|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() نعم الصحبة صحبة القرآن (1) كتبه/ جمال فتح الله عبد الهادي فقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ: إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ) (متفق عليه). وهذا الحديث العظيم فيه تشبيه نبوي كريم لعَلاقة المسلم مع القرآن، وربما يستوقفنا ذلك الاصطلاح: "صاحب القرآن"، وكأن للمسلم صحبةً مع القرآن كصحبة الطفولة، وصحبة العمل، وصحبة الحي، إلخ. وأصل الصحبة: هي تلك العلاقة الناشئة بين اثنين توحي بكثرة التواصل واللقاء والخَلْوةِ والتَّناجي، ومن شدة ملازمة أحدهما للآخر؛ صار كلُّ واحد منهم يَعرف مرادَ صاحبِه قبل أن يبوحَ به! نتأمل هذا المعنى، ونحن نقرأ لفظ: "الصاحب" في سور القرآن: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ) (الكهف: 37)، (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (لقمان: 15)، (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) (النساء: 36)، (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ) (يوسف: 39)، (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ) (التوبة: 40). وهنا حين نقول: "صاحب القرآن"، تَشعر مباشرةً بتلك الألفةِ بين المسلم والقرآن؛ فهو كثير التردد عليه، وكثير الزيارة له، وكثير المشورة له؛ إن أصابه همٌّ فزع إليه، أو لحِقته شدةٌ استعان به، أو غابت عنه فائدةٌ استنهلها منه؛ فالقرآن لصاحبه كالجِراب المملوء مِسكًا يفوح منه العطر كلما فَتَحَه. صاحب القرآن هو التالي له والحافظ لآياته، والمتدبِّر لِما فيها، والعالم بمدلولاتها، والعامل بحدودها، وصاحب القرآن هو الملازم له؛ فلا يفارقه في صباح أو مساء، في رحلة أبدية لا نهاية لها، يرتقي به في درجات الهدى والنور والقُرْب. وهنا سؤال: هل جرَّبتَ أن تعقِدَ صحبة مع القرآن؟ هل جربت أن تقيم صداقة بينك وبينه؟ إنه نِعْم الصاحب لصاحبه، والرفيق لرفيقه؛ يقف معك حين ينفضُّ الخلقُ عنك، ويرشدك إن أصابتك حيرة أو شكٌّ، ويثبِّتك إن ألمَّت بك شدة، ويشفيك إن أصابك داء، ويهديك إن أصابك تِيهٌ. أقرب الأحباب سيفارق حبيبه؛ فالأب سيفارق، والأم ستفارق، والزوجة ستفارق، إلا القرآن، فهو الصاحب الوحيد الذي لا يفارق صاحبَه حتى بعد رحيله. وتأمل معي بعض الآثار الواردة في فضل مَن صَاحَبَ القرآن: ففي صحيح مسلم: أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ -وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ- فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ -عز وجل-، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ. قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَالَ: (إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ). وفي الصحيحين: "كان القُرَّاءُ أصحابَ مجلس عمر ومشاورتِه؛ كُهُولًا كانوا أو شُبَّانًا". وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: "إن من إجلال الله إكرامَ حامل القرآن". وعند الإمام أحمد من رواية العباس -رضي الله عنه- قال: كنتُ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم حُنَيْنٍ، ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على بغلةٍ له أهداها له الجُذامِيُّ، فلما ولَّى المسلمون، قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا عَبَّاسُ، نَادِ: يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ، نَادِ يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) قَالَ: وَكُنْتُ رَجُلًا صَيِّتًا، فَقُلْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةِ؟ قَالَ: فَوَاللهِ لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي ، عَطْفَةُ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا". وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: "سألتُ أبي عن حماد وعاصم، فقال: عاصمٌ أحبُّ إلينا؛ لأنه من أصحاب القرآن". فما أروع تلك الصحبة بين القرآن وصاحبه! قارن -أخي المبارك- بين صحبة القرآن وحال الجيل الأول من الصحابة والتابعين، وبين صحبة اليوم على وسائل التواصل (تويتر، فيسبوك، إنستجرام - إلخ)! والبعض يفتخر كثيرًا بعدد متابعيه وأصحابه على تلك الوسائل رغم أن نفعَهم له لا يتعدَّى الترويج لنشاطه وكلماته، ولا يخفى على كل عاقل مساوئ ما يترتب على تلك الصحبة من تمادٍ في الباطل، أو شيوع لفكر ضالٍّ، أو تبنٍّ لرأي سقيم. كما أخرج الإمام أحمد في المسند أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- كان يقول: "وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ جَدَّ فِينَا" يعني: عظُم. فالسيادة الحقَّةُ حين تصاحب مَن ينفعك في كلِّ حين؛ في حِلِّك وتَرحالك، في حياتك ومماتك، في غناك وفقرك، في صحتك ومرضك. فهنيئًا لك يا مَن اتخذت من القرآن قرينًا وصاحبًا ورفيقًا، وبشراك بما يسُرُّك؛ فإنك قد رافقت مَن لا ندامة على صحبته، ولا تأسُّفَ على ضياع العمر بجواره. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() نعم الصحبة صحبة القرآن (2) كتبه/ جمال فتح الله عبد الهادي فقد روى أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا) (رواه أبو داود والترمذي، وقال الألباني: "حسن صحيح"). والمراد بصاحب القرآن: مَن يلازم تلاوته. قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود: "صاحب القرآن: مَن يلازمه بالتلاوة والعمل والتدبر.. لا من يقرؤه ولا يعمل به". وقال بعض العلماء: إن مَن عمل بالقرآن، فكأنه يقرؤه دائمًا وإن لم يقرأه أو يحفظه، ومن لم يعمل بالقرآن فكأنه لم يقرأه، وإن حفظه وقرأه دائمًا؛ قال الله -تعالى-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص: 29)، فمجرد التلاوة والحفظ لا يعتبر اعتبارًا تترتب عليه المراتب العلية في الجنة العالية. وعلى ذلك فإن مَن اتصف بالصفات المذكورة من عباد الله -رجلًا كان أو امرأة- سينال أعلى الدرجات في الجنة، وما أعد الله -تعالى- لحملة كتابه والعاملين به -إن شاء الله تعالى- . فكر لوهلة وسل نفسك: كم من معارفك تستطيع أن تصفه بذلك الوصف وأن تنطبق عليه معاني تلك الكلمة؟ كلمة صاحب؛ الكلمة التي أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تكون عنوانًا ووصفًا لعلاقتك بما أنزل عليه من ربه القرآن؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ. اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ. أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا. اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ) (رواه مسلم). وقال -عليه الصلاة والسلام-: (يَجِيءُ صَاحِبُ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: الْقُرْآنُ يَا رَبِّ حَلِّهِ فَيُلْبَسُ تَاجَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ فَيَرْضَى عَنْهُ، وَيُقَالُ لَهُ اقْرِهِ وَارْقَهْ، وَيَزْدَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً) (رواه الترمذي والحاكم، وحسنه الألباني). وقال -عليه الصلاة والسلام-: (وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ، فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ) (رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني). وتأمل في تلك الألفاظ: (يقالُ لِصاحِبِ القرآنِ - شفيعًا لأصحابه - تحاجان عن صاحبهما- أنا صاحِبُكَ القرآنُ)؛ تجد أنها كلمات ذات أصل مشترك تكرَّرت في تلك الأحاديث التي ذكرتها في السطور السابقة (صاحب، أصحابه، صاحبهما، صاحبك)؛ إنها الصحبة إذًا! لقد اختار النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الكلمة تحديدًا -وهو الذي أوتي جوامع الكلم- ليصف بها ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بينك وبين القرآن: "علاقة صحبة!"؛ صحبة بكلِّ ما تشمله الكلمة من معانٍ، وخصائص، وأركان. صحبة كلية للقرآن بأكمله؛ فلا يكاد يفارقك، ولا ترتاح ولا تأنس إلا معه، وتسعى جاهدًا لاقتناص كل وقت تمضيه برفقته، وصحبة جزئية ومعرفة موضوعية لسوره المختلفة. وفي الحديث قال -عليه الصلاة والسلام-: للعباس: (نَادِ: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) (رواه أحمد، وصححه العلامة أحمد شاكر)، وهذا النداء لينشِّطَهم بذلِكَ، فجعلوا يُقبِلونَ من كلِّ وجهٍ. وتأمل في قوله -صلى الله عليه وسلم: (يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ!)؛ لقد شرَّفهم بهذا النسب، ويا له من شرف أن ينسب المرء لسورة من سور القرآن، وأن يلقب بأنه من أصحابها! أي درجة من المعرفة والقرب تلك التي بلغها ليصل إلى هذا المقام؛ مقام الصحبة، الصحبة الشاملة والنظرة الموضوعية العامة التي تربط بينه وبين كل سورة من سور القرآن والتي تعد توطئة وتمهيدًا للمعرفة العميقة التفصيلية بمعاني آياتها، وإدراك أحكامها وتوجيهاتها. فهذه السورة لها في قلبه وقع مألوف محبب، وتلك السورة يجد لها في نفسه حنينًا واشتياقًا. وللحديث بقية -إن شاء الله-.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() نعم الصحبة صحبة القرآن (3) كتبه/ جمال فتح الله عبد الهادي فإن صاحب القرآن يتنقل مع صاحبه القرآن؛ فيقف مع آية من آياته، أو قصة من قصصه، أو مَثَل من أمثاله الجامعة المانعة، يستطرد حول المعاني، ويطوف في ظلال المشاعر، ويرفل في نعيم المبادئ التي تبث من خلال مجاورة هذا الصاحب العظيم. يعيش مع أبطال قصصه، وتتوطد علاقته بهم، فيحزن لحزنهم، وتتهلل أساريره لفرحهم، ويواجه معهم الظالمين والطغاة، ويصدع معهم بكلمات الحق التي قذفوها في صدر الباطل. فيبحر مع نوح -عليه السلام-، ويسمو بروحه في ملكوت السماء متدبرًا مع إبراهيم -عليه السلام-. ويصبر مع أيوب -عليه السلام-. ويسبح مع داود -عليه السلام-. - ويصمد مع الغلام في وجه صاحب الأخدود. يتزلزل فؤاده مع المؤمنين في مواجهة الأحزاب يوم الزلزال الشديد. ثم ينشرح صدره وهو يطالع نبأ النصر المجيد، والرعب الذي تصدعت به نفوس المشركين، ويتنقل من مشهد إلى آخر، ومن قصة إلى أخرى، ويدور مع المعاني والأمثال حيث دارت؛ كذلك يجد صاحب القرآن العارف بآياته، المحب لكلماته، وقعًا ومشاعر وآثارًا كلما تفاعل مع سوره، ومر بأجزائه وأحزابه، وكأنه يسمع قعقات المعركة وصليل السيوف مختلطًا بصهيل الخيل وهو يصحب سورة الأنفال. ثم يرتجف قلبه غضبًا لربه وهو يطالع جرائم المنافقين في سورة التوبة. يوجل قلبه تعظيمًا وإجلالًا لربه إذا رتل سورة الأنعام. ويذوب فؤاده شوقًا لمولاه المنان وهو يتلو سورة الرحمن مجيبًا لسؤالها المتكرر وصائحًا من أعماق قلبه -وإن لم يسمع الخلق بلسانه-: لا بأي من آلائك نكذب ربنا، ولك الحمد. يزداد حمده وشكره وامتنانه وهو يطالع نعم الله وآلاءه في سورة النحل. ثم ترتعد نفسه خوفًا وطمعًا وهو يتلو سورة الرعد، وينبهر بعدل الشريعة وإحكام إنصافها وهو يقرأ سورة النساء، ثم يعاهد الله على الوفاء بعقود سورة المائدة ومواثيقها. وتعلو همته، ويزداد يقينه، وهو يتأمل تلك المفاصلة الخالدة بين أئمة الحق وسدنة الباطل في سورة إبراهيم -عليه السلام-، ويعجب لذلك اللطف الجميل في سورة يوسف -عليه السلام-. ويزداد انبهارًا بفتوحات الله تفرج الكروب عن موسى -عليه السلام- في سورة القصص، ثم يلين قلبه حين يغمره ضياء سورة النور. ويذرف الدمعات الخاشعات وهو يتأمل شكوى حبيبه -صلى الله عليه وسلم- في سورة الفرقان: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَ?ذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان: 30). هل وجدنا مثل ذلك في علاقتنا بكتاب ربنا؟ هل هي علاقة وثيقة تستحق بالفعل أن يطلق عليها وصف الصحبة الراسخة، والأنس الجميل؟ هل صاحبنا القرآن؟ هل صاحبنا سوره، أو حتى بعض سوره؟ بل هل صاحبنا سورة واحدة منه؟ هل نستحق أن يقال لنا يوم نرجع إلى الله: هلموا يا أصحاب القرآن؟ ما أريد بتلك السؤالات السابقة، ومن قبلها ذلكم العرض الموجز لنماذج من الأنس بالقرآن والتعرف المجمل على سوره، أن أضع تصورًا مثاليًّا يصعب الوصول إليه، أو يغرس الإحباط في نفس من لم يجد في نفسه تلك الأصداء والتفاعلات، ولكنه مجرد لفت لانتباهك عزيزي القارئ. لفت لانتباهك أن ثمة آفاق أخرى للتعامل مع كتاب الله، ليس على أنه فقط مصدر لجلب الحسنات وجمع المثوبات، أكرم بها من قيمة، لكنها تظل فرعًا عن الأصل، والأصل أن يصحبك القرآن في سائر أحوالك، وأن يطبع بأثره على حياتك وسلوكك وأفكارك كما يفعل الصاحب مع صاحبه. الأصل أن يغيرك، ويصلحك، ويوجهك، ويضبط بوصلة واقعك، ثم تأتي الهدية من بعد ذلك. إنها إذًا دعوة لتغيير النظرة النمطية للقرآن، وعدم الانشغال بالهدية عن الوصية، والانتباه إلى طبيعة العلاقة التي تجمع بين المسلم وبين آيات ربه. علاقة الصحبة: أن تكون صاحبًا للقرآن، وأن يكون صاحبك القرآن؛ فقد ذكر الطيبي في المشكاة معنى صاحب القرآن فقال: "الصحبة للشيء الملازمة له، إنسانًا كان أو حيوانًا، مكانًا كان أو زمانًا، ويكون بالبدن، وهو الأصل والأكثر، ويكون بالعناية والهمة. وصاحب القرآن هو الملازم له بالهمة والعناية، ويكون ذلك تارة بالحفظ والتلاوة، وتارة بالتدبر له والعمل به". وإن ذهبنا إلى الأول، فالمراد من الدرجات بعضها دون بعض، والمنزلة التي في الحديث هي ما يناله العبد من الكرامة على حسب منزلته في الحفظ والتلاوة لا غير، وذلك لما عرفنا من أصل الدين: أن العامل بكتاب الله المتدبر له أفضل من الحافظ والتالي له إذا لم ينل شأوه في العمل والتدبر. وقد كان في الصحابة من هو أحفظ لكتاب الله من أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وأكثر تلاوة منه، وكان هو أفضلهم على الإطلاق لسبقه عليهم في العلم بالله، وبكتابه، وتدبره له، وعمله به. وإن ذهبنا إلى الثاني -وهو أحق الوجهين وأتمهما- فالمراد من الدرجات التي يستحقها بالآيات سائرها، وحينئذٍ تقدر التلاوة في القيامة على مقدار العمل، فلا يستطيع أحد أن يتلو به إلا وقد قام بما يجب عليه فيها، واستكمال ذلك إنما يكون للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم للأمة بعده على مراتبهم ومنازلهم في الدين، كل منهم يقرأ على مقدار ملازمته إياه تدبرًا وعملًا. وبهذا يتضح لك احتمال كون المقصود بصاحب القرآن هو الحافظ له، أو التالي له، المتدبر لمعانيه، العامل به. وإذا جمع المرء بين تلك الخصال؛ فحفظ، وتدبر، وعمل؛ نال تلك المزية، والمكانة العظيمة، فإنه يقال له: اقرأ وارق ورتِّل كما كنت ترتِّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها. اللهم ارزقنا جوار وصحبة القرآن، واجعله شفيعًا لنا يوم لقائك.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |