلهية مصدره، وتميز أسلوبه.. فكان ـ ومازال وسيبقى ـ الكتاب السماوي الوحيد الذي يحمل دليل صدقه بين دفتيه.
ولا يمكن إغفال ما للإعجاز القرآني ( وخاصة شواهد الإعجاز العلمي في العصر الحالي ) من أهمية في نشر الدعوة الإسلامية في شتى أرجاء الأرض.. مما جعل الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في العالم..
كان أثر معجزات الأنبياء السابقين محدوداً بحياة النبي ـ ليس دائماً مستمراً بعد وفاته ـ؛ لأنها موجهة لأقوام محددين خاصة، وكان الخطاب الدعوي بها لأهداف محددة بحياة ذلك النبي uفينتهي أثر معجزته بوفاته.
بينما محمد rخاتم الأنبياء، لا نبي بعده، ورسالته لكل الناس.. فوجَبَ أن تكون معجزته دائمة عامَّة.
فمن رحمة الله Yبالناس أن كان الشاهد على ربانية مصدر القرآن الكريم دليلاً معجزاً دائماً متجدداً بتجدد الحياة، وتطور معارف الناس وأنماط تفكيرهم، وأدوات بحثهم. ولم يجعله معجزة مؤقتة لعصر من العصور، وجيل محدود من الأجيال، وفي هذا كمال العدل، وكمال الحكمة..
ودليل ذلك أنك لو خاطبت ملحداً أن دليل صدق القرآن الكريم هو حنين جذع النخلة إلى النبي r، أو خروج الماء من بين أصابعه الشريفة، أو أنه كان يكثر الطعام القليل، أو أن عظم الشاة أخبرك بأنه مسموم.. الخ. فلن يتقبلها إلا بالسخرية منها والاستهزاء بالمؤمنين بها، ولعدَّها من خيالات المسلمين.
عن أبي هريرة tقَالَ: " قَالَ النَّبِيُّr: مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ، إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ. وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا، أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".[2]
وبهذا تتحقق الحكمة من كون المعجزة مما برع به الناس، ففي عهد الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كان للإعجاز البياني أعظم الأثر في إيمانهم، وفي العصر الحالي أصبح الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في أوساط العلماء والمثقفين الغربيين، بفضل جهود علماء الإعجاز العلمي.[3]
كل هذا يفسر سبب الهجوم على الإعجاز العلمي ودعاته، وحملات التشكيك المتتالية بما ذكره الجهابذة.
من خلال تتبع الشبهات التي يثيرها أعداء الإعجاز العلمي، يتيقن الباحث الموضوعي أن تلك الشبهات لا أساس علمي لها، بل إنها تزيد الإعجاز العلمي روعة ...
وسأذكر عشرين شاهداً على ذلك، من خلال تتبع شبهات الناقدين لموضوع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
أولاً: الأرض، حركتها، كرويتها:
نص الشبهة حرفياً:
" بعض الآيات التي تتحدث عن الأرض أنها ثابتة لا تتحرك خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم). سورة لقمان "31: 10 "
(وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي).الرعد "13: 3 .
(والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون). سورة الحجر "15: 19"
وجاء في سورة النحل (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون).
وجاء في سورة الأنبياء:31" (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون). الآيات التي ورد ذكرها أعلاه تقول عن الأرض: طحاها، مدت، مددناها، سطحت، مهاداً. وكل هذه المفردات تصف الأرض أنها منبسطة ومستوية. والعلم يقول أنها ليست منبسطة ولا مستوية. ثم هنالك المفردات التالية
عن الأرض أيضا: رواسي، تميد، أوتاداً. وكل هذه المفردات تعني الثبات وعدم الحركة.
وأن الجبال تعمل عمل الأوتاد في تثبيت الخيمة فهي أي الجبال تحفظ الأرض من الحركة وأنه لولا الله ثم هذه الجبال لمادت الأرض (أن تميد بكم)أي أختل توازنها وتسببت في سقوطكم، والميدإنما يكون للسطح المستوي المنبسط ولا يكون للسطح المدور الكروي الشكل …
قال الإمام النسفيتعليقا على سورة الرعد: (وهو الذي مد الأرض= أي بسطها) ".
وقال بعدها: " يقول تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها). وهى آية يتعمد كل (باحث إسلامي أن يوردها فى معرض التدليل على أن القرآن قد سبق زمانه بتحديد شكل الأرض شبه الكروي. فكلمة (دحاها) فى قاموس هؤلاء (الباحثين) تعنى جعلها كالدحية (وهى بيضة النعامة).
هذا التفسير، ليس له وجه فى اللغة[4].
فكلمة دحاها تعنى فقط بسطها ومدها. وقد أطلق العرب اسم (الأدحية) على المكان الذى تبيض فيه النعامة، وليس بيضها. لأن هذا الطائر لا يبنى عشاً، بل (يدحو الأرض برجله، حتى يبسط التراب ويوسعه ثم يبيض فيه). والدحية بكسر الدال هو رئيس الجند. والدحية بفتح الدال هى أنثى القرد".
جواب الشبهة:
1. دوران الأرض:
الآيات الكريمة التي استشهد بها تتكلم عن مراحل خلق الأرض، وأن الأرض كانت غير مستقرة (تميد) بمن عليها، فلما خلق الجبال استقرت.
وهذا ما صرح به الحديث الشريف: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ rقَالَ: " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ، جَعَلَتْ تَمِيدُ فَخَلَقَ الْجِبَالَ فَعَادَ بِهَا عَلَيْهَا، فَاسْتَقَرَّتْ.. ".[5]
والمقصود باستقرارها: عدم اضطرابها واهتزازها، وسيأتي مفصلاً في الحديث عن الجبال قريباً.
ومن أدلة دوران الأرض حول الشمس في القرآن الكريم:[6]
قال تعالى: " وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ " [يس: 37].
ووجه دلالته أنه يوافق ما كشف عنه العلم الحديث من أن الأصل فيما يحيط الأرض هو الليل (الظلام)، وأن الجزء الذي تتكون فيه حالة النهار هو الهواء الذي يحيط بالأرض، ويمثل قشرة رقيقة تشبه الجلد.
فإذا دارت الأرض، سُلِخت حالة النهار الرقيقة التي كونتها انعكاسات أشعة الشمس.. فيحدث بهذا الدوران، سلخ النهار من الليل.
2. كروية الأرض:
مد الأرض وبسطها يقتضي تكويرها؛ لأن أي شكل هندسي آخر (مثلث، مربع، خماسي..) لابد أن يكون فيه انحناء عند الانتقال من ضلع إلى آخر..
انظر الشكل التالي ويمثل عدة أشكال هندسية، وتم التعبير عن كل ضلع بحرف خاص (أ، ب، ج ..) عدا الدائرة؛ فليس لها أضلاع.
http://www.quran-m.com/firas/photo_lang/english/10/Clip_4_resize.jpg
كما أن في التعبير القرآني المعجز عن انبساط وامتداد الأرض التقاء للحقيقتين الحسية المشاهَدة، والعلمية:
فهي من حيث العين المبصرة: ممتدة ومنبسطة مما يسهل الحياة عليها.. فلو كانت ذات أي شكل هندسي غير الدائرة، لرأيت انحناءها وأنت واقف على أحد أضلاعها.
وهي من حيث الاكتشافات العلمية:دائرية، لأن الشكل الدائري يدل على بسطها. فالدائرة هي الشكل الهندسي الوحيد الذي يمكن أن تكون الأرض فيه ممدودة في كل نقطة تقف عليها منها.
ولم يثبت أن شوهِد أحد ينحني طريقه وهو يسير على الأرض في أي من بقاعها، كما ينحني طريق من يسير من ضلع (أ) إلى (ب).[7]
فمن تذليل الله Yللحياة على سطح الأرض تكويرها، فلولا كرويتها لاستحالت الحياة عليها. كما أن النعامة تدحي مكان عشها وتسويه لتجعله ميسراً ممهداً لوضع البيض، فلولا ذلك لكسر البيض.
ولا يُعقَل أن ( تبسط) النعامة الأرض، فتصبح منبسطة كالمرآة، لتضع بيضها؛ وإلا سيتدحرج بعيداً، ولما استطاعت جمعه لحضنه، وما أمنت عليه من الأعين، وعاديات الزمان والمكان.
كيف وإن كانت النعامة تضع بيضها بالطول[8]ـ وذلك حتى يتوزع دفء الحَضْن على أكبر مساحة من بيضتها الأكبر بين البيوض ـ كل هذه الاعتبارات، تقتضي أن لا يكون عش النعامة سوى حفرة في الأرض..
أي: نصف كرة سفلي ( بحسب الناظر من الأعلى إلى الأسفل )
http://www.quran-m.com/firas/photo_lang/english/10/Clip_5.jpg
http://www.quran-m.com/firas/photo_lang/english/10/getimg.jpg
انظر الصورة التالية:[9]
ومن هنا يتبين أن النعامة تدحي ( تهيء ) الأرض الصلبة لاستقبال البيض فلا يتكسر عند وضعه، وتكون ملائمة لحفظه عن العيون وحَضنِهِ وعدم تدحرجه.. وما يكون ذلك إلا بضرب رجلها على الأرض الصلبة وتقعيرها إلى الداخل، صانعة العش.
ذلك العش الذي يبدو للناظر ـ غير المدقق ـ أنه مستوٍ وهو في الحقيقة متقعر نحو الأسفل. وهنا وجه الشبه بين الأرض والدحية..
ووجه شبه آخر: أن الأرض أيضاً قد دحاها ( هيأها ) الله Yللخليفة على الأرض، فهي حاضنته الرؤوم، الذي لولا تلك التهيئة لما استطاع العيش عليها.
إذاً: لو كان عش النعامة مستوٍ لما استطاعت حضن البيض، ولو باضت على الأرض الصلبة قبل ضربها برجلها جاعلةً منها تراباً ناعماً، لتكسر البيض...
كما لو كانت الأرض كلها مستوية مسطحة، لما أمكن للأرض أن تحتضن الماء على سطحها بأي شكل (بحار وأنهار وسيول...). ولو كانت الأرض صلدة بلا تراب، لما أنبتت المرعى..
صدق الله العظيم حيث يقول في سورة النازعات: " وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) ".
ومن الأدلة الأخرى على كروية الأرض في القرآن الكريم:
1. قوله تعالى: " خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ " [الزمر: 5].
تبين الآية الكريمة أن الليل والنهار خلقا على هيئة التكوير، وبما أن الليل والنهار وجدا على سطح الأرض معاً، فلا يمكن أن يكونا على هيئة التكوير، إلا إذا كانت الأرض نفسها كروية. [10]
ولو أن البقعة التي يغطيها النهار لا تساوي في المساحة القطعة التي يغطيها الليل، لما شكلا معاً شكل كرة؛ بل الشرط الرفيع الفاصل بينهما سيكون على شكل هندسي آخر ـ بحسب مساحته على سطح الأرض ـ. وهنا التعبير المعجز الدقيق:" يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ "أي: نصف الكرة الأرضية نهار، والنصف الآخر ليل.
2. قوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [الرعد: 3].
قال الرازي: " المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه، فقوله: " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ". يشعر بأنه تعالى جعل حجم الأرض حجماً عظيماً لا يقع البصر على منتهاه، لأن الأرض لو كانت أصغر حجما مما هي الآن عليه لما كمل الانتفاع به... والكرة إذا كانت في غاية الكبر، كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح ".[11]
قول الإمام الرازي هذا، يبين استباط علماء المسلمين أن الأرض كروية، من خلال الآية الكريمة.[12]
3. قوله تعالى: " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ " [الرعد: 41].وقوله: " أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ " [الأنبياء: 44].
وهذا ظاهر للذي يسير من وسط الأرض إلى أيٍّ من أطرافها، ولا يكون إلا في الشكل الكروي.
[1] قال القاضي الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن ص22: " ومن أهم ما يجب على أهل دين الله كشفه، وأولى ما يلزم بحثه، ما كان لأصل دينهم قواماً، ولقاعدة توحيدهم عماداً ونظاماً، وعلى صدق نبيهم rبرهاناً، ولمعجزته ثبتاً وحجة. لا سيما والجهل ممدود الرواق، شديد النفاق، مستولٍ على الآفاق. والعلم إلى عفاء ودروس، وعلى خفاء وطموس، وأهلهم في جفوة الزمن البهيم، يقاسون من عبوسه لقاء الأسد الشتيم [كريه المنظر]. حتى صار ما يكابدونه قاطعاً عن الواجب من سلوك مناهجه، والأخذ في سبيله ". إن كان ذلك كلام الباقلاني المتوفى سنة (403هـ عن حال العلم في مجتمعه، وتلك استغاثته بعلماء ذلك الزمان، رغم أنه كان للإسلام دولة تحميه، وعلماء أكفاء يذودون عن حياضه، لا يخافون لومة لائم.. فكيف بنا في هذا الزمان ؟
[2] رواه البخاري في فضائل القرآن باب: كيف نزل الوحي (4981. قال ابن حجر في فتح الباري 15/173 " معنى الحصر في قوله: " إنما كان الذي أوتيته ": أن القرآن أعظم المعجزات، وأفيدها، وأدومها؛ لاشتماله على الدعوة، والحجة، ودوام الانتفاع به، إلى آخر الدهر. فلما كان لا شيء يقاربه ـ فضلاً عن أن يساويه ـ كان ما عداه بالنسبة إليه كأن لم يقع ".
[3] اكتب عبارة " أسرع الأدين انتشاراً " في أي محرك بحث وانظر ما ترى... ومن ذلك : صرح (جورج بوش رئيس الولايات المتحدة أن الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في الولايات المتحدة الأمريكية، انظر خطاب (بوش الذي نشره موقع وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 16/11/2003م على الرابط التالي:
http://usinfo.state.gov/arabic/mena/1116rmadan.htm
كما أنه أسرع الأديان انتشاراً في كندا ـ يتزايد بنسبة (128% ـ:
http://news.masrawy.com/masrawynews/16052003/138213news.htm
وأسرع الأديان انتشاراً في بريطانياً. وخاصة بين مدرسي الرياضيات والعلوم وأساتذة الجامعات (بمعدل 14 ألفاً كل عام:
http://www.islamonline.net/Arabic/news/2004-02/23/article01.shtml
[4] بل هذا وجه من البلاغة معروف: وهو التعبير بالمحل، عن الحالِّ بالمحل. جاء في كتاب: " معجم الألفاظ العامية ذات الحقيقة في الأصول العربية "، للدكتور: عبد المنعم العال، ص233: " نقول في دارجتنا: الدَّحْيُ البَيْض. والمفرد: دَحية.. والأُدحوة مبيض النعام في الرمل، وهو مجاز مرسل علاقته المكانية ". وجهله بذلك حجة عليه، ليس حجة له.
[5] رواه الترمذي في تفسير القرآن باب ومن سورة المعوذتين (3369 وقال: غريب. وله شاهد بمعناه عند أحمد باقي مسند المكثرين 3/124 وأبي يعلى في مسنده 7/285 وعبد بن حميد في مسنده 1/365 والضياء في المختارة 6/153 (2149 وقال: إسناده حسن.
[6] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص206-209.
[7] هذا الفهم ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى 6 / 587 وما بعدها:
" سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي كَيْفِيَّةِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ هَلْ هُمَا جِسْمَانِ كُرِّيَّانِ ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: كُرِّيَّانِ; وَأَنْكَرَ الآخَرُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَقَالَ: لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ، وَرَدَّهَا.. فَمَا الصَّوَابُ ؟
فَأَجَابَ: " السَّمَاوَاتُ مُسْتَدِيرَةٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ حَكَى إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ. مِثْلُ: أَبِي الْحُسَيْنِ أَحْمَد بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْمُنَادِي ـ أَحَدِ الأَعْيَانِ الْكِبَارِ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَد وَلَهُ نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةِ مُصَنَّفٍ ـ. وَحَكَى الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ، وَأَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ. وَرَوَى الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ بِالأَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَذَكَرُوا ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَبَسَطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِالدَّلائِلِ السَّمْعِيَّةِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا دَلائِلُ حِسَابِيَّةٌ. وَلا أَعْلَمُ فِي عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمَعْرُوفِينَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ; إلا فِرْقَةٌ يَسِيرَةٌ مَنْ أَهْلِ الْجَدَلِ لَمَّا نَاظَرُوا الْمُنَجِّمِينَ فَأَفْسَدُوا عَلَيْهِمْ فَاسِدَ مَذْهَبِهِمْ فِي الأَحْوَالِ وَالتَّأْثِيرِ، خَلَطُوا الْكَلامَ مَعَهُمْ بِالْمُنَاظَرَةِ فِي الْحِسَابِ وَقَالُوا عَلَى سَبِيلِ التَّجْوِيزِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُرَبَّعَةً أَوْ مُسَدَّسَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ; وَلَمْ يَنْفُوا أَنْ تَكُونَ مُسْتَدِيرَةً لَكِنْ جَوَّزُوا ضِدَّ ذَلِكَ. وَمَا عَلِمْتُ مَنْ قَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُسْتَدِيرَةٍ ـ وَجَزَمَ بِذَلِكَ ـ إلا مَنْ لا يُؤْبَهُ لَهُ مِنْ الْجُهَّالِ.
وَمِنْ الأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ". [الأنبياء: 33].
وَقَالَ تَعَالَى: " لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ولا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ " [يس: 40].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ: فِي فَلْكَةٍ مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِالاسْتِدَارَةِ وَالدَّوَرَانِ وَأَصْلُ ذَلِكَ: أَنَّ " الْفَلَكَ فِي اللُّغَةِ " هُوَ الشَّيْءُ الْمُسْتَدِيرُ يُقَالُ تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إذَا اسْتَدَارَ وَيُقَالُ لِفَلْكَةِ الْمِغْزَلِ الْمُسْتَدِيرَةِ فَلْكَةٌ ; لاسْتِدَارَتِهَا. فَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ عَلَى أَنَّ " الْفَلَكَ " هُوَ الْمُسْتَدِيرُ وَالْمَعْرِفَةُ لِمَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ: مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ مِنْ السَّلَفِ وَمِنْ اللُّغَةِ: الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا وَهِيَ لُغَةُ الْعَرَبِ.
وَقَالَ تَعَالَى: " يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ " [الزمر: 5]. قَالُوا: و" التَّكْوِيرُ " التَّدْوِيرُ يُقَالُ: كَوَّرْت الْعِمَامَةَ وَكَوَّرْتهَا: إذَا دَوَّرْتهَا وَيُقَالُ: لِلْمُسْتَدِيرِ كَارَةٌ وَأَصْلُهُ " كورة " تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا. وَيُقَالُ أَيْضًا: " كُرَةٌ " وَأَصْلُهُ كُورَةٌ وَإِنَّمَا حُذِفَتْ عَيْنُ الْكَلِمَةِ كَمَا قِيلَ فِي ثُبَةٍ وَقُلَةٍ.
وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَسَائِرُ أَحْوَالِ الزَّمَانِ تَابِعَةٌ لِلْحَرَكَةِ ; فَإِنَّ الزَّمَانَ مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ ; وَالْحَرَكَةُ قَائِمَةٌ بِالْجِسْمِ الْمُتَحَرِّكِ فَإِذَا كَانَ الزَّمَانُ التَّابِعُ لِلْحَرَكَةِ التَّابِعَةِ لِلْجِسْمِ مَوْصُوفًا بِالاسْتِدَارَةِ كَانَ الْجِسْمُ أَوْلَى بِالِاسْتِدَارَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: " مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ " [الملك: 3]. وَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ إلا أَجْسَامُ مَا هُوَ مُتَشَابِهٌ [يقصد كروي الشكل كالنجوم والكواكب]. َأَمَّا التَّثْلِيثُ وَالتَّرْبِيعُ وَالتَّخْمِيسُ والتَّسْدِيسُ وَغَيْرُ ذَلِكَ: فَفِيهَا تَفَاوُتٌ وَاخْتِلافٌ بِالزَّوَايَا وَالأَضْلاعِ لا خِلافَ فِيهِ ولا تَفَاوُتَ.. ". ثم أطال ـ رحمه الله ـ في ذكرة الأدلة عليه.
ويتبين صواب ذلك بالمقارنة مع المذكور في الكتب المقدسة لليهود والنصارى، حين أثبتوا أن للأرض أربع زوايا !! ورد في سفر الرؤيا [7/1]: " وَرَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى زَوَايَا الأَرْضِ الأَرْبَعِ، يَحْبِسُونَ رِيَاحَ الأَرْضِ الأَرْبَعَ، فَلاَ تَهُبُّ رِيحٌ عَلَى بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ شَجَرٍ ". ومثله في سفر حزقيال [7/2]: " النهاية قد أزفت على زوايا الأرض الأربع ".
فأي الكتابَبين أولى بالنقد، القرآن الكريم (الذي نفى الزوايا عن الأرض أم الكتاب المقدس (الذي أثبتها ؟!
[8] انظر: مباهج الفكر ومناهج العبر، محمد بن إبراهيم الوطواط، تحقيق: د. عبد الرزاق الحربي، ص 287.
[9] نقلاً عن الموقع التالي:
www.hedweb.com/ animimag/osteggs.jpg
[10] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص230-233.
[11] مفاتيح الغيب، الرازي 19/1.
[12] لمعرفة أقوال غيره من العلماء المسلمين في أدلة وجوب القول بكروية الأرض، انظر:
http://www.aljame3.com/forums/index.php?showtopic=7254&st=0
القلب الحزين
13-12-2013, 07:21 PM
شبهة حول مد الأرض ودحوها وكرويتها
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في تفسير القرآن وعلومه
مقدمة:
لما كان بيان أوجه الإعجاز القرآن الكريم، والكشف عن آياته البديعة، من أهم واجبات الأمة الإسلامية[1]، كان الدفاع عنها له نفس الحكم إن لم يكن أوجب.
منذ بداية التحدي بالقرآن الكريم، أخذ أعداء الإسلام يوجهون سهامهم إلى المحتوى المعجز للقرآن الكريم، محاولين النيل من هيبته في نفوس المؤمنين به ـ ومن يفكر في الإيمان به ـ بشتى الطرق.
كان محتوى القرآن الكريم ـ سبب عزة الأمة العربية الإسلامية ونهضتها ـ شوكة في حلق كل من تسول له نفسه التشكيك بإلهية مصدره، وتميز أسلوبه.. فكان ـ ومازال وسيبقى ـ الكتاب السماوي الوحيد الذي يحمل دليل صدقه بين دفتيه.
ولا يمكن إغفال ما للإعجاز القرآني ( وخاصة شواهد الإعجاز العلمي في العصر الحالي ) من أهمية في نشر الدعوة الإسلامية في شتى أرجاء الأرض.. مما جعل الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في العالم..
كان أثر معجزات الأنبياء السابقين محدوداً بحياة النبي ـ ليس دائماً مستمراً بعد وفاته ـ؛ لأنها موجهة لأقوام محددين خاصة، وكان الخطاب الدعوي بها لأهداف محددة بحياة ذلك النبي uفينتهي أثر معجزته بوفاته.
بينما محمد rخاتم الأنبياء، لا نبي بعده، ورسالته لكل الناس.. فوجَبَ أن تكون معجزته دائمة عامَّة.
فمن رحمة الله Yبالناس أن كان الشاهد على ربانية مصدر القرآن الكريم دليلاً معجزاً دائماً متجدداً بتجدد الحياة، وتطور معارف الناس وأنماط تفكيرهم، وأدوات بحثهم. ولم يجعله معجزة مؤقتة لعصر من العصور، وجيل محدود من الأجيال، وفي هذا كمال العدل، وكمال الحكمة..
ودليل ذلك أنك لو خاطبت ملحداً أن دليل صدق القرآن الكريم هو حنين جذع النخلة إلى النبي r، أو خروج الماء من بين أصابعه الشريفة، أو أنه كان يكثر الطعام القليل، أو أن عظم الشاة أخبرك بأنه مسموم.. الخ. فلن يتقبلها إلا بالسخرية منها والاستهزاء بالمؤمنين بها، ولعدَّها من خيالات المسلمين.
عن أبي هريرة tقَالَ: " قَالَ النَّبِيُّr: مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ، إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ. وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا، أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".[2] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn2)
وبهذا تتحقق الحكمة من كون المعجزة مما برع به الناس، ففي عهد الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كان للإعجاز البياني أعظم الأثر في إيمانهم، وفي العصر الحالي أصبح الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في أوساط العلماء والمثقفين الغربيين، بفضل جهود علماء الإعجاز العلمي.[3] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn3)
كل هذا يفسر سبب الهجوم على الإعجاز العلمي ودعاته، وحملات التشكيك المتتالية بما ذكره الجهابذة.
من خلال تتبع الشبهات التي يثيرها أعداء الإعجاز العلمي، يتيقن الباحث الموضوعي أن تلك الشبهات لا أساس علمي لها، بل إنها تزيد الإعجاز العلمي روعة ...
وسأذكر عشرين شاهداً على ذلك، من خلال تتبع شبهات الناقدين لموضوع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
أولاً: الأرض، حركتها، كرويتها:
نص الشبهة حرفياً:
" بعض الآيات التي تتحدث عن الأرض أنها ثابتة لا تتحرك خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم). سورة لقمان "31: 10 "
(وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي).الرعد "13: 3 .
(والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون). سورة الحجر "15: 19"
وجاء في سورة النحل (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون).
وجاء في سورة الأنبياء:31" (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون). الآيات التي ورد ذكرها أعلاه تقول عن الأرض: طحاها، مدت، مددناها، سطحت، مهاداً. وكل هذه المفردات تصف الأرض أنها منبسطة ومستوية. والعلم يقول أنها ليست منبسطة ولا مستوية. ثم هنالك المفردات التالية
عن الأرض أيضا: رواسي، تميد، أوتاداً. وكل هذه المفردات تعني الثبات وعدم الحركة.
وأن الجبال تعمل عمل الأوتاد في تثبيت الخيمة فهي أي الجبال تحفظ الأرض من الحركة وأنه لولا الله ثم هذه الجبال لمادت الأرض (أن تميد بكم)أي أختل توازنها وتسببت في سقوطكم، والميدإنما يكون للسطح المستوي المنبسط ولا يكون للسطح المدور الكروي الشكل …
قال الإمام النسفيتعليقا على سورة الرعد: (وهو الذي مد الأرض= أي بسطها) ".
وقال بعدها: " يقول تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها). وهى آية يتعمد كل (باحث إسلامي أن يوردها فى معرض التدليل على أن القرآن قد سبق زمانه بتحديد شكل الأرض شبه الكروي. فكلمة (دحاها) فى قاموس هؤلاء (الباحثين) تعنى جعلها كالدحية (وهى بيضة النعامة).
هذا التفسير، ليس له وجه فى اللغة[4].
فكلمة دحاها تعنى فقط بسطها ومدها. وقد أطلق العرب اسم (الأدحية) على المكان الذى تبيض فيه النعامة، وليس بيضها. لأن هذا الطائر لا يبنى عشاً، بل (يدحو الأرض برجله، حتى يبسط التراب ويوسعه ثم يبيض فيه). والدحية بكسر الدال هو رئيس الجند. والدحية بفتح الدال هى أنثى القرد".
جواب الشبهة:
1. دوران الأرض:
الآيات الكريمة التي استشهد بها تتكلم عن مراحل خلق الأرض، وأن الأرض كانت غير مستقرة (تميد) بمن عليها، فلما خلق الجبال استقرت.
وهذا ما صرح به الحديث الشريف: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ rقَالَ: " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ، جَعَلَتْ تَمِيدُ فَخَلَقَ الْجِبَالَ فَعَادَ بِهَا عَلَيْهَا، فَاسْتَقَرَّتْ.. ".[5] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn5)
والمقصود باستقرارها: عدم اضطرابها واهتزازها، وسيأتي مفصلاً في الحديث عن الجبال قريباً.
ومن أدلة دوران الأرض حول الشمس في القرآن الكريم:[6]
قال تعالى: " وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ " [يس: 37].
ووجه دلالته أنه يوافق ما كشف عنه العلم الحديث من أن الأصل فيما يحيط الأرض هو الليل (الظلام)، وأن الجزء الذي تتكون فيه حالة النهار هو الهواء الذي يحيط بالأرض، ويمثل قشرة رقيقة تشبه الجلد.
فإذا دارت الأرض، سُلِخت حالة النهار الرقيقة التي كونتها انعكاسات أشعة الشمس.. فيحدث بهذا الدوران، سلخ النهار من الليل.
2. كروية الأرض:
مد الأرض وبسطها يقتضي تكويرها؛ لأن أي شكل هندسي آخر (مثلث، مربع، خماسي..) لابد أن يكون فيه انحناء عند الانتقال من ضلع إلى آخر..
انظر الشكل التالي ويمثل عدة أشكال هندسية، وتم التعبير عن كل ضلع بحرف خاص (أ، ب، ج ..) عدا الدائرة؛ فليس لها أضلاع.
http://www.quran-m.com/firas/photo_lang/english/10/Clip_4_resize.jpg
كما أن في التعبير القرآني المعجز عن انبساط وامتداد الأرض التقاء للحقيقتين الحسية المشاهَدة، والعلمية:
فهي من حيث العين المبصرة: ممتدة ومنبسطة مما يسهل الحياة عليها.. فلو كانت ذات أي شكل هندسي غير الدائرة، لرأيت انحناءها وأنت واقف على أحد أضلاعها.
وهي من حيث الاكتشافات العلمية:دائرية، لأن الشكل الدائري يدل على بسطها. فالدائرة هي الشكل الهندسي الوحيد الذي يمكن أن تكون الأرض فيه ممدودة في كل نقطة تقف عليها منها.
ولم يثبت أن شوهِد أحد ينحني طريقه وهو يسير على الأرض في أي من بقاعها، كما ينحني طريق من يسير من ضلع (أ) إلى (ب).[7]
فمن تذليل الله Yللحياة على سطح الأرض تكويرها، فلولا كرويتها لاستحالت الحياة عليها. كما أن النعامة تدحي مكان عشها وتسويه لتجعله ميسراً ممهداً لوضع البيض، فلولا ذلك لكسر البيض.
ولا يُعقَل أن ( تبسط) النعامة الأرض، فتصبح منبسطة كالمرآة، لتضع بيضها؛ وإلا سيتدحرج بعيداً، ولما استطاعت جمعه لحضنه، وما أمنت عليه من الأعين، وعاديات الزمان والمكان.
كيف وإن كانت النعامة تضع بيضها بالطول[8]ـ وذلك حتى يتوزع دفء الحَضْن على أكبر مساحة من بيضتها الأكبر بين البيوض ـ كل هذه الاعتبارات، تقتضي أن لا يكون عش النعامة سوى حفرة في الأرض..
أي: نصف كرة سفلي ( بحسب الناظر من الأعلى إلى الأسفل )
http://www.quran-m.com/firas/photo_lang/english/10/Clip_5.jpg
http://www.quran-m.com/firas/photo_lang/english/10/getimg.jpg
انظر الصورة التالية:[9]
ومن هنا يتبين أن النعامة تدحي ( تهيء ) الأرض الصلبة لاستقبال البيض فلا يتكسر عند وضعه، وتكون ملائمة لحفظه عن العيون وحَضنِهِ وعدم تدحرجه.. وما يكون ذلك إلا بضرب رجلها على الأرض الصلبة وتقعيرها إلى الداخل، صانعة العش.
ذلك العش الذي يبدو للناظر ـ غير المدقق ـ أنه مستوٍ وهو في الحقيقة متقعر نحو الأسفل. وهنا وجه الشبه بين الأرض والدحية..
ووجه شبه آخر: أن الأرض أيضاً قد دحاها ( هيأها ) الله Yللخليفة على الأرض، فهي حاضنته الرؤوم، الذي لولا تلك التهيئة لما استطاع العيش عليها.
إذاً: لو كان عش النعامة مستوٍ لما استطاعت حضن البيض، ولو باضت على الأرض الصلبة قبل ضربها برجلها جاعلةً منها تراباً ناعماً، لتكسر البيض...
كما لو كانت الأرض كلها مستوية مسطحة، لما أمكن للأرض أن تحتضن الماء على سطحها بأي شكل (بحار وأنهار وسيول...). ولو كانت الأرض صلدة بلا تراب، لما أنبتت المرعى..
صدق الله العظيم حيث يقول في سورة النازعات: " وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) ".
ومن الأدلة الأخرى على كروية الأرض في القرآن الكريم:
1. قوله تعالى: " خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ " [الزمر: 5].
تبين الآية الكريمة أن الليل والنهار خلقا على هيئة التكوير، وبما أن الليل والنهار وجدا على سطح الأرض معاً، فلا يمكن أن يكونا على هيئة التكوير، إلا إذا كانت الأرض نفسها كروية. [10]
ولو أن البقعة التي يغطيها النهار لا تساوي في المساحة القطعة التي يغطيها الليل، لما شكلا معاً شكل كرة؛ بل الشرط الرفيع الفاصل بينهما سيكون على شكل هندسي آخر ـ بحسب مساحته على سطح الأرض ـ. وهنا التعبير المعجز الدقيق:" يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ "أي: نصف الكرة الأرضية نهار، والنصف الآخر ليل.
2. قوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [الرعد: 3].
قال الرازي: " المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه، فقوله: " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ". يشعر بأنه تعالى جعل حجم الأرض حجماً عظيماً لا يقع البصر على منتهاه، لأن الأرض لو كانت أصغر حجما مما هي الآن عليه لما كمل الانتفاع به... والكرة إذا كانت في غاية الكبر، كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح ".[11]
قول الإمام الرازي هذا، يبين استباط علماء المسلمين أن الأرض كروية، من خلال الآية الكريمة.[12]
3. قوله تعالى: " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ " [الرعد: 41].وقوله: " أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ " [الأنبياء: 44].
وهذا ظاهر للذي يسير من وسط الأرض إلى أيٍّ من أطرافها، ولا يكون إلا في الشكل الكروي.
[1] قال القاضي الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن ص22: " ومن أهم ما يجب على أهل دين الله كشفه، وأولى ما يلزم بحثه، ما كان لأصل دينهم قواماً، ولقاعدة توحيدهم عماداً ونظاماً، وعلى صدق نبيهم rبرهاناً، ولمعجزته ثبتاً وحجة. لا سيما والجهل ممدود الرواق، شديد النفاق، مستولٍ على الآفاق. والعلم إلى عفاء ودروس، وعلى خفاء وطموس، وأهلهم في جفوة الزمن البهيم، يقاسون من عبوسه لقاء الأسد الشتيم [كريه المنظر]. حتى صار ما يكابدونه قاطعاً عن الواجب من سلوك مناهجه، والأخذ في سبيله ". إن كان ذلك كلام الباقلاني المتوفى سنة (403هـ عن حال العلم في مجتمعه، وتلك استغاثته بعلماء ذلك الزمان، رغم أنه كان للإسلام دولة تحميه، وعلماء أكفاء يذودون عن حياضه، لا يخافون لومة لائم.. فكيف بنا في هذا الزمان ؟
[2] رواه البخاري في فضائل القرآن باب: كيف نزل الوحي (4981. قال ابن حجر في فتح الباري 15/173 " معنى الحصر في قوله: " إنما كان الذي أوتيته ": أن القرآن أعظم المعجزات، وأفيدها، وأدومها؛ لاشتماله على الدعوة، والحجة، ودوام الانتفاع به، إلى آخر الدهر. فلما كان لا شيء يقاربه ـ فضلاً عن أن يساويه ـ كان ما عداه بالنسبة إليه كأن لم يقع ".
[3] اكتب عبارة " أسرع الأدين انتشاراً " في أي محرك بحث وانظر ما ترى... ومن ذلك : صرح (جورج بوش رئيس الولايات المتحدة أن الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في الولايات المتحدة الأمريكية، انظر خطاب (بوش الذي نشره موقع وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 16/11/2003م على الرابط التالي:
http://usinfo.state.gov/arabic/mena/1116rmadan.htm
كما أنه أسرع الأديان انتشاراً في كندا ـ يتزايد بنسبة (128% ـ:
http://news.masrawy.com/masrawynews/16052003/138213news.htm
وأسرع الأديان انتشاراً في بريطانياً. وخاصة بين مدرسي الرياضيات والعلوم وأساتذة الجامعات (بمعدل 14 ألفاً كل عام:
http://www.islamonline.net/Arabic/news/2004-02/23/article01.shtml
[4] بل هذا وجه من البلاغة معروف: وهو التعبير بالمحل، عن الحالِّ بالمحل. جاء في كتاب: " معجم الألفاظ العامية ذات الحقيقة في الأصول العربية "، للدكتور: عبد المنعم العال، ص233: " نقول في دارجتنا: الدَّحْيُ البَيْض. والمفرد: دَحية.. والأُدحوة مبيض النعام في الرمل، وهو مجاز مرسل علاقته المكانية ". وجهله بذلك حجة عليه، ليس حجة له.
[5] رواه الترمذي في تفسير القرآن باب ومن سورة المعوذتين (3369 وقال: غريب. وله شاهد بمعناه عند أحمد باقي مسند المكثرين 3/124 وأبي يعلى في مسنده 7/285 وعبد بن حميد في مسنده 1/365 والضياء في المختارة 6/153 (2149 وقال: إسناده حسن.
[6] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص206-209.
[7] هذا الفهم ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى 6 / 587 وما بعدها:
" سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي كَيْفِيَّةِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ هَلْ هُمَا جِسْمَانِ كُرِّيَّانِ ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: كُرِّيَّانِ; وَأَنْكَرَ الآخَرُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَقَالَ: لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ، وَرَدَّهَا.. فَمَا الصَّوَابُ ؟
فَأَجَابَ: " السَّمَاوَاتُ مُسْتَدِيرَةٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ حَكَى إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ. مِثْلُ: أَبِي الْحُسَيْنِ أَحْمَد بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْمُنَادِي ـ أَحَدِ الأَعْيَانِ الْكِبَارِ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَد وَلَهُ نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةِ مُصَنَّفٍ ـ. وَحَكَى الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ، وَأَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ. وَرَوَى الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ بِالأَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَذَكَرُوا ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَبَسَطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِالدَّلائِلِ السَّمْعِيَّةِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا دَلائِلُ حِسَابِيَّةٌ. وَلا أَعْلَمُ فِي عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمَعْرُوفِينَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ; إلا فِرْقَةٌ يَسِيرَةٌ مَنْ أَهْلِ الْجَدَلِ لَمَّا نَاظَرُوا الْمُنَجِّمِينَ فَأَفْسَدُوا عَلَيْهِمْ فَاسِدَ مَذْهَبِهِمْ فِي الأَحْوَالِ وَالتَّأْثِيرِ، خَلَطُوا الْكَلامَ مَعَهُمْ بِالْمُنَاظَرَةِ فِي الْحِسَابِ وَقَالُوا عَلَى سَبِيلِ التَّجْوِيزِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُرَبَّعَةً أَوْ مُسَدَّسَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ; وَلَمْ يَنْفُوا أَنْ تَكُونَ مُسْتَدِيرَةً لَكِنْ جَوَّزُوا ضِدَّ ذَلِكَ. وَمَا عَلِمْتُ مَنْ قَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُسْتَدِيرَةٍ ـ وَجَزَمَ بِذَلِكَ ـ إلا مَنْ لا يُؤْبَهُ لَهُ مِنْ الْجُهَّالِ.
وَمِنْ الأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ". [الأنبياء: 33].
وَقَالَ تَعَالَى: " لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ولا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ " [يس: 40].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ: فِي فَلْكَةٍ مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِالاسْتِدَارَةِ وَالدَّوَرَانِ وَأَصْلُ ذَلِكَ: أَنَّ " الْفَلَكَ فِي اللُّغَةِ " هُوَ الشَّيْءُ الْمُسْتَدِيرُ يُقَالُ تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إذَا اسْتَدَارَ وَيُقَالُ لِفَلْكَةِ الْمِغْزَلِ الْمُسْتَدِيرَةِ فَلْكَةٌ ; لاسْتِدَارَتِهَا. فَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ عَلَى أَنَّ " الْفَلَكَ " هُوَ الْمُسْتَدِيرُ وَالْمَعْرِفَةُ لِمَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ: مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ مِنْ السَّلَفِ وَمِنْ اللُّغَةِ: الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا وَهِيَ لُغَةُ الْعَرَبِ.
وَقَالَ تَعَالَى: " يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ " [الزمر: 5]. قَالُوا: و" التَّكْوِيرُ " التَّدْوِيرُ يُقَالُ: كَوَّرْت الْعِمَامَةَ وَكَوَّرْتهَا: إذَا دَوَّرْتهَا وَيُقَالُ: لِلْمُسْتَدِيرِ كَارَةٌ وَأَصْلُهُ " كورة " تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا. وَيُقَالُ أَيْضًا: " كُرَةٌ " وَأَصْلُهُ كُورَةٌ وَإِنَّمَا حُذِفَتْ عَيْنُ الْكَلِمَةِ كَمَا قِيلَ فِي ثُبَةٍ وَقُلَةٍ.
وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَسَائِرُ أَحْوَالِ الزَّمَانِ تَابِعَةٌ لِلْحَرَكَةِ ; فَإِنَّ الزَّمَانَ مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ ; وَالْحَرَكَةُ قَائِمَةٌ بِالْجِسْمِ الْمُتَحَرِّكِ فَإِذَا كَانَ الزَّمَانُ التَّابِعُ لِلْحَرَكَةِ التَّابِعَةِ لِلْجِسْمِ مَوْصُوفًا بِالاسْتِدَارَةِ كَانَ الْجِسْمُ أَوْلَى بِالِاسْتِدَارَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: " مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ " [الملك: 3]. وَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ إلا أَجْسَامُ مَا هُوَ مُتَشَابِهٌ [يقصد كروي الشكل كالنجوم والكواكب]. َأَمَّا التَّثْلِيثُ وَالتَّرْبِيعُ وَالتَّخْمِيسُ والتَّسْدِيسُ وَغَيْرُ ذَلِكَ: فَفِيهَا تَفَاوُتٌ وَاخْتِلافٌ بِالزَّوَايَا وَالأَضْلاعِ لا خِلافَ فِيهِ ولا تَفَاوُتَ.. ". ثم أطال ـ رحمه الله ـ في ذكرة الأدلة عليه.
ويتبين صواب ذلك بالمقارنة مع المذكور في الكتب المقدسة لليهود والنصارى، حين أثبتوا أن للأرض أربع زوايا !! ورد في سفر الرؤيا [7/1]: " وَرَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى زَوَايَا الأَرْضِ الأَرْبَعِ، يَحْبِسُونَ رِيَاحَ الأَرْضِ الأَرْبَعَ، فَلاَ تَهُبُّ رِيحٌ عَلَى بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ شَجَرٍ ". ومثله في سفر حزقيال [7/2]: " النهاية قد أزفت على زوايا الأرض الأربع ".
فأي الكتابَبين أولى بالنقد، القرآن الكريم (الذي نفى الزوايا عن الأرض أم الكتاب المقدس (الذي أثبتها ؟!
[8] انظر: مباهج الفكر ومناهج العبر، محمد بن إبراهيم الوطواط، تحقيق: د. عبد الرزاق الحربي، ص 287.
[9] نقلاً عن الموقع التالي:
www.hedweb.com/ animimag/osteggs.jpg
[10] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص230-233.
[11] مفاتيح الغيب، الرازي 19/1.
[12] لمعرفة أقوال غيره من العلماء المسلمين في أدلة وجوب القول بكروية الأرض، انظر:
http://www.aljame3.com/forums/index.php?showtopic=7254&st=0
القلب الحزين
13-12-2013, 07:23 PM
شبهات حول مراحل تكون الجنين
إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
نص الشبهة حرفياً:
" أثناء تجوالي في الإنترنت، وقعت على موقع إسلامي يسمي نفسه باسم " الإعجاز العلمي في القرآن " وكان يعرض المعجزة العلمية في قوله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاماً، فكسونا العظام لحما سورة المؤمنون،12 ـ14.
ومن أجل التفسير العلمي الأكاديمي، الذي لا يقبل الشك، فقد استقدم الموقع (أحد أكبر أساتذة علم الأجنة من أمريكا) والذي تقول الرواية، أنه " ذُهل " عندما علم أن هذه الحقائق العلمية كانت معروفة عند المسلمين في القرن السابع الميلادي ؟!
ثم تقول الرواية أن الرجل قد أعلن إسلامه ! ونحن نرحب بإسلام الرجل، ولكن هذا لن يمنعنا أن نقول: أنه إذا كان عالماً في علم الأجنة، فإنه والحق يقال، جاهل كبير في تاريخ هذا العلم خاصة، وفي التاريخ عامة. فعلم الأجنة كان قد تطور إلى درجة عالية على يد خبراء التحنيط في مصر القديمة، فيما نشر أبيقور[1] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn1)كتابان، أحدهما بعنوان (طفل السبعة أشهر) والآخر بعنوان (طفل التسعة أشهر) بل وأكثر من ذلك فإنه نشر دليلا للجراحين عن (تفكيك الجنين في الرحم) وقد شاعت هذه الأعمال بين أطباء الشرق القديم.
أما مكتبة الإسكندرية العظيمة فقد كانت تحتوي على فرع خاص بعلم الأجنة وأمراض الحمل والولادة.
والواقع أن النص القرآني (الذي حمله الفقهاء أكثر مما أراد الله نفسه) لم يورد أية معلومة جديدة، بل خاطب الناس بالمعلومات المتوافرة في عصرهم، ليبين لهم قدرة الله، وليس ليمنحهم معلومات في علم الأجنة، فمعلومة أن الجنين يوجد كاملا في نطفة الرجل، معلومة معروفة منذ زمن التوراة، وقد وردت في سفر أيوب على النحو التالي: (ألم تصبني كاللبن، وخثرتني كالجبن، كسوتني جلداً ولحما، فنسجتني بعظام وعصب[2] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn2)، سفر أيوب 10/12 ".
الجواب:[3] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn3)
1. كانت أقوى النظريات العلمية حول نشوء الجنين هي نظرية الجنين القزم، كما تنبت الشجرة الصغيرة إلى أن تكبر. وتنازع في شأنها العلماء: هل الإنسان يوجد كاملاً في الحيوان المنوي للرجل، أم كاملاً في دم حيض المرأة المنعقد ؟
فبحسب الأولى: الجنين يكون جاهزاً في الحيوان المنوي، ولكنه صغير الحجم، لا ينمو إلا في تربة خصبة (الرحم).
أما الثانية: الجنين يتخلق من دم الحيض، ثم يقوم المني بعقده. كما تفعل الأنفحة بالحليب (اللبن)، فتعقده وتحوله إلى جبن.. فليس للمني دور، سوى أنه ساعد كمساعدة الأنفحة للحليب في صنع الجبن.
ولم يقل أحد من علماء الغرب الموثوق بعلمهم، إن الجنين ناتج عن التقاء الحيوان المنوي للرجل مع بويضة المرأة قبل سنة 1775م. وتم تأكيد هذه النظرية في بداية القرن العشرين عند اكتشاف الكروموسومات.
بينما القرآن الكريم سبق إلى تقرير ذلك، بأن أكد أن الجنين يتكون بسبب النطفة الأمشاج (المختلطة) بين نطفة الرجل، وبويضة المرأة. قال تعالى: " إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا " [الإنسان: 2]. وبيَّن أنه ينتقل من طور إلى طور: " مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا " [نوح: 13، 14].ولم يكن جنيناً قزماً كما اشتهر في الزمن الماضي ـ وخاصة وقت نزول القرآن الكريم وبعده بمئات السنين[4] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn4) ـ.
2. كما أن القرآن الكريم يبين أن نطفة الرجل هي من تقرر جنس الجنين: " وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى " [النجم: 45، 46].
وهذا لم يُعرف إلا بعد اكتشاف المجهر الإلكتروني في بداية القرن العشرين.
3. وأشار القرآن الكريم إلى أن غدد الذكر الجنسية المنتجة للخصيتين تنشأ من منطقة الظهر: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.. " [الأعراف: 172].
4. دقة وصف وترتيب كل مرحلة من مراحل خلق الجنين: النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة، ثم العظام، ثم كسو اللحم (العضلات)، ثم الإنشاء خلقاً آخر، ثم المخاض.[5] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn5)
أين هذا الإعجاز الفريد مما جاء من تخيلات في كتب الأقدمين ؟!
[1] الفيلسوف أبيقور اليوناني 343 – 270 ق.م. ولد في أثينا في اليونان، وقد اختلف الكتَّاب في أفكاره وحياته الخاصة، فبعض الكتَّاب المتأخرين يصف حياته بالحياة المنعمة اللاأخلاقية، لكن بعضهم يقول بأن كل خطاباته تدل على أنه كان متواضعاً في طعامه، وأن مفهوم اللذة عنده لا يقصد به الإباحية الأخلاقية أو ما شابه ذلك من مفاهيم. انظر: الموسوعة الميسرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ص823 مذهب اللذة.
[2] بل العكس تماماً، هو الذي حمل هذا النص أكثر مما يحتمل، فذلك التشبيه يخالف المقرر في العلم الحديث كما سيتبين.
[3] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص98-130.
[4] قال ابن حجر في مقدمة شرحه لكتاب القدر في صحيح البخاري: " وزعم كثير من أهل التشريح: أن مني الرجل لا أثر له في الولد، إلا في عقده. وأنه إنما يتكون من دم الحيض، وأحاديث الباب تبطل ذلك ". انظر: فتح الباري13/311.
قلت: من هنا يتبين أن علماء الإسلام يقدمون الثابت من النصوص، على الظني من النظريات العلمية. كما يدل على قوة رأي علماء التشريح ـ في ذلك الزمان ـ الذين قالوا بنظرية الجنين القزم. وقوة ذلك الرأي، لم تمنع ابن حجر ـ رحمه الله ـ من تقديم النص القطعي على النظرية العلمية الظنية.. وفي ذلك درس بليغ لمن يتصدى للبحث في الإعجاز العلمي.
[5] كل ما سبق وغيره مما ذكره علماء الإعجاز العلمي من سبق القرآن الكريم في وصف مراحل خلق الإنسان بدقة، وهو معروف مشتهر. أما عن الإعجاز العلمي في المخاض. فهو في قوله تعالى في سورة مريم: " فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا24وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا25فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا.. 26 ". فقد ثبت علمياً أن للتمر فوائد في عملية الولادة لاحتوائه على الألياف المانعة للإمساك مما يسهل الولادة، وغناه بالبوتاسيوم المفيد لعضلات الرحم، والحديد المانع لفقر الدم الناتج عن المخاض، ووجود مادة تشبه هرمون Oxytocnالذي يزيد تقلصات وانقباضات عضلة الرحم عند الولادة...
القلب الحزين
13-12-2013, 07:43 PM
شبهة حول العَمَد بين السماء والأرض
إعداد عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
نص الشبهة حرفياً :
" ويمسك السماء ان تقع على الأرض الا بآذنة [الصواب: بإذنه] (الحج 65) ونفهم من السماء هنا كافة الأجرام السمائية وليس البعض [الصواب: بعضاً] منها فقط.. ولو كانت الآية جاءت بكلمة القمر مثلا بدلا من السماء لكانت متوافقة مع علم الفلك.. ويقدر علم الفلك الأجرام السمائية ب2000 بليون بليون نجم منها نجوم اكبر حجما من الشمس بآلاف الأضعاف.. وذلك بالإضافة إلى بلايين البلايين من الأجرام الأخرى التابعة للنجوم.. ومجموع حجم هذه النجوم لا يمكن لعقل بشرى ان يتخيله... فكيف يكون هناك مجرد احتمال ان تقع هذه الأجسام المتناهية الضخامة على سطح الأرض؟؟؟ وتقول الآية(الا باذن الله) اى انه يمكن ان تقع فعلا على الأرض الا ان الله يمسكها ان تقع.. لكن طبقا لعلم الفلك هناك استحالة مطلقة في إمكانية ان تقع هذه الأجسام على الأرض.. وتصديق وقوعها على الأرض هو ضربا من الهذيان والقاء علم الفلك وقوانينة واكتشافات علمائه في سلة المهملات... فلو تصورنا عملية وقوع النجوم على الأرض لتبين لنا ان وقوع نجمين اثنين فقط في حجم الشمس الهائل (علما بأنها نجم متوسط الحجم) يكفى لحصر جسم الارض بينهما حصرا تاما ليمنعا بذلك 2000 بليون بليون نجم آخر بالسماء بالإضافة الى بلايين البلايين من الأجرام التابعة للنجوم من مجرد الاقتراب من سطح الأرض التي ما هي الا نقطة ضئيلة محصورة بين نجمين مما يدل على ان كاتب القران لا يعلم اى شيء عن علم الفلك واثباته العلمي الذي لا يدع اى مجال لاى شك... ويجعل قوانين وحقائق الله التى وضعها في فلكة لا أهمية لها...تخيل مثلا ان قطر الأرض 1 سم لكانت الشمس بالمقارنة كرة قطرها 109 سم ونخلص من هذا ان هناك استحالة مادية مطلقة لان تقع السماء على الأرض (وان الذي يمنعها هو الله الذي لم ياذن لها بذلك) (تقول الاية ويمسك السماء ان تقع) بينما ان وقوعها لا ينفع أصلا".
الرد على الشبهة:
السماء في اللغة هي كل ما علاك، ولهذا يقال للسقف البيت: سماء.[1] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn1)
أما عن إمساك الله Y للسماء أن تقع، فكل لغة فيها الحقيقة وفيها المجاز. والتعبير على المجاز. فإن السماء شبه سقف البيت، والمانع للسقف من السقوط على الحقيقة هو الأعمدة، وعلى المجاز هو الله Y؛ لأن كل شيء بقدرته. ولذلك نظير في كتابهم المقدس: " بالكسل يهبط السقف ". و في ترجمة أخرى: " من جراء الكسل ينهار السقف. وبتراخي اليدين يسقط البيت " [سفر الجامعة 10/ 18] يريد أن يقول: إن الكسل يؤدي إلى الفقر، والفقر يؤدي إلى خراب البيوت.
وعبَّر عن الخراب بانهيار السقف. والسقف لا ينهار بالكسل، وإنما بهدّ الأعمدة التي تحمله. و في سفر الرؤية 8/10: " فسقط من السماء كوكب " كيف يسقط كوكب من السماء بغير إرادة الله ؟ ونسبوا إلى المسيح قوله: إن العصفور لا يقع إلى الأرض إلا بإرادة الله Y: " أما يباع عصفوران بفَلْس واحد. ومع ذلك لا يقع واحد منهما إلى الأرض خفية عن أبيكم " [متى 10: 29].
أما حقيقة الإمساك في الآية الكريمة، فقد بينها الدكتور زغلول النجار بقوله:
" إن أقرب أجرام السماء إلينا هو القمر الذي يبعد عنا في المتوسط بمسافة(383942 كيلومتراً), وتقدر كتلته بنحو سبعين مليون مليون مليون طن, ويدور في مدار حول الأرض يقدر طوله بنحو2.4 مليون كيلومتر بسرعة متوسطة تقدر بنحو كيلومتر واحد في الثانية, وهي نفس سرعة دورانه حول محوره؛ ولذلك يُرى منه وجه واحد لأهل الأرض.
ومدار القمر حول الأرض ـ وكذلك مدار الأرض حول الشمس ـ بيضاوي الشكل (أي أنه على شكل قطع ناقص), ومن قوانين الحركة في المدار البيضاوي (أو مدار القطع الناقص) أن السرعة المحيطية فيه تخضع لقانون تكافؤ المساحات مع الزمن. وهذا القانون يقتضي باختلاف مقدار السرعة على طول المحيط, فتزداد نسبياً بالاقتراب النسبي من الأرض, وتزداد بزيادتها قوة الطرد المركزي, على القمر فتدفعه بعيداً عن الأرض, وإلا اصطدم القمر بالأرض فدمرها ودمرته.
وتقل السرعة المحيطية للقمر كلما بعد نسبياً عن الأرض, فتقل القوة الطاردة المركزية على القمر لئلا يخرج عن نطاق جاذبية الأرض, فينطلق إلى فسحة السماء أو تبتلعه الشمس, وأعلى مقدار لسرعة سبح القمر في مداره حول الأرض يقدر بما قيمته3888 كيلومتراً في الساعة. وأقل مقدار لتك السرعة يقدر بنحو3483 كيلومتراً في الساعة, وهذا يجعل السرعة المتوسطة لسبح القمر في مداره حول الأرض تقدر بنحو3675 كيلومتراً في الساعة.
ونفس القانون(قانون الجري في القطع الناقص) ينطبق على سبح الأرض حول الشمس, وسبح باقي أجرام السماء كل في مداره حول الجرم الأكبر, أو التجمع الأكبر.
ويؤكد علماء الفلك أن أبعد كواكب مجموعتنا الشمسية يبعد عن الشمس بمسافة متوسطة تقدر بنحو ستة آلاف مليون كيلومتر, وأن مجرتنا تحوي قرابة تريليون نجم.
كذلك يحصي علماء الفلك، أن بالجزء المدرك من الكون أكثر من مائتي بليون مجرة تتفاوت في أشكالها, وأحجامها, وكتلها, وسرعة دوران كل منها حول محورها, وسرعة جريها في مدارها; وسرعة تباعدها عنا وعن بعضها, كما تتباين في أعداد نجومها, وفي مراحل تطور تلك النجوم; فمن المجرات: البيضاوي, والحلزوني, وغير ذلك من الأشكال, ومنها المجرات العملاقة التي يصل قطر الواحدة منها إلى (750 ألف سنة ضوئية), وتصل كتلتها إلى تريليون مرة قدر كتلة الشمس, ومنها المجرات القزمة التي لا يكاد يتعدى طول قطرها (3.200 سنة ضوئية), ولا تكاد كتلتها تتعدي مليون مرة قدر كتلة الشمس. وتقدر كتلة مجرتنا (سكة التبانة أو درب اللبانة أو الطريق اللبني) بنحو (230 بليون) مرة قدر كتلة شمسنا (المقدرة بنحو ألفي مليون مليون مليون مليون طن).
وتتجمع المجرات في وحدات تضم العشرات منها تعرف باسم المجموعات المحلية, وتتجمع تلك في وحدات أكبر تضم المئات إلى عشرات الآلاف من المجرات وتعرف باسم التجمعات المجرية, وتلتقي هذه في تجمعات أكبر تعرف باسم المجموعات المحلية العظمى التي تلتقي بدورها في التجمعات المجرية العظمى, ثم تجمعات التجمعات المجرية العظمى, إلى نهاية لا يعلمها إلا الله.
وفي كل الأحوال يدور الصغير حول الكبير في مدار بيضاوي على هيئة قطع ناقص, تحكمه في ذلك قوانين الحركة في مثل هذا المدار.
والتجمع المجري الأعظم الذي تنتمي إليه مجرتنا يضم مائة من التجمعات المجرية ينتظمها قرص يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية وسمكه عشر ذلك(وهي نفس أبعاد مجرتنا مضروبا في ألف).
وفي أيامنا هذه تدرس السماء الدنيا في شرائح تقدر أبعادها بنحو (150 مليون ×100 مليون × 15 مليون من السنين الضوئية), ووصل أضخمها إلى250 مليون سنة ضوئية في الطول, وقد أطلق عليه اسم الحائط العظيم. وهذه الأعداد المذهلة مما قد علمنا من أجرام الجزء المدرك من السماء الدنيا لاتمثل إلا نحو10% من مجموع كتلة ذلك الجزء المدرك, وهي ممسوكة بشدة إلى بعضها, وإلا لزالت, وانهارت.
وبهذا يكون تفسير الآية الكريمة.
وقد تمكنت العلوم المكتسبة من التعرف على عدد من القوي التي تمسك بأجرام السماء على النحو التالي:
(1) قوة الجاذبية:وهي أضعف القوى المعروفة ـ على المدى القصير ـ ولكن نظراً لطبيعتها التراكمية، فإنها تتزايد باستمرار على المسافات الطويلة، حتى تصبح القوة الرابطة لكل أجزاء السماوات والأرض بإرادة الخالق Y حيث تمسك بمختلف أجرام السماء الدنيا على الأقل, وتجمعاتها من الكواكب وأقمارها, والنجوم وتوابعها, وتجمعاتها على كل المستويات إلى نهاية لا يعلمها إلا الله, ولولا هذا الرباط المحكم الذي أوجده الخالق Yلانفرط عقد الكون.
ويفترض وجود قوة الجاذبية على هيئة جسيمات خاصة في داخل الذرة لم تكتشف بعد واقترح لها اسم الجسيم الجاذب, أو الجرافيتون الذي يعتقد بأنه يتحرك بسرعة الضوء, ليربط بين مختلف أجزاء الكون حسب قانون محكم دقيق تزداد فيه قوة الجاذبية بزيادة الكتلة للجرمين المتجاذبين, وتتناقص بزيادة المسافة الفاصلة بينهما وقد لعبت الجاذبية دورا مهما في تكثيف الدخان الكوني الذي نشأ عن واقعة الانفجار العظيم. على هيئة كل صور المادة الموجودة في السماء الدنيا(على أقل تقدير) كما لعبت ولا تزال تلعب دورا مهما في إمساك الأرض بغلافيها الغازي والمائي, وبكل صور الحياة والهيئات الصخرية من فوقها.
(2) القوة النووية الشديدة:وهي القوة التي تقوم بربط الجسيمات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة, والتي تعمل على التحام نوى الذرات الخفيفة مع بعضها لتكون سلاسل من نوي الذرات الأثقل في عمليات الاندماج النووي; وهي أشد أنواع القوي المعروفة لنا على الأبعاد المتناهية الصغر, ولكنها تضعف باستمرار عبر المسافات الطويلة, وعلى ذلك فدورها يكاد يكون محصوراً في داخل نوى الذرات, وبين تلك النوى ومثيلاتها. وتحمل هذه القوة على جسيمات تسمي باسم القوة اللاحمة أو الجليون.
(3) القوة الذرية الضعيفة:وتحمل على جسيمات تسمي باسم اليوزونات وهي إما سالبة أو عديمة الشحنة, وتربط الاليكترونات الدائرة في فلك النواة, وهي لضعفها تؤدي إلى تفكك تلك الجسيمات الأولية للمادة كما يحدث في تحلل العناصر المشعة.
(4) القوة الكهرومغناطيسية:وتحمل على هيئة فوتونات الطاقة أو ما يعرف باسم الكم الضوئي, وهذه الفوتونات تنطلق بسرعة الضوء لتؤثر على جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربائية, ومن ثم فهي تؤدي إلى تكون الإشعاع الكهرومغناطيسي وتؤثر في جميع التفاعلات الكيميائية.
وكما تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسية في قوة واحدة, يحاول العلماء جمع هذه القوة مع القوة الذرية الضعيفة, فيما يعرف باسم القوة الكهربائية الضعيفة لأنه لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحرارة العليا. وفي نظريات التوحيد الكبرى يحاول عدد من العلماء جمع القوة الكهربائية الضعيفة مع القوة النووية الشديدة في قوة كبري واحدة; بل ضم تلك القوة الكبرى مع قوة الجاذبية فيما يسمي باسم الجاذبية العظمي التي تربط كل صور المادة في الكون اليوم, والتي يعتقد أنها كانت القوة الوحيدة السائدة في درجات الجرارة العليا عند بدء خلق الكون, ثم تمايزت إلى القوي الأربع المعروفة لنا اليوم والتي تعتبر وجوها أربعة لتلك القوة الكونية الواحدة التي تشهد لله Yبالوحدانية المطلقة فوق كل خلقه, ومن هنا ظهرت نظرية الخيوط فائقة الدقة التي تفترض تكون اللبنات الأساسية للمادة من خيوط فائقة الدقة تلتف حول ذواتها فتبدو كما لو كانت نقاطا متناهية الضآلة في الحجم مشابهة بذلك شريط الحمض النووي في داخل نواة الخلية الحية الذي يتكدس على ذاته في حيز لا يزيد على الواحد من مليون من الملليمتر المكعب ولكنه إذا فرد يبلغ طوله قرابة المترين, يضمان18.6 بليون قاعدة كيميائية في ترتيب غاية في الإحكام وغاية في الإتقان, وتقترح نظرية الخيوط فائقة الدقة, وجود مادة خفية تتعامل مع المادة الظاهرة بواسطة قوة الجاذبية.
وهنا تتضح روعة النص القرآني المعجز الذي نحن بصدده, والنصوص الأخرى المشابهة له في التعبير عن العديد من الحقائق العلمية التي لم يصل إليها إدراك الإنسان إلا بعد مجاهدة استغرقت آلاف العلماء, وعشرات العقود حتى وصلوا إلى إدراك شيء منها في السنوات المتأخرة من القرن العشرين ". انتهى
عبّر القرآن الكريم عن قوى التجاذب بين الشمس والأرض ـ التي لولاها لخرجت الأرض عن مساراتها وانحرفت داخل غياهب الكون فتنخفض حرارتها وتنعدم الحياة عليها ـ بالعَمَد غير المرئية.
[1]انظر: لسان العرب، ابن منظور 14/398. وفيه: " كل ما علا وارتفع يُقال له: سما يسمو ".
القلب الحزين
14-12-2013, 08:03 PM
ما الأفضل أن نقول (الانفجار الكوني) أم (الانفتاق الكوني) ؟
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
النص الحرفي للشبهة :
إخوتي الأكارم، لنبحث معاً في اللفظ الأدق والأليق ببلاغة القرآن الكريم، هل من الأفضل أن نقول: " الانفجار الكوني العظيم " أم : " الانفتاق الكوني العظيم " ؟
وحتى تتكون الصورة واضحة... لنقرأ هذه الشبهة التي أثارها أحد اللادينيين ويُدعى: الختيار..
" آية اخرى لا يمل الاعجازيون من تكرارها كالببغاوات ايضا:
{أَوَ لَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30].
يدعي هواة الاعجاز أن وجه الإعجاز في الآية القرآنية هو تقريرها بأن نشأة الكون بدأت إثر الانفجار العظيم (و يربطونه بكلمة الفتق) بعد أن كان كتلة واحدة (رتقا)
أولا...لنرى [الصواب: لنرَ] المعنى اللغوي لكلمة رتقا..
جاء في لسان العرب[1]:رتْقاً: الرَّتْقُ ضدّ الفتْقُ. وقال ابن سيده: الرَّتْقُ إلحام الفتْقِ وإصلاحه، رتَقَه يرتُقُه ويرتِقُه رتقاً فارتتق أي التَأَم.
اذن..كلمة رتقا تفيد كون السماء والأرض كتلة واحدة..
اما كلمة فتق: ففتقناهما: الفتقُ خلاف الرتق، فتقه يفتقُّه فتقاً: -شقه-. الفتق: -انفلاق- الصبح
و من القاموس المحيط[2]: (فَتَقَهُ): شَقَّهُ (كَفَتَّقَهُ) فَتَفَتَّقَ وانْفَتَقَ (ومَفْتَقُ) القَميصِ مَشَقُّهُ
اذن..كلمة الفتق تعني الشق...
و هناك العديد من الروايات التي اوردها المفسرون في المراد بالرتق والفتق...ومن اغلبها يتضح لنا ان المراد من القول في هذه الاية هو كون السماء والارض كتلة واحدة ثم تم فتقهما (شقهما)..و بعض المعاني الاخرى التي تصلح لتأويل الاية:[3]
باختصار لهذا كله...."كانتا رتقا ففتقناهما" تفيد كون السماء والأرض كتلة واحدة أو جسما واحدا ففتقمها (أي قسمها) الله الى قسمين...و يدعي الاعجازيون ان هذا يتفق مع نظرية الانفجار الكبير _التي اقسم انهم لم يقرأوا عنها يوما) في ان الأرض والسماء كان كتلة ثم تم الانفصال بينهما بالانفجار !!! هل تنتبق هذه الرؤية مع نظرية الانفجار الكبير؟؟ قطعا لا...
لسببين:
أولا: كلمة الفتق تعني لغويا الشقّ لا أرى فيها أي سيرة[4]عن حدوث "انفجار" من قريب أو من بعيد..فالشقّ ليس تفجيرا ولا يوجد ذرة اتصال بين المعنيين...كما رأينا في المعاجم....الشق هو مثل ما يحدث عندما تشق قطعة قماش مثلا...وهذا لا علاقة له بما حدث في --الانفجار--الكبير اطلاقا.
ثانيا: اذا ربطنا لفظ "كانتا رتقا" في الاية بما قبل البيج بانج فهذا أيضا لا علاقة له بما تقوله نظرية الانفجار الكبير اطلاقا، لأن نظرية الانفجار الكبير تنص على عدم وجود أي نوع من المادة أو الكتلة قبل حدوث الانفجار لأن المادة جاءت الى الوجود مع الانفجار نفسه، بل لا يوجد شيء أسمه "قبل البيج بانج" أساسا...هذا قول فاسد، اذ ليس هناك "فترة وقتية " من قبل ال planck timeقابلة لتطبيق القوانين الفيزيائية عليها، مفهوم "الفترة الزمنية" قبل حدوث البيج بانج لا معنى له......فالوقت مرتبط بالمكان وجاء في حيّز الوجود اصطلاحي"متى وأين" للزمان مع ظهور "المكان" الى حيّز الوجود اي مع البيج بانج...و نفس الشيء بالنسبة الى الى المادة أو الكتلة فلم يكن لها وجود الا مع حدوث الانفجار.
أي ليس هناك "رتق" قبل حدوث الانفجار ولا غيره.[5]
و فوق كل هذا...لا اعرف حقيقة كيف يأتي مسلمون يحاولون الاستناد الى البيج بانج لاثبات قرانهم.. سؤال: هل ظهور الكون طبقا للبيج بانج تتماشى مع الخلق كما يراه القران والسنة؟ هل خلق جزء من الكون بشكل منفصل في فترة لوحدها (الارض) ثم عندما تنتهي هذه الفترة يبدأ خلق جزء اخر بشكل منفصل لوحده في يومين (السماء) ثم يعود الى الجزء الاول "ليظبطه" (و الارض بعد ذلك دحاها) في يومين اخرين..هل تستوي هذه الرؤية مع الكوزمولوجي الخاص بالبيج بانج !!! ".
(و السماء بنيناها بأيد وانا لموسعون) [الذاريات: 47]
حيث يقول الاعجازيون ان هذه الاية اخبرت بحقيقة التوسع الكوني !!!
ذهبت لأرى ما تقوله المعاجم حول المعنى اللغوي لهذه الكلمة "موسع" ((بدون تشديد السين))...
المحيط: أوْسَعَ يُوسِعُ إِيسَاعاً: ((صار ذا سعه وغِنى))
"محيط المحيط": وأوسع الرجل إيساعًا صار ذا سعةٍ وغنًى. ومنهُ في سورة الذاريات: (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) أي أغنياءُ قادرون.
و يتفق معهم ايضا القاموس المحيط حول هذا المعنى اللغوي: وقوله (وإنَّا لَمُوسِعُونَ): أغْنياءُ قادِرُونَ[6]
ففي الاية..يقول الله عن نفسه انه ذو سعة (قدرة) وغنى... ولا علاقة لها اطلاقا بالتوسع الكوني !! ".
الرد على الشبهة :
1. نشوء الكون:
تحرير محل النزاع: يقول إن " فتق " ليس من معانيها " فجَّر".
وجواب ذلك أن العرب تعرف ذلك، ولا يضرنا أنه لا يعرفه..
تقول العرب: انفتاق الصبح، وتعني به انفجاره (ومنه سمي الفجر بهذا الاسم)[7].
بل إن ذلك يُعَد من أشهر التشبيهات التي عرفها العرب..
قال أبو هلال العسكري[8]: " ومن غريب ما قيل في الصبح، من الشعر القديم قول ذي الرمة ـ وقد أجمع الناس على أنه أحسن العرب تشبيهاً ـ:
وقد لاحَ للساري الذي كمل السُّرى على أخرياتِ الليلِ فتقٌ مُشَهَّرُ..
وهذا أحسن تشبيه أكمله ".
وورد في قصة استشهاد سعد بن معاذ tعن جابر t: ".. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِهِمْ، انْفَتَقَ عِرْقُهُ فَمَاتَ ".[9]
بينما في رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها، زيادة في دعاء سعد tقبيل استشهاده: "... وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيهَا. فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ..".[10]
فعبَّر جابر tعن الانفتاق بالانفجار، وبه عبَّرت عائشة ـ راوية الحديث رضي الله عنها ـ.. ولا يشك بفصاحتهما ـ رضي الله عنهما ـ أحد.
ويمكن القول: إن الانفتاق مرحلة سابقة للانفجار، كما أن تفجر النبع من الصخر يسبقه انفتاق وتشقق الصخر.
وانفجار القنبلة يسبقه تشقق سطحها الخارجي... الخ. فلا انفجار بلا انفتاق (تصدع وانشقاق).
وانفتاق الجرح، جاء قبيل لحظات من انفجاره.. فبين الانفجار والانفتاق عموم وخصوص.[11]ومن ثم ينتفي القول بالترادف بين معاني لفظي الانفتاق والانفجار. وهو يليق بجلال القرآن الكريم، والأمر الإلهي بملاحظة دقة التعبير القرآني، وتدبر بديع نظمه المعجز.
وذلك كما يلي:
بداية: كان لنظرية الانفجار (الأصوب: " الانفتاق " كما سيتبين قريباً) الكوني أثر كبير في إيمان كثير من الملحدين بوجود خالق للكون، سبق هذا الانفجار ودبر أمره.
فقد كانت نظرية الملحدين أن الكون أزلي غير حادث، والمادة أزلية غير قابلة للاستحداث أو الفناء؛ ليهربوا من الإجابة عن السؤال الأهم: من الذي أحدثه، وما هي القوة التي ستفنيه ؟[12]
قال الفيلسوف الملحد (أنطوني فلوف): " يقولون: إن الاعتراف يفيد الإنسان من الناحية النفسية، وأنا سأدلي باعتراف: إن أنموذج الانفجار الكبير شيء محرج جداً بالنسبة للملحدين، لأن العلم أثبت فكرة دافعت عنها الكتب الدينية.. فكرة أن للكون بداية ".
ويقول العالم (دونيس ساكيما) وكان من أشد أنصار نظرية (الكون المستقر): " لم أدافع عن نظرية الكون المستقر لكونها صحيحة، بل لرغبتي في كونها صحيحة، ولكن بعد أن تراكمت الأدلة، فقد تبين أن اللعبة قد انتهت، وأنه يجب ترك نظرية الكون المستقر جانباً ".
ويستدل العالم البريطاني (فرد هويل): " كل انفجار يشتت المادة ويبعثرها دون نظام، ولكن هذا الانفجار الكبير عمل العكس، بشكل محفوف بالأسرار، إذ عمل على جمع المادة معاً لتشكيل المجرات ".
كل هذه الأقوال لعلماء الفلك الغربيين تؤيد الحكمة من التعبير القرآني البالغ النهاية في الدقة؛ فذكر القرآن الكريم: " الفتق " ولم يذكر " الانفجار"، فالانفجار عشوائي ويوزع شظاياه مبعثرة، بينما الفتق عملية تصديع وتشقق منظمة بشكل بديع محكم..
فالخياط حينما يقوم بفتق قطعة القماش يقوم بذلك بكل عناية، بينما شظايا القنبلة المتفجرة تتناثر بلا نظام !
ولذلك ـ من باب الدقة العلمية ـ يرى الباحث أن الأصوب القول: " الانفتاق الكوني " بدلاً من: " الانفجار الكوني ".
هو ليس انفجار ـ كأي انفجار ـ بل هو انفتاق بنظام بديع محكم، جاء من عند خالق الكون العظيم Y.
وسبحان منزل القرآن !
2. توسع الكون:
" الواو والسين والعين: كلمةٌ تدلُّ على خلافِ الضِّيق والعُسْر ".[13]فاللفظ في حقيقته يدل على خلاف الضيق ـ.
وبهذا يكون معنى " موسعون " عكس " مضيقون ". تقول: وَسَّعْتُ الشيءَ فاتَّسَعَ واسْتَوْسَعَ، أي صار واسِعاً.[14]
والأصل حمل اللفظ على حقيقته، إلا إن وجد مسوغ لحمله على المجاز.
فـ " وَسِعَ الشيء: لم يضق عنه.. لا يسعك أن تفعل كذا، أي: لا يجوز لك؛ لأن الجائز موَسَّع غير مضيَّق.. هذا الإناء يسع عشرين لتراً ".[15]
أما عند استعمالها على سبيل المجاز والكناية فمعلوم أن قولك " رجل ذو سعة " كناية عن غناه.
" فرس واسع القدمين " كناية عن السرعة... وهكذا
وهنا ـ برأي دعاة وجود إعجاز علمي في الآية الكريمة ـ لا مسوغ لحمل لفظ (موسعون) على المجاز، فتبقى على حقيقتها. كقولك: وسعت ثوبي، توسعوا في المجالس..
ولا مانع من إرادة المعنيين معاً، بل ذلك من التوسع في المعنى، وهو قمة البلاغة.
وفي نهاية الرد على هذه الشبهة، ينبغي شكر اللاديني (الختيار) الذي أقر ـ بعد أن أعمى الله بصيرته ـ بعدم وجود مادة قبل الانفتاق الكوني، وبهذا يقطع بعدم أزلية الكون، فلا بد للكون موجِد سبق إنشاء مادته، هو الخالق العظيم الواحد سبحانه وتعالى.
وصدق فيه قول الشاعر:
يُصيبُ وَما يَدري وَيُخطي وَما دَرى وَكَيفَ يَكونُ النَّوْكُ إِلّا كَذالِكا [16]
وسبحان الله العلي العظيم !
[1] لابن منظور 10/118رتق.[2] للفيروزآبادي 1/1182 فصل الفاء.[3] انظر: جامع البيان، الطبري 17/18 وما بعدها.[4] بالعامية الأردنية تعني: حديث، كلام.[5] هذا يخالف الحق والصواب.. قال د. زغلول النجار: " في سنة 1948م أعلن كل من جورج جامو وزميله رالف ألفر أن تركيز العناصر في الجزء المدرك من الكون، يشير إلى أن الجرم الأولي الذي بدأ به الكون كان تحت ضغط وفي درجة حرارة لا يكاد العقل البشري أن يتصورهما, وعند انفجاره انتقلت تلك الحرارة إلى سحابة الدخان الكوني التي نتجت عن ذلك الانفجار, وسمحت بعدد من التفاعلات النووية التي أدت إلى تكون العناصر الأولية من مثل الإيدروجين والهيليوم.وفي السنة نفسها1948م قدم كل من ألفر وهيرمان اقتراحا بأن الجرم الابتدائي للكون كان له إشعاع حراري يشابه إشعاع الأجسام المعتمة, وأن هذا الإشعاع تناقصت شدته مع استمرار تمدد الكون وتبرده, ولكن لابد أن تبقى منه بقية في صفحة السماء, إذا أمكن البحث عنها وتسجيلها, كانت تلك البقية الإشعاعية من أقوى الأدلة علي بدء خلق الكون بعملية الانفجار الكبير.
وفي سنة1964 م تمكن اثنان من علماء مختبرات بل للأبحاث وهما أرنو بنزياس وروبرت ويلسون بمحض المصادفة من اكتشاف تلك البقايا الأثرية للإشعاع الحراري الكوني، على هيئة ضوضاء لاسلكية محيرة تفد بانتظام إلى الهوائي الذي كانا قد نصباه لغاية أخرى، من جميع الجهات في السماء حيثما وجه الهوائي, وقدروها بثلاث درجات مطلقة ـ270 درجة مئوية ـ ".
[6] للفيروزآبادي 1/996 فصل الواو. وهذا اجتهاد منه رحمه الله تعالى في فهم الآية الكريمة بحسب ما لديه من معارف وخبرات.. وقد خالفه في ذلك الاجتهاد ابن منظور في لسان العرب 8/392 وسع: " واستوسع الشيء: وجده واسعاً، وطلبه واسعاً، وأوسعه، ووسعه: صيره واسعاً. وقوله تعالى: " والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ". أراد: جعلنا بينها وبين الأرض سعة، جعل أوسع بمعنى وسع ". وهنا يتبين السر في عدم استشهاد اللاديني الختيار ـ كاتب الصفحة أعلاه ـ بلسان العرب كما استشهد به في الفقرة السابقة.. وهو يبين منهجيتهم غير الأمينة والموضوعية في البحث العلمي.
[7] قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط 1/584: " الفجر ضوء الصباح، وهو حمرة الشمس في سواد الليل، وقد انفجر الصبح وتفجر وانفجر عنه الليل وأفجروا دخلوا فيه وأنت مفجر إلى طلوع الشمس ".
[8] في كتابه ديوان المعاني، ص885. الفصل الثالث من الباب السادس، ذكر الصباح والشمس والنهار، وما يجري مع ذلك..
أجود ما قيل في الصباح من شعر الأعراب. والبيت لذي الرمة، انظر: محاضرات الأدباء، الراغب الأصفهاني 4/165.. ومما ذكره من أمثلة قول العرب: " فما زلت أصدع الليل، حتى انصدع الفجر ".
[9] رواه الترمذي في السير.. باب ما جاء في النزول على الحكم 1582 وقال: حسن صحيح. قلت: إسناده صحيح، صححه الألباني، انظر: صحيح الترمذي 4/144.
[10] في المغازي باب مرجع النبي rمن الأحزاب.. 4122. قال ابن حجر في فتح الباري 8/176: قوله: " فافجُرها " : أي الجراحة. قوله: " فانفجرت من لبته " ـ بفتح اللام وتشديد الموحدة [أي: الباء] ـ: هي موضع القلادة من الصدر... وكان موضع الجرح ورم حتى اتصل الورم إلى صدره، فانفجر من ثم ".
[11] هنالك كلمات يُقال عنها: إذا اجتمعت تفرقت، وإذا تفرقت اجتمعت.. أي: إن وجدت نصاً فيه الكلمتين معاً، فقد تفرقتا في المعنى ـ غير مترادفة ـ، ولكن إن وردت الكلمة الأولى في نص، والثانية في آخر فالغالب أن الكلمتين تجمعتا ـ قد تترادفان في المعنى ـ. وأشهر مثال على ذلك: " الإسلام والإيمان ". فكل منهما يدل على معنى مرادف للآخر، ولكن إن وجدتا في سياق نص واحد، عندها لكل منهما معنى مستقل..
[12] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الاج أحمد، ص374، وما سينقل من أقوال علماء الغرب بعدها هو من الموضع ذاته.
[13] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس 6/86 وسع.
[14] الصحاح، الجوهري، 6/568 وسع.
[15] معجم اللغة العربية، أديب اللجمي وآخرون3/1346.
[16] البيت لأبي الأسود الدؤلي، ذكره الأصفهاني في الأغاني 6/312. والنّوْك: الحمق. انظر: لسان العرب، ابن منظور 10/501 نوك.
القلب الحزين
14-12-2013, 08:03 PM
شبهة حول العنكبوت، قوة خيطه
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
نص الشبهة حرفياً:
" اين الاعجاز العلمي في اية: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت:4)
هل تعلم ان العلماء صنعوا خيطا من الحديد الصلب في مثل سمك خيط بيت العنكبوت، وجربوه في شئون الهندسة بما يسمى (قوة تحمل الشد) فوجدوا انه ليس هناك مقارنة بين قوة خيط بيت العنكبوت وخيط الحديد الصلب (بنفس السماكة) بل علي [الصواب: على] العكس، وجدوا ان خيط بيت العنكبوت يتحمل قوة الشد اضعاف المرات ما يتحمله خيط الحديد الصلب بمعنى ان خيط الحديد الصلب انقطع في مراحل مبكرة قبل خيط العنكبوت) في هذا الاختبار العلمي. اين الان الاعجاز العلمي، وقد اثبت العلم ان بيت العنكبوت اقوى من بيت الحديد الصلب
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_1767000/1767357.stm (http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_1767000/1767357.stm)
نجحت شركة كندية في استنساخ الطبيعة من خلال إنتاج خيوط العنكبوت الحريرية، وهي مادة تبلغ قوتها ومتانتها خمسة أضعاف متانة وقوة الفولاذ، إذا ما قورنت وزنا بوزن.
ويقول رئيس شركة نكسيا للتكنولوجيا الحيوية الدكتور جفري تيرنر، في تصريح لـ بي بي سي أونلاين، إن المادة المنتجة لها ملمس الحرير الذي تنتجه دودة القز، ولها مرونة وقوة مذهلة. يشار إلى أن العناكب تنتج خيوطها الحريرية بشكل طبيعي من بروتين ممزوج بالماء تخرجها من فتحة صغيرة جدا من أبدانها لتشرع في نسجها كما هو حال الخيط العادي. وقد استنبت علماء الشركة الكندية مورثات العنكبوت في خلايا حيوان ثديي بهدف الحصول على نسختهم الخاصة بخيط العنكبوت، حتى أصبحت الشركة تمتلك ماعزا معدلا وراثيا ينتج البروتين نفسه في حليبها.
اهتمام عسكري
ويعرف عن خيط العنكبوت أن له مواصفات ممتازة في تصنيع مواد مهمة مثل الدروع التي تحمي الأجسام، والخيوط الجراحية، وحتى خيوط شباك صيد السمك وخيط الصنّارة. لكن المشكلة التي تواجه القطاع الصناعي تتمثل في إيجاد طريقة لإنتاج هذه المادة بكميات صناعية مجدية. وقد سبق للجيش الأمريكي أن أعرب عن اهتمامه بالموضوع منذ الستينيات، بعد أن تعرض آلاف الجنود الأمريكيين إلى الموت بفعل الطلقات النارية ذات الفعالية النافذة القادرة على تحقيق اختراق شديد في الجسم، والتي تعرف في بعض الجيوش العربية بالرصاص الحارق الخارق. ولم يكن بالإمكان حماية جسد الجندي منها إلا بارتداء دروع ثقيلة الوزن معيقة للحركة، وقد وجد الجيش الأمريكي أن خيوط العنكبوت هي المادة المثالية لانتاج درع واق خفيف الوزن وفعال جدا".
الجواب: الآية الكريمة هي قمة الإعجاز اللغوي البياني التي ما عهد العرب مثلها قط.
إن القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة تحدث عن أوهن البيوت، ولم يتحدث عن أوهن الخيوط.
بل حتى يكتمل سياق الآية الكريمة والمراد منها، لابد أن يكون كل خيط من خيوط العنكبوت قوياً لوحده.
فالآية الكريمة تتحدث عن مَن يبحث عن ولي ينصره من دون الله Yـ من يبحث عنه يجب أن يكون قوياً في كثير من (خيوطه) بداهة ـ وإلا لما التمس فيه القوة والقدرة على حمايته.
ولكن الله Yيصحح مفاهيم الناس، فيبين لهم أن من يبحثون عنده الأمان والحفظ، هو ذاته عاجز عن توفير الأمان لنفسه.
فالعنكبوت إن نزل مطر شديد أو هاجمها طير فإنها تترك بيتها، وتلجأ إلى ثقبٍ في جذع شجرة، أو تحت حجر.. تاركة بيتها التي تعلم يقيناً أنه لا يغنيها شيئاً.
ولهذا، من طلبَ النجاة من البلل بالمطر، أو التمس الظل أو الحماية من عدو.. بجلوسه تحت بيت العنكبوت، فهو من أحمق الناس؛ لأن بيت العنبوت لو كان مفيداً في أيٍّ من ذلك، لوفره للعنكبوت صاحبة البيت. ولكن العنكبوت ـ وهي الأدرى بخصائص بيتها ـ لم تلتجئ ببيتها عند الشدائد.
مثلاً: الولايات المتحدة الأمريكية، كل خيط من خيوطها قوي (العسكري، الاقتصادي، السياسي، التقني..) ولكنها عاجزة عن توفير الحماية لأبناء وطنها.. فهي تشهد أكبر نسبة جريمة منظمة في العالم، وأكثرها إدماناً على المخدرات والخمور والأمراض كالسرطان والإيدز.. الخ
فمن يطلب من أمريكا حمايته من دول وشعوب، كمن يلتجئ عند المطر، أو التماساً للظل في شدة الحر.. بالنزول تحت بيت العنكبوت، التي لم تستفد من بيتها في هذا أو ذاك.
لو كان القرآن الكريم من تأليف محمد rلما وجد حرجاً في أن يقول: " إن أوهن الخيوط لخيط العنكبوت ". فمن كان سيكذبه بحسب معارف ذلك الزمان ؟
وسبحان منزل القرآن !
القلب الحزين
14-12-2013, 08:09 PM
شبهة وجود الأحجار الكريمة في المياه العذبة
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
الشبهة حرفياً:
" مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ
أليست هذه الحقيقة ظاهرة طبيعية معروفة لدى كل صياد بسيط يصيد في نهر عذب يصبّ ماءه في بحر مالح؟.. لقد قام محمد برحلات تجارية في خدمة خديجة، وسافر حتى حلب شمالي دمشق، ولعله في رحلةٍ من هذه ذهب إلى ساحل سوريا أو لبنان، وسمع من بحّار عن عدم امتزاج الماءين المالح والعذب.
وهل إذا صدق الإعجاز في النصف الأول من الآية يَصْدق أيضاً في النصف الثاني منها، والذي يقول إن اللؤلؤ والمرجان يخرجان منهما (أي العذب والمالح) وهو ما يخالف الحقائق العلمية ؟ ".
" مَرَج البحريْن يلتقيان، بينهما برْزخٌ لا يبغِيان، فبأيِّ آلاء ربكما تكذّبان، يخرج منهما اللؤلؤ والمَرْجان (آيات 19- 23). ومن كلٍ تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حِلْيةً تلبسونها (فاطر12).
أخطأ القرآن في تقرير أن اللؤلؤ والمرجان يخرجان من الماء المالح لا من العذب، ثم يقرر أنهما يخرجان من الاثنين معاً يخرج منهما أي العذب والمالح. وفي آية فاطر قرر نفس المعنى إذ قال ومن كلٍ (أي من البحرين) تأكلون لحماً طرياً وهذا صواب، لكنه أضاف وتستخرجون حِلْيةً تلبسونها أي اللؤلؤ والمرجان ".
الرد على الشبهة :
حار المفسرون في توجيه الآية الكريمة، فالقدماء لا يعلمون اللؤلؤ والمرجان إلا في البحار المالحة.[1]لكن تبيَّن بعد اكتشاف أراضٍ جديدة، وجود اللؤلؤ والمرجان.. وتبر الذهب ( الحُليّ )، في رواسب جداول وأنهار وبحيرات عذبة في أمريكا وشمال أوروبا.
وهذا من شواهد الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ودليل ربانية مصدره.
وسبحان منزل القرآن !
انظر المقال التالي: [2]
كنتُ أَعِسّ ( بتعبير ابني ) في أرجاء المشباك [ الإنترنت ] منذ أيام فإذا بي أجد نفسي في أحد المواقع وجهًا لوجهٍ أمام معجمٍ فرنسي عنوانه: "Dictionnaire des religions et des mouvements philosophiques associés"، فقلت: أَدْخُل وأُلْقِي نظرة لعلي أستفيد شيئا، فوجدت عنوانا جذبني إليه هو: "Coran et Sience" بقلم كاتبٍ اسمه yohanfraisلم يسبق أن سمعت به، فوقفت أحملق قليلا في العنوان، ثم استجمعت عزيمتي وتوكلت على الله وشرعت أقرأ، فألفيت أن الكاتب يتناول النصوص القرآنية التي يرى العلماءُ المسلمون أنها تتحدث عن موضوعات علمية، واقفا أمام كل نص من هذه النصوص محللا إياه لينتهي من التحليل إلى أنْ ليس في القرآن أي نص مما يمكن أن يقال عنه بحق إنه يتحدث عن موضوعٍ علمي . وفكرتُ في ترجمة أحد الموضوعات التي عالجها الكاتب تحت العنوان المذكور والتعليق عليه، واخترتُ الموضوع الخاص بما تتحدث عنه بعض آيات القرآن بشأن التقاء البحرين مع وجود برزخ يمنعهما أن يبغي أحدهما على الآخر.
وهذه أولاً ترجمتي للنص المذكور:
" تحدث القرآن في ثلاثة مواضع منه عن حاجزٍ يفصل بين بحرين عَذْبٍ ومِلْحٍ يلتقيان دون أن يمتزج أحدهما بالآخر (الفرقان/ 53، وفاطر/ 12، والرحمن/ 19- 21). وهذه هي النصوص المذكورة:
1- "مَرَجَ البحرين يلتقيان* بينهما برزخٌ لا يبغيان* فبأي آلاء ربكما تكذّبان؟" (الرحمن/ 19- 21).وجدير بالذكر أن كلمة "برزخ" المترجمة هنا بـ"zone intermediaire" تعني : "فاصلا، حاجزا، خندقا، مانعا، عائقا، بوغازا". 2- "وهو الذي مرج البحرين: هذا عذبٌ فراتٌ، وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ، وجعل بينهما برزخا وحِجْرًا محجورا" (الفرقان/ 53). 3- "وما يستوي البحران: هذا عذبٌ فراتٌ سائغٌ شرابُه، وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ. ومن كلٍّ تأكلون لحمًا طريًّا، وتستخرجون حِلْيَةً تلبسونها. وترى الفُلْك مواخرَ فيه، ولِتبتغوا من فضله، ولعلكم تشكرون" (فاطر/ 12).
وحسبما يقول بعض المفسرين فإن هذه الآيات تكشف عن وجود مانع يحول دون اختلاط مياه الأنهار عند مصابها بمياه البحار، لأن هذا الاختلاط لا يتم في حالاتٍ معينةٍ إلا في عُرْض البحر بعيدا عن الشاطئ. ومن الممكن أن يكون هذا صحيحا، لكنْ أَلَسْنا هنا بإزاء ملاحظة بسيطة لظاهرة طبيعية يعرفها كل أحد، ألا وهي عدم اختلاط مياه دجلة والفرات بمياه البحر مباشرةً عند مصبهما في الخليج الفارسي ؟ ومن الممكن أن نلاحظ عند مدينة البصرة بالعراق كيف أن مياه دجلة العذبة تصبّ في المحيط الهادي . وفي حالات المدّ العالي نشاهد طبقة مائية مالحة ذات لون أخضر تلامس طبقة من ماءٍ عذبٍ ضاربٍ إلى الحمرة دون أن يكون بينهما أدنى امتزاج. ولا شك أن القارئ يوافقني على أن هذا المشهد المثير للاهتمام بالنسبة لنا اليوم لا بد أنه كان شيئا هائلا في نظر أهل القرن السابع الميلادي !
والآن علينا أن ننظر فيما تقوله لنا الحكاية الأسطورية البابلية التالية التي يرجع تاريخها لما قبل القرآن بثلاثة آلاف من الأعوام: "في البدء لم يكن هناك إلا "نامُّو" التي كانت تتخذ صورة البحر الأصلي ، أو فلنقل: المحيط الكوني . وقد أنجبت "نامُّو" هذه "أَنْ" (السماء)، و"كِي " (الأرض)... وأخيرا "أونكي " الإله الخاص بالماء العذب الذي كان يناوئ الماء الملح في نامّو (البحر الأصلي )، فكان لا بد أن يُنْقَل إلى السماء على هيئة مطر".
ومن هذه الحكاية يتبين أن القرآن لم يكشف لنا شيئا في الواقع! وإذا كان بعض المسلمين يزعمون أن هذه الآيات القرآنية تكشف عن إحدى الحقائق العلمية، فينبغي حينئذ أن نتخذ نفس الموقف إزاء الأساطير البابلية، وأن نستخلص أن ثمة وحيًا كان ينزل على البابليين الوثنيين أيضا. إنني لا أتصور أنه ينبغي الوصول في تفكيرنا إلى هذا المدى، بل كل ما علينا هو أن نكون شرفاء وأن نصرّ على القول بأن هذه الآيات لم تنبع إلا من ملاحظة بسيطة لظاهرة من الظواهر الطبيعية تحدَّث عنها ناس آخرون ينتمون لحضارات سابقة على محمد بآلاف السنين.
كذلك لا بد من التنبيه إلى أن هناك مفسِّرين آخرين قد ذهبوا أبعد من هذا وادّعَوْا أن القرآن يكشف لنا هنا عن وجود طبقات مائية يختلف بعضها عن بعض في درجة حرارتها، وفي ملوحتها، وفي كائناتها الحية، وفي مدى ذوبان الأوكسيجين فيها...إلخ. والآن لنفحصْ ما قاله القرآن: إنه يتحدث هنا عن عدم اختلاط الماء الحلو (العذب الفُرَات السائغ شرابه) بالماء المِلْح (الأُجَاج)، بيد أنه لا يقول شيئا عن اختلاف درجات الحرارة أو الكائنات الحية أو ذوبان الأوكسيجين. إن هذا كلام لا أساس له في القرآن في الوقت الذي يصف نفسه فيه بأنه تبيان وتفصيل لكل شيء، وأنه ما من شيء إلا وهو موجود في آياته.
إن القرآن إنما يتحدث عن ماء عذب سائغ شرابه، لكن هذا القول شيء، والقول بوجود بحار عذبة شيء آخر! ذلك أنه من الخطورة بمكان على البشر أن يعتقدوا في مثل هذه الأشياء، فشرب الماء المالح في الواقع من شأنه أن يجعل الشخص عرضة للجنون... ومما لا ريب فيه أن البحث في القرآن عن الحقائق العلمية هو أمر ليس في صالحه، وبخاصة إذا وضعنا في الاعتبار ما قلناه قبلا من أنه إذا استمر البعض في الزعم مع ذلك بوجود إشارات علمية في القرآن، فينبغي أن نقف ذات الموقف من الأسطورة البابلية، وهو ما يترتب عليه أن القرآن لم يُوحِ في هذا المجال بشيء، وأنه لم يزد على أن ردّد ما قالته تلك الأسطورة قبله بما يزيد على ثلاثة آلاف عام! وهكذا نجد أنفسنا قد وصلنا إلى نفس النتيجة، ألا وهي أن الآيات القرآنية لا تقدم لنا شيئا آخر غير الملاحظة البسيطة لإحدى الظواهر الطبيعية.
وفي الختام نحب أن نؤكد أنه خلافا لما يؤكده بعض المفسرين المسلمين فإن قراءة تلك الآيات يترتب عليها جهل وتخليط من شأنه، إذا نظرنا إليه على أنه معجزة علمية، الإضرار حتى بحياة الإنسان (جرّاء الاعتقاد بوجود بحار ذات ماء عذب). ولكن إذا أصر البعض مع ذلك على أن يَرَوْا في هذه الآيات كشفا علميا، فعليهم في هذه الحالة أن ينظروا إلى الحكاية البابلية بنفس العين... وهكذا تُخْتَزَل المعجزة القرآنية الوحيدة فلا تعدو أن تكون تكرارا لما سبق أن قاله الآخرون من قبل...".
وأول كل شيء نفعله بعد أن ترجمنا ما قاله الكاتب هو أن نبين الأخطاء المعرفية والمنهجية التي وقع فيها: فقد ذكر أن في كتاب الله ثلاثة مواضع تتحدث عن حاجز يفصل بين بحرين عذبٍ وملحٍ يلتقيان دون أن يقع بينهما مع ذلك أي تمازج، وهي : الفرقان/ 53، وفاطر/ 12، والرحمن/ 19-21. ونظرة سريعة إلى الآيات التي استشهد بها تدلنا على أنه لا توجد في سورة "فاطر" أية إشارة إلى الحاجز المذكور، إذ الكلام فيها مقصور على الاختلاف الملاحَظ بين ماء البحر وماء النهر. ومع ذلك فهناك فعلا نص ثالث في القرآن الكريم يشير إلى وجود مثل هذا الحاجز لم يذكره الكاتب، ألا وهو قوله تعالى في الآية 61 من سورة النمل: " أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ "، فهذه واحدة.
أما الثانية فهي مقارنة الكاتب بين ما جاء في الأسطورة البابلية وما ذكرته النصوص القرآنية، والخروج من ذلك بأن القرآن لم يأت بشيء جديد، فها هي ذي الأسطورة البابلية قد سبقته منذ بضعة آلاف من الأعوام إلى هذا الذي قال. والواقع أنه لا وجه للمقارنة بين النصين، فالحكاية الخرافية تتحدث عن خلاف بين الماء المالح والماء العذب استتبع رفع الماء العذب إلى طبقات الجو العليا وتحويله إلى أمطار. فأين في القرآن ما يمكن أن نقارن به هذا الكلام؟ إن القرآن يتحدث عن إجرائه تعالى البحر والنهر بما يؤدي إلى التقائهما، ولكن دون أن يطغى أحدهما على الآخر. وهذا شيء مغاير تماما لما جاء في الخرافة البابلية، وهو من الوضوح بمكان، ولا أدرى كيف سقط الكاتب الهمام في هذه الغلطة! ثم هل الماء العذب مقصور على طبقات الجو العليا؟ فماذا نقول في الأنهار والجداول والآبار والعيون إذن؟
وهنا نأتي إلى الخطأ الثالث الذي ارتكبه المؤلف، وهو ما فهمه من أن الآيات القرآنية تتحدث عن التقاء بين النهر والبحر دون أن يتم بينهما امتزاج، وهذا الزعم أيضا لا وجود له في القرآن. القرآن يقول إنه قد جعل بين البحرين (أي البحر والنهر) حاجزا أو برزخا يمنعهما من طغيان أي منهما على الآخر، لكنه لم يقل إنه لا يحدث بينهما امتزاج عند اللقاء. وسوف أوضح هذا المعنى فيما بعد، لكني أحب أن أركز هنا على أن الكاتب قد نسب للقرآن ما لم يقله القرآن! لقد فهم النصَّ القرآني خطأً أو اعتمد على ترجمةٍ فهم صاحبُها ذلك النصّ فهمًا خاطئًا، فكان أَنْ خطّأ القرآن الكريم، والقرآن من الخطإ براء! وقد يكون تعمَّد هذا تعمُّدا!
وهناك خطأ رابع وقع فيه الكاتب أيضا، وهو محاسبة النص القرآني على أساسٍ من فهم بعض المفسِّرين المسلمين كما قال. ولعله يقصد د. موريس بوكايالطبيب الفرنسي المسلم الذي فسّر الآيات القرآنية المذكورة على أساس أن المقصود بالبحرين هما دجلة والفرات من جهة، والخليج العربي من جهة أخرى، وسوف أعود إلى هذه النقطة لاحقًا (انظر موريس بوكاي / القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم/ دار المعارف/القاهرة/ 1982م/ 205). وليس في النصوص القرآنية ما يُفْهَم منه أن ذلك هو معنى البحرين الواردين فيها، ومن ثَمَّ فليس للكاتب أي عذر في التهكم الذي وجَّهه للقرآن حين أكد أن ما يقوله الكتاب الكريم في هذا الشأن لا يزيد عن ملاحظةٍ بسيطةٍ جدا لظاهرة طبيعية يمكن كلَّ من يقف عند مصب هذين النهرين في الخليج العربي أن يلاحظها، وأن الخرافاتِ البابليةَ قد سبقت القرآنَ إلى هذه الملاحظة منذ آلاف السنين، فلا إعجاز إذن ولا يحزنون!
ثم خطأٌ خامس، وهو أن كاتبنا يشير إلى مسألة وجود طبقتين من الماء في حالات المدّ العالي إحداهما طبقة مالحة خضراء اللون تلامس طبقة عذبة مائلة للحمرة دون أن تمتزج بها بوصفها أمرا يستطيع الرجل العادي أن يلاحظه بسهولة، وهو ما لا أظنه أبدًا صحيحا، وإلا لذكره كل إنسان، ودعنا من أنه كان من سكان البصرة في أيام ازدهار الثقافة الإسلامية علماء أجلاء وشعراء وأدباء كمحمد بن سيرين (مولى أنس بن مالك) والحسن البصري وعمرو بن عبيد والفرزدق وجرير وقَطَرِي بن الفُجَاءة ورؤبة بن العجّاج وبشار وأبي نُوَاس وابن المقفَّع والأصمعي والمفضَّل الضّبَّي والخليل بن أحمد وسيبويه والنظّام وواصل بن عطاء والجاحظ وابن سلام وابن قتيبة وابن دُرَيْد والباقلاني مثلا ممن لم يكن من الممكن أن تفوتهم ملاحظة مثل هذه الظاهرة لو كان إدراكها سهلا إلى هذا الحد الذي يصوره لنا الكاتب، وبخاصة أنها كانت بالنسبة للقدماء أمرا هائلا كما يقول. والحقيقة أن هذه الملاحظة لم يتنبه لها إلا العلماء في العصر الحديث بعد رحلات وأبحاث ودراسات مضنية استعانوا فيها بآلات التصوير الحراري التي لم يكن لها أي وجود قبل القرن العشرين حسبما كتب العلماء المسلمون في هذه المسألة على ما سيأتي بيانه، ولولا الصورة المرفقة لحالة المدّ المشار إليها لما دار ذلك بخاطري ، أما بالنسبة للقدماء فلم تكن لتلفت أنظارهم لأنها ليست مما يُدْرَك بالعين المجردة على خلاف ما يحاول الكاتب أن يوهم قراءه. وحتى لو غالطنا أنفسنا كما يريد منا وقلنا إنها قد لفتت منهم الأنظار، فكيف يا ترى كان لهم أن يعرفوا أن اللونين المختلفين يمثلان طبقتين من الماء إحداهما حلوة، والأخرى مالحة؟ وعلى أية حال فلم يكن الرسول من سكان منطقة البصرة حيث كان من الممكن أن يشاهد هذه الظاهرة لو كانت مشاهدتها ممكنة بالنسبة للرجل العادي فعلا كما يزعم الكاتب، بل كان عليه السلام من سكان مكة آنذاك، ومن ثم فلا يمكن أن يقال إنه في هذه النصوص القرآنية قد تكلم عن ملاحظة بسيطة لظاهرة طبيعية يعرفها كل أحد!
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 08:12 PM
يتبــــع الموضوع السابق
شبهة وجود الأحجار الكريمة في المياه العذبة
والواقع أني لم أكتف بهذا، بل ذهبتُ فقلّبت كل ما أتيح لي من "معاجم البلدان" وقرأت ما كُتِب فيها عن "البصرة" ونَهْرَيْها لعلي أعثر على ما يمكن أن يُفْهَم منه، ولو على سبيل التأويل والتمحُّل البعيد، أن أجدادنا قد لاحظوا هذه الظاهرة التي يصرّ الكاتب في جرأة عجيبة على أنها مما تراه العين العادية للرجل العادي ، فلم أجد شيئا بالمرة. ومن الكتب التي راجعتُها لهذا الغرض: "المسالك والممالك" لابن خرداذبة (من أهل القرن الثالث الهجري )، و"الأعلاق النفيسة" لابن رستة (من أهل القرن الثالث الهجري أيضا)، و"معجم البلدان" لياقوت الحموي (من أهل القرنين الساس والسابع)، و"أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" للمقدسي (من أهل القرن السابع)، و"آثار البلاد وأخبار العباد" للقزويني (من أهل القرن السابع أيضا)، و"الروض المعطار في خبر الأقطار" لمحمد بن عبد المنعم الحِمْيَري (من أهل القرنين السابع والثامن)، و"مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" لابن فضل الله العُمَري (من أهل القرن الثامن الهجري ) و"Gazetteer of the Persian Gulf, Oman and Central Arabia" لــJ. G. Lorimer(من أهل القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين). ولقد تناول كلامُ هؤلاء الكتاب عن البصرة موقعَها وتاريخَها وجوّها وأنهارَها وأطعمتها وسكانها ومشاهيرَها وحيوانها وطيورَها ومَدّها وجَزْرها وما قيل في مدحها وذمها، لكني لم أقرأ كلمة واحدة، كلمة واحدة يتيمة، عن تلك الظاهرة التي ادَّعى الكاتب أنها مما لوحظ من قديم الزمان قبل القرآن ببضعة آلاف من السنين، رغم أن بعض هؤلاء الكتاب قد أورد في الحديث عن مدّها وجَزْرها الخرافات والأساطير مثل المقدسي ، الذي نقل ما سمعه من أن ثمة مَلَكًا إذا وضع إصبعه في النهر حدث المدّ، وإذا رفعه جاء الجَزْر، أو أن الحوت إذا أخذ نفَسا سحب الماء إلى منخريه فكان الجَزْر، فإذا أخرجه كان المدّ" (المقدسي / أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم/ ط2/ بِرِيل/ 1906م/ 3)! بل لقد تحدث القزويني عن ملوحة ماء البصرة قائلا: "وماء دجلة والفرات إذا انتهى إلى البصرة خالطه ماء البحر فيصير ملحا" (القزويني / آثار البلاد وأخبار العباد/ دار صادر ودار بيروت/ 1389هــ- 1969م/ 309)، أي أنه قد اقترب تماما من النقطة التي نتحدث عنها الآن، ورغم هذا فإنه لم ينبس بأي شيء مما يزعم الكاتب أنه ظاهرة طبيعية بسيطة لاحظها القدماء بكل سهولة، وليس فيها ما يمكن أن يُعَدّ إعجازا بحال! إن الزعم أمرٌ هيّن الشأن لا يكلف صاحبه شيئا، بخلاف البناء والتثبت، فإنه يتعب من يرومه ويجشّمه من أمره جهدا ومشقّة ونَصَبا. إن كاتبنا لم يكلف نفسه أكثر من أنه تركها تزعم ما يحلو لها دون أن تقدِّم على ما تقول أي برهان، وهو أمر لا يعجز عنه أي شخص مهما يكن حظه من العلم، أو فلنقل بالأحرى: مهما يكن حظه من الجهل. كل ما هنالك أنه ينبغي أن يتدرع بالاندفاع واللامبالاة، ثم لا عليه بعد ذلك من شيء! أما الذين يحرصون على سمعتهم ويلتزمون بقِيَم الدين والعلم والخلق الكريم فلا يستطيعون أن يخطّوا حرفا إلا بعد اللَّتَيّا والتي خشيةَ الخطإ وتحرُّزًا من الوقوع في التدليس. وصدق المثل القائل إنّ رَمْى حجر في بئر لا يحتاج إلى أكثر من مجنون واحد، أما إخراج الحَجَر من البئر فيحتاج إلى ألف عاقل!
ثم يضيف الكاتب أن من المسلمين من يقول بوجود بحارٍ ذات ماء عذب صالح للشرب ( eau de mer potable)، قائلا إن الاعتقاد بهذا والشرب بناء عليه من ماء البحر المالح يؤدي إلى الجنون. ولست أدري من أين أتى الكاتب بهذا الكلام الذي ينسبه لبعض المفسرين المسلمين. لقد كان ينبغي أن يذكر لنا أسماء من قالوا بذلك ويحدد السياق الذي ورد كلامهم فيه، وعلى أي أساس قالوه. أما أن يتركنا في عماية من الأمر متصورا أننا ينبغي أن نلقي إليه بمقاليد طاعتنا ونصغي إليه أسماعنا وأفئدتنا دون دليل أو توضيح فأمر لا يصحّ، ومن شأنه أن يدفعنا إلى تكذيبه فيما يقول نظرا لغرابته البالغة، إذ لا يعقل أن يكون بين المفسرين المسلمين في العصر الحديث ولا في أي عصر آخر من يُقْدِم على كتابة هذا الكلام المضحك مهما تبلغ قلة بضاعته من المعرفة. إن هذا الكلام يعرف كذبَه أي عامي فَدْم، فما بالنا بمن يتصدى لتفسير كتاب الله المجيد؟ ولقد رجعتُ إلى ما نشره "موقع الإيمان على شبكة الإنترنت" في هذا الموضوع فوجدت ما أورده الكاتب المذكور وعمل على تفنيده من تفسير علماء المسلمين المعاصرين للآيات القرآنية التي نحن بصددها، لكني لم أعثر البتة على أي شيء يومئ من قريب أو من بعيد ولو على سبيل التوهم إلى ما يمكن أن يُفْهَم منه أنهم يقولون بوجود بحارٍ (بحارٍ كالبحر المتوسط أو البحر الأحمر أو بحر قزوين أو خليج المكسيك أو المحيط الهندى أو الأطلسي مثلا) ذات مياه عذبة، بل الذي قالوه، وهو صحيح مائة في المائة على ما سنوضّح لاحقا، هو أن كلمة "البحر" قد تُطْلَق في لسان العرب على ما نسميه عادة: "النهر". وهذا غير ذاك كما هو واضح، لكن الكاتب إما أنه لم يفهم كلامهم، وهو ما أستبعده لأنه قد فهم بقية ما قالوه فهما سليما يدل على أنه يعرف ماذا قالوا بالضبط سواء اطّلع عليه مباشرة في لغته الأصلية أو ترجمه له مترجم، وإما أنه فهم هذا الكلام لكنه أراد السخرية والتشكيك فيما قالوه برُمّته لينعكس ذلك على نظرة قارئ كلامه للقرآن أيضا، وهذا ما أرجّحه.
وقد استخدم القرآن كلمة "البحرين" للدلالة على ما نعرفه الآن بــ"النهر والبحر"،إذ "البحر" في اللغة العربية "هو الماءُ الكثيرُ، مِلْحًا كان أو عَذْبًا، وهو خلافُ البَرِّ، أو هو المِلْحُ فَقَطْ، وقد غَلَب عليه حتى قَلَّ في العَذْب" حسبما نقرأ في "لسان العرب" و"تاج العروس" وغيرهما من المعاجم. وقد يكون الكتاب المجيد استخدمها على سبيل التغليب كقولنا مثلا: "العُمَران" لأبي بكر وعمر، و"الحَسَنان" للحسن والحسين، و"القَمَران" للشمس والقمر، و"الأَبَوان" للأب والأم. فقول علمائنا إن البحر قد يكون عذب الماء كما قد يكون مالحها هو كلام لا خطأ فيه، ولا يمكن أن يتوهم متوهم أنهم يقصدون أن الماء الملح يطفئ الظمأ حتى يخاف كاتبنا على البشر من هذا أن يصيبهم الجنون جرَّاءَ تصديقهم لذلك الكلام وكَرْعهم من ثَمّ من هذا الماء، بل المقصود هو ما نعرفه الآن بــ"النهر"، وهذا كل ما هنالك. ونحن في مصر كثيرا ما نطلق على "النهر" اسم الــ"بحر" كقولنا: "بحر النيل"، وفي قريتنا "كتامة الغابة" بمحافظة الغربية نسمي الترعة الواصلة بين بلدنا وطنطا: "بحر عاص"، كما نسمى الترعة الأخرى التي تمر بالقرب من "شفاقرون" المجاورة لنا: "بحر شفاقرون". وبالمثل نسمع الناس يقولون لفرع النيل القريب من "بسيون": "بحر القُضّابة" على اسم قرية "القُضّابة" التي تقع عليه، ولفرع النيل المارّ بدسوق: "بحر سيدي إبراهيم" على اسم إبراهيم الدسوقي الولي المعروف المدفون بالمدينة المذكورة، وللترعة التي تقوم على شاطئها قرية "سديمة": "بحر سيدي أبو اليزيد" على اسم "أبو اليزيد البسطامي "، إذ في اعتقاد أهل المنطقة أن الضريح الموجود في تلك البلدة هو لذلك الصوفي المشهور. ويوجد في القاهرة شارع اسمه "شارع البحر الأعظم"، كما يوجد في طنطا شارع يسمَّى: "شارع البحر" إشارة إلى ما كان يوجد في كل من المكانين من مجرًى للنيل. ولهذه الحكمة ذاتها كان العامة في مصر يسمّون "البحر المتوسط": "البحر المالح"، وهو دليل آخر على أن هناك في أذهانهم "بحرا عذبا" مثلما أن هناك "بحرا مالحا". بل لقد وجدت بدر الدين العيني يستخدم هذه التسمية في كتابه: "عِقْد الجُمان في تاريخ أهل الزمان" عدة مرات، ومرة واحدة على الأقل تسمية "البحر المِلْح". كذلك استعمل نشوان الحميري هذه التسمية الأخيرة في "الروض المعطار في خير الأقطار" عند تعريفه بمدينة "الإسكندرية"، وذلك في قوله: "مدينة عظيمة من ديار مصر بناها الإسكندر بن فيلبش فنسبت إليه، وهي على ساحل البحر الملح". وبالمثل نقرأ في "ثمرات الأوراق" لابن حجة الحموي أن ملك بحر الأردن خاف على ابنته من أردشير حين أرسل يخطبها منه فــ" أرسلها إلى بعض الجزائر في البحر الملح". وهذه مجرد أمثلة قليلة. وإذا كانت كلمة "mer" الفرنسية لا تعني إلا البحر الملح، فينبغي ألا نحمّل لغة الضاد هذه المسؤولية، فلكلّ لغةٍ أوضاعها التي كثيرا ما تختلف فيها وبها عن غيرها من اللغات كما هو معروف.
ومن الشواهد التي تجري هذا المجرى قوله تعالى: " أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا" (المائدة/ 96)، ومعروف أن السمك يخرج من البحر والنهر كليهما لا من البحر فقط، وكذلك قوله عز شأنه: " قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ...؟ " (الأنعام/ 63)، حيث وُضِع البحر مقابل البرّ مما يدل على أن المقصود به النهر والبحر معا. وقرأت في "الحيوان" للجاحظ هذه العبارة: "ومررتُ به وهو جالسٌ في يوم غِمق حارٍّ ومِدٍ، على باب داره في شروع نهر الجُوبار بأردية، وإذا ذلك البحر يبخر في أنفه". فانظر كيف ذكر أولا "النهر"، ثم كيف سماه بعد ذلك: ""بحرا". وجاء في "كتاب الصناعتين" لأبي هلال العسكري : "ولولا كراهةُ الإطالة وتخوف الإملال لَزِدْتُ من هذا النوع، ولكن يكفي من البحر جرعة". والبحر هنا لا يمكن أن يكون إلا الماء العذب، فالإنسان لا يجرع إلا من النهر. وفي "الفرج بعد الشدة" للقاضي التنوخي نقرأ هذه العبارة: "فلا شدة أعظم من أن يُبْتَلَي الناس بمَلِكٍ يذبّح أبناءهم، حتى ألقت أم موسى ابنها في البحر مع طفوليته، ولا شدة أعظم من حصول طِفْل في البحر". ويقول الشابشتي في وصف دير القصير بمصر من كتاب "الدِّيَارات": "وهو مطل على القرية المعروفة بشهران وعلى الصحراء والبحر. وهذه القرية المذكورة قرية كبيرة عامرة على شاطىء البحر، ويذكرون أن موسى uولد فيها، ومنها ألقته أمه إلى البحر في التابوت". ويقول أيضا عن "دير طمويه": "وطمويه في الغرب بإزاء حلوان. والدير راكب البحر، وحوله الكروم والبساتين والنخل والشجر. فهو نَزِهٌ عامرٌ آهل. وله في النيل منظر حسن. وحين تخضر الأرض، فإنه يكون بين بساطين من البحر والزرع". وفي "فوات الوَفَيَات" لابن شاكر الكتبي أن توران شاه لمّا حاصرته مماليك أبيه في البرج عند المنصورة رمى بنفسه وهرب إلى النيل "ونزل في البحر إلى حلقه" فقتلوه. والمقصود بــ"البحر" في هذا كله: "النيل" كما هو واضح. وعندنا من الشواهد الشعرية الكثير، ومنها قول أبي الشيص الخزاعي : بَحرٌ يَلوذ المُعتَفونَ بِنَيْله فَعْمُ الجَداول مُتْرَع الأَحواضِ
وقول ابن الرومي : هو بحرٌ مِنَ البحورِ فُرَاتٌ ليس مِلْحًا وليس حاشاه ضَحْلا
وقول ابن حَيّوس: وَمَنْ جادَ بِالآمالِ عَنكَ فَإِنَّني أَرى كُلَّ بَحرٍ مُذ رَأَيتُكَ جَدْوَلا
وقول ابن درّاج القسطلي : وإِن أَرْفَهَتْ فِي بَحْرِ جُودِكَ شِرْبَها فَمِنْ ظِمْءِ عَشْرٍ فِي الهجيرِ إِلَى تِسْعِ
وقول البحتري : بَحْرٌ مَتى تَقِف الظِماءُ بِمَورِدٍ مِنهُ يَطيبُ لَهُم جَداهُ وَيَعذُبِ
وقول الحيص بيص: ولكنهُ بَحْرٌ يَلَذُّ لشارِبٍ ويُكرِمُ مَثْوىً من مُسِيفٍ ومُرْمِلِ
وقول ظافر الحداد الشاعر المصري : تأمَّلْتُ بحرَ النيلِ طولا، وخَلْفَه من البركةِ الغَنّاء شكلٌ مُدَوَّرُ
وقول البوصيري : وَكلُّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ غَرْفًا مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفًا مِنَ الدِّيَمِ
وقول المتنبي : قَوَاصِدُ كافورٍ تَوَارِكُ غيره ومن قَصَدَ البحرَ استقلّ السواقيا
ثم كيف يمكن أن يتوهم متوهِّم هذا الذي يخشاه الكاتب (أو بالأحرى: هذا الذي يزعم أنه يخشاه)، ويذهب فيَعُبّ من الماء الملح عَبًّا؟ ويبقى تأكيده أن شرب هذا الماء يصيب الشخص بالجنون، ولا أعرف مدى صحة هذا الكلام من الناحية الطبية، وإن كنت أستغربه غاية الاستغراب، وبخاصة أنه من غير المعقول أو المتصوَّر أن يستمر أي إنسان في شرب ذلك الماء بمجرَّد أن يذوقه ويحس ملوحته! لكن الذي أنا متأكد منه أن الذي يَعُبّ من الماء الملح يكون قد أُصِيبَ بالجنون فعلا، وانتهى أمره والعياذ بالله، لا أنه سيصاب به بعد الشرب، إذ لا يفعل ذلك عاقل بحال من الأحوال!
والآن نأتي لتفسير الآيات المذكورة لنرى أفيها ما لم تكن العرب بل ما لم تكن البشرية كلها تعرفه أو لا، ونبدأ بقوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا " (الفرقان/ 53)،إذ هو من الوضوح بمكان بحيث لا يثير مشاكل وخلافات حول المقصود بالبحرين هنا: أهما بحران مِلْحان أم بحرٌ عَذْبٌ وآخر مِلْح؟ وقد فسره بوكاي قائلا: "معروفةٌ تلك الظاهرة التي كثيرا ما نشاهدها عند عدم الاختلاط الفوري لمياه البحر الملحة بالمياه العذبة للأنهار الكبيرة. ويرى البعضُ أن القرآن يشير إليها لعلاقتها بمصبّ نَهْرَي دجلة والفرات، اللذين يشكلان بالتقائهمابحرًا، إذا جاز القول، طوله 150 كم هو شط العرب. وفي الخليج ينتج تأثيرُ المدّ ظاهرةً طبيعيةً هي انحسار الماء العذب إلى داخل الأراضي ، وذلك يضمن رِيًّا طيبا" (موريس بوكاي / القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم/ 205).
والحق أن هذا التفسير، رغم احترامي الكامل للدكتور بوكاي ، هو تفسير غير مقنع: فمن الناحية اللغوية يصعب علي أن أوافق العالم الفرنسي على أن أداة التعريف في كلمة "البحرين" هنا للعهد، الذي قيل على أساسه إن "البحرين" المذكورين هما شط العرب والخليج الذي يصب فيه. ذلك أن الآيات السابقة تتحدث عن الظل والرياح والماء والأنعام والأناسي ، وهي مفاهيم عامة لا تشير إلى ظلٍّ بعينه ولا رياحٍ محدَّدة ولا أنعامٍ وأنَاسِي مخصوصة، فلِمَ يقال إذن إن "البحرين" هنا هما بحران معينان (الخليج وشط العرب)؟ إن السياق الذي وردت فيه هذه الكلمة هو سياق عام، ومن ثم فإن بلاغة الكلام تقتضي أن يكون "البحران" أيضا هنا هما "النهر والبحر" بإطلاق، أي أن "أل" فيهما هي "أل" الجنسية لا العهدية. وقد يظن قوم أن كلمة "فُرَات" الواردة في النص القرآني هنا تشير إلى نهر الفرات، ومن ثم يستغربون قولي بعدم وجود قرينة تدل على أن السياق هنا سياق خاص لا عام، لكن لا بد أن نعرف أن كلمة "فُرَات" في النص ليست عَلَمًا على النهر المعروف في بلاد الرافدين، بل صفة للبحر الأول من البحرين المذكورين معناها "الشديد العذوبة". كذلك فماء النهر، مهما توغَّل بقوة اندفاعه إلى مدًى بعيد في داخل البحر أو المحيط واحتفظ أثناء ذلك بخصائصة وعذوبته، يختلط في النهاية بمائهما ويتحول من ثم إلى ماءٍ ملحٍ أُجَاج. فظاهر الأمر إذن أن النهر يبغي في البداية على البحر (حين يشق ماءه الملح ويزيحه عن طريقه) ليعود البحر فيبغي في النهاية عليه (حين يختلط ماؤه العذب بماء البحر الملح الذي يُفْقِده خاصة العذوبة ويعطيه بدلا منها ملوحته)، فأين البرزخ يا ترى والحِجْر المحجور؟
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 08:14 PM
يتبــــع الموضوع السابق
شبهة وجود الأحجار الكريمة في المياه العذبة
أما "المنتخب في تفسير القرآن الكريم" فإنه يقول، في هامش خصَّصه للتعليق على هذه الآية، إنها ربما "تشير إلى نعمة الله على عباده بعدم اختلاط الماء الملح المتسرب من البحار في الصخور القريبة من الشاطئ بالماء العذب المتسرب إليها من البر اختلاطا تامّا، بل إنهما يلتقيان مجرد تلاق: يطفو العذب منهما فوق الملح كأن بينهما برزخا يمنع بَغْي أحدهما على الآخر وحِجْرًا محجورا، أي حاجزا خفيّا مستورا لا نراه". لكن ثمة نقطة هامة يظهر أن كاتبَي هذا التعليق، رغم جدته وطرافته بالنسبة لي على الأقل، قد أغفلاها، إذ إن الماء العذب والماء الملح اللذين يلتقيان في الصخور على هذا النحو لا يمكن تسميتهما: "بحرين". ثم إذا كان الماءان في هذه الظروف لا يلتقيان، فإنهما في عُرْض البحر يلتقيان ويتمازجان ويصبحان في النهاية ماءً واحدًا كما قلنا من قبل.
يبدو لي ، والله أعلم، أن البرزخ المذكور في الآية الكريمة هو القوانين التي بمقتضاها بَقِي كل من الماء العذب والماء الملح كلَّ هذه الدهور المتطاولة التي لايعلم مداها إلا الله، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما هو لا يتغير. فالأنهار تصب في البحار والمحيطات، وكان المفروض، لو أن الأمر انتهى عند هذا الحد، أن يختلط الماءان اختلاطًا دائمًا فلا ينفصلا بعد ذلك أبدا، ويصبح كل الماء الموجود على سطح الأرض من ثَمَّ ماءً مِلْحًا. بَيْدَ أن التقدير الإلهي قد شاء أن يقوم البَخْر بحمل ماء البحار والمحيطات فتسوقه الرياح ليسقط على الجبال وينحدر إلى الأنهار ماءً عذبًا كما كان...وهكذا دواليك. وهكذا أيضا يبقي الماء العذب والماء الملح كما هما، ويتعايش البحران دون أن يبغي أحدهما على الآخر ويقضي عليه. فهذا هو البرزخ، وهذا هو الحِجْر المحجور فيما أفهم، والله أعلم. وهو، كما نرى، برزخٌ وحِجْرٌ غير مادي . إنه حاجز من قوانين لا من أحجار أو مسافات أو تضاريس. ومن الحواجز المعنوية أيضا "برازخ الإيمان" التي جاء في المعاجم أنها تفصل بين الشك واليقين أو التي تفصل ما بين أول الإيمان وآخره، والبرزخ الذي يفصل بين الدنيا والآخرة، و"الحِجْر" المذكور في القرآن على لسان المشركين: "وقالوا: هذه أنعامٌ وحرثٌ حِجْرٌ لا يطعمها إلا من نشاء"،أي محرَّم أكلها حسبما نصت الآية الكريمة، والتحريم (كما هو معروف) حاجزٌ معنوي لا مادي . كما أن قوله تعالى في الآية 22 من سورة "الفرقان": " حِجْرًا مَحْجُورًا "معناه: "حرامًا محَرَّمًا"...وهكذا. ولهذا قالت المعاجم وكتب التفاسير في البرزخ الفاصل بين البحرين إنه حاجز خفي من قدرة الله. ولا ننس أن القرآن لم ينف التقاء البحرين رغم وجود البرزخ، بل قال بصريح اللفظ: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ(19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ(20)" كما جاء في الآيتين 19- 20 من سورة "الرحمن". فالبرزخ موجود، ولكن الالتقاء حاصل أيضا لأن البرزخ في النص القرآني إنما يمنع بَغْي أحد البحرين على الآخر لكنه لا يمنع اللقاء بينهما.
وبنحو الذي قلناه فَسَّر الطبري الآيتين المذكورتين فقال: "قَوْله: "هَذَا عَذْبٌ فُرَات"، الفُرَات : شَدِيد الْعُذُوبَة. يُقَال : هَذَا مَاءٌ فُرَات، أَيْ شَدِيد الْعُذُوبَة. وَقَوْله: "وَهَذَا مِلْح أُجَاج"، يَقُول: وَهَذَا مِلْحٌ مُرّ، يَعْنِي بِالْعَذْبِ الْفُرَاتِ مِيَاهَ الأَنْهَار وَالأَمْطَار، وَبِالْمِلْحِ الأُجَاجِ مِيَاهَ الْبِحَار. وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ، مِنْ نِعْمَته عَلَى خَلْقه وَعَظِيم سُلْطَانه، يَخْلِط مَاء الْبَحْر الْعَذْب بِمَاءِ الْبَحْر الْمِلْح الأُجَاج، ثُمَّ يَمْنَع الْمِلْح مِنْ تَغْيِير الْعَذْب عَنْ عُذُوبَته وَإِفْسَاده إِيَّاهُ بِقَضَائِهِ وَقُدْرَته لِئَلاّ يَضُرّ إِفْسَاده إِيَّاهُ بِرُكْبَانِ الْمِلْح مِنْهُمَا فَلا يَجِدُوا مَاء يَشْرَبُونَهُ عِنْد حَاجَتهمْ إِلَى الْمَاء، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : " وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا "،يَعْنِي حَاجِزًا يَمْنَع كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ إِفْسَاد الآخَر. "وَحِجْرًا مَحْجُورًا"،يَقُول : وَجَعَلَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا حَرَامًا مُحَرَّمًا عَلَى صَاحِبه أَنْ يُغَيِّرهُ وَيُفْسِدهُ". على أن هذا التفسير لا يمنع أن يدخل فيه التقاء ماء دجلة والفرات بماء الخليج العربي بوصفه إحدى الحالات التي يتبدَّى فيها القانون الذي شرحتُه آنفا لا بوصفه الحالة الوحيدة المقصودة في القرآن كما جاء في كلام الدكتور بوكاي ، فضلا عن أن التفسير الذي ذكره يختلف عن تفسيري أنا حسبما وَضَّحْت.
وفي رأيي المتواضع أن آيات سورة "الرحمن" تدل على نفس هذا المعنى، لكن كاتب مقال "البرزخ المائي بين البحرين" في "موقع الإيمان على شبكة الإنترنت" يرى أن "البحرين" هنا بحران مالحان. وهذا نَصّ كلامه: "قال تعالى: " مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ* فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ؟* يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ " (الرحمن/ 19- 22)،وقال تعالى: "وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا " (النمل/61).لقد توصل علماء البحار، بعد تقدُّم العلوم في هذا العصر، إلى اكتشاف الحاجز بين البحرين، فوجدوا أن هناك برزخًا يفصل بين كل بحرين ويتحرك بينهما، ويسميه علماء البحار: "الجبهة" تشبيهًا له بالجبهة التي تفصل بين جيشين. وبوجود هذا البرزخ يحافظ كلُّ بحرٍ على خصائصه التي قدرها الله له، ويكون مناسبًا لما فيه من كائنات حية تعيش في تلك البيئة. ومع وجود هذا البرزخ فإن البحرين المتجاورين يختلطان اختلاطًا بطيئًا يجعل القَدْر الذي يعبر من بحر إلى بحر آخر يكتسب خصائص البحر الذي ينتقل إليه عن طريق البرزخ الذي يقوم بعملية التقليب للمياه العابرة من بحرٍ إلى بحرٍ ليبقى كل بحرٍ محافظًا على خصائصه تدرج العلم البشري لمعرفة حقائق اختلاف مياه البحار وما بينها من حواجز:
اكتشف علماء البحار أن هناك اختلافًا بين عيناتٍ مائيةٍ أُخِذَتْ من البحار المختلفة في عام 1284هـ- 1873م على يد البعثة العلمية البحرية الإنجليزية في رحلة تشالنجر، فعرف الإنسان أن المياه في البحار تختلف في تركيبها عن بعضها البعض من حيث درجة الملوحة ودرجة الحرارة ومقادير الكثافة وأنواع الأحياء المائية. ولقد كان اكتشاف هذه المعلومة بعد رحلة علمية استمرت ثلاثة أعوام، جابت جميع بحار العالم. وقد جمعت الرحلةُ معلوماتٍ من 362 محطة مخصَّصة لدراسة خصائص المحيطات، وملأت تقاريرُ الرحلة 29.500 صفحة في خمسين مجلدًا استغرق إكمالها 23 عاما. وإضافةً إلى كون الرحلة أحد أعظم منجزات الاستكشاف العلمي فإنها أظهرت كذلك ضآلة ما كان يعرفه الإنسان عن البحر.
بعد عام 1933م قامت رحلة علمية أخرى أمريكية في خليج المكسيك، ونشرت مئات المحطات البحرية لدراسة خصائص البحار، فوجدت أن عددا كبيرا من هذه المحطات تعطي معلوماتٍ موحَّدةً عن خصائص الماء في تلك المنطقة من حيث الملوحة والكثافة والحرارة والأحياء المائية وقابلية ذوبان الأكسجين في الماء، بينما أعطت بقيةُ المحطات معلوماتٍ موحَّدة أخرى عن مناطق أخرى، مما جعل علماء البحار يستنبطون وجود بحرين متمايزين في الصفات لا مجرد عينات محدودة كما علم من رحلة تشالنجر.
وأقام الإنسان مئات المحطات البحرية لدراسة خصائص البحار المختلفة، فقرر العلماء أن الاختلاف في هذه الخصائص يميز مياه البحار المختلفة بعضها عن بعض. لكن لماذا لا تمتزج البحار وتتجانس رغم تأثير قوّتي المد والجزر التي تحرك مياه البحار مرتين كل يوم، وتجعل البحار في حالة ذهاب وإياب، واختلاط واضطراب، إلى جانب العوامل الأخرى التي تجعل مياه البحر متحركة مضطربة على الدوام مثل الموجات السطحية والداخلية والتيارات المائية والبحرية؟ ولأول مرة يظهر الجواب على صفحات الكتب العلمية في عام 1361هـ-1942م، فقد أسفرت الدراسات الواسعة لخصائص البحار عن اكتشاف حواجزَ مائيةٍ تفصل بين البحار الملتقية، وتحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة والملوحة والأحياء المائية والحرارة وقابلية ذوبان الأوكسجين في الماء. وبعد عام 1962م عُرِف دورُ الحواجز البحرية في تهذيب خصائص الكتل العابرة من بحر إلى بحر لمنع طغيان أحد البحرين على الآخر فيحدث الاختلاط بين البحار الملحة، مع محافظة كل بحر على خصائصه وحدوده المحدودة بوجود تلك الحواجز. ويبين الشكل التالي حدود مياه البحر الأبيض المتوسط الساخنة والمِلْحة عند دخولها في المحيط الأطلسي ذي المياه الباردة والأقل مُلُوحة منها.
وأخيرًا تمكن الإنسان من تصوير هذه الحواجز المتحركة المتعرجة بين البحار المِلْحة عن طريق تقنية خاصة بالتصوير الحراري بواسطة الأقمار الصناعية، والتي تبين أن مياه البحار وإن بدت جسمًا واحدًا، إلا أن هناك فروقًا كبيرة بين الكتل المائية للبحار المختلفة تظهر بألوانٍ مختلفة تبعًا لاختلافها في درجة الحرارة. وفي دراسة ميدانية للمقارنة بين مياه خليج عمان والخليج العربي بالأرقام والحسابات والتحليل الكيمائي تبين اختلاف كل منهما عن الآخر من الناحية الكيميائية والنباتات السائدة في كل منهما ووجود البرزخ الحاجز بينهما. وقد تطلب الوصول إلى حقيقة وجود الحواجز بين الكتل البحرية وعملها في حفظ خصائص كل بحر قرابة مائة عام من البحث والدراسة اشترك فيها المئات من الباحثين، واستُخْدِم فيها الكثير من الأجهزة ووسائل البحث العلمي الدقيقة، بينما جَلَّى القرآنُ الكريمُ هذه الحقيقةَ قبل أربعة عشر قرنا. قال تعالى: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ؟* يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ" (الرحمن/ 19- 22)،وقال تعالى: "وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا" (النمل/61)".
هذا ما جاء في المقال المنشور على موقع "الإيمان على شبكة الإنترنت". والواقع أنني أميل إلى تفسير "البحرين" في سورتي "الفرقان" و"الرحمن" بأنهما بحران مختلفان، وأوثر هذا التفسير على القول بأن البحرين في هذه السورة هما بحران مالحان كلاهما، وعلى هذا فإني أرى أن البحرين في آيات سورة "الرحمن" أيضا هما البحر العذب والبحر الملح. والسبب في ذلك هو حرصي على أن يكون هناك انسجام بين آيات القرآن مراعاةً للسياق القرآني العام، إذ القرآن يفسّر بعضُه بعضًا كما هو معروف، وعلى هذا أرى أن تكون النصوصُ التي حددت البحرين بأنهما البحر العذب والبحر الملح حاكمةً على النصوص التي لم تحددهما. ولكني رغم ذلك لا أستطيع أن أخطّئ من يقولون بهذا التفسير مادامت الآية تقبله على وجه من الوجوه، إذ ليس في النص الكريم ما يجعل التفسير الثاني مرفوضا، بل الأمرُ أمرُ تفضيلِ تفسيرٍ على تفسيرٍ كما أوضحت. أما الحجة التي استند إليها من فسَّروا "البحرين" في النص الأخير بأنهما كليهما بحران مالحان، وهي أن المَرْجان قد ذُكِر فيه، وهو لا يُسْتَخْرَج إلا من المياه الملحة، فلست أراها حجة كافية، إذ المَرْجان عند معظم اللغويين والمفسرين القدماء هو صغار اللؤلؤ أو كباره، واللؤلؤ يُسْتَخْرَج من الأنهار أيضا مثلما يُسْتَخْرَج من البحار على ما سوف أُبَيِّن بعد قليل. لكني مع ذلك لا أجد، كما قلت، مانعا أن يفسرها الآخرون بغير ما فسرتُها به ما دامت تقبل هذا التفسير. إنyohanfraisيشير إلى أن النص القرآني لا يذكر اختلاف مياه البحار من حيث درجة الملوحة ودرجة الحرارة ومقادير الكثافة وأنواع الأحياء المائية، وكلامه صحيح بلا جدال، لكنْ صحيحٌ أيضا أن علماء المسلمين الذين يتحدثون عن هذه الفروق لا يقولون إن القرآن قد ذكر هذا، بل كلّ مقصدهم أن دلالة الآية تشمله، فلا داعى من ثم إلى اتهامهم بأنهم يُقَوِّلون النص القرآني ما لم يقله.
هــذا، وقد اختتم كاتبُ المقــال المنشور على "موقــع الإيمان على شبكة الإنترنت" كلامه بالملاحظات التاليــة: "1- أن القرآن الكريم الذي أُنْزِل قبل أكثر من 1400سنة قد تضمَّن معلومات دقيقة عن ظواهرَ بحريةٍ لم تُكْتَشَف إلا حديثًا بواسطة الأجهزة المتطورة، ومن هذه المعلومات وجود حواجزَ مائيةٍ بين البحار. قال تعالى: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ" (الرحمن/ 19- 20).2- يشهد التطور التاريخي في سير علوم البحار بعدم وجود معلومات دقيقة عن البحار، وبخاصة قبل رحلة تشالنجر عام 1873م، فضلاً عن وقت نزول القرآن قبل ألف وأربعمائة سنة الذي نزل على نبيٍّ أمِّيٍّ عاش في بيئة صحراوية ولم يركب البحر. 3- كما أن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين، وخاصة في النصف الأخير من القرن العشرين. وقبل ذلك كان البحر مجهولا مخيفا تكثر عنه الأساطير والخرافات، وكل ما يهتم به راكبوه هو السلامة والاهتداء إلى الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم الطويلة. وما عرف الإنسان أن البحار المِلْحة بحارٌ مختلفةٌ إلا في الثلاثينات من هذا القرن بعد أن أقام الدارسون آلافَ المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار، وقاسُوا في كلٍّ منها الفروقَ في درجات الحرارة، ونسبة الملوحة، ومقدار الكثافة، ومقدار ذوبان الأوكسجين في مياه البحار في كل المحطات فأدركوا بعدئذٍ أن البحار المِلْحَة متنوعة. 4- وما عرف الإنسانُ البرزخَ الذي يفصل بين البحار المِلْحَة إلا بعد أن أقام محطات الدراسة البحرية المشار إليها، وبعد أن قضى وقتًا طويلاً في تتبع وجود هذه البرازخ المتعرجة المتحركة التي تتغير في موقعها الجغرافي بتغير فصول العام. 5- وما عرف الإنسان أن ماءَيِ البحرين منفصلان عن بعضهما بالحاجز المائي ومختلطان في نفس الوقت إلا بعد أن عكف يدرس بأجهزته وسفنه حركةَ المياه في مناطق الالتقاء بين البحار، وقام بتحليل تلك الكتل المائية في تلك المناطق. 6- وما قرر الإنسان هذه القاعدة على كل البحار التي تلتقي إلا بعد استقصاء ومسح علمي واسع لهذه الظاهرة التي تحدث بين كل بحرين في كل بحار الأرض.
فهل كان يملك رسول الله rتلك المحطات البحرية، وأجهزة تحليل كتل المياه، والقدرة على تتبع حركة الكتل المائية المتنوعة؟ وهل قام بعملية مسح شاملة، وهو الذي لم يركب البحر قط، وعاش في زمن كانت الأساطير هي الغالبة على تفكير الإنسان، وخاصة في ميدان البحار؟ وهل تيسر لرسول الله rفي زمنه من أبحاثٍ وآلاتٍ ودراساتٍ ما تيسر لعلماء البحار في عصرنا الذين اكتشفوا تلك الأسرار بالبحث والدراسة؟ إن هذا العلم الذي نزل به القرآن يتضمّن وصفًا لأدق الأسرار في زمنٍ يستحيل على البشر فيه معرفتها لَيَدُلّ على مصدره الإلهي كما قال تعالى: " قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ. إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا " (الفرقان/ 6).كما يدل على أن الذي أُنْزِل عليه الكتاب رسولٌ يُوحَى إليه. وصدق الله القائل: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ. أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " (فصلت/ 53)".
والآن، وبعد أن نقلنا ما خرج به كاتب المقال المشار إليه من نتائج، نأتي إلى آية سورة "فاطر": "وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا".ولسوف أتناولها من زاوية أخرى لأنها، كما سبق القول، لا تذكر شيئا عن البرزخ أو الحِجْر المحجور الذي يمنع أحد البحرين من البغي على الآخر. لقد قرأتُ هذه الآية مرات لا تحصى، لكني لم أكن ألتفت إلى ما تؤكده من أن الحلي تُسْتَخْرَج من البحر والنهر كليهما، بل كنت أتصور أن اللؤلؤ والمرجان لا يوجدان إلا في البحار الِملْحة. ومنذ عدة سنوات كنت أقرأ هذه الآية، وفجأة تنبهتُ لما كان غائبا عني ، فتساءلت: هل توجد الحلي حقا في مياه الأنهار كما هي موجودة في البحار؟ وقد رجعتُ يومها إلى ترجمة عبد الله يوسف علي للقرآن إلى الإنجليزية، فألفيتُه، في تعليقه على هذه الاية في الهامش، يذكر من أنواع الحلي النهري العقيقَ وبرادةَ الذهب وغيرهما. ثم رجعتُ بعد ذلك إلى "Encyclopaedia Britannica" (الطبعة الرابعة عشرة) فقرأتُ في مادة "Pearls"أن اللؤلؤ يوجد أيضا في المياه العذبة. وبعد هذا وقع في يدي "المنتخَب في تفسير القرآن الكريم"، الذي أصدره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، فقرأتُ في التعليق العلمي الموجود بأسفل الصفحة على الآية المذكورة الكلام التالي الذي يبدو وكأنه كُتِب خصيصا لي : "قد يستبعد بعض الناس أن تكون المياه العذبة مصدرًا للحلي ، ولكن العلم والواقع أثبتا غير ذلك: أما اللؤلؤ فإنه، كما يُسْتَخْرَج من أنواع معينة من البحر، يُسْتَخْرَج أيضا من أنواع معينة أخرى من الأنهار، فتوجَد اللآلئ في المياه العذبة في إنجلترا وأسكتلندا وويلز وتشيكوسلوفاكيا واليابان...إلخ، بالإضافة إلى مصايد اللؤلؤ البحرية المشهورة. ويدخل في ذلك ما تحمله المياه العذبة من المعادن العالية الصلادة كالماس، الذي يُسْتَخْرَج من رواسب الأنهار الجافة المعروفة باليرقة. ويوجد الياقوت كذلك في الرواسب النهرية في موجوك بالقرب من بانالاس في بورما العليا. أما في سيام وفي سيلان فيوجد الياقوت غالبا في الرواسب النهرية. ومن الأحجار شبه الكريمة التي تُسْتَعْمَل في الزينة حجرُ التوباز، ويوجد في الرواسب النهرية في مواقعَ كثيرةٍ ومنتشرةٍ في البرازيل وروسيا (الأورال وسيبريا)، وهو فلورسيليكات الألمونيوم، ويغلب أن يكون أصفرَ أو بُنّيًّا. والزيركون (circon) حَجَرٌ كريمٌ جذابٌ تتقارب خواصه من خواص الماس، ومعظم أنواعه الكريمة تُسْتَخْرَج من الرواسب النهرية".
ولكي يقدِّر القارئ رد فعلي الأول حق قدره أذكر أن بعض المترجمين الأوربيين أنفسهم في العصر الحديث قد استبعدوا أن تكون الأنهار مصدرًا من مصادر الحلي . وقد تجلَّى هذا في ترجمتهم لهذه الآية: فمثلا نرى رودويل الإنجليزي يترجم الجزء الخاص بالحلي منها هكذا: "yet from both ye eat fresh fish, and take forth ornaments to wear". فعبارة "from both" لا تعطي المعنى الموجود في الآية، وهو أن كلا من البحرين فيه حلي لا أن الحلي تستخرج منهما معا بما يمكن أن يكون معناه أنه يخرج من مجموعهما حتى لو لم يخرج في الواقع إلا من أحدهما، وهو ما قد يصلح لترجمة قوله تعالى في سورة "الرحمن": " يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلؤُ وَالمَرْجَانُ " (لاحظ: "منهما" لا "من كل منهما"). كذلك ينقل رُودِي بارِيتْ المستشرق المعروف هذه العبارة إلى الألمانية على النحو التالي: "Aus beiden esst ihr frishes Fleish".إلى هنا والترجمة صحيحة، فهذه العبـارة تقابـل قوله تعالى: "ومن كلٍّ تأكلون لحمًا طريًّا"، وإن استخـدم بارِيتْ في مقابل "طريـًّا" كلمة "frishes"،ومعناها الدقيق "طازج". لكن فلْننتبه لترجمة الجزء التالي الذي يقول فيه: "und (aus dem Salzmeer) gewinnt ihr Schmuck...um ihn eukh anzulegen"، والذي تَرْجَمَته: "وتستخرجون (من البحر الملح) حلية تلبسونها". ويرى القارئ بوضوح كيف أن المترجم قد أضاف من عنده بين قوسين عبارة "من البحر الملح: aus dem Salzmeer"،وهو ما يوحي باستبعاده أن تكون الأنهار مصدرا من مصادر اللؤلؤ والعقيق وغيرهما من أنواع الحلي على ما تقول الآية الكريمة. أما ترجمتا جورج سِيلْ وبَالمَْرْ الإنجليزيتان وترجمتا كازيمريسكي وماسون الفرنسيتان، وكذلك ترجمتا ماكس هننج ومولانا صدر الدين الألمانيتان على سبيل المثال، فقد ترجمت كلُّها النصَّ القرآني كما هو، لكنها التزمت الصمت فلم تعلق بشيء.
ويرى القارئ من هذه الآية كيف أن القرآن قبل أربعة عشر قرنا قد أشار إلى حقيقة علمية يستبعدها ناس مثلي ومثل المستشرق الإنجليزي رودويل ونظيره الألماني رُودِي بارِيت ممن يعيشون في هذا العصر الذي بلغ فيه التقدم العلمي والتقني آمادا مذهلة، فكيف عرفها الرسول الكريم إذن وأدّاها بهذه البساطة لو كان هو مؤلف القرآن، وبخاصة أن الأنهار التي ذُكِر أن اللؤلؤ وغيره من الأحجار الكريمة وشبه الكريمة تُسْتَخْرَج منها تقع في بلاد سحيقة بالنسبة للجزيرة العربية، بل إن بعضها كالبرازيل مثلا لم يُكْتَشَف إلا في العصور الحديثة؟
ومن هنا نستطيع أن نفهم كيف أن المفسرين القدامى، كالطبري والقرطبي وابن كثير والجلالين على سبيل المثال، قد وقفوا حائرين إزاء هذه الآية وأمثالها حيث يقررون أن الحلي إنما تُسْتَخْرَج من البحر المِلْح فقط، وإن كان القرآن قد ذكر البحرين معا. يريدون أن يقولوا: إن العرب كانت تغلّب في مثل هذه الحالة أحدَ الطرفين على الآخر. بل إن بعضهم، محاولةً منهم الالتصاقَ بالآية وعدم الرغبة في اللجوء إلى المجاز هنا، قد قالوا إن المقصود بالبحر العذب هو ماء المطر، بمعنى أن اللؤلؤ والمَرْجان لا يتم تكونهما إلا إذا نزل ماء المطر على صَدَفهما في البحر فانعقد لؤلؤا ومَرْجانا. وهذا كله خَبْطٌ خاطئ، فالمطر لا يُسَمَّى: "بحرا"، فضلا عن أن القرآن الكريم قد نَصَّ على أن الحُلِي تُسْتَخْرَج من كلٍّ من البحرين، لا من مجموعهما كما يقول مفسرونا القدامى، ولهم العذر رغم أنهم جاؤوا بعد الوحي بعِدّة قرون كانت الحضارة الإسلامية قد قطعت أثناءها أشواطا في مجال العلم والفكر فسيحة، إذ إن المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع لم تُكْشَف إلا في العصر الحديث كما بيّنّا في الفقرات الأخيرة. وقد كانت هذه الحجة جاهزة في يدي في إحدى المناظرات التلفازية التي شاركتُ فيها منذ أعوام ضد من ينادون بإبعاد العلوم الطبيعية عن القرآن الكريم وعدم الاستعانة بها في تفسيره بشبهة أنه كتاب عقيدة وتشريع وأخلاق لا كتاب كيمياء أو فيزياء أو فلكٍ أو طبٍّ مثلا، إذ ها هم أولاء كبار المفسرين واللغويين يتجاهلون التركيب النحوي الواضح للعبارة القرآنية بسبب عدم توفر المادة العلمية بين أيديهم، فيعاملون تركيب " وَمِنْ كُلٍّ..." على أن المراد به: "ومن مجموعهما..."، مع أن هذا غير ذاك تمامًا.
[1]فحملوا قوله تعالى: " يَخْرُجُ مِنْهُمَا" أي: من أحدهما، وهو الماء المالح. انظر: الكشاف، الزمخشري 4/241. والمحرر الوجيز، ابن عطية 5/229. وأحكام القرآن، الجصاص 3/397. وبحر العلوم، السمرقندي 2/232. ومفاتيح الغيب، الرازي 29/ 90. ومدارك التنزيل، النسفي 2/177. وأنوار التنزيل، البيضاوي 3/161. وروح المعاني، الآلوسي 9/267. والتحرير والتنوير، ابن عاشور 18/4250.
[2]بتصرف عن دراسة قدمها الدكتور إبراهيم عوض، المدرس في كلية الآداب، جامعة قطر. في موقع ملتقى أهل التفسير على الرابط:
http://tafsir.org/books/open.php?cat=88&book=932
القلب الحزين
14-12-2013, 08:20 PM
شبهة زعم وجود أخطاء جغرافية في القرآن الكريم..
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
تحت عنوان " أسئلة جغرافية " جاءت الشبهات التالية ... مما سأنقله مختصراً:
" - مغيب الشمس في بئر جاء في سورة الكهف 83-86 وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً.
ونحن نسأل: إذا كانت الشمس أكبر من الأرض مليوناً وثلاثين ألف مرة، فكيف تغرب في بئر رآها ذو القرنين ورأى ماءها وطينها ورأى الناس الذين عندها ؟؟[1]
- الأرض ثابتة لا تتحرك جاء في سورة لقمان 10 "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ". وجاء في الرعد 3 "وَهُوَ الذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ". وجاء في سورة الحِجر 19 "وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ". وجاء في سورة النحل 15 "وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلا لعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". وجاء في سورة الأنبياء 31 "وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلا لعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ".
ونحن نسأل: إذا كان واضحاً أن الأرض تدور حول نفسها مرة كل أربع وعشرين ساعة، وينشأ عن تلك الحركة الليل والنهار. وتدور حول الشمس مرة كل سنة، وينشأ عن ذلك الدوران الفصول الأربعة. فكيف تكون الأرض ممدودة مبسوطة ثابتة لا تتحرك، وأن الجبال تمنعها عن أن تميد؟
- النجوم رجوم للشياطين جاء في سورة المُلك 5 "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوما للشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ".
وجاء في سورة الصافات 6-10 "إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةِ الكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى المَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلا مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ". وجاء في سورة الحِجر 16-18 "وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا للنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَاٍن رَجِيمٍ إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ".
ونحن نسأل: إذا كان كل كوكب هو عالم ضخم، والكواكب هي ملايين العوالم الضخمة تسبح على أبعاد شاسعة في فضاء لا نهائي، فكيف نتصور الكواكب كالحجارة يمسك بها ملاك في حجم الإنسان ليضرب بها الشيطان منعا له من استماع أصوات سكان السماء؟ هل كل هذه الأجرام السماوية خُلقت لتكون ذخيرة أو عتاداً حربياً كالحجارة لرجم الشيطان حتى اشتهر اسمه بالشيطان الرجيم؟! وكيف يطرح الملائكة الكواكب؟ وكيف يُحفظ توازن الكون إذا سارت في غير فلكها؟
- السموات السبع والأراضي السبع جاء في سورة الطلاق 12 "اللَهُ الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ"."..
ونحن نسأل: كيف يقول عن الفضاء المتسامي سموا لا متناهي فوقنا إنه سقف أملس قابل للسقوط، وإنه يوجد سبعة سقوف من هذا النوع؟ وإن ملايين الكواكب التي تسبح في الفضاء غير المحدود مصابيح مركزة في هذا السقف الموهوم؟ وكيف يقول إن أرضنا، وهي واحدة من ملايين الكواكب والسيارات والأقمار والشموس يوجد سبعة مثلها؟
- شهر النَّسيء كفر! جاء في سورة التوبة 36 و37 "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيِهنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاما ليُواطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِين".
ونحن نسأل: يؤرخ جميع العلماء بالسنة الشمسية التي تفرق عن السنة القمرية شهر النسيء. فهل في هذا كفر؟ وكيف نعتبر الحساب الفلكي الطبيعي كفراً ؟
- ري مصر بالغيث! جاء في سورة يوسف 49 "ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ". والإشارة هنا إلى القحط الذي أصاب مصر سبع سنين متوالية أيام يوسف فيبشرهم بالخصب بعد الجدب، ويقول إنه في عام الخصب يُمطَرون، فكأن خصب مصر مسبَّب عن الغيث أو المطر. وهذا خلاف الواقع، فالمطر قلّما ينزل في مصر، ولا دخل له في خصبها الناتج عن فيضان النيل. فكيف ينسب خصب مصر للغيث والمطر ؟
- الزيتون في طور سيناء جاء في سورة المؤمنون 19 و20 "أَنْشَأْنَا لكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ ".
قال المفسرون: المراد بالشجرة هنا الزيتون وبالصبغ أي الآدام الذي به يصطبغ الخبز.
ونحن نسأل: لم تشتهر صحراء سيناء الجرداء بشجر الزيتون. ألم يكن الأجدر أن يذكر فلسطين بزيتونها، لا سيناء التي من قحطها أرسل الله لبني إسرائيل فيها المن من السماء ؟
- جريان الشمس جاء في سورة يس 38 "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ ".
ونحن نسأل: الشمس ثابتة تدور حول نفسها ولا تنتقل من مكانها، والأرض هي التي تدور حولها. فكيف يقول القرآن إن الشمس تجري، وإن لها مستقراً تسير إليه ؟ ".
وجواب ذلك أن غالب نقدهم ناتج عن عدم فهمهم لمعاني اللغة العربية، ومقاصد الآيات الكريمة. كما أن الأصح أن يطلق على بعضها: نقدُ أخطاء المفسرين، ولذلك يجب أن يكون عنوانه: أخطاء جغرافية عند المفسرين. فلم يصرح القرآن الكريم بأي علم يخالف الحس والمشاهدة.. بحسب التفصيل التالي:
1. العين الحمئة:
أ. القرآن الكريم لم يقل إن الشمس تطلع من عين حمئة، بل نقل وَصْفَ ذي القرنين لمشهد شروق الشمس. ولهذا قال: " وَجَدَهَا " ولم يُثبت ذلك على أنه حقيقة كونية. فلا يجوز نسبة قول ذي القرنين وتعبيره البلاغي، إلى ما يرشد إليه القرآن الكريم من حقائق العقائد، والشواهد الكونية.
إذا كنت متجهاً غرباً وأمامك جبل، فإنك سوف تجد الشمس تغرب خلف الجبل.. قطعاً لا يفهم أحد من ذلك أن الشمس تختبئ حقيقة خلف الجبل. وإن كان الذي أمامك بحيرة، فستجد الشمس تغرب في البحيرة. وذو القرنين وصل الى العين وقت غروب الشمس، فوجدها تغرب في تلك العين.. وعندما نقول: وجدها تغرب خلف الجبل أو وجدها تغرب في العين فذلك الأمر بنسبة له. والآية ليست مطلقة المعنى، بل مقيدة بشخص ذي القرنين.
وحتى ما رآه ذو القرنين لم يكن غروباً حقيقياً في العين الحمئة، حيث ينفي سياق القصة ـ عقلاً ـ إيمانه أن الشمس تغرب في عين حمئة لسببين:
الأول: ذو القرنين كان يتحدث مع السكان الموجودين قرب تلك العين الحمئة، فلو كان يقصد أن الشمس تدخل في العين حقيقة، فهل سيتكلم مع قوم حول الشمس الساخنة، ويعيشون حياة طبيعية ؟
الثاني: لما وصل ذو القرنين إلى مطلع الشمس، يفترض به ـ بحسب تلك الشبهة ـ أن يجد الشمس تطلع من عين حمئة بدلاً من أن يجدها تطلع على قوم. فلماذا قال: إنها طلعت على قوم، ولم يقل أشرقت من عين حمئة ؟
ب. قال تعالى ـ بعد تلك الآية الكريمة: " حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90) ".
ذو القرنين وجدها تطلع على قوم.. هل يفهم أحد من ذلك أنها تطلع على ظهورهم ؟! أو أنها ملامسة للقوم؛ لأنه الله Y يقول: " وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ " ؟ الواضح أنها بنسبة لذي القرنين كانت تطلع على أولئك القوم ـ هذه الآية أيضاً مقيدة بما رأى ذو القرنين ـ، وما ينطبق على هذه الآية، ينطبق على التي قبلها.
ج. " مغرب الشمس " هل هو ظرف زمان، أم ظرف مكان ؟
من الجائز أن: " مَغْرِبَ الشَّمْسِ " هنا يقصد بها: الوقت واللحظة التي تغرب فيها الشمس، كالمغرب المذكور في الحديث الشريف: " إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلَا مِنْ الْأُمَمِ، مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ.. ".[2]
فيكون المعنى: ذو القرنين وصل إلى العين الحمئة، وقت الغروب. فوجد الشمس تغرب في تلك العين.. ثم وصل إلى قوم آخرين وقت شروقها..
انظر النص التالي في العهد القديم:" أما هما في عبر الأردن وراء طريق غروب الشمس في أرض الكنعانين " [سفر التثنية 11/30].
د. غروب الشمس لا يعني دخولها في الأرض ـ حتى في تعبيرنا الحالي ـ. وفي لغة العرب: غربت الشمس، وغربت القافلة، وغربت السفينة تأتي بمعنى واحد، وهو: اتجهت غرباً. فعندما نقول: غرب طير في البحيرة، وغربت الطائرة في المحيط، وغربت السفينة في البحر، وغربت الشمس في البحيرة.. يعني اتجهت غرباً ـ بالنسبة للشخص الذي ينظر إليها ـ. ولا يعني أنها دخلت في البحيرة.[3]
2. ثبات الأرض:
الآية الكريمة تبيِّن حفظ الأرض عن اضطراب باطنها، نتيجة دورانها حول نفسها، لا عن ثبات جرمها بالكامل.
" معنى تميد: تضطرب وتتزلزل، ولا يراد بالمَيَدَان مجرد حركة متزنة، والمصدر الثلاثي (فعلان) يأتي لإفادة هذا المعنى، مثل ميدان وغليان وثوران... وهكذا، والآية تذكر أن الله ثبت الأرض حتى يستطيع البشر أن يستقروا عليها في نومهم، ويزرعوا ويرعوا ماشيتهم، ولو كانت مضطربة ما استطاع الناس أن يطمئنوا عليها وأن يعملوا هذه الأعمال.
نحن ننام في الطائرة وفي القطار وفي السفينة، فإذا اضطرب واحد منها استيقظنا وشعرنا بالتعب، وقد نطلب من السائق أن يعمل شيئاً يسكنها لتثبت، ولا نعني بطلب تثبيته أنننت نريده أن يقف ولا يتحرك، بل أن ينقطع اضطرابه.. " وَكُلٌ فِيْ فَلَكٍ يَسْبَحُوْنَ " [يس: 40]، و" كُلٌ " كلمة تشمل الشمس وتوابعها من القمر والأرض والكواكب الأخرى، فالقرآن إذاً يقرر حركة كل هذه الكواكب ".[4]
3. وظائف النجوم:
أولاً: الآيات الكريمة تتحدث أن الحرارة الناتجة عن احتراق الجرم السماوي (الشهاب) ـ الذي لا يشترط أن يكون أصله نجماً ـ رجوم للشياطين. ولم تذكر أبداً أن أداة الرجم نجماً كاملاً. " والذي في الآية أن هناك أجساماً نارية تصيب الشياطين، ولم يذكر أن الشيطان يسقط عليه نجم أو أن الملائكة ترميه به، والعلم الحديث، ورواد الفضاء يتحدثون عن النيازك التي ترى في الفضاء الواسع مذنبات مضيئة، ومنها الناري الذي ينطفئ ويتفتت في سيره، وبعضها يصل إلى الأرض، وهي تشبه المقذوفات البركانية، والذين درسوا الجغرافية الفلكية يعرفون هذا، فهذه المقذوفات قطع تنفصل من الكواكب وتتحرك في الفضاء، خصوصاً إذا كان النجم أو الكوكب قريبا من الأرض، والله تعالى يصيب بها من يشاء ويحفظ بها من يشاء ".[5]
قال تعالى في سورة الحجر: " وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ(16)وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ(17)إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ(18) ". فالبروج بقيت في مكانها، والذي تحرك هو الشهاب.
وتأمل ما ورد في سورة الصافات: " إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ(6)وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ(7)لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ(8)دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ(9)إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ(10) ". فالذي (أتْبَعَ) الشيطانَ الماردَ ليس الكوكب [المذكور في الآية رقم (6) ]، بل الشهاب [المذكور في الآية رقم (10) ].
ثانياً: عالم الشياطين غيب، لا يجوز قياس الغيب بأدوات البحث العلمي المستخدمة للمحسوسات.
ثالثاً: للنجوم في القرآن الكريم فوائد أخرى كالزينة، وعلامات يستدل بها الناس على الاتجاهات (انظر: الأنعام: 97، الحجر: 16، النحل: 16، الصافات: 6).
رابعاً: لا يشترط أن تكون النجوم المذكورة في القرآن الكريم هي عينها ما اتفق عليه اصطلاح الناس حديثاً بأنها ذلك الجرم الكوني الضخم الغازي المضيء بذاته كالشمس.[6] بعكس سائر الأجرام المعتمة كالكواكب والأقمار..
فيجوز أن يكون المقصود بالنجم ـ لغة لا اصطلاحاً ـ: كل جسم صلب يسبح في الفضاء. جاء في العين: " النَّجمُ: اسم يقعُ على الثُّريا، وكلِّ منزلٍ من منازلِ القمر سمِّي نجماً. وكل كوكب من أعلام الكواكب يُسمى نجماً، والنُّجومُ تَجمَعُ الكواكب كلَّها ".[7]
وتلك الشبهة ليس حديثة، بل أثارها الزنادقة في العصر العباسي، ورد عليهم الجاحظ بقوله:([8])
" قالوا: زعمتم أنَّ اللّه تعالى قال: " وَلَقد زَيَّنا السَّمَاءَ الدُّنْيا بِمَصَابِيْحَ وَجَعَلْناهَا رُجُومَاً لِلْشّيَاطِيْن" [الملك: 5]، وقال تعالى: " وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيْمٍ" [الحجر: 17]، ونحنُ لم نجدْ قطُّ كوكباً خلا مكانهُ، فما ينبغي أنْ يكون واحدٌ من جميع هذا الخلق، من سكّان الصحارى، والبحار، ومن يَراعِي النُّجوم للاهتداء، أو يفَكِّر في خلق السماوات أن يكون يرى كوكباً واحداً زائلاً، مع قوله: "وَجَعَلْناهَا رُجُوماً للشَّياطينِ" ؟
قيل لهم: قد يحرِّك الإنسانُ يدَه أو حاجبَه أو إصبَعه، فتضاف تلك الحركةُ إلى كلِّه، فلا يشكُّون أنّ الكلَّ هو العاملُ لتلك الحركة، ومتى فصَل شهابٌ من كوكب، فأحرق وأضاء في جميع البلاد، فقد حكَم كلُّ إنسانٍ بإضافة ذلك الإحراق إلى الكوكب، وهذا جواب قريبٌ سهل، والحمد للّه.
ولم يقلْ أحد: إنّه يجبُ في قوله: "وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً للِشَّيَاطِيْنِ " أنّه يَعْني الجميع، فإذا كان قد صحّ أنّه إنَّما عَنى نُجُوم المجرّة، والنجومَ التي تظهر في ليالي الحنادس[9]؛ لأنّه محال أن تقعَ عينٌ على ذلك الكوكبِ بعينه في وقت زوَاله حتّى يكون اللّه عزّ وجلَّ لو أفنى ذلك الكوكَب من بين جميع الكواكب الملتفَّة، لعرف هذا المتأمِّلُ مكانه، ولوَجَدَ مَسَّ فقدِه، ومن ظَنَّ بجهله أنَّه يستطيع الإحاطة بعدد النُّجوم فإنه متى تأَمَّلها في الحَنادس، وتأمَّل المجرَّة وما حولها، لم يضرِب المثل في كثرة العدد إلاّ بها، دونَ الرّمل والتّراب وقطْر السَّحاب.
وقال بعضُهم: يدنو الشِّهاب قريباً، ونراه يجيء عَرْضاً لا مُنْقضاً ولو كان الكوكب هو الذي ينقضُّ لم يُر كالخيط الدّقيق، ولأضاء جميع الدُّنيا، ولأحرق كلَّ شيء مما على وجْه الأرض.. فليس لكم أن تقضوا بأنّ المباشر لبدَن الشيطان هو الكوْكب حتى لا يكون غير ذلك، وأنتم تسمعونَ اللّه تعالى يقول: " فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ " [الصافات: 10] ".
يقصد بذلك: أن الذي يصيب بدن الشيطان، هو أثر حرارة النار الناتجة عن احتكاك الجرم السماوي بالغلاف الجوي للأرض، ونراه على صورة ضياء، لا عَين الجرم الموجود في مركزه ( الأثَرُ للعَرَضُ لا الجَوْهَر).
وأضاف فائدة أخرى في الموضع ذاته: " وطعن بعضهم من جهة أخرى فقال: زعمتم أنّ اللّه تبارك وتعالى قال: " وَحِفْظًاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مَاردٍ، لا يَسَّمَّعُونَ إِلى الملأ الأعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، دُحُوْرَاً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ " وقال على سَنَنِ الكلام: " إلاّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ فأتْبَعَهُ شهَابٌ ثاقبٌ " [الصافات: 10] قال: فكيف تكون الخطفة من المكان الممنوع ؟
قيل له: ليس بممنوعٍ من الخطفة، إذ كان لا محالة مرمِيّاً بالشِّهاب، ومقْتُولاً، على أنّه لو كان سلِمَ بالخطْفة لما كان استفاد شيئاً ".
4. السماوات السبع: هذا من الغيب، ومن الممكن أن يكشف العلم حقيقته فيما بعد.. ولا يشترط أن تكون السماء كالسطح الأملس، فكل ما علا وارتفع يسمى سماء، ولذلك يقال لسقف البيت، والسحاب.. سماء.[10]
والآية الأولى جاءت في ختام سورة الطلاق، وهي تلفت الأنظار إلى قدرة الله تعالى البالغة: " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12) ".
آية عجيبة رهيبة تبين ضآلة الإنسان في هذا الكون العظيم، ويقف غير واحد من الكتاب مذهولاً أمام التعبير، وأمام مدلوله، وأمام هذا الإعجاز القرآني.
ما هذه السماوات ؟ وما هذه الأرضين ؟ كلٌّ ينظر من زاوية خاصة، وكلٌّ يجد في الآية ما يبهره.
قد تكون السماء التي توصل علمنا إليها بكل ما فيها من كواكب ونجوم وأفلاك إحدى سماوات سبع، والكرة الأرضية التي نعيش عليها هي أيضاً كذلك ! إن علم الفلك الحديث يؤيد هذا، ويذكر أن المجموعة الشمسية التي يتعلق بها عالمنا هذا ليست إلا واحدة من مجموعات أخرى لا يعلمها إلا الله الذي خلقها.
فهذا إعجاز قرآني؛ إذ لم يكن محمد r يدرس علم الفلك ولا يعرف شيئاً عن هذه المستكشفات الحديثة.
وفي اللغة العربية يذكر العدد لإرادة التكثير، ويعبرون عنه بأنه عدد لا مفهوم له، وهذا كما تقول لصديقك: زرتك ألف مرة ولم تزرني. فأنت لا تريد ألفاً بعدده، وإنما تريد زرتك مرات كثيرة، فإذا حملنا العدد في الآية هذا المحمل، فالمعنى أن الله خلق سماوات كثيرة وأراضين كثيرة، وهذا حق وواضح.
" وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ " [سورة الأنبياء:32]..
والسماء هي كل شيء نراه فوقنا، وفهمهم أن السماء لا تكون إلا بمعنى الفضاء، وهو جهل فاضح، لقد كان العرب يقولون لمحمد r أسقط السماء علينا كسفاً؛ أي قطعاً، فهل كانوا يعنون الفضاء ؟
ونحن ننظر إلى الأعلى ليلاً ونهاراً فنرى الكواكب السابحة، لا نستطيع نحن ولا تستطيع الجن والإنس أن تغير من نظامها شيئاً، أو تعدل فيه أدنى تعديل ؟ كما أننا لا نستطيع حتى الوصول إليه، لقد كان من أعاجيب العلم أن وصل الناس إلى أرض القمر، والقمر تابع للأرض وكوكب ضئيل ! فأين الجهد البشري من هذه الكواكب البعيدة الجبارة ؟ وأين هي ؟ وما مدى العلم بها ؟[11]
5. النسيء: الآية الكريمة لم يقل أحد بأن المقصود بالنسيء فيها هو الأشهر الشمسية، بل المقصود: تلاعب بعض العرب في تحديد الأشهر الحرم، فإن كان لهم قوة وأرادوا غزو قبيلة ما في الأشهر الحرم، يقولون: نحن لسنا في شهر حرام. وإن أرادت قبيلة غزوهم وهم في ضعف قالوا: نحن في شهر حرام، رغم أن الشهر ليس كذلك. فجاء الإسلام وحدد الأشهر الحرم وأبقاها في مكانها.[12]
6. إغاثة مصر: لم تنص الآية الكريمة على أن الغيث (المطر) النازل على منطقة مصر بالتحديد، هو سبب غوث أهلها. كما أن المقصود بكلمة: " يُغَاثُ " الإعانة.[13] فإن وقع شخص في حفرة وقال: أغيثوني، لا يلقي عليه الناس الماء، بل يساعدونه. كما أنك لو فسرت الغيث بالمطر بحسب الآية الكريمة فهو صحيح؛ لأن سبب فيضان النيل نزول المطر (الغيث) عند منابع النيل، في هضبة البحيرات الأفريقية.
7. وجود شجر الزيتون في سيناء: لم تنص الآية الكريمة على كثرة وجود شجرة الزيتون في سيناء، بل لم تنص على أن الشجرة التي تنبت بالدهن هي شجرة الزيتون تحديداً.. بل ذلك من اجتهاد المفسرين.
نعم الزيتون في الشام أكثر[14]، ولكن ذلك لا ينفي وجود الزيتون السينائي المعروف علمياً باسم (Oleasinaensis). وضربُ المثال على خلقها في صحراء سيناء القاحلة ـ لا بلاد الشام الخصبة ـ أبلغ في بيان قدرة الله تعالى على الخلق والعناية. وذكر الدكتور زغلول النجار، أن الموطن الأصلي لشجرة الزيتون هو منطقة سيناء، ومنها انتشر إلى حوض البحر المتوسط وأنحاء العالم.
8. جريان الشمس: ما جاء في الآية الكريمة صحيح، فهي تدور حول نفسها. وهي ـ والمجموعة الشمسية ـ يدورون حول المجرة، والمجرة مع مجموعاتها تدور حول الكون، فكل في فلك يسبحون.[15]
تلك إجابة أشهر شبهاتهم حول الأخطاء الجغرافية في القرآن الكريم.
في المقابل: إن سألت الكتاب المقدس عن سبب ظاهرة (قوس قزح) فستجد الإجابة في سفر التكوين [9/13-16]: " وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض فيكون متى انشر سحاباً على الأرض وتظهر القوس في السحاب أني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حيه في كل جسد فلا تكون أيضا المياه طوفاناً لتهلك كل ذي جسد ".
وتفسير هذه العبارة: بعدما أغرق الله الأرض، ونجى سيدنا نوح u ومن معه من الطوفان، قال الرب: ـ على حسب تعبير الكتاب المقدس ـ سوف لا أغرق الأرض مرة أخرى، وسوف أضع قوس قزح في السماء كعلامة؛ لكي لا أنسى وأُغرِق الأرض مرة أخرى، فعندما أرى قوس قزح، أتذكر أني أغرقت الأرض، ولا داعي لأن أغرقها مره أخرى.
للمناقشة والتعقيب
[email protected] (
[email protected])
عبد الرحيم الشريف
[1] يقول محمد أحمد خلف الله مؤيداً لهم في كتابه الفن القصصي في القرآن، ص 34: " بانَ للعقل الإسلامي أن مسألة غروب الشمس في عين حمئة، لا تستقيم وما يعرف من حقائق هذا الكون ".
[2] رواه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل 3459) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعاً. وذُكِر مثله في الحديث الطويل لتميم الداري t مع الجساسة الذي رواه مسلم في الفتن.. باب قصة الجساسة 2942) حيث وردت عبارة: " فَلِعِبَ بِهِمُ المَوْجُ شَهْرَاً فِيْ البَحْرِ، ثُمَّ أرْفِئوا إِلى جَزِيْرَةٍ فِيْ البَحْرِ، حَتَّى مَغْرِبَ الشَّمْسِ.. ". وورد في لسان العرب لابن منظور 1/638 غرب): " ولقيته مغرب الشمس ومغيربانها ومغيرباناتها أي: عند غروبها.. والمغرب في الأصل: موضع الغروب، ثم استعمل في المصدر والزمان ".
[3] ومن المهم هنا تأمل الكلام العلمي الموزرون ـ السابق لعصره ـ للفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب21/142: " ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها، ولا شك أن الشمس في الفلك.. ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود. وأيضاً الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة، فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض ؟ إذا ثبت هذا فنقول: تأويل قوله: " تَغْرُبُ فِيْ عَيْنٍ حَمِئَةٍ " من وجوه.. أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات، وجد الشمس كأنها تغرب في عينٍ وهدةٍ مظلمةٍ ـ وإن لم تكن كذلك في الحقيقة ـ كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط، وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر.. قال أهل الأخبار: إن الشمس تغيب في عين كثيرة الماء والحمأة، وهذا في غاية البعد، وذلك لأنا إذا رصدنا كسوفاً قمرياً فإذا اعتبرناه ورأينا أن المغربيين قالوا: "حصل هذا الكسوف في أول الليل"، ورأينا المشرقيين قالوا: "حصل في أول النهار"، فعلمنا أن أول الليل عند أهل المغرب هو أول النهار الثاني عند أهل المشرق، بل ذلك الوقت الذي هو أول الليل عندنا فهو وقت العصر في بلد، ووقت الظهر في بلد آخر، ووقت الضحوة في بلد ثالث، ووقت طلوع الشمس في بلد رابع، ونصف الليل في بلد خامس. وإذا كانت هذه الأحوال معلومة بعد الاستقراء والاعتبار، وعلمنا أن الشمس طالعة ظاهرة في كل هذه الأوقات كان الذي يقال: إنها تغيب في الطين والحمأة كلاماً على خلاف اليقين. وكلام الله تعالى مبرَّأ عن هذه التهمة ".
[4] رد مفتريات على الإسلام، عبد الجليل شلبي، ص130.
[5] رد مفتريات على الإسلام، عبد الجليل شلبي، ص 132.
[6] انظر: الموسوعة العربية العالمية، إعداد مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر، الرياض، 1996م، 25/125 نجم).
[7] العين، الخليل بن أحمد، 2/529 باب الجيم والنون والميم معهما).
[8] في كتابه: الحيوان ص169.
[9] قال ابن منظور في لسان العرب 6/58 حندس): " الحندس الظلمة.. وليلة حندسة وليل حندس: مظلم. والحنادس: ثلاث ليال من الشهر لظلمتهن ".
[10] انظر: لسان العرب، ابن منظور 14/398. وفيه: " كل ما علا وارتفع يُقال له: سما يسمو ".
[11] انظر: رد مفتريات على الإسلام، عبد الجليل شلبي، ص132-136.
[12] انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي 8/137.
[13] انظر: النهاية في غريب الأثر، ابن الأثير الجزري 3/392 غوث).
[14] أسماء البقع الجغرافية تتأثر يتغير الخرائط السياسية. فقد تكون منطقة ما تابعة لإقليم معين، في زمن. ثم تتبع غيره في زمن آخر. وعلى هذا فقد تكون منطقة سيناء تابعة لإقليم بلاد الشام الحالي. ويؤكد ذلك ما ورد في المزامير 68/17: " مركبات الله ربوات ألوف مكررة. الرب فيها. سينا في القدس ". وقد عدِّ العرب تبوك جزءاً من الشام. قال أبو عبيد الأندلسي في كتابه " معجم ما استعجم " 1/303: " تبوك بفتح التاء، وهي أقصى أثر رسول الله r، وهي من أدنى أرض الشام ". ومثله ابن حجر في فتح الباري 9/548: " ووصل إلى تبوك ـ وهي من أطراف الشام ـ لكن لم يفتحها ". وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم1/224، وتحفة الأحوذي للمباركفوري7/24.
[15] قال سيد قطب في تفسير الظلال 5/2968: " والشمس تدور حول نفسها. وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها. ولكن عرف أخيراً أنها ليست مستقرة في مكانها. إنما هي تجري ـ تجري فعلا ـ تجري في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثني عشر ميلا في الثانية ! والله ـ ربها الخبير بها وبجريانها وبمصيرها ـ يقول:إنها تجري لمستقر لها. هذا المستقر الذي ستنتهي إليه لا يعلمه إلا هو سبحانه. ولا يعلم موعده سواه.
وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه. وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء, لا يسندها شيء, ندرك طرفاً من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم ".
القلب الحزين
14-12-2013, 08:22 PM
التفسير العلمي للآيات القرآنية الكونية بين المؤيدين والمعارضي
بقلم الدكتور: كارم السيد غنيم
ـ حوى القرآن الكريم في سبق معجز العديد من الآيات والإشارات العلمية الكونية بأسلوب وحيد وفريد يدلل على أن خالق هذا الكون هو منزل هذا القرآن فللآن لم تتصادم حقيقة علمية مع حقيقة تفسيرية وقد حوى القرآن ( 458 ) عن الأرض، (3100) آية عن السماء، (27) لآية عن القمر. وذكر النبات في أكثر من (24) آية كما وردت آيات عن المطر والسحاب، والرعد، والبرق، والبرد، والجاذبية، والتربة، والجبال، والمعادن، والحيوان، والكائنات الحية الدقيقة، والجاذبية وهكذا.
ـ وورود هذه الآيات يدلل على العناية الإلهية بالنواميس الكونية، والبيئة الأرضية ومقومات الحياة عليها.
ـ ورغم وروود هذه الآيات البينات عن الكون ينكر البعض في عصر العلمي الكوني، التطرق لتفسير هذه الآيات والدعوة إلى الإعراض عن تفسيرها وكأنها لم ترد، وقد سبق هؤلاء بعض المفسرين المشهورين أمثال الإمام الشاطبي، ومحمد رشيد رضا، وأمين الخولي، وعائشة عبد الرحمن رحمهم الله.
فالإمام الشاطبي (صاحب كتابي الاعتصام والموافقات) يقول: إن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم، كانوا أعرف الناس بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحدهم في شيء من هذا المدَّعى ( أي: التفسير العلمي ) سوى ما ثبت فيه من أحكام التكاليف وأحكام أخرى، وما يلي ذلك، ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم وذلك دليل أن القرآن لم يقصد به تقرير لشيء مما زعموا (أ. هـ.) كما أورد الدكتور كارم غنيم في كتابه الإشارات العلمية في القرآن الكريم ومن المؤيدين للتفسير العلمي، أبو حامد الغزالي ـ رحمه الله ـ حيث يذكر ـ رحمه الله ـ في كتابه ( جواهر القرآن ) أن علوم الطب والنجوم، وهيئة العالم وهيئة بدن الحيوان، وتشريح أعضائه، وعلم السحر، وعلم الطلسمات وغير ذلك يشير إليها القرآن بقوله تعالى:) وإذا مرضت فهو يشفين (. وقوله سبحانه: ) والشمس والقمر بحسبان (ونحوه ما يشير إلى علم الهيئة ( الفلك ).
ـ ويؤيد الفخر الرازي في تفسيره مفاتح الغيب التفسير العلمي للقرآن الكريم وللرازي كتاب (نهاية الإيجاز في دراسة الإعجاز ).
ولقد أفرد الأستاذ مصطفى صادق الرافعي للإعجاز العلمي صفحات في كتابه القيم إعجاز القرآن.
ومن المؤيدين كما أورد الدكتور كارم غنيم محمد فريد وجدي، ومحمد الطاهر بن عاشور حيث قال في تفسيره: ( التحرير والتنوير ) عن التفسير ( وقسم يحتاج إدراك وجه إعجازه إلى العلم بقواعد العلوم، فينبلج للناس شيئاً فشيئاً انبلاج أضوء الفجر على حسب مبالغ المفهوم وتطورات العلوم ).
ومن المؤيدين لأهمية التفسير العلمي وبيان الإعجاز العلمي في القرآن الكريم:
ـ سعيد النورسي، محمد متولي الشعراوي، محمد عبده، مصطفى محمود، سيد دسوقي، عبد الرزاق نوفل، عبد المجيد الزنداني، كام غنيم، نظمي أبو العطا، زغلول النجار، عبد الجواد الصاوي، صالح الكريم، قطب فرغلي، وجيه السعداوي، وغيرهم كثير.
أهمية التفسير العلمي للآيات الكونية:
ـ التفسير العلمي يبين أن القرآن لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تشبع منه العلماء.
ـ بيان إعجاز القرآن العلمي وأن خالق المخلوقات هو منزل القرآن.
ـ تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم تفسيراً علمياً صحيحاً بعيداً عن التفسيرات غير العلمية للنطفة والعلقة وإخراج الحي من الميت وتصنيف الكائنات وغير ذلك من آلاف الآيات الكونية والإشارات العلمية والإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
ـ الدعوة إلى الله بأساليب عصرية يحويها الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
بعض الضوابط للتفسير والإعجاز العلميين في القرآن الكريم:
1ـ أن يلتزم المفسر بالإسلام عقيدة وشريعة وأن يكون عالماً بعقيدة أهل السنة والجماعة في توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات.
2ـ التزام المفسر العلمي بأداء الصلاة والصيام وأن لا ينكر شيئاً معلوماً من الإسلام بالضرورة.
3ـ أن يكون المفسر على دراية تامة بالتفسير اللغوي للآيات التي يتصدى لتفسيرها.
4ـ أن تُفسّر الحقائق التفسيرية بالحقائق العلمية مع البعد عن النظريات.
5ـ أن لا يعارض تفسيره تفسير آية أخرى لأن القرآن ليس فيه اختلاف أو تعارض، والقرآن يفسر بعضه بعضاً.
6ـ أن يفسر كل في مجال تخصصه الدقيق فقط.
7ـ يحتاج الإعجاز العلمي إلى ضوابط علمية وشرعية دقيقة ويجب عدم الخوض فيه بدرجة التفسير العلمي.
القلب الحزين
14-12-2013, 08:25 PM
ظاهرة الإنتحال في الشعر العربي
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
ظاهرة الانتحال في الشعر العربي
الانتحال هو ادعاء ما لا أصل له أو ادعاء ما للغير
تاج العروس (نحل).
قال الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: " لم يُر قط أعلم بالشعر والشعراء من خلف الأحمر. وكان يعمل الشعر على ألسنة الفحول من القدماء ولم يُمَيَّز من مقولهم".
وقال ابن المعتز في طبقات فحول الشعراء:
" أخبار خلف الأحمر
حدَّثني محمد بن عبد الأعلى قال: حدَّثني أبو كردين قال: خلف الأحمر يكني أبا محرز، وكان عالماً بالنحو والغريب والنسب وأيام الناس، شاعراً مطبوعاً ملفقاًكثير الشعر جيده. ولم يكن في نظرائه من أهل العلم والأدب أكثر شعراً منه.
ولما مرض مرضه الذي توفي فيه قال: ليست هذه الأبيات لمن ذكرتها له. وإنما هي لي، وأنا قائلها. وأنا أستغفر الله، وكان قد نسك وترك قول الشعر برهة.
وقال دعبل: قال لي خلف الأحمر، وقد تجارينا في شعر تأبط شراً وذكرنا قوله:
إن بالشعب الذي دون سلع لقتيلاً دمه ما يطلّ
أنا والله قلتها، ولم يقلها تأبط شراً.
وحدثني ابن ثمامة عن إبراهيم بن إسحاق قال: قال أبو الحسن المدائني: لما احتضر خلف الأحمر قيل له: قل: لا إله إلا الله. فسكت. فأعيد عليه فسكت. فأعيد عليه ثالثاً، ولم يستطع".
وقال ياقوت الحموي في معجم الأدباء
" قال أبو الطيب عبد الواحد اللغوي: كان خلف يضع الشعر وينسبه إلى العربفلا يعرف، ثم نسك".
وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان:
" قال أبو زيد: حدثني خلف الأحمر، قال: أتيت الكوفة لأكتب عنهم الشعر، فبخلوا علي به، فكنت أعطيهم المنحول وآخذ الصحيح، ثم مرضت فقلت لهم: ويلكم! أنا تائب إلى الله تعالى، هذا الشعر لي، فلم يقبلوا مني، فبقي منسوباً إلى العرب لهذا السبب".
يعد ابن سلام أول من انتبه إلى خطورة قضية الانتحال في الشعر؛ حيث لاحظ أن بعض الشعر الجاهلي الذي يتناقله الرواة منحول، واستدل على ذلك بأنه:
1. لا توجد قرينة على انتماء بعض ما يتداوله الرواة مكتوبًا إلى العصر الجاهلي، فهو لم يأت مرويًا عن أهل البادية، ولم يعرض على علماء العربية الثقات.
2. شعر ضعيف "مصنوعٌ مُفْتَعَلٌ موضوعٌ كثير لا خيرَ فيه، ولا حُجَّةَ في عَرَبِيَّةٍ، ولا أدبٌ يُستفاد، ولا معنىً يُسْتخرج، ولا مَثَلٌ يُضْرَب، ولا مديحٌ رائعٌ، ولا هجاءٌ مُقْذِعٌ، ولا فخرٌ مُعْجِبٌ، ولا نسيبٌ مُسْتَطْرَفٌ.. ".
وقد انتقد ابن سلام محمد بن إسحاق صاحب السيرة النبوية فقال عنه: "كتب في السِّيَر أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعرًا قط، وأشعار النساء فضلاً عن الرجال، ثم جاوز ذلك إلى عادٍ وثمودَ، فكتب لهم أشعارًا كثيرة، وليس بشعر، إنَّما هو كلامٌ مؤلَّفٌ معقودٌ بقَوَافٍ"، الأمر الذي جعل ابن سلام ينفى هذا الشعر، ويرفضه مستدلاً على ذلك بالعديد من الأدلة ومنها خير دليل وهو القرآن الكريم؛ حيث إن الله أهلك هذه الأمم التي ذكر ابن إسحاق أشعارها فذكر عنها في كتابه العزيز: ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى* وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى﴾(النجم: 50- 51)، وذكر عن قوم عاد: ﴿ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ﴾(الحاقة: 8)
فالمفضل الضبي ينقد حماد الراوية المتوفى سنة 198هـ، والأصمعي ينقد خلف الأحمر ويتهمه بالانتحال وقد توفي سنة 216هـ، (( رغم أن خلف الأحمر هو أستاذه )) وابن هشام في سيرته ينقد ابن إسحاق المتوفى سنة 218هـ، (( رغم أنه أستاذه )) وابن سلام يقوِّم روايات ابن إسحاق وحماد الراوية.
وابن إسحاق يقر بعدم علمه بالشعر.. وهذا الإقرار عده رواة الشعر فضيحة وقد روى أشعاراً عن عاد وثمود.
وأبو الفرج الأصفهاني رفض روايات ابن الكلبي عن دريد بن الصمة.
إن هذه الظواهر التي تؤكد حرص رواة الشعر على صحة ما ينسبونه للشعراء لم تؤد بهم إلى القول بانتحال معظم الشعر الجاهلي، ولا بالقول إلى أسبقية القرآن، وأن الشعر العربي أتى بعده، لأنه تقليد له في الألفاظ والأساليب، ولا إلى القول بأن الشعر تطور للقرآن كما يزعم المستشرقون.
هذه الظواهر القديمة في قضية الانتحال، دفعت بعض المستشرقين إلى الطعن في صحة الشعر الجاهلي وإلى الطعن في كثير من حقائق القرآن -
وأول من تناول موضوع الانتحال شيخ المستشرقين الألماني تيودور نولدكه سنة 1861 أي قبل طه حسين بـ 65خمسة وستين عاماً.
وقد استعان بنتائج البحث في اللغات السامية، وما كشفت عنه النقوش الحميرية والسبئية وفي اليمن الجنوبية عموماً، وبالمقارنة بما حدث في الآداب الأخرى، الأدب اليوناني وخاصة هوميروس، وفي الأدب الألماني ليسوق الأسباب الدقيقة التي تؤيد وتوسع من نطاق النتائج التي وصل إليها ابن سلام الجمحي بنظرة ثاقبة ولكنها غير مؤيدة بالأسانيد التاريخية.
وبعد ثماني سنوات جاء "ألفرت فلهلم" ليثير الشكوك سنة 1872 في مقدمة ديوان "الشعراء الستة الجاهليين".
وفي سنة 1904م كتب "كليمان هوار" مقالة مغرضة بعنوان "مصدر جديد للقرآن".
وفي عام 1905 أصدر "مرجليوث كتابه عن "محمد وظهور الإسلام، ثم كتب مقالته عن "محمد" في دائرة معارف "الدين والأخلاق".
وتوالت الجهود التي تدرس التشابه بين لغة القرآن ولغة الشعر الجاهلي وكتب مرجليوث مقالاً عن أصول الشعر العربي عام1911 كتب بحثاً في الموضوع نفسه سنة 1925.
قول أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي:
تلك المكارم لا قعبان من لبن شيباً بماء فعاد بعد أبوالا.
ثم قاله بعينه النابغة الجعدي لما أتى موضعه، فبنو عامر ترويه للجعدى، والرواة مجمعون أنه لأبي الصلت.
انظر: العمدة في محاسن الشعر لابن رشيق وفيه أمثلة كثيرة عن الانتحال.
لهذا نطالب كل من ينسب شعراً إلى امرئ القيس أو زيد بن عمرو أو غيرهم إلى أن يتقوا الله في نقلهم وأن يحضروا سند الرواية ( كالسند المطلوب في الحديث النبوي ).
وإن كان للشعر الجاهلي قوة وجزالة تخالف الشعر المنحول الواضح النحل.
وللمزيد من الدراسات عن الشعر المنحول انظر:
- طبقات فحول الشعراء – محمد ابن سلام الجمحي- قرأه وشرحه: محمود محمد شاكر – سلسلة الذخائر – الهيئة العامة لقصور الثقافة – مصر.
- طبقات فحول الشعراء "عرض وتحليل ونقد": أ. د/نبيل خالد أبوعلي- الجامعة الإسلامية- غـزة.
- نظرية الانتحال في الشعر الجاهلي، عبدالحميد المسلموت، دار القلم، القاهرة.
وفي النهاية نقول لمن ينظر إلى أشعار الأقدمين بأنها مصدر آيات القرآن الكريم:
القرآن الكريم نزل في العصر الذهبي للشعر العربي، ومن غير المعقول أن يكون القرآن الكريم قد اقتبس أبياتاً من شعر العرب ولا يعرفها أحد من العرب.. ولم تُعرَف إلا من قِبَل المستشرقين الأعاجم !!!
كيف غاب ذلك الشعر عن الوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث والنابغة وغيرهم من فحول شعراء العرب وحفظته.. ؟؟!!!
ألم يكونوا أحرص من المستشرقين وأتباعهم على إثبات بشرية مصدر القرآن الكريم ؟ فلماذا سكتوا ولم يقولوا بذلك ؟
وانظر هذه الدراسة لشعر منسوب إلى امرئ القيس ومثلها كثير.. تستطيع قياس أي شعر نُسِب القرآن الكريم إليه بمثلها..
الرد على شبهة أن القرآن الكريم اقتبس من شعر امرئ القيس الجاهلي[1] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn1)
متابعة لدفع الشبهات المثارة حول القرآن الكريم،نقف اليوم مع شبهة تمسك بها بعض الجهلة من النصارى وغيرهم،وحاصلها الادعاء بأن القرآن الكريم قد اقتبس من شعر امرىء القيس عدة فقرات منه،وضمنها في آياته وسوره،ولم يحصل هذا الأمر في آية أو آيتين،بل هي عدة آيات كما يزعمون.
وإذا كان الأمر كذلك،لم يكن لما يدندن حوله المسلمون من بلاغة القرآن وإعجازه مكان أو حقيقة،بل القرآن في ذلك معتمد على بلاغة من سبقه من فحول الشعراء وأساطين اللغة.
وقد استدل هؤلاء بما أورده المناوي في كتابه فيض القدير شرح الجامع الصغير [2 / 187]،حيث قال ما نصه: " وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل،فقال:
يتمنى المرء في الصيف الشتاء حتى إذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد قتل الإنسان ما أكفره
وقال:
اقتربت الساعة وانشق القمر من غزال صاد قلبي ونفر
وقال:
إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها
تقوم الأنام على رسلها ليوم الحساب ترى حالها
يحاسبها ملك عادل فإما عليها وإما لها " ا.هـ
وقد أورد بعضهم شيئا من الأبيات السابقة بألفاظ مختلفة،فقال بعضهم إن امرأ القيس قال:
دنت الساعة وانشق القمر غزال صاد قلبي ونفر
مر يوم العيد بي في زينة فرماني فتعاطى فعقر
بسهام من لحاظ فاتك فر عني كهشيم المحتظر
وزاد بعضهم فقال:
وإذا ما غاب عني ساعة كانت الساعة أدهى وأمر
وهذه الشبهة منقوضة بأكثر من عشرين وجها،وبيان ذلك فيما يلي:
الوجه الأول:أن هذه الأبيات ليس لها وجود في كتب اللغة والأدب،وقد بحثنا في عشرات من كتب البلاغة والأدب واللغة والشعر المتقدمة،ولم يذكر أحد شيئا من الأبيات السابقة أو جزءًا منها.
الوجه الثاني:أنه لا توجد هذه الأبيات في ديوان امرىء القيس،على اختلاف طبعاته،ونسخه ورواياته،ولو كانت إحدى الأبيات السابقة صحيحة النسبة إليه أو حتى كاذبة لذكرت في إحدى دواوينه.
الوجه الثالث:أن أي متخصص وباحث في الأدب العربي،وشعر امرئ القيس على وجه الخصوص يعلم أن شعر امرئ القيس قد وجد عناية خاصة،وتضافرت جهود القدماء والمحدثين على جمعه وروايته ونشره،وهناك العديد من النسخ المشهورة لديوانه كنسخة "الأعلم الشنتمري"،ونسخة "الطوسي"،ونسخة "السكري"،ونسخة "البطليوسي"،ونسخة "ابن النحاس" وغيرها،ولا يوجد أي ذكر لهذه الأبيات في هذه النسخ،لا من قريب ولا من بعيد،فهل كان هؤلاء أعلم بشعر امرئ القيس ممن عنوا بجمعه وتمحصيه ونقده.
الوجه الرابع:أنه حتى الدراسات المعاصرة التي عنيت بشعر امرئ القيس وديوانه،وما نسب إليه من ذلك،لم يذكر أحد منهم شيئاً من هذه الأبيات لا على أنها من قوله،ولا على أنها مما نحل عليه – أي نسب إليه وليس هو من قوله –،ومنها دراسة للأستاذ "محمد أبو الفضل إبراهيم" في أكثر من 500 صفحة حول شعر امرئ القيس،وقد ذكر فيه ما صحت نسبته إليه وما لم يصح،وما نحل عليه ومن نحله،ولم يذكر مع ذلك بيتاً واحداً من هذه الأبيات السابقة.
الوجه الخامس:أن امرأ القيس وغيره من الشعراء قد نحلت عليهم العديد من القصائد فضلا عن الأبيات،بل نحل على بعضهم قصص كاملة لا زمام لها ولا خطام،وقضية نحل الشعر ونسبته لقدماء الشعراء أمر معروف لا يستطيع أحد إنكاره،وقد عرف عن "حماد الراوية" و "خلف الأحمر" أنهم كانوا يكتبون الشعر ثم ينسبوه إلى من سبقهم من كبار الشعراء،وقد ذكر ابن عبد ربه – وهو من المتقدمين توفي سنة 328 هـ - في كتابه " العقد الفريد " في باب عقده لرواة الشعر،قال:" وكان خَلف الأحمر أَروى الناس للشِّعر وأعلَمهم بجيّده.... وكان خَلفٌ مع روايته وحِفظه يقول الشعر فيُحسن،وينَحله الشعراء،ويقال إن الشعر المَنسوب إلى ابن أخت تأبّط شَرّاً وهو:
إنَّ بالشِّعب الذي دون سَلْع لقتيلاً دَمُه ما يُطَلُّ
لخلَف الأحمر،وإنه نَحله إياه،وكذلك كان يفعل حمّاد الرواية،يَخلط الشعر القديم بأبيات له، قال حماد:ما مِن شاعر إلا قد زِدْتُ في شعره أبياتاًفجازت عليه إلا الأعشى،أعشى بكر،فإني لم أزد في شعره قطُّ غيرَ بيت فأفسدتُ عليه الشعر،قيل له:وما البيتُ الذي أدخلته في شعر الأعشى؟فقال:
وأنكرتْني وما كان الذي نَكِرتْ من الحوادث إلا الشَّيبَ والصلعَا " ا.هـ [العقد الفريد 821]
وقال الصفدي - المتوفى سنة 764 هـ - في كتابه "الوافي بالوفيات" في ترجمة "خلف الأحمر": " خلف الأحمر الشاعر صاحب البراعة في الآداب،يكنى أبا محرز،مولى بلال بن أبي بردة،حمل عنه ديوانه أبو نواس،وتوفي في حدود الثمانين ومائة.وكان راوية ثقة علاّمة،يسلك الأصمعيّ طريقه ويحذو حذوه حتى قيل:هو معلِّم الأصمعي،وهو والأصمعيّ فتَّقا المعاني،وأوضحا المذاهب،وبيَّنا المعالم،ولم يكن فيه ما يعاب به إلا أنه كان يعمل القصيدة يسلك فيها ألفاظ العرب القدماء،وينحلها أعيان الشعراء،كأبي داود،والإيادي،وتأبَّط شراً،والشنفري وغيرهم فلا يفرَّق بين ألفاظه وألفاظهم،ويرويها جلَّة العلماء لذلك الشاعر الذي نحله إيّاها،فمّما نحله تأبَّط شرّاً وهي في الحماسة من الرمل:
إنّ بالشِّعب الذي دون سلعٍ لقتيلاً دمه لا يطلُّ
ومما نحله الشّنفري القصيدة المعروفة بلامية العرب وهي من الطويل:
أقيموا بني أمي صدور مطيِّكم فإني إلى قومٍ سواكم لأميل
..... قال خلف الأحمر:أنا وضعت على النابغة القصيدة التي منها:من البسيط
خيل صيامٌ وخيلٌ غير صائمةٍ تحت العجاج وأخرى تعلك اللُّجما
وقال أبو الطيب اللّغويّ:كان خلف الأحمر يصنع الشعر وينسبه إلى العرب،فلا يعرف.ثم نسك،وكان يختم القرآن كلّ يوم وليلة.". اهـ
ومثل ذلك ذكره ياقوت الحموي - المتوفى سنة 626 هـ - في كتابه " معجم الأدباء " (4 / 179)في ترجمة خلف الأحمر.
ونقل أبو الحسن الجرجاني – المتوفى سنة 392 هـ - في كتابه " الوساطة بين المتنبي وخصومه " ص24 - وهو يناقش من يعترض عليه بأن شعر المتقدمين كان فيه من متانة الكلام،وجزالة المنطق وفخامة الشعر،ما يصعب معه أن ينسج على منواله،ولو حاول أحد أن يقول قصيدة أو يقرضَ بيتاً يُقارب شعر امرئ القيس وزهير،في فخامته،وقوة أسْره،وصلابة معجَمه لوجده أبعد من العيّوق مُتناولاً،وأصعبَ من الكبريت الأحمر مطلباً؟
فرد على المعترض قائلا:" أحلتك على ما قالت العلماء في حمّاد وخلَف وابن دأْب وأضرابِهم،ممن نحلَ القدماءَ شعره فاندمج في أثناء شعرهم،وغلب في أضعافه،وصعُب على أهل العناية إفرادُه،وتعسّر،مع شدة الصعوبة حتى تكلّف فلْي الدواوين،واستقراءُ القصائد فنُفِي منها ما لعلّه أمتن وأفخم،وأجمع لوجوه الجوْدة وأسباب الاختيار مما أثبت وقُبِل."
[ راجع الأعلام 2 / 358. معجم البلدان 11 / 64. أنباء الرواة 1 / 348. الفهرست ص / 50. طبقات الشعراء ص /147]
وإنما أوردنا كل هذه النقولات لنثبت أن وقوع النحل في شعر العرب أمر وارد وحاصل، وقد أوردنا لك كلام المتقدمين،الذين عرفوا كلام العرب وأشعارهم،وسبقوا المحدثين والمستشرقين،أما المعاصرون،فقد قال الأستاذ محمد أبو الفضل في مقدمة دراسته عن امرىء القيس وشعره:" استفاضت أخباره على ألسنة الرواة،وزخرت بها كتب الأدب والتراجم والتاريخ،ونسجت حول سيرته القصص،وصيغت الأساطير،واختلط فيها الصحيح بالزائف،وامتزج الحق بالباطل،وتناول المؤرخون والأدباء بالبحث والنقد والتحليل،وخاصة في العصر الحديث... وفي جميع أطوار حياته منذ حداثته وطراءة سنه،إ
القلب الحزين
14-12-2013, 08:27 PM
الماء المقدس
دكتور/ دسوقي احمد محمد عبد الحليم
خريج معهد الميكروبيولوجيا جامعة همبولد برلين ألمانيا
بغض النظر عن الممارسات والطقوس الكهنوتية المصاحبة للماء، فإننا نجد وبجلاء وعلي مر الزمن ومهما اختلفت الأماكن، أن الماء شغل حيزاً كبيرا من العقل الروحي والديني لكثير من معتقدات البشر وأديانهم. وأي باحث في مقارنة الأديان سيدرك عند تتبعه للنصوص الدينية الموقع المتميز الذي احتله الماء بها، فلا تكاد تخلو عقيدة دينية إلا وكانت تقدس هذا الماء، بطريقة معينة سواء فكراً أو طقساً. وهذا يرجح ما للماء من أهمية كونية، وماله من ارتباط وثيق بحياة البشر سواء أكانوا أفراداً، قبائل أو حتى شعوب وأمم. وعلماء التاريخ والجغرافيا البشرية عادة ما يربطون بين نشأة الحضارات والماء، فالحضارة المصرية ارتبطت بنهر النيل وحضارة سبأ ارتبطت بالمياه الموسمية وسد مأرب، وحضارة العرب ارتبطت ببئر زمزم وتفجر الماء العذب منه.
فالماء وبحق موغل في تاريخ الحضارات القديمة، ومنها الحضارة السوميرية والحضارة الرافدينية. فقد انتهى فكر السومريين إلى أن الماء هو أصل الوجودوالحياة، فعندهم: "ومنالماء خرجتالحياة وعمرت الأرض والسماء" أما الحضارة الرافدينية القديمة فترى أن الآلهة انانا قد استعادت الحياة بتناولها طعام الحياة وماء الحياة، بعد أن أوشكت على الموت. وقطرات الماء الساقطة من السماء إلى الأرض على شكل مطر، والذي يسبب إنماء وإرواء الأرض- هذه العملية كان لها مغزى كبير وعميق في التفكير الإنساني. فهذه القطرات تمثل في الأساطير الدينية القديمة كالمني الذي يطلقها الذكر (المتمثل في السماء الواهبة) لتخصيب الأنثى (المتمثلة في الأرض المستلمة). فهذه عملية حياتية في عمق فلسفة الأديان، ولها دور كبير جدا في فكر الإنسان وتأملاته.
والماء ينظر إليه من منطلق القداسة والتبجيل في جميع الأديان السماوية القديم منها والحديث. فهو في مرتبة عالية في الممارسات والفكر الديني الإسلامي ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ (الأنبياء 30)، ولا يخلو أي مسجد من مصدر للمياه النظيفة السائلة يستخدمه المسلمون للوضوء قبل الصلاة خمس مرات في اليوم. وفي الديانة المسيحية نجد في الماء عنصراً مهما في إقامتها لمراسيم التعميد ولا يستعاض عنه، فيدخل الماء في عملية التعميد الكنسي وصلوات القربان المقدس عند المسيحيين كرمز للتطهير من الذنوب. أما عند اليهود فالماء مقدس تقديساً كبيراً و يظهر هذا واضحاً في طقوسهم الدينية، وفي فكرها أيضا (روح الله يرف على وجه المياه) التوراةالتكوين. ومن فرائض اليهودية أيضا استخدام الماء في طقوس التنظيف وتبرئة الذات من الذنوب وفي التعميد أحيانا.
وكانت للديانات القديمة قدسية خاصة للمياه لهذا فقد اعتبر الإغريق القدماء أن بعض الأنهار والبحار مقدسة ومنحوا المياه آلهة مسئولة عن الخير والخصوبة والكوارث. وفي الديانات المصرية والسومرية والبابلية والكلدية والآشورية كانت لهم ممارسات وطقوس تقام بمصاحبة المياه الجارية النقية، والتي تمتلك صفة الحياة، فمثلا في مصر كان التلميذ المرشح للكهانة إذا نجح في الامتحان القاسي الذي يجرى له، يخلع ملابسه ويستحم (يتطهر) في الماء ويطيبونه بالعطور ثم يرتدي زي رجال الدين، وكان الفرعون يقوم بمراسم تبخير المعبود وتطهيره بسكب المياه المقدسة عليه.
وفي كتابه "مغامرة العقل الأولى" يقول الباحث فراس السواح أن فكرة الميلاد المائي للحياة تتكرر في كل الحضارات السابقة والأديان السماوية. والأمر الغريب حقاً أن "فراس السواح" في كتابه السابق الإشارة إليه وفي أحد مقالاته على الشبكة الدولية للمعلومات "إنترنت" [1] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn1)في معرض حديثة عن عرش الرحمن "عز وجل" وأنه كان علي الماء يقول أن أزلية الماء وان منه كل شيء حي إنما هي أسطورة لا أساس لها انتقلت من الأساطير القديمة للأديان السماوية ويقول ما نصه: "أن الإسلام نقل أصل ومضمون الأسطورة المصرية الموغلة في القدم من أن الإله كان يحمل على المياه (استوي عليها), ليس على سفينة وإنما على عرش عظيم يليق بجلالهالملوكي".ويقول أيضاُ ظاناً في نفسه القدرة علي استخلاص النتائج المنطقية من معطيات واهية: "وهكذا رأينا بالتحليل والدراسة كيف انتقلت الأساطير القديمة للأديان الشرقية, كما القينا الضوء على احتواء الآية (كان عرشه على الماء)على أسطورتين من أقدمالأساطير الشرقية, أسطورة المياه البدئية الموجودة قبل خلق السموات والأرض، وأسطورة العرش الالهى العظيم السابح على هذه المياه بما تحتويه هذه الصورة من تجسيدللإله وتحديد له على غرار آلهة الشعوب والحضارات القديمة".
وهنا نقول أن هذا الكلام خال تماماً من التحليل المنطقي للمعطيات ويفتقر بالجملة للفهم السليم، وأن تقرير أصل الحياة من الماء كما ذكر في القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والأمم السابقة على الكتب السماوية الثلاثة إنما يرجع إلي:
أولا: أن مصدر المعلومة واحد وهو الله الواحد "عز وجل" علمها الله لأدم ثم علمها لأبنائه من الأنبياء والمرسلين من بعده والذين قاموا بدورهم بتبليغها لأقوامهم الذين بعثوا فيهم وتناقلتها الأجيال عنهم جيل بعد جيل وقد قال الله تعالي في محكم التنزيل في الآية الثامنة والتسعين من صورة غافر: ﴿ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون﴾، بمعني أنه وإن كان مصدر معلومة أصل الخلق من ماء غير معروف للباحث فهذا لا ينفي أبداً كون مصدرها الله عز وجل فقد أرسل الله رسلا بلغوا عنه نعرف بعضهم ولا نعرف الأكثرية منهم.
ثانياً:البشر وعلى مر الزمان ينسون ويتناسون الأنبياء والصالحين ولكنهم قد لا ينسوا المعلومة التي بلغهم بها هؤلاء الأنبياء وما عبد قوم نوح الصالحين الخمسة إلا نسيانا وإغوائاً من الشيطان الرجيم عليه لعائن الله وإن شئت أقرأ الآية الثالثة والعشرون من سورة نوح والتي يقول فيها الله عز وجل مخبرا عن إصرار قوم نوح علي الكفر: ﴿وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا﴾. ونقل الثعلبي في تفسير هذه الآية عن ابن عباس قوله: إن هذه الأصنام أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم تذكروهم بها، ففعلوا, فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم ونسي الناس السبب الذي من أجله نصبت وعبدت من دون الله.
ثالثاً:الإسلام جاء مؤكداً للحقائق التي جاءت بها الشرائع السابقة ومؤمناُ بها ولم يقل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ولا ورد في القران الكريم المنزل عليه ما ينفي وجود الأديان الأخرى أو يسفه الحقائق الربانية فيها والتي لم يلحقها التحريف أو التشويه ولك أن تقرأ قول الله تعالى في صورة البقرة الآية 285 حيث يقول عز من قائل: ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير﴾.وقولة عز وجل في صورة العنكبوت الآية 46: ﴿.....وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون﴾ "صدق الله العظيم ومن أصدق من الله قيلا".
مراجع
ühttp://www.religionfacts.com
üفراس السواح، مغامرة العقل الأولى (دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 1976)
القلب الحزين
14-12-2013, 08:31 PM
شبهة سبق الغرب للمسلمين في وضع مناهج البحث العلمي
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
هل كل الفضل للغرب في كل الاختراعات، وهل العرب عالة على الغرب في الاختراع ومنهجية البحث العلمي ؟
هذه دراسة من مقدمة رسالة الماجستير للدكتور أحمد إدريس الطعان تبحث في ذلك:
التجربة في الأمور الخاضعة للتجربة فطرة أصلية في النفس الإنسانية ، فالإنسان يلجأ إليها بشكل تلقائي إذا أمكنه ذلك ليتأكد من صحة أحكامه ، أو ليختبر بعض القضايا ، وربما يفعل ذلك دون الاعتماد على قـواعد معينة لذلك ، ولذلك يقـول كلود برنارد: " إنني أعتقد أن كبار المجربين قد ظهروا قبل أن توجد القواعد العـامة لفن التجريب ، ومن ثم يبدو لي أنه لا يحق لأحد أن يقول في حديثه عن بيكون إنه اخترع المنهج التجريبي ، ذلك المنهج الذي استخدمه جاليلو وتورشيلي على نحو جدير بالإعجاب عجز عنه بيكون " (1).
ويرى الدكتور محمود قاسم أن الباحث قد يهتدي إلى قواعد التجريب أثناء بحوثه ومحاولاته الكشف والبحث ، فربما صنف هذه القواعد ليستفيد منها غيره ، وربما يترك مهمة تصنيفها لغيره (2).
ومن هنا يبدو لنا خطأ الفكرة المنتشرة على أنها حقيقة لا مراء فيها ، وتتردد كثيراً على الألسنة والأقلام وهي أن المنهج التجريبي ولد ونضج في الغرب على يد البيكونين " روجر وفرنسيس " وجون استيوارت مل (3).
والحقيقة أن هنالك علماء وباحثين غربييين منصفين أكدوا أن العرب والمسلمين قدموا للإنسانية حضارة باسقة في كافة المجالات التجريبية والنظرية ، وأنهم كانوا سباقين إلى ميادين التجربة والملاحظة اللتين تسلح الغرب بهما فيما بعد ونهض نهضته المشهودة .
وقبل أن نسرد بعض الأقوال والشهادات المنصفة لعلماء غربيين لا بد أن نعترف بأن المسلمين اليوم وفي العصور المتأخرة لم يتابعوا نهج أسلافهم في استخدام المنهج التجريبي ، وأنهم قصّروا في تطبيقه تقصيراً مخجلاً ، في الوقت الذي استفاد الغرب من هذا الميراث الإسلامي ، وانطلق يطبقه في كافة المجالات والصعد ، وبقي المسلمون متخلفين عن ركب الحضارة .
تقول زيغريد هونكه : " إن الإغريق تقيدوا دائماً بسيطرة الآراء النظرية ، ولم يبدأ البحث العلمي القائم على الملاحظة والتجربة إلا عند العرب" (4). وتقول : " لم يكن مستوى روجر بيكون العلمي في الكيمياء أرفع من معاصريه ألا أنه رأى في التجربة التي أخذها عن العرب السبيل الحقيقي للوصول إلى نتائج حاسمة في العلوم الطبيعية وخاصة في الكيمياء ، وهكذا كان روجر علماً متوهجـاً سطع في سماء القرون الوسطى المظلمة وفي حناياه روح الشاعر الأندلسي ابن الخطيب الذي قال : مبـدئيـاً يجب أن يكـون كـل برهـان متـوارث قـابلاً للتعـديل إذا مـا اتضـح لحواسنا عكسه" (5).
ويضطر أيضاً فون كريمر للاعتراف بدور العرب في حقل المعرفـة التجريبية ، وإن كان هذا الإنصاف منه مقدمة لما يريد أن يصل إليه من إقناعٍ للقارئ بتفوق الجنس الآراي واليوناني على غيره يقول : " إن أعظم نشاط فكري قام به العرب يبدو لنا جلياً في حقل المعرفة التجريبية ضمن دائرة ملاحظاتهم واختباراتهم ، فإنهم كانوا يُبدون نشاطاً واجتهاداً عجيبين حين يُلاحظون ويمحصون ، وحين يَجمعون ويُرتبون ما تعلموه من التجربة ، أو أخذوه من الرواية والتقليد ، ولذلك فإن أسلوبهم في البحث أكبر ما يكون تأثيراً عندما يكون الأمر في نطاق الرواية والوصف" (6).
ثم إن الرجل يعود ليتبزّ المسلمين حقهم في حقل المعرفة النظرية ، وينسب كل ما عندهم لليونان ، ولعل هذه غايته التي يريد أن يصل إليها ، وأراد بمقدماته تلك أن يكسب ثقة القارئ ، عندما يخيل إليه أنه منصفٌ لا يهمه إلا الوصول إلى الحقيقة العلمية ، وهذا شأن المستشرقين جلهم يدسون السم في العسل .
ويؤكد الدكتور فرانتز روزنتال أن المسلمين كانوا ينظرون إلى التجربة والملاحظة على أنها ذات قيمة فريدة في البحث العلمي ، وأننا نجد أمثلة هائلة لذلك في الحضارة الإسلامية في حقول المعرفة المتنوعة ، وينقل هذه العبارة عن ابن أبي أصيبعة عن الرازي (7): " متى كان اقتصـار الطبيب على التجـارب دون القيـاس وقـراءة الكتب خُـذل" (8)مما يدل على أن التجربة كانت عند الأطباء منتشرة بشكل كبير ، وأنه كان يحمد للطبيب أن يضم إلى تجاربه العلمية القراءة النظرية والقياس العقلي .
ونضرب الآن بعض الأمثلة من الفكر الإسلامي نستدل بها على اعتماد المسلمين بشكل كبير على التجربة والملاحظة :
فبشأن الحسن ابن الهيثـم (9)تقول زيغريد هونكه : لقد علّم إقليدس وبطليموس بأن العين المجردة ترسل أشعةً إلى الأشياء التي تريد رؤيتها فجاء ابن الهيثم وأعلن أن هذا الادعاء خاطئ لأنه ليس هناك أشعةً تنطلق من العين ليتحقق النظر بل إن شكل الأشياء المرئية هي التي تعكس الأشعة على العين فتبصرها هذه بواسطة عدستها.
كما يرى الأستاذ مصطفى نظيف إلى أن ابن الهيثم أخذ بالاستقراء قبل بيكون ، ويعتبره من أبرز علماء الطبيعة . ويذهب إلى أن أثر ابن الهيثم في علم الضوء لا يقل عن أثر نيوتن في علم الميكانيكا (10). ونستطيع أن نتبين قواعد المنهج عند ابن الهيثم وأصوله من خلال هذا النص الذي ينقله مصطفى نظيف عن ابن الهيثم يقول : " ونبتدئ في البحث باستقراء الموجـودات ، وتصفح أحوال المُبْصَرات ، وتمييز خواص الجزئيات ، ونلتقط باستقراء ما يخص البصر في حال الإبصار ، وما هو مطرد لا يتغير ، وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس ، ثم نرتقي في البحث والمقاييس على التدرج والتدريب مع انتقاء المقدمات ، والتحفظ من الغلط في النتائج ، ونجعل غرضنا في جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل ، لا اتباع الهوى ، ونتحرى في سائر ما نجيزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء " .
ويعلق الأستـاذ مصطفى نظيف على هذا المنهج بقوله : " في هذا القول الموجز جمع ابن الهيثم بين الاستقراء والقياس ، وقدم فيه الاستقراء على القياس ، وحدد فيه الشرط الأساسي في البحوث العلمية الصحيحة وهو أن يكون الغرض طلب الحقيقة " (11).
ويضيف الأستاذ مصطفى نظيف : " بل إن ابن الهيثم قد عمق تفكيره إلى ما هو أبعد غوراً مما يظن أول وهلة فأدرك ما قال به من بعده " ماك " و " كارل بيرسون " وغيرهما من فلاسفة العلم المحدثين في القرن العشرين " (12).
ومن مميزات ابن الهيثم أيضاً : أنه كان يشرح الجهاز ، ويبين وظيفة أجزائه المختلفة ، ويستعمل أجهزة مبتكرة لشرح الانعكاس والانعطاف ، وتدل تجاربه وحساباته أنه استطاع أن يجمع بين مقدرته الرياضية ، وكفايته العلمية الممتازة ، يدل على ذلك صنعه للأجهزة ، واستعمالها في أغراضٍ مختلفة (13).
كما يعتني ابن الهيثم إلى جانب عنايته بالتجربة والاستقراء ، بالقياس كما في كتابه " المناظر " ، فهو ينتقل من التجربة إلى القياس ، ويستنبط من ذلك قضايا مهمة ، ويشرح ظواهر خطيرة في الضوء (14). كما أدرك ابن الهيثم قيمة التمثيل في البحوث العلمية فاستعان به في بعض المواضع (14).
هذا فيما يتعلق بابن الهيثم ، ونجد في علم الميكانيكا أو علم الحيل أشهر من كتب في ذلك من علماء المسلمين محمد وأحمد وحسين أبناء موسى بن شاكر ، إذ لهم كتاب يحتوي على مائة تركيب ميكانيكي (16).
ولعلمـاء المسلمين كتب في عـلم مراكز الأثقال ، وهو علم يتعرف منه كيفية استخراج ثقل الجسم المحمول . ولهم فضل كبير في علم السوائل وما يتصل به من ظواهر تتعلق بضغط السوائل وتوازنها (17).
وللخازن كتاب " ميزان الحكمة " كتبه سنة 1137 م وفيه وصف دقيق مفصل للموازين التي كان يستخدمها علماء المسلمين في تجاربهم ، وفيه أيضاً وصف لميزان استخدم في وزن الأجسام بالهواء والماء . ويتضمن هذا الكتاب أيضاً بحثاً في الضغط الجوي ، وكان بذلك أسبق من تورشيلي ، ويحتوي كذلك على المبدأ القائل بأن الهواء كالماء يحدث ضغطاً من أسفل إلى أعلى على أي جسم مغمور فيه ، ومن هذا استُنتج أن وزن الجسم في الهواء ينقص عن وزنه الحقيقي ، واستفاد الأوربيون بعده من اكتشافاته ، وبنوا عليها بعض الاختراعات كالبارو متر ومفرغات الهواء " (18). كما تضمن هذا الكتاب بحثاً في الجاذبية مبيناً أن هناك علاقة بين سرعة الجسم والبعد الذي يقطعه والزمن الذي يستغرقه ، وقال الخازن في كتابه هذا بأن قوى التثاقل تتجه دائماً إلى مركز الأرض (19).
وتابع الخازن علماء آخرون مثل ثابت بن قرة ، وموسى بن شاكر وغيرهما ، حيث قالوا بالجاذبية وعرفوا شيئاً عنها ، ومن أشهرهم ، محمد بن عمر الرازي حيث قال : " إننا إذا رمينا المدرة إلى فوق ، فإنها ترجع إلى أسفل ، فعلمنا أن فيها قوة تقتضي الحصـول إلى أسفل ، حتى إنه لما رميناها إلى فوق أعادتها تلك القوة إلى السفل ." (20).
ويتساءل الدكتور مصطفى حلمي : أليس في هذا تمهيداً لفكرة الجاذبية؟ (21)
ويرى الأستاذ العقاد أن البيروني ([22] (http://www.quran-m.com/firas/admin_firas_section/*******.php?add_bottom_news=1#_ftn22)) كان له الفضل في ذلك حيث اعترض على رأي الإغريق القائـل بأن الأجسام الثقيلة مجذوبة إلى أصلها في السماء ، ورجح أن الأجسام كلها مجذوبة إلى مركز الأرض، وقد مهد بآرائه هذه السبيل لنيوتن لكشف قانون الجاذبية (22). كما أن البيروني هو الذي اكتشف دوران الأرض حول الشمس وحول نفسها وليس كوبر نيكوس أو غيره كما يشاع (24)
وفي علم الطب يعد أبو بكر محمد الرازي 844 –926 م أول الأطباء المسلمين الكبار وقد اعتبره جميـع المؤرخين واحداً من أعظم الأطباء في جميع العصور ، ومن أعظم مشخصي الأمراض المبدعين ، حيث اعتبرت مقالته عن الجدري والحصبة أول عمل محكم في الأمراض المعدية، معبرة عن قدرة فذة في الملاحظة والتحليل التمريضي ، واشتهرت في أوربا ، حيث طبعت أربعين مرة باللغة الإنجليزية منذ سنة 1489 إلى 1866 . م (25)
والرازي يعتبره الدكتور سارتون أول الأطباء الكيماويين إلى جانب ابتكاراته في جراحة العيون والولادة وأمراض النساء ، وكذلك كان أول من صنف مقالات في أمراض النساء (26)وقد رمدت عيناه ذات مرة من كثرة اشتغاله بالتجارب ، فذهب للعلاج عند أحد الأطباء فطلب منه خمسمائة دينار فقال الرازي " هذا هو الكيمياء حقيقة " ثم مال إلى تعلم الكيمياء في سن مبكرة من حياته وألف فيها اثني عشر كتاباً (27).
وآكد شئ لدى الرازي هو ما اجتمع على صحته الأطباء ، وشهد له القياس ، وعضدته التجربة ، ولم يكن يعبأ إلا بالعلم الذي أثبتت التجربة جدواه ، ومن سمات منهجه أنه كان يفضل النتائج العلمية القائمة على أساس تجارب القرون لا تجارب الفرد الواحد .
وإذا كـان الطب التجريبي يحتل في العصـر الحديث أرقى مكانة ، فإن للرازي فضل السبق إليه ، حيث أجرى تجاربه على الحيوان "القرد" ، قبل إعطاء الدواء للإنسان ،لأن هناك حرجاً دينياً يمنع من تشريح الإنسان بغرض التجربة (28).
ومن الأطباء المسلمين المشهورين ابن النفيس " ت : 696 هـ " المكتشف الحقيقي للدورة الدموية الصغرى ، ونسبها الغرب زوراً إلى هارفي الإنجليزي ، وقلدهم في هذا الزور بعض الباحثين الشرقيين المسلمين (29)تقول زيغريد هونكه : إن أول من نفذ ببصره إلى أخطاء جالينوس ونقدها ثم جاء بنظرية الدورة الدموية لم يكن سارفيتوس الأسباني ولا هارفي الإنجليزي بل كان رجلاً عربياً أصيلاً من القرن الثالث عشر الميلادي وهو ابن النفيس الذي وصل إلى هذا الاكتشاف العظيم في تاريخ الإنسانية وتاريخ الطب قبل هارفي بأربع مائة عام وقبل سارفيتوس بثلاثمائة عام"(30).
ولقد كثر اشتغال النصارى بالطب في ظل الدولة الإسلامية ونبغوا فيه ، ويرجع العقاد ذلك إلى تحريم الكنيسة الغربية آنذاك للاشتغال بالطب ، لأن المرض عقاب من الله تعالى ، لا ينبغي للإنسان أن يصرفه عمن استحقه ، وظل الطب محجوراً عليه إلى ما بعد انقضاء العهد المسمى بعهد الإيمان عند استهلال القرن الثاني عشر للميلاد وهو إبان الحضارة الأندلسية (31).
وكانت المستشفيـات منتشرة في أنحـاء الدولة الإسلامية بعد القرن الثالث للهجرة ، واتبعت طريقة عملية للتحقق من وجود الهواء وصلاح الموقع لبنائها تغني عن الأساليب العلمية التي اتبعت في العصر الحاضر بعد كشف الجراثيم ، حيث تتفق معها في أصلها التجريبي (32)فكانوا كما يقول العقاد : يعلقون اللحوم في مواطن مختلفة من المدينة في وقت واحد ، فأيها أسرع إليه العفن اجتنبوا مكانه ، واختاروا المكان الذي تتأخر فيه عوارض الفساد (33).
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 08:32 PM
يتبــــع الموضوع السابق
شبهة سبق الغرب للمسلمين في وضع مناهج البحث العلمي
ومثل هذا الابتكار كما يقول الدكتور مصطفى حلمي : يقع في صميم المنهج التجريبي وينبغي النظر إليه لا من زاوية عصرنا ، ولكن من زاوية النظريات السائدة آنذاك ولا شك أن هذا العمل يعد عملاً رائداً في حقل الاكتشافات العلمية (34).
وكانت المستشفيات أيضاً مراكز علمية لتدريس الأطباء نظرياً وعملياً يقول : الدكتور مصطفى السباعي : " وكانت المستشفيات معاهد طبية أيضاً ، ففي كل مستشفى إيوان كبير للمحاضرات ، ويجلس فيه كبير الأطباء ، ومعه الأطباء والطـلاب ، وبجانبهم الآلات والكتب ، فيقعد التلاميذ بين يدي معلمهم بعد أن يتفقدوا المرضى ، وينتهوا من علاجهم ، ثم تجري المباحث الطبية ، والمناقشات بين الأستاذ وتلاميذه ، والقراءة في الكتب الطبية ، وكثيراً ما كان الأستاذ يصطحب معه تلاميذه داخل المستشفى ليقوم بإجراء الدروس العملية لطلابه على المرضى ، كما يقع اليوم في المستشفيات الملحقة بكليات الطب " (35).
ويستخلص غوستاف لوبون من أبحاثه في هذا المجال أن علم الجراحة مدين للعرب بكثير من مبتكراته الأساسية ، وظلت كتبهم فيه مرجعاً للدراسة في كليات الطب إلى وقت قريب جداً ، فكانوا يعرفون في القرن الحادي عشر من الميلاد معالجة غشاوة العين بخفض العدسة أو إخراجها ، وكانوا يعرفون عملية تفتيت الحصاة التي وصفها أبو القاسم بوضوح ، وكانوا يعـرفون صب الماء البارد لقطع النزف ، وكانوا يعرفون الكاويات والفتائل ، وكانوا يعرفون المُرقد ، أي المخدر الذي ظُنّ أنه من مبتكرات العصر الحاضر ، وذلك باستعمال الزؤان لتنويم المريض قبل العمليات المؤلمة ، حتى يفقد وعيه وحواسه (36)، وقد نسب هذا الكشف العلمي إلى طبيب إيطالي أولاً وإلى بعض الإسكندريين ثانياً ، في حين أن الحقيقة تقول ، والتاريخ يشهد : أن فن استعمال الإسفنجة المخدرة فن عربي بحت لم يعرف من قبلهم(37).
وإذا انتقلنا إلى مجالات أخرى غير الطب وعلماء آخرين فإننا نجد الأمر أيضاً لا يختلف فالتجربة والملاحظة لهما الوزن الكبير ، والقيمة الأساسية في البحث العلمي يقول جابر بن حيان (38)وهو يتحدث عن منهجه : " قد عملته بيدي وبعقلي من قبل ، وبحثت عنه حتى صح ، وامتحنته فما كذب " (39).
ويؤكد جابر أهمية التجربة أيضاً في قوله : " من كان درباً ، كان عالماً حقاً ومن لم يكن درباً لم يكن عالماً ، وحسبك بالدربة في جميع الصنائع : أن الصانع الدرب يحذق ، وغير الدرب يعطل" (40)والمراد بالدربة عند جابر التجربة .
ويزيدنا جابر تأكيداً باعتماده على التجربة والملاحظة في قوله : " ويجب أن نعلم أنا نذكر في هذه الكتب خواص ما رأيناه فقط دون ما سمعناه أو قيل لنا وقرأناه ، بعد أن امتحنـاه وجربنـاه ، فما صـح عندنـا بالملاحظـة الحسيـة أوردنـاه وما بطل نفيناه وما استخرجناه نحن أيضاً وقايسناه على أقوال هؤلاء القوم " (41). ونضيف أيضاً أن من السباقين في استخدام التجربة ابن سينا ، حيث يشير في كتاب الشفاء إلى ملاحظة شخصية تعود إلى أيام صباه تبحث في أصل الحجارة (42)، ويشير فخر الدين الرازي إلى ملاحظة شخصية لاحظها ابن سينا تتعلق بتكون الغيوم الممطرة (43)
ويروى عن المأمون أنه كان يجري تجربة بسيطة لجلسائه ليبرهن لهم أن الهواء مادة ، أي جسم طبيعي (44).
نستطيع الآن بعد الأمثلة الكثيرة التي سقناها أن نؤكد أن نسبة المنهج التجريبي إلى الغرب نسبة زائفة ، لأنها تغفل دور المسلمين في هذا المنهج . وليس معنى هذا أن نغض من دور علماء الغرب في النهضة الأوربية الحديثة فهذا الدور لا يمكن إنكاره لأن الغرب تقدم كثيراً في تطبيق هذا المنهج ، ولكن أريد أن أقول : إن الحضارات متكاملة لا ينفصل بعضها عن بعض ، فكل حضارة تنهض لا بد أن تكون لها قواعد راسخة قامت عليها ، وقواعد الحضارة الأوربية المزدهرة اليوم إنما هي الحضارة الإسلامية ، فلم ينهض الغرب هكذا طفرة ، وإنما بعد أن نقلت إليه علوم العرب والمسلمين ، فالمسلمون كما يقول الدكتور مصطفى حلمي : " وجهوا البحوث إلى الوجهة الصحيحة من حيث إقامتها على التجارب والاختبارات واستقراء النظريات وما إلى ذلك من خطوات كانت تشكل في مجموعها تحولاً رئيساً في تاريخ العلم من مجرد النظر –كالمنطق الصوري الأرسططاليسي –إلى التجارب العلمية المؤدية إلى التقدم الحقيقي للعلوم (45)
وذلك لأن : " وجود ابن الهيثم وجابر وأمثالهما كان لازماً وممهداً لظهور جاليلو ونيوتن ، فلو لم يظهر ابن الهيثم لاضطر نيوتن أن يبدأ من حيث بدأ ابن الهيثم ، ولو لم يظهر جابر بن حيّان لبدأ جاليلو من حيث بدأ جابر . وعلى هذا يمكن القول : لولا جهود المسلمين والعرب ، لبدأت النهضة الأوربية في القرن الرابع عشر من النقطة التي بدأ منها العرب نهضتهم العلمية في القرن الثامن للميلاد " (46).
لقـد وضـع المسلمـون أسس البحث العـلمي بالمعنى الحديث وقـد تميّـزوا بالمـلاحظـة والتجـربة والاختبـار …وابتدعـوا طـرقاً …واخترعـوا آلات وأجهزة .(47).
ونستطيع الآن القول:
إن المسلمـين لم يقصـروا في العصـور المتأخرة في خدمة العلم والإنسانية
لقصورٍ في إسلامهم ، وإنما السبب الحقيقي والجوهري هو أنهم نسوا إسلامهم ، وتخلّوا عن المبادئ الأساسية فيه والتي تدعو إلى العمل والنظر والبحث والتأمل ، هذه المبادئ التي جعلت الإنسان سيّداً للكون ، وجعلت الكون مسخراً للإنسان ، تخلّى المسلمون عن هذه الرسالة التي شرّفهم الله عز وجل بها ، وانهمكوا في خلافاتهم ونزاعاتهم فسلّط الله عز وجل عليهم أعداءهم ، وهذه سنة إلهية تنطبق على كل الأمم التي تتخلّى عن رسالتها التي أكرمها الله جل شأنه بها من بين الأمم .
أضف إلى ذلك الحملات الاستعمارية الهمجية المتتالية التي تقضي على صحوة المسلمين في كل مرة . فالغـزو التتاري الذي دمر بغداد وكثيراً من البلدان الإسلامية ، وألقى المكتبات في دجلة ، وأحرق المدن ، وأباد المسلمين ، وأتى على كل مظاهر المدنية ، ساهم كثيراً في تأخر المسلمين وضياع كثير من تراثهم الذي لو كان اليوم موجوداً لكان للمسلمين وضع آخر في العالم اليوم . والغزو الصليبي الذي لا يزال مستمراً إلى اليوم بأشكال مختلفة ، وصور متنوعة ، ليحول بين المسلمين وأسباب نهضتهم حتى لا يعودوا مرة أخرى لقيادة العالم والإنسانية من جديد .
والخلاصة :أن النهضة الأوربية الحديثة إنما قامت على جهود جبارة لعلماء المسلمين نقلت إلى الغرب ، وقد أكد ذلك الدكتور فؤاد سزكين ، إذ يشير إلى أنه كانت في القرن الرابع عشر مدارس للترجمة في طرابزون على الساحل الشرقي للبحر الأسود وفي استنبول أيضاً ، كان أصحاب هذه المدارس يترجمون أحدث الكتب المؤلفة في العالم الإسلامي إلى اليونانية بدافع من غيرتهم الدينية لمساعدة إخوانهـم في أوربا ، لذلك فهو يقول : " وكلما أمعن الإنسان النظر في دراسة المصادر الأصلية للنهضة الأوربية ازداد تصوره أن هذه النهضة المزعومة أشبه ما تكون بالولد نُسب إلى غير أبيه الحقيقي "(48)
مع محبتي
عبدالرحيم الشريف
[email protected]
[1] : المنطق الحديث ومناهج البحث د. محمود قاسم ص 38 وأضيف : واستخدمه أبو بكر الرازي ، وجابر بن حيان ، وابن الهيثم والبيروني قبل جاليلو وتورشيلي وغيرهم . كما سنشير .
[2] : السابق ص 38 .
[3] : انظر مناهج البحث في العلوم الإسلامية د . مصطفى حلمي ص 57 .
[4] : انظر لزيغريد هونكه " شمس الله تسطع على الغرب " ص 401 – ترجمة فاروق بيضون – دار الجيل – بيروت – الطبعة الثامنة .
[5] انظر زيغريد هونكه ص 334 .
[6] : مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي فرانتز روزنتال ص 15 .
[7] أبو بكر الرازي محمد بن زكريا الرازي أبو بكر فيلسوف من الأئمة في صناعة الطب من أهل الري ولد وتعلم بها سنة 251 هـ وسافر إلى بغداد بعد سن الثلاثين يسميه كتاب اللاتينية " رازيس " أولع بالموسيقى والغناء ونظم الشعر ، واشتغل بالسيمياء والكيمياء ثم عكف عن الطب والفلسفة في كبره فنبغ واشتهر عمي في آخر عمره ومات ببغداد سنة 311 هـ وفي سنة وفاته خلاف له تصانيف سمى ابن أبي أصيبعة منها 232 كتاباً ورسالة منها : " الحاوي " في الطب وهو من أجل كتبه ترجم إلى اللاتينية وطبع فيها وله كتب كثيرة . انظر الأعلام للزركلي ص 364 / مجلد 3 جزء 6 وانظر الفهرست لابن النديم ص 415 .
[8] : السابق ص 176 .
[9] محمد بن الحسن ابن الهيثم مهندس من أهل البصرة ولد عام 354 هـ سكن في مصر واستوطن فيها على باب الجامع الأزهر فانقطع للتصنيف والإفادة إلى أن توفي عام 430 هـ له تصانيف في الهندسة وترجمت بعض مصنفاته إلى الألمانية مثل كيفية الإظلال والمرايا المحرقة . انظر الأعلام ص 83 ، 84 / مجلد 3 جزء 6 .
[10] : مصطفى نظيف الحسن ابن الهيثم ص 33 .
[11] : السابق الصفحة نفسها .
[12] : السابق ص 37 .
[13] : مناهج البحث في العلوم الإسلامية مصطفى حلمي ص 76 .
[14] : السابق نفسه .
[15] : السابق ص 77 .
[16] : تاريخ العلوم عند العرب – قدري طوقان ص 188 .
[17] : مناهج البحث في العلوم الإسلامية د . مصطفى حلمي ص 79 .
[18] : مصطفى حلمي مناهج البحث في العلوم الإسلامية ص 80 .
[19] : قدري طوقان تاريخ العلوم عند العرب ص 350 وما بعدها .
[20]: السابق ص 195 .
[21] : مصطفى حلمي مناهج البحث في العلوم الإسلامية ص 80 .
[22] محمد ابن أحمد أبو الريحان البيروني الخوارزمي فيلسوف رياضي مؤرخ من أهل خوارزم ولد سنة 362هـ أقام في الهند عدد من السنين ومات في بلده سنة 440 هـ صنف كتباً كثيرة متقنة منها : " الآثار الباقية عن القرون الخالية " ترجم إلى الإنجليزية والاستيعاب في صنعة الإسطرلاب والجماهر في معرفة الجواهر وتاريخ الأمم الشرقية والقانون المسعودي وتاريخ الهند وهذا الأخير ترجم إلى الإنجليزية في مجلدين .
[23] : العقاد أثر العرب في الحضارة الأوربية ص 40 الهيئة المصرية العامة للكتاب .
[24] انظر زيغريد هونكه ص 153 .
[25] : انظر لزيغريد هونكه " شمس الله تسطع على الغرب " ص 316 و 271 ومناهج البحث للدكتور مصطفى حلمي ص 81 .
[26] : جلال مظهر – علوم المسلمين أساس التقدم العلمي الحديث ص 32 – الهيئة العامة للتأليف والنشر 1970
[27] : البحث العلمي منهجاً وتطبيقاً – عبد اللطيف العبد ص 105 – وراجع ابن أبي أصيبعة عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص 419 – نزار رضا 1965 – بيروت
[28] : البحث العلمي – العبد ص 107 .
[29] : انظر مدخل إلى علم المنهج د : حامد طاهر ص 55 .
[30] انظر زيغريد هونكه ص 262 .
[31] انظر شمس الله تسطع على الغرب ص 273 ، 274 ، 275 وللعقاد أثر العرب ص 35 وراجع أيضاً لأبي الفتوح التوانسي من أعلام الطب العربي ص 43 .
[32] : مصطفى حلمي مناهج ص 85 .
[33] : العقاد أثر العرب ص 37 .
[34] : مصطفى حلمي : مناهج ص 85 .
[35] : من روائع حضارتنا ص 142 مصطفى السباعي – المكتب الإسلامي – دمشق – بيروت 1977 . م
[36] : غوستاف لوبون – حضارة العرب ص 494 ترجمة عادل زعيتر – طبعة الحلبي بالقاهرة 1956 . م
[37] انظر لزيغريد هونكه شمس الله ص 280 .
[38] جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي أبو موسى فيلسوف كيميائي كان يعرف بالصوفي من أهل الكوفة له تصانيف كثيرة بلغ عددها 232 كتاباً وقيل بلغت خمسمائة ضاع أكثرها وترجم بعض ما بقي منها إلى اللاتينية قال برتلو : لجابر في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق . توفي في طوس سنة 200 هـ . انظر الأعلام ص 90 / جزء 2 مجلد 1 .
[39] : نقلاً عن منهج البحث عند العرب في مجال العلوم الطبيعية والكونية للدكتور جلال محمد عبد الحميد موسى ص 125 – دار الكتاب اللبناني 1972 .
[40] : السابق ص 126 – وانظر أيضاً زكي نجيب محمود – جابر بن حيان ص 58 .
[41] : في تراثنا العلمي والإسلامي – توفيق الطويل ص 18 .
[42] : الشفاء لابن سينا جزء 2 ص 248 وانظر أيضاً المباحث للرازي جزء 2 ص 308 .
[43] : المباحث للرازي ص 173 / 2 .
[44] : الحيوان للجاحظ ص 106 / 4 .
[45] : مناهج . مصطفى حلمي ص 7 1967 .
[46] : تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك المقدمة ص 9 الناشر دار القلم بالقاهرة 1963 م .
[47] : تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه لعبد الحليم منتصر ص 9 5 طبعة دار المعارف 1967 .
[48] : منار الإسلام – العدد الثامن – شعبان 1400 هـ يونيو 1980 م مقال لفؤاد سزكين .
القلب الحزين
14-12-2013, 08:36 PM
تحرير الفكرة في حديث الفأرة
بقلم الأستاذ الدكتور كارم السيد غنيم
أستاذ في جامعة الأزهر ـ مصر
هذا حديث صحيح من الأحاديث التي ردها البعض وأنكرها، أو سخر منها بعض الجهلاء، أو استهجنها من لا علم له، إنه حديث صحيح أورده البخاري في جامعه الصحيح، والترمذي والنسائي في سننيهما، كما ورد في مسند أبي داود وفي موطأ مالك، بروايات متقاربة.
والحديث بلفظ أبي داود، كما أورده في كتابه الأطعمة (باب: في الفأرة تقع في السمن) ـ هو : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا وقعت الفأرة في السمن، فإن كان جامداً فألقوه وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوها).
ولقد ناقش د/عبد البديع زللي[1]هذا الموضوع، وألقى بعض الضوء على وجه الإعجاز العلمي في هذا الحديث النبوي، في مقالة مطولة، نلخص ما توصل إليه في السطور القليلة القادمة.
بدايةً يقرر التاريخ أن الإنسان لم يعرف شيئاً عن وجود الميكروبات أو الكائنات الحية الدقيقة، عموماً، إلا فيما بعد عام 1857م .. ومنذ ذلك التاريخ والأبحاث تتوالى في جوانب مختلفة من هذا العالم الغامض المثير المدهش. واستطاع العلماء أن يهيئوا أوساطاً غذائية للكائنات الحية الدقيقة في المعامل والمختبرات من أجل دراسة هذه الكائنات وعزلها وتصنيفها وتحديد أنواعها.
ومن أشهر الأوساط الغذائية قسمان: أوساط مائعة وأوساط صلبة، وهذه الأخيرة هي كالأولى ولكن بعد مادة (آجار) التي تعمل على تصلب المائع(أو السائل) تصلباً بسيطاً وتجعله كالجيلى (الذي يسيل بالتسخين ويتصلب بالتبريد).
تتكاثر البكتريا وتنمو بوفرة وتنتشر في جميع أجزاء الأوساط الغذائية السائلة، ولكنها تعجز عن الانتشار في الأوساط الغذائية الصلبة وتظل باقية محبوسة في المكان الذي وقعت فيه، ولا تنتشر في أرجاء هذا الوسط الغذائي الصلب.
وبالرغم من أن الإسلام حضَّ المسلم على حفظ صحته وحمايتها مما يضَّر بها، ومن هذه الأضرار ما تسببه الفئران من أخطار حتى كانت الفأرة من ضمن الفواسق التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلها في الحل والحرم، وقد وردت الأحاديث النبوية في هذا بصحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن النسائي وموطأ مالك وسنن الدارمي.. فإن الحديث النبوي الصحيح عنها إلا حديثاً، وهي أن البكتريا الممرضة الموجودة في جسم الفأرة يكون احتمال انتشارها إلى جميع أرجاء السمن وارداً عندما يكون السمن مائعاً، أي حينما يكون وسطاً غذائياً سائلاً.
ولذلك كان النهي عن الاقتراب من هذا السمن بأية طريقة( فلا تقربوه)، لأن البكتريا التي أصابها السمن المائع بعد انتقالها إليه من جسم الفأرة، قد تكاثرت وتضاعفت أعدادها كثيراً، مما يجعل هذا السمن بؤرة فاسدة مكتظة بأعداد ضخمة من البكتريا الممرضة، ولذلك فإن إدخال اليد في السمن أو لمسه، يّعدُّ سبباً لنقل البكتريا الممرضة إلى جسم الإنسان، ولذلك جاء الهدي النبوي بالأمر بعدم الاقتراب من هذا السمن.
أما إذا كان السمن جامداً ووقعت فيه فأرة ثم تركته، أو حتى ماتت فيه، فإن البكتريا المنتقلة من الفأرة إلى السمن لا تلوث جميع أرجائه، بل الطبقة المحيطة بالفأرة، ولذلك جاء الحديث النبوي بإلقاء الفأرة وما حولها من طبقة السمن إلى خارج الإناء، وجواز استعمال بقية السمن..!!
هكذا يتضح بعض ما ينطوي عليه هذا الحديث النبوي الصحيح من إعجاز علمي، وإن كان يحتوي المزيد الذي يكشف عنه العلماء مع تطور علومهم وارتفاع معارفهم، وهكذا يظل الحديث النبوي، عموماً، كالآيات القرآنية، يتوالى عطاؤها العلمي على مرِّ الزمان، فإذا بالمنكر أو المتردد يرى سخف رأيه وضلاله في ردَّ الأحاديث النبوية التي عجز علقه عن فهمها فهماً سليماً.
[1] د/عبد البديع حمزة زللي: إعجازات نبوية متجددة. مجلة المنهل (السعودية) 1999م.
القلب الحزين
14-12-2013, 08:39 PM
شبهات حول القصص القرآني
إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
نص الشبهة حرفياً:
" أثناء تجوالي في الإنترنت، وقعت على موقع إسلامي يسمي نفسه باسم " الإعجاز العلمي في القرآن " وكان يعرض المعجزة العلمية في قوله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاماً، فكسونا العظام لحما سورة المؤمنون،12 ـ14.
ومن أجل التفسير العلمي الأكاديمي، الذي لا يقبل الشك، فقد استقدم الموقع (أحد أكبر أساتذة علم الأجنة من أمريكا) والذي تقول الرواية، أنه " ذُهل " عندما علم أن هذه الحقائق العلمية كانت معروفة عند المسلمين في القرن السابع الميلادي ؟!
ثم تقول الرواية أن الرجل قد أعلن إسلامه ! ونحن نرحب بإسلام الرجل، ولكن هذا لن يمنعنا أن نقول: أنه إذا كان عالماً في علم الأجنة، فإنه والحق يقال، جاهل كبير في تاريخ هذا العلم خاصة، وفي التاريخ عامة. فعلم الأجنة كان قد تطور إلى درجة عالية على يد خبراء التحنيط في مصر القديمة، فيما نشر أبيقور[1]كتابان، أحدهما بعنوان (طفل السبعة أشهر) والآخر بعنوان (طفل التسعة أشهر) بل وأكثر من ذلك فإنه نشر دليلا للجراحين عن (تفكيك الجنين في الرحم) وقد شاعت هذه الأعمال بين أطباء الشرق القديم.
أما مكتبة الإسكندرية العظيمة فقد كانت تحتوي على فرع خاص بعلم الأجنة وأمراض الحمل والولادة.
والواقع أن النص القرآني (الذي حمله الفقهاء أكثر مما أراد الله نفسه) لم يورد أية معلومة جديدة، بل خاطب الناس بالمعلومات المتوافرة في عصرهم، ليبين لهم قدرة الله، وليس ليمنحهم معلومات في علم الأجنة، فمعلومة أن الجنين يوجد كاملا في نطفة الرجل، معلومة معروفة منذ زمن التوراة، وقد وردت في سفر أيوب على النحو التالي: (ألم تصبني كاللبن، وخثرتني كالجبن، كسوتني جلداً ولحما، فنسجتني بعظام وعصب[2]، سفر أيوب 10/12 ".
الجواب:[3]
1. كانت أقوى النظريات العلمية حول نشوء الجنين هي نظرية الجنين القزم، كما تنبت الشجرة الصغيرة إلى أن تكبر. وتنازع في شأنها العلماء: هل الإنسان يوجد كاملاً في الحيوان المنوي للرجل، أم كاملاً في دم حيض المرأة المنعقد ؟
فبحسب الأولى: الجنين يكون جاهزاً في الحيوان المنوي، ولكنه صغير الحجم، لا ينمو إلا في تربة خصبة (الرحم).
أما الثانية: الجنين يتخلق من دم الحيض، ثم يقوم المني بعقده. كما تفعل الأنفحة بالحليب (اللبن)، فتعقده وتحوله إلى جبن.. فليس للمني دور، سوى أنه ساعد كمساعدة الأنفحة للحليب في صنع الجبن.
ولم يقل أحد من علماء الغرب الموثوق بعلمهم، إن الجنين ناتج عن التقاء الحيوان المنوي للرجل مع بويضة المرأة قبل سنة 1775م. وتم تأكيد هذه النظرية في بداية القرن العشرين عند اكتشاف الكروموسومات.
بينما القرآن الكريم سبق إلى تقرير ذلك، بأن أكد أن الجنين يتكون بسبب النطفة الأمشاج (المختلطة) بين نطفة الرجل، وبويضة المرأة. قال تعالى: " إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا " [الإنسان: 2]. وبيَّن أنه ينتقل من طور إلى طور: " مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا " [نوح: 13، 14].ولم يكن جنيناً قزماً كما اشتهر في الزمن الماضي ـ وخاصة وقت نزول القرآن الكريم وبعده بمئات السنين[4] ـ.
2. كما أن القرآن الكريم يبين أن نطفة الرجل هي من تقرر جنس الجنين: " وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى " [النجم: 45، 46].
وهذا لم يُعرف إلا بعد اكتشاف المجهر الإلكتروني في بداية القرن العشرين.
3. وأشار القرآن الكريم إلى أن غدد الذكر الجنسية المنتجة للخصيتين تنشأ من منطقة الظهر: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.. " [الأعراف: 172].
4. دقة وصف وترتيب كل مرحلة من مراحل خلق الجنين: النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة، ثم العظام، ثم كسو اللحم (العضلات)، ثم الإنشاء خلقاً آخر، ثم المخاض.[5]
أين هذا الإعجاز الفريد مما جاء من تخيلات في كتب الأقدمين ؟!
[1] الفيلسوف أبيقور اليوناني 343 – 270 ق.م. ولد في أثينا في اليونان، وقد اختلف الكتَّاب في أفكاره وحياته الخاصة، فبعض الكتَّاب المتأخرين يصف حياته بالحياة المنعمة اللاأخلاقية، لكن بعضهم يقول بأن كل خطاباته تدل على أنه كان متواضعاً في طعامه، وأن مفهوم اللذة عنده لا يقصد به الإباحية الأخلاقية أو ما شابه ذلك من مفاهيم. انظر: الموسوعة الميسرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ص823 مذهب اللذة.
[2] بل العكس تماماً، هو الذي حمل هذا النص أكثر مما يحتمل، فذلك التشبيه يخالف المقرر في العلم الحديث كما سيتبين.
[3] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص98-130.
[4] قال ابن حجر في مقدمة شرحه لكتاب القدر في صحيح البخاري: " وزعم كثير من أهل التشريح: أن مني الرجل لا أثر له في الولد، إلا في عقده. وأنه إنما يتكون من دم الحيض، وأحاديث الباب تبطل ذلك ". انظر: فتح الباري13/311.
قلت: من هنا يتبين أن علماء الإسلام يقدمون الثابت من النصوص، على الظني من النظريات العلمية. كما يدل على قوة رأي علماء التشريح ـ في ذلك الزمان ـ الذين قالوا بنظرية الجنين القزم. وقوة ذلك الرأي، لم تمنع ابن حجر ـ رحمه الله ـ من تقديم النص القطعي على النظرية العلمية الظنية.. وفي ذلك درس بليغ لمن يتصدى للبحث في الإعجاز العلمي.
[5] كل ما سبق وغيره مما ذكره علماء الإعجاز العلمي من سبق القرآن الكريم في وصف مراحل خلق الإنسان بدقة، وهو معروف مشتهر. أما عن الإعجاز العلمي في المخاض. فهو في قوله تعالى في سورة مريم: " فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا24وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا25فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا.. 26 ". فقد ثبت علمياً أن للتمر فوائد في عملية الولادة لاحتوائه على الألياف المانعة للإمساك مما يسهل الولادة، وغناه بالبوتاسيوم المفيد لعضلات الرحم، والحديد المانع لفقر الدم الناتج عن المخاض، ووجود مادة تشبه هرمون Oxytocn الذي يزيد تقلصات وانقباضات عضلة الرحم عند الولادة...
القلب الحزين
14-12-2013, 08:40 PM
المَلام لمَن أخطأَ في حقّ يونس عليه السلام
بقلم المهندس مراد عبد الوهاب الشوابكه
من المشاكل التي يواجهها المسلمون اليوم هي هجر القرءان الكريم، فلا تكاد تركب في حافلة أو تدخل في سوق إلا وتجد أصوات الأغاني الماجنة تتعالى في كل مكان كأنّها أصوات الشياطين، وقلّما تسمع فيها القرءان، وكأن القرءان الكريم قد أُنزِلَ فقط على أهل مكّة ولا ينبغي لك أن تسمعه إلا في المسجد، فلا غرابة إذن أن نجد من بين أبناء المجتمع الإسلامي وسط هذه الأجواء الصاخبة بما لا يرضي الله عزّ وجلّ من لا يكاد يفهم القرءان، فقد تبدّلت لغتهم القرآنية الفصيحة بكلمات ماجنة ركيكة طغت على القلوب الصحيحة فأشربتها بحب الشهوات وأبعدتهم عن فهم كلام ربّ الأرض والسماوات.
وأرجوكم أن تعذروني على هذا الكلام، ولكنها الحقيقة التي لن نجد عن قولها مصرفاً، لأنها داءٌ عضال استشرى في جسد الأمة حتى أردى بأبنائها الضِعاف في مهالك الشبهات والفهم الخاطئ لكلام الله عزّ وجل، واليوم سنتحدّث إليكم حول تصحيح خطأ فاحش وقع فيه الكثيرون من الذين إضيَقَّت مداركهم اللغوية حتى وصل بهم الحال إلى القول بأنّ يونس عليه السلام قد شكَّ في قدرة الله عليه (حاشا لله) ولكن هؤلاء للأسف اكتفوا بظاهر القرءان ولم يفهموا معناه ولم يقرؤوا التفاسير لذا جاءت هذه المقالة بعد ما سمعت من بعضهم هذا الفهم الخاطئ.
يونس بن متّى عليه السلام " ذو النون ":
هو أحد أنبياء الله عزّ وجلّ الذين ورد ذكرهم في القرءان الكريم لمقصد عظيم هدفه شحذ همم الدعاة إلى الله تعالى وتحذيرهم من مغبّة الوقوع في اليأس من الدعوة إليه لأن مفاتيح القلوب بيد الله عز وجل وما عليك إلا البلاغ المبين فلعلك مع كثرة الدعاء والبلاغ توافق لحظة صفاء فطرة عند من تدعو فيكون ذلك سببا لهدايته وصلاحه .
أما سيدنا يونس عليه السلام فقد أرسله الله إلى أهل نينوى ليدعوهم إلى عبادة الله عز وجل، وترك ما يدعون من دونه، فما كان جواب قومه إلا أن كذّبوا دعوته وأصرّوا على كفرهم، فلمّا رأى هذا العناد والكفر تركهم مغاضباً، فركب البحر، حتى إذا ماجت السفينة بمن فيها ألقي بيونس عليه السلام بعد أن إستهموا عليه فابتلعه الحوت في بطنه وضيَّق عليه في جوفه فنادى في الظلمات أن لا اله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين، فنجّاه الله عز وجل مما فيه.
أمّا الخطأ الفاحش الذي وقع فيه البعض فهو قولهم بأن سيدنا يونس عليه السلام كان لديه شكّ في قدرة الله عزّ وجلّ ونسوا بذلك أنهم بمقولتهم هذه قد أخرجوه من دائرة الإيمان إلى الكفر، وهذا ما لا ينبغي أن يقال عن مؤمن عاديّ، فكيف يرضونه لنبي كريم ؟
وسبب هذا القول هو عدم فهم الآية 87 من سورة الأنبياء كما ينبغي :
بسم الله الرحمن الرحيم
" وذَا النُّونِ إذ ذَّهَبَ مُغاضِباً فظَنَّ أن لَّن نَّقدِرَ عَليهِ فَنَادَى فِي الظُّلمَاتِ أن
لآ إله إلا أنت سُبْحَانكَ إنّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينْ "
صدق الله العظيم
أمّا قول الله عز وجل" فظَنَّ أن لَّن نَّقدِرَ عَليهِ " ليس بمعنى أنّ يونس عليه السلام قد شكّ في قدرة الله عليه، إذ يستوجب ذلك منّا أن نحيط بمعاني كلمة نَّقدِرَ اللغوية :
من المعجم الوسيط :
بإرجاع كلمة نَّقدِرَ إلى أصلها الثلاثي قَدَرَ ، نجد :
قَدَرَ اللهُ على فلان : معناها ضَّيَقَ عليه و وابتلاه ، وفي التنزيل العزيز :
" وأمّا إذا ما ابتلاه فَقَدَرَعليه رزقه "
فالقدر إذن هو وقوع البلاء من الله عز وجل على الإنسان نتيجة تقصيرٍ بَدَرَ منهُ ، أما إذا لم يدرك هذا الشخص وقوعه في المحظور فربّما يتبادر إلى ذهنه ويظن بأن الله لن يعاقبه على فعلته ولن يقدر عليه ـ لن يعاقبه ويبتليه ـ وهذا تماما ما حصل مع يونس عليه السلام إذ أنّه بعد ما ترك دعوة قومه ظنّ أن الله لن يبتليه لكن الله ضيّق عليه بطن الحوت .
وختاماً نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في الدين ويجعلنا من الذين يتدبرون القرءان ويقيمون حروفه وحدوده ، وأن نكون ممن حسّنوا ظَنّهم بالله وأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام .
مع تحيّات م.مراد عبد الوهاب الشوابكه
[email protected] (
[email protected])
المصادر والمراجع :
(1) القرءان الكريم
(2) تفسير القرءان العظيم للإمام الحافظ ابن كثير
(3) في ظلال القرءان – سيّد قطب
(4) المعجم الوسيط – الجزء الثاني – ط3
القلب الحزين
14-12-2013, 08:42 PM
شبهة كثرة الأخطاء النحوية في القرآن الكريم
بقلم الدكتور عبد الرحيم الشريف
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن
من كان يتصور أن تصل الجرأة بالأعاجم، أن يصفوا القرآن الكريم بأنه كتاب مليء بالأخطاء اللغوية ؟!
ورد في صفحة (أكذوبة الإعجاز العلمي) تحت عنوان " أخطاء لغوية ": " يرتكز الأعجاز القرآني بصورة رئيسية على فصاحته وبلاغته أي (لغته). ولقد وضعوا العرب(1)قبل الإسلام قواعد وأسسا للفصاحة والبلاغة والنطق، تعتبر هي المقياس الرئيسي في تمييز الكلام البليغ من غيره. وعلى هذه القواعد والأسس يجب أن تقاس النصوص.
الحال مع المسلمين مختلف تماما، لأنهم قلبوا القاعدة حين جعلوا القران هو القياس الذي يتحكم في صحة وخطاء[يقصد: خطأ!!] قواعد اللغة كان يجب على المسلمين ان يجعلوا من هذه القواعد مقياسا يحكموا به على القران وليس العكس كما هو حاصل وبالرغم من ذلك نجد في القرآن بعض الآيات التي لا تنسجم مع هذه القواعد(2)بل تخالفها الأمر الذي يدعونا إلى القول بأن القرآن ليس معجزاً لانه لم يسر على نهج القواعد العربية وأصولها ".
وعللت صفحة (تعليقات على الإسلام) سبب كثرة الأخطاء اللغوية في القرآن الكريم؛ لتحريف الحجاج بن يوسف الثقفي، لا سيما وأنه كان مدرساً للغة العربية.(3)
وقد ذكرت الأخطاء النحوية المزعومة في صفحة (أكذوبة الإعجاز العلمي) ونقلتها عنها حرفياً صفحة (هل القرآن معصوم ؟) تحت عنوان "الجزء الخامس: أسئلة لغوية ". كما أخذت صفحة (تعليقات على القرآن) بعضاً منها، وزادت القليل، ووضعتها تحت عنوان "في القرآن أخطاء لغوية ". وذكرت صفحة (قراءة نقدية للإسلام) قليلاً منها مبتدئة بعبارة: " وهناك كذلك أخطاء نحوية، في كثير من آيات القرآن ".
أما صاحب صفحة (تساؤلات حول القرآن)، فقد أثار عدداً آخر من الشبهات المأخوذة عن سلفه، وبدوره قام صاحب صفحة (الإعجاز اللغوي في القرآن) بالتكرار الحرفي عنه !!
والأخطاء النحوية والصرفية، المدعاة على القرآن الكريم في مواقع الإنترنت غير الإسلامية، هي:
1. سورة البقرة:
أ. قوله تعالى: )مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ(17)(. جعل الضمير العائد على المفرد جمعاً.
الجواب: التقدير: (كالذي استوقد ناراً...) وحَّد (الذي) و(استوقد)؛ لأن المستوقد واحد من جماعة تولى الإيقاد لهم، فلما ذهب الضوء رجع عليهم جميعاً.
ومن روعة الإعجاز البياني في القرآن الكريم، أنه "جمع الضمير في قوله )بِنُوْرِهِمْ(مع كونه بلصق الضمير المفرد في قوله )مَا حَوْلَهُ(مراعاة للحال المشبه وهي حال المنافقين ـ لا للحال المشبه بها وهي حال المستوقد الواحد ـ على وجه بديع في الرجوع إلى الغرض الأصلي.. فهذا إيجاز بديع. وكأنه قائل: ( فلما أضاءت ذهب الله بناره، فكذلك يذهب الله بنورهم ـ بصرهم ـ )، وهي أسلوب لا عهد للعرب بمثله، فهو من أساليب الإعجاز ".(4)
ويجوز أن نقول: المقصود بالذي في الآية ليس الشخص، إنما هي تدل على الفريق. ولهذا يُقال: "الفريق الذي "فعل كذا، ولا يقال: "الفريق الذين ".
ب. قوله تعالى: ).. قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(124)(. كان يجب أن يرفع الفاعل.
الجواب: إعراب النص كاملا كما يلي:
قالَ: فعل ماضٍ مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر تقديره هو ويرجع إلى رب العزة سبحانه.
لا: حرف نفي لا محل له من الإعراب.
ينالُ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
عهد: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، وهو مضاف.
الياء: ضمير متصل مبني على السكون، في محل جر مضاف إليه.
الظالمين: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.(5)
العهد هو الذي ينال الظالمين، والعهدُ صادر عن الله جل جلاله.
فلا ينالُ الظالمَ عهدُهُ.(6)
ج. قوله تعالى: )لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ(177)(.
أولاً )الْبِرَّ(: أتى باسم بالمصدر بدلاً من اسم الفاعل (البَارَّ) عطفاً على (آمن).
الجواب: كلمة )آمَنَ(فعل ماضٍ وليس اسم فاعل كما زعم، إنما اسم الفاعل (مؤمن) وهذا دليل جهله ببدهيات اللغة.
البر: اسم جامع لمعاني الخير.. والتقدير (ولكنَّ البرَ بِرُ مَنْ آمن) فحذف المضاف، ويجوز أن يُحذَف ما عُلم من مضاف أو مضاف إليه. فإن كان المحذوف المضاف، فالغالب أن يخلفه في إعرابه المضاف إليه.(7)
ثانياً: )وَالصَّابِرِينَ(: نصَبَ المعطوف على المرفوع (الأصح: وَالصَّابِروْنَ).
الجواب: )المُوْفُوْن(معطوفة على: )مَنْ(، لأن ) مَنْ(هنا اسم موصول يفيد الجمع في محل رفع، كأنه قال: (لكن البر المؤمنون الموفون).(8)
و)الصَّابِرِيْنَ(نصب على المدح، (تقديره: وأخص الصابرين) فالعرب تنصب على المدح وعلى الذم كأنهم يريدون بذلك إفراد الممدوح أو المذموم.
وتغاير أسلوب الكلام بالنصب بعد الرفع رغم العطف؛ للفت انتباه السامع، فهو من البلاغة المحمودة.
2. سورة النساء: قوله تعالى: )لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا(162)(. نصَبَ المعطوف على المرفوع.
الجواب: )وَالمُقِيْمِيْنَ(منصوب على المدح، أي أخصُّ وأعني: المقيمين الصلاة.(9) (مثل )الصَّابِرِيْن(في سورة البقرة).
وهذا يُسمّى القطع، والقطع يكون في: الصفات أو العطف ـ إذا كان من باب الصفات ـ.. والقطع يكون للأمر المهم، كما في قوله تعالى )أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ([التوبة: 3] عطف على اسم.
أما القطع في الصفات يكون مع المرفوع للمنصوب، ومع المنصوب للمرفوع، ومع المجرور للمرفوع. والآية ـ موضع الشبهة ـ هي من القطع يقطع من الصفات؛ لأهمية المقطوع، والمقطوع يكون مفعولاً به، بمعنى: أخُصُّ ـ أو أمدح ـ ويسمى مقطوعاً على المدح أو الذم. وفي الآية السابقة كلمة: )المُقِيْمِيْن(مقطوعة وهي تعني: أخص ـ أو أمدح ـ المقيمين الصلاة.
وكأننا نسلّط الضوء على المقطوع، فالكلمة التي نريد أن نركّز عليها أو نسلّط عليها الضوء نقطعها.
أما لماذا جاءت )الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ(بالقطع، و)الْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ(معطوفة على الراسخون في العلم؟
لأن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة عبادتان ظاهرتان في الآية وردتا بين عقيدة (والمؤمنون يؤمنون، والمؤمنون بالله واليوم والآخر). وإقامة الصلاة هي الأمثل والأولى؛ فركّز عليها.(10)
3. سورة المائدة:
أ. قوله تعالى: )وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ..(38)(. الصواب: يديهما.
الجواب: كل شيء يوجد من خلق الإنسان وكان جزءاً منه، إذا أضيف إلى اثنين، جُمع. تقول: هشمت رؤوسهما، وأشبعت بطونهما.(11)
ب: قوله تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ(69)(. رَفعَ المعطوف على اسم إن.
الجواب: الصابئون هم أبعد المذكورين عن الإيمان. رفع كلمة الصابئون، للدلالة على أنهم أبعد المذكورين في الضلال ولأنهم أقلّ منزلة ـ الكلمة غير خاضعة للتوكيد بـ (إن) ـ وكأن اليهود والنصارى لأنهم أهل كتاب عطفهم على اسم إنّ (التي تفيد التوكيد). وكلمة الصابئون تُعرب على أنها مبتدأ. وقد تكون اعتراضية وخبرها محذوف بمعنى (والصابئون كذلك)، أما كلمة النصارى فهي معطوفة على ما قبلها.(12)
الهوامش:
-------------------
) سبحان الله العظيم، إن لله عز وجل لآيات فيمن يحاول الطعن في كتابه المعجز !! انظر إلى لغة من شمر عن يديه، متباهياً باكتشاف أخطاء لغوية في الكتاب الذي لا يأتيه الباطل ؟!
2) لم يسمِّ واحداً من واضعي قواعد النحو الجاهليين، وهل عاش أبو الأسود الدؤلي وسيبويه والخليل.. قبل نزول القرآن الكريم؟!
3) هذا من أعاجيبهم، فالأصل أن يكون علمه باللغة العربية عاصماً من الأخطاء المزعومة !! بل قال أبو عمرو بن العلاء: " ما رأيت أفصح منه [أي:الحجاج] ومن الحسن البصري ". انظر: البداية والنهاية، ابن كثير 9/119. ومن يتتبع خطبه يتبين له ذلك.
كما تجب الإشارة إلى أن مهنة تعليم الصبيان كانت في زمن الحجاج، حكراً على سادة القوم، وعلمائهم، ودليل عز وجاه ومركز علمي واجتماعي لا يناله كل أحد.. فلم تكن حرفة يُعتاش بها كزماننا. انظر: مقدمة ابن خلدون، ص29.
4) انظر: الجامع لأحكام القرن، القرطبي 1/212. والتحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور 1/308. وذكر القرطبي أن لفظ (الذي) يستعمل للمفرد والجمع، وذكر البيت التالي:
وأن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
ونسبه ابن منظور للأشهب بن رميلة. انظر: لسان العرب 15/246 (لذا). وذكره شاهداً على أن العرب قد تستعمل:(الذي) للجمع.
5) انظر: إعراب القرآن وبيانه، محيي الدين درويش 1/168. والجدول في إعراب القرآن، محمود صافي 1/254.
6) تأويلات أهل السنة، أبو منصور الماتريدي، تحقيق: فاطمة الخمي 1/89.
7) انظر بَسْط هذه المسألة في: أوضح المسالك لابن هشام 3/149-150.
8) هذا قول الفراء والأخفش انظر تفسير القرطبي 2/240، وذكر الباقلاني في كتابه الانتصار للقرآن 2/554 وجوهاً أخرى. بينما أشار الآلوسي في روح المعاني إلى المعنى البلاغي فقال: " ولما أن في إقامة الصلاة على وجهها انتصاباً بين يدي الحق جل جلاله، وانقطاعاً عن السوى، وتوجهاً إلى المولى: كسى المقيمين حلة النصب؛ ليهون عليهم النصب وقطعهم عن التبعية.. ثم وصفهم بكونهم (مؤمنين) بالمبدأ والمعاد؛ تحقيقاً لحيازتهم الإيمان بقطريه، وإحاطتهم به من طرفيه، وتعريضاً بأن من عداهم من أهل الكتاب ".
9) هذا للتعظيم (تعظيم شأن الصلاة) انظر الجامع لأحكام القرآن، القرطبي 6/14 وذكر شواهد عليه من شعر العرب. وذكر الباقلاني في الانتصار للقرآن 2/555 وجوهاً أخرى في إعراب (المقيمين).
10) نقلاً عن موقع لمسات بيانية، للدكتور فاضل السامرائي على الرابط التالي:
http://www.islamiyyat.com/lamsat.htm
11) انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، 6/174.
12) انظر: الانتصار للقرآن، الباقلاني 2/556. وانظر تفصيل ذلك في موقع لمسات بيانيه، للدكتور فاضل السامرائي. وتكثر مواقع الإنترنت التنصيرية من الإشارة إلى قوله تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ( [البقرة: 62] للدلالة على التناقض مع لفظ (الصابئون) في آية الأعراف، وأيضاً تقديم الصابئين على النصارى، زاعمين أن خلطاً وتصحيفاً وقع على يد زيد بن ثابت رضي الله عنه أثناء جمع القرآن الكريم
القلب الحزين
14-12-2013, 08:43 PM
قولهم ليس في الإسلام نظام سياسي !
بقلم الأستاذ محمد شاكر الشريف
( يزعم الفكر العلماني أنه ليس في الإسلام نظام سياسي محدد ينبغي الالتزام به، وغاية ما هناك وجود بعض المبادئ العامة في مجال السياسة، ولست أعرف بالضبط متى ظهرت هذه المقولة، ولا أول من أشاعها على وجه التحديد، وإن كانت جذورها تمتد إلى كتاب (الإسلام وأصول الحكم) لعلي عبد الرازق؛ وذلك أنه قال عن نظام الحكم زمن النبي صلى الله عليه وسلم : إنه كان موضع غموض وإبهام وخفاء ولبس )
ذكر الأدلة على مجيء الإسلام بنظام سياسي:
لقد جاء الإسلام بنظام سياسي، وطلب من المسلمين الالتزام به دون ما سواه من الأنظمة السياسية، وعلى ذلك أدلة متعددة نوجزها فيما يلي:
أولاً: النصوص الشرعية ودلالتها على مجيء الإسلام بنظام سياسي محدد:جاءت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ببيان نظام الحكم (النظام السياسي) الذي ينبغي اتباعه والالتزام به؛ فبينت غايته وطبيعته وشكله، وأصل السلطة فيه، ومصدر الإلزام به، وصفات القائمين عليه، وواجباتهم وحقوقهم، ومكانة الأمة فيه، إلى غير ذلك من الأمور التي جاءت بها النصوص الشرعية أو دلت عليها، كما أعطته مصطلحاته الخاصة به التي تميزه عن غيره بحيث لا يشبه في ذلك نظاماً بشرياً سبقه، ولا يشبهه نظام بشري جاء بعده، فهو في ذلك متميز عن السابق واللاحق.
والنظام السياسي في الإسلام أو نظام الحكم هو الخلافة، والقائم عليه هو الخليفة، وقد يسمى الإمام، والأمير، وأمير المؤمنين، ومن النصوص التي جاءت في ذلك قوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) [البقرة:30] قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "وقد استدل القرطبي وغيره بهذه الآية على وجوب نصب الخليفة ليفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه فهو يقطع تنازعهم وينتصر لمظلومهم من ظالمهم، ويقيم الحدود ويزجر عن تعاطي الفواحش إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا تمكن إقامتها إلا بالإمام ،وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى) [ص:26].
فقوله تعالى :(فاحكم بين الناس بالحق( بعد قوله )إنا جعلناك خليفة) دليل على أن المراد بالخليفة هو الحاكم الذي يحكم بين الناس، وقد قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "هذه وصية من الله عز وجل لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنـزل من عنده تبارك وتعالى، ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيل الله"، وهذا يعني أيضاً أن المراد بالخليفة هو ولي الأمر أو الحاكم الذي يحكم بين الناس.
وقد ذكر ابن كثير أيضاً –في تفسير هذه الآية- أن الوليد بن عبدالملك أمير المؤمنين، سأل أبا زرعة أحد العلماء في زمانه قائلاً له: أيحاسب الخليفة؟ فرد عليه أبو زرعة وقال له: إن الله قد جمع لداود النبوة والخلافة ثم توعده في كتابه وتلا عليه قوله: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) الآية.
وفي قوله: "إن الله جمع لداود النبوة والخلافة" تأييد لما ذكرناه من المراد بلفظ الخليفة في الآيات السابقة.
أما الأحاديث فجاءت منها طائفة كثيرة منها:
1-قوله صلى الله عليه وسلم : "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول، أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم".
ففي هذا الحديث أن سياسة أمر الناس كانت في بني إسرائيل مناطة بالأنبياء، وأما في شريعتنا فإن سياسة أمر الناس –بعد الرسول صلى الله عليه وسلم - مناطة بالخليفة، إذ لا نبي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا يعني أن النظام السياسي هو النظام الذي يكون على الخليفة، وهو الخلافة، والخليفة هو الذي يسوس أمر الناس على مقتضى الشرع، لأنه قائم في مقام الأنبياء والأنبياء يسوسون الدنيا بالدين.
هذا وقد كثر في السنة استعمال لفظ (خليفة) للقائم على رأس الدولة الإسلامية.
2-قوله صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين..." الحديث.
3-قوله صلى الله عليه وسلم : "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما".
4-قوله صلى الله عليه وسلم : "لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش".
5-قوله صلى الله عليه وسلم : "يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده".
6-قوله صلى الله عليه وسلم : "ما بعث الله نبي ولا استخلف خليفة إلا كانت له بطانتان..." الحديث.
وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي وردت في هذا المعنى، وقد ورد أيضاً لفظ (إمام) ليدل على ما دل عليه لفظ (خليفة) فمن ذلك:
1-قوله صلى الله عليه وسلم : "ومن بايع إماماً، فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر".
2-وفي الحديث حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني وفيه "فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم: دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها... قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم..." الحديث.
3-قوله صلى الله عليه وسلم : "إنما الإمام جُنَّة يقاتل من ورائه، ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل كان له بذلك أجر، وإن أمر بغيره كان عليه منه".
4-قوله صلى الله عليه وسلم : "ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته..." الحديث.
إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا الباب.
وبما تقدم يعلم أيضاً أن لفظ (خليفة) ليس مما استحدثه المسلمون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يزعم بعض الكاتبين.
وإذا كانت تلك النصوص السابقة قد تناولت اسم القائم على ذلك النظام، فإن نصوصاً أخرى قد حددت اسم النظام وشكله، منها:
1-قوله صلى الله عليه وسلم : "خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك أو ملكه من يشاء".
2-قوله صلى الله عليه وسلم : "تكون النبوة فيكم ماشاء الله أن تكون ثم يرفعها الله تبارك وتعالى إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عضوضاً..." الحديث، وغير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا الشأن.
فهذه النصوص التي أوردناها –وهي قليل من كثير- تتحدث عن النظام السياسي في الإسلام، وتجعل له خصائصه المميزة، وتحدد له مفرداته ومصطلحاته الخاصة به؛ ليصبح لفظ (الخلافة) علماً على النظام السياسي في الإسلام، وإذا كان ذلك التحديد الذي ذكرناه إنما هو تحديد على مستوى (النظرية) فهيا بنا لننظر تحديد النظام السياسي على مستوى الواقع الفعلي.
ثانياً:الواقع الفعلي في عصر الرسالة، ودلالته على مجيء الإسلام بنظام سياسي بيِّن مفصل:
فنقول: من الحقائق التي لا يستطيع أحد أن ينكرها أنه على إثر ظهور الدعوة الإسلامية تكوّن مجتمع جديد له ذاتية مستقلة تميزه عن غيره، يعترف بقانون واحد، وتسير حياته وفقاً لنظام واحد، ويهدف إلى غايات مشتركة، وبين أفراده وشائج قوية من الجنس واللغة والدين، والشعور العام بالتضامن، ومثل هذا المجتمع الذي تتوفر فيه تلك العناصر، هو الذي يوصف بأنه سياسي، أو هو الذي يقال عنه إنه دولة فإنه لا يوجد أي تعريف لها غير أن تجتمع هذه الصفات كلها التي ذكرنا في مجتمع ما.
وحينئذ نتوجه بالسؤال التالي: هل أقام الإسلام دولة؟ فسيقولون: نعم –وخاصة أن الذين نناقشهم هنا ممن يقولون بأن الإسلام دين ودولة، أو أن الإسلام لا يفصل بين الدين والدولة-.
فنقول ترتيباً على ذلك: وهل كان لهذه الدولة حاكم يحكمها ويسوس الناس؛ فيسير أمور الدولة الداخلية والخارجية، ويقيم الحق بين الناس، وينشر بينهم الأمن، ويقسم بينهم الأموال التي أفاءها الله عليهم، ويعاقب الخارجين عن الشرع؛ فيقيم الحدود ويجاهد الأعداء، ويراسل حكام الدول الأخرى، ويعقد معهم الصلح أو الهدنة، ويسير الجيوش ويعين لها قيادتها، ويرسل الأمراء من قبله إلى البلاد أو النواحي الخاضعة لدولته، وغير ذلك من الأمور التي يباشرها حكام الدولة؟ فسيقولون –ولابد- نعم.
فنقول: -إكمالاً لما سبق- ومن أول حاكم لهذه الدولة التي أقامها؟ فسيقولون: هو محمد بن عبدالله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فنقول: ومن الذي خلفه في حكمها؟ فسيقولون: أصحابه أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم، وهم الخلفاء الراشدون الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين..." الحديث، وهم أيضاً من المبشرين بالجنة.
وحينئذ نتقدم بهذا السؤال: هل بقيت هذه المبادئ –التي تزعمون أن الإسلام جاء بها ولم يأت بنظام سياسي محدد ولم يتعرض لتفصيلاته- على إجمالها أو إطلاقها -بغير بيان ولا تفصيل؟! أم أنها وجدت السبيل إلى التنفيذ في أرض الواقع فترجمت تلك المبادئ المجملة غير المفصلة عندكم إلى خطوات تفصيلية تنفيذية في واقع حي مشاهد؟! ولابد من أن يقولوا: نعم؛ لأنه لا بديل لتلك الإجابة إلا القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده تركوا هذه المبادئ التي جاء بها الإسلام ولم يلتزموا بها، وأتوا بالتفصيلات الخاصة بنظام حكمهم بعيداً أو مخالفاً لتلك المبادئ، وهذا ما لا يجرؤ –بحمد الله- أحد ممن ينتسب إلى الإسلام ولم يجهر بعلمانيته أو كفره على التصريح به.
فإذا كان الجواب: نعم، وهو كذلك، فحينئذ نكمل السؤال السابق بالسؤال التالي: إذا كانت تلك المبادئ العامة، قد ترجمت إلى واقع حي مشاهد بما فيه من التفصيل والتحديد فما مدى حجة هذه الترجمة وإلزامها؟! أوليس عمل الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين من بعده بهذه المبادئ يُمثل النظام السياسي الإسلامي الذي أقامه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، أليست هذه السنة العملية ملزمة لنا شرعاً معاشر المسلمين الذين رضوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً مبلغاً عن الله دينه؟.
ألم يبعث الله رسوله ليبين للناس ما نُزل إليهم من ربهم (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزل إليهم)[النحل:44]، وإذا كانت تلك المبادئ منـزلة من عند الله، ألا يكون من واجب الرسول صلى الله عليه وسلم بيان هذه المبادئ بنص الآية السابقة؟، وهل يمكن أن يكون هناك بيان أتم وأكمل وأوضح للمبادئ العامة من بيان الرسول صلى الله عليه وسلم ؟! ثم نقول بعد ذلك: ألا يكفي هذا الوجه من الكلام في الرد على أولئك الذين زعموا كذباً وضلالاً وجهلاً وبهتاناً أن الإسلام لم يأت بنظام سياسي محدد ولم يتعرض لتفصيلاته.
ثالثاً: تصانيف العلماء في أحكام النظام السياسي ودلالتها على مجيء الإسلام بنظام سياسي واضح:
لقد صنف أهل العلم من المسلمين تصانيف كثيرة في النظام السياسي الإسلامي، يبدؤونها بتعريف (الخلافة) ثم ينطلقون من ذلك إلى الحديث عن أمور كثيرة جداً متعلقة بها مثل: الحديث عن شروط من يتولى الخلافة، وكيفية توليته، وواجباته تجاه الأمة، وحقوقه على الأمة، وعن مدة بقائه في منصبه، وعن موجبات عزله، وعن كيفية عزله، وصفات من يوليه، وصفات من يعزله، وكذلك تحدثوا عن مقاصد الخلافة والغاية منها، وعن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وعن حدود الطاعة إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة المتعلقة بنظام الخلافة ، التي تزخر بها مصنفات أهل العلم ؛ وهي كثيرة مطبوعة بين أيدينا بحمد الله.
وهنا نسأل ونقول: هل الذين عرفوا (الخلافة) من أهل العلم، عرَّفوا شيئاً غير محدد لا وجود له ؟ وهل يمكن وضع تعريف لشيء هو في نفسه غير محدد؟! أم أن التعريف يوضع أصلاً لتمييز المعرَّف عن غيره وتحديده، بحيث لا يدخل تحته شيء هو ليس منه، ولا يخرج عنه شيء هو منه؟
ونقول أيضاً: هل يمكن أن يكون هذا الكلام الكثير في تلك التفريعات والتفصيلات التي ذكرنا طرفاً منها حديثاً عن شيء غير محدد أو لا وجود له؟! ثم نقول: وهل يمكن أن يقوم في فهم رجل عاقل أن يكتب كاتبٌ بمثل تلك الدقة والتفاصيل التي ذُكرت عن شيء هو عنده وفي فهمه غير محدد أو غير موجود؟!
والأسئلة ليست في حاجة إلى الجواب، فهي تجيب عن نفسها، والذي يتحصل لنا من الكلام في هذه الجزئية: أن كل العلماء الذين كتبوا عن الخلافة في الإسلام إنما كانوا يكتبون عن أمر محدد عندهم له وجود متميز، وله أحكام مفصلة تخصه، ومن هنا فإن القول بأن الإسلام لم يأت بنظام سياسي وإنما أتى فقط بمبادئ عامة في السياسة، هو قول محدث لم يقل به أحد من أهل العلم المتقدمين ) .
( ياللعجب! نظام سياسي متكامل يُكلف المسلمون بإقامته ويحاسبون عليه ويأثمون إن هم قصروا فيه، ثم لا تقدم لهم الشريعة التي نزلت تبياناً لكل شيء أية أحكام تفصيلية تتعلق به ؟! ألا ترون في مثل هذا التكليف أنه تكليف بما هو فوق الطاقة البشرية، ألم يقل الله تبارك وتعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) [البقرة:286] ؟! أيكون في وسع المسلم –مهما أوتي من علم- أن يقيم نظاماً سياسياً إسلامياً بكل تفاصيله انطلاقاً من القول بأن الإسلام قد أتى بالشورى والعدالة والحرية والمساواة ومسئولية الحاكم وكفى! وماذا تغني عنه مثل هذه الكلمات، وفي أي شيء تنفعه، وكيف يضمن المسلم أن التفصيلات التي وضعها تحت مبدأ (العدالة) مثلاً تفصيلات صحيحة مقبولة شرعًا ، إذا لم يكن عنده من شيئ إلا أن الإسلام قد جاء بمبدأ العدالة ؟ أو أن الإسلام قد أقر مبدأ العدالة أو نحو هذه الكلمات التي لا تسمن في هذا المجال ولا تغني ؟ وما المرجع الذي يرجع إليه المسلمون إذا اختلفوا في الأحكام التفصيلية التي تتدرج تحت مبدأ العدالة مثلاً، إذا لم تكن الشريعة قد أتت بالأدلة الدالة على هذه الأحكام؟! ومن الذي يحكم في هذه الحالة، بأن هذه التفصيلات صحيحة مقبولة شرعاً، وتلك باطلة مرفوضة شرعاً؟ وكيف يحكم؟ وعلى أي دليل يستند؟! إن مثل هذا القول ليس له من نتيجة سوى نشر الفوضى الفكرية بين المسلمين، وجعل النظام السياسي محكوماً بالمصالح العاجلة والعقول والأفهام القاصرة دون الاحتكام إلى الإسلام وشريعته؛ إذ هل يستطيع المرء أن يقوم بأداء الفريضة على وجه صحيح من غير خلل، إذا كانت تلك الفريضة غير محددة، وإنما جاءت على سبيل المبدأ فقط؟!
وإذا كان من حجتكم على أن الإسلام ترك تحديد النظام السياسي فلم يأت بنظام محدد: أن الأنظمة السياسية دائماً تتطور، فهل كل التفاصيل المتعلقة بالنظام السياسي في الإسلام كبيرها وصغيرها متغيرة متبدلة متطورة، بحيث لا يكون فيها شيء ثابت على مر الأزمان حتى يمكن أن يُدَّعى أنه لا توجد –في التفاصيل- نصوص ملزمة على مر الأزمان ؟
ولو فرض أن التفاصيل كما ادعيتم لم تأت بها نصوص شرعية - وهو فرض غير صحيح- فهل فعلاً تركت الشريعة للمسلمين حرية الاختيار لتفاصيل النظام السياسي، ولم تضع على هذا الاختيار من قيود سوى: أن توائم تلك التفاصيل العصور المختلفة والظروف المختلفة، وأن الشريعة أحالت في التفاصيل على الخبرة والتجارب البشرية؟!
أقول: ولو فرض أن كل ما ذكرتموه في هذا المجال صحيح لوجب عليكم أن تغلقوا ملف (النظام السياسي في الإسلام) وأن تنفضوا أيديكم من الكتابة عنه، لأنه حسب دعواكم: أن الإسلام لم يتعرض للتفاصيل وإنما جاء بمبادئ عامة، وأن هذه المبادئ لا ينفرد بها المسلمون بل تقر بها جميع الأمم، وأن التفاصيل متروكة للمسلمين يضعونها حسب ما يرون فيه المصلحة، معتمدين في ذلك على الخبرة والتجارب البشرية، فإن كان ذلك صحيحاً فما معنى الحديث عن (النظام السياسي الإسلامي) وما علاقة الإسلام بذلك النظام القائم على ذلك التصور المتقدم؟!
إنني أرى أنه لا مفر أمام هؤلاء من أحد أمرين:
أ-إما الإصرار على تلك المزاعم –التي أبطلناها- وحينئذ فلابد لهؤلاء من أن يكفوا عن الحديث في (النظام السياسي في الإسلام) لأنه لا وجود له حقيقة في ظل تلك المزاعم، ولن يكون له وجود.
ب-وإما الإقرار حقاً بأنه يوجد نظام سياسي إسلامي محدد، له قواعده وتفصيلاته التي وردت في نصوص الكتاب والسنة، وحينئذ فلابد لهم من أن يكفوا عن ترديد المزاعم الباطلة من مثل قولهم: إن الإسلام لم يأت بنظام سياسي محدد وإنما أتى فقط ببعض المبادئ السياسية ).
( ثم لا يمتنع بعد ذلك أن تُترك بعض الطرق التنفيذية أو الكيفيات لتحقيق حكم شرعي دلت عليه أدلة الشرع؛ أن تُترك مطلقة من غير تقييد للمسلمين بطريق عملي معين يجب على المسلمين –في كل عصر ومصر- سلوكه دون ماسواه؛ وذلك أن الطرق التنفيذية هي وسائل لتحقيق الغايات، والوسائل لا تراد لذاتها، وإنما تراد لما يترتب عليها، فربما لو أُلزم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها وعلى مدى الزمن بطريق علمي واحد أو بوسيلة واحدة لتعسر عليهم ذلك ووجدوا فيه من الحرج والمشقة الشيء الكثير ، والله تبارك وتعالى يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر، فهذا الوجه جائز حدوثه، ولا محذور فيه شرعاً، كما أنه لا مناقضة فيه لما أسلفنا من القول بأن النظام السياسي في الإسلام نظام محدد وليس مجرد مبادئ.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 08:44 PM
يتبـــع الموضوع السابق
قولهم ليس في الإسلام نظام سياسي !
ولا يمتنع أيضاً أن تأتي النصوص الشرعية ببيان بعض الطرق التنفيذية أو الكيفيات أو الوسائل لتنفيذ أو تحقيق حكم شرعي دلت عليه أدلة الشرع، ويكون ذلك البيان على سبيل الإرشاد والتوجيه وليس على سبيل إلزام المسلمين به دون ما سواه من الوسائل الأخرى التي تحقق المقصود نفسه بدون مخالفات شرعية.
ولا يمتنع أيضاً أن تأتي النصوص الشرعية ببيان الكيفية أو الوسيلة التي ينبغي اتباعها في تحقيق حكم شرعي دلت عليه أدلة الشرع، ويكون ذلك البيان على سبيل الإلزام؛ بحيث يجب على المسلمين سلوك ذاك الطريق واتباع تلك الوسيلة، ويحرم عليهم مخالفتها واتباع غيرها ).
مناقشة القول بعدم وجود نظام سياسي للإسلام :
( 1-إن هذا القول يصب في اتجاه الكارهين للنظام السياسي الإسلامي، وتفصيل ذلك أنه متى قيل بأن الإسلام لم يأت بنظام سياسي، وأنه لم يعتن ببيان أحكام تفصيلات النظام السياسي أو جزئياته، وأن كل ما جاء فيه في هذا الصدد لم يزد عن كونه تقريراً لبعض المبادئ السياسية، فإنه يمكن –لاسيما مع المخادعة- تمرير النظم السياسية العلمانية تحت زعم تحقيق تلك المبادئ والمحافظة عليها، أو على الأقل عدم مخالفتها، لاسيما أن المبادئ المجردة تختلف وجهات النظر في تفصيلاتها اختلافاً حاداً، يصل إلى حد التناقض، وذلك أنه في تلك الحالة ليس هناك مرجع أعلى يمكن الرجوع إليه لمعرفة حقيقة تلك المبادئ وتفاصيلها.
فهذه شعارات الحرية، والعدالة، والمساواة، وأمثال تلك الشعارات ترفعها الدول جميعها: من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ويُنص عليها في دساتيرها وقوانينها، ومع ذلك فبينها من الخلاف في الفهم والتطبيق ما بين المشرق والمغرب من البعد وعدم اللقاء.
وإننا لنرى الآن تحت شعار "مبدأ الشورى" المحاولات العديدة لإدخال النظام البرلماني الغربي وإضافته إلى الإسلام، بأصوله العقدية وتفصيلاته التطبيقية كلها: من مثل القول بأن "السيادة للشعب" وأن "الأمة مصدر السلطات"، وذلك على أنه تطبيق مفصل للشورى التي جاء بها القرآن –زعموا- على سبيل المبدأ !!
وتحت شعار "مبدأ الحرية" يجري التشكيك في فريضة الجهاد، وفي قتل المرتد، وفي محاربة المرتدين؛ لأن هذه الأمور –بزعمهم- تخالف مبدأ الحرية.
وتحت شعار "مبدأ المساواة" يصار إلى القول بأن الكفار والمشركين من اليهود والنصارى وغيرهم ساكني دولة المسلمين، لهم الحق في المشاركة في الحياة السياسية من حيث تولي الوظائف العامة التي يكون لهم فيها قيادة واستطالة على المسلمين، ويؤخذ برأيهم –كالمسلمين تماماً- في اختيار الحكام في الدولة الإسلامية.
وتحت شعار المبدأ نفسه يتم إخراج المرأة من بيتها لتكون عضواً بمجلس الشورى، أو لتتولى منصباً وزارياً، بل ويجعلون لها الحق أيضاً في أن تتولى رئاسة الدولة في بلاد المسلمين.
وهكذا تحت مظلة المبادئ التي يدَّعون، يُهدم النظام السياسي، بل يُهدم الإسلام كله، وذلك قرة عين العلمانيين، لا أقر الله عيونهم ).
( 2- القول بمجيء المبادئ دون التفصيلات هو في نفسه قول متناقض وغير مستقر. وذلك أن هذا القول لابد أن ينتهي إلى أحد قولين:
أ-إما القول بأن الإسلام لا تعلق له بالسياسية أصلاً كما يقوله العلمانيون المجاهرون.
ب-وإما القول بأن الإسلام أتى بنظام سياسي محدد له قواعده الكلية وله أحكامه المفصلة. وبيان ذلك يتضح من خلال كلامنا التالي:
إن المبادئ التي يذكرها هؤلاء "العدالة، الحرية، المساواة، الإخاء" إلى غير ذلك، تقر بها جميع الأمم، وتدعيها كل الدول، فما من دولة على وجه الأرض إلا وهي تدَّعي الالتزام بتلك المبادئ –وإن كانت كل دولة تقدم مفهومها الخاص بها لتلك المبادئ كما ذكرنا ذلك من قبل- ففي أي شيء يفترق الإسلام في هذا المجال في تصوركم عن تلك الأمم، إن كان كل ما جاء به فيه تقرّ به وتدعيه أيضاً دول الكفر ؟
وما مرادكم بأن الإسلام أتى بمبادئ عامة ولم يتعرض للتفاصيل والجزئيات؟
هل تريدون بذلك: أن الإسلام أتى بهذه المبادئ مجملة، وأرشد إليها وطلب العلم بها، ثم لم يجعل للمسلمين طريقاً إلى معرفة ما يتعلق بها من تفصيلات إلا ما تهديه إليه عقولهم، أو ما يقلدون فيه غيرهم من أمم الكفر؟
إذا كنتم تقصدون ذلك فانزعوا عن هذه المبادئ وما تعلق بها من تفصيلات الصفة "الإسلامية" لأنه إذا كانت المبادئ مشتركة بين جميع الأمم، وكلهم يقر بها، وكانت تفصيلات تلك المبادئ هي من ثمرات العقول أو تقليد الكفار، فلا معنى لأن تعلق عليها لافتة "الإسلام" إذ لا تصدق نسبة هذا النظام –مبادئ وتفصيلات- إلى الإسلام، إلا كما تصدق نسبته بالدرجة نفسها إلى غير الإسلام، بل نسبته إلى غير الإسلام أكثر؛ لأن الإسلام وإن اشتراك مع الأنظمة غير الإسلامية في المبادئ فإن الأخيرة زادت عليه –زعموا- ببيان التفصيلات، وحينئذ تكون النسبة إلى غير الإسلام أصدق وأدق !!
بل مضمون هذا الكلام –بلا أدنى ارتياب- هو أن الإسلام لا تعلق له بالسياسة أصلاً.
ومن هنا يتبين أن صفة "الإسلامية" التي يريدون سحبها على تلك الأنظمة المستقدمة والمجلوبة من بلاد الكفر، بزعم محافظتها على تلك المبادئ أمر باطل وغير صحيح.
وإن كنتم تريدون بذلك القول أن الإسلام وإن لم يتعرض للتفاصيل والجزئيات، لكن حكم هذه التفاصيل والجزئيات التي لم ينص عليها صراحة، يمكن أن يستنبط من هذه المبادئ العامة بطرق الاستنباط المعروفة والمدونة في كتب أصول الفقه، فإننا نقول لكم: إن كان هذا مرادكم فقد أحسنتم من هذا الوجه، ولكنكم أسأتم من أوجه أُخر:
أما الإحسان: فمن حيث ذكركم أن التفاصيل والجزئيات حكمها موجود في أدلة الشريعة، ويمكن استخراجها واستنباطها بطرق الاستنباط المعروفة في كتب أصول الفقه، وبالتالي تكون النصوص الشرعية وافية بجميع الأحكام التي يحتاج إليها المسلمون في نظامهم السياسي –أو غيره- سواء ذكرت تلك الأحكام بطريق النص عليها مباشرة، أو ذكرت بطريق الاستنباط من المنصوص عليه.
وأما الخطأ والإساءة فمن حيث:
1- إطلاق العبارات والألفاظ من غير ضبط لها أو تدقيق فيها، مما يجعلها موافقة لفكر من يحارب الله ورسوله والمؤمنين.
2- القول بأن الشريعة الإسلامية لم تتعرض لأحكام التفاصيل والجزئيات المتعلقة بالنظام السياسي، وهذا محض الخطأ، وسوف نورد –إن شاء الله- كثيراً من الإحكام المتعلقة بالتفاصيل والجزئيات التي جاءت عن طريق النص الواضح عليها.
3- وحتى لو سلمنا –جدلاً- بعدم وجود النص الصريح على أحكام تتعلق بالتفاصيل والجزئيات، فما دمتم قد أقررتم بأن تلك التفاصيل والجزئيات يجري استفادة أحكامها والحصول عليها باستنباطها من تلك المبادئ العامة، فلا يجوز إذاً إطلاق القول بعدم التعرض للتفاصيل والجزئيات؛ إذ كيف يكون ذلك وأنتم تقرون بأن أحكام هذه التفاصيل والجزئيات قد أخذت من المبادئ العامة؟!
وإذا أقررتم بأن في الإسلام مبادئ عامة تتعلق بالنظام السياسي، وأن أحكام التفاصيل والجزئيات لهذا النظام –وإن لم يأت النص عليها صريحاً- إلا أنه يجري أخذها واستفادتها من تلك المبادئ العامة بطرق الاستنباط المتعارف عليها، كان معنى هذا أن الإسلام أتى بنظام سياسي محدد له قواعده الكلية وله أحكامه المفصلة حسب ما جاءت به الأدلة الشرعية.
وإذا وصلنا إلى هذه النقطة، فالآن لا مفر لكم من أحد أمرين:
أ-إما القول بأن الإسلام لا تعلق له أصلاً بالسياسة والحكم، وهذه علمانية وردة سافرة معلنة عن نفسها بغير مواربة من قائلها.
ب-وإما القول بأن الإسلام أتى بنظام سياسي محدد، له قواعده الكلية وله أحكامه المفصلة التي جاءت بها الشريعة.
ولا يوجد بعد هذا خيار ثالث، وحينئذ تصبح هذه المرحلة المذبذبة -لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء- التي زعموا فيها أن الإسلام لم يأت بنظام سياسي وإنما أتى فقط ببعض المبادئ العامة، مثل الشورى والعدالة والحرية والمساواة، من غير تعرض للأحكام التفصيلية ؛ تصبح مجرد لغو من القول لا قيمة له؛ لأنه لابد أن ينتهي إلى أحد الأمرين السابق ذكرهما.
3-القول بالمبادئ دون التفصيلات رمي للشريعة بالقصور.
إن القول بوجود مبادئ عامة ولكن بدون أحكام تفصيلية يعني عدم إحاطة الشريعة بالإحكام التفصيلية المتعلقة بأمر مهم من أمور المسلمين، وهذا رمي للشريعة بالقصور وعدم الكمال، وهذا يعني أيضاً أن علاقة الإسلام بالحكم والسياسة –إن كان له علاقة- هي علاقة هامشية لا قيمة لها؛ إذ غيره من الأنظمة الوضعية أكثر شمولاً منه وأوفى بياناً؛ إذ لم يقتصر على المبادئ، كما اقتصر الإسلام –كما زعموا- وإنما أتى بالتفصيلات والجزئيات المطلوبة، وهذا القول يعني أيضاً أن عموم رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم من ناحية شمولها لكل ما يحتاج إليه المرسل إليهم في أصول دينهم وفروعه، عموم ناقص، إذ يخرج منه ما يخص النظام السياسي، ومن المعلوم الذي لا خلاف عليه أن رسالة الرسول عامة ويشمل عمومها أمرين:
أ-عموم من ناحية المرسل إليهم، فهو مرسل لكل أحد من الجن والإنس على اختلاف طبقاتهم وألوانهم وأجناسهم وألسنتهم منذ أن أرسله الله تبارك وتعالى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا العموم يشمل في طياته عمومين: عموم الزمان، وعموم المكان، فهو rمرسل لكل أحد في كل زمان ومكان.
ب-عموم من ناحية المرسل به، فإن رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم شاملة لكل ما يحتاج إليه المرسل إليهم في أصول دينهم وفروعه في كل زمان ومكان.
فليس هناك شيء يحتاج إليه المسلمون في أمور دينهم، إلا وقد أرسل به الرسول صلى الله عليه وسلم وبينه لهم أوضح بيان وأكمله وأتمه، وليس تنـزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله دليل على سبيل الهدى فيها، وليس هناك فعل للمكلف إلا وله في الشريعة حكم يخصه.
وعلى ذلك فإن القول بمجيء المبادئ دون التفصيلات أو الأحكام المفصلة يناقض عموم الرسالة ويناقض كمالها.
4-القول بمجيء المبادئ دون التفصيلات هو قول هادم للمبدأ نفسه:
وذلك أن القول بمجيء المبادئ مجردة دون أن يصحبها نصوص أو أدلة تبين المبدأ، يجعل المبدأ قابلاً للتحوير والتبديل، ويجعله عرضه لأهواء الناس، واختلاف رغباتهم، في الوقت الذي لا يكون فيه ميزان توزن به أقوال الناس في فهمهم للمبدأ، ومن ثمَّ يتغير مضمون المبدأ ويتلون على حسب رغبة المتكلمين به أو فهمهم له، وهذا يؤدي في حقيقة الأمر إلى هدم المبدأ نفسه؛ إذ يصبح المبدأ في هذا الحالة مجرد كلمة خالية حقيقةً من مضمون ثابت يمكن الرجوع إليه، بل ربما انقلب المبدأ الذي ظاهره الخير والرحمة والعدل، إلى أداة ظلم وتجبر وطغيان –وهذا حادث فعلاً- إذ في ظل غياب التفصيلات المبينة للمبدأ، يمكن لمن بيده السلطة أن يضع من عنده تفصيلات لذلك المبدأ الجميل في ظاهره، بينما تكون هذه التفصيلات في حقيقتها ظالمة جائرة، بل ومناقضة لحقيقة المبدأ، فيظهر المعارض غير القابل لتلك التفصيلات الجائرة الظالمة –في هذه الحالة- وكأنه معارض أو مناوئ للمبدأ الجميل الذي أقر به الناس وقبلوه، ومن ثمَّ يتعرض للظلم، ويتهم بأنه خارج على النظام مخالف للجماعة، ويتعرض لأنواع الأذى والعقوبات.
ومن أراد أن يعرف اختلاف الناس في فهمهم للمبادئ المجردة، فلينظر إلى دول العالم التي تقر كلها بمبادئ: العدالة، الحرية، المساواة، ولينظر إلى الاختلاف الحاصل بينها في فهم المبادئ وما ينتج عنه من تطبيقات تصل درجة التباين فيها إلى حد التناقض المطلق ).
ادعاؤهم أن الواقع يُصدق قولهم !
( تعتمد هذه الشبهة على ما يدّعونه من شهادة الواقع بعدم وجود هذا النظام؛ إذ يرى أصحابه أن الشريعة لم تحدد مثلاً مدة ولاية الحاكم، ولا كيفية عزله، ولا نوع الحكومة، ولا كيفية الفصل بين السلطات، ولا الطريقة التي تتبع في تطبيق الشورى، ولا الأمور التي يجب أو يجوز أن تكون محلاً للشورى، ولا الطريقة التي يتولى بها الحاكم السلطة، إلى غير ذلك من الأمور التي يذكرونها في هذا الصدد، وانطلاقاً من كل ما تقدم يرى أصحاب هذه الشبهة أنه لا يوجد في الإسلام نظام سياسي محدد واجب الاتباع.
وهذه الشبهة مردود عليها من عدة أوجه:
أولاً: أن يقال: إن بعض ما ذُكر أن النصوص لم تبينه أو لم تحدده، إنما هو خطأ من قائله وتقوّل بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، وإن النصوص الشرعية قد بينت كل ذلك –كما سنفصله في موضعه إن شاء الله-.
وقد يكون السبب في ما زعمه هؤلاء: أنهم لا يفهمون كيفية دلالة النصوص الشرعية على الأحكام التفصيلية أو الفرعية المستفادة منها.
لقد بينت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة الصحيحة جميع الأحكام التفصيلية المحتاج إليها في النظام السياسي الإسلامي، ولكن كثيراً من الناس –خاصة من لم يتمرس في دراسة العلوم الشرعية- لا يعلمون ولا يدرون كيفية دلالة النصوص الشرعية على الأحكام المستفادة منها، ولو درس هؤلاء –دراسة صحيحة- ماكتبه علماء أصول الفقه في كيفية دلالة الأدلة الشرعية على ما تتضمنه من أحكام، لهداهم ذلك بمشيئة الله إلى الحق إن صدقوا في طلبه.
(1-من الأمور أو المسائل التي تعتني بها الأنظمة السياسية، والتي تنص عليها نصاً صريحاً واضحاً نظراً لما لها من أهمية خاصة مسألة "تحديد صاحب السيادة" أي صاحب الكلمة العليا في أمر المجتمع والدولة، بحيث لا تكون هناك كلمة لأحد أعلى من كلمته، أو حتى مساوية لها في كل ما يخص أمر الدولة والمجتمع، ومن الأمر البين الذي لا يحتاج إلى كبير عناء في التدليل أن النصوص الشرعية قد تكلمت بتفصيل شديد عن صاحب السيادة –وإن لم تستعمل المصطلح نفسه- في مواضع عدة، وفي مناسبات مختلفة، فقد بينت النصوص الشرعية أن "السيد هو الله تبارك وتعالى" وأن الكلمة العليا إنما هي لله العلي الكبير المتضمنة للشرع المنـزل من عند الله تبارك وتعالى سواء ما جاء في كتاب الله تعالى، أو ما جاء في سنة المصطفى r، وكون الكلمة العليا في أمر المجتمع والدولة هي لله الواحد القهار، ليست مجرد حكم فقهي، بل هي جزء من عقيدة المسلم، ومن النصوص الواردة في ذلك قوله تعالى: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) [الشورى:10] وحكمه تعالى إنما يعرف من كلامه الذي أوحاه إلى عبده ورسوله محمد rسواء كان الموحى به قرآنا أو سنة، ومنها قوله تعالى: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) [يوسف:40] وقوله تعالى (إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين)[الأنعام:57] وقوله تعالى: (إن الحكم إلا لله عليه توكلت) [يوسف:67] وقوله تعالى: (ولا يشرك في حكمه أحداً) [الكهف: 26] وقوله تعالى: (وله الحكم وإليه ترجعون) [القصص:70] وقوله تعالى: (له الحكم وإليه ترجعون)[القصص:88] وقوله تعالى: (ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين) [الأنعام:62] وقوله تعالى: (والله يحكم لا معقب لحكمه) [الرعد:41] وقوله تعالى: (وكلمة الله هي العليا) [التوبة:40].
ومن النصوص التي جاءت في حق السنة قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) [النجم:3 ،4] وقوله تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) [النساء:80].
2-ومن الأمور المتعلقة بالنظام السياسي وجاء الحكم فيها مفصلاً مسألة اعتقاد أو ديانة ولي أمر المسلمين، فقد بينت النصوص أن الحاكم أو ولي الأمر في النظام السياسي في الإسلام لابد أن يكون من المسلمين قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم...) الآية [النساء:59] فالمخاطبون في الآية هم "المؤمنون" وأولو الأمر المطلوب طاعتهم مقيدون بلفظ "منكم" يعني من المؤمنين.
3-ومن الأحكام الجزئية المفصلة التي دلت عليها أدلة الشريعة، الشروط التي ينبغي توافرها فيمن يتولى أمر المسلمين، ومن تلك الشروط:
أ- البلوغ والعقل.
ب- العدالة:وهو أمر اشترطه الله بتارك وتعالى في الشهود فقال: (وأشهدوا ذوي عدل منكم)[الطلاق:2].
ج-الرجولة: ومن ذلك أن يكون الإمام رجلاً لقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) [النساء:34] فإذا كان الله تبارك وتعالى لم يجعل للمرأة القوامة على زوجها وهو فرد واحد، فكيف يمكن أن يُجعل لها القوامة على الأمة كلها؟! ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".
د- القرشية: ومن تلك الشروط أن يكون قرشي النسب لقوله صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش". ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان".
4-ومن تلك الأحكام التفصيلية: واحدية الأمة وواحدية القيادة العليا، فالأمة مهما تعددت أجناسها، واختلف لغاتها، وتناءت ديارها، وتتابعت أجيالها، هي أمة واحدة يربط بين جميع أفرادها رابط العبودية الحقة لله رب العالمين، قال تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) [الأنبياء:92].
5-ومن الأحكام التفصيلية: منع طلب المرء الإمارة لنفسه، وقد دلَّ على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله، ولا أحداً حرص عليه".
6-ومن الأحكام التفصيلية التي جاءت بها النصوص: أحكام طاعة أولي الأمر، فقد أوجبت النصوص الشرعية المتكاثرة على الرعية طاعة ولاة أمورهم، وحرَّمت الخروج عليهم أو معصيتهم، ولكن طاعة أولي الأمر ليست طاعة مطلقة، وإنما هي طاعة مقيدة، مقيدة بإتباع أولي الأمر للكتاب والسنة.
7-ومن الأحكام التفصيلية: بيان المرجع الذي يُرجع إليه، ويكون حكماً لحل النـزاع الذي قد ينشب –في بعض الأحيان- بين فرد أو طائفة من الأمة وبين أولي الأمر، وبيان أن هذا المرجع إنما هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس هو رأي الأغلبية وما تهواه، كما أنه ليس رأي الحاكم وما يهواه، قال الله تعالى(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) [النساء:59]، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته، وإلى سنته بعد مماته بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
8-ومن الأحكام التفصيلية: وجوب نصب الإمام الذي يشمل بعنايته ورعايته أمة المسلمين، ويقيم لهم دينهم؛ فيحرسه من الزيادة فيه أو النقصان منه، ويسوس دنياهم بدينهم، محققاً المصالح المشروعة، التي بها فلاحهم في الدنيا ونجاتهم في الآخرة، وقد دلَّ على وجوب نصب الإمام أدلة كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" والمراد بالبيعة هنا بيعة الإمام الذي يكون على الناس.
9-ومن الأحكام التفصيلية: بيان النصوص الشرعية لمدة ولاية الخليفة، فقد دلت النصوص الشرعية على أن ولاية الخليفة غير مقيدة بمدة زمنية، وأن بقاء الخليفة في منصبه مرهون بدوام صلاحيته لهذا المنصب الرفيع، وقدرته على القيام بأعبائه اعتماداً على كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمتى كان الخليفة على النحو الذي وصفنا؛ فإنه لا يخرج عن الولاية ولا تنـزع منه، ولا يملك المسلمون أن يخرجوه عنها –لو أرادوا ذلك- بغير سبب اعتمده الشرع مخرجاً عن الولاية، ولو فعلوا ذلك لكانوا بفعلهم هذا من العاصين الخارجين على الإمام الذي ثبتت بيعته، ووجبت طاعته، ومما يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخذ من البيعة على المسلمين"... وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان"، وقوله صلى الله عليه وسلم : "ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا"، وقوله صلى الله عليه وسلم : "من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له"، فترك السمع والطاعة ومنازعة ولاة الأمور لا تجوز إلا ببرهان دلّ عليه الشرع.
10-ومن الأحكام التفصيلية: بيان مكانة أهل الذمة في النظام السياسي الإسلامي.
11-ومن الأحكام التفصيلية التي جاءت بها النصوص أيضاً، بيان حقوق الخليفة على الرعية إذا قام بواجبه، وهذه الحقوق تتمثل في:
أ-السمع والطاعة.
ب-النصرة.
والأدلة على ذلك كثيرة منها :
قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم...) الآية [النساء:9].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة". وقوله صلى الله عليه وسلم: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يُؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
وجملة القول في ذلك أن جميع الأحكام التفصيلية المحتاج إليها في النظام السياسي الإسلامي، قد دلت عليها النصوص الشرعية من الكتاب والسنة بأنواع الدلالات المختلفة –علم ذلك من علم وجهل ذلك من جهله- فما من حكم من أحكام هذا النظام الذي طُولب به المسلمون إلا وفي كتاب الله أو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بيان له وإرشاد إليه ودلالة عليه، ولا توجد مسألة من مسائل هذا النظام ولا غيره مما كُلف به المسلمون، خالية من الحكم الشرعي الذي يتناولها ).
( وإن بعض ما زعمتم أن النصوص لم تبين أو لم تفصل أحكامه، إنما هو من قبيل الطرق العملية أو الإجراءات التنفيذية، وقد بينا قبلُ أن مثل هذه الأمور لا يلزم مجيء النص أو الدلالة عليها بعينها ).
( المرجع : رسالة " تحطيم الصنم العلماني " للأستاذ محمد شاكر الشريف ) .
المصدر: منتدى التوحيد http://www.eltwhed.com/vb/
القلب الحزين
14-12-2013, 08:47 PM
شبهات حول أحكام تشريعية خاصة بالنساء
· الحجاب
أعتقد أننا إذا بدأنا بالحديث عن الحجاب من الآن إلى الغد فلن نصل إلى نهاية مقنعة لأنه كما يقول الدكتور البوطي من القضايا التي أصبح النقاش فيها تقليدياً فهو ليس الهدف منه الوصول إلى حقيقة الأمر الشرعي و إنما أصبح الهدف منه التحذلق و بيان الثقافة أو محاولة الوصول مع المسلمين إلى إلغاء هذه القضية من شريعتهم لأسباب عديدة أهمها أن هذا الأمر لا يتناسب مع روح العصر .
يقول الدكتور البوطي : يرى التائهون عن رؤية الحق، أن شرعة الحجاب التي ألزم الله بها المرأة، من أكبر الأدلة على ازدرائها ، والتقييد البالغ لحريتها.. والأمر في حقيقته على النقيض مما يتصورونه، فهو السبيل الذي لابد منه لاشتراك المرأة مع الرجل في بناء المجتمع بشتى مقوماته وأسبابه، من علوم وثقافة واقتصاد وتربية وغيرها، وإليكم بيان ذلك بمنتهى الإيجاز:
بين الرجل و المرأة جامع مشترك يتمثل في القدرات الذهنية وسائر الأنشطة الثقافية والاجتماعية والسياسية ونحوها.. ثم إن المرأة تستقل عن الرجل بما أودع فيها من مظاهر الأنوثة وعوامل الإغراء، التي جعل الله منها سبيل متعة متبادلة بينهما.
وبوسعكم الآن أن تتبينوا أنه لابد لتلاقي الرجل و المرأة على جامع مشترك من العمل الفكري والعلمي والاجتماعي للنهوض بالأمة وتحقيق أسباب تقدمها الحضاري، من أن لا يبدو للرجل منها، في هذا الملتقى إلا ما يبرز منها مظهر الجامع المشترك بينهما، فإن أظهرت منها الجانب الآخر الذي تتميز به وهو جانب الأنوثة والإغراء، بشكل متكلف وبارز، فلابد أن ينسيه هذا الجانب منها، ذلك الجامع المشترك بينهما، وعندئذٍ لا يلتفت منها إن تكلمت أو شاركت بكل الجهود العلمية والثقافية المختلفة، إلا إلى ما يبدو له منها من جاذبات الأنوثة والإغراء.. وفي هذا من الازدراء لشخصيتها العلمية والثقافية والفكرية ما لا يغيب عن بال أي عاقل.. إن مما لا يخفى على أحد، أن تهتاج بالرجل الذي يرى شريكته في الفكر والعمل الحضاري، وهي على هذه الحال مشاعرهُ الغريزية، فيشرد عن كلامها وعن محاكاتها الفكرية، إلى التأمل فيما يتبدى أمامه من مغرياتها الجسدية، ترى هل يمكن أن تتصوروا امتهاناً للمرأة، باحثةً ومفكرةً وعالمةً أبلغ من هذا الامتهان، وأبعث منه على السخرية والازدراء.
إن الحجاب الذي شرعه الله لها، إنما هداها إليه لتنجو بذلك من هذا الازدراء الذي يبدد مزاياها العلمية والفكرية والاجتماعية في ضرام النظرات الغريزية المتجهة إليها من الرجال، ومن ثم لتمارس مع الرجل شركة حقيقية في إقامة مجتمع حضاري سليم.. فإذا وجدت المرأة مع الرجل في لقاء آخر ليمارس كل منهما حقه في المتعة، تحت مظلة تعاقد شرعي مقدس على تبادل مقومات هذه السعادة، فإن دور الحجاب ينطوي عندئذ، ويدعوها الشارع عندئذ إلى أن تبرز من مظاهر أنوثتها، كل ما يكون عوناً على تحقيق مزيد من السعادة في حياتها.[78]
· الاختلاط
قال صلى الله عليه سلم:((لا يخلوّنّ أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم))[79]
لقد أثبتت التجارب والمشاهدات الواقعية، أن اختلاط الرجال بالنساء يثير في النفس الغريزة الجنسية بصورة تهدد كيان المجتمع ... كما ذكر أحد العلماء الأمريكيين جورج بالوشي في كتاب الثورة الجنسية .. وقال بأن الرئيس الأمريكي الراحل كنيدي قد صرح عام 1962 بأن مستقبل أمريكا في خطر لأن شبابها مائع منحل غارق في الشهوات لا يقدر المسؤولية الملقاة على عاتقه وأن من بين كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين لأن الشهوات التي أغرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية ... ونتيجة للاختلاط الكائن بين الطلاب والطالبات في المدارس والجامعات ذكرت جريدة لبنانية: أن الطالبة في المدرسة والجامعة لا تفكر إلا بعواطفها والوسائل التي تتجاوب مع هذه العاطفة .. وأن أكثر من ستين في المائة من الطالبات سقطن في الامتحانات، وتعود أسباب الفشل إلى أنهن يفكرن في الجنس أكثر من دروسهن وحتى مستقبلهن .. وهذا مصداق لما يذهب إليه الدكتور ألكس كارليل إذ يقول: عندما تتحرك الغريزة الجنسية لدى الإنسان تفرز نوعا من المادة التي تتسرب في الدم إلى دماغه وتخدره فلا يعود قادرا على التفكير الصافي .. ولذا فدعاة الاختلاط لا تسوقهم عقولهم، وإنما تسوقهم شهواتهم، وهم يبتعدون عن الاعتبار بما وصلت إليه الشعوب التي تبيح الاختلاط والتحرر في العلاقات الاجتماعية بين الرجل و المرأة .. من ذلك ما أورده تقرير لجنة الكونجرس الأمريكية عن تحقيق جرائم الأحداث، من أن أهم أسبابها الاختلاط بين الشباب من الجنسين بصورة كبيرة .. وغير ذلك من شواهد يومية تقرر الحكمة العلمية والعملية للحديث الشريف، مما يعد إطارا منهجيا في تحديد مجالات العلاقات الاجتماعية بوجه عام، وبين الرجل و المرأة بوجه خاص .. ثم إن الاختلاط من أعظم آثاره تلاشى الحياء الذي يعتبر سياجا ً لصيانة وعصمة المرأة بوجه خاص، ويؤدي إلى انحرافات سلوكية تبيح تقليد الغير تحت شعار الحضرية والتحرر، ولقد ثبت من خلال فحص كثير من الجرائم الخلقية أن الاختلاط المباح هو المسؤول الأول عنها .. وماذا يقول أنصار الاختلاط عن فضيحة وزير الصناعة في إنجلترا مع سكرتيرته التي أشارت إحدى الصحف إليها بأنها تنتظر مولودا منه، الغريب أن صحيفة التايمز البريطانية قد أشارت إلى أن مارجريت تاتشر، قد لعبت دوراً رئيسياً في إقناع وزير الصناعة باركتسون بعدم الزواج من سكرتيرته والاستمرار مع زوجته على أمل ألا يحط زواجه من السكرتيرة من قدره ... وهذا الخبر يحمل في مضمونه أثر الاختلاط بين وزير وسكرتيرته بدون محرم ... هذا من ناحية، من ناحية أخرى يحمل عدم الاعتراف بما نجم عن هذا الاختلاط، وهذا يعنى بصورة غير مباشرة عدم الاعتراف بالاختلاط والاستمرار فيه فالاختلاط في عمومه يحمل من الآثار السيئة ما يجعل كثيراً من الدعاة المخلصين يدعون إلى تنظيمه في إطار محدد يمنع شروره ... مما يعد رجوعا إلى الهدى النبوي الشريف منذ أربعة عشر قرنا ..[80]
· غض البصر
يرى الكثير من الذين لم يتمعنوا في أمر الإسلام تماماً عدة أمور لم ترضيهم في الأوامر الإلهية بغض البصر فقالوا : هو حط من شأن المرأة أنه كلما رأها الرجل غض بصره عنها و تحاشاها و كأنها شيء مكروه ، كما أن غض البصر لا يتناسب مع روح العصر الذي أخذت المرأة فيه حقها في التعري - و العياذ بالله - و إبراز مفاتنها كما تشاء ...
و لكن كلتا الشبهتين باطلة داحضة !!
فأما شبهة أن في غض البصر عن المرأة حطاً من شأنها ، فإن المرأة أيضاً مكلفة بغض البصر فهل هذا حط من شأن الرجل !!
و أما شبهة أن غض البصر لا يتناسب مع روح العصر ، فنقول نعم ! و لكنه أيضا ً لا يتناسب مطلقاً مع الأخلاق السديدة فلا أحد منا يرضى أن يطلع آخر على عوراته و أعراضه !! كما أنه لا يتناسب أيضاً مع حياة صحية سليمة فقد قال تعالى : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )[81]
و كلمة ( أزكى ) بمعنى أطهر و بمعنى أسلم و قال صلى الله عليه وسلم : ( النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة ، من تركها من خوف الله جلَّ وعز أثابه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه ) [82]
و العلم يكشف أن الإنسان حينما ينظر إلى امرأة ، و يعيد النظرة ، فإن هذه النظرة أشبه بالضغط على زناد السلاح ؛ تنطلق على إثرها هرمونات جنسية تجوب أنحاء الجسم ، هذه الهرمونات الجنسية تبدل ضربات القلب ، و توسع الأوردة المحيطية ، و تضيق الشرايين المتوسطة و الصغيرة ، و ترفع ضغط الدم ، هذه الهرمونات الجنسية تصل إلى البروستات ، فيغلق طريق البول ، و يفتح طريق ماء الحياة ، و تنطلق مادة مطهرة ، و مادة معقمة ، و مادة مغذية ، ثم يجري تبدل في كيمياء الدم ، من أل أن تتم عملية اللقاء الزوجي ، و يـُحافـَظ على النوع البشري .
أمَّا حينما يطلق الإنسان بصره طوال النهار ما الذي يحصل ؟ هناك هرمونات جنسية تجوب أنحاء جسمه عبر الأوعية الدموية ، و إذا استمر انطلاق هذه الهرمونات في الجسم دون تفريغ لهذه الشحنة فإن ذلك يؤدي إلى مضاعفات خطيرة ، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى نهى عن اتباع النظرة بنظرة ، و نهى عن تبرج النساء ، وعن تعطر المرأة إذا خرجت من بيتها ، و نهى عن الخلوة بالأجنبية ، و نهى عن المصافحة ، نهى أن تمتنع المرأة عن فراش زوجها ، هذا كله من أجل الوقاية من أمراض لا تعد و لا تحصى .
ماذا تفعل هذه الهرمونات الجنسية و التي سماها العلماء بالسموم ؟
إذا جرت هذه الهرمونات في الجسم بطريقة معينة ، في وقت محدد ، لتأدية وظيفة معينة ، فعندئذ لا تعد سموماً و لكن عندما تسبح في الجسم و تدور مع الدم أينما جرى طوال النهار فعندئذ تعد من أخطر السموم و هي في طبيعتها هذه لأشبه بسم الأفعى القاتل إذ أنه يقوم بتوسيع الشرايين لدرجة كبيرة مما يسبب انخفاضاً في الضغط و بالتالي إلى الموت ، و الآن أمكن الاستفادة من سم الأفعى في توسيع الشرايين و لكن بكميات محدودة طبعا ً إذاً فهذه السموم تسبب أمراضاً و اختلالاً في تركيب الجسم إذا زادت عن حدها الطبيعي و يمكن تلخيص ما تفعله بالإنسان بما يلي :
1) تظهر رائحة كريهة جدا ً في الإبطين و القدمين .
2) توسع فتحات الغدد العرقية و الدهنية في الكعبين ، و في أسفل القدمين ، و في المؤخرة مما يسبب بعض البواسير .
3) توسع الفتحات الدهنية في الوجه يؤدي إلى ظهور حب الشباب .
4) شقيقة أو صداع نصفي .
5) آلام في المفاصل لا سيما الكبيرة كمفصل الركبة ، و مفصل الورك ؛ حيث أن هذه الهرمونات تقلل من لزوجة السائل الذي بين المفاصل و تجففه مما يؤدي لاحتكاك العظام .
6) هبوط ضربات القلب ، و بطء في الدوران ، و جلطة وريدية محتملة ، و تتوسع الشرايين توسعاً مستمراً مما يفقدها مرونتها و يؤدي بالنهاية إلى تصلب الشرايين .
7) تسبب هذه السموم جلطة دهنية إذا ترسبت في مكان ما مما يؤدي لشلل، أو عمى ، أو كساح ، أو فقد ذاكرة ....
8) ثقل في اللسان و صعوبة في حركة اللسان في الفم .
9) إمساك مزمن ، حصى المرارة ، تضخم مبكر للبروستات .
و صدق الشاعر الذي يقول :
كل الحــوادث مبداها من النظــر و معظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس و لا وتـــــــر
و المــرء ما دام ذا عين يقلبـــها في أعين الغير موقوف على خطر
يســرُّ مـقلته ما ضــــرَّ مهجتــه لا مرحباً بـسرور عــاد بالضـــرر
و قال آخر :
يــا راميــاً بسهام اللـَّحظ مجتهدا ً أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
و باعث الطرف يرتاد الشفاء له احبس رسولك لا يأتيك بالعطب
فمستحيل أن يحرم الله شيئاً ، أو أن يحلل شيئاً إلا كان وراء ذلك حكمة عظيمة عرفها من عرفها ، و جهلها من جهلها ، و نحن كمؤمنين علينا أن نلتزم شرع الله و لو لم نعرف الحكمة ، و إنما تفيدنا معرفة هذه الحكمة كما قال تعالى : ( وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا )[83].[84]
· تحريم المصافحة
قالوا : ماذا لو صافحت المرأة الرجل ؟
قال علم التشريح : هناك خمسة ملايين خلية في الجسم تغطى السطح .. كل خلية من هذه الخلايا تنقل الأحاسيس فإذا لامس جسم الرجل جسم المرأة سرى بينهما اتصال يثير الشهوة وأضاف قائلاً علم التشريح : حتى أحاسيس الشم فالشم قد ركب تركيباً يرتبط بأجهزة الشهوة فإذا أدرك الرجل أو المرأة شيئا من الرائحة سرى ذلك في أعصاب الشهوة وكذلك السماع وأجهزة السمع مرتبطة بأجهزة الشهوة فإذا سمع الرجل أو سمعت المرأة نغمات من نوع معين كأن يحدث نوع من الكلام المتصل بهذه الأمور أو يكون لين في الكلام من المرأة فإن كله يترجم ويتحرك إلى أجهزة الشهوة ! وهذا كلام رجال التشريح المادي من الطب يبينونه ويدرسونه تحت أجهزتهم وآلاتهم ونحن نقول سبحان الله الحكيم الذي صان المؤمنين والمؤمنات فأغلق عليهم منافذ الشيطان وطرقه فساده قال تعالى : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )[85] [86]
كما أن هناك رد مفحم أكثر من الرد العلمي على الذين يبيحون لأنفسهم و يأمرون الناس بمصافحة النساء مدعين أنهم يقومون بذلك لئلا تؤخذ عن الإسلام نظرة خاطئة بأنه دين متزمت فنقول لهم بلسان الناصح المحب : من الجميل أنكم تغارون على الإسلام و سمعته و لكنه من القبيح أن يطعن أحدكم بمخيط من حديد في رأسه لقوله صلى الله عليه و سلم (( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له )) .[87]
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 08:49 PM
يتبــــع الموضوع السابق
شبهات حول أحكام تشريعية خاصة بالنساء
كما أن ملكة بريطانيا لا يسمح لها بمصافحة أي رجل إلا سبعة رجال معينين ، فالإسلام جعل المسلمة أعلى شأناً من ملكات الكفار فهي لا تصافح إلا محارمها !! [88]
· وجوب ستر المرأة بدنها مع الوجه و الكفين و القدمين
لماذا فرض الإسلام على المرأة نموذجاً معيناً من اللباس ؟ لماذا أمرها أن تستر جسدها كله ؟ أفما كان يكفي أن يؤمر الرجال بغض البصر بينما النساء يلبسن ما يحلو لهن َّ ؟ أليس في ذلك تقييد لحرية المرأة ؟؟
قال صلى الله عليه وسلم : ( نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها)[89]. وقال أيضا ( لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار )[90]
و قال تعالى : ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [91]
لقد أثبتت البحوث العلمية الحديثة أن تبرج المرأة وعريها يعد وبالاً عليها حيث أشارت الإحصائيات الحالية إلى انتشار مرض السرطان الخبيث في الأجزاء العارية من أجساد النساء ولا سيما الفتيات اللاتي يلبسن الملابس القصيرة فلقد نشر في المجلة الطبية البريطانية : أن السرطان الخبيث الميلانوما الخبيثة والذي كان من أندر أنواع السرطان أصبح الآن في تزايد وأن عدد الإصابات في الفتيات في مقتبل العمر يتضاعف حالياً حيث يصبن به في أرجلهن وأن السبب الرئيس لشيوع هذا السرطان الخبيث هو انتشار الأزياء القصيرة التي تعرض جسد النساء لأشعة الشمس فترات طويلة على مر السنة ولا تفيد الجوارب الشفافة أو النايلون في الوقاية منه .. وقد ناشدت المجلة أطباء الأوبئة أن يشاركوا في جمع المعلومات عن هذا المرض وكأنه يقترب من كونه وباء إن ذلك يذكرنا بقوله تعالى : (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [92] ولقد حل العذاب الأليم أو جزء منه في صورة السرطان الخبيث الذي هو أخبث أنواع السرطان وهذا المرض ينتج عن تعرض الجسم لأشعة الشمس والأشعة فوق البنفسجية فترات طويلة و هو ما توفره الملابس القصيرة أو ملابس البحر على الشواطئ ويلاحظ أنه يصيب كافة الأجساد وبنسب متفاوتة ويظهر أولا ً كبقعة صغيرة سوداء وقد تكون متناهية الصغر وغالبا ً في القدم أو الساق وأحيانا بالعين ثم يبدأ بالانتشار في كل مكان واتجاه مع أنه يزيد وينمو في مكان ظهوره الأول فيهاجم العقد الليمفاوية بأعلى الفخذ ويغزو الدم ويستقر في الكبد ويدمرها .. وقد يستقر في كافة الأعضاء ومنها العظام والأحشاء بما فيها الكليتان و ربما يعقب غزو الكليتين البول الأسود نتيجة لتهتك الكلى بالسرطان الخبيث الغازي .. وقد ينتقل للجنين في بطن أمه ولا يمهل هذا المرض صاحبه طويلا ً كما لا يمثل العلاج بالجراحة فرصة للنجاة كباقي أنواع السرطان حيث لا يستجيب هذا النوع من السرطان للعلاج بجلسات الأشعة من هنا تظهر حكمة التشريع الإسلامي في ارتداء المرأة للزي المحتشم الذي يستر جسدها جميعه بملابس واسعة غير ضيقة ولا شفافة ، فلقد صار واضحاً أن ثياب العفة والاحتشام هي خير وقاية من عذاب الدنيا المتمثل في هذا المرض فضلا ً عن عذاب الآخرة ثم هل بعد تأييد نظريات العلم الحديث لما سبق أن قرره الشرع الحكيم من حجج يحتج بها لسفور المرأة وتبرجها ؟؟[93]
· الطلاق بيد الرجل لماذا ؟؟[94]
يقول الحاقدون على دين الحق إنكم فرقتم بين الرجل و المرأة في حق الطلاق ، وجعلتم الطلاق بيد الرجل لعدم ثقتكم بقدرات المرأة وكفاءتها ، وأردتم أن يكون استقرار بيتها وسعادتها مرهونان بيد الرجل ،فإن شاء طلقها ، وإن شاء أبقاها وهي مهددة في الحالتين.
و للرد على هذه الشبهة الباطلة نتناول الأمور التالية :
2-إن هناك نوعين من الطلاق: الأول يقع بإرادة الطرفين ، وهو ما يسمى (بالإرادة المشتركة) ، والثاني يتم بإرادة منفردة أما بإرادة الزوج والزوجة غير راغبة ،أو بإرادة الزوجة والزوج غير راغب ، وهذان النظامان كلاهما موجود في شريعتنا ، فإذن نحن لم نجعل الطلاق بيد الرجل فقط و إنما راعت الشريعة جميع الحالات والظروف. .
3-إن دعاة المساواة ليس لديهم تحفظ على الطلاق الذي يقع بإرادة منفردة ، لذا نحتاج أن نفصل في ذلك قليلاً:
فلو وقع الطلاق من الرجل ، فالشريعة تعطي للمرأة تعويضاً نفسياً ومالياً وهو نفقة للعدة ونفقة للمتعة ويكون لها المهر ولا يستثنى من ذلك إلا حالة النشوز ولو وقع الطلاق بطلب المرأة فالقاضي يوقع الطلاق وتأخذ حقوقها المالية إذا كان الزوج ناشزاً ، وأما إن كان طلبها للطلاق مزاجياً فتعطي الرجل تعويضاً مالياً وهذا ما يسمى ( بالمخالعة ) .
4-إن المتتبع للأديان والمذاهب في موضوع الطلاق يرى أن منها من يحرم الطلاق والفراق بين الزوجين ، وتكون علاقتهما أبدية ، ومنها من لا يرى للطلاق قيمة ولا لعقد الزواج قدسية ، فالباب مفتوح دائماً ، ولكن الإسلام دين الوسطية والاعتدال ، قد شرع الطلاق وحدد له شروطاً وضوابط ، حتى لا يكون أداة هدم لأهم مؤسسة في الكون ، فهو أي الطلاق رحمة للأسرة تستخدمه متى احتاجت إليه.
5-من الخطأ عند علماء القانون أن نحكم على نص من غير النظر في الدستور كله وفهم العلاقة بين نصوصه ، وهذا ما نريد أن نقوله في موضوع الطلاق ، فالإسلام تعامل مع نص الطلاق بين الطرفين كما يتعامل الصائغ مع كفتي الميزان ، فجعل كفة بيد الرجل ( في بعض الحالات ) وأعطى ( المهر والنفقة الشهرية ) للمرأة ، فلكل طرف حق مربوط بالطرف الآخر ( فهو مغرم ومغنم لكل طرف ) .
6-من المفارقات كما يقول الشيخ الغزالي: " في الوقت الذي تحتج فيه المرأة المصرية على الطلاق " تحتج المرأة الإنجليزية على أبدية الزواج ، وقد تقمت النائبة الانجليزية ( مسز هوايت ) إلى مجلس العموم البريطاني بمشروع يقضي بإقرار الطلاق بين كل زوجين انفصلا أكثر من سبع سنوات .
7-إن الإسلام عندما أقر الطلاق حدد له وقتاً وعين له مراحل ، فلا يطلق الرجل وهو غضبان أو مكره أو وزوجته حائض وقسم بين الطلاق السني والبدعي وأعطى مجالاً للصلح بل وحدد عدداً للطلقات:
الطلقة الأولى: محك وتجربة .
الطلقة الثانية:امتحان أخير للعلاقة .
الطلقة الثالثة:دليل على فساد العلاقة ، فالمسألة ليست عبثاً .
8- لقد أبدعت الشريعة الإسلامية وانفردت في موضوع " المراجعة " دون الشرائع الأنظمة الأخرى لأن الإنسان معرض للخطأ والتقصير ، كما وأن في المراجعة حفظ لحقوق المرأة وحريتها وكرامتها ، وجعل الشارع ضابطها انقضاء العدة حتى لا تكون المرأة لعبة بيد الرجل متى ومتى شاء طلقها ومتى شاء أرجعها ، فلو انتهت العدة فلا يستطيع أن يرجعها إلا بعقد ومهر جديدين ، و للمرأة هنا أن تشترط ما يضمن حققها لو كان الرجل هو المتسبب في الطلاق وأرادت أن ترجع إليه.
لا يختلف اثنان اليوم على استخدام أكثر الرجال للجانب الأيسر من المخ ، وأقوى ما فيه الواقعية والعقلانية ، واستخدام أكثر النساء الجانب الأيمن وأقوى ما فيه الخيال والإبداع والعاطفة ، فالشارع راعى الفروق الفردية بين الجنسين عندما جعل قرار الطلاق بيد الرجل ، ومع ذلك أعطى للمرأة حقها بطرق ووسائل تتناسب وطبيعتها العاطفية .
10- حدث في تونس أن أعطيت المرأة حق الطلاق بنفس وسائل الرجل وطرقه ، فازدادت نسب الطلاق في تلك السنة أضعافاً مضاعفة،ثم تم تعديل القانون ، وتبين أن أكثر النساء اللاتي أوقعن الطلاق كان تطليقهن لأزواجهن بسبب ردة فعل عاطفية تجاه موقف من الزوج فتلفظن بالطلاق ، ثم ندم الكثير منهن على هذا التصرف .
11- في بعض الولايات المتحدة بأمريكا إذا حصل طلاق بين الطرفين فللمرأة نصف ممتلكات الزوج ، وفي ذلك ظلم للطرفين ، فالمرأة يدخل في ملكيتها مال ليس ملكاً لها وهذا ظلم ، والرجل يسلب منه ما يملك من غير رضاه ، وهذا ظلم آخر ، وإني أعرف رجلاً يملك عقارات وأسهم بالملايين ، وعندما طلق زوجته باع كل ما يملك بمئة دولار، فأعطى لزوجته خمسين دولاراً وأخذ هو خمسين دولار اً نكاية فيها حتى لا تستفيد من ماله وكان ذلك بحكم المحكمة .
12- مع كل ما سبق فإن الشريعة أعطت المرأة الحق في أن تجعل الطلاق بيدها دون وساطة القاضي ، وفي هذه الحالة تكون العصمة بيدها إذا وافق الزوج ، فتستوي معه في التمكن من هذا الحق ، ولكن عليها أن تشترط ذلك في عقد الزواج .
13- أدركت بعض الدول الغربية والتي كانت تحرم الطلاق وتمنعه خطأها فيسرت الحصول على الطلاق ، وكانت آخر هذه الدول ايطاليا ، حيث أباحته عام 1971م ويكفي أن نعلم إنه ما إن أقر الطلاق في إيطاليا حتى قدم إلى المحاكم أكثر من مليون طلب طلاق .
كما نشرت مجلة الأسبوع العربي ، العدد(681 )- ص 65: بدأت صناعة بطاقات التهنئة في العالم ، تتجه إلى قضايا الطلاق باعتبارها أمراً واقعاً فظهرت في بعض أسواق الدول الغربية بطاقات مخصصة للأشخاص الذين أنهوا علاقاتهم الزوجية ، وللأشخاص الذين يودون تهنئتهم بذلك ، فقد حوت بعض البطاقات عبارات مثل " تهانينا لطلاقكم " " ونحسدكم على حريتكم " و " وما أجمل ما صنعتم .. حظاً سعيداً ".
14- أعطت الشريعة للمرأة الحق في طلب الطلاق في حالة غياب زوجها عنها أكثر من سنة أو امتناعه عن الإنفاق ، أو إن كان به علة كمرض البرص والعنة و غيرهما ، أو للضرر ، سواء كان الضرر مادياً ،أو نفسياً ، وقد اطلعت على حكم صدر في مصر بتطليق زوجة للضرر وكان الضرر في هذه القضية هو " صمت الزوج " وقد تم تأييد الحكم بالاستئناف والتمييز .
15- إن مشاهير النساء في الغرب إذا تزوجن فإنهن يكتبن ورقة على أزواجهن في حالة حدوث الطلاق فلا يأخذ المطلق أكثر من ( 100 ) ألف دولار مثلاً ، وهذا ما حصل مع " مادونا " عندما تزوجت ممثل مشهور ولم يستمر زواجهما أكثر من سنة فهل هذه العدالة المطلوبة ؟؟[95] .
كما أننا يجب ألا ننسى أن الطلاق يجب أن يكون في الحالة العامة بيد الرجل لأنه هو المتضرر الوحيد فعليه أن يدفع المهر المؤخر و النفقة طوال أشهر العدة ، أما إذا كان الطلاق بيد المرأة فهي ستستخدمه في أي لحظة دون أن يؤثر عليها .[96]
المصادر :
· حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين - النموذج الإسلامى لتحرير المرأة – الجمهورية العربية المصرية – وزارة الأوقاف المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية –http://www.awkaf.oصلى الله عليه وسلمg
· موسوعة النابلسي للعلوم الاسلامية – الدكتور محمد راتب النابلسي http://www.nabulsi.com
· قالوا عن الإسلام – الندوة العالمية للشباب الإسلامي
· غداً عصر الإيمان – الشيخ عبد المجيد الزنداني
· الإعجاز العلمي في الإسلام السنة النبوية لمحمد كامل عبد الصمد
· www.buti.com موقع الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي .
· www.almutawa.info موقع الأستاذ جاسم المطاوع .
· محاضرة للأستاذ الداعية : عمرو خالد بعنوان ( مكانة المرأة في الإسلام ) http://www.amصلى الله عليه وسلمkhaled.net
المراجع : للمزيد حول هذا الموضوع
· رسائل إلى العقل الغربي الأمريكي والأوروبي الإسلام وحقوق المرأة ( 2 ) - بقلم أ . د . عبد الصبور مرزوق الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية – القاهرة ، عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة
· شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام – د . نهى قاطرجي
· المرأة في الإسلام 1/2 : المساواة بين الذكور والإناث . خطبة جمعة عادية للأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي .
· مقالات متنوعة أرجو ممن يريد المزيد من المقالات و الكتب المتعلقة بهذا الموضوع مراسلتي و سأقوم إن شاء الله بتزويده بما عندي mailto:
[email protected]
[78] WWW.BUTI.COM
[79] متفق عليه.
[80] "الإعجاز العلمي في الإسلام - السنة النبوية" لمحمد كامل عبد الصمد
[81] النور:30
[82] الحاكم ( 7875 ) عن حذيفة و هو صحيح
[83] سورة المدثر (31)
[84] موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن و السنة آيات الله في الإنسان
[85] النور:30
[86] " وغدا عصر الإيمان " للشيخ عبد المجيد الزنداني
[87] رواه الطبراني و صححه الألباني انظر صحيح الجامع ( 5045) و المخيط : بكسر الميم وفتح الياء وهو ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوها
[88] موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية
[89] رواه أبو داود
[90] رواه الإمام أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجه
[91] (31) سورة النــور
[92] سورة الأنفال : 32
[93] الإعجاز العلمى في الإسلام والسنة النبوية د. محمد كامل عبد الصمد
[94] موقع الدكتور جاسم المطاوع
[95] الرد على هذه الشبهة مأخوذ من موقع الأستاذ جاسم المطاوع ، و قد أوردته كما هو لما رأيت فيه من الفائدة www.almutawa.info
[96] شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام – د نهى قاطرجي
القلب الحزين
14-12-2013, 08:54 PM
الموضوع طويل شوي
إعجاز قرآني علمي أم مجرد ملاحظات ساذجة يعرفها كل أحد؟
د.إبراهيم عوض
كنتُ أَعِسّ (بتعبير أبنى) في أرجاء المشباك منذ أيام فإذا بي أجد نفسي في أحد المواقع وجهًا لوجهٍ أمام معجمٍ فرنسي عنوانه: "Dictionnaire des religions et des mouvements philosophiques associés"، فقلت: أَدْخُل وأُلْقِى نظرة لعلى أستفيد شيئا، فوجدت عنوانا جذبنى إليه هو: "Coran et Sience" بقلم كاتبٍ اسمه yohanfraisلم يسبق أن سمعت به، فوقفت أحملق قليلا في العنوان، ثم استجمعت عزيمتي وتوكلت على الله وشرعت أقرأ، فألفيت أن الكاتب يتناول النصوص القرآنية التي يرى العلماءُ المسلمون أنها تتحدث عن موضوعات علمية، واقفا أمام كل نص من هذه النصوص محللا إياه لينتهي من التحليل إلى أنْ ليس في القرآن أي نص مما يمكن أن يقال عنه بحق إنه يتحدث عن موضوعٍ علمي. وفكرتُ في ترجمة أحد الموضوعات التي عالجها الكاتب تحت العنوان المذكور والتعليق عليه، واخترتُ الموضوع الخاص بما تتحدث عنه بعض آيات القرآن بشأن التقاء البحرين مع وجود برزخ يمنعهما أن يبغى أحدهما على الآخر. وهذه أولاً ترجمتي للنص المذكور:
"يتحدث القرآن في ثلاثة مواضع منه عن حاجزٍ يفصل بين بحرين عَذْبٍ ومِلْحٍ يلتقيان دون أن يمتزج أحدهما بالآخر (الفرقان/ 53، وفاطر/ 12، والرحمن/ 19- 21). وهذه هي النصوص المذكورة: 1- "مَرَجَ البحرين يلتقيان* بينهما برزخٌ لا يبغيان* فبأيّ آلاء ربكما تكذّبان؟" (الرحمن/ 19- 21). وجدير بالذكر أن كلمة "برزخ" المترجمة هنا بــ"zone intermediaire" تعنى: "فاصلا، حاجزا، خندقا، مانعا، عائقا، بوغازا". 2- "وهو الذي مرج البحرين: هذا عذبٌ فراتٌ، وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ، وجعل بينهما برزخا وحِجْرًا محجورا" (الفرقان/ 53). 3- "وما يستوي البحران: هذا عذبٌ فراتٌ سائغٌ شرابُه، وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ. ومن كلٍّ تأكلون لحمًا طريًّا، وتستخرجون حِلْيَةً تلبسونها. وترى الفُلْك مواخرَ فيه، ولِتبتغوا من فضله، ولعلكم تشكرون" (فاطر/ 12).
وحسبما يقول بعض المفسرين فإن هذه الآيات تكشف عن وجود مانع يحول دون اختلاط مياه الأنهار عند مصابها بمياه البحار، لأن هذا الاختلاط لا يتم في حالاتٍ معينةٍ إلا في عُرْض البحر بعيدا عن الشاطئ. ومن الممكن أن يكون هذا صحيحا، لكنْ أَلَسْنا هنا بإزاء ملاحظة بسيطة لظاهرة طبيعية يعرفها كل أحد، ألا وهى عدم اختلاط مياه دجلة والفرات بمياه البحر مباشرةً عند مصبهما في الخليج الفارسي؟ ومن الممكن أن نلاحظ عند مدينة البصرة بالعراق كيف أن مياه دجلة العذبة تصبّ في المحيط الهادي. وفى حالات المدّ العالي نشاهد طبقة مائية مالحة ذات لون أخضر تلامس طبقة من ماءٍ عذبٍ ضاربٍ إلى الحمرة دون أن يكون بينهما أدنى امتزاج. ولا شك أن القارئ يوافقني على أن هذا المشهد المثير للاهتمام بالنسبة لنا اليوم لا بد أنه كان شيئا هائلا في نظر أهل القرن السابع الميلادي!
والآن علينا أن ننظر فيما تقوله لنا الحكاية الأسطورية البابلية التالية التي يرجع تاريخها لما قبل القرآن بثلاثة آلاف من الأعوام: "في البدء لم يكن هناك إلا "نامُّو" التي كانت تتخذ صورة البحر الأصلي، أو فلنقل: المحيط الكوني. وقد أنجبت "نامُّو" هذه "أَنْ" (السماء)، و"كِى" (الأرض)... وأخيرا "أونكى" الإله الخاص بالماء العذب الذي كان يناوئ الماء الملح في نامّو (البحر الأصلي)، فكان لا بد أن يُنْقَل إلى السماء على هيئة مطر".
ومن هذه الحكاية يتبين أن القرآن لم يكشف لنا شيئا في الواقع! وإذا كان بعض المسلمين يزعمون أن هذه الآيات القرآنية تكشف عن إحدى الحقائق العلمية، فينبغي حينئذ أن نتخذ نفس الموقف إزاء الأساطير البابلية، وأن نستخلص أن ثمة وحيًا كان ينزل على البابليين الوثنيين أيضا. إنني لا أتصور أنه ينبغي الوصول في تفكيرنا إلى هذا المدى، بل كل ما علينا هو أن نكون شرفاء وأن نصرّ على القول بأن هذه الآيات لم تنبع إلا من ملاحظة بسيطة لظاهرة من الظواهر الطبيعية تحدَّث عنها ناس آخرون ينتمون لحضارات سابقة على محمد بآلاف السنين.
كذلك لا بد من التنبيه إلى أن هناك مفسِّرين آخرين قد ذهبوا أبعد من هذا وادّعَوْا أن القرآن يكشف لنا هنا عن وجود طبقات مائية يختلف بعضها عن بعض في درجة حرارتها، وفى ملوحتها، وفى كائناتها الحية، وفى مدى ذوبان الأوكسيجين فيها...إلخ. والآن لنفحصْ ما قاله القرآن: إنه يتحدث هنا عن عدم اختلاط الماء الحلو (العذب الفُرَات السائغ شرابه) بالماء المِلْح (الأُجَاج)، بيد أنه لا يقول شيئا عن اختلاف درجات الحرارة أو الكائنات الحية أو ذوبان الأوكسيجين. إن هذا كلام لا أساس له في القرآن في الوقت الذي يصف نفسه فيه بأنه تبيان وتفصيل لكل شيء، وأنه ما من شيء إلا وهو موجود في آياته.
إن القرآن إنما يتحدث عن ماء عذب سائغ شرابه، لكن هذا القول شيء، والقول بوجود بحار عذبة شىء آخر! ذلك أنه من الخطورة بمكان على البشر أن يعتقدوا في مثل هذه الأشياء، فشرب الماء المالح في الواقع من شأنه أن يجعل الشخص عرضة للجنون... ومما لا ريب فيه أن البحث في القرآن عن الحقائق العلمية هو أمر ليس في صالحه، وبخاصة إذا وضعنا في الاعتبار ما قلناه قبلا من أنه إذا استمر البعض في الزعم مع ذلك بوجود إشارات علمية في القرآن، فينبغي أن نقف ذات الموقف من الأسطورة البابلية، وهو ما يترتب عليه أن القرآن لم يُوحِ في هذا المجال بشيء، وأنه لم يزد على أن ردّد ما قالته تلك الأسطورة قبله بما يزيد على ثلاثة آلاف عام! وهكذا نجد أنفسنا قد وصلنا إلى نفس النتيجة، ألا وهى أن الآيات القرآنية لا تقدم لنا شيئا آخر غير الملاحظة البسيطة لإحدى الظواهر الطبيعية.
وفى الختام نحب أن نؤكد أنه خلافا لما يؤكده بعض المفسرين المسلمين فإن قراءة تلك الآيات يترتب عليها جهل وتخليط من شأنه، إذا نظرنا إليه على أنه معجزة علمية، الإضرار حتى بحياة الإنسان (جرّاء الاعتقاد بوجود بحار ذات ماء عذب). ولكن إذا أصر البعض مع ذلك على أن يَرَوْا في هذه الآيات كشفا علميا، فعليهم في هذه الحالة أن ينظروا إلى الحكاية البابلية بنفس العين... وهكذا تُخْتَزَل المعجزة القرآنية الوحيدة فلا تعدو أن تكون تكرارا لما سبق أن قاله الآخرون من قبل...".
* * *
وأول كل شيء نفعله بعد أن ترجمنا ما قاله الكاتب هو أن نبين الأخطاء المعرفية والمنهجية التي وقع فيها: فقد ذكر أن في كتاب الله ثلاثة مواضع تتحدث عن حاجز يفصل بين بحرين عذبٍ وملحٍ يلتقيان دون أن يقع بينهما مع ذلك أي تمازج، وهى: الفرقان/ 53، وفاطر/ 12، والرحمن/ 19-21. ونظرة سريعة إلى الآيات التي استشهد بها تدلنا على أنه لا توجد في سورة "فاطر" أية إشارة إلى الحاجز المذكور، إذ الكلام فيها مقصور على الاختلاف الملاحَظ بين ماء البحر وماء النهر. ومع ذلك فهناك فعلا نص ثالث في القرآن الكريم يشير إلى وجود مثل هذا الحاجز لم يذكره الكاتب، ألا وهو قوله تعالى في الآية 61 من سورة "النمل": "أَمْ مَنْ جعل الأرضَ قرارا، وجعل خلالها أنهارا، وجعل لها رواسي، وجعل بين البحرين حاجزا؟ أأله مع الله؟بل أكثرهم لا يعلمون"،فهذه واحدة.
أما الثانية فهي مقارنة الكاتب بين ما جاء في الأسطورة البابلية وما ذكرته النصوص القرآنية، والخروج من ذلك بأن القرآن لم يأت بشيء جديد، فها هي ذي الأسطورة البابلية قد سبقته منذ بضعة آلاف من الأعوام إلى هذا الذي قال. والواقع أنه لا وجه للمقارنة بين النصين، فالحكاية الخرافية تتحدث عن خلاف بين الماء المالح والماء العذب استتبع رفع الماء العذب إلى طبقات الجو العليا وتحويله إلى أمطار. فأين في القرآن ما يمكن أن نقارن به هذا الكلام؟ إن القرآن يتحدث عن إجرائه تعالى البحر والنهر بما يؤدى إلى التقائهما، ولكن دون أن يطغى أحدهما على الآخر. وهذا شيء مغاير تماما لما جاء في الخرافة البابلية، وهو من الوضوح بمكان، ولا أدرى كيف سقط الكاتب الهمام في هذه الغلطة! ثم هل الماء العذب مقصور على طبقات الجو العليا؟ فماذا نقول في الأنهار والجداول والآبار والعيون إذن؟
وهنا نأتي إلى الخطأ الثالث الذي ارتكبه المؤلف، وهو ما فهمه من أن الآيات القرآنية تتحدث عن التقاء بين النهر والبحر دون أن يتم بينهما امتزاج، وهذا الزعم أيضا لا وجود له في القرآن. القرآن يقول إنه قد جعل بين البحرين (أي البحر والنهر) حاجزا أو برزخا يمنعهما من طغيان أي منهما على الآخر، لكنه لم يقل إنه لا يحدث بينهما امتزاج عند اللقاء. وسوف أوضح هذا المعنى فيما بعد، لكنى أحب أن أركز هنا على أن الكاتب قد نسب للقرآن ما لم يقله القرآن! لقد فهم النصَّ القرآني خطأً أو اعتمد على ترجمةٍ فهم صاحبُها ذلك النصّ فهمًا خاطئًا، فكان أَنْ خطّأ القرآن الكريم، والقرآن من الخطأ براء! وقد يكون تعمَّد هذا تعمُّدا!
وهناك خطأ رابع وقع فيه الكاتب أيضا، وهو محاسبة النص القرآني على أساسٍ من فهم بعض المفسِّرين المسلمين كما قال. ولعله يقصد د. موريس بوكاى الطبيب الفرنسي المسلم الذي فسّر الآيات القرآنية المذكورة على أساس أن المقصود بالبحرين هما دجلة والفرات من جهة، والخليج العربي من جهة أخرى، وسوف أعود إلى هذه النقطة لاحقًا (انظر موريس بوكاى/ القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم/ دار المعارف/القاهرة/ 1982م/ 205). وليس في النصوص القرآنية ما يُفْهَم منه أن ذلك هو معنى البحرين الواردين فيها، ومن ثَمَّ فليس للكاتب أي عذر في التهكم الذي وجَّهه للقرآن حين أكد أن ما يقوله الكتاب الكريم في هذا الشأن لا يزيد عن ملاحظةٍ بسيطةٍ جدا لظاهرة طبيعية يمكن كلَّ من يقف عند مصب هذين النهرين في الخليج العربي أن يلاحظها، وأن الخرافاتِ البابليةَ قد سبقت القرآنَ إلى هذه الملاحظة منذ آلاف السنين، فلا إعجاز إذن ولا يحزنون!
ثم خطأٌ خامس، وهو أن كاتبنا يشير إلى مسألة وجود طبقتين من الماء في حالات المدّ العالي إحداهما طبقة مالحة خضراء اللون تلامس طبقة عذبة مائلة للحمرة دون أن تمتزج بها بوصفها أمرا يستطيع الرجل العادي أن يلاحظه بسهولة، وهو ما لا أظنه أبدًا صحيحا، وإلا لذكره كل إنسان، ودعنا من أنه كان من سكان البصرة في أيام ازدهار الثقافة الإسلامية علماء أجلاء وشعراء وأدباء كمحمد بن سيرين (مولى أنس بن مالك) والحسن البصري وعمرو بن عبيد والفرزدق وجرير وقطريّ بن الفُجَاءة ورؤية بن العجّاج وبشار وأبى نُوَاس وابن المقفَّع والأصمعي والمفضَّل الضّبَّىّ والخليل بن أحمد وسيبويه والنظّام وواصل بن عطاء والجاحظ وابن سلام وابن قتيبة وابن دُرَيْد والباقلانى مثلا ممن لم يكن من الممكن أن تفوتهم ملاحظة مثل هذه الظاهرة لو كان إدراكها سهلا إلى هذا الحد الذي يصوره لنا الكاتب، وبخاصة أنها كانت بالنسبة للقدماء أمرا هائلا كما يقول. والحقيقة أن هذه الملاحظة لم يتنبه لها إلا العلماء في العصر الحديث بعد رحلات وأبحاث ودراسات مضنية استعانوا فيها بآلات التصوير الحراري التي لم يكن لها أي وجود قبل القرن العشرين حسبما كتب العلماء المسلمون في هذه المسألة على ما سيأتي بيانه، ولولا الصورة المرفقة لحالة المدّ المشار إليها لما دار ذلك بخاطري، أما بالنسبة للقدماء فلم تكن لتلفت أنظارهم لأنها ليست مما يُدْرَك بالعين المجردة على خلاف ما يحاول الكاتب أن يوهم قراءه. وحتى لو غالطنا أنفسنا كما يريد منا وقلنا إنها قد لفتت منهم الأنظار، فكيف يا ترى كان لهم أن يعرفوا أن اللونين المختلفين يمثلان طبقتين من الماء إحداهما حلوة، والأخرى مالحة؟ وعلى أية حال فلم يكن الرسول من سكان منطقة البصرة حيث كان من الممكن أن يشاهد هذه الظاهرة لو كانت مشاهدتها ممكنة بالنسبة للرجل العادي فعلا كما يزعم الكاتب، بل كان عليه السلام من سكان مكة آنذاك، ومن ثم فلا يمكن أن يقال إنه في هذه النصوص القرآنية قد تكلم عن ملاحظة بسيطة لظاهرة طبيعية يعرفها كل أحد!
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 08:55 PM
يتبـــع الموضوع السابق ( 2 )
إعجاز قرآني علمي أم مجرد ملاحظات ساذجة يعرفها كل أحد؟
والواقع أنى لم أكتف بهذا، بل ذهبتُ فقلّبت كل ما أتيح لي من "معاجم البلدان" وقرأت ما كُتِب فيها عن "البصرة" ونَهْرَيْها لعلى أعثر على ما يمكن أن يُفْهَم منه، ولو على سبيل التأويل والتمحُّل البعيد، أن أجدادنا قد لاحظوا هذه الظاهرة التي يصرّ الكاتب في جرأة عجيبة على أنها مما تراه العين العادية للرجل العادي، فلم أجد شيئا بالمرة. ومن الكتب التي راجعتُها لهذا الغرض: "المسالك والممالك" لابن خرداذبة (من أهل القرن الثالث الهجرى)، و"الأعلاق النفيسة" لابن رستة (من أهل القرن الثالث الهجري أيضا)، و"معجم البلدان" لياقوت الحموى (من أهل القرنين السادس والسابع)، و"أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" للمقدسى (من أهل القرن السابع)، و"آثار البلاد وأخبار العباد" للقزوينى (من أهل القرن السابع أيضا)، و"الروض المعطار في خبر الأقطار" لمحمد بن عبد المنعم الحِمْيَرى (من أهل القرنين السابع والثامن)، و"مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" لابن فضل الله العُمَرى (من أهل القرن الثامن الهجرى) و"Gazetteer of the Persian Gulf, Oman and Central Arabia" لــJ. G. Lorimer(من أهل القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين). ولقد تناول كلامُ هؤلاء الكتاب عن البصرة موقعَها وتاريخَها وجوّها وأنهارَها وأطعمتها وسكانها ومشاهيرَها وحيوانها وطيورَها ومَدّها وجَزْرها وما قيل في مدحها وذمها، لكنى لم أقرأ كلمة واحدة، كلمة واحدة يتيمة، عن تلك الظاهرة التي ادَّعى الكاتب أنها مما لوحظ من قديم الزمان قبل القرآن ببضعة آلاف من السنين، رغم أن بعض هؤلاء الكتاب قد أورد في الحديث عن مدّها وجَزْرها الخرافات والأساطير مثل المقدسى، الذي نقل ما سمعه من أن ثمة مَلَكًا إذا وضع إصبعه في النهر حدث المدّ، وإذا رفعه جاء الجَزْر، أو أن الحوت إذا أخذ نفَسا سحب الماء إلى منخريه فكان الجَزْر، فإذا أخرجه كان المدّ" (المقدسي/ أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم/ ط2/ بِرِيل/ 1906م/ 3)! بل لقد تحدث القزوينى عن ملوحة ماء البصرة قائلا: "وماء دجلة والفرات إذا انتهى إلى البصرة خالطه ماء البحر فيصير ملحا" (القزوينى/ آثار البلاد وأخبار العباد/ دار صادر ودار بيروت/ 1389هــ- 1969م/ 309)، أي أنه قد اقترب تماما من النقطة التي نتحدث عنها الآن، ورغم هذا فإنه لم ينبس بأي شيء مما يزعم الكاتب أنه ظاهرة طبيعية بسيطة لاحظها القدماء بكل سهولة، وليس فيها ما يمكن أن يُعَدّ إعجازاً بحال! إن الزعم أمرٌ هيّن الشأن لا يكلف صاحبه شيئا، بخلاف البناء والتثبت، فإنه يتعب من يرومه ويجشّمه من أمره جهدا ومشقّة ونَصَباً. إن كاتبنا لم يكلف نفسه أكثر من أنه تركها تزعم ما يحلو لها دون أن تقدِّم على ما تقول أي برهان، وهو أمر لا يعجز عنه أي شخص مهما يكن حظه من العلم، أو فلنقل بالأحرى: مهما يكن حظه من الجهل. كل ما هنالك أنه ينبغي أن يتدرع بالاندفاع واللامبالاة، ثم لا عليه بعد ذلك من شيء! أما الذين يحرصون على سمعتهم ويلتزمون بقِيَم الدين والعلم والخلق الكريم فلا يستطيعون أن يخطّوا حرفاً إلا بعد اللَّتَيّا والتي خشيةَ الخطأ وتحرُّزًا من الوقوع في التدليس. وصدق المثل القائل إنّ رَمْى حجر في بئر لا يحتاج إلى أكثر من مجنون واحد، أما إخراج الحَجَر من البئر فيحتاج إلى ألف عاقل!
ثم يضيف الكاتب أن من المسلمين من يقول بوجود بحارٍ ذات ماء عذب صالح للشرب (eau de mer potable)، قائلاً إن الاعتقاد بهذا والشرب بناء عليه من ماء البحر المالح يؤدى إلى الجنون. ولست أدرى من أين أتى الكاتب بهذا الكلام الذي ينسبه لبعض المفسرين المسلمين. لقد كان ينبغي أن يذكر لنا أسماء من قالوا بذلك ويحدد السياق الذي ورد كلامهم فيه، وعلى أي أساس قالوه. أما أن يتركنا في عماية من الأمر متصوراً أننا ينبغي أن نلقى إليه بمقاليد طاعتنا ونصغي إليه أسماعنا وأفئدتنا دون دليل أو توضيح فأمر لا يصحّ، ومن شأنه أن يدفعنا إلى تكذيبه فيما يقول نظرا لغرابته البالغة، إذ لا يعقل أن يكون بين المفسرين المسلمين في العصر الحديث ولا في أي عصر آخر من يُقْدِم على كتابة هذا الكلام المضحك مهما تبلغ قلة بضاعته من المعرفة. إن هذا الكلام يعرف كذبَه أي عاميٍّ فَدْم، فما بالنا بمن يتصدى لتفسير كتاب الله المجيد؟ ولقد رجعتُ إلى ما نشره "موقع الإيمان على شبكة الإنترنت" في هذا الموضوع فوجدت ما أورده الكاتب المذكور وعمل على تفنيده من تفسير علماء المسلمين المعاصرين للآيات القرآنية التي نحن بصددها، لكنى لم أعثر البتة على أي شيء يومئ من قريب أو من بعيد ولو على سبيل التوهم إلى ما يمكن أن يُفْهَم منه أنهم يقولون بوجود بحارٍ (بحارٍ كالبحر المتوسط أو البحر الأحمر أو بحر قزوين أو خليج المكسيك أو المحيط الهندي أو الأطلسي مثلا) ذات مياه عذبة، بل الذي قالوه، وهو صحيح مائة في المائة على ما سنوضّح لاحقاً، هو أن كلمة "البحر" قد تُطْلَق في لسان العرب على ما نسميه عادة: "النهر". وهذا غير ذاك كما هو واضح، لكن الكاتب إما أنه لم يفهم كلامهم، وهو ما أستبعده لأنه قد فهم بقية ما قالوه فهماً سليماً يدل على أنه يعرف ماذا قالوا بالضبط سواء اطّلع عليه مباشرة في لغته الأصلية أو ترجمه له مترجم، وإما أنه فهم هذا الكلام لكنه أراد السخرية والتشكيك فيما قالوه برُمّته لينعكس ذلك على نظرة قارئي كلامه للقرآن أيضا، وهذا ما أرجّحه.
وقد استخدم القرآن كلمة "البحرين" للدلالة على ما نعرفه الآن بــ"النهر والبحر"، إذ "البحر" في اللغة العربية "هو الماءُ الكثيرُ، مِلْحًا كان أو عَذْبًا، وهو خلافُ البَرِّ، أو هو المِلْحُ فَقَطْ، وقد غَلَب عليه حتى قَلَّ في العَذْب" حسبما نقرأ في "لسان العرب" و"تاج العروس" وغيرهما من المعاجم. وقد يكون الكتاب المجيد استخدمها على سبيل التغليب كقولنا مثلا: "العُمَران" لأبى بكر وعمر، و"الحَسَنان" للحسن والحسين، و"الأَبَوان" للأب والأم، و"القَمَران" للشمس والقمر، و"الأَسْوَدان" للتمر والماء. فقول علمائنا إن البحر قد يكون عذب الماء كما قد يكون مالحها هو كلام لا خطأ فيه، ولا يمكن أن يتوهم متوهم أنهم يقصدون أن الماء الملح يطفئ الظمأ حتى يخاف كاتبنا على البشر من هذا أن يصيبهم الجنون جرَّاءَ تصديقهم لذلك الكلام وكَرْعهم من ثَمّ من هذا الماء، بل المقصود هو ما نعرفه الآن بــ"النهر"، وهذا كل ما هنالك. ونحن في مصر كثيراً ما نطلق على "النهر" اسم الــ"بحر" كقولنا: "بحر النيل"، وفى قريتنا "كتامة الغابة" بمحافظة الغربية نسمى الترعة الواصلة بين بلدنا وطنطا: "بحر عاص"، كما نسمى الترعة الأخرى التي تمر بالقرب من "شفاقرون" المجاورة لنا: "بحر شفاقرون". وبالمثل نسمع الناس يقولون لفرع النيل القريب من "بسيون": "بحر القُضّابة" على اسم قرية "القُضّابة" التي تقع عليه، ولفرع النيل المارّ بدسوق: "بحر سيدي إبراهيم" على اسم إبراهيم الدسوقي الوليّ المعروف المدفون بالمدينة المذكورة، وللترعة التي تقوم على شاطئها قرية "سديمة": "بحر سيدى أبو اليزيد" على اسم "أبو اليزيد البسطامى"، إذ في اعتقاد أهل المنطقة أن الضريح الموجود في تلك البلدة هو لذلك الصوفي المشهور. ويوجد في القاهرة شارع اسمه "شارع البحر الأعظم"، كما يوجد في طنطا شارع يسمَّى: "شارع البحر" إشارة إلى ما كان يوجد في كل من المكانين من مجرًى للنيل. ولهذه الحكمة ذاتها كان العامة في مصر يسمّون "البحر المتوسط": "البحر المالح"، وهو دليل آخر على أن هناك في أذهانهم "بحرا عذبا" مثلما أن هناك "بحرا مالحا". بل لقد وجدت بدر الدين العيني يستخدم هذه التسمية في كتابه: "عِقْد الجُمان في تاريخ أهل الزمان" عدة مرات، ومرة واحدة على الأقل تسمية "البحر المِلْح". كذلك استعمل نشوان الحميرى هذه التسمية الأخيرة في "الروض المعطار في خير الأقطار" عند تعريفه بمدينة "الإسكندرية"، وذلك فى قوله: "مدينة عظيمة من ديار مصر بناها الإسكندر بن فيلبش فنسبت إليه، وهي على ساحل البحر الملح". وبالمثل نقرأ في "ثمرات الأوراق" لابن حجة الحموي أن ملك بحر الأردن خاف على ابنته من أردشير حين أرسل يخطبها منه فــ" أرسلها إلى بعض الجزائر في البحر الملح". وهذه مجرد أمثلة قليلة. وإذا كانت كلمة "mer" الفرنسية لا تعنى إلا البحر الملح، فينبغي ألا نحمّل لغة الضاد هذه المسؤولية، فلكلّ لغةٍ أوضاعها التي كثيرا ما تختلف فيها وبها عن غيرها من اللغات كما هو معروف.
ومن الشواهد التي تجرى هذا المجرى قوله تعالى: "أُحِلَّ لكم صيدُ البحر وطعامُه متاعًا لكم وللسيارة، وحُرِّمَ عليكم صيد البر ما دمتم حُرُما" (المائدة/ 96)،ومعروف أن السمك يخرج من البحر والنهر كليهما لا من البحر فقط، وكذلك قوله عز شأنه: "قل من ينجّيكم من ظلمات البر والبحر...؟" (الأنعام/ 63)،حيث وُضِع البحر مقابل البرّ مما يدل على أن المقصود به النهر والبحر معاً. وقرأت في "الحيوان" للجاحظ هذه العبارة: "ومررتُ به وهو جالسٌ في يوم غِمق حارٍّ ومِدٍ، على باب داره في شروع نهر الجُوبار بأردية، وإذا ذلك البحر يبخر في أنفه". فانظر كيف ذكر أولا "النهر"، ثم كيف سماه بعد ذلك: ""بحرا". وجاء في "كتاب الصناعتين" لأبى هلال العسكري: "ولولا كراهةُ الإطالة وتخوف الإملال لَزِدْتُ من هذا النوع، ولكن يكفى من البحر جرعة". والبحر هنا لا يمكن أن يكون إلا الماء العذب، فالإنسان لا يجرع إلا من النهر. وفى "الفرج بعد الشدة" للقاضي التنوخى نقرأ هذه العبارة: "فلا شدة أعظم من أن يُبْتَلَى الناس بمَلِكٍ يذبّح أبناءهم، حتى ألقت أم موسى ابنها في البحر مع طفوليته، ولا شدة أعظم من حصول طِفْل في البحر". ويقول الشابشتى في وصف دير القصير بمصر من كتاب "الدِّيَارات": "وهو مطل على القرية المعروفة بشهران وعلى الصحراء والبحر. وهذه القرية المذكورة قرية كبيرة عامرة على شاطىء البحر، ويذكرون أن موسى، صلى الله عليه، ولد فيها، ومنها ألقته أمه إلى البحر في التابوت". ويقول أيضا عن "دير طمويه": "وطمويه في الغرب بإزاء حلوان. والدير راكب البحر، وحوله الكروم والبساتين والنخل والشجر. فهو نَزِهٌ عامرٌ آهل. وله في النيل منظر حسن. وحين تخضر الأرض، فإنه يكون بين بساطين من البحر والزرع". وفى "فوات الوَفَيَات" لابن شاكر الكتبى أن توران شاه لمّا حاصرته مماليك أبيه في البرج عند المنصورة رمى بنفسه وهرب إلى النيل "ونزل في البحر إلى حلقه" فقتلوه. والمقصود بــ"البحر" في هذا كله: "النيل" كما هو واضح. وعندنا من الشواهد الشعرية الكثير، ومنها قول أبى الشيص الخزاعى:
بَحرٌ يَلوذ المُعتَفونَ بِنَيْله فَعْمُ الجَداول مُتْرَع الأَحواضِ
وقول ابن الرومي:
هو بحرٌ مِنَ البحورِ فُرَاتٌ ليس مِلْحًا وليس حاشاه ضَحْلا
وقول ابن حَيّوس:
وَمَنْ جادَ بِالآمالِ عَنكَ فَإِنَّني أَرى كُلَّ بَحرٍ مُذ رَأَيتُكَ جَدْوَلا
وقول ابن درّاج القسطلى:
وإِن أَرْفَهَتْ فِي بَحْرِ جُودِكَ شِرْبَها فَمِنْ ظِمْءِ عَشْرٍ فِي الهجيرِ إِلَى تِسْعِ
وقول البحترى:
بَحْرٌ مَتى تَقِف الظِماءُ بِمَورِدٍ مِنهُ يَطيبُ لَهُم جَداهُ وَيَعذُبِ
وقول الحيص بيص:
ولكنهُ بَحْرٌ يَلَذُّ لشارِبٍ ويُكرِمُ مَثْوىً من مُسِيفٍ ومُرْمِلِ
وقول ظافر الحداد الشاعر المصرى:
تأمَّلْتُ بحرَ النيلِ طولا، وخَلْفَه من البركةِ الغَنّاء شكلٌ مُدَوَّرُ
وقول البوصيرى:
وَكلُّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ غَرْفًا مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفًا مِنَ الدِّيَمِ
وقول المتنبى:
قَوَاصِدُ كافورٍ تَوَارِكُ غيره ومن قَصَدَ البحرَ استقلّ السواقيا
ثم كيف يمكن أن يتوهم متوهِّم هذا الذي يخشاه الكاتب (أو بالأحرى: هذا الذي يزعم أنه يخشاه)، ويذهب فيَعُبّ من الماء الملح عَبًّا؟ ويبقى تأكيده أن شرب هذا الماء يصيب الشخص بالجنون، ولا أعرف مدى صحة هذا الكلام من الناحية الطبية، وإن كنت أستغربه غاية الاستغراب، وبخاصة أنه من غير المعقول أو المتصوَّر أن يستمر أي إنسان في شرب ذلك الماء بمجرَّد أن يذوقه ويحس ملوحته! لكن الذي أنا متأكد منه أن الذي يَعُبّ من الماء الملح يكون قد أُصِيبَ بالجنون فعلا، وانتهى أمره والعياذ بالله، لا أنه سيصاب به بعد الشرب، إذ لا يفعل ذلك عاقل بحال من الأحوال!
يتبــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 08:57 PM
يتبـــع الموضوع السابق ( 3 )
إعجاز قرآني علمي أم مجرد ملاحظات ساذجة يعرفها كل أحد؟
والآن نأتي لتفسير الآيات المذكورة لنرى أفيها ما لم تكن العرب بل ما لم تكن البشرية كلها تعرفه أولاً، ونبدأ بقوله تعالى: "وهو الذي مَرَج البحرين: هذا عذبٌ فراتٌ، وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ، وجعل بينهما برزخا وحِجْرًا محجورا" (الفرقان/ 53)،إذ هو من الوضوح بمكان بحيث لا يثير مشاكل وخلافات حول المقصود بالبحرين هنا: أهما بحران مِلْحان أم بحرٌ عَذْبٌ وآخر مِلْح؟ وقد فسره بوكاى قائلا: "معروفةٌ تلك الظاهرة التي كثيراً ما نشاهدها عند عدم الاختلاط الفوري لمياه البحر الملحة بالمياه العذبة للأنهار الكبيرة. ويرى البعضُ أن القرآن يشير إليها لعلاقتها بمصبّ نَهْرَىْ دجلة والفرات، اللذين يشكلان بالتقائها بحرًا، إذا جاز القول، طوله 150 كم هو شط العرب. وفى الخليج ينتج تأثيرُ المدّ ظاهرةً طبيعيةً هي انحسار الماء العذب إلى داخل الأراضي، وذلك يضمن رِيًّا طيبا" (موريس بوكاى/ القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم/ 205).والحق أن هذا التفسير، رغم احترامي الكامل للدكتور بوكاى، هو تفسير غير مقنع: فمن الناحية اللغوية يصعب علىّ أن أوافق العالم الفرنسي علي أن أداة التعريف في كلمة "البحرين" هنا للعهد، الذي قيل على أساسه إن "البحرين" المذكورين هما شط العرب والخليج الذي يصب فيه. ذلك أن الآيات السابقة تتحدث عن الظل والرياح والماء والأنعام والأناسىّ، وهى مفاهيم عامة لا تشير إلى ظلٍّ بعينه ولا رياحٍ محدَّدة ولا أنعامٍ وأنَاسِىَّ مخصوصة، فلِمَ يقال إذن إن "البحرين" هنا هما بحران معينان (الخليج وشط العرب)؟ إن السياق الذي وردت فيه هذه الكلمة هو سياق عام، ومن ثم فإن بلاغة الكلام تقتضى أن يكون "البحران" أيضا هنا هما "النهر والبحر" بإطلاق، أي أن "أل" فيهما هي "أل" الجنسية لا العهدية. وقد يظن قوم أن كلمة "فُرَات" الواردة في النص القرآني هنا تشير إلى نهر الفرات، ومن ثم يستغربون قولي بعدم وجود قرينة تدل على أن السياق هنا سياق خاص لا عام، لكن لا بد أن نعرف أن كلمة "فُرَات" في النص ليست عَلَمًا على النهر المعروف في بلاد الرافدين، بل صفة للبحر الأول من البحرين المذكورين معناها "الشديد العذوبة". كذلك فماء النهر، مهما توغَّل بقوة اندفاعه إلى مدًى بعيد في داخل البحر أو المحيط واحتفظ أثناء ذلك بخصائصة وعذوبته، يختلط في النهاية بمائهما ويتحول من ثم إلى ماءٍ ملحٍ أُجَاج. فظاهر الأمر إذن أن النهر يبغى في البداية على البحر (حين يشق ماءه الملح ويزيحه عن طريقه) ليعود البحر فيبغى فى النهاية عليه (حين يختلط ماؤه العذب بماء البحر الملح الذي يُفْقِده خاصة العذوبة ويعطيه بدلا منها ملوحته)، فأين البرزخ يا ترى والحِجْر المحجور؟
أما "المنتخب في تفسير القرآن الكريم" فإنه يقول، في هامش خصَّصه للتعليق على هذه الآية، إنها ربما "تشير إلى نعمة الله على عباده بعدم اختلاط الماء الملح المتسرب من البحار في الصخور القريبة من الشاطئ بالماء العذب المتسرب إليها من البر اختلاطا تامّا، بل إنهما يلتقيان مجرد تلاق: يطفو العذب منهما فوق الملح كأن بينهما برزخا يمنع بَغْىَ أحدهما على الآخر وحِجْرًا محجورا، أي حاجزا خفيّا مستوراً لا نراه". لكن ثمة نقطة هامة يظهر أن كاتبَىْ هذا التعليق، رغم جدته وطرافته بالنسبة لي على الأقل، قد أغفلاها، إذ إن الماء العذب والماء الملح اللذين يلتقيان في الصخور على هذا النحو لا يمكن تسميتهما: "بحرين". ثم إذا كان الماءان في هذه الظروف لا يلتقيان، فإنهما في عُرْض البحر يلتقيان ويتمازجان ويصبحان في النهاية ماءً واحدًا كما قلنا من قبل.
يبدو لي، والله أعلم، أن البرزخ المذكور في الآية الكريمة هو القوانين التي بمقتضاها بَقِىَ كل من الماء العذب والماء الملح كلَّ هذه الدهور المتطاولة التي لا يعلم مداها إلا الله، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما هو لا يتغير. فالأنهار تصب في البحار والمحيطات، وكان المفروض، لو أن الأمر انتهى عند هذا الحد، أن يختلط الماءان اختلاطًا دائمًا فلا ينفصلا بعد ذلك أبدا، ويصبح كل الماء الموجود على سطح الأرض من ثَمَّ ماءً مِلْحًا. بَيْدَ أن التقدير الإلهي قد شاء أن يقوم البَخْر بحمل ماء البحار والمحيطات فتسوقه الرياح ليسقط على الجبال وينحدر إلى الأنهار ماءً عذبًا كما كان...وهكذا دواليك. وهكذا أيضا يبقى الماء العذب والماء الملح كما هما، ويتعايش البحران دون أن يبغى أحدهما على الآخر ويقضى عليه. فهذا هو البرزخ، وهذا هو الحِجْر المحجور فيما أفهم، والله أعلم. وهو، كما نرى، برزخٌ وحِجْرٌ غير مادي. إنه حاجز من قوانين لا من أحجار أو مسافات أو تضاريس. ومن الحواجز المعنوية أيضا "برازخ الإيمان" التي جاء في المعاجم أنها تفصل بين الشك واليقين أو التي تفصل ما بين أول الإيمان وآخره، والبرزخ الذي يفصل بين الدنيا والآخرة، و"الحِجْر" المذكور في القرآن على لسان المشركين: "وقالوا: هذه أنعامٌ وحرثٌ حِجْرٌ لا يطعمها إلا من نشاء"، أي محرَّم أكلها حسبما نصت الآية الكريمة، والتحريم (كما هو معروف) حاجزٌ معنوي لا مادي. كما أن قوله تعالى في الآية 22 من سورة "الفرقان": "حِجْرًا محجورًا" معناه: "حرامًا محَرَّمًا"... وهكذا. ولهذا قالت المعاجم وكتب التفاسير في البرزخ الفاصل بين البحرين إنه حاجز خفيّ من قدرة الله. ولا ننس أن القرآن لم ينف التقاء البحرين رغم وجود البرزخ، بل قال بصريح اللفظ: "مَرَج البحرين يلتقيان* بينهما برزخٌ لا يَبْغِيان"كما جاء في الآيتين 19- 20 من سورة "الرحمن". فالبرزخ موجود، ولكن الالتقاء حاصل أيضا لأن البرزخ في النص القرآني إنما يمنع بَغْى أحد البحرين على الآخر لكنه لا يمنع اللقاء بينهما.
يُقَال:ذي قلناه فَسَّر الطبري الآيتين المذكورتين فقال: "قَوْله: "هَذَا عَذْبٌ فُرَات"،الفُرَات: شَدِيد الْعُذُوبَة. يُقَال : هَذَا مَاءٌ فُرَات، أَيْ شَدِيد الْعُذُوبَة. وَقَوْله: "وَهَذَا مِلْح أُجَاج"،يَقُول: وَهَذَا مِلْحٌ مُرّ، يَعْنِي بِالْعَذْبِ الْفُرَاتِ مِيَاهَ الأَنْهَار وَالأَمْطَار، وَبِالْمِلْحِ الأُجَاجِ مِيَاهَ الْبِحَار. وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ، مِنْ نِعْمَته عَلَى خَلْقه وَعَظِيم سُلْطَانه، يَخْلِط مَاء الْبَحْر الْعَذْب بِمَاءِ الْبَحْر الْمِلْح الأُجَاج، ثُمَّ يَمْنَع الْمِلْح مِنْ تَغْيِير الْعَذْب عَنْ عُذُوبَته وَإِفْسَاده إِيَّاهُ بِقَضَائِهِ وَقُدْرَته لِئَلاّ يَضُرّ إِفْسَاده إِيَّاهُ بِرُكْبَانِ الْمِلْح مِنْهُمَا فَلا يَجِدُوا مَاء يَشْرَبُونَهُ عِنْد حَاجَتهمْ إِلَى الْمَاء، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: " وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا"، يَعْنِي حَاجِزًا يَمْنَع كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ إِفْسَاد الآخَر. "وَحِجْرًا مَحْجُورًا"، يَقُول: وَجَعَلَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا حَرَامًا مُحَرَّمًا عَلَى صَاحِبه أَنْ يُغَيِّرهُ وَيُفْسِدهُ". على أن هذا التفسير لا يمنع أن يدخل فيه التقاء ماء دجلة والفرات بماء الخليج العربي بوصفه إحدى الحالات التي يتبدَّى فيها القانون الذي شرحتُه آنفا لا بوصفه الحالة الوحيدة المقصودة في القرآن كما جاء في كلام الدكتور بوكاى، فضلا عن أن التفسير الذي ذكره يختلف عن تفسيري أنا حسبما وَضَّحْت.
وفى رأيي المتواضع أن آيات سورة "الرحمن" تدل على نفس هذا المعنى، لكن كاتب مقال "البرزخ المائي بين البحرين" في "موقع الإيمان على شبكة الإنترنت" يرى أن "البحرين" هنا بحران مالحان. وهذا نَصّ كلامه: "قال تعالى: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ* فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ؟* يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ"(الرحمن/ 19- 22)، وقال تعالى:"وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا" (النمل/61).لقد توصل علماء البحار، بعد تقدُّم العلوم في هذا العصر، إلى اكتشاف الحاجز بين البحرين، فوجدوا أن هناك برزخًا يفصل بين كل بحرين ويتحرك بينهما، ويسميه علماء البحار: "الجبهة" تشبيهًا له بالجبهة التي تفصل بين جيشين. وبوجود هذا البرزخ يحافظ كلُّ بحرٍ على خصائصه التي قدرها الله له، ويكون مناسبًا لما فيه من كائنات حية تعيش في تلك البيئة. ومع وجود هذا البرزخ فإن البحرين المتجاورين يختلطان اختلاطًا بطيئًا يجعل القَدْر الذي يعبر من بحر إلى بحر آخر يكتسب خصائص البحر الذي ينتقل إليه عن طريق البرزخ الذي يقوم بعملية التقليب للمياه العابرة من بحرٍ إلى بحرٍ ليبقى كل بحرٍ محافظًا على خصائصه تدرج العلم البشري لمعرفة حقائق اختلاف مياه البحار وما بينها من حواجز:
اكتشف علماء البحار أن هناك اختلافًا بين عيناتٍ مائيةٍ أُخِذَتْ من البحار المختلفة في عام 1284هـ- 1873م على يد البعثة العلمية البحرية الإنجليزية في رحلة تشالنجر، فعرف الإنسان أن المياه في البحار تختلف في تركيبها عن بعضها البعض من حيث درجة الملوحة ودرجة الحرارة ومقادير الكثافة وأنواع الأحياء المائية. ولقد كان اكتشاف هذه المعلومة بعد رحلة علمية استمرت ثلاثة أعوام، جابت جميع بحار العالم. وقد جمعت الرحلةُ معلوماتٍ من 362 محطة مخصَّصة لدراسة خصائص المحيطات، وملأت تقاريرُ الرحلة 29.500 صفحة في خمسين مجلدًا استغرق إكمالها 23 عاما. وإضافةً إلى كون الرحلة أحد أعظم منجزات الاستكشاف العلمي فإنها أظهرت كذلك ضآلة ما كان يعرفه الإنسان عن البحر.
بعد عام 1933م قامت رحلة علمية أخرى أمريكية في خليج المكسيك، ونشرت مئات المحطات البحرية لدراسة خصائص البحار، فوجدت أن عددا كبيرا من هذه المحطات تعطي معلوماتٍ موحَّدةً عن خصائص الماء في تلك المنطقة من حيث الملوحة والكثافة والحرارة والأحياء المائية وقابلية ذوبان الأكسجين في الماء، بينما أعطت بقيةُ المحطات معلوماتٍ موحَّدة أخرى عن مناطق أخرى، مما جعل علماء البحار يستنبطون وجود بحرين متمايزين في الصفات لا مجرد عينات محدودة كما علم من رحلة تشالنجر.
يتبــــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 09:00 PM
يتبـــع الموضوع السابق (4)
إعجاز قرآني علمي أم مجرد ملاحظات ساذجة يعرفها كل أحد؟
وأقام الإنسان مئات المحطات البحرية لدراسة خصائص البحار المختلفة، فقرر العلماء أن الاختلاف في هذه الخصائص يميز مياه البحار المختلفة بعضها عن بعض. لكن لماذا لا تمتزج البحار وتتجانس رغم تأثير قوّتي المد والجزر التي تحرك مياه البحار مرتين كل يوم، وتجعل البحار في حالة ذهاب وإياب، واختلاط واضطراب، إلى جانب العوامل الأخرى التي تجعل مياه البحر متحركة مضطربة على الدوام مثل الموجات السطحية والداخلية والتيارات المائية والبحرية؟ ولأول مرة يظهر الجواب على صفحات الكتب العلمية في عام 1361هـ-1942م، فقد أسفرت الدراسات الواسعة لخصائص البحار عن اكتشاف حواجزَ مائيةٍ تفصل بين البحار الملتقية، وتحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة والملوحة والأحياء المائية والحرارة وقابلية ذوبان الأوكسجين في الماء. وبعد عام 1962م عُرِف دورُ الحواجز البحرية في تهذيب خصائص الكتل العابرة من بحر إلى بحر لمنع طغيان أحد البحرين على الآخر فيحدث الاختلاط بين البحار الملحة، مع محافظة كل بحر على خصائصه وحدوده المحدودة بوجود تلك الحواجز. ويبين الشكل التالي حدود مياه البحر الأبيض المتوسط الساخنة والمِلْحة عند دخولها في المحيط الأطلسي ذي المياه الباردة والأقل مُلُوحة منها.
وأخيرًا تمكن الإنسان من تصوير هذه الحواجز المتحركة المتعرجة بين البحار المِلْحة عن طريق تقنية خاصة بالتصوير الحراري بواسطة الأقمار الصناعية، والتي تبين أن مياه البحار وإن بدت جسمًا واحدًا، إلا أن هناك فروقًا كبيرة بين الكتل المائية للبحار المختلفة تظهر بألوانٍ مختلفة تبعًا لاختلافها في درجة الحرارة. وفي دراسة ميدانية للمقارنة بين مياه خليج عمان والخليج العربي بالأرقام والحسابات والتحليل الكيمائي تبين اختلاف كل منهما عن الآخر من الناحية الكيميائية والنباتات السائدة في كل منهما ووجود البرزخ الحاجز بينهما. وقد تطلب الوصول إلى حقيقة وجود الحواجز بين الكتل البحرية وعملها في حفظ خصائص كل بحر قرابة مائة عام من البحث والدراسة اشترك فيها المئات من الباحثين، واستُخْدِم فيها الكثير من الأجهزة ووسائل البحث العلمي الدقيقة، بينما جَلَّى القرآنُ الكريمُ هذه الحقيقةَ قبل أربعة عشر قرنا. قال تعالى: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ؟* يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ" (الرحمن/ 19- 22)، وقال تعالى:"وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا"(النمل/61)".
هذا ما جاء في المقال المنشور على موقع "الإيمان على شبكة الإنترنت". والواقع أننى أميل إلى تفسير "البحرين" في سورتي "الفرقان" و"الرحمن" بأنهما بحران مختلفان، وأوثر هذا التفسير على القول بأن البحرين في هذه السورة هما بحران مالحان كلاهما، وعلى هذا فإني أرى أن البحرين في آيات سورة "الرحمن" أيضا هما البحر العذب والبحر الملح. والسبب في ذلك هو حرصي على أن يكون هناك انسجام بين آيات القرآن مراعاةً للسياق القرآني العام، إذ القرآن يفسّر بعضُه بعضًا كما هو معروف، وعلى هذا أرى أن تكون النصوصُ التي حددت البحرين بأنهما البحر العذب والبحر الملح حاكمةً على النصوص التي لم تحددهما. ولكني رغم ذلك لا أستطيع أن أخطّئ من يقولون بهذا التفسير مادامت الآية تقبله على وجه من الوجوه، إذ ليس في النص الكريم ما يجعل التفسير الثاني مرفوضا، بل الأمرُ أمرُ تفضيلِ تفسيرٍ على تفسيرٍ كما أوضحت. أما الحجة التي استند إليها من فسَّروا "البحرين" في النص الأخير بأنهما كليهما بحران مالحان، وهى أن المَرْجان قد ذُكِر فيه، وهو لا يُسْتَخْرَج إلا من المياه الملحة، فلست أراها حجة كافية، إذ المَرْجان عند معظم اللغويين والمفسرين القدماء هو صغار اللؤلؤ أو كباره، واللؤلؤ يُسْتَخْرَج من الأنهار أيضا مثلما يُسْتَخْرَج من البحار على ما سوف أُبَيِّن بعد قليل. لكنى مع ذلك لا أجد، كما قلت، مانعا أن يفسرها الآخرون بغير ما فسرتُها به ما دامت تقبل هذا التفسير. إنyohanfraisيشير إلى أن النص القرآني لا يذكر اختلاف مياه البحار من حيث درجة الملوحة ودرجة الحرارة ومقادير الكثافة وأنواع الأحياء المائية، وكلامه صحيح بلا جدال، لكنْ صحيحٌ أيضا أن علماء المسلمين الذين يتحدثون عن هذه الفروق لا يقولون إن القرآن قد ذكر هذا، بل كلّ مقصدهم أن دلالة الآية تشمله، فلا داعي من ثم إلى اتهامهم بأنهم يُقَوِّلون النص القرآني ما لم يقله.
هــذا، وقد اختتم كاتبُ المقــال المنشور على "موقــع الإيمان على شبكة الإنترنت" كلامه بالملاحظات التاليــة: "1- أن القرآن الكريم الذي أُنْزِل قبل أكثر من 1400سنة قد تضمَّن معلومات دقيقة عن ظواهرَ بحريةٍ لم تُكْتَشَف إلا حديثًا بواسطة الأجهزة المتطورة، ومن هذه المعلومات وجود حواجزَ مائيةٍ بين البحار. قال تعالى:"مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ"(الرحمن/ 19- 20). 2- يشهد التطور التاريخي في سير علوم البحار بعدم وجود معلومات دقيقة عن البحار، وبخاصة قبل رحلة تشالنجر عام 1873م، فضلاً عن وقت نزول القرآن قبل ألف وأربعمائة سنة الذي نزل على نبيٍّ أمِّيٍّ عاش في بيئة صحراوية ولم يركب البحر. 3- كما أن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين، وخاصة في النصف الأخير من القرن العشرين. وقبل ذلك كان البحر مجهولا مخيفا تكثر عنه الأساطير والخرافات، وكل ما يهتم به راكبوه هو السلامة والاهتداء إلى الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم الطويلة. وما عرف الإنسان أن البحار المِلْحة بحارٌ مختلفةٌ إلا في الثلاثينات من هذا القرن بعد أن أقام الدارسون آلافَ المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار، وقاسُوا في كلٍّ منها الفروقَ في درجات الحرارة، ونسبة الملوحة، ومقدار الكثافة، ومقدار ذوبان الأوكسجين في مياه البحار في كل المحطات فأدركوا بعدئذٍ أن البحار المِلْحَة متنوعة. 4- وما عرف الإنسانُ البرزخَ الذي يفصل بين البحار المِلْحَة إلا بعد أن أقام محطات الدراسة البحرية المشار إليها، وبعد أن قضى وقتًا طويلاً في تتبع وجود هذه البرازخ المتعرجة المتحركة التي تتغير في موقعها الجغرافي بتغير فصول العام. 5- وما عرف الإنسان أن ماءَيِ البحرين منفصلان عن بعضهما بالحاجز المائي ومختلطان في نفس الوقت إلا بعد أن عكف يدرس بأجهزته وسفنه حركةَ المياه في مناطق الالتقاء بين البحار، وقام بتحليل تلك الكتل المائية في تلك المناطق. 6- وما قرر الإنسان هذه القاعدة على كل البحار التي تلتقي إلا بعد استقصاء ومسح علمي واسع لهذه الظاهرة التي تحدث بين كل بحرين في كل بحار الأرض .
فهل كان يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المحطات البحرية، وأجهزة تحليل كتل المياه، والقدرة على تتبع حركة الكتل المائية المتنوعة؟ وهل قام بعملية مسح شاملة، وهو الذي لم يركب البحر قط، وعاش في زمن كانت الأساطير هي الغالبة على تفكير الإنسان، وخاصة في ميدان البحار؟ وهل تيسر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه من أبحاثٍ وآلاتٍ ودراساتٍ ما تيسر لعلماء البحار في عصرنا الذين اكتشفوا تلك الأسرار بالبحث والدراسة؟ إن هذا العلم الذي نزل بهالقرآن يتضمّن وصفًا لأدق الأسرار في زمنٍ يستحيل على البشر فيه معرفتها لَيَدُلّ على مصدره الإلهي كما قال تعالى: "قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ. إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا" (الفرقان/ 6).كما يدل على أن الذي أُنْزِل عليه الكتاب رسولٌ يُوحَى إليه. وصدق الله القائل: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ. أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ؟" (فصلت/ 53)".
والآن، وبعد أن نقلنا ما خرج به كاتب المقال المشار إليه من نتائج، نأتي إلى آية سورة "فاطر": "وما يستوي البحران: هذا عذبٌ فراتٌ سائغٌ شرابُه، وهذا ملحٌ أُجاج. ومِنْ كُلٍّ تأكلون لحمًا طريًّا وتستخرجون حِلْيَةً تلبسونها". ولسوف أتناولها من زاوية أخرى لأنها، كما سبق القول، لا تذكر شيئا عن البرزخ أو الحِجْر المحجور الذي يمنع أحد البحرين من البغي على الآخر. لقد قرأتُ هذه الآية مرات لا تحصى، لكنى لم أكن ألتفت إلى ما تؤكده من أن الحلىّ تُسْتَخْرَج من البحر والنهر كليهما، بل كنت أتصور أن اللؤلؤ والمرجان لا يوجدان إلا في البحار الِملْحة. ومنذ عدة سنوات كنت أقرأ هذه الآية، وفجأة تنبهتُ لما كان غائبا عنى، فتساءلت: هل توجد الحلىّ حقا في مياه الأنهار كما هي موجودة في البحار؟ وقد رجعتُ يومها إلى ترجمة عبد الله يوسف على للقرآن إلى الإنجليزية، فألفيتُه، في تعليقه على هذه الآية في الهامش، يذكر من أنواع الحلىّ النهري العقيقَ وبرادةَ الذهب وغيرهما. ثم رجعتُ بعد ذلك إلى "Encyclopaedia Britannica" (الطبعة الرابعة عشرة) فقرأتُ في مادة "Pearls" أن اللؤلؤ يوجد أيضا في المياه العذبة. وبعد هذا وقع في يدي "المنتخَب في تفسير القرآن الكريم"، الذي أصدره المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، فقرأتُ في التعليق العلمي الموجود بأسفل الصفحة على الآية المذكورة الكلام التالي الذي يبدو وكأنه كُتِب خصيصا لي: "قد يستبعد بعض الناس أن تكون المياه العذبة مصدرًا للحلىّ، ولكن العلم والواقع أثبتا غير ذلك: أما اللؤلؤ فإنه، كما يُسْتَخْرَج من أنواع معينة من البحر، يُسْتَخْرَج أيضا من أنواع معينة أخرى من الأنهار، فتوجَد اللآلئ في المياه العذبة في إنجلترا وأسكتلندا وويلز وتشيكوسلوفاكيا واليابان...إلخ، بالإضافة إلى مصايد اللؤلؤ البحرية المشهورة. ويدخل في ذلك ما تحمله المياه العذبة من المعادن العالية الصلادة كالماس، الذي يُسْتَخْرَج من رواسب الأنهار الجافة المعروفة باليرقة. ويوجد الياقوت كذلك في الرواسب النهرية في موجوك بالقرب من بانالاس في بورما العليا. أما في سيام وفى سيلان فيوجد الياقوت غالبا في الرواسب النهرية. ومن الأحجار شبه الكريمة التي تُسْتَعْمَل في الزينة حجرُ التوباز، ويوجد في الرواسب النهرية في مواقعَ كثيرةٍ ومنتشرةٍ في البرازيل وروسيا (الأورال وسيبريا)، وهو فلورسيليكات الألمونيوم، ويغلب أن يكون أصفرَ أو بُنّيًّا. والزيركون (circon) حَجَرٌ كريمٌ جذابٌ تتقارب خواصه من خواص الماس، ومعظم أنواعه الكريمة تُسْتَخْرَج من الرواسب النهرية".
ولكى يقدِّر القارئ رد فعلى الأول حق قدره أذكر أن بعض المترجمين الأوربيين أنفسهم في العصر الحديث قد استبعدوا أن تكون الأنهار مصدرًا من مصادر الحلىّ. وقد تجلَّى هذا في ترجمتهم لهذه الآية: فمثلا نرى رودويل الإنجليزي يترجم الجزء الخاص بالحلىّ منها هكذا: "yet from both ye eat fresh fish, and take forth ornaments to wear". فعبارة "from both" لا تعطى المعنى الموجود في الآية، وهو أن كلا من البحرين فيه حلىّ لا أن الحلىّ تستخرج منهما معا بما يمكن أن يكون معناه أنه يخرج من مجموعهما حتى لو لم يخرج في الواقع إلا من أحدهما، وهو ما قد يصلح لترجمة قوله تعالى في سورة "الرحمن": "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" (لاحظ: "منهما" لا "من كل منهما").كذلك ينقل رُودِى بارِيتْ المستشرق المعروف هذه العبارة إلى الألمانية على النحو التالي: "Aus beiden esst ihr frishes Fleish". إلى هنا والترجمة صحيحة، فهذه العبـارة تقابـل قوله تعالى: "ومن كلٍّ تأكلون لحمًا طريًّا"، وإن استخـدم بارِيتْ في مقابل "طريـًّا" كلمة "frishes"، ومعناها الدقيق "طازج". لكن فلْننتبه لترجمة الجزء التالى الذى يقول فيه: "und (aus dem Salzmeer) gewinnt ihr Schmuck...um ihn eukh anzulegen"، والذي تَرْجَمَته: "وتستخرجون (من البحر الملح) حلية تلبسونها". ويرى القارئ بوضوح كيف أن المترجم قد أضاف من عنده بين قوسين عبارة "من البحر الملح: aus dem Salzmeer" ، وهو ما يوحى باستبعاده أن تكون الأنهار مصدرا من مصادر اللؤلؤ والعقيق وغيرهما من أنواع الحلىّ على ما تقول الآية الكريمة. أما ترجمتا جورج سِيلْ وبَالمَْرْ الإنجليزيتان وترجمتا كازيمريسكى وماسون الفرنسيتان، وكذلك ترجمتا ماكس هننج ومولانا صدر الدين الألمانيتان على سبيل المثال، فقد ترجمت كلُّها النصَّ القرآنيّ كما هو، لكنها التزمت الصمت فلم تعلق بشيء.
ويرى القارئ من هذه الآية كيف أن القرآن قبل أربعة عشر قرنا قد أشار إلى حقيقة علمية يستبعدها ناس مثلي ومثل المستشرق الإنجليزي رودويل ونظيره الألماني رُودِى بارِيت ممن يعيشون في هذا العصر التي بلغ فيه التقدم العلمي والتقنى آمادا مذهلة، فكيف عرفها الرسول الكريم إذن وأدّاها بهذه البساطة لو كان هو مؤلف القرآن، وبخاصة أن الأنهار التي ذُكِر أن اللؤلؤ وغيره من الأحجار الكريمة وشبه الكريمة تُسْتَخْرَج منها تقع في بلاد سحيقة بالنسبة للجزيرة العربية، بل إن بعضها كالبرازيل مثلا لم يُكْتَشَف إلا في العصور الحديثة؟
يتبــــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 09:02 PM
يتبـــع الموضوع السابق (5)
إعجاز قرآني علمي أم مجرد ملاحظات ساذجة يعرفها كل أحد؟
ومن هنا نستطيع أن نفهم كيف أن المفسرين القدامى، كالطبري والقرطبى وابن كثير والجلالين على سبيل المثال، قد وقفوا حائرين إزاء هذه الآية وأمثالها حيث يقررون أن الحلىّ إنما تُسْتَخْرَج من البحر المِلْح فقط، وإن كان القرآن قد ذكر البحرين معا. يريدون أن يقولوا: إن العرب كانت تغلّب في مثل هذه الحالة أحدَ الطرفين على الآخر. بل إن بعضهم، محاولةً منهم الالتصاقَ بالآية وعدم الرغبة في اللجوء إلى المجاز هنا، قد قالوا إن المقصود بالبحر العذب هو ماء المطر، بمعنى أن اللؤلؤ والمَرْجان لا يتم تكونهما إلا إذا نزل ماء المطر على صَدَفهما في البحر فانعقد لؤلؤا ومَرْجانا. وهذا كله خَبْطٌ خاطئ، فالمطر لا يُسَمَّى: "بحرا"، فضلا عن أن القرآن الكريم قد نَصَّ على أن الحُلِىّ تُسْتَخْرَج من كلٍّ من البحرين، لا من مجموعهما كما يقول مفسرونا القدامى، ولهم العذر رغم أنهم جاؤوا بعد الوحي بعِدّة قرون كانت الحضارة الإسلامية قد قطعت أثناءها أشواطا في مجال العلم والفكر فسيحة، إذ إن المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع لم تُكْشَف إلا في العصر الحديث كما بيّنّا في الفقرات الأخيرة. وقد كانت هذه الحجة جاهزة في يدي في إحدى المناظرات التلفازية التي شاركتُ فيها منذ أعوام ضد من ينادون بإبعاد العلوم الطبيعية عن القرآن الكريم وعدم الاستعانة بها في تفسيره بشبهة أنه كتاب عقيدة وتشريع وأخلاق لا كتاب كيمياء أو فيزياء أو فلكٍ أو طبٍّ مثلا، إذ ها هم أولاء كبار المفسرين واللغويين يتجاهلون التركيب النحوي الواضح للعبارة القرآنية بسبب عدم توفر المادة العلمية بين أيديهم، فيعاملون تركيب "ومن كلٍّ..." على أن المراد به: "ومن مجموعهما..."، مع أن هذا غير ذاك تمامًا.
Le non mélange des eaux douces et salées
Dans le Coran, on parle en trois endroits d'une barrière séparant deux mers, l'une d'eau douce, l'autre d'eau salée, qui se rencontrent sans se mélanger (25:53, 35:12 et 55:19-20):
"Il (Dieu) a donné libre cours aux deux ondes, pour qu'elles se rencontrent ;comme il y a entre les deux une zone intermédiaire, elles ne s'en veulent pas. Eh bien, vous deux, lequel des bienfaits de votre Seigneur traiterez-vous de mensonge ?" Sourate 55:19-21
Le mot traduit ici par "zone intermédiaire" (barzakh) signifie "intervalle", "barrière", "fossé", "barre", "obstruction", "isthme".
"Et c'est Lui qui donne libre cours aux deux ondes : celle-ci, douce, rafraîchissante, celle-là, salée, amère. Et assigne entre les deux une zone intermédiaire et barrage barré." Sourate 25:53
"Les deux mers ne sont pas identiques: [l'eau de] celle-ci est potable, douce et agréable à boire, et celle-là est salée, amère. Cependant de chacune vous mangez une chair fraîche, et vous extrayez un ornement que vous portez. Et tu vois le vaisseau fendre l'eau avec bruit, pour que vous cherchiez certains [de produits] de Sa grâce. Peut-être serez vous reconnaissants" Sourate 35:12
Ces versets révéleraient selon certains interprètes musulmans, l'existence du non mélange des eaux fluviales dans la mer à l'embouchure car le mélange des eaux ne s'opère parfois que loin au large.
Cela est possible, mais ne sommes nous pas là devant une simple observation d'un phénomène naturel bien connu, qui est le non mélange immédiat des eaux de l'Euphrate et du Tigre avec celles de la mer, à leur débouché dans le golfe persique?
En effet, on peut observer à Bassorah (en Iraq), les eaux douces du Tigre se déverser dans l'Océan Indien. Dans la marée haute, on voit une masse d'eau salée de couleur verte côtoyant une masse d'eau douce de couleur rougeâtre sans qu'il y ait entre elles le moindre mélange.
Vous en conviendrez que ce spectacle impressionnant pour un homme d'aujourd'hui, devait l'être d'une plus ample mesure encore pour un homme du septième siècle!
Ceci dit, examinons ce que nous enseigne un conte de mythologie Babylonienne datant de plus de 3000 ans avant le Coran :
"A l'origine il n'y avait que Nammou, la mer primitive, l'océan cosmique. Elle engendra An et Ki, le ciel et la terre (...). Enki, enfin, parce qu'il est le dieu des eaux douces qui, en tant qu'elles s'opposent aux eaux salées de Nammou la mer primordiale, doivent être situées du côté du ciel, comme eaux de pluies". Conte babylonien
A cette lecture, nous constatons que le Coran n'a rien révélé!
De ce fait, si des musulmans aiment encore à alléguer, que ces versets coraniques révéleraient une vérité scientifique, il faudrait alors adopter la même attitude face aux textes mythologiques babyloniens, et en conclure qu'il y aurait là, une révélation divine faite aux Babyloniens, qui rappelons-le, sont polythéistes. Je ne pense pas qu'il faille en venir jusque là, mais simplement être honnête et se résoudre au fait que ces versets coraniques ne ressortent que d'une simple observation d'un phénomène naturelle, qui a été rapporté par d'autres hommes étant de civilisations antérieures de plusieurs millénaires à Mohammed.
Signalons aussi, que d'autres interprètes ont fait plus fort, et prétendent que le Coran révélerait ici l'existence de masses marines différentes l'une de l'autre, tant au niveau de la température, de la salinité, des organes vivant, de la solubilité de l'oxygène, ...
Examinons, ce que dit le Coran: celui-ci nous parle d'un non mélange d'eau douce (potable, rafraîchissante et agréable à boire) et d'une eau salée (amère). Le Coran n'indique en rien, la distinction de températures des eaux, des organes vivant, de la solubilité de l'oxygène. Ceci ne trouve aucune base dans le Coran alors que le Coran se dit être un exposé DETAILLE de TOUTE chose où RIEN n'est omis avec des versets bien clairs.
Le Coran parle juste d'une eau douce potable, et agréable à boire, mais cela n'existe pas des mers d'eau potable! C'est même un danger pour l'homme de croire en telles choses. En effet, boire de l'eau salée, risque de rendre la personne sujette à la folie...
Il n'est décidément pas bon pour le Coran d'y chercher des vérités scientifiques... D'autant plus que comme explicité, si malgré cela on accorde ici une révélation scientifique au Coran, il faut par conséquent agir de même vis-à-vis du mythe babylonien, et ainsi le Coran n'a rien révélé, mais a alors simplement répété ce qui a déjà été dit, ceci il y a plus de 3000 ans! Nous en arrivons toujours à la même conclusion, à savoir : être honnête et conclure que ces versets ne proviennent que de la simple observation d'un phénomène naturel.
En conclusion
Contrairement à ce qu'affirment certains commentateurs musulmans, de la lecture de ces versets, il ressort plutôt une méconnaissance scientifique et une ignorance qui considérées comme vérités scientifiques pourraient même mettre en danger la vie de personnes (voir eau de mer potable). Si néanmoins, certains refusaient de cesser de voir dans ces versets coraniques une révélation scientifique, il faudra en faire de même pour le conte babylonien... et ainsi, le seul miracle coranique se réduirait à répéter ce que d'autres ont déjà dit...
يمكن التواصل على الإيميل التالي:
<font color=
القلب الحزين
14-12-2013, 09:05 PM
هذا الموضوع أيضاً طويل شوي
إسماعيل أدهم، ذلك المغرور المنتحر
( 1 )
وقفة مع كتابه: "لماذا أنا ملحد؟"
بقلم: الدكتور إبراهيم العوض
إسماعيل أدهم كاتب تركى كتب عددا من دراساته بالعربية، وعاش فى مصر بعضًا من حياته حيث مات منتحرا سنة 1940م قبل أن يكمل عامه الثلاثين. وهو من الكتاب المسلمين القلائل على مدى تاريخ أمتنا الذين أعلنوا إلحادهم وكتبوا فيه ونافحوا عنه وحاولوا أن يسوّغوه من الناحية العقلية والفلسفية. وله فى ذلك كتيّب بعنوان "لماذا أنا ملحد؟". وقد أعلن فى هذا الكتيب أنه سعيد مطمئن لهذا الإلحاد، تماما كما يشعر المؤمن بالله بالسعادة والسكينة بل أكثر مما يشعر ذلك المؤمن. وفى هذا المقال نحاول أن نقلب هذا الأمر على وجوهه ونناقش مبررات ملحدنا وطريقة تفكيره والمنهج الذي اتبعه للتدليل على صحة اعتقاده والعِبَر التى يمكن استخلاصها من حياة الرجل وشخصيته.
وأول ما يلفت النظر فى كلام أدهم عن كفره بالله واليوم الآخر تناقضه الفِجّ، فهو مثلا حين يتكلم عن الإلحاد الذى انتهى إليه بعد دراسته للرياضيات فى روسيا يقول: "وكانت نتيجة هذه الحياة أني خرجت عن الأديان وتخليت عن كل المعتقدات وآمنت بالعلم وحده وبالمنطق العلمي، ولشد ما كانت دهشتي وعجبي أني وجدت نفسي أسعد حالا وأكثر اطمئنانا من حالتي حينما كنت أغالب نفسي للاحتفاظ بمعتقد ديني. وقد مكَّن ذلك الاعتقادَ في نفسي الأوساطُ الجامعيةُ التي اتصلتُ بها إذ درستُ مؤقتا فكرتي في دروس الرياضيات بجامعة موسكو سنة 1934... فأنا ملحد، ونفسي ساكنة لهذا الإلحاد ومرتاحة إليه، فأنا لا أفترق من هذه الناحية عن المؤمن المتصوف في إيمانه". ومعنى هذا بكل بساطة ووضوح أنه كان سعيدا بإلحاده وإنكاره لله والنبوات واليوم الآخر والثواب والعقاب الإلهيين، وهو ما أعاد د. قدرى حفنى تأكيده فى محاضرة له ألقاها منذ وقت غير بعيد، إذ قال: "في النصف الثاني من الثلاثينيات، وفي وقت شهد تعدد التيارات السياسية المختلفة، بل شهد كذلك بزوغ حركة الإخوان المسلمين، في ذلك الوقت نشر المفكر الإسلامي أحمد زكي أبو شادي مقالا في مجلة الإمام بعنوان "عقيدة الألوهية" يطرح فيه جذور عقيدة الألوهية في الإسلام. وأثار هذا المقال كاتبًا مصريًا شابا هو الدكتور إسماعيل أدهم فنشر مقالا مطولا لم يلبث أن حوله إلى كتيبٍ عنوانه: "لماذا أنا ملحد؟" يروي فيه المؤلف ذكرياته الشخصية عن معاناته الأهوال بين الشك والإيمان، ثم يختتمه مقررًا في وضوح كامل أنه بات مطمئنًا إلى ضميره واستقرت نفسه بعيدًا عن شاطئ الإيمان".
بيد أننا للأسف نفاجأ بانتحاره بعد ذلك بسنوات وأنه لم يكن سعيدا على الإطلاق، بل كان شقيا تعيسا إلى الدرجة التى لم تعد لديه معها أية مقدرة على التحمل والاستمرار فى الحياة فبَخَعَ نفسه بيده وانتحر. ومعنى هذا؟ معناه أنه كان يكذب علينا، أو ربما كان يكذب على نفسه، أو (وهو الأرجح) كان يكذب على نفسه وعلى الآخرين معا. وهذا هو خبر انتحاره: "في مساء الثالث والعشرين من شهر يوليو عام 1940م وُجِدَتْ جثة إسماعيل أدهم طافية على مياه البحر المتوسط، وقد عثر البوليس في معطفه على كتاب منه إلى رئيس النيابة يخبره بأنه انتحر لزهده في الحياة وكراهيته لها، وأنه يوصي بعدم دفن جثته في مقبرة المسلمين ويطلب إحراقها". ويقول عنه الزِّرِكْلى صاحب "الأعلام": "إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم باشا أدهم: عارف بالرياضيات، له اشتغال بالتاريخ، ولد بالإسكندرية وتعلم بها، ثم أحرز الدكتوراه في العلوم من جامعة موسكو عام 1931، وعُيِّنَ مدرساً للرياضيات في جامعة سان بطرسبرج، ثم انتقل إلى تركيا فكان مدرساً للرياضيات في معهد أتاتورك بأنقرة، وعاد إلى مصر سنة 1936 فنشر كتاباً وضعه في "الإلحاد" وكتب في مجلاتها. أغرق نفسه بالإسكندرية منتحرا".
لقد قتل الرجل نفسه لزهده فى الحياة وكراهيته لها حسبما كتب بخط يده إلى رجال النيابة فى مصر، فأين السعادة والاطمئنان اللذان كان يشعر بهما أثناء إلحاده كما كان يزعم؟ واقع الأمر أنه ينبغى أن يكون الإنسان حذرا فى تصديق ما يسمعه من أمثال أدهم وألا يعتقد إلا فى الحقائق الثابتة فقط. والواقع أن الملحدين هم أبعد الناس عن الشعور الحقيقى بالسعادة. إنهم ناس ضائعون مرتعبون رغم كل شقشقتهم وتظاهرهم بالتحدى للخالق وحرصهم على إعلان التمرد وتسميع الناس به. وكيف يكون الإنسان سعيدا، وهو يشعر بالخواء والوحشة من حوله، وبالظلام والخوف يلفه من كل جانب، ويرى نفسه فى أعماقه عاجزا ضعيفا مهما كان قويا صحيح البدن، وغنيا كبير الثراء، ومهما كان حوله من الأصدقاء والمعارف؟ إن هذا كله لا يمكنه أن يعوّضه عن فقدان الإيمان بالله سبحانه، الذى يمثل صمام الأمن الحقيقى فى كل الأوقات، والاطمئنان الراسخ فى الحاضر، والأمل المتين فى المستقبل: المستقبل القريب والمستقبل البعيد جميعا، هنا وفى العالم الآخر.
ومما يستحق التلبّثَ عنده فى كلام أدهم أيضا وصفُه أمه بقوله: "وأمي مسيحية بروتستانتية ذات ميل لحرية الفكر والتفكير، ولا عجب في ذلك فقد كانت كريمة البروفيسور وانتهوف الشهير. ولكن سوء حظي جعلها تُتَوَفَّى وأنا في الثانية من سِنِي حياتي". ترى بالله كيف عرف أنها كذلك، وقد ماتت وهو فى الثانية؟ أم تراه يزعم أنه كان من الوعى والعبقرية بحيث كان يستطيع، فى هذه السن التى لا يفهم الإنسان فيها شيئا أكثر من حاجته للطعام والشراب والسرور بالمناغاة والتدليل وما إلى ذلك، أن يدرك سعة أفق أمه وحريتها الفكرية؟ رحم الله صاحب المعرة، فلو كان حاضرا وسمع مثل هذا الكلام لقال بيته المشهور الذى شرّق وغرّب:
هذا كلامٌ له خَبِىءٌ ** معناه ليست لنا عقولُ!
والعجيب أن أختيه كانتا نصرانيتين، أى متأثرتين بوالدتهما رغم كلامه عن التعصب الشديد لوالده المسلم ورغم أنهما كانتا تعيشان فى بيئة إسلامية! وهو ما يعنى أن الأم كانت متعصبة لديانتها حتى إنها لم تبال أقل بالة بهذه الاعتبارات المذكورة ونشّأت بنتيها الاثنتين تنشئة نصرانية. أوهذا صنيع امرأة متفتحة الأفق حرة التفكير؟ ثم أين تعصب الوالد؟ وما علامته؟ لقد كانت بنتاه تذهبان إلى الكنيسة كل أحد حسب كلام صاحبنا، ثم لا تكتفيان بهذا بل تأخذان "أبا سُمْعة" معهما، فكيف تمّ ذلك لو كان الأب متعصبا؟ ومن ذلك الذى عوَّدهما الذهاب للكنيسة وتركهما تعلِّمان أخاهما تلك الديانة إذا كانت الأم قد ماتت وهو فى الثانية من عمره وكان الأب وأهله متعصبين لدرجة أن بُعْد هذا الوالد عنه لم يمنعه من فرض سيطرته عليه من الوجهة الدينية، إذ كلَّف زوجَ عمته أن يقوم بتعليمه من الوجهة الدينية، فكان يأخذه لصلاة الجمعة ويجعله يصوم رمضان ويقوم بصلاة التراويح، مما كان يثقل كاهل الطفل الذى لم يشتد عوده بعد، فضلا عن تحفيظه القرآن كما يقول أدهم نفسه؟
كذلك لا يدخل العقلَ أن يكون زوجُ العمة بهذا التشدد ثم لا يلحظ أن "المحفَّظ" الصغير يذهب كل أحد إلى الكنيسة، ومع أختيه أيضا! يا سلام على هذا التعصب والتشدد! إن هذا معناه أن الرجل أبله ونائم على أذنيه ولا يدرى كُوعَه من بُوعِه! ألم تفلت على الأقل من الطفل الصغير كلمة أو همسة أو إشارة تنبه العم التائه إلى ما يحدث؟ ألم يرهما أحد من الجيران أو الأقارب فيخبره يما يفعل أولاد صهره؟ إن مثل هذه الأمور لا يمكن كتمانها، وبخاصة إذا كان من يقوم بها أطفالا لا يعرفون الدهاء والالتواء بعد! وحتى لو افترضنا شدة دهائهم والتوائهم، فكيف كان من الممكن أن يكتموا أمرا كهذا يمارسونه على رؤوس الأشهاد، اللهم إلا إن كانوا يعيشون فى بيت مستقل لا يتدخل أى شخص فى حياتهم؟ لكن قول الكاتب: "كانت مكتبة والدي مشحونة بآلاف الكتب، وكان محرَّمًا علىَّ الخروج والاختلاط مع الأطفال الذين هم من سني" يدل على أنه وأختيه كانوا يخضعون لإشراف كبار الأسرة.
أى أن الحياة بالنسبة إليهم لم تكن سَدَاحَ مَدَاحَ، بل كانت هناك مراقبة لهم وإشراف على حياتهم من النوع الشديد، وهو ما يعنى أن التردد على الكنيسة لم يكن ليفوت عيون أولئك المراقبين المفتشين! أليس كذلك؟ ثم لو كان الوالد متعصبا كل هذا التعصب للإسلام والمسلمين كما يقول كاتبنا فكيف رَضِىَ أن يتزوج بامرأة نصرانية متعصبة كما هو واضح من أخذها بنتيهما بالتربية النصرانية رغم وجودها فى بلد مسلم ورغم انتماء زوجها إلى تركيا زعيمة العالم الإسلامى آنذاك؟ ثم لو غضضنا البصر عن هذا كله وقلنا إن البنتين كانتا تترددان على الكنيسة فى حماية أمهما الألمانية، فكيف ظلتا تتحديان المجتمع المسلم الذى كانتا تعيشان فيه، وتتحديان بوجه خاص عشيرة أبيهما، فتذهبان إلى الكنيسة بانتظام وتصطحبان أخاهما الصغير بعد موت تلك الوالدة؟ كذلك كيف يستقيم رمى الأب بالتعصب الشديد فى الوقت الذى رأينا ذلك الوالد لا يهتم بتنشئة ابنتيه تنشئة إسلامية، بل يتركهما لزوجته النصرانية الأجنبية تربّيهما على أصول ديانتها هى؟
وانظر إلى كاتبنا المداور حين يصف أمه النصرانية بتفتح الأفق والفهم والعطف، على حين يرمى أباه المسلم بالتشدد والقسوة: لقد رأيناه يتهم هذا الوالد بالتعصب الشديد، بينما يصف أمه بالتفكير الحر، فهى بنت البروفسور وانتهوف المشهور على حد قوله! وإن كنا لا نعرف ولا حاول سيادته أن يقول لنا: مشهور بماذا؟ ولا مشهور بالنسبة لمن؟ ولا فى أى تخصص كان بروفسيرا؟ فلماذا يا ترى سكت عن تجلية شخصية ذلك الجد؟ وكيف لم يظهر الرجل ولا زوجته فى حياة أحفادهما، وبخاصة بعد موت أمهما (التى هى ابنتهما)؟ أو ما هى العلاقة بين كون أمه ابنة البروفيسور وانتهوف وبين رحابة أفقها وسماحة عقيدتها؟ ثم إن أحدا لا يعرف هذا البروفسير فى العالم العربى ولا الإسلامى رغم كل تلك الشهرة التى يشير لها أدهم! ومن هذا الوادى أيضا نراه يقول إن زوج عمته كان يأخذه بالقسوة فى توجيهه الدينى له، أما أختاه فلم تكونا تفعلان أكثر من اصطحابه للكنيسة!
وعلى أية حال كان لا بد، فى رأى كاتبنا، أن تنتهى الأمور إلى ما انتهت إليه بناء على التعصب الإسلامى من جهة، والتسامح النصرانى من جهة أخرى. لقد حفظ القرآن الكريم (كما يقول، و"الكريم" هذه من عنديّاتى لا منه) وهو دون العاشرة، بما يدل على أن حفظه لم يكن أمرًا مُعْنِتًا، وإلا ما استطاعه فى ذلك الوقت المبكر من عمره: "غير أني خرجت ساخطا على القرآن لأنه كلفني جهدا كبيرا كنت في حاجة إلى صرفه إلى ما هو أحب إلى نفسي، وكان ذلك من أسباب التمهيد لثورةٍ نفسيةٍ على الإسلام وتعاليمه. ولكني كنت أجد من المسيحية غير ذلك، فقد كانت شقيقتاي، وقد نالتا قسطا كبيرا من التعليم في كلية الأمريكان بالأستانة، لا تثقلان عليّ بالتعليم الديني المسيحي. وكانتا قد درجتا على اعتبار أن كل ما تحتويه التوراة والإنجيل ليس صحيحا. وكانتا تسخران من المعجزات ويوم القيامة والحساب، وكان لهذا كله أثر في نفسيتي".
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 09:07 PM
يتبـــــع الموضوع السابق ( 2 )
إسماعيل أدهم، ذلك المغرور المنتحر
الواقع أن كلام أدهم لا يبعث على التصديق، فكله ثغرات، وثغرات قاتلة لا بد لمن يريد أن يقتنع بها أن يضع كفه على عينيه حتى لا يرى الحقائق الماثلة حياله والتى تصرخ بأعلى ما فى حِسّها أنه ليس فوق الشبهات والالتواءات! وإلا ففَضْلاً عن كل ما عرضتُه مما لا يقنع قطةً تموء لا بشرًا يفكر ويمكنه أن يجادل ويكذّب ويطالب بالبرهان واحترام العقل والمنطق، هناك كلامه عن أختيه اللتين كانتا لا تؤمنان بأى شىء فى الكتاب المقدس وتَسْخَران بالقيامة والحساب. بالله عليكم ماذا بقى فى النصرانية مما يمكن أن يؤمن الإنسان به إذا كان يكذّب بكتابها ويرفض ما تقوله عن المعجزات ويسخر به وينكر ما تحاول أن تغرسه فى نفوس أتباعها من وجود عالم آخر وجنة ونار وما إلى هذا؟ ألا إن أدهم لعجيب، ولا أريد أن أقول إنه كان كذابا أشرا كما كان كذابا أشرا حين زعم ببجاسة يُحْسَد أو لا يُحْسَد عليها أنه مطمئنّ لإلحاده أكثر مما يطمئنّ المؤمن المُخْبِت إلى دينه، ليأتى هو نفسه فيكذّب نفسه بنفسه ويضع حدا لحياته البائسة التاعسة التى طالما حاول كذبا أن يقنعنا أنها كانت وردا وريحانا ورَوْحا ونعيما مقيما، بينما هى، فى حقيقة الأمر، الجحيم والعذاب الأليم! وهذا فى الدنيا فقط، أما القيامة فأمره فيها إلى الله! وصدق المثل الشعبى: "أسمع كلامك أصدّقك، أشوف أمورك أستعجب!".
وقد عرَّف أدهم الإلحاد على النحو التالى: "الإلحاد هو الإيمان بأن سبب الكون يتضمنه الكون في ذاته وأن ثمة لا شيء وراء هذا العالم"، ومن رأيه أن "فكرة الله فكرة أولية، وقد أصبحت من مستلزمات الجماعات منذ ألفي سنة، ومن هنا يمكننا بكل اطمئنان أن نقول أن مقام فكرة الله الفلسفية أو مكانها في عالم الفكر الإنساني لا يرجع لما فيها عناصر القوة الإقناعية الفلسفية، وإنما يعود لحالة يسميها علماء النفس التبرير. ومن هنا فإنك لا تجد لكل الأدلة التي تقام لأجل إثبات وجود السبب الأول قيمة علمية أو عقلية. ونحن نعلم مع رجال الأديان والعقائد أن أصل فكرة الله تطورت عن حالات بدائية، وأنها شقت طريقها لعالم الفكر من حالات وهم وخوف وجهل بأسباب الأشياء الطبيعية. ومعرفتنا بأصل فكرة الله تذهب بالقدسية التي كنا نخلعها عليها".
وبغض البصر عما فى كلام صاحبنا من تأكيدات عجيبة غريبة يرجم فيها بالغيب عن جهل وغرور قائلا إن فكرة الألوهية قد طرأت على الفكر البشرى منذ ألفى سنة، وكأنه كانت معه آنذاك مفكرة يقيد فيها حوادث الدنيا وتطوراتها الفكرية أولا بأول حتى لا تضيع فى طيات النسيان، فمن الغريب أن يقول إن سبب الكون يتضمنه الكون فى ذاته، أى أن السبب لاحق للمسبَّب لا العكس، بمعنى أن وجود الكون قد وقع أوّلاً، ثم وقع السببُ فى هذا الوجود بعد ذلك، وأخيرا جاء دور البحث عن السبب فى داخله، وهو ما يجافى المنطق تمام المجافاة. إن هذا إنما يصح لو كان مراده القول بأن العالم إله لا يحتاج شيئا خارجه، فهو الكمال المطلق الموجود منذ الأزل وإلى الأبد. ولا يقولَنّ قائل: فليكن هذا هو المعنى الذى قصده أدهم، نعم لا يقولن قائل ذلك لأن كلام أدهم إنما يدور حول هذا الكون المادى الذى نعرفه، ونعرف كذلك (ويعرف هو أيضا معنا) أنه كون بلا عقل ولا إرادة، والذى يمثّل فيه الإنسان أرقى كائناته، والإنسان (كما نعرف جميعا ولا يحتاج إلى أى برهان لأنه من الوضوح بمكان مكين وركن ركين) لا يعلم من أمور الكون إلا الفتافيت التى لا تسمن ولا تغنى من جوع العقل أو النفس والتى أنفق فى تحصيلها على تفاهتها وتبعثرها ملايين السنين كما يقول علماء الطبيعة. فإذا كان هذا هو حال أرقى كائنات ذلك الكون، فما بالنا بسائر الكائنات، تلك التى لا تعقل كما يعقل الإنسان ولا لها إرادة كالتى لدى الإنسان أو كالتى يتصور الإنسان أنها لديه، على الأقل من واقع قدرته على تغيير كثير من مظاهر حياته وتطويرها باستمرار على عكس بقية الكائنات، جمادات كانت أو حيوانات. وإذا كان هذا هو حال أرقى الكائنات فى هذا الكون، فكيف يتصور متصور أن هذا الكون الهائل باتساعه الهائل الذى يقاس الآن بملايين السنين الضوئية تبعًا لمحدودية معارفنا الحالية، ثم غدًا بالمليارات من تلك السنين، وبعد غد بالتريليونات منها مع اتساع دائرة معارفنا، وكذلك بما يحويه من معارف وأسرار وما يقوم عليه من نظام دقيق معقد يقف الإنسان أمامه حائرا بائرا مبهورا محسورا ولا يستطيع فى معظم أحواله إزاءه حولا ولا طولا بل يستسلم له استسلام الصاغر الذليل مهما أوتى من قوة ومن علم ومن مال ومن معونة كما فى حالة كثير من الأمراض، وكما فى حالة الموت، وكما فى حالة الزلازل والبراكين، وكما فى حالة العجز عن مواجهة بعض مسائل الفكر والعلم والعمل، وكما فى حالة فقدان الذاكرة، وكما فى حالة الجهل بالغيب، وكما فى حالة الخيانة الزوجية مثلا، هو وجود شيطانى ونظام عشوائى لا يحتاج إلى إله؟ هل يمكن أن يتفوق الأدنى فى كل شىء (وهو الكون المادى العاجز تمام العجز) على الأعلى (الذى هو الإنسان ذو القدرات مهما تكن هذه القدرات موهوبة ومحدودة ونسبية) ويتحكم فيه ويأخذه يمينًا ويسارًا وأمامًا ووراءً وفوقًا وتحتًا كما يحلو له، والأعلى فى كل الأحوال صاغر عاجز عن أن يقول له: لا؟ بل قبل ذلك كيف يا ترى يكون الأعلى هو مِنْ خَلْق الأدنى؟ وأى أدنى؟ إنه الأدنى الأعمى الأصم الأخرس الأشلّ الذى لا يملك من أمر نفسه ولا من أمر غيره شيئا البتة!
وإذا كان أدهم يقول عن انتهائه إلى الإلحاد وتخليه عن الإيمان بالله: "إن الأسباب التي دعتني للتخلي عن الإيمان بالله كثيرة: منها ما هو علمي بحت، ومنها ما هو فلسفي صرف، ومنها ما هو بين بين، ومنها ما يرجع لبيئتي وظروفي، ومنها ما يرجع لأسباب سيكلوجية، وليس من شأني في هذا البحث أن أستفيض في ذكر هذه الأسباب، فقد شرعتُ منذ وقت أضع كتابا عن عقيدتي الدينية والفلسفية، ولكن غايتي هنا أن أكتفي بذكر السبب العلمي الذي دعاني للتخلي عن فكرة "الله"، وإن كان هذا لا يمنعني من أعود في فرصة أخرى (إذا سنحت لي) لبقية الأسباب"، بما يفيد أن الأسباب لا بد منها بالنسبة للكون، فلماذا يستثنى سيادته، من مبدإ السببية، الكون فى بدايته، زاعما أنه لا سبب له أو أن السبب متضمَّن فى ذاته؟ وإذا كانت الأسباب عنصرا أصيلا من عناصر الكون لا يمكن أن يتم شىء فيه دونها، فمن الذى جعلها هكذا؟ ثم من الذى قضى باستثنائها فى حالة الكون فى مبتدإ أمره؟ أسئلة لا يحاول أدهم ولا غيره من الملاحدة أن يقفوا إزاءها قليلا ليجيبوا عليها، والسبب أنها تفضحهم وتكشف زيف منطقهم وترينا تهافتَ عقولهم وفجاجةَ تفكيرهم وتسرُّعَهم ونزقَهم وأن الأمر عندهم لا يستند لغير نزعة التمرد ليس إلا!
وإذا كان الشىء بالشىء يُذْكَر فقد كتب صاحبنا عن إسماعيل مظهر ذى الأصول التركية مثله مثنيا على إلحاده (حين كان مظهر يعلن عن ذلك الإلحاد ويباهى به)، متغزلا فى عقليته وعبقريته وأستاذيته، وجاعلا منه المثل الأعلى للكتاب والمفكرين، ومتحدثا عنه على أساس أنه سيفتح عكا وغير عكا. ويجد القارئ هذا الكلام عن مظهر وغيره ممن يسميهم أدهم بــ"أبطال التفكير الحر فى مصر" فى عدد يناير1938م من مجلة "الحديث" الحلبية التى كان يحررها سامى الكيالى، ثم ننظر بعد ذلك فنجد مظهر ينزع عن نفسه ثياب الإلحاد ويعود إلى حظيرة الإسلام فيكتب منافحا عنه بعد أن كان لا يعجبه العجب فيه، وكان يجاهر بإلحاده ويتنزَّى تمردًا على الإيمان وتحديًّا للمؤمنين. وبالمثل كتب أدهم عن طه حسين بحثا مستقلا صدر عن نفس المجلة وفى نفس العام، يمدحه فيه هو أيضا بالإلحاد والثورة على الدين، وإن كان الكيالى، حين طبعه كمقال فى أحد أعداد المجلة ذاتها، قد حذف منه كلام أدهم عن إلحاد طه ووضع مكانه نقطا. والغريب أن الكيالى استشاط غضبا ممن وصفوا الدكتور طه حسين بالإلحاد (مع طه حسين/ سلسلة "اقرأ"/ العدد 301/ 2/ 56 وما بعدها)، مع أنه لم يجد فيما كتبه أدهم عن إلحاد طه ما يدفع إلى الغضب! ولكن لا تأخذ فى بالك أيها القارئ، فهذا ديدن فريق من الكفرة الملحدين: يريدون ألا يكشف أحد من المؤمنين حقيقتهم، ويعملون بكل ما فى طاقتهم على التشكيك فى الكتابات الصادقة الموثقة التى تفضحهم وتعرِّى ما يخفونه فى أعماق قلوبهم رياءً ومخادعة. وإنى لأرى أن أدهم أشرف من الكيالى وطه حسين كثيرا لأنه كان واضحا فى إلحاده رغم ما أخذناه عليه من اضطراب فى الفكر، إلا أن طه حسين والكيالى وأضرابهما لا يَفْضُلون أدهم فى هذه النقطة الأخيرة كثيرا.
ويقول أدهم أيضا: "إن العالم الخارجي (عالم الحادثات) يخضع لقوانين الاحتمال، فالسنة الطبيعية لا تخرج عن كونها اشتمال القيمة التقديرية التي يخلص بها الباحث من حادثة على ما يماثلها من حوادث. والسببية العلمية لا تخرج في صميمها عن أنها وصف لسلوك الحوادث وصلاتها بعضها ببعض. وقد نجحنا في ساحة الفيزيقا (الطبيعيات) في أن نثبت أن (أ) إذا كانت نتيجة للسبب فإن معنى ذلك أن هناك علاقة بين الحادثتين (أ) و (ب). ويحتمل أن تحدث هذه العلاقة بين (أ) و(ج) وبينها وبين (د) و(هـ) فكأنه يحتمل أن تكون نتيجة للحادثة (ب) وقتا، وللحادثة (ج) وقتا آخر، وللحادثة (د) حينا، وللحادثة (هـ) حينا آخر. والذي نخرج به من ذلك أن العلاقة بين ما نطلق عليه اصطلاح السبب وبين ما نطلق عليه اصطلاح النتيجة تخضع لسنن الاحتمال المحضة التي هي أساس الفكر العلمي الحديث. ونحن نعلم أن قرارة النظر الفيزيقي الحديث هو الوجهة الاحتمالية المحضة. وليس لي أن أطيل في هذه النقطة، وإنما أحيل القارئ إلى مذكرتي العلمية لمعهد الطبيعيات الألماني والمرسلة في 14 سبتمبر سنة 1934 والتي تُلِيَتْ في اجتماع 17 سبتمبر ونُشِرَتْ في أعمال المعهد لشهر أكتوبر عن "المادة وبنائها الكهربائي". وقد لخصت جانبا من مقدمتها بجريدة "البصير" عدد 12120 المؤرخ الأربعاء 21 يوليه سنة 1937. وفي هذه المذكرة أثبتُّ أن الاحتمال هو قرارة النظر العلمي للذرّة، فإذا كان كل ما في العالم يخضع لقانون الاحتمال فإني أمضي بهذا الرأي إلى نهايته وأقرر أن العالم يخضع لقانون الصدفة".
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 09:08 PM
يتبـــــع الموضوع السابق ( 3 )
إسماعيل أدهم، ذلك المغرور المنتحر
ونحن نوافقه على ما قاله بعض الموافقة ونخالفه فيه كثيرا من المخالفة. كيف؟ الذى نعتقده هو أنه لا يوجد شىء حتمى فى طبيعة السبب والمسبب فى عالم الطبيعة يجعل المسبب ينشأ عن السبب الذى نعزوه له، لكننا لا نقصد بذلك أن الكون عار عن النظام وأنه يجرى سبهللا لا يخضع لقانون العِلِّيّة، بل نريد القول بأن الذى جعل الأمر هكذا هو الله سبحانه، فهو السبب الحقيقى لكل شىء، إلا أن حكمته سبحانه اقتضت أن تكون هناك فى ذات الوقت عوامل قريبة مباشرة نعزو لها نحن السبب فى وجود ما نراه يترتب عليها كلما تحققت هذه العوامل. ولأن حكمته وإرادته عز وجل هى التى تقف وراء هذا النظام كان من المستحيل على أحد من المخلوقات كَسْر هذه العِلِّيّة، وإلا لكان فى مقدور أى منا متى ما توجهت إرادته إلى شىءٍ ما أن يقع هذا الشىء كما نريد بالضبط. لكنْ ما أقلَّ استطاعتنا إنجاز ما نتطلع إليه! وما أكثر ما نعجز عن ذلك تمام العجز! وهذا كله فى الأمور الجزئية لا غير، أما أن نغير النظام ذاته، أى القوانين التى يسير عليها الكون، فكلا وألف كلا! فلماذا كان ذلك يا ترى إلا أن تكون هناك إرادة أقوى من إرادتنا؟ بل لماذا وُجِد الكون أصلا إن لم تكن هناك قوةٌ خالقةٌ أوجدتْه بعد أن لم يكن له وجود؟
لكن تلك القوة المطلقة لو أرادت نظاما آخر للعالم لكان لها ما أرادت دون أن يمنعها من ذلك مانع: لا من طبيعة الأشياء ولا من إرادة أى مريد، بمعنى أن الله لو أراد أن يتنفس الإنسان من أذنه أو من مسام جلده مثلا بدلا من أنفه ورئتيه، أو ألا يتنفس أصلا لأنه لا حاجة به إلى التنفس، وأن يأكل ويشرب بأصابع قدميه بدلا من أصابع يده، أو ألا يحتاج إلى الأكل والشرب أصلا، وأن يقرأ بأنفه أو لسانه بدلا من عينيه، وأن يفكر ويفهم بساقه أو ببطنه بدلا من عقله ومخه، وأن يسمع النكتة فيبكى أو يرتعب أو يصاب بالصداع أو بالإمساك بدلا من أن يضحك ويقهقه، وأن يرى المرأة الجميلة فيحس بالاشمئزاز بدلا من الإعجاب والابتهاج، وأن يشم رائحة البَرَاز والنفايات فيسيل لعابه وينتشى بدلا من النفور والتقزز والتفزز... لكان له ما أراد دون معقِّب أو مُرَاجِع! لكنه ما دام قد أراد ما هو موجود الآن فى الكون فلا أحَدَ مستطيعٌ أن يغيره إلى شىء آخر لم يرده الله سبحانه.
بيد أن كاتبنا يزعم ههنا "أن مقام فكرة الله الفلسفية أو مكانها في عالم الفكر الإنساني لا يرجع لما فيها عناصر القوة الإقناعية الفلسفية، وإنما يعود لحالة يسميها علماء النفس التبرير، ومن هنا فإنك لا تجد لكل الأدلة التي تقام لأجل إثبات وجود السبب الأول قيمة علمية أو عقلية. ونحن نعلم مع رجال الأديان والعقائد أن أصل فكرة الله تطورت عن حالات بدائية، وأنها شقت طريقها لعالم الفكر من حالات وهم وخوف وجهل بأسباب الأشياء الطبيعية. ومعرفتنا بأصل فكرة الله تذهب بالقدسية التي كنا نخلعها عليها". يقصد أن العقل البشرى إنما يفكِّر فى وجود إله لهذا الكون بسبب الوهم والجهل والخوف الذى يشعر به ويعانيه أمام عظمة هذا الكون واتساعه الهائل الذى لا يمكن أن يتخيله متخيل وما فيه من أسرار وتعقيدات وما تقع فيه من مصائب وويلات! عظيم! لكنه لم يحاول أن يقول لنا: من يا ترى الذى جعل البشر أمام هذه الأشياء يفترضون وجود إله إذا لم يكن لهذا الإله وجود أصلا؟ ترى من الذى ركَّب الكون على هذا النحو بحيث يبحث الإنسان عن إله ما دامت لا ألوهية هناك ولا يحزنون؟ إن الإنسان مثلا إنما يشعر بالجوع لحاجته إلى الطعام الذى هو موجود، ويشعر بالشهوة الجنسية لحاجته إلى المرأة التى هى موجودة. وكان قبل الطيران كذلك يتوق إلى أن يسبح فى الفضاء، وكانت سباحة البشر فى الفضاء موجودة هى أيضا فى ضمير الكون، أى كان وجود طيرانه حينذاك وجودا بالقوة لا بالفعل، ثم جاءت محاولات الإنسان وتجاريبه واجتهاداته فحولت هذا الوجود من وجود بالقوة إلى وجود بالفعل. وقس على حاجات الإنسان التى ذكرنا طرفا منها رحلة بعض الطيور والأسماك لمسافة آلاف الأميال فى مواسم معينة للتزاوج أو للبحث عن الغذاء... وأستطيع أن أمضى فى ضرب هذه الأمثلة فلا أنتهى أبدا، فلماذا يا ترى يريد أدهم وغيره من الملاحدة استئناء الشعور بالحاجة إلى الله من هذه الظاهرة، بل قل: من هذا المبدإ؟
ومع أدهم ومجادلاته السوفسطائية نمضى فنجده يقول محاولا نفى وجود الله وإثبات أن ما نشاهده فى الكون من نظام دقيق معقد باهر: "يمكننا أن نقول إن الصدفة التي تخضع العالم لقانون عددها الأعظم تعطي حالات إمكان. ولما كان العالم لا يخرج عن مجموعة من الحوادث ينتظم بعضها مع بعض في وحدات وتتداخل وتتناسق ثم تنحل وتتباعد لتعود من جديد لتنتظم... وهكذا، خاضعة في حركتها هذه لحالات الإمكان التي يحددها قانون العدد الأعظم الصدفي، ومثل العالم في ذلك مثل مطبعة فيها من كل نوع من حروف الأبجدية مليون حرف، وقد أخذت هذه الحركة في الاصطدام فتجتمع وتنتظم ثم تتباعد وتنحل هكذا في دورة لانهائية، فلا شك أنه في دورة من هذه الدورات اللانهائية لابد أن يخرج هذا المقال الذي تلوته الآن، كما أنه في دورة أخرى من دورات اللانهائية لابد أن يخرج كتاب "أصل الأنواع" وكذا "القرآن" مجموعا منضَّدًا مصحَّحًا من نفسه. ويمكننا إذن أن نتصور أن جميع المؤلفات التي وضعت ستأخذ دورها في الظهور خاضعة لحالات احتمال وإمكان في اللانهائية، فإذا اعتبرنا (ح) رمزا لحالة الاحتمال و(ص) رمزا للنهائية كانت المعادلة الدالة على هذه الحالات: ح = ص. وعالمنا لا يخرج عن كونه كتابا من هذه الكتب ، له وحدته ونظامه وتنضيده إلا أنه تابع لقانون الصدفة الشاملة".
لكن أدهم يـَسْتَبْلِه، شأنُه شأنُ الملاحدة عندما يقفزون فوق مسألة خلق العالم فيقفوننا مرة واحدة أمام نظام العالم دون أن يجيبوا على السؤال الخاص بخالق الكون، وكأن الكون بطبيعة حاله فى غنى عن خالق يوجده بعد إذ لم يكن موجودا. إن المادة التى يتصور أدهم أنها كانت موجودة منذ الأزل لا يمكن أن تكون مستغنية عن مُوجِدٍ لها. ذلك أنها، كما نعرف ويعرف أدهم معنا، عمياء بكماء شلاء عاجزة عجزا تاما فلا إرادة لها ولا قدرة و لا توجّه، وكائنٌ مثلها لا يمكن أن يكون هو الموجود المطلق الذى لا أول له ولا آخر ولا يستطيع الزمان أو المكان أو الضعف أو العجز أو الخوف أو المرض أو الموت أن يَحُدّه ويقيّده على أى نحو من الأنحاء، على عكس الوجود الإلهى الذى لا بد منه كى يستقيم أمر الكون وأمر العقل والمنطق على السواء، وإلا ظللنا نرجع إلى الوراء القهقرى دون جدوى ودون توقفٍ باحثين عن كائنٍ يكون هو الكائن المطلق الذى لا يسبقه فى الوجود شىء، ويحتاج إليه كل كائن آخر فى الوقت الذى لا يحتاج هو إلى أى كائن سواه. ومرة أخرى نقول: أيهما هو الذى يقضى به المنطق إلها يُوجِد ما سواه ولا يُوجِده ما سواه؟ الله بكل صفات الكمال والقدرة المطلقة التى نعرفها ويوجبها العقل والمنطق أم المادة العمياء البكماء الشلاء العاجزة التى نراها ونلمسها ونشمها ونسمعها من حولنا ولا نتصور أبدا أنها يمكن أن تكون قد خلقتنا؟
هكذا إذن يظن أدهم ومن هم على غِرَاره أنهم قادرون على ملاعبتنا لعبة الثلاث ورقات، لكن هذا لا يصح استعماله فى عالم العقائد، وإن صح الضحك به فى الموالد الشعبية على ذقون المتخلفين من الأميين وأضرابهم من الأغبياء الطماعين! هذه واحدة، والثانية أن ثمة سؤالا يتجاهله الملاحدة هنا، ألا وهو: من يا ترى الذى اقتضى دفع المادة العمياء البكماء الشلاء العاجزة فجزّأها إلى تريليونات تريليونات الأجزاء بعد أن كانت فى بداءة أمرها كتلة سديمية واحدة، وحرّكها بعد أن كانت ساكنة لا تَرِيم؟ ومن الذى اقتضى أن تكون هناك تلك الاحتمالات اللانهائية التى يشير إليها صاحبنا؟ ومن الذى اقتضى أن يكون من بين تلك الاحتمالات اللانهائية احتمال انتظامها على النحو الذى هى عليه الآن؟ ثم من الذى اقتضى أنها متى ما وصلت إلى تلك الحالة أن تثبت عليها فلا تتحول عنها؟ وقبل ذلك من الذى اقتضى أن يكون هذا النظام مباطنًا للكون أصلا؟ وقَبْلَ قَبْلِ ذلك من الذى خلق هذه المادة العمياء البكماء الصماء الشلاء العاجزة؟ كل هذه أسئلة يتم تجاهلها بغير براعة ظنا من المتجاهلين أنهم يستطيعون أن يدلّسوا بهذا التجاهل على الآخرين. لكنْ بعيدة عن شاربكم أنت وهو وهو أيها الملحدون!
ويورد كاتبنا المتعجل الذى يفتقر للنضج ما قاله اثنان من كبار علماء الرياضيات والفَلَك فى الغرب فى هذا الصدد إيراد المعترض على ما يقولان: "يقول ألبرت أينشتاين صاحب نظرية النسبية في بحث قديم له: "مثلنا إزاء العالم مثل رجل أتى بكتاب قيم لا يعرف عنه شيئا، فلما أخذ في مطالعته وتدرج من ذلك لدرسه وبان له ما فيه من أوجه التناسق الفكري شعر بأن وراء كلمات الكتاب شيئا غامضا لا يصل لكُنْهه. هذا الشيء الغامض الذي عجز عن الوصول إليه هو عقل مؤلفه، فإذا ما ترقى به التفكير عرف أن هذه الآثار نتيجة لعقل إنسان عبقري أبدعه. كذلك نحن إزاء العالم، فنحن نشعر بأن وراء نظامه شيئا غامضا لا تصل إلى إدراكه عقولنا. هذا الشيء هو الله". ويقول السير جيمس جينز الفلكي الإنجليزي الشهير: "إن صيغة المعادلة التي توحد الكون هي الحد الذي تشترك فيه كل الموجودات. ولما كانت الرياضيات منسجمة مع طبيعة الكون كانت لنا به. ولما كانت الرياضيات تفسر تصرفات الحوادث التي تقع في الكون وتربطها في وحدة عقلية فهذا التفسير والربط لا يحمل إلا على طبيعة الأشياء الرياضية. ومن أجل هذا لا مندوحة لنا أن نبحث عن عقل رياضي يتقن لغة الرياضة يرجع له هذا الكون. هذا العقل الرياضي الذي نلمس أثاره في الكون هو الله". وأنت ترى أن كليهما (والأول من أساطين الرياضيات في العالم، والثاني فلكي ورياضي من القدر الأول) عجز عن تصور حالة الاحتمال الخاضعة لقانون الصدفة الشاملة والتي يتبع دستورها العالم، لا لشيء إلا لتغلُّب فكرة السبب والنتيجة عليهما". وكما يرى القارئ فالعالمان المذكوران يجريان مع العقل والمنطق السلس، إلا أن ذلك لا يعجب كاتبنا العجول النَّزِق كما سوف نرى. ونحن نضيف أنه ما دام لكل شىء سبب يقف وراء إيجاده، وأنه كلما كان الشىء الموجود ضخما معقدا باهرا كان موجده أمعن فى المقدرة والإرادة والتنظيم وما إلى ذلك، وأن الكون باتساعه الهائل الذى لا تحيط به الظنون ولا الأوهام، وبنظامه المعقد العديم النظير الذى يصيب متأمله بالدوار والانبهار، يقتضى أن يكون موجدُه من القدرة والإرادة والتنظيم على نحوٍ لا يضاهَى ولا يُعْرَف له حدود ينتهى إليها ولا يستطيع تجاوزها.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 09:10 PM
يتبـــــع الموضوع السابق ( 4 )
إسماعيل أدهم، ذلك المغرور المنتحر
ومع ذلك نرى كاتبنا المغرور يعلق على هذا بقوله: "الواقع أن أينشتين في مثاله انتهى إلى وجود شيء غامض وراء نظام الكِتَاب عبر عنه بعقل صاحبه (مؤلفه). والواقع أن هذا احتمالٌ محضٌ، لأنه يصح أن يكون خاضعا لحالة أخرى ونتيجة لغير العقل. ومَثَلنا عن المطبعة وحروفها وإمكان خروج الكتب خضوعا لقانون الصدفة الشامل يوضح هذه الحالة. أما ما يقول السير جيمس جينز فرغم انه أخطأ في اعتباره الرياضة طبيعة الأشياء لأن نجاح الوجهة الرياضية في ربط الحوادث وتفسير تصرفاتها لا يحمل على أن طبيعة الأشياء رياضية، بل يدل على أن هنالك قاعدة معقولة تصل بينه وبين طبيعة الأشياء. فالأشياء هي الكائن الواقع، والرياضيات ربط ما هو واقع في نظام ذهني على قاعدة العلاقة والوحدة. وبعبارة أخرى أن الرياضيات نظام ما هو ممكن والكون نظام ما هو واقع، والواقع يتضمنه الممكن، ولذلك فالواقع حالة خصوصية منه. ومن هنا يتضح أنه لا غرابة في انطباق الرياضيات على الكون الذي نألفه، بل كل الغرابة في عدم انطباقها لأن لكل كون رياضياته المخصوصة، فكون من الأكوان مضبوط بالرياضيات شرط ضروري لكونه كونا. من هنا يتضح أن السير جينز انساق تحت فكرة السبب والنتيجة كما انساق أينشتين إلى التماس الناحية الرياضية في العالم، وهذا جعلهما يبحثان عن عقل رياضي وراء هذا العالم. وهذا خطأ لأن العالم إن كان نظام ما هو واقع خاضعا لنظام ما هو ممكن، فهو حالة احتمال من عدة حالات، والذي يحدد احتماله قانون الصدفة الشامل لا السبب الأول الشامل".
والحق أن قول صاحبنا، بخصوص ما انتهى إليه أينشتاين من وجود شيء غامض وراء نظام الكتاب هو عقل صاحبه (مؤلفه)، إن "هذا احتمال محض، لأنه يصح أن يكون خاضعا لحالة أخرى ونتيجة لغير العقل. ومثلنا عن المطبعة وحروفها وإمكان خروج الكتب خضوعا لقانون الصدفة الشامل يوضح هذه الحالة"، هذا القول هو سفسطة محضة لأنه يستثنى بذلك حالة الكِتَاب من النظام الكونى الشامل الذى يقوم على أن وراء كل مسبَّبٍ فى هذا الكون سببًا، ووراء كل موجود مُوجِدًا، وهو ما لا يمكن أن يوافقه عليه أى صاحب عقل يحترم نفسه! وإلا فليأت لى سيادته بمثال واحد عثر هو أو غيره فيه على كتاب تألف من تلقاء نفسه. ثم من يا ترى الذى خلق قانون الصدفة هذا؟ وحتى لو كانت نظرية الاحتمالات بالمعنى الذى يقصده هنا ويبنى عليه إلحاده صحيحة، وهى غير صحيحة كما وضحنا حين قلنا إن هذه النظرية تقتضى أن يكون وراءها كائن يخلقها وينظِّم كونه على أساسها، فما الذى يجعلنا نترك الاحتمال الذى لا نعرف سواه لأننا لم نر سواه، ونتشبث باحتمال لم نَخْبُره ولم يمرّ بنا فى تجربة من تجارب الحياة، وإنما نفترضه افتراضا ونعرف أنه (إن صح، وهو لن يصح كما قلنا) فإنه يحتاج إلى ملايين السنين، وربما لا يتحقق رغم ذلك كله بعد مرور تلك الملايين من السنين؟ إن العناد هو وحده الذى يسيِّر عقل أدهم هنا فيجعله يترك الطريق الواضح اللاحب المعبَّد المطروق الذى يوصِّل سالكه إلى غايته، إلى طريق مهلك فى بيداء مُعَمّاة متناوحة المسافات من يحاول اجتيازها يهلك ولا يعود كرة أخرى!
ومن الغرور الشائن أن يختم كاتبنا الصغير المتهور كلامه فى الإلحاد بقوله: "إن الصعوبة التي أرى الكثيرين يواجهونني بها حينما أدعوهم إلى النظر إلى العالم مستقلا عن صلة السبب والنتيجة، وخاضعا لقانون الصدفة الشامل تُرَدّ إلى قسمين: الأول لأن مفهوم هذا الكلام رياضي صرف، ومن الصعب التعبير في غير أسلوبها الرياضي ، وليس كل إنسان رياضي عنده القدرة على السير في البرهان الرياضي. الثاني أنها تعطى العالم مفهوما جديدا وتجعلنا ننظر له نظرة جديدة غير التي ألفناها. ومن هنا جاءت صعوبة تصوُّر مفهوماتها لأن التغير الحادث أساسي يتناول أسس التصور نفسه". ووجه الغرور هنا هو أن كلامه يطول اثنين من كبار علماء الرياضيات فى العالم فى عصرنا هذا الحديث، أى أنه يرى هذين العالمين أصغر منه وأعجز عن أن يجاريا عقله هو الذى يمكنه أن ينظر إلى المسألة من الناحية الرياضية لأنه مؤهل لمثل ذلك النظر الرياضى، على حين أنهما لا يمكنهما ذلك، إذ هما أضعف من هذا. وأى غرور أسمج من هذا الغرور؟ لقد كان بمستطاعه أن يقول مثلا إننى لا أستطيع أن أرى الأمر على غير ما قلت، أما أن يقول ما معناه أن هذين العالمين وأشباههما غير قادرِين على ما يقدر هو عليه فسخفٌ ومَعْيَلَةٌ وقلة عقل، إن لم تكن قلة شىء آخر أيضا!
أما قوله: "ولهذه الأسباب وحدها كانت الصعوبة قائمة أمام هذه النظرة الجديدة ومانعة الكثيرين الإيمان بها .أما أنا شخصيا فلا أجد هذه الصعوبة إلا شكلية، والزمن وحده قادر على إزالتها. ومن هنا لا أجد بدا من الثبات على عقيدتي العلمية والدعوة إلى نظريتي القائمة على قانون الصدفة الشامل الذي يعتبر في الوقت نفسه أكبر ضربة للذين يؤمنون بوجود الله" فلا أسوق فى الرد عليه أكثر من أنه لم يستطع أن يستمر فى هذا الإلحاد الذى كَذَبَ فزعم أنه يزوّده بسكينة لا يعرفها أكثر المؤمنين إيمانا، فبَخَعَ نفسه ووضع حدا لحياته تلك البائسة التاعسة التى كانت خير تكذيب لكل ما زعم وافترى! والعجيب بعد ذلك كله أن نقرأ له، فى الكلام عن الزهاوى وكيف تحول أولا من الإيمان بالله إلى الإلحاد ثم عاد ثانية إلى الإيمان بالله عن طريق النظر فى الكون ووحدة قوانينه، أن "هذه العقيدة التى يقيم عليها الزهاوى صرح تصوفه (يقصد إيمانه بالله) فى الواقع أساسية فى التفكير العلمى، وهى مستمدة أصولها من مطالعات الزهاوى للمؤلفات الرياضية التى كانت تنقل إلى التركية عن الفرنسية" (من الصفحات الأولى من كتاب أدهم عن الشاعر جميل صدقى الزهاوى). والله إن هذا لأمر يطير البرج من العقل. إن أدهم لا يثبت على شىء، فهو يقول كلاما، ثم سرعان ما ينبذه ويقول كلاما سواه، لينبذه بدوره ويردد كلاما آخر... وهكذا دواليك. وهنا نرى أن الرياضيات كانت أساس الإيمان الجديد عند الزهاوى، وكانت هى ذاتها قبلا أساس الإلحاد عند أدهم! وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فإن الزهاوى الذى أعجب أدهم لدرجة الكتابة عنه تمجيدا له كان ملاينا (إن لم نقل: ممالئا) للإنجليز، فى الوقت الذى كان يهاجم كثيرا من مقدسات الأمة. فهم كلهم، كما ترى، مجبولون من نفس الطينة!
على أنه لا بد من لفت نظر القراء الكرام إلى أن أدهم لم يكن ضد الإسلام فحسب، بل كان ضد الوطنية أيضا. وقد نشر كتابه: "من مصادر التاريخ الإسلامى" (وهو الكتاب الذى يهاجم فى مفتتحه الوطنية والدين جميعا) فى مصر، فما معنى ذلك؟ معناه أنه، وهو الذى يقول إنه كان يعمل ساعتها فى روسيا وكيلا لمعهدِ لا أدرى ماذا للدراسات الشرقية، لم يجد إلا مصر ليبث منها دعوته هذه العجيبة والمريبة. يقول ملحدنا المخلول العقل تحت عنوان "الإهداء": "إلى أحرار الفكر: إلى الذين حرروا الفكر من قيوده، وجاهدوا فى سبيل تحرير العقل الإنسانى من الأساطير الدينية والمزاعم الوطنية والذين أخذوا بيد الجماعات الإنسانية إلى الحياة الصحيحة أُهْدِى هذا الكُتَيّب لعلهم يجدون فيه نظرة حرة بعيدة عن تعصب الدين وجموده" (مطبعة صلاح الدين الكبرى/ القاهرة). إذن فالمسألة لم تكن إلحادا فحسب، بل خداعا للناس فى بلادى لخلعهم فى هدوء، وتحت اسم حرية الفكر الكاذبة، حتى من وطنيتهم. ترى ماذا يتبقى لنا بعد هذا وذاك؟
ولماذا، إذا كان هذا الدجال صادقا فى دعوته تلك، لم يَدْعُ بها وينشرها فى روسيا حيث يقول إنه كان يعمل يوما وحيث الحاجة إليه أقوى وأشد، إذ كان الاتحاد السوفييتى يضم بين جنباته شعوبا وأمما غير روسية يحكمها بالحديد والنار حكما يقوم على التعصب للروس والعدوان على تلك الشعوب والأمم، أو فى تركيا حيث كان مصطفى كمال يقرع طبول الوطنية كى يضرب بها النزعة الإسلامية؟ أما فى مصر حيث نشر ملحدنا كتابه ذاك التافه فقد كنا نرزح تحت احتلال البريطانيين منذ عشرات السنين، وقبلها أتانا أولئك الملاعين فى بدايات القرن التاسع عشر كى يلتهموا بلادنا، لكن الله قد شاءت إرادته أن يتأخر سقوطنا تحت سنابك خيول الأوغاد المجرمين بضع عشرات من الأعوام، وقبلها أيضا بقليل قاسينا الاحتلال الفرنسى لثلاث سنوات، وقبل ذلك بعدة قرون جاء الصليبيون إلى العالم العربى واقتطعوا فلذاتٍ من أرضه الطاهرة وظلوا ينجّسونها قرنين من الزمان حتى قيض الله لها صلاح الدين وأضرابه من حكام المسلمين الأبطال ذوى الشهامة والرجولة والعزة والمجد (لا حكام هذه الأيام الذين فقدوا، مثل شعوبهم الجبانة المستخذية، كل إحساس بالرجولة والكرامة والمجد والعزة والفخار، لعنة الله على هؤلاء وهؤلاء!) فكسحوهم إلى بلادهم كما تُكْسَح مياه المجارى وفضلاتها المنتنة، تلاحقهم لعنات الله والملائكة والجن والإنس أجمعين. فأية مزاعم وطنية جاء "أبو سُمْعَة الأصلى" لكى يحررنا منها؟ إنه لم يكن مصريا ولا عربيا لا من جهة أمه ولا من جهة أبيه، فما الذى كان يدفعه إذن للانشغال بأمرنا؟ أيرى القارئ أى فرق بينه وبين من يتبرعون الآن من الملاحدة الشيوعيين وغير الشيوعيين (ممن باعوا نفوسهم برُخْص الزُّبَالة لأعداء الملة والدين، وأخذوا يتمرغون فى أوحال العمالة والخيانة فى نذالةٍ وخزىٍ) لتوهين مشاعرنا الوطنية والدينية وتكسير روحنا المعنوية حتى لا يكافح منا مكافح ضد الهجمة الصليبهيونية التى تريد أن تمحونا من صفحة الوجود محوا؟ ألا ما أشبه الليلة بالبارحة!
ولكى يطلع القارئ على مدى إخلاص أدهم فيما كتب داعيا إلى القضاء على الوطنية أنقل له هذه الفقرة من دراسته التى سلفت الإشارة إليها عن إسماعيل مظهر (الكاتب المصرى المعروف ذى الأصول التركية): "وُلِد مظهر من أسرة تركية من سلالة هؤلاء الأماجد الذين سطروا فى سجل التاريخ صفحة رائعة بفروسيتهم وشجاعتهم، أولئك الذين نشأوا فى سُهُوب آسيا الوسطى فاستمدوا من براريها التى تمتد مع امتداد البصر طبيعتها التى لا تتصنع الإقدام مع الشجاعة والصراحة. وبهذه الصفات وحدها ملكوا العالم فى حقبة من الزمن لا تتجاوز بضع دورات من دورات هذا الفلك السيّار. ولا مُشَاحّة أن إسماعيل مظهر ورث عن أجداده المتحمسين خلال الإقدام والشجاعة وصلابة الرأى والصراحة والاستقلال المطلق والتمرد على كل شىء، وساعد على هذه الوراثة نشأتُه الحرة التى تركت لكفايته الطبيعية أن تنمو فى اتجاهها الطبيعى. لهذا خرج مظهر نسيج وحده بين المصريين"! بالضبط مثلما خرج أدهم نسيج وحده فى العبقرية بين العالمين من عباد الله أجمعين من إنسيين وجنيين! وانظر كذلك هذه العصبية للعرق الطورانى فى بداية بحثه عن الشاعر التركى عبد الحق حامد حيث يتغنى أدهم بخصائص الطورانية وكفاياتها السلالية الممتازة. وهكذا تكون الدعوة المخلصة الصادقة إلى نبذ الوطنية على الطريقة الأدهمية الباذنجانية السَّمَكِيّة اللَّبَنِيّة التَّمْرهِنْدِيّة، وإلا فلا. ألا فليفضح الله كل كاذبٍ عيّار فى أصل وجهه! ولعله سبحانه يقيّض لنا يوما من قد يكتشف أن هناك سرا سياسيا وراء انتحار أدهم، سرا له علاقة بالقوى العالمية الخفية التى تعمل على تجنيد كل من تستطيع تجنيده لمحاربة العروبة والإسلام وتمهيد الطريق أمام جيوشهم ومدافعهم لاكتساح بلادنا مثلما هو الحال فى حالة انتحار بول كراوس بعد ذلك بسنوات قلائل حسبما كتب تلميذه وصديقه د. عبد الرحمن بدوى لدى ترجمته لذلك اليهودى الغامض فى كتابه: "موسوعة المستشرقين".
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 09:12 PM
يتبـــــع الموضوع السابق (5)
إسماعيل أدهم، ذلك المغرور المنتحر
ومع ما قاله هذا المفكَّك العقل المغيَّب الذهن عن جمود الدين وتعصبه وأساطيره وخزعبلاته نجده (بعد عدة فقرات لا غير من كتابه عن "مصادر التاريخ الإسلامى") يقول عن الإسلام ما نصه: "أيقظ الإسلام العقول الجامدة من سُبَاتها وولّد فى تيار العقل الإنسانى مجرى جديدا، ولم يمض القليل حتى أخذ التاريخ يرى فى ربوع الشرق الأدنى مدنية خالدة بآثارها إلى اليوم. ولو لم يكن للإسلام إلا ما أنشأ من حضارة فى العصور الوسطى حفظت تراث الإنسانية من الضياع لكفاه فخرا إلى الأبد" (ص 3). وعبثا تحاول أن توفق بين هذين الموقفين له من الدين. ولكن هوّن على نفسك، فليس للرجل تفكير منظم ولا عقل محكم ولا موقف متبلور واضح، إنما هو كلام يأتيه عفو الساعة فيذيعه أيضا عفو الساعة بعَبَله، أو بعُجَره وبُجَره كما يقول القدماء، ولا مانع إذن أن يقول الآن شيئا، وبعده للتو واللحظة يقول عكسه. إن أمثاله يقرأون، لكن المصيبة كل المصيبة أنهم لا يهضمون ما يقرأون، فضلا عن أن يكون لهم بناء فكرى متماسك ومتناسق. ذلك أن عقليتهم ليست من المتانة والترتيب بحيث يمكنهم أن يقيموا مثل هذا البناء! يقرأون: نعم! يفهمون ويهضمون: لا وألف لا! هذا هو وضع المسألة ببساطة.
وبالمناسبة نراه، فى الصفحة الخامسة من مقدمة هذا الكتاب التافه، يقول إنه عرض على مدير المعهد الروسى للدراسات الشرقية المستشرق كازيمرسكى (فى الثلاثينات من القرن العشرين) أن ينشر له ذلك الكتاب المذكور، وهو (كما ذكر) يمثّل الفصل الأول من كتابه عن الرسول ونشأة الإسلام فقَبِل. والمعروف أن هناك كازيمرسكيًا بولنديًّا مات قبل ذلك بعشرات الأعوام، وعلى وجه التحديد فى 1865م، وكان يعيش فى فرنسا. وهذه بعض المعلومات عن ذلك المستشرق تختلف عما ذكره أدهم: "كَازِيمِرْسْكي (1780_ 1865م): "بيبرشتاين كازيمرسكي B. Kazimirski مستشرق بولوني استوطن فرنسا، ونشر فيها معجمه الكبير: "كتاب اللغتين العربية والفرنساوية" في أربعة مجلدات, ويُعْرَف بقاموس كازيمرسكي. وتَرْجَم إلى الفرنسية معاني القرآن الكريم". فمن الواضح أننا فى حديث أدهم هنا بإزاء كازيمرسكى آخر غير كازيمرسكى الذى نعرفه. هذا، وقد وجدت عدة تعليقات على البحث الذى وضعه أدهم فى أدب توفيق الحكيم ونشره له سامى الكيالى عن مطبعة مجلة "الحديث" الحلبية، وهذه التعليقات موجودة على الصفحة التى تلى مباشرةً مقدمة الكيالى للكتاب، ومنها تعليق باسم المستشرق فيسفولد كازميرسكى، كما أن هناك هامشا فى دراسة أدهم عن جميل صدقى الزهاوى يحيل إلى بحث لهذا المستشرق، أما فى بحثه عن خليل مطران فثمة إشارة إلى كتاب لنفس المستشرق بعنوان "منتخبات من الأدب العربى الحديث"، وأغلب الظن أنه هو المستشرق المقصود هنا. وبالمناسبة أيضا فقد ذكر إسماعيل أدهم فى كتابه: "لماذا أنا ملحد؟" أن له كتابا بالروسية فى الرياضيات وفلسفتها، فيا ليت من يتوفر على البحث عن هذا الكتاب وترجمته أو على الأقل التعريف به، وله من الله المثوبة والجزاء!
ولا تنتهى حكاية إسماعيل أدهم عند هذا المدى، بل هناك أشياء أخرى يحسن أن نتريث إزاء بعضها قليلا كى تتضح صورة الرجل العقلية ويتبين للقارئ من كلامه ذاته أنه كان مضطرب الفكر متحير العقل لا يستطيع أن يفكر تفكيرا سلميا متزنا برغم كل ما جاء على لسان بعض من كتبوا فى موضوع انتحاره عن نبوغه وفتوحه فى عالم الفكر. لقد روى لنا الرجل، فى مقدمة كتابه: "من مصادر التاريخ الإسلامى" (وأحسب أنه يغالى ويهوّل فى ذلك كثيرا ويجرى فى بيداء الشطح كما يحلو له)، أنه عكف لمدة غير يسيرة على السيرة النبوية وأحاديث الرسول عليه السلام وتاريخ تلك الفترة وما يليها وتتبع تقريبا كل ما كتب عنها فى التراث وفى دراسات المستشرقين بكل اللغات وفى كل المدن الأوربية والأفريقية والآسيوية، وأنه انتهى من كتابة خمسمائة صفحة فى هذا الموضوع، وقدّر أن بإمكانه الوصول بهذه الصفحات إلى رقم الثلاثة الآلاف. ثم ننظر فيما نشره الرجل من هذا كله فنجده لا يزيد على خمسين صفحة! فتأمل أيها القارئ الكريم مدى الفرق الشاسع بين شطحات الرجل المحلقة فى سماوات الخيالات والأوهام وبين واقعه التعبان. مسكين!
ثم نأخذ فيما قاله فى تلك الدراسة فنسمعه يشكك فى أن يكون اسم النبى هو "محمد"، مؤكّدًا، على الضد من ذلك، أنه كان يسمَّى: "قثما" أو "قثامة" (ص 7)، وهى بالضبط طريقة المستشرقين المداورة التى تشكك فى كل ما لا يعجبها فتذهب وراء الفروض الغريبة التى ينكرها العقل إنكارا وتتعارض مع النصوص الوثيقة تعارضا شديدا كما تعكسها "دائرة المعارف الإسلامية" حسبما بينتُ وأثبتّ ذلك بالنصوص والوثائق فى كتابى: "دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية: أضاليل وأباطيل". وبطبيعة الحال من حق كل واهم أو موهوم، وكل خائل أو مختال، أن يقول ما يشاء فيما يشاء على النحو الذى يشاء. لكنْ عليه، إذا أراد منا أن نلقى بالا إلى ما يقول، أن يكون هذا الذى يقوله متسقا، على الأقل، بعضه مع بعض لا متناقضا من سطر إلى سطر، ومن جملة إلى أخرى، وإلا افتقر الكلام إلى المنهجية العلمية. كيف ذلك؟ لقد صدّعَنا الرجل بتأكيده أن القرآن هو وحده المصدر الإسلامى الذى يمكن الاطمئنان له من جهة التاريخ، أما الحديث وأما السيرة فلا يصلحان على الإطلاق لاعتماد المؤرخين والدارسين عليهما. عظيم جدا جدا، فتعال إذن يا أخ إسماعيل يا نابغة (ويبدو أن كل من يهاجم الإسلام يوصَف من قديم بأنه نابغة وعبقرى)، وأجب على السؤال التالى: أنت إذن تقول إن القرآن هو المصدر الوحيد الذى يمكن الاستناد إليه والتصديق بما جاء فيه عن حوادث التاريخ الإسلامى الأول، أليس كذلك؟ بلى قلت ذلك، فهو مسجل عليك فى هذا الكتاب ولا يمكنك أن تنكر منه حرفا لا أنت ولا من يتشدد لك. فكيف فاتك إذن يا نابغة الدهر الأول والأخير، بل يا نابغة كل الدهور والعصور، أن القرآن الذى لا تطمئن إلا له قد ذكر أن اسمه عليه الصلاة والسلام هو "محمد" لا "قثم" ولا "قثامة"؟ ألم يكن العقل والمنطق وسلامة المنهج تقتضيك أن تصدّق بما أتى فى القرآن وترفض ما عداه من الروايات التى تقول إن اسمه لم يكن محمدا بل قثما أو قثامة؟ وهذا إن كانت هناك مثل هذه الرواية العجيبة. أم أنت ممن يحُلِوّنه عاما ويُحَرّمونه عاما على مقتضى نزواتهم وشهواتهم؟ ألا بئس هذا منهجا وتفكيرا!
أما إذا كنت قد رجَعْتَ عن رفضك لما عدا القرآن من مصادر التاريخ الإسلامى (وهو ما لا يمكن أن يكون، لأنك قلت ما قلت عن اسم رسول الله عقب إعلانك مباشرة أنك لا تثق بغير القرآن أىّ مقدار من الثقة)، فكيف تترك الاسم الذى تضافرت عليه الروايات ولا يعرف المسلمون سواه، اللهم إلا إن كان هناك رواية شاذة لملتاث أو مخبول يزعم أن اسمه عليه الصلاة والسلام كان شيئا آخر غير محمد؟ وهذا كله لو لم يكن هناك قرآن ينص على أن اسمه هو ذاك الاسم. وبطبيعة الحال لا يمكن أن يقال إن القرآن قد لفّقَ له هذا الاسم، لأنه لو كان هذا صحيحا ما سكت الكفار ولا الصحابة على السواء ولشنّع الأولون على القرآن وصاحبه، وأبدى الآخرون دهشتهم واستغرابهم وكان بينهم وبينه سِينٌ وجِيمٌ ولسَجَّلَتْ ذلك كلَّه الرواياتُ كالعادة. علاوة على أنك قد أعلنت وثوقك بالقرآن، وبالقرآن وحده، وثوقا مطلقا، فلا فكاك لك من أن تسلم بما قاله فى هذا السبيل! من هنا يتجلى لكل ذى عقل أن صاحبنا لا يحسن التفكير واستنباط النتائج من المقدمات ولا يستطيع أن يكون متسقًا مع المبدإ الذى وضعه هو بنفسه لنفسه.
وبسبب قول أدهم إن القرآن هو وحده المصدر الذى يعتمد عليه فى دراسة تاريخ تلك الفترة فإن بعض الباحثين يجعلونه من القرآنيين كالدكتور خادم بخش فى كتابه: "القرآنيون وشـبـهـاتـهـم حــول السنة"، وهو ما يثير دهشتى وعجبى رغم قوة بحث الدكتور بخش وسعة استقصائه ومتانة براهينه، إذ إن ذلك التركى المغرور المتعجل لم يكن يؤمن لا بقرآن ولا بسنّة، بل كان ملحدا بإقراره هو نفسه، فكيف يقال عنه: "قرآنى"، وكأنه كان يؤمن بالقرآن؟ لقد كان رد بعض الباحثين ممن قرأت لهم بأُخَرة أن المقصود هو أنه كان يعتمد على القرآن فى بحثه لتاريخ تلك الحقبة لا أنه كان يؤمن بالقرآن. لكن فات هؤلاء أن مصطلح "القرآنيين" إنما يطلق على من يقولون إنهم لا يأخذون فى أمور العقيدة والتشريع والأخلاق إلا بما جاء فى القرآن الكريم. وعلى هذا فإن تسمية أدهم بــ"القرآنى" هو استعمال للمصطلح فى غير محله ومعناه، وهو ما يميّع الأمور ويوهم القراء غير العارفين أنه كان يؤمن بالقرآن ككتاب سماوى لا كمصدر لدراسة التاريخ فحسب! صحيح أن "كثيرا" من القرآنيين، فيما أتصور، لا يؤمنون بقرآن ولا بسنّة أيضا مثله، إلا أن هناك فرقا بينه وبينهم، ألا وهو أنهم لا يعلنون كما يعلن هو أنهم ملاحدة، وهذا ليس بالفرق الهين حتى لو قلنا إنهم لا يؤمنون بإلهية المصدر القرآنى فى واقع الأمر كما يعتقد كاتب هذه السطور. وأعجب من ذلك تصنيف بعض الكتاب المسلمين لأمثال سلامة موسى وجولدتسيهر بين القرآنيين، رغم أنه لا علاقة لهم بالإسلام البتة ولا حتى من جهة الميلاد أو الاسم، كما هو الحال فى مقال "منكرى السنة" المنشور فى موقع "بلدى" لصاحبه أبو إسلام أحمد عبد الله.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــع
القلب الحزين
14-12-2013, 09:14 PM
يتبـــــع الموضوع السابق (6)
إسماعيل أدهم، ذلك المغرور المنتحر
ومن مظاهر اضطراب فكر الرجل أيضا ما جاء فى بداية الفصل الأول من كتيبه التافه الذى نحن بصدده (ص 8)، ألا وهو قوله أولا إن "الحديث ما ورد عن النبى محمد من قول أو فعل أو تقرير"، إذ يعود فيقول (فى "التسوية" بين الحديث والسيرة وأنه لا فرق بين هذين العِلْمَيْن) إن الحديث يتناول ما قاله الرسول، والسيرة تتناول حياته وأفعاله. وهو كلام فى التفرقة بين العلمين لا فى التسوية بينهما، ومعناه فى أحسن الأحوال أن كلا منهما يكمل الآخر، ولكنه لا يساويه كما هو بين حتى للأعمى! ومعناه أيضا أن الرجل يقول الشىء ونقيضه: فقد عرَّف الحديث أولا بأنه "ما ورد عن النبى محمد من قول أو فعل أو تقرير"، وها هو ذا يرتد على عقبيه فيقول إن الحديث يختص بــ"أقوال النبى" فقط، على حين تختص السيرة بــ"حياته وأفعاله". وهذا كله فى أسطر قلائل جدا جدا. وبالمناسبة فكلامه كله إنما يعكس تخبطا وصبيانية لا يليقان بأى دارس مهما يكن نصيبه من العلم وفهم المنهج العلمى. الواقع أن هذا الرجل مصاب بإسهال فى الكلام ولا سيطرة له على ما يقول، بالضبط مثلما لا يستطيع المُسْهِل أن يسيطر على تشنجات أمعائه ومَخْرَج فضلاته!
ثم مثال آخر: فهو يؤكد أن الأحاديث والروايات المنسوبة إلى الرسول ليست له ولا منه فى شىء، بل تعكس ما كان المسلمون فى القرون الهجرية الثلاثة الأولى يريدونه من الإسلام (ص 21 وما بعدها). عظيم! فأين ذهبت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم إذن؟ ذلك ما لم يحاول هذا المغرور أن يجيب عليه. أيعقل أن المسلمين كانوا حرصاء كل هذا الحرص على ترديد الكلام المكذوب على الرسول ثم لم يهتموا أى اهتمام بالحفاظ على ما صدر عن رسول الله فعلا من قول أو عمل؟ ذلك غريب كل الغرابة بل مستحيل كل الاستحالة! إن فى هذا اتهاما شنيعا للأمة كلها بالكذب واللامبالاة بالدين لا يمكن أن يصدقه عاقل، أما الملتاثون فليسوا حجة فى ميدان العلم، إذ لا حجة لأى مخلوق اختل منه العقل وتفكك الذهن!
أم تراه يقول إنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يتكلم إلا بالقرآن مثلما قال أحد صبيانه، وهو أحمد صبحى منصور، الذى يكذب كذبا مفضوحا فينكر، ضمن ما ينكر، أن يكون الرسول فى أى من خطبه يوم الجمعة قد قال شيئا قط سوى بعض الآيات القرآنية فى كل مرة، مما جعلنى أسوق (فى دراستى التى وضعتُها فى الرد عليه) عددا كبيرا من خطبه صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وغيرها من المناسبات الدينية تكذيبا لهذا الدجال الكاره لدين محمد والمكفر لأمته جميعا بما فيهم الصحابة على بكرة أبيهم والذى لا يجد فى الدنيا من يضع يده فى يده لبناء مسجد يتعبد فيه (على سنة الشيطان طبعا) إلا سعد الدين إبراهيم ومجدى خليل الناشط القبطى المسعور الذى يدعو مع صبحى منصور أمريكا إلى التدخل فى مصر لإجبارها على المشى على العجين القبطى دون أن تلخبطه!
على أية حال فالمنهج العلمى إنما يقتضينا، بدلا من تكذيب الأمة كلها ورميها بالتآمر على دينها ورسولها بدم بارد، ومن ثم رفض الروايات كلها على طريقة العوام والطغام حين يقولون: "الباب الذى يجيئك منه الريح، سُدّه فتستريح!" كما يصنع أدهم، هذا المنهج العلمى يقتضينا أن نعكف على الروايات والأحاديث المنسوبة للرسول الكريم ونبحث الأسباب التى تدعونا إلى الشك فى كل منها، أما السير على أسلوب "كله عند العرب صابون (والترك أيضا فوق البيعة)" فهذا لا يصح فى ميدان العلم والبحث المنهجى، بل يصح فقط عند العامة وأشباههم. ثم يصف بعض الناس الرجل بالعبقرية والنبوغ!
وممن غالَوْا أشد المغالاة فى مديحه الدكتور أحمد إبراهيم الهوارى، إذ كتب تعقيبا على ما قاله هو نفسه عن الكتيب التافه الذى بين أيدينا ومصادرة الحكومة له: "وهو كاتب مستوعب مسهب لا يتهيب مباحثه مهما كانت عويصة، وأسلوبه (على نحو ما سيرى القارئ) يميل إلى المنهج العلمى فى التدقيق والتخصيص حتى فى الأدبيات الخالصة. على أن آراءه العلمية أخذت تتسرب كأنها زيت على الثوب سرح فى نسيج الدراسة النقدية" (د. أحمد إبراهيم الهوارى/ المؤلفات الكاملة للدكتور إسماعيل أدهم/ 2/ دار المعارق/ 1984م/ 49). والحق أنه لا يَصْدُق من كلام الدكتور الهوارى إلا تشبيهه كتابات أدهم بالزيت، فهى فعلا زيت قد بَقّع نسيج النقد والأدب والتاريخ ووسَّخه ولوَّثه بما فيه من تفاهة وخلل فكرى وتهافت فى المنهج كما توضّح الأمثلة الصارخة التى أوردتها هنا، وفى كتاباته الكثير جدا من أمثالها لمن يريد أن يرجع بنفسه إلى تراث الرجل، إن تجاوزنا وسمينا هذه التفاهات الصبيانية: "تراثا"!
وفى النهاية أود أن أعيد التأكيد بأن التناقض والسطحية والعمومية هى سمات أصيلة فى فكر أدهم وعقليته. وهذه السمات ليست مقصورة على فكره الدينى، بل نجدها أيضا فى دراساته الأدبية التى طبّل لها بعض الكتاب رغم ما فيها من ثرثرة لا طائل وراءها وقيامها فى معظم الأحيان على التعميمات واللجوء إلى الأوصاف التى تَصْدُق على كل شىء وأى شىء والإبهام الذى لا يخرج القارئ منه فى كثير من الأحيان بشىء، وكذلك النقل من الآخرين دون هضم وبقاء المنقول من ثَمَّ أمشاجا منفصلة. وهذه أمثلة ثلاثة على ما نقول، وهى مأخوذة من كتابه: "توفيق الحكيم"، الذى قام على خلل شديد فى المنهج العلمى، إذ استند فى تأريخ حياة الرجل وتحليل شخصيته إلى روايتيه: "عودة الروح" و"عصفور من الشرق" وكأن بطلهما هو الحكيم نفسه بالتمام والكمال لا يزيد ولا ينقص، غافلا (لأنه لا يفقه الأدب ولا الفن القصصى على أصوله) أن ثمة فروقا بين الشخصية القصصية ومؤلفها قليلة أو كثيرة مهما قامت الدلائل على تقاربهما، وأن الخلط بينهما إلى درجة القول بتطابقهما هو دليل على جهل غليظ نعوذ بالله منه وممن يرتكبه عن رعونةٍ وخُرْقٍ وغرور!
وقد ألفيتُ الأستاذ الحكيم على هذا الرأى أيضا رغم ما أغرقه به أدهم فى ذلك الكتاب من ثناء، إذ قال (فى ملاحظاته الموجودة فى نهاية طبعة الكتاب الثانية سنة 1984م عن مكتبة الآداب) إنه "لم يهتم كثيرا بهذه الدراسة وقت ظهورها لأنه لاحظ أن كاتبها المرحوم الدكتور أدهم اعتمد فيها اعتمادا أساسيا على رواية "عودة الروح" واعتبرها وثيقة تاريخية، لم يفرق بين "الرواية" و"السيرة الذاتية". فالرواية عمل إبداعى يدخل فيه الخيال ولوازم الفن الروائى، فى حين أن السيرة الذاتية عمل توثيقى يلتزم بالحقيقة التاريخية... (و)لا يخلط هذا الخلط بين الرواية والسيرة الذاتية غير ناشئة النقاد والدارسين ممن لا يتعمقون الأنواع، وينظرون فقط إلى سطوح الشكليات". وأذكر الآن أننى قلت هذا الكلام عام 1969م فى إحدى محاضرات النقد فى السنة الأخيرة من دراستى الجامعية تعليقا على ما صنعه أحد الزملاء الذى أصبح بعد ذلك بقليل أستاذا لأخى الأصغر فى المدرسة الثانوية، إذ مضى يتحدث عن بطل رواية "عصفور من الشرق" على أساس أنه توفيق الحكيم بالتمام والكمال، وكان رأيى أنه ليس هناك دليل على أن كل ما وقع لبطل هذه الرواية أو وقع منه قد حدث فعلا فى دنيا الواقع، اللهم إلا إذا قال هذا توفيق الحكيم بصريح العبارة، وهو ما لم يحدث، فضلا عن أن الرواية عمل خيالى لا يمكن أن يكون صورة مطابقة للأحداث والشخصيات التى يستلهمها الكاتب مهما كان حرصه على الاقتراب منها.
ويجد القارئ أول الأمثلة الثلاثة (التى أشرت إليها آنفا) فى القسم الثامن من الباب الأول، حيث نطالع الحكم التالى عن رواية العقاد: "سارة"، وهو حكم يعيبه التناقض والإبهام والعمومية إلى حد بعيد، فضلا عن الركاكة فى الأسلوب: "أما العقاد فقد نشر عام 1937 قصة "سارة". وفى هذه القصة تتجلى طبيعة العقاد، تلك الطبيعة الواقعية الآخذة بأسباب التحليل. ومن هنا كانت براعة الأستاذ العقاد فى تصوير الخلجات النفسية والمشاعر والإحساسات الذاتية. ويمكننا أن نفهم سر هذا الاتجاه من العقاد إذا أحيطت من الأسباب المادية والاجتماعية المتقلقلة ما أحيط بالعقاد انقلبت إباحية. ومن هنا يمكن فهم الإباحية فى أدب العقاد والهجو على اعتبار أنها تابعة لنزعة أخرى هى الطبيعة الواقعية الآخذة بأسباب التحليل، وهذه هى الصفة الأساسية من نفس الأستاذ العقاد. أما قصته: "سارة" فيمكن أن تعتبر أحسن ما فى الأدب العربى من القصص الواقعى التحليلى، غير أن التناقض فى تصوير الخلجات والجفاف فى العرض، بمعنى جفاف الحيوية فى أسلوب التعبير، لا تقف بها عالية كثيرا عن قصة"زينب" للدكتور هيكل باشا". فانظر مثلا كيف يُقِرّ أولا ببراعة العقاد فى تحيل شخصيات "سارة"، لكى يستدير فيتهمه بالتناقض وجفاف الأسلوب معًا فى ذلك التحليل، زيادة على تهافت لغته وغموض ما يريد أن يقول أحيانا. وأما ثانيها فيطالعه القارئ فى أول هامش من هوامش الباب الثالث من نفس الكتاب، إذ يؤكد فى بداية الكلام أنه "لم يختلف أدباء العربية ومفكروها فى شىء قدر خلافهم فى تحديد معنى الفن والأدب والفنان والأديب..." ليعود بعد أسطر معدودات فيؤكد العكس تماما: "ومن المهم أن نقول إن الاتفاق يكاد يكون تاما بين كتاب العربية على أن الفن أو الأدب هو التعبير الحسن عن الأفكار والمشاعر، وليس لنا إلا أن نقول عن هذه النظرة سوى أنها صحيحة لو نظرنا للفن والأدب من جهة العرض والإبراز...".
ويبقى المثال الثالث، وهو أشبه شىء بالأحجبة والتعاويذ التى تُتَّخَذ لاستدعاء الجن والشياطين: "إن استنزال المعانى بقوةٍ مظهر من مظاهر الطبيعة الفنية، وهى فى الفن المسرحى تأخذ منحى خاصا يتجلى فى السياقة واستنزال المعانى منها. والفنان بحاسته الفنية تجده يحطم حدود المعنى المحدود فى عالم الحس ويصله بعالمه فى النفس حيث عالم ما وراء المحسوس. وتكون نتيجة ذلك أن يدور المعنى فى الذهن، وعن طريق التداعى تولد المعانى والصور فتنثال على الذهن انثيالا كما تتزاحم عليه الصور. وهذا الانثيال فى المعانى والتزاحم فى الصور إن اجتمعا فى مشهد واحد تداخلت المعانى وتمازجت الصور، يكون شىء من الرمز. وعلى هذا الوجه يفسر الاتجاه الرمزى فى قاعدة علم النفس. ومن المهم أن نقول إن قاعدة التداعى من حيث يدعو المعنى معنًى آخرَ عن طريق المشابهة، والصورةُ صورةً أخرى عن طريق المقاربة، تجرى فى ذهن الفنان بما يتكافأ وطبيعته، فهى عند الأستاذ توفيق الحكيم تجرى بقوة. ولأن ذهنه صاف (intégrité) فالمعانى والصور تأسر مخيلته، ومن هنا تبدو مخيلته دائما فى شرود وتيه. ومثل هذا الشرود والتيه يجعل من الصعوبة بمكان أن يدرك الإنسان الأشياء تتـأرجح على خضم من الرموز. وعلى هذا الوجه يمكن تفسير المعنى الرمزى فى فن الأستاذ الحكيم. ولما كانت القوة على توليد المعانى هى شىء يرتبط مجرى التداعى عند الفنان والمفكر، وكلما كانت ذهنية الفنان متؤربة صافية (intégrité) وذات قوة ترابط وتعضون كلما كانت مقدرته على التوليد أظهر. وأنت ترى عند الأستاذ الحكيم تداعى المعانى والأفكار ليستعين بالألفاظ أدواتا لها للبلوغ إلى أغراضها، وهى تستند بجانب ذلك على قدرته على التأليف والتركيب للانتهاء إلى هذه الأغراض. ولما كان الإبداع الفنى يكاد يكون وقفا على التركيب والتأليف، أعنى طراز البناء (édifice) من حيث تنسيق الإحساسات والمشاعر والأخيلة والأفكار فى أوضاع جديدة مدفوعة إلى ذلك بقاعدة التداعى، فمن الأهمية بمكانٍ النظرُ فى سير التداعى ومجرى قاعدته فى الخلوص بالبناء الفنى". ترى هل فهم أحد شيئا من هذه التعويذة الشمهورشية؟
المصدر: http://ibrawa.coconia.net
القلب الحزين
14-12-2013, 09:17 PM
الرد علي مطاعن الكاهن زكريا بطرس
بقلم الدكتور حسين رضوان اللبيدي
لقد دأب الكاهن زكريا بطرس علي مهاجمة القرآن ونبي الإسلام وآل بيته الأبرار وكانت آخر مفترياته الهجوم علي الإعجاز العلمي للقرآن الكريم .
ولأني من المتخصصين في هذا المجال الهام، فأني أرد بطريقة علمية بعيدة عن التعصب والعصبية .
وقبل أن أرد أحب أن الفت النظر الي أمرين:
1- إن ما يقوم به الكاهن جزء من الحرب الفكرية علي الإسلام بهدف الشوشرة علي عقيدة المسلم المثقف البسيط والسطحي في معرفته للقرآن وهم بالملايين.
2- أنه يحاول ان يضيع الوقت على الباحثين والمفكرين بالجدل المستمر، ولينقل المعركة بعيدا عن نصوصه المحرفة والتي ملئت بالفقرات الضالة والمخزية من اساطير ما انزل الله بها من سلطان
وبخصوص المقارنة بين النصوص المقدسة – بهدف التعرف على الكتاب الوحيد المحفوظ – نترك هذا المجال لمدرسة مقارنة الأديان، ونكتفي في تلك العجالة بالرد على بعض القضايا التي اثارها الكاهن وغيره من اعوانه بخصوص الإعجاز العلمي فنقول وبالله التوفيق :
ومن المطاعن:
في سورة فُصّلت(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُّنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ (( سورة فصلت: 9، 10، 11).
وهذا يعني أن الله خلق الأرض والسموات في ثمانية أيام وأنه خلق السماء بعد الأرض لا قبلها. ولكن في سبعة مواضع من القرآن يقول إنه خلقهما في ستة أيام لا ثمانية. أما عن خلق السماء قبل الأرض فموجود في سورة النازعات: ) َأَنْتُمْ أَشَّدُ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَّوَاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهاَ ( (سورة النازعات).
معنى قوله تعالى"وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ" أي في تتمة أربع أيام. أي أن خلق الارض كان فى يومين و تقدير الاقوات فى يومين ومثاله قول القائل: خرجت من البصرة إلى بغداد فى عشرة أيام وإلى الكوفة فى خمسة عشر يومًا، أي في تتمة خمسة عشر يومًا.
و دحو الارض بعد خلق السماء لا يعنى ان الارض لم تكن قد خلقت قبل ذلك فقد خلقها الله ثم خلق السماء ثم دحى الارض اى مهدها لاستقرار الانسان عليها.
يقولون أيضا أن هناك تناقض فى وصف القرآن لخلق الإنسان
فمرة يقول القرآن أن الإنسان خلق من ( تراب ) ومرة يقول أنه خلق من ( طين ) ومرة يقول ( من طين لازب ) ومرة يقول انه خلق من ( صلصال كالفخار ).
وفى خلقه بعد آدم أو من آدم : مرة يقوا سبحانه أنه خلق من ( نطفة من مني ) ومرة ( من نطفة فى قرار مكين ) ثم يقول فى مكان آخر ( نطفة أمشاج )
@ والحقيقة انه لا يوجد أي تناقض فى ذلك بل هو معجزة علمية باهرة : فالإنسان بدأ من تراب خالطه الماء فأصبح طين الذي ظهرت فيه المواد العضوية فتغيرت رائحته ( طين لازب ) الذي تماسك فى صورة جسد فأصبح صلصال ثم دبت فيه الحياة ونفخ فيه الروح، تسلسل منطقي ، نشاهد صدقه فى حالة هدم البنية بعد الموت حيث يتحول الجسد – بعد الموت مباشرة – إلى مرحلة تشبه الصلصال كالفخاروهي مرحلة التخشب، وبعدها يسود الجسد وينتنويسود ويهترئ ويصبح كالطين المنتن، وأخيرا يتحلل ويتحول إلى تراب .
وبخصوص ذكر النطفة مرة مجردة ومرة على أنها من ( مني يمنى ) ومرة فى ( قرار مكين ) وأخرى أنها ( نطفة امشاج )، فإن ذلك معجزة علمية بكل المقاييس، لأن النطفة تنقسم علميا إلى :
1- نطفة مذكرة ( الحيوان المنوي )
2- ونطفة مؤنثة ( البويضة )
3- ونطفة امشاج ( تكونت من امتزاج محتويات الحيوان المنوي مع البويضة )
بل وفى تعبير أمشاج – بدلا عن أخلاط - معجزة باهرة لأنها تشير إلا أن محتويات الحيوان المنوي لا تختلط مع محتويات البويضة بل تمتزج بحيث يذهب بعضها فى بعض، وقد أثبتت المجاهر المتطورة ذلك وصورته فهل هذا تناقض أم معجزة علمية تدل على صدق الرسالة وصدق الرسول وعالمية الإسلام.
ومن المطاعن:أن هناك خطأ علمي فى الآية ( ومن كل شيء خلقنا زوجين )فيقولون أن هناك أشياء بلا ذكر وأنثى مثل كل الجمادات من أوائل ومركبات، وفى الكائنات الحية هناك وحيدات الخلية كالبكتريا والأميبا وغيرها كائنات تتكاثر بالانقسام البسيط بلا ذكورة أو أنوثة .
نرد :
أن ما ذهبتم إليه باطل بسبب قصور من قالوا أن الزوجية فى الآية تعنى الذكر والأنثى فى الإنسانوالحيوان والنبات والآية تحمل معنى اكبر واشمل من ذلك، والدليل على ذلك ما جاء فى القرآن أيضا ( سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ) وبذلك نقول أن الآياتتقرر أن أي شيء مخلوق لله لا بد وان يكون مكوناً من شيء وشيء آخر مكمل له أو متمم له بمعنى انه لا يوجد جوهر فرد فى المخلوقات، وبذلك تكون هذه الكلمات الخمسة معجزة علمية عالمية بكل المقاييس لأنها تلخص كل علوم الكون من الذرة إلى المجرة كما سنعلم الآن.
فها هو المغناطيس مكون من زوجية الشمال والجنوب، وهاهي البطارية والكهرباء مكونة من زوجية الموجب والسالب، وها هي المعادلة الكيمائية زوجية، وهاهي الذرة وحدة الكون مكونة من زوجية النواة والإلكترونات، وها هو الحوض الننوي حامل الشفرة الوراثية عبارة عن سلم مزدوج من DNAالحمض النووي المعروف بل وها هو نظام العمل بالكمبيوتر يخضع لقانون الزوجية .
ويقولون :هناك خطأ علمي فادح لأن القرآن يقرر فى قصة ( ذى القرنين ) أن الشمس تغرب داخل ماء دافئ مع أن الشمس نجم عملاق له فلك يدور فيه بعيدا عن الأرض.
والرد :أن القرآن الكريم لم يقل إن الشمس تسقط فى ماء ساخن بل قال عن الشمس (لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس : 40] علم وحق ويقين .
ولكن الآية التي يلبس بها الشياطين تصف رحلة ذي القرنين فتقول : (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ [الكهف : 86])، بمعنى عندما وصل ذو القرنين ساحل البحر عند الغروب وجد هو - من منظوره – الشمس تهبط غائبة في المحيط وهو ما يشاهده رواد السواحل بسبب الخداع البصري الذي يعتبر من العلوم الحديثة . ( وهناك بحث شامل عن هذه القضية فى وقع موسوعة الإعجاز. (http://quran-m.com/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=973)
* يقول الطاعن:فى قوله سبحانه فى البقرة (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة : 29])تدل على أن خلق الأرض قبل خلق السماء بدليل لفظة ( ثم ) التي هي للترتيب والتراخي والانفصال، وكذا في الآيات الأخرى، ولكن في النازعات قال سبحانه ( أأنتم اشد خلقا أم السماء بناها 27 * رفع سمكها فسواها 28 * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ) ثم قال ( والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها 31 )
مرة يقول خلق الأرض أولا، وأخرى يقول:خلق السماء أولا هذا تناقض !
نرد :بل هذا علم وإعجاز ودليل على حفظ القرآن وحده كيف ؟ هذه الآيات وغيرها تخبر أن الله سبحانه خلق الأرض أولا وقدر فيها عناصرها اللازمة لتجهيزها على أكمل وجه لاستقبال ذلك المخلوق المكلف، وكلمة ( ما ) تشير إلا حقبة ما قبل خلق المكلف العاقل وتشمل عناصر ومعادن وغازاتالأرض وربما بذور الحياة - وهي مرحلة تشبه ما يقوم به المعماري عندما يجهز الحديد والنوافذ والوصلات والطوب والرخام والتخطيط والتنفيذ لإقامة مشروعه الهندسي تمهيدا لتسكينه - ثم تأتي المرحلة التالية وهي استوائه سبحانه إلى السماء فرفع سمكها فسواها وأنشأ النجوم ومنها الشمس كمصدر للطاقة والضوء وأحدث الحركة، وبعدها عاد للأرض يدحوها ويخرج منها ماءها ونباتاتها الخضراء ليكمل تجهيزها الذي لم يكن ليكتمل علميا وعقليا إلا باستكمال أحداث في السماء كخلق الشمس التي لولاها ما تكون سحاب وما نزل مطر وما نبت نبات ولولا طاقتها وضيائها ما حدثت عملية التمثيل الضوئي ولما أصبح هناك طاقة حيوية تحرك كل مظاهر الحياة في الأرض بما فيها الإنسان ، وهذا منتهى الإعجاز .
ولو قارنا بين هذه الآيات وبين النصوص التي تخص هذه القضية فى العهد القديم ( سفر التكوين ) نجد ما يأتي:
جاء فى سفر التكوين أن الأرض خلقت فى اليوم الثالث وخلق معها النباتات بثمارها وبذورها، وبعد انقضاء ذلك اليوم، جاء اليوم الرابع فخلق الله فيه الشمس والقمر والليل والنهار، فليقارن العقل الحر بين إخبار يقول أن الله خلق الشمس أولا وأجرى الليل والنهار حول الأرض ثم بعدها أخرج الماء والنبات الأخضر، ونص يقول : أن النباتات بثمارها وبذورها خلقت أولا ثم بعد ذلك الشمس والقمر، إياهما قاله الله لعقول المكلفين ؟ لا يمكن للعقل إلا أن يوقن بأن ما طابق العلم والعقل هو كلام الله الحق المحفوظ .
* يقول الطاعن :في آية السجدة (5) يقول الحق ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) ولكن في المعارج (4) يقول سبحانه (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )مرة يقدر ليوم العروج (ألف سنة )ومرة أخرى يقدر له ( خمسين ألف سنه ) ما هذا ؟
أنها معجزة علمية عالمية بكل المقاييس تشير إلى نسبية الزمن بسبب اختلاف السرعات، فمثلا: نقطع المسافة من جنوب الوادي إلى القاهرة في أسبوع بالحصان، وفى خمسة ساعات بالقطار، وإذا استخدمنا الطائرة فلن تستغرق الرحلة إلا ساعة، وهذا ما أشارت إليه( النظرية النسبية ) لأينشتين والتي مازالت مفخرة للعلم، وهي ما أشارت إليه الآية الكريمة المعجزة، وأيضا نلاحظ الإعجاز العلمي في كلمة ( يعرج ) بديلا عن كلمة ( يصعد ) فالعروج هو الصعود في انحناء وهو قانون تخضع له الأجسام في حركتها في الفضاء السحيق وهي ظاهرة علمية تعرف عليها العلماء بعد الصعود إلى الفضاء ، وذكرها ( اينشتاين ) فهل بعد ذلك بينة تدل على صدق الرسالة وصدق الرسول وعالمية الإسلام.
ونختمها بمفاجأة ( الكاهن يفضح نفسه ): فيقول إن في الآية التي وصفت الجنين في القرآن أخطاء علمية، وأن علم الأجنة في القرآن لطشه او اخذه ( محمد صلي الله عليه وسلم ) من سفر أيوب في كتابهم المقدس !!
ثم أمسك الكاهن بكتابه المقدس وقرأ الفقرة التي ادعي ان محمد اخذها وقلدها في كتابة آيات الأجنة، ولنعلم تلفيقه وكذبه هيا بنا نقارن بين فقرة كتابه والمقابل لها من القرآن الكريم :
في سفر ايوب الإصحاح العشر من الكتاب المشترك بين النصارا واليهود يقوا أيوب لربه : (لما تخاصمني . احسن عندك ان تظلم أن ترذل عمل يدك وتشرق علي مشورة الأشرار . ألك عين بشر أم كنظر الإنسان تنظر . حتى تبحث عن اسمي وتفتش عن خطيئتي . في علمك أني لست مزنبا ولا منقذ من يدك . يداك كزنتاني وصنعتاني كلي جميعا . افتبتلعني . اذكر أنك جبلتني كالطين أفتعيدوني الي التراب . ألم تصبني كاللبن وخثرتني كالجبن . كسوتني جلدا ولحما فنسجتني بعظام وعصب
منحتني حياة ورحمة .... ولكنك كتمت هذا ..... إن ؟أخطئت تلاحظني ولا تبريني من اثمي . ان اذنبت فويل لي . وان تبررت لا ارفع رأسي . اني شبعان هوانا وناظر مزلتي . وان ارتفع تصطادني كأسد ثم تعود وتتجبر علي .
فلماذا اخرجتني من الرحم .......اترك كف عني ( استغفر الله سبحانه وتعالي عما يصفون )
*هذه الفقرة كاملة – والتي خبئها الكاهن الملفق - من الكتاب المقدس له وهو الكتاب المشترك بين اليهود والنصاري تصف نبي الله أيوب وهو يجادل ربه بكلمات كفرية لا تليق بجلال الله، أما علم الأجنة التي ادعي الكاهن ان محمد سرقها واضافها للقرآن فهي الفقرة (ألم تصبني كاللبن وخثرتني كالجبن . كسوتني جلدا ولحما فنسجتني بعظام وعصب )
ولكي يقارن العقل المفكر بين الحق والباطل سنذكر في المقابل الآية القرآنية المقابلة لذلك :
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة * فخلقنا العلقة مضغة * فخلقنا المضغة عظاما * فكسونا العظام لحما * ثم انشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين . المؤمنون ( 12- 14 )
الآية تقول ان الإنسان مخلوق في اطوار يبدأ بطور النطفة وهي خلق قليل الجرم سيال ، وقد قسم القرآن النطفة في آيات أخري الي : نطفة مذكرة ( من مني يمني ) ونطفة مؤنثة ( في قرار مكين ) و ( نطفة امشاج ) والتي فيها تمتزج محتويات الحيوان المنوي مع البويضة ، وبعد طور النطفة يخلق الله احداث تنقل الجنين الي الطور التالي الذي يتميز بالتعلق بالرحم (طور العلقة ) ثم بعدها يخلق الله احداث في الجنين فينتقل الي طور يبدأ فيه تخليق بدايات الأنسحة والأعضاء ويشبه هذا الطور قطعة من اللحم الممضوغ بلا عظام ( طور المضعة ) ، ثم بعدها تظهر العظام وغيرها من الأنسجة كالعضلات التي تتكون مع العظام وليس بعدها ، ولذلك جاء التعبير ( بكسونا ) وليس خلقنا في اشارة إلي ان العضلات خلقت مع العظام ولكن الكساء بالعضلات يتم ويكمل بعد تكون الهيكل العظمي .
وهناك الكثير والكثير من اسرار الجنين التي دفعت اكبر علماء الأجنة في العالم ( كث المور) بأن يشهد في التلفزيون الكندي ان علم الأجنة في القرآن يتطابق مع ادق حقائق الأجنة التي لا تري إلا بالميكرسكوب والأبحاث الحديثة مما دعا ذلك العالك الكبير لأن يشهر اسلامه .
هل فهمت ايها الكاهن وعلمت اين الحق ، امامك النصوص فقارن في كل الإتجاهات ، وهناك المزيد ، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .
د/ حسين رضوان اللبيدى
( مدير مستشفى ) وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة سابقا
وعضو جمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بالقاهرة وجنوب الوادي
مصر 0127580446
[email protected]
القلب الحزين
14-12-2013, 09:18 PM
شبهة عدم تناسب الكلمات والآيات في القرآن الكريم
بقلم الدكتور: عبد الرحيم الشريف
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن الكريم
من الشبهات الواردة في مواقع الإنترنت وعدد من منتدياته: الطعن في الإعجاز القرآني من خلال زعم عدم تناسب آيات القرآن الكريم، ومما ورد إلى الموقع من استفسارات في ذلك..
أولاً: تناسب الكلمات:
1. جاء في صفحة (هل القرآن معصوم ؟) تحت عنوان " خلط الأسماء ":
" جاء في سورة الأنعام 84-86 "وَوَهَبْنَا لهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَاليَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاً فَضَّلْنَا عَلَى العَالَمِينَ".
ونحن نسأل: كيف صُفَّت هذه الأسماء بلا نظام ولا ترتيب، بما فيها من تقديم وتأخير يدعو للتشويش والخلط ؟ فما الداعي لذكر داود وسليمان قبل أيوب ويوسف وموسى وهرون ؟ وما الداعي لذكر زكريا ويحيى وعيسى قبل إلياس ؟ وما الداعي لذكر إسماعيل بعد إسحق ويعقوب وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس؟ وما الداعي لذكر أليشع ويونس قبل لوط ؟ مع أن الترتيب التاريخي معروف قبل القرآن بمئات السنين، وهو: أيوب في بلاد عوص. وإبراهيم وابن أخيه لوط وابناه إسماعيل وإسحاق وحفيده يعقوب وابن حفيده يوسف. ومن بعدهم موسى وهرون. ومن بعدهم داود وسليمان ابنه. ومن بعدهما إلياس وأليشع تلميذه. ومن بعدهما يونس. هؤلاء كلهم في العهد القديم. ومن بعدهم زكريا ويحيى وعيسى في العهد الجديد! ".
الجواب:
لا يمكن الاعتماد على التاريخ المذكور في كتابهم المقدس؛ لتناقضه وتحريفه ومخالفته للحقائق التاريخية المتفق عليها، بل القرآن الكريم هو المهيمن تاريخياً عليه، كما سبق بيانه. ولم تصرح الآية الكريمة بالتزام الترتيب التاريخي في ترتيب الأسماء الواردة أعلاه، فالواو العاطفة لا تفيد الترتيب. [1]
وقد اجتهد بعض العلماء في توجيه ترتيب الأسماء بما يلي: [2]
الآية التي سبقت ما استشهد به، قوله تعالى: " وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ".
فتلك الحجة في إظهار التوحيد لله تعالى والذب عنها، نعمة أنعم بها الله تعالى بها على إبراهيم. ومن نعمه عليه أيضاً أن جعل في ذريته النبوة، التي أغلبها من سلالة إسحق ويعقوب.
وقدم ذكر إسحق على إسماعيل؛ لأنه أظهر في الامتنان، حيث رزقه إياه بعد الكِبَر. وتمتع برؤيته ولم يفارقه.. ومن ذريته خرج القوم الموحدون الذين نشروا الإسلام الذي كان يدعوا إليه.
ثم ذكر نوحاً كي لا يظن ظان أن الهداية محصورة في أبناء إبراهيم فقط دون غيرهم، فأعاد الأذهان إلى مَن هدى الله تعالى مِن أقوام سبقوا بني إسرائيل.
وفصَل بين نوح وباقي الأنبياء بالجار والمجرور، إشارة إلى تراخي زمانه عن زمان من بعده.
ثم جمعَ بين الأنبياء الكرام ( نبيَّين نبيَّين ) للرابط بينهما:
فثنى ـ بعد إبراهيم ـ بذكر داود وسليمان؛ لأنهما رفعا قواعد المسجد الأقصى، وتكفلا بعمارته. كما رفع إبراهيم وإسماعيل [3]قواعد البيت الحرام.. وهما متوافقان في أنهما جمعا بين الملك والنبوة.
ثم أيوب ويوسف وكلاً منهما كان آية في الصبر، وكلاهما عانا من فراق الأهل.
ويجمع بين الأربعة (داود وسليمان وأيوب ويوسف) أن كلاً منهم ابتلي فصبر، ثم اغتنى وشكر، ورفِع شأنه بين الناس.
ثم بعد ذِكر يوسف الذي أعز الله تعالى شأنه في مصر، ذكَر موسى وهارون اللذين أرسلا إلى مصر، ولكنهما تسلطا على الحاكم فكانا سبباً في قتله.
ثم ذكر زكريا ويحيى، وكلاً منهما تسلط عليه الحاكم فقتله.
ثم ذكر عيسى واليسع، وكلاً منهما حاول الحكام قتلهما، ولكن الله تعالى أنجاهما.
ثم ذكر إسماعيل واليسع اللذين لم يكن بينهما وبين الحكام أمر، وكان إسماعيل سبباً في عمارة المسجد الحرام، واليسع سبباً في عمارة المسجد الأقصى، كما هدى الله تعالى قومهما بلا عذاب.
ثم ذكر يونس ولوطاً وكلٌّ هلك طائفة من قومه بعذاب.. وختم بهما؛ لكونهما ليسا من ذرية إبراهيم ـ صلى الله وسلم عليهم أجمعين ـ.
والذي يرجحه الباحث: أن الترتيب لم يأت حسب الزمن والفضل والحصر؛ لانصراف الذهن إلى أن جميع الأنبياء في شتى العصور، مهما كان فضلهم، أياً كان قومهم.. كانوا على دين واحد، هو دين الإسلام. [4]
وكلُّ ذلك لمزيد التأكيد على ربانية القرآن الكريم، وأنه ينفرد بكونه يحمل معه إعجازه، وردَّه على الشبهات المثارة حوله أيضاً؛ فهذا الترتيب للأنبياء الكرام، حجة على مدَّعي تلفيق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القرآنَ الكريم عن الكتب السابقة، وما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليعرِّض نفسه للنقد بلا داعٍ إن خالفَ ما تعلَّمه على يد معلميه المزعومين، أو اطَّلعَ عليه من الكتب، في ترتيب أنبياء بني إسرائيل.. وما أيسر ترتيبهم زمنياً لو كان له يد في ذلك.
كل هذا يضيف مزيداً من الأدلة، على أن أي شبهة حول القرآن الكريم لن تزيده إلا رسوخاً، ولإعجازه بياناً.. وسبحان الله العظيم !
2. وجاء في صفحة (قراءة نقدية) ثلاثة مواضع زعِمَ عدم مناسبتها مع كلماتها في الآيات الكريمة:
" ونجد في القرآن آيات لا يمت نصفها الأول إلى نصفها الثاني بأي علاقة. فخذ مثلا الآية الثالثة من سورة النساء: " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنىً وثلاث ورباعَ فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ". [النساء: 3] فما علاقة القسط في اليتامى وزواج ثلاث أو أربع زوجات ؟ يقول القرطبي [5] إن خفتم ألا تعدلوا في مهور اليتامى وفي النفقة عليهن، فانكحوا ما طاب لكم غيرهن.. وربما سهواً كتب الشخص الذي كان يجمع القرآن " فانكحوا ما طاب لكم من النساء". وقد يكون النصف الثاني من الآية سقط سهواً أثناء جمع القرآن، أو أُسقط كما أُسقطت آيات كثيرة ذكرناها سابقاً.
وفي سورة فاطر، ألآية [الثامنة] " أفمن زُين له سوء عملهفراءه [الصواب: فَرَآهُ] حسناً فإن الله يُضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تُذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون". فبداية الآية تسأل: " أفمن زُين له سوء عمله فراءه [الصواب: فَرَآهُ !!] حسناً "، فالأنسان يتوقع أن يجد مقارنة مع شخص آخر مثلا، " كمن اهتدى". ولكن بدل المقارنة نجد " فإن الله يُضل من يشاء". لا علاقة البتة بين بداية الآية وبقيتها. وقد قال القرطبي "هذا كلام عربي طريف لا يعرفه الا القليل". [6]والقرآن لم ينزل للقليل وبعض الآيات بها جُمل اعتراضية لا تزيد في المعنى وليس لها اي سبب يجعلها تدخل في الآية، فمثلا في سورة الانعام ألآية 151 " قل تعالوا أتلوا عليكم ما [الصواب: أَتْلُ مَا] حرّم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق". فالآية كلها تتكلم عن الأشياء التي نهانا عنها الله، ولكن في وسطها نجد " وبالوالدين إحسانا". وواضح أن هذه ليست من المحرمات وإنما زُج بها هنا سهواً، فلم يحرم الله الرفق بالوالدين ".
الجواب:
هذا من الأدلة على أن القرآن الكريم ليس بكلام بشر، وأن ما فيه من نظم بديع أعجزهم. وبيان ذلك كما يلي:
أ. آية سورة النساء: لو خطب ولي أمر اليتيمةِ اليتيمةَ (لنفسه أو لابنه)، لكان الخاطب والولي واحد. والمعلوم أن الولي يحدد المهر، فحتى لا يكون غبن للمرأة في تحديد مهرها ـ وهي بطبعها خجولة وخاصة أمام ولي نعمتها ـ نبَّه القرآنُ الكريم الوليَّ إلى اختيار غيرها، فالمباح له ـ أو لِمَن يتولى أمره من الذكور ـ من النساء من غيرها كثير مثنى وثلاث ورباع. [7]
فكيف إن كانت اليتيمة غنية ؟
إن الآية الكريمة تحث على قطع طمع الولي بمال اليتيمة، سواء كان مما ورِثته، أو مهرها الواجب لها شرعاً.
ب. آية سورة فاطر: من البلاغة طويُ ذكر المعلوم بداهة، ولفت النظر إلى ما بعده من الأهم منه؛ ليكون أرعى لسمعه. وفي هذا الموضع " طوى المشبه به، وهو كمن أبصر الأمور على حقيقتها فاتبع الحسن واجتنب السيئ؛ لأن المقام يهدي إليه. وتعجيلاً بكشف ما أشكل على السامع، من السبب الحامل على رؤية القبيح مليحاً ". [8]
ج. آية سورة الأنعام: المقصود: والثاني مما أتلوا عليكم ـ أو مما وصاكم به ربكم ـ أن تحسنوا بالوالدين. وهذا التعبير يشمل الوصول إلى غاية الإحسان، ويقتضي ترك الإساءة ـ وإن صغرت.. ـ فحقوق الوالدين مقدمة على سائر الحقوق، والإساءة إليهما مقدمة على سائر الإساءات؛ ولهذا ناسب التعبير بذلك الأمر الواجب، في سياق كبائر المحرمات، للإيذان بأن الإساءة إليهما ليس من شأنه أن يقع ـ إلا خلاف الفطرة السليمة ـ واحتاج التنبيه عليه في مقام إيجاز. [9]
كما أن الإيجاز في ذكر مضار سم الأفعى بلاغة، بينما الإطناب في ذكر مضار التدخين ـ للمدخن الشاك ـ بلاغة؛ لأن الأول ظاهر معلوم، والفطرة والعادة تؤيده، مهما اختلفت ثقافة الناس ومداركهم.
3. أما صفحة (أكذوبة الإعجاز العلمي) فقد أرادت تقديم خدمة إلى المسلمين، بإعادة ترتيب الآية الثالثة من سورة الإخلاص: " سورة الإخلاص" ، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد". لو أننا كتبنا كلمات هذه السورة لقلنا: " ، الله الصمد، ما وُلد ولا ولدْ، وما له كفو أحد ". فان " لم يلد ولم يولد " بها خطأ زمني، فلا يمكن أن كائنا يلد قبل أن يولد و" لم يكن له كفؤاً احد " تشمل الماضي فقط. أما " ولم يكن له كفوا أحد" فتشمل كل زمان ومكان !!!!! ونحن المسيحـين نفضّل أن نتلو كلمات هذه السورة مصححة، فالله - بالمعنى الحرفي - ما وُلد، ولا ولدْ ".
الجواب:
ليس لما يفضله النصارى أثر في عقيدتنا، فعقيدتنا ليست كعقيدتهم.. وكتابنا ليس ككتبهم التي أقحموا بها ما شاؤوا بحسب أهوائهم.. أما الترتيب الخاص في الآية الكريمة فلحِكَم بيانية، وأغراض بلاغية معجزة، ملخصها:
1. ليست الآية الكريمة على الترتيب البشري لولادة الإنسان، فالإنسان يولد أولاً.. ثم يكبر ويبلغ ويتزوج، ثم يلد الولد. فخالفت الآية الكريمة الترتيب البشري؛ للدلالة على تفرد الله تعالى ووحدانيته (وهذا موضوع السورة الكريمة)، وأنه منزه عن المشابهة لخلقه حتى في نفي النقص عنه. [10]
2. والتعبير بالمضارع " يَلِدْ" و " يُوْلَدْ" لبيان تنزيه الله تعالى دائماً وأبداً عن كل نقص، فالمضارع يفيد الاستمرار (كان ومازال وسيبقى متصفاً بذلك).. بينما الماضي فلا يفيد إلا نفي الحال الماضية فقط (كان)، مع احتمال جوازها في المستقبل.
3. كفواً وكفؤاً بالمعنى ذاته، وأصل الكلمة بالهمز: كفأ، يكفؤ، كفؤاً. وهو كفؤ: أي مثيل ومشابه ومساوٍ. وقلبت الهمزة واواً للتخفيف. [11]
بهذا يتبين أن " كتاب الله لو نزعت منه لفظة، ثُمَّ أُدير لسان العربِ في أن يوجد أحسن منها لم يوجد. ونحن تبيَّن لنا البراعة في أكثره، ويخفى علينا وجهها في مواضع؛ لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذٍ، في سلامة الذوق وجودةِ القريحةِ". [12]
ثانياً: تناسب الآيات:
جاء في صفحة (قراءة نقدية): " وهناك سور من الواضح جداً انها أُدخلت عليها بعض الاضافات، سواء أُدخلت هذه الاضافات عندما جمع زيد بن ثابت القرآن، أم بعد ذلك، فمن الصعب أن نجزم بذلك، ولكن المهم أن هذه السور توضح لنا أن القرآن لم يُكتب كما قرأه محمد على أصحابه. فمثلا سورة المدثر تتكون من آيات قصيرة مسجوعة على الراء، ولكن الآية 31 في منتصفها لا تنسجم مع طول ألآيات ولو انها تنسجم مع السجع: 1- " 2- " قم فأنذر" 3- " وربك فكبر" 4- " وثيابك فطهر"5- " والرجز فأهجر [الصواب: فَاهْجُرْ] "31- " وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا ليستيقين الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا ايماناً ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً كذلك يُضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا و[الصواب: هُوَ] وما هي إلا ذكرى للبشر"32- " كلا والقمر" 33- " والليل إذا [الصواب: إذ] أدبر 34- " والصبح إذا أسفر "
من الواضح جداً أن الآية 31 لا تنسجم مع بقية الآيات وأنها أُضيفت اليها لاحقاً. وهذا دليلٌ قاطع على أن القرآن أُدخلت فيه آيات لم تكن أصلا من السور وحُزفت [الصواب: حذفت] آياتٌ أخريات، مما يجعلنا نقول أن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن الذي قاله محمد حرفياً...
يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" 14- " ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين إن اشكر لي ولوالديك اليّ المصير" 15- " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً وأتبع [الصواب: وَاتَّبِعْ] سبيل من أناب إليّ ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون" 16- " يا بني إنها إن تك مثقال حبةٍ من خردلٍ فتكن في صخرةٍ أو في السماوات أو في ألارض [الصواب: الأَرْضِ] يأت بها الله إن الله لطيف خبير" 17- " يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الامور" 18- " ولا تصّعر خدك للناس ولا تمشي [الصواب: تَمْشِ] في الارض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور" 19- " واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن انكر الاصوات لصوت الحمير". ففي الآية 13 المتكلم هو لقمان يعظ ابنه، ثم فجأة في الآية 14 يصير المتكلم هو الله فيوصي الانسان بوالديه ويضيف عليها ان الحمل والرضاعة يجب أن تكون عامين ثم يُفصل الطفل، ويستمر الله في وصية الانسان في الآية 15. ثم نرجع إلى لقمان في الآية 16 وما بعدها ليكمل وصية ابنه. فالآيتان الرابعة عشر والخامسة عشر أُدخلتا هنا بطريق الخطأ ولم يكونا [يقصد: تكونا] أصلا جزءاً من السورة ".
الجواب:
1. آية المدثر: مناسبة تماماً لما قبلها، فهي تبدأ بتقرير حقيقة الملائكة الذين يماري بعددهم ويتندر بقلته الكافرون، زاعمين أنهم قادرون عليهم. [13]
قال تعالى: " وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ(27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ(28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ(29)عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ(30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) ".
ولاحظ تناسب الآية الكريمة بما بعدها.. " كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) ".ربط حقيقة الآخرة الغيبية، بحقيقة كونية مشهودة تمر على البشر الغافلين، مدللة على قدرة الله تعالى التي ليس كمثلها قدرة. [14]
2. آية لقمان: بعد أن وصى الله تعالى الوالد بولده ـ ببذل النصح له كما فعل لقمان ـ، ناسب أن يوصي الولد بوالده. فالإسلام يراعي التوازن والوسطية والعدل في الحقوق والواجبات لجميع أصناف الناس.
كما أن النهي عن الشرك، لا يعني عدم جواز طاعة الوالدين، بحجة خشية الوقوع في الشرك. [15]
ولا يستبعد أن تكون التوصية بالوالدين جزءاً من موعظة لقمان لابنه، ونسَبَها إلى الله تعالى (ووصينا) بإسناد فعل التوصية إلى الله تعالى؛ إشارة إلى أنه لولا شريعة الله تعالى لما فطنتم لمثل هذا، فمصدر الهداية هو الله تعالى.
أو يكون المراد: وصينا بمثل ما وصَّى به، وأسند الفعل إليه ـ سبحانه وتعالى ـ؛ لبيان أهمية طاعة الوالدين. [16]
والصحيح: كله مراد [17]، وهذا من بلاغة القرآن الكريم، التي لم يعهد مثلها بشر. فـ " قد يكون الكل حقاً بالنسبة الى سامعٍ فسامعٍ؛ إذ القرآن ما نزل لأهل عصرٍ فقط بل لأهل جميع الأعصار، ولا لطبقة فقط.. بل لجميع طبقات الإنسان، ولا لصنف فقط بل لجميع أصناف البشر. ولكلٍّ فيه حصة ونصيب من الفهم. والحال أن فهم نوع البشر يختلف درجة درجة.. وذوقَه يتفاوت جهة جهة.. وميلَه يتشتت جانباً جانباً.. واستحسانه يتفرق وجهاًً وجهاً.. ولذته تتنوع نوعاً نوعاً.. وطبيعته تتباين قسماً قسماً. فكم من أشياء يستحسنها نظرُ طائفة دون طائفة، وتستلذها طبقة ولا تتنزل اليها طبقة. وقِس ! فلأجل هذا السر والحكمة أكْثَرَ القرآنُ من حذف الخاص للتَّعميم؛ ليقدِّر كلٌّ مقتضى ذوقه واستحسانه. ولقد نظم القرآن جُمَله ووضعها في مكان ينفتح من جهاته وجوه محتملة؛ لمراعاة الافهام المختلفة ليأخذ كلُ فهمٍ حصته. وقس!
فإذن يجوز أن تكون الوجوه بتمامها مرادة بشرط أن لا تردها علوم العربية، وبشرط ان تستحسنها البلاغة، وبشرط أن يقبلها علم أصول مقاصد الشريعة ". [18]
للتواصل:
د. عبد الرحيم الشريف
[email protected]
الهوامش:
==============
1) قال صلاح الدين كيلكدي في كتابه: " الفصول المفيدة في الواو المزيدة "، ص 68: " الواو العاطفة تفيد مطلق الجمع، من غير إشعار بخصوصية المعية أو الترتيب، ومعنى ذلك: أنها تدل على التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم الذي أسنِد إليهما، من غير أن يدل على أنهما معاً بالزمان، أو أن أحدهما قبل الآخر. ولا ينافي هذا احتمال أن يكون ذلك وقع منهما معاً، أو مرتباً على حسب ما ذكرا به ـ أو على عكسه ـ ولا يفهم شيء من ذلك، من مجرد الواو العاطفة. وهذا قول الجمهور من أئمة العربية، والأصول، والفقه ".
2) انظر: نظم الدرر، البقاعي 2/663-669، وتفسير المنار، محمد رشيد رضا 7/484-487. وقد اعتمدا على الإسرائيليات التي لا تخالف ديننا؛ لإضافة تفاصيل عن حياة بعض الأنبياء، ممن لا تفصيل لقصصهم في الصحيح المأثور.
3) لم يُذكر إسماعيل مع إبراهيم للتوافق بينه وبين إليسع ـ عليهم السلام ـ كما سيتبين.
4) انظر: الكاشف، محمد جواد مغنية 3/218.
5) في الجامع لأحكام القرآن 5/15 وما بعدها.
6) في الجامع لأحكام القرآن 14/234. وهذا حث على طلب العلم وتدبر القرآن الكريم، فبتدبره تظهر معجزته.
7) قال الشوكاني في فتح القدير 2/76: " وجه ارتباط الجزاء بالشرط: أن الرجل كان يكفل اليتيمة لكونه ولياً لها ويريد أن يتزوجها، فلا يقسط لها في مهرها ـ أي: يعدل فيه ـ ويعطيها ما يعطيها غيره من الأزواج. فنهاهم الله أن ينكحوهنّ إلا أن يقسطوا لهنّ، ويبلغوا بهنّ أعلى ما هو لهنّ من الصداق، وأمِروا أن ينكحوا ما طاب لهنّ من النساء سواهنّ ".
وسبب نزول الآية الكريمة يزيد الأمر بياناً، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: " أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا، وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ، وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ، فَنَزَلَتْ فِيهِ: " وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى" ". رواه البخاري في تفسير القرآن باب وإن خفتم ألا تقسطوا.. (4573). وانظر الحديث الذي رواه مسلم في التفسير (3018).
8) نظم الدرر، البقاعي 6/206.
9) انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا 8/162.
10) للتوسع انظر: نظم الدرر، البقاعي 8/591-596. ومقال: مع سورة الإخلاص (2)، د. صلاح الخالدي، مجلة الفرقان، عدد37، شباط 2005م، عمَّان، ص12-13.
11) قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة 5/147: " كافأت فلاناً، إذا قابلتَه بمثل صَنيعه. والكفء: المِثْل. قال الله تعالى: " وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ" [الإخلاص: 4]. والتكافؤ: التَّساوِي ". وانظر: الموضح في وجوه القراءات وعللها، ابن أبي مريم 3/1414.
12) قاله ابن عطية في البحر المحيط 4/273.
13) قال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم، ص1786: "قيل إن أبا الأشدين ـ واسمه كلدة بن أسيد بن خلف ـ قال: يا معشر قريش، اكفوني منهم اثنين، وأنا أكفيكم منهم سبعة عشر ـ إعجابا منه بنفسه ـ ".
14) انظر: نظم الدرر، البقاعي 8/231. وفي ظلال القرآن، سيد قطب 6/3760.
15) ومن جانب آخر: لا تشرك بالله، حتى إن أمرك والداك بالإشراك بالله تعالى فلا تطعهما. ولا يعني الأمر بعدم طاعتهما في المعصية، أن لا تطعهما بسبب كفرهما، بل طاعتهما ـ في غير المعصية ـ واجب عليك.. يا لروعة الإسلام، ووسطية تعاليمه ! انظر سبب نزول الآية، في قصة سعد ابن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ مع أمه في تفسير الجامع لأحكام القرآن، القرطبي 14/65.
16) قارن هذا الأمر الإلهي ببر الوالدين مع ما يزعم النصارى من موقف يسوع من والديه، حين بلغ الثانية عشرة من عمره، فخرج من البيت وذهب إلى القدس دون أن يخبر والديه.. ولما علِما باختفائه بحثا عنه عند الأقارب والمعارف ثلاثة أيام.. ثم وجداه في الهيكل يتعلم من العلماء ويسألهم (!!).. فسألته أمه ـ كما في إنجيل لوقا ـ: " يا بني لماذا فعلت بنا هكذا ؟ هوذا أبوك (!!) وأنا كنا نطلبك مُعذَّبين (49) فقال لهما: لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي ؟ (50) فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما ". أين الأدب مع الوالدين ؟ فقد روَّعهما بذهابه دون إذنهما، كما أساء الأدب في جوابه، وختم ذاك العقوق بتحديث والدته بما لا تعرف !! حاشا سيدنا عيسى عليه السلام أن يكون كذلك.
17) هذا يسمى التوسع في المعنى، والمقصود به: أن يؤتى بتعبير يحتمل أكثر من معنى، دون وجود قرينة ترجح معنى على آخر، فتكون كل هذه المعاني مُرادة؛ لأن اللفظ المتوسَّع في معناه، من المشترك اللفظي. مثلاً كلمة (أحكم) في قوله تعالى في سورة التين " أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ(8)" . ما المقصود بأحكم الحاكمين ؟ تحتمل أن تكون من الحكمة أو من القضاء. وقد ورد في القرآن الكريم " وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ.. " [المائدة: 49] تعني: القضاء، وقوله تعالى: " يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ"[الأنعام: 57] بمعنى: الحُكم. فهي تحتمل أن تكون من القضاء، أو من الحكمة. وهي تحتمل أن تكون: أقضى القضاة، وتحتمل أن تكون: أقضى الحكماء، وأحكم القضاة وأحكم الحكماء. فهي إذن جمعت أربع معاني في كل كلمة، احتمالين في الحكمة والقضاء. وهذا كله محتمل وجائز، وليس هناك قرينة تحدد معنى واحداً من هذه المعاني، دون غيره. إذن المراد كل هذه المعاني وهذا توسّع في المعنى في باب الألفاظ المشتركة. للمزيد من التفصيل والشواهد، انظر: موقع لمسات بيانية للدكتور فاضل السامرائي http://www.islamiyyat.com/ (http://www.islamiyyat.com/)
18) إشارات الإعجاز، النورسي، ص 49.
القلب الحزين
14-12-2013, 09:19 PM
الشبهة لا يرد عليها بشبهة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/117451872998989898.jpgبقلم محمد إسماعيل عتوك
[email protected]
قال الله تبارك وتعالى في حق يوسف عليه السلام:﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾( يوسف:15)
أولاً-في تعليقه على هذه الآية الكريمة سأل صاحب كتاب ( أكذوبة الإعجاز العلمي ) تحت عنوان ( تعليقات على القرآن ):”أين جواب لمّا ؟ “. ثم قال كالمجيب عن سؤاله:”ولو حذفت الواو، التي قبل( أوحينا )، لاستقام المعنى “.
وغرضه من ذلك الطعن في بلاغة القرآن الكريم، وأسلوبه المعجز؛ وذلك من خلال إثارة الشبهات، ومنها هذه الشبهة، التي يريد أن يثبت من إثارتها ما فيه من حروف زائدة، لا يستقيم المعنى إلا على إسقاطها. وكونها زائدة، دخولها في الكلام وخروجها منه سواء، يتناقض مع ما يوصف به هذا القرآن الكريم من بلاغة، وبيان، وإعجاز.
ثانيًا-وقبل الإجابة عن هذه الشبهة لا بد من أن نستعرض بعض ما قاله علماء النحو والتفسير في تأويل جواب قوله تعالى:﴿ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ ﴾في هذه الآية الكريمة المعجزة في نظمها، ومعناها. وقد اختلفوا في تأويله على قولين:
أحدهما: أنه موجود في الكلام، فقال الطبري: الجواب قوله:﴿ وَأَجْمَعُوا ﴾. والمعنى: فلما ذهبوا به، أجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب. وقال الفرَّاء: الجواب هو قوله:﴿ وَأَوْحَيْنَا ﴾. والمعنى: فلما ذهبوا به، وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب، أوحينا إليه. وأدخلت الواو في الجواب؛ كما أدخلت في قول امرئ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى...بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل
ومعنى الكلام على إسقاطها. أي: فلما أجزنا ساحة الحي، انتحى بنا.
وهذا القول يتفق تمامًًا مع القول، الذي ذكره صاحب كتاب( أكذوبة الإعجاز العلمي )؛ ولكنه يختلف معه في الغرض، الذي سيق لأجله كل منهما، وعليه جمهور الكوفيين، ومن تبعهم من المتأخرين والمعاصرين. وقد وصفه الشيخ محي الدين الدرويش صاحب كتاب ( إعراب القرآن ) بأنه قول جيِّد، لو ساعدت اللغة على زيادة الواو. واختاره الدكتور فخر الدين قباوة مدرس النحو في جامعة حلب، على أنه الصواب، وعلل لزيادة الواو بأنها للتوكيد. ووجه التوكيد بها أنها قائمة مقام تكرار الجملة مرتين. وهذا قول ابن جني، وابن السرَّاج من قبله.. وبنحو هذا القول قال الدكتور فاضل السامرائي مدرس النحو في جامعة الشارقة.
والقول الثاني: أن الواو في قوله تعالى:﴿ وَأَجْمَعُوا ﴾، وقوله:﴿ وَأَوْحَيْنَا ﴾ليست بزائدة؛ وإنما هي للعطف، والجواب محذوف، وأن حذفه من بلاغة القرآن وإعجازه، ولتذهب النفس في تقديره كل مذهب. وعليه جمهور البصريين ومن وافقهم. قال الفخر الرازي:”لا بد لقوله:
﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ﴾
من جواب؛ إذ جواب ﴿ لَمَّا ﴾غير مذكور، وتقديره: فجعلوه فيها. وحذف الجواب في القرآن كثير، بشرط أن يكون المذكور دليلاً عليه، وههنا كذلك“.
وقال ابن عاشور:” وجواب ﴿ لَمَّا ﴾محذوف دلّ عليه:
﴿ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ﴾
والتقدير: جعلوه في الجب. ومثله كثير في القرآن، وهو من الإيجاز الخاص بالقرآن، فهو تقليل في اللَّفظ لظهور المعنى “.
وقال الألوسي:”وقدره بعضهم: عظمت فتنتهم، وهو أولى من تقدير: وضعوه فيها “.
فعلى التقدير الأول يكون المعنى: فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب، جعلوه فيه.. وعلى التقدير الثاني يكون المعنى: فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب، عظمت فتنتهم.
واختار هذا القول الثاني الدكتور فضل حسن عباس صاحب كتاب ( لطائف المنان في دعوى الزيادة في القرآن )، وعدَّ القول بزيادة هذه الواو خروجًا عن الصواب، وجرأة على كتاب الله، وابتعادًا بالآية الكريمة، وبالنظم المحكم عن المعنى المراد. ثم ذكر أن حذف الجواب في مثل هذه المواضع، لم يأت عبثًا؛ وإنما هو أمر يقصده القرآن قصدًا.
ثالثًا- وفي الإجابة عن هذه المسألة الخلافية نقول بعون الله وتوفيقه: إن كلا القولين فيها زعم باطل، وتقوُّل على الله جل وعلا ما لم يقله، وعبث بكلامه سبحانه وتعالى. وكلامه سبحانه منزَّهٌ من العبث والزيادة. وإذا كان في القول بزيادة الواو خروجٌ عن الصواب، وجرأة على كتاب الله، وابتعادٌ بالآية الكريمة، وبالنظم المحكم عن المعنى المراد- كما زعم الدكتور فضل حسن عباس- فإن القول بحذف الجواب لا يقل جرأة على كتاب الله تعالى منه، وهو الخروج عن الصواب بعينه، والابتعاد بالآية الكريمة، وبالنظم المحكم عن المعنى المراد؛ وإلا فما معنى أن يقال في تقدير الآية الكريمة: فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب، جعلوه فيه.. أو يقال: فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب، عظمت فتنتهم. ألا ترى أن كلا التقديرين لا يليق ببلاغة القرآن، ويخرجه عن كونه كتابًا معجزًا في نظمه، وفي معناه ؟! ثم إن هذا ليس من مواضع حذف الجواب في القرآن، حتى يقاس عليها.
والحق الذي ينبغي أن يقال هو إن المعنى المراد من الآية الكريمة ما نصَّ عليه الفرَّاء، وأورده صاحب كتاب ( أكذوبة الإعجاز العلمي )، معترضًا به على من قال بحذف الجواب؛ ولكن ليس على زيادة الواو، كما زعم هو، وزعم غيره من المغرمين بالقول بالزيادة في القرآن الكريم، والقرآن منزَّه منها، ومن كل قول يخل بنظم القرآن ومعناه.
ويقولون: إذا عُرِفَ السبب، بطل العجب. والسبب في هذا الخلاف هو ما قعَّده النحاة من قواعد تمنع من دخول الواو في جواب الشرط. فلما اعترضتهم نصوص من القرآن الكريم وكلام العرب، جاء فيها جواب الشرط مقترنًا بالواو، اختلفوا في تأويلها على النحو، الذي ذكرناه، دون أن يتعِبوا أنفسهم في البحث عن سرِّ وجودها، وفائدته في التركيب اللغوي. فلا شيء أسهل على المرء من أن يقول: هذا الحرف زائد. أو يقول: الجواب هنا محذوف، وأن حذفه من البلاغة والإعجاز، وأن القرآن لم يأت به عبثًا؛ وإنما يقصده قصدًا.. إنه مجرد كلام، لا يقوم على حجة أو برهان، فضلاً عن أنه مخالف لنصوص القرآن.
فالقضية- إذًا- ليست قضية إعجاز؛ وإنما هي قضية قاعدة نحوية، وضعها النحاة البصريون، وتبعهم فيها المتأخرون، والمعاصرون.. ولو كانت قضية إعجاز، لما سمحوا لأنفسهم أن يقولوا بزيادة كثير من الحروف في القرآن الكريم بحجة التأكيد، وهم لا يقولون ذلك إلا في المواضع، التي يتعذر عليهم فيها تقدير كلام محذوف، كقولهم بزيادة ( لا ) في قوله تعالى:
﴿ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ﴾(الأعراف: 12)
ونحو ذلك كثير، لا يخفى على المشتغلين بعلم النحو والبلاغة والتفسير.
ونعود بعد هذا إلى الآية الكريمة، ومعناها عند من﴿ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾: أن الله سبحانه وتعالى، لما أراد أن يطمئن يوسف- عليه السلام- ويؤنسه في وحشة البئر، بشَّره بما سيؤول إليه أمره. وقد تم ذلك في الوقت، الذي ذهب به إخوته، وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب.
﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ﴾
في هذا الوقت، الذي تم فيه الذهاب به، والإجماع على إلقائه في غيابة الجب، جاءته البشرى من ربه جل وعلا وحيًا.
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾
والواو الجامعة في قوله تعالى:﴿ وَأَوْحَيْنَا ﴾ هي التي دلت على هذا المعنى، فقد جمعت بين حدثين: حدث الإجماع، وحدث الإيحاء. والدليل على ذلك:
أولاً- قوله تعالى في آخر السورة:
﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾(يوسف:102(
فقوله تعالى:﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾ إشارة إلى قوله تعالى:
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾
وقوله تعالى:﴿ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾إشارة إلى قوله تعالى:
﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ ﴾
قال الفخر الرازي:” واعلم أنا ذكرنا أنه عليه السلام، لما ألقي في الجب، قال تعالى:
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا ﴾
وذلك يدل ظاهرًا على أنه تعالى أوحى إليه في ذلك الوقت. وعندنا الإرهاص جائز، فلا يبعد أن يقال: إن ذلك الوحي إليه في ذلك الوقت ما كان لأجل بعثته إلى الخلق؛ بل لأجل تقوية قلبه، وإزالة الحزن عن صدره، ولأجل أن يستأنس بحضور جبريل عليه السلام..
وفي المراد من قوله تعالى:﴿ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ قولان:
الأول : المراد أن الله تعالى أوحى إلى يوسف إنك لتخبرن إخوتك بصنيعهم بعد هذا اليوم، وهم لا يشعرون في ذلك الوقت أنك يوسف. والمقصود تقوية قلبه بأنه سيحصل له الخلاص عن هذه المحنة، ويصير مستوليًا عليهم، ويصيرون تحت قهره وقدرته.
والثاني: أن المراد إنا أوحينا إلى يوسف عليه السلام في البئر بأنك تنبىء إخوتك بهذه الأعمال، وهم ما كانوا يشعرون بنزول الوحي عليه. والفائدة في إخفاء نزول ذلك الوحي عنهم أنهم، لو عرفوه، فربما ازداد حسدهم، فكانوا يقصدون قتله “.
ثانيًا- قوله تعالى في السورة نفسها:
﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ﴾(يوسف:70)
فالجواب- هنا- هو قوله تعالى:﴿ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ﴾. وهذا لا يختلف عليه اثنان.
قال الفرَّاء في تفسير هذه الآية الكريمة:”وربما أدخلت العرب في مثلها الواو، وهي جواب على حالها؛ كقوله في أول السورة:
﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ ﴾
والمعنى والله أعلم: أوحينا إليه.. وهي في قراءة عبد الله:
﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ وَجَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ﴾
وفي قراءتنا بغير واو. ومثله في الكلام: لما أتاني، وأثب عليه.. وكأنه قال: لما أتاني، وثبت عليه. وربما أدخلت العرب في جواب( لما ) ( لكن )، فيقول الرجل: لما شتمني، لكن أثب عليه؛ فكـأنه استأنف الكلام استئنافًا، وتوهم أن ما قبله فيه جوابه “.
فثبت بذلك أن العرب تدخل الواو في جواب ﴿ فَلَمَّا ﴾، إذا ما أرادت الجمع بين فعل الشرط، وجوابه في الحدوث. والقرآن الكريم يجري في ذلك على لغة العرب. ألا ترى كيف جمعت هذه الواو في قولهم:”لما أتاني، وأثب عليه “بين الإتيان والوثوب في وقت واحد ؟!
وإذا عرفت ذلك، تبين لك سر الإعجاز البياني في هذه الواو، التي قال قوم عنها إنها زائدة، وقال آخرون: إنها عاطفة، وهي ليست بهذا، ولا ذاك. والشواهد من القرآن الكريم، وكلام العرب هي الفصل في ذلك. وسبحان الذي خلق الإنسان، وعلمه البيان، وله الحمد والمنة.
القلب الحزين
14-12-2013, 09:20 PM
من القرآن ما يفسره الزمان
السؤال:هل ورد في القرآن والسنة إشارات إلى الاختراعات التي نراها اليوم أو التي لا نعرف عنها شيئا بعد؟
يجيب على هذا السؤال:
فضيلة الدكتور محمد إبراهيم دودح
الباحث العلمي في الهيئة العالمية للإعجاز
العلمي في القرآن والسنة في مكة المكرمة
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله, وبعد:
إن القرآن الكريم كتاب هداية إلى الإيمان بالله تعالى وليس صنعة بشرية تغرض إلى الاختراع والإبداع التقني, ومهمته تصحيح اعتقادات دخيلة على منهج رسل الله في التأكيد على وحدانيته, هذا هو الغرض الرئيس من الدعوة إلى التطلع في الكون نحو بينات صدق القرآن ودلائل عظمة الله ووحدانيته والتي يبلغ بها الإنسان درجة اليقين, كما في قوله تعالى: ﴿قُلِ انظُرُواْمَاذَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾يونس 101، وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُواْفِي مَلَكُوتِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىَ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾الأعراف 185,
ولكن الدعوة إلى التطلع في الكون والتأمل وإعمال الفكر والاستنباط قد وضعت الأساس للمنهج التجريبي فكانمن ثمرتها أن حفزت الهمم وشحذت العقول لبناء صرح حضارة عالمية مازالت مفردات مصلحاتها مستعملة إلى اليوم في علوم كالفلك والجبر والكيمياء في الوقت الذي كانت أوروبا تتخبط فيه في ظلمات الجهل والوهم.
ولم تكن البيئة التي نزل فيها الوحي مهيأة لتلقي حقائق لم تتحقق منها البشرية إلا بعد عصر التنزيل بقرون, ولذا كانت الإشارات العلمية في الحديث النبوي محدودة بينما فاض بها القرآن الكريم, وادخرت تلك الإشارات العلمية لأجيال قادمة تعاين حقائقها بينة على الوحي وتأييدا لرسالة التوحيد, وقد شفعت بوعد جازم نراه يتحقق اليوم, كما في قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الاَفَاقِ وَفِيَ أَنفُسِهِمْحَتّىَ يَتَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُ الْحَقّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ أَنّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾فصلت 53، وقوله: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ للّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِفَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبّكَ بِغَافِلٍ عَمّاتَعْمَلُونَ﴾ النمل 93, وإسناد الرؤية للمؤمنين وإلى غيرهم يعني أن الوعد متحقق سواء اكتشفوا هم الحقيقةأم سبقهم إليها غيرهم, فلا مجال إذن للسؤال الذي يخلط بين التدليل على التنزيل عند تجلي الحقيقة والتبشير بها قبل اكتشافها في الواقع: لماذا ينتظر المسلمون غيرهم ليكتشفوا هم الحقائق العلمية ثم يدركون إشارة نصوص الوحي إليها بعد ذلك؟, ومع ذلك يمكن استلهام النصوص والاسترشاد بقواطع الدلالات للتبشير بالحقيقة التي لم يقم عليها دليل بعد.
وسأحقق رغبتك في السبق التقني بمثال؛ في الوقت الذي نبحث فيه في أيام الشتاء عن وقود التدفئة يفيض القرآن بالحديث عن حقيقة وجودنا فوق قشرةرقيقة عائمة فوق دوامات جبارة من الصهير الملتهب ومخزون لا ينضب من الطاقة تحت أقدامنا مباشرة, ألا ترى أن مشكلة الطاقة في العالم قد حلت بشكل جذري!؛ يمكن بلوغ الآتون الملتهب بأنبوب معدني ممتلئ بالماء في مناطق ذات عمق يسير كما في منطقة المدينة المنورة وبتحوله إلى بخار يمكن إنتاج كهرباء مجاناً تصلح للتخزين وتكفي لتحول جزيرة العرب إلى جنة خضراء, ولكن إن صح هذا فهو استلهام وسيبقي الدليل على التنزيل هو سبق القرآن إلى الحقيقة قبل تجليها عند اكتشافها؛ على الأقل هذا ما أراه.
ومن الإشارات إلى معالم عصر التقنية التبشير بوسائل نقل تماثل الدواب المعتاد استخدامها زمن التنزيل, وذلك في قوله تعالى: ﴿وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىَ بَلَدٍ لّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاّ بِشِقّ الأنفُسِ إِنّ رَبّكُمْ لَرَؤُوفٌ رّحِيمٌ. وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. وَعَلَىَ اللّهِ قَصْدُ السّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾النحل 5-9،فالشاهد قوله ﴿وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾, وذلك في معرض الحديث عن وسائل نقل معتادة ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾, وفعل ﴿َيَخْلُقُ﴾ مضارع يدل على التجدد مما لا يجعل حدًا لما ستكشفه الأيام من وسائل نقل, ولكن عندما تسترخي على كرسيك اليوم في سيارة أو باخرة أو طائرة تذكر أنك تجلس فوق دليل يشهد للقرآن بالوحي.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/5/250px-Lexus_LF-A_Pic_2.jpg
صورة لسيارة نوع Lexus
قال المراغي: "﴿وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ مما يهدي إليه العلم وتستنبطه العقول كالقُطُر البرية والبحرية والطائرات التي تحمل أمتعتكم وتركبونها من بلد إلى آخر ومن قطر إلى قطر والمناطيد الهوائية التي تسير في الجو والغواصات التي تجري تحت الماء؛ إلى نحو أولئك مما تعجبون منه ويقوم مقام الخيل والبغال والحمير في الركوب والزينة"[1].
وقالابن عاشور: "الذي يظهر لي أن هذه الآية من معجزات القرآن الغيبية العلمية، وأنها إيماء إلى أن الله سيلهم البشر اختراع مراكب هي أجدى عليهم من الخيل والبغال والحمير، وتلك العجلات التي يركبها الواحد ويحركها برجليه..، وأرتال السكك الحديدية والسيارات.. ثم الطائرات التي تسير بالنفط المصفّى.., فكل هذه مخلوقات نشأت في عصور متتابعة لم يكن يعلمها من كانوا قبل عصر وجود كل منها, وإلهام الله الناس لاختراعها هو ملحق بخلق الله، فالله هو الذي ألهم المخترعين من البشر بما فطرهم عليه من الذكاء والعلم وبما تدرجوا فيسلّم الحضارة واقتباس بعضهم من بعض إلى اختراعها، فهي بذلك مخلوقة لله تعالى لأن الكلّ من نعمته"[2],
وقال الشنقيطي: "قوله تعالى ﴿وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾؛ ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يخلق ما لا يعلم المخاطبون وقت نزولها, وأبهم ذلك الذي يخلقه لتعبيره عنه بالموصول, ولم يصرح هنا بشيء منه, ولكن قرينة ذكر ذلك في معرض الامتنان بالمركوبات تدل على أن منه ما هو من المركوبات, وقد شوهد ذلك في إنعام الله على عباده بمركوبات لم تكن معلومة وقت نزول الآية كالطائرات والقطارات والسيارات, ويؤيد ذلك إشارة النبي rإلى ذلك, في الحديث الصحيح قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه.. عن أبي هريرةأنه قال: قال رسول الله r(والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها).. الحديث, ومحل الشاهد من هذا الحديث الصحيح ـ قوله r(ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها) فإنه قسم من النبي rأنه ستترك الإبل فلا يسعى عليها, وهذا مُشاهد الآنللاستغناء عن ركوبها بالمراكب المذكورة, وفي هذا الحديث معجزة عظمى تدل على صحة نبوته rوإن كانتمعجزاته صلوات الله عليه وسلامه أكثر من أن تحصر"[3], وقال الألوسي: "والعدول إلى صيغة الاستقبال للدلالة على الاستمرار والتجدد.. فما لا تعلمون على ظاهره"[4], وقال الزركشي: "أما الموصوفات.. فإنك تبدأ بالأفضل فتقول قام الأمير ونائبه وكاتبه.. فقدم الخيل لأنها أحمد وأفضل من البغال وقدم البغال على الحمير لذلك أيضا"[5].
تريد أن تداعب خيالك وتستشرف آفاقا لم يبلغها عصر التقنية بعد؛ تأمل قوله تعالى: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِالشّفَقِ. وَاللّيْلِ وَمَا وَسَقَ. وَالْقَمَرِ إِذَا اتّسَقَ. لَتَرْكَبُنّ طَبَقاً عَن طَبقٍ. فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا قُرِىءَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لاَ يَسْجُدُونَ﴾الإنشقاق 16-21،سأدع خيالي ينطلق معك ويصنع رؤيا تستنطق المجهول, إن تلك الظواهر الليلية معاينة معهودة؛ الشفق فبزوغ الأجرام فالبدر أنصع أحوال بهاء القمر, وتستشعر مع تتابع تلك الظواهر حركة دل عليها الترتيب, فالشفق عند غروب الشمس وعندما يجن الليل ترى الأجرام تملأ صفحة الليل قبل أن يلفتك عنها بهاء القمر, ولكن ماذا يعقب الليل؟ إنها الشمس ساطعةً أبهى من القمر؛ هكذا إذن ستتجلى حقيقة يؤكدها القرآن في تشبيه ضمني بالشمس في وضح النهار: ﴿لَتَرْكَبُنّطَبَقاً عَن طَبقٍ﴾,و(الركوب) يلزمه الحمل والسفر والانتقال والهجرة كما في قوله تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾, وقوله تعالى: ﴿اللّهُ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْمِنْهَاوَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾غافر 79و80، والمذهل أن الشكل المستدير المماثل للطبق هو فعلا الذي يحقق الاستقرار في الفضاء حيث تنعدم الجاذبيةفيمكن استعادتها بالتدوير, وتصميم أول مدينة فضائية بهيئة طبق يدور؛ مساكنه ومزارعه في الأطراف وأبوابه يُرتقى إليها نحو السقف المحمي من الوهج بأغطية معدنية, وينعم سكانه بالرفاهية بدون منغصات كالزلازل والقوارض والأوبئة.
تريد أن تعترض, فهذا ما أردت أن أبلغه معك؛ اكتفِ إذن بمعاينة دلائل الوحي التي تحققت في زمانك ودع القادمين يعاينون ما لم تكشفه الأيام لأحد بعد, أم ترغب في التمتع بعجيبة أذهلت أساطين البيان وأخذت بألباب المتأملين على مر الزمان؛ فأطلق لخيالك إذن العنان ليتصور عالمًا من الرفاهية والزخرف لا تحتمله الأرض وهو أشبه أن يتحقق في مدن الفضاء وأنصت لقول العلي القدير: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لّيَتّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمّا يَجْمَعُونَ. وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً لّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرّحْمَـَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ. وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتّكِئُونَ. وَزُخْرُفاًوَإِن كُلّ ذَلِكَ لَمّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا والآخرة عِندَ رَبّكَ لِلْمُتّقِينَ﴾الزحرف 32-35, والأَثَر على إِثْر القرآن الكريم, فقد جاء الخبر مبشراً بحضارة فضائية وانتشار الإسلام حتى يبلغ أجرام السماء؛ فعن أبي أمامة أن رسول الله rقال: "والذي نفسي بيده لا تذهب الأيام والليالي حتى يبلغ هذا الدين مبلغ هذا النجم"[6].
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/7/man.JPG
صورة رائد فضاء
ويفيض القرآن بمثل هذا التبشير الذي تحقق منه إلى اليوم كثير فأصبح بينة على التنزيل, دعني أشركك معي في التفكير؛ في قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مّا تُمْنُونَ. أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ. نَحْنُ قَدّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ. عَلَىَ أَن نّبَدّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾الواقعة 58-61؛ ماذا يعني التبشير بتقنية تخليق الإنسان من المني أو بدونه في ظروف غير معهودة بطريقة غير مسبوقة وإنشاء أجيال مبدلة ذات صفات مغايرة وإن ماثلت البشر المعهودين؟, لا تستغرب السؤال المتسم بالخيال الجامح متأثرا بالثورة العلمية التي نعيشها اليوم فيمجال الوراثة واستبدال الصفات بأفضل منها وأبحاث تخليق الإنسان, ألم أقل لك سابقًا أن هناك فارق بين الإشارة العلمية التي تحققت بالفعل واستقر معناها بشهادة الواقع وبين الخيال المنطلق الذي لم يقم عليه دليل بعد!.
والحديث في كتاب الله عن الحضارات التي سادت على الأرض وبادت قبل نزوله ورد بصيغة الغيبة في قوله تعالى: ﴿أُولَـَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ﴾ هود 20, ولم يتواجد أحد منهم بالفعل قبل عصر الفضاء إلا في الأرض, ولكن مع الالتفات نحو حضارات المستقبل المخاطبين بالقرآن إلى قيام الساعة لم يُحصر تواجدهم في الأرض؛ قال تعالى: ﴿وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي السّمَآءِ﴾ العنكبوت 22, وتلك الإضافة المبهرة المميزة لحضارات المستقبل ﴿وَلاَ فِي السّمَآءِ﴾ قد كشفت معناها الثورة العلمية المحمومة التي نعيشها اليوم في عصر الفضاء لتشهد بأن هذا القرآن وحي من عند رب الأرض والسماء؛ وإلا من أين لمحمد rمنذ قرون وهو الأمي في أمة أمية هذا النبأ قبل عصر الفضاء!, هكذا تتجلى اليوم وتشع بأنوار اليقين بينات القرآن الكريم, يقول العلي القدير: ﴿وَكَذّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقّ قُل لّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ. لّكُلّ نَبَإٍ مّسْتَقَرّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾الأنعام 66و67
يمكن إرسال أسئلتكم واستفساراتكم إلى فضيلة الدكتور محمد إبراهيم دودح على العنوان التالي:
[email protected]
[1] تفسير المراغي م5ج14ص57.
[2] التحرير والتنوير لابن عاشور ج14ص111.
[3] تفسير أضواء البيان للشنقيطي ج2ص334.
[4] روح المعاني للألوسي ج14ص102.
[5] البرهان في علوم القرآن للزركشي ج3ص406.
[6] صحيح الجامع الصغير للشيخ ناصر الدين الألباني؛ رقم: 1712.
القلب الحزين
14-12-2013, 09:28 PM
الحمدلله أتممت الموضوع المتفرع من الموسوعه
شبهات وردود
وعدد المقالات 164 مقالة تبدأ من صفحة128
وتبد المقالات من رد رقم1280حتى تصل إلى 1481
صفحه رقم 149
وبعض المقالات والمعجزات طويلة جداً ونُسق لتقسيم المعجزه من موضوعين إلى ثلاثة مواضيع لان مساحة الرد لا تكفي
وإن شاء الله غداً سوف أبد بالموضوع الجديد ...
لم أسلم هؤلاء
أنتظروني ... وإن شاء الله يعينني على تكملة الموسوعه
كل احتــــــــــــــرامي للجميع دون أستثناء
القلب الحزين
15-12-2013, 06:32 PM
من هنــــا يبدا موضوع
لم أسلم هؤلاء
....
هل أسلم بابا روما زمن هرقل؟
http://quran-m.com/firas/ar_photo/1269297699onorio_i_-_mosaico_santa_agnese_fuori_le_mura.jpg
لوحة زيتية للبابا أونوريوس الأول
هذا الجسد الضخم الذي يتقلب في الفراش.. ما باله؟ ما حاله؟
ألا يأتيه النوم فيرتاح..؟
لا.. لا.. فالنوم أبعد ما يكون عن جفنيه.. لقد سمع اليوم شيئاً لم يسمعه من قبل:
"أسلمْ تسلمْ.. أسلمْ تسلم.." ويتردد صدى هذه الكلمات في أذنيه.. "أسلم تسلم.."
يا إلهي.. هل محمد رسول الله حقاً؟
ويعاود النداء يردد صداه في أذنيه: "أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين.."
واستسلم الجسم المنهوك للنوم وصدى الأحداث يتردد في أعماقه.
وفي الصباح يصحو هرقل عظيم الروم من نومه وقد أنهكه التفكير.. لقد أتى إلى إيلياء حاجاً شاكراً لله على نصره ضد الفرس وملكهم.. فقد أقسم لئن نصره الله عليهم ليحجّنّ إلى إيلياء ماشياً، وقد فعل. وما إن وصلها حتى أتاه كتاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، حيث دفعه دحية بن خليفة رسولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عظيم بصرى، ودفعه هذا بدوره إلى هرقل:
"بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسول إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليتَ فإن عليك إثم الأريسيين و (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون).
ماذا يفعل بهذا الكتاب.. وكيف يسأل عن مرسله؟
في هذه الأثناء كان أبو سفيان في ركب من قريش تجاراً في الشام فعلم بهم هرقل فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعا بترجمانه –وكان أبو سفيان متكلم القوم- فقال:
-أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أن نبي؟
-أنا أقربهم نسباً.
-ادنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، وإني سائل هذا الرجل، فإن كذَبني فكذّبوه.
وأبو سفيان يقول في نفسه: فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه.
ويبدأ الحوار:
-كيف نسبه فيكم؟
-هو فينا ذو نسب.
-فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟
-لا!
-فهل كان من آبائه من ملك؟
-لا!
-فأشراف الناس يتبعونه أو ضعفاؤهم؟
-بل ضعفاؤهم.
-أيزيدون أم ينقصون؟
-بل يزيدون.
-فهل يرتد أحد منهم سخطاً لدينه بعد أن يدخل فيه؟
-لا!
-فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
-لا!
-فهل يغدر؟
-لا، ونحن في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها.
-وهل قاتلتموه؟
-نعم.
-فكيف كان قتالكم إياه؟
-الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه.
-ماذا يأمركم؟
-يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم. ويأمرنا الصلاة والصدق والعفاف والصلة.
-سألتك عن نسبه فذكرتَ أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعَث في نسب قومها.
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول، فذكرت أن لا، فقلتُ لو كان أحد قال هذا القول لقلتُ رجل يأتسي بقول قبل قبله.
وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرتَ أن لا، قلتُ: فلو كان من آبائه من ملك قلتُ: رجل يطلب مُلك أبيه.
وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرتَ أنْ لا، فقد أعرف أن لم يكن لِيَذرَ الكذب على الناس ويكذب على الله.
وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرتَ: أن ضعفاءهم اتّبعوه، وهم أتباع الرسل. وسألتك: أيزيدون أن ينقصون؟ فذكرتَ: أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حين تخالط بشاشتُه القلوب.
وسألتك: هل يغدر؟ فذكرتَ: أنْ لا، وكذلك الرسل لا تغدر.
وسألتك: بما يأمركم؟ فذكرتَ: أن يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدميّ هاتين. وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلصُ إليه لتجشّمتُ لقاءه، ولو كنتُ عنده لغسلتُ عن قدمه.
ثم دعا هرقل بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه. فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات، وأخرج أبو سفيان ومن معه. (البخاري)
لكن هل توقف هرقل عند هذا الحد، أم استمر في بحثه عن الحقيقة..؟
لم يحرك كتابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمير هرقل فحسب، بل حرك ضمائر وقلوب كثير من علماء النصرانية. منهم سرجيوس بطريق الكنيسة الشرقية في القسطنطينية وأونوريوس بابا رومية.
لقد كان العالم المسيحي في ذلك الوقت منقسماً على نفسه، ما بين موحد لله، ومشرك به، ومختلف في طبيعة المسيح، عليه السلام، هل هو الله، أم ابن الله، أم ثالث ثلاثة؟ وإذا كان أحد هذه الافتراضات صحيحاً -وتعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- فهل للمسيح طبيعة ناسوتية وأخرى لاهوتية، أم هي طبيعة لاهوتية تجسدت في شخصه؟ وهل له إرادة واحدة أم إرادتان؟ وهل إرادته توافق أم تخالف إرادة الله؟ أسئلة بلا أجوبة تدور في أذهان علماء النصرانية فضلاً عن عامتهم!
كان فكرة "الطبيعة الواحدة" و"الإرادة الواحدة" قد انتشرت مبكراً في العالم المسيحي، وعقدت مجامع كثيرة للعن وطرد من يخالف عقيدة التثليث، حيث كان أولها مجمع نيقية عام 325م، وفيه لعِن أريوس وغيره من البطارقة الذين رفضوا هذه العقيدة الغريبة. وكان الإمبراطور قسطنطين الثاني –وهو أول من تنصر من ملوك الروم- وراء هذا المجمع، والذي فيه أيضاً اعتُمِدت الأناجيل الأربعة المعروفة ورفض غيرها.
وكان سرجيوس، بطريق القسطنطينية، يؤمن بأن المسيح له طبيعة بشرية، وليس فيه من الإلهية شيئاً، وكذلك هرقل، وكثير من بطارقة المشرق، بما فيهم بطريق القدس صفرونيوس. لكن هل كان بطارقة رومية على هذا الاعتقاد؟ الجواب: لا..! بل كانوا يتهمون كل من اعتقد هذا الاعتقاد بالهرطقة ويلعنونه ويحكموا بطرده من رحمة الرب!
* * *
كان بين سرجيوس وأونوريوس بابا رومية في ذلك الوقت مراسلات، نوقشت فيها قضايا متعددة ومن أبرزها قضية "الإرادة الواحدة". واستطاع سرجيوس أخيراً أن يقنع بابا رومية بعقيدته هذه، حيث وافقه الأخير عليها، وبذلك خالف من جاء قبله وبعده من البابوات، وأثبت للعالم المسيحي –وإلى يومنا هذا- أن البابا ليس مقدساً وأنه يخطئ ويصيب!
بقي هرقل في إيلياء –للحج- فترة من الزمن ثم أذن بالرحيل إلى القسطنطينية، لكن خلال وجوده في إيلياء أرسل كتاباً إلى بابا رومية المذكور آنفاً شارحاً له أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما ورد في كتابه إليه، فجاءه الرد من البابا وهو في طريقه إلى القسطنطينية ماراً بحمص "يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي. فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلِّقت، ثم اطّلع فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلِّقت، فلمّا رأى هرقلُ نفرتَهم وأيسَ من الإيمان قال: ردُّوهم عليّ. وقال: إني قلت مقالتي آنفاً أختبر بها شدّتكم على دينكم، فقد رأيتُ. فسجدوا له ورضوا عنه.. فكان ذلك آخر شأن هرقل.." (البخاري)
* * *
ولِد أونوريوس Honorius (http://en.wikipedia.org/wiki/Pope_Honorius_I) في كامبانا Campagna، إيطاليا، لوالدين نبيلين، وكان اسم أبيه بترونيوس Petronius .
كان أونوريوس الطالب الأول للبابا غريغوري الأول (590-604م). ولم يصبح أونوريوس باباً لروما إلا بعد خمسة من البابوات أتوا بعد غريغوري الأول، وهم:
Sabinian سابينيان (604-606م)
Boniface III بونيفيس الثالث (607م)
Boniface IV بونيفيس الرابع (608-615م)
Deusdedit ديوسديديت (أديوداتوس الأول) (615-618م)
Boniface V وَبونيفيس الخامس (619-625م)
وقد بقي أونوريوس باباً لروما مدة 13 سنة، من 625 وحتى وفاته عام 638م.
يصف المؤرخون أونوريوس بأنه شخصية إصلاحية خيّرة، سعى إلى إعمار الكنائس وترميمها وزين كنيسة القديس بطرس. ومن أعماله الخيرية أنه أجرى الماء إلى روما من بحيرة ساباتين التي تبعد 35 ميلاً عن المدينة بعد أن أصلح قناة تاراجان وبنى عليها الطواحين. وكانت له اليد الطولى في بداية انتشار النصرانية في الجزر البريطانيةوإيرلندا.
خلال تولي أونوريوس البابوية في رومية كانت هناك أحداث تغير مستقبل البشرية تأخذ طريقها في المشرق.
كان الزحف الإسلامي قد بدأ بالانتشار من المدينة المنورة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عام 632م وبعد أن أعاد أبو بكر -رضي الله عنه- المرتدين إلى حظيرة الإسلام. وما أن استخلف عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حتى تكاثف زحف جيوش المسلمين نحو أراضي الدولتين الفارسية والرومية. وعندما فتح المسلمون إيلياء (أي بيت المقدس) عام 637م كان أسقفها يومئذ صفرونيوس (633-638م)، وكان يؤمن بعقيدة "الإرادة الواحدة" وكذلك خلفُه بيروس Pyrrhus كان على نفس الاعتقاد. فهذه العقيدة –كما ترى- ليست غريبة بين علماء النصارى، بخلاف ما هم عليه الآن.
استمر الصراع بين المسلمين والروم في بلاد الشام والأناضول ومصر وشمالي إفريقية وانتقل إلى الأندلس. وقد حاول المسلمون فتح القسطنطينية مرات كثيرة، أولها كان في سنة 52هـ زمن معاوية بن أبي سفيان، وتكررت المحاولات مرات عديدة، لكن المدينة صمدت حتى أذن الله بفتحها على يد المجاهد العثماني محمد الفاتح رحمه الله عام 1452م.
السؤال الآن هو: هل أسلم أونوريوس أم لا؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال نقول ما يلي:
في عام 681م عُقِدَ في القسطنطينية نفسها مجمع سُمِّيَ فيما بعد بمجمع القسطنطينية، حيث أدين فيه معتقد سرجيوس ومن اعتنقه من البطارقة، ومن ضمنهم كان البابا أونوريوس.
علمنا سابقاً أن أونوريوس أرسل رداً على رسالة هرقل والتي كان يسأله فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في هذا الرد –كما جاء في صحيح البخاري [كتاب التوحيد، حديث رقم 6]- ما "يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي". فهل يعقل من رجل كأونوريوس صاحب علم بالكتاب ومحب للخير ومعتقد ببشرية المسيح، وقد رأى بأم عينيه قبل أن يموت بسنة دخول المسلمين إلى بيت المقدس وهزيمتهم لفارس والروم في كل معركة خاضوها، وعلمه أن النبي المنتظر سيظهر على كل الأمم، وبعد أن وصله كتابُ هرقل في وصف النبي صلى الله عليه وسلم وردّه عليه؛ فهل يعقل من رجل كهذا ألا يكون قد أسلم؟
لكن الجواب النهائي والقطعي عن إسلام أونوريوس سيبقى هكذا معلقاً، وإن كنتُ شخصياً أرجح أنه أسلم، وأن البابوات الذين جاءوا بعده لعنوه وطردوه لهذا السبب، وقد أخفوا حقيقة أمره على بقية النصارى كعادتهم في تحريفهم وتزييفهم للحقائق.
ولعل يوماً من الأيام تفتح مكتبة الفاتيكان أبوابها للباحثين حتى يطلعوا على ما فيها من الكتب والمخطوطات القديمة.. فصفة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم وأمته –بلا شك- موجودة في كتبهم.. ولعل هذا اليوم لن يأتي حتى يفتح المسلمون رومية كما بشر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عندما في الحديث الصحيح: عن عمران بن حصين قال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً: أقسطنطينية أو رومية؟ فقال: مدينة هرقل تفتح أولاً. يعني القسطنطينية. [حديث صحيح رواه أحمد وغيره].
يقول الله تعالى: (وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب) [آل عمران: 199].
والله تعالى أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
نقلا عن مجلة الفسطاط التاريخية
----------------------------------
مصادر البحث:
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
-Pope Encyclopedia, Matthew Bunson, 1995, Crown Publishing -Group, NY, NY. -The Lives of the Popes in the early middle ages, Rev. Horace K. Mann, Vol. I, Part I, pp 308-345, 2nd edition, London 1925 -Chronicles of the Popes, P. G, Maxwell-Stuart, 1997
القلب الحزين
15-12-2013, 06:33 PM
من الغناء والشهرة ... إلى السجود والصلاة قصة إسلام مطرب أمريكي
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1261178235loon_3.jpg
صورة للمطرب الأمريكي لون قبل إسلامه
اشتهر في فرقة Bad Boys (http://en.wikipedia.org/wiki/Bad_Boys_II_%28soundtrack%29) وكان مشهوراً بإسم Loon (http://en.wikipedia.org/wiki/Loon_%28rapper%29) غير اسمه إلى ( أمـيـر ) بعد أن اعتنق ودخل في دين الإسلام
أسلمت زوجته وأبناؤه والتقى بأئمة الحرم قدماه لم تحملاه وهو يقف أمام الكعبة أعلن إسلامه بعد أن باع 7 ملايين نسخة .. ترك كل هذا وتمسك بالدين الحق
لم تقف الشهرة الواسعة التي كانت ملازمة له في المجتمع الأمريكي .. ولم تقف الثروة المالية الهائلة التي كان يتحصل عليها من ممارسة الغناء داخل أمريكا وخارجها .. لم يقف كل ذلك عائقاً أمام أحد مشاهير الغناء من اعتناق الدين الإسلامي والنطق بالشهادتين مضحياً بماله وشهرته في سبيل الإلتزام بالدين الحق
المغني الأمريكي ( تشوسي هوكنز ) والشهير باسم ( لوون ) الذي غير اسمه إلى ( أمير ) أبصر طريق النور والهداية قبل نحو 7 أشهر وزار مكة المكرمة والمدينة المنورة الأسبوع الماضي يقول أمير ( 34 عاماً ) : كنت أحظى بشهرة واسعة في الوسط الأمريكي بسبب الغناء وحققت نجاحاً باهراً في هذا المجال حتى أصبحت من أفضل عشرة مغنين في أمريكا حسب استفتاءات الوسائل الإعلامية الأمريكية .. وزادت شهرتي
أيضاً عندما كنت أغني مع المطرب العالمي ( باف دادي ) وتجاوزت مبيعات أشرطتي سقف سبعة ملايين أسطوانة وكتبت 52 أغنية متنوعة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1261178053amir_1.jpg
أمير ينظر من نافذة الفندق أثناء وجوده في أبو ظبي
أنظروا كيف تغير وجهه وأصبح مبتسماً وعلامات الإرتياح عليه
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1261178085amir_2.jpg
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1261178111amir_3.jpg
يؤدي الصلاة التي تهاون فيها من انعم الله عليهم بالإسلام منذ الولادة
يضيف أمير : أصدقك القول أنني ورغم المال والشهرة إلا أنني لم أجد السعادة والطمأنينة في داخلي .. حتى زرت العاصمة الإماراتية أبوظبي قبل نحو سبعة أشهر من الآن وهناك تأثرت بثقافة المسلمين العرب وكنت أسمع الآذان وأرى الناس يذهبون لأداء الصلاة في المساجد وهم متمسكون بالأخلاق الحسنة والتعامل الطيب ، وهنا بدأت اسأل عن حقيقة هذا الدين ، وهل هو خاص بالعرب فقط ، حتى وجدت الإجابة الكاملة أنه دين يعم الجميع دون اختلاف بين جنسية وأخرى
وبعد تفكير عميق أشهرت إسلامي وأديت أول صلاة بعد عودتي إلى مقر إقامتي في نيويورك ، وهناك تغيرت حياتي بالكامل بعد أن تركت الغناء والطرب وانعزلت تماماً عن هذه البيئة التي عشت في أجوائها قرابة الـ 17 عام ، حيث أشعر الآن بالراحة النفسية والطمأنينة التي كنت أنشدها منذ سنوات طويلة خاصة بعد أن أشهرت زوجتي وابني إسلامهما أيضاً
وزاد حماسي للتعرف على الإسلام ودعوة الآخرين إليه بعد انضمامي إلى الجمعية الدعوية الكندية في قسم علاقات المشاهير .. ولديّ مشروع دعوي في هذا المجال .. وهو دعوة مشاهير الغناء والفن إلى التعرف على الإسلام ومبادئه السمحة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1261178136amir_4.jpg
أثناء قراءته القرآن .. بل وأصبح داعياً إلى الله ليأخذ بأيدي زملائه
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1261178172amir_5.jpg
على أقصى اليسار يصلي مع زملائه الذين سبقوه للإسلام
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1261178938amir_6.jpg
أثناء وجوده بالحرم المكي
وأخيراً .. هذه كلمة لكل شاب مسلم ومسلمة لا تتأثروا بحضارة الغرب ولا بعاداتهم لكل شاب يسمع ويغني ويرقص لكل شاب يقلد كل حركة وكل قصة شعر وكل عمل يعمله مطربي أمريكا أو الغرب اعتز بالإسلام اعتز بهذا الدين الذي يجري وراءه الأثرياء والمشهورين ويتركوا ثرواتهم وكل ما عملوا في سنواتهم السابقة اعتز بأنك مسلم تعرف الله رباً .. وتعرف محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً
أخي .. هذا المغني لم يعرف الله .. وكان لديه ما لديه من مال وفتيات ولهو لكنه لم يذق طعم السعادة لأنه لم يعرف حقاً من هو خالقه وها هو يبكي من شدة السعادة بعد أن عرف الحق فاعتنق الإسلام وأصبح من الدعاة إليه لا تقلد الجهال لكي لا تصبح مثلهم والتزم بدينك واجتنب ما نهاك الله عنه وامثل لأوامره والتزم بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم الذي دعاك لهذا الخير .. لتفوز بالجنة وتقي نفسك من عذاب النار والعياذ بالله
يمكن زيارة الموقع الشخصي لأمير
(http://www.loon2amir.com/)www.loon2amir.com (http://www.loon2amir.com/)
القلب الحزين
15-12-2013, 06:34 PM
قصة إسلام الإمام زيد شاكر
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1257695081zaid-shakir.jpg
صورة للشيخ زيد شاكر
التعريف به الإمام زيد شاكر (ريكي ميتشل)وُلِدَ ريكي ميتشل بمدينة بيركلي في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية مسيحيًّا، ثم اعتنق الإسلام أثناء خدمته بسلاح الجو الأميركي عام 1977م، وتسمى بزيد شاكر.
حصل زيد على البكالوريوس الشرفي في العلاقات الدولية من جامعة واشنطن، ثم الماجستير في العلوم السياسية في جامعة روتجرز[1].
شرح الله صدر الشيخ زيد للإسلام بعد فترة طويلة من الحيرة والتفكر في حياته والغرض من وجوده، والتفكر في الموت وما بعده، وقد كانت خدمته بسلاح الجو حيث يقترب الموت كثيرًا من الطيار سببًا دافعًا له للتفكر. إسهاماته اقتحم الشيخ زيد مجال الدعوة الإسلامية، وأثبت وجودهدرس زيد العلوم الإسلامية في كل من سوريا والمغرب، وعمل كإمام لمسجد كونيكتيكت من عام 1988م إلى عام 1994م[1].
اقتحم الشيخ زيد مجال الدعوة الإسلامية، وأثبت وجوده، وهو يعمل الآن محاضرًا في معهد الزيتونة بمدينة هايوارد في كاليفورنيا، وله دورات منتظمة عن الشريعة الإسلامية، والتاريخ الإسلامي.
وللشيخ زيد باع طويل مع المؤلَّفات والإسهامات للدين منها التفسير والعلوم القرآنية، ومقاومة العولمة بالأخوَّة الصحيحة، والثقافة والإسلام في أمريكا.
كما أصبح الشيخ زيد متخصصًا في الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام ودحضها بالعقل والمنطق، مثل شبهة ظلم الإسلام للمرأة بالسماح بضربها، وإباحة تعدد الزوجات، ويقول بصراحة: "إنَّه لا يزال يأمل في اليوم الذي تصبح فيه الولايات المتحدة الأمريكية دولة إسلامية تُحكَم بالشريعة الإسلامية"، ويكمل: "إنَّ ذلك يمكن حدوثه عن طريق الإقناع، وليس بالوسائل العنيفة"
[1] جريدة الوطن القطرية، 25 ديسمبر 2006م، الرابط
المراجع:
http://www.zaidshakir.com/
http://www.islamstory.com (http://www.islamstory.com/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85_%D8%B2%D9%8A% D8%AF_%D8%B4%D8%A7%D9%83%D8%B1_%D8%B1%D9%8A%D9%83% D9%8A_%D9%85%D9%8A%D8%AA%D8%B4%D9%84)
القلب الحزين
15-12-2013, 06:34 PM
قصة إسلام الدكتور بلال فيلبس وإسهاماته
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1255976726dr_bilal_philips.jpg
صورة للدكتور بلال فلبس
المولد و النشأة:
وُلِدَ بلال فيلبس عام 1947م في جامايكا, ونشأ في كندا التي يحمل جنسيتها، وفي الخامسة والعشرين من عمره أعلن بلال إسلامه، وذلك في عام 1972م.
اجتهد بلال في تحصيل العلوم الشرعية، وعلوم اللغة العربية؛ فحصل على دبلوم اللغة العربية من كلية الدراسات الإسلاميّة في الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنورة في عام 1979م، وأتم دراسة الماجستير في أصول الدّين الإسلامي من جامعة الرّياض في عام 1985م, وفي قسم الدراسات الإسلامية بجامعة واليز أكمل الدكتوراه في أصول الدّين الإسلامي في 1994م.
قصة إسلامه
يعود السبب الرئيسي لإسلام بلال فيلبس بعد إرادة الله إلى حُبِّه للاطلاع، ونهمه الشديد للقراءة؛ حيث قرأ بلال كل ما هو متاح من كتب عن الإسلام باللغة الإنجليزية، واقتنع أنه هو العلاج الناجع لكل مشاكل البشرية، ومن ثَمَّ اتخذ هذا القرار، الذي يَعُدُّه أهم قرار في حياته.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1255977346thecall.jpg
صورة لغلاف أحد كتب الدكتور فلبس
إسهاماته
عمل بلال فيلبس على نقل ما تعلمه من علوم الشرع واللغة إلى غيره من الناس؛ فقام بتدريس الدين الإسلامي واللغة العربية بمدارس الرّياض لمدّة امتدت إلى عشر سنوات، كما قام بإلقاء محاضرات عن أصول الدين الإسلامي لطلبة M.Ed في قسم الدراسات الإسلاميّة بجامعة Shariff Kabunsuan Islamic University في مدينة (مينداناو) بالفلبّين مدةَ ثلاث سنوات.
وفي عام 1994م أنشأ الدكتور بلال مركز المعلومات الإسلامية في دبي بالإمارات العربية المتحدة، والمعروف الآن بمركز Discover Islam.
وله كتابات في العقيدة الإسلامية، والبيوع، والدعوة، والإيمان، والجنائز، والجهاد، واللباس، والنكاح، والرِّقَاق، والصلاة، والصوم، والزكاة، والطهارة.
وفي الوقت الحالي يلقي الدكتور بلال محاضرات عديدة عن الأدب العربي وأصول الدين الإسلامي بجامعتي عجمان، والجامعة الأمريكية في دبي بالإمارات العربيّة المتّحدة.
في 4 من إبريل 2007م منعت السلطات الأستراليّة الداعية الإسلامي الدكتور (بلال فيلبس) من دخول أراضيها بزعم صلته بهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وكان الشيخ (بلال فيلبس) قد دُعِي لإلقاء كلمة في مؤتمر إسلامي في ملبورن.
جدير بالذكر أن كتابات الشيخ (بلال فيلبس) في الماضي كانت قد تضمنت انتقادات كبيرة للغرب، ومنها قوله: "الحضارة الغربية بقيادة الولايات المتحدة عدوٌّ للإسلام". كما تمَّ ترحيله من الولايات المتحدة عام 2004م، بمزاعمٍ مشابهة.
الموقع الشخصي للداعية بلال فيلبس
http://www.bilalphilips.com/ (http://www.bilalphilips.com/)
القلب الحزين
15-12-2013, 06:35 PM
حكاية جاري ميلر صاحب كتاب القرآن المذهل
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1213948389gary_miller2.jpg
صورة قديمة لجاري ميلر قبل إسلامه
عام 1977 قرر الدكتور جاري ميلر المبشر الكندي النشيط وأستاذ الرياضيات والمنطق في جامعة تورنتو أن يقدم خدمة جليلة للمسيحية بالكشف عن الأخطاء العلمية والتاريخية في القرآن الكريم، بما يفيده وزملاؤه المبشرين عند دعوة المسلمين للمسيحية ولكن الرجل الذي دخل بمنطق تصيد الأخطاء وفضحها، غلب عليه الإنصاف وخرجت دراسته وتعليقاته أفضل مما يمكن أن يكتبه معظم المسلمين دعاية للكتاب الحكيم، ذلك أنه أحسن 'تدرب القرآن'. وكان أول ما أذهله: هو صيغة التحدي التي برزت له من في مواضع كثيرة من مثل' 'ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً'، 'فأتوا بسوره من مثله'، 'عشر آيات'، 'آية'، دخل الرجل الحلبة متحدياً وخرج منها منبهراً بما وجده.
وأستعرض فيما يلي بعضاً من نتائج تدبره كما جاء في كتابه: 'القرآن المذهل':
1- يقول د. ميلر: 'لا يوجد مؤلف في العالم يمتلك الجرأة ويؤلف كتاباً ثم يقول هذا الكتاب خال من الأخطاء ولكن القرآن على العكس تماماً يقول لك لا يوجد أخطاء بل يتحداك أن تجد فيه أخطاء ولن تجد'.
2- لا يستعرض القرآن أيضاً من الأحداث العصيبة التي مرت بالنبي – صلى الله عليه وسلم – مثل وفاة زوجته خديجة أو وفاة بناته وأولاده. بل الأغرب أن الآيات التي نزلت تعقيباً على بعض النكسات في طريق الدعوة، كانت تبشر بالنصر، وتلك التي نزلت تعقيباً على الانتصارات كانت تدعو إلى عدم الاغترار والمزيد من التضحيات والعطاء. لو كان أحد يؤرخ لسيرته لعظم من شأن الانتصارات، وبرر الهزائم، ولكن القرآن فعل العكس تماماً، لأنه لا يؤرخ لفترة تاريخية بقدر ما يضع القواعد العامة للعلاقة مع الله والآخرين.
3- توقف ميلر عند قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)، مشيراً إلى التجربة التي أجراها أحد الباحثين في جامعة تورنتو عن 'فعالية المناقشة الجماعية'، وفيها جمع أعداداً مختلفة من المناقشين، وقارن النتائج فاكتشف أن أقصى فعالية للنقاش تكون عندما يكون عدد المتحاورين اثنين، وأن الفعالية تقل إذا زاد هذا العدد.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1213948434n_36775043_2045783.jpg
صورة للمناظرة التي كانت بينه وبين الشيخ أحمد ديدات رحمه الله
4- هناك سورة كاملة في القرآن تسمى سورة مريم وفيها تشريف لمريم عليها السلام بما لا مثيل له في الكتاب المقدس، بينما لا توجد سورة باسم عائشة أو فاطمة. وكذلك فإن عيسى عليه السلام ذُكر بالاسم 25 مرة في القرآن في حين أن النبي محمد لم يذكر إلا 5 مرات فقط.
5- يرى المنكرون للوحي وللرسالة أن الشياطين هي التي كانت تملي على الرسول ما جاء به، والقرآن يتحدى: 'وما تنزلت به الشياطين، وما ينبغي لهم وما يستطيعون'. فهل تؤلف الشياطين كتاباً ثم تقول لا أستطيع أن أؤلفه، بل تقول: إذا قرأت هذا الكتاب فتعوذ مني؟
6- لو كنت في موقف الرسول – صلى الله عليه وسلم – هو وأبي بكر محاصرين في الغار، بحيث لو نظر أحد المشركين تحت قدميه لرآهما. ألن يكون الرد الطبيعي على خوف أبي بكر: هو من مثل 'دعنا نبحث عن باب خلفي'، أو 'أصمت تماماً كي لا يسمعك أحد'، ولكن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال بهدوء: 'لا تحزن إن الله معنا'، 'الله معنا ولن يضيعنا'. هل هذه عقلية كذاب أو مخادع، أم عقلية نبي ورسول يثق بعناية الله له؟
7- نزلت سورة المسد قبل وفاة أبي لهب بعشر سنوات. وكان أمامه 365 × 10 = 3650 فرصة لإثبات أن هذا الكتاب وهم، ولكن ما هذا التحدي؟ لم يسلم أبو لهب ولو بالتظاهر، وظلت الآيات تتلى حتى اليوم. كيف يكون الرسول واثقاً خلال عشر سنوات أن ما لديه حق، لو لم يكن يعلم أنه وحي من الله؟
8- وتعليقاً على قوله تعالى 'ما كنت تعلمها أنت ولا قومك' تعقيباً على بعض القصص القرآني، يقول ميلر: 'لا يوجد كتاب من الكتب الدينية المقدسة يتكلم بهذا الأسلوب، إنه يمد القارئ بالمعلومة ثم يقول له هذه معلومة جديدة!! هذا تحد لا مثيل له؟ ماذا لو كذبه أهل مكة – ولو بالادعاء – فقالو: كذبت كنا نعرف هذا من قبل. ماذا لو كذبه أحد من الباحثين بعد ذلك مدعياً أن هذه المعلومات كانت معروفة من قبل؟ ولكن كل ذلك لم يحدث.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1213948483amazingquran.jpg
صورة لغلاف كتابه القرآن المذهل
وأخيراً يشير د. ميلر إلى ما ورد في الموسوعة الكاثوليكية الجديدة تحت موضوع 'القرآن'، وكيف أنها ورغم تعدد الدراسات والمحاولات للغمز في صدق الوحي القرآني، (مثل أنه خيالات مريض أو نفث شياطين، أو كان يعلمه بشر، أو أنه وقع على كتاب قديم، ... الخ)، إلا أنها انتهت إلى: 'عبر القرون ظهرت نظريات كثيرة حول مصدر القرآن إلا أن أيّ من هذه النظريات لا يمكن أن يعتد به من رجل عاقل'. ويقول د. ميلر إن الكنيسة التي كان بودها أن تتبنى إحدى هذه النظريات التي تنفي صدق الوحي لم يسعها إلا أن ترفض كل هذه النظريات، ولكنها لم تملك الجراءة على الاعتراف بصدق نظرية المسلمين.
لا أدري هل أقول: جزاك الله خيراً يا دكتور ميلر على هذا التدبر المنصف لكتاب الله؟ أم أنادي كل الشائنين المبغضين أن يطلعوا على ما كتبه هذا الرجل؟ أم أطلب من المهتمين بمواضيع الإعجاز القرآني أن يضيفوا إلى مناهجهم هذا المنهج من 'محاولة كشف الأخطاء' بما يثبت التحدي، ويؤكد الإعجاز 'ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً'.
ملحوظة أخيرة
قبل حوالي 30 عاماً اشترك د. ميلر في مناظرة شهيرة عن الإسلام والمسيحية مع الداعية الإسلامي أحمد ديدات ممثلاً للجانب المسيحي، وكان منطقه قوياً وحجته حاضرة وغلب بحثه عن الحقيقة على تعصبه لدينه، حتى أن عدداً من الشباب المسلم الذي حضر المناظرة، تمنى لو أسلم هذا الرجل.
والآن كان هذا البحث خلال عام 1977 ولكن ما حدث أن عام 1978 أشهر الدكتور ميلر إسلامه واتخذ اسم عبد الأحد عمر، وعمل لسنوات في جامعة البترول والمعادن بالسعودية قبل أن يتفرغ تماماً للدعوة للإسلام وتقديم البرامج التليفزيونية والإذاعية والمحاضرات العامة التي تعرض للإسلام عقيدة وشريعة.
المصادر:
http://www.islamicinvitationcentre.com/audio/gary_miller/amazing_quran/amazing_quran.html
القلب الحزين
15-12-2013, 06:36 PM
كينيث جينكينز القسيس الأمريكي السابق
هذا الموضوع هو في الحقيقة كتيب أصدره القسيس السابق Kenneth L. Jenkinsأو عبد الله الفاروق حاليا .. وهو يصف قصة اعتناقه لهذا الدين العظيم ... انظر غلاف الكتيب : يقول فيه : " كقسيس سابق وكرجل دين في الكنيسة كانت مهمتي هي إنارة الطريق للناس للخروج بهم من الظلمة التي هم بها ... وبعد اعتناقي الإسلام تولدت لدي رغبة عارمة بنشر تجربتي مع هذا الدين لعل نوره وبركته تحل على الذين لم يعرفوه بعد... أنا احمد الله لرحمته بي بإدخالي للإسلام ولمعرفة جمال هذا الدين وعظمته كما شرحها الرسول الكريم وصحابته المهتدين ... انه فقط برحمة الله نصل إلى الهداية الحقة والقدرة لإتباع الصراط المستقيم الذي يؤدي للنجاح في هذه الدنيا وفي الآخرة... ولقد رأيت هذه الرحمة تتجلى عندما ذهبت للشيخ عبد العزيز بن باز واعتنقت الإسلام ولقد كانت محبته تزداد لدي وأيضاً المعرفة في كل لقاء لي به .... هناك أيضاً الكثير الذين ساعدوني بالتشجيع والتعليم ولكن لخوفي لعدم ذكر البعض لن أذكر أسمائهم... انه يكفي أن أقول الحمد لله العظيم الذي يسير لي كل أخ وكل أخت ممن لعبوا دورا هاماً لنمو الإسلام في داخلي وأيضاً لتنشئتي كمسلم.... أنا أدعو الله أن ينفع بهذا الجهد القصير أناساً كثيرين ... وأتمنى من النصارى أن يجدوا الطريق المؤدي للنجاة.. إن الأجوبة لمشاكل النصارى لا تستطيع أن تجدها في حوزة النصارى أنفسهم لأنهم في أغلب الأحيان هم سبب مشاكلهم... لكن في الإسلام الحل لجميع مشاكل النصارى والنصرانية ولجميع الديانات المزعومة في العالم...نسأل الله أن يجزينا على أعمالنا ونياتنا ....
البداية : كطفل صغير .... نشئت على الخوف من الرب ...وتربيت بشكل كبير على يد جدتي وهي أصولية مما جعل الكنيسة جزء مكمل لحياتي....وأنا لازلت طفلا صغيراً ...بمرور الوقت وببلوغي سن السادسة ... كنت قد عرفت ما ينتظرني من النعيم في الجنة وما ينتظرني من العقاب في النار.... وكانت جدتي تعلمني أن الكذابين سوف يذهبون إلى النار إلى الأبد... والدتي كانت تعمل بوظيفتين ولكنها كانت تذكرني بما تقوله لي جدتي دائماً... أختي الكبرى وشقيقي الأصغر لم يكونوا مهتمين بما تقوله جدتي من إنذارات وتحذيرات عن الجنة والنار مثلما كنت أنا مهتماً !! لا زلت أتذكر عندما كنت صغيرا عندما كنت انظر إلى القمر في الأحيان التي يكون فيها مقتربا من اللون الأحمر ... وعندها ابدأ بالبكاء لأن جدتي كانت تقول لي إن من علامات نهاية الدنيا أن يصبح لون القمر أحمر ....مثل الدم... عند بلوغي الثامنة كنت قد اكتسبت معرفة كبيرة وخوف كبير بما سوف ينتظرني في نهاية العالم ...وأيضاً كانت تأتيني كوابيس كثيرة عن يوم الحساب وكيف سيكون؟؟ بيتنا كان قريباً جداً من محطة السكة الحديد وكانت القطارات تمر بشكل دائم.... أتذكر عندما كنت أستيقظ فزعاً من صوت القطار ومن صوت صفارته معتقدا أني قد مت وأني قد بعثت !!
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/8/Clip_2.jpg
غلاف الكتاب
هذه الأفكار كانت قد تبلورت في عقلي من خلال التعليم الشفوي من قبل جدتي وكذلك المقروء مثل قصص الكتاب المقدس .... في يوم الأحد كنا نتوجه إلى الكنيسة وكنت ارتدي أحسن الثياب وكان جدي هو المسؤول عن توصيلنا إلى هناك ....وأتذكر أن الوقت كان يمر هناك كما لو كان عشرات الساعات !! كنا نصل هناك في الحادية عشر صباحا ولا نغادر إلا في الثالثة.... أتذكر أني كنت أنام في ذلك الوقت في حضن جدتي ... وفي بعض الأحيان كانت جدتي تسمح لي بالخروج للجلوس مع جدي الذي لم يكن متديناً ... وكنا معاً نجلس لمراقبة القطارات.... وفي أحد الأيام أصيب جدي بالجلطة مما اثر على ذهابنا إلى المعتاد إلى الكنيسة .... وفي الحقيقة كانت هذه الفترة حساسة جداً في حياتي ... بدأت اشعر في تلك الفترة بالرغبة الجامحة للذهاب إلى الكنيسة وفعلا بدأت بالذهاب لوحدي .. وعندما بلغت السادسة عشرة بدأت بالذهاب إلى كنيسة أخرى كانت عبارة عن مبنى صغير وكان يشرف عليها والد صديقي ...وكان الحضور عبارة عني أنا وصديقي ووالده ومجموعة من زملائي في الدراسة .... واستمر هذا الوضع فقط بضعة شهور قبل أن يتم إغلاق تلك الكنيسة .. وبعد تخرجي من الثانوية والتحاقي بالجامعة تذكرت التزامي الديني وأصبحت نشطاً في المجال الديني.... وبعدها تم تعميدي .... وكطالب جامعي ... أصبحت بوقت قصير أفضل عضو في الكنيسة مما جعل كثير من الناس يعجبون بي ... وأنا أيضاً كنت سعيداً لأني كنت اعتقد أني في طريقي " للخلاص"... كنت أذهب إلى الكنيسة في كل وقت كانت تفتح فيه أبوابها .... وأيضاً أدرس الكتاب المقدس لأيام ولأسابيع في بعض الأحيان ... كنت أحضر محاضرات كثيرة كان يقيمها رجال الدين .... وفي سن العشرين أصبحت احد أعضاء الكنيسة ...وبعدها بدأت بالوعظ .... وأصبحت معروفا بسرعة كبيرة.. في الحقيقة أنا كنت من المتعصبين وكان لدي يقين أنه لا يستطيع احد الحصول على الخلاص ما لم يكن عضوا في كنيستنا !! وأيضاً كنت استنكر على كل شخص لم يعرف الرب بالطريق التي عرفته أنا بها ... أنا كنت أؤمن أن يسوع المسيح والرب عبارة عن شخص واحد ... في الحقيقة في الكنيسة تعلمت أن التثليث غير صحيح ولكني بالوقت نفسه كنت اعتقد أن يسوع والأب وروح القدس شخص واحد !! حاولت أن افهم كيف تكون هذه العلاقة صحيحة ولكن في الحقيقة أبدا لم استطع الوصول إلى نتيجة متكاملة بخوص هذه العقيدة !! أنا أعجب باللبس المحتشم للنساء وكذلك التصرفات الطيبة من الرجال .. أنا كنت ممن يؤمنون بالعقيدة التي تقول أن على المرأة تغطية جسدها!وليست المرأة التي تملأ وجهها بالميكياج وتقول أنا سفيرة المسيح !.... كنت في هذا الوقت قد وصلت إلى يقين بأن ما أنا فيه الآن هو سبيلي إلى الخلاص... وأيضاً كنت عندما ادخل في جدال مع أحد الأشخاص من كنائس أخرى كان النقاش ينتهي بسكوته تماما .... وذلك بسب معرفتي الواسعة بالكتاب المقدس كنت أحفظ مئات النصوص من الإنجيل .... وهذا ما كان يميزني عن غيري ... وبرغم كل تلك الثقة التي كانت لدي كان جزء مني يبحث ... ولكن عن ماذا ..؟؟ عن شيء أكبر من الذي وصلت إليه! كنت أصلي باستمرار للرب أن يهديني إلى الدين الصحيح ... وأن يغفر لي إذا كنت مخطئاً ... إلى هذه اللحظة لم يكن لي أي احتكاك مباشر مع المسلمين ولم أكن اعرف أي شيء عن الإسلام .... وكل ما عرفته هو ما يسمى ب " امة الإسلام" وهي مجموعة من السود أسسوا لهم ديناً خاصاً بهم وهو عنصري ولا يقبل غير السود ... ولكن أسموه " امة الإسلام" وهذا مما جعلني اعتقد أن هذا هو الإسلام ... مؤسس هذا الدين اسمه " اليجا محمد"وهو الذي بدأ هذا الدين والذي أسمى مجموعته أيضاً "المسلمين السود" ....في الحقيقة قد لفت نظري خطيب مفوه لهذه الجماعة اسمه لويس فرقان وقد شدني بطريقة كلامه وكان هذا في السبعينات من هذا القرن ... وبعد تخرجي من الجامعة كنت قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من العمل في المجال الديني .... وفي ذلك الوقت بدا أتباع "اليجه محمد "بالظهور بشكل واضح ... وعندها بدأت بدعمهم خصوصا أنهم يحاولون الرقي بالسود مما هم عليه من سوء المعاملة والأوضاع بشكل عام... بدأت بحضور محاضراتهم لمعرفة طبيعة دينهم بالتحديد... ولكني لم اقبل فكرة أن الرب عبارة عن رجل أسود (كما كان من اعتقاد أصحاب أمة الإسلام) ولم أكن أحب طريقتهم في استخدام الكتاب المقدس لدعم أفكارهم.... فأنا أعرف هذا الكتاب جيدا ... ولذلك لم أتحمس لهذا الدين(وكنت في هذا الوقت اعتقد انه هو الإسلام!!) وبعد ست سنوات انتقلت للعيش في مدينة تكساس ... وبسرعة التحقت لأصبح عضوا في كنيستين هناك وكان يعمل في واحدة من هاتين الكنيستين شاب صغير بدون خبرة في حين أن خبرتي في النصرانية كانت قد بلغت مبلغاً كبيراً وفوق المعتاد أيضاً ... وفي الكنيسة الأخرى التي كنت عضوا فيها كان هناك قسيس كبير في السن ورغم ذلك لم يكن يمتلك المعرفة التي كنت أنا امتلكها عن الكتاب المقدس ولذلك فضلت الخروج منها حتى لا تحصل مشاكل بيني وبينه ... عندها انتقلت للعمل في كنيسة أخرى .... في مدينة أخرى وكان القائم على تلك الكنيسة رجل محنك وخبير وعنده علم غزير ... وعنده طريقة مدهشة في التعليم .... ورغم انه كان يمتلك أفكاراً لا أوافقه عليها إلا انه كان في النهاية شخصاً يمتلك القدرة على كسب الأشخاص... في هذا الوقت بدأت أكتشف أشياء لم أكن أعلمها بالكنيسة وجعلتني أفكر فيما أنا فيه من دين...!!! مرحبا بكم في عالم الكنيسة الحقيقي: بسرعة اكتشفت أن في الكنيسة الكثير من الغيرة وهي شائعة جداً في السلم الكنسي... وأيضاً أشياء كثيرة غيرت الأفكار التي كنت قد تعودت عليها .... على سبيل المثال النساء يرتدين ملابس أنا كنت اعتبرها مخجلة ... والكل يهتم بشكله من اجل لفت الانتباه ... لا أكثر ...للجنس الآخر !! الآن اكتشفت كيف أن
المال يلعب لعبة كبرى في الكنائس.. لقد أخبروني أن الكنيسة إذا لم تكن تملك العدد المحدد من الأعضاء فلا داعي أن تضيع وقتك بها لأنك لن تجد المردود المالي المناسب لذلك .... عندها أخبرتهم أني هنا لست من اجل المال... وأنا مستعد لعمل ذلك بدون أي مقابل ... وحتى لو وجد عضو واحد فقط...!! هنا بدأت أفكر بهؤلاء الذين كنت أتوسم فيهم الحكمة كيف أنهم كانوا يعملون فقط من اجل المال!! لقد اكتشفت أن المال والسلطة والمنفعة كانت أهم لديهم من تعريف الناس بالحقيقة ... هنا بدأت اسأل هؤلاء الأساتذة بعض الأسئلة ولكن هذه المرة بشكل علني في وقت المحاضرات .... كنت اسألهم كيف ليسوع أن يكون هو الرب؟؟.... وأيضاً في نفس الوقت روح القدس والأب والابن ووو... الخ... ولكن لا جواب!! كثير من هؤلاء القساوسة والوعاظ كانوا يقولون لي أنهم هم أيضاً لا يعرفون كيف يفسرونها لكنهم في نفس الوقت يعتقدون أنهم مطالبون بالإيمان بها !! وكان اكتشاف الحجم الكبير من حالات الزنا والبغاء في الوسط الكنسي وأيضاً انتشار المخدرات وتجارتها فيما بينهم وأيضاً اكتشاف كثير من القساوسة الشواذ جنسيا أدى بي إلى تغيير طريقة تفكيري والبحث عن شيء آخر ولكن ما هو ؟ وفي تلك الأيام استطعت أن أحصل على عمل جديد في المملكة العربية السعودية ... بداية جديدة: لم يمر وقت طويل حتى لاحظت الأسلوب المختلف للحياة لدى المسلمين..... كانوا مختلفين عن أتباع "اليجه محمد" العنصريين الذين لا يقبلون إلا السود ... الإسلام الموجود في السعودية يضم كافة الطبقات ...وكل الأعراق ... عندها تولدت لدي رغبة قوية في التعرف على هذا الدين المميز... كنت مندهشاً لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم وكنت أريد أن اعرف المزيد .. طلبت مجموعة من الكتب من أحد الأخوة النشيطين في الدعوة إلى الإسلام ....
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/8/Clip_4.jpg
صورة لبطاقة القسيس السابق
كنت أحصل على جميع الكتب التي كنت أطلبها ....قرأتها كلها بعدها أعطوني القرآن الكريم وقمت بقراءته عدة مرات ...خلال عدة أشهر ...سألت أسئلة كثيرة جداً وكنت دائماً أجد جواباً مقنعاً ...الذي زاد في إعجابي هو عدم إصرار الشخص على الإجابة ... بل انه إن لم يكن يعرفها كان ببساطة يخبرني انه لا يعرف وانه سوف يسأل لي عنها ويخبرني في وقت لاحق !! وكان دائما في اليوم التالي يحضر لي الإجابة .... وأيضاً مما كان يشدني في هؤلاء الناس المحيرين هو اعتزازهم بأنفسهم !! كنت أصاب بالدهشة عندما أرى النساء وهن محتشمات من الوجه إلى القدمين ! لم أجد سلم ديني أو تنافس بين الناس المنتسبين للعمل من أجل الدين كما كان يحدث في أمريكا في الوسط الكنسي هناك .... كل هذا كان رائعا ولكن كان هناك شيء ينغص علي وهو كيف لي أن اترك الدين الذي نشأت عليه ؟؟ كيف أترك الكتاب المقدس؟؟ كان عندي اعتقاد انه به شيء من الصحة بالرغم من العدد الكبير من التحريفات والمراجعات التي حصلت له .... عندها تم إعطائي شريط فيديو فيه مناظرة اسمها "هل الإنجيل كلمة الله"وهي بين الشيخ أحمد ديداتوبين القسيس جيمي سواجارت...وبعدها على الفور أعلنت إسلامي!!!!!!
بعدها تم اخذي إلى مكتب الشيخ عبد العزيز بن باز لكي أعلن الشهادة وقبولي بالإسلام ... وتم أعطائي نصيحة عما سوف أواجهه بالمستقبل ....إنها في الحقيقة ولادة جديدة لي بعد ظلام طويل ..... كنت أفكر بماذا سوف يقول زملائي في الكنيسة عندما يعلمون بخبر اعتناقي للإسلام؟؟ لم يكن هناك وقت طويل لأعلم .... بعد ان عدت للولايات المتحدة الأمريكية من اجل الإجازة أخذت الانتقادات تضربني من كل جهة على ما أنا عليه من "قلة الايمان " على حد قولهم !! وأخذوا يصفوني بكل الأوصاف الممكنة ... مثل الخائن والمنحل أخلاقياً ... وكذلك كان يفعل رؤساء الكنيسة ... ولكني لم أكن اعبىء بما كانوا يقولوه لأني الآن فرح ومسرور بما انعم الله علي به من نعمة وهي الإسلام ... أنا الآن أريد أن أكرس حياتي لخدمة الإسلام كما كنت في المسيحية ... ولكن الفرق أن الإسلام لا يوجد فيه احتكار للتعليم الديني بل الكل مطالب أن يتعلم ...... تم إهدائي صحيح مسلم من قبل مدرس القرآن .... عندها اكتشفت حاجتي لتعلم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ... وأحاديثه وما عمله في حياته ...... فقمت بقراءة الأحاديث المتوفرة باللغة الانجليزية بقدر المستطاع ... أيضاً أدركت أن خبرتي بالمسيحية نافعة جدا لي في التعامل مع النصارى ومحاججتهم... حياتي تغيرت بشكل كامل ... وأهم شيء تعلمته أن هذه الحياة إنما هي تحضيرية للحياة الأخروية ... وأيضاً مما تعلمته أننا نجازى حتى بالنيات .... أي انك إذا نويت أن تعمل عملا صالحا ولم تقدر أن تعمله لظرف ما ... فان جزاء هذا العمل يكون لك .... وهذا مختلف تماماً عن النصرانية.... الآن من أهم أهدافي هو تعلم اللغة العربية وتعلم المزيد عن الإسلام .... وأنا الآن اعمل في حقل الدعوة لغير المسلمين ولغير الناطقين بالعربية..... وأريد أن اكشف للعالم التناقضات والأخطاء والتلفيقات التي يحتويها الكتاب الذي يؤمن به الملايين حول العالم (يقصد الكتاب المقدس للنصارى) وأيضاً هناك جانباً إيجابياً مما تعلمته من النصرانية انه لا يستطيع احد أن يحاججني لأني اعرف معظم الخدع التي يحاول المنصرون استخدامها لخداع النصارى وغيرهم من عديمي الخبرة .... أسأل الله أن يهدينا جميعاً إلى سواء الصراط " انتهى.
جزاه الله خيرا وهذا الكلام لا يصدر في الحقيقة إلا من رجل صادق عرف الله فامن به ... ومن ثم كبر الايمان في قلبه ... حتى أصبح هدفه هو هداية الناس جميعا !!! وهذا الرجل تنطبق عليه الآية الكريمة التالية : " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ " سورة المائدة اية82-84.
القلب الحزين
15-12-2013, 06:37 PM
هكذا أسلم الدكتور جفري لانغ
د.عبد المعطي الدالاتي
بروفسور أمريكي في الرياضيات ، أسلم ووضع كتابه (الصراع من أجل الإيمان) الذي ضمّنه قصة إسلامه ، وأصدر مؤخراً كتاب (حتى الملائكة تسأل – رحلة الإسلام إلى أمريكا) .
يحدثنا د. جيفري لانغ عن إسلامه :
"لقد كانت غرفة صغيرة ، ليس فيها أثاث ما عدا سجادة حمراء ، ولم يكن ثمة زينة على جدرانها الرمادية ، وكانت هناك نافذة صغيرة يتسلّل منها النور … كنا جميعاً في صفوف ، وأنا في الصف الثالث ، لم أكن أعرف أحداً منهم ، كنا ننحني على نحو منتظم فتلامس جباهنا الأرض ، وكان الجو هادئاً ، وخيم السكون على المكان ، نظرت إلى الأمام فإذا شخص يؤمّنا واقفاً تحت النافذة ، كان يرتدي عباءة بيضاء … استيقظت من نومي ! رأيت هذا الحلم عدة مرات خلال الأعوام العشرة الماضية ، وكنت أصحو على أثره مرتاحاً .
في جامعة (سان فرانسيسكو) تعرفت على طالب عربي كنت أُدرِّسُهُ ، فتوثقت علاقتي به ، وأهداني نسخة من القرآن ، فلما قرأته لأول مرة شعرت كأن القرآن هو الذي "يقرأني" !.
وفي يوم عزمت على زيارة هذا الطالب في مسجد الجامعة ، هبطت الدرج ووقفت أمام الباب متهيباً الدخول ، فصعدت وأخذت نفساً طويلاً ، وهبطت ثانية لم تكن رجلاي قادرتين على حملي ! مددت يدي إلى قبضة الباب فبدأت ترتجف، ثم هرعت إلى أعلى الدرج ثانية …
شعرت بالهزيمة ، وفكرت بالعودة إلى مكتبي .. مرت عدة ثوانٍ كانت هائلة ومليئة بالأسرار اضطرتني أن أنظر خلالها إلى السماء ، لقد مرت عليّ عشر سنوات وأنا أقاوم الدعاء والنظر إلى السماء ! أما الآن فقد انهارت المقاومة وارتفع الدعاء :
"اللهم إن كنت تريد لي دخول المسجد فامنحني القوة" ..
نزلت الدرج ، دفعت الباب ، كان في الداخل شابان يتحادثان . ردا التحية ، وسألني أحدهما : هل تريد أن تعرف شيئاً عن الإسلام ؟ أجبت : نعم ، نعم .. وبعد حوار طويل أبديت رغبتي باعتناق الإسلام فقال لي الإمام : قل أشهد ، قلت : أشهد ، قال : أن لا إله ، قلت : أن لا إله - لقد كنت أؤمن بهذه العبارة طوال حياتي قبل اللحظة – قال : إلا الله ، رددتها ، قال : وأشهد أن محمداً رسول الله ، نطقتها خلفه .
لقد كانت هذه الكلمات كقطرات الماء الصافي تنحدر في الحلق المحترق لرجل قارب الموت من الظمأ
… لن أنسى أبداً اللحظة التي نطقت بها بالشهادة لأول مرة ، لقد كانت بالنسبة إليّ اللحظة الأصعب في حياتي ، ولكنها الأكثر قوة وتحرراً .
بعد يومين تعلمت أول صلاة جمعة ، كنا في الركعة الثانية ، والإمام يتلو القرآن ، ونحن خلفه مصطفون ، الكتف على الكتف ، كنا نتحرك وكأننا جسد واحد ، كنت أنا في الصف الثالث ، وجباهنا ملامسة للسجادة الحمراء ، وكان الجو هادئاً والسكون مخيماً على المكان !! والإمام تحت النافذة التي يتسلل منها النور يرتدي عباءة بيضاء ! صرخت في نفسي : إنه الحلم ! إنه الحلم ذاته … تساءلت : هل أنا الآن في حلم حقاً ؟! فاضت عيناي بالدموع ، السلام عليكم ورحمة الله ، انفتلتُ من الصلاة ، ورحت أتأمل الجدران الرمادية ! تملكني الخوف والرهبة عندما شعرت لأول مرة بالحب ، الذي لا يُنال إلا بأن نعود إلى الله" (1).
برفّـــةِ روحــي ، وخفقــةِ قلبي *** بحبّ ســـرى في كياني يـلبّي
سـألتكَ ربّــي لترضــى ، وإنـي *** لأرجــو رضــاك -إلهي -بحبــي
وأعذبُ نجوى سرَت في جَناني *** وهزّتْ كياني "أحبـــك ربــي"(2)
وطبيعي أن تنهال الأسئلة على الدكتور جيفري لانغ باحثة عن سر إسلامه فكان يجيب :
"في لحظة من اللحظات الخاصة في حياتي ، منّ الله بواسع علمه ورحمته عليّ ، بعد أن وجد فيّ ما أكابد من العذاب والألم ، وبعد أن وجد لدي الاستعداد الكبير إلى مَلء الخواء الروحي في نفسي ، فأصبحت مسلماً … قبل الإسلام لم أكن أعرف في حياتي معنى للحب ، ولكنني عندما قرأت القرآن شعرت بفيض واسع من الرحمة والعطف يغمرني ، وبدأت أشعر بديمومة الحب في قلبي ، فالذي قادني إلى الإسلام هو محبة الله التي لا تقاوَم"(3).
"الإسلام هو الخضوع لإرادة الله ، وطريق يقود إلى ارتقاء لا حدود له ، وإلى درجات لا حدود لها من السلام والطمأنينة .. إنه المحرك للقدرات الإنسانية جميعها ، إنه التزام طوعي للجسد والعقل والقلب والروح"(4) .
"القرآن هذا الكتاب الكريم قد أسرني بقوة ، وتملّك قلبي ، وجعلني أستسلم لله ، والقرآن يدفع قارئه إلى اللحظة القصوى ، حيث يتبدّى للقارئ أنه يقف بمفرده أمام خالقه(5)، وإذا ما اتخذت القرآن بجدية فإنه لا يمكنك قراءته ببساطة ، فهو يحمل عليك ، وكأن له حقوقاً عليك ! وهو يجادلك ، وينتقدك ويُخجلك ويتحداك … لقد كنت على الطرف الآخر ، وبدا واضحاً أن مُنزل القرآن كان يعرفني أكثر مما أعرف نفسي … لقد كان القرآن يسبقني دوماً في تفكيري ، وكان يخاطب تساؤلاتي … وفي كل ليلة كنت أضع أسئلتي واعتراضاتي ، ولكنني كنت أكتـشف الإجابــة في اليوم التالي … لقد قابلت نفسي وجهاً لوجه في صفحات القرآن.."(6).
"بعد أن أسلمت كنت أُجهد نفسي في حضور الصلوات كي أسمع صوت القراءة ، على الرغم من أني كنت أجهل العربية ، ولما سُئلت عن ذلك أجبت : لماذا يسكن الطفل الرضيع ويرتاح لصوت أمه ؟ أتمنى أن أعيش تحت حماية ذلك الصوت إلى الأبد"(7).
"الصلاة هي المقياس الرئيس اليومي لدرجة خضوع المؤمن لربه ، ويا لها من مشاعر رائعة الجمال ، فعندما تسجد بثبات على الأرض تشعر فجأة كأنك رُفعت إلى الجنة، تتنفس من هوائها ، وتشتمُّ تربتها ، وتتنشق شذا عبيرها ، وتشعر وكأنك توشك أن ترفع عن الأرض ، وتوضع بين ذراعي الحب الأسمى والأعظم"(8).
"وإن صلاة الفجر هي من أكثر العبادات إثارة ، فثمة دافع ما في النهوض فجراً – بينما الجميع نائمون – لتسمع موسيقا القرآن تملأ سكون الليل ، فتشعر وكأنك تغادر هذا العالم وتسافر مع الملائكة لتمجّد الله عند الفجر"(9).
ونختم الحديث عن د. جيفري لانغ بإحدى نجاواه لله : "يا ربي إذا ما جنحتُ مرة ثانية نحو الكفر بك في حياتي ، اللهم أهلكني قبل ذلك وخلصني من هذه الحياة . اللهم إني لا أطيق العيش ولو ليوم واحد من غير الإيمان بك"(10).
* * *
" من كتاب " ربحت محمدا ولم أخسر المسيح "
المصدر: موقع صيد الفوائد: http://saaid.net (http://saaid.net/)
-------------------------------
(1) نقلاً باختصار عن كتابيه (الصراع من أجل الإيمان) و(حتى الملائكة تسأل) وقد يعجب القارئ من هذا الجَيشان العاطفي للدكتور جيفري ، وهو أستاذ الرياضيات ! ولكن متى كانت الرياضيات أو الفيزياء بمعزل عن العاطفة ، يقول الفيلسوف برناردشو "من ذا الذي يجرؤ على القول بأن الرياضيات ليست عواطف؟!" ويقول ألكسيس كارليل "لا غنى عن العاطفة لتَقدُّم العقل ، فالحب ينبه العقل عندما لا يبلغ هدفه" ويقول غوته "المعرفة ستكون من الإحاطة والعمق بقدر ما يكون الحب" ، ويقول لافارج : "إن العاطفة تشكل حياة العالم" فالبصيرة والعاطفة تضيء للعقل طريقه ، ويقول الإمام محمد عبده "الدين الكامل علم وذوق وفكر ووجدان ، فلا فرق بين العقل والوجدان ، في الوجهة ! فهما عينان للإنسان ينظر بهما" .
(2) الأبيات من ديوان ( أحبك ربي) د.عبد المعطي الدالاتي ص(91) .
(3) (حتى الملائكة تسأل) د. جيفري لانغ ص (211-280) .
(4) نفسه ص (75) .
(5) نفسه ص (209) .
(6) (الصراع من أجل الإيمان) ص (34) .
(7) نفسه ص (120) .
(8) (حتى الملائكة تسأل) ص (366) .
(9) (الصراع من أجل الإيمان) ص (111) .
(10) (حتى الملائكة تسأل) ص (234) .
القلب الحزين
15-12-2013, 06:38 PM
قسيسين ورهبان يعتنقون الإسلام
كنت مسيحيا متفانياً
و مواطنا من تكساس
كرهنا كل شيء وأي شيء عن المسلمين
كما هو المفروض في الغرب
قيل لنا أنهم لا يؤمنون بالله
يقدسون صندوقا أسود في الصحراء ويقبلون الأرض خمس مرات يوميا
المسلمون= إرهابيون، خاطفون، خاطفو طائرات، ووثنيون
يسألني العديد من الناس عن كيفية دخول قسيس أو واعظ مسيحي إلى الإسلام وخاصة إذا أخذنا في عين الاعتبار جميع الأفكار السلبية التي تقال كل يوم عن الإسلام والمسلمين.
أود شكر الجميع على اهتمامهم بسرد قصتي المتواضعة.
في الحقيقة قام رجل مسيحي طيب، بمراسلتي عن طريق البريد الالكتروني وسألني لماذا؟
وكيف؟ .. تركت الديانة المسيحية ودخلت في الإسلام؟
لذا ما سوف أسرده الآن هو تقريباً نسخة عن الرسالة التي بعثتها إليه.
كيف حصل هذا؟
اسمي يوسف استيس، وأنا الرئيس المسلم العام للمسلمين الأمريكيين برعاية مجموعة من المؤسسات في واشنطون وعلى هذا فإنني أسافر حول العالم لأتكلم واذكر رسالة المسيح المذكورة في القران والإسلام.
ونحن نقوم بإجراء حوارات وتنظيم مجموعات للنقاش مع جميع المعتقدات ونستمتع بالفرصة المتاحة لنا للتحاور مع الحاخامات والكهنة والقسيسون والوعاظ في جميع الأماكن، اغلب عملنا هو ضمن المؤسسات والجيش والجامعات والسجون.
هدفنا في المقام الأول هو تعليم وإيصال الرسالة الصحيحة للإسلام ومن هم المسلمون حقاً، بالرغم من أن عدد المسلمين قد زاد ليتعادل مع المسيحية كأكبر ديانة على وجه الأرض إلا إننا نرى العديد ممن يدّعون الإسلام لا يفهمونه بشكلٍ صحيح أو لا يمثلون رسالة السلام والاستسلام وإطاعة الله.
معذرة، لقد تكلمت عن نفسي كثيراً ولكنني أحاول أن أعطي خلفية عن تجربتي الخاصة لكي تكون ذا فائدة للذين يمرون بنفس التجربة التي مررت بها عند حل بعض القضايا في الديانة المسيحية.
ما سأقوله قد يبدو غريباً ربما لاختلاف وجهة نظرنا ومفاهيمنا عن الإله والمسيح والنبوة والخطيئة والخلاص، ولكنني في فترة ما كنت على الجانب الآخر كبقية الأشخاص اليوم... دعوني اشرح لكم....
ترعرعت ضمن عائلة مسيحية محافظة في الغرب الأوسط الأمريكي ولقد شيد أجدادي الكنائس والمدارس في أنحاء هذه البلاد وكانوا أيضاً من أوائل الذين سكنوا هذه المنطقة، أقمنا في هيوستن وتكساس منذ عام 1949 عندما كنت في المرحلة الابتدائية( أنا كبير في السن)!
لقد عمدت(1) في سن الثانية عشر في باسادينا في ولاية تكساس، وفي فترة المراهقة أردت أن ازور كنائس أخرى لأطلع على تعاليمهم ومعتقداتهم كالطقوس المعمدانية وأعضاء الطائفة البروتستانتية( التي أسسها جون وزلي) وأعضاء الكنيسة الأسقفية البروتستانتية الناصرية وكنيسة المسيح وكنيسة الرب وكنيسة الرب المسيح والإنجيل الكامل وال Agapeوالكاثوليكية وأعضاء المشيخة والكثير غيرهم.
ألممت بالإنجيل وبحثي في الأديان لم يتوقف عند المسيحية فحسب، بل شملت الهندوسية واليهودية والبوذية والميتافيزيقيا ومعتقدات سكان أمريكا الأصليين لكن الديانة الوحيدة التي لم انظر لها بجدية هي الإسلام- تسألون لماذا؟ سؤال منطقي.
http://www.quran-m.com/firas/photo/36909yusuf_skyline.jpg
لقد أصبحت مهتما بأنواع مختلفة من الموسيقى وخاصة الجوسبيل(2) والكلاسيكية أيضا، ولأن أفراد عائلتي متدينون ويحبون الموسيقى كان من الطبيعي أن ابدأ دراساتي في هذين الحقلين وبفضل هذا تبوأتُ منصب قسيس الموسيقى عند كثير من الكنائس التي التحقت بها عبر سنتين.
بدأت ادرس كيفية استخدام المفاتيح الموسيقية في عام 1960 وبحلول عام 1963امتلكت استوديوهات قي لوريل وماري لاند سميتها " استوديوهات استيس الموسيقية"، عبر الثلاثين سنة الماضية قمنا أنا ووالدي بمشاريع عدة وكانت لدينا برامج للترفيه كإقامة العروض ومتاجر للبيانو والاورغن بدءً من تكساس وأوكلاهوما إلى فلوردا. جنيت الملايين من الدولارات في هذه السنوات ولكنني لم أجد السلوى ولا الاطمئنان الذي لا يكون إلا بمعرفة الحقيقية وإيجاد الطريق الصحيح للخلاص، إنني متأكد من انك قد سألت نفسك" لماذا خلقني الرب؟وماذا يريدني أن افعل"؟ أو" من هو الرب بالتحديد؟ لماذا نؤمن بالخطيئة الأصلية"؟ "لماذا يجبر أبناء آدم على تحمل أخطاءهم؟ وبالتالي يعاقبون للأبد...
ولكن إذا سالت أي شخص هذه الأسئلة فانه في الغالب سوف يخبرك انه يتوجب عليك أن تؤمن بهذه الأشياء من دون سؤال أو أنها لغز غامض لا يُعرف حله، ولنأخذ مصطلح التثليث
فإذا طلبت من الوعاظ والكهنة أن يعطوك فكرة عن الكيفية التي يصبح " الواحد" يساوي "ثلاثة" أو عدم استطاعة الرب الذي بيده كل شيء وقادر على كل شيء أن يغفر خطايا البشر، عوضاً عن ذلك يصبح رجلاً وينزل إلى الأرض ليعيش كالبشر ثم يتحمل جميع أخطاء الناس دون أن ننسى انه خالق الكون ويستطيع أن يفعل ما يشاء.
إلى أن جاء يوم...
كان ذلك في عام 1991 عرفت فيه أن المسلمين يؤمنون بالتوراة والإنجيل، أصابتني الدهشة كيف يعقل هذا ! ليس هذا فحسب بل إنهم يؤمنون بالمسيح وأنه:
_ رسول حق بعثه الرب
-نبي
-ولادته معجزة حيث انه ولد بدون أب
-تُنبأ بظهوره في التوراة
-رفع إلى السماء
هذا ما لم استطع تصديقه خاصة أن المبشرين الذين كنا نسافر معهم يبغضون المسلمين والإسلام لدرجة أنهم لفقوا كلاماً مشيناً عن الإسلام حتى يرهبوا الناس، ولهذا لم أحبذ فكرة الاختلاط بهؤلاء" المسلمين". كان والدي شديد الفعالية في دعم أعمال الكنيسة وخاصة البرامج المدرسية للكنيسة وتم تنصيبه قساً في السبعينات، عرف هو وزوجته ( زوجة أبي) العديد من المبشرين والوعاظ في مجال التلفاز حتى أنهم زاروا اورال روبرتز وساهموا في بناية برج العبادة في مدينة تيولا وكانوا من اشد المؤيدين لجيمي سواجرت، تامي وجيم بيكير، جيري فول ويل، جون هاقي.
عمل أبي وزوجته في تسجيل الأشرطة التبشيرية وتوزيعها مجاناً على منازل المتقاعدين والمستشفيات ودور العجزة وفي عام 1991 بدأ أبي العمل مع رجل قدم من مصر وطلب مني أن أقابله فخطرت ببالي الأهرامات وأبو الهول ونهر النيل... بعدها ذكر والدي انه مسلم، لم اصدق ما سمعته مسلم !مستحيل. ذكرته عن الأشياء التي سمعناها عن هؤلاء الناس وأنهم إرهابيون وخاطفو طائرات ومفجرون... من يدري ماذا ايضا
أضف أنهم لا يؤمنون بالرب ويقبلون الأرض خمس مرات يومياً ويقدسون صندوقا اسوداً في الصحراء ! لم أشأ أن أقابل هذا المسلم ولكن والدي أصر على ذلك وطمأنني أن الرجل طيب جدا، في النهاية انصعت لمقابلته ولكن على شروطي
حدد الموعد يوم الأحد بعد انتهاء الصلاة في الكنيسة وكنت كعادتي حاملا للكتاب المقدس تحت ذراعي والصليب متدلي على صدري وعلى راسي قبعة مكتوب عليها المسيح هو الرب، رافقتني زوجتي وابنتاي وكنا مستعدين لأول مواجهة مع المسلم. عندما دخلت المتجر سالت والدي:" أين المسلم"؟ وأشار إلي انه هناك، نظرت إليه حائراً وقلت في نفسي مستحيل أن يكون هذا هو الرجل المسلم كنت أظن أنني سأرى رجلاً ضخماً يرتدي رداءً فضفاضاً وعمامة على رأسه، ذا لحية طويلة تصل إلى قميصه وحواجب كثة تغطي جبينه.هذا الرجل بدون لحية ليس لديه شعر في رأسه أصلاً يميل إلى الصلع وودود، حياني بتحية دافئة ومصافحة هذا لا يعقل اعتقدت أنهم إرهابيون ومفجرون ما الذي أراه هنا؟ يجب أن أنقذ هذا الشخص سريعاً من الضلال الذي هو فيه لذا بعد مقدمة سريعة سألته:
هل تؤمن بوجود الرب؟
قال: نعم
(جيد )!
هل تؤمن بآدم وحواء؟
نعم
ماذا عن إبراهيم؟ وتضحيته بابنه لأجل الرب؟
نعم
وعن موسى والوصايا العشر وحادثة شق البحر؟
نعم
( حسنا هذا سيكون أسهل مما توقعت)
إن تنصيره أمر لا يتطلب جهداً وأنا الشخص المناسب لفعل ذلك !
لقد أدخلت العديد إلى المسيحية ولكن هذا سيكون إنجازاً كبيراً بالنسبة لي أن انصر واحداً من هؤلاء المسلمين. سألته إذا كان يحب أن يشرب قدحاً من الشاي فوافق، أخذته إلى مقهى صغير لنجلس ونتحادث عن موضوعي المفضل" المعتقدات" تحدثنا طويلاً( كنت أنا المتكلم اغلب الوقت) وأدركت انه مستمع جيد، لطيف وهادئ وخجول بعض الشيء استمع إلى كل كلمة قلتها ولم يقاطعني مرة واحدة أحببت هذا الرجل وفكرت أن لديه إمكانات جيدة ليصبح مسيحياً صادقاً ولم يخطر ببالي أنه هناك تغيرات قادمة ستحدث أمام عيني وأنها في طريقها إلي.
http://www.quran-m.com/firas/photo/97662brothers_resize.jpg
في البداية وافقت على أن اعمل مع الرجل حتى أنني تحمست لفكرة سفره معي للعمل في ولاية تكساس، خلال رحلاتنا تكلمنا عن المعتقدات المختلفة للناس وتحينت هذه الفرصة لوضع أشرطتي المفضلة عن العبادة والشكر لكي تهدي هذا الرجل المسكين وأيضاً عن مفهوم الرب ومعنى الحياة والهدف من الخلق، وعن الأنبياء ومهماتهم وكيف أن مشيئة الرب فوق البشر وعرض كل منا تجاربه وأفكاره على الآخر. في يوم من الأيام عرفت أن صديقي محمد سوف ينتقل من منزله الذي يتشارك فيه مع صديق له ليمكث في المسجد لفترة مؤقتة فذهبت إلى والدي وسألته إذا أمكن دعوة محمد ليعيش في منزلنا في القرية وبذلك يستطيع أن يساعدنا في العمل ويشاركنا في النفقات والاهم يكون متواجداً إذا أردنا أن نسافر، وافق والدي وانتقل محمد وبالطبع داومت على زيارة أصدقائي الوعاظ والمبشرين الذين يقطنون في ولاية تكساس احدهم يعيش على الحدود ما بين تكساس والمكسيك والآخر قرب حدود أوكلاهوما.
احد الوعاظ كان يملك صليباً خشبيا ضخماً يحمله على كتفيه حتى يصل به إلى الطريق العام وكان الناس يوقفون سياراتهم ويسألونه ما الأمر فيعطيهم منشورات وكتيبات عن الديانة المسيحية، جاءت فترة أصيب صديقي فيها بأزمة قلبية ونقل إلى مستشفى فيتيرانس اعتدت أن أزوره عدة مرات في الأسبوع مصطحباً محمد معي لنتحاور في موضوع الديانات والمعتقدات ولكن صديقي لم يكن مهتماً وكان من الواضح انه لا يريد أن يعرف أي شيء عن الإسلام، وفي يوم من الأيام قدم الرجل الذي يشارك صديقي في الغرفة بكرسيه المتحرك اقتربت منه وسألته عن اسمه رد علي: هذا لا يهم عاودت الكرة وسألته من أين هو فقال من كوكب المشتري عندها قلت لنفسي هل أنا في قسم الأمراض القلبية أم العقلية !
أدركت أن الرجل مصاب بحالة اكتئاب ويشعر بالوحدة وانه محتاج إلى الصحبة لذا حدثته عن الرب وقرأت له عن النبي يونس في العهد القديم وكيف أن الخالق بعثه إلى قومه ليهديهم إلى الطريق الصحيح وعندما لم يستمعوا إليه تركهم وركب سفينة ليبتعد عنهم، بينما هم في عرض البحر هبت عليهم عاصفة قوية كادت أن تهلكهم فرمى طاقم السفينة يونس في البحر فالتقمه الحوت وغاص إلى الأعماق وبقي لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالي في جوفه ولكن بفضل رحمة الرب أمر الحوت أن يتركه على جزيرة ليعود إلى قوم مدينة نينوى والمغزى الذي نستفيد منه هو أننا لا نستطيع الهروب من مشاكلنا لأننا نعلم أن الرب محيط بنا، بعدما انتهيت من رواية القصة رفع الرجل بصره إلي واعتذر عن تصرفه الفظ واخبرني انه يمر بظروف صعبة وانه يريد أن يعترف لي بشيء قلت له إنني لست قسا كاثوليكيا وليست مهمتي الأخذ باعترافات الناس فقال:" إنني اعلم ذلك فانا قسيس كاثوليكي" ! صدمت فها أنا ذا أحاول أن أعظ قسيساً ماذا يجري بحق السماء ! قال لي القسيس انه مبشر للكنيسة منذ اثنتا عشرة سنة في جنوب ووسط أمريكا ومنطقة المكسيك ونيويورك، حينما خرج من المستشفى أراد أن يجد مكانا للنقاهة فبدلا من المكوث مع عائلة كاثوليكية اقترحت أن يأتي ليسكن مع عائلتنا ومحمد في القرية وانتقل على الفور. خلال الرحلة تكلمت مع القس على المعتقدات الإسلامية ولدهشتي الشديدة شاركني الرأي وتكلم معي عن الإسلام وزودني بمعلومة غريبة وهي أن القساوسة الكاثوليكيين يدرسون الإسلام وان بعضهم يحملون شهادات دكتوراه في هذا المضمار. بعد استقرارنا في المنزل أصبحنا نجتمع حول مائدة الطعام بعد العشاء كل ليلة لمناقشة الديانات، والدي كان يحضر نسخة الملك جايمز للكتاب المقدس وأنا لدي النسخة المراجعة أما زوجتي فلديها نسخة أخرى وبالطبع فان القس يملك النسخة الكاثوليكية والتي تشتمل على سبعة كتب بداخله ويوجد أيضا كتاب للبروتستانت والنتيجة أننا أمضينا معظم الوقت نقرر أي منها هو الصحيح أو الأكثر صحة بدلاً من أن نقنع محمد ليصبح مسيحياً !
أتذكر أنني سالت محمد كم عدد نسخ القرآن على مر أربعمائة وألف سنة الماضية أجابني انه قرآن واحد فقط لم يتغير قط وقد حفظه مئات من صحابة رسول الله وانتشر في بلدان مختلفة وحفظه الملايين من الناس وعلموه آخرين بدون أي أخطاء، هذا لم يبدو معقولا بالنسبة لي لان اللغات الأصلية للكتاب المقدس هي لغات قديمة وغير مستخدمة لقرون أما الكتب الأصلية فقدت من مئات السنين فكيف تم نقل القرآن كاملا بهذه السهولة. جاء القس وسأل محمد حول إمكانية أخذه إلى المسجد ليرى ماذا يوجد هناك وعند عودتهما لم نستطع الانتظار حتى نسأل القس عما رآه وكيفية طقوسهم الدينية، قال بأنهم لم يفعلوا شيئا فقد رأى المسلمين يؤدون الصلاة ويغادرون بعدها قلت مستغربا: ذهبوا من دون إلقاء أي خطب أو غناء؟ قال نعم. وبعد مضي بضعة أيام سال القس محمد مرة أخرى أن يصطحبه إلى المسجد ولكن هذه المرة لم تكن كسابقتها تغيبوا لفترة طويلة جاء الليل وبدأنا نقلق من أن مكروها أصابهم وأخيرا رأيناهم عند الباب وفورا عرفت محمد ولكن من الشخص الذي بجانبه؟ رجل يرتدي قبعة وعباءة بيضاء، انه القس قلت له: أيها القس هل أصبحت مسلماً؟ اخبرنا انه قد دخل الإسلام تصوروا القس أصبح مسلما! ماذا بعد؟( سوف ترون)
صعدت إلى غرفتي وتناقشنا أنا وزوجتي عن الذي حدث، وكانت المفاجأة أنها تود أن تدخل الإسلام لأنها علمت انه الحق نزلت لأوقظ محمد وطلبت منه أن نسير في الخارج، مشينا وتكلمنا طوال الليل إلى أن جاء وقت صلاة الفجر عرفت حينها انه الحق وجاء دوري لأن افعل شيئاً ذهبت إلى الفسحة الخلفية للمنزل وهناك وضعت جبهتي على الأرض مواجها لقبلة المسلمين في الصلاة وأنا في ذلك الوضع سألت ربي يا رب إذا كنت تراني دلني دلني، بعد فترة رفعت رأسي ولاحظت شيئاً لم أر مجموعة من العصافير أو ملائكة من السماء أو سمعت أصواتاً ولم أر أنواراً ساطعة، الذي حصل هو تغير في نفسي عرفت أكثر من أي وقت مضى انه آن لي أن توقف عن الكذب والغش والقيام بأعمال أبعد ما تكون عن الأمانة حان الوقت لأن أكون رجلاً صادقاً وصريحاً..
صعدت إلى غرفتي واغتسلت حتى انقي نفسي من أخطاء ارتكبها شخص عبر السنين وأصبحت الآن مقدماً على حياة جديدة، حياة أسست على الصدق والحقيقة.
في حوالي الساعة الحادية عشر صباحاً وقفت أمام شاهدين هما القس السابق الذي يعرف باسم الأب بيتر جاكوب والآخر محمد عبد الرحمن ونطقت بالشهادتين " اشهد أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله" وبعد دقائق فعلت زوجتي نفس الشيء ولكن أمام ثلاثة شهود أنا الثالث بينهم، كان والدي أكثر تحفظاً اتجاه الموضوع إلا انه بعد أشهر قليلة نطق بالشهادتين وأصبح يرافقنا لأداء الصلوات في المسجد أما بالنسبة لأطفالنا فقد أخرجناهم من مدارسهم وأدخلناهم مدارس إسلامية وبعد مضي عشر سنوات حفظوا اغلب آيات القران وعرفوا تعاليم الإسلام أما زوجة والدي فكانت الأخيرة التي أيقنت أن المسيح لا يمكن أن يكون ابنا لله وانه نبي وليس إله.
الآن توقف قليلا وتفكر، عائلة كاملة من خلفيات وأعراق مختلفة اجتمعوا على شيء واحد كيف تؤمن وتعبد خالق الكون، قسيس كاثوليكي، قسيس للموسيقى وواعظ ، ومؤسس للمدارس المسيحية جميعهم دخلوا في الإسلام وهذا من رحمة الله الذي دلنا إلى الصراط المستقيم وقشع الغشاوة التي على أعيننا. إذا توقفت في سرد قصتي هنا فانا متأكد من أنكم سوف تعتبرونها قصة مذهلة فهاهم ثلاثة رجال دين من خلفيات مختلفة يغيرون مسارهم إلى طريق مختلف تماما في نفس الوقت وبعد فترة يلحق بهم ذويهم، ولكن هذا ليس كل شيء . في نفس السنة بينما كنت في ال" Grand prairie"في ولاية تكساس( قريباً من دالاس) قابلت طالباً في معهد التعميد واسمه جو دخل في الإسلام بعد قراءته للقرآن الكريم وهو في كلية التعميد، اذكر أيضا قصة قسيس كاثوليكي أثنى على التعاليم الإسلامية لدرجة أنني سألته لماذا لم يسلم فأجابني: ماذا؟ .. واخسر وظيفتي" اسمه الأب جون وما يزال هناك أمل في إسلامه، في العام الذي يليه قابلت قساً كاثوليكياً سابقاً كان داعية في أفريقياً منذ ثماني سنوات وقد اطلع على الإسلام هناك وأصبح مسلماً وغير اسمه إلى عمر وعاش في ولاية تكساس
بعد مرور سنتين كنت في مدينة انطونيو في تكساس وتعرفت على الأسقف الرئيسي للكنيسة الاورثودوكسية لروسيا والذي قرأ عن الإسلام ودخل فيه وترك منصبه .
منذ دخولي للإسلام وانا الرئيس المسلم العام للمسلمين في الدولة(أي الولايات المتحدة الأمريكية) وقمت بمواجهة ومناقشة العديد من الأفراد عبر أنحاء العالم كرؤساء ومعلمين وعلماء ومنهم من عرف الإسلام ودخل فيه من هندوس ويهود وكاثوليكيين والبروتستنت وشهود يهوه، اورثودوكس من اليونان وروسيا وأقباط مسيحيين من مصر ومن كنائس غير طائفية وحتى علماء ملحدين. لماذا دخلوا في الإسلام؟
سوف اقترح على الذين يريدون معرفة الحقيقة إتباع تسع خطوات لتنقية العقل:
أولاً:تنقية العقل والقلب والروح تماماً.
ثانياً : ابعدوا جميع ما يعتري نفوسكم من تحيز وتحامل
ثالثاً:اقرؤوا القرآن بتدبر.
رابعاً: أمهلوا أنفسكم بعض الوقت
خامساً : تفكروا فيما قرأتموه
سادساً: اخلصوا نيتكم في الصلاة
سابعاً : اللحو في الدعاء وسؤال الخالق الذي أوجدكم بان يدلكم إلى الطريق الصحيح
ثامناً: استمروا في فعل ذلك لعدة أشهر
تاسعاً: والأهم أن لا تدع الآخرين ذوي التفكير المسمم يؤثروا عليك وأنت في حالة " ولادة جديدة للروح"
و الباقي هو بينك وبين الخالق إذا كنت تحبه حقاً فهو يعلم ذلك وسوف يهدي كل فرد على حسب قلبه.
و الآن لديكم مقدمة عن قصة دخولي في الإسلام وهناك المزيد عن هذه القصة في الانترنت مدعمة بالصور أيضا أرجو أن تتمكنوا من تصفح الموقع
www.islamtomorrow.com (http://www.islamtomorrow.com/)
رجاء راسلوني على البريد الالكتروني ودعونا نتشارك ونحدد هدفنا في هذه الحياة وفي الحياة الآخرة، ودعوني اشكر الرجل الذي راسلني لأنه من دونه لم أكن لأستطيع أن أكمل قصتي " قسيسون ووعاظ يدخلون الإسلام"
ادعوا الله أن يدلكم على الحقيقة آمين وأن يشرح قلوبكم وينور عقولكم إلى الغاية التي من أجلها خلقت الحياة.
أخوكم
يوسف استيس
الرئيس المسلم العام للمسلمين الأمريكان
ــــــــــــــــــــــــ
(1)التعميد الديني هو احتفال ليصبح الشخص فيه عضوا في الكنيسة المسيحية بوضعه لفترة قصيرة تحت الماء أو برش قطرات من الماء على رأسه.
(2)موسيقى يحبها الأفارقة الأمريكيون.
القلب الحزين
15-12-2013, 06:39 PM
قصة إسلام الدكتور وديع أحمد الشماس السابق
http://quran-m.com/firas/ar_photo/127392699097987987.jpg
بقلم الدكتور وديع أحمد (الشماس سابقاً)
* بسم الله الرحمن الرحيم ..الحمد الله على نعمة الإسلام نعمة كبيرة لا تدانيها نعمة لأنه لم يعد على الأرض من يعبد الله وحده إلا المسلمين.
* ولقد مررت برحلة طويلة قاربت 40 عاما إلى أن هداني الله وسوف أصف لكم مراحل هذه الرحلة من عمري مرحلة مرحلة:-
مرحلة الطفولة:- ( زرع ثمار سوداء )
* كان أبى واعظا في الإسكندرية في جمعية أصدقاء الكتاب المقدس وكانت مهنته التبشير في القرى المحيطة والمناطق الفقيرة لمحاولة جذب فقراء المسلمين إلى المسيحية.
* وأصر أبى أن أنضم إلى الشمامسة منذ أن كان عمري ست سنوات وأن أنتظم في دروس مدارس الأحد وهناك يزرعون بذور الحقد السوداء في عقول الأطفال ومنها: -
1- المسلمون اغتصبوا مصر من المسيحيين وعذبوا المسيحيين.
2- المسلم أشد كفرا من البوذي وعابد البقر.
3- القرآن ليس كتاب الله ولكن محمد اخترعه.
4- المسلمين يضطهدون النصارى لكي يتركوا مصر ويهاجروا..... وغير ذلك من البذور التي تزرع الحقد الأسود ضد المسلمين في قلوب الأطفال.
* وفى هذه الفترة المحرجة كان أبى يتكلم معنا سرا عن انحراف الكنائس عن المسيحية الحقيقية التي تحرم الصور والتماثيل والسجود للبطرك والاعتراف للقساوسة.
مرحلة الشباب ( نضوج ثمار الحقد الأسود )
أصبحت أستاذا في مدارس الأحد و معلما للشمامسة وكان عمري 18 سنة وكان علي أن أحضر دروس الوعظ بالكنيسة والزيارة الدورية للأديرة ( خاصة في الصيف ) حيث يتم استدعاء متخصصين في مهاجمة الإسلام والنقد اللاذع للقرآن ومحمد ( صلي الله علية وسلم ).
* وما يقال في هذه الاجتماعات:
1- القرآن مليء بالمتناقضات ( ثم يذكروا نصف آية ) مثل ( ولا تقربوا الصلاة...)
2- القرآن مليء بالألفاظ الجنسية ويفسرون كلمة ( نكاح ) علي أنها الزنا أو اللواط.
3- يقولون أن النبي ومحمد ( صلي الله عليه وسلم ) قد أخذ تعاليم النصرانية من ( بحيره ) الراهب ثم حورها و اخترع بها دين الإسلام ثم قتل بحيرة حتي لا يفتضح أمره........ ومن هذا الاستهزاء بالقرآن الكريم و محمد ( صلي الله عليه وسلم ) الكثير والكثير...
أسئلة محيرة:
الشباب في هذه الفترة و أنا منهم نسأل القساوسة أسئلة كانت تحيرنا:
شاب مسيحي يسأل:
س: ما رأيك بمحمد ( صلي الله عليه وسلم ) ؟
القسيس يجاوب: هو إنسان عبقري و زكي.
س: هناك الكثير من العباقرة مثل ( أفلاطون، سقراط, حامورابي.....) ولكن لم نجد لهم أتباعا و دين ينتشر بهذه السرعة الي يومنا هذا ؟ لماذا ؟
ج: يحتار القسيس في الإجابة
شاب أخر يسأل:
س: ما رأيك في القرآن ؟
ج: كتاب يحتوي علي قصص للأنبياء ويحض الناس علي الفضائل ولكنه مليء بالأخطاء.
س: لماذا تخافون أن نقرأه و تكفرون من يلمسه أو يقرأه ؟
ج: يصر القسيس أن من يقرأه كافر دون توضيح السبب !!
يسأل أخر:
س: إذا كان محمد ( صلي الله عليه وسلم ) كاذبا فلماذا تركه الله ينشر دعوته 23 سنه ؟ بل ومازال دينه ينتشر إلي الآن ؟ مع انه مكتوب في كتاب موسي ( كتاب ارميا ) إن الله وعد بإهلاك كل إنسان يدعي النبوة هو و أسرته في خلال عام ؟
ج: يجيب القسيس ( لعل الله يريد أن يختبر المسيحيين به ).
مواقف محيرة:
1- في عام 1971 أصدر البطرك ( شنودة ) قرار بحرمان الرهب روفائيل ( راهب دير مارمينا ) من الصلاة لأنه لم يذكر أسمه في الصلاة وقد حاول إقناعه الراهب ( صموائيل ) بالصلاة فانه يصلي لله وليس للبطرك ولكنه خاف أن يحرمه البطرك من الجنه أيضا !!
وتسائل الراهب صموائيل هل يجرؤ شيخ الأزهر أن يحرم مسلم من الصلاة ؟ مستحيل
2- أشد ما كان يحيرني هو معرفتي بتكفير كل طائفة مسيحية للأخرى فسالت القمص ( ميتاس روفائيل ) أب اعترافي فأكد هذا وان هذا التكفير نافذ في الأرض والسماء.
فسألته متعجبا: معني هذا أننا كفار لتكفير بابا روما لنا ؟
أجاب: للأسف نعم
سألته: وباقي الطوائف كفار بسبب تكفير بطرك الإسكندرية لهم ؟
أجاب: للأسف نعم
سألته: وما موقفنا إذا يوم القيامة ؟
أجاب: الله يرحمنا !!!
بداية الإتجاة نحو الإسلام
* وعندما دخلت الكنيسة ووجدت صورة المسيح وتمثاله يعلو هيكلها فسألت نفسي كيف يكون هذا الضعيف المهان الذي استهزأ به و عذب ربا و إلها ؟؟
* المفروض أن أعبد رب هذا الضعيف الهارب من بطش اليهود. وتعجبت حين علمت أن التوراة قد لعنت الصليب والمصلوب عليه وانه نجس وينجس الأرض التي يصلب عليها !! ( تثنية 21 : 22 – 23 ) .
* وفي عام 1981 : كنت كثير الجدل مع جاري المسلم ( أحمد محمد الدمرداش حجازي ) و ذات يوم كلمني عن العدل في الإسلام ( في الميراث ، في الطلاق ، القصاص ...... ) ثم سألني هل عندكم مثل ذلك ؟ أجبت لا.. لا يوجد
* وبدأت أسأل نفسي كيف أتي رجل واحد بكل هذه التشريعات المحكمة والكاملة في العبادات والمعاملات بدون اختلافات ؟ وكيف عجزت مليارات اليهود والنصارى عن إثبات انه مخترع ؟
* من عام 1982 و حتي 1990: وكنت طبيبا في مستشفي ( صدر كوم الشقافة ) وكان الدكتور محمد الشاطبي دائم التحدث مع الزملاء عن أحاديث محمد ( صلي الله عليه وسلم ) وكنت في بداية الأمر اشعر بنار الغيرة ولكن بعد مرور الوقت أحببت سماع هذه الأحاديث ( قليلة الكلام كثيرة المعاني جميلة الألفاظ والسياق ) و شعرت وقتها أن هذا الرجل نبي عظيم
هل كان أبي مسلما
* من العوامل الخفية التي أثرت علي هدايتي هي الصدمات التي كنت أكتشفها في أبي ومنها:
1- هجر الكنائس والوعظ والجمعيات التبشيرية تماما.
2- كان يرفض تقبيل أيدي الكهنة ( وهذا أمر عظيم عند النصارى )
3- كان لا يؤمن بالجسد والدم ( الخبز والخمر ) أي لا يؤمن بتجسيد الإله.
4- بدلا من نزوله صباح يوم الجمعة للصلاة أصبح ينام ثم يغتسل وينزل وقت الظهر ؟!
5- ينتحل الأعذار للنزول وقت العصر والعودة متأخرا وقت العشاء.
6- أصبح يرفض ذهاب البنات للكوافير.
7- ألفاظ جديدة أصبح يقولها ( أعوذ بالله من الشيطان ) (لا حول ولا قوة الا بالله )...
8- وبعد موت أبي 1988 وجدت بالإنجيل الخاص به قصاصات ورق صغيرة يوضح فيها أخطاء موجودة بالأناجيل وتصحيحها .
9- وعثرت علي إنجيل جدي ( والد أبي ) طبعة 1930 وفيها توضيح كامل عن التغيرات التي أحثها النصارى فيه منها تحويل كلمة ( يا معلم ) و ( يا سيد ) إلي ( يا رب ) !!!ليوهموا القاريْ أن عبادة المسيح كانت منذ ولادته.
الطريق إلي المسجد
* وبالقرب من عيادتى يوجد مسجد ( هدى الإسلام ) اقترب منه وأخذت أنظر بداخله فوجدته لا يشبه الكنيسة مطلقا ( لا مقاعد – لا رسومات – لا ثريات ضخمة – لا سجاد فخم – لا أدوات موسيقى وإيقاع – لا غناء لا تصفيق ) ووجدت أن العبادة في هذه المساجد هي الركوع والسجود لله فقط، لا فرق بين غنى وفقير يقفون جميعا في صفوف منتظمة وقارنت بين ذلك وعكسه الذي يحدث في الكنائس فكانت المقارنة دائما لصالح المساجد.
في رحاب القرآن
* وأردت أن أقرأ القرآن واشتريت مصحفاً وتذكرت أن صديقي أحمد الدمرداش قال أن القرآن ( لا يمسه إلا المطهرون ) واغتسلت ولم أجد غير ماء بارد وقتها ثم قرأت القرآن وكنت أخشى أن أجد فيه اختلافات ( بعد ما ضاعت ثقتي في التوراة والإنجيل ) وقرأت القرآن في يومين ولكني لم أجد ما كانوا يعلمونا إياه في الكنيسة عن القرآن.
* الأعجب من هذا أن من يكلم محمد صلى الله عليه وسلم يخبره أنه سوف يموت ؟!! من يجرؤ أن يتكلم هكذا إلا الله ؟؟!! ودعوت الله أن يهدين ويرشدني.
الرؤيا :
وذات يوم غلبني النوم فوضعت المصحف بجواري وقرب الفجر رأيت نورا في جدار الحجرة وظهر رجلا وجهه مضيء اقترب منى وأشار إلى المصحف فمددت يدي لأسلم عليه لكنه اختفى ووقع في قلبي أن هذا الرجل هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن القرآن هو طريق النور والهداية.
أخيرا – أسلمت وجهي لله
* وسألت أحد المحامين فدلني علي أن أتوجه لمديرية الأمن – قسم الشئون الدينية – ولم أنم تلك الليلة وراودني الشيطان كثيرا ( كيف تترك دين آبائك بهذه السهولة ) ؟
* وخرجت في السادسة صباحا ودخلت كنيسة ( جرجس وأنطونيوس ) وكانت الصلاة قائمة، وكانت الصالة مليئة بالصور والتماثيل للمسيح و مريم و الحواريين وآخرين إلي البطرك السابق ( كيرلس ) فكلمتهم: ( لو أنكم علي حق وتفعلون المعجزات كما كانوا يعلمونا ففعلوا أي شيء... أي علامة أو إشارة لأعلم إنني أسير في الطريق الخطأ ) و بالطبع لا إجابة.
* وبكيت كثيرا علي عمر كبير ضاع في عبادة هذه الصور والتماثيل. وبعد البكاء شعرت أنني تطهرت من الوثنية وأنني أسير في الطريق الصحيح طريق عبادة الله حقا.
* وذهبت إلي المديرية و بدأت رحلة طويلة شاقة مع الروتين ومع معاناة مع البيروقراطية و ظنون الناس وبعد عشرة شهور تم إشهار إسلامي من الشهر العقاري في أغسطس 1992.
اللهم أحيني علي الإسلام وتوفني علي الإيمان
اللهم احفظ ذريتي من بعدي خاشعين، عابدين، يخافون معصيتك ويتقربون بطاعتك
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
يمكن زيارة موقع الدكتور وديع على الانترنت
http://www.dr-wadee3.com/
يمكن مشاهدة قصة إسلامه على اليوتيوب على الروابط التالية:
http://www.youtube.com/watch?v=0g51FVmIANs&feature=related
http://www.youtube.com/watch?v=DjDAJuLoYaQ&feature=related
http://www.youtube.com/watch?v=CoAcK-4-6iY&feature=related
http://www.youtube.com/watch?v=pByfEtweEzg&feature=related
http://www.youtube.com/watch?v=MHklQPyCn1Y&feature=related
http://www.youtube.com/watch?v=SveMHljV6k8&feature=related
http://www.youtube.com/watch?v=jfxn6BmT_Ec&feature=related
القلب الحزين
15-12-2013, 06:40 PM
قصة إسلام القسيس سيلي
بقلم الدكتور/ عبد العزيز أحمد سرحان
عميد كلية المعلمين بمكة المكرمة
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1268519223wafricaeasterbaptism2008.jpg
صورة لقس أثناء قيامه بتعميد مواطن من دولة توغو غرب أفريقيا
دعوني اصطحبكم لنتجه سويا إلى (جوهانسبرغ ) مدينة مناجم الذهب الغنية بدولة جنوب أفريقيا حيث كنت أعمل مديرًا لمكتب رابطة العالم الإسلامي هناك. كان ذلك في عام 1996 وكنا في فصل الشتاء الذي حل علينا قارساً في تلك البلاد، وذات يوم كانت السماء فيه ملبدة بالغيوم وتنذر بهبوب عاصفة شتوية عارمة، وبينما كنت أنتظر شخصًا قد حددت له موعدا لمقابلته كانت زوجتي في المنزل تعد طعام الغداء، حيث سيحل ذلك الشخص ضيفا كريما عليّ بالمنزل. كان الموعد مع شخصية لها صلة قرابة بالرئيس الجنوب أفريقي السابق الرئيس نلسون مانديلا، شخصية كانت تهتم بالنصرانية وتروج وتدعو لها.. إنها شخصية القسيس ( سيلي ). لقد تم اللقاء مع سيلي بواسطة سكرتير مكتب الرابطة عبد الخالق ميتر حيث أخبرني أن قسيسا يريد الحضور إلى مقر الرابطة لأمر هام.وفي الموعد المحدد حضر سيلي بصحبته شخص يدعى سليمان كان ملاكما وأصبح عضوا في رابطة الملاكمة بعد أن من الله عليه بالإسلام بعد جولة قام بها الملاكم المسلم محمد علي كلاي. وقابلت الجميع بمكتبي وسعدت للقائهم أيما سعادة. كان سيلي قصير القامة، شديد سواد البشرة، دائم الابتسام. جلس أمامي وبدأ يتحدث معي بكل لطف. فقلت له: أخي سيلي، هل من الممكن أن نستمع لقصة اعتناقك للإسلام ؟ ابتسم سيلي وقال: نعم بكل تأكيد. وأنصتوا إليه أيها الإخوة الكرام وركزوا لما قاله لي، ثم احكموا بأنفسكم.
قال سيلي: كنت قسيسا نشطًا للغاية، أخدم الكنيسة بكل جد واجتهاد ولا أكتفي بذلك بل كنت من كبار المنصرين في جنوب أفريقيا، ولنشاطي الكبير اختارني الفاتيكان لكي أقوم بالنتصير بدعم منه فأخذت الأموال تصلني من الفاتيكان لهذا الغرض، وكنت أستخدم كل الوسائل لكي أصل إلى هدفي. فكنت أقوم بزيارات متوالية ومتعددة، للمعاهد والمدارس والمستشفيات والقرى والغابات، وكنت أدفع من تلك الأموال للناس في صور مساعدات أو هبات أو صدقات وهدايا، لكي أصل إلى مبتغاي وأدخل الناس في دين النصرانية.. فكانت الكنيسة تغدق علي فأصبحت غنيا فلي منزل وسيارة وراتب جيد، ومكانة مرموقة بين القساوسة. وفي يوم من الأيام ذهبت لأشتري بعض الهدايا من المركز التجاري ببلدتي وهناك كانت المفاجأة !! ففي السوق قابلت رجلاً يلبس كوفية ( قلنسوة ) وكان تاجرًا يبيع الهدايا، وكنت ألبس ملابس القسيسين الطويلة ذات الياقة البيضاء التي نتميز بها على غيرنا، وبدأت في التفاوض مع الرجل على قيمة الهدايا. وعرفت أن الرجل مسلم ـ ونحن نطلق على دين الإسلام في جنوب أفريقيا: دين الهنود، ولانقول دين الإسلام ـ وبعد أن اشتريت ما أريد من هدايا, بل قل من فخاخ نوقع بها السذج من الناس، وكذلك أصحاب الخواء الديني والروحي كما كنا نستغل حالات الفقر عند كثير من المسلمين، والجنوب أفريقيين لنخدعهم بالدين المسيحي وننصرهم..
- فإذا بالتاجر المسلم يسألني: أنت قسيس..
أليس كذلك ؟
فقلت له: نعم.
فسألني: من هو إلهك ؟
فقلت له:
- المسيح هو الإله.
فقال لي:
- إنني أتحداك أن تأتيني بآية واحدة في ( الإنجيل ) تقول على لسان المسيح ـ عليه السلام ـ شخصيا أنه قال: ( أنا الله، أو أنا ابن الله ) فاعبدوني.
فإذا بكلمات الرجل المسلم تسقط على رأسي كالصاعقة، ولم أستطع أن أجيبه وحاولت أن أعود بذاكرتي الجيدة وأغوص بها في كتب الأناجيل وكتب النصرانية لأجد جوابًا شافيًا للرجل فلم أجد !! فلم تكن هناك آية واحدة تتحدث على لسان المسيح وتقول بأنَّه هو الله أو أنه ابن الله.
وأسقط في يدي وأحرجني الرجل، وأصابني الغم وضاق صدري. كيف غاب عني مثل هذه التساؤلات ؟ وتركت الرجل وهمت على وجهي، فما علمت بنفسي إلا وأنا أسير طويلا بدون اتجاه معين..
ثم صممت على البحث عن مثل هذه الآيات مهما كلفني الأمر، ولكنني عجزت وهزمت.!
فذهبت للمجلس الكنسي وطلبت أن أجتمع بأعضائه، فوافقوا.
وفي الاجتماع أخبرتهم بما سمعت فإذا بالجميع يهاجمونني ويقولون لي: خدعك الهندي..
إنه يريد أن يضلك بدين الهنود. فقلت لهم: إذًا أجيبوني !!.. وردوا على تساؤله. فلم يجب أحد.! وجاء يوم الأحد الذي ألقي فيه خطبتي ودرسي في الكنيسة، ووقفت أمام الناس لأتحدث، فلم أستطع وتعجب الناس لوقوفي أمامهم دون أن أتكلم. فانسحبت لداخل الكنيسة وطلبت من صديق لي أن يحل محلي، وأخبرته بأنني منهك.. وفي الحقيقة كنت منهارًا، ومحطمًا نفسيًّا. وذهبت لمنزلي وأنا في حالة ذهول وهم كبير، ثم توجهت لمكان صغير في منزلي وجلست أنتحب فيه، ثم رفعت بصري إلى السماء، وأخذت أدعو، ولكن أدعو من ؟.. لقد توجهت إلى من اعتقدت بأنه هو الله الخالق.. وقلت في دعائي: ( ربي.. خالقي. لقد أُقفلتْ الأبواب في وجهي غير بابك، فلا تحرمني من معرفة الحق، أين الحق وأين الحقيقة ؟ يارب ! يارب لا تتركني في حيرتي، وألهمني الصواب ودلني على الحقيقة ).
ثم غفوت ونمت. وأثناء نومي، إذا بي أرى في المنام في قاعة كبيرة جدا، ليس فيها أحد غيري.. وفي صدر القاعة ظهر رجل، لم أتبين ملامحه من النور الذي كان يشع منه وحوله، فظننت أن ذلك الله الذي خاطبته بأن يدلني على الحق.. ولكني أيقنت بأنه رجل منير.. فأخذ الرجل يشير إلي وينادي: يا إبراهيم ! فنظرت حولي، فنظرت لأشاهد من هو إبراهيم ؟ فلم أجد أحدًا معي في القاعة..
فقال لي الرجل: أنت إبراهيم.. اسمك إبراهيم.. ألم تطلب من الله معرفة الحقيقة.. قلت: نعم.. قال: انظر إلى يمينك.. فنظرت إلى يميني، فإذا مجموعة من الرجال تسير حاملة على أكتافها أمتعتها، وتلبس ثيابا بيضاء، وعمائم بيضاء. وتابع الرجل قوله: اتبع هؤلاء. لتعرف الحقيقة !! واستيقظت من النوم، وشعرت بسعادة كبيرة تنتابني، ولكني كنت لست مرتاحا عندما أخذت أتساءل.. أين سأجد هذه الجماعة التي رأيت في منامي ؟ وصممت على مواصلة المشوار، مشوار البحث عن الحقيقة، كما وصفها لي من جاء ليدلني عليها في منامي. وأيقنت أن هذا كله بتدبير من الله سبحانه وتعالى.. فأخذت أجازة من عملي، ثم بدأت رحلة بحث طويلة، أجبرتني على الطواف في عدة مدن أبحث وأسأل عن رجال يلبسون ثيابا بيضاء، ويتعممون عمائم بيضاء أيضًا..
وطال بحثي وتجوالي، وكل من كنت أشاهدهم مسلمين يلبسون البنطال ويضعون على رؤوسهم الكوفيات فقط. ووصل بي تجوالي إلى مدينة ( جوهانسبرغ )، حتى أنني أتيت إلى مكتب استقبال لجنة مسلمي أفريقيا، في هذا المبنى، وسألت موظف الاستقبال عن هذه الجماعة، فظن أنني شحاذًا، ومد يده ببعض النقود فقلت له: ليس هذا أسألك. أليس لكم مكان للعبادة قريب من هنا ؟ فدلني على مسجد قريب.. فتوجهت نحوه.. فإذا بمفاجأة كانت في انتظاري فقد كان على باب المسجد رجل يلبس ثيابا بيضاء ويضع على رأسه عمامة. ففرحت، فهو من نفس النوعية التي رأيتها في منامي.. فتوجهت إليه رأسًا وأنا سعيد بما أرى ! فإذا بالرجل يبادرني قائلاً، وقبل أن أتكلم بكلمة واحدة: مرحبًا إبراهيم !!! فتعجبت وصعقت بما سمعت !! فالرجل يعرف اسمي قبل أن أعرفه بنفسي. فتابع الرجل قائلاً:
- لقد رأيتك في منامي بأنك تبحث عنا، وتريد أن تعرف الحقيقة. والحقيقة هي في الدين الذي ارتضاه الله لعباده الإسلام. فقلت له: - نعم، أنا أبحث عن الحقيقة ولقد أرشدني الرجل المنير الذي رأيته في منامي لأن أتبع جماعة تلبس مثل ما تلبس.. فهل يمكنك أن تقول لي، من ذلك الذي رأيت في منامي؟ فقال الرجل: - ذاك نبينا محمد نبي الإسلام الدين الحق، رسول الله صلى الله عليه وسلم !! ولم أصدق ماحدث لي، ولكنني انطلقت نحو الرجل أعانقه، وأقول له: - أحقًّا كان ذلك رسولكم ونبيكم، أتاني ليدلني على دين الحق ؟ قال الرجل:
- أجل. ثم أخذ الرجل يرحب بي، ويهنئني بأن هداني الله لمعرفة الحقيقة.. ثم جاء وقت صلاة الظهر. فأجلسني الرجل في آخر المسجد، وذهب ليصلي مع بقية الناس، وشاهدت المسلمين ـ وكثير منهم كان يلبس مثل الرجل ـ شاهدتهم وهم يركعون ويسجدون لله، فقلت في نفسي: ( والله إنه الدين الحق، فقد قرأت في الكتب أن الأنبياء والرسل كانوا يضعون جباههم على الأرض سجّدا لله ).
وبعد الصلاة ارتاحت نفسي واطمأنت لما رأيت وسمعت، وقلت في نفسي: ( والله لقد دلني الله سبحانه وتعالى على الدين الحق ) وناداني الرجل المسلم لأعلن إسلامي، ونطقت بالشهادتين، وأخذت أبكي بكاءً عظيمًا فرحًا بما منَّ الله عليَّ من هداية.
ثم بقيت معهم أتعلم الإسلام، ثم خرجت معهم في رحلة دعوية استمرت طويلا، فقد كانوا يجوبون البلاد طولاً وعرضًا، يدعون الناس للإسلام، وفرحت بصحبتي لهم، وتعلمت منهم الصلاة والصيام وقيام الليل والدعاء والصدق والأمانة، وتعلمت منهم بأن المسلمين أمة وضع الله عليها مسئولية تبليغ دين الله، وتعلمت كيف أكون مسلمًا داعية إلى الله، وتعلمت منهم الحكمة في الدعوة إلى الله، وتعلمت منهم الصبر والحلم والتضحية والبساطة. وبعد عدة شهور عدت لمدينتي، فإذا بأهلي وأصدقائي يبحثون عني، وعندما شاهدوني أعود إليهم باللباس الإسلامي، أنكروا عليَّ ذلك، وطلب مني المجلس الكنسي أن أعقد معهم لقاء عاجلا.
وفي ذلك اللقاء أخذوا يؤنبونني لتركي دين آبائي وعشيرتي، وقالوا لي: - لقد خدعك الهنود بدينهم وأضلوك !! فقلت لهم: - لم يخدعني ولم يضلني أحد.. فقد جاءني رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في منامي ليدلني على الحقيقة، وعلى الدين الحق. إنَّه الإسلام.. وليس دين الهنود كما تدعونه.. وإنني أدعوكم للحق وللإسلام. فبهتوا !! ثم جاءوني من باب آخر، مستخدمين أساليب الإغراء بالمال والسلطة والمنصب، فقالوا لي:
- إن الفاتيكان طلب لتقيم عندهم ستة أشهر، في انتداب مدفوع القيمة مقدمًا، مع شراء منزل جديد وسيارة جديدة لك، ومبلغ من المال لتحسين معيشتك، وترقيتك لمنصب أعلى في الكنيسة ! فرفضت كل ذلك، وقلت لهم:
- أبعد أن هداني الله تريدون أن تضلوني.. والله لن أفعل ذلك، ولو قطعت إربًا !! ثم قمت بنصحهم ودعوتهم مرة ثانية للإسلام، فأسلم اثنان من القسس، والحمد لله... فلما رأوا إصراري، سحبوا كل رتبي ومناصبي، ففرحت بذلك، بل كنت أريد أن أبتدرهم بذلك، ثم قمت وأرجعت لهم مالدي من أموال وعهدة، وتركتهم.. انتهى )))
قصة إسلام إبراهيم سيلي، والذي قصها عليَّ بمكتبي بحضور عبد الخالق ميتر سكرتير مكتب الرابطة بجنوب أفريقيا، وكذلك بحضور شخصين آخرين.. وأصبح القس سيلي الداعية إبراهيم سيلي.. المنحدر من قبائل الكوزا بجنوب أفريقيا. ودعوت القس إبراهيم. آسف !!
الداعية إبراهيم سيلي لتناول طعام الغداء بمنزلي وقمت بما ألزمني به ديني فأكرمته غاية الإكرام، ثمّ َودعني إبراهيم سيلي، فقد غادرت بعد تلك المقابلة إلى مكة المكرمة، في رحلة عمل، حيث كنا على وشك الإعداد لدورة العلوم الشرعية الأولى بمدينة كيب تاون. ثم عدت لجنوب أفريقيا لأتجه إلى مدينة كيب تاون. وبينما كنت في المكتب المعد لنا في معهد الأرقم، إذا بالداعية إبراهيم سيلي يدخل عليَّ، فعرفته، وسلمت عليه.. وسألته: - ماذا تفعل هنا يا إبراهيم !؟ قال لي: - إنني أجوب مناطق جنوب أفريقيا، أدعو إلى الله، وأنقذ أبناء جلدتي من النار وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإدخالهم في الإسلام.
وبعد أن قص علينا إبراهيم كيف أصبح همه الدعوة إلى الله ترَكَنا مغادرا نحو آفاق رحبة.. إلى ميادين الدعوة والتضحية في سبيل الله.. ولقد شاهدته وقد تغير وجهه، واخلولقت ملابسه، تعجبت منه فهو حتى لم يطلب مساعدة ! ولم يمد يده يريد دعما!... وأحسست بأن دمعة سقطت على خدي.. لتوقظ فيَّ إحساسًا غريبًا.. هذا الإحساس وذلك الشعور كأنهما يخاطباني قائلين: أنتم أناس تلعبون بالدعوة.. ألا تشاهدون هؤلاء المجاهدين في سبيل الله !؟ نعم إخواني لقد تقاعسنا، وتثاقلنا إلى الأرض، وغرتنا الحياة الدنيا.. وأمثال الداعية إبراهيم سيلي، والداعية الأسباني أحمد سعيد يضحون ويجاهدون ويكافحون من أجل تبليغ هذا الدين !!!! فيارب رحماك !!!
من مقال للدكتور / عبد العزيز أحمد سرحان، عميد كلية المعلمين بمكة المكرمة.. مع بعض التصرف...( جريدة عكاظ، السنة الحادية والأربعين، العدد 12200، الجمعة 15 شوال 1420هـ، الموافق 21 يناير 2000 م )
القلب الحزين
15-12-2013, 06:41 PM
قصة إسلام عماد المهدي الشماس السابق ـ تسجيل صوتي
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1263480998cap001.jpg
صورة للشيخ الداعية عماد المهدي يروي قصة إسلامه على قناة الناس الفضائية
نقدم إليكم التسجيل الصوتي لقصة إسلام الشيخ عماد المهدي الشماس السابق بعنوان (ثم أبصرت) قصة واقعية يرويها صاحبها، مؤثرة جداً تذرف منها الدموع نسأل الله لكم الفائدة ونشرها عبر المنتديات وفي المواقع الدعوية.
مدة التسجيل 53 دقيقة
حمل التسجيل
للتحميل على شكل ملف RM (http://www.quran-m.com/words/347_ThommaAbsarto.rm)
4 ميغا جودة متوسطة
للتحميل على شكل ملف MP3 (http://www.quran-m.com/words/347_ThommaAbsarto.mp3)
12ميغا جودة عالية
ملاحظة: حاليا الشيخ عماد المهدي لديه مجمع إسلامي في قريته بناه من ماله الخاص ويشرف عليه بنفسه وله برنامج تلفزيوني على الهواء مباشرة على قناة الحافظ الفضائية كل يوم إثنين
يمكن التواصل معه على العناوين التالية :
[email protected]
من داخل مصر :0123552410 ومن خارج مصر 0020123552410
القلب الحزين
15-12-2013, 06:42 PM
قصة إسلام الصحفية البريطانية إيفون ريدلي
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1256808817167699.jpg
الصحفية البريطانية إيفون ريدلي
وُلِدت سنة 1959م، وهي صحفية بريطانية وسياسية معروفة، عملت في أكبر الصحف البريطانية (الإندبندنت) و(الأوبزرفر) و(صانداي تايمز) و(صانداي إكسبرس)، كما أنها تُعدُّ من أنشط الصحفيين البريطانيين المتابعين للملفات الدولية عن قرب، اعتنقت الإسلام بعد رحلةٍ طويلةٍ بدأت بالعداء للإسلام وطالبان، وانتهت بالعداء للغرب والاعتذار لطالبان.
كانت البداية حين أَسَرَتْها حركة طالبان مدةَ عشرة أيام، وقال لها أحد مُعتقِليها: ادخلي الإسلام. فرفضت، فقال لها: ستقرئين القرآن. فاحتقرته، وبصقت في وجهه، ولكن بعد أن تحرَّرت أصبحت مُحبَّة للإسلام، وأسلمت في عام 2003م؛ بسبب حسن معاملة طالبان لها[1].
قصة إسلامها تحكي قصة إسلامها قائلة: "كنتُ أقوم بالتغطية الصحفية لجريدة (صانداي إكسبرس) في أفغانستان في محاولةٍ لرصد الحركات الإسلامية هناك، وتحديدًا جماعة طالبان الحاكمة، وكان ذلك قبل أحداث 11 سبتمبر، إلا أنه بعد هذه التفجيرات وتحديدًا في يوم 28 من سبتمبر 2001م تمَّ إلقاء القبض عليَّ في أفغانستان من جانب حكومة طالبان بسبب دخولي بطريقةٍ غير شرعية أو قانونية، وظللتُ رهينةَ الاعتقال مدةَ عشرة أيامٍ مُخيفة؛ حيث كنتُ أخشى أن أُقتل في أي وقت. وفي اليوم السادس فوجئت بزيارة أحد الشيوخ لي، وعرض عليَّ أن أدخل الإسلام بعد عودتي لندن، فقلتُ: إنه مستحيل.
ولكني وعدتُهم أن أقرأ عن الإسلام إنْ أطلقوا سراحي حتى تكون فرصةً لخروجي من السجن؛ لأنني كنتُ أُريد الخروج بأية طريقةٍ من تلك الأزمة، وقد نجحت بالفعل تلك الطريقة أو الخدعة إن صحَّ التعبير، وقاموا بإطلاق سراحي أنا ومَن معي، وأعطى الملا عمر أوامر بإطلاق سراحي لأسبابٍ إنسانية.
ولكن بعد عودتي قررتُ أن أُنفذ وعدي لهم؛ فقد كنت كصحفية تغطي أخبار الشرق الأوسط أدرك أنني بحاجة إلى توسيع معارفي عن دين هو - بكل وضوح - أسلوب حياة.
فتعلمتُ قراءةَ القرآن، ودرستُ الإسلامَ دراسةً أكاديمية مدةَ 30 شهرًا بعد إطلاق سراحي، لقد كنت أظن أن قراءة القرآن ستتحول إلى مجرد ممارسة أكاديمية، ولكنني شعرت بالفعل بأنني في رحلةٍ روحيةٍ، ثم اعتنقتُ الإسلام بعدها، ونطقت بالشهادتين. لقد أذهلني أن أكتشف أن القرآن قد صرَّح بوضوح بأن النساء متساويات تمامًا مع الرجال في الأمور الروحية وفي التعليم والقيمة.
وتضيف ريدلي: إن ما وهب الله للمرأة من نعمة إنجاب الأطفال وتربيتهم، هو أمر ينظر إليه المسلمون - بشكل كبير - كمنزلة رفيعة، وصفة مميزة. وإن المرأة المسلمة تقول ومِلْؤُها الفخر: إنها ربة منزل وراعية البيت. إضافةً إلى ذلك، قال النبي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم: إن ركن البيت الركين هو الأم، ثم الأم، ثم الأم. وقال أيضًا: "إن الجنة تحت أقدام الأمهات".
إن الأفضلية في الإسلام هي على أساس التقوى، وليس الجمال أو الثروة أو القوة أو المركز الاجتماعي أو الجنس. ويقول لي الإسلام: إنني أملك الحق في التعليم، وإن واجبي أن أخرج طلبًا للعلم، سواءٌ أكنت غير متزوجة أو متزوجة. وفي الشريعة الإسلامية لم يُذكَر في أي مكان أننا كنساء يتوجب علينا أن نقوم بأعمال النظافة أو غسل الملابس أو الطبخ للرجال، لكن الرجال المسلمين ليسوا هم الوحيدين الذين هم في حاجة إلى تقدير المرأة في بيوتهم".
وعن ردِّ فعل أسرتها بعد معرفتهم بإسلامها، قالت: "أنا لي أختان: واحدة عاشت أكثر من عشرين سنة جارة لأسرةٍ مسلمة؛ٍ ولهذا لم يكن سماعها للخبرِ غريبًا عليها، وتقبَّلت الأمر بشكلٍ طبيعي. أما أختي الثانية فقالت لي في سخريةٍ: أعتقدُ أنكِ قريبًا ستفجرين نفسك، وتقومين بعمليةٍ انتحارية. وبالنسبة لوالدتي فمنذ ذلك الوقت بدأت تذهب إلى الكنيسة كثيرًا للتأثير على إسلامي، وأمي بطبيعةِ الحال كانت متدينة، وهي قريبة جدًّا من الإسلام، وعندما دعوتها للإسلام قالت لي: أنا عمري 79 سنةً، ولا يمكن أن أتغير".
إسهاماتها عن عملها بعد الإسلام قالت: "بعد إسلامي تحدثتُ كثيرًا لإذاعاتٍ إسلاميةٍ باللغةِ الإنجليزية، وأكتبُ الآن مقالاتٍ للإعلامِ الغربي أيضًا، ومنها مقال عن (الحجاب) في جريدة الـ(واشنطن بوست)، وما زلتُ على علاقةٍ جيدةٍ مع أصدقاء غير مسلمين، وأعمل الآن في قناةِ الجزيرة باللغة الإنجليزية، وقد كنت أعمل فيها منذ أن كانت موقعًا على الإنترنت".
من أقولها تقول الصحفية إيفون ريدلي: "يعشق السياسيون والصحفيون الكتابة عن اضطهاد المرأة في الإسلام، من غير أن يتسنى لهم الحديث ولو لمرة إلى النساء اللاتي يرتدين الحجاب. إنهم ببساطة ليس لديهم أدنى فكرة عن الاحترام والحماية التي تنعم بها المرأة المسلمة في التشريع الإسلامي الذي نشأ منذ ما يزيد على 1400 عام. إضافةً إلى ذلك هم يظنون خَطَأً أنهم بكتاباتهم عن القضايا ذات البُعد المتصل بثقافة المجتمع، مثل: القتل من أجل الشرف، والزواج بالإكراه إنما يكتبون عن معرفة، ولقد أصابني الملل من كثرة الاستشهاد بالمملكة العربية السعودية، حيث النساء يُمنَعْنَ من قيادة السيارات كمثال على العبودية التي يرزحن تحتها. هذه القضايا ببساطة ليس لها أي صلة بالإسلام، على الرغم من استمرار هؤلاء في الكتابة والحديث عنها بأسلوب سلطوي متعجرف موجهين اللوم إلى الإسلام ظلمًا وعدوانًا. من فضلكم توقفوا عن الخلط بين العادات الثقافية وبين الإسلام"[2].
[1] الموقع الشخصي للصحفية إيفون ريدلي، www. Yvonne ridley.org [2] طريق الإسلام، http://www.islamway.com/?iw_s=Article&iw_a=view&article_id=2033
[2] http://www.islamstory.com (http://www.islamstory.com/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%A9_%D8%A7% D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8 %A9_%D8%A5%D9%8A%D9%81%D9%88%D9%86_%D8%B1%D9%8A%D8 %AF%D9%84%D9%8A)
القلب الحزين
15-12-2013, 06:43 PM
السويدي سيبستيان بلاسكو المتخصصّ في الاقتصاد الدولي يروي قصّة إسلامه ..
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/125190365301000000003.jpgعندما قررّ السويدي سيبستيان بلاسكو المتخصصّ في الإقتصاد الدولي و المتخرّج من الجامعات السويدية والأمريكية أن يروي لي قصّة إسلامه لأنقلها إلى القراء العرب و المسلمين دعوته إلى الغذاء و أعترف أنني كدت أبكي أثناء اللقاء لأمرين أولها أنني إزددت يقينا بعظمة الإسلام وقدرته على إخراج الحي ّ من الميت، خصوصا و أنني رأيت أمامي شابا سويديا أخذ من الإسلام كل عظيم و إلتزم به وحافظ على الإيجابيات المتوفرة في حضارته، كما أنني بتّ أبكي عندما قال لي أنّه عندما بدأ يهتم بالإسلام و يبحث عن الدين الإسلامي و بدأ يميل إليه قال في قرارة نفسه الإسلام لا يختلف عني و عن مسلكيتي كثيرا، فأنا أعاشر اصدقاء مسلمين معي في الحيّ والثانوية وهم يزنون مثلما أزني و يشربون الخمرة مثلما أشرب الخمرة ويذهبون للمراقص مثلما أذهب أنا أيضا إلى المراقص إذن كما قال سيبستيان إذا كان الأمر يتعلق بالشهادتين فسوف أقر بهما وأنتهى الأمر عند هذا الحدّ، و تلفظت بالشهادتين لكنني عندما تعمقّت في الدراسات الإسلامية وأدركت أن الشهادة بأن الله واحد وأنّ محمدا رسول الله وخاتم الأنبياء منهج حياة و مسلكية حضارية و إلتزام ديني أدركت كم فرطّ هؤلاء المسلمون الذين كنت أعيش بين ظهرانيهم في دينهم خصوصا بعد إجتاحتهم شهوات الغرب وأنستهم معنى الإلتزام الديني، و رغم كون سيبستيان خريج كلية الاقتصاد في جامعة لوس أنجلوس إلاّ أنّ أسواق العمل في السويد قد إضطهدته بسبب إسلامه، فقلت له في اللقاء إذا كنت سويديا وبسبب إسلامك رفضتك أسواق العمل فماذا يقول المسلمون القادمون من العالم الإسلامي والذين يراد لهم أن يعيشوا فقط من خلال المساعدات الإجتماعية عالة على الغربي الذي يدفع ضرائبه للدولة ...
درس سيبستيان بلاسكو في أرقى الجامعات السويدية و الأمريكية، وقد درس في السويد الإقتصاد الإجتماعي ثمّ أتمّ دراساته العليا في أمريكا في مجال الإقتصاد الدولي و إدارة الأعمال، وقد كان معه هذا اللقاء حول إكتشافه للإسلام ...
كسويدي وغربي كيف كانت حياتك قبل أن تتعرّف إلى الإسلام !
حياتي في السويد قبل الإسلام كانت ضائعة وبدون هدف، فقد كنت عديم الإتجّاه كالسكران الذي لا يعرف له وجهة مطلقا، لم يكن لي أدنى هدف في الحياة، لقد كنت أستسهل الذنب و أفعل كل ما يريده جسدي المادي و كل ما تمليه عليّ شهواتي، وكنت على الدوام أسترسل وراء نزواتي و شهواتي في كل السياقات المحرمة، ولم أكن أهتم بوجودي كإنسان، بل لم أكن أتساءل لماذا أنا موجود على هذه السطيحة بالأساس ..
كنت عبدا للشهوات إذن !
لقد كنت أعيش في مستنقع الذنوب والموبقات و بدل أرقى بإنسانيتي إلى الدرجات العليا فقد تدحرجت إلى أسفل سافلين في قعر الذنوب والخطايا، و الحمد للّه الذي أنقذني من براثن الذنوب و أخرجني من هذا العالم الشهواني المادي إلى عالم التوحيد و النور، فالحمد لله الذي خصنّي بهذه النعمة العظيمة أن قادني إلى الإسلام والذي بفضله أصبح لي هدف و منهج ومسلكية في الحياة، قبل إسلامي كان تصوري أو فلنقل إعتقادي أنّ الحياة التي نحياها هي حياة واحدة غير متصلة و غير ممتدة بأي حياة أخرى، و لذلك كان في تصوري السابق أن أعيش هذه الحياة المقطوعة عن أي تواصل بكل ملذاتها وشهواتها و أن أرخي العنان لشهواتي بإعتبار أنّ هذه الحياة لا تتكررّ، و بطبيعة الحال وبفضل الإسلام أدركت أنّ هذه الحياة المؤقتة متصلة بحياة أبقى وأخلد، لقد أجابني الإسلام عن كل التساؤلات التي كانت تجول في خاطري و أخرجني من دائرة الحيرة إلى دائرة الإستقرار و الطمأنينة ...
لكن كيف توصلت إلى حقيقة الإسلام !
لقد قادني إليه البحث والدراسة، و يجب أن أعترف أنّ وجود بعض المسلمين معي في أقسام الدراسة جعلني أبحث عن سرّ التمايز بيننا، و كان هذا سببا لبداية بحثي عن المداليل القرآنية و ماذا يقول القرآن الكريم، وكنت على الدوام فضوليا أن أستزيد من معرفة الإسلام، و شرعت في التعمق و البحث عن كل ما له علاقة بالإسلام، و هذه البحوث التي قرأتها هيأتني أن أستقبل الإسلام نفسيا و أشعر تلقائيا أنني متجاوب فطريا ونفسيا وعقليا مع تعاليمه فقررت أن أسلم، لكن هذا الإسلام النظري لم يقنعني بتاتا، فقد أسلمت لكن بدون أن أمارس الشعائر الدينية، فقررت أن ألتزم بالإسلام نظريا و تطبيقيا فبدأت أؤدي الصلاة وأصوم و ما زلت كذلك إلى أن أموت،
عندما إستوعبت تفاصيل العقيدة والشريعة الإسلامية، ألم يؤثرّ عليك بعض المسلمين في الغرب من الذين ينتمون إلى الإسلام شكلا ويتجافون عنه عملا وسلوكا كما قال المفكر الإسلامي الشهيد سيّد قطب ّ !
صحيح جدا، كنت على الدوام أقول لماذا يفرط المسلمون في دين رائع ومتألق وديناميكي كالإسلام، وربما بالنسبة إليّ فقد إستوعبت مبدأ انّ الإسلام شيئ و المسلمون شيئ آخر، لكن بقية الغربيين يحاولون فهم الإسلام من خلال مسلكية المسلمين في الغرب، فإذا كانت هذه المسلكية خاطئة قرن الغربيون بين الإسلام و بين هذه المسلكية الخاطئة وعدّوها من الإسلام، لكن إذا كانت مسلكية المسلمين في الغرب في إيقاع واحد مع تعاليم الإسلام الحضارية و الراقية فإنّ ذلك سيساهم في تقديم رؤية رائعة وجيدة عن الإسلام، و شخصيا ما زلت أذكر كيف أنّ رجلا مسلما أثرّ في إلى أبعد الحدود فقد كنت أرى فيه الإسلام مجسدا على الأرض.
صحيح أننّي عاشرت بعض المسلمين الذين كانوا لا يختلفون مطلقا عن السويديين في مسلكيتهم الحياتية من إستهتار بالذنوب و المعاصي، لكني وعندما بدأت أعاشر الملتزمين بدينهم أدركت كم أنّ الإسلام عظيم و كم هو جميل ورائع ومتألق أيضا، وهذه العشرة الطيبة دفعتني إلى مزيد من الإلتزام بأحكام الشريعة الإسلامية ..
و أعتقد جازما أنّ أنسب طريقة لنشر الإسلام في الغرب هي أن يعي المسلمون في الغرب أنّ إلتزامهم بالإسلام الحضاري سيعكس جمالية الإسلام و هذا من شأنه أن يدفع الغربيين لإعتناق الإسلام لأنّهم يبنون نظريتهم عن الإسلام بناءا على ما يرونه في حياة المسلمين و تصرفاتهم في الغرب وليس بناءا على ما يقرؤونه ..
جوابك هذا يقودني إلى سؤالك عن مستقبل الإسلام في الغرب، و كيف ترى هذا المستقبل !
المستقبل لهذا الدين الإسلامي و أتصور أن مستقبل الإسلام في الغرب و في العالم مشرق للغاية، إنّ كل الإحصاءات والدراسات في الغرب والتي إضطلعّت بها مؤسسات ضليعة في البحث و الإستقصاء تبيّن أنّ الإسلام هو من أكثر الديانات نموا وإنتشارا في أوروبا و غيرها و أنّ نموه و إنتشاره سريع للغاية، وفي نظري فإنّ تقويم مسلكية بعض المسلمين في الغرب سيساهم في نشر الإسلام الصحيح ...
كما أن تقديم الإسلام بشكل حضاري و بالصياغة التي يستوعبه العقل الغربي من شأنه أن يسرّع في أن يصبح الإسلام سيدّ المعادلة في الغرب ...
كيف كانت ردّات فعل عائلتك و أقربائك عندما أصبحت مسلما ملتزما !
في الواقع أن عائلتي إستقبلت إسلامي بإيجابية كبيرة، ولم أجد رد فعل معاكس من قبلهم، نعم كانوا يطرحون عليّ أسئلة في هذا السياق عن الإسلام و ثقافته و أنا كنت أجيب على الدوام وأحاول إيصال الفكرة الصحيحة إليهم، و أنا أحمد الله كون أهلي إستقبلوا إسلامي برحابة صدر، ودعني أقول لك أنّ هناك أسرا إسلامية في الغرب لا تريد لبنيها أن تلتزم بالإسلام وهم يرفضون جملة وتفصيلا أن يكون أحد أعضاء الأسرة ملتزما كلية بالإسلام ...
وماذا عن إضطهاد المرأة المسلمة في فرنسا وحرمانها من إرتداء حجابها !
هذا أمر غير مقبول بتاتا، وقد أتفهم أن تقوم مجموعة بشرية متسلطة بحظر أفكار معينة أو تعاقب تيارات فكرية بعينها لكن أن يصل الأمر إلى حظر تعاليم السماء وعدم السماح للمسلم بأداء فرائضه ومناسكه، فهذا ظلم لا يعادله ظلم ..فلا يجوز مطلقا حرمان مؤمن من ممارسة معتقده ..
و في السياق ذاته كيف ترى ما قامت به جريدة يولاند بوستن الدانماركية التي إستهانت بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام !
قمة السخافة، و أوج الإستهتار بالمقدسات، فالجريدة و رسوماتها ساقطة لا محالة .
ما هي الآليات المثلى لنشر الإسلام في الغرب !
المسلمون في الغرب أقليّة، يجب أن تنظّم هذه الأقلية نفسها، من خلال أن يرقى المسلمون إلى مستوى دينهم و أن يتعاطوا جديا مع دينهم و أن لا يدعوه وراءهم دهريا، فيجب أن يجعلوا القرآن أمامهم وخلفهم وعلى جوانبهم، و أينما داروا يجب أن تكون وجهتهم الإسلام، وهذا الإرتقاء إلى مستوى الإسلام سيشكّل أفضل وسيلة لنشر الإسلام بإذنه تعالى في الغرب ..
و يجب على المسلمين في الغرب أن يفكروا في تملك وسائل الإعلام من إذاعات وتلفزيونات وجرائد لأنّ ذلك سيسهم في تقديم صورة ناصعة عن الإسلام، عكس الصورة التي يحرص بعض الناس تقديمها عن الإسلام، و تملك المسلمين لوسائل الإعلام في الغرب أمر متاح ومباح في نفس الوقت .. وللإشارة فإنّ الغربيين لديهم فضول كبير لمعرفة الإسلام، و أنا شخصيا قبل إسلامي لم تكن لديّ تلك المعلومات الكافية عن الإسلام، ربما معلومات عامة، فلو كان للمسلمين وسائل إعلامية في الغرب ربما لأمكنني أن أصبح مسلما باكرا ..
ومثلما سيؤثّر إلتزام المسلمين في الغرب بإسلام على الغربيين و يجعلهم يبقلون على هذا الإسلام، فكذلك الأمر بالنسبة للمسلمين في العالم الإسلامي الذين يجب أن يتركوا الإختلافات المذهبية و التقاتل و التخاصم و الصراعات الدائمة المذهبية و السياسية، لأنّ وحدتهم و قوتهم ستجعل الغربيين لا يتسهينون بالإسلام و أمة الإسلام . وقد تخصصّ الإعلام الغربي في ملاحقة مثالب المسلمين و نقائصهم و صراعاتهم و يضخمها ليحرّف الرأي العام في الغرب ويقدم الإسلام على أساس أنّه قرين للتخلف و الديكتاتورية و الفقر والأمراض وما إلى ذلك ...
بإعتبارك غربيا وسويديا، كيف أصبحت ترى هذا الغرب عندما أصبحت مسلما ملتزما !
في كل حضارة يوجد مساوئ ومحاسن، وربما سأحتاج إلى وقت طويل لإحصاء كل ذلك، غير أنّ الإفراط في المادية و الإبتعاد عن الروح أدى إلى إنكسار كبير في الحضارة الغربية، ولأجل ذلك بدأ الغربيون المسيحيون يقبلون على الإسلام لأنّه دين المستقبل من جهة ولأنّه أجاب عن كل التساؤلات الوجودية المعقدة والمحيرة و رسم نهجا ساميا للحياة ..
وبصياغة غربية بسيطة فإنّ الإسلام هو دين العقل والمنطق، و العقل البشري عندما يتجرد عن الإيديولوجيا يكتشف تلقائيا عظمة الإسلام ...
وأنت شخصيا ماذا أعطاك الإسلام !
لقد أعطاني الله بالإسلام ذلك الشيئ الذي كنت أفتقده في حياتي و كنت أتمناه على الدوام، لقد عرفت من أنا و إلى أين وكيف ولماذا وما إلى ذلك من التساؤلات، لقد أرجعنى الإسلام إلى إنسانيتي و فطرتي و روحي ونفسي، لقد أدركت بالإسلام سرّ الحياة و سرّ الوجود وسرّ الممات و بعد الممات، وبعد أن كنت عبثيا شهوانيا إسترجعت هويتي الإنسانية بفضل الإسلام ..
لقد أعطاني الإسلام منهج حياة و أستطيع أن أقول أنا مسلم إذن أنا موجود، فقبل الإسلام كنت عدما لم أكن شيئا مذكورا ..والحمد لله ربّ العالمين الذي هداني إلى خطّ الإسلام .
شكرا لك سيبستيان على هذا الحوار الشيق و أتمنى أت تصل كلماتك هذه إلى المسلمين كافة في القارات الخمس ووفقك الله تعالى .
***** حاوره: الكاتب والمفكر يحي أبوزكريا
[email protected]
المصدر: نقلا عن موقع الجزائر تايمز
http://www.algeriatimes.net/news/algernews.cfm?ID=1778
القلب الحزين
15-12-2013, 06:43 PM
غوته ... والإسلام
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1249774688goethe.jpg
لوحة زيتية قديمة للأديب الألماني جوته
أ.د./ ناصر أحمد سنه.. كاتب وأكاديمي من مصر.
وسط مواقف وأحداث ونظريات تتشح بوشاح إستعلائي/ عنصري/ إقصائي/ تصادمي .. تبقي الحاجة ماسة، والسعي متواصلاً لتسليط الأضواء علي كل ما من شأنه البحث عن "الجوهر" والمشترك الإنساني، فيقرب الرؤي، ويثري المثاقفة المتبادلة، ويُفّعل المشترك، ويجسر جسور التعارف والتسامح والتعايش والتعاون، و"يلتقي الغرب والشرق"، فتسود المعرفة المُنصفة، ويعلو الحوار الفعّال، علي الخنجر القتّال.
بات المنصفون يعولون كثيراً علي مدي "اعتراف" الغرب ـ في دراساته الأدبية المقارنة ـ بوجود "المثاقفة المعكوسة"(1)، والتي تقدر عالياً إسهامات الفكر العربي الإسلامي في مسيرة نظيره الأوروبي، ولاسيما تأثيره في أعلامه الكبار، وشخوصه الأفذاذ (2). وجاء كتابها "جوته والعالم العربي"(3) والذي ذكرت فيه مستوي الإلهام الكبير الذي استوحاه هذا الأديب العبقري من الثقافة العربية الإسلامية، ومقدار ما للعالم العربي من فضل على واحد من أعظم شعراء أوروبا ومفكريها إيماناً بقيم التعارف والتسامح والتعايش والتعاون والأخوة الإنسانية. ومن ثم نشرت "كاتارينا مومزن" أستاذة الأدب الألماني بجامعة استانفورد بالولايات المتحدة الأمريكية، والإختصاصية في تراث شاعر ألمانيا الكبير "يوهان فولفجانج جوته" (1749 ـ 1832م) دراسة حديثة (4) تزامنت مع الإحتفال بفعاليات معرض فرانكفورت الدولي للكتاب. أعادت الباحثة التأكيد على "إعجاب "جوته" بالثقافة العربية وإبداعاتها، و"تقديره المُدهش" للإسلام ورموزه، مما أثار جدلاً قديماً / حديثاً حول علاقة الشاعر الكبير بالإسلام؟.
ضمن أسرة ألمانية بفرانكفورت الواقعة على نهر الماين، وفي 28/8/ 1749م ولد ''يوهان فولفجانج جوته' Johann Wolfgang von Goethe، والذي يعد رابع عظماء الشعر والأدب الغربي، بعد الإغريقي ''هوميروس''، والإيطالي ''دانتي''، والبريطاني ''شكسبير''. تدرج في مراحل التعليم حتى درس المحاماة، إلا أن ميوله العارمة كانت للشعر والأدب. فتبحر "جوته" في دراسة علوم وفنون كالرياضة والنبات والطب والهندسة والسياسة والرسم والشعر والموسيقى والتصوير. وعكف على تعلم لغات كاللاتينية، واليونانية، والإيطالية، والفرنسية، والإنجليزية والعبرية. كما سعى للغوص متعرفاًُ على ثقافات وآداب أخرى، كالأدب الصيني والفارسي والعربي، فضلاً عن تعمقه في الفكر والثقافة الإسلامية. مما أهله كي يكون "شاعراً فذاً" متمكناً واسع الثقافة(5). يوهان فولفجانج جوته ولقد ترك "جوته" إرثاً أدبيا وثقافياً وإبداعياً ضخماً، وتنوع ما بين الشعر والرواية والقصيدة والمسرحية. فمن مؤلفاته: ألام الشاب فرتر، والمتواطئون، وجوتس فون برليخنجن ذو اليد الحديدية، وكلافيجو، وايجمونت، وشتيلا، وإفيجينا في تاورس، وتوركواتو تاسو، ومن قصائده بروميتيوس، فاوست "ملحمة شعرية من جزأين"، والمرثيات الرومانية، وسيرة ذاتية بعنوان من حياتي، والشعر والحقيقة، والرحلة الإيطالية، والأنساب المختارة. هذا بالإضافة للعديد من المؤلفات الأخرى. ونظراً "لرمزيته"، ومكانته الأدبية تلك تم إطلاق اسمه على أشهر معهد لنشر الثقافة الألمانية في العالم "معهد جوته'.'
"فتنته" باللغة العربية، وأشعارها، ومعلقاتها، وأدبها
أبدي "جوته" "إنبهاره وتأثره" بروعة اللغة والعربية، يقول عنها:"ربما لم يحدث في أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية، وانه تناسق غريب في ظل جسد واحد". فإنفتح علي إبداعات الشعر العربي "ديوان العرب"، حيث"تعلق" كثيراً بالمعلقات:"إنها كنوز طاغية الجمال.. ظهرت قبل الرسالة المُحمدية، مما يعطي الانطباع بأن القريشيين كانوا أصحاب ثقافة عالية، وهم القبيلة التي خرج منها النبي محمد". كما قرا لكثير من شعراء الجاهلية مثل امرئ القيس، طرفة بن العبد، زهير بن أبي سلمى، عنتره بن شداد وأيضًا عمرو بن كلثوم. ووقف ملياً أمام ما بث في ثنايا شعرنا العربي من قيم، وبخاصة العزة والكرامة والحرية والشجاعة والشرف الخ. كما قرأ جوته أيضًا لبعض الشعراء المسلمين فيذكر في قصائد "الديوان" أسماء: "جميل بثينة"، و"مجنون ليلى "، و"المتنبي"(6). لم يكتف "جوته" بالقراءة في الشعر العربي، بل قرأ أيضًا في النحو والصرف. فقد كانت روحه متعطشة للعلم والمعرفة، حتى أنه توجد مخطوطات حاول فيها "جوته" محاكاة وتقليد الخط العربي، وجمالياته.
"إن القرين بالمقارن يقتدي"
كان "يوهان جوتفريد هيردر"(1744- 1803م) الفيلسوف اللغوي والمستشرق الألماني العظيم شخصية فذة، منصفة ومحايدة. وهو أول من أرشد "جوته" للإطلاع على الشعر العربي والقرآن الكريم. وكان يحمل رؤى غير منحازة ـ مفادها: أن اللغة أساس هام لاحترام الفروق الثقافية بين الحضارات، مع أهمية البحث عن المهم "الجوهر الإنساني" لدي الشعوب, كما جسده "هوميروس" في ملاحمه الخالد. ولقد فتح عيون الأدباء الألمان على "العبقرية الدرامية" لشكسبير. كما كان من أكبر الأدباء المنصفين للإسلام وهو ما أوضحه من خلال كتابه " أفكار حول فلسفة تاريخ الإنسان"(1791م)، وقام فيه بالإطراء على شخص الرسول الكريم "محمد" صلى الله عليه وسلم، و"حماسته لعقيدة التوحيد"، كما أوضح إعجابه بتعاليم الدين الإسلامي. ولقد أثر هذا "المعلم"، وأفكاره في نفس "جوته" تأثيرا بالغاً وعميقاً. قام "جوته"ـ بمساعدة "هيردر"ـ بترجمة كثيراً من الأشعار العربية والمعلقات إلى الألمانية، وذلك مروراً بترجمات لاتينية وإنجليزية (وكانت المعلقات العربية قد ترجمها لأول مرة "وليم جونز" (1746-1794م)، وفي عام 1783 صدرت بالحرف العربي المطبوع باللاتينية، مرفقة بترجمة "جونز"، مما حدا بجوته إلى ترجمتها إلى الألمانية).
يقول "جوته" في رسالة لأحد أصدقائه "كارل فون كنيبل" (1744-1834م):"وهذه القصائد في جملتها تدعو للدهشة والاستغراب، كما أنها تشتمل على مقاطع بعضها محبب إلى النفس. ولقد قررنا تقديمها للمجتمع مترجمة، ومن ثم فسوف تطلع أنت أيضاً عليها". ومن القصائد التي حاول ترجمتها، معلقة "امرئ القيس"، وهذه بعض أبياتها الأصلية، وترجمة عربية لما قام به "جوته": 1- قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل. قفا ودعونا نبك هنا في موضوع الذكريات ، فهناك بمنقطع الرمل المعوج، كانت خيمتها وقد أحاطت بها خيام القوم. 2- فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوب وشمأل. لم يعف رسمها بعد تماماً بالرغم مما نسجته عليها ريح الشمال وريح الجنوب من رمال متطايرة. 3 - وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهم يقولون لا تهلك أسىً وتجمل. ووقف صاحباي رابطي الجأش يعللانني قائلين لا تهلك من شدة الجزع وتجمل بالصبر. 4- وإن شفائي عبرة مهراقة فهل عند رسم دارس من مُعول فقلت: إن شفائي من الدموع وحدها، لكنهم ردوا علي قائلين: وهل ينفع سفح الدموع علي رسم دارس؟ (7).
"سحر الليالي"
بعدما قام بترجمتها المستشرق الفرنسي "أنطوان جالان" (1646 ـ 1715م)، كان لحكايات "ألف ليلة وليلة" وقعها الخاص على المجتمعات الأوروبية، وشعرائها وأدبائها، ومنهم "جوته". فكانت "ألف ليلة وليلة كتاب الحياة لجوته.. كثيراً ما يلجأ إليه، مُتلَمساً فيه العبق العربي الأصيل المُتمثل في العالم الطبيعي غير المُتجسد، بكل ما فيه من بساطة ورشاقة ووضوح". تأثر جوته بشخصية المرأة الشرقية المتمثلة في "شهرزاد" تأثر بلباقتها وفطنتها: "أي حظ هذا الذي قادك إلي هنا، مباشرة من ألف ليلة وليلة؟، لو أستطعت أن تتشبه بشهر زاد في خصوبة عطاياها، لوعدتك وعدا صادقا بأسمي الهدايا. تأهب علي ادوام (لتسليتي)، فما أكثر ما تبتليني أيام دنياكم بأعظم الكروب والمنغصات" (8).
وجذبته فكرة الراوي العربي المُربي؛ والعرب المغامرون، وبهرته مدينة بغداد بثقافتها وعلمها وأدبها، وولع بها فقام بمساواتها بمدينة "فايمر" الألمانية في "الديوان". كتب في وصيته:"بمجرد أن تأتي بالترياق من بغداد، ينتقل المريض من حال إلى حال". ولقد ضم "الديوان الغربي الشرقي" / "الديوان الشرقي للشاعر الغربي" الذي نشره "جوته" عام 1819م، وقدم لترجمته العربية د. "عبدالغفار مكاوي"(9)، الكثير من الصور المجسدة، عن حياة العرب والمسلمين، والاستشهاد بأقوال وأوصاف ونماذج من القرآن الكريم، والشعر الجاهلي والإسلامي، حتى أن "هيغل"، اعتبر هذا الديوان تحولاً للشاعر إلى الشعر الفلسفي. كما استخدم الأسلوب القصصي متأثراً بـ"ألف ليلة وليلة". كما أن في الفصل الأول من القسم الثاني من "فاوست"، يوجد كذلك الكثير من المؤثرات التي تعود أصولها إلى "ألف ليلة وليلة". ولم يظهر فيه الأثر العربي فقط على شعر جوته وإنما ظهر فيه أيضًا الكثير من التشبيهات والكلمات العربية والغريبة، وأيضًا الكثير من القرآن لغة ومضمونًا. ولقد ألحق "جوته" بالديوان فصلاً ضخمًا يتضمن معلومات شارحة لموضوعاته ومعلومات عن الشعر الفارسي والعربي حتى يستطيع القارئ الألماني فهم هذا العمل.
والأكثر دليلاً على ذلك استخدام جوته لكلمة (ديوان) وهي كلمة عربية ذات أصل فارسي وغير شائعة الاستخدام في اللغة الألمانية مما يؤكد رغبته في إضفاء الروح العربية على هذا العمل. وكانت قد ظهرت أولى طبعات الديوان عام 1819م وقسمة "جوته" إلى أثنى عشر سفرًا: الشادي ، حافظ ، الحب ، التأمل ، الحزن ، الحكم ، تيمور ، زليخة ، الساقي، الأمثال، الفارسي ، والفردوس. كما أطلع "جوته" علي أعمال شعراء فارسيين منهم: الفردوسي، جلال الدين الرومي وأيضًا السعدي, وكان قد تعرف على الشاعر الفارسي "حافظ الشيرازى" من خلال الترجمة الألمانية لبعض قصائده والتي قام بها المستشرق "هامر بورغشتال"، فقال مادحاً ومعجباً بـ"حافظ"، ومرددا بكثرة أسمه في أشعاره (10): فلتكن الكلمة هي العروس، ولتكن الروح هي العريس من ينشد في مدح حافظ ، فقد شهد هذا العرس. ويقول عنه: أي حافظ ! إن أغانيك لتبعث السلوى… وإنه ليحلو لي، أي حافظي الأقدس، أن أحيي ذكراك، عند الينابيع، وفي حانات الصهباء."
"جوته"، والإسلام:"
وإذا الإسلام كان معناه أن لله التسليم، فإننا أجمعين نحيا ونموت مسلمين". لعل اهتمام "جوته" البالغ بالإسلام والقرآن الكريم، وبسيرة الرسول صلي الله عليه وسلم (569-632م) "ظاهرة من أكثر الظواهر مدعاة للدهشة في حياة الشاعر" (11). فقد وصف القرآن بأنه "كتاب الكتب.. أيها القرآن الكريم، أيتها الطمأنينة الخالدة"، وكانت معرفته به ـ بعد الكتاب المقدس ـ من أوثق معارفه. وتراه يعلن علي الملأ في سن السبعين عن تفكيره: "في الاحتفال، في خشوع، بتلك الليلة المقدسة التي نزل فيها القرآن الكريم (ليلة القدر)". وهو يصف الرسول ـ كونه هادياً للبشرـ بأنه "النهر العظيم الذي يتدفق رفيقا هادئا، يجري معه الجداول والسواقي في طريقه إلي البحر". كما تضمنت "تراجيديا محمد" ثناءً ومديحاً عظيمين ـ لم يسبق ـ بحسب كاتارينا (12) ـ لشاعر ألماني في أي عصر من العصور أن قدمها لنبي الإسلام". بل إن الدهشة لتزداد عندما نقرأ العبارة التي كتبها في إعلانه عن صدور "الديوان الشرقي" (1814-1820)، وقال فيها إنه: "لا يكره أن يقال عنه إنه مسلم"(13)، وإنه وإن بلغ السابعة والسبعين من عمره، لم يتراخَ إعجابه بالإسلام أبداً، بل كان يتعاظم ويشتد رسوخه" (14). بدأت علاقة "جوته" القوية بمعاني وروح القرآن الكريم، من خلال لقائه مع "هيردر" بمدينة ستراسبورج شتاء عام 1770م/1771م. ولقد قام "جوته" بالغوص في مؤلفات صدرت عن الإسلام.. عقيدة وشريعة وتاريخاً وسيراً، قام بها مستشرقون ومفكرون غربيون منها: "الترجمة الألمانية لمعاني للقرآن الكريم" التي أنجزها "ديفيد فريدريش ميجيرلين" عام 1771م، (وكان له عليها ملاحظات وتحفظات)، و"المعجم التاريخي" لـ"بيير بايل"، و"المكتبة الشرقية" لـ"بارتيليمي داربيلو"، و"الديانة المحمدية" للمستشرق الهولندي "هارديان ريلاند"، و"حياة محمد" الذي نشر بعد وفاة صاحبه "هنري كونت بولنفيلييه"، و"كنوز الشرق" "للمستشرق النمساوي "يوسف فون هايمر"(15). وكان احتكاكه بالمسلمين أمراً أضاف إلى رصيد محبته للقرآن. فتعرفه على مجموعة من الضباط البشكيك المسلمين، الذين قدموا إلى فايمر في ديسمبر 1813م من ضمن الجيش الروسي المتحالف آنذاك مع ألمانيا، ضاعف من حبه لما قرأه،، حيث وصفهم قائلاً: "لديهم هيبة خاصة"؛ و"هم ضيوف أحباء".
تأثره البالغ بالقرآن الكريم
لاحظت الباحثة "كاتارينا" انتصاف مقاطع "جوته" الشعرية ما بين الاقتباس القرآني، وما بين كلامه هو؛ وهو ما ظهر جلياً في "ديوان الغرب والشرق"Westlisher Divan. ومن أكثر ما تأثر به "جوته" "الدعاء" في الآيات الكريمات:"قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي"(طه:25-28).
وكان "جوته" في كثير من مؤلفاته يدون بخط يده آيات كريمات تشير صراحة إلى النبي محمد، مثل قوله تعالى :"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ"(آل عمران: 144). ولقد أورد بعض أسماء الله الحسني في الديوان الشرقي. ومن أكثر ما لفت انتباه "جوته" جوهر الإسلام وحقيقته بـ "الاستسلام" لله تعالي، وعقيدة التوحيد. تلك العقيدة التي تدعو إلى الانقياد لله الواحد، ومن ثم تدعو إلى "تحرر" الإنسان من كل صنوف العبودية الدنيوية، فنراه "يتفاعل وينفعل" بقصة "إبراهيم عليه السلام" في بحثه ـ بين النجوم والأقمارـ عن "خالق هذا الكون" الجدير بالعبادة، إلى أن يصل إلى حقيقة التوحيد، كما وردت في الايات (75-79) من سورة الأنعام:"وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ". يقول "جوته": ارتفع أيها القلب العامر بالحب إلى خالقك، كن أنت مولاي، كن إلهي أنت يا من تحب الخلق أجمعين. يا من خلقتني، وخلقت الشمس والقمر، والنجوم والأرض والسماء. ومتأثراً بقول الله تعالي :"بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"(البقرة:112)، يستلهم ذلك المعني في (الديوان) فيقول: يا لحماقة البشر عندما ، يصر كل منا على رأيه. وإذا الإسلام كان معناه أن لله التسليم، فإننا أجمعين نحيا ونموت مسلمين"(16). وثمة تأثير للآيتين الكريمتين، من سورة البقرة، فنراه يستلهم الآية:"وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"(البقرة: 115)، والثانية: "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(البقرة:142)، فيقول الشاعر: "لله المشرق، لله المغرب، والأرض شمالاً ، والأرض جنوباً تسكن آمنة مستقرة بين يديه"(17).
وتطبيقاً لهذا "الإستسلام للمشيئة الإلهية"، و"انبهارا" بأسس التربية الإسلامية التي تمزج بين الشجاعة وبين هذا الاستسلام للمشيئة الإلهية، فقد استقبال موت صديقه "كارل أوجوست"، ومرض أخته غير الشقيقة بالرضا والهدوء. ولا غرابة أن تجد في القصيدة التي استهل بها ديوانه الشرقي عامة، ومقطوعة "كتاب المغنّي" خاصة، وعنوانها "هجرة"، إعرابه عن رغبته في أن (يهاجر كما هاجر النبي محمد من مكة إلى المدينة عام 622 م). ففي المقطع الأول من هذه القصيدة يهاجر/ يتواجد فكرياً في مكان آخر بعيداً عن هذه البيئة المدمرة المغني (الذي ليس في حقيقة أمره سوى الشاعر نفسه) إلى "الشرق الطاهر الصافي": "إلى هناك،حيث الطهر والحق والصفاء. أود أن أقود الأجناس البشرية، وأنفذ بها في أعماق الأصل السحيق. حيث كانت تتلقى من لدن الرب، وحي السماء بلغة الأرض". ويقول أيضاً: "الشمال والجنوب أقطارها تتصدع وعروضها تزول، وممالكها تنار، فلتهاجر إذن أنت إلى المشرق الطهور الصافي، كي تستروح نسيم الآباء الأولين، هناك حيث الحبُ والشرب والغناء، سيعيدك ينبوع الخضر شاباً من جديد، إلى هنالك ، حيث الطهرُ والحق والصفاء". فجوته، يحس بغرابة الواقع الذي يعيش فيه، وبأنه هو نفسه، غريب، وكأنه يريد أن يشبه نفسه بالفتية "أصحاب الكهف":" وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا، وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا" (الكهف:17-18)، حين عادت إليهم الحياة، فالغرب مضطرب، ولا مفر من الهجرة إلى الشرق منبع الحب والطهر والحق والصفاء، ولا بد من الهرب، من الجحيم إلى الجنة. كما تستحضر النظرة الحالمة إلى الشرق، التي صورتها حكايات "ألف ليلة وليلة".
إعجابه وتأثره بالرسول مُحمد صلي الله عليه وسلم
أبدي "جوته" إعجابا فائقاُ بالرسول مُحمد صلي الله عليه وسلم، لكونه مزج بين عدة أمور: أسس الدين الإسلامي، ورفع مبدأ التوحيد عالياً، وربي البشر.. إيمانياً وروحياً وحياتياً، واستخدم في توصيل رسالته ودعوته وسائل كفاح دنيوية،وجاء بأفكار جديدة لنشر روح المساواة والإخاء في العالم". لذا فقد نظر إليه "جوته" كـ "نموذجاً حياً للإنسان المكافح المُصابر الذي تعامل مع الدنيا وليس مع السماء فقط". فمن بين ما قرأ جوته عن النبي كتاب أولسنر Olsner عن السيرة النبوية، فنظم قصيدة تحت عنوان "تحدي الأنبياء" تستلهم فقرات من ذاك الكتاب عن المضايقات التي عاناها الرسول الكريم من مشركي قريش، وتتمثل معنى الآية الكريمة: "مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ" (الحج: 15)، وقد ظن جوته- ربما نتيجة الترجمة- أنها حديث، فقال: النبي يقول: "إذا اغتاظ أحد من أن الله قد شاء، أن ينعم على محمد بالرعاية والهناء. فليثبت حبلا غليظا بأقوى عارضة في قاعة بيته، وليربط نفسه فيه، فسوف يحمله ويكفيه.
ويشعر بأن غيظه قد ذهب ولن يعود". وهو يستهل الشاعر مسرحيته الشعرية "تراجيديا محمد" (في فصلين: الأول عن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، أما الثاني فصور معاناة الرسول أثناء تبليغه الرسالة وما لاقاه من المشركين) بمنظر للنبي وهو يقف تحت قبة السماء المرصعة بالنجوم قائلا: "ليس بمقدوري أن أفضي إليكم بهذا الإحساس، ليس في مقدوري أن أشعركم بهذا الشعور. من يصيخ السمع لضراعتي؟. من ينظر للعين المبتهلة؟". كان النبي مُحمد من الشخصيات المحورية التي أوردها "جوته" في "ديوان الغرب والشرق". وكانت أغنيته "بعثة مُحمد" من الأغاني المهمة التي كتبها قبل موته، ومن ثم لم يستطع إصدارها. إلا أنه تم العثور عليها بعد 88 عاماً من وفاته، على يد "رايندرماريا رايكليه" التي أخرجتها إلى النور في عام 1907م. يقول في أبيات "بعثة محمد": "حينما كان يتأمل في الملكوت، جاءه الملاك على عجل. جاء مباشرة بصوت عالٍ ومعه النور. اضطرب الذي كان يعمل تاجراً، فهو لم يقرأ من قبل – وقراءة كلمة تعني الكثير بالنسبة له. لكن الملاك أشار إليه، وأمره بقراءة ما هو مكتوب. ولم يبال وأمره ثانية: اقرأ، فقرأ، لدرجة أن الملاك انحنى، واستطاع القراءة، واستمع الأمر وبدأ طريقه". ونري "جوته" يعرب عن إعجابه الشديد بصفة "الأمية" في شخص الرسول الكريم، معتبرا إياها معجزة ناطقة، فاهتم كثيرا بالآية الكريمة:" وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ"(العنكبوت: 48). نراه يستلهم قوله تعالى: "وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ" (العنكبوت:50)، والآية: "وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ" (الرعد:7)، ليقول: "لستُ قادرا على تحقيق المعجزات، هكذا قال النبي. إن أعظم معجزة هي أنني موجود". وفي "نشيد محمد" يعبر "جوته" عن مدى الإحترام الذي يكنه لشخصية الرسول، فتصوره القصيدة : كنهر بدأ يتدفق رقيقا هادئا، ثم لا يلبث أن يجيش بشكل مطرد، فيتحول في عنفوانه إلى سيل عارم يجذب إليه جميع الجداول والأنهار المجاورة. وتصور اتساع هذا النهر وتعاظم قوته الروحية في زحفها الظاهر الرائع لتصب أخيرا في بحر المحيط، "بحر الألوهية العظيم". وذلك في شكل حوار بين "علي"، و"فاطمة" رضي الله عنهما يبدأ كالتالي: - علي: انظروا إلى السيل العارم القوي، قد انحدر من الجبل الشامخ العلي، أبلج متألقا كأنه الكوكب الدريّ. - فاطمة: لقد أرضعته من وراء السحاب ملائكة الخير في مهده بين الصخور والأدغال. - علي: وإنه لينهمر من السحاب مندفعا في عنفوان الشباب، ولا يزال في انحداره علي جلاميد الصخر، يتنزي فائرا، متوثبا نحو السماء، مهللا تهليل الفرح. - فاطمة: جارفا في طريقه الحصى المجزع الغثاء الأحوى. - (وينتهي الحوار) علي وفاطمة (في صوت واحد): خذنا معك! خذنا معك! (18).
تبجيله آل الرسول وصحبه رضي الله عنهم.
جاء في قصيدة "نساء مصطفيات" تفضيل لأربع نساء من نساء العالمين: زليخا زوجة العزيز، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة الزهراء بنت محمد، يقول بعد أن ذكر الأوليين: "... وزوجة محمد التي أفاضت عليه الحنان وأعانته على تحقيق أروع الأمجاد. وبعدهن تأتي فاطمة الزهراء، الابنة الطاهرة والزوجة المصون، ذات الروح النقية كملائكة السماء". أما في قصيدته الطويلة "رجال مؤهلون"(19)، فإنه يقر فيها بعظمة الصحابة (رضي الله عنهم)، وأنهم أهل لأعلى عليين: " بعد معركة بدر تحت السماء المرصعة بالنجوم (محمد يتكلم): "ليندب الأعداء قتلاهم، فإنهم من الهالكين. يرقدون بلا عودة ، أما الشهداء من إخواننا فلا تندبوهم. فإنهم أحياء في أعلى عليين. وهم أولاء يقرعون أبواب الجنة، يدخلونها بسلام آمنين..". و يصفً حوريات الجنة (الحور العين): "وتهب الآن رياح لطيفة من الشرق، يقودها حوريات الجنة، تجد المتعة في النظر إليهن، بالطبع النظرة إليهن كافية"(20). عرف عن "جوته" ميله نحو التصوف. والتصوُّف في نظره يجمع بين الشِّعر والفلسفة لأنه يتصدّى في الوقت نفسه لأسرار الطبيعة وأسرار العقل معاً. ومن أقوال جوته في المختارات النثرية ما يأتي: الشِّعر يدلُّ على أسرار الطبيعة، ويحاول حلها عن طريق الكلمة، أما التصوُّف فيدل على أسرار الطبيعة وأسرار العقل، ويحاول حلها عن طريق الكلمة والصورة. وفي قصيدة تحمل عنوان ''حوار'' يدعو إلى التأمُّل في الطبيعة على هذا النحو: "عليكم في تأمُّلكم للطبيعة، أن تعتبروا الواحد ككل. فلا شيء في الداخل، ولا شيء في الخارج. ما في الداخل هو في الخارج. هكذا تدركون دون تأخير الأسرار المقدَّسة بوضوح ولتبتهجوا بالضوء الحقيقي واللعب الجاد، فلا حي يُعد واحداً كل واحدٌ يُعد كثرة". وفي قصيدة (حيوانات محظوظة في "كتاب الفردوس") يرى أن بعض الحيوانات سعيدة الحظ ستدخل الجنة، ومنها حمار المسيح عليه السلام، وكلب أهل الكهف، وناقة محمد ، وقطة أبي هريرة(رضي الله عنه)، لا لشيء إلا لأن النبي الكريم قد مسح بلطف على رأسها كما يروي ذلك المخيال الشعبي: "وها هي ذي هرة أبي هريرة، تموء حول سيدها وتلاطفه: إذ سيبقى حيواناً مقدساً على الدوام، ذلك الذي مسح عليه النبي عليه السلام" (21). وفي سفر "زليخة" وهو أضخم الاسفار في الديوان نجد العديد من الكلمات العربية مثل: الهدهد والبلبل ويكتبها "جوته" على صورتها العربية فيقول مثلاً: "أسرع، يا هدهد، أسرع إلى الحبيبة، وبشرها بأني، دائمًا لها وأبدًا، ألم تكن في الأيام الخوالي، رسول غرام بين سليمان الحكيم وملكة سبأ؟"(22).
ووحيداً بعد موت زوجته وولده.. توفي "جوته" في 22 مارس 1832م، ودفن في "فايمر"، وكتب على شاهد قبره: "وعلى شاهد قبرك سيقرأ الناس: إنك كنت بحق إنساناً".
هل كان جوته مسلماً؟.
بعد حوالي 177 عاماً على وفاة "جوته"، مازل الجدل مستمراً، والخلاف محتدماً حول "علاقة جوته بالإسلام ً، وهل كان جوته مسلماً؟. سؤال ظل حائراً شاغلاً لبال الكثيرين؟. سؤال يستند علي هذا الشغف والتعاطف والإحترام الكبير الذي كنه "جوته" للإسلام وشريعته، والقرآن الكريم وبلاغته، وتماهيه مع لغته الآسرة، وإحترامه للرسول "محمد" صلي الله عليه وسلم وهدايته، وللعربية وآدابها، وإيمانه بوظيفته التاريخية كحلقة وصل بين الشرق والغرب. كما يستند إلي "سلوكيات" هذا الشاعر الكبير مثل: صيامه رمضان مع المسلمين، وتردده على أحد المساجد للصلاة فيه، كما شوهد يصلي مع بعض الجنود الروس المسلمين، وحفظه لآيات عديدة من القرآن الكريم، وعقده جلسات في أحد قصور الأمراء لتلاوة القرآن، واعتكافه في العشر الأواخر من رمضان، وعزمه وهو في سن السبعين علي الاحتفال بتلك الليلة المقدسة التي نزل فيها القرآن الكريم (ليلة القدر)، وتقبله التهنئة في الأعياد الإسلامية، ورفضه فكرة الصلب المسيحية، حتى إنه نطق مرتين بالشهادتين في كتاباته، إلى جانب آلاف الصفحات التي كتبها ممجداً ومادحاً النبي محمداً صلي الله عليه وسلم. وبينما ينسب المسلمون الألمان "جوته" إليهم، حتي أن جماعة تطلق على نفسها "جماعة فايمر" نسبة إلى مدينة "فايمر" الألمانية أطلقت على "جوته" اسم "محمد" تيمناً باسم رسول الإسلام صلي الله عليه وسلم، تنشط بالمقابل مؤسسات وشخصيات ثقافية ألمانية لنفي هذا النسب عنه، والتشكيك به، ويرون إن هذا النسب هو ضرب من المبالغة. فعلي الرغم من تلك المواقف، وهذه السلوكيات والإشارات من الشاعر الكبير، والتي تؤكدها "كاتارينا مومزن" في دراساتها عنه، إلا أنها تقول: "إن إعجاب جوته بالإسلام لا يعني بالضرورة أنه اعتنقه، وتنفي ـ شأنها شأن آخرين كالمستشرقة الألمانية آنا ماري شمايل أن يكون قد تحول إليه"، وتنتهي إلي القول: "إن الإجابة على هذا السؤال: هل كان جوته مسلماً؟ ليس أمراً سهلاً يمكن الإجابة عليه بنعم أو لا".
خلاصة القول
منذ القرن الثامن عشر.. وارتقاءً بالمعارف المُنصفة، ومن خلال "ديوانه" شرع "جوته" طريقاً للحوار، وأسس لتعارف رائع بين الشرق والغرب. وعبر هذا الطريق ظهرت فلسفته التي صهرت تفاصيل الشرق في قصائد وتلاوات شعرية نفيسة، هي نبراس لكل بصيرة محبة للتعارف، معترفة بالتنوع، متجاوزة الفروق البشرية، مرتفعة إلي آفاق النضوج المتسامح، ومُصححة للصور الذهنية المعتلة.. قصائد، هي المعبر الآمن بين أضاد الشرق والغرب! إنهم أفراد معدودين الذين استطاعوا أن يرتفعوا بأنفسهم إلى مواقف منصفة وعادلة. فالقلّة النادرة من المفكرين والكتّاب الناطقين بلسان العصر هم الذين يسعون إلى التغلب على ضيق أفق أبناء جلدتهم، ويحاولون تنوير عقولهم بغية تهذيب أساليب التفكير والفهم. علي أية حال مهما يكن من أمر "إذا كان جوته قد "اعتناق الإسلام أم لا" ستظل له مكانته ..عالمياً وعربياً. فهو صديق عشقَ الشرق والعرب، وأحب الإسلام، وترك أثراً إيجابياً كبيراً في المستشرقين الألمان. إن العالم الآن في أمس الحاجة إلى أمثال جوته؛ يحترمون الاختلاف والتنوع، ويخطون حدود التفكير المحليم الإستعلائي الضيق، ويحتكون بالآخر ويدرسونه، ولا يصدرون احكاماً نمطية عليه، ويدركون قيمة التعارف كونها سُنة من سنن الخلق والوجود. وياخذون كما أخذ جوته على عاتقه، وبوصفه شاعراً ألمانياً، تقريب ثقافة الآخر إلى أبناء جلدتهم.
بقلم: أ.د. ناصر أحمد سنه .. كاتب وأكاديمي من مصر.
للتواصل مع الكاتب عبر البريد الألكتروني
[email protected]
هوامش ومصادر
1- عبد اللّـه أبوهيف: المثاقفة والمثاقفة المعكوسة في الاستشراق تأثير الثقافة العربية الإسلامية أنموذجاً. مقال الكتروني علي الشبكة الدولية للمعلومات. 2- ومن الكتب المعربة التي تؤكد علي هذا المنحي الهام: "حضارة العرب في أسبانيا" لليفي بروقسال (القاهرة 1980)، و"الدراسات العربية في أوروبا" ليوهان فوك (لايبزيغ 1955)، و"حكم النبي محمد" لليو تولستوي (القاهرة 1972)، و"جوته والعالم العربي" لكاترينا مومزن (الكويت 1995)، و"الماضي المشترك بين العرب والغرب: أصول الآداب الشعبية الغربية" لمؤلفه أ. ل. رانيلا (الكويت 1999)، والكتاب الأخير دراسة غربية منهجية تشير إلى موضوع انتقال آداب عربية بعينها إلى العالم الغربي...الخ، بل إن كتّاباً كباراً أمثال "بورخيس" اعترفوا بالتأثير العميق للسردية العربية في السردية الغربية. 3- كاتارينا مومزن:"جوته والعالم العربي"، ترجمة عدنان عباس علي، سلسلة عالم المعرفة، العدد: 194، ط1: فبراير/شباط .1995م، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت. 4- ترجمتها إلى العربية مجلة القنطرة الألمانية. 5- للمزيد عن حياة الشاعر الكبير وأعماله راجع "جوته والعالم العربي/ المرجع السابق"، وكذلك موسوعة ويكيبيديا،- و"جوته".. العبقرية العالمية الفكرة والإشراف "فارس يواكيم" (إذاعة صوت ألمانيا). وبعض المواقع الألكترونية ذات الصلة. 6- راجع تفاصيل ذلك في فصول متعددة من"جوته والعالم العربي" م. س. 7- "جوته والعالم العربي"، م. س.، ص:58 وما بعدها. 8- جوته والعالم العربي، م.س.،ص:29. وكانت قد صدرت للباحثة "كاتارينا مومزن" (ذات الثمانين ربيعاًً) دراسة منذ نحو أربعين عاما عن " جوته.. وألف ليلة وليلة". 9- راجع أيضاً د. عبد الغفار مكاوي: النور والفراشة، سلسلة اقرأن دار المعارف – القاهرة- ط1: 1989. 10- راجع ما كتب عن "حافظ" في:"جوته والعالم العربي"، م.س.، ص:233 وما بعدها. 11- "جوته والعالم العربي"، م.س.، ص:177. 12- المصدر السابق.، ص: 204. 13- المصدر السابق، ص177. 14- المصدر السابق، ص226. 15- أوردت "كاتارينا مومزن" معلومة دقيقة في: "جوته والعالم العربي" عن اهتمام جوته بالدراسات العربية للمستشرقين مفادها أن سجل الإعارات في مكتبة مدينة "فايمار" اشتمل على العديد من الدلائل الشاهدة على انشغال جوته بالعالم العربي. 16- جوته والعالم العربي"، م.س، ص:.232. 17- المصدر السابق، ص:238. 18- المصدر السابق، ص:204-206. 19- المصدر السابق،ص:307، وما بعدها. 20- المصدر السابق، ص:308. 21- المصدر السابق، ص: 312. 22- المصدر السابق، ص: 313.
القلب الحزين
15-12-2013, 06:44 PM
قصة إسلام شاب إسباني ..يرويها زغلول النجار
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/121533394016370.jpg
صورة للداعية الإسلامي الكبير زغلول النجار
قصة حقيقية يحكيها العالم المسلم الدكتور زغلول النجار سمعتها منه شخصياً، يقول الدكتور: في إحدى السنوات التقيت في الحج بشاب إسباني مسلم كان يؤدي فريضة الحج ومعه ابنه الصغير وهو حافظ للقرآن فسألته عن قصة إسلامه، فقال: الموسيقى هي سبب إسلامي! فظننت أنه يمزح فقلت له متعجباً: هل هذا صحيح؟ وكيف ذلك؟ فأجاب الشاب بكل جدية: نعم صحيح فأنا كنت أدرس الموسيقى وأردت أن أعرف ما هو أصل الموسيقى الكلاسيكية فقيل لي بيتهوفن وغيره من مشاهير الموسيقى الغربيين، لكني لم أقتنع واستمررت في البحث حتى وصلت إلى معرفة أن أصل هذه الموسيقى هو (الموشحات الأندلسية) وبدأت بدراستها وقراءتها وكان أغلبها يتضمن معنى توحيد الله ووصف الرسول(صلى الله عليه وسلم) وأخلاقه التي كانت عظيمة حتى مع أعدائه فأحببته، وحينها طلبت من والدي أن أنتقل خارج مسكن العائلة لأتفرغ للدراسة، وبالصدفة وجدت سكناً في حي للمسلمين واستقبلوني بالترحاب والمعاملة الطيبة وسمعت منهم القرآن أثناء صلاتهم فطربت له كما لم أطرب لغيره من قبل ولم أجد فيه خللاً موسيقياً أبداً.
ودعيت لمؤتمر عن الموشحات الأندلسية في دولة المغرب، وذهب من معي من المسلمين للصلاة وكنت بجانب المسجد أستمع لصوت الإمام وهو يقرأ القرآن الذي اخترق قلبي ووجدت نفسي أبكي بشدة لدرجة أنه لما خرج رفاقي من الصلاة ظنوا أنه ربما وصلني خبر عن وفاة أحد من أهلي، فقلت لهم: لا ولا أعرف لماذا أبكي! ولما رجعت إلى غرناطة أعلنت إسلامي. ودعاني السفير السعودي في مدريد لأداء فريضة الحج وهناك في المملكة أخذني لمقابلة الملك خالد الذي سألني عن أمنيتي فقلت له: أن أتعلم الإسلام هنا في بلدكم لأعلمه لأهل بلدي، وفعلاً عشت في المملكة لمدة تسع سنوات درست فيها حتى حصلت على ماجستير دراسات إسلامية وكذلك زوجتي، ثم رجعت إلى إسبانيا وأنشأت مدرسة إسلامية فيها 1200 طفل، ويكمل زغلول النجار حديثه فيقول: لقد قابلته بعد سنوات ووجدته داعية إسلامياً وكبر ابنه وأصبح يعلم في المدرسة معه.
أهدي هذه القصة للجميع خصوصاً من يحب الموسيقى، وأقول لهم: قراءة كتاب الله بتدبر والاستماع له بإنصات نعمة عظيمة ومتعة أكبر من أي أنغام، فلا تحرموا أنفسكم منها كل يوم، ولا يجتمع في القلب حب كلام الله مع حب الموسيقى والغناء، وفضل كلام الله على غيره كفضل الله على خلقه.
ابتسام بوقري - جريدة الوطن
القلب الحزين
15-12-2013, 06:45 PM
قصة إسلام المفكر الإسلامي محمد أسد
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1208351818clip.jpg
صورة لمحمد أسد في خريف العمر
إعداد محمد الرمادي
منسق المجلس الإسلامي في النمسا
توطئة:
تكلمتْ كتب السابقين عن صفات نبي، جاء جل هذه الصفات في التوراة في سفر "أشعيا" وسفر "المزامير" بشكل عام ومكرر وتتكلم هذه الأسفار عن اربع صفات لنبي آخرالزمان:
أول هذه الصفات:كونه صاحب شريعة.
ثانيها: كونه محارب منتصر.
ثالثها: له علاقة وثيقة بالصحراء. أما
رابعها: له علاقة حميمة بالحمد.
أما عن الأمر الأول فالمعروف أن عيسى عليه السلام لم يأت بشريعة لقوله «17لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ« (متى 5:17)، ومؤلفي رسائل الرسل في العهد الجديد حين يذكرون الشريعة فهم يتكلمون دائماً عن الشريعة التي هي أوامر موسى، وأنهم قد تحرروا منها أو تبرروا مجاناً: «24 مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ« (روما 3:24)
أما عن الصحراء: فنقرأ عنها على سبيل المثال في "أشعيا" 40:3 «3 صوت صارخ: أعدوا في الصحراء طريقاً للرب«. وورد بترجمة آخرى تقول: «3 صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: «أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا«، ومثل ذلك في أشعيا 42 1-15 و 21: 14 و 32: 2، 32: 16 و 35:1 و 43: 19. وفي المزمور 68:4 وغير ذلك كثير.
وأما عن "الحمد" فقد ورد اسمه صلى الله عليه وسلم «البريكليت – الحمد».
وقد بشرت توارة موسى عليه السلام ـ والتي أمن بها "ليوبولد فايس" ودرسها ـ بمجئ نبي، ذهب الباحثون بأنه النبي العربي العدناني "محمد بن عبد الله" فقد جاء في سفر اََلتَّثْنِيَة الإصحاح الثامن عشر الآية الثامنة عشر مانصه: «18 أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ». هذه مسألة.
أما الثانية فمسألة خاتم النبوة، فكما وجدنا ذكر في كتب أهل الكتاب لصفات للنبي صلى الله عليه وسلم معنوية، وجدنا كذلك الجسدية، مثل خاتم النبوة.
ذكر "أشعيا" في سفره نبوءة عن إحدى صفات النبي المنتظر فقال: «6 لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا[تعبير يذكر في العهد القديم لنبي آخر الزمان]، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ « (أشعيا 9: 6).
كما ذكر يوحنا ذلك أيضاً: «27 لا تسعوا وراء الطعام الفاني بل وراء الطعام الباقي إلى الحياة الأبدية، والذي يعطيكم إياه ابن الإنسان، لأن هذا قد وضع الله ختمه عليه» (يوحنا 6: 27.) "مقدمة سفر أخنوخ الثالث في كتاب: Pseudepigrapha of The Old testament Schneemelcher P.250. "
هذا يتفق تماماً مع نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام. فمن المعروف عنه وجود خاتم النبوة بين كتفيه.
في هذا المناخ التوراتي تربى الحاخام الصغير "ليوبولد فايس" ولعل التشابه بينه وبين الصحابي الجليل "سلمان" الفارسي دعى بعض المحللين العرب إلى تسمية ضيفنا بــ"سلمان الغرب" في حالة الإنبهار بشخصية الرجل وترحاله ودوره الذي نحن بصدد إلقاء أضواء ساطعة ـ على قدر إستطاعتنا وما توفر عندنا من معلومات ـ على محطات في طريق الرجل، فالصحابي الجليل "سلمان" الفارسي (رضي الله عنه) بحث طويلا عن الحقيقة مما دفعه إلى ترك ثراء أبيه ثم وقوعه في الرق ثم اتبع النصارى الموحدين وعلم منهم صفات نبي آخر الزمان، والفارق الذي ينبغي أن لا يغيب عنا أن الله أختار لنبيه وصفيّه ـ نبي آخر الزمان صلى الله عليه وآله وسلم ـ صحابته (رضي الله عنهم أجمعين)، وأراد جل جلاله لـ "ليوبولد فايس" الوجود والهداية في القرن العشرين.
أطلقت هذا العنوان "أضواء ساطعة على محطات في طريق ليوبولد فايس" للتعريف بشخصية الرجل، ولقناعتي التامة ـ بأن إطلاقَ اسم "محمد أسد" على أحد ميادين مدينة فيينا العاصمة لجمهورية النمسا الإتحادية وخاصة أمام مبنى منظمة الأمم المتحدة التي كان مندوبا وممثلا لدولة باكستان في مقرها بمدينة نيويورك الأمريكية ـ أقول لقناعتي التامة بأنها تظاهرة ثقافية وحضارية، صار من حق الرجل علينا الإشادة والإهتمام به، فـ "محمد أسد" أقام جسور بين العالم الغربي والعالم العربي/الإسلامي، ومع هذه القناعة فلا نتفق معه تماما فيما وصل إليه إجتهاده في بعض المسائل العقدية أو الأراء الفقهية التي أعلنها وسطرها في كتبه ومقالاته.
المقدمة
ضيفنا اليوم "محمد أسد" لم يرحل من الغرب ذي الأسلوب الميكانيكي الموسوم بالسرعة في حياة الأوروبي والتي تضيع روحه في ضوضاء الآلة الخانقة التي تزداد مع الأيام قوة وغرابة، إلى الشرق ذي اللون الهاديء المستقر من فلسفة الحياة، بل الحياة الإنسانية بكاملها، أقول لم يرحل ضيفنا من الغرب إلى الشرق بجسده فقط مروراً بقدس الإسراء والمعراج أرض، ومروراً بقاهرة الأزهر الشريف ودمشق الجامع الأموي أو الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، أو متنقلا إلى شبه القارة الهندية فمرتحلا إلى سويسرا فالبرتغال فطنجة ثم حل بالأندلس، فهو لم يكن يبحث عن موقع ما أو مكان تحت الشمس اياً كان، فهو لم يبحث عن مجد عسكري كما بدا عند بعض المحللين لسيرته وإن فعل شئ في هذا المضمار، فالحرب ـ للتحرير أو الإحتلال ـ منذ فجر التاريخ مرورا بالإسكندر المقدوني الأكبر إلى بوش الحالي صنعت ابطالا مزيفيين أو حقيقيين، صنعت رجالا أو رجال صنعوا حربا فسطر التاريخ اسمائهم بالخزي والعار حينا و بالعلو والسمو أحيانا ويفتخر بهم اللاحق. وضيفنا ارتحل من معقل الحضارة الغربية، تلك الحضارة التي "تخلت عن آداب دياناتها السابقة دون أن تتمكن أن تخرج من نفسها أي نظام أخلاقي آخر – مهما كان نظرياً- يخضع نفسه للعقل، بالرغم من كل ما حققته من تقدم ثقافي، فإنها لم تستطع حتى الآن التغلب على استعداد الإنسان الأحمق للسقوط فريسة لأي هتاف عدائي أو نداء للحرب مهما كان سخيفاً باطلاً يخترعه الحاذقون من الزعماء".
سنتحدث عن رجل عاش بين أمم واصف إياها بقوله " إن الأمم الغربية وصلت إلى درجة أصبحت معها الإمكانات العلمية غير المحدودة تصاحب الفوضى العملية، وإذا كان الغربي يفتقر إلى توجيه ديني حاذق فإنه لا يستطيع أن يفيد أخلاقياً من ضياء المعرفة الذي تسكبه علومه وهي لا شك عظيمة، إن الغربيين – في عمى وعجرفة- يعتقدون عن اقتناع أن حضارتهم هي التي ستنير العالم وتحقق السعادة، وأن كل المشاكل البشرية يمكن حلها في المصانع والمعامل وعلى مكاتب المحللين الاقتصاديين والإحصائيين، إنهم بحق يعبدون الدجال".
وضيفنا اليوم لم يبحث عن تميّز في مجال الصحافة والإعلام ومراسلة الصحف العالمية الكبرى كجريدة فرانكفورتر والتغطية لبعض الأحداث والمواقف وإن تميّز فعلا في طرحه وجراءته التي لم تكن تروق لكثير من رؤساء التحرير حتى أثبت مقدرته. فهو لا يبحث عن التميز بل هو فعلا متميز بذاته.
وضيفنا لم يرتحل من دين قديم إلى دين جديد، لم يرتحل من يهوديته التي تمكن منها منذ صباه الباكر إلى دين جديد، بل في حقيقة الأمر ضيفنا اليوم، "محمد أسد" ارتحل بفكره وعقله ووجدانه ولغته وعقيدته ودينه بل وهندامه من الغرب إلى الشرق، الشرق الذي نظر ضيفنا إلى أهله على أنهم يحملون صورة حية لمجتمع إنساني متطور يكاد يخلو نظامه من التناقضات الداخلية ويتسم بأوفر قسط من الشعور الأخوي الصحيح. لقد جاء الرجل من حضارة قال عنها:"إن الحضارة الغربية لم تستطع حتى الآن أن تقيم توازناً بين حاجات الإنسان الجسمية والاجتماعية وبين أشواقه الروحية"، هذا من جانب الحضارة الغربية والمدنية المتقدمة لكن هناك جانب آخر مهم فهو الذي اقتنع في شبابه المبكر بأن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده، فقد أصابه الإحباط وخيبة الأمل في العقيدة اليهودية التي ينتمي إليها فاتجه تفكيره إلى المسيحية بعد أن وجد أن المفهوم المسيحي للإله يتميّز عن المفهوم التوراتي، لأنه لم يقصر اهتمام الإله على مجموعة معينة من البشر ترى أنها وحدها شعب الله المختار، وعلى الرغم من ذلك كان هناك جانب من الفكر المسيحي قلل في رأيه إمكانية تعميمه وصلاحيته لكل البشر، ألا وهو التمييز بين الروح والبدن. أي بين عالم الروح وعالم الشؤون الدنيوية، وبسبب تنائي المسيحية المبكر عن كل المحاولات التي تهدف إلى تأكيد أهمية المقاصد الدنيوية، كفت من قرون طويلة في أن تكون دافعاً أخلاقياً للحضارة الغربية، إن رسوخ الموقف التاريخي العتيق للكنيسة في التفريق بين ما للرب وما لقيصر، نتج عنه ترك الجانب الاجتماعي والاقتصادي يعاني فراغاً دينياً، وترتب على ذلك غياب الأخلاق في الممارسات الغربية السياسية والاقتصادية مع باقي دول العالم، ومثل ذلك إخفاقاً لتحقيق ما هدفت إليه رسالة المسيح. فالهدف الجوهري لأي دين هو تعليم البشر كيف يدركون ويشعرون، بل كيف يعيشون معيشة صحيحة وينظمون العلاقات المتبادلة بطريقة سوية عادلة، وإن إحساس الرجل الغربي أن الدين قد خذله جعله يفقد إيمانه الحقيقي بالمسيحية خلال قرون، وبفقدانه لإيمانه فَقَدَ اقتناعه بأن الكون والوجود تعبير عن قوة خلق واحدة، وبفقدان تلك القناعة عاش في خواء روحي وأخلاقي. وهذا جانب الدين.
وهذا المثلث العجيب الذي أشرنا إليه في عجالة: "التاريخ" و"الدين" و"الرجال"، ينبغي أن نعلم عنه الكثير، فهناك رجال غيروا التاريخ، وهناك رجال حملوا للبشرية هداية ودين فتغير التاريخ بهذا الدين. فثلاثية التاريخ والدين والرجال تحتاج منا لدراسة تفصيلية. وإني لأرجو معالي الدكتور الأخ فريد الخوتاني ـ مدير المركز الإسلامي بفيينا ـ بالإهتمام والتركيز على جوانب وأضلاع هذا المثلث بتقديم الدراسات حول مقارنة "الأديان"، خاصة ونحن ـ الجالية ـ تعيش وتتعايش في وسط أوروبا، التي وصفها ذات يوم المستشار السابق الألماني هلموت كول بقوله:"إن أوروبا هي النادي المسيحي (المسيحية الكاثوليكية)"، والمسجد هو المكان المناسب لخلق جو مناسب للتفاهم والتعايش بين أفراد الجالية الإسلامية وأفراد هذا النادي المسيحي، والمركز الإسلامي ينبغي أن يكون مصدر إشعاع لنور العلم وفق الكتاب الكريم والسنة الطاهرة، إن اردنا أن نقوم بدورنا في التعريف الصحيح بالإسلام الحنيف وبنبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم. وخير مثال على ما أقول هو "ليوبولد فايس" ودوره المؤثر في المكتبة العربية بل قل المكتبة الغربية بل إن شئت فقل العالمية.
سنقف أمام من اسماه بعض الكتّاب بـ "سلمان الغرب"، فقليلون أولئك الرجال الذين تركوا بصماتهم ساطعة على جدارية التاريخ البشري، نحن نقف بكبير إحترام وعظيم إجلال أمام عملاق من عمالقة الإسلام في العصر الحديث، فهل كان حالما مغامرا، أم متدينا متحمسا؟.
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1208352085asad-quran.jpg
صورة لترجمة القرآن إلى اللغة الإنكليزية التي أعدها محمد أسد
في كل الأحوال فإن هذا الرجل ما يزال يثير الانتباه بمسار حياته الخيالي. رجل عاش تقريبا قرنا كاملا بأحداثه فقد عاصر الحرب العالمية الأولى والثانية وعمل على إستقلال باكستان عن الهند وشارك في وضع مواد الدستور الباكستاني، وكان قريبا من الملك عبدالعزيز آل سعود والأمير عبدالله في الأردن، وشيخ السنوسية "محمد السنوسي والمجاهد الأكبر "عمر المختار". شخصية "ليوبولد فايس" "محمد أسد" فيما بعد، تعكس في مسارها مجمل أحداث القرن المنصرم. فليكن حديثنا عن:"ليوبولد" الرجل الذي كانت بدايته في عائلة يهودية حاخامية محافظة ثم اعتنق الإسلام لينتهي بترجمة القرآن العظيم إلى اللغة الأنكليزية.
رُبَّ سارٍ والسُّحْبُ قد لَفَّتِ النّجم *** فحـار الســـارونَ عبر القفــارِ
سَــفَرَ الفجــرُ فاســتبانَ خُـــطاه *** فــرآها اهتـــدتْ بــلا إبصـارِ
- الشاعرعمرالأميري –
عائلة فايس
لقب العائلة "فايس" اسم باللغة الألمانية يعني أبيض اللون، وهذه إشارة واضحة للأصول الألمانية للعائلة، وكتابة „WEISS“ بتكرار حرف “ S „ في نهاية الإسم بدلا من „WEIك“ دليل واضح على الأصول اليهودية للعائلة.
اسم الوالد "كيفا" وكان محامياً، وجده لأبيه كان حاخاماً، فهو الحاخام الأورثوذوكسي "بنيامين أرجيا فايس". وقد تولّى جده الحاخامية في تشارنوفيتش في منطقة بوكوفينا
مسقط رأسه
مسقط رأس ضيفنا „Lemberg“ هكذا تكتب وتنطق باللغة الألمانية، أما باللغة الروسية او البولونيّة فتكتب „Lwow“، أما باللغة اللاتينية فتكتب „Leopolis“، واللغة الأرامية تكتبها „Leh“، أما باللغة الأوكرانية فتكتب“ Lwiw „، ومن هنا جاء عند بعض كتاب سيرة المفكر الإسلامي "محمد أسد" إختلاف في كتابة أسم المدينة، وهي مدينة تقع في غرب أوكرانيا.
أما إقليم جاليتسيا “ Galizien „فهو إقليم زراعي يقع بين غرب أوكرانيا، أي المنطقة الغربية من جاليتسيا، والمنطقة الآخرى التي تقع في جنوب بولندا شرق جاليتسيا. وهي كانت مملكة في السابق ثم صارت تحت سيطرة الإمبراطورية النمساوية المجرية. القسم الأكبر من سكان إقليم جاليتسيا من اليهود. وضيفنا ولد في هذا الإقليم.
مولده:
وُلد في الثاني من يوليو 1900م لأبوين يهوديين، في مدينة „ “ Lvov " البولونيّة، „Lemberg“ في إقليم جاليتسيا، جنوب شرق بولندا.
سماه والده "ليوبولد" وهو من الأسماء الألمانية العتيقة وليس له معنى معين، غير أن المقطع الأول منه، إذا سمحت لنا اللغة بفصله وواضعي الإسماء فالمقطع الأول يعني أسد.
ابتدأ طريقه في مدينة ليفوف "لمبيرغ" في جاليتسيا، باسم لايبليه، لعائلة محافظة على التراث.
البيئة والمناخ الذي ولد فيه
وُلد في عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية أو ماكان يسمى بإمبراطورية الدانوب أو بإختصار الحروفk.u.k Doppelmonarchie; كانت تحكم وسط جنوب شرق أوروبا، تضمنت عدة دول ومناطق أوروبية وهي النمسا والمجر وبوهيميا ومورافيا وسلوفاكيا، بالإضافة إلى أجزاء من بولندا ورومانيا وسلوفينيا وكرواتيا وإيطاليا ومناطق أخرى عديدة.
فالمولود عاش في ثاني أكبر دول أوروبا بعد الإمبراطورية الروسية من حيث المساحة، كما كانت ثالث أكبر دول أوروبا من حيث العدد بعد روسيا والإمبراطورية الألمانية. في هذا المناخ الإمبراطوري ولد وترعرع "ليوبولد".
والبيئة التي يولد فيها المرء تؤثر سلباً أو إيجاباً عليه، فمن وُلد في الإمبراطورية الثانية العظمى في ذلك الوقت يختلف عن من وُلد في جزيرة نائية، وإن كان الثابت إجتماعياً أن أصحاب الهمم الكبرى والعزائم القوية يؤثرون بشكل ملحوظ في بيئتهم، لذلك فالذي ولد في عهد النبوة أو وقت وجود دولة الإسلام ليس كمن ولد في عهد الزعيم العربي جمال عبدالناصر وتربى على مبادئ الثورة المصرية، وغير الذي تربى تحت نيران الإحتلال والإضطهاد، وكذا غير الطفل العربي الذي يولد في جمهورية النمسا الإتحادية أو يولد الآن في جنوب مصر. والأسود الذي تربي في أمريكا وقت العنصرية غير ذلك الأمريكي اليوم والمرشح لرئاسة الجمهورية في أمريكا.
يتبــــــــــــع
القلب الحزين
15-12-2013, 06:47 PM
يتبـــع الموضوع السابق
قصة إسلام المفكر الإسلامي محمد أسد
أجواء الطفولة:
"ليوبولد" كان ثاني ثلاثة أخوة لأبويه. وعن أجواء الطفولة وانعكاساتها عليه يقول: "لقد كانت طفولة سعيدة مرضية حتّى في ذكراها، لقد كان والداي يعيشان في ظروف مريحة، وكانا يعيشان لأولادهما أكثر من أي شيء آخر. ولعلّه كان لوداعة اُمّي وهدوئها علاقة أو تأثير بالسهولة التي تمكّنتُ بها في السنين التالية من أن اُكيّف نفسي للأحوال والظروف الجديدة والمشؤومة الى أبعد الحدود. أمّا تبرّم أبي الداخليّ فلعلّه منعكس فيما أنا عليه اليوم".
هجرة العائلة إلى فيينا
هاجرت العائلة تقريبا في سنة 1913م إلى مدينة فيينا، عاصمة الإمبراطورية وترعرع "ليوبولد" فيها.
السنوات الأولى من عمره:
المولود ولد في أسرة يهودية حاخامية فجده لأبيه كان حاخام يهودي بل خرج منها عدد من حاخامات أوروبا الشرقية.
الحاخام الصغير.
وبدأ تعليمه منذ صغره ليصبح حاخامًا مثل جده لأبيه، فكان الصبي "ليوبولد" تحت إصرار والده " كيفا" يواظب على دراسة النصوص الدينية والكتب المقدّسة ساعات طويلة كل يوم، فدرس على أيدي أساتذة خصوصيين العلوم الدينية اليهودية بتعمق كبير، درس التوراة في نصوصها الأصلية بل حفظها حفظاً أعانه فيما بعد على إجادة العبرية بطلاقة، وكذا الآرامية أيضاً، وأصبح عالماً بالتلمود وتفسيره، ثم انغمس في دراسة التفسير المعقد للتوراة المسمى (ترجوم) فدرسه وكأنما يهيئ نفسه في المستقبل لمنصب ديني.
ووجد نفسه في سن مبكرة لا تتجاوز الثالثة عشرة يجيد قراءة العبرية بسهولة والتحدث بها بطلاقة تامة وإتقان وذلك بمقتضى متطلّبات تقاليد عائلته اليهوديّة، هذا إلى جانب معرفته بالآرامية، وهو ما ساعده فيما بعد على سرعة وسهولة تعلم اللغة العربية .
كان إنجازه المدهش يعد بتحقيق حلم جده الحاخام الأرثوذكسي النمساوي بأن تتصل بحفيده سلسلة من أجداده الحاخامات، ولكن هذا الحلم لم يتحقق.
قدرات "ليوبولد"
تمكن الصبي من دراسة وتعلم اللغة العبرية والآرامية إلى جانب هذا فقد درس في المدارس النظامية في البلدة، فكان ذكياً تتقد فيه ألمعية حادة ظهرت من خلال ميله الشديد للأدب والفلسفة والتأريخ، مع أن والده كان يريد منه أن يكون عالماً فيزيائياً كبيراً، ولكن شاء الله غير ذلك.
محطات أساسية في حياة الرجل:
كان "ليوبولد" الشاب الصغير ميالاً إلى الفنون الجميلة التي كان قد اتجه لدراستها في جامعة فيينا، إلا أن طموح الشاب الجامح كان يراوده في اعتلاء صهوة المجد، فخاض أولى مغامراته وهو في سن 14 سنة من عمره (عام 1914م) مع بداية الحرب العالمية الأولى، فأراد أن ينخرط في سلك الجندية لعله يحرز بعض المجد في ذلك، ولكن شرط الثماني عشرة سنة وقف حائلاً دون ذلك، فطُرد من الجيش.
في سن الرابعة عشرة من عمره:
في أواخر عام 1914م، وبعد اشتعال نيران الحرب العالميّة الأولى بدا له أنّ الفرصة الكبرى لتحقيق أحلامه الصبيانيّة على قاب قوسين أو أدنى. كان إذ ذاك في الرابعة عشرة من عمره، فهرب من المدرسة والتحق بالجيش النمساويّ، بعد أن اتّخذ له اسماً مزوّراً، وظنه رجال الجيش في الثامنة عشرة من عمره لطوله المفرط فقبلوه وبعد أسبوع أو نحو ذلك نجح والده في أن يتعقّب آثاره بواسطة البوليس، فيعيده مخفوراً الى فيينا، حيث كانت عائلته قد استقرّت قبل ذلك بزمن قليل، وحينما استدعي الى الخدمة العسكرية، بعد أربع سنوات كانت أحلامه حول "المجد العسكريّ" قد تبدّدت، وليتطلّع الى سُبل أخرى لتحقيق ذاتيّته.
تمرد مراهق
في تلك المرحلة من عمر "ليوبولد" اشتعلت الحرب العالميــة الأولى (1914- 1918م) وبعد انتهاء الحرب -وعلى مدى عامين- درس بلا نظام تاريخ الفنون والفلسفة في جامعة فيينا، ولكنه لم ينصرف إليها قلبيًّا، ولعل المسلك العلميّ الهادىء لم يكن يجذبه لأن الأساتذة كانوا مهتمين باكتشاف القوانين الجمالية التي تتحكم في الخلق الفني بدلا من الكشف عن دوافعها الصميمة الروحية، أي أن اهتمامهم كان منصبًّا على الشكل دون المضمون والجوهر، ودرس التحليل النفسي لـ "سيجموند فرويد"، عالم النفس الشهير اليهودي النمساوي، ولكن لم ترضه نتائجه؛ لأنه يقيس كل شيء في إطار ردود فعل جنسية تناسلية.
ماكان مشغوفاً بالتوصل إليه هو جوانب محببة إلى نفسه من الحياة، كان مشغوفاً أن يصل بنفسه إلى مُثل روحية حقيقية كان يوقن أنها موجودة، لكنه لم يصل إليها بعد!. كانت العقود الأولى للقرن العشرين تتسم بالخواء الروحي للأجيال الأوروبية، أصبحت كل القيم الأخلاقية متداعية تحت وطأة التداعيات المرعبة للسنوات التي استغرقتها الحرب العالمية الأولى في الوقت الذي لم تبد فيه أي روحية جديدة في أي أفق، كانت مشاعر عدم الإحساس بالأمن متفشية بين الجميع، إحساس داخلي بالكارثة الاجتماعية والفكرية أصاب الجميع بالشك في استمرارية أفكار البشر وفي كل مساعيهم وأهدافهم، كان القلق الروحي لدى الشباب لا يجد مستقراً لإقدامه الوجلة، ومع غياب أي مقاييس يقينية أخلاقية لم يكن ممكناً لأي فرد إعطاء إجابات مقنعة عن أسئلة كثيرة كانت تؤرق وتحير كل جيل الشباب.
كانت علوم التحليل النفسي، وهي جانب من دراسات الشاب "ليوبولد"، تشكل في ذلك الوقت ثورة فكرية عظمى، وقد أحس فعلاً أن تلك العلوم فتحت مزاليج أبواب معرفة الإنسان بذاته، كان اكتشاف الدوافع الكامنة في اللاوعي قد فتح أبواباً واسعة تتيح فهماً أوسع للذات، وما أكثر الليالي التي قضاها في مقاهي فيينا يستمع إلى مناقشات ساخنة ومثيرة بين رواد التحليل النفسي المبكرين من أمثال "ألفرد أدلر Alfred Adler " و "هرمان سيتكل". إلا أن الحيرة والقلق والتشويش حلت عليه من جديد، بسبب عجرفة العلم الجديد وتعاليه ومحاولته أن يحل ألغاز الذات البشرية عن طريق تحويلها إلى سلاسل من ردود الأفعال العصبية. لقد نما قلقه وتزايد وجعل إتمام دراسته الجامعية يبدو مستحيلاً، فقرر أن يترك الدراسة، ويجرب نفسه في الصحافة.
شهادة الثانوية العامة
فـ "ليوبولد" لم يتحصل شهادة جامعية بإتمام دراسته العليا، ولكنه زاحم بعضديّه وكتفيّه ليصبح بعد ذلك المفكر الإسلامي "محمد أسد" واضع دستور دولة باكستان وممثلها الدبلوماسي في منظمة الأمم المتحدة وصاحب كتاب ترجمة وتعليقات على «صحيح البخاري» بعنوان - The Early Years of Islam» Sahih Albuchari «، «الإسلام فى مفترق الطرق»، «منهاج الحكم فى الإسلام»، ترجمته الإنجليزيــة للقرآن الكريم، واسمهــا: «The Message of the Quran»،
دراساته
ما يعادل الثانوية العامة بعدها سنتين في جامعة فيينا درس فيها الفلسفة والفن.
بداية الترحال
المتتبع لسيرة حياة "ليوبولد" يجد بصورة واضحة حالة الحل والترحال قد رافقته منذ صباه حين هاجرت العائلة إلى مدينة فيينا عاصمة الإمبراطورية النمساوية المجرية عام 1913م إلى أن قابل الرفيق الأعلى عام 1992م، وكأن ضيفنا أخذ بقول الإمام الشافعي رحمه الله حين يقول:
تغرب عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائـد
تفريـج هـم، واكتسـاب معيشـةٍ، وعلـمٍ، وآدابٍ، وصحبـة مـاجـد
***
فالعنبر الخام روث فـي مواطنـه وفي التغرب محمولُ على العنـق
والكحل نوع من الأحجار تنظـره في أرضه وهو مرمي على الطرق
لما تغرب حـاز الفضـل أجمعـه فصار يحمل بين الجفـن والحـدق
***
سافر تجـد عوضـاً عمـن تفارقـه وانصَبْ فإن لذيذ العيش في النصـب
إني رأيـت وقـوف المـاء يفسـده إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطـب
والأسدُ لولا فراق الأرض ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصـب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمـة ً لملها الناس من عجـم ومـن عـرب
والتبر كالترب ملقـي فـي أماكنـه والعود في أرضه نوع من الحطـب
فـإن تغـرب هـذا عـز مطلـبـه وإن تغـرب ذلـك عـز كالـذهـب
كان بإمكان حفيد الحاخام الأورثوذوكسي "بنيامين أرجيا فايس تشيرنوفيتش"، وابن المحامي اللمبرغي "كيفا فايس" أن يواصل بكل بساطة المسار العلماني لعائلته كما كان من الممكن له بعد انتقال أبويه إلى فيينا سنة 1914م أن يواصل طريق التنقل هذه التي كانت ستقوده عبر حطام مملكة الدانوب وخلال سنوات الازدهار التي عقبت الحرب العالمية الأولى، في هجرة طوعية إلى فلسطين أو في رحلة طائشة إلى أميركا أو نحو موت داخل محارق هتلر، كما حدث لأبيه وأخواته. لكن هذا الشاب، وبعد دراسة غير متحمسة بشعبة الفلسفة بجامعة فيينا، قد فضل على كل ذلك أن يظل متنقلا بين مقاهي الأدباء بفيينا ثم برلين من بعدها، والعمل من حين لآخر إلى جانب السينمائي "مورناو". بعدها بدأ يعمل في معالجة برقيات الأنباء لدى وكالة "رودولف دامرت" للأنباء، وهي فرع لوكالة "يونايتد براس أوف أميركا"، قبل أن أن يتمكن أخيرا للتحول إلى صحفي محترف بحصوله على حوار خاص أجراه مع زوجة الكاتب الروسي "مكسيم غوركي" سنة 1921م.
الترحال بين مدن وسط أوروبا
وبعد تأمل طويل لما حوله من أحوال وظروف تمر بها أوروبا في مطلع القرن العشرين وبعد الحرب العالمية الأولى، وكل ما رآه وفهمه من هذه الأمور ملأه قلقًا، وجعل من العسير عليه متابعة دراسته الجامعية، فترك الجامعة واتجه إلى مهنة الصحافة، رأى أن الصحافة هي أقرب الطرق إلى المجد، فقرر السفر إلى برلين خفية عن أبيه الذي كان يريد منه أن يتم دراسته الجامعية، وبرغم اعتراض والده، غادر فيينا في يوم من أيام صيف 1920م، وأخذ القطار إلى براغ وبعد فترة أمضاها هناك وبعد سنة من المغامرات في مدن وسط أوروبا قام خلالها بجميع أنواع الأعمال القصيرة الأجل.
الترحال إلى برلين
ثم سافر إلى برلين، حيث لاقى الأمرين في البحث عن عمل في صحيفة من الصحف دون جدوى واضطر للعمل مع مدير أفلام كمساعد سينمائي لمدة شهرين، المخرج السينمائي "فريدرش مورناو"، ثم العمل مع شخص آخر في كتابة عدة سيناريوهات لأفلام سينمائية أخرى. وهناك في برلين ابتدأ "ليوبولد" سلسلة من المغامرات صادفه الحظ في إحداها بأن يقتحم عرش صاحبة الجلالة، نجح أخيرًا في الدخول إلى عالم الصحافة، وكان ذلك في خريف عام 1921م، وقد عمل كناقل بالتلفون للأخبار إلى صحف المقاطعات، وظل كذلك إلى أن استطاع الحصول على حديث صحفي من زوجة "مكسيم جوركي" الأديب الروسي الشهير عن طريق مساعدة من صديق له يعمل بوابًا بالفندق الذي كانت تقيم به، ورقّي بسبب ذلك إلى وظيفة مخبر صحفي وصار أخيرًا صحفيًّا ليصبح بذلك صحفياً شهيراً ملأت شهرته الآفاق.
كان أول طريق النجاح في هذه التجربة تعيينه في وظيفة محرر في وكالة الأنباء "يونايتد تلجرام"، وبفضل تمكنه من عدة لغات لم يكن صعباً عليه أن يصبح بعد وقت قصير نائباً لرئيس تحرير قطاع أخبار الصحافة الاسكندنافية بالرغم من أن سنه كانت دون الثانية والعشرين، فانفتح له الطريق في برلين إلى عالم أرحب حين تردد على مقهى "دين فيستن" و "رومانشية" ملتقى الكتاب والمفكرين البارزين ومشاهير الصحفيين والفنانين، فكانوا يمثلون له البيت الفكري وربطته بهم علاقات صداقة توافرت فيها الندية.
الرحلة الأولى إلى الشرق عام 1922م
الترحال من أوروبا إلى بلاد الشرق الإسلامية "أفريقيا وأسيا":
في عام 1922م ولما بلغ عمره اثنين وعشرين عاما زار الشرق الإسلامي، يقول "محمد أسد": "في سنة 1922م غادرت موطني النمسا للسفر في رحلة إلى أفريقيا وآسيا لأعمل مراسلا خاصا لبعض الصحف الأوربية الكبيرة . ومنذ تلك السنة وأنا أكاد أقضي كل وقتي في بلاد الشرق الإسلامية. وكان اهتمامي باديء الأمر بشعوب هذه البلاد التي زرتها، وهو ما يشعر به الرجل الغريب".
العالم الإٍسلامي آنذاك (تقريبا في عام 1922م) كان يعيش حالة الانهيار والهزيمة، وإذا كانت المفارقات تنبّه النفوس وتحرّك العقول، فلا شكّ أنّ "ليوبولد" بعقله النيّر قد لاحظ هذه المفارقة التي تزامنت آنذاك بين الأيّام القريبة لصولة الدولة الاسلاميّة، واتّساعها شرقاً وغرباً لتحتلّ حتى جزءاً من وطنه النمساويّ، وبين حالها بعد الحرب العالميّة الأولى، وهكذا بينما كان صاحبنا منبهراً بالقوّة الكامنة في الاسلام، كان في الوقت نفسه، يحسّ بالاشفاق والعطف على هذه الأمة التي غدت حائرة تنشد طريقاً للخلاص ونهاية للمحنة كل ذلك تحوّل الى اهتمام جارف لدى "ليوبولد" بوضع المسلمين.
يتبــــــــــــع
القلب الحزين
15-12-2013, 06:47 PM
يتبـــع الموضوع السابق
قصة إسلام المفكر الإسلامي محمد أسد
الترحال بين كبريات عواصم الشرق
كان لـ "ليوبولد" موعد مع الشرق، الذي عاش فيه متنقلاً بين كبريات عواصمه كقدس فلسطين، قاهرة مصر، دمشق سوريا، عمان الأردن، بغداد العراق، ليبيا، الجزائر، إسطنبول دولة الخلافة العثمانية "تركيا"، مكة المكرمة المملكة العربية السعودية، المدينة المنورة المملكة العربية السعودية، طهران إيران، كابول افغانستان ونيودلهي الهند، متجولاً بقلبه قبل جسده، لقد رأى السكينة والوقار، رأى الهدوء، رأى الوجوه المبتسمة الراضية بحالها المقتنعة به، لا تلك الوجوه الكالحة العابسة، التي اعتاد رؤيتها في الغرب البائس، رغم ما تنعم به من ثراء فاحش.
وكان "ليوبولد" قد وقف منذ البداية موقف الرافض للفكرة الصهيونية. وكانت فكرة تأسيس دولة يهودية على النمط الأوروبي تبدو له مشبوهة فهي أقرب إلى فكرة تخدم مصالح السيطرة الأوروبية أكثر من أي شيء آخر، وهي فكرة يصعب على الشعب العربي أن يقبلها. إضافة إلى أن فكرة تأسيس دولة يهودية في فلسطين كانت تمثل في نظره انحرافا مشوهاً للتراث اليهودي. كما أنه غادر أوروبا الحديثة وفي نفسه شعور بالاغتراب ليجد لدى المهاجرين اليهود نفس الهوس الأوروبي بالقيم المادية- الذي لم يحدث له إلا أن انتقل إلى عالم المشرق. بينما بدا له في مقابل ذلك أن العرب بثقافة حياتهم التي لا تزال محافظة على طابعها الساميّ "هم السكان الحقيقيون لهذه البلاد"، كما عبر عن ذلك فيما بعد في مذكراته. دوّن "ليوبولد فايس" كمراسل خاص لصحيفة "فرنكفورتر تسيتونغ" مثل هذه الملاحظات وغيرها، وقد أرسل تلك المقالات إلى أهم الصحف الألمانية آنذاك، التي رفضتها جميعا عدا "فرنكفورتر تسيتونغ". ثم عرضت عليه هذه الأخيرة عقد مراسل خاص لإنجاز سلسلة من التقارير الصحفية وكتاب صدر سنة 1924م عن دار "سوسييتيتس فرلاغ" تحت عنوان "مشرق مجرد من الرومنطيقية، من يوميات رحالة" وفي إطارمهمته الصحفية هذه سافر "ليوبولد فايس" إلى القاهرة وعمان، ثم إلى بيروت و دمشق خفية ومشيا على القدمين، لأن الإدارة الفرنسية رفضت منحه كنمساوي تأشيرة للدخول.
كانت مقالاته ملتزمة جريئة في تحاليلها وراقية في أسلوبها، لكنها انتقادية تجاه الحركة الصهيونية بطريقة جعلت إدارة التحرير في فرنكفورت ترى نفسها مجبرة على التباين مع موقف كاتبها. ومع ذلك فقد استطاع "ليوبولد" لدى عودته إلى ألمانيا خريف سنة 1923م أن يعاين عن كثب إلى أي مدى كانت مقالاته ناجحة، ثم عرض عليه رئيس التحرير "هاينرش سيمون" رحلة أخرى، فارتحل مجددا صحبة زوجته الرسامة البرلينية "إلزا شيمان" وابنها "هاينرش" من مصر عبر بغداد وأفغانستان باتجاه إيران، حيث أقام لمدة سنة ونصف وتمكن من متابعة صعود "رضا خان"مؤسس السلالة الحاكمة الذي اعتقد أنه رأى فيه مؤسس دولة قومية لائكية على النمط التركي الكمالي.
الترحال مرة ثانية إلى أوروبا 1923م
عاد مرة أخرى إلى أوروبا في خريف 1923م بعد أن استغرقت رحلته الأولى إلى الشرق حوالي ثمانية عشر شهرًا لتقديم نفسه إلى إدارة الصحيفة الألمانية التي كان يراسلها وهو في الشرق "فرانكفورتر تسيّتونج "، ووافق رئيس التحرير على عودته إلى الشرق مرة ثانية.
علاقته بالوالد
كتب يقول: "توقفت بضعة أسابيع في فيينا واحتفلت بتصالحي مع أبي الذي سامحني على ترك دراستي الجامعية ومغادرتي منـزل الأسرة بتلك الطريقة الفجة، على أي حال كنت مراسلاً لجريدة (فرانكفورتر تسيّتونج) وهو اسم يلقى التقدير والتبجيل في وسط أوروبا في ذلك الوقت، وهكذا حققت في نظره مصداقية ما زعمت له قبل ذلك من أني سأحقق ما أصبو إليه وأصـل إلى القمة".
الرحلة الثانية إلى الشرق 1924م
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1208351913_____________.jpg
صورة لشيخ الأزهر السابق مصطفى المراغي
وفي ربيع عام 1924م بدأ رحلته الثانية إلى الشرق من القاهرة، حيث استغل إقامته بها لزيادة معرفته حول حقائق الإسلام، وهناك جالس الكثير من الشخصيات العلمية، ولكنه توقف طويلاً عند الشيخ مصطفى المراغي إمام الجامع الأزهر آنذاك.
رحلاته الثلاث إلى الشرق
1.) رحلته الأولى إلى المشرق كانت في عام 1922
2.) رحلته الثانية: في ربيع عام 1924م بدأ رحلته الثانية إلى الشرق من القاهرة.
3.) في شهر يناير 1927 في رحلته المشرقية الثالثة منذ تلك اللحظة ارتدى المسلم الجديد "محمد أسد" اللباس المشرقي، وبدأ يتكلم العربية عوضا عن الألمانية. وكانت وجهة رحلته الأساسية في هذه المرة مكة. هناك فقدَ زوجتَه إثر وفاة مفاجئة وعمّق معرفته بالقرآن.
اللغات التي تمكن منها
لعل قدراته اللغوية ساعدته كثيرا على تفهم العالم من حوله
فقد اتقن
1. العبرانية لغة التوراة
2. الآرامية لغة الكتب السابقة عن الإسلام
3. اللغة الألمانية لغة الإمبراطورية النمساوية المجرية التي ولد في عهدها
4. الفرنسية فقد قرأ بها القرآن الكريم في مرحلته الأولى قبل تعلم العربية
5. الإنجليزية
6. اللغة الفاريسية
7. وأظن إجتهادا مني حسب سيرة حياته الأولى أنه عاش بين بولندا وأوكرانيا فلعله قد تمكن من لغة هذه البلاد، إذ مكث هناك 13 عاما
8. لغة القرآن الكريم "اللغة العربية"
بحثا عما هو أسمى
كان في ذلك الوقت (1922م- 1924م) سعيداً بما هو أكثر من النجاح في حياته العملية، ولكنه لم يكن يشعر بالرضا والإشباع ولم يكن يدري بالتحديد ما الذي يسعى إليه وما الذي يتوق إلى تحقيقه. كان مثله مثل كثير من شباب جيله. فسنوات الانطلاقة الاقتصادية لفترة ما بين الحربين العالميتين ـ الأولى والثانية ـ التي كانت مركزة على التطور التقني والرفاه المادي قد أثارت في ذلك الشاب شعورا بالاغتراب، أو هكذا كان الأمر على الأقل كما يصف ذلك هو نفسه في مذكراته التي صدرت سنة 1954 تحت عنوان «الطريق إلى مكة»
كان "ليوبولد فايس" يعتبر ذلك الوضع الذي يعبر عنه "هرمن بروخ" بـ"فراغ القيم" كإحدى الأعراض المميزة لمجتمع لم يعد له من هاجس سوى البحث عن وسائل الراحة والرفاه. أما هو فكان يبحث عما هو أسمى. وكان قد تمكن في سنين طفولته بفضل معرفة متينة باللغة العبرية من قراءة الكتب المقدسة، لكنه أضاع الصلة بالديانات من بعدها داخل بيت عائلته الذي أصبحت الدنيا همَّه الأول. ومع ذلك فإنه لم يكن من الصعب على الشاب في ما بعد أن يشعر بالميل إلى الاتجاه الفكري لـ "مارتن بوبر" أو "أويجن هوفليش"، ذلك الاتجاه الذي يعيد التراث اليهودي إلى الموروث الشرقي متخطيا في ذلك الثقافة الأوروبية. وقد أشعلت أحلام الشرق الجميلة التي سادت الأوساط الأدبية في برلين جذوة اهتمامه هذا. حيث راجت فكرة الصحراء كانعكاس لصورة غير رجعية منفتحة على العالم مناهضة للحداثة في التصور الأوروبي منذ "إليزابيث إيبرهارد" و "ت.هـ. لورنس" . لم يفوّت "ليوبولد" على أية حال وهو في الثانية والعشرين (العام 1922م) من عمره الدعوة التي وجهها له عمه "دوريان فايغنباوم" المقيم في القدس لزيارته هناك. حيث اصطدم في الشرق الأوسط بالأوضاع المتوترة أثناء الحقبة الاستعمارية التي لحقت انهيار الامبراطورية العثمانية، حيث تتنازع بريطانيا وفرنسا اقتسام مناطق النفوذ، وحيث بدأ الوافدون من اليهود المهاجرين اثارة حفيظة السكان الفلسطينيين.
محطات هامة في رحلته المشرقية
القدس
وفي ربيع عام 1922م جاءته دعوة من خاله "دوريان فايغنباوم" الشقيق الأصغر لأمه، وكان طبيبًّا نفسانيًّا، وكان يرأس في ذلك الوقت مستشفى للأمراض العقلية في القدس يدعوه إلى المجيء لزيارته في القدس والإقامة فيها فترة، على أن يتكفل خاله بنفقاته كلها ذهابًا وإيابًا، وقبلَ "ليوبولد" الدعوة، وبدأ رحلته الأولى إلى الشرق في صيف عام 1922م في منعطف فكري وعاطفي هيّأه روحيًّا وفكريًّا للإسلام.
دمشق
وفي صيف عام 1923م وصل "ليوبولد" إلى دمشق ليشهد صلاة الجمعة في الجامع الأموي.
الصحفي "ليوبولد فايس" والصهيونية
وصل في عام 1922م لزيارة القدس عند أبناء عائلته من قبل أمه، بدعوة من خاله وتعرف على الحركة الصهيونية ورفضها. وهنا اتصل بجهات معادية للصهيونية – كما عبّر بذلك صحفي إسرائيلي وهو يقصد العرب، وأخذ يرسل إلى الصحيفة في ألمانيا تقارير إخبارية تؤيد نضال عرب أرض إسرائيل (الفلسطينيون) ضد الصهاينة.
جاءت نتائج الدراسات الدينية المبكرة عمرياً في حياة "ليوبولد" والتي تلقاها على عكس ما قُصِدَ بها فقد ساعدته فيما بعد على فهم الغرض الأساسي للدين بما هو دين مهما كان شكله، كما كشفت له فساد ادعاءات اليهود الصهاينة بالحقوق التاريخية في أرض فلسطين واغتصابهم لها، إلى جانب تمكنه كذلك بسهولة من التعرف على العديد من المواقع الطبوغرافية وتشابه الأشخاص وفقًا لنصوص الأحداث التاريخية التي وردت في أسفار العهد القديم، وهو الأمر الذي مكّنه من الرد على افتراءات المستشرقين اليهود وغيرهم من الغربيين الذين زعموا أن الرسول "محمد بن عبدالله" صلى الله عليه وسلم نقل عن اليهودية.
وفي هذه الفترة وبسبب خيبة أمله في اليهودية إلى جانب تأثره ببيئته التي كانت تعتقد بعدم كفاية العقل لفهم الوحي الإلهي، لم يهتم "ليوبولد" بالبحث عن الحقائق الروحية في جهات أخرى، بل لقد نبذ عمليًّا الدين حيناً من الوقت.
ضد الصهيونية
خرج "ليوبولد" من أوروبا بعد أن آمن أنها في ضياع وخواء روحي ناتج عن الجري وراء المنفعة المادية الصرفة، ويرجع في جزء كبير منه إلى الإرث الذي ورثه الغرب من المدينة الرومانية وهو إرث مادي نفعي في جملته وتفاصيله، بالإضافة إلى ثورة أوروبا الفكرية على الكنيسة، وما استتبع ذلك من انصراف عن الدين عمومًا، والاكتفاء بمبدأ المنفعة المادية وأسلوبها في جميع المجالات، خاصة في مجال الروابط الأسرية وفي مجال العفاف الجنسي في العلاقة بين الرجل والمرأة.
وربما يكون ذلك هو أساس رفض "محمد أسد" لمدلول تصريح بلفور عام 1917م الذي رأى فيه مناورة سياسية ظالمة لا يقصد به أكثر من تطبيق المبدأ الاستعماري المشترك القديم "فرّق تسد"، ولم يتوقف نشاطه في هذا المجال عند حدوث الحوار الذاتي بينه وبين نفسه والاستبطان الشخصي، ولكنه تعداه إلى مناقشة أقطاب النشاط الصهيوني في فلسطين في ذلك الوقت فتحدث بوجهة نظره إلى السيد "أوسيشكين Ussyshkin" وهو رئيس اللجنة الصهيونية التنفيذية الذي لم يظهر سوى الازدراء بالعرب، وحواره مع الدكتور "Chaim Weizmann" حاييم وايزمان زعيم الحركة الصهيونية العالمية بلا منازع أثناء إحدى زياراته الدورية إلى فلسطين.
لابد أن نسجل هنا لـ "لمحمد أسد" موقفه هذا، أي أنه تصادم تماما مع الحركة الصهيوينة في نفس اللحظة التي كان مبهورا بها بالعرب والمسلمين والإسلام.
كان هدف "محمد أسد" من دفاعه عن القضية - كما ذكر- هو أن يسبب ذلك نوعًا من القلق وانشغال الفكر لدى القيادة الصهيونية قد يؤدي إلى دور أكبر من التأمل الباطني ولربما - في مرحلة تالية - إلى استعداد أكبر للاعتراف بوجود حق أدبي ممكن في المقاومة العربية. وبرغم عدم حدوث ذلك فإن موقف "محمد أسد" المبكر والصريح قبل اعتناقه الإسلام من قضية النزاع العربي الإسرائيلي لَيُثْبت نقاء هذا الرجل ونفاذ بصيرته ورجاحة عقله وصدق تخيله، وهي ملكات شخصية كانت في خلفية اتجاهه للإسلام فيما بعد واعتناقه له.
زياراته وعلاقاته
http://www.quran-m.com/firas/ar_photo/1208351951allama_mohammed_iqbal.jpeg
صورة للشاعر الباكستاني محمد إقبال
لقد مكث "ليوبولد" في الشرق أربع سنوات مراسلاً لكبريات الصحف الغربية ومن خلال عمله كصحفي تعرف إلى الكثيرين من أعلام الشرق آنذاك من السادة العلماء، وكبار السياسيين والمفكرين، كان على رأسهم شيخ الأزهر "مصطفى المراغي" وملك الأردن "عبدالله" (الأول) وشيخ السنوسية المقيم في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية الشيخ "محمد السنوسي" ولقاءه مع الشيخ المجاهد "عمر المختار" وفيلسوف الإسلام الكبير الدكتور"محمد إقبال"، فعقد معهم صداقات حميمة، وخلال تلك السنوات الأربع التي قضاها في الشرق بين جباله ووهاده، وقفاره وبحاره، راجلاً أو راكباً، مغامراً في أحيان كثيرة، كثيراً ما رأى فيها الموت المحقق كان قد اندمج مع هذا العالم اندماجاً كلياً لا انفكاك له.
زار القاهرة فالتقى بالإمام "مصطفى المراغي" شيخ الأزهر، فحاوره حول الأديان، فانتهى إلى الاعتقاد بأن "الروح والجسد في الإسلام هما بمنزلة وجهين توأمين للحياة الإنسانية التي أبدعها الله" ثم بدأ بتعلم اللغة العربية في أروقة الأزهر، وهو لم يزل بعدُ يهودياً. فمع يهوديته التي تربى عليها منذ صباه حاور الشيخ "مصطفى المراغي" رحمه الله شيخ الأزهر الشريف هذه المحاروة هي تطبيق فطري من إنسان يهودي في رحاب الأزهر الشريف منارة العلم وملتقى العلماء.
المملكة العربية السعودية:
وقد شارك محمد أسد في الأحداث الكبرى لتوحيد المملكة العربية السعودية، ووصفها بدقة تامة. وسرعان ما انضم إلى مجلس المستشارين لدى الملك عبدالعزيز بن سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية. ترك "محمد أسد" الجزيرة العربية عام 1932م وذهب إلى شبه الجزيرة الهندية في طريقه إلى تركستان الشرقية والصين وإندونيسيا.
ليبيا عمر المختار
في عام 1926م بعد اعتناقه الإسلام قرر "محمد أسد" الرحيل إلى المشرق، إلى تلك البلاد التي وجد فيها ضالته المنشودة، فقرر البقاء في مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وخلال هذه الفترة تعرف إلى الشيخ "محمد إدريس السنوسي" وشارك في أحداث المسلمين في ليبيا في رحلة خاصة خطرة بتكليف من الإمام "السنوسي" وهو في منفاه بمكة، الذي حمل منه رسالة إلى شيخ المجاهدين عمر المختار الشهيد والمحاصر في الجبل الأخضر في ليبيا المحتلة في ذلك الوقت من قبل الايطاليين، فقابل المجاهد "عمر المختار" وصحبه ورافق الشهيد في جهاده ضد الإيطاليين، ولعل "محمد أسد" هو الصحفي الأوروبي الوحيد الذي شاهد عمر المختار عن قرب قبل أن يقبض عليه ويعدم عام 1931م. وبذلك فقد تفاعل " محمد أسد" مع كل قضايا الأمة الإسلامية. فكان بذلك لــ"محمد أسد" شرف الجهاد في تلك الديار.
رحلته إلى شبه القارة الهندية:
ترك "محمد أسد" الجزيرة العربية عام 1932م وذهب إلى الهند إثناء الحرب العالمية الثانية في طريقه إلى تركستان الشرقية والصين وإندونيسيا، ولكن المفكر الكبير "محمد إقبال" أقنعه بإلغاء برنامجه والبقاء بالهند كي يساعده في إذكاء نهضة الإسلام، ووقف نفسه لسنوات عديدة على تحقيق هذا الهدف، وقام بدراسات كثيرة، وكتب مقالات عديدة، وألقى العديد من المحاضرات، وعرف مع الزمن كمترجم للفقه الإسلامي والثقافة الإسلامية.
أعتقال محمد أسد والزج به في السجون
أقام "محمد أسد" في الهند حتى قيام الحرب العالمية الثانية، لقد حرّر صحيفة باللغة الأوردية نشر فيها مقالات تعيب السلطة البريطانية، وبعقب ذلك اعتقله البريطانيون أثناء فترة الحرب العالمية الثانية كلها. فكاد له الإنجليز هناك وحبسوه باعتباره مواطن دولة معادية (النمسا)، وخوفًا من أثره على المسلمين، وقد وقعت له بسبب السجن كارثة، إذ ضاعت منه أكثر أجزاء ترجمة صحيح البخاري الذي أفنى شطرًا من عمره وهو عاكف عليها.
أسد مفكراً
فبعد سنوات من الانقطاع لدراسة الإسلام صار علما من أعلام الإسلام في العصر الحديث . وبجانب هذا كله فقد كان يعرف بترجمان الفقه الإسلامي، وخلال عمله كمندوب وممثل لباكستان في الأمم المتحدة، كان زملاؤه من الغربيين يلاحظون فيه نوعاً من الاندماج الكلي في مهمته التي كلف بها، لا مجرد غربي يؤدي وظيفة فحسب.
باكستان
وفي عام 1932م قرر "محمد أسد" السفر إلى بلاد الهند، ومن ثم إلى بلاد ما وراء النهر، تلك البلاد المسلمة، التي قرر أن تكتحل عيناه برؤيتها، ولكنه خلال مقامه في الهند، كان لقاؤه بمفكر الإسلام وفيلسوفه الكبير "محمد إقبال"، ومن ثم وجد كلٌّ منهما ضالته في الآخر، ولما أراد "أسد" السفر إلى تركستان الشرقية أثناه "محمد إقبال" عن ذلك، وأقنعه بإلغاء برنامجه والبقاء بالهند كي يساعده في إذكاء نهضة الإسلام، ووقف نفسه لسنوات عديدة على تحقيق هذا الهدف، وقام بدراسات كثيرة، وكتب مقالات عديدة، وألقى العديد من المحاضرات، وعرف مع الزمن كمترجم للفقه الإسلامي والثقافة الإسلامية. وفي نهاية الأربعينيات أصبح أسد شريكاً في نضال باكستان للاستقلال. فلقد مثلت باكستان بالنسبة إليه مشروع دولة مثالي بمنأى عن كل أنواع الأفكار القومية، مشروع لا يقوم على قاعدة الانتماء الإثني والعشائري أو على قاعدة حدود ترابية ثابتة، بل على الاختيار الطوعي للمرجعية الإسلامية، ثم أمره رئيس حزب العصبة الاسلامية في الهند الدكتور محمد إقبال أن يبدأ بكتابة المقدمات المنطقية لقيام الدولة الإسلامية، التي كان "محمد أسد" من أشد أنصار فكرتها، وبذلك ساهم في كتابة أبواب من الدستور الإسلامي لدولة باكستان، والمساهمة في وضع أسس ونظم الدولة الحديثة، ذلك من أجل إنعاش بقية من آمال المسلمين المتعثرة، واكتسب جنسية الدولة الجديدة ومن هنا بدأ تحول كبير في حياة الرجل بعد تحوله الكبير باعتناقه الإسلام، كان ذلك التحول مع بداية قيام دولة باكستان الإسلامية، والتي شغل فيها السيد "محمد أسد" مناصب عديدة ضمن وزارة الخارجية، فمن مدير دائرة الشرق الأوسط فيها، إلى وزير مفوض لباكستان لدى منظمة الأمم المتحدة، فمنذ سنة 1952م شغل لمدة سنتين خطة سفير لباكستان لدى منظمة الأمم المتحدة بنيويورك. وذلك لما يمتاز به الرجل من عبقرية فذة بجانب إجادته للغات عديدة كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والعبرية والعربية. وبعد قيام باكستان دعته حكومتها لتنظيم "دائرة إحياء الإسلام" فاشتغل مديرا لدائرة تجديد الإسلام في البنجاب الغربية، فعمل خلال بقائه في باكستان على إنشاء مركز للبحوث والدراسات الإسلامية، فتولى رئاسة معهد الدراسات الإسلامية في "لاهور"، وأصدر مجلة هناك في مدينة لاهور، مجلة "عرفات" كما أسس بمعاونة صديقه "وليم بكتول" الذي أسلم هو الآخر "مجلة الثقافة الإسلامية" في "حيدر آباد"، وعاد من نيويورك رئيسًا لقسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الباكستانية حتى تقدم باستقالته من منصبه عام 1952م بعدما أعلن أنه اطمأن إلى أن الدولة الجديدة قامت على قدميها.
الرجل الأكاديمي
عمل رئيساً لمعهد الدراسات الإسلامية في "لاهور" حيث قام بتأليف الكتب التي رفعته إلى مصاف ألمع المفكرين الإسلاميين في العصر الحديث .
زواجه:
وقد تزوج أسد ثلاث مرات:
أُولاها بـ "إلزا شيمان" المرأة البرلينية، ففي العام (1926م) تزوج من تلك الفتاة التي أحبها "إلزا" كان "محمد أسد" وقتها في السادسة والعشرين من عمره، بينما كانت زوجته في الأربعين! وهي أسلمت معه ولكنها لم تُعَمَّر طويلا، فاقترن بامرأة عربية أسمها السيدة "منيرة"، إحدى بنات الشيوخ، رُزِق منها ابنه الوحيد "طلال" الأستاذ بإحدى الجامعات الأمريكية ثم انفصل عنها.
ثم زواجه الثالث من المرأة البولونية التي جاءت معه وقد اعتنقت الإسلام "بولا حميدة" الأمريكية التى أسلمت هى أيضا.
"محمد أسد" اقترن بنساء أسلمن، المرأة الأولى التي أحبها وافقته على ما وصل إليه من عقيدة التوحيد فأمنت برب واحد خالق رازق، وكذلك الزوجة الثالثة. "محمد أسد" الرجل، مثال رائع لرجل تربى في الغرب يتزوج النساء اللآئي يسلمن، نموذج رائع لرجال الجالية الإسلامية في الغرب!!.
وفاته:
ترك باكستان وبعد بضعة سنوات قضاها في سويسرا، ورحل إلى المغرب سيقيم "محمد أسد" في طنجة حيث يواصل نشاط التأليف والنشر والتعبير عن مواقفه من الأحداث العالمية. لكنه سيظل ينتظر التجديد المرتجى داخل العالم الإسلامي دون أن يراه. ثم رحل إلى البرتغال.
طاف العالم ... ثم استقر في إسبانيا و توفي فيها ودفن في غرناطه.
بعد وفاته سنة 1992م تم دفنه في المقبرة الإسلامية بغرناطة. وقد وجد في هذه النقطة الواقعة في الطرف الغربي الأقصى من أوروبا ما يتناسب أكثر من أي موقع آخر مع تصوره المثالي للمشرق، حتى وإن كانت لا تمثل بالنسبة له سوى ذكرى ماض بعيد، عوضا عن رؤية مستقبلية.
تُوفّي محمد أسد في 19 فبراير عام 1992 في مدينة (ميخاس) بفينخوريلا التابعة لمحافظة (مالقة) بجنوبي الأندلس، ودفن في مقابر المسلمين في مدينة غرناطة. رحمة الله عليه.
إعداد محمد الرمادي
منسق المجلس الإسلامي في النمسا
العنوان الإلكتروني:
[email protected]
رقم تليفون المحمول:0699 1 333 6 332
vBulletin® v3.8.5, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd.