|
|||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
هدايا الرزق سمر سمير ذهب رجلٌ لأداء مناسك الحج، ولَما انتهى منها، أراد أن يشتريَ لأولاده بعض الهدايا بهذه المناسبة، فخصَّص مبلغًا متساويًا لكل واحد منهم؛ ليشتري له هدية مناسبة، فاشترى للأول هاتفًا؛ لأنه يعلم أن هاتف الولد قد تلف، واشترى للبنت خاتمًا ذهبيًّا بمبلغ مقارب لسعر الهاتف، ولم يجد شيئًا يناسب الولد الثالث، ففكَّر أن يعطيه المبلغ وهو يشتري ما يريد، أما الولد الرابع، فهو يعلم أنه يحب الصدقات والأعمال الخيرية، فتصدَّق بنصيبه في بعض الأعمال الخيرية في جمعية من جمعيات مكة المكرمة. رجع الرجل من رحلته المباركة، وبعد أن استقبله أولاده وسلموا عليه، أعطى كل واحدًا منهم هَديتَه، أعطى الولد الأول الهاتف، وأعطى البنت الخاتم، وأعطى الثالث النقود، أما الرابع فأخبره أنه تصدَّق له بها في مكة. فرح الأولاد بهداياهم وشكَروا أبيهم، ولكن بعد قليل سَمع ما لا يُعجبه، سمع صاحب الهاتف يقول: لماذا يا أبي لم تُعطني نقودًا مثل أخي لأشتري بنفسي الهاتف الذي أريد؟ وقالت البنت: وأنا يا أبي، كنت أريد هاتفًا جديدًا، ولم أكن أريد الخاتم. أما الثالث، فاعترض أيضًا بأنه كان يريد ذهبًا ليدَّخره؛ لأن قيمته أكبر من النقود. الرابع أيضًا أراد أن يأخذ مبلغًا من المال مثل أخيه ليتصرَّف فيه كيف يشاء. لم يقنع أيٌّ منهم برِزقه، وظل ينظر إلى ما في يد أخيه، مع أن الأب أخبرهم أن نصيبهم جميعًا متساوٍ، لكن شكله هو المختلف، وهذا طبع الإنسان - إلا ما رَحِمَ ربي - لا يقنع برزقه ويطمَع فيما في أيدي الناس. ماذا فعل الأب؟ قال لهم: بما أنكم جميعًا لم ترضوا بالهدايا، فإني سأسحبها منكم ما دمتُم لا تقدِّرونها، ولا تشكروني عليها، بل تجحدونها وتطمعون في غيرها. قال الأبناء: لا يا أبانا، نحن متأسفون، لقد أخطأنا، سنحتَفظ بها ونرضى ونَشكرك عليها. قال الأب: لقد أعطيت كلًّا منكم ما يناسبه؛ لعلمي به، ولعلمي بما يناسبه، ليس لأني أفضِّل أيًّا منكم عن الآخر، وهذا العدل حسب ما أستطيع، أما المساواة فلن تكون مناسبة، ماذا لو أعطيتكم جميعًا هاتفًا مع عدم حاجتكم إليه؟ لن ترضوا أيضًا، أبنائي لقد أعطيتكم الهدايا ابتداءً دون طلب منكم ولا استحقاق، إنما أعطيتُها تفضلًا مني وكرمًا وحبًّا لكم، فعلامَ الاعتراضُ؟! أبنائي، الرزق ليس مالًا فقط، للرزق أشكالٌ كثيرة: الصحة رزق، الأسرة والأولاد رزق، راحة البال والسكينة رزق، الإيمان بالله وطاعته رزقٌ، بل من أفضل الأرزاق. لماذا تنظرون إلى مَن هو أعلى منكم، ولا تنظرون لمن هو أقل منكم؛ كما أوصانا نبينا عليه السلام؟! ألم تسمعوا قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 32]. يَحثنا الله في الآية ألا ينظُر النساء إلى ما فضَّل الله به الرجال والعكس؛ لأن لكلٍّ منهم ما يُناسبه حسب طبيعته وفِطرته، فالله سبحانه حكيمٌ يُعطي بحكمة وعلمٍ بنا، يعطي كلًّا منا ما يناسبه ويُصلحه. ألم تتدبَّروا قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131]. يأمُرنا الله بغضِّ أنظارنا عن أرزاق الناس في الدنيا، ونرضى بما رزقنا الله، ونستشعر نِعَمَه الأخرى علينا التي من أهمها رزق الآخرة من الأعمال الصالحة والذكر والصلاة والقرآن، فهذا هو الباقي حقًّا؛ قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]. هذه هي الأرزاق التي نَفرَح بها حقًّا؛ لأنها الأبقى والأدوم، لذلك أمرنا الله أن نَفرَح بها في قوله تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]. إذا رأيتَ الله يوسع رزقك في الآخرة وإن قلَّ في الدنيا، فافرَح بفضل الله عليك؛ فهذا هو الفرح الحقيقي والاستثمار الدائم. إذا رأيت الله يفتح لك أبوابًا من الخير والبر لم تكن لتفكِّر بها، فافرَح برحمة الله لك. إذا رأيت الله يَصطفيك لهداية الناس وإرشادهم، فاعلَم أنه سبحانه يريد لك الخير. أبنائي، مَن لا يشكر الله على نعمه ويَجحدها، يَسلُبُها الله منه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]. وقال سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 53]. لا يغيِّر الله النعمة إلى نقمة حتى يغيِّر الناس الطاعة إلى معصية. قال الحسن البصري رحمه الله: "إن الله ليمتِّع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يُشكَر عليها قلَبها عذابًا، ولهذا كانوا يسمون الشكر (الحافظ)؛ لأنه يَحفَظ النعم الموجودة، و(الجالب)؛ لأنه يجلب النعم المفقودة". جعَل الله أرزاق الناس مختلفة؛ ليَفتن بعضهم ببعض، فالغنى فتنة للفقير يَختبره الله بالغنى، هل سيرضى الفقير برزقه أم سيَحسُد الغني ويَحقد عليه ويحاول سرقته؟ وكذلك الفقير فتنة للغني، هل سيتصدق الغني على الفقير ويُعطيه مما رزقه الله، أم سيتكبَّر ويبخل بما هو مستخلف فيه؟ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 53]. أبنائي، القناعة كنز لا يفنى، مقولة قيلت قديمًا، وهي صحيحة؛ لأنك إذ لم تقنع وترضَ بما عندك، وما رزَقك الله، فإنك ستنظر إلى ما في يد غيرك، ولن ترضى أبدًا؛ لأنه كلما وصلت إلى ما عند أحدٍ ستجد شخصًا آخر عنده ما لا تَملِك، فتتمنَّى ذلك أيضًا، وهكذا هَلُمَّ جرًّا، ستظل تَلهَث وراء ما في أيدي الناس، فلا تهنأ لك معيشة، ولا يرتاح لك بالٌ، بل ستسعى جاهدًا وراء الهم والغم والقلق على ما فاتك مما لم يُكتَب لك، فلا يَملأ فم ابن آدم إلا التراب؛ عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن لابن آدم واديًا من ذهب، أحبَّ أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب"؛ صحيح مسلم. أبنائي، نحن نَغرق في نِعم الله علينا صباحَ مساءَ، بل في كل لحظة وفي كل نفس نعمةٌ، لا نحتاج لتنفُّس صناعي لنحيا، لا نحتاج للغسيل الكلوي كلَّ يومين لنستمر في الحياة، لا نحتاج لمن يحملنا لندخل الخلاء... والكثير الكثير من النعم التي ننساها ونتناساها، ولا نفكِّر فيها، ولا نَشكُر الله عليها. بيتك الصغير حلمٌ للمشرَّد، عملك الشاقُّ حلمٌ للعاطل، أولادك المشاغبون حلمٌ لكل مَحروم، اذكروا نعمَ الله عليكم ولا تُنكروها؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 231]،رزَقكم الله الرضا والقناعة؛ فإنها جنةٌ لا يَعرِفها إلا مَن دخلها، ولا يُقدِّرها إلا مَن ذاقها.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |