التوظيف الخاطئ لمعاني القرآن

[زارع المحبة]

بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني الأعزاء أخواتي العزيزات .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
هذا الموضوع كنت أحاول كتابته منذ مدة طويلة ولم تسمح لي الظروف , أو ربما تكاسلت عنه , حتى قرأت قبل أيام موضوعا في هذا الملتقى الذي أحبه وأحب جميع المشاركين فيه من كل قلبي وأفتخر بانضمامي إليه , قلت قرأت في هذا الملتقى موضوعا أو قصة عنوانها إن كيدهن عظيم , حتى وهن ميتات) وقد كانت قصة طريفة. أشكر كاتبها وأحييه وأتمنى له كل خير .
فذكّرتني تلكم القصة وشجعتنني على كتابة موضوعي هذا

(إن كيدهن عظيم)

هذه العبارة عندنا يستعملها بعض الرجال لذم النساء ولتأييد فكرتهم بأن النساء كائدات , ماكرات وخبيثات .
ومع أن هذه العبارة مأخوذة من القرآن الكريم , والنص الأصلي هو :{ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } . فأصل النص آية من القرآن .
غير أنهم ينزلونها في غير منزلها ويحملونها مالا تحتمله من المعاني بحجة أن الضمير في كلمة: (كيدكن) يعود إلى النساء .
مع أن الآية تشير الى مجموعة خاصة من النسوة ـ زليخا وصويحباتهاـ اللواتي كن في زمن يوسف u .
ولم يقل القرآن ـ وحاشاه ـ إن كيد النساء عظيم .وفرق كبير بين اللفظين لمن تأمل وأنصف .
ولو جاز وصف النساء بذلك الوصف اعتمادا على الآية المذكورة
ورجوع الضمير الى النساء ـ قلت لو جاز ذلك ـ لجاز وصف الرجال بالشر, لأنه وفي نفس السورة نقرأ قوله تعالى :{قال أنتم شرمكانا ..} والضمير (أنتم) يعود الى الرجال .
أما القصة المشار إليها فأرى أنها مختلقة بغرض التشويه والإساءة للجنس الآخر .
فبعض الناس لديهم عقدة نفسية تجاه المرأة , حيث يرونها ترمز للشر, كما كان ذلك في حضارات أخرى وفلسفات أخرى , حتى أن البعض يَقرنها بالشيطان, وقد قال شاعرهم :

إن النساء شياطينُ خُلقن لنا ... نعوذ بالله من كيد الشياطين

ومنهم من يجعلها أسوء من الشيطان خاصة عندما يقرءون قوله تعالى :{إن كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.ويفسرونها: كيد الشيطان كان ضعيفا بالنسبة للمرأة أي أن كيدها أقوى وأعظم.
وتُنشر هذه الأفكار السيئة ويُربى عليها الصغار حتى يشبوا وهم يحملون هذه النظرة السيئة نحو المرأة .
فبعض منهم لا يتزوج أصلا (أعرف من بين جيراني ثلاث حالات من هذا النوع), ومن تزوج منهم فإنه من البداية ينطلق في تعامله مع زوجته من تلك الخلفية :{إن كيدهن عظيم}و{إن كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} وهن شياطين خلقن لنا ....الى غير ذلك من النصوص المحرفة أو المختلقة أو المؤولة
ولكم أن تتصوروا بعد ذلك ما ذا يحدث,خاصة مع العلم بأن لكل فعل رد فعل يعاكسه , فلا شك أنها الحرب إذن .
وأغلب من صادفتهم يروجون لهذه الأفكار هم أشخاص فشلوا في حياتهم الزوجية .
فقد يكون أحدهم لديه معاملة سيئة فعومل بمثل معاملته , أو يكون أساء الاختيار فوقع نصيبه في امرأة شريرة , ولكنه يعمم حالته على جميع النساء .
ويبدأ يروج لتلك الأفكار الهدامة .وربما يؤلف قصص كالقصة المشار إليها آنفا وربما ينظم أشعارا كالبيت السابق وآلاف غيره .
والأدهى من ذلك أن يحتج لرأيه ومواقفه بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية كالآية التي ذكرناها وغيرها .
وأعظم من ذلك كله أن يختلق هو آيات من عنده يزعم أنها من القرآن .
بعض العامة لدينا يقرؤون كلاما يعتقدونه قرآنا فعلا .
مثل قراءتهم :{النساء ثم النساء ثم اليهود} .
الكثير من العامة عندنا يظنونها قرآنا ويحتجون بها , وربما يقرؤها أحدهم على امرأته إذا حدث بينهما خلاف وأراد أن يُحقِّرها .
وإنما أحيانا يقع خلاف أو جدال بين العامة حول كلمة (النساء) الواردة في هذه (الآية المزعومة ) هل كُررت مرتين أو ثلاث مرات قبل ذكر اليهود.
فالنساء ذكروا في المرتبة الأولى والثانية وربما الثالثة أيضا في سُلم المكر والكيد وسائر الأوصاف الذميمة , ثم في المرتبة الرابعة تأتي الأقوام الأخرى.
تنزه كلام ربنا وتقدس عن هذه المخازي التي ربما لم تحدث حتى في عهد الجاهلية الأولى .
حتى وإن طال الموضوع بعض الشيء , فاسمحوا لي إخوتي أن أذكر لكم هذه القصة الطريفة والمؤلمة في نفس الوقت والتي حضرتها شخصيا.
منذ مدة وفي آخر رمضان لما أنهى الإمام صلاة التراويح وختم القرآن تقدم إليه احد المصلين وسأله: لماذا لم تقرأ آية النساء؟
اندهش الإمام وظنه يقصد سورة النساء , تلكم السورة العظيمة
التي تأمر بالعدل مع النساء والإحسان إليهن وإعطائهن حقوقهن وعدم ظلمهن أو احتقارهن والتي بدايتها :

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا...}
فأجابه الإمام قرأناها . نعم قرأناها في أول رمضان .
فقال الرجل : ولكني لم أسمعها, لم أسمع :{النساء ثم النساء ثم اليهود} .
فضحك الإمام,ثم أفهمه أن هذه ليست آية وإنما هي نص مختلق لهدف مقصود .
بعد أيام من ذلك جاء شخصان الى المسجد متجادلين حول هذا النص هل هو قرءان أم لا وأقسم بالله العظيم أن هتين القصتين واقعيتين حضرتهما بنفسي شخصيا .
أرأيتم إخواني مدى التدهور الذي وصل إليه تفكير البعض منا خاصة في علاقة الرجل بالمرأة ونظرته إليها وموقفه منها ؟
ونتج عن ذلك انحرافات أخرى ومشاكل أخرى , لأن كل موقف له نتائج , وربما أتعرض لشيء من ذلك في مشاركات أخرى إن شاء الله تعالى .
إخواني لا أجد ما اختم به كلامي في هذا الموضوع أحسن من قول الله U :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير.}
وقوله تعالى :{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}
وقول النبي r : {إنما النساء شقائق الرجال} ومعنى شقائق أي كالإخوة الأشقاء , أي هن مثلهم .
قبل أن أنهي كلامي أعتذر لكاتبة القصة (بنت الفلوجة) فربما أحست أنني أنتقدها أو أنتقد قصتها , غير أنني أطمئنها أن شيئا من ذلك لم يكن . وأنا متأكد من أنها لا تحمل تلك الأفكار السيئة التي أشرت إليها , خاصة وأن الظاهر أنها امرأة , وإن كنتُ لم أفهم الهدف الذي تقصده من وراء هذه القصة , ربما لمجرد التسلية فقط خاصة وأنها لم تعلق عليها بشيء , أو ربما تريد أن تقول ما قلته أنا ولكنها فضلت أن تشير إليه في صمت , أما أنا ـ فبتحمسي أوبتهوري ـ تجرأت على ما لم تتجرأ هي عليه . أليس كذلك ؟
أختي الكريمة (بنت الفلوجة) إن قرأت كلماتي هذه فأرجو منك أنت ـ بصفة أخص ـ ردا أو تعليقا .
كما أرجوا من باقي الإخوة في هذا المنتدى تعليقاتهم وأتقبل انتقاداتهم بصدر رحب وبفرح وسرور .
أخيرا تقبلوا تحيات أخيكم إسماعيل الذي يحبكم ويتمنى لكم كل خير.
جمعنا الله جميعا في دار كرامته ومستقر رحمته في الفردوس الأعلى من الجنة قولوا : آآآميــــــــــــــن .

السلام عليكم.