|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مبدأ أخذ المال على أعمال البر والقُرَب في الوقت المعاصر عبدالله بن يوسف الأحمد الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم تنزيله: ﴿ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [يس: 21]. مبدأ أخذ المال في أعمال البر والقُرَب، وفشوّه في هذا العصر، سببٌ من أسباب نقص البركة وضعف الأثر وقلة السداد في المساجد وحِلَق العلم ومكاتب الدعوة وكتائب القتال ومجالس الأوقاف وهيئات الإغاثة والإفتاء والقضاء والأنكحة؛ وذلك بسبب ضعف المحرِّك المؤثر؛ وهو النية الصالحة، ولا سيَّما حينما يكون أخذ المال أصلًا للقُرْبة، والقُرْبة تابعة، لا أن القُرْبة أصل في عمل المتقرِّب وقصدِه والمالُ تابع؛ بمعنى: أن يحتسب صاحب القربة عمله عند الله، ويستشعر منزلته من الشريعة، ويكون مستعدًّا له ولو لم يصرف له مال. فعقد الخلاف الفقهي، والتفريق بين أنواع الأموال المأخوذة على القُرَب بعيدًا عن تأمُّل هدي الأنبياء عليهم السلام والصحابة رضي الله عنهم وأئمة المتقين - لا يسلم من تلبيس ومغالطة. قال الله تعالى عن نبينا صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [يوسف: 104]، وقال جل جلاله: ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [سبأ: 47] ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86]. ويقول سبحانه عن نوح عليه السلام: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 72]، و﴿ وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ... وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ [هود: 29]، ويقول جل جلاله عن هود عليه السلام: ﴿ يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [هود: 51]، ويقول عن صالح عليه السلام: ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 145]، وعن لوط عليه السلام: ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 164] [سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: ١٦٤]، وعن شعيب عليه السلام: ﴿ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 180]. وهذه القضية طافحة ومتكررة على لسان الأنبياء عليهم السلام في كتاب الله، فأين المتدبِّرون؟ وأين الربانيُّون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ المستعدون لإجابة أمر الله إذ ينادينا في قوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ﴾ [الصف: 14]؟ هنيئًا، بإذن الله، للمحسنين بأجر كأجر إبراهيم عليه السلام الذي كان ﴿ قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120] ليس في قلبه غرض سوى الله جل جلاله؛ فجعله الله أمة، وجعل من مقامه مُصلى، وآتاه أجره في الدنيا والآخرة، وجعل له ذكرًا طيبًا في الآخرين: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [العنكبوت: 27]، ﴿ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 122، 123]، ﴿ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 54]. وسنة الله: قربُ رحمته من المحسنين، وأن العاقبة للمتقين، ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [النساء: 125] ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 56]. فلما كانت أعمال البر والقرب همًّا يعيشه الصديقون دعا يوسف عليه السلام في السجن اثنين من الفتيان إلى التوحيد، وعَبَّر لهما منامَهما، وقالا: ﴿ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 36]، فكان عليه السلام جامعًا بين الإحسان في عبادة الله والإحسان في معاملة خلقه. وأصحاب هذا الهمِّ العلوي السماوي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم مكفيون معانون؛ كما في الحديث: «من أصبح والآخرة هَمُّه، جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة»؛ رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. ألا إن ربي خير الخالقين، واعلموا أن ما ﴿ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المزمل: 20]. فمن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يغنه الله، و«أطيب كسب الرجل من عمل يده»؛ رواه البخاري مرفوعًا. ولا يتعارض هذا مع حق المسلم في بيت مال المسلمين، وليس ترك الأخذ منه مع الحاجة من التعفُّف، ومن تورَّع عنه من الأئمة فلعلمه أن بعض المسلمين لم يُعْطَ مثله. قال الشيخ ابن قاسم رحمه الله في حاشيته على الروض ما مفاده: من أُبيح له أخذ شيء من بيت مال، أو من زكاة، وصدقة، وغيرهما؛ أبيح له سؤاله. وهذا هو المتقرر عند جماعة من أصحاب المذاهب المشتهرة. والحمد لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |