|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() دروس من قصص الأنبياء
في آيات جامعات من سورة يوسف -عليه السلام-، بين الله -تعالى- بعض أو معظم الأهداف التي لأجلها أورد في كتابه الكريم قصص أنبيائه، وقصص الأمم السابقين، فقال -سبحانه-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}، فبين -سبحانه- في هذه الآيات البينات الأهداف التي من أجلها قص الله علينا قصص الأنبياء، فهو -سبحانه- لم يقص ذلك علينا في كتابه لأغراض أدبية، ولا تاريخية، ولكن لأهداف أخرى. أولاً: (أخذ العبرة) حتى نتعلم ونعلم أن السلوك البشري على مدار التاريخ يتشابه، وأن حجج الباطل مع تتابع الأنبياء وإن اختلفت أزمانهم وأوطانهم واحدة، فلكأنها تتطابق، تطابقاً يشعرك بأن الإنسان في مجال الكفر تتوقف ملكاته العقلية عن التطور، ويتجمد فهمه وإدراكه، فلا يقبل إلا بالمألوف مهما كان انحطاطه. ثانياً: (الله -تعالى- لم يرسل إلا بشرا رجالا) لقد تعلمنا ذلك من قصص الأنبياء في القرآن الكريم، فالله -تبارك وتعالى- لم يرسل ملائكة يهدون الناس، وقد كان ذلك من أهم أسباب تكذيب الكفار للمرسلين، وكانت هذه الحجة متكررة على ألسن الكافرين من زمن نوح إلى زمن محمد -صلى الله وسلم عليهم جميعاً. ثالثاً: (عاقبة التكذيب لمنهج السماء) فالهلاك هو عاقبة التكذيب، لكننا إذا تأملنا قصص الهالكين من الأمم في القرآن، لوجدناهم قد رفضوا هداية الله لهم جملة وتفصيلاً، فقد انضم إلى الكفر سبب آخر في قصة لوط، وفي قصة شعيب، وفي قصة ثمود، وفي قصة فرعون، فلم يكن مجرد التكذيب بالتوحيد هو سبب الهلاك، ولكن أيضاً التكذيب بمقتضيات ذلك التوحيد، فكان التوغل في هدم القيم الأخلاقية وطغيان الشهوة، سبباً رئيساً في نزول العذاب على هؤلاء الهالكين. رابعاً: (الله -تعالى- لا يتخلى عن رسله ولا عن أتباعهم) فعاقبتهم إلى النجاة، والنصر، ولكن قد يتأخر النصر عنهم لأسباب، هي في الغالب راجعة إلى فساد أتباع الرسل أو عدم اكتمال مقومات النصر عندهم، أو عند أكثرهم، فيكون ما يتعرض لهم مجموعهم من الشدة سببه ما عليه أكثرهم من الفساد، وإن ذلك يظهر بقوة فيما ورد في القرآن من قصص بني إسرائيل، ولذلك يكثر ذكرهم في القرآن لأخذ الحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه، فيصيب المسلمين ما أصاب السابقين. خامساً: (تأكيد ما جاء في كتب أهل الكتاب وتصحيح ما جاء فيها من أخطاء) ولا سيما ما يتعلق من ذلك بالأنبياء -عليهم السلام-؛ فأكثر الأنبياء في القرآن هم الأنبياء الوارد ذكرهم عند أهل الكتاب، لكن القرآن يحفظ للأنبياء عصمتهم، ويصون مكانتهم، من التقولات الفاسدة التي تنسب إليهم الفسق والعصيان؛ فإن ما ورد عند الآخرين من ذلك إنما سببه رغبة المحرفين لكتبهم في تسويغ الفجور، وفعل المنكرات، حتى ما فعلوا شيئاً منها قالوا قد فعل ذلك الأنبياء حاشاهم. سادساً: (بيان وجه الحق فيما التبس على أهل الكتاب) قال -تعالى-: {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، فالقرآن يؤيد ما كانوا عليه من الحق عقيدة أو شريعة، ويصحح لهم ما يحتاج من ذلك إلى تصحيح، كما كان في شأن مسألة رجم الزاني التي كانوا يخفون حكمها؛ فلما احتكموا إلى نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- في شأن رجل وامرأة منهما قد زنيا رفض -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يتابعهم على الباطل، وألزمهم إظهار الحكم الصحيح من كتابهم. ففي الحديث المتفق عليه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل وامرأة من اليهود قد زنيا، فقال لليهود: «ما تصنعون بهما؟»، قالوا: نسخم وجوههما ونخزيهما، قال: {فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} (آل عمران: 93)، فجاؤوا، فقالوا لرجل ممن يرضون: يا أعور، اقرأ فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه، قال: «ارفع يدك»، فرفع يده فإذا فيه آية الرجم تلوح، فقال: يا محمد، إن عليهما الرجم، ولكنا نكاتمه بيننا، فأمر بهما فرجما.. الحديث». سابعاً: (العلم بما كان للاستفادة منه فيما يكون) ولذلك قال -سبحانه-: {وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، فإذا حذر الله من أخطاء السابقين، التي كانت سبباً في فشلهم وفي تخلف عناية الله عنهم، فعلى المسلمين أن يفهموا ذلك عن الله، وأن يحذروا الوقوع فيما وقعوا فيه، وإذا أثنى -سبحانه- على قوم في القرآن وبين رشادهم، وحسن فِعَالِهم، واتباعهم، فعلى المسلمين أن يطبقوا ذلك في سلوكهم مع نبيهم، ومع تعاليم ربهم. ثامناً: (تثبيت المؤمنين) ولذلك قال -سبحانه-: {وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، أي أن هذا القصص إنما نزل لهم ليعلموا أن ما يصيبهم من شدائد دنيوية ليس خاصا بهم، إنما هو سنة جارية على أصحاب الحق في كل زمان ومكان، فقد وصلت الشدة بالأنبياء السابقين إلى حد استيئاس أتباعهم منهم والظن بهم أن الله قد تخلى عنهم، فإذا كان الأنبياء والرسل -وهم صفوة الله من خلقه وأحبهم إليه- قد أصابهم ذلك في سبيل دعوة الحق فلم تكن حياتهم رغدا، ولا نعيماً، وإنما كانت جهاداً وصبراً واستبسالاً وتحملاً لكل ألوان العذاب والتنكيل، فإنَّ هذا إن جرى على المرسلين، فما عسى أن يكون في حق من دونهم ممن يسير على نهجهم. ملمح مهم ودرس عميق وهنا ملمح مهم ودرس عميق مفاده أن الشدة التي تلحق أتباع المرسلين قد لا تكون بسبب التقصير، كما بينا في السبب الرابع، ولكن لحِكَمٍ أخرى، قد يصعب فهمها عند الجيل الذي يتعرض للتعذيب والتنكيل، ومن ذلك مثلاً أن يكون في جانب أهل الباطل ناسٌ هم في علم الله سيكونون من خيرة أهل الحق، فيكون الصبر على الشدة التي يتعرض لها المؤمنون في الحاضر سبيلا في المستقبل لاكتمال الدين وقوة شأنه وتعظيم انتشاره، يظهر ذلك في قصة سيدنا محمد -[-، وهي مبثوثة في جميع القرآن، فما كل سورة من سور القرآن إلا فصل من فصول حياته -عليه الصلاة والسلام-، فإنك تجد مصداق ذلك واضحاً غاية الوضوح حين تجد أن أهم فرسان الإسلام الذين فتحت بهم العراق ومصر والشام وفارس وغير ذلك من البلاد هم الذين تأخر إسلامهم، وكانوا هم أو آباؤهم في عداد المشركين السامدين في الشرك المحاربين للدين المعذبين للمسلمين. من أهم غايات قصص الأنبياء من أهم غايات قصص الأنبياء في القرآن الكريم التأنيس والتثبيت للمؤمنين، وللنبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم -، حتى يعلموا أن ما هم فيه من شدة، هو سنة الله الجارية في السابقين، وإن لهذه الشدة حكماً وأسباباً، في علم الله -تعالى-، ومن هنا وعلى هذا النهج وفي ذلك السياق جاء قصص الأنبياء في القرآن الكريم، لا لمجرد القصص، ولكن لإعمال الفهم والتدبر والعلم والاعتبار، والتثبيت، وهكذا يتعين علينا حين نقرأ القرآن أن ندرك رسائله؛ فهي ليست لجيل دون جيل، بل هي رسائل الله للناس جميعاً في كل الأماكن والسنين. اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() دروس من قصص القرآن الكريم – إبراهيم عليه السلام بين أبيه وقومه (١)
من أعظم القصص الذي جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية قصة خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام-، وقد قص الله -تعالى- علينا قصته في القرآن الكريم في مواقف متعددة، منها ما يتعلق ببنائه للكعبة ومنها ما يتعلق بمُحاجَجته للنمرود الذي ادّعى القدرة على إحياء الموتى، ومنها ما يتعلق بدعوته لأبيه وقومه بتَرك عبادة غير الله من الكواكب والأصنام، ومنها ما يتعلق بقصّته مع الملائكة التي جاءت تبشره بإسحاق -عليه السلام-، ومنها ما يتعلق بقصّة هجرته إلى مكة مع زوجه وابنه وقصة الفداء. وحاصل الأمر أن قصة إبراهيم -عليه السلام- هي من أكثر ما ورد في القرآن والسنة من قصص، واسمه من أكثر الأسماء ذكرًا في القرآن الكريم، فقد ورد في نحو ستين موضعا، لا يكاد يخلو منها موضع إلا وفيه ثناء عليه نصا أو موضوعًا؛ لأن حياة خليل الرحمن إبراهيم كانت نموذجًا يحتذى في سلامة دينه، وقوة يقينه، وصلابة إيمانه، وحسن عبادته ودعوته، وعمق برهانه وحجته، وجميل أخلاقه وكرمه، فقال -سبحانه-: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (النساء: 125)، وقال أيضاً: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} (الممتحنة: 4)، وقال بعدها مباشرة ليؤكدها {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} (الممتحنة: 6). نشأة إبراهيم -عليه السلام- نشأ إبراهيم -عليه السلام- بالعراق في بابل القديمة؛ حيث كان المجتمع يعج بالشرك من كل لون، فهم يعبدون الأصنام، والكواكب، ويعبدون ملوكهم، وقد ناظرهم في تلك الجزئيات الثلاثة، وبين لهم ضلالهم، وبين لهم بألطف العبارات وأقصر طرائق الإقناع فساد عقائدهم، ودلهم على التوحيد الخالص، وكان -عليه السلام- من نسل سام بن نوح -عليه السلام-، وكانت قد نشأت بعد الطوفان حضارات في أنحاء من الأرض من أهمها وأقواها وأقدمها حضارة بابل، التي نشأ في أكنافها إبراهيم -عليه السلام-، وكان قد ولد لأب يعبد الأصنام، بل أيضاً يصنعها ويبيعها للعابدين، وقيل أيضاً إنه كان كبير قومه في ديانته. أول مواجهات الدعوة كانت أول المواجهات الدعوية التي خاضها إبراهيم -عليه السلام- في بيته مع أهله ونخص منهم أباه، وقد أورد لنا القرآن الكريم أن نتاج هذه الدعوة تمخض عن عناد أبيه وإصراره على الكفر، بل وطرده لإبراهيم من بيته، ولكن آمن له من بيته اثنان لم يؤمن له في كل مسيرته الدعوية في العراق غيرُهما، وهما سارةُ زوجته ولوطٌ ابنُ أخيه هاران، قال الله -تعالى-: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} (العنكبوت: 26)، وصح في الحديث قوله لزوجه سارة: «ليس على وجه الأرض مسلم غيري وغيرك» (صحيح البخاري، رقم: 3358)، ويعني بالأرض هنا البلد التي كانا فيها معاً، إذ ذاك وهي مصر، ولوط -عليه السلام- لم يكن معهما. التودد أول ملامح دعوته لأبيه لقد كافح إبراهيم -عليه السلام- من أجل إقناع والده بالإيمان والتوحيد، ونبذ الشرك والأوثان، يظهر ذلك في تكرار القرآن لمرات دعوة إبراهيم لأبيه للإسلام، ففي بعض الآيات تجده يقول: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ}، كما في الأنبياء والشعراء والصافات والزخرف، وفي آيات أخرى يتوجه إلى أبيه خاصة فيدعوه إلى الإيمان، وذلك في سورة مريم؛ حيث بين الله -تعالى- كيف كان يتواضع إبراهيم لأبيه ويرفق به ويبالغ في الشفقة عليه؛ حيث كرر عليه النداء أربع مرات بقوله {يَا أَبَتِ}، وقد كان أبوه في حضرته، لم يكن بعيداً عنه لكنه استخدم حرف النداء (يا) إشعاراً له بتبجيله وتعظيم مكانته، ثم هو لا يقول له يا أبي، ولكن يقلب الياء تاءً {يَا أَبَتِ} إظهاراً للتودد إليه، ثم يكرر على مسمع أبيه النداء بالأبوة أربع مرات، ليشعره بأنه حريص عليه، فلكأنه يقول له أنا جزء منك، أحب لك الخير بدرجة حبه لنفسي. استخراج الحق بالاستفهام لقد بدأ إبراهيم -عليه السلام- حديثه مع أبيه بصيغة السؤال؛ ليصل به إلى النتيجة التي يريدها من غير مغالبة ولا قهر، فهو يسأله {لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}، (مريم: 42)، فأظهر هنا لأبيه فساد معتقده في أوجز عبارة؛ إذ لو كان فيما يعبده عيب واحدٌ من هذه الثلاثة لكان كافياً للكفر بها، فكيف وقد اجتمعت فيها العيوب الثلاثة: العمى والصمم والعجز. توثيق المصدر بالإسناد ونلاحظ أنه -عليه السلام- في دعوته لأبيه يوثق له مصدر هذه الدعوة، ويبين له أنها ليست مجرد آراء يراها من تلقاء نفسه، إنما هو الوحي، {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} (سورة مريم، آية: 43)، ونلاحظ هنا أنه يؤكد مصدر دعوته بمؤكدين لغويين هما: (إن) و(قد)، {إني قد}، واستخدم الفعل {جاء}، فقال: {إِنِّي قَدْ جَاءَنِي}، ولم يقل أتاني؛ لأن لفظ المجيء يدل على عظمة ذلك الشيء المجيء وثقله، فهو ليس أمراً هيناً ولا سهلاً، (في هذا المعنى: تفسير الألوسي بتصرف كبير 10/17، ولمسات بيانية في نصوص من التنزيل، د/ فاضل السامرائي ص97)، فعبر بذلك اللفظ ليُحْدِثَ في نفس أبيه قدراً من الهيبة والتوقير لشأن الوحي. تواضع الابن المؤمن لأبيه الكافر وإن إبراهيم -عليه السلام- مع كل هذه العناية السابقة في دعوة أبيه باللطف والحكمة، يستخدم ألفاظاً تدل على مدى تواضعه له وحنوه عليه وهو يخاطبه، فهو يدعوه إلى أمر جليل، ولكنْ بأدب وتواضع، فإذا به يقول {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ}، (من العلم)، أي بعض العلم، يتواضع لأبيه، ثم يجعل نفسه مع أبيه بمنزلة المرشد للطريق الصحيح، {فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا}، (مريم: 43)، ثم يقول له: {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا}، (مريم: 44)، فهو يوضح له أن عبادة الأصنام ليس لها أصل موصول بالله، إنما هي وحي الشيطان إلى أوليائه من العصاة، ويحذره من أن يكون مثلهم فيلقى مصيرهم {فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}. الدرس المهم لابد أن يخرج المؤمن الفطن بنتيجة مهمة حين يقرأ ذلك عن نبي الله إبراهيم، في دعوته لأبيه؛ إذ يدرك حجم خطورة العلاقة بالوالدين، ومدى عظم شأن الأب عند الله ولو كان كافراً، فإذا كان هذا هو شأن رسولٍ عظيمِ القدر عند الله فهو خليله، حين يكلم أباه الكافر، فنراه لا يفارق في حديثه معه ودعوته إياه حدود اللياقة أبداً، ولا يتجاوز ولا مرة واحدة بالخطأ قدره كابن يخاطب أباه، فإن هذا هو الدرس وتلك هي الرسالة التي ينبغي أن يحملها كل ابن مؤمن في عقله ووجدانه وعمله وقوله، حين يتعامل مع والديه أو أحدهما، مهما بلغ حجم التقصير والخلل عندهما، أو عند أحدهما، سواء على المستوى الشخصي مع الابن، ولو بلغ حد الجناية منهما عليه، أو على مستوى الدين مع الله، ولو بلغ حد كفر به. ولا شك أن ذلك الاختبار الصعب بشقيه، قد نجح فيه نبي الله إبراهيم بجدارة، ولولا ذلك النجاح لما نال ما نال من شرفٍ وكرامةٍ عند الله، فبِرُّه بأبيه كان مدخله الأرضي لبابه السماوي عند ربه -جل في علاه-، ولعل ذلك هو ما يفسر في جلاء طلب الله البر بالوالدين عقب طلبه التوحيد من عباده، في القرآن الكريم أكثر من مرة، مع أن بر الوالدين ليس من أركان الإسلام، لكنه أكد هذا الترتيب بين التوحيد وبر الوالدين، ورتب بينهما بحرف الواو الدال على المصاحبة ليدل على أن أحدهما لا ينبغي أن يكون إلا بصحبة الآخر، لا يأتي بغيره، فتوحيد بلا بر سماء بلا أبواب، وسلم بلا درج، وبر بلا توحيد أبواب بلا سماء، وطائر بلا جناح، فالوالد باب العبد إلى الله، ولو كان ذلك الوالد كافراً، أباً كان أو أماً، قال الله -عز وجل-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}، (النساء: 36)، وفي الترمذي بإسناد حسن عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد». اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() دروس من قصص القرآن الكريم – إبراهيم عليه السلام وقومه (2)
لقد بعث إبراهيم -عليه السلام- في العراق في مجتمع متعدد الآلهة، فكان هناك من يعبد الملك، وكان الملك الذي يحكم العراق -وقت بعثة إبراهيم عليه السلام- هو النمروذ بن كنعان، عن قتادة قال: «كنا نُحدَّثُ أنه ملك يقال له نمروذ، وهو أول ملك تجبر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل»، (الطبري، 5/431)، وكذلك كانوا يعبدون الشمس والقمر وكوكب الزهرة، ويسمونه عشتار، وكوكب المريخ ويسمونه مردوخ، ويقولون إن الزهرة هي ربة الحب؛ لتألقها وزهوها وتقلب أحوالها، وينسبون إلى المريخ أنه رب الحرب لاحمرار لونه كلون الدماء، وكانوا قد صنعوا لهذه الكواكب تماثيل يعبدونها، (المنار، 4/474). منزلة العقل في دعوة إبراهيم قد تميزت دعوة إبراهيم -عليه السلام- بأنها دعوة لإعمال العقل، من أجل الوصول إلى الحق، فهو في جميع مناظراته ينطلق من مبدأ الدعوة إلى التفكر، وعدم الاسترسال مع الباطل عقيدة وسلوكاً لمجرد انتشاره دون وقفة تدبر، لقد تميزت دعوته -عليه السلام- بإعمال العقل، مع إعراضه عن الجدل العقيم، والوصول إلى الحق من أقصر طريق، قال -تعالى-: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74)} (الشعراء: 69-74)، فليس هناك أي سبب عقلي لتقديس هذه الحجارة الصماء الجامدة إلا أنها عقيدة موروثة وحسب. الحق من أقصر طريق لقد قدم -عليه السلام- لقومه البديل الذي بعثه الله كي يدعو إليه، فدعاهم من فوره إلى الإيمان بالله، وبين لهم صفته التي من أجلها ينبغي أن تصرف له العبادة والتقديس فقال: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}، (الشعراء: 78-82)، فهذه خمسة أسباب ذكرها -عليه السلام- في سلاسة وبساطة من غير جدل ولا تعقيد:
مناظرته - صلى الله عليه وسلم - لقومه بتلك البساطة والعمق في الوصول إلى الحق في التعريف بالله، فإنه -عليه السلام- ناظر قومه في مسألة عبادتهم للأصنام التي كانت هياكل للأجرام السماوية التي كانوا يعبدونها من دون الله، فلذلك قال لهم: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} إلى أن قال {بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} (سورة الأنبياء، آيات: 52: 65)، وكان قد ناظرهم قبل كذلك في مسألة ألوهية هذه الكواكب على نحو تفصيلي أورده الله -تعالى- في سورة الأنعام، فبين لهم أن هذه الكواكب لا تصلح أن تكون آلهة، لأنها نسبية تظهر وتأفل، فتكون في مكان ويخلو منها مكان آخر، وما كان كذلك فهو محدود غير مطلق، فلا يمكن أن يكون إلهاً بل هو مألوه مسخر، فلذلك بعد أن بيَّن لهم عوار معتقدهم فيها قدم البديل فقال:{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام: 79)، وكان قومه قد حذروه من لعنة الكواكب وغضبها عليه، {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الأنعام: 80-81)، وقد أراد أن يبرهن لهم على أن أجرام السماء لا حول لها ولا قوة فإذا دمرنا هذه التماثيل وأهلكناها فلن تفعل لنا الكواكب شيئاً ولن تحرك ساكنا، فضلا أن تستطيع التماثيل نفسها أن تدفع عن نفسها الضر، {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} (الأنبياء: 58). استطالة الباطل على الحق لقد أحرج إبراهيم -عليه السلام- أهل الباطل، وكشف خواء معتقدهم وتهافته، فعند ذلك استشاطوا منه غضبا وقرروا أن ينتصروا لهذه الآلهة المزيفة، فقرروا إحراق إبراهيم -عليه السلام-، {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}، لقد أرادوا أن يثبتوا ولو بأدنى سبب أن آلهتهم قد انتقمت من إبراهيم لنفسها، فلا يزال التحدي قائماً ولم يُثبت إبراهيم بعد صحة ما قال حين قال: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (سورة الأنعام، آية: 81)، فلكأنهم حين قرروا إحراقه، قد ساقتهم أقدار الله سوقَ دلالةٍ إلى إظهار الحق في أبهى وأنصع صوره، فقد كان إلقاء إبراهيم في النار فرصة كبيرة لإثبات أنه الأحق بالأمن فقال -تعالى- {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}(الأنبياء: 69-70). مفتاح النجاة روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: {حسبنا الله ونعم الوكيل} قالها إبراهيم -عليه السلام- حين ألقى في النار وقالها محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قالوا {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: 173). أهم الدروس المستفادة لقد علمنا إبراهيم -عليه السلام- في دعوته لقومه، أن الحق أبلج وأن الباطل لجلج، فالحق ظاهر ثابت، والباطل مضطرب غامض، فعند مناظرة أهل الحق لأهل الباطل ينبغي على المناظر أن يتحلى بأربع: أولها: اليقين، وثانيها: القدرة على تعرية الباطل وإظهار فساده من أقصر طريق، وثالثها: القدرة على الدلالة إلى الحق دون تعقيد، ورابعها: الاستعانة بالله وتفويض النتائج إليه. اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() دروس من قصص القرآن الكريم – فصول من دعوة إبراهيم -عليه السلام- (3)
تعدّ قصة إبراهيم -عليه السلام- في القرآن أطول القصص بعد قصة موسى -عليه السلام-، وقد كان -عليه السلام- يلتزم في دعوته منهج الحوار والمحاججة؛ فكان قد بدأ بأبيه، ثم انتقل إلى قومه من عبدة الكواكب والأصنام. إبراهيم عليه السلام وتكسيره الأصنام كان إبراهيم -عليه السلام- قد هدي إلى الحق من صغره، وقال عنه قومه -حين رأوا أصنامهم وقد كسرها لهم- {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} (الأنبياء: 59-60)، والشاهد هو في قولهم (فتى)؛ فإنه حين قام بهذه المواجهة الدعوية مع قومه كان (فتى)، والفتى هو الشاب الذي بين التاسعة عشرة والثلاثين من العمر، وقد بين لقومه بطريقة عملية أن هذه الأصنام التي يعبدونها لا تملك لنفسها ولا لغيرها نفعاً ولا ضراً، ولكنه بدل أن يلقنهم ذلك قررهم به قال -تعالى عن تكسيره للأصنام-: {فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} (الأنبياء: 58)، أي فتت أصنامهم إلى قطع صغيرة، إلا الصنم الأكبر تركه من غير تكسير، {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} أي حتى يسألوه كيف وقع ذلك وهو حاضر، ولم يستطع الدفاع عن إخوته الصغار؟!. إقامة الحجة والدليل لقد فعل إبراهيم -عليه السلام- ذلك مع أصنامهم ليقيم لهم أوضح دليل على أن هذه الأصنام لا تصلح أن تعبد؛ لأنها لم تستطع الدفاع عن نفسها، وليحملهم على التفكير بأن الذي يجب أن يكون معبودا، إنما هو الله الخالق، فلما رأى القوم أصنامهم وقد حل بها ما حل، قرروا أن يأتوا بإبراهيم ليحاكموه على مرأى من الناس جميعاً؛ حتى إذا ما أنزلوا به العقوبة كان عبرة لغيره، {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} (الأنبياء: 61-63)، ويصور لنا القرآن الكريم حال القوم حين أظهر لهم بالدليل الحي عجز آلهتهم؛ حيث قال: {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} (الأنبياء: 64)، أي لاموا أنفسهم على هذه العبادة الباطلة، لكن هذا حصل لوقت قصير جدا، فما لبثوا أن عادوا لما كانوا عليه من الضلال والعناد، قال -تعالى-: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} (الأنبياء: 65)، نُكسوا من النكس وهو قلب الشيء؛ بحيث يصير أعلاه أسفله، فما أن لاحت في عقولهم ومضة من نور الحق حتى سارعوا بإطفائها بعناد الكفر، مصرين على السير عكس الطريق الصحيح، فبينما هم يقصدون رقي الروح وعلو النفس بعبادتهم، إذا بها تودي بهم في مهالك الردى وتهوي بهم إلى أسفل سافلين، عند ذلك وقد ضاقوا به ذرعاً، وعجزوا عن المنطق السليم في الرد على محاجته، قرروا أن يحرقوه بالنار، ولكن الله -تعالى- أنجاه منها، وذاع صيت إبراهيم في الناس. لقاء إبراهيم بالملك يبدو -كما رجح الطبري وابن كثير- أن لقاءه -عليه السلام- بالملك، كان في عقب تكسيره للأصنام، حين قرر الناس أن يحرقوه بالنار، ولم يذكر القرآن لنا اسم الملك، ولا صفته، كما أن ذلك لم يرد في السنة أيضاً وإنما اشتهر بين القصاص وأهل التفسير، أنه النمروذ فيقولون: إنه بقي في الملك أربعمائة عام، وأنه أول من توج ملكاً في الأرض بعد الطوفان؛ لذلك طغى وتجبر وأنكر وجود الله -تعالى-، وقد بين الله -تعالى- سبب طغيانه؛ فقال {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} (البقرة: 258)، أي أغراه ملكه بالكفر. {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} ورجح بعض العلماء أن قول إبراهيم -عليه السلام- لهذا الملك: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} كان جوابا على سؤال سابق؛ فإن إبراهيم لابد أخبره بأنه مرسل من الله، فطالبه المنكر بإثبات أنَّ للعالم إلهًا، فقال إبراهيم -عليه السلام-: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}، وهي إجابة تامة كاملة الصحة، تفيد الحصر، فلا حياة على الأرض لشيء ولا موت له إلا بالله -تعالى-، بخلقه وتقديره، ولا أدل على وجود الله من حياة هذه الموجودات، من إنس وحيوان وغير ذلك، فالذي أحياها هو الله، والذي ينهي حياتها هو الله، لكن ذلك الملك كان بليداً في مناظرته، فإذا به يحول مسار الدليل من قضية كونية تستحق التفكر والتأمل، إلى حدث فردي بسيط ساذج، فحين قال إبراهيم -عليه السلام- {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} (البقرة: 258)، قيل: إنه أتى برجلين كلاهما محكوم عليهما بالإعدام، فأمر بتنفيذ الحكم على أحدهما وعفا عن الآخر، (الطبري، 5/433)، عند ذلك ظهرت حصافة إبراهيم -عليه السلام-؛ حيث لم يسمح لهذا الجدل العقيم أن يستمر، وأنهى الحوار بحجة لا تقبل الإنكار {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (البقرة: 258)، أي انقطعت حجته وأصابته الحيرة ولم يستطع الرد، وظل الكافر على كفره بسبب أن الظلم متجذر في قلبه، ومن كان هذا شأنه فإنه لا يهتدي إلى الحق مهما أوتي من البراهين. سؤال وارد على الذهن
اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |