|
|||||||
| ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
الدعاء على الأبناء سهم يرتدُّ محمد الوجيه الخطبة الأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.الحمد لله الذي جعل الوالدين أساس الأسرة، وأمرنا بالإحسان إليهما وطاعتهما في المعروف، وجعل الأبناء زينة الحياة الدنيا، وقرة عين للمؤمنين، ومنة من الله ورحمة، بهم تستمر الحياة، وعليهم تُعلَّق الآمال، وفي صلاحهم صلاح الأمة. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا بربوبيته وألوهيته، واعترافًا بكماله وجماله، ونشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإنها خير زاد، وأحسن عاقبة. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70-71]، أما بعد: أيها المسلمون، إن نعمة الأبناء من أجلِّ النعم وأثقلها في الميزان، هم الوديعة والأمانة التي حمَّلنا إياها ربنا، وهي أمانة لا تقتصر على توفير المسكن والمأكل والملبس، بل هي أمانة التربية الإيمانية، والغرس القيمي، والبناء النفسي السليم، فليس الأمر مجرد إطعام وسقي، بل هو غرس للرحمة، وبناء للقدوة الحسنة، وحفظ للسان من شرور الغضب، وتوجيه للقلب إلى الخير. وإن من أخطر وأشنع ما يقع فيه بعض الآباء والأمهات، غفر الله لنا ولهم، هو الاستهانة بالكلمة، فتخرج منهم على أبنائهم في لحظة غضب أو انفعال، دعوات بالشر والهلاك، أو المرض والضياع. يظن البعض أن هذه الكلمات ما هي إلا تفريغ لشِحْنة غضب عابرة، وأنها لا أثر لها في الواقع، ولكنها في الحقيقة سهام قاتلة قد تُصيب قلب الابن أو تُغيِّر مجرى حياته بالكامل، وقد تزرع في نفسه شعورًا بالرفض الدائم من أقرب الناس إليه. لقد حذَّرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر تحذيرًا شديدًا، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم". أيها المتقون، تأملوا معي عِظَم هذا التحذير: "لا تدعوا على أولادكم". هذا النهي جاء مقرونًا بالنهي عن الدعاء على النفس والأموال، وهي أعز ما يملك الإنسان! لماذا هذا التشديد؟ لأنه يدخل في دائرة المخاطرة بالمستقبل، وخطر الوقوع في ساعة الإجابة. فالله تعالى لطيف رحيم، وقد جعل في اليوم والليلة ساعات تُفتح فيها أبواب السماء، فإذا ما وافقت دعوة الوالد بالشر على ولده تلك الساعة، وقع المحذور، وندم الوالد حين لا ينفع الندم. يصبح دعاؤه سلاحًا موجهًا إلى فِلْذة كبده، وسهمًا يرتد على الأسرة كلها. أيها المؤمنون، لقد علمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن دعوة الوالد مستجابة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده"؛ (رواه أبو داود). إن هذا الحديث ليس تشجيعًا للدعاء بالشر، بل هو إنذار عظيم ومسؤولية جسيمة! لقد جعل الله هذه القوة الإلهية في لسان الوالد لتكون سياجًا حاميًا يوجه به الأبناء إلى الخير والصلاح، لا لتكون مِعْوَل هدمٍ يُدَمِّرُهم ويُفسِدُهم. فاحرصوا- رعاكم الله- على أن تكون دعواتكم دائمة بالخير والبركة والهداية، لا بالشر والمصائب. تذكروا دائمًا: القوة التي أعطاها الله لك كوالد هي قوة بركة ورحمة، لا قوة سخط وعقوبة. لقد كان الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم قدوة لنا في الدعاء الإيجابي لأبنائهم وذرياتهم؛ هذا إبراهيم الخليل، أبو الأنبياء، يدعو بأعظم ما يُرجى: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40]، وهذا زكريا عليه السلام، لما رأى كرامات الله عند مريم، دعا ربه بالذرية الطيبة مع كبر سنه: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]. إنهم يدعون بـ ﴿ مُقِيمَ الصَّلَاةِ ﴾ و﴿ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ﴾، فما الذي يجعلنا نُحوِّل ألسنتنا من هذا المنبع النبوي الصافي إلى آبار الغضب الآسنة؟ أيها المسلمون، ليست العبرة في قوة صوتك أو قسوة كلمتك، بل العبرة في قوة صبرك وعظمة حلمك. إن الغضب هو مفتاح كل شر، وهو اللحظة التي يختطف فيها الشيطان لسان الأب أو الأم ليدعو بما يندم عليه مدى العمر. فإذا غضبت، فاستعذ بالله من الشيطان، وتذكر أن ابنك أو ابنتك بحاجة إلى دعاء الهداية لا إلى سهام العقوبة. اجعل لسانك ينطق بالآمال، لا بالمتاعب. قل: "اللهم اهده"، ولا تقل: "الله لا يوفقك". أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى واقتفى، أما بعد:أيها المسلمون، تحدثنا في الخطبة الأولى عن خطورة الدعاء على الأبناء من المنظور الشرعي، وتبيَّن لنا أنه سهم خطير قد يوافق ساعة إجابة. والآن يجب أن نتحدث عن الأثر المدمِّر لهذا الدعاء من الناحية التربوية والنفسية. إن الدعاء على الأبناء ليس حلًّا تربويًّا، بل هو سهم يرتدُّ على صاحبه أحيانًا، أو يُدمِّر نفسية الأبناء، فالكلمات التي تخرج من الوالدين تحمل سلطة مقدسة في وعي الطفل. عندما يسمع الطفل أباه أو أمه يدعو عليه بالمرض أو الفشل أو الهلاك، فإنه يستوعب رسالة عميقة مدمرة: "أنا غير محبوب، وأنا مستحق للعقوبة، وأقرب الناس إليَّ يتمنون لي الشر". هذه الرسالة تقتل الثقة بالنفس، وتُفقد الطفل الشعور بالأمان، وتؤدي إلى التمرد أو الانسحاب والاكتئاب. إن الطفل الذي يُدعى عليه باستمرار، يتوقع الفشل، ويتصرف بناءً على هذا التوقع السلبي الذي زرعه فيه والداه، فيصبح الأمر نبوءة تحقق ذاتها بسببهما. لقد كان التابعي الجليل عبدالله بن المبارك يؤكد على هذا المعنى بكلماته الحكيمة، حين سأله رجل عن عقوق ولده، وسأله إن كان قد دعا عليه، وعندما أجاب الرجل بـ "نعم"، قال له ابن المبارك كلمة صادمة ولكنها عميقة: "اذهب فقد أفسدته". اعتبر ابن المبارك أن دعاء الأب بالشر هو السبب الأصلي في فساد الولد وعقوقه. ولنا في قصة الإمام اللغوي المشهور الزمخشري شاهد آخر على خطورة دعاء الوالدين بالشر ولو كان ناتجًا عن غضب عابر. يحكي الزمخشري عن نفسه قائلًا: "كنتُ ألعب بعصفور وأنا طفل فقَطعتُ رجله بخيطٍ، فقالت أمي وهي غاضبة: قطع اللهُ رِجْلك! قال: فلما كبرتُ أصاب رِجْلي داء فقُطعت". هذه القصة، سواء صحت أو لم تصح، تُنقل بين العلماء كعبرة قوية تحذيرية من عواقب زلَّات اللسان في حق الأبناء. فيا أيها الوالدان الفاضلان، علينا أن ندرك أن البديل التربوي موجود وشرعي، وهو الرفق واللين والاحتساب. أولًا: الرفق في التعامل: اقتدوا برسولكم صلى الله عليه وسلم الذي قال: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"، وقال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه". علموا أبناءكم باللين، وعاقبوهم بالتوجيه والحرمان المؤقت لا بالعنف اللفظي أو الجسدي. ثانيًا: الدعاء بالخير هو العلاج: إذا غلبك الغضب وأراد لسانك أن ينطق بالشر، حول مسار الكلمة فورًا، وادعُ له بالهداية والصلاح. تذكر دائمًا أن أجمل هدية تقدمها لولدك هي دعوة صادقة في ظهر الغيب بالصلاح والتقوى والنجاح. الدعاء للخير هو زاد الأبوة والأمومة، وهو عون من الله لا يُستغنى عنه. ثالثًا: تفهم مرحلة الطفولة والمراهقة: تذكروا أن الأبناء يخطئون بطبيعتهم، فهم لا يزالون يتعلمون. افصلوا بين السلوك السيئ وبين شخصية الابن. لا تقولوا: "أنت فاشل"، بل قولوا: "هذا السلوك غير صحيح". فيا أيها الوالدان، لا تُخسروا أبناءكم بدعاء الغضب. إذا أخطأوا، فلا تدعوا عليهم، بل توجهوا إليهم بالدعاء بالهداية والصلاح. دَعِ الدعاءَ فإِنَّ الدعاءَ سَهْمُ الغَضَبِ، قدْ يُصِيبُ قلبًا، أو يُوقِدُ لَهيبَ النَّدَمِ. فادعُ لهم بالهدى والصَّلاحِ يا والِدِي، فالدعاءُ للخيرِ زادٌ، ولِلشرِّ لَيسَ منَ الأدبِ. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الوالدين الصالحين الذين يدعون لأبنائهم بالخير والصلاح والنجاح. اللهم اهدِ أولادنا وبناتنا، واجعلهم قرة أعين لنا في الدنيا والآخرة، واجعلهم من عبادك الصالحين، ومن الذين يبرُّون بوالديهم. اللهم أعِنَّا على تربيتهم على ما تحب وترضى، ووفقنا لبرِّهم، واحفظ ألسنتنا من كل قول يؤذيهم أو يضرُّهم، واجعلهم سببًا لدخولنا الجنة. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. إنك سميع قريب مجيب الدعوات. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |