|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الوجيز في أصول التفسير بين الماضي والحاضر (1) د. عبدالسلام حمود غالب تمهيد: إن من ضوابط التفسير الصحيح عند العلماء أن يُفسَّر القرآن بالقرآن، ثم بالسُّنَّة المطهرة الصحيحة، ثم بأقوال الصحابة، مع الابتعاد عن الآثار الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات، ثم بما نقل عن التابعين، وخاصة مدرسة ابن عباس، ولا بد للمفسر من معرفة اللغة العربية وقواعدها وآدابها (النحو، والصرف، والاشتقاق، والبلاغة)، قال مجاهد: لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله، إذا لم يكن عالمًا بلغة العرب. وقال مالك: لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب، يُفسِّر كتاب الله، إلا جعلته نكالًا. ولا بد للمُفسِّر من معرفة أصول الفقه؛ ليميز بين النص والظاهر، والمجمل والمبين، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، وفحوى الخطاب ولحن الخطاب، ودليل الخطاب، والناسخ والمنسوخ. والعمل عندما يبدو أنه تعارض. ولا بد له أيضًا من معرفة أسباب النزول، والمكي والمدني، قال ابن تيمية: ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب. وغير ذلك من العلوم لا بد من توفرها في المفسِّر، كما لا يستغني المفسِّر عن الفهم الدقيق، والملَكة الطبيعية التي تؤهله لفهم كلام الله، يقول الطاهر بن عاشور في مقدمة التحرير والتنوير: واستمداد علم التفسير للمفسِّر العربي والمولد من المجموع الملتئم من علم العربية، وعلم الآثار، ومن أخبار العرب، وأصول الفقه، وعلم القراءات. فلا يُسمَّى المفسِّر مُفسِّرًا إذا لم تتوفر فيه هذه الضوابط، وتلك الضوابط سار عليها السلف وأتباعهم من الخلف، لكن ظهر انحراف عن المناهج السابقة؛ فاختلط الحابل بالنابل، وظهر من يقول في القرآن دون علم ودراية بدعوى التدبر، والقرآن للكل ليس حكرًا على المفسرين القدماء وغيرهم؛ فلزم أن نُبيِّن الفرق بين التدبر والتفسير. الفرق بين التدبُّر والتفسير: التعريف اللغوي للتدبر: إذا رجعنا إلى معاجم اللغة فإننا نجد أن كلمة "تدبُّر" مشتقة من الفعل الثلاثي (دبر)، ومعناه: آخر الشيء وخَلْفه، والدُّبُر: خلاف القُبُل، والتَّدبير: أن يُدبِّر الإنسان أمره؛ وذلك أنه ينظر إلى ما تصير عاقبته وآخره . التعريف الاصطلاحي للتدبر: التدبر في الاصطلاح يأتي بمعانٍ عديدة، نذكر منها ما يلي: 1- التدبر بمعنى التأمل؛ باستحضار القلب عند تلاوة القرآن: قال ابن القيم -رحمه الله-: "وَأَمَّا التَّأَمُّلُ فِي الْقُرْآنِ: فَهُوَ تَحْدِيقُ نَاظِرِ الْقَلْبِ إِلَى مَعَانِيهِ، وَجَمْعُ الْفِكْرِ عَلَى تَدَبُّرِهِ وَتَعَقُّلِهِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِإِنْزَالِهِ، لَا مُجَرَّد تِلَاوَتِهِ بِلَا فَهْمٍ وَلَا تَدَبُّرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]". 2- تدبر لطائف الخطاب القرآني، ومجاهدة النفس على العمل بأحكامه: قال أبو بكر بن طاهر-رحمه الله-: "تَدبَّر في لطائف خطابه، وطَالِب نفسكَ بالقيام بأحكامه، وقلبَـك بفهمِ مَعانيه، وسِرَّك بالإقبال عليه". وقال أبو حيان-رحمه الله-: "التدبر: هو التفكُّر في الآيات، والتأمُّل الذي يفضي بصاحبه إلى النظر في عواقب الأشياء". 3- التأمل والتفكر في المعاني والحِكَم: قال الخازن-رحمه الله-: "التدبر: هو تأمل معانيه، وتفكُّرٌ في حكمه، وتبصُّر ما فيه من الآيات". ومن المعاصرين من عرَّف التدبر: قال مساعد بن سليمان الطيار: "التدبر: هو إعمال الذهن بالنظر في آيات القرآن، للوصول إلى معانيها، ثم النظر إلى ما فيها من الأحكام والمعارف والعلوم والعمل". من خلال ما سبق يمكن تعريف التدبر كما يلي: هو: "عملية تأملية شاملة لآيات القرآن الكريم، تهدف إلى تفَهُّم معانيه، والعمل بهداياته، ويشترك في هذه العملية اللِّسان والعقل والقلب والأعضاء، فحظُّ اللِّسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظُّ العقل فهم المعاني، وحظُّ القلب الاتِّعاظ والاعتبار، وحظُّ الأعضاء الائتمار والانزجار، فاللسان يُرتِّل، والعقل يترجم، والقلب يتَّعظ، والأعضاء تعمل". ما يساعد على تدبُّر القرآن: 1. الاستماع، ثم القراءة؛ نظرًا أو حفظًا. 2. معرفة معاني الكلمات، والتفسير ولو بشكل عام. 3. معرفة مراد الله تعالى ومقاصد الآيات من الأوامر والنواهي. 4. حضور القلب عند التلاوة، وتأثُّره وخشوعه. 5. الوصول للمعاني الكليَّة واللطائف الدقيقة. 6. التطبيق بما ورد فيه؛ بمجاهدة الجوارح على العمل. فتدبُّرُ القرآن مطلوب من كل أحد من البشر؛ لأنه الكتاب الذي أنزل إليهم لهدايتهم وإرشادهم إلى خير دنياهم وآخرتهم، ولذلك حضَّهم ربُّهم سبحانه على ذلك قائلًا: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، وتدبُّرُ كتاب الله مُيسَّرٌ لكل أحد، ومصداق ذلك قوله سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]. *قال الطبري في تفسيرها: ولقد سَهَّلنا القرآن، بيَّنَّاه وفصَّلْناه للذكر لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ويتَّعظ، وهوَّناه... فهل من معتبر متعظ يتذكر بما فيه من العبر والذكر؟ ا هـ. لكنْ هناك فرق بين تدبر القرآن والاعتبار به والاتعاظ، وبين تفسيره، وبيان مراد الله من آياته على وجه التفصيل، فهذا لا يكون إلا ممن استوفى علومًا تجعله يستقل بنفسه في معرفة مرامي النصوص ودلالتها، وقد ذكرناها سابقًا، ومن هذه العلوم معرفة قواعد التفسير وعلوم اللغة العربية، ومعرفة مطلق القرآن ومقيده، ومنطوقه ومفهومه، وعامه وخاصه، ومحكمه ومتشابهه، ومجمله ومبينه، وناسخه ومنسوخه، ومعرفة أسباب وأماكن نزوله، ومعرفة الأحاديث والآثار المتعلقة بتفسيره... وغيرها من العلوم التي لا بد من توفرها في مفسر القرآن، ومن لم يتيسَّر له ذلك، فليرجع إلى تفاسير أهل العلم المعتبرين، ينقل عنهم، ويأخذ منهم، فقد كفوه المؤونة. وكما يقال: كلُّ عالم مفسرٌ متدبِّرٌ للقرآن، وليس كلُّ متدبر عالمًا ومفسرًا للقرآن؛ لأن هذا الأمر له ضوابط وشروط بيَّنها العلماء، فلا يحل لأحد أن يقول على الله تعالى ما لا يعلم، ومن ذلك تفسير كتابه الكريم بالرأي المجرد، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]. وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]. وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116]. وروى الترمذي وأبو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار»، وكفى بهذا زاجرًا. الإعجاز بين المتقدمين والمتأخرين: كما اعتنى المتقدمون بإعجاز القرآن ووجوهه المتعددة البياني والبلاغي والتشريعي وغيرها، فقد كان للمعاصرين عناية كبيرة بهذا الميدان، بل توَسَّع لديهم مفهوم الإعجاز بصورة أكبر، بسبب ما ظهر في العصر الراهن من مكتَشفات حديثة، وعلوم جديدة، مع توَفُّر طُرُق البحث الحديثة، التي أظهرت معطيَات جديدة ومفاهيم دقيقة، فتنوَّعت أساليبهم في تناول أوجه الإعجاز. وكان من أبرز الوجوه التي ظهرت عنايتهم بها حتى كادت أن تطغى على غيرها ما يُعرف بالإعجاز العِلْمي (التَّجريبي)، وهو يتناول آيات القرآن التي فيها إشارةٌ لبعض القضايا العلميَّة المتعلِّقة ببعض العلوم الكونيَّة والتجريبيَّة - وهنا مَلْحَظ مهم ينبغي التنَبُّه له! وهو أن نسبة هذا الوجه من الإعجاز إلى العلم، دون غيره من أوجه الإعجاز الأخرى خطأٌ بيِّن، وهو مبنيٌّ على الأثر الناتج عن تقسيم أهل الغرب للعلوم إلى قسمَين: علميَّة: ويعنُونَ بها دراسة العلوم التجريبية. وأدَبية: ويعنُون بها دراسة الشرعيَّات واللُّغويات واللغات، خصوصًا علم الفلك والطب وعلم النبات والحيوان، وقد شابَهُ شيء من الخلْط والتَّضْخيم والمبالغة؛ ممَّا يستلزم تجليته بشيء من التفصيل، وذلك من خلال النقاط التالية: • أن المقصد الأوَّل لنزول القرآن هو معرفة العباد ربَّهم، وكيفيَّة عبادته، أما وجود إشارة في القرآن لبعض مسائل العلوم التجريبية، فقد جاءت تبعًا وليست أصالة. • أن كثيرًا ممن خاض في هذا الاتجاه ليس متخصِّصًا في العلم الشَّرعي، فضلًا عن علم التفسير؛ واللغة العربية وكذلك علوم القرآن المختلفة؛ فترتب على ذلك عدم إتقانه الرَّبط بين معاني آيات القرآن وبين ما يظهر في البحث التجريبي؛ مما نتَج عنه محاولات تأويل آيات القرآن، لتتناسب مع النظريات والفرضيِّات المكتَشفة، دون مراعاة مصطلحات اللُّغة والشريعة، ومحاولاتهم تركيب ما ورد في البحوث التجريبِيَّة في القرآن. مثل من جعل السماوات السبع هي الكواكب السبع السيَّارة، والكُرسي هو المجرَّة، والعرش هو الكَوْن. • نرى محاولة الكثير في واقعنا المعاصر ممن يخوض في هذا المجال يضع له قواعد خاصة به لم يذكرها أحد ويحاول تفسير قضايا الإعجاز وفقها حتى يظهر له إعجاز ولو لم يكن هناك ما يدل على ذلك، فالأهم التسويق للإعجاز ولو كان الأمر لا يحتمل. • بروز نغمة الوصاية على الإعجاز العلمي من قبل البعض وما يسمى حامي حمى الإعجاز في العالم أحيانًا بلسان الحال وأخرى بالمقال. • ظهور بعض العلماء في التفسير وعلوم الشريعة بمظهر الكتابة في الدراسات العلمية وإظهار قضايا الإعجاز رغم أن بضاعتهم في العلوم الكونية والعلمية بضاعة مزجاة فيقود إلى الخلط والتخبُّط بين النظريات العلمية القديمة، فيبني عليها الإعجاز وهو لا يعلم بالنظريات الحديثة التي نسفت سابقتها؛ فيظهر عجزه ويسخر منه الآخر ويستغلها ضده. • لا بد من الجمع بين التخصُّص العلمي في العلوم المختلفة التي فيها إشارة إلى نوع من الإعجاز مذكور في القرآن مع متخصصين في علوم الشريعة وخاصة التفسير وعلوم القرآن ليتضح الأمر ويعطى الخبز الخباز ليخرج الأمر واضحًا وجليًّا بعيدًا عن التخبُّط من الجانبين. • أن أيَّ تفسيرٍ جاء بعد تفسير السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم لا يُقبَل إلا بضوابط وضعها علماء الأمة، واتفق عليها القاصي والداني، وسار عليها كافة المفسرين بعد ذلك إلى يومنا هذا، وإلا لقال كل أحد في القرآن ما شاء وفُتِح باب لا يُسَدُّ. • يتبع...
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الوجيز في أصول التفسير بين الماضي والحاضر (2) د. عبدالسلام حمود غالب بعد أن ذكرنا ضوابط التفسير للقرآن الكريم بشكل عام دون إسهاب، وكذلك الفرق بين التدبُّر والتفسير وما يتعلق بهما، وذكرنا الإعجاز في القرآن قديمًا وحاضرًا، ولفتات حول الكتابة في الإعجاز العلمي في القرآن بشكل عام، ونُبيِّن هنا خطورة القول في كتاب الله دون علم، وكذلك آداب المفسِّر. التحذير من القول في كتاب الله بغير علم: قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]. قال البغوي رحمه الله: هو عام في تحريم القول في الدين من غير يقين. وقال الإمام ابن القيم: "وقد حرَّم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المُحرَّمات؛ بل جعله في المرتبة العليا منها، فرتب المُحرَّمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنَّى بما هو أشد تحريمًا منه، وهو الإثم والظلم، ثم ثلَّث بما هو أعظم تحريمًا منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشدُّ تحريمًا من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعمُّ القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه"؛ (أعلام الموقعين عن رب العالمين/ 1:38). ولا يجوز للإنسان أن يتكلَّم في كتاب الله تعالى برأيه المجرد دون علم واستناد إلى مرجع أو أصل، قال الترمذي: باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه، وذكر فيه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوَّأ مقعده من النار»، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأخرج من حديث جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ»، قال أبو عيسى: هكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم شدَّدوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فمن قال في القرآن برأيه، فقد تكَلَّف ما لا علم له به، وسلك غير ما أُمِر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأتِ الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب"؛ مجموع الفتاوى (13/ 371). وقال أبو بكر رضي الله عنه: "أي أرض تُقِلُّني وأي سماء تُظِلُّني إن قلت في آية من كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم". وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن القرآن كلام الله تعالى، فمن كذب على القرآن فإنما يكذب على الله عز وجل"؛ [أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات]. وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنه: "لقد أدركت فقهاء المدينة، وأنهم ليعظمون القول في التفسير، منهم سالم بن عبدالله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع". وعن ابن أبي مليكة، "أن ابن عباس سئل عن آية- لو سئل عنها بعضُكم لقال فيها-فأبى إن يقول فيها". وقال مَسْروق رحمه الله: "اتقوا التفسير؛ فإنما هو الرواية عن الله". وقال مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: "إنا لا نقول في القرآن شيئًا". وقال العلَّامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "وتفسير القرآن بالرأي تارة يفسره الإنسان بحسب مذهبه كما يفعله أهل الأهواء، فيقول المراد بكذا وكذا: كذا وكذا، مما ينطبق على مذهبه، وكذلك هؤلاء المتأخرون الذين فسَّروا القرآن بما وصلوا إليه من الأمور العلمية الفلكية أو الأرضية والقرآن لا يدل عليها، فإنهم يكونون قد فسَّروا القرآن بآرائهم إذا كان القرآن لا يدل عليه لا بمقتضى النص ولا بمقتضى اللغة، فهذا هو رأيهم، ولا يجوز أن يُفسَّر القرآن بهذا.... إلخ)؛ [شرح مقدمة التفسير لابن تيمية: 116). وذكر العلماء مجموعة من الآداب التي ينبغي أن تكون فيمن يلج هذا الأمر وهو التفسير لكلام الله رب العالمين لا بد منها نذكر منها ما يلي: آداب المفسِّر: يُشار إلى أنَّ هناك العديد من الآداب التي ينبغي للمُفسِّر أن يتحلَّى بها، وفيما يأتي بيان بعضها: 1- الإخلاص وهو من أهمِّ آداب طلَّاب العلم عامَّةً، وأهل التفسير خاصَّةً؛ إذ لا بُدَّ من إخلاص النيَّة والقَصْد لله تعالى، واجتناب الرياء والسَّعْي وراء متاع الدُّنيا الزائل، لا سيَّما أنَّ الأعمال بالنيَّات، فإن أخلص المُفسِّر نيَّته لله تعالى، وَفَّقه الله، وسَدَّد خُطاه في الدُّنيا، وجزاه خير الجزاء في الآخرة. 2- حُسْن الخُلُق يجب على المُفسِّر أن يكون مثالًا يُقتدى به في حُسْن الخُلُق؛ إذ إنَّ الكِبْر، والهوى، وحُبَّ النفس ممَّا يُؤدِّي إلى حَجْب العلم عن صاحبها، كما نقل الإتقان عن البرهان قوله: "اعلم أنَّه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي، ولا تظهر له أسراره وفي قلبه بدعةٌ، أو كِبْرٌ، أو هوى، أو حبُّ الدنيا، أو إصرارٌ على ذنبٍ، أو غير متحقِّقٍ بالإيمان، أو ضعيف التحقيق، أو يعتمد على قول مفسِّرٍ ليس عنده علمٍ، أو راجع إلى معقوله هو، فهذه كلُّها حجب وموانع للمفسِّر عن أن يصل إلى ما يصبو إليه". 3- الصِّدق ينبغي للمُفسِّر تحرِّي الصِّدْق والدقَّة؛ لِئلَّا يقع في الطَّعْن، أو الخطأ، أو اللَّحْن. 4- عزَّة النفس يجب على المُفسِّر اجتناب تفاهات الأمور، ومواضع الذلَّة والمَهانة؛ ليتحلَّى بعزَّة النفس. 5- التروِّي والأناة، ينبغي للمُفسِّر عدم الإسراع أثناء الحديث، وتوضيح كلامه بإخراج الحروف من مخارجها؛ حتى لا يُسيء السامعُ فَهْمَه. 6- الجَهْر بالحقِّ إذ يقع على عاتق المُفسِّر بيان الحقِّ، والجَهْر به مَهْما كلَّفَه الأمر. 7- التواضع وهو من أخلاق المُفسِّر؛ وذلك بتقديم مَن هو أوْلَى منه في مجالس العلم، وعدم التصدِّي للتفسير. 8- الامتثال والعمل، فإن العلم يجد قبولًا من العاملين أضعاف ما يجد من سمو معارفه ودقة مباحثه، وحسن السيرة يجعل المُفسِّر قدوةً حسنةً لما يقرره من مسائل الدين، وكثيرًا ما يصدُّ الناس عن تلقِّي العلم من بحر زاخر في المعرفة لسوء سلوكه وعدم تطبيقه. 9- تقديم من هو أولى منه، فلا يتصدَّى للتفسير بحضرتهم وهم أحياء، ولا يغمطهم حقَّهم بعد الممات، بل يرشد إلى الأخذ عنهم وقراءة كُتُبِهم. 10- حسن الإعداد وطريقة الأداء، كأن يبدأ بذكر سبب النزول، ثم معاني المفردات، وشرح التراكيب، وبيان وجوه البلاغة والإعراب الذي يتوقَّف عليه تحديد المعنى، ثم يُبيِّن المعنى العام ويصله بالحياة العامة التي يعيشها الناس في عصره، ثم يأتي إلى الاستنباط والأحكام. (ينظر: محمد أحمد محمد معبد (1426 هـ - 2005م)، نفحات من علوم القرآن (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار السلام، صفحة 127، بتصرُّف).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |