قَمِيص أَبْيَض - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حقوق العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          آداب استعمال أجهزة الاتصالات الحديثة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الإيثار صفة الكرام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          غزوة الأحزاب وتحزب الأعداء على الإسلام في حربهم على غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          من وحي عاشوراء: ثبات الإيمان في مواجهة الطغيان وانتصار التوحيد على الباطل الرعديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          العناية بالوالدين وبرهما (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أعلى النعيم رؤية العلي العظيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          كيف ننجح في التواصل مع الشباب؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          البناء والعمران بين الحاجة والترف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أين تقف حريتك؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 05-02-2025, 09:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,260
الدولة : Egypt
افتراضي قَمِيص أَبْيَض

قَمِيص أَبْيَض


. جمال بريري









أَصْحُو من نَوْمي القَـلِـق أتَصَبَّبُ عَرَقًا، أَبحثُ عنْ عُلبَةِ سَجائِري، أجِدُها فارغةً.
أَهُمُّ بالخروج بحثًا عن دُكانٍ يَفتحُ مُبكرًا.
أَلمحُ هُناكَ (منصورَ)، وقد أَخرجَ مِن جَيْبهِ كُلَّ النُّقودِ؛ ليشتريَ -كالعادة- الكثيرَ مِنَ الحَلْوَى.
سَمِعْتُه عَن قُربٍ، يَقولُ للبائعِ بابتسامةٍ بَلْهَاء:
«النقودُ لا تَشتري السَّعَادةَ إِلَّا للفُقراءِ».
أخَذَ نَفَسًا عَمِيقًا مَلأَ رِئَتَيْهِ بالهَوَاءِ النَّقِيِّ، وَهَرَعَ تِجَاهَ ناصِيةِ الشَّارِعِ.
نَادَيتُهُ بِصَوتٍ عَالٍ... لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيَّ!
يجلسُ -كَعَادتِه- عَلى ناصِيةِ شَارِعِنا، لمْ يُبالِ يَومًا بالجَوِّ صَيْفًا أوْ شِتَاءً، يَرتَدِي قَمِيصًا أبيضَ خفيفًا، كُلَّما اتَّسَخَ يَغْسِلُهُ في البحرِ، ثُمَّ يَفْرِشُهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَكَأَنَّمَا يَنتَظِرُ مِنَ السَّمَاءِ شيْئًا.
زَخَّاتُ المَطَرِ المُتَسَاقِطَةِ تُدَغْدِغُ جُدْرَانَ البُيُوتِ وَالأرضَ المَحرُومَةَ مِنَ السَّعادةِ، فَتَنتَشِي لها النَّبَاتاتُ المتشوّقة إلى السُّقيَا.
كَانتِ الرِّيحُ تَلْسَعُ وَجْهَهُ البَشُوشَ، وَتَضرِبُ سَاقَيْهِ العَارِيَتَيْنِ، فَلا يَكُفُّ عَنِ التِّجْوَالِ جَيْئَةً وذَهَابًا كَنَحْلةٍ نَشِيطةٍ؛ يَبحثُ عَنْ أَحْبَابِ اللهِ.
أَجلسُ بِقُربِهِ، لا أشُمُّ رَائِحَتَهُ الكريهةَ رَغْمَ الأَوسَاخِ المُتَرَاكِمَةِ عَلَى قَمِيصِهِ؛ أقُولُ في نَفْسي: رُبَّما طَغَتْ عليها رُوحُهُ النَّقيةُ.
أَتَمَنَّى أَنْ أكونَ مِثلَهُ؛ لَعَلِّي أُطَهِّرُ رُوحِي المُعَذَّبَةَ بِكَلمَاتِهِ مِثْلمَا يَفعَلُ هُوَ مَع كُلِّ إشْرَاقَةِ صُبحٍ جَدِيدٍ.
لَمْ يَطلُبْ يَوْمًا مِنَ المَّارَّةِ إعطاءَهُ النُّقُودَ، وَلَكِنَّهُ أَحيَانًا يَقبَلُها رَاسِمًا عَلى شَفَتَيْهِ ابتسَامَةَ الرِّضَا قَائِلًا:
-هَذَا مَالُهُ حَلالُ؛ يمنحُ السَّعادَةَ دُونَ مُقابلٍ.
أوقاتٌ أُخرَى يَرفُضُها مِن آخرينَ، وَيقُولُ: هَذا مَالُهُ حَرامٌ، ويَرمِي بِها عَلى الأرضِ!
رُحْتُ أَسألُ رُوحِي المُوجَعَةَ بِأنِينِ الحُزنِ.
مَاذا حَدَثَ لِمَنصور؟!
وَلِمَاذا أَصَرَّ عَلى أَنْ يَفقِدَ عَقلَهُ بِمَحْضِ إرَادَتِهِ، وَيترك حَيَاتَهُ لِيَسْكُنَ في كُوخٍ ضَيِّقٍ مُعْتمٍ؟!
يأتي إليهِ الصِّغارُ وَقتَ العَصَاري، فَيُوزِّع عليهم ما جَمَعَهُ مِنْ حَلوَى وَطَعَامٍ.
يَتَقَافَزُ مَعهُم كَطِفلٍ لَمْ يَتَجَاوَزْ أعمارَهُم، وكأنَّهُ يَسترجِعُ مَعَهُم مَرحَلةً سُرِقَتْ مِنْهُ يومًا.
كان يقولُ لي:
-«هَذهِ هِيَ السَّعادَةُ، تَكفِي ابتسامةُ طِفلٍ لِتَرُدَّ الحَيَاةَ لِرُوحِكَ المُتْعَبَةِ»؛ كانتْ كَلمِاتُهُ تَعْصِرُ قَلبي وَأنَا أتَأمَّلُ آثارَ عَبَثِ السِّنينَ بِمَلامِحِهِ.
يُخرِجُ مِن جَيْبهِ بَعضًا مِنَ الحُبُوبِ، فَيَرْمِى بها على الأرضِ، تَهْبِطُ الطُّيورُ مِن على الأشجارِ بَأمانٍ، تَلْتَقِطُ رِزْقَ السَّمَاءِ.
تَنْحنِي وَكأنَّها تَشْكُرُ رَبَّها.
غَشِيَهُ النُّعَاسُ، أغمَضَ عَينَيْهِ لِيَستَريحَ مُحَلِّـقًا في الجنانِ.
يَأتي رَجُلٌ طَاعِنٌ في السِّنِّ، يُلقِي علينا السَّلامَ، وَيَقولُ لِمَنصور:
- نَمْ مُطمَئِنَّ البَالِ، فَقَدْ عَانَيتَ الكثيرَ في تِلكَ الحَياةِ الزَّائِلَةِ.
بِلَهَفٍ أَوَدُّ سَمَاعَ حِكَايتِهِ، وَمَاذا حَدَثَ لَهُ.
جَلَسَ الرَّجُلُ على الأرضِ، وَبَدَأَ يَسترسِلُ في الحَديثِ...
مَنصورُ كَانَ قَاسي القَلبِ...
حَرَمَ أَوْلَادَهُ مِن لَذَّاتِ مَرحَلَةِ الطُّفولَةِ، اقتَنعَ -مِثلَ الكثيرِ مِنَ البَشَرِ- بأنَّ السَّعَادَةَ تَكْمُنُ في المَالِ فَقَط، فَحَارَبَ مِنْ أَجْلِ اقتناصِهِ.
قَرَّرَ أنْ يَقسُوَ حَتى عَلى نَفْسِهِ، رُبَّما كَانَتْ وَسِيلَتُهُ هِي الضَّرب؛ حَتَّى يُعَلِّمَ أوْلَادَهُ كَيفِيةَ الحِفَاظِ على ما جَمَعَهُ مِنَ المَالِ، سَقَاهُمُ الألَمَ جَرْعَةً تِلْوَ جَرْعَةٍ، لَم يَرفّ لَهُ جَفْن.
اسْتَيقَظَ -يَومًا مَا- على نَبَأِ وفاةِ أُسْرَتِهِ في حَادِثِ سَيْرٍ، خَرَجَ مَفزُوعًا بِقَمِيصِهِ الأبيضِ، فَسَقَطَ على الأرضِ مِن شِدةِ رِيحِ الحُزنِ.
ذَاقَ مَرَارةَ المَوْتِ قَبلَ مُغادَرةِ الرُّوحِ لِجَسَدِهِ!
فنَزَلَتْ أوَّلُ دَمْعَةٍ مِن عَينَيْهِ، حَفَرَتْ في خَدَّيْهِ جَدَاولَ جَارِيةً مِن أنهارِ الأحزانِ التي لا تَنضَبُ.
خَرَجَ مِن عَبَاءَةِ الحَيَاةِ، وَلمْ يَعُدْ إليها مَرَّةً ثانيةً.
مَضَى الرَّجُلُ إلى حَالِ سَبِيلِهِ.
أَفَاقَ مَنصورُ عَلى صَوْتِ بُكاءِ طِفلٍ بَينَ حُقُولِ الذُّرَةِ، هَرْوَلَ إليهِ، حَمَلَهُ بينَ يَدَيهِ، ثمَّ قَالَ لَه:
-ما ذَنْبُكَ يا صَغِيري بَأنْ تَخْرُجَ يَتِيمًا في تِلكَ الحَيَاةِ القَاسِيةِ؟!
رُبَّما يَكونُ مَصيرك المَوت، أوْ أنْ تُصبِحَ مُجْرِمًا، أوْ رُبَّمَا تَحْـيا حَيَاةً جَيِّدةً لا يَعلمُها سِوَى خَالِقِك.
نَظَرَ إليَّ نَظْرةً تَملَؤُها الحَسْرة وَالنَّدامَة، أَخَذَ يَقطَعُ لَحْمِي تَقطِيعًا بِحَدِّ صَمْتِهِ المُطْبِقِ.
كَانَ يُذَكِّرُنِي بِأشياءَ أَوَدُّ نِسْيانَها.
كانَ يُحاسِبُني وَيُحَاسِبُ نَفسَهُ تقريبًا... وَاتهامَاتُهُ الجَارِحَةُ تَتَطَايَرُ نَحْوِي كالرَّصَاصِ الطَّائِشِ تَارَةً، وَأُخرَى أَحُسُّها كَرَشَّاشِ المَاءِ المَالِحِ الذي رَاحَ يُبَلِّلُني في لَيْلٍ شِتائِيٍّ لا يَرحمُ.
أُحَاوِلُ أَنْ أُدَخِّنَ أمَامَهُ، لَكِنَّهُ يَسْحَبُ السِّيجَارَةَ مِن فَمِي، وَيُلقِي بها بَعيدًا:
-بَدَلًا مِن أنْ تحْرِقَ صَدْرَكَ اشْتَرِ حَلْوَى لِطِفْلٍ.
مَضَيْتُ على وَجَلٍ أَهْرَبُ مِن أمَامِهِ.
لقد أَلقَى مَنصورُ تَعْـويذةَ صَبْرٍ بِقَمِيصِهِ الأبيضِ، فَارْتَدَّتْ إِلَىَّ بَصِيرَتي، بَعدما اسْوَدَّتْ بِالفِرَاقِ!
دَخَلتُ مَنزِلِي بَعدما خَلا مِنِ ابتسَامةِ طِفْلِي الذي فَقَدْتُهُ مِنْ فَترةٍ إِثْرَ حَادِثٍ ألِيمٍ.
أَلْقَيتُ بِجَسَدِي على فِرَاشِي، أستَجْدي نَومًا مُرِيحًا.
حَلُمْتُ بِصَغِيري لِأَصْحُوَ عَلى أَوْجَاعِ كُلِّ صِغَارِ الأرضِ تَحتلُّ جَسَدي المُنهَكَ!
أَسْتَفِيقُ على خَبَرِ وَفَاةِ مَنصورٍ، لِيَنطَفِئَ شُعَاعُ نُورٍ آخَر مِن حياتي!!
أَتَأمَّلُ المُشَيِّعِينَ الصِّغارَ خَلْفَ نَعْشِهِ، وَأنظرُ للسَّماءِ، أَلْمَحُهُ بقَمِيصِهِ الأبيضِ النَّظِيفِ كَرُوحِهِ البَريئةِ، وَرَأيتُ أطفالًا يَصْعَدُونَ -كانوا كثيرينَ- منْ كُلِّ الجِهاتِ، كنتُ مُندَهِشًا، كيفَ يَأتونَ وَيلحقونَ بِهِ؟!
رَمَيْتُ عُلْبَةَ سَجَائِري، وَجَلَستُ مَكَانَهُ وَمَعِي الطِّفْلُ، واشْتُرِيتُ حَلْوَى لِلأطفال.
وقد هَبَّتْ مِنَ السَّمَاءِ نَسْمةٌ رَقِيقةٌ أَخَذَت تَعبَثُ بِثَوْبي الأبيضِ وَتُداعِبُ أزهارَ القرنفُل.










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.31 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.46%)]