|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الفرق بين إفساد الميزان وإخساره د. نبيه فرج الحصري عند التدبر في الآية الكريمة ﴿ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 9]، فإننا نجد في كلمة - أو عبارة - ﴿ وَأَقِيمُوا ﴾ التي أوردها المولى عز وجل في بداية الآية الكريمة إشارة منه إلى عملية البناء؛ لأن ما يمكن إقامته وما ينطبق عليه لفظ (أقيموا) هو البناء، فيقال: إن فلانًا أقام بناءً؛ بمعنى أنشأ بناءً لم يكن موجودًا من قبل، أو أنه أزال بناءً قديمًا وأقام غيره مكانه، والإقامة كذلك بمعنى الإنشاء ترتبط بأشياء أخرى كثيرة؛ كإقامة الصلاة، وإقامة العدل، وهي أشياء معنوية لها أدوات مادية، وكذا إقامة الوزن الواردة في الآية الكريمة، التي يقصد بها إقامة العدل بالإضافة إلى معانٍ أخرى تم التطرق إليها في مقالات سابقة، والذي يعنينا هنا هو ارتباط عبارة ﴿ وَأَقِيمُوا ﴾ بالبناء، وفعل الأمر إذا صدر من المولى عز وجل؛ فهو يستوجب التنفيذ، سواء بالإنشاء من العدم، أو إزالة ما كان موجودًا وإقامة غيره مكانه. ويستلزم هذا الإنشاء مراحل من التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، وتلك هي عناصر أو مقومات الإدارة الفاعلة، وبناءً على ذلك يلزم تضافر الجهود من أجل إنجاز هدف إقامة البناء لما أمر الله بإقامته وهو العدل، ونقول: تضافر الجهود؛ لأن الأمر في عبارة (وأقيموا) موجه للجميع وليس للمفرد، ولكن هل المطلوب إقامته هو الوزن أم الميزان؟ تلك مسألة تدعو للتدبُّر! فالمطلوب إقامته هو الوزن وليس الميزان؛ لأن الميزان موضوع بالفعل من لدن المولى عز وجل وكما أوضح في الآية الكريمة ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 7]، محفوظ بحفظ الله، ومن ارتبط به ورعاه والتزمه في قلبه وعقله وسلوكه فقد أفلح ونجا، ومن حاد عنه وجافاه لاذ بالخسران والندامة في الدنيا والآخرة، ذلك هو الميزان الذي وضعه الله عز وجل بنفسه. أما ما يتطلب منا كبشر وكمسلمين إقامته فهو الوزن، وهو الجزء التطبيقي من الميزان، وهو الجانب البشري في الموضوع الذي وضعه الله بين أيدينا لينظر ماذا نفعل بخصوصه، فهو يتطلب منا وضع الأنظمة واللوائح والقوانين التي ترعى تطبييق العدل بمفهومه الواسع، بمعنى إيجاد المنظمات والمؤسسات التي تدعو إلى العدل بكافة أبعاده، وبصفة خاصة ما يتعلق بأمر الحكم والقضاء، فترعى وتضمن تلك المؤسسات إنجاز هذا الهدف الذي هو إقامة الوزن بمعنى تحقيق العدل، ومن المطلوب أن توجد مؤسسات ومنظمات تدعو لإقامة العدل في البيوت بين الزوج وزوجته أو زوجاته، وبين الأولاد والآباء والأمهات في مختلف مراحل العمر، وكذا أن توجد مؤسسات ومنظمات تدعو لتطبيق مبادئ العدل بينك وبين جسمك وبيئتك، فكل ذلك ينضوي تحت ﴿ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ ﴾ [الرحمن: 9]، وقد أكمل المولى عز وجل الآية الكريمة بكلمة مباركة وهي ﴿ بِالْقِسْطِ ﴾ [الرحمن: 9]؛ أي: إن هذا البنيان الهائل المعد للتطبيق العملي الواقعي لما أمر الله به يجب أن يتم بالقسط؛ أي: بالعدل. والقسط في اللغة هو النصيب أو الحظُّ، فيقال: هذا حظ فلان؛ أي: الجزء المخصص له، إي: إنه لإقامة الوزن بالعدل يجب أن يتحصل كل صاحب حق على حقه دون زيادة أو نقصان، وكلمة صاحب حق هنا عمومية، بمعنى أن صاحب الحق قد يكون الفرد أو الجسم أو البيئة أو غير ذلك مما يمكن أن يكون له حق من الحقوق على الفرد أو المجتمع أو الدولة ككل، وأكمل الله عز وجل الآية الكريمة بقوله: ﴿ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 9]، فلماذا لم يقل عز وجل: (ولا تفسدوا الميزان)؟ يعود ذلك- والعلم عنده عز وجل- إلى أن الميزان من وضعه سبحانه كما أوضحنا؛ فلا يعتريه التغيير ولا التبديل أو الفساد؛ لأنه عز وجل وضع الميزان وبيَّنه في كتابه الكريم المسجل على اللوح المحفوظ منذ ما شاء الله من الزمن، وإذا كان القرآن الكريم قد اشتمل على بيان الميزان الذي وضعه الله تعالى منذ أن رفع الله السماء عن الأرض وغلفها بغلاف خاص بها، فإن الفساد لا يمكن له أن يعتري ذلك الميزان أبدًا، فإنه محفوظ ما دام القرآن محفوظًا، فالفساد إذًا لا يمس الميزان بحال، وإنما يمكن أن يعتري الوزن نفسه؛ لأنه عمل بشري حين يباشره الناس بأنفسهم وفيهم الصالح والطالح، وهذا هو الإخسار؛ أي: تعطيل الميزان عن أداء مهمته. فإقامة الوزن أو العدل بالقسط مع تجنب إخسار الميزان بتعطيله عن أداء مهمته، وليس إفساده بالكلية؛ لأن ذلك لا يقدر عليه الخلق والله عز وجل أعلى وأعلم، ويجرنا ذلك إلى فكرة الربح والخسارة بما يعني أن إقامة الوزن بالقسط تؤدي إلى أن يربح الجميع أرباحًا لا يظلم فيها ولا يخسر فيها أحد، وإذا استطاع قوم إقامة الوزن أو العدل بصورة كاملة شاملة لربحوا وغنموا وفازوا على من دونهم في الدنيا وفي الآخرة أيضًا إذا ابتغوا بذلك وجه الله عز وجل. ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق الأنبياء أو على يد من شاء الله عز وجل من خلقه وهو بهم عليم، أما مقابل القسط وهو الظلم أو الغلول، فإنه سبيل الخسارة والخسران على كل المستويات دنيويًّا وأخرويًّا، والأمثلة من حولنا كثيرة التي توضح عاقبة الظلم أو الغلول دوليًّا و محليًّا، تاريخيًّا وجغرافيًّا، عاقبة ذلك هو الخسران المبين ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ﴾ [الطلاق: 8، 9]. واللافت للنظر هو دقة اللفظ القرآني بصورة إعجازية؛ حيث يقول المولى عز وجل: ﴿ وَلَا تُخْسِرُوا ﴾ [الرحمن: 9]، ويعني ذلك أن الصفقة في الأساس رابحة وتتوافر لها كل عناصر النجاح؛ لأنه عز وجل خلق الأرض وخلق الخلق كلهم وتكَفَّل بأرزاقهم، وأوجد معهم العناصر التي تعينهم على البقاء والاستمرار حتى يأذن الله بتبديل الحال، وأوجد أمام بصائرهم دلائل قدرته وعظمته، وأرسل رسله، وأنزل كتبه، فكل شيء واضح مذلل ميسر، ورغم كل ذلك تحدث عملية إخسار متعمدة من جانب الجهلاء والمغرورين والمتكبرين؛ لاعتقادهم أن ذلك يصبُّ في مصالحهم وهم مخدوعون. والأمر من الله عز وجل هو للجميع في كلمته: ﴿ وَأَقِيمُوا ﴾ [الرحمن: 9] الواردة في بداية الآية الكريمة، ولكن الخوف والجبن والممالأة والنفاق هي أمراض في الصدور تحول ما بين صدعة المستضعفين بالحق في وجوه الجائرين الظالمين البين انتزاعهم لحقوق غيرهم فيشارك الجميع بذلك في إخسار الميزان؛ أي: تعطيله عن إصلاح المجتمع باختيارهم طريق الخسران برغم ما وفره الله لهم ليكونوا من الرابحين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |